العنوسة والزواج
رياض المحيسن
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 13225
(1587 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله خالق الخلق، ومدبر الأمر، في كتابه العزيز وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى [النجم:46،45].
فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق:5-7].
نحمده عز وجل ونشكره على إنعامه علينا بهذا الدين الحنيف، وشريعة رسوله الأكرم محمد ، الشاملة الجامعة المانعة.
والصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، والشفاعة العظمى يوم الدين، نبينا محمد، معلم الناس الخير بأقواله وأفعاله وأحواله، الذي هو مثلنا الأعلى وأسوتنا الحسنه في كل شأن وأمر، وعلى آل بيته وأصحابه الأبرار الأخيار أجمعين أما بعد:
فإن الزواج آية من آيات الله تعالى ونعمة من نعمه، كما قال سبحانه: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21]. والزواج هو السبيل القويم لتكاثر النوع البشري وبقائه حتى نفخة الصور الأولى ليوم القيامة، إذ به يجعل التوالد والإنجاب، وتتألف الأسر، وتتقارب العائلات والقبائل.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13].
سوف نتطرق في هذا الموضوع إن شاء الله إلى انتشار ظاهرة العنوسة في مجتمعنا وأسباب ذلك وتوضيحها ووضع الحلول المناسبة.
سائلين الله جل وعلا العون والتوفيق،،،
الزواج
إذا نظرنا إلى مجتمعنا أو المجتمعات الأخرى لرأينا كثرة العنوسة والمطلقات. هذا من الله سبحانه، ثم من أنفسنا. الأمر فيما يبدو - أيها الفضلاء - أكبر من ذلك وأوسع، إن الناظر في أحوال المجتمعات والمراقب لتغيراتها في هذا العصر، يحس بأشياء كثيرة وكبيرة، ويدرك أموراً مخيفة ومهولة. إن هذه المشكلات وهذه العوائق راجعة إلى خلل في التصور. وزعزعة في الفكر، ولا مبالغة إذا قيل: إنها راجعة إلى ضعف في العقيدة، وخلل في تطبيق الشريعة، إنه التفكير المشوش حول المستقبل، والخوف الذي لا مسوغ له، ثم ما يرتبط بهذا التخوف من الاعتمادات على الشهادات والتعلق بالوظائف وتأمين فرص العمل، والانشغال في سلم التعليم حتى يفوت الجميع قطار الزواج، ومشاركة الوالدين في هذا التخوف. وقبول المجتمع له والرضا عن هذا المسلك يؤكد هذا الخلل في التفكير، والانقلاب في الموازين، وتزعزع الثقة بالله، وضعف النظر المتعقل: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه [النور:32]، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً [الطلاق:7].
اضطربت المقاييس، وطاشت الموازين، فالمستقبل مادة، والتخطيط مادة، وشريعة الحياة وزواج المستقبل يقومان بالمادة، وشبه المادة الوظيفية والشهادة والمرتب والوجاهة هي السوق الرائجة، يستوي في ذلك الشاب وأهله، والشابة وأهلها، إلا ما رحم ربي، وما يثقفه الناس والشباب من معلومات وأخلاقيات في المقالات والمسلسلات والصحف والإذاعات، بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة لها الأثر البين في اختلال النظرة إلى الحياة. هذا الزخم من الثقافات، وهذا الطرح من التصورات، قلب المفاهيم، وأفسد الأمزجة،وجعل علاقات الناس وروابطها منافع ذاتية ومادية بحتة، إذا انحدر الناس في هذه المقاييس وحكموها في علاقاتهم.
فقد فسد الزمان، وبطل دليل العقل، و تعطل أمر الشرع يعيرون بالفقر لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7].
الزواج من الفضلاء والصالحين. حتى لا يبتلى بأصهار وأنساب يتجاوزون في مطالبهم حدود المعروف فيكلفونه في حياته عسرا، ويزيدونه من أمره رهقا، لماذا كل هذا أيها الناس؟!
إن جميل الخلق أبقى من جمال الخلق، وغنى النفس مقدم على غنى المال، والعبرة كل العبرة في كريم الخصال، لا في زين الأجسام، وكثرة الأموال.
سئل سعيد بن المسيب - رحمه الله - عن حديث { خير النساء أيسرهن مهراً } كيف تكون حسناء ورخيصة المهر؟ فقال سعيد: ( يا هذا انظر كيف قلت أهم يساومون في بهيمة لا تعقل؟ أتراها بضاعة طمع صاحبها يغلب على مطامع الناس ). رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1].
إنه إنسان مع إنسانة، وليس متاعاً يطلب متاعاً.
أما الحمقاء، وأهل الحمقاء فيتمسكون بالجمال والمنصب، والمال والمركز، ليزايدوا في الثمن. ترى هؤلاء من الأخيار أم من الأشرار؟!
إن المرأة للرجل نفس لنفس، وليست بضاعة لتاجر، إن ميزان الرجال لا يوزن بمال، ولكن المهر يوزن بالمعاملة. إن صاحب الجمال والجاه قليل الدين والخلق من الرجال والنساء لا يغني عنه كثرة المال شيئاً. أرأيت لو كان مع الجبان مائة سيف أكان ذلك يغني عن ضعفه وجبنه وخوره؟!
فاستكثار المال وموازين المادة، لا تستر خيبة الزوجين وصفاتهما وسوء خلقهما، ولو كان ذلك قناطير الذهبوالفضة.
إن نسب الطلاق والفراق وأسباب الانفصال في هذا العصر عالية جداً.
جاء في وصية ابن جني لبنيه:
( يا بني لا يحملنكم جمال النساء على صراحة البنت وكرم العنصر، فإن الناكح الكريمة مدرجة الشرف، إن الجمال ونضارة الشباب تزيلها السنون، وإن المال غاد ورائح، ولا يبقى إلا الدين، فاظفر بذات الدين تربت يداك ).
قالت الحكماء: العجلة في خمسة أشياء محمودة هي: الكريمة إذا خطبها الكفء، وفي الميت حتى يدفن، وفي عيادة المريض، وفي الصلاة إذا دخلت حتى تؤدى، وفي الضيف إذا نزل حتى يعد له الطعام.
إن تأخر زواج الفتاة يعد مدعاة لكثير من التساؤلات والاستفسارات، بل يعتبر عيباً، ومع ذلك فقد برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة ارتفاع سن الزواج لدى الرجل والمرأة عنه في السنوات السابقة، وربما يرجع هذا التأخير النسبي في سن الزواج بالنسبة للمرأة إلى انتشار التعليم العالي للبنات انتشاراً كبيراً في المجتمع العربي، والملاحظ بصفة عامه أن الرجل يستطيع الزواج من المرأة مهما كان عمره، وتزداد فرصته في اختيار ما يناسبه كلما ارتفع مستواه الثقافي والاقتصادي وارتفعت مكانته الاجتماعية، وكان يتمتع بسمعة حسنة وبيئة اجتماعية ذات سمعة طيبة.
قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21]. أما المرأة فعلى العكس من ذلك، فكلما ارتفع مستواها التعليمي والثقافي كلما قلت فرصتها في الزواج، إلا إذا كانت قد تزوجت قبل إتمام التعليم والحصول على الشهادة.
أما إذا بقيت دون زواج حتى حصولها على الشهادة الجامعية، أو ما يعادلها، أو ما بعدها، فإن فرصتها في الزواجتقل الفتاة التي لم تنل هذا الحظ الكبير من التعليم.
قال رسول الله : { يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء }.
إن نداء الحديث للشباب يفهم منه استحباب التبكير بالزواج وهو كما يكون للذكر يكون للأنثى، وهناك سمتان بارزتان للزواج في المجتمع المعاصر يمكن ملاحظتهما بصفة عامة وهامة: الزواج المبكر، وتفضيل الزواج من الأقرباء. اعتقادنا أن السمة الأولى ترجع إلى دافع ديني وخلقي بحكم التنشئة الدينية التي ينشأ عليها الشباب والفتيان في الأسرة والثقافة الإسلامية.
والدين الإسلامي الحنيف أعلى من قيمة الزواج وحث عليه طالما هناك إمكانية لذلك، والزواج لابد منه لأنه عصمة وحماية للشباب المسلم، خاصة في ظل ما يتعرض له الشباب حالياً من مغريات، كما أن الزواج سكن وسكينة، كما يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21]. والأسرة هي الخلية الأولى في بناء المجتمع الصالح المؤمن، إن قامت على أسس سليمة، وقواعد صحيحة، من الإيمان والسلوك، والتربية الفاضلة، والتفاهم بين الزوجين. روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة - عن النبي قال: { تنكح المرأة لأربع، لمالها، ولحسبها، ولجمالها، و لدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك }. ومعنى تربت يداك: أي التصقت بالتراب من الفقر والمعنى: إن تركت ذات الدين إلى غيرها خسرت، وذات الدين هي المرأة المتدينة الصالحة ذات الخلق الحسن. فينبغي أن يكون هدف الخاطب هو الظفر بامرأة ذات دين. لا خير في صاحبة مال أو جمال بغير دين. فالمرأة ذاتالجمال من دون الدين مغرورة، وذات المال من دون الدين طاغية، وذات الجاه من دون الدين متكبرة، أما ذات الدين فهي خلوقة متواضعة، مطيعة وإن كانت بارعة الجمال وفيرة المال رفيعة الحسب والنسب، وليست هذه الأحوال والصفات مخصوصة بالمرأة ومن جانبها فحسب، بل هي أيضاً تعني الرجل وتخصه، فإن على المخطوبة ألا تنخدع بجمال الشخصية، ولا بثروة العريس، ولا بنسبة وحسبه، بل عليها أن تبحث أولاً عن دينه، فإن كان متديناً صالحاً فقد استجمع أهم الشروط، وتكون الصفات الأخرى بعد شرط الدين في المرتبة الأدنى. إن الرجل المتدين يصون المرأة ويحفظها ويعاشرها بالمعروف ويصبر عليها - وهذا هو الأهم - فهو إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها، وإن هي كرهت العيش معه وفضلت مفارقته فإنه لا يمسكها ضراراً، بل يسرحها سراحاً جميلاً.
إن الحياة الزوجية مليئة بالمتاعب والمسئولية، وعرضة لتقلب الأحوال، فإن كانت قائمة على الرغبة في المال ثم ذهب المال فماذا يحدث؟!
وإن كانت قائمة على الجمال، أو الجاه وتغير الحال، فماذا يحدث؟! لاشك في أنه سيحدث انقلاباً في الحياة الزوجية ويحتدم الخلاف، لأن الزوجية لم تكن قائمة على أساس ثابت، بل على شهوة شخصية غير ثابتة الجذور والأسس.
أما إذا كان الزواج مبنيا على مراعاة جانب الدين، فإن الدين عقيدة ثابتة راسخة في قلب المسلم ( المتدين ) يبني عليها أفعاله وأقواله، ومنها ينطلق في تعامله مع الآخرين، ومعلوم أن المسلم المتدين - رجلاً كان أو امرأة - يشكر الله في الرخاء، ويصبر في الشدة، ويتعامل مع الواقع بإيمان وصبر، ويتعاون مع زوجه وشريك حياته بكل وفاء وتضحية.
يتبين مما سبق أسباب انتشار، ظاهرة العنوسة في مجتمعنا - في النقاط التالية:
1- غلاء المهور، وعدم قدرة الشباب على تحمل تكاليف الزواج.
2- اعتذار الفتاة عن الزواج المبكر بحجة إكمال التعليم.
3- رفض الفتاة الزواج من رجل متزوج بأخرى.
4- وضع الشروط التعجيزية من جهة أهل الزوجة أو العكس.
أما طرق حلول هذه المشكلة فهي كالتالي:
1- ينبغي على أهل الفتاة البحث عن الرجل المناسب الذي يستطيع أن يسعد ابنتهم، وعدم النظر إلى غلاء المهر، وإنما البحث عن رجل دين وأخلاق طيبة؛ يحفظ على ابنتهم دينها ويصونها ويسعدها.
2- على الفتاة ألا تعتذر عن الزواج بحجة مواصلة التعليم، فيضيع عمرها وتصل إلى مرحلة العنوسة، فلا تجد من يتزوجها. ولكن يمكن أن تتفق مع الزوج على مواصلة التعليم وهي متزوجة، وذلك ميسر والحمد لله.
3- ألا تنظر الفتاة إلى الرجل الذي تقدم لخطبتها وهو متزوج بأخرى أنه غير مناسب لها أو غير قادر على إسعادها. فكثير من الفتيات لا يقبلن بالرجل المتزوج، ثم يضيع العمر ولا يأتي من يتزوجها. فالدين الإسلامي الحنيف والسنة النبوية أجازا للرجل المسلم التعدد في الزواج إلى أربع من النساء في ذمة الرجل، وبشرط أن يكون الرجل عادلاً بين زوجاته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ـــــــــــــــــــ(68/376)
سيدة نساء العالمين قدوة لنساء عصرنا
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 5955
(1267 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن بعض النساء المسلمات في هذا العصر تعيش فراغاً في كل شيء.
فراغاً في القدوة.. فلا تجد من تقتدي بها في أخلاقها ودينها.
فراغاً في الإيمان.. فلا نجد من يذكرها بالله تعالى ويطعم روحها من معاني القرآن والسنة.
فراغاً في الوقت.. فتشكو من كثرة الأوقات وقلة الأعمال.. وفي مقابل ذلك تواجه هجمة شرسة لهدم حرمتها، وإبراز عورتها، تضييع كرامتها، بألفاظ براقة، ودعايات خداعة، تنادي بحقوقها ومساواتها بالرجل.
تصوروا فتاة لا تجد القدوة الحسنة التي تعلمها وتهذبها وتربيها لا في البيت ولا في المدرسة ولا الكلية، وتعاني ضعفاً في الإيمان، والجهل بأحكام الدين، يصاحب ذلك الفراغ وتوفر المال، ثم يأتيها جند إبليس من كل حدب وصوب يزينون لها الخروج والغزل والتبرج واللهو، يوهمونها أن ذلك من حقوقها وأن فيه سعادتها ورواحتها وملء فراغ وقتها وقتل الملل في حياتها. ألا يدعو كل ذلك إلى الانجراف إلى مواطن الخطر، وفساد الخلق، وضياع الحياء والدين؟
نحن في هذه الكلمة العابرة نحاول أن نبرز لأختنا المسلمة القدوة والأسوة التي تبحث عنها فلا تجدها، نجتهد في أن نقدم صورة مشرقة لفتاة مؤمنة صادقة تصلح أن تكون قدوة لكافة الفتيات والزوجات.
هذه الفتاة لم يتجاوز عمرها العشرون، كانت صابرة دينة خيرة صينة قانعة شاكرة لله، بشرها النبي بالجنة مع السيادة فيها، فهي سيدة نساء العالمين في زمانها. فمن هي؟...
كيف نالت هذه الدرجة الرفيعة، في الوقت الذي يتهاوى فيه كثير من النساء والشيطان يتخذهن غرضاً وهدفاً لكل مفسد؟
قال عليه الصلاة والسلام: { أُريت النار، فرأيت أكثر أهلها من النساء } [رواه البخاري]. لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه بالتبرج والسفور وتضييع حق الله عليها. لم تكن لتصل إلى الجنة والسيادة على نسائها، وهي تخالل الشباب، غارقة في شهواتها، لم تكن لتنال ذلك، وهي تقتدي بالكافرات، وترتكب كل ما يزينه الشيطان لها. لم تكن كذلك إلا وهي صاحبة مباديء وإيمان، صاحبة طاعة وعبادة لربها، قرة عين لزوجها، قائمة بحقه وحق بيتها، حافظة لعرضها وعفتها وجمالها، بعيدة عن أعين الرجال، محتشمة صادقة مؤمنة خاشعة، فأيما فتاة أرادث أن تلحق بركبها، فلتركب مطيتها، ولتقتد بسيرتها، ولتتخذها أسوة.
قال عليه الصلاة والسلام: { فاطمة سيدة نساء أهل الجنة }، إنها ابنة رسول الله ، الطاهرةالنقية الطائعة المتعبدة الكارهة للتبرج والسفور، الصابرة على ما أصابها رضي الله عنها. ولدت قبل البعثة بقليل، وتزوجها علي رضي الله عنه، في السنة الثانية للهجرة، وولدت له الحسن والحسين، كان أبوها رسول الله يكرمها ويحبها لصدقها ودينها وصبرها.
قالت عائشة رضي الله عنها: { جاءت فاطمة تمشي ما تخطيء مشية رسول الله ، فقام إليها أبوها وقال مرحباً بابنتي }. ما قام لها وما أحبها إلا لعظم شأنها عند ربها.
لم تكن فتاة ككل الفنيات، ولم تكن امرأة ككل النساء، لم تفخر على النساء والقرينات بأبيها، ولم تتعالى على زوجها بمنزلة أبيها، بل كانت رضي الله عنها نعم الزوجة لزوجها، تقوم على خدمته، وتسعى في رضاه، وتأتمر بأمره وتقف عند نهيه. مثال رائع لكل زوجة لزوجها.. جاءت تشكو إلى رسول الله ما تلقى في يديها من الرحى إذا طحنت، وفي نحرها إذا حملت القربة، حتى أصابها الضر، والجهد، وتسأله خادماً، فجاءها رسول الله وعلي معها وقد دخلا في فراش إذا غطيا رؤوسهما تكشفت أقدامهما وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما، فقال لهما رسول الله : { ألا أدلكما على خير مما سألتماني، إذا أخذتما مضجعكما أو أويتما الى فراشكما، فسبحا ئلاثاً وثلائين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثن، فهو خير لكما من خادم } [رواه أحمد، انظر صحيح الجامع 2619]
فرضيت وقنعت وصبرت على الفقر والشدة، رضي الله عنها، وهي بذلك ترسل رسالة حية إلى كل امرأة رضيت بالدعة والخمول، وآثرت الخروج من البيت والتسكع في الطرقات تاركة عمل بيتها وواجباتها، إن ذلك ليس من سبيل المؤمنات العاقلات السابقات، وتعلّم كل امرأة تتخذ خادمة في بيتها أن تسبيحها وتحميدها وتكبيرها لله تعالى هي وزوجها خير من خادم، وأعون على قضاء حوائج البيت وأعماله، لو كانوا يعلمون.
أما عن طاعتها لزوجها، فقد كانت تعلم وهي التي تربت في بيت النبوة والدين أن طاعة الزوج من موجبات دخول الجنة { إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت روجها، دخلت الجنة بإذن ربها } [رواه ابن حبان، انظر صحيح الجامع 660].
لما مرضت أتى أبو بكر فاستأذن فقال علي: ( يا فاطمة، هذا أبو بكر يستأذن عليك فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم فأذنت له ). قال الذهبي: ( عملت بالسنة رضي الله عنها، فلم تأذن في بيت زوجها إلا بأمره ).. ونساء اليوم يغلب عليهن عصيان الزوج، والتعدي على حقوقه، كما أن الأزواج كذلك لهم نصيب من ظلم الزوجات، لكن علياً وفاطمة رضي الله عنهما كانا خير زوجين لبعضهما، كانا يلتمسان رضا بعضهما.. لما أراد علي أن يتزوج عليها ابنة أبي جهل، غضبت وغضب لغضبها رسول الله ، وكان يغضب لغضبها.
ويقول : { فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني }، فترك علي الخطبة رعاية لها، فما تزوج عليها ولا تسرى حتى ماتت.. والتعدد حلال بنص الكتاب، لكن رسول الله كره أن تجتمع ابنته وابنة عدو الله أبو جهل تحت رجل واحد، لما في ذلك من الأذى والعار لفاطمة رضي الله عنها، ولأنها أصيبت في أمها ثم أخواتها واحدة بعد واحدة فلم يبق لها من تستأنس به ممن يخفف عليها الأمر إذا تزوج عليها، فلذا كرهت ولأجلها كره رسول الله ذلك. [الفتح 9/ 327].
وقد كانت رضي الله عنها تحب الحشمة والستر وتكره التبرج والخلاعة والسفور، قالت: لأسماء بنت عميس: ( إني أستقبح ما يصنع النساء، يطرح على المرأة الثوب، فيصفها ! ) تقصد إذا ماتت ووضعت في نعشها، قالت: ( يا ابنة رسول الله، ألا أريك شيئاً رأيته بالحبشة؟ ) فدعت بجرائد رطبة فحتتها، ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة: ( ما أحسن هذا وأجمله، إذا مت فغسليني أنت وعلي، ولا يدخل علي أحد ) هذه الطاهرة النقية تشعر بقلق خشية أن يبدو شيئاً من وصف جسدها وهي ميتة، فكيف بها وهي حية؟ وهذه رسالة بليغة لكل مسلمة رضيت أن تظهر زينتها ووصف جسدها لكل ناظر، وسارت أمام الرجال متبرجة سافرة. رضي الله عنها، ولم يصب أحد بمثل مصابها. ماتت خديجة رضي الله عنها، ثم أخواتها جميعاً ولم يبق لها من أهلها إلا أبوها.
وفي يوم جاءت إليه فأسر لها بقرب رحيله، فبكت بكاءً مراً، تخيلت نفسها وقد فقدت أعز الناس، وصارت وحيدة من أهلها، فلما رأى رسول الله حزنها وبكاءها، أسر لها بأنها أول من يتبعه من أهله، فزال حزنها وكربتها، وداخلها السرور، فضحكت.
وقد ذكر ابن حجر أن من أسباب فضلها على غيرها من النساء صبرها على وفاة أبيها. فإن كل بنات رسول الله متن في حياته فكن في صحيفته، إلا هي فقد مات في حياتها فكان في صحيفتها، يدل على ذلك أنه لما رأى حزنها وبكاءها على قرب وفاته بشرها فقال: { أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمبن } يعني إن صبرت واحتسبت، وفي رواية عند الطبري أنه قال لها: { أحسب أني ميت في عامي هذا، وأنه لم ترزأ - تصب - امرأة من نساء العالمين مثل ما رزئت، فلا تكوني دون امرأة منهن صبرا، فبكيت، فقال: أنت سيدة نساء أهل الجنة الا مريم، فضحكت } [الفتح7/ 105].
مناقب فاطمة رضي الله عنها
ولما ثقل بالنبي جعل يتغشاه الكرب، فقالت: واكرب أبتاه، فقال : { ليس على أبيك كرب بعد اليوم }، فلما مات حزنت عليه، وبكته، وقالت: يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه أجاب رباً دعاه، يا أبتاه، جنة الفردوس مأواه. وقالت بعد دفنه: ( يا أنس، كيف طابت نفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله ) وعاشت بعده حزينه مكروبة مريضة سبعين ليلة ثم ماتت بشهرين، أو ثلاث.. كانت زاهدة رضي الله عنها، ماتت وعمرها ثمان وعشرون، رضي الله عنها، فهي أسوة حسنة لكل مسلمة في أخلاقها وصبرها وطاعتها وحشمتها وعفتها، هدى الله النساء للسير على سنتها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ(68/377)
ومن يمنعك من الحجاب
هويدا إسماعيل
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 6587
(1866 كلمة)
صورة المطوية
أحمد الله تعالى كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأصلي وأسلم على رسوله الكريم الذي رسم الطريق إلى رضوان الله وجنته.
فكان ذلك الطريق مستقيماً، تحف جنباته الفضيلة، ويحفل بطيب الأخلاق، ويزدان بزينة الطهر والستر والعفاف.
وكان طريقاً يقود شقّي المجتمع الإنساني ( الرجل والمرأة ) إلى مرافئ الاطمئنان والسعادة في الدنيا والآخرة.
فكان من ذلك: أن أوجب المولى ( تبارك وتعالى ) على المرأة الحجاب؟ صوناً لعفافها، وحفاظاً على شرفها، وعنواناً لإيمانها.
من أجل ذلك كان المجتمع الذي يبتعد عن منهج الله ويتنكب طريقه المستقيم: مجتمعاً مريضاً يحتاج إلى العلاج الذي يقوده إلى الشفاء والسعادة.
ومن الصور التي تدل على ابتعاد المجتمع عن ذلك الطريق، وتوضح - بدقة - مقدار انحرافه وتحلله: تفشي ظاهرة السفور والتبرج بين الفتيات.
وهذه الظاهرة نجد أنها أصبحت - للأسف - من سمات المجتمع الإسلامي، رغم انتشار الزي الإسلامي فيه، فما هي الأسباب التي أدت إلى هذا الانحراف؟
للإجابة على هذا السؤال الذي طرحناه على فئات مختلفة من الفتيات كانت الحصيلة: عشرة أعذار رئيسة، وعند الفحص والتمحيص بدا لنا كم هي واهية تلك الأعذار !
معاً أختي المسلمة نتصفح هذه السطور؟ لنتعرف - من خلالها - على أسباب الإعراض عن الحجاب، ونناقشها كلاً على حدة:
العذر الأول:
قالت الأولى: ( أنا لم أقتنع بعد بالحجاب ).
نسأل هذه الأخت سؤالين:
الأول: هل هي مقتنعة أصلاً بصحة دين الإسلام؟
إجابتها بالطبع نعم مقتنعة؟، فهي تقول: ( لا إله إلا الله )، ويعتبر هذا اقتناعها بالعقيدة، وهي تقول: ( محمد رسول الله )، ويعتبر هذا اقتناعها بالشريعة، فهي مقتنعة بالإسلام عقيدةً وشريعةً ومنهجاً للحياة.
الثاني: هل الحجاب من شريعة الإسلام وواجباته؟
لو أخلصت هذه الأخت وبحثت في الأمر بحث من يريد الحقيقة لقالت: نعم. فالله تعالى الذي تؤمن بألوهيته أمر بالحجاب في كتابه، والرسول الكريم الذي تؤمن برسالته أمر بالحجاب في سنته.فماذا نسمي من يقتنع بصحة الإسلام ولا يفعل ما أمره الله - تعالى به ورسوله الكريم؟، هو على أي حال لا يدخل مع الذين قال الله فيهم: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور:51].
خلاصة الأمر: إذا كانت هذه الأخت مقتنعة بالإسلام، فكيف لا تقتنع بأوامره؟
العذر الثاني:
قالت الثانية: ( أنا مقتنعة بوجوب الزي الشرعي، ولكن والدتي تمنعني لبسه، وإذا عصيتها دخلت النار ).
يجيب على عذر هذه الأخت أكرم خلق الله رسول الله ، بقول وجيز حكيم: { لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق }.
مكانة الوالدين في الإسلام - وبخاصة الأم - سامية رفيعة، بل الله تعالى قرنها بأعظم الأمور - وهي عبادته وتوحيده - في كثير من الآيات، كما قال تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [النساء:36].
فطاعة الوالدين لا يحد منها إلا أمر واحد هو: أمرهما بمعصية الله؟، قال تعالى وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا [لقمان:15].
ولا يمنع عدم طاعتهما في المعصية في الإحسان إليهما وبرهما قال تعالى: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [القمان:15].
خلاصة الأمر: كيف تطيعين أمك وتعصين الله الذي خلقك وخلق أمك؟
العذر الثالث:
أما الثالثة فتقول: ( إمكانياتي المادية لا تكفي لاستبدال ملابسي بأخرى شرعية ).
أختنا هذه إحدى اثنتين:
إما صادقة مخلصة، وإما كاذبة متملصة تريد حجاباً متبرجاً صارخ الألوان، يجاري موضة العصر غالي الثمن.
نبدأ بأختنا الصادقة المخلصة:
هل تعلمين يا أختاه أن المرأة المسلمة لا يجوز لها الخروج من المنزل بأي حال من الأحوال حتى يستوفي لباسها الشروط المعتبرة في الحجاب الشرعي والتي من الواجب على كل مسلمة معرفتها.
وإذا كنت تتعلمين أمور الدنيا فكيف لا تتعلمين الأمور الني تنجيك من عذاب الله وغضبه بعد الموت....؟! ألم يقل الله تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فتعلمي يا أختي شروط الحجاب.
فإذا كان لا بد من خروجك فلا تخرجي إلا بالحجاب الشرعي، إرضاءً للرحمن، وإذلالاً للشيطان، وذلك لأن مفسدة خروجك سافرة متبرجة أكبر من مصلحة خروجك للضرورة.
يا أختي لو صدقت نيتك وصحت عزيمتك لامتدت إليك ألف يد خيرة ولسهل الله تعالى لك الأمور، أليس هو القائل: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3،2].
أما أختنا المتملصة، فلها نقول:
الكرامة وسمو القدر عند الله تعالى لا تكون بزركشه الثياب وبهرجة الألوان ومجاراة أهل العصر، وإنما تكون بطاعة الله ورسوله والالتزام بالشريعة الطاهرة والحجاب الإسلامي الصحيح، واسمعي قول الله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].
خلاصة الأمر: في سبيل رضوان الله تعالى ودخول جنته: يهون كل غال ونفيس من نفس أو مال.
العذر الرابع:
جاء دور الرابعة، فقالت: ( الجو حار في بلادي وأنا لا أتحمله، فكيف إذا لبست الحجاب ).
لمثل هذه يقول الله تعالى: قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ [التوبة:81].
كيف تقارنين حر بلادك بحر نار جهنم.
اعلمي - أختي الكريمة - أن الشيطان قد اصطادك بإحدى حبائله الواهية، ليخرجك من حر الدنيا إلى نار جهنم، فأنقذي نفسك من شباكه، واجعلي من حر الشمس نعمة لا نقمة، إذ هو يذكرك بشدة عذاب الله تعالى الذي يفوق هذا الحر أضعافاً مضاعفة، عندها ترجعين إلى أمر الله وتضحين براحة الدنيا في سبيل النجاة من النار، التي قال تعالى عن أهلها: لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً (24) إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً [النبأ:25،24].
خلاصة الأمر: حفّت الجنة بالمكاره، وحفّت النار بالشهوات.
العذر الخامس:
لنستمع الآن إلى عذر الخامسة، حيث قالت: ( أخاف إذا التزمت بالحجاب أن أخلعه مرة أخرى،فقد رأيت كثيرات يفعلن ذلك !! ).
وإليها أقول: لو كان كل الناس يفكرون بمنطقك هذا لتركوا الدين جملةً وتفصيلاً، ولتركوا الصلاة، لأن بعضهم يخاف تركها، ولتركوا الصيام لأن كثيرين يخافون من تركه... إلخ... أرأيت كيف نصب الشيطان حبائله مرة أخرى فصدك عن الهدى؟
والله تعالى يحب استمرار الطاعة حتى ولو كانت قليلة أو كانت مستحبة، فكيف إذا كان واجباً مفروضاً مثل الحجاب؟!
قال : { أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل }.. لماذا لم تبحثي عن الأسباب التي أدّت بهؤلاء إلى ترك الحجاب حتى تجتنبيها وتعملي على تفاديها؟
لماذا لم تبحثي عن أسباب الثبات على الهداية والحق حتى تلتزمي بها؟
فمن تلك الأسباب: الإكثار من الدعاء بثبات القلب على الدين كما كان يفعل النبي ، وكذلك: الصلاة والخشوع، قال تعالى: وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45].
ومنها: الالتزام بكل شرائع الإسلام ومنها: الحجاب - قال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً [النساء:66].
خلاصة الأمر: لو تمسكت بأسباب الهداية وذُقت حلاوة الإيمان لما تركت أوامر الله تعالى بعد أن تلتزمي بها.
العذر السادس:
الآن هاهي ذات السادسة، فما قولها؟ قالت: ( قيل لي: إذا لبست الحجاب فلن يتزوجك أحد لذلك سأترك هذا الأمر حتى أتزوج ).
إن زوجاً يريدك سافرة متبرجة عاصية لله هو زوج غير جدير بك، زوج لا يغار على محارم الله، ولا يغار عليك، ولا يعينك على دخول الجنة والنجاة من النار.
إن بيتاً بني من أساسه على معصية الله وإغضابه حق على الله تعالى أن يكتب له الشقاء في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124].
وبعد، فإن الزواج نعمة من الله يعطيها من يشاء، فكم من متحجبة تزوجت، وكم من سافرة لم تتزوج.وإذا قلت: إن تبرجي وسفوري هو وسيلة لغاية طاهرة، ألا وهي الزواج، فإن الغاية الطاهرة لا تبيح الوسيلة الفاجرة في الإسلام، فإذا شرفت الغاية فلابد من طهارة الوسيلة، لأن قاعدة الإسلام تقول: ( الوسائل لها حكم المقاصد ).
خلاصة الأمر: لا بارك الله في زواج قام على المعصية والفجور.
العذر السابع:
وما قولك أيتها السابعة؟ قالت: ( لا أتحجب عملاً بقول الله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11]، فكيف أخفي ما أنعم الله به علي من شعر ناعم وجمال فاتن؟ ).
أختنا هذه تلتزم بكتاب الله وأوامره مادامت هذه الأوامر توافق هواها وفهمها، وتترك هذه الأوامر نفسها حين، لا تعجبها، وإلا فلماذا لم تلتزم بقوله تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]، وبقوله سبحانه: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59].
فأنت بقولك هذا يا أختاه؟! تكونين قد شرعت لنفسك ما نهى الله تعالى عنه، وهو التبرج والسفور، والسبب: عدم رغبتك في الالتزام.
إن أكبر نعمة أنعم الله بها علينا هي نعمة الإيمان والهداية، فلماذا لم تظهري وتتحدثي بأكبر النعم التي أنعم الله بها عليك ومنها الحجاب الشرعي؟
خلاصة الأمر: هل هناك نعمة أكبر للمرأة من الهداية والحجاب؟
العذر الثامن:
نأتي إلى أختنا الثامنة، التي تقول: ( أعرف أن الحجاب واجب، ولكنني سألتزم به عندما يهديني الله ).
نسأل هذه الأخت عن الخطوات التي اتخذتها حتى تنال هذه الهداية الربانية؟
فنحن نعرف أن الله تعالى قد جعل بحكمته لكل شيء سبباً، فكان من ذلك أن المريض يتناول الدواء كي يشفى، والمسافر يركب العربة أو الدابة حتى يصل غايته، والأمثله لا حصر لها.
فهل سعت أختنا هذه جادة في طلب الهداية، وبذلت أسبابها: من دعاء الله تعالى مخلصة، كما قال تعالى: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ [الفاتحة:6].ومجالسة الصالحات، فإنهن خير معين على الهداية والاستمرار فيها، حتى يهديها الله تعالى، ويزيدها هدى، ويلهمها رشدها وتقواها، فتلتزم بأوامره تعالى وتلبس الحجاب الذي أمر به المؤمنات؟
خلاصة الأمر: لو كانت هذه الأخت جادة في طلب الهداية لبذلت أسبابها فنالتها.
العذر التاسع:
وما قول أختنا التاسعة؟ قالت: ( الوقت لم يحن بعد وأنا مازلت صغيرة على الحجاب، وسألتزم بالحجاب بعد أن أكبر وبعد أن أحج ).
ملك الموت، أيتها الأخت، زائر يقف على بابك ينتظر أمر الله تعالى حتى يفتحه عليك في أي لحظة من لحظات عمرك.
قال تعالى: فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34].
الموت يا أختاه لا يعرف صغيرة ولا كبيرة، وربما جاء لك وأنت مقيمة على هذه المعصية العظيمة تحاربين رب العزة بسفورك وتبرجك.
يا أختاه سابقي إلى الطاعة مع المسابقين، استجابة لدعوة الله تبارك وتعالى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ [الحديد:21].
يا أختاه لا تنسي الله تعالى فينساك، بأن يصرف عنك رحمته في الدنيا والآخرة، وينسيك نفسك، فلا تعطيها حقها من طاعة الله وعبادته.. قال تعالى عن المنافقين: نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة:67].
وقال تعالى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:19].
أختاه: ابتعدي ولو كنت في هذا السن عن فعل كل المعاصي ومنها تركك للحجاب، لأن الله شديد العقاب سائلك يوم القيامة عن شبابك وكل لحظات عمرك.
خلاصة الأمر: ما أطول الأمل !! كيف تضمنين الحياة إلى الغد؟
العذر العاشر:
وأخيراً قالت العاشرة: ( أخشى إن التزمت بالزي الشرعي أن يطلق علي اسم جماعة معينة وأنا أكره التحزب ).أختاه في الإسلام: إن في الإسلام حزبين فقط لا غير، ذكرهما الله العظيم في كتابه الكريم: الحزب الأول: هو حزب الله، الذي ينصره الله تعالى بطاعة أوامره واجتناب معاصيه، والحزب الثاني: هو حزب الشيطان الرجيم، الذي يعصي الرحمن، ويكثر في الأرض الفساد، وأنت حين تلتزمين أوامر الله ومن بينها الحجاب تصيرين مع حزب الله المفلحين، وحين تتبرجين وتبدين مفاتنك تركبين سفينة الشيطان وأوليائه من المنافقين والكفار، وبئس أولئك رفيقا.
أرأيت كيف تفرين من الله إلى الشيطان، وتستبدلين الخبيث بالطيب ففري يا أختي إلى الله، وطبقي شرائعه، فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ [الذاريات:50].
فالحجاب عبادة سامية لا تخضع لآراء الناس وتوجيهاتهم واختياراتهم؛ لأن الذي شرعها هو الخالق الحكيم.
خلاصة الأمر: في سبيل إرضاء الله تعالى ورجاء رحمته والفوز بجنته: اضربي بأقوال شياطين الإنس والجن عرض الحائط، وعضي على الشرع بالنواجذ واقتدي بأمهات المؤمنين والصحابيات العالمات المجاهدات.
خاتمة:
الآن يا أختاه أحدثك حديث الصراحة:
جسدك معروض في سوق الشيطان، يغوي قلوب العباد: خصلات شعر بادية، ملابس ضيقة تظهر ثنايا جسمك، ملابس قصيرة تبين ساقيك وقدميك، ملابس مبهرجة مزركشة معطرة تغضب الرحمن وترضي الشيطان.. كل يوم يمضي عليك بهذه الحال يزيدك من الله بعد ومن الشيطان قربا، كل يوم تنصب عليك لعنة من السماء وغضب حتى تتوبي، كل يوم تقتربين من القبر ويستعد ملك الموت لقبض روحك: كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].
اركبي - يا أختاه - قطار التوبة قبل أن يرحل عن محطتك.
تأملي - يا أختاه - في هذا العرض اليوم قبل الغد.
فكري فيه - يا أختاه - الآن وقبل فوات الأوا
ـــــــــــــــــــ(68/378)
التعدد نعمة وليس نقمة
دار ابن خزيمة ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 7303
(1834 كلمة)
صورة المطوية
الحمدلله الذي أباح لعباده الزواج مثنى وثلاث ورباع، والصلاة والسلام على خير من طبق هذا التشريع وأفضل من عدل فيه. أما بعد:
فإن الله لا يشرع شيئاً إلا وفيه الصلاح والنفع للخلق، فالله سبحانه وتعالى حكيم خبير، بعباده روؤف رحيم. وكذلك الرسول ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فقوله حق وفعله كذلك، لأنه لا يعمل عملاً ما إلا بأمر من الله تعالى ولا يقر شيئاً يراه من أحد أصحابه إلا بأمر من الله، ومن ذلك تعدد الزوجات، فقد شرعه الله عز وجل وأباحه لحكم باهرة وغايات نبيلة وأهداف سامية، تطهيراً للمجتمع من الفساد واستبعاداً للرذائل وأماناً من القلق وحفظاً للحياة، كي تبقى سليمة من أدارن الأمراض ونتن الفواحش والآثام، لأن زيادة عدد النساء بلا أزواج مدعاة لانتشار الفسق والفجور والفاقة والأمراض الجسمية والنفسية من القلق والحيرة والشعور بالوحشة والكآبة وغير ذلك.
وليتصور كل واحد أخته أو ابنته إذا فاتها قطار الزوجية لسبب من الأسباب.. أو لنتصور حال تلك الأرملة أو المطلقة التي كان من قدر الله تعالى عليها أن تصبح كذلك فمن سيقدم على الزواج من تلك النساء؟! هل سيقدم عليهم شاب في مقتبل عمره؟ وماذا لو أن الله لم يشرع التعدد ماهو مصير أولئك النسوة اللاتي ينتظرن نصف أو ربع رجل؟ فلهذا يتبين أن التعدد هو لصالح المرأة أولاً قبل أن يكون لصالح الرجل وأنه ليس ظلماً للمرأة كما يظنه البعض، فالذي شرع التعدد هو الله - سبحانه وتعالى - الذي يقول في الحديث القدسي: { ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا } [رواه مسلم].
أيمكن أن يحرم الله الظلم ثم يبيح التعدد وفيه ظلم للمرأة؟ لايمكن ذلك أبداً! لأن الله هو الذي خلق المرأة وهو أعلم بحالها ويعلم أن التعدد لا يضرها أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ [البقرة:140]. والله تعالى قد أباح التعدد لمصلحة المرأة في عدم حرمانها من الزواج، ولمصلحة الرجل بعدم تعطل منافعه، ولمصلحة الأمة بكثرة نسلها، فهو تشريع من حكيم خبير، لا يطعن فيه إلا من أعمى الله بصيرته بكفر أو نفاق أو عناد.
التعدد في المجتمعات الأخرى
لسنا لوحدنا الذين نرغب في التعدد ونطالب فيه، بل حتى الدول الكافرة بدأت الآن تطالب فيه وتدعوا إلى تطبيقه بعدما رأت ماحل بمجتمعاتها من فساد وانحراف نتيجة كثرة النساء فيه ومحاربتهم لتعدد الزوجات وسماحهم باتخاذ العشيقات حتى أثر ذلك على بعض مجتمعات تلك الدول فضعف نسلها وقلت مواليدها قلة تهدد بالانقراض، ونتيجة لذلك فقد صرح من يعرف شيئاً عن الديانة الإسلامية منهم بتمني الرجوع إلى تعاليمها المرضية وفضائلها الحقيقية ومنها التعدد، بل إن بعض المثقفات من نساء الأفرنج صرحن بتمني تعدد الزوجات للرجل الواحد لكي يكون لكل امرأة قيم وكفيل من الرجال تركن وتأوي إليه وليزول بذلك البلاء عنهم وتصبح بناتهم ربات بيوت وأمهات لأولاد شرعيين. ويقول الكاتب الإنجليزي "برتراندرسل": ( إن نظام الزواج بامرأة واحده وتطبيقه تطبيقاً صارماً قائم على افتراض أن عدد أعضاء الجنسين متساوٍ تقريباً، وما دامت الحالة ليست كذلك فإن في بقائه قسوة بالغة لأولئك اللاتي تضطرهن الظروف إلى البقاء عانسات ).
الأسباب الداعية إلى التعدد
لا شك أن طريقة التعدد هي أقوم الطرق وأعدلها لأمور يعرفها العقلاء بعيداً عن العواطف والمجاملات منها:
1- أن الله أجرى العادة على أن الرجال أقل دائماً من النساء في كل احصائيات الدنيا تقريباً وأكثر تعرضاً للهلاك في جميع ميادين الحياة كالحروب وحوادث السيارات ونحو ذلك، مما يجعل دائماً عدد النساء أكثر من الرجال، فلو قصر الرجل على امرأة واحدة لبقي عدد كبير من الناس من غير زواج، فلربما يحصل بسبب ذلك وقوع شيء من الفواحش كما هو موجود الآن في كثير من البلاد الأجنبية الأخرى.
2- منها أيضاً أن الرجل قد يتزوج واحدة وهذه الواحدة لا تنجب وهو يريد الأولاد، أو قد يتزوج بإمرأة ثم تمرض مرضاً طويلاً فماذا يعمل الرجل حينها؟ هل يطلقها لأنها مريضة أو لأنها لا تنجب؟ أو يبقيها ويبقى هو مريضاً معها أو بدون أولاد؟ إنه إن طلقها لأحد هذه الأسباب فإن هذا من سوء العشرة وظلم للمرأة وإذا بقي هو معها على هذه الحال فهو ظلم له أيضاً، فالحل إذاً تبقى زوجة له معززة مكرمة ويتزوج بأخرى.
3- أيضاً فإن بعض النساء لاتريد الجنس لأن رغبتها محدودة وبعض الرجال رغبته الجنسية كبيرة، أو قد يكون الرجل ليس لديه ميلاً جنسياً قوياً لزوجته لسبب من الأسباب فماذا يعمل؟ هل يبقى محروماً من الحلال ومكبوتاً مراعاة لشعور زوجته الأولى، أو يذهب يبحث عن الحرام، أو يتزوج، أيهما أفضل وأصوب؟!
4- كذلك أيضاً فإن النساء دائماً مستعدات للزواج في أي وقت لأنه ليس عليهن تكاليف مادية أما كثير من الرجال فقد لا تكون له قدرة على متطلبات الزواج إلا بعد وقت طويل، فإذا كان كذلك فهل تتعطل النساء بدون زواج وهن جاهزات؟ إنه إن كان البعض لايجد مهراً فإن هناك من عنده القدرة على المهر ممن هو متزوج ويرغب بأخرى، فهل تتعطل المرأة لهذا السبب؟ إن هذا فيه ظلم كبير للمرأة.
أنانية المرأة
إننا إذا تكلمنا عن التعدد وطالبنا فيه فإننا نطالب بالتعدد بإمرأة مسلمة مسكينة عاطلة لم تجد زوجاً وتبحث عن نصف أو حتى ربع زوج، لكن بعض النساء المتزوجات لايرغبن ذلك، بل لسان حالهن يقول: اتركوها تجلس بدون زوج حتى لو كانت مسلمة، اتركوها تموت محرومة لا تأخذ مني زوجي، هذه هي الأنانية، هذا هو عدم الشعور بالرحمة للمسلمات، ذلك نتيجة العاطفة والرغبة القلبية دون نظر ولا اعتبار للمصالح الشرعية التي تضمنها التعدد. فهل من الخير أن تتمتع بعض النساء مع أزواجهن وتبقى الأغلبية محرومات من عطف الرجل والعائل؟ وماهي الجريمة التي ارتكبنها حتى يطبق عليهن هذا العقاب الصارم من أناس فقدوا العطف والرحمة، إنْ هذه إلا أنانية في النساء المتزوجات ومن يجاريهن من الرجال الأزواج الذين أسرتهم زوجاتهم فلا يدورون إلا في فلكهن ولا ينظرون إلى بمنظارهم، وإلا فما الذي يضير المرأة المتزوجة أن يضم إليها زوجها زوجة ثانية وثالثة ورابعة، مادام قادراً على النفقة عليهن والعدل بينهن في كل شيء؛ أهو حب الزوج وعدم القدرة على الصبر عنه وهي التي تصبر عنه أياماً طويلة في سفره وعند غيابه عن البيت؟! أهو التملك والاستئثار به؟ أم هو الحسد والأنانية فقط؟ لتتصور كل زوجه نفسها مكان المرأة المحرومة التي لم تجد زوجاً لتعرف مدى المعاناة التي تعانيها تلك المرأة المحرومة؟!
إن من الإنصاف والعدل والمساواة وتحكيم العقل أن تفكر المرأة في أختها من بني جنسها وفي مصيرها وواقعها المؤلم الذي تعيشه، وما فعلت ذنباً تستحق بموجبه هذه العقوبة القاسية وهي "حرمانها من الزوج والعائل والوالد" سوى أنها كانت ضحية أختها المتزوجة وأنانيتها!!
فضلاً عن المخاطر والمفاسد التي قد تنشأ من بقائها بلا زوج ولا معيل إذ قد تضطرها الظروف وتلجئها الحاجة إلى ارتكاب الإثم والفاحشة فتهدر بذلك كرامتها وتضيع إنسانيتها وتبيع بُضعها بأرخص الأثمان على مذبح الفاقة والحاجة؟!
العدل بين الزوجات
العدل من أوجب الواجبات وقد أمر الله - عز وجل - به في قوله تعالى إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل:90] فيجب على المسلم أن يتحرى العدل في جميع شئونه الدينية والدنيوية، والعدل بين الزوجات كما هو معلوم أمر أساسي يوجب على الزوج أن يعطي كل ذات حق حقها متأسياً برسول الله الذي هو أعدل الناس في كل شيء ولا سيما بين زوجاته.
وما يحصل الآن من ممارسات سيئة من قبل بعض الأزواج المعددين ينبغي أن لا تحسب على التعدد وإنما تحسب عليهم وحدهم وهؤلاء هم الذين أساءوا للتعدد وجعلوا منه بعبعاً مخيفاً لكثير من النساء. لأن الرجل لو عدل بين زوجاته لسعدن بذلك ولانتفت المشاكل، فأكثر النساء يكرهن التعدد لأن أزواجهن لم يعدلوا معهن، فالخطأ ليس بالتشريع وإنما الخطأ في التطبيق، ولو أن الرجال إذا تزوجوا عدلوا لاستقامت الحياة وقلة المشاكل ورضي الجميع ولربما دعت النساء إلى التعدد.
وإذا كان هناك من لا يعدل بين زوجاته فهذه قضية تحتاج إلى علاج يستأصل الداء ويداوي السقم، لكن استئصال الداء لا يكون بمنع التعدد الذي فيه الكثير من الفوائد.
وهل يقول عاقل بالغاء التعامل بين الناس تجنباً للمشكلات التي يقوم بها البعض ممن فسدت أخلاقهم وفقدوا السجايا الحميدة، وإذا كانت إساءة قسم من هؤلاء الجهلة قد تحققت في أمر تعدد الزوجات فإن هذه الإساءة لاتعد شيئاً يذكر إذا نظرنا إلى الفوائد العظيمة التي نجنيها من هذا النظام وإلى المفاسد الكبيرة التي تنجم عن تركه.
الطعن في التعدد ردة عن الإسلام
لقد أجمع علماء المسلمين عن ردة من أنكر شيئاً من كتاب الله أو كرهه، وهؤلاء الذين ينكرون التعدد أو يرون فيه ظلماً أو هضماً للمرأة أو يكرهون هذا التشريع لاشك في كفرهم ومروقهم من الدين لقوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:9]. لذا فإننا نحذر هؤلاء المتلاعبين، كما نخاف على أولئك الذين يشوهون قضية التعدد ويخوفون الناس منها، ويتحدثون كثيراً عن سلبياتها دون الإيجابيات.
همس في أذن كل زوجة
نحن لا نطالب من المرأة أن لا تغار على زوجها وترضى أن زوجة أخرى تشاركها فيه فذاك أمر طبيعي وفطري لايمكن سلامة النفوس منه، لكن ما نريده من الزوجة الأولى هو أن لا تدفعها هذه الغيرة الغريزية إلى أن تقف أمام رغبة الزوج في الزواج من أخرى أو المكر والكيد بشتى الوسائل لتحقيق إخفاق هذا الزواج والضغط على الزوج ليطلق الأخرى، أو التصرف بطريقة تجبر الزوجة الأخرى على الإحساس بأنها متطفلة، وأنها قد سرقت زوجاً من زوجته وأباً من أطفاله وبيته مما يدفعها إلى الانسحاب وطلب الطلاق أو الشعور بالخزي بسبب موافقتها على الزواج من متزوج، كذلك ينبغي أن تعرف كل واحدة حدود ما أباح الله وأن تحذر تعدي هذه الحدود متعذرة بما فطرها عليه من خصال الأنوثة، ولتكن الغيرة الفطرية أيتها الأخت "الزوجة الأولى" دافعاً لك لارضاء الله أولاً ثم إرضاء الزوج ثانياً بموافقته والابتعاد عما يثير غضبه وحزنه كي تستأثري بمودته وحبه ورحمته، فأنت بزواجك منه لم تمتلكيه إلى الأبد، أما اتخاذ المواقف المناقضة لذلك والمنافية للشرع وادعاء المحبة للزوج فلا تعود عليك إلا بخلافات زوجية لا تنتهي وحياة أسرية قلقة لا تستقر، وخنق للزوج وإثارة لحفيظته وإيغار لصدره، وكل ذلك ينحت من الحب المستقر في القلب ويضفي على المودة والرحمة ظلالاً قائمة ويحيل السكن إلى بيت للعنكبوت، ولك في أمهات المؤمنين زوجات النبي والصحابيات الجليلات أكبر قدوة في ذلك. فقد عدد النبي وكذلك الخلفاء الراشدون وعدد كبير من الصحابة ولم يعلم عن أحد من تلك النساء غضب أو اعتراض على التعدد أو كره له أو هروب من المنزل أو طلب للطلاق بسببه كما هو الحال عند بعض نساء هذا الزمن ممن قل علمهن وضعف إيمانهن.
ضرورة تأصيل موضوع التعدد والترغيب فيه
مما تقدم يتبين لنا أهمية التعدد وحاجة المجتمع إليه وضرورة الاهتمام به والكتابة عنه كثيراً وتعاون الجميع لتأصيله والترغيب به رجاء تصحيح ماراج بين المسلمين من تصور خاطيء عن تعدد الزوجات واعتباره عند البعض ظلماً للمرأة وهضماً لحقها وخيانة لها، لاسيما والحاجة اليوم ماسة لذلك وغداً ستكون أشد حاجة.
وهناك ثلاث جهات تقريباً هي التي تستطيع بإذن الله تبني هذا الموضوع واحتوائه والتوعية به والدعوة إليه وهي:
1- وسائل الإعلام: بجميع مجالاتها وذلك بالكتابه عنه وإعداد الدراسات والندوات التي تعالج هذا الموضوع، وأيضاً رفض ومقاطعة كل ما يتعارض معه من خلال ما يكتب في الصحف أو يعرض في المسلسلات والأفلام ونحوها.
2- الرئاسة العامة لتعليم البنات: وذلك بإدارج هذا الموضوع ضمن المناهج الدراسية في المراحل المتقدمة وجعله ضمن إحدى المواد الإسلامية لكي تتعرف الطالبات على أهميته وفوائده وينشأن على عدم كراهيته والخوف منه.
3- أئمة المساجد: وذلك بالحديث عنه وعن فوائده وعن حاجة بعض النساء إليه في خطب الجمعة وفي الأحاديث اليومية بين حين وآخر، أو في أحاديث رمضان عندما يكون هناك حضوراً نسائياً كبيراً.
فإنها إذا تضافرت الجهود وتعاون الجميع في هذا الموضوع فإنه سيصبح - بإذن الله - أمراً عادياً ومألوفاً بين الناس كما كان في المجتمعات السابقة فيسهل بذلك تعدد الزوجات وتخف وطأته على النساء، وتتحصن المحرومات ويُقضى على العوانس والأرامل والمطلقات ويسعد الجميع بإذن الله.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ(68/379)
وجوب ستر المرأة لوجهها
محمد بن إبراهيم آل الشيخ
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 6793
(1688 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
سئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
ما معنى قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31].
فأجاب: اختلف المفسرون في معنى هذه الآية: على أقوال:
الأول: روى الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه وسعيد بن منصور في سننه وابن أبي شيبة في المصنف وغيرهم بأسانيدهم، عن ابن مسعود أنه قال: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ .
الزينة: السوار والدملج والخلخال والقرط والقلادة إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا الثياب والجلباب.
الثاني: روى عبد الرازق في المصنف وعبد بن حميد في تفسيره بسنديهما، عن ابن عباس أنه قال: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قال هو خضاب الكف، والخاتم.
الثالث: روى ابن أبي شيبة في مصنفه وابن أبي حاتم في تفسيره بسنديهما، عن ابن عباس أنه قال في قوله: إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا : الوجه، والكفان، والخاتم. وروى بن أبي شيبة في المصنف عن عكرمة في قوله: إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قال: الوجه، والكفان، وبه قال سعيد بن جبير، وعطاء.
وروى أبو داود والبيهقي في سننهما بسنديهما، عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها، وقال: { يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا } وأشار إلى وجهه وكفه.
وروى أبو داود في المراسيل عن قتادة، أن النبي قالت: { إن الجارية إذا حاضت لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها ويداها إلى المفصل }.
إذا علمت ما سبق من الأقوال، فالراجح منها هو قول ابن مسعود لدلالة الكتاب والسنة على مشروعية التستر للنساء في جميع أبدانهن إذا كن بحضرة الرجال الأجانب.
أما أدلة الكتاب فهي ما يلي:
الأول: قال تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31].
وجه الدلالة أن المرأة إذا كانت مأمورة بسدل الخمار من رأسها على وجهها لتستر صدرها فهي مأمورة بدلالة التضمن أن تستر ما بين الرأس والصدر وهو الوجه والرقبة، وروى البخاري في الصحيح، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: { رحم الله نساء المهاجرين الأول لما نزل وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ شققن أزرهن فاختمرن بها }.
والخمار: ما تغطي به المرأة رأسها، و الجيب: موضع القطع من الدرع والقميص، وهو من الأمام كما تدل عليه الآية لا من الخلف كما تفعله نساء الإفرنج ومن تشبه بهن من نساء المسلمين.
الثاني: قوله تعالى: وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاتي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور:60].
قال الراغب في مفرداته، وابن فارس في معجمه: القاعدة لمن قعدت عن الحيض والتزوج.
وقال البغوي في تفسيره: قال ربيعة الرأي: هن العجز اللاتي إذا رآهن الرجال استقذروهن، فأما من كانت فيها بقية من جمال وهي محل الشهوة فلا تدخل في هذه الآية. انتهى كلام البغوي.
وأما التبرج: فهو إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرجال الأجانب، ذكر ذلك صاحب اللسان والقاموس وغيرهما.
وجه الدلالة من الآية أنها دلت بمنطوقها على أن الله تعالى رخص للعجوز، التي لا تطمع في النكاح، أن تضع ثيابها فلا تلقي عليها جلبابا ولا تحتجب، لزوال المفسدة الموجودة في غيرها، ولكن إن تسترن كالشابات فهو أفضل لهن، قال البغوي: ( وإن يستعففن ) فلا يلقين الحجاب والرداء ( خير لهن ) قال أبو حيان: ( وإن يستعففن ) عن وضع الثياب ويتسترن كالشابات فهو أفضل لهن. انتهى كلام أبي حيان.
ومفهوم المخالفة لهذه الآية أن من لم تيأس من النكاح وهي التي قد بقي فيها من جمال وشهوة للرجال، فليست من القواعد، ولا يجوز لها وضع شيء من ثيابها عند الرجال الأجانب، لأن افتتانهم بها وافتتانها بهم غير مأمون.
الثالث: قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33].
وجه الدلالة أن الله تعالى أمر نساء النبي بلزوم بيوتهن ونهاهن عن التبرج، وهو عام لهن ولغيرهن، كما هو معلوم عند الأصولين أن خطاب المواجهة يعم، ولكن خصهن بالذكر لشرفهن على غيرهن. ومن التبرج المنهي عنه إظهار الوجه واليدين.
الرابع قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53]. المتاع عام في جميع ما يمكن أن يطلب من مواعين وسائر المرافق للدين والدنيا.
وجه الدلالة من الآية أن الله تعالى أذن في مسألة نساء النبي من وراء حجاب في حالة تعرض ومسألة يستفتن فيها، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى، وبما تضمنه أصول الشريعة من أن المرأة عورة بدنها وصوتها فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة، كالشهادة عليها، وداء يكون ببدنها، وسؤال عما يعرض وتعين عندها، وهذا يدل على مشروعية الحجاب، ولهذا قال: أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] ويريد الخواطر التي تعرض للنساء في أمر الرجال، وبالعكس أي ذلك أنفى للريبة، وأبعد للتهمة، وأقوى في الحماية، وهذا يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحل له.
الخامس: قال تعالى: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:59].
وجه الدلالة من الآية ما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه في تفاسيرهم بأسانيدهم، عن ابن عباس رضي الله عنهما وعبيدة السلماني أنهما قالا: { أمر الله نساء المسلمين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عيناً واحدة } [أخرجهما ابن جرير في تفسره (12/49)، وانظر في تفسير ابن كثير (3/519–520)]. انتهى كلامهما.
وقوله: ( عليهن ) أي على وجوههن، لأن الذي كان يبدو في الجاهلية منهن هو الوجه. و الجلابيب: جمع جلباب قال ابن منظور في ( لسان العرب ) نقلا عن ابن السكيت أنه قال: قالت العامرية: الجلباب الخمار. وقال ابن الأعرابي: الجلباب الإزار، لم يرد به إزار الحقو، ولكنه أراد إزارا يشتمل به فيجعل جميع البدن، وكذلك إزار الليل، وهو كثوب السابغ الذي يشتمل به النائم فيغطي جسده كله. انتهى كلام ابن منظور.
وفي صحيح مسلم عن أم عطية رضي الله عنها: { قالت يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: " لتلبسها أختها من جلبابها " }.
وقال ابن حبان في تفسيره: كان دأب الجاهلية أن تخرج الحرة والأمة وهما مكشوفتا الوجه في درع وخمار، وكان الزناة يتعرضون لهن إذا خرجن بالليل لقضاء حوائجهن في النخيل والحيطان للإماء، وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة يقولون: حسبناها أمة، فأمرن أن يخلفن بزيهن زي الإماء بلبس الأردية والملاحف وستر الرؤوس والوجوه، ليحتشمن ويهبن فلا يطمع فيهن.
وإذا أتينا على الأدلة من الكتاب، فيحسن أن نختم الكلام عليها بكلام لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية يتعلق بهذه الآيات. قال رحمه الله تعالى ( والسلف قد تنازعوا في الزينة الظاهرة على قولين، فقال ابن مسعود ومن وافقه: هو ما في الوجه واليدين، مثل الكحل والخاتم. قال: وحقيقة الأمر أن الله جعل الزينة زينتين: زينة ظاهرة، وزينة غير ظاهرة وجوز لها إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذي المحارم، وأما الباطنة فلا تبديها إلا للزوج وذي المحارم.
وقبل أن تنزل آية الحجاب كان النساء يخرجن بلا حجاب، يرى الرجال وجهها ويديها، وكان إذا ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين، وكان حينئذ يجوز النظر إليها، لأنه يجوز لها إظهاره، ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب بقوله: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] حجب النساء عن الرجال، وكان ذلك لما تزوج النبي زينب بنت جحش فأرخى النبي الستر ومنع أنسا من أن ينظر [أخرجه البخاري، كتاب النكاح (8085)]، فلما أمر الله أن لا يسألن إلا من وراء حجاب، وأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلالبيبهن. و " الجلباب " هو الملاءة، وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره " الرداء " وتسميه العامة " الإزار الكبير " الذي يغطي رأسها ويستر بدنها، وقد حكى عبيدة وغيره أنها تدنيه من فوق رأسها فلا تظهر إلا عينها، وجنسه " النقاب " فكان النساء ينتقبن.
وفي الصحيح " أن المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين " وإذا كن مأمورات بالجلباب – وهو ستر الوجه بالنقاب – كان حينئذ واليدان من الزينة التي أمرت أن لا تظهرها للأجانب. فما بقي يحل للأجانب النظر إلا إلى الثياب الظاهرة، فابن مسعود ذكر آخر الأمرين وابن عباس أول الأمرين " ) انتهى كلام شيخ الإسلام.
وأما الأدلة من السنة فنقتصر على ما يأتي:
الدليل الأول:
عن أم سلمة رضي الله عنها، { أنها كانت عند رسول الله مع ميمونة، قالت: بينما نحن عندها أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعد أن أمر بالحجاب، فقال : " احتجبنا منه " فقلت: يا رسول الله، أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال " أعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ ! " } [رواه الترمذي وغيره، وقال بعد إخراجه: حديث حسن صحيح، وقال ابن حجر: إسناده قوي].
الدليل الثاني:
عن أنس قال: { قال عمر بن الخطاب يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب } [أخرجه الشيخان].
الدليل الثالث:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: { كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه } [ رواه الإمام أحمد وأبو داود، وابن ماجه، وغيرهم ].
الدليل الرابع:
عن عقبة بن عامر أنه { سأل النبي عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة، فقال: " ردها فلتخمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام " } [رواه الإمام أحمد، وأهل السنن، وقال الترمذي بعد إخراجه: هذا حديث حسن].
أما وجه الدلالة من الأحاديث الثلاثة الأول فظاهر. وأما الرابع فوجه الدلالة منه أن النبي أمرها بالاختمار، لأن النذر لم ينعقد فيه، لأن ذلك معصية، والنساء مأمورات بالاختمار والاستتار.
الدليل الخامس:
عن عبد الله بن مسعود عن النبي أنه قال: { المرأة عورة } [رواه الترمذي، والبزار وابن أبي الدنيا، والطبراني، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وقل الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، وقال المنذري: رجاله رجال الصحيح].
والمقصود أن الأدلة الدالة على جواز كشف الوجه واليدين نسخت بالأدلة الدالة على وجوب تستر المرأة كما يدل عليه حديثا أم سلمة وحديث أنس السابقان.
معنى إخفاء الزينة
وسئل سماحته رحمه الله:
ما معنى قوله تعالى: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31].
فأجاب: روى ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر في تفاسيرهم بأسانيدهم إلى ابن عباس إنه قال: هو أن تقرع الخلخال بالآخر عند الرجال، وتكون على رجليها خلاخل فتحركهن عن الرجال، فنهى الله عن ذلك لأنه عمل الشيطان. وجاء هذا التفسير عن ابن مسعود وقتادة ومعناوية بن قرة وسعيد بن جبير وغيرهم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ(68/380)
طريق المسلمة إلى السعادة
عبدالعزيز المقبل
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 7911
(2850 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أختي المسلمة:
من أهم ما يتميز به المسلم والمسلمة اللذان تعلق قلباهما بالله وطبقا في حياتهما شرعه، وامتثلا أمره، تلك الراحة النفسية والاطمئنان القلبي، فلا تراهما إلا مبتسمين حتى في أحلك الظروف وأقسى الحالات، فهما يدركان أن ما أصابهما لم يكن ليخطئهما، وأن ما أخطأهما لم يكن ليصيبهما، فلا يتحسران لفوت محبوب،ولا يتجهمان لحلول مكروه، فربما كان وراء المحبوب مكروهاً، ووراء المكروه محبوباً وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة:216].
لا تغرهما زخارف الدنيا وإن كانا يتركان نصيبهما منها وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77].
لمعرفتهما أن الدنيا يقصر عمرها وامتلائها بالغصص والنكد لا تستحق أن يغضب الإنسان من أجلها، ولا أن يتحسر لفوت شيء منها، فهي لا تساوي شيئاً مع الآخرة دار القرار، حيث النعيم الأبدي، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، للمؤمنين الصادقين.
أختي المسلمة:
لو صفت الدنيا من الأكدار، وخلت من المصائب – وذاك محال – فإن مجرد تذكر الموت يجعل حلوها مراً، وكثيرها قليلاً، وطويلها قصيراً، وصفوها كدراً، هذا لو ضمن الإنسان عمراً طويلاً، فكيف وهو إذا أصبح خشي ألا يمسي، وإذا أمسى خشي ألا يصبح، وإذا أنقشعت سحابة مصيبة أقبلت أخرى، يروعه فقد الأقربين، وموت الأصدقاء، وعندما يحس بألم عارض في عضو من أعضائه، أو يخيل إليه زيادة في خفقان قلبه، أو يحس بقلة شهية للطعام، يرتسم شبح الموت أمام ناظريه، فإذا هو يفزع ويخاف فيزداد مرضاً وتخيم عليه الوحشة، وكأن ذلك الخوف مانع من نزول الموت أو مبعد له.
يا لضعف الإنسان، ما أحقره وأقل شأنه. تراه شاباً مكتمل الحيوية والنضارة والنشاط، ممتلئ الجسم فلا يلبث العمر أن يطوح به إلى خريفه فإذا هو محدودب الظهر، متغضن الوجه، يتعبه أدنى جهد، ويهده أقل عمل.
وتراه غنياً يسكن القصر الشامخ، ويركب السيارة الفارهة، ويجلس على الفراش الوثير، ثم تنقلب به الأيام فإذا هو يسكن ما كان يأنف من سكناه، ويركب ما كان يزدري ركوبه، ويلبس ما كان يستخشن لبسه، ويأكل ما كان يعاف أكله.
إن لذة الحياة وجمالها، وقمة السعادة وكمالها، لا تكون إلا في طاعة الله التي لا تكلف الإنسان شيئاً سوى الاستقامة على أمر الله وسلوك طريقه، ليسير الإنسان في الحياة مطمئن الضمير، مرتاح البال، هادئ النفس، دائم البشر، طلق المحيا، يعفو عمن ظلمه، ويغفر زلة من أساء إليه، يرحم الصغير ويوقر الكبير. يحب قضاء حاجات الناس، ويكون في خدمتهم، ويتحمل أذاهم، ثم هو لا يفرط في صغير ولا كبير من أمر الله، بل يحرص على كل عمل يقربه إليه ويدنيه منه، فإذا نزلت به المصائب تلقاها بصبر ورضا، وإذا جاء الموت رأى فيه خلاصاً من نكد الدنيا، ورحلة إلى دار الخلود.
أختي المسلمة:
في هذه الصفحات مجموعة إرشادات، وثلة توجيهات عندما تطبقينها في واقع حياتك، وتحرصين على التشبث بها، وتندمين على فواتها، ستنقلب حياتك من شقاء إلى راحة، ومن تعاسة إلى سعادة، بل ستحسين للحياة طعماً آخر، وتنظرين لها نظرة أخرى، وقد دفع إلى كتابتها حب الخير وابتغاء الأجر والرغبة في الإصلاح، فإلى تلك الأزاهير وفقك الله.
الكلام
أختي المسلمة:
1. احذري الثرثرة وكثرة الكلام، قال تعالى: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114].
واعلمي أن هناك من يحصي كلامك ويعده عليك: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18،17]. وليكن كلامك مختصراً وافياً بالغرض الذي من أجله تتحدثين.
2. اقرئي القرآن الكريم، واحرصي أن يكون لك ورد يومي منه، وحاولي أن تحفظي منه قدر ما تستطيعين، لتنالي الأجر العظيم يوم القيامة. عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي ، قال: { يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها } [صحيح الترمذي:2329].
3. ليس جميلاً أن تتحدثي بكل ما سمعت، فإن في هذا مجالاً للوقوع في الكذب. عن أبي هريرة أن النبي ، قال: { كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع } [رواه مسلم].
4. إياك والتباهي ( الافتخار ) بما ليس عندك لأجل التكثر و الارتفاع في أعين الناس، فعن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت: يا رسول الله، أقول إن زوجي أعطاني ما لم يعطني؟ قال رسول الله : { المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور } [متفق عليه].
5. إن لذكر الله تأثيراً عظيماً في حياة المسلم الروحية والنفسية والجسمية والاجتماعية، فاحرصي أختي المسلمة أن تذكري الله كل حين على أي حالة كنت، فقد مدح الله عباده المخلصين بقوله: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191].
وذكر عبدالله بن بسر { أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به. قال: "لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله" } [صحيح الترمذي:2687].
6. إذا أردت الحديث فإياك والتعاظم والتفاصح والتقعر في الكلام، فهي صفة بغيضة إلى رسول الله حيث يقول: { وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والتشدقون والمتفيهقون } [صحيح الترمذي:1642].
7. ليكن لك أسوة برسول الله من إطالة الصمت وطول الفكر، وعدم إكثار الضحك والإستغراق فيه ؛ فعن سماك قال: { قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله ؟ قال: نعم، فكان طويل الصمت، قليل الضحك، وكان أصحابه يذكرون الشعر وأشياء من أمورهم فيضحكون وربما تبسم } [المسند:5/86].
• وليكن حديثك – إن تحدثت – بخير وإلا فالصمت أولى بك ؛ قال رسول الله : { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت } [رواه البخاري:8/60].
8. إياك ومقاطعة الناس أحاديثهم أو ردها عليهم أو إظهار الاستخفاف بها، وليكن حسن الاستماع أدباً لك، والرد بالتي هي أحسن شعاراً لشخصك.
9. احذري كل الحذر من السخرية بطريقة كلام الآخرين ؛ كمن يتلعثم في كلامه أو عنده شيء من التأتأة أو اللثغة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ [الحجرات:11].
• وقال رسول الله : { المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره.. بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم } [رواه مسلم].
10. إذا سمعت قراءة القرآن الكريم فاقطعي الحديث أياً كان موضوعه ؛ تأدباً مع كلام الله، وامتثالاً لأمره حيث يقول: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204].
11. اجتهدي على وزن الكلمة في نفسك قبل أن يقذفها لسانك، واحرصي أن تكون الكلمة صالحة طيبة في سبيل الخير، بعيدة عن الشر وما يوصل إلى سخط الله، فللكلمة مسئولية عظيمة، فكم من كلمة أدخلت صاحبها إلى الجنة، وكم من كلمة هوت بصاحبها في قعر جهنم.
فعن أبي هريرة رضي الله عنة عن النبي قال: { إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات،وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم } [رواه البخاري:6487].
وفي حديث معاذ رضي الله عنة عندما سئل النبي : { و إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال : ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم } [صحيح الترمذي:2110].
12. استعملي لسانك – وهو النعمة العظيمة من الله عليك – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير، قال تعالى: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114].
التعلم
أختي المسلمة:
13. التعلم أمر محمود وسبيل كريمة،عن الشفاء بنت عبد الله قالت: { دخل علينا النبي وأنا عند حفصة، فقال لي: "ألا تعلمين هذه – يعني حفصة – رقية النملة كما علمتيها الكتابة" } [رواه أحمد:6/372].
14. ليس المراد من التعلم نيل الشهادات وبلوغ الرتب والحصول على الوظيفة والعمل، بل معرفة أمور الدين، وإدراك أحكامة،وإجادة قراءة القرآن الكريم، حتى تعبد المرأة ربها على بصيرة،كما أن مقصودات، التعلم إدراك طرق التربية السليمة، كما تمثلها حياة الرسول وحياة أصحابه وسلف هذه الأمة، لتعيش المرأة في سعادة وهناء.
15. ابتعدي كل الابتعاد عن الاستهزاء أو السخرية بغير المتعلمة من اخواتك، ومن الترفع على منهي دونك في التعلم، وليكن التواضع وخفض الجناح يزداد بارتقائك في سلم التعلم، وإلا فإن علمك وبال عليك، عن كعب بن مالك رضي الله عنة قال: سمعت رسول الله يقول: { من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله النار } [صحيح الترمذي:2138].
السمع
16. نزهي سمعك عن سماع الموسيقى والغناء والكلام الفاحش.
اللباس
17. أنت مسلمة فلابد أن يكون ثوبك داخلا تحت مواصفات الثوب الشرعي، فيكون فضفاضا لا يشف ولا يصف.
18. إن ما يسمى "نصف الكم وربع الكم" واتساع ما حول العنق "الدلعة" دعاية لتقليس الستر ؛ لأن المرأة أثناء ذهابها وإيابها وركوبها السيارة ونزولها ربما انكشف منها ذلك.
الاجتماعات
19. احذري – حفظك الله - من حضور مجالس السوء والاختلاط بأهلها،وسارعي - رعاك الله - إلى مجالس الفضيلة والخير.
20. إذا جلست مجلسا وحدك أو مع بعض أخواتك فليكن ذكر الله دائما على ألسنتكن حتى ترجعن بالخير وتحظين بالأجر.
قال رسول الله : { من قعد مقعدا لم يذكر الله تعالى فيه كانت علية من الله ترة، ومن اضطجع مضجع لايذكر الله فيه كانت علية من الله ترة } [سلسلة الأحاديث الصحيحة:78]. أي حسرة وندامة وتبعة يوم القيامة.
واذا أردت القيام من المجلس فلاتنسي أن تقولي: { سبحانك اللهم وبحمدك. أشهد أن لا اله الا أنت، أستغفرك وأتوب إليك } [صحيح الترمذي:2730]، حتى يغفر الله لك ماكان من لغط في ذلك المجلس.
21. طهري - أختي المسلمة - مجلسك من الغيبة والنميمة،امتثالا لامر الله وخوفا من عقابة، فإنها من الصفات المرذولة والأخلاق الممقوتة،قال تعالى: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12].
22. اذا بدر من إحدى الحاضرات كلمة نابية أو خطأ، فإن من واجبك النصح لها بعد إنصرافها من المجلس بكلام لطيف وأسلوب طيب.
المكتبة
23. احرصي على اقتناء الكتب المختارة المفيدة لتجعلي منها مكتبة منزلية، يستفيد منها جميع أفراد الأسرة.
24. أحذري أختي المسلة أن تضيعي وقتك في قراءة الأشياء غير المفيدة، وابتعدي كل الابتعاد عن قراءة الاشياء الضارة كالامجلات الصاقطة والروايات الهابطة التي يحاول كتابها نشر الرذيلة واشاعة الفساد، واياك ودخولها بيتك، وكوني حربا عليها.
25. من المفيد أن تكون المكتبة منوعة تلبي جميع الاحتياجات، وتعالج شتى الموضوعات، فالمسلم والمسلمة بحاجة إلى معرفة أحكام دينها وأمور عقيدتهما، والاطلاع على أخبار العالم الإسلامي والتعرف على مشكلات المسلمين، وإدراك الوسائل التي تعينها على تربية أنفسهما وأسرتهما، والنظر في سير السلف الصالح وأخذ العظة والعبرة.
26. إذا أعجبك كتاب مفيد فحري بك أن تعرفي أخواتك المسلمات عليه وتحثيهن على قراءته، وإذا وقع بيدك كتاب ضار أو مشتمل على أخطار وجب عليك تنبيه أخواتك المسلمات على ضرره وما فيه من أخطاء.
27. القراءة أمر مهم وضروري، فحاولي - أعانك الله - اغتنام الفرص واستغلال الأوقات للتزود بالعلم والمعرفة.
الخروج إلى السوق
28. لا تحرصي - على الخروج - إن وجدت من يقضي حوائجك، وإن اضطررت إلأى الخروج فليكن خروجك في مدة قصيرة على قدر حاجتك.
29. إذا خرجت إلى السوق فإياك والتطيب والزينة وارتداء الملابس الجميلة التي تلفت النظر إليك، فعن أبي موسى عن النبي قال: { إذا استعطرت المرأة فخرجت على القوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا } أي زابية [رواه أحمد:4/400]، ولتكن ملابسك فضفاضة ساترة لجميع أجزاء البدن.
30. إذا كنت في السوق أو في طريقك إليه فلا تكثري الالتفات، فللبصر مزالق خطيرة، وإذا وجدت حاجتك فإياك وكثرة الكلام مع البائعين، فإنه مما يغيض ماء الحياء ويفتح باب الفتنة.
31. إذا رأيت منكراً في السوق أو في طريقك إليه وجب عليك إنكاره، ولو لم تستطيعي إلا بقلبك من مقت المنكر وبغضه، قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71].
32. بعض النساء تتخذ الخروج إلى السوق نزهة يومية، فتخرج كثيراً فتراها كل يوم غادية رائحة إلى السوق، وأعوذ بالله أن تكوني من هذا الصنف، فهو أكثر الناس تعرضاً للفتنة وإزهاقاً للوقت.
33. رفقاً بنفسك وبزوجك، فليس من الضروري أن يكون في البيت فرع للسوق، فلا تشتري إلا شيئاً أنت بحاجة إليه.
الدعاء
34. أنت ضعيفة ومحتاجة ومفتقرة إلى الله فارفعي أكف الضراعة إليه دائماً طالبة منه العفو والعافية والتوفيق في الدنيا والآخرة،ترجعي بالخير منه سبحانه، قال رسول الله : { إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردهما صفراً } [صحيح ابن ماجه:3117].
وإياك واستعجال الإجابة ؛ فقد قال رسول الله : { ما من عبد يرفع يديه حتى يبدو إبطه يسأل الله مسألة إلا آتاه الله إياها مالم يعجل. قالوا: يا رسول الله، وكيف عجلته؟ قال: يقول: قد سألت وسألت ولم أعط شيئاً } [صحيح الترمذي:2853].
وابدئي دعاءك بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على رسول الله ، واختميه بذلك، وأقبلي على الله بصدق، قال رسول الله : { ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يسجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ } [صحيح الترمذي:2766].
وإياك والدعاء بالإثم أو قطيعة الرحم. وإذا لم تري استجابة ظاهرة لدعائك فلا تحزني لذلك، فقد يدخره الله لك في الآخرة، أو يكفر به عنك ذنوباً، أو يصرف به عنك مكروهاً سيحيق بك.
35. تقربي إلى الله بالفرائض والنوافل وأنواع القربات، تنالي الأجر العظيم، وترتقي إلى الدرجات الرفيعة، وتكوني من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستجيب الله دعاءهم، ويذهب همومهم، ويملأ بالسكينة قلوبهم، قال رسول الله : { إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه } [رواه البخاري:6502].
36. إذا رأيت مسلمة متمسكة بدينها، مستجيبة لأمر ربها، معتزة بعقيدتها فأشعيرها بالحب واتخذيها خليلة، فللحب في الله منزلة عالية، قال رسول الله : { قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء } [صحيح الترمذي:1948].
37. إن الوقت إذا لم تحسني تقسيمه ضاع عليك، فأنت بحاجة إلى استذكار دروسك - إن كنت طالبة - والقيام بواجبات أهلك أو زوجك والاطلاع النافع والقراءة المفيدة وزيارة الأقارب.
38. زيارة الرحم تجلب البركة في العمر والرزق، فاحرصي على زيارة أقاربك، ولتكن زيارتك لهم ذات فائدة، فترغبينهم في الخير، وتخوفينهم من الشر، وتدفعينهم إلى النافع، وتحذرينهم من الضار، وتعظينهم بالتي هي أحسن مع اطمئنانك على صحتهم، وسؤالك عن أحوالهم. قال رسول الله : { من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه } [متفق عليه].
39. لا يغرنك كثرة المخالفين لأمر الله والمهاونين بتطبيق شرعه، فسيأتي يوم يعض الظالم على يديه، ويفرح المؤمن بنجاته فرحاً كبيراً، وهو يرى أهوال القيامة فلا يملك إلا أن يقول وهو يمسك كتابه بيمينه هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ [الحاقة:20،19].
40. ازرعي في قلبك الرحمة والعطف، فارحمي الصغير والكبير بل والدابة، قال رسول الله : { من لا يرحم لا يرحم } [البخاري الفتح:10/6013].
وروى أبو هريرة أن رسول الله قال: { بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له }. قالوا: يا رسول الله، وإن في البهائم أجراً؟ فقال: { في كل ذات كبد رطبة أجر } [البخاري:6009].
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: { عذبت امرأة في هرة، حبستها حتى ماتت جوعاً فدخلت فيها النار } [البخاري:2365].
41. احذري دعاة السوء وأدعياء التقدم الذين يجلبون بخيلهم ورجلهم على إفساد المرأة المسلمة، وإخراجها من الصون والعفاف إلأى العري والإسفاف، مستخدمين مختلف الوسائل وشتى الطرق، وحذري أخواتك من الوقوع في براثنهم والانخداع بمقولاتهم.
42. كوني معتزة بدينك متعالية بعقيدتك وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران:139]، وإياك والاستحياء من إظهار شعائر دينك والاستخفاء بها.
43. غذي ثقافتك الإسلامية باستماع المحاضرات الإسلامية والندوات المفيدة، ولو عن طريق الشريط، واحرصي على الاطلاع على المجلات الإسلامية النافعة.
44. ساعدي على نشر الخير والفضيله، والخلق الجميل، والعلم النافع في بيتك ومدرستك ولدى أقاربك وبين صديقاتك.
45. احرصي على مساعدة أمك في أعمال البيت، فإن في ذلك براً بها ورداً لبعض معروفها. كما أن فيه تدريباً لك حتى تكوني - بإذن الله - ناجحة في حياتك المستقبلية.
وإياك والإخلاد إلى الراحة والكسل باسم التفرغ للدراسة والذاكرة وأداء الواجبات المدرسية.
46. كوني مبتسمة دائماً، فإن هذا لا يكلفك شيئاً، وهو في الوقت نفسه يعود عليك بحب الآخرين كما تحظين بالأجر. قال رسول الله : { وتبسمك في وجه أخيك صدقة } [صحيح الترمذي:1594].
47. إياك والغضب والانفعال، عن أبي هريرة أن رجلاً قال للنبي : أوصني. قال: { لا تغضب فردد مراراً قال: لا تغضب } [البخاري:6116]، واعلمي أن الغضب من الشيطان، قال رسول الله : { إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ } [رواه أحمد:4/226].
والغضوب لن يجد من يصبر عليه من الناس، فتزيني بالحلم وتحملي أخطاء الناس وهفواتهم.
48. احذري من تقليد الكفار في عاداتهم وتقاليدهم وطرائقهم في الأكل والشرب واللباس وغير ذلك، قال رسول الله : { من تشبه بقوم فهو منهم } [رواه أبو داود:4031].
49. كثير من النساء يتهاون في موضوع الصلاة فتؤخرها عن وقتها، وذلك عند انشغالها بأعمالها أو لهوها بالكلام الفارغ مع غيرها وبخاصة أثناء الولائم. وأعوذ بالله أن تكوني من هذا الصنف، وأنت تقرئين قول الله تعالى: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:5،4]، أي يؤخرونها حتى يفوت وقتها.
50. للصيام منزلة عالية وأجر عظيم، كما أن له دوراً كبيراً في تطهير النفس وتهذيب الوجدان، فحبذا لو عودت نفسك على صيام التطوع كستة أيام من شوال، وثلاثة أيام من كل شهر.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ(68/381)
مختصر كيف تخشعين في الصلاة
رقية المحارب
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 8268
(2680 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله الذي جعل لنا في الصلاة راحة وهيأ لنا من أمرنا رشدا، وصلى الله على من قال { أرحنا بالصلاة يا بلال } فما أن تتشبع النفوس بضغوط الحياة وتوشك أن تنفجر حتى تتنفس في الصلاة نسيم الراحة وتزفر نكد الحياة مطمئنة سعيدة، بيد أن صلاة هذا شأنها لابد أن تتوفر لها أسباب الخشوع.
فضل الخشوع
إن الله سبحانه قد امتدح الخاشعين في مواضع كثيرة من كتابه فقال: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:2،1]، وقال: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45]، وقال: خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً [آل عمران:199]، وقال: وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]، وقال: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [الإسراء:109].
وامتدح رسول الله الخشوع وبين فضل البكاء من خشية الله فقال: { سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... وذكر منهم: ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه } [متفق عليه].
أصل الخشوع كما قال ابن رجب: "لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء لأنها تابعة له".
والخشوع يحصل بمعرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته.
والخشوع يتأتى للقلب غالبا إذا بذل العبد أسبابه، كما أن القلب يقسو - يغفل إذا تركت أسباب الخشوع.
ومن أقوى أسباب الخشوع: الوقوف بين يدي رب العباد، ولكن ليس كل وقوف يزيد في الخشوع، إنما الوقوف الذي يزيد في الخشوع ما وافق، عليه رسول الله وأصحابه.
والخشوع يزيد وينقص حسب الأخذ بالأسباب الجالبة له. وإليك هذه الأسباب با النفاصيل:
قبل الصلاة
إننا أختي في الله قد اعتدنا على الصلاة، لذا أصبحنا إذا سمعنا الأذان بادرنا وتوضأنا ووقفنا ثم صلينا، ونحن لا تنفك أذهاننا تفكر في حياتنا ومشكلاتنا، ويفوتنا بذلك الخير الكثير، فإذا ما أردت أن يتحقق لك الخشوع فافعلي ا لآتي:
إذا سمعت المؤذن فقو لي كما يقول غير أنك إذا قال: حي على الصلاة، حي على الفلاح فقولي: (لا حول ولا قوة إلا بالله).
لقوله : { إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي إنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة - إنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله - فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة } [أخرجه مسلم وابن خزيمة واللفظ له].
ثم اسألي الله من فضله واجتهدي في الدعاء، فإن الدعاء يجاب عند الأذان أو بين الأذان والإقامة، قال رسول الله : { الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد } [رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني].
ثم سارعي إلى الوضوء عملا بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ [المائدة:6] واستحضري فضل الوضوء، فإن رسول الله قد قال: { من توضأ فأحسن الوضوء وصلى غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى } [رواه أحمد وابن خزيمة]. وإحسانه يكون بالوضوء كما كان يتوضأ رسول الله فقد قال : { من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه } [رواه مسلم وابن خزيمة واللفظ له].
قد تقولين: كيف أستطيع أن أتوضأ وأصلي دون أن أحدث نفسي؟
فأقول: إذا أردت الوضوء فانشغلي في ذكر ما يقول رسول الله عند الوضوء وهو قول: (بسم الله) فإذا شرعت في الوضوء فتفكري فلي كل عضو تغسلينه ما اكتسب من الذنوب، فإذا فعلت ذلك استحضري أن الوضوء يكفر الذنوب، وأن الخطايا تخرج مع الوضوء.
فإذا غسلت وجهك فتذكري أن كل خطيئة نظرت إليها عيناك خرجت مع الماء.
وإذا غسلت يديك فاستحضري أن كل خطيئة بطشتها يداك خرجت مع الماء.
وإذا غسلت رجليك فاستحضري أن كل خطيئة مشتها رجلاك خرجت مع الماء.
وبهذا تخرجين من الوضوء مغفورة الذنوب كما قال رسول الله .
ثم إذا هممت بالخروج من المغتسل فاستحضري ما حزتيه من الأجر العظيم من حط الذنوب ورفع الدرجات. واستحضري قوله : { ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الٍخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط } [رواه مسلم].
واستحضري كذلك أن مواضع الوضوء ستكون علامة لك يوم القيامة تعرفين بها، فتنظرين إلى أعضائك التي غسلتيها بشيء من السرور والغبطة أن هداك الله لهذا.
وإذا خرجت وقد توضأت فاذكري هذا الدعاء لتنالي جزاءه، وهو الوارد،في هذا الحديث، قال رسول الله : { ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو سبغ - الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، إلا فتحت له ابواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء } [رواه مسلم].
وإذا فعلت ذلك في وضوئك فأنى للشيطان أن يقربك، وأنى له أن يدخل عليك بوسواسه، فأنت في كل لحظة معلقة قلبك بالله سبحانه وبما - ورد عن نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
الاستعداد للصلاة قبل الصلاة
إذا أردت الصلاة بعد وضوئك، وأردت الخشوع فيها، فإن عليك أن تراعي أمورا تزيدك خشوعا:
أولاً:الاستعداد بالسواك:
إن من السنن المؤكدة تطييب رائحة الفم وتنظيف الأسنان بالسواك عند الوضوء وقبل الصلاة، وذلك لما ثبت عن رسول الله أنه قال: { لولا أن أشق علي أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء } وفي رواية: { عند كل صلاة } [متفق عليه].
وذلك يكسبك نشاطا، ويعلمك التهيؤ للوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى.
ثانياً: الاستعداد باللباس الحسن النظيف والتطيب والبعد عن الريح الكريهة:
إنك أخيتي لو فكرت في قدومك إلى الصلاة لوجدت نفسك لا تستعدين لها استعدادك للقاء أي صاحبة لك أو ضيفة تزورك، فلو كنت قبل الصلاة استحضرت أنك ستقدمين على ملك الملوك رب العباد الذي أمرك بأخذ الزينة عند كل مسجد حيث قال: يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [ الأعراف: 31].
لو كنت استحضرت هذا لبذلت الجهد في الاستعداد للصلاة بالحسن من الطيب والثياب، واعلمي أن استحضار هذا يأتي بالخشوع، فالحسنة تجر الحسنة، كما أن اللبس النظيف والريح الطيب يجعل صاحبه في راحة نفسية بخلاف اللباس الوسخ المليء بالعرق والرائحة الكريهة؛ فإنه يجعل صاحبه في نفسية متضايقة، ولا يستوي من يصلي مرتاح النفس ومن يصلي وهو متضايق.
واعلمي أنك لو أرغمت نفسك على نبذ ما لا يريحك عند الصلاة - مهما كلفك - ولو مرة واحدة لسهل عليك الأمر، وعرفت كيف أن الصلاة تحتاج منك إلى استعداد.
ثالثاً: الاستعداد بإحكام ستر العورة:
إن من شروط صحة صلاتك أختي ستر عورتك في الصلاة، وهي جميع جسدك عدا الوجه.
وقد تقولين ما علاقة ذلك بالخشوع؟
والجواب هو: أن ستر العورة سترا تاما بإحكام يهيئ لك وضع كل عضو في مكانه أثناء الصلاة، لأنك إذا لم تحكمي ستر العورة فإنه قد يسقط خمارك أو يوشك فتنشغلين بإصلاحه كل حين، وقد يفوت عليك ذلك بعض السنن في الصلاة كرفع اليدين عند التكبير أو الرفع من الركوع أو غير ذلك، وأنت مع هذا قد تذهبين بعض الطمأنينة التي لا تصح الصلاة إلا بها، أو قد تتعجلين إنهاء الصلاة خشية أن تنكشف عورتك بظهور بعض شعرك، فتسلمين قبل أن تدعي، وأي خشوع سيكون وأي حضور قلب وأنت لاهية في شيء آخر.
رابعاً: الاستعداد بإبعاد كل ما يشغلك سواء كان أمامك أو تلبسينه أو تسجدين عليه:
وذلك بأن تختاري مكانا هادئاً قليل الأثاث والزخارف، فلا تصلي أمام جدار مزخرف بالديكور والألوان. كذا البقعة التي تصلين عليها ينبغي لك إذا أردت الخشوع أن تصلي على بقعة خالية من الزخارف والألوان، فما أحدثه الناس اليوم من الصلاة على سجاجيد ملونة يرسم عليها الكعبة أو غيرها من الصور أمر مخالف للسنة.
خامساً: الاستعداد باختيار مكان معتدل الحرارة وتجنب الصلاة في المكان الحار.
إنك أخيتي إذا أردت النوم أو الأكل أو استقبال الضيوف فإنك تبحثين عن المكان المعتدل الحرارة، وتبذلين الجهد لتبريده في الحر، ولتدفئته في البرد، إلا أنك إذا أردت أداء الصلاة فإنك أحياناً لا تبالين بأن تصلي في أي مكان، ولسان حالك يقول: خمس دقائق أتحمل فيها الحر، ولا تستحق إعمال المكيف أو البحث عن مكان بارد أصلي فيه.
وأنت بذلك قد تحتملين ولكن على حساب خشوعك! فأي استيعاب للركوع أو السجود؟ بل أي استيعاب للقراءة سيكون؟ وكأن الصلاة حركات فرص عليك عملها، تؤدينها لتخليص ضميرك، فأنت تؤدين الصلاة لترتاحي منها، لا لترتاحي بها.
وقد نهى رسول الله عن الصلاة في شدة الحرارة؟ لعلمه بذهاب الخشوع وقلة استحضار القلب في هذه الحال، وذلك بقوله: { أبردوا بالظهر }.
وحكمة هذه الرخصة - كما قال الإمام ابن القيم: ( أن الصلاة في شدة الحر تمنع صاحبها من الخشوع والحضور، ويفعل العبادة بتكره وتضجر، فمن حكمة الشارع أن أمرهم بتأخيرها حتى ينكسر الحر، فيصلي العبد بقلب حاضر، ويحصل له مقصود الصلاة من الخشوع والإقبال على الله تعالى ).
سادساً: الاستعداد للصلاة في المكان البعيد عن الإزعاج والضوضاء:
إن المصلي إذا كان بحضرة أناس يتكلمون، قد لا يحضر قلبه ولا يعقل صلاته، فيكون مشغول القلب مشغول العقل، وقد يسمع كلاما يخصه فيصغي له، وهنا لا يعقل كم صلى ولا ما قرأ ولا بماذا دعا، وإذا عقل ذلك فإنه بالتأكيد محال أن يكون خشع في صلاته تلك.
فاختاري أختاه لنفسك مكانا هادئ! بعيدا عن الإزعاج ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
سابعاً:الاستعداد للصلاة بتفريغ قلبك من كل شغل:
اعلمي أخيتي أن القلب يشغل بأمور كثيرة ما بين هم وخوف وحزن وفرح وغيره، فإذا أردت الإقبال على الصلاة فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، استعاذة قلب لا استعاذة لسان، فإن وجدت من نفسك إقبالا على الصلاة بقلب غافل مشغول فأقرئي آيات من القرآن لم يسبق لك حفظها، أو حديث أو حديثين من أحاديث الترغيب والترهيب، أو قراءة سيرة الصالحين في صلاتهم؟ مما يشحذ همتك ويدفعك للاقتداء بهم، - وابشري فإنك إذا فعلت ذلك راغبة في الخشوع لله والخضوع له ومدافعة الشيطان؟ فإن الله سبحانه سيعطيك مرادك وسيقترب منك أكثر مما تقتربين منه.
ثامناً: الاستعداد للصلاة بانتظارها:
إن انتظار الصلاة كما يكون في المساجد يكون لك - أخيتي - في بيتك،فإذا فرغت من عملك ولم يكن عليك واجب لزوجك أو أهلك يشغلك؟ فعليك إذا قارب وقت الصلاة أن تتوضئي وتجلسي في مصلاك تنتظري الصلاة، تسبحين وتستغفرين وتهللين وتذكرين الله وتستاكين حتى يؤذن المؤذن، فإذا أذن وقلت ما يقول تسألين الله لنبيه الوسيلة ثم ما شاء الله لك من الدعاء، وأنت بهذا تفوزين بخير كثير، وهذا الفعل مدعاة للخشوع، حيث يأنس القلب بذكر الله ويستنير بنوره، وفعل ذلك أجره عظيم بل هو كالرباط في سبيل الله.
واعلمي أنك إذا قدمت على الصلاة فإن قلبك يكون معلقاً بآخر شيء تركتيه أو كنت عليه قبل الصلاة، فإذا كان آخر شيء كنت عليه قبل الصلاة ذكر الله والتعلق به فسيكون قلبك معلقا في الصلاة بالله،. وكيف لا يخشع قلب معلق بالله وهو يقف بين يديه؟!
واستعيني على مجاهدة النفس بتذكيرها بفضل انتظار الصلاة الذي جاء في الحديث: { ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويكفر به الذنوب؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكروهات، وكثرة الٍخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط } [رواه ابن حبان وصححه الألباني].
تاسعاً: الاستعداد للصلاة بالنظر في حاجة جسمك الشاغلة لك وقضائها قبل الشروع في الصلاة:
إن الجسد له متطلبات، فالجوع يتطلب الأكل، والعطش يتطلب الشرب، والحقن والحقب يتطلب التخلي وإزالة الأذى، وليس شيء أشد إزعاجا للمصلي من مدافعة ذلك، فإذا وقع به شغله فإما أن يقطع صلاته أو يتمها بعجلة وألم، فيكون آذى نفسه ولم يُتقِن صلاته.
وأحذرك أخيتي الشيطان فإنه يزين لك الصلاة بهذا الحال ليفوت عليك الخشوع، وذلك بأن يخوفك فوات الوقت تارة، ويخوفك إعادة الوضوء تارة أخرى.
وسأنصحك بما يفيدك في التغلب على نفسك حين كسلها عن إعادة الوضوء والمبادرة للصلاة قبل انتقاض الوضوء.
أولاً:تذكري أنك إذا صليت بهذا الحال فكأنما لم تصل وأنك ستعيدين الصلاة.
ثانياً: عودي نفسك الوضوء بعد كل حدث.
ثالثاً: باستحضار الأحاديث المرغبة في الوضوء وكثرته وإسباغه.
أثناء الصلاة
إن أول ما يبدأ به المصلي من صلاته بعد استقبال القبلة والدنو من السترة: تكبيرة الإحرام.
أما كيفيه الخشوع بتكبيرة الإحرام فإن عليك أيتها المصلية أن ترفعي يديك حذو منكبيك أو حِيال أذنيك متوجهة بباطن الكفين إلى القبلة ممدودة الأصابع ضامة لها- تشعرين وأنت بهذه الحال بالاستسلام التام لرب العباد.
أختي المسلمة:إن الله لم يأمرك بالتكبير والتسليم إلا ليعلم تسليمك وموافقتك على بيع الدنيا الزائلة بالآخرة الباقية.
ثم تشرعين في ذكر دعاء الاستفتاح فتقولين: (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك).
وإذا وجدت من نفسك اعتيادا على هذا الاستفتاح حتى أصبحت تقولينه ولا تشعرين إلا بانتهائه لقوة حفظك له، فلا تستشعرين قوله ولا معناه، فعليك باستبداله بغيره من أدعية الاستفتاح.
ثم استعيذي بالله من الشيطان الرجيم مستحضرة معنى الاستعاذة، وهو اللجوء إلى الله والاعتصام به، فأنت تريدين الخشوع في صلاتك والشيطان يتربص بك، فإذا أردت النجاة من الشيطان ووسوسته فالجئي إلى الله فهو يكفيك، وتأكدي من كفاية الله لك ما دمت قلت ذلك مؤمنة موقنة بقدرة الله وغلبته وملكوته.
ثم سمي الله قائلة: بسم الله الرحمن الرحيم - ومرادك بذلك أنك تبدئين صلاتك باسم الله، وتثنين بالثناء عليه بصفاته التي تليق بجلاله.
ثم تبدئين قراءة سورة الفاتحة بتلاوة حسنة تحسنين صوتك بها، والطريق إلى الخشوع فيها هو بأمور:
قراءتها آيةً آية.
استشعري وأنت تقرئين كل آية أنك تخاطبين الله سبحانه ويرد عليك كل آية.
أن تراعي حالك قبل الصلاة، فإن كنت مهمومة قلقة فأقرئي آيات تفيدك بمعنى تفريج الله لعبده الصابر، وإن كنت حزينة على دنيا فاتتك فأقرئي ما يزهدك فيها، ويصور لك سرعة زوالها، وهكذا تقفين عند كل آية، فإن كانت آية رحمة ونعيم سألت الله من رحمته، وإن كانت آية عذاب استعذت بالله منها وهكذا.
وقد كانت قراءته ترتيلا لا هذّاً ولا عجلة، بل قراءة مفسرة حرفاً حرفاً. كما عليك أن تحسني صوتك بالقرآن.
عليك بتفهم ما تقرئي، فما دعاك الله لفعله تعزمين على فعله والمسارعة إليه، وما دعاك لتركه ونهاك عنه تعزمين على تركه والبعد عنه، وهذا هو التدبر الذي أمر الله به حيث قال: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24].
الخشوع في الركوع:
ثم إذا هممت بالركوع بعد انتهاء القراءة ترفعين يديك حذو منكبيك أو حيال أذنيك، وتكبرين استسلاماً لله سبحانه حيث أمرك بالركوع، وفي ذلك تتفكرين كيف أن الله تعالى أمرك بالوقوف بين يديه فقدمت خاضعة مستسلمة، وأمرك بالركوع والانحناء لعظمته فركعت خاضعة مستسلمة، وتتفكرين في التكبير حيث الله أكبر من كل شيء، أكبر منك حيث أخضعك لجلاله، وأكبر من أي عظيم أو كبير؟ فالكل لابد أن يخضع له ويذل له اعترافاً بربوبيته وألوهيته، ثم لا تملكين بعد هذا التكبير إلا أن تقولي سبحان ربي العظيم، واجتهدي وأنت في الركوع بتعظيم الله بجميع أنواع التعظيم لقوله : { فأما الركوع فعظموا فيه الرب } [رواه مسلم].
الخشوع في السجود:
وأنت بعد هذا الخضوع بالانحناء له وبعد القيام بين يديه تنظرين إلى الأرض وبصرك مرتكز على موضع سجودك، لا تلتفتين يميناً ولا شمالا، ثم تهوين بعد ذلك على الأرض مكبرة الله سبحانه وتعالى، معلنة الاستسلام لهذا النوع من الخضوع، فهو أشد من الأولين.
ثم تمكنين مجمع محاسنك ومحل احترامك من الأرض لرب العالمين طاعة واستجابة لأمره، وذلاً وخضوعاً بين يديه، فيكون خرورك إلى الأرض وتمكينك لأعضائك أثناء السجود تمكين الخائف من ربه، الراغب فيما عنده، المبتغي رضاه، الطامع في رحمته وعفوه، فلا شيء أقرب إلى الله من السجود، ولا موضع لإجابة الدعاء أقرب من السجود، ولا عمل يغفر الذنوب ويزيد الحسنات ويرفع الدرجات مثل السجود.
ثم تكبرين حال رفعك موقنةً أن الله أكبر من كل شيء، ثم تجلسين قائلةً: (رب اغفر لي رب اغفر لي). وتستحضرين في دعائك هذا أنك مذنبة تحتاجين المغفرة، مسكينة تحتاجين الرحمة، كسيرة تحتاجين الجبر، وضيعة تحتاجين الرفع، ضالة تحتاجين الهداية، مريضة مبتلاة تحتاجين العافية، فقيرة تحتاجين الرزق.
ثم تخرين للسجود لتعاودي التسبيح والدعاء مرة أخرى وتفعلين كالسجدة الأولى.
الخشوع في التشهد:
ثم إذا بلغت التشهد وجلست له، فعليك أن تستحضري أنك تلقين بين يدي الله كلمات عظيمات علمها رسول الله أمته، وتلقين التحيات بجميع أنواعها الحسنة لله - سبحانه وتعالى - فهو المستحق لذلك، وتعترفين بأن جميع الصلوات لله، فلا أحد يستحق أي نوع من أنواع الصلوات سواء الفعلية أو القولية.
ثم تثنين بإلقاء التحية على رسول الله وأنت مستحضرة أنه يرد عليك سلامك وهو في قبره، ثم تكررين إخلاصك خاتمة به، فتشهدين أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وتشهدين أن محمداً عبده ورسوله، ثم تصلين على النبي ، وصلاتك عليه اعترافاً بفضله عليك حيث كان سبب هدايتك لهذا الدين القويم والصراط المستقيم الذي أنقذك به من عذاب النار.
تستعيذين بالله من أربع تجعلينها نصب عينيك دائماً في كل حين وعلى كل حال: عذاب النار، وعذاب القبر، وفتنة المسيح الدجال، وفتنة المحيا والممات.
ثم تسألين الله بعد ذلك من خير الدنيا والآخرة وذلك قبل السلام، كما ورد في سنة محمد .
ثم إذا انتهيت من الدعاء فسلمي وبذلك تكونين قد انتهيت من صلاة خاشعة مطمئنة أجرها عظيم، واستغفري الله بعد سلامك خشية أن تكوني قصرت في أداء الصلاة كما ينبغي، ثم اشرعي في الأذكار الواردة بعد السلام، ومنها: (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام).
هذا والله أسأل أن يجعلنا ممن يخشعون في صلواتهم ويخشونه في أعمالهم وأقوالهم غيباً وشهادة. والله المستعان وعليه التكلان وبه الاطمئنان، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
ـــــــــــــــــــ(68/382)
فتاوى نسائية رمضانية
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 8534
(1513 كلمة)
صورة المطوية
1 - ما حكم تأخير قضاء الصوم إلى ما بعد رمضان القادم؟
من أفطر في رمضان لسفر أو مرض أو نحو ذلك فعليه أن يقضي قبل رمضان القادم ما بين الرمضانين محل سعة من ربنا عز وجل فإن أخره إلى ما بعد رمضان القادم فإنه يجب عليه القضاء ويلزمه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم حيث أفتى به جماعة من أصحاب النبي والإطعام نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف الكيلو تقريباً من تمر أو أُرز أو غير ذلك. أما إن قضى قبل رمضان القادم فلا إطعام عليه. [الشيخ بن باز].
2 - منذ عشر سنوات تقريباً كان بلوغي من خلال امارات البلوغ المعروفة غير إنني في السنة الأولى من بلوغي أدركت رمضان ولم أصمه فهل يلزمني الآن قضاءُه؟ وهل يلزمني زيادة على القضاء كفارة؟
يلزمك القضاء لذلك الشهر الذي لم تصوميه مع التوبة والاستغفار وعليك مع ذلك إطعام مسكين لكل يوم مقداره نصف صاع من قوت البلد من التمر أو الأرز أو غيرهما إذا كنت تستطيعين. أما إن كنتِ فقيرة لا تستطيعين فلا شئ عليكِ سوى الصيام. [الشيخ بن باز].
3 - إذا طهرت النفساء قبل الأربعين هل تصوم وتُصلي أم لا؟ وإذا جاءها الحيض بعد ذلك هل تفطر؟ وإذا طهرت مرة ثانية هل تصوم وتُصلي أم لا؟
إذا طهرت النفساء قبل تمام الأربعين وجب عليها الغُسل والصلاة وصوم رمضان وحلت لزوجها فإن عاد عليها الدم في الأربعين وجب عليها ترك الصلاة والصوم وحرمت على زوجها في أصح قولي العلماء وصارت في حكم النُفساء حتى تطهر أو تكمل الأربعين فإذا طهرت قبل الأربعين أو على رأس الأربعين اغتسلت وصلت وصامت وحلت لزوجها وإن استمر معها الدم بعد الأربعين فهو دم فساد لا تدع من أجله الصلاة ولا الصوم بل تُصلي وتصوم في رمضان وتحل لزوجها كالمستحاضة وعليها أن تستنجي وتتحفظ بما يُخفف عنها الدم من القطن أو نحوه وتتوضأ لوقت كل صلاة لأن النبي أمر المستحاضة بذلك إلا إذا جاءتها الدورة الشهرية أعني الحيض فإنها تترك الصلاة. [الشيخ ابن باز].
4 - هل يجوز تأخير غُسل الجنابة إلى طلوع الفجر وهل يجوز للنساء تأخير غُسل الحيض أو النُفساء إلى طلوع الفجر؟
إذا رأت المرأة الطهر قبل الفجر فإنه يلزمها الصوم ولا مانع من تأخير الغُسل إلى بعد طلوع الفجر ولكن ليس لها تأخيره إلى طلوع الشمس ويجب على الرجل المبادرة بذلك حتى يُدرك صلاة الفجر مع الجماعة. [الشيخ ابن باز].
5 - ماذا على الحامل أو المرضع إذا أفطرتا في رمضان؟ وماذا يكفي إطعامه من الأرز؟
لا يحل للحامل أو المرضع أن تفطر في نهار رمضان إلا لعذر فإن أفطرتا لعذر وجب عليهما قضاء الصوم لقوله تعالى في المريض: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، وهما بمعنى المريض وإن كان عذرهما الخوف على المولود فعليهما مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم من البر أو الأرز أو التمر أو غيرها من قوت الآدميين وقال بعض العلماء ليس عليهما سوى القضاء على كل حال لأنه ليس في إيجاب الإطعام دليل من الكتاب والسنة والأصل براءة الذمة حتى يقوم الدليل على شغلها وهذا مذهب أبي حنيفة وهو قوي. [الشيخ ابن عثيمين].
6 - إمرأة وضعت في رمضان ولم تقض بعد رمضان لخوفها على رضيعها ثم حملت وأنجبت في رمضان القادم هل يجوز لها أن توزع نقوداً بدل الصوم؟
الواجب على هذه المرأة أن تصوم بدل الأيام التي أفطرتها ولو بعد رمضان الثاني لأنها إنما تركت القضاء بين الأول والثاني لعذر ولا أدري هل يشق عليها أن تقضي في زمن الشتاء يوماً بعد يوم وإن كانت ترضع فإن الله يقويها على أن تقضي رمضان الثاني فإن لم يحصل لها فلا حرج عليها أن تؤخره إلى رمضان الثاني. [الشيخ ابن عثيمين].
7 - تعمد بعض النساء إلى أخذ حبوب في رمضان لمنع الدورة الشهرية - الحيض - والرغبة في ذلك حتى لا تقضي فيما بعد فهل هذا جائز وهل في ذلك قيود حتى لا تعمل بها هؤلاء النساء؟
الذي أراه في هذه المسألة ألا تفعله المرأة وتبقى على ما قدره الله عز وجل وكتبه على بنات آدم فإن هذه الدورة الشهرية لله تعالى حكمة في إيجادها هذه الحكمة تُناسب طبيعة المرأة فإذا منعت هذه العادة فإنه لا شك يحدث منها رد فعل ضار على جسم المرأة وقد قال النبي : { لا ضرر ولا ضرار } هذا بغض النظر عما تُسببه هذه الحبوب من أضرار على الرحم كما ذكر ذلك الأطباء فالذي أرى في هذه المسألة أن النساء لا يستعملون هذه الحبوب والحمد لله على قدره وحكمته إذا أتاها الحيض تمسك عن الصوم والصلاة وإذا طهرت تستأنف الصيام والصلاة وإذا انتهى رمضان تقضي ما فاتها من الصوم. [الشيخ ابن عثيمين].
8 - أنا فتاة أبلغ من العمر 25 سنة ولكن منذ صغري إلى أن بلغ عمري 21 سنة وأنا لم أصم ولم أصلِ تكاسلاً ووالديّ َ ينصحانني ولكن لم أبال فما الذي يجب عليَ أن أفعله علماً أن الله هداني وأنا الآن أصوم ونادمة على ما سبق؟
التوبة تهدم ما قبلها فعليكِ بالندم والعزم والصدق في العبادة والإكثار من النوافل من صلاة في الليل والنهار وصوم تطوع وذكر وقراءة قرآن ودعاء و الله يقبل التوبة من عباده ويعفو ويعفو عن السيئات. [الشيخ ابن باز].
9 - عادتي الشهرية تتراوح ما بين سبعة إلى ثمانية أيام وفي بعض الأحيان في اليوم السابع لا أرى دماً ولا أرى الطهر فما الحكم من حيث الصلاة والصيام والجماع؟
لا تعجلي حتى ترى القصة البيضاء التي يعرفها النساء وهيَ علامة الطهر، فتوقف الدم ليس هو الطهر وإنما ذلك برؤية علامة الطهر وانقضاء المدة المعتادة. [الشيخ ابن باز].
10 - ما حُكم خروج الصفار أثناء النفاس وطوال الأربعين يوماً هل أصلي وأصوم؟
ما يخرج من المرأة بعد الولادة حُكمه كدم النفاس سواء كان دماً عادياً أو صفرة أو كدرة لأنه في وقت العادة حتى تتم الأربعين. فما بعدها إن كان دماً عادياً ولم يتخلله انقطاع فهو دم نفاس وإلا فهو دم استحاضة أو نحوه. [الشيخ ابن باز].
11 - هل يجوز لي أن أقرأ في كتب دينية ككتب التفسير وغيرها وأنا على جنابة وفي وقت العادة الشهرية؟
يجوز قراءة الجُنب والحائض في كُتب التفسير وكُتب الفقه والأدب الديني والحديث والتوحيد ونحوها وإنما منع من قراءة القرآن على وجه التلاوة لا على وجه الدعاء أو الاستدلال ونحو ذلك. [الشيخ ابن باز].
12 - ما حُكم الدم الذي يخرج في غير أيام الدورة الشهرية فأنا عادتي في كل شهر من الدورة هيَ سبعة أيام ولكن في بعض الأشهر يأتي خارج أيام الدورة ولكن بنسبة أقل جداً وتستمر معي هذه الحالة لمدة يوم أو يومين فهل تجب عليَ الصلاة والصيام أثناء ذلك أم القضاء؟
هذا الدم الزائد عن العادة هو دم عرق لا يُحسب من العادة فالمرأة التي تعرف عادتها تبقى زمن العادة لا تُصلي ولا تصوم ولا تمس المصحف ولا يأتيها زوجها في الفرج فإذا طهرت واننقطعت أيام عادتها واغتسلت فهيَ في حُكم الطاهرات ولو رأت شيئاً من دم أو صفرة أو كدره فذلك استحاضة لا تردها عن الصلاة ونحوها. [الشيخ ابن باز].
13 - عندما كنت صغيرة في سن الثالثة عشرة صُمت رمضان وأفطرت أربعة أيام بسبب الحيض ولم أخبر أحداً بذلك حياءً والآن مضى على ذلك ثمان سنوات فماذا أفعل؟
لقد أخطأتِ بترك القضاء طوال هذه المدة فإن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ولا حياء في الدين فعليكِ المبادرة بقضاء تلك الأيام الأربعة ثم عليكِ مع القضاء كفارة وهيَ إطعام مسكين عن كل يوم وذلك نحو صاعين من قوت البلد الغالب لمسكين أو مساكين. [الشيخ ابن باز].
14 - إمرأة جاءها دم أثناء الحمل قبل نفاسها بخمسة أيام في شهر رمضان هل يكون دم حيض أو نفاس وماذا يجب عليها؟
إذا كان الأمر كما ذكر من رؤيتها الدم وهي حامل قبل الولادة بخمسة أيام فإن لم تر علامة على قُرب الوضع كالمخاض وهو الطلق فليس بدم حيض ولا نفاس بل دم فساد على الصحيح وعلى ذلك لا تترك العبادات بل تصوم وتُصلي وإن كان مع هذا الدم أمارة من أمارات قرب وضع الحمل من الطلق ونحوه فهو دم نفاس تدع من أجله الصلاة والصوم ثم إذا طهرت منه بعد الولادة قضت الصوم دون الصلاة. [اللجنة الدائمة للإفتاء].
15 - فتاة بلغ عمرها اثنى عشر أو ثلاثة عشر عاماً ومر عليها شهر رمضان المبارك ولم تصمه فهل عليها شيء أو على أهلها وهل تصوم وإذا صامت فهل عليها شيء؟
المرأة تكون مكلفة بشروط، الإسلام والعقل والبلوغ ويحصل البلوغ بالحيض أو الاحتلام نبات شعر خشن حول القبل أو بلوغ خمسة عشر عاماً فهذه الفتاة إذا كانت قد توافرت فيها شروط التكليف فالصيام واجب عليها ويجب عليها قضاء ما تركته من الصيام في وقت تكليفها وإذا اختل شرط من الشروط فليست مكلفة ولا شئ عليها. [اللجنة الدائمة للإفتاء].
16 - هل للمرأة إذا حاضت أن تفطر في رمضان وتصوم أياماً مكان الأيام التي أفطرتها؟
لا يصح صوم الحائض و لا يجوز لها فعله فإذا حاضت أفطرت وصامت أياماً مكان الأيام التي أفطرتها بعد طهرها. [اللجنة الدائمة للإفتاء].
17 - إذا طهرت المرأة بعد الفجر مباشرة هل تمسك وتصوم هذا اليوم ويُعتبر يوماً لها أم عليها قضاء ذلك اليوم؟
إذا انقطع الدم منها وقت طلوع الفجر أو قبله بقليل صح صومها وأجزأ عن الفرض ولو لم تغتسل إلا بعد أن أصبح الصبح، أما إذا لم ينقطع إلا بعد تبين الصبح فإنها تمسك ذلك اليوم ولا يجزئها بل تقضيه بعد رمضان. [الشيخ ابن باز].
18 - رجل جامع زوجته بعد أذان الفجر بعد ما نوى الإمساك مرتين في كل يوم مرة علماً بأن زوجته كانت راضية بذلك، وقد مضى على هذه القصة أكثر من خمس سنوات فما الحكم؟
على الزوج قضاء اليومين المذكورين وعليه كفارة الجماع في نهار رمضان مثل كفارة الظهار وهي عنق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، وعلى زوجته مثل ذلك لأنها موافقة له عالمة بالتحريم. [الشيخ ابن باز]
ـــــــــــــــــــ(68/383)
أدركوني أدركوني
عبدالملك القاسم
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 6007
(1618 كلمة)
صورة المطوية
أتت صرخات متتالية من فتاة في عمر الورود.. تلتها أصوات امرأة شابة تنادي بصوت مرتفع... والجميع يقلن بصوت واحد ويرددن مطلبا واحدا: أين السعادة والهناء وأين استقرار النفس وسكينتها؟!
لقد أرهقتنا الهموم ونالتنا الغموم. وأقض مضاجعنا سحابة المعاصي التي تحوم في سمائنا...
لقد حاصرتنا نيران الشهوة وأخذت الشاشات تحرك غرائزنا.. ولا تزال بقية إيمان في قلوبنا تستصرخكم.. أدركونا..
أختي المسلمة: نحن في زمن تعددت فيه وسائل الإعلام وتنوعت، وضج الكون بحضارة مادية ملأتها الملهيات والمغريات.. فبددت السعادة وقربت الشقاء !
وفي وسط بحر هادر متقلب يخشى المسلم فيه الفتنة على نفسه لما يرى من انتشار الشبهات وكثرة الشهوات قال النبي : { إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا، ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا } [رواه أبو داود].
وطمعا في جنة عرضها السموات والأرض وخوفا من الوقوع في الزلل، هاك نهرا صافيا رقراقا من كلام الله عز وجل ومن كلام رسول الله يزيل وحشتك ويذهب غوائل الشيطان ويهتك أستارا زينتها المعصية !
ستدركك رحمة الله عز وجل لتنجيك من عذاب أليم وتحميك من التردي في باب عظيم من أبواب الهلاك والدمار !
أختي المسلمة: من أعظم الأخطار التي تهدد المرأة المسلمة إثارة غريزتها وفتح باب الشهوة أمامها على مصراعيه، وبسبب بدايات بسيطة لا تلقى لها بالا قد تقع في الزنا المحرم. يقول الإمام أحمد رحمه الله: (لا أعلم بعد قتل النفس ذنبا أعظم من الزنا). وقد حرم الله عز وجل ورسوله الزنا لشناعة فعلته وقبح مورده ونهى الله عز وجل عن التقرب من دواعيه وأسبابه لأنه الخطوة الأولى نحو الوقوع فيه قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32]، والزنا من أكبر الكبائر بعد الشرك والقتل وهو رجس وفاحشة مهلكة وجريمة موبقة.
قال : { ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له } وفي الحديث المتفق عليه: { لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن }.
وقد أكد الله عز وجل حرمته بقوله: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا، إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:68-70]، فقرن الله عز وجل الزنا بالشرك وقتل النفس وجعل جزاء ذلك الخلود في العذاب المضاعف، ما لم يرفع العبد موجوب ذلك بالتوبة والإيمان والعمل الصالح.
وعلق سبحانه وتعالى فلاح العبد ونجاته على حفظ فرجه من الزنا، فلا سبيل له إلى الفلاح بدونه قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1]، حتى قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:5-6].
أختي المسلمة: الزنا عار يهدم البيوت الرفيعة، ويطأطئ الرؤوس العالية ويسود الوجوه البيض ن ويخرس الألسنة البليغة. وهو أقدر أنواع العار على نزع ثوب الجاه مهما اتسع وهو لطخة سوداء إذا لحقت أسرة غمرت صحائفها البيض وتركت العيون لا ترى منها إلا سوادا كالحاً.
عقوبة الزنا
خص الله حد الزنا بثلاث خصائص:
أ– القتل فيه بأبشع قتلة وأشد عذاب.
ب– نهى الله عباده أن تأخذهم بالزنا رأفة ورحمة.
جـ- أن الله أمر أن يكون حدهما بمشهد من المؤمنين وذلك أبلغ في مصلحة الحد وحكمة الزجر.
عقوبة الدنيا: إقامة الحد على الزاني والزانية إذا كانا محصنين وذلك: بقتلهما بالحجارة حتى يموتا لكي يجد الألم في جميع أجزاء الجسم عقابا لهما، ويرميان بالحجر كناية عن أنهما هدما بيت أسرة، فهما يرجمان بحجر ذلك البناء الذي هدماه. وإن كانا غير محصنين جلدا مائة جلدة بأعلى أنواع الجلد وغربا عاما عن بلدهما.
ومن عقوبة الزنا ما قاله النبي : { تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد: هل من داع فيستجاب له؟ هل من سائل فيعطى؟ هل من مكروب فيفرج عنه؟ فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله له إلا زانية تسعى بفرجها.. } [رواه أحمد والطبراني بسند حسن].
ومن عقوبة انتشار فاحشة الزنا أن تكثر الأمراض والأوجاع ففي الحديث: {.. لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشى فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا } [رواه ابن ماجه].
وهذا مشاهد الآن في أمم الإباحية والرذيلة.
قال عبد الله بن مسعود: ما ظهر الربا والزنى في قرية إلا أذن الله بإهلاكها.
ومن عقوبة الزنا: ما قاله في حديث الرؤيا: {... فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد نارا، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كان أن يخرجوا فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة فقلت من هؤلاء؟ قالا لي: هؤلاء هم الزناة والزواني }. وجاء في الحديث أيضا: { أن من زنى بامرأة كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة }.
ومن عقوبة الزنا: إنه يجمع خصال الشر كلها من قلة الدين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة، فلا تجد زانيا معه ورع ولا وفاء بعهد ولا صدق في حديث ولا محافظة على صديق ولا غيره تامة على أهله.
ومن عقوبة الزنا: سواد الوجه وظلمته، وظلمة القلب، وطمس نوره، وكآبة النفس وكثرة همومها وغمومها وعدم طمئانينتها، ومنها قصر العمر ومحق بركته والفقر اللازم. وفي الأثر: إن الله مهلك الطغاة ومفقر الزناة.
ومن عقوبة الزنا: أنه يسلبه أحسن الأسماء وهو اسم العفة والبر والعدالة، ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن، ومنها الوحشة التي تعلو وجهه وضيق الصدر وحرجه.
ومن أعظم عواقب الزنى سوء الخاتمة، قال ابن القيم رحمه الله: (إذا نظرت إلى حال كثير من المحتضرين وجدتهم يحال بينهم وبين حسن الخاتمة عقوبة لهم على أعمالهم السيئة).
أختي المسلمة: احذري الجرأة والإقدام على المعاصي كبيرها وصغيرها فإن نساء العرب في الجاهلية كن ينفرن من الزنا ولا يرضينه للحرة الأبية.
عندما بايع رسول الله النساء على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين قالت هند بنت عتبة متعجبة: أو تزني الحرة يا رسول الله؟!
وفي الأمثال العربية "تموت الحرة ولا تأكل بثدييها" وتذكري أختي المسلمة أن الله يراك فاحذري مخالفته والوقوع فيما يغضبه.
طريق النجاة
أختي المسلمة: صانك الله بالعفاف وزينك بالتقوى اسلكي طريق النجاة واستيقظي من الغفوة وابتعدي عن أما يدفع بك إلى الهاوية ويسير بك إلى الحضيض ومن طرق النجاة:
1– عدم الخلوة بالرجل الأجنبي إطلاقا سواء في المنزل أو السيارة أو المحل التجاري أو الطائرة أو غيرها، وكوني أمة مطيعة لله عز وجل ولرسوله فلا ترضي لنفسك مخالفة أمرهما قال : { ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما }.
2– التقليل من الخروج للأسواق قد المستطاع وتعبد الله عز وجل بالمكث والقرار في البيت امتثالا لأمر الله عز وجل وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33].
قال عبد الله بن مسعود: (ما قربت امرأة إلى الله بأعظم من قعودها في بيتها). وفي حالة الخروج ليكن معك محرمك أو امرأة ثقة من قريباتك، ولا تخضعي بالقول ولا تليني الكلام مع البائع فلا حاجة لأن ينقص لك ريالات مقابل أن ينقص دينك والعياذ بالله.
3– الحذر من التبرج والسفور حين الخروج من المنزل فإن ذلك من أسباب الفتنة وجلب الأنظار وقد ذكر النبي : { صنفان من أهل النار - وذكر منهما - نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات.. }، ومن أعظم أنواع الستر لبس العباءة المحتشمة وستر اليدين والقدمين، والبعد عن النقاب والبعد عن مس الطيب. وتشبهي بأمهات المؤمنين ونساء الصحابة فإنهن كن يخرجن كالغربان متشحات بالسواد لا يرى منهن شيئا.
4– ابتعدي أيتها المسلمة عن قراءة المجلات الهابطة ومشاهدة الأفلام الماجنة فإنها تثير الغرائز وتهون أمر الفاحشة وتزينها باسم "الحب والصداقة" وتظهر الزنا باسم "العلاقة العاطفية الناضجة بين الرجل والمرأة" ولا تفسدي بيتك وقلبك وعقلك بعلاقات محرمة !
5– قال الله عز وجل: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [لقمان:6]، فابتعدي عن سماع الأغاني والموسيقى وعطري سمعك بالقرآن وحافظي على الذكر والاستغفار، وأكثري من ذكر الموت ومحاسبة النفس واعلمي أنك حين تعصين الله عز وجل إنما تعصينه بما وهبك من نعم فاحذري أن يسلبها منك.
6– الخوف من العلي القدير المطلع على السرائر هو أعظم أنواع الخوف وهو الذي يحجب عن المعصية.
ولكن احتملي نسبة واحد في الألف أنك ربما زللت ووقعت في الزنا. فكيف الحال إذا علم والدك ووالدتك وإخوتك وأقاربك أو زوجك؟! وأصبحت في أعينهم وعلى ألسنتهم حتى تموتي "أنك زانية" والعايذ بالله !
7– ليكن لك رفقة صالحة تعينك وتسددك فإن الإنسان ضعيف والشياطين تتخطفه من كل مكان، واحذري رفيقة السوء فإنها تأتي إليك كاللص تتسلل خلسة حتى توقعك في الحرام، وتذكري عم النبي وهو رجل كبير السن راجح العقل ومع هذا كله فإن رفيق السوء أبو جهل حضر عند وفاته وكان سببا في موته على الشرك.
8– أكثري من الدعاء فقد كان نبي هذه الأمة دائم الدعاء كثير الاستغفار.
9– لا يفوتك وقت إلا والقرآن بين يديك تقرأين فيه، وحاولي أن تحفظي ما تيسر، وإن علت همتك فالتحقي بأحد دور التحفيظ النسائية، ونفسك إن لم تشغليها بالطاعة والعبادة أشغلتك بالباطل.
10– إن ما تبحثين عنه في العلاقات المحرمة لإزجاء الوقت وإشباع العاطفة إنما هو نتاج فراغ روحي وخواء قلبي وضيق في الصدر منشئه البعد عن الطاعة والعبادة وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:124].
11– تذكري أنك سوف ترحلين من الدنيا بصحائف كتبت طوال أيام حياتك فإن كانت مليئة بالطاعة والعبادة فأبشري وإن كان غير ذلك فبادري بالتوبة قبل الموت.. فإن يوم القيامة هو يوم الحسرة.. وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ [مريم:39]، وهو يوم الفضائح وتطاير الصحف يوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت ! وتذكري أختي المسلمة يوما توسدين فيه في القبر وحيدة فريدة !
12– الهاتف – أختي المسلمة – أصبح مصيدة لكثير من النساء فلا تكوني إحداهن وإن ابتليت بذئب بشري وبدأت معه علاقة محرمة فسارعي إلى قطعها قبل أن تتطور الأمور وأبلغي رجال الهيئة عنه، واعلمي أن الله سيجعل لك فرجا ونجاة منه.
13 – تذكري يا من تبحثين عن السعادة وتسعين نحو الجنة أن ذلك في طاعة الله واتباع أوامره.. مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97]، وتذكري أن ترك المعصية أهون من طلب التوبة. وأذكرك بحدث الحبيب : { إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت }.
جعلك الله هادية مهدية عفيفة تقية نقية وزينك بالإيمان وجعلك من الصالحات القانتات ممن ينادون في ذلك الموقف العظيم: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الأعراف:49].
ـــــــــــــــــــ(68/384)
إلى من تقاعست عن فعل الطاعات وفترت عن الخيرات
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 5322
(1962 كلمة)
صورة المطوية
إليك أيتها المرأة المسلمة.. إليك أيتها الملتزمة بدين الله.. إليك يا من فترت عن الخير.. إليك يا من ضيعت وقتها فيما لا ينفع...
إليك يا من اقتصرت على الفروض وأهملت النوافل.. إليكن جميعا يا من عرفت الحق وتقاعست عن فعل الطاعات أكتب هذه النصيحة سائلا الله عز وجل أن تصل إليكم وترفع من همتكم وتعينكم على عبادة ربكم وتجعلكم تكثرون من العمل الصالح.
أيتها المرأة المسلمة:
ما لي أراك تقاعست عن فعل الخيرات، هل ضمنت الجنة؟ هل اكتفيت بما قمت به من أعمال؟ أختي في الدين لقد صح عن النبي أنه قال: { لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيم علم } [الترمذي وحسنه الألباني].
اعلمي أنك ستسألين عن ضياعك للوقت فيما لا ينفع، فكل يوم يمضي فهو من عمرك، فحاسبي نفسك كل يوم، ماذا فعلت من خير؟ وماذا فعلت من شر؟ فإن كان عملك صالح فهو سبب لقربك من الجنة، وإن كان عملك غير ذلك فهو سبب لقربك من النار، فأي الطريقين تختارين. واسمعي قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:29-30].
فالله عز وجل يدعوك للتجارة وأي تجارة تجارة لن تبور تجارة تجعلك تربحين أضعافا مضاعفة من الأجر والثواب على كل عمل أخلصت فيه لله تعالى ووافقة الشرع الحكيم به.
لما سمع الصحابة رضي الله عنهم قول الله عز وجل: فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ [البقرة:148]، وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ [آل عمران:133]، فهموا من ذلك أن المراد أن يجتهد كل واحد منهم، حتى يكون هو السابق لغيره إلى هذه الكرامة، والمسارع إلى بلوغ هذه الدرجة العالية، فكان أحدهم إذا رأي من يعمل للآخرة أكثر منه نافسه وحاول اللحاق به بل مجاوزته، فكان تنافسه في درجات الآخرة، واستباقهم إليها كما قال تعالى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26].
أما نحن فعكسنا الأمر، فصار تنافسنا في الدنيا الدنية وحظوظها الفانية.
قال الحسن: إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة!!. وقال وهيب بن الورد: إذا استطعت أن لا يسبقك أحد فافعل. وقال عمر بن عبد العزيز في حجة حجها عند دفع الناس من عرفة: ليس السابق اليوم من سبق به بعيره، إنما السابق من غفر له.
أين التسابق في الخيرات؟ أين أصحاب الهمم والعزمات؟
أختي المسلمة:
صاحبة الهمة العالية، والنفس الشريفة لا ترضى بالأشياء الدنية الفنية، وإنما همتها المسابقة إلى الدرجات الباقية الذاكية التي لا تفنى، ولا ترجع عن مطلوبها ولو تلفتت نفسها في طلبها، ومن كانت في الله تلفها، كان على الله خلفها.
قيل لبعض المجتهدين في الطاعات: لم تعذب هذا الجسد قال: كرامته أريد!
وإذا كانت النفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام
من يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرح بميت إيلام
قال عمر بن عبد العزيز: إن لي نفسا تواقة، ما نالت شيئا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه، وأنها لما نالت هذه المنزلة - يعني الخلافة - يعني الآخرة.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم:
قيمة كل إنسان ما يطلب، فمن كان يطلب الدنيا فلا أدنى منه، فإن الدنيا دنية، وأدنى منها من يطلبها، وهي خسيسة، وأخس منها من يخطبها.
قال بعضهم: القلوب جوالة، فقلب يجلو حلول العرش، وقلب يجول حول الحش. العاقل يغبط من أكثر في الخيرات والطاعات ونيل علو الدرجات، والجاهل يغبط من أغرق في الشهوات، وتوصل إلى اللذات والمحرمات. العالي الهمة يجتهد في نيل مطلوبه، ويبذل نفسه بعمل الصالحات في الوصول إلى رضا محبوبه، فأما خسيس الهمة فاجتهاده في متابعة هواه، ويتكل على مجرد العفو، فيفوته - إن حصل له العفو - منازل السابقين.
قال بعض السلف: هب أن المسيء عفي عنه أليس قد فاته ثواب المحسنين؟! فيا مذنبا يرجو من الله عفوه أترضى بسبق المتقين إلى الله؟! ما لي أراك جعلت الوقت الوفير لسماعة الهاتف.. وللرياضة وتخسيس الجسم.. وللتجارة وزيادة الأرصدة.. وللملهيات والمغريات.. وأهملت النوافل.. من صلاة الضحى وقيام الليل.. من صيام الأثنين والخميس والأيام البيض.. من أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم ما لي أراك تضيعين أوقاتك في السرحان وبنات الأفكار.. وتهملين ذكر العزيز الجبار لماذا تضيعين أوقاتك في اللغو وفيما لا ينفع؟
أختي المسلمة:
يقول الله تبارك و تعالى في وصف المؤمنين من عباده: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [القصص:55].
اللغو أختي المسلمة: خوض في باطل، و تشاغل بما لا يفيد. أمر الله سبحانه بالإعراض عنه، و نهى عن الوقوع فيه، ففيه مضيعة للعمر في غير ما خلق الإنسان لأجله. إنه مخلوق لعبادة ربه، و الخلافة في هذه الأرض بالعمل المثمر الصالح، و الحياة النافعة الجادة.
من أجل هذا كان البعد عن اللغو و الإعراض عنه من دلائل الكمال و الفلاح، لقد ذكره الله سبحانه بين فريضتين من فرائض الإسلام المحكمة، ذكره بين فريضتي الصلاة و الزكاة، فقال عز شأنه: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ [المؤمنون:1-4].
قال الشاعر:
نهارك يا مغرور سهو وغفلة *** وليلك نوم والردى لك لازم
وشغلك فيما سوف تكره غبه *** كذلك في الدنيا تعيش البهائم
ولقد مات عند الكثير من النساء الشعور بالذنب، ومات عندهن الشعور بالتقصير، حتى ظنت الكثيرات منهن أنها على خير عظيم، بل ربما لم يرد على خاطرها أنها مقصرة في أمور دينها، فبمجرد قيامها بأصول الدين ومحافظتها على الصلوات ظنت المسكينة في نفسها خيرأ عظيماً، وأنها بذلك قد حازت الإسلام كله وأن الجنة تنتظرها في نهاية المطاف، ونسيت هذه المسكينة مئات بل آلاف الذنوب والمعاصي التي ترتكبها صباحاً ومساءً من غيبة أو بهتان أو غير ذلك من المعاصي والمخالفات التي تستهين بها ولا تلقي لها بالاً وتظن أنها لا تضرها شيئاً وهي التي قد تكون سبباً لهلاكها وخسارتها في الدنيا والآخرة وهي لا تشعر لقوله : { إياكم ومحقرات الذنوب فإنها إذا اجتمعت على العبد أهلكته }.
قال الشاعر:
تا الله لو عاش الفتى في عمره *** ألفاً من الأعوام مالك أمره
متلذذاً فيها بكل نعيمه *** متنعماً فيها بنعمى عصره
ما كان ذلك كله في أن *** يفي بمبيت أول ليلة في قبره
وقال آخر:
أما والله لو علم الأنام *** لما خلقوا لما غفلوا وناموا
لقد خلقوا لما لو أبصرته *** عيون قلوبهم تاهوا وهاموا
ممات ثم قبرثم حشر *** وتوبيخ وأهوال عظام
أختي المسلمة:
ألا توافقينني: أن هناك فرقاً بين إنسان ضيع كثيرأ من عمره وأيامه التي هي رأس ماله في هذه الحياة ببرامج الترفيه في البر والبحر، والتمشيات والسفريات، والقيل والقال، والذهاب والإياب، وأنفق الكثير من المال في تنفيذ وملاحقة تلك البرامج التي ليس لها كثير فائدة. وبين إنسان يفكر في الطموحات الأخروية، والاعمال الباقية بعد موته، ويهتم بإصلاح نفسه وإصلاح أمته، وبجتهد لذلك غاية الإجتهاد بحفظ وقته وماله وجوارحه، ما بين علم إلى عمل، ومن دعوة إلى عطاء، ومن صدقة إلى إحسان، ومن تعاون إلى تكافل، ومع ذلك لم يضيق على نفسه بما أباح الله - كما يتصور أولئك الجاهلون - إنما أعطاها من الترفيه قدر حاجتها وما يعينها على القيام بتلك الواجبات والطاعات، مع احتساب نية الأجر والعبادة في كل ذلك. لا شك ستكونين موافقة لي.. إذا لماذا الفتور؟ ولماذا التقاعس؟ أين همة النساء وعزيمتهن في فعل الخيرات وتركهن للملل والسأم والكسل؟
عليك أختي المسلمة بسيرة السلف ففيها زيادة للهمة واصرار وعزيمة وإليك نماذج من سيرة السلف كتبتها الأخت الفاضلة زرقاء اليمامة لعلك بعد قراءتها تزداد همتك وحرصك على فعل الطاعات والتقرب إلى الله بالنوافل والخيرات.
هكذا كانت نساء السلف:
كانت أم حسان مجتهدة في الطاعة، فدخل عليها سفيان الثوري فلم ير في بيتها غير قطعة حصير خَلِق، فقال لها: لو كتبت رقعة إلى بني أعمامك لغيروا من سوء حالك. فقالت: يا سفيان قد كنتَ في عيني أعظم وفي قلبي أكبر مذ ساعتك هذه، أما إني ما أسأل الدنيا من يملكها فكيف أسأل من لا يملكها، يا سفيان والله ما أحب أن يأتي علي وقت وأنا متشاغلة فيه عن الله بغير الله فبكى سفيان.
وقالت أم سفيان الثوري له: يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي؛ يا بني إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة، فإن لم ترَ ذلك فاعلم أنه لا ينفعك.
وكانت أم الحسن بن صالح تقوم ثلث الليل وتبكي الليل والنهار فماتت ومات الحسن فرؤي الحسن في المنام فقيل: ما فعلت الوالدة؟ فقال: بُدِّلت بطول البكاء سرور الأبد.
كانت عابدة لا تنام الليل إلا يسيراً فعوتبت في ذلك فقالت: كفى بالموت وطول الرقدة في القبور للمؤمن رقاداً.
ودخلوا على عفيرة العابدة فقالوا: ادعي الله لنا. فقالت: لو خرس الخاطؤون ما تكلمت عجوزكم، ولكن المُحسن أمر المسيء بالدعاء، جعل الله قِراكم ( إكرامكم) الجنة، وجعل الموت مني ومنكم على بال.
وقدم ابن أخٍ لها من غيبة طويلة، فبُشرت به، فبكت فقيل لها: ما هذا البكاء؟ اليوم يوم فرح وسرور.. فازدادت بكاءَ ثم قالت: والله، ما أجد للسرور في القلبي سكناً مع ذكر الآخرة، ولقد أذكرني قدومه يوم القدوم على الله، فمن بين مسرور ومثبور.
وبكت عبيدة بنت أبي كلاب أربعين سنة حتى ذهب بصرها وقالت: أشتهي الموت، لأني أخشى أن أجني جنابة يكون فيها عطبي أيام الآخرة.
عمرة امرأة حبيب العجمي: كانت توقظه بالليل، وتقول: قم يا رجل، فقد ذهب الليل وبين يديك طريق بعيد، وزاد قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا ونحن قد بقينا.
اعلمي أن الدنيا دار سفر لا دار إقامة، ومنزل عبور لا موطن حبور، فينبغي للمؤمن أن يكون فيها على جناح سفر، يهيئ زاده ومتاعه للرحيل المحتوم. فالسعيد من اتخذ لهذا السفر زاداً يبلغه إلى رضوان الله تعالى والفوز بالجنة والنجاة من النار.
أختي المسلمة:
أنما الدنيا إلى الجنة والنار طريق والليالي متجر الإنسان والأيام سوق وأنت إما رابحة يوم الحساب وإما الخسارة والعياذ بالله وإليك آيات تعينك على الزهد في الدنيا وتزيد حرصك على العمل إلى المنازل الرفيعة والدرجات العالية.
1ـ قوله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد:20].
2ـ وقوله سبحانه: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14].
3ـ وقوله تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ [الشورى:20].
4ـ وقوله تعالى: قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً [النساء:77].
5ـ وقوله تعالى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى:16-17].
وهذه الأحاديث تجعلك ممن يسعون إلى الآخرة بإذن الله: 1ـ قول النبي لابن عمر: { كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل } [رواه البخاري ]. وزاد الترمذي في روايته: { وعد نفسك من أصحاب القبور }.
2ـ وقال النبي : { الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر } [رواه مسلم].
3ـ وقال مبيناً حقارة الدنيا: { ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع } [رواه مسلم].
4ـ وقال : { مالي وللدنيا،إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال ـ أي نام ـ في ظل شجرة، في يوم صائف، ثم راح وتركها } [رواه الترمذي وأحمد وهو صحيح].
5ـ وقال: { لوكانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافراً منها شربة ماء } [رواه الترمذي وصححه الألباني].
6ـ وقال : { ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس } [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
7ـ وقال: { اقتربت الساعة ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصاً، ولا يزدادون من الله إلا بعداً } [رواه الحاكم وحسنه الألباني].
يا من تقرئين هذه الرسالة قفي قليلأ مع هذه الأسطر وراجعي نفسك وحاسبيها وانظري كيف أنت في هذه الحياة. هل أنت من أولئك اللاهين الغافلين أم لا؟ وهل أنت تسيرين في الطريق الصحيح الموصل إلى رضوان الله وجنته، أم أنك تسيرين وفق رغباتك وشهواتك وغفلتك ومللك حتى ولو كان في ذلك شقاؤك وهلاك.
انظري أخية في أي الطريقين تسيرين فإن المسألة والله خطيرة وإن الأمر جد وليس بهزل، ولا أظن أن عندك شيء أغلى من نفسك فاحرصي على نجاتها وفكاكها من النار ومن غضب الجبار.
انظري أختي المسلمة كيف أنت مع أوامر الله وأوامر رسوله ، هل عملت بهذه الأوامر وطبقتها في واقع حياتك أم أهملتها وتجاهلتها وطبقت ما يناسبك ويوافق رغباتك وشهواتك.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يعننا وإياك على فعل الخيرات والإكثار من الطاعات وأن يزيل عني وعنك الملل والسأم والتقاعس ويجعلني وإياك ممن همتهم همة السلف وأكثري من هذا الدعاء:
اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وآخر دعوانا الحمد لله رب العلمين.
ـــــــــــــــــــ(68/385)
دور المرأة في إصلاح المجتمع
محمد بن صالح العثيمين
مكتب الدعوة و الإرشاد بسلطانة ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 15405
(2474 كلمة)
صورة المطوية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فإنه يسرني أن أحضر لأعبر عما في نفسي في هذا الموضوع الخطير، وهو دور المرأة في إصلاح المجتمع.
فأقول مستعيناً بالله عز وجل، طالباً منه التوفيق للصواب والسداد. إن دور المرأة في إصلاح المجتمع دور له أهميته الكبرى، وذلك لأن إصلاح المجتمع يكون على نوعين:
النوع الأول: الإصلاح الظاهر:
وهو الذي يكون في الأسواق، وفي المساجد، وفي غيرها من الأمور الظاهرة، وهذا يغلب فيه جانب الرجال لأنهم هم أهل البروز والظهور.
النوع الثاني: إصلاح المجتمع فيما وراء الجدر:
وهو الذي يكون في البيوت، وغالب مهمته موكول إلى النساء لأن المرأة هي ربة البيت، كما قال الله سبحانه وتعالى موجهاً الخطاب والأمر إلى نساء النبي في قوله: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب:33].
أهمية دور المرأة في إصلاح المجتمع:
نظن بعد ذلك أنه لا ضير علينا إن قلنا: إن إصلاح نصف المجتمع أو أكثر يكون منوطاً بالمرأة.
السبب الأول:
أن النساء كالرجال عدداً، إن لم يكن أكثر، أعني أن ذرية آدم أكثرهم من النساء، كما دلت على ذلك السنة النبوية، ولكنها تختلف من بلد إلى بلد ومن زمن إلى زمن، فقد تكون النساء في بلد ما أكثر من الرجال، وقد يكون العكس في بلد آخر، كما أن النساء قد يكن أكثر من الرجال في زمن، والعكس في زمن آخر.
وعلى كل حال فإن للمرأة دوراً كبيراً في إصلاح المجتمع.
السبب الثاني:
أن نشأة الأجيال أول ما تنشأ إنما تكون في أحضان النساء، وبه يتبين أهمية ما يجب على المرأة في إصلاح المجتمع.
مقومات إصلاح المرأة في المجتمع:
لكي تتحقق أهمية المرأة في إصلاح المجتمع، لا بد للمرأة من مؤهلات أو مقومات لتقوم بمهمتها في الإصلاح.. وإليكم جانباً من هذه المقومات:
المقوم الأول: صلاح المرأة:
أن تكون المرأة نفسها صالحة، لتكون أسوة حسنة وقدوة طيبة لبنات جنسها، ولكن كيف تصل المرأة إلى الصلاح؟ لتعلم كل إمرأة أنها لن تصل إلى الصلاح إلا بالعلم، وما أعنيه هو العلم الشرعي الذي تتلقاه، إما من بطون الكتب - إن أمكنها ذلك - وإما من أفواه العلماء، سواء أكان هؤلاء العلماء من الرجال أو النساء.
وفي عصرنا هذا يسهل كثيراً أن تتلقى المرأة العلم من أفواه العلماء، وذلك بواسطة الأشرطة المسجلة، فإن هذه الأشرطة - ولله الحمد - لها دور كبير في توجيه المجتمع إلى ما فيه الخير والصلاح، إذا استعملت في ذلك.
إذن فلا بد لصلاح المرأة من العلم، لأنه لا صلاح إلا بالعلم.
المقوم الثاني: البيان والفصاحة:
أي أن يمن الله عليها - أي على المرأة - بالبيان والفصاحة، بحيث يكون عندها طلاقة لسان وتعبير بيان تعبر به عما في ضميرها تعبيراً صادقاً، يكشف ما في قلبها وما في نفسها من المعاني، التي قد تكون عند كثير من الناس، ولكن يعجز أن يعبر عنها، أو قد يعبر عنها بعبارات غير واضحة وغير بليغة، وحينئذٍ لا يحصل المقصود الذي في نفس المتكلم من إصلاح الخلق.
وبناءً على ذلك نسأل: ما الذي يوصل إلى هذا؟ أي يوصل إلى البيان والفصاحة والتعبير عما في النفس بعبارة صادقة كاشفة عما في الضمير؟
نقول: الطريق إلى ذلك هو أن يكون عند المرأة شيء من العلوم العربية: نحوها، وصرفها، وبلاغتها، وحينئذٍ لا بد أن يكون للمرأة دروس في ذلك ولو قليلة، بحيث تعبر عما في نفسها تعبيراً صحيحاً تستطيع به أن توصل المعنى إلى أفئدة النساء اللاتي تخاطبهنّ.
المقوم الثالث: الحكمة:
أي أن يكون لدى المرأة حكمة في الدعوة، وفي إيصال العلم إلى من تخاطب، وحكمة في وضع الشيء في موضعه، كما قال أهل العلم، وهي من نعمة الله سبحانه وتعالى على العبد، أن يؤتيه الله الحكمة. قال الله عز وجل: يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة:269]. وما أكثر ما يفوت المقصود ويحصل الخلل، إذا لم تكن هناك حكمة، فمن الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل أن ينزل المخاطب المنزلة اللائقة به، فإذا كان جاهلاً عومل المعاملة التي تناسب حاله، وإذا كان عالماً، ولكن عنده شيء من التفريط والإهمال والغفلة عومل بما تقتضيه حاله، وإذا كان عالماً ولكن عنده شيء من الاستكبار وردّ الحق عومل بما تقتضيه حاله.
فالناس - إذن - على درجات ثلاث: جاهل، وعالم متكاسل، وعالم معاند، ولا يمكن أن نسوي كل واحد بالآخر، بل لا بد أن ننزل كل إنسان منزلته، ولهذا لما أرسل النبي معاذاً إلى اليمن قال له: { إنك تأتي قوماً أهل كتاب } وإنما قال له النبي ذلك ليعرف معاذ حالهم كي يستعد لهم بما تقتضيه هذه الحال ويخاطبهم بما تقتضيه هذه الحال أيضاً.
أمثلة على استعمال الحكمة في دعوته :
ويدل على استعمال الحكمة في الدعوة إلى الله وقائع وقعت ممن هو أحكم الخلق في الدعوة إلى الله، ألا وهو النبي ، ولنضرب لذلك أمثلة:
المثال الأول: الأعرابي الذي بال في المسجد:
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما: من حديث أنس بن مالك أن أعرابياً دخل المسجد ثم جعل يبول، فأخذت الصحابة الغيرة، فنهوه وصاحوا به، ولكن النبي الذي أوتي الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل، قال: { لا تزرموه } أي لا تقطعوا عليه بوله، فلما قضى الأعرابي بوله أمر النبي صلى الله وعليه وسلم أن يصب عليه ( أي على البول ) ذنوباً من ماء ( أي دلوا من ماء )، ثم دعا الأعرابي وقال له: { إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى ( أو من القذر ) وإنما هي للصلاة وقراءة القرآن وذكر الله عز وجل.. } أو كما قال .
وقد روى الإمام أحمد رحمه الله أن هذا الأعرابي قال: ( اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً ).
ونأخذ من هذه القصة العبر التالية:
العبرة الأولى:
أن الصحابة رضي الله عنهم أخذتهم الغيرة وصاحوا بهذا الأعرابي، فيؤخذ من ذلك أنه لا يجوز الإقرار على المنكر، بل الواجب المبادرة بالإنكار على فاعل المنكر، ولكن إذا كانت المبادرة تؤدي إلى أمر أكبر ضرراً فإن الواجب التأني حتى تزول هذه المفسدة الكبرى، ولهذا نهاهم النبي ، بل زجرهم عن أن ينهوا الأعرابي ويصيحوا به.
العبرة الثانية:
أن النبي أقر بالمنكر لدفع ما هو أنكر منه، فالمنكر الذي أقره هو استمرار هذا الأعرابي في التبول، والمنكر الذي دفعه بهذا الإقرار هو أن هذا الأعرابي لو قام لا يخلو من أمرين:
1- إما أن يقوم مكشوف العورة لئلا تتلوث ثيابه بالبول، و حينئذٍ يتلوث منه المسجد بقدر أكبر، ويبدو الرجل للناس وهو كاشف عورته وهاتان مفسدتان.
2- وأما إذا لم يقم على هذا الوجه، فإنه سوف يستر عورته، ولكن تتلوث ثيابه بما يصيبها من البول.
فمن أجل هاتين المفسدتين أقره النبي على استكمال البول، على أنه أيضاً قد حصلت هذه المفسدة بالبول في المسجد من أول الأمر، فإذا قام فإن هذه المفسدة التي حصلت لن تختفي، فنأخذ من هذه النقطة عبرة، وهي أن المنكر إذا كان لا يؤول إلا لشيء أنكر منه، فإن الواجب الإمساك دفعاً لكبرى المفسدتين بصغراهما.
ولهذا أصل في كتاب الله، فقد قال الله تعالى: وَلا تَسُبُّوا الذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّوا الله عَدْوَاً بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108].
كلنا يعلم أن سب آلهة المشركين من الأمور المحبوبة لله عز وجل، ولكن لما كان سب هذه الآلهة يؤدي إلى سب من ليس أهلاً للسب، وهو الرب عز وجل، فقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن سب آلهتهم في الآية السابقة.
العبرة الثالثة:
أن النبي بادر بإزالة المفسدة لأن التأخير له آفات، إذ كان من الممكن أن يؤخر النبي تطهير هذه البقعة من المسجد حتى يحتاج الناس إلى الصلاة فيها، فتطهر من أجل ذلك، ولكن من الأولى أن يبادر الإنسان إلى إزالة المفسدة حتى لا يعتريه فيما بعد عجز أو نسيان، وهذه نقطة هامة جداً، وهي أن يبادر بإزالته المفسدة خوفاً من العجز عن إزالتها في المستقبل، أو نسيانه - فمثلاً: لو أصابت الثوب نجاسة وهو ثوب يصلي فيه أو لا يصلي فيه.. فالأولى أن يبادر بغسل هذه النجاسة، وألا يؤخره لأنه ربما ينسى في المستقبل، أو يعجز عن إزالتها إما لفقد الماء، أو لغير ذلك.
ولهذا لما جيء إلى النبي بصبي أقعده في حجره فبال الصبي في حجر النبي فأمر صلى الله عليه مسلم بماء فأتبع البول مباشرة، ولم يؤخر غسل ثوبه إلى وقت الصلاة لما ذكرنا آنفاً.
العبرة الرابعة:
أن النبي أخبر الأعرابي بشأن هذه المساجد وأنها إنما بنيت للصلاة وقراءة القرآن وذكر الله، أو كما قال : لا يصلح فيها شيء من الأذى والقذر.
إذن فشأن المساجد: أن تعظم وأن تنظف وأن تطهر وألا يعمل فيها إلا ما يرضي الله تعالى، من الصلاة وقراءة القرآن وذكر الله عز وجل ونحو ذلك.
العبرة الخامسة:
أن الإنسان إذا دعا غيره بالحكمة واللطف واللين حصل من المطلوب ما هو أكبر مما لو أراد معالجة الشيء بالعنف، وقد اقتنع هذا الأعرابي اقتناعاً تاماً بما عَلَّمَه النبي حتى إنه قال هذه الكلمة المشهورة ( اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً ).
فنجد هنا أن النبي استعمل مع هذا الرجل جانب اللين والرفق لأنه جاهل بلا شك، إذ لا يمكن لعالم بحرمة المسجد، ووجوب تعظيمه أن يقوم أمام الناس ليبول في جانب منه.
المثال الثاني: الصحابي الذي جامع زوجته في نهار رمضان:
أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكتُ. قال { ما أهلكك؟ } قال: وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم ! وهذا جرم عظيم أن يتعمد الإنسان جماع زوجته وهو صائم في رمضان، ولكن لننظر كيف عامله النبي .. هل زجره؟ هل تكلم عليه؟ هل وبّخه؟ لا. لأن الرجل جاء تائباً نادماً، وليس معرضاً مستهتراً غير مبالٍ بما جرى منه... فسأله النبي : { هل يجد رقبة ليعتقها كفارة عما وقع منه؟ } فقال: لا. فسأله: { هل يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين؟ } فقال: لا، فسأله: { هل يستطيع أن يطعم ستين مسكيناً؟ } فقال: لا. ثم جلس الرجل فأُتي النبي بتمرة، فقال: { خذ هذا فتصدق به } يعني كفارة. فقال: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟! ما بين لامتيها أهل بيت أفقر مني ! فضحك النبي حتى بدت نواجده، ثم قال: { أطعمه أهلك }.
فنجد في هذه القصة عبراً منها، أنه لم يعنف الرجل ولم يزجره ولم يوبخه لأنه جاء تائباً نادماً، وهناك فرق بين رجل معاند ورجل مسالم جاء يستنجد بنا ويطلب منا أن نخلصه مما وقع فيه، لذلك عامله النبي بهذه المعاملة حيث رده إلى أهله ومعه الغنيمة التي حملها من رسول الله ، وهي هذا التمر الذي كان مفروضاً عليه أن يطعمه ستين مسكيناً، لو لم يكن فقيراً.
المثال الثالث: الرجل الذي عطس في الصلاة:
نأخذ هذا المثال من حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه، حين دخل مع النبي وهو يصلي فعطس رجل من القوم، فقال: الحمد لله. فقال له معاوية: يرحمك الله. فرماه الناس بأبصارهم، يعني استنكاراً لقوله.. فقال: واثكل أمّاه، فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت، فلما انصرف النبي من الصلاة دعاه وقال له: { إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التكبير، وقراءة القرآن } أو كما قال .
قال معاوية: بأبي هو وأمي ما رأيت معلماً أحسن تعليماً منه والله ما كهرني ولا تهرني.
المثال الرابع: الرجل الذي لبس خاتماً من ذهب:
نأخذ هذا المثال من قصة الرجل الذي كان عليه خاتم من ذهب، وكان النبي قد بيّن أن الذهب حرام على ذكور هذه الأمة. فقال النبي : { يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده }. ثم نزع النبي الخاتم بنفسه، ورمى به فلما انصرف النبي قيل للرجل: خذ خاتمك وانتفع به، فقال: والله لا آخذ خاتماً طرحه النبي .
نرى في معاملة النبي لهذا الرجل شيئاً من الشدة، إذ الظاهر أن هذا الرجل كان قد بلغه الخبر بأن الذهب حرام على ذكور هذه الأمة فلهذا عامله النبي هذه المعاملة التي هي أشد من معاملة من ذكرنا سابقاً.
إذن لا بد أن يكون الداعية منزلاً لكل إنسان منزلته بحسب ما تقتضيه الحال: فهناك جاهل لا يدري، وهناك عالم ولكن عنده فتور وكسل، وهناك عالم ولكنه معاند ومستكبر، فيجب أن ينزل كل واحد من هؤلاء المنزلة اللائقة به.
المقوم الرابع: حسن التربية:
أي أن تكون المرأة حسنة التربية لأولادها، لأن أولادها هم رجال المستقبل ونساء المستقبل، وأول ما ينشئون يقابلون هذه الأم، فإذا كانت الأم على جانب من الأخلاق وحسن المعاملة، وظهروا على يديها وتربوا عليها، فإنهم سوف يكون لهم أثر كبير في إصلاح المجتمع.
لذلك يجب على المرأة ذات الأولاد أن تعتني بأولادها، وأن تهتم بتربيتهم، وأن تستعين إذا عجزت عن إصلاحهم وحدها بأبيهم أو بولي أمرهم، إذا لم يكن لهم أب من إخوة أو أعمام أو بني أخوة أو غير ذلك.
ولا ينبغي للمرأة أن تستسلم للواقع، وتقول: سار الناس على هذا فلا أستطيع أن أغيّر، لأننا لو بقينا هكذا مستسلمين للواقع ما تم الإصلاح، إذ إن الإصلاح لا بد أن يغير ما فسد على وجه صالح، ولا بد أن يغير الصالح إلى ما هو أصلح منه حتى تستقيم الأمور.
ثم إن التسليم للواقع أمر غير وارد في الشريعة الإسلامية، ولهذا لما بعث النبي في أمته مشركة يعبد أفرادها الأصنام، ويقطعون الأرحام، ويظلمون ويبغون على الناس بغير حق، لم يستسلم ، بل لم يأذن الله له أن يستسلم للأمر الواقع، بل قال سبحانه وتعالى له: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ [الحجر:94].
فأمره سبحانه أن يصدع بالحق، وأن يعرض عن المشركين ويتناسى شركهم وعدوانهم حتى يتم له الأمر وهذا هو الذي حصل، نعم قد يقول قائل: إن من الحكمة أن نغير، لكن ليس بالسرعة التي نريدها، لأن المجتمع على خلاف ما نريد من الإصلاح. فحينئذٍ لا بد أن ينتقل الإنسان بالناس لإصلاحهم من الأهم إلى ما دونه، أي يبدأ بإصلاح الأهم والأكثر إلحاحاً ثم ينتقل بالناس شيئاً فشيئاً حتى يتم له مقصوده.
المقوم الخامس: النشاط في الدعوة:
أي أن يكون للمرأة دور في تثقيف بنات جنسها، وذلك من خلال المجتمع سواء أكان في المدرسة أو الجامعة أو في مرحلة ما بعد الجامعة كالدراسات العليا. كذلك أيضاً من خلال المجتمع فيما بين النساء من الزيارات التي تحصل فيها من الكلمات المفيدة ما يحصل.
ولقد بلغنا - ولله الحمد - أن لبعض النساء دوراً كبيراً في هذه المسألة، وأنهن قد رتّبْنَ جلسات لبنات جنسهن في العلوم الشرعية، والعلوم العربية، وهذا لا شك أمر طيب تحمد المرأة عليه، وثوابه باقٍ لها بعد موتها لقول النبي : { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له }.
فإذا كانت المرأة ذات نشاط في مجتمعها في نشر الدعوة: من خلال الزيارات، أو من خلال المجتمعات في المدارس أو غيرها، كان لها أثر كبير، ودور واسع في إصلاح المجتمع.
هذا هو ما حضرني الآن بالنسبة لدور المرأة في إصلاح المجتمع، وذكر مقومات هذا الإصلاح.
هذا والله سبحانه أسأل أن يجعلنا هداة مهتدين، وصالحين مصلحين، وأن يهبنا منه رحمته إنه هو الوهاب.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ـــــــــــــــــــ(68/386)
الحجاب إيمان طهارة تقوى حياء عفة
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 8883
(1704 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد لقيت المرأة المسلمة من التشريع الإسلامي عناية فائقة كفيلة بأن تصون عفتها، وتجعلها عزيزة الجانب، سامية المكان، وإن الشروط التي فرضت عليها في ملبسها وزينتها لم تكن إلا لسد ذريعة الفساد الذي ينتج عن التبرج بالزينة، وهذا ليس تقييداً لحريتها بل هو وقاية لها أن تسقط في درك المهانة، ووحل الابتذال، أو تكون مسرحاً لأعين الناظرين.
فضائل الحجاب
الحجاب طاعة لله عز وجل وطاعة للرسول :
أوجب الله طاعته وطاعة رسول فقال: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا [الأحزاب:36].
وقد أمر الله سبحانه النساء بالحجاب فقال تعالى: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31].
وقال سبحانه: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33]، وقال تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59].
وقال الرسول : { المرأة عورة } يعني يجب سترها.
الحجاب عفة
فقد جعل الله تعالى التزام الحجاب عنوان العفة، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59]، لتسترهن بأنهن عفائف مصونات فلا يتعرض لهن الفساق بالأذى، وفي قوله سبحانه فَلَا يُؤْذَيْنَ إشارة إلى أن معرفة محاسن المرأة إيذاء لها ولذويها بالفتنة والشر.
الحجاب طهارة
قال سبحانه وتعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53].
فوصف الحجاب بأنه طهارة لقلوب المؤمنين والمؤمنات لأن العين إذا لم تر لم يشته القلب، ومن هنا كان القلب عند عدم الرؤية أطهر، وعدم الفتنة حينئذ أظهر لأن الحجاب يقطع أطماع مرضى القلوب: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32].
الحجاب ستر
قال رسول الله : { إن الله حيي ستير، يحب الحياء والستر }، وقال : { أيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيتها خرق الله عز وجل عنها ستره }، والجزاء من جنس العمل.
الحجاب تقوى
قال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26].
الحجاب إيمان
والله سبحانه وتعالى لم يخاطب بالحجاب إلا المؤمنات فقد قال سبحانه وتعالى: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ وقال الله عز وجل: وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ .
ولما دخل نسوة من بني تميم على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عليهن ثياب رقاق قالت: { إن كنتن مؤمنات فليس هذا بلباس المؤمنات، وإن كنتين غير مؤمنات فتمتعن به }.
الحجاب حياء
قال : { إن لكل دين خلقاً، وإن خلق الإسلام الحياء }، وقال : { الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة }، وقال عليه الصلاة السلام: { الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإن رفع أحدهما رفع الآخر }.
الحجاب غيرة
يتناسب الحجاب أيضاً مع الغيرة التي جُبل عليها الرجل السوي الذي يأنف أن تمتد النظرات الخائنة إلى زوجته وبناته، وكم من حرب نشبت في الجاهلية والإسلام غيرة على النساء وحمية لحرمتهن، قال علي رضي الله عنه: "بلغني أن نساءكم يزاحمن العلوج –أي الرجال الكفار من العجم – في الأسواق ألا تغارون؟ إنه لا خير فيمن لا يغار ".
قبائح التبرج
التبرج معصية لله ورسول
ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئاً، قال رسول الله : { كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى }.
التبرج يجلب اللعن والطرد من رحمة الله
قال رسول الله : { سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البخت، العنوهن فإنهن ملعونات }.
التبرج من صفات أهل النار
قال رسول الله : { صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات.. } الحديث.
التبرج سواد وظلمة يوم القيامة
رُوي عن النبي أنه قال: { مثل الرافلة في الزينة في غير أهلها، كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها }، يريد أن المتمايلة في مشيتها وهي تجر ثيابها تأتي يوم القيامة سوداء مظلمة كأنها متسجدة في ظلمة والحديث – وإن كان ضعيفاً – لكن معناه صحيح وذلك لأن اللذة في المعصية عذاب، والطيب نتن، والنور ظلمة، بعكس الطاعات فإن خلوف فم الصائم ودم الشهيد أطيب عند الله من ريح المسك.
التبرج نفاق
قال النبي : { خير نسائكم الودود الولود، المواسية المواتية، إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات لا يدخلن الجنة إلا مثل الغراب الأعصم }، الغراب الأعصم: هو أحمر المنقار والرجلين، وهو كناية عن قلة من يدخل الجنة من النساء لأن هذا الوصف في الغربان قليل.
التبرج تهتك وفضيحة
قال رسول الله : { أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها، فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله عز وجل }.
التبرج فاحشة
فإن المرأة عورة وكشف العورة فاحشة ومقت قال تعالى: وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء [الأعراف:28]، والشيطان هو الذي يأمر بهذه الفاحشة الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء [البقرة:268].
التبرج سنة إبليسية
إن قصة آدم مع إبليس تكشف لنا مدى حرص عدو الله إبليس كشف السوءات، وهتك الأستار، وأن التبرج هدف أساسي له، قال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا [الأعراف:27].
فإذن إبليس هو صاحب دعوة التبرج والتكشف، وهو زعيم زعماء ما يسمي بتحرير المرأة.
التبرج طريقة يهودية
لليهود باع كبير في مجال تحطيم الأمم عن طريق فتنة المرأة وهم أصحاب خبرة قديمة في هذا المجال، حيث قال النبي : { فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء }.
التبرج جاهلية منتنة
قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33].
وقد وصف النبي دعوى الجاهلية بأنها منتنة أي خبيثة فدعوى الجاهلية شقيقة تبرج الجاهلية، وقد قال النبي : { كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي }، سواء في ذلك تبرج الجاهلية، ودعوى الجاهلية، وحمية الجاهلية.
التبرج تخلف وانحطاط
إن التكشف والتعري فطرة حيوانية بهيمية، لا يميل إليه الإنسان إلا وهو ينحدر ويرتكس إلى مرتبة أدنى من مرتبة الإنسان الذي كرمه الله، ومن هنا كان التبرج علامة على فساد الفطرة وانعدام الغيرة وتبلد الإحساس و موت الشعور:
لحد الركبتين تشمرينا *** بربك أي نهر تعبرين
كأن الثوب ظلٌ في صباح *** يزيد تقلصاً حيناً فحينا
تظنين الرجال بلا شعور *** لأنكِ ربما لا تشعرينا
التبرج باب شر مستطير
وذلك لأن من يتأمل نصوص الشرع وعبَر التاريخ يتيقن مفاسد التبرج وأضراره على الدين والدنيا، لا سيما إذا انضم إليه الاختلاط المستهتر.
فمن هذه العواقب الوخيمة:
تسابق المتبرجات في مجال الزينة المحرمة، لأجل لفت الأنظار إليهن.. مما يتلف الأخلاق والأموال ويجعل المرأة كالسلعة المهينة.
ومنها: فساد أخلاق الرجال خاصة الشباب ودفعهم إلى الفواحش المحرمة.
ومنها: المتاجرة بالمرأة كوسيلة للدعاية أو الترفيه في مجالات التجارة وغيرها.
ومنها: الإساءة إلى المرأة نفسها باعتبار التبرج قرينة تشير إلى سوء نيتها وخبيث طويتها مما يعرضها لأذية الأشرار والسفهاء.
ومنها: انتشار الأمراض لقوله : { لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا }.
ومنها: تسهيل معصية الزنا بالعين: قال عليه الصلاة والسلام: { العينان زناهما النظر } وتعسير طاعة غض البصر التي هي قطعاً أخطر من القنابل الذرية والهزات الأرضية.قال تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء:16]، وجاء في الحديث: { أن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعذاب }.
فيا أختي المسلمة:
هلا تدبرت قول الرسول : { نَحِ الأذى عن طريق المسلمين } فإذا كانت إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان فأيهما أشد شوكة... حجر في الطريق، أم فتنة تفسد القلوب وتعصف بالعقول، وتشيع الفاحشة في الذين آمنوا؟
إنه ما من شاب مسلم يُبتلى منك اليوم بفتنة تصرفه عن ذكر الله وتصده عن صراطه المستقيم – كان بوسعك أن تجعليه في مأمن منها – إلا أعقبك منها غداً نكال من الله عظيم.
بادري إلى طاعة الله، ودعي عنك انتقاد الناس، ولومهم فحساب الله غداً أشد وأعظم.
الشروط الواجب توفّرها مجتمعه حتى يكون الحجاب شرعياً.
الأول: ستر جميع بدن المرأة على الراجح.
الثاني: أن لا يكون الحجاب في نفسه زينة.
الثالث: أن يكون صفيقاً ثخيناً لا يشف.
الرابع: أن يكون فضفاضاً واسعاً غير ضيق.
الخامس: أن لا يكون مبخراً مطيباً.
السادس: أن لا يشبه ملابس الكافرات.
السابع: أن لا يشبه ملابس الرجال.
الثامن: أن لا يقصد به الشهرة بين الناس.
احذري التبرج المقنع
إذا تدبرت الشروط السابقة تبين لك أن كثيراً من الفتيات المسميات بالمحجبات اليوم لسن من الحجاب في شيء وهن اللائي يسمين المعاصي بغير اسمها فيسمين التبرج حجاباً، والمعصية طاعة.
لقد جهد أعداء الصحوة الإسلامية لو أدها في مهدها بالبطش والتنكيل، فأحبط الله كيدهم، وثبت المؤمنين و المؤمنات على طاعة ربهم عز وجل. فرأوا أن يتعاملوا معها بطريقة خبيثة ترمي إلى الانحراف عن مسيرتها الربانية فراحوا يروجون صوراً مبتدعة من الحجاب على أن أنها "حل وسط " ترضي المحجبة به ربها –زعموا- وفي ذات الوقت تساير مجتمعها وتحافظ على " أناقتها "!
سمعنا وأطعنا
إن المسلم الصادق يتلقى أمر ربه عز وجل ويبادر إلى ترجمته إلى واقع عملي، حباً وكرامة للإسلام واعتزازا ً بشريعة الرحمن، وسمعاً وطاعة لسنة خير الأنام غير مبال بما عليه تلك الكتل الضالة التائهة، الذاهلة عن حقيقة واقعها والغافلة عن المصير الذي ينتظرها.
وقد نفى الله عز وجل الإيمان عمن تولى عن طاعته وطاعة رسوله فقال: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ [النور:47،48]، إلى قوله إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:51،52].
وعن صفية بنت شيبة قالت: بينما نحن عند عائشة رضي الله عنها قالت: فذكرت نساء قريش وفضلهن، فقالت عائشة رضي الله عنها: ( إن لنساء قريش لفضلاً، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً لكتاب الله، ولا إيماناً بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31] فانقلب رجالهن إليهن يتلون ما أنزل الله إليهن فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابته، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل (أي الذي نقش فيه صور الرحال وهي المساكن) فاعتجرت به (أي سترت به رأسها ووجهها) تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله في كتابه، فأصبحن وراء رسول الله معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان ).
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
ـــــــــــــــــــ(68/387)
بيان في لباس المرأة عند محارمها ونسائها
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
مكتب الدعوة و الإرشاد بسلطانة ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 5812
(604 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فقد كانت نساء المؤمنين في صدر الإسلام قد بلغن الغاية في الطهر والعفة، والحياء والحشمة ببركة الإيمان بالله ورسوله واتباع القرآن والسنة، وكانت النساء في ذلك العهد يلبسن الثياب الساترة، ولا يعرف عنهن التكشف والتبذل عند اجتماعهن ببعضهن أو بمحارمهن، وعلى هذه السنة القويمة جرى عمل نساء الأمة - ولله الحمد - قرنًا بعد قرن إلى عهد قريب، فدخل في كثير من النساء ما دخل من فساد في اللباس والأخلاق لأسباب عديدة ليس هذا موضع بسطها.
ونظرًا لكثرة الاستفاءات الواردة إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن حدود نظر المرأة إلى المرأة وما يلزمها من اللباس، فإن اللجنة تبين لعموم نساء المسلمين: أنه يجب على المرأة أن تتخلق بخلق الحياء الذي جعله النبي من الإيمان وشعبةً من شعبه، ومن الحياء المأمور به شرعًا وعرفًا تستر المرأة واحتشامها وتخلقها بالأخلاق التي تبعدها عن مواقع الفتنة ومواضع الريبة.
وقد دل ظاهر القرآن على أن المرأة لا تبدي للمرأة إلا ما تبديه لمحارمها مما جرت العادة بكشفه في البيت وحال المهنة كما قال تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ [النور:31] الآية، وإذا كان هذا هو نص القرآن وهو ما دلت عليه السنة، فإنه هو الذي جرى عليه عمل نساء الرسول ونساء الصحابة ومن اتبعهن بإحسان من نساء الأمة إلى عصرنا هذا، وما جرت العادة بكشفه للمذكورين في الآية الكريمة هو: ما يظهر من المرأة غالبًا في البيت وحال المهنة ويشق عليها التحرز منه ؛ كانكشاف الرأس واليدين والعنق والقدمين، وأما التوسع في التكشف فعلاوة على أنه لم يدل على جوازه دليل من كتاب أو سنة هو أيضًا طريق لفتنة المرأة والافتتان بها من بنات جنسها، وهذا موجود بينهن، وفيه أيضًا قدوة سيئة لغيرهن من النساء، كما أن في ذلك تشبهًا بالكافرات والبغايا الماجنات في لباسهن، وقد ثبت عن النبي أنه قال: { من تشبه بقوم فهو منهم } [أخرجه الإمام أحمد وأبو داود].
وفي " صحيح مسلم" عن عبد الله بن عمرو أن النبي رأى عليه ثوبين معصفرين فقال: { إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها } وفي صحيح مسلم أيضًا أن النبي قال: { صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسمنة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا }، ومعنى { كاسيات عاريات }: هو أن تكتسي المرأة ما لا يسترها، فهي كاسية، وهي في الحقيقة عارية، مثل من تلبس الثوب الرقيق الذي يشف بشرتها، أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع جسمها، أو الثوب القصير الذي لا يستر بعض أعضائها.
فالمتعين على نساء المسلمين التزام الهَدْي الذي كان عليه أمهات المؤمنين ونساء الصحابة رضى الله عنهن ومن اتبعهن بإحسان من هذه الأمة، والحرص على التستر والاحتشام فذلك أبعد عن أسباب الفتنة، وصانة للنفس عما تثيره دواعي الهوى الموقع في الفواحش.
كما يجب على نساء المسلمين الحذر من الوقوع فيما حرمه الله ورسوله من الألبسة التي فيها تشبه بالكافرات والعاهرات طاعة لله ورسوله ورجاء لثواب الله وخوفًا من عقابه.
كما يجب على كل مسلم أن يتقي الله فيمن تحت ولايته من النساء، فلا يتركهن يلبسن ما حرمه الله ورسوله من الألبسة الخالعة والكاشفة والفاتنة، وليعلم أنه راعٍ ومسؤول عن رعيته يوم القيامة.
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يهدينا جميعًا سواء السبيل، إنه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم عن نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
رئيس/ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
عضو/ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان
عضو/ بكر بن عبد الله أبو زيد
عضو/ صالح بن فوزان الفوزان
ـــــــــــــــــــ(68/388)
الأم.. مكانتها ودورها
سعود بن إبراهيم الشريم
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 44148
(2241 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
جندية مجهولة
فعلى البسيطة من هذا الكون ثَمَّ مخلوقة ضعيفة، تغلب عليها العاطفة الحانية، والرقة الهاتنة، لها من الجهود والفضائل ما قد يتجاهله ذوو الترف، ممن لهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، ولهم قلوب لا يفقهون بها، هي جندية حيث لا جند، وهي حارسة حيث لا حرس، لها من قوة الجذب ومَلَكة الاستعطاف ما تأخذ به لبَّ الصبي والشرخِ كلَّه، وتملك نياط العاطفة دقّها وجلِّها، وتحل منه محل العضو من الجسد، بطنها له وعاء، وثديها له سِقاء، وحجرها له حِواء، إنه ليملك فيها حق الرحمة والحنان، لكمالها ونضجها، وهي أضعف خلق الله إنساناً، إنها مخلوقة تسمى الأم، وما أدراكم ما الأم؟!
أم الإنسان – عباد الله – هي أصله وعماده الذي يتكئ عليه، ويرد إليه وَاللهُ جَعَلَ لَكُم من أنفسكم أَزوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم من أَزواجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً [النحل:72]. وكون الشيء أصلاً وعماداً دليل بارز بجلائه على المكانة وعلو الشأن وقوة المرجعية، ألا ترون أن أم البشر حواء، وأم القوم رئيسُهم، وأم الكتاب الفاتحة، وأم القرى مكة، وفي ثنايا العلوم كتاب الأم للشافعي رحمه الله؟!
لماذا الحديث عن الأم؟
من خلال هذه المقدمة الوجيزة عن الأم، ربما يدور بخلد سائل ما سؤال مفاده: أيوجد ثمَّ مشكلة تستدعي الحديث عن مخلوقة ليست هي بدعاً من البشر؟ أم أن الحديث عنها نوع تسلية وقتل للأوقات؟ أم أن الأمر ليس هذا ولا ذاك؟.
والجواب الذي لا مراء فيه: أن الأمر ليس هذا ولا ذاك، بل إن الأمر أبعد من هذا وأجلّ، إننا حينما نتحدث عن الأم فإننا نتحدث عنها على أنها قرينةُ الأب، لها شأن في المجتمع المكوَّن من البيوتات، والبيوتات المكونة من الأسر، والأسر المكونة منها ومن بَعْلِها وأولادها، هي نصف البشرية، ويخرج من بين ترائبها نصف آخر، فكأنها بذلك أمةٌ بتمامها، بل هي تلد الأمة الكاملة، إضافة إلى ما أولاه الإسلام من رعاية لحق الأم، ووضع مكانتها موضع الاعتبار، فلها مقام في الحضانة، ولها مقام في الرضاع، وقولوا مثل ذلك في النفقة والبرِّ وكذا الإرث.
فالحديث عن الأم إذاً يحتل حيزاً كبيراً من تفكير الناس، فكان لزاماً على كل من يهيئ نفسه لخوض مثل هذا الطرح أن يكون فكره مشغولاً بها، يفرح لاستقامة أمرها، ويأسى لعوجه، ويتضرس جاهداً في الأطروحات المتسللة لواذاً؛ ليميز الخبيث من الطيب، فلا هو يسمع للمتشائمين القانطين، ولا هو في الوقت نفسه يلهث وراء المتهورين.
والمرتكز الجامع في هذه القضية، والذي سيكون ضحية التضارب والمآرب، هي أمي وأمك وأم خالد وزيد، وحينئذ يجني الأولاد على أمهاتهم، ويقطعون أصلاً وأُسًّا قرره رسول الله لرجل حين جاء يسأله: { من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك } [خرجاه في الصحيحين]. وسلام الله على نبيه عيسى حين قال: وَبَراً بِوَالِدَتِي وَلَم يَجعَلني جَباراً شَقِياً [مريم:32].
ماذا يحدث لو غاب دور الأم؟!
إن الارتفاع بشأن الأم في أوساط الناس وفق الحدود والمعالم التي حددها الشارع الحكيم لهو من دواعي رفعة البيت المسلم، كما أن المحاولات الخبيثة في خلخلة وظيفتها التي فطرها الله عليها من حيث تشعر هي أو لا تشعر، سببٌ ولا شك في فساد الاجتماع، وضياع الأجناس، وانثلام العروة، فأزاحت الأم عن نفسها مسئولية النسل ورعايته، فأصبحت لنفسها لا لرعيتها، ومن ثم قد تُسائل هي نفسها عن السبب، وما السبب إلا ما بيَّناه آنفاً، ولعمرُ الله كم قد تحقر الأم نفسها، أو يغيب عن وعيها مكانتها وسلطانها، ولو رفعت ببصرها قليلاً في ديوان من دواوين سنة المصطفى لوجدت قول النبي : { والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده } [رواه البخاري]، ومعلوم أن الرعاية لا توكل إلا لذي قدرة وسلطان على رعيته، ومن هنا عُلم أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
لقد أصبح دور الأم ضعيفاً في تربية الأبناء وتوجيههم الوجهة الصحيحة؛ بسبب جهلها، أو غلبة المفاهيم الدخيلة عليها، فانحرفت مع التيارات المناوئة لما فُطِرت عليه، فخرج كثير من الأمهات من بيوتهن، وقلَّ تدينُهن وقربُهن من الله، فحصل الإهمال وضاع العيال، ولربما سلّمت فلذات كبدها إلى أيدي خادمة غير مسلمة !! وإن كان ثم مسلمة فجهلها أضعاف جهل الأم، فكانت كالمستجير من الرَّمْضاء بالنار، والمعلوم المقرر أنه ليس لبشر أمان.
أماه ... لا تنخدعي !
لقد انقاد كثير من الأمهات وراء صيحات أهل الكفر، فأُعجبت ببريق ما عندهم، وظهر النَّهم عندهن، حتى إنك لتحسه من إحداهن، فتراها كلما تقدمت في السن والإنجاب ازدادت في التشبب، ولا تزال تبتدئ من حيث انتهى أهل الكفر أنفسهم. إذاً الأم هناك تعيش تعيسة مُهَانة، لا أمل لها في ولد ولا بنت، ولربما لم تشعر بقيمة الأمومة والبنوة إلا بكلب تقتنيه، أو سِنَّور يحل في قلبها محل ابن آدم، وذلك كله ليس بمانع هذا الحيوان من أن يكون يوماً ما وريثها الوحيد دون أولادها، وأولادها في غفلة سادرين، ينتظرون خبر وفاتها بفارغ الصبر، لينعموا بما تخلفه من تركة أو عقار، وإن كانت الأم فقيرة الحال ففي دور العجزة والرعاية بالمسنين متسع لها ولمثيلاتها.
إن الذين يزدرون وظيفة ربة البيت التي هي الأم،هم جُهَّال بخطورة هذا المنصب وآثاره العميقة في حاضر الأمم ومستقبلها المشرق، بل إن أعباء هذا المنصب لا تقل مشقة ومكانة عن أحمال الرجال خارج بيوتهم، وإن القدرات الخاصة التي توجد لدى بعض الأمهات لا تبرِّر لهن إلغاء هذا المنصب، الذي لا يليق إلا لهن، ولا يلِقْن إلا له. فطرة اللهِ التِي فَطَرَ الناسَ عَلَيهَا لاَ تَبدِيلَ لِخَلقِ اللهِ [الروم:30].
أكمل الأمهات !!
ليس أكمل الأمهات تلك الأم التي امتلأت في عقلها بصنوف من العلوم والمعارف النظرية أو التجريبية،في حين أن القلب خواء مما ينفع بيتها أو يفيده، إن مثل هذه الأم تحل بما تعلمت مشاكل وتخلق مشاكل أخرى، لا ليس نضح الأم كمثل هذا، إنما الأم هي تلك المصونة العفيفة، التي أضاءت قلبها بنور الإيمان والطاعة، والاتباع للكتاب والسنة، والتي هي لبعلها وولدها كالإلهام والقوة في إدخال السرور، والنقص من الآلام، ولم تكن الأم قط أعظم من الأب إلا بشيء واحد هو خلقها ودينها، الذي تجعل به زوجها وولدها خيراً وأعظم منها، وقديماً قيل: وراء كل رجل عظيم امرأة. فالمرأة – أيها الناس – إما زوجة حانية، أو أم مربية، أو هي في طريقها إلى هذا المصير النبيل بعد أن تشبّ عن الطوق.
دورك يا أمَّاه !!
إن تصور الأم قاعدةً في البيت لا شغل لها جهلٌ مُركَّب بمعنى الأسرة الحية، كما أن تصورها محلاً لإجادة الطهي والخدمة فحسب ضربٌ من السلوك المعوج الذي عرفته الأم الكافرة إبَّان إفلاسها الأخلاقي والأسرى، والذي أثبت من خلاله أن الأم العاطلة خير من الأم الفاسدة الخرَّاجة الولاَّجة، وأن الأمهات المحتبسات في المخادع والبيوت أشرف من اللواتي يتكشَّفن لكل عين، ولا يرددْن يد لامس أو نظرة لاحظ.
ونحن - معاشر المسلمين - لا نريد في حياتنا من خلال الواقع المرير أن نوازن بين شرين، لنختار أحدهما أو أخفهما، كلا بل إننا نريد أن نحقق ما طالبنا الإسلام به، من إقامة أسرة مستقيمة يشترك الجنسان معاً في بنائها، وحمل تبعاتها على ما يرضي الله ورسوله، ليتحقق فينا قول الباري جل وعلا: وَالذِينَ ءامَنُوا وَاتبَعَتهُم ذُريتُهُم بِإِيمانٍ أَلحَقنَا بِهِم ذُريتَهُم وَمَا أَلَتنَاهُم من عَمَلِهِم من شيء كُل امرئ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ [الطور:21].
يقول وكيع بن الجراح: قالت أم سفيان المحدِّث لولدها سفيان: اذهب فاطلب العلم حتى أعولك بمغزلي، فإذا كتبت عشرة أحاديث فانظر هل تجد في نفسك زيادة فاتبعه وإلا فلتتبعني. هذه هي أم أمير المؤمنين في الحديث.
وقبل ذلك حذيفة بن اليمان تسأله أمه: يا بني، ما عهدُك بالنبي ؟ قال: من ثلاثة أيام، فنالت منه وأنَّبته قائلة: كيف تصبر يا حذيفة عن رؤية نبيك ثلاثة أيام؟.
وذكر ابن سعد في طبقاته الكبرى عن إسحاق بن عبد الله، عن جدته أم سليم رضي الله عنها أنها آمنت برسول الله ؛ قالت: فجاء أبوأنس – وكان غائباً – فقال: أَصَبَوتِ؟ قالت: ما صبوت، ولكن آمنت بهذا الرجل. قالت: فجعلت تلقِّن أنساً وتشير إليه: قل لا إله إلا الله، قل أشهد أن محمداً رسول الله، ففعل، قال: فيقول لها أبوه: لا تفسدي عليَّ ابني، فتقول: لا أفسده، فلما كبر أتت به النبي وقالت له: هذا أنس غلامك، فقبَّله النبي .
لقد قامت الأم بدورها الريادي في التربية والتوجيه، متمثلاً في شخصيات وسلف هذه الأمة لا تعد حصراً، إيمان بالله، وحسنُ تربية، ولا تفسدُ على زوجها إصلاحَ بيتها، تطلعه على كل ما من شأنه إصلاح البيت المسلم، بيتها دار الحضانة الأسمى، لا دور الحضانة المنتشرة في آفاق المسلمين، والتي ينبغي ألاَّ تُقبل إلا في الضرورات الملجئة.
في الخنساء عبرة وعظة
أيتها الأم المسلمة.. أيها الأب المسلم:
في سير الأسلاف عظةٌ، وفي مواقفهم خير وعبرة، والخنساء رضي الله عنها عُرفت بالبكاء والنواح، وإنشاء المراثي الشهيرة في أخيها المتوفَّى إبان جاهليتها، وما أن لامس الإيمان قلبها، وعرفت مقام الأمومة ودور الأم في التضحية والجهاد في إعلاء البيت المسلم ورفعة مقامه عند الله، وعظت أبناءها الأربعة عندما حضرت معركة القادسية تقول لهم: إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، وإنكم لابْنُ أبٍ واحد وأم واحدة، ما خبث آباؤكم، ولا فُضحت أخوالكم. فلما أصبحوا باشروا القتال واحداً بعد واحد حتى قُتلوا، ولما بلغها خبرهم ما زادت على أن قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.
هذه هي الخنساء فأين جملة من رائدات نهضة الأمومة منها؟ هذه هي الخنساء فأين المتنصِّلاتُ عن واجب الأمومة منها؟ إن جملة منهن – ولاشك – أقصر باعاً وأنزل رتبةً من أن يفقهن مثل هذا المثل، ربما كرهت إحداهن أن تكون أُمًّا لأربعة، ولو تورطت بهم يوماً ما لما أحسنت حضانتهم وتربيتهم، فلم تدرك ما ترجو، ولم تنفع نفسها ولا أمتها بشيء طائل، وكفى بالأم إثماً أن تضيِّع من تعول. وفي مثل الخنساء تتجلى صورة الأمومة على وجهها الصحيح، وما ذاك إلا للتباين الذي عاشته في جاهليتها وإسلامها، ومن هنا يظهر عظم المرأة، ويظهر تفوقها على رجال كثير مع أنوثتها وقصورها عن الرجل، ولو كانت الأمهات كأم سليم، وعائشة، وأم سلمة، والخنساء، لَفضُلتْ النساء على كثير من الرجال في عصرنا الحاضر. فالصالِحاتُ قانِتاتٌ حَافِظَاتٌ للغَيبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ [النساء:34].
فاتقوا الله معاشر المسلمين، واعلموا أن للأم مكانة غفل عنها جُلّ الناس بسبب ضعف الوازع الديني المنجي من الوقوع في الإثم والمغبَّة، وعلينا جميعاً أن نعلم أن الأم خير حانية، لطيفة المعشر، تحتمل الجفوة وخشونة القول، تعفو وتصفح قبل أن يُطلب منها العفو أو الصفح، حملت جنينها في بطنها تسعة أشهر، يزيدها بنموه ضعفاً، ويحمِّلها فوق ما تطيق عناء، وهي ضعيفة الجسم، واهنة القوى، تقاسي مرارة القيء والوحام، يتقاذفها تمازج من السرور والفرح لا يحسّ به إلا الأمهات، يتبعها آثار نفسية وجسمية، تعمل كل شيء اعتادته قبل حملها بصعوبة بالغة وشدة،تحمله وهناً على وهن، تفرح بحركته، وتقلق بسكونه، ثم تأتي ساعة خروجه فتعاني ما تعاني من مخاضها، حتى تكاد تيأس من حياتها، وكأن لسان حالها يقول: يا لَيتَني مِت قَبلَ هَذَا وَكُنتُ نَسياً منسِياً [مريم:23]. ثم لا يكاد الجنين يخرج في بعض الأحايين غلاً قسراً وإرغاماً، فيمزق اللحم، أو تبقر البطن، فإذا ما أبصرته إلى جانبها نسيت آلامها، وكأن شيئاً لم يكن إذا انقضى، ثم تعلِّق آمالها عليه، فترى فيه بهجة الحياة وسرورها، والذي تفقهه من قوله تعالى: المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدنيَا [الكهف:46]، ثم تنصرف إلى خدمته في ليلها ونهارها، تغذِّيه بصحتها، وتنميه بهزالها، تخاف عليه رقة النسيم وطنين الذباب، وتؤْثِره على نفسها بالغذاء والنوم والراحة، تقاسي في إرضاعه وفطامه وتربيته ما ينسيها آلام حملها ومخاضها.
تقول عائشة رضي الله عنها: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقَّت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله فقال: { إن الله قد أوجب لها الجنة – أو أعتقها من النار } [رواه مسلم]. الله أكبر.. ما أعظم الأم الصادقة المسلمة !!.
لا للعقوق
ألا فليتق الأولاد الله، وليقدِّروا للأم حقَّها وبرَّها، ولينتهين أقوام عن عقوق أمهاتهم قبل أن تحل بهم عقوبة الله وقارعته، ففي الصحيحين يقول النبي : { إن الله حرَّم عليكم عقوق الأمهات }، وعند أحمد وابن ماجة أن النبي صلى الله عيله وسلم قال: { إن الله يوصيكم في أمهاتكم } قالها ثلاثاً، وعند الترمذي في جامعه عن النبي قال: { إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حلَّ بها البلاء ... وذكر منها: وأطاع الرجل زوجته وعقَّ أمه }.
ولا بطلقة واحدة
ألا لا يعجبنَّ أحدٌ ببره بأمه، أو يتعاظم ما يسديه لها، فبرُّها طريق إلى الجنة.
جاء عند البيهقي في شعب الإيمان، والبخاري في الأدب المفرد: "أن أبا بردة بن أبي موسى الأشعري حدّث: أنه شهد ابن عمر رجلاً يمانياً يطوف بالبيت، حمل أمه وراء ظهره يقول:
إني لها بعيرها المذلَّل *** إن أُذعرت ركابها لم أُذعر
الله ربي ذو الجلال الأكبر، حملتها أكثر مما حملتني، فهل ترى جازيتها يا ابن عمر؟ قال ابن عمر: لا، ولا بزفرة واحدة!".
ليس هكذا تُكرم الأم!!
ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين، واعلموا أنه ينبغي التنبيه إلى مكانة الأم. وواجب الأولاد والمجتمع تجاهها لا يعني خرق حدود الشريعة أو تجاوزها، إذ تلك حدود الله فلا تعتدوها، فالأم لا تُطاع في معصية الله، ولا يُقدَّم قولها على قول الله ورسوله، ولا ينبغي أن يُتشبَّه بأهل الكفر في طقوسهم ومراسيمهم مع الأم، والتي هي ليست من نهج الإسلام في شيء،حيث يعملون لها يوماً في السنة هو يوم البر بها، يقدمون لها فيه شيئاً من الزهور أو الطيب ونحو ذلك، يسمونه عيد الأم، وهذا من البدع المنكرة التي يكتنفها آفتان:
أولاهما: تقليد أهل الكفر: ورسول الله نهانا عن التشبه بهم، وأمرنا بمخالفتهم، ومن أبى فقد قال عنه : { ومن تشبه بقوم فهو منهم }، حتى لقد قال اليهود عنه: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه [رواه مسلم].
وثاني الأمرين: هو إحداث عيد واحتفال لا يُعرف في أعياد المسلمين: وما للمسلمين إلا عيدان: عيد فطر، وعيد أضحى، وما عدا ذلك من أعياد للأم واحتفالات، أو أعياد للميلاد أو للبلوغ أو للكهولة أو للشيخوخة، كل ذلك مما أُحدث في الدين، وحرّمه علماء الملة. فكل احتفال أو عيد لم يدل الشرع عليه فهو بدعة محدثة، ورضي الله عن ابن عباس حين قال: { ما أتى على الناس حتى أحدثوا فيه بدعة، وأماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدع وتموت السنن }.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ(68/389)
همسة في أذن الطالبات
دار ابن خزيمة ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 8502
(922 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه..
أختي المسلمة: اعلمي أن العلم أنفس ما تبذل فيه الأعمار، فهو طريق العمار، وعنوان الصلاح في كافة الأزمان والأعصار.
والأخت المسلمة، أشد حاجة من ذي قبل إلى العلم والتعلم، لتوازي به ركب العصر ومجرياته، وتقاوم طغيان الغرب وتحدياته، وتكون في مستوى التكوين الثقالي والعلمي بحيث تجابه متطلبات العصر وأولوياته دون إخفاق أو فشل.
أختي المسلمة: ولما كان العلم لا يتعارض مع الدين والالتزام كان لزاماً عليك أن تجعلي من طلبك للعلم وسيلةً لنصرة الدين والاعتزاز به. تتعبدين الله بخروجك إلى طلب العلم، وتمرسك على التعلم والمطالعة، وتحافظين أثناء كل ذلك على العفة والحياء والطهارة والنقاء! وإليك بعض الوصايا التي لا غنى للطالبات عنها:
أختاه:
1- تذكري أن ذهابك لطلب العلم هو عبادة وتدين قال : { الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما ولاه وعالماً ومتعلماً } [رواه ابن ماجه وهو حسن].
ومهما كان اختصاصك في العلوم، سواء في العلوم الشرعية أو غيرها كالفيزياء والطب والهندسة.. فأنت ملزمة في ذلك بالإخلاص لأنه يحول عاداتك إلى عبادات ويملأ صحيفتك بالثواب الجزيل على ما تتعلمين.
2- حافظي على حجابك أثناء الخروج والدخول وفي الشارع والمدرسة والجامعة، فإن الحجاب لا ينافي العلم، بل التبرج هو الذي ينافيه وينقضه لأنه محرم شرعاً ومعاب عقلاً وقد دلت التجربة الميدانية في الغرب وفي كثير من الدول الأخرى على فساده، وتسببه في الأمراض والأوبئة الفتاكة ! فتأملي ! واعلمي أيضاً أنه لا ينافي الجمال ولا يعيبه، بل يحفظه ويستره لئلا تنتهشه أنياب الذئاب ممن طاش عقلهم واستهوتهم الشياطين! وتذكري أيضاً أن الحجاب له أوصاف معلومة لا تتجدد بتجدد الموضة والأزياء بل هي ثابتة ثبات الجبال وباقية بقاء الكتاب والسنة!
وشروطه كالآتي:
1- أن يكون ساتراً لجميع البدن، لقول الله لعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:59].
2- ألا يكون الحجاب زينة في نفسه: لقوله تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [النور:31]فهي شاملة لكل أنواع الزينة، ومن هنا كان تزيينه بأي شكل من أشكال الزينة من التبرج، وقد انطوى هذا على كثير من المسلمات فجرين وراء موضة العباءات حتى سقطن في فخ التبرج المقصود ! والله جل وعلا يقول: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33].
قال مجاهد: ( كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال، فذلك تبرج الجاهلية ).
وقال مقاتل بن حيان: ( التبرج أن تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدوا ذلك كله منها وذلك التبرج ).
3- ألا يكون مبخراً ولا مطيباً بأنواع العطورات، لقول الرسول : { أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية } [رواه أحمد وسنده حسن].
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة } [رواه مسلم].
4- ألا يكون ضيقاً حتى لا يصف الجسد: فعن أسامة بن زيد قال: كساني رسول الله قبطية كثيفة مما أهداها إليه دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله : { مرها فلتجعل تحتها غلالة إني أخاف أن تصف حجم عظامها } [رواه أحمد بسند حسن].
5- أن يكون ثقيلاً لا يشف ما تحته: قال : { صنفان من أهل النار لم أرهما قوم: معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها } [رواه مسلم].
والنساء الكاسيات العاريات من الكاسيات في الحقيقة العاريات في المعنى، لأنهن يلبسن ثياباً رقاقاً يظهرن البشرة أو كاسيات لباس الزينة عاريات لباس التقوى.
6- ألا يشبه لباس الرجال: وذلك سواء داخل البيت أو خارجه، فعن ابن عباس قال: { لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال } [رواه البخاري].
7- ألا يكون لباس شهرة: لقوله : { من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوباً مثله، ثم يلهب في النار } [رواه أبو داود بسند حسن]. ومن ذلك من تلبس اللباس الذي يكلف المبالغ الباهضة تلبسه تفاخراً وتطاولاً!
8- ألا يشبه الكافرات: قال تعالى: لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22].
كما أن التشبه بالكفار تنكر للإسلام واستبدال لتعاليمه بغيرها وكفى به إثماً عظيماً.
أختي المسلمة: وأما فيما يخص ميدان التعليم فأنصحك بالآتي:
1- مذاكرة الدروس قبل الشرح وبعده.
2- تنظيم الوقت بوضع جدول يومي تخططين فيه للمطالعة وللثقافة وللزيارة وللعبادة وغيرها حتى لا تختلط عليك الأمور.
3- الاصغاء إلى الشرح داخل الفصل.
4- السؤال عن الغامض في الدروس فإن شفاء العي السؤال.
5- الجد والاجتهاد والهمة العالية في التحصيل فإن الأخت المسلمة كلما تقوت بعلم أو غيره، كلما كانت عامل قوة للأمة كلها.
6- الاستعانة بالله - جل وعلا - والدعاء، على الفهم والتعلم وفي الاختبار أيضاً.
وتذكري يا أخية، أن الدمار كل الدمار، في الاقتران بقرينات السوء، فإنهن مجلبة للشر مضيعة للعمر، مغبنة مفسدة. فاحذري أن ترافقي من ترين فيهن قلة الدين والورع.
قال رسول الله: { المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل }.
واعلمي أنك تتطبعين بخلق من تعاشرين وتجالسين. قال : { مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونايخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة } [متفق عليه].
واحرصي حفظك الله على أداء الفرائض وأهمها الصلاة، واجتنبي ما حرم الله عليك كالغناء والكذب والغيبة والنميمة وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وغيرها من المحرمات.
وكوني صالحة لنفسك، مصلحة لغيرك، داعية إلى الله- جل وعلا- وإلى صراطه المستقيم بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ(68/390)
أحكام لباس المرأة المسلمة وزينتها
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 12685
(3859 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبيه ومصطفاه، أما بعد:
أختي المسلمة:
للناس في دروب الحياة، وشعابها غايات شتى، وأهداف متعددة وآمال متغايرة. فمنهم من يريد المال، فتجده ينفق ساعات عمره وأيامه في جمعه، ولا يبالي أمِنْ حلال أم من حرام. ومن الناس من غايته اللهو واللعب والسفر والتجوال بحثاً عن المتعة أينما وجدت، ومن النساء من غايتها تضييع الوقت وإهدار ساعات العمر فيما يغضب الله عز وجل من مجالس السوء التي فيها الغيبة والنميمة والكذب والاستهزاء بالآخرين، فإذا نُصحت إحداهن قالت: وماذا نفعل، إننا نتسلى ونوسِّع صدورنا !! ومنهنَّ من غايتها الأكل والشرب وقضاء الوطر، ثم إنها لا تعرف شيئاً بعد ذلك عن صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا حج، وكأنها تقول بلسان الحال: إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ [المؤمنون:37]، أو تقول: ما الأمر إلا أرحام تٌدفع، وأرضٌ تبلع !!
وهؤلاء جميعاً مآلهم الشقاء، ونهايتهم الحسرة والندم: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:124-126]. فَأَمَّا مَن طَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:37-39].
أما أنت أيتها الأخت الفاضلة، فغايتك سامية وهدفك نبيل، إن غايتك هي رضا الله عز وجل وعبادته وحده لا شريك له، والنجاة من النار والفوز بالجنة وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41]. من أجل ذلك – أختي المسلمة – فإنكِ دائماً تتطلعين إلى معرفة أحكام الله عز وجل فيما يخصك من أمور.
وهذه الصفحات سوف نجعلها للحديث عن ضوابط لباس المرأة وزينتها وتحدثها مع الرجال الأجانب، وذلك لأن اللباس والزينة من أعظم الأسلحة التي حوربت بها المرأة – بل الأمة كلها – في هذا العصر، وكان من نتائج ذلك أن تجاوزت كثير من النساء حدود الإسلام في اللباس والزينة بصورة كبيرة – ولهذا التجاوز أسباب منها:
1- أن المرأة مفطورة على حب الحليّ والزينة كما قال تعالى: أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18]، ولكن ينبغي أن يكون ذلك وفق الضوابط الشرعية حتى لا يكون سبيلاً إلى معصية.
2- خفة التديُّن واتباع الهوى وعدم مراقبة الله تعالى لدى كثير من النساء.
3- طول الأمل ونسيان أن الموت يأتي بغتة.
4- التعلق بآيات وأحاديث الرجاء والعفو وسعة الرحمة، ونسيان أنه تعالى شديد العقاب.
5- ارتياد المرأة أماكن التجمعات العامة لغير حاجة كالأسواق.
6- الاهتمام بمجلات وبيوت الأزياء.
7- سلبية بعض الأولياء والأزواج، فلا تجد المرأة من أحدهم نصحاً أو إرشاداً أو اعتراضاً على ما ترتديه.
8- سوء عشرة بعض الأزواج لزوجاتهم، وهجرانهم لهن.
9- صديقات السوء.
10- التشجيع والثناء من بعض من لا خلاق لهم.
الفتاوى
سُئل الشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله: هل المعنى الحقيقي لكلمة "الحجاب" في الإسلام هو أن لا يظهر من المرأة سوى وجهها ويديها أم هناك معنى أوسع وأعمق لكلمة الحجاب في الإسلام؟
فأجاب: الحجاب في الإسلام بيَّنه القرآن وهو: أن المرأة المسلمة ينبغي أن تكون عفيفة، وأن تكون ذات مروءة، وأن تكون بعيدة عن مواطن الشبه، بعيدة عن اختلاطها بالرجال، الأجانب،هذا هو معنى الحجاب بالإضافة إلى ستر وجهها ويديها عن الرجال الأجانب، لأن محاسنها وجمالها هو في وجهها، والحجاب وسيلة، والغاية من تلك الوسيلة هو محافظة المرأة على نفسها والبقاء على مروءتها وعفافها وإبعادها عن مواطن الشبه، وألا تفتتن بغيرها وألا يفتتن غيرها بها، فإن محاسنها وجمالها كله في وجهها، والله أعلم. [نور على الدرب]
حكم لبس النقاب والبرقع واللثام
سؤال: في الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة بين أوساط النساء بشكل ملفت للنظر، وهي ما يسمى بالنقاب، ففي بداية الأمر كان لا يظهر من الوجه إلا العينان فقط ؛ ثم بدأ النقاب بالاتساع شيئاً فشيئاً، فأصبح يظهر مع العينين جزء من الوجه مما يجلب الفتنة؛ ولا سيما أن كثير من النساء يكتحلن عند لبسه، وهن - أي النساء - إذا نوقشن في هذا الأمر احتججن بأن فضيلتكم قد أفتى بأن الأصل فيه الجواز، فنرجو توضيح هذه المسألة بشكل مفصل وجزاكم الله خيراً؟
الجواب: لا شك أن النقاب كان معروفاً في عهد النبي وأن النساء كنَّ يفعلنه ؛ كما يفيده قوله : في المرأة إذا أحرمت: { لا تنتقب } فإن هذا يدل على أن من عادتهن لبس النقاب، ولكن في وقتنا هذا لا نفتي بجوازه ؛ بل نرى منعه، وذلك لأنه ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز، وهذا أمر كما قال السائل مشاهد، ولهذا لم نفت امرأة من النساء لا قريبة ولا بعيدة بجواز النقاب أو البرقع في أوقاتنا هذه ؛ بل نرى أن يمنع منعاً باتًّا، وأن على المرأة أن تتقي ربَّها في هذا الأمر، وألا تنتقب، لأن ذلك يفتح باب شر لا يمكن إغلاقه فيما بعد. [ابن عثيمين – فتاوى نسائية]
حكم لبس العباءة المطرزة
سؤال: ما حكم لبس العباءة التي في أطرافها أو أكمامها قيطان أو غيره؟
الجواب: محرم حيث إنه يؤدي إلى الفتنة. فيا أختي المسلمة حكِّمي عقلك وفكري ومعِّني في لبسك للعباءة، فهل يُعقل أن تستري الزينة بزينة أخرى، وهل شُرع الحجاب إلا لإخفاء تلك الزينة؟!! فلنكن على بينة من أمرنا. ولنعلم أن أعداء الإسلام يحيكون ضدنا مؤامرة على الحجاب. فيا أيتها المسلمة أنقذي نفسك فإن متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى، فلا تغتري بمالك ولا جمالك، فإن ذلك لا يغني عنك من الله شيئاً !! وأني أنذرك وأحذرك بأن النبي قد عرضت عليه النار ورأى أكثر أهلها النساء، وأنذرك بأن النبي قال في النساء وأنت إحداهن: { اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء } وأنقذي نفسك من النار، واعلمي أنك أعجز من أن تطيقي عذاب النار، فإن الجبال لو سيرت في النار لذابت، فأين أنت من الجبال الراسيات والصم الشامخات؟ أنقذي نفسك من النار واستجيبي لمنادي الحق، واعلمي أن من ترك شيئاً لله عوَّض الله خيراً منه. وأن الآخرة هي مسعانا وإن طالت الآمال في الدنيا، فماذا تريدين من هذه العباءة المزركشة التي تشترينها بالمئات وأنت توضعين في القبر في كفن من أرخص الأقمشة، فهل تنفعك هذه العباءة في ظلمة القبر؟!! فتذكري نفسك وأنت في هذا الموضع. [الشيخ ابن عثيمين، فتاوى المرأة]
حكم لبس القصير والضيق من الثياب
سؤال: إن بعض الناس اعتادوا إلباس بناتهم ألبسة قصيرة وألبسة ضيقة تبين مفاصل الجسم، سواء كانت للبنات الكبيرات أو الصغيرات. أرجو توجيه نصيحة لمثل هؤلاء.
الجواب: يجب على الإنسان مراعاة المسئولية، فعليه أن يتقي الله ويمنع كافة من له ولاية عليهن من هذا الألبسة، فقد ثبت عنه أنه قال: { صنفان من أهل النار لم أرهما بعد... وذكر نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها.. } [رواه مسلم] وهؤلاء النسوة اللاتي يستعملن الثياب القصيرة كاسيات ؛ لأن عليهن كسوة، لكنهن عاريات لظهور عوراتهن ؛ لأن المرأة بالنسبة للنظر كلها عورة، وجهها ويداها ورجلاها وجميع أجزاء جسمها لغير المحارم.
وكذلك الألبسة الضيقة، وإن كانت كسوة في الظاهر لكنها عري في الواقع، فإن إبانة مقاطع الجسم بالألبسة الضيقة هو تعري. فعلى المرأة أن تتقي ربَّها ولا تبيِّن مفاتنها، وعليها ألا تخرج إلى السوق إلاَّ وهي متبذلة لابسة ما لا يلفت النظر، ولا تكون متطيبة لئلا تجر الناس إلى نفسها فيخشى أن تكون زانية.
وعلى المرأة المسلمة ألا تترك بيتها إلا لحاجة لابد منها، ولكن غير متطيبة ولا متبرجة بزينة وبدون مشية خيلاء، وليعلم أنه قال: { ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء } [متفق عليه]، ففتنة النساء عظيمة لا يكاد يسلم منها أحد. [ابن عثيمين – منار الإسلام]
حكم لبس الكعب العالي ووضع المناكير
سؤال: ما حكم لبس الكعب العالي، وما حكم وضع المناكير؟
الجواب: لبس الكعب العالي محرم ؛ لأنه من التبرج الذي نهى الله عنه بقوله لنساء النبي : وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33]. وأما المناكير فإن كانت المرأة تصلي فلا تستعملها لأنها تمنع وصول الماء إلى ما تحتها ؛ وإن كانت لا تصلي فلا بأس باستعمالها. [ابن عثيميمن – دليل الطالبة المؤمنة]
حكم لبس ما يسمى بـ"الكاب" وحكم لبس "النقاب"
سؤال: انتشر في الآونة الأخيرة لبس (الكاب) والنقاب اللذين يظهران بعض مفاتن المرأة فما حكم لبسه بهذه الطريقة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب: المرأة عورة وفتنة، وهي أعظم ضرراً من كل الفتن ؛ لقول النبي : { واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء }، ولا شك أن كل لباس يلفت النظر وتحصل به الفتنة فإنه حرام. ومعلوم أن هذا اللباس المعروف بالكاب فيه تشبه بالرجال، وفيه بيان محاسن المرأة ومفاتنها وحجم أعضائها، وكل ذلك من الأدلة على منعه والنهي عنه. وكذلك لبس النقاب الذي تبدي منه المرأة بعض وجهها كالأنف والحاجب والوجنتين، وذلك من أسباب تحديق النظر نحوها، فهو فتنة ووسيلة إلى الفساد، فهو حرام لما يسببه من الشرور والمنكرات. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. [ابن جبرين – وقفات مع فتيات]
حكم التبرج أمام النساء
سؤال: شوهد أخيراً في مناسبات الزواج قيام بعض النساء بلبس الثياب التي خرجن بها عن المألوف في مجتمعنا، معللات بأن لبسها إنما يكون بين النساء فقط وهذه الثياب فيها ما هو ضيق يحدد مفاتن الجسم، ومنها ما هو مفتوح من أعلى أو أسفل بدرجة يظهر من خلالها جزء من الصدر أو الظهر، ومنها ما يكون مشقوقاً من الأسفل إلى الركبة أو قريب منها، أفتونا عن الحكم الشرعي في لبسها، وماذا على الولي في ذلك؟
الجواب: ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا }. فقوله : { كاسيات عاريات } يعني أن عليهن كسوة لا تفي بالستر الواجب، إما لقصرها، أو خفتها، أو ضيقها.
ومن ذلك: فتح أعلى الصدر، فإنه خلاف أمر الله تعالى حيث قال: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31]. قال القرطبي في تفسيره: وهيئة ذلك أن تضرب المرأة بخمارها على جيبها لتستر صدرها، ثم ذكر أثراً عن عائشة أن حفصة بنت أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر – رضي الله عنهما – دخلت عليها بشيء يشف عن عنقها وما هنالك، فشقته عليها وقالت: إنما يُضرب بالكثيف الذي يستر.
ومن ذلك: ما يكون مشقوقاً من الأسفل إذا لم يكن تحته شيء ساتر، فإن كان تحته شيء ساتر فلا بأس إلا أن يكون على شكل ما يلبسه الرجال ؛ فيحرم من أجل التشبه بالرجال.
وعلى ولي المرأة أن يمنعها من كل لباس محرم ومن الخروج متبرجة أو متطيبة لأنه وليها فهو مسئول عنها يوم القيامة في يوم لا تجزي نفس عن نفس شيئاً، ولا تقبل منها شفاعة، ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. [ابن عثيمين - دليل الطالبة المؤمنة]
حكم ستر الوجه بغطاء شفاف
سؤال: كم طبقة من غطاء الوجه ينبغي أن تضع المرأة على وجهها؟ أطبقه واحدة أم اثنتين أم ثلاث أم أربع؟ أفيدونا بارك الله فيكم؟
الجواب: الواجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال غير المحارم لها، بأن تستره بستر لا يصف لون البشرة، سواء كان طبقة أم طبقتين أم أكثر، فإن كان الخمار صفيقاً لا ترى البشرة من خلاله كفى طبقة واحدة، وإن كانت لا تكفي زادت اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً، والمهم أن تستره بما لا يصف اللون، فأما ما يصف اللون فإنه لا يكفي كما تفعله بعض النساء، وليس المقصود أن تضع المرأة شيئاً على وجهها ؛ بل المقصود ستر وجهها فلا يبين لغير محارمها. [ابن عثيمين- منار الإسلام]
إخراج المرأة كفيها وساعديها في الأسواق
سؤال: ما رأي فضيلتكم في أن كثيراً من النساء اللاتي يخرجن إلى الأسواق لقصد الشراء من أصحاب المحلات التجارية يخرجن أكف أيديهن، والبعض الآخر يخرجن الكف مع الساعد وذلك عند غير محارمهن؟
الجواب: لا شك أن إخراج المرأة كفيها وساعديها في الأسواق أمر منكر وسبب للفتنة، لا سيما أن بعض هؤلاء النساء يكون على أصابعهن خواتم وعلى سواعدهن أسورة، وقد قال الله تعالى للمؤمنات: وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]. وهذا يدل على أن المرأة المؤمنة لا تبدي شيئاً من زينتها، وأنه لا يحل لها أن تفعل شيئاً يعلم به ما تخفيه من هذه الزينة، فكيف بمن تكشف زينة يديها ليراها الناس. [ابن عثيمين – فتاوى المرأة]
حكم خروج المرأة متعطرة ومتزينة
سؤال: ما حكم تعطر المرأة وتزينها وخروجها من بيتها إلى مدرستها مباشرة، هل لها أن تفعل هذا الفعل؟ وما هي الزينة التي لا يجوز إبداؤها للنساء؟
الجواب: خروج المرأة متطيبة إلى السوق محرم لما في ذلك من فتنة، أما إذا كانت المرأة ستركب في السيارة ولا يظهر ريحها إلا لمن يحل لها أن تظهر الريح عنده، وستنزل فوراً بدون أن يكون هناك رجل حول المدرسة، فهذا لا بأس به ؛ لأنه ليس في هذا محذور، فهي في سيارتها كأنها في بيتها، ولهذا لا يحل للإنسان أن يمكن امرأته أومن له ولاية عليها أن تركب وحدها مع السائق ؛ لأن هذه خلوة، أما إذا كانت ستمر إلى جانب الرجال فإنه لا يحل لها أن تتطيب.
وبهذه المناسبة أود أن أذكِّر النساء بأن بعضهن في أيام رمضان تأتي بالطيب معها وتعطيه النساء، فتخرج النساء من المسجد وهن متطيبات بالبخور، وقد قال النبي : { أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا صلاة العشاء }، ولكن لا بأس أن تأتي بالبخور لتطيب المسجد.
أما بالنسبة للزينة التي تظهرها للنساء فإن كل ما اعتيد بين النساء من الزينة المباحة فهي حلال، وأما التي لا تحل كما لو كان الثوب خفيفاً جداً يصف البشرة، أو كان ضيقاً جداً يبين مفاتن المرأة، فإن ذلك لا يجوز لدخوله في قول النبي : { صنفان من أهل النار لم أراهما بعد.. وذكر: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها }. [ابن عثيمين – فتاوى المرأة المسلمة]
ضوابط التحدُّث مع أصحاب المحلات والخياطين
وسؤال: ما حكم تحدث المرأة مع صاحب محل الملابس أو الخياط؟ مع الرجاء توجيه كلمة شاملة إلى النساء.
الجواب: تحدُّث المرأة مع صاحب المتجر التحدث الذي بقدر الحاجة وليس فيه فتنة لا بأس به، فقد كانت النساء تكلم الرجال في الحاجات والأمور التي لا فتنة فيها وفي حدود الحاجة. أما إذا كان مصحوباً بضحك أو بمباسطة أو بصوت فاتن ؛ فهذا محرم لا يجوز.
يقول الله سبحانه وتعالى لأزواج نبيه ورضي الله عنهن: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا [الأحزاب:32]، والقول المعروف ما يعرفه الناس وبقدر الحاجة، أما ما زاد عن ذلك بأن كان على طريق الضحك والمباسطة، أو بصوت فاتن، أو غير ذلك، أو أن تكشف وجهها أمامه، أو تكشف ذراعيها أو كفيها ؛ فهذه كلها محرمات ومنكرات من أسباب الفتنة، ومن أسباب الوقوع في الفاحشة.
فيجب على المرأة المسلمة التي تخاف الله عز وجل أن تتقي الله، وألا تكلم الرجال الأجانب بكلام يطمعهم فيها ويفتن قلوبهم، تجتنب هذا الأمر، وإذا احتاجت إلى الذهاب إلى متجر أو إلى مكان فيه الرجال، فلتحتشم ولتتستر وتتأدب بآداب الإسلام، وإذا كلمت الرجال فلتكلمهم الكلام المعروف الذي لا فتنة ولا ريبة فيه. [المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان]
حكم لبس البنطلون
سؤال: ما حكم لبس البنطلون للفتيات عند غير أزواجهن؟
الجواب: لا يجوز للمرأة عند غير زوجها مثل هذا اللباس ؛ لأنه يبين تفاصيل جسمها، والمرأة مأمورة أن تلبس ما يستر جميع بدنها ؛ لأنها فتنة وكل شيء يبين من جسمها يحرم إبداؤه عند الرجال أو النساء أو المحارم وغيرهم إلا الزوج الذي يحل له النظر إلى جميع بدن زوجته، فلا بأس أن تلبس عنده الرقيق أو الضيق ونحوه والله أعلم. [ابن جبرين – النخبة من الفتاوى النسائية]
حكم قص شعر الفتاة إلى كتفيها للتجميل واستعمال أدوات التجميل
سؤال: ما حكم قص شعر الفتاة إلى كتفيها للتجميل سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة، وما حكم استعمال أدوات التجميل المعروف للتجمل للزوج؟
الجواب: قص المرأة لشعرها إما أن يكون على وجه يُشبه شعر الرجال. فهذا محرم ومن كبائر الذنوب، لأن النبي لعن المتشبهات من النساء بالرجال، وأما أن يكون على وجه لا يصل به إلى التشبه بالرجال، فقد اختلف أهل العلم في ذلك على ثلاثة أقوال: منهم من قال: إنه جائز لا بأس به، ومنهم من قال: إنه محرم، ومنهم من قال: إنه مكروه، والمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه مكروه، وفي الحقيقة أنه لا ينبغي لنا أن نتلقى كل ما ورد علينا من عادات غيرنا، فنحن قبل زمن غير بعيد كنا نرى النساء يتباهين بكثرة شعور رءوسهن وطول شعورهن، فما بالهنّ يذهبن إلى هذا العمل الذي أتانا من غير بلادنا، وأنا لست أنكر كلَّ شيء جديد، ولكنني أنكر كل شيء يؤدي إلى أن ينتقل المجتمع إلى عادات متلقاه من غير المسلمين.
أما استعمال أدوات التجميل كتحمير الشفاه فلا بأس بها، وكذلك تحمير الخدود لا بأس به لا سيما للمتزوجة، وأما التجميل الذي تفعله بعض النساء من النمص وهو نتف شعر الحواجب وترقيقها فحرام ؛ لأن النبي لعن النامصة والمتنمصة. وكذلك وشر المرأة أسنانها للتجميل محرم ملعون فاعله. [أسئلة مهمة – للشيخ ابن عثيمين]
حكم تخفيف الحاجب وتطويل الأظافر ووضع المناكير
سؤال:
1- ما حكم تخفيف الشعر الزائد من الحاجب؟
2- ما حكم تطويل الأظافر ووضع مناكير عليها مع العلم بأنني أتوضأ قبل وضعه ويجلس 24 ساعة ثم أزيله؟
3- هل يجوز للمرأة أن تتحجب دون أن تغطي وجهها إذا سافرت للخارج؟
الجواب:
1- لا يجوز أخذ شعر الحاجبين ولا التخفيف منها، لما ثبت عن النبي صلى الله علية وسلم أنه لعن النامصة والمتنمصة. وقد بين أهل العلم أن أخذ شعر الحاجبين من النمص.
2- تطويل الأظافر خلاف السُنة، وقد ثبت عن النبي أنه قال: { الفطرة خمس: الختان، و الاستحداد، وقص الشارب، ونتف الإبط، وقلم الأظفار }. ولا يجوز أن تترك أكثر من أربعين ليلة لما ثبت عن أنس قال: { وقَّت لنا رسول الله وفي قص الشارب وقلم الظفر ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك شيئاً من ذلك أكثر من أربعين ليلة }، ولأن تطويلها فيه تشبه بالبهائم وبعض الكفرة.
أما المناكير فتركها أولى، وتجب إزالتها عند الوضوء ؛ لأنها تمنع وصول الماء إلى الظفر.
3- يجب على المرأة أن تتحجب عن الأجانب في الداخل والخارج، لقوله سبحانه: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:59]، وهذه الآية الكريمة تعم الوجه وغيره، والوجه هو عنوان المرأة وأعظم زينتها، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الأحزاب:59]، وقال سبحانه: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ [النور:31].
وهذه الآيات تدل على وجوب الحجاب في الداخل والخارج، وعن المسلمين والكفار، ولا يجوز لأي امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تتساهل في هذا الأمر لما في ذلك من المعصية لله ولرسوله، ولأنَّ ذلك يُفْضِي إلى الفتنة بها في الداخل والخارج. [الشيخ ابن باز – فتاوى المرأة]
حكم لبس الجوارب والقفازين عند الخروج
سؤال: ها يجب على المرأة لبس الجوارب والقفازين عند الخروج من البيت أم ذلك من السنة فقط؟
الجواب: الواجب عليها عند الخروج من البيت ستر كفيها وقدميها ووجهها بأي ساتر كان ولكن لبس قفازين كما هم عادة نساء الصحابة رضي الله عنهن عند الخروج ودليل ذلك قوله في المرأة إذا أحرمت لا تلبس القفازين و هذا يدل على أن من عادتهن لبس ذلك. [ابن عثيمين - دليل الطالبة المؤمنة]
حكم لبس العدسات اللاصقة بقصد الزينة
سؤال: ما حكم لبس بعض النساء للعدسات اللاصقة الملونة بقصد الزينة؟ كأن تلبس لباساً أخضر فتضع عدسات خضراء.
الجواب: لا يجوز هذا إذا كان بقصد الزينة، فإنه من تغيير خلق الله، ولا فائدة فيه للبصر، وربما قلل بصر العين حيث تعرض للعبث بها بالإلصاق وما بعده، ثم هو تقليد للغرب دون هائدة، ولا جمال أحسن من خلق الله. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. [ابن جبرين - النخبة من الفتاوى النسائية]
حكم المراسلة يبن الشباب والشابات
سؤال: إذا كان الرجل يقوم بعمل المراسلة مع المرأة الأجنبية وأصبحا متحابين هل يعتبر هذا العمل حراماً؟!
الجواب: لا يجوز هذا العمل لأنه يثير الشهوة بين الاثنين، ويدفع الغريزة إلى التماس اللقاء والاتصال، وكثيراً ما تحدث تلك المغازلة والمراسلة فتناً وتغرس حب الزنى في القلب، مما يوقع في الفواحش أو يسببها، فننصح من أراد مصلحة نفسه وحمايتها عن المراسلة والمكالمة ونحوها، حفظاً للدين والعرض والله الموفق. [ابن جبرين - فتاوى المرأة المسلمة]
حكم المكالمات الهاتفية بين الشباب والفتيات
سؤال: ما حكم فيما لو قام شاب غير متزوج وتكلم مع شابة غير متزوجة في التليفون؟(68/391)
الجواب: لا يجوز التكلم مع المرأة الأجنبية بما يثير الشهوة كمغازلة وتغنج وخضوع في القول، سواء كان في التليفون أو في غيره لقوله تعالى: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32]، فأما الكلام العارض لحاجة فلا بأس به إذا سلم من المفسدة ولكن بقدر الضرورة. [ابن جبرين –فتاوى المرأة]
حكم جلوس المرأة مع أخي زوجها
سؤال: تطلب مني أم زوجي أن أجلس مع أبنها - أخي زوجي - بالعباءة والغطاء أمام التلفزيون وحين يشربون الشاي فأرفض وينتقدونني، فهل أنا على حق أم لا؟!
الجواب: يحق لك الامتناع من الجلوس معهم في تلك الحال لما في ذلك من أسباب الفتنة، فأخو زوجك الذي لا يزال عزباً يعتبر أجنبياً فيعتبر سماعه لصوتك ورؤيته لشخصك من أسباب الفتنة وهكذا نظرك إليه.
حكم مصافحة غير المحارم
سؤال: نحن في قرية لها عادات سيئة من ذلك مثلاً أنه إذا جاء ضيف إلى المنزل فإن الكل يصافحونه ذكوراً وإناثاً فإذا امتنعت عن ذلك قالوا عني أنني شاذة فما الحكم؟
الجواب: الواجب على المسلم أن يطيع الله عز وجل بامتثال أمره والبعد عن نهيه، والمتمسك بذلك ليس شاذاً، بل الشاذ هو الذي يخالف أوامر الله، وهذة العادة - المسئول عنها - عادة سيئة، فمصافحة المرأة للرجل غير المحرم سواء أكانت من وراء حائل أو مباشرة حرام، لما يفضي إليه الملمس من الفتنة، وقد وردت في ذلك أحاديث في الوعيد وإن كانت غير قوية السند، ولكن المعنى يؤيدها - والله اعلم - وأقول للسائلة: لا تصغي لذم أهلها، بل الواجب عليها أن تنصحهم بأن يقلعوا عن هذه العادة السيئة وأن يعملوا بما يرضي الله ورسوله. [ابن عثيمين - فتاوى المرأة المسلمة]
حكم شراء مجلات الأزياء
سؤال: ما حكم شراء مجلات عرض الأزياء للاستفادة منها في بعض موديلات ملابس النساء الجديدة والمتنوعة؟ وما حكم اقتنائها بعد الاستفادة منها وهي مليئة بصورة النساء؟
الجواب: لاشك أن شراء المجلات التي ليس بها إلا صور محرم ؛ لأن اقتناء الصور حرام ؛ لقول الرسول : { لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة } [متفق عليه]. ولأنه لما شاهد الصورة في النمرقة عند عائشة وقف ولم يدخل، وعُرفت الكراهية في وجهه، وهذه المجلات التي تعرض الأزياء يجب أن ينظر فيها، فما كل زيّ يكون حلالاً، قد يكون هذا الزيُّ متضمناً لظهور العورة، أما لضيقه أو لغير ذلك، وقد يكون هذا الزيُّ من ملابس الكفار التي يختصون بها، والتشبه بالكفار محرم ؛ لقول الرسول : { من تشبه بقوم فهو منهم }.
فالذي أنصح به إخواننا المسلمين عامة والنساء خاصة أن يتجنبن هذه الأزياء ؛ لأن منها ما يكون تشبُّهاً بغير المسلمين، ومنها ما يكون مشتملاً على ظهور العورة، ثم إن تطلع النساء إلى كل زيّ جديد يستلزم في الغالب أن تنتقل عاداتنا التي منبعها ديننا إلى عاداتٍ أخرى متلقاة من غير المسلمين.
حكم ركوب الطالبة وحدها مع السائق الأجنبي
سؤال: فضيلة الشيخ بعض الطالبات يركبن بمفردهن مع السائق الأجنبي، وقد يكون مسلماً وقد يكون كافراً، فيذهب بها إلى المدرسة تارة وإلى السوق تارة أخرى، فما حكم ذلك بالتفصيل حيث إن الناس قد تساهلوا في ذلك؟
*الجواب: ركوب المرأة وحدها مع السائق غير المحرم مُحرم بلا شك ؛ لأنه خلوة، وقد قال النبي : { لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم }. وهو أخطر من كثير من الخلوات التي لا إشكال فيها ؛ لأن هذا السائق بيده التصرف في السيارة المركوبة فيمكنه أن يذهب بها إلى حيث شاء ثم يلجأها إلى ما يريد من الشر، وكذلك هي ربما تكون فاسدة أو يغريها الشيطان بسبب خلوتها مع هذا الرجل فتدعوه إلى أن يخرج بها إلى مكان ليس حولهما أحد، فيحصل الشر والفساد.
أما إذا كان معها امرأة أخرى وكان السائق أميناً فإن هذا لا بأس به ؛ لأن هذا لا يُعد خلوة. وعلى هذا فالواجب على المرأة إذا كانت تحتاج أن تذهب إلى السوق أو المدرسة أن تصطحب معها امرأة أخرى إذا لم يكن هناك محرم، ولا بد أن يكون المحرم بالغاً عاقلاً، فمن دون البلوغ لا يكفي أن يكون محرماً، وكذلك من لا عقل له، والواجب على النساء وأولياء أمورهن أن يتقين الفتنة وأسبابها حتى لا يحصل الشر والفساد. [ابن عثيمين – دليل الطالبة المؤمنة]
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.
ـــــــــــــــــــ(68/392)
رسالة إلى من تنتظر فارس الأحلام
عبدالحكيم بن علي السويد
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 8117
(1145 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال رسول الله : { تنكح المرأة لأربع: لدينها، وجمالها، ومالها، وحسبها. فاظفر بذات الدين تربت يداك } فركز النبي على ذات الدين؛ لأهميته. والحياء من الدين.
وقال رسول الله مخاطباً الشباب: { يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج }، وهذا فيه حث للشباب على المبادرة إلى الزواج؛ لأنه هو الطريقة الشرعية التي يمكن من خلالها إلتقاء الجنسين وما يترتب على ذلك من سكن ومحبة ومودة. قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21]. وكذلك في الزواج تكثير للنسل وبقاؤه وأيضاً مباهاة النبي للأمم يوم القيامة، فقد قال : { تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة }، وفي رواية: { فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة }.
فأي فتاة تريد ذلك الشاب الذي تعيش في كفنه ويحقق أحلامها ويكون ذلك الرجل العاقل صاحب الدين والخلق الذي يحس بهمومها ويتألم بآلامها ويسعى إلى إسعادها، ويخشى الله فيها.
اعلمي يا أخية أن الشاب عندما يريد أن يحقق هذا المطلب الضروري، لابد له من الطرف الآخر وهي شريكة حياته ورفيقة دربه المتمسكة بدينها المعتزة به، الرفيع خلقها، تلك الزوجة الودودة الآن، والأم الحنونة مستقبلاً صاحبة الإحساس المرهف والعواطف الجياشة التي يحيطها الحياء من كل جانب حتى أنها متى فارقها ذلك الحياء اعتبرت الحياة مفارقة لها من شدة تمسكها به، فالحياء أمره عظيم، وهو محمود كذلك عند الرجال، فهذا أشرف الخلق نبينا محمد أشد حياء من العذراء في خدرها، وكذلك الصديق كان يضع رداءه على نفسه إذا ذهب للخلاء لقضاء الحاجة حياء من الله، ولهذا جميع الرجال على اختلاف ميولهم واتجاهاتهم يبحثون عن ذات الحياء عند بدء التفكير في الزواج، وكلما ازداد الحياء عند المرأة كلما زادت الرغبة في الارتباط بها لمن فكر في الزواج، ويزداد تمسكه بها بعد الزواج، فهو من أقوى العوامل التي تجعل الرجل يبحث عنك ويطرق بابك ويتمنى أن تكوني شريكة حياته ورفيقة دربه، وقد يظن كثير من النساء أن الحياء قبل الزواج فقط وهذا خطأ كبير، فالحياء بعد الزواج مطلوب كذلك، فهو بإذن الله يجعل نهر المحبة بين الزوجين دائم الجريان، وحبل المودة دائم الاتصال، ومزرعة الحب يانعة الثمار، فالحياء بالنسبة للمرأة كالرائحة الزكية بالنسبة للوردة، كالماء للسمكة متى خرجة منه هلكت.
ولذلك يجب أن تحرص كل فتاة منذ نعومة أظفارها على هذه الصفة الرائعة الجميلة، وأن تعرض ما يصدر منها سواء كان فعلاً أو كلمة على ميزان الحياء فإن كانت موافقة فالحمد لله، وإن كانت مخالفة فتتركها بلا ندم وتبحث عن الصحيح الموافق للشرع، وقد قال رسول الله : { لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به } حديث حسن صحيح.
فكم فتاة جميلة قامت بعمل تراه حسناً في نفسه، جلب لها الحسرة والندامة، فكان الأزواج يتركون التقدم إليها، أو يتراجعون عن خطبتها إذا علموا بأعمالها وبحثوا عن أخرى ذات حياء ودين.
وكم فتاة جمعت من الصفات الحسنة التي يرغبها الشباب الشيء الكثير، ولكن عندما يعلم هذا الشاب الراغب للزواج عن بعض التصرفات الغير مدروسة، من قبل الفتاة، وقد قامت بها من قبل، فينصرف عنها بغيرها وهو يتمثل قول الشاعر:
وتجتنب الأسود ورود الماء *** إذا كان الكلاب يلغن فيه
وكم من فتاة اجتمعت فيها من الصفات الحسنة التي يرغب بها الشاب المقدم على الزواج الشيء الكثير، ولكن عندما يعلم أن خلق الحياء ضعيف عند هذه الفتاة، يتراجع عن نيته بالزواج منها وهو يتمثل قول الشاعر:
فلا والله ما في العيش خير *** ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
أخيتي لا يخفى عليك كثرة الفتن في هذا الزمان، وأكثرها موجه ضدك أنت، نعم أنت لأنك ستكونين أماً عن قريب إن شاء الله لعدد من البنين والبنات، فإن ضعفت حتماً سيكون أبناؤك ضعفاء وبالتالى يكون المجتمع ضعيفاً هشاً أعلى اهتماماته شهواته، من مأكل ومشرب وملبس، فاعلمي أخيتي أنك من أقوى الوسائل التي يريد الأعداء التمكن منها، وذلك بأن يستغلوا الفتاة المسلمة بإنشغالها بنفسها، وجعل أكبر اهتماماتها طريقة لبسها وشكل عباءتها، وقصة شعرها ولون حذائها، ومكان سفرها وغير ذلك مما بالغت به المرأة المسلمة في هذه الأيام، حتى إن بعض الفتيات وللأسف أصبحت فتنة في نفسها ولغيرها من شباب المسلمين، وقد قال النبي : { ما تركت فتنة بعدي أضر على الرجال من النساء } ومن ثم تنسى الفتاة ما الهدف الذي خلقت من أجله، و تنسى أن أنفاسها معدودة، وآمالها مقطوعة، بعد ذلك تتهاون في أمور دينها، حتى تتفاجأ في نهاية المطاف وعند قرب خروج الروح وتحشرجها في صدرها أنها شاركت أعداء الإسلام من حيث لا تعلم في محاولاتهم لهدم الدين والعفة، وهذه هي الحسرة، وإن ما نشاهده هذه الأيام من مناظر غريبة على ديننا ومجتمعنا وتقاليدنا من بعض النساء المسلمات هو بسبب أن الحياء قد نزع منهن حتى أصبحنا نرى تبرج المرأة في السوق وكثرة الذهاب له بلا حاجة، وإظهار بعض مفاتنها لغير محارمها، والتهاون في حجابها، والتخاطب مع الرجال. عن أبي أسيد الأنصاري أنه سمع رسول الله وهو خارج من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله : { استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق } فكانت المرأة تلتصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. [صحيح أبي داود].
واللبس العاري عند الخروج من المنزل، وسفرها بلا محرم، وركوبها مع السائق بمفردها، والمشي وسط الطرقات وترك جوانبها، وقد قال : { ليس للنساء وسط الطريق } [رواه البيهقي]. وقال النبي : { إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت } [رواه البخاري].
أخيتي اجعلي من نساء السلف قدوة لك، ثم تنبهي لما يحاك ضدك، واعلمي أنهم يريدون إخراجك من هذه القلعة الحصينة العالية وهي قلعة الحياء لتسقطي في أوحالهم التي يعدونها، فتمسكي بحيائك تسعدي في الدارين، ففي الدنيا أي رجل يتمنى أن يبني عشه معك لأنك ستكونين نعم المعينه بعد الله سبحانه وتعالى على أمور دينه ودنياه، ويكون لك نعم الزوج الذي يبذل الغالي والنفيس من أجل سعادتك.
وقد قال النبي : { لا يأتي الحياء إلا بخير } فصاحبة الحياء:
- متمسكة بدينها فخورة به.
- اهتماماتها عالية أخروية.
- عدم اغترارها بمظاهر الدنيا البراقة.
- تخشى الله في سرها وعلانيتها.
- تخاف الله بزوجها بقيامها بحقوقه التي عليها.
- تراعي مشاعر زوجها فهي تفرح لفرحه وتحزن لحزنه.
- محتشمه في لبسها ومظهرها ومعتدلة في إنفاقها.
وأما في الآخرة فأعد الله لك من الأجر ما لا رأته عينك ولا سمعته أذنك، ولا خطر على قلبك، فتمسكي أخيتي بهذا الخلق الجميل، خصوصاً في هذا الزمن الذي كثرت فيه منابر الإفساد على اختلاف مللها ونحلها، والتي تعمل ليل نهار على هدم هذا الصرح الشامخ والقلعة الحصينة والسور المتين في كل فتاة مسلمة ألا وهو الحياء.
وفي الختام.. أذكرك بحديث النبي : { إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عظيم } فمتى تقدم الشاب لخطبتك وانطبق وصف النبي ، فلا تترددي في قبوله بعد التثبت من ذلك، واجتهدي في الدعاء الخالص لله بأن يهب لك الرجل الصالح صاحب الدين والخلق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ـــــــــــــــــــ(68/393)
خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 5604
(2417 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
فإن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجل المؤدي إلى الاختلاط سواء كان ذلك على جهة التصريح أو التلويح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جداً له تبعاته الخطيرة وثمراته المرة وعواقبه الوخيمة رغم مصادمته للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه.
ومن أراد أن يعرف عن كثب ما جناه الاختلاط من المفاسد التي لا تحصى فلينظر إلى تلك المجتمعات التي وقعت في هذا البلاء العظيم اختياراً أو اضطراراً بإنصاف من نفسه وتجرد للحق عما عداه يجد التذمر - على المستوى الفردي والجماعي - والتحسر على انفلات المرأة من بيتها وتفكك الأسر. ونجد ذلك واضحاً على لسان الكثير من الكتاب، بل في جميع وسائل الإعلام، وما ذلك إلا لأن هذا هدم للمجتمع وتقويض لبنائه.
والأدلة الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله أدلة كثيرة، قاضية بتحريم الاختلاط لأنه يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.
وإخراج المرأة من بيتها الذي هو مملكتها ومنطلقها الحيوي في هذه، إخراج لها عما تقتضيه فطرتها وطبيعتها التي جبلها الله عليها. فالدعوة إلى نزول المرأة في الميادين التي تخص الرجال أمر خطير على المجتمع الإسلامي، ومن أعظم آثاره الاختلاط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا الذي يفتك بالمجتمع ويهدم قيمه وأخلاقه.
ومعلوم أن الله تبارك وتعالى جعل للمرأة تركيباً خاصاً يختلف تماماً عن تركيب الرجل، هيأها به للقيام بالأعمال التي في داخل بيتها والأعمال التي بين بنات جنسها.
ومعنى هذا: أن إقحام المرأة لميدان الرجال الخاص بهم يعتبر إخراجاً لها عن تركيبها وطبيعتها وفي هذا جناية كبيرة على المرأة وقضاء على معنويتها وتحطيم، ويتعدى ذلك إلى أولاد الجيل من ذكور وإناث إذ إنهم يفقدون التربية والحنان والعطف. فالذي يقوم بهذا الدور وهو الأم قد فصلت منه وعزلت تماماً عن مملكتها التي لا يمكن أن تجد الراحة والاستقرار والطمأنينة إلا فيها وواقع المجتمعات التي تورطت في هذا أصدق شاهد على ما نقول. والإسلام جعل لكل من الزوجين واجبات خاصة على كل واحد منهما أن يقوم بدوره ليكتمل بذلك بناء المجتمع في داخل البيت وفي خارجه.
فالرجل يقوم بالنفقة والاكتساب، والمرأة تقوم بتربية الأولاد والعطف والحنان والرضاعة والحضانة والأعمال التي تناسبها لتعليم البنات وإدارة مدارسهن والتطبيب والتمريض لهن ونحو ذلك من الأعمال المختصة بالنساء. فترك واجبات البيت من قبل المرأة يعتبر ضياعاً للبيت بمن فيه، ويترتب عليه تفكك الأسرة حسياً ومعنوياً وعند ذلك يصبح المجتمع شكلاً وصورة لا حقيقة ومعنى. قال الله جل وعلا: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34].
فسنة الله في خلقه أن القوامة للرجل على المرأة، وللرجل فضل عليها كما دلت الآية الكريمة على ذلك. وأمر الله سبحانه للمرأة بقرارها في بيتها ونهيها عن التبرج معناه النهي عن الاختلاط وهو: اجتماع الرجال بالنساء الأجنبيات في مكان واحد بحكم العمل أو البيع أو الشراء أو النزهة أو السفر أو نحو ذلك ؛ لأن اقتحام المرأة في هذا الميدان يؤدي بها إلى الوقوع في المنهي عنه وفي ذلك مخالفة لأمر الله وتضييع لحقوق الله المطلوب شرعاً من المسلمة أن تقوم بها.
والكتاب والسنة دلا على تحريم الاختلاط وتحريم جميع الوسائل المؤدية إليه قال الله عز وجل: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا [الأحزاب:33-34].
فأمر الله أمهات المؤمنين- وجميع المسلمات والمؤمنات داخلات في ذلك- بالقرار في البيوت لما في ذلك من صيانتهن وإبعادهن عن وسائل الفساد، لأن الخروج لغير حاجة قد يفضي إلى التبرج، كما قد يفضي إلى شرور أخرى، ثم أمرهن بالأعمال الصالحة التي تنهاهن عن الفحشاء والمنكر وذلك بإقامتهن الصلاة وإيتائهن الزكاة وطاعتهن لله ولرسوله ، ثم وجههن إلى ما يعود عليهن بالنفع في الدنيا والآخرة وذلك بأن يكن على اتصال دائم بالقرآن الكريم وبالسنة النبوية المطهرة اللذين فيهما ما يجلو صدأ القلوب ويطهرها من الأرجاس والأنجاس ويرشد إلى الحق والصواب.
وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:59]. فأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام وهو المبلغ عن ربه أن يقول لأزواجه وبناته وعامة نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن وذلك يتضمن ستر باقي أجسامهن بالجلابيب وذلك إذا أردن الخروج لحاجة لئلا تحصل لهن الأذية من مرضى القلوب. فإذا كان الأمر بهذه المثابة فما بالك بنزولها إلى ميدان الرجال واختلاطها معهم وإبداء حاجتها إليهم بحكم الوظيفة والتنازل عن كثير من أنوثتها لتنزل في مستواهم، وذهاب كثير من حيائها ليحصل بذلك الانسجام بين الجنسين المختلفين معنى وصورة.
قال الله جل وعلا: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:30-31]. يأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يبلغ المؤمنين والمؤمنات أن يلتزموا بغض البصر وحفظ الفرج عن الزنا، ثم أوضح سبحانه أن هذا الأمر أزكى لهم. ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون باجتناب وسائلها، ولا شك أن إطلاق البصر واختلاط النساء بالرجال والرجال بالنساء في ميادين العمل وغيرها من أعظم وسائل وقوع الفاحشة، وهذان الأمران المطلوبان من المؤمن يستحيل تحققهما منه وهو يعمل مع المرأة الأجنبية كزميلة أو مشاركة له في العمل.
فاقتحامها هذا الميدان معه أو اقتحامه الميدان معها لا شك أنه من الأمور التي يستحيل معها غض البصر وإحصان الفرج والحصول على زكاة النفس وطهارتها.
وهكذا أمر الله المؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة إلا ما ظهر منها، وأمرهن الله بإسدال الخمار على الجيوب المتضمن ستر رأسها ووجهها، لأن الجيب محل الرأس والوجه. فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج، وعدم إبداء الزينة عند نزول المرأة ميدان الرجال واختلاطها معهم في الأعمال والاختلاط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير. وكيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها وهي تسير مع الرجل الأجنبي جنباً إلى جنب بحجة أنها تشاركه في الأعمال أو تساويه في جميع ما يقوم به.
والإسلام حرّم جميع الوسائل والذرائع الموصلة إلى الأمور المحرمة. ولذلك حرم الإسلام على النساء خضوعهن بالقول للرجال لكونه يفضي إلى الطمع فيهن كما في قوله عز وجل: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب:32]. يعني مرض الشهوة. فكيف يمكن التحفظ من ذلك مع الاختلاط.
ومن البديهي أنها إذا نزلت إلى ميدان الرجال لا بد أن تكلمهم وأن يكلموها ولا بد أن ترقق لهم الكلام وأن يرققوا لها الكلام والشيطان من وراء ذلك يزين ويحسن ويدعو إلى الفاحشة حتى يقعوا فريسة له، والله حكيم عليم حيث أمر المرأة بالحجاب، وما ذاك إلا لأن الناس فيهم البر والفاجر والطاهر والعاهر، فالحجاب يمنع بإذن الله من الفتنة ويحجز دواعيها وتحصل به طهارة قلوب الرجال والنساء، والبعد عن مظان التهمة قال الله عز وجل: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53].
وخير حجاب للمرأة بعد حجاب وجهها وجسمها باللباس هو بيتها. وحرم عليها الإسلام مخالطة الرجال الأجانب لئلا تعرض نفسها للفتنة بطريق مباشر أو غير مباشر. وأمرها بالقرار في البيت وعدم الخروج منه إلا لحاجة مباحة مع لزوم الأدب الشرعي، وقد سمى الله مكث المرأة في بيتها قرارا، وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة ففيه استقرار لنفسها وراحة لقلبها وانشراح لصدرها. فخروجها عن هذا القرار يفضي إلى اضطراب نفسها، وقلق قلبها، وضيق صدرها، وتعريضها لما لا تحمد عقباه.
ونهى الإسلام عن الخلوة بالمرأة الأجنبية على الإطلاق إلا مع ذي محرم، وعن السفر إلا مع ذي محرم سدا لذريعة الفساد وإغلاقا لباب الإثم وحسما لأسباب الشر وحماية للنوعين من مكايد الشيطان، ولهذا صح عن رسول الله أنه قال: { ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء } [رواه البخاري ومسلم].
وصح عنه أنه قال: { اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء } [رواه مسلم].
وقد يتعلق بعض دعاة الاختلاط ببعض ظواهر النصوص الشرعية التي لا يدرك مغزاها ومرماها إلا من نوّر الله قلبه، وتفقه في دين الله وضم الأدلة الشرعية بعضها إلى بعض، وكانت في تصوره وحدة لا يتجزأ بعضها عن بعض.
ومن ذلك خروج بعض النساء مع الرسول في بعض الغزوات، والجواب عن ذلك أن خروجهن كان مع محارمهن لمصالح كثيرة لا يترتب عليه ما يخشى عليهن من الفساد لإيمانهن وتقواهن وإشراف محارمهن عليهن وعنايتهم بالحجاب بعد نزول آيته بخلاف حال الكثير من نساء العصر، ومعلوم أن خروج المرأة من بيتها إلى العمل يختلف تماما عن الحالة التي خرجن بها مع الرسول في الغزو فقياس هذه على تلك يعتبر قياسا مع الفارق. وأيضا فما الذي فهمه السلف الصالح حول هذا؟ وهم لا شك أدرى بمعاني النصوص من غيرهم وأقرب إلى التطبيق العملي بكتاب الله وسنة رسوله فما هو الذي نقل عنهم على مدار الزمن؟ هل وسعوا الدائرة كما ينادي دعاة الاختلاط؟ فنقلوا ما ورد في ذلك إلى أن تعمل المرأة في كل ميدان من ميادين الحياة مع الرجال تزاحمهم ويزاحمونها وتختلط معهم ويختلطون معها. أم أنهم فهموا أن تلك قضايا معينة لا تتعداها إلى غيرها؟.
وإذا استعرضنا الفتوحات الإسلامية والغزوات على مدار التاريخ لم نجد هذه الظاهرة، أما ما يدعى في هذا العصر من إدخالها كجندي يحمل السلاح ويقاتل كالرجل فهو لا يتعدى أن يكون وسيلة لإفساد وتذويب أخلاق الجيوش باسم الترفيه عن الجنود لأن طبيعة الرجل إذا التقت مع طبيعة المرأة كان منهما عند الخلوة ما يكون بين كل رجل وامرأة من الميل والأنس والاستراحة إلى الحديث والكلام وبعض الشيء يجر إلى بعض وإغلاق باب الفتنة أحكم وأحزم وأبعد من الندامة في المستقبل.
فالإسلام حريص جدا على جلب المصالح ودرء المفاسد وغلق الأبواب المؤدية إليها، ولاختلاط المرأة مع الرجل في ميدان العمل تأثير كبير في انحطاط الأمة وفساد مجتمعها كما سبق. لأن المعروف تاريخيا عن الحضارات القديمة الرومانية واليونانية ونحوهما أن من أعظم أسباب الانحطاط والانهيار الواقع بها هو خروج المرأة من ميدانها الخاص إلى ميدان الرجال ومزاحمتهم، مما أدى إلى فساد أخلاق الرجال وتركهم لما يدفع بأمتهم إلى الرقي المادي والمعنوي وانشغال المرأة خارج البيت يؤدي إلى بطالة الرجل وخسران الأمة بانحلال الأسرة وانهيار صرحها وفساد أخلاق الأولاد، ويؤدي إلى الوقوع في مخالفة ما أخبر الله به في كتابه من قوامة الرجل على المرأة.
وقد حرص الإسلام أن يبعد المرأة عن جميع ما يخالف طبيعتها، فمنعها من تولي الولاية العامة كرئاسة الدولة والقضاء وجميع ما فيه مسئوليات عامة لقوله : { لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة } [رواه البخاري في صحيحه]. ففتح الباب لها بأن تنزل إلى ميدان الرجال يعتبر مخالفا لما يريده الإسلام من سعادتها واستقرارها. فالإسلام يمنع تجنيد المرأة في غير ميدانها الأصيل.
وقد ثبت من التجارب المختلفة وخاصة في المجتمع المختلط أن الرجل والمرأة لا يتساويان فطريا ولا طبيعيا فضلا عما ورد في الكتاب والسنة واضحا جليا في اختلاف الطبيعتين والواجبين، والذين ينادون بمساواة الجنس اللطيف - المنشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين - بالرجال يجهلون أو يتجاهلون الفوارق الأساسية بينهما.
لقد ذكرنا من الأدلة الشرعية والواقع الملموس ما يدل على تحريم الاختلاط واشتراك المرأة في أعمال الرجال مما فيه كفاية ومقنع لطالب الحق، ولكن نظرا إلى أن بعض الناس قد يستفيدون من كلمات رجال الغرب والشرق أكثر مما يستفيدون من كلام الله وكلام رسوله وكلام علماء المسلمين رأينا أن ننقل لهم ما يتضمن اعتراف رجال الغرب والشرق بمضار الاختلاط ومفاسده لعلهم يقتنعون بذلك، ويعلمون أن ما جاء به دينهم العظيم من منع الاختلاط هو عين الكرامة والصيانة للنساء وحمايتهن من وسائل الإضرار بهن والانتهاك لأعراضهن.
قالت الكاتبة الإنجليزية الليدي كوك: إن الاختلاط يألفه الرجال ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، وهاهنا البلاء العظيم على المرأة. إلى أن قالت: علِّموهن الابتعاد عن الرجال أخبروهن بعاقبة الكيد الكامن لهن بالمرصاد.
وقال شوبنهور الألماني: قل هو الخلل العظيم في ترتيب أحوالنا الذي دعا المرأة لمشاركة الرجل في علو مجده، وباذخ رفعته وسهل عليها التعالي في مطامعها الدنيئة حتى أفسدت المدنية الحديثة بقوى سلطانها ودنيء آرائها.
وقال اللورد بيرون: لو تفكرت أيها المطالع فيما كانت عليه المرأة في عهد قدماء اليونان لوجدتها في حالة مصطنعة مخالفة للطبيعة ولرأيت معي وجوب إشغال المرأة بالأعمال المنزلية مع تحسن غذائها وملبسها فيه، وضرورة حجبها عن الاختلاط بالغير. اهـ.
وقال سامويل سمايلس الإنجليزي: إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد، فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة المنزلية ؛ لأنه هاجم هيكل المنزل وقوَّض أركان الأسرة ومزّق الروابط الاجتماعية، فإنه يسلب الزوجة من زوجها والأولاد من أقاربهم صار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة، إن وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بالواجبات، مثل ترتيب مسكنها، وتربية أولادها والاقتصاد في وسائل معيشتها، مع القيام بالاحتياجات البيتية ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات، بحيث أصبحت المنازل غير منازل، وأصبحت الأولاد تشب على عدم التربية وتلقى في زوايا الإهمال، وانطفأت المحبة الزوجية، وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة، والقرينة المحبة للرجل وصارت زميلته في العمل والمشاق، وباتت معرضة للتأثيرات التي تمحو غالبا التواضع الفكري والأخلاقي الذي عليه مدار حفظ الفضيلة.
وقالت الدكتورة إيدايلين: إن سبب الأزمات العائلية في أمريكا وسر كثرة الجرائم في المجتمع هو أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف دخل الأسرة فزاد الدخل وانخفض مستوى الأخلاق ثم قالت: إن التجارب أثبتت أن عودة المرأة إلى الحريم هو الطريق الوحيد لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذي يسير فيه.
وقال أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي: إن المرأة تستطيع أن تخدم الدولة حقا إذا بقيت في البيت الذي هو كيان الأسرة.
وقال عضو آخر: إن الله عندما منح المرأة ميزة إنجاب الأولاد لم يطلب منها أن تتركهم لتعمل في الخارج بل جعل مهمتها البقاء في المنزل لرعاية هؤلاء الأطفال.
وقال شوبنهور الألماني أيضا: اتركوا للمرأة حريتها المطلقة كاملة بدون رقيب ثم قابلوني بعد عام لتروا النتيجة ولا تنسوا أنكم سترثون معي الفضيلة والعفة والأدب. وإذا مت فقولوا: أخطأ أو أصاب كبد الحقيقة.
ذكر هذه النقول كلها الدكتور مصطفى حسني السباعي رحمه الله في كتابه (المرأة بين الفقه والقانون).
ولو أردنا أن نستقصي ما قاله منصفو الغرب في مضار الاختلاط الذي هو نتيجة نزول المرأة إلى ميدان أعمال الرجال لطال بنا المقال ولكن الإشارة المفيدة تكفي عن طول العبارة.
والخلاصة: أن استقرار المرأة في بيتها والقيام بما يجب عليها من تدبيره بعد القيام بأمور دينها هو الأمر الذي يناسب طبيعتها وفطرتها وكيانها، وفيه صلاحها وصلاح المجتمع وصلاح الناشئة فإن كان عندها فضل ففي الإمكان تشغيلها في الميادين النسائية كالتعليم للنساء، والتطبيب والتمريض لهن ونحو ذلك مما يكون من الأعمال النسائية في ميادين النساء كما سبقت الإشارة إلى ذلك. وفيها شغل لهن شاغل، وتعاون مع الرجال في أعمال المجتمع وأسباب رقيه كل في جهة اختصاصه، ولا ننسى هنا دور أمهات المؤمنين، رضي الله عنهن ومن سار في سبيلهن وما قمن به من تعليم للأمة وتوجيه وإرشاد وتبليغ عن الله سبحانه، وعن رسوله فجزاهن الله عن ذلك خيرا وأكثر في المسلمين اليوم أمثالهن مع الحجاب والصيانة والبعد عن مخالطة الرجال في ميدان أعمالهم.
والله المسئول أن يبصر الجميع بواجبهم، وأن يعينهم على أدائه على الوجه الذي يرضيه، وأن يقي الجميع وسائل الفتنة وعوامل الفساد ومكايد الشيطان إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.
ـــــــــــــــــــ(68/394)
من "رملة" إلى من تراه من المؤمنات
عبدالملك القاسم
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 3895
(851 كلمة)
صورة المطوية
لكل ملة من الملل ونحلة من النحل تميز يميزهم عن غيرهم.. عبادة وتعاملا ومعابد.. بل وحتى ملابس.. فهي الأخرى من شعارات الأمم الظاهرة، فهذا اللباس هندي، وذاك ياباني، وآخر أوروبي!
والمرأة المسلمة المؤمنة لها تميزها الكامل والواضح في طاعة ربها، وامتثال أمره، واجتناب نهيه.. وهي تتعبد الله عز وجل في كل لحظاتها. وسكناتها، وفي كل أمر عظم أو صغر لأن مصدر التشريع هو الله عز وجل.. فها هي المؤمنة تتعبد الله عز رجل بالصلاة تقيمها وتؤديها، ثم هي مرة أخرى تترك الصلاة لعذر شرعي وتتعبد الله عز رجل بهذا الترك.. فما أجمل الامتثال وما أنصع التسليم!!
ها هي التوابة الأوابة تلقي جانبا ما استجد من أنواع العباءات وهي تتأمل وتقول: أنا لست ألعوبة بأيدي من يريد إسقاط الحجاب.. ولست دمية يعبث بها العابثون. أنا امرأة مسلمة أسلم بأمر الله ورسوله في الستر والعفاف، ولا تقوم قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام، والعباءة ليست ثوبا وكساء فحسب بل هي عبادة وطاعة وطريق جنة ومورد نجاة!.
وتلك العباءة الساترة المحتشمة أبرز مظاهر المرأة المسلمة التي لا تتحرك ولا تهمس إلا بأمر، ولا تقوم ولا تقعد إلا بأمر الشرع المطهر مثل شقيقها الرجل؛ لذا فهي تسير واثقة الخطا، ملقية جانباً: ما خالف الشرع، مبتعدة عن المطايا المسمومة التي يريدها الأعداء والمغفلون أن تعتلي ظهرها لتطرحها حيث شاءوا!!
إنها صاحبة موقف وقدرة.. وكلما رابها أمر واستجدت محدثة وألقى الأعداء لها بسهام.. تمثلت مواقف المؤمنات الخالدات، الصالحات القانتات، وعادت سريعا إلى ربها محافظة على دينها وعفافها وحيائها.. تعلم علم اليقين أن خير أعمالها القرار في بيتها، وزينة عملها وأجله للأمة أن يخرج من تحت يدها الحنون أمثال عمر وخالد وعمار ومعاذ..
ها هي الحيية التقية النقية التي تعد لراية الإسلام يداً لا تسقط من المجاهدين والدعاة والمصلحين.. تتأمل في ما جرى لأم حبيبة رضي الله عنها، رملة بنت أبي سفيان.. زعيم مكة وقائدها.. فقد كانت زوجة لابن عمة الرسول عبيد الله بن جحش الأسدي، وقد أسلم زوجها عبيد الله وأسلمت رملة معه. وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة وتركت موطنها وأباها أبا سفيان وتركت الدار والأحباب طلبا لرضا الله عز رجل.. ولكن الحياة لم تصف لهذه المؤمنة الصابرة المهاجرة فقد فجعت بعد حين بردة زوجها عبيد الله عن الإسلام ودخوله النصرانية.. وجاهد أن يردها عن دينها فأبت وثبتت على دينها كالجبال الرواسي والتزمت الصبر وتعاهدت الدعاء، وكانت قد وضعت ابنتها حبيبة التي كنيت بها، فصارت تدعى "أم حبيبة" وكانت في نهارها وليلها مهمومة مغمومة مفجوعة في أهلها وزرجها تتناوبها الوحشة والغربة حينا والفجيعة والحزن حيناً آخر.. وكادت أن تهلك غماً وكبداً وأسى وحسرة، فهي امرأة مسكينة وحولها طفلة صغيرة وزوج تنصر، وفي مكة أب مشرك يتربص بها وبالمسلمين الدوائر.. ولم يبرد وجع كبدها وانة قلبها.. إلا طارق أتى إلى النجاشي من عند رسول الله يحييه يطلب منه أن يزوج أم حبيبة برسول الله .. وقرت عين أم حبيبة وتدثرت بشرف عظيم حين تسمت بأم المؤمنين وأزال الله ما بقلبها من حزن وقلق وهم وغم.
وتتابع الأيام والشهور فإذا بالفجر الصادق يلوح في أفق المدينة النبوية مبشراً بنصر مؤزر وفتح لمكة قريب بعد أن نقض المشركون صلح الحديبية.. فحاروا فى استعداد المسلمين وقدموا وأخروا واستشاروا.. وقرروا أن يبعثوا من يثني رسول عن فتح مكة ويؤجله ولو إلى حين، فكان رسولهم إلى المدينة أبا سفيان ابن حرب - والد أم المؤمنين "رملة" قبل إسلامه.. الذي تسلل تحت جنح الليل بهدوء وحذر حتى استقر به المقام في المدينه وهتف قلبه.. أن سر. إلى ابنتك رملة فلن تخيب ظنك ولن تفشى سرك وستكون يداً لك.. وتنازعته رغبة الأبوة وحنانها فأدرك ذلك كله بالخطا السريعه إلى منزل ابنته رملة يريد أن يدخل بيتها.. ولم تكن رأته منذ هاجرت إلى الحبشة قبل سنوات طويلة، فوقفت تنظر إليه بادية الدهشة والحيرة وقد عقدت المفاجأة لسانها، وأدرك والدها ما نزل بابنته من هول المفاجأة والمباغتة فأعفاها من أن تأذن له بالجلوس وتقدم بعاطفة الأبوة ليجلس على الفراش وهو مطمئن الفؤاد. ء ولكن أنطق الله عز وجل لسان رملة رضي الله عنها وحرك يدها فاختطفت الفراش وطوته عن أبيها فقال لها متسائلا: يا بنية، ما أدرى أرغبت عن هذا الفراش أم رغبت به عنى؟ فأجابة جواباً أذهله.. قالت: بل هو فراش رسول الله وأنت رجل مشرك، فلم أحب أن تجلس عليه.
لقد محضت أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما ولاءها لله، فلم تاس على زوج تنكب عن الصراط وارتد عن دينه، وتحملت في غربتها الضيق والمعاناة، ثم ها هي تتغلب على عاطفة الأبوة وتظهر ولاءها لله ورسوله وللمؤمنين، وبراءتها من الكفار والمشركين، حتى وإن كان أباها أو أخاها..
تأملت مؤمنة هذا الزمن موقف أم المؤمنين وتأسفت على حال أخواتها وكيف عصفت بهن الفتن، فقل الدين وضعف الاتباع، وأصبح البعض منهن يتقلبن في يد كل ساقط وخلف نداء كل ناعق، ولذا ظهرت أنواع من العباءات غير المحتشمة، وترجلت النساء، وندر الحياء، وكثرت الخراجات الولاجات، ممن همهن الموضة والأزياء ولو على حساب دينهن!!
لقد طال بمؤمنة هذا الزمن التفكير وألقت عصا الترحال وهي ترسل الطرف وتقلب النظر وتتامل عباءة اسمها "العباءة الفرنسية" وتساءلت في عحب: منذ متى والفرنسية تلبس العباءة؟ وأهمها سؤال أشد ايلاما.. منذ متى والفرنسية الكافرة تهتم بحجاب المرأة المسلمة وتعتني به؟! وأسقط في يد مؤمنة هذا الزمن وهي ترى تلك العباءة وشكلها!
أختي المسلمة: هذه رسالة كتبت بدموع الصبر، وأنين الفاجعة، وصدق التوكل، وثبات اليقين، والرغبة فيما عند الله عز وجل.. إنها أيتها المؤمنة رسالة من أم المؤمنين "رملة" إليك خاصة، فما هي رسالتك أنت للأجيال القادمة؟
ـــــــــــــــــــ(68/395)
نهاية فتاة
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 7508
(827 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى.. أما بعد:
فتى ا لأحلام
قالت وهي تذرف دموع الندم: كانت البداية مكالمة هاتفية عفوية، تطورت إلى قصة حب وهمية، أوهمني أنه يحبني وسيتقدم لخطبتي... طلب رؤيتي.. رفضت.. هددني بالهجر! بقطع العلاقة! ضعفت.. أرسلت له صورتي مع رسالة وردية معطرة! توالت الرسائل... طلب مني أن أخرج معه.. رفضت بشدة.. هددني بالصور، بالرسائل المعطرة، بصوتي في الهاتف - وقد كان يسجله - خرجت معه على أن أعود في أسرع وقت ممكن.. لقد عدت ولكن.. عدت وأنا أحمل العار.. قلت له: الزواج.. الفضيحة... قال لي بكل احتقار وسخرية: إني لا أتزوج فاجرة..
أختي الكريمة
أرأيت كيف تكون نهاية هذه العلاقات المحرمة؟
لذا فتنبهي أنت جيدا واحذري كل الحذر من أن تتورطي بشيء من هذه العلاقات، وإياك إياك من أن تغويك إحدى رفيقات السوء، وتجرك إلى شيء من هذه العلاقات الدنيئة، وتزينها لك، وتوهمك بأنه لن يحصل لك كما حصل لغيرك من الفضيحة أو غير ذلك.
إياك إياك أن تصدقي شيئا من ذلك ؛ فإن هذا كله من مكائد الشيطان وألاعيبه، وإلا فإن نهاية العلاقات المحرمة دائما كهذه النهاية المذكورة أو أشد منها.
واحذري أيضا من أن تصدقي أحدا من هؤلاء المجرمين الذين يتلاعبون بأعراض الناس ؛ فإنهم كلهم في النذالة والخيانة والكذب سواء، مهما تظاهر الواحد منهم بصدقه وإخلاصه ث لأن هدف هؤلاء دائما واحد، وهو معروف، ولا يخفى على عاقل. فكم سمعنا وسمع غيرنا عن جرائمهم البشعة مع بعض الفتيات !
ولكن المصيبة أن بعض الفتيات - هداهن الله - لا يتعظن أبدا بما يسمعن من الفضائح التي تحصل لغيرهن، ولا يصدقن ما يقال لهن إلا إذا وقعت الواحدة منهن فريسة لمثل هؤلاء المجرمين، وتورطت معه بمصيبة أو فضيحة، فحينئذ تصحو هن غفلتها، وتندم على عملها هذا أشد الندم، وتتمنى الخلاص من هذه الورطة وهذه الفضيحة ولكن بعد فوات الأوان !... فلماذا كل ذلك؟!
كان الأولى بمن تورطت بمثل ذلك - لو كانت عاقلة -أن تبتعد عن هذا الطريق من أوله، ولا داعي للعناد والمغامرة بمثل هذه الأمور ؛لأن المغامرة بمثل هذه الأمور تعتبر مأمرة بالشرف الذي هو أعز ما لدى المرأة، والذي لو ضاع لا يمكن تعويضه أبدا. ومن هي الفتاة التي تريد أن تفقد أعز ما لديها من خلال نزوة عابرة ؛ لتعيش بعد ذلك بين أهلها ومجتمعها ذليلة حقيرة منكسة الرأس، لا يطلبها أحد، فتعيش بقية عمرها حسيرة كسيرة في بيتها، بينما من هن أصغر منها سنا أصبحن أمهات ومربيات أجيال.
لذا فكوني أنت أختي الكريمة عاقلة، وابتعدي عن مثل هذه العلاقات ؛ لئلا تكوني أنت الضحية القادمة، واعتبري بما حصل لغيرك، ولا تكوني أنت عبرة لغيرك، واعلمي أن الفتاة الأمينة ثمينة؟ فإذا خانت هانت. لذا فأبقي أنت على نفسك عزيزة كريمة، ولا تتسببي في إهانتها وإنزال قدرها وقيمتها.
أختي الكريمة
لا تصدقي أن زواجا يمكن أن يتم عن طريق مكالمات هاتفية عابثة أبدا ؛ لأن لسان حال أهل المعاكسات دائما إذا طلب منهم الزواج هو:
كيف الوثوق بغر وكيف أرضى سبيله من خانت العرض يوما عهودها مستحيلة.
فإذا كان هذا هو الرد غالبا فيجب على كل فتاة عاقلة يهمها شرفها وعفافها أن تبتعد عن مثل هذه العلاقات ؛ لكي لا تضطر لسماع مثل هذا الرد المؤلم، ولكي تحفظ شرفها وكرامتها ما دام الأمر بيدها... ولو فرض و تم الزواج عن طريق العلاقة بالمكالمات الهاتفية، فإن مصيره غالبا إلى الضياع والفشل ؛ لما سيصاحبه بعد ذلك من كثرة الشكوك والاتهامات.
ولا تصدقي أيضا ما يردده أدعياء التقدم أو ما يسمون بدعاة تحرير المرأة من أنه لابد من الحب قبلالزواج، فالحب الحقيقي لا يكون إلا بعد الزواج، وما سواه فهو في الغالب حب مزيف مؤسس على أوهام وأكاذيب لمجرد الاستمتاع وقضاء الوطر، ثم لا يلبث أن ينهار فتنكشف الحقائق ويظهر المستور.
أختي الكريمة
إذا كنت تريدين السعادة في الدنيا والآخرة، وتريدين النجاة من سخطالله وعقابه، والفوز بجنته ورضاه، وأن تعيشي عزيزة كريمة في هذه الدنيا، إذا كنت تريدين كل ذلك فالتزمي بهذه النصائح:
احذري المكالمات الهاتفية؟ فإنها تسجل عند الله تعالى، ويسجلها شياطين الإنس "أدعياء الحب " فيستخدمونها سلاحا للضغط عليك، أو للنيل من سمعتك وعرضك.
احذري التصوير بشتى أنواعه فإنه علاوة على تحريمه ولعن صاحبه؟ فهو من أخطر الأسلحة التي يستخدمها ذئاب البشر لإرغام الضحية وتهديدها وافتراسها.
احذري كتابة الرسائل الغرامية؟ فهي أيضا من وسائلهم في التهديد والضغط. *احذري المجلات والروايات الهابطة والأغاني الماجنة.
احذري أيضا المسلسلات والأفلام الفاسدة المضللة، التي غالبا ما تكون سببا للانحراف والفساد، واستبدلي ذلك بالكتب والمجلات النافعة والأشرطة الإسلامية التي تفيدك دينا ودنيا.
احذري التبرج والسفور؛ فإن تبرج المرأة دليل على جهلها وضعف إيمانها ونقص في شخصيتها، وهو انحطاط وسقوط اجتماعي ونفسي، ودعوة إلى الفاحشة والفساد، وهو عمل يتنافى مع الأخلاق والآداب الإسلامية. وحافظي على حجابك؟ فإن الحجاب عفة وطهارة، وهو تشريف وتكريم لك، وليس تضييقا عليك كما يزعم أهل الشر والفساد وأعداء الإسلام، وهو أعظم دليل على إيمانك وأدبك وسمو أخلاقك، وهو تمييز لك عن الساقطات المتهتكات.
احذري جميع المعاصي والذنوب ؛ فإنها - والله - سبب زوال النعم وحلول النقم ونزول المصائب، وهي سبب تعاسة الإنسان وشقائه في الدنيا والآخرة.
وأخيرا
تذكري - أختي الكريمة - أنك سترحلين عن هذه الدنيا عما قريب؟ فإن كنت قد ألممت بشيء من الذنوب فبادري بالتوبة النصوح منها قبل أن يحال بينك وبين التوبة؟ فإني والله لك من الناصحين، وعليك من المشفقين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ(68/396)
باقة ورد ونسرين مهداة لكل عروسين
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 14441
(2480 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله الذي خلق من كل شيء زوجين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة إلى الثقلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد:
فما أسعدنا في هذا اليوم المبارك، وفي هذا العرس الطيب الزكي، حيث جمع الله تعالى فيه بين زوجين، وألف فيه بين قلبين، وقرب بين بعيدين، وقرن فيه مسلماً بمسلمة، بطريق شرعي حلال، على كتاب الله تعالى، وعلى سنة رسول الله .
فبارك الله للعروسين
وبارك عليهما
وجمع بينهما في خير
وإنه لمن دواعي السرور والفرح، ما نراه من إقبال الشباب المسلم على الزواج، رغم ما يلاقونه من المصاعب، وكثرة التكاليف التي تطلب منهم، وما ذاك إلا رغبتهم في طلب الحلال، وإعفاف أنفسهم، وحرصهم على تكوين بيتٍ مسلمٍ جديدٍ، يكون لبنة في بناء المجتمع بل الأمة الإسلامية كلها.
1- فالزواج من هدي الأنبياء والمرسلين، ومن كرهه ورغب عنه فقد خالف السنة وفارق هدي المصطفى عليه الصلاة والسلام.
قال النبي : { أما والله إن لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني } [متفق عليه].
وقال عليه الصلاة والسلام: { حبب إليّ من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة } [النسائي وأحمد وصححه الألباني].
2- والزواج استجابة لنداء الخالق جل وعلا بقوله: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32].
3- والزواج نداء الفطرة، فمن تركه إلى غيره فقد خالف الفطرة ومن خالف الفطرة فهو على شفا هلكة فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30].
4- والزواج من أعظم نعم الله على عباده، فهو طريق المودة، وسبيل السعادة، وعنوان الاستقرار، ومجال الرحمة قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21].
5- والزواج هو الطريق الشرعي الحلال لقضاء الوطر وتصريف الشهوة، قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7].
فأين الشباب المسلم التقي؟
أين أحفاد خالد وعلي؟
أين الذين هم على صلاتهم دائمون؟
ذهب الأبطال وبقى كل بطال!!
6- والزواج عصمة للشاب والشابة من الفتن والانحراف، والفسق والفجور، ولذا حث النبي الشباب على الزواج بقوله: { يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء } [متفق عليه].
7- والزواج طريق سهل، وسبيل ميسرة لاكتساب الأجر والمثوبة من الله بغير تعب ولانصب، فقد أخبر النبي أن خير الإنفاق هو الإنفاق على الزوجة والعيال، قال عليه الصلاة والسلام: { دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أفضلهم الدينار الذي أنفقته على أهلك } [رواه مسلم].
وقال النبي لسعد بن أبي وقاص: { وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيْ امرأتك } [متفق عليه].
وأعظم من ذلك أن للزوج والزوجة أجراً بالجماع والمتعة، قال النبي : { وفي بضع أحدكم صدقة }. قالوا: يا رسول الله! يأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟! قال: { أرأيتم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه فيها وِزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرُ } [رواه مسلم].
8- والزواج الناجح هو ما كان مبنياً على أسسٍ شرعية سليمة، ومن أعظم تلك الأسس: اشتراط الدين في الزوج والزوجة.
ففي الزوج قال النبي : { إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير } [الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني].
قال رجل للحسن: ممن أزوج ابنتي؟ قال: ( ممن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها ).
فصاحب الدين لا يظلم إذا غضب، ولا يهجر بغير سبب، ولا يسيء معاملة زوجته، ولا يكون سبباً في فتنة أهله، عن طريق إدخال المنكرات وآلات اللهو في البيت، بل يعمل بقول النبي : { خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي } [رواه ابن ماجه].
فينبغي لولي المرأة أن ينظر في دين الرجل وأخلاقه، لأن المرأة تصير بالنكاح مرقوقة، ومتى زوجها وليها من فاسق أو مبتدع، فقد جنى عليها وعلى نفسه.
وفي الزوجة قال النبي صلى عليه وسلم: { تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينا، فأظفر بذات الدين تربت يداك } [رواه مسلم].
فصاحبة الدين تطيع زوجها في غير معصية، وتحفظه في نفسها وماله إذا غاب، ولا تهجر فراش الزوجية، ولا تخرج من بيتها بغير علم زوجها، ولا تصوم نافلة وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيتها لأحد لا يريده، قال النبي : { لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه } [متفق عليه].
وهناك خصال إذا اجتمعت في المرأة كمل أمرها وكثر خطابها وهي: • الدين. • حسن الخلق. • الجمال. • خفة المهر. • أن تكون بكراً. • أن تكون ولوداً. • أن تكون ذات نسب.
9- والزواج قوة للأمة، وتجديد لشبابها، وإرهاب لأعدائها، لأنه وسيلة لتكثير الأمة وإعمار الأرض، ولذلك رغب النبي صلى عليه وسلم في التزوج من المرأة الولود فقال عليه الصلاة والسلام: { تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة } [رواه أبو داود والنسائي وأحمد].
10- والزواج يتم التعارف والتلاقي بين الأسر والعائلات، فتنشر المحبة والألفة بين المسلمين، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].
وقد كانت كثير من القبائل متعادية متحاربة، فلما تم الزواج بينها زالت العداوة وذهبت البغضاء، وحلت مكانها المحبة والألفة والرحمة والتعاون.
نصائح إلى الزوج
أخي الزوج:
1. إتق الله في زوجتك فإنها أمانة في عنقك سوف يسألك الله عنها يوم القيامة، قال النبي : { استوصوا بالنساء خيراً } [متفق عليه]، وقد حذر النبي من ظلم المرأة فقال عليه الصلاة والسلام: { اللهم إن أحرج حق الضعفين: اليتيم والمرأة } [رواه أحمد وابن ماجه بسند حسن].
2. كن حسن الخلق كريم الطبع، فلا تشتم ولا تقبح ولا تهجر، قال النبي : { لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر } [رواه مسلم] معنى يفرك: يبغض.
3. كن صبوراً حسن العشرة، فخيركم من راعى وداد لحظة.
4. كن غيوراً على زوجتك ولا تبالغ في إساءة الظن، فقد قال النبي : { أتعجبون من غيرة سعد؟ لإني أغير منه، والله أغير مني } [رواه مسلم].
5. كن حكيماً في التعامل مع الأخطاء والزلات؛ فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.
6. أنفق على زوجتك بالمعروف وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً [الإسراء:29].
وسئل النبي : ما حق الزوجة على أحدنا؟ فأجاب عليه الصلاة والسلام: { أن تطعمها إذا طعمت، وأن تكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت } [رواه أحمد وأبو داود].
7. تعلم من فقه النساء ما تعرف به كيفية معاشرة زوجتك حال الحيض والنفاس، وعلِّم زوجتك هذه الأحكام إن كانت تجهلها.
8. إعلم أنه لا يجوز وطء الحائض، ولا الوطء في الدبر، وللرجل الاستمتاع بزوجته حال الحيض إلا بالجماع فإنه محرم.
9. من آداب الجماع: البدء بالتسمية، وبالملاعبة والضم والتقبيل قبل الجماع فإنه أوفق للمرأة والرجل، وإذا قضى الرجل وطره فليتمهل، فإن لزوجته حقاً، ومن أراد معاودة الجماع فليغسل فرجه ويتوضأ.
10. إياك وإفشاء أسرار الزوجية، قال النبي : { إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها } [رواه مسلم].
وقيل لبعض الصالحين وقد أراد طلاق زوجته: ما الذي يريبك منها؟ فقال: العاقل لا يهتك سراً. فلما طلقها قيل له: لم طلقتها؟ فقال: ما لي ولامرأة غيري!!
نصائح إلى العروس
أختي العروس:
للزوج على زوجته أعظم الحقوق بعد الله ورسوله ، وفي ذلك يقول النبي : { لو جاز لأحدٍ أن يسجد لأحدٍ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها } [رواه الترمذي وقال: حسن صحيح]، وذلك لعظم حقه عليها.
فيا أختاه:
1. عليكِ بالقناعة والرضا بالقليل، فقد كانت بعض نساء السلف إذا أراد زوجها الخروج من منزله تقول له: إياك وكسب الحرام، فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار!!
2. إياكِ ومعصية زوجك ورفع الصوت عليه وشكايته إلى أهلك دائماً، فقد قال النبي لامرأة: { أين أنت من زوجك، فإنما هو جنتك ونارك } [رواه النسائي وأحمد وحسنه الألباني].
أختي العروس:
أين من تأمر زوجها بالتقوى وتعينه؟
أين من لا تغضب زوجها ولا تهينه؟
أين العابدات القانتات؟
أين الراكعات الساجدات؟
أين حفيدات أمهات المؤمنات؟
3. لا تطلبي من زوجك خادمة شابة، فقد تكون سبباً في طلاقك!!
4. إعلمي أن حق الزوج مقدم على جميع الأقارب، فإذا تعارضت الحقوق، فقدمي حق الزوج ولا تبالي.
5. إحفظي زوجك في ماله، ولا تخرجي شيئاً من البيت دون علمه، فإن تصدقت من ماله عن رضاه، كان لك مثل أجره، وإن كان بغير رضاه، كان له الأجر وعليك الوزر.
6. إياك وجارات السوء، وصديقات السوء، اللاتي يُثرنك على زوجك، ويُوقعن بينك وبينه، ويُقللن من شأنه أمامك.
7. إصبري على أذى زوجك، وكوني حكيمة في التعامل معه عند الغضب، يحمد لك ذلك عند الرضا، واعلمي أن المشكلات الزوجية لا تكبر إلا بالعناد والمكابرة، فلا تهدمي بيتك بسبب الكبر والعناد.
8. أجيبي زوجك إذا دعاك مهما كانت الظروف، فقد أخبر النبي أن { من دعا امرأته إلى فراشه فأبت عليه لعنتها الملائكة حتى تصبح } [متفق عليه].
9. لا تصِفي أحداً من النساء لزوجك فقد نهى النبي عن ذلك بقوله: { لا تباشر المرأة المرأة فتصفها لزوجها كأنه ينظر إليها } [متفق عليه].
10. أنت راعية في بيت زوجك ومسئولة عن رعيتك، فمري بالمعروف وانهي عن المنكر، ولا ترضي بوجود شيء من المنكرات في بيتك، واعلمي أنه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق.
فتاوى في الأفراح والزواجات
حكم تزويج من لا يصلى
س: لقد تقدم لابنتي أحد أقاربي وله فضل عليّ ولكنه مدمن على شرب الخمر ويرافق أهل السوء وقليل الصلاة أو لا يصلي، ومدمن المشاهدة للفيديو والتلفاز وآلات اللهو وأنا في حرج منه، أرجو توضيح حكم الإسلام في الأمر؟
جـ: إذا كان الخاطب لابنتك بهذا الوصف فلا يجوز لك تزويجها إياه، لأنها أمانة لديك، فالواجب عليك أن تختار لها الأصلح في دينه وأخلاقه، والذي لا يصلي لا يجوز أن يُزوج بالمسلمة التي تصلي، لأنه ليس كفؤاً لها، لأن ترك الصلاة كفر لقول النبي : { بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة } [خرجه الإمام مسلم في صحيحه]. وقوله عليه الصلاة والسلام: { العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر } [أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح]، والأدله أخرى كثيرة من الكتاب والسنة تدل على كفر تارك الصلاة وإن لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء. أما إن جحد وجوبها أو استهزأ بها فإنه يكفر كفراً أكبر بإجماع المسلمين.
أما من يتعاطى السكر وهو يصلي فإنه لا يكفر بذلك إذا لم يستحله ولكنه يكون قد أتى كبيرة من الكبائر ويفسق بذلك، فالمشروع لك ألا تزوجه ولو كان يصلي لفسقه، ولأنه قد يجر زوجته وأولاده إلى هذه الجريمة العظيمة.
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، ويهديهم صراطه المستقيم، ويعيذنا وإياهم من طاعة الهوى والشيطان، إنه جواد كريم [الشيخ ابن باز].
بعض منكرات الأعراس
س: السلام عليكم ورحمة الله بركاته فضيلة الشيخ، إنه في الآونة الأخيرة وبمناسبة بدء الإجازة الصيفية كثرت الأخطاء في مناسبات الزواج في المنازل أو قصور الأفراح وفي القصور أشد وأقبح: مثل الضرب بمكبر الصوت، والغناء من النساء، والتصوير بالفيديو، والأشد من ذلك الرجل المتزوج يقبل زوجته أمام النساء، فأين الحياء والخوف من الله؟ وعند إسداء النصح من الغيورين على محارم الله يجابهون بالقول: الشيخ الفلاني أفتى بجواز الطبل. فإذا كان هذا صحيحاً أليس لهذا الطبل ضوابط وحدود توضح للناس ليقف عندها هؤلاء المتهورون؟ نرجو من فضيلتكم إيضاح الحق للمسلمين. وجزاكم الله خيراً ونفع بعلمكم، والله يوفقكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جـ: بسم الله الرحمن الرحيم، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته الحق في الدف أيام العرس أنه جائز أو سنة إذا كان في ذلك إعلان النكاح، ولكن بشروط:
الشرط الأول: أن يكون الضرب بالدف وهو ما يسمى عند بعض الناس بـ(الطار) وهو المختوم من وجه واحد، لأن المختوم من الوجهين يسمى (الطبل) وهو غير جائز، لأنه من آلات العزف، والمعازف كلها حرام إلا ما دل الدليل على حِله وهو الدف حال أيام العرس.
الشرط الثاني: ألا يصحبه محرم كالغناء الهابط المثير للشهوة، فإن هذا ممنوع سواء كان معه دف أم لا، وسواء في أيام العرس أم لا.
الشرط الثالث: ألا يحصل بذلك فتنة كظهور الأصوات الجميلة للرجال، فإن حصل بذلك فتنة كان ممنوعاً.
الشرط الرابع: ألا يكون في ذلك أذية على أحد، فإن كان فيه أذية كان ممنوعاً مثل أن تظهر الأصوات ولا يخلو من فتنة أيضاً، وقد نهى النبي المصلين أن يجهر بعضهم على بعض في القراءة لما في ذلك التشويش والإيذاء فكيف بأصوات الدفوف والغناء؟!
وأما تصوير المشهد بآلة التصوير فلا يشك عاقل في قبحه، ولا يرضى عاقل فضلاً عن مؤمن أن تلتقط صور محارمه من الأمهات والبنات والأخوات والزوجات وغيرهن لتكون سلعة تعرض لكل واحد، أو ألعوبة يتمتع بالنظر إليها كل فاسق.
وأقبح من ذلك تصوير المشهد بواسطة الفيديو لأنه يصور المشهد حياً بالمرأى والمسمع، وهو أمر ينكره كل ذي عقل سليم ودين مستقيم، ولا يتخيل أحد أن يستبيحه من عنده حياء وإيمان.
وأما الرقص من النساء فهو قبيح لا نفتي بجوازه لما بلغنا من الأحداث التي تقع بين النساء سببه، ولا يخفى ما فيه، وأما إن كان أقبح، وهو من تشبه الرجال بالنساء مختلطين كما يفعله بعض السفهاء فهو أعظم وأقبح لما فيه من الاختلاط والفتنة العظيمة لا سيما وأن المناسبة مناسبة نكاح ونشوة عرس.
وأما ما ذكره السائل من أن الزوج يحضر مجمع النساء ويقبل زوجته أمامهن فإن تعجب فعجب أن يحدث مثل هذا من رجل أنعم الله عليه بنعمة الزواج فقابلها بهذا الفعل المنكر شرعاً وعقلاً ومروءة!! وكيف يبيح لنفسه أن يقوم بهذا الفعل أمام النساء وفي نشوة العرس الذي هو مثار الشهوة؟! ثم كيف يمكنه أهل الزوجة من ذلك؟! أفلا يخافون أن يشاهد هذا الرجل في مجتمع هؤلاء النساء من هي أجمل من زوجته وأبهى فتسقط زوجته من عينه ويدور في رأسه من التفكير الشيء الكثير، وتكون العاقبة بينه وبين عرسه غير حميدة؟
إنني في ختام جوابي هذا أنصح إخواني المسلمين من القيام بمثل هذه الأعمال السيئة، وأدعوهم إلى القيام بشكر الله على هذه النعمة وغيرها، وأن يتبعوا طريق السلف الصالح فيقتصروا على ما جاءت به السنة، ولا يتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل.
وأسأل الله تعالى أن يوفقني وإخواني المسلمين لما يحبه ويرضاه، ويعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، إنه قريب مجيب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين [الشيخ ابن عثيمين].
جلوس العروسين بين النساء منكر
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله: ( من الأمور المنكرة التي استحدثها الناس في هذا الزمان وضع منصة للعروس بين النساء يجلس عليها زوجها بحضرة النساء السافرات المتبرجات وربما حضر معه غيره من أقاربها من الرجال.
ولا يخفى على ذوي الفطرة السليمة والغيرة الدينية ما في هذا العمل من الفساد الكبير وتمكن الرجال الأجانب من مشاهدة النساء الفاتنات المتبرجات، وما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة، فالواجب منع ذلك والقضاء عليه؛ حسماً لأسباب الفتنة، وصيانة المجتمعات النسائية مما يخالف الشرع المطهر. وإني أنصح جميع إخواني المسلمين بأن يتقوا الله ويلتزموا شرعه في كل شيء، وأن يحذروا كل ما حرم الله عليهم، وأن يبتعدوا عن أسباب الشر والفساد في الأعراس وغيرها؛ إلتماساً لرضى الله سبحانه وتعالى، وتجنباً لأسباب سخطه وعقابه ) [الشيخ ابن باز].
لا يجوز (زف) العريس مع العروسة
س: هل يجوز زف العريس مع العروس بين النساء في الأفراح؟
جـ: لا يجوز هذا الفعل فإنه دليل على نزع الحياء وتقليد لأهل الخنا والشر، بل الأمر واضح؛ فإن العروس تستحي أن تبرز أمام الناس فكيف تزف أمام الأشهاد؟ [الشيخ ابن جبرين]
ـــــــــــــــــــ(68/397)
أحوال النساء في الجنة
سليمان بن صالح الخراشي
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 12201
(1390 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فإني لما رأيت كثرة أسئلة النساء عن أحوالهن في الجنة وماذا ينتظرهن فيها أحببت أن أجمع عدة فوائد تجلي هذا الموضوع لهن مع توثيق ذلك بالأدلة الصحيحة وأقوال العلماء فأقول مستعينا بالله:
فائدة (1):
لا ينكر على النساء عند سؤالهن عما سيحصل لهن في الجنة من الثواب وأنواع النعيم، لأن النفس البشرية مولعة بالتفكير في مصيرها ومستقبلها ورسول الله لم ينكر مثل هذه الأسئلة من صحابته عن الجنة وما فيها ومن ذلك أنهم سألوه : ( الجنة وما بنائها؟ ) فقال : { لبنة من ذهب ولبنة من فضة...} إلى آخر الحديث. ومرة قالوا له: ( يا رسول الله هل نصل إلى نسائنا في الجنة؟ ) فأخبرهم بحصول ذلك.
فائدة (2):
أن النفس البشرية – سواء كانت رجلا أو امرأة – تشتاق وتطرب عند ذكر الجنة وما حوته من أنواع الملذات وهذا حسن بشرط أن لا يصبح مجرد أماني باطلة دون أن نتبع ذلك بالعمل الصالح فإن الله يقول للمؤمنين: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72]. فشوّقوا النفس بأخبار الجنة وصدّقوا ذلك بالعمل.
فائدة (3):
أن الجنة ونعيمها ليست خاصة بالرجال دون النساء إنما هي قد أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، من الجنسين كما أخبرنا بذلك تعالى قال سبحانه: وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ [النساء:124].
فائدة (4):
ينبغي للمرأة أن لا تشغل بالها بكثرة الأسئلة والتنقيب عن تفصيلات دخولها للجنة: ماذا سيعمل بها؟ أين ستذهب؟ إلى آخر أسئلتها.. وكأنها قادمة إلى صحراء مهلكة! ويكفيها أن تعلم أنه بمجرد دخولها الجنة تختفي كل تعاسة أو شقاء مر بها.. ويتحول ذلك إلى سعادة دائمة وخلود أبدي ويكفيها قوله تعالى عن الجنة: لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:48]، وقوله: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71]. ويكفيها قبل ذلك كله قوله تعالى عن أهل الجنة: رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ [المائدة:119].
فائدة (5):
عند ذكر الله للمغريات الموجودة في الجنة من أنواع المأكولات والمناظر الجميلة والمساكن والملابس فإنه يعمم ذلك للجنسين ( الذكر والأنثى ) فالجميع يستمتع بما سبق. ويتبقى: أن الله قد أغرى الرجال وشوقهم للجنة بذكر ما فيها من ( الحور العين ) و ( النساء الجميلات ) ولم يرد مثل هذا للنساء.. فقد تتساءل المرأة عن سبب هذا !؟
والجواب:
1- أن الله: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، ولكن لا حرج أن نستفيد حكمة هذا العمل من النصوص الشرعية وأصول الاسلام فأقول:
2- أن من طبيعة النساء الحياء – كما هو معلوم – ولهذا فإن الله – عز وجل – لا يشوقهن للجنة بما يستحين منه.
3- أن شوق المرأة للرجال ليس كشوق الرجال للمرأة – كما هو معلوم – ولهذا فإن الله شوّق الرجال بذكر نساء الجنة مصداقا لقوله : { ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء } [أخرجه البخاري] أما المرأة فشوقها إلى الزينة من اللباس والحلي يفوق شوقها إلى الرجال لأنه مما جبلت عليه كما قال تعالى أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ [الزخرف:18].
4- قال الشيخ ابن عثيمين: إنما ذكر – أي الله عز وجل – الزوجات للأزواج لأن الزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة فلذلك ذكرت الزوجات للرجال في الجنة وسكت عن الأزواج للنساء ولكن ليس مقتضى ذلك أنه ليس لهن أزواج.. بل لهن أزواج من بني آدم.
فائدة (6):
المرأة لا تخرج عن هذه الحالات في الدنيا فهي:
1- إما أن تموت قبل أن تتزوج.
2- إما أن تموت بعد طلاقها قبل أن تتزوج من آخر.
3- إما أن تكون متزوجة ولكن لا يدخل زوجها معها الجنة، والعياذ بالله.
4- إما أن تموت بعد زواجها.
5- إما أن يموت زوجها وتبقى بعده بلا زوج حتى تموت.
6- إما أن يموت زوجها فتتزوج بعده غيره.
هذه حالات المرأة في الدنيا ولكل حالة ما يقابلها في الجنة:
1- فأما المرأة التي ماتت قبل أن تتزوج فهذه يزوجها الله – عزوجل – في الجنة من رجل من أهل الدنيا لقوله : { ما في الجنة أعزب } [أخرجه مسلم]، قال الشيخ ابن عثيمين: إذا لم تتزوج – أي المرأة – في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها ما تقر بها عينها في الجنة.. فالنعيم في الجنة ليس مقصورا على الذكور وإنما هو للذكور والإناث ومن جملة النعيم: الزواج.
2- ومثلها المرأة التي ماتت وهي مطلقة.
3- ومثلها المرأة التي لم يدخل زوجها الجنة. قال الشيخ ابن عثيمين: فالمرأة إذا كانت من أهل الجنة ولم تتزوج أو كان زوجها ليس من أهل الجنة فإنها إذا دخلت الجنة فهناك من أهل الجنة من لم يتزوجوا من الرجال. أي فيتزوجها أحدهم.
4- وأما المرأة التي ماتت بعد زواجها فهي – في الجنة – لزوجها الذي ماتت عنه.
5- وأما المرأة التي مات عنها زوجها فبقيت بعده لم تتزوج حتى ماتت فهي زوجة له في الجنة.
6- وأما المرأة التي مات عنها زوجها فتزوجت بعده فإنها تكون لآخر أزواجها مهما كثروا لقوله : { المرأة لآخر أزواجها } [سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني]. ولقول حذيفة – – لامرأته: ( إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا فلذلك حرم الله على أزواج النبي أن ينكحن بعده لأنهن أزواجه في الجنة ).
مسألة: قد يقول قائل: إنه قد ورد في الدعاء للجنازة أننا نقول ( وأبدلها زوجا خيرا من زوجها ) فإذا كانت متزوجة.. فكيف ندعوا لها بهذا ونحن نعلم أن زوجها في الدنيا هو زوجها في الجنة وإذا كانت لم تتزوج فأين زوجها؟
والجواب كما قال الشيخ ابن عثيمين: "إن كانت غير متزوجة فالمراد خيرا من زوجها المقدر لها لو بقيت وأما إذا كانت متزوجة فالمراد بكونه خيرا من زوجها أي خيرا منه في الصفات في الدنيا لأن التبديل يكون بتبديل الأعيان كما لو بعت شاة ببعير مثلا ويكون بتبديل الأوصاف كما لو قلت لك بدل الله كفر هذا الرجل بإيمان وكما في قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ [إبراهيم:48]، والأرض هي الأرض ولكنها مدت والسماء هي السماء لكنها انشقت".
فائدة (7):
ورد في الحديث الصحيح قوله للنساء: { إني رأيتكن أكثر أهل النار...} وفي حديث آخر قال : { إن أقل ساكني الجنة النساء } [أخرجه البخاري ومسلم]، وورد في حديث آخر صحيح أن لكل رجل من أهل الدنيا ( زوجتان ) أي من نساء الدنيا. فاختلف العلماء – لأجل هذا – في التوفيق بين الأحاديث السابقة: أي هل النساء أكثر في الجنة أم في النار؟
فقال بعضهم: بأن النساء يكن أكثر أهل الجنة وكذلك أكثر أهل النار لكثرتهن. قال القاضي عياض: ( النساء أكثر ولد آدم ).
وقال بعضهم: بأن النساء أكثر أهل النار للأحاديث السابقة. وأنهن – أيضا – أكثر أهل الجنة إذا جمعن مع الحور العين فيكون الجميع أكثر من الرجال في الجنة.
وقال آخرون: بل هن أكثر أهل النار في بداية الأمر ثم يكن أكثر أهل الجنة بعد أن يخرجن من النار – أي المسلمات –قال القرطبي تعليقا على قوله : { رأيتكن أكثر أهل النار } : ( يحتمل أن يكون هذا في وقت كون النساء في النار وأما بعد خروجهن في الشفاعة ورحمة الله تعالى حتى لا يبقى فيها أحد ممن قال: لا إله إلا الله فالنساء في الجنة أكثر ).
الحاصل: أن تحرص المرأة أن لا تكون من أهل النار.
فائدة (8):
إذا دخلت المرأة الجنة فإن الله يعيد إليها شبابها وبكارتها لقوله : { إن الجنة لايدخلها عجوز.... إن الله تعالى إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا }.
فائدة (9):
ورد في بعض الآثار أن نساء الدنيا يكن في الجنة أجمل من الحور العين بأضعاف كثيرة نظرا لعبادتهن الله.
فائدة (10):
قال ابن القيم ( إن كل واحد محجور عليه أن يقرب أهل غيره فيها ) أي في الجنة.
وبعد: فهذه الجنة قد تزينت لكن معشر النساء كما تزينت للرجال فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ [القمر:55] فالله الله أن تضعن الفرصة فإن العمر عما قليل يرتحل ولا يبقى بعده إلا الخلود الدائم، فليكن خلودكن في الجنة – إن شاء الله – واعلمن أن الجنة مهرها الإيمان والعمل الصالح وليس الأماني الباطلة مع التفريط وتذكرن قوله : { إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت }.
واحذرن - كل الحذر – دعاة الفتنة ( وتدمير ) المرأة من الذين يودون إفسادكن وابتذالكن وصرفكن عن الفوز بنعيم الجنة. ولا تُغررن بعبارات وزخارف هؤلاء المتحررين والمتحررات من الكتاب والكاتبات ومثلهم أصحاب ( القنوات ) فإنهم كما قال تعالى: وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء [النساء:89].
أسأل الله أن يوفق نساء المسلمين للفوز بجنة النعيم وأن يجعلهن هاديات مهديات وأن يصرف عنهن شياطين الأنس من دعاة وداعيات ( تدمير ) المرأة وإفسادها وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ(68/398)
إليك يا ذات النقاب
فهد الناصح
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 10059
(1800 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله... و بعد:
فإنني أتألم كثيرا كلما شاهدت فتاة تحمل في قلبها الخير، وتسعى لما فيه عز أمتها وصلاح أخواتها. أتألم كلما رأيتها وقد انساقت وراء موضة النقاب، فأصبحت ترتديه كغيرها دون أدنى تفكير منها بعواقبه أو محاذيره المستقبلية.
قد تقولين: إنني ما ارتديت النقاب إلا لغرض بريء، ويعلم الله أنني لم أسرف ولم أتجاوز. وقد ترتاحين أنت فعلا مع النقاب فترين الطريق وتبصرين البضاعة، لكن ماذا لو تحول لبس النقاب بصوره المختلفة إلى ظاهرة؟ أتستطيعين بعدها. إيقاف موج فتنته الهادر؟!
ألم تستمعي - وأنت الملتزمة - إلى القاعدة الفقهية التي تنص على أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؟
ربما ترددت زميلتك في لبس النقاب، وحينما رأتك تلبسينه هان عليها أمره، بل ربما قلدتك جارتك ولم تكن نيتها حسنة كنواياك... ألا تتحملين ذنبها؟! ألا تعلمين أن من سن سنة سيئة في الناس فعليه وزرها؟! أيرضيك أن تكوني ممن سن سنة لبس النقاب في مجتمعنا الذي التزمت نساؤه تغطية وجوههن كاملة؟!
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: بعض الفتيات تشجع وتحرض قريباتها وزميلاتها على لبس النقاب العصري الذي هو أقرب إلى النافذة الصغيرة منه إلى النقاب الذي كان معروفا؟ فهل تعتبر هذه ممن يسن سنة سيئة عليها وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة؟
فأجاب فضيلته: ( نعم، إذا كانت تدعو إلى نقاب تكون به الفتنة فإنها تكون ممن سن سنة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ).
فأقول: يا معشر المنتقبات والمبرقعات، اتقين الله في الرجال، فكم من فتاة منتقبة أفسدت على بعض الأزواج زوجاتهم!! وكم من فتاة مبرقعة أفسدت على بعض الشباب حياتهم!! وكم من فتاة منتقبة أو مبرقعة أفسدت على بعض الرجال دينهم!!
فاحذري يا أختي المنتقبة أن يفسد الله عليك زوجك، أو يفسد عليك حياتك، أو يفسد عليك دينك.
وفي هذه الرسالة المتواضعة أحببت إلقاء الضوء على النقاب الذي انتشر بكثرة، وإليك فتاوى علمائنا، وكذلك توجيهات لأولياء أمور المنتقبات والمبرقعات.
لم لا يغض الرجال أبصارهم؟
من أعجب ما سمعت عن لابسات النقاب عندما نصحت إحداهن في السوق وقد أخرجت نصف وجهها من خلال فتحة تسميها نقابا، فنصحت بلبس الخمار الذي يغطي وجهها وترك ما تسميه نقابا؟ قالت: ! لا يغض الرجال أبصارهم؟ وهذا من الحق الذي أريد به باطل، فالواجب على الرجال غض أبصارهم في كل حال، ويجب على المرأة أن تعينهم على ذلك بإخفاء محاسنها عنهم وعدم إبداء شيء من زينتها ومفاتنها، أما أن تتعمد إظهار ذلك بلبس النقاب أو البرقع فهذا مما لا يجوز، كما أن فيه تعاونا على الإثم والعدوان.
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: ما نصيحتك لمن إذا نصحت بترك لبس النقاب لأن عيني المرأة فتنة للرجال قالت: لم لا تغضون أبصاركم عنا؟
فأجاب فضيلته: ( الجواب أن يقال: إن الله تعالى قال في كتابه العزيز: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب:33]، ومن المعلوم أن المرأة محط أنظار الرجال، فإذا خرجت إلى الرجال في حال تؤدي إلى الفتنة فإن الناس سوف ينظرون إليها، وتكون قد عرضت هؤلاء الرجال للفتنة.
لذا قال الله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، فاحتجاب المرأة عن الرجال طهارة لقلبها ولقلوبهم. وإظهارها لمفاتنها - لا سيما محاسن وجهها - سبب لمرض قلوب الرجال وافتتانهم بها ).
حكم لبس النقاب وبيعه
لقد تفننت بعض النساء - هداهن الله - بلبس أشكال من النقاب والبرقع لا يشك مسلم فضلا عن عالم بأنها فتنة، وحيث إن هناك من اتخذ بيعها تجارة ومهنة له خاصة النساء؟
فقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
فأجاب فضيلته: ( هذه لا تجوز، لأنه قد ظهر الحاجب من فوق العين وجزء من الجبهة أيضا، وهذا لا يجوز؟ لأن النقاب إنما هو بقدر ما ترى المرأة ما وراء الستار، ونصيحتنا لمن يتاجر بها ألا يتاجر بها لأنه حرام ).
النقاب العصري مبدأ فتنة
سئل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ما نصيحتكم للفتيات اللاتي تركن غطاء الوجه الكامل - الذي عرفت وتميزت به نساء هذه البلاد - ولبسن النقاب العصري؟
فأجاب فضيلته: ( نصيحتي لنساء المسلمين عموما ونساء هذا البلد خصوصا: أن يتقين الله، ويحافظن على الحجاب الساتر للوجه وسائر الجسم؟ عملا بقوله تعالى: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33]، وألا يتحولن من الحجاب الكامل إلى الحجاب الناقص أو ما يسمى بالحجاب الخادع، ولا يكن من الكاسيات العاريات المائلات المميلات، اللاتي أخبر النبي أنهن من أهل النار، وأنهن لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها. وما يسمى بالنقاب العصري لا شك أنه مبدأ فتنة وشر وتحول مخيف ).
نقاب اليوم نوع من السفور
سئل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: كثر الحديث حول النقاب ومدى حله أو حرمته، بماذا تنصحني فضيلة الشيخ حول هذا الموضوع؟
فأجاب فضيلته: ( الواجب على المرأة المسلمة التزام الحجاب الساتر لوجهها وسائر بدنها، درءا للفتنة عنها وعن غيرها. والنقاب الذي تعمله كثير من النساء اليوم نوع من السفور، بل هو تدرج إلى ترك الحجاب. فالواجب على المرأة المسلمة أن تبقي على حجابها الشرعي الساتر، وتترك هذا العبث الذي تفعله بعض السفيهات من النساء اللاتي تضايقن من الحجاب الشرعي، فأخذن يتحايلن على التخلص منه ).
أما فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فبعد أن بين الأصل في النقاب قال: ( في وقتنا هذا لا نفتي بجوازه، بل نرى منعه، وذلك لأنه ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز... ) إلى أن قال: ( ولهذا لم نفت امرأة من النساء لا قريبة ولا بعيدة بجواز النقاب أو البرقع في أوقاتنا هذه، بل نرى أنه يمنع منعا باتا، وأن على المرأة أن تتقي ربها في هذا الأمر، وألا تنتقب؟ لأن ذلك يفتح باب شر لا يمكن إغلاقه فيما بعد ).
لماذا يمنع النقاب ويفتى بعدم جوازه؟
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: ما دام الأصل في النقاب الإباحة؟ فلماذا يمنع ويفتى بعدم جوازه؟
فقال فضيلته في إجابة مفصلة نقتطف منها قوله: ( ... الشيء إذا كان مباحا ويوصل إلى محذور شرعي فإن الحكمة تقتضي منعه، وهذه قاعدة معروفة عند أهل العلم؟ فالشيء المباح: إذا كان وسيلة أو ذريعة إلى شيء محرم صار ممنوعا ).
أيتها المبرقعة! ضعي فوق البرقع غطاء
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: ما حكم البرقع إذا لم يتخذ للزينة وإنما للستر، ومع ذلك يوضع غطاء عليه؟
فأجاب فضيلته: ( البرقع الذي للزينة ولكن تغطي المرأة وجهها لا بأس به؟ لأنه لا يشاهد، فستغطيه غطوة فوقه، لكن البرقع الذي يظهر ولا يغطى لا نفتي بجوازه؟ لأنه فتنة، ولأن النساء لا يقتصرن على هذا... ).
وعلى هذا فيجب منع تلك البراقع التي تتخذ للفتنة باتساعها وأشكالها، ويجب على من اعتدن لبس البرقع من نساء البادية أن يضعن فوقه خمارا يستر أعينهن، كما لا يجوز لهن لبس البراقع الواسعة ولو غطي بخمار شفاف؟ فهو أقرب للحجاب الكاذب منه للخمار الساتر، ويجب على أولياء أمور المبرقعات منعهن منه؟ غيرة عليهن، ومنعا لفتنتهن للرجال.
قصص في الغيرة لأولياء المبرقعات والمنتقبات
قال سعد بن عبادة رضي الله عنه: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فقال النبي : { أتعجبون من غيرة سعد؟ والذي نفسي بيده، لأنا أغير منه، والله أغير مني }.
فما الذي دهى بعض المسلمين؟! يسمحون لنسائهم بكشف وجوههن أو ترقيق الخمار لأسباب تافهة وبحجج واهية ؟! وماذا دهى بعض شبابنا؟ حيث يرضون لنسائهم بلبس البرقع الذي يجمل المرأة ويظهر زينتها، أو النقاب الذي يظهر جمال عينيها، وقد لا يرضى ولكنه لا يمنعها من ذلك؟ فهل زالت الغيرة من قلوبهم على أعراضهم؟!
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: بعض الرجال يسمح لزوجته أو أخته بلبس النقاب، وينكر على من ينصحها بتغطية وجهها كاملا؟ فهل يأثم بذلك؟ وبماذا تنصحونه؟
فأجاب فضيلته: ( نظرا لما اعتاد النساء عندنا من تغطية الوجه كاملا وترك النقاب، ونظرا لما حدث من السماح لهن بالنقاب من التوسع فيه حتى صرن يخرجن الحاجب والوجنة، ويحصل بذلك شر وبلاء، فإننا نرى أن ينظر الإنسان إلى المصالح والمفاسد، ويتجنب ما فيه المفسدة ).
الغيرة الغيرة يا معشر الأزواج
فأرونا معاشر الأزواج الغيرة على نسائكم، وامنعوهن من لبس ما فيه فتنة؟ فأنتم مسئولون عنهن أمام ربكم يوم القيامة، يوم تسألون عن الأمانات هل حفظتموها؟ وعن الرعية هل رعيتموها؟ فماذا أعددتم للسؤال؟
هل يجب على ولي المرأة منعها من لبس النقاب؟
سئل فضيلة الشيخ عبدالله الجبرين: ما نصيحتكم للرجال الذين يسمحون أو يأمرون نساءهم بلبس النقاب الذي أصبح موضة تتجمل به بعض النساء، وترك غطاء الوجه الكامل؟
فأجاب فضيلته: ( نصيحتنا للذين سمحوا لنسائهم بلبس هذا النقاب أو أمروهن بلبسه أن يتفكروا في أثره عليهن، فإنه مجلبة للشر، وجاذب لهن إلى المعاكسة، وسبب في ميل الرجال إليهن،فعاقبته سيئة، والرجل الغيور لا يرضى لنسائه بكونهن محل ميل الرجال الأجانب (غير المحارم). ومتى رأى أو علم من امرأته المعاكسة أو مخاطبة الرجال اشمأز ونفر من ذلك؟ فكيف يقر أسبابه مثل هذا اللباس الذي هو أقوى سبب لهذه الفتنة؟! ).
وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: هل يجب على ولي أمر المرأة أن يمنعها من لبس النقاب، لا سيما وهو يراها مجملة لعينيها وما حولهما، لافتة للأنظار في السيارة وعند الإشارات وفي الأسواق؟
فأجاب فضيلته: ( نعم، يجب على ولي أمر المرأة إذا اتخذت نقابا يلفت النظر أن يمنعها من ذلك؟ لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] ).
عليكم بالنصيحة!
إن المسلم! ليعجب من بعض الرجال الذين تلبس نساؤهم نقابا يظهر نصف وجهها أو ربعه، فإذا نصحه ناصح بأن يأمر زوجته بلبس الخمار الذي يغطي وجهها كاملا أحمر وجهه، وانتفخت أوداجه، وقال: ما دمت معها فلن يضرها ذلك، ولا علاقة لأحد بزوجتي!!
وقد سئل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: بم توجهون الدعاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر الذين يواجهون أعددا كبيرة من المنتقبات في الأسواق والشوارع والحدائق ونحوها؟
فأجاب فضيلته: ( ننصح للمسلمين عموما وللقائمين على أمور الحسبة خصوصا، أن يحذروا النساء من التساهل بالحجاب وما يجر إلى السفور، لما في ذلك من الفتنة والشرور العظيمة على المجتمع، وألا يتبعوا خطوات الشيطان الذي يتدرج بهم إلى الباطل؟ فأولا يأمر بلبس النقاب، ثم يأمر بكشف الوجه كله، ثم لسفور والعري كما فعل بالمجتمعات الأخرى، والله أعلم ).
دمعة غدير
كم بكيت لأن فستاني لا يعجب الحاضرات! كم بكيت لأن فريقي المفضل خسر المباراة! كم بكيت لضياع النسخ الأصلية لأشرطة غناء فناني المفضل! كم بكيت لأن تجعيد شعري لم يعجب الحاضرات، كم بكيت وبكيت.. كدت أنتهي وبكائي لا ينتهي، كنت أبكي بحثا عن السعادة، وبينما أنا في دياجير الظلام وصحاري التيه هداني ربي إلى بصيص من النور ساقه إلي عبر شريط إسلامي كان بالنسبة لي نقطة تحول وعلامة بارزة، أسأل الله أن يحرم اليد التي قدمته لي على النار.
بفضل الله عدت وما أجملها من عودة! وبفضله حييت وما أجملها من حياة! وبفضله بكيت وما أجمله من بكاء! بكيت حسرة وندما على الماضي أيام الغفلة والضياع.
دمعه الماضي دمعة، ودمعة الحاضر دمعة، لكن شتان بينهما، دمعة الماضي عذاب وإحباط وحسرة أخشى أن تكون حجة علي في الآخرة، ودمعة الحاضر خشية وسعادة وسمو وأنس أرجو أن تكون سببا في أن يظلني الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
ويا أسفاه
ويا أسفاه على من عرضن مفاتنهن للرجال في الأسواق وغيرها بحجة الحرية! ووضعن العباءة على الكتف بحجة الأناقة! ولبسن البنطال والثياب المفضحة مسايرة للموضة! ولبسن النقاب الفاتن بحجة ضعف النظر! ولبسن المطرز والمزركش من العباءات والخمر الشفافة بحجة وجودها في الأسواق! واستحسن القيطان في أكمام العباءة بحجة أنه أسود... فإلى الله المشتكى.
حفظ الله نساءنا بحفظه، وأحاطهن برعايته، وسترهن في الدنيا والآخرة، وهداهن للتمسك بكتاب الله وسنة رسوله ففيهما الحفظ والعفاف في الدنيا، والسعادة والفوز في الآخرة.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ(68/399)
يا فتاة .. من المنتصر
محمد بن علي الجابر
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 3480
(1324 كلمة)
صورة المطوية
أختي المسلمة:
يا درة حفظت بالأمس غالية *** واليوم يبقونها للهو واللعبِ
لا يستوي مَنْ رسول الله قائدهُ *** دوماً وآخر هاديهِ أبو لهبِ
وأين مَنْ كانت الزهراء أسوتها *** ممن تقفَّت خطى حمالةِ الحطبِ
أيتها الدرَّة المكنونة:
تأملي فيمن يذهب لملاقاة عدو له، يُقاتلهُ في أرضه، عدوَّهُ لديهِ من العدةِ والعتاد والجند والأعوان، هاهو قد ذهب واتجه إلى أرض عدوه دون أن يحمل السلاح والعتاد. فاقداً لجميع مقومات النصر من التوكل على الله والأخذ بالأسباب. أليس هذا يا أُخيه ضرباً من الجنون والكبر والغرور!
إذاً... أيتها الأخت الكريمة:
أعلمي أنك ذلك المقاتِل الذي ذهبَ لملاقاة عدوه، وأن العدو هو الشيطان نعوذ بالله منه. فهو متربصٌ بك هو وأعوانه وجنده، ينتظرون قدومك إلى أرضهم على أحر من الجمر لينقضوا عليك ويقتلوك ! نعم يقتلوك.
أو ما تأملتي قول الشاعر وهو يحذرك فيقول:
فتلك يا أختُ في سلب حيائكِ *** ليس بالسيف ولا بالبندقية
أختي في الله:
ونظراً لأنك قد تضطرين لدخول أرضهم كان واجباً عليّ من باب الأخوة والمحبة والشفقة عليك أن أضع بين يديك الطاهرة المتوضئة ما يكون عوناً لك بعد الله عز وجل في أن تخرجي من أرضهم مرفوعة الرأس معتزة بدينك وإيمانك، محافظة على شرفك وحيائك.
بعكس مّنْ دخلت أرضهم وخرجت وقد هُزمت وطأطأت رأسها بعد أن فقدت جزءاً من دينها وإيمانها، وَهُتِكَ عرضها. فقتلت حياءها، ودنَّست شرفها، ولطخت سمعتها،... كل ذلك على عتبة السوق. قال البزار: { عن جبير أن رجلاً – سأل النبي أي البلدان أحب إلى الله، وأي البلدان أبغض إلى الله ؟، قال: لا أدري حتى أسأل جبريل . فأتاه فأخبره: إن أحب البقاع إلى الله المساجد، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق } [رواه البزار ورجال أحمد وابي يعلي ولبزار رجال الصحيح خلا عبد الله بن محمد بن عقيل وهو حسن الحديث وفيه كلام].
أيتها الجوهرة المصونة:
اسمحي لي أن أضع بين يديك بعضاً من الأسئلة التي أتمنى أن تقفي معها وقفة صادقة عاقلة توصلك إلى جنة عرضها السموات والأرض. فيها من اللذة والنعيم والذهب والفضة واللؤلؤ والمرجان والقصور والأنهار والأطيار، وفوق ذلك النعيم التلذذ برؤية الرحمن، أسال الله أن لا يحرمني وإياك لذة النظر إلى وجهه الكريم في جنات النعيم.
أختي الكريمة:
يقول الرسول : { إذا خرجت المرأة من بيتها استشرفها الشيطان } [رواه الترمذي]،
فيا من تريدين الجنة، ما هو هدفك من الذهاب إلى السوق ؟
أهو لشراء حاجة ضرورية ؟
أم لمعرفة آخر ما توصلت إليه الموضة العصرية ؟
أم للنزهة وعرض المفاتن المغرية لجذب الذئاب البشرية ؟
ولكن قبل أن تحددي الهدف يا أخية تذكري وتأملي قول رب البرية: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ [الصافات:24].
أختاه:
وأنت تقفين وتنظرين إلى المرآة لتستعدي للخروج ضعي هذا السؤال نصب عينيك:
هل مظهرك الخارجي من لباس وحجاب موافق لشرع ربك وخالقك الذي وهبك الصحة والعافية والحسن والجمال ؟
أم أنه موافق لموضة العصر ؟ وما يريده أعداؤك الذين ينتظرونك بفارغ الصبر ؟
فهلا تذكرتي يا أخيه قول الله عز وجل: وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا [النساء:27].
أختي يا رعاك الله:
إن العاقل هو الذي يسعى جاهداً لزيادة رصيده من الحسنات، ويبذل ما استطاع لمحو الذنوب والسيئات.
فاحرصي على ذلك ولا تكوني من هواة جمع السيئات. وخذي بكل قوة بعضاً من النصائح والتوجيهات حتى لا تسقُطي، عندها لا تُسمع الآهات، ولا تُغني العبرات، ولا تجدي الحسرات.
1) الاستئذان من ولي أمرك وإخباره بالجهة التي ترغبين الذهاب إليها.
2) احرصي على أن يصحبك أحد محارمك. فإن تعذر ذلك فلتصحبي امرأة صالحة عاقلة.
3) احذري أن تصحبي امرأة لا تبالي بالستر والحياء والحشمة والوقار حتى وإن كانت قريبة أو صديقة. فقد يساء بك الظن وتكونين عُرضة للذئاب والفتن.
4) تجنبي وضع العطور أو البخور. فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: { أيما امرأة استعطرت فمرت على الرجال ليجدوا من ريحها فهي زانية } [رواه النسائي].
5) لا تلبسي حذاء له صوت أو كعب عال. واختاري الأحذية الخفيفة حفاظاً على دينك وسلامة لصحتك. قال تعالى وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِن [النور:31].
6) احذري من لبس البنطال أو العباءات والطرح المزركشة أو المطرزة أو وضعها على الكتف فإنها ضرب من التبرج المنهي عنه.
7) لا تنسي – حفظك الله – دعاء الخروج من المنزل وهو ( بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يُجهل علي ).
8) احذري الركوب مع السائق بمفردك، فأنت تعلمين قوله عليه الصلاة والسلام: { ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما }.
9) ليكن لسانك – يا أختاه – رطباً بذكر الله، ولا تنسي دعاء الدخول إلى أرض المعركة " السوق " وهو ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ).
10) اذهبي مباشرة للأماكن التي حددتيها من قبل، وتعلمين أن حاجتك فيها، ولا تحاولي الدخول إلى كل محل، والنظر في كل معروض.
11) لا تحاولي الحديث مع البائع ما دام معك محرم. فإن تعذر وجوده فليكن حديثك حديثاً ظاهره الجد خالياً من ترقيق الكلام وتكسير العبارات، وتذكري قول الله جل وعلا وهو يخاطب أمهات المؤمنين الشريفات العفيفات رضي الله عنهن وهن في أفضل القرون، فيقول سبحانه: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32]. الله أكبر، ماذا نقول في هذا العصر الذي يعج بالفتن؟
12)إياك والخلوة بصاحب المحل أو البائع.
13) أختاه- التزمي بالحجاب الشرعي الكامل وتفقديه فربما ظهر شيء من شعرك أو جزءٌ من بدنك فتطاردك النظرات المسمومة.
14) احذري أن يمسك رجل إذا دخلت السوق أو دخلت مكاناً مليئاً بالمتسوقين، وتجنبي الممرات والطرق الضيقة.
15) انتبهي أن تلقي بالاً لمن يلقي إليك كلمة إعجاب، أو طُرفة، أو ورقة، بل سارعي بإبلاغ رجال الهيئة بالسوق.
16) احرصي على عدم الوقوف في ممرات المحل أو الانحناء على طاولات العرض لتفقد سلعة أو النظر إليها.
17) احذري قياس الملابس، أو وضعها على الصدر أو أسفل الجسم حتى وإن كان ذلك فوق العباءة.
18) احرصي دائماً على لبس جوارب اليدين والقدمين فهي أبلغ في الستر.
19) إذا أردت مناولة البائع النقود فضعيها على الطاولة واحذري أن يمس يدك.
20) لا تجعلي يدك المتوضئة أو أُصبعك ألعوبة في يد البائع بأن يقيس لك أسورة أو يُلبسك خاتماً.
21) تنبهي بعدم فتح العباءة أمام البائع وظهور الصدر وخاصة عند تفقد البضاعة.
22) اجعلي مسافة بينك وبين البائع ولا تسمحي له بالاقتراب منك، وإذا كان المكان ضيقاً فاطلبي من البائع الابتعاد، وخاصة عند الدخول والخروج وداخل ممرات المحل.
23) إذا اضطررت لرؤية ما تريدين شراءه، وأردت رفع الغطاء عن وجهك فخذي ما تريدين إلى زاوية من زوايا المحل، وارفعي الغطاء بقدر الحاجة، وتنبهي للمرآة العاكسة.
24) إذا رأيت منكراً داخل المحل أو في السوق فعليك بإبلاغ رجال الهيئة مشكورة مأجورة وإن تعذر عليك. فعليك إبلاغ وليك لإبلاغ الهيئة ما شاهدتي من منكر، فأخبري محرمك عند العودة ليتصل بهم ويخبرهم بالمنكر، فهذا من التعاون على البر والتقوى وليس من باب الفضيحة والتشهير كما يدعي ذلك أصحاب القلوب المريضة.
25) تذكري أختي المسلمة أن جمال وجهك وبريق عينيك نعمة من الله، فاحذري أن تظهري شيئاً من ذلك أمام غير المحارم، فربما عاقبك الله بعاهة أو بلاء أو تسلط عليك شيطان من الإنس أو الجان.
فيا من تريدين السعادة والنجاة اعلمي:
أن غالب الانحرافات تبدأ من الأسواق. فاحذري من الزلل والانزلاق خلف ابتسامة صفراء أو كلمة إعجاب. فهي والله مواطن خداع والحرة تأبى أن تشترى أو تباع.
فالله الله أن تدخلي السوق بدينك وعفافك وحيائك، وتخرجي وقد سقط الحياء وثلم الدين ودنس العفاف، عندها ينطبق عليك قول الشاعر:
انظر فتاة اليوم أي تلك التي *** قد رافقت إبليس في تجوله
خلعت حجاب الستر والصون الذي *** قد أوجب الباري على إسداله
خلعت حجاب الستر ثم تبجحت *** عصراً قديماً باركوا لزواله
لبست قصير الثوب ثم تزينت *** أبدت مفاتن جسمها لجماله
حملت رداء الكبر ثم تعطرت *** عطراً يفوح شذاه حال وصاله
جعلت من الوجه البريء شناعة *** من كثرة المكياج في أشكاله
وتزخرفت فإذا بها كعروسة *** في انتظار الزوج واستقباله
خرجت بدون مرافق فإذا به *** إبليس في استقبالها برجاله
فتنت عباد الله بل لم ترعوي *** من نقمة الجبار أو إذلاله
ذهب الحياء إذا العرى حضارة *** وتقدماً تمضي على منواله
فإذا بها بين الذئاب فريسة *** والذئب يهجم لافتراس غزاله
وختاماً:
أستودعك الله سائلاً المولى أن يحفظك ويرعاك ويثبتنا وإياك في الحياة وعند الممات.
نعم يا أخيه عند الممات:
يوم تفاريقين الأهل والصديقات، يوم تَسْتَبْدلين العطور بالسدر والكافور، يوم يُنزع عنكِ ذلك الفستان وتدرجين في الأكفان. يوم تدخُلين للمسجد لا لتصلين، إنما تدخلين ليصلّى عليك وفي القبر تودعين، فإما روضة من رياض الجنان، أو حفرة من حفر النيران.
فهل علمت يا فتاة من المنتصر الآن ؟
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
ـــــــــــــــــــ(68/400)
يا بنتي
محمد بن عبدالله الدويش
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 4503
(1080 كلمة)
صورة المطوية
يا بنتي
لو دون المرء الأمور المهمة في حياته فسيجد قائمة طويلة، لكنه حين يعمد إلى ترتيبها حسب الأولويات فسيأتي في رأس القائمة أولاده وذريته فهم أغلى من المال، من الراحة، من رغباته وشهواته، ومطالبه في الدنيا والدليل على ذلك يا بنتي أنه حين يمرض أحد أولاده مرضاً مزعجاً فهو يسهر ويسافر هنا وهناك ويدفع من أمواله ما يدفع بل ربما اقترض واستدان، كل ذلك من أجل ولده، لذلك فهو حين يخاطب ولده و يناصحه فسوف يكون صادقاً غاية الصدق ومخلصاً غاية الإخلاص وقديما ً قيل ( الرائد لا يكذب أهله ).
يا بنتي
لقد صدمت اليوم بما رأيته من واقع الفتاة المسلمة، تعيش في دوامة من الصراع، فتسمع تارة ذلك الصوت النشاز الذي يدعوها إلى الإرتكاس والتخلي عن كل معاني العفة، وتسمع أخرى الصوت الصادق يهز من داخلها هزاً عنيفاً ليقول لها رويدك فهو طريق الغواية و بوابة الهلاك. وتتصارع هذه الأصوات أمام سمعها وتتموج هذه الأفكار في خاطرها.
يا بنتي
لنكن صريحين صراحة منضبطة بضوابط الشرع، وواضحين وضوحاً محاطاً بسياج الحياء والعفة لتكون خطوة للتصحيح ونقلة للإصلاح.
بعيداً عن العاطفة وعن سرابها الخادع، لو كانت هذه الفتاة التي تقيم هذه العلاقة المحرمة منطقية مع نفسها وطرحت هذا السؤال، ماذا يريد هذا الشاب؟ ما الذي يدفعه إلى هذه العلاقة؟ بل ماذا يقول لزملائه حين يلتقي بهم؟ وبأي لغة يتحدثون عني؟
إنني أجزم يا بنتي أنها حين تزيح وهم العاطفة عن تفكيرها فستقول وبملء صوتها إن مراده هو الشهوة والشهوة الحرام ليس إلا، إذن ألا تخشين الخيانة؟ أترين هذا أهلاً للثقة؟ شاب خاطر لأجل بناء علاقة محرمة، شاب لا يحميه دين أو خلق أو وفاء، شاب لا يدفعه إلا الشهوة أولاً وآخراً، أتأمنه على نفسها بعد ذلك؟ لقد خان ربه ودينه وأمته ولن تكون هذه الفتاة أعز ما لديه، وما أسرع ما يحقق مقصوده لتبقى لا سمح الله صريعة الأسى والحزن والندم.
وحين يخلو هؤلاء الشباب التائهون يا بنتي بأنفسهم تعلو ضحكاتهم بتلك التي خدعوها، أو التي ينطلي عليها الوعد الكاذب والأحاديث المعسولة.
يا بنتي
إن الله حكيم عليم ما خلق شيء إلا لحكمة، علم ابن آدم أو جهل. لقد شاء الله بحكمته أن تكون المرأة ذات عاطفة جياشة - تتجاوب مع ما يثيرها للتتفجر رصيداً هائلاً من المشاعر التي تصنع سلوكها أو توجهه. وحين تصاب الفتاة بالتعلق بفلان من الناس قرب أو بعد فأي هيام سيبلغ بها؟ فتاة تعشق رجلاً فتقبل شاشة التلفاز حين ترى صورته، وأخرى تعشق حديثه وصوته فتنتظر على أحر من الجمر لتشنف سمعها بأحاديثه، وحين تغيب عن ناظرها صورته، أو تفقد أذنها صوته يرتفع مؤشر القلق لديها، ويتعالى انزعاجها فقد غدى هو البلسم الشافي.
يا بنتي
بعيداً عن تحريم ذلك وعما فيه من مخالفة شرعية ماذا بقي في قلب هذه الفتاة من حب الله ورسوله وحب الصالحين بحب الله ( ماذا بقي لتلاوة كتاب الله و التلذذ به؟ ) أين تلك التي تنتظر موعد المكالمة على أحر من الجمر في وقت النزول الألهي حين يبقى ثلث الليل الآخر!؟ أينها عن الانطراح بين يدي الله والتلذذ بمناجاته؟ بل وأينها عن مصالح دنياها فهي على أتم الاستعداد لأن تتخلف عن الدراسة من أجل اللقاء به؟ وأن تهمل شؤون منزلها من أجله.
إن هذا الركام الهائل من العواطف المهدرة ليتدفق فيغرق كل مشاعر الخير والوفاء للوالدين الذين لم يعد لهما في القلب مكانه، ويقضي على كل مشاعر الحب والعاطفة لشريك العمر الزوج الذي تسكن إليه ويسكن إليها. وبعد حين ترزق أبناء تتطلع لبرهم فلن تجد رصيداً من العواطف تصرفه لهم فينشؤون نشأة شاذة ويتربون تربية نشازاً.
إن العاقل حين يملك المال فإنه يكون رشيداً في التصرف فيه حتى لا يفقده حين يحتاجه، فما بالها تهدر هذه العواطف والمشاعر فتصرفها في غير مصرفها وهي لا تقارن بالمال، ولا تقاس بالدنيا؟
يا بنتي
لقد خص الله سبحانه وتعالى الفتاة بهذه العاطفة والحنان لحكم يريدها الله سبحانه ومنها أن تبقى هذه العاطفة رصيداً يمد الحياة الزوجية بعد ذلك بماء الحياة والاستقرار و الطمأنينة، رصيداً يدر على الأبناء والأولاد الصالحين حتى ينشؤوا نشأة صالحة. فلم تهدر هذه العواطف لتجني صاحبتها وحدها الشقاء في الدنيا وتضع يدها على قلبها خوفاً من الفضيحة في النهاية؟
يا بنتي
حين تعودين إلى المنزل وتستلقين على الفراش تفضلي على نفسك بدقائق فاسترجعي صورة الفتاة الصالحة القانتة، البعيدة عن مواطن الريبة، وقارني بينها وبين الفتاة الأخرى التي أصابها من لوثة العلاقات المحرمة ما أصابها، بالله عليك أيهما أهنأ عيشاً وأكثر استقراراً؟ أيهما أولى بصفات المدح والثناء تلك التي تنصر على نفسها ورغبتها وتستعلي على شهواتها، وهي تعاني من الفراغ كما يعاني غيرها، وتشكو من تأجج الشهوة كم يشتكين. أم الأخرى التي تنهار أمام شهوتها؟ تساؤل يطرح نفسه ويفرضه الواقع، لماذا هذه الفتاة تنجح وتلك لا تنجح؟ لماذا تجتاز هذه العقبات وتنهزم تلك أمامها؟
يا بنتي
لقد عجبت أشد العجب عندما رأيت فتاة الإسلام تسير بلهث مستمر وراء ما يريده الأعداء، فتساير الموضة، وتتمرد على حجابها وحيائها، وها نحن نرى كل يوم صورة جديدة ولوناً جديداً من ألوان هذا التمرد، إنها يا بنتي تتحايل على الحجاب بحيل مكشوفة، لست بحاجة أن أسوق لك فتاوى حول ما تقع فيه كثير من الفتيات، لكن المؤمن الحق يا بنتي يخاف الله ويتقيه ورائده قول الرسول : { دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } وهو يدرك أن الإلتفاف على الأحكام والاحتيال عليها لن ينفعه يوم يلقى الله العليم بما تخفي الصدور.
يا بنتي
ها أنت تتطلعين في المرآة فترين صورة وجه وضيء يتدفق حيوية وشباباً،. ها أنت تغدين وتروحين وأنت تتمتعين بوافر الصحة وقوة الشباب. ولكن ألم تزوري جدتك يوماً، أو تري عجوزاً قد رق عظمها، وخارت قواها ؟! لقد كانت يوماً من الدهر شابة مثلك، وزهرة كزهرتك، ولكن سرعان ما مضت السنون وانقضت الأيام فاندفنت زهرة الشباب تحت ركام الشيخوخة ومضت أيام الصبوة لتبقى صورة منقوشة في الذاكرة. وها أنت يا بنتي على الطريق، وما ترينه من صورة شاحبة وشيخوخة ستصيرين إليها بعد سنوات إذاً فإياك أن تهدري وقت الشباب وزهرته، و تضيعي الحيوية فيما لا يعود عليك إلا بالندم وسوء العاقبة.
يا بنتي
لو فكر أهل الشهوات والمتاع الزائل في الدنيا بحقيقة مصيرهم لأعادوا النظر كثيراً في منطلقاتهم، تصوري يا بنتي من حصل كل متاع الدنيا وذاق لذائذها ولم ير يوماً من الأيام ما يكدره. إن كل هذا سينساه لو غمس غمسة واحدة في عذاب النار حمانا الله وإياك.
والآخر الذي عاش من الحياة أشقاها سينسى هذا الشقاء لو غمس غمسة واحدة في النعيم، عن أنس بن مالك قال قال رسول الله : { يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط } [رواه مسلم].
وأخيراً أسأل الله العزيز القدير أن ينفعك بهذه الرسالة وصلى الله على نبينا محمد.
ـــــــــــــــــــ(68/401)
10 وقفات للنساء في رمضان
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 6009
(2490 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
فهذه كلمات وجيزة، ونداءات غالية، نهديها إلى المرأة المسلمة والفتاة المؤمنة، بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك، تسأل الله أن ينفع بها كل من قرأتها من أخواتنا المؤمنات، وأن تكون عوناً لهن على طاعة الله تعالى والفوز برضوانه ومغفرته في هذا الشهر العظيم.
الوقفة الأولى: رمضان نعمةٌ يجب أن تشكر
أختاه ! إن شهر رمضان من أعظم نعم الله تعالى على عباده المؤمنين، فهو شهر تتنزل فيه الرحمات، وتغفر فيه الذنوب والسيئات، وتضاعف فيه الأجور والدرجات، ويعتق الله فيه عباده من النيران، قال النبي : { إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسُلْسِلت الشياطين } [متفق عليه].
وقال : { من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [متفق عليه].
وقال تعالى في الحديث القدسي: { كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به } [متفق عليه].
وقال : { إن لله في كل يوم وليلة عتقاء من النار في شهر رمضان، وإن لكل مسلم دعوة يدعو بها، فيستجاب له } [رواه أحمد بسند صحيح]. وفيه ليلة القدر، قال تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ [ القدر:3].
فيا أختي المسلمة، هذه بعض فضائل هذا الشهر الكريم، وهي تبين عظم نعمة الله تعالى عليك بأن آثرك على غيرك وهيأك لصيامه وقيامه، فكم من الناس صاموا معنا رمضان الغابر، وهم الآن بين أطباق الثرى مجندلين في قبورهم.. فاشكري الله - أختي المسلمة - على هذه النعمة، ولا تقابليها بالمعاصي والسيئات فتزول وتنمحي ولقد أحسن القائل:
إذا كنت في نعمة فارعها *** فإن المعاصي تزيل النعم
وحُطْها بطاعة رب العباد *** فربُّ العباد سريع النِّقم
الوقفة الثانية: كيف تستقبلين رمضان؟!
1 - بالمبادرة إلى التوبة الصادقة كما قال سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].
2 - بالتخلص من جميع المنكرات من كذب وغيبة ونميمة وفحش وغناء وتبرح واختلاط وغير ذلك.
3 - بعقد العزم الصادق والهمة العالية على تعمير رمضان بالأعمال الصالحة، وعدم تضييع أوقاته الشريفة فيما لا يفيد.
4 - بكثرة الذكر والدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن.
5 - بالمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، وتأديتها بتؤدة وطمأنينة وخشوع.
6 - بالمحافظة على النوافل يعد إتيان الفرائض.
الوقفة الثالثة: تعلمي أحكام الصيام
يجب على المسلمة أن تتعلم أحكام الصيام، فرائضه وسننه وآدابه، حتى يصح صومها ويكون مقبولاً عند الله تعالى: وهذه نبذة يسيرة في أحكام صيام المرأة:
1 - يجب الصيام على كل مسلمة بالغة عاقلة مقيمة ( غير مسافرة ) قادرة ( غير مريضة ) سالمة من الموانع كالحيض والنفاس.
2 - إذا بلغت الفتاة أثناء النهار لزمها الإمساك بقية اليوم، لأنها صارت من أهل الوجوب، ولا يلزمها قضاء ما فات من الشهر، لأنها لم تكن من أهل الوجوب.
3 - تشترط النية في صوم الفرض، وكذا كل صوم واجب، كالقضاء والكفارة لحديث: { لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل } [رواه أبو داود]، فإذا نويت الصيام في أي جزء من أجزاء الليل ولو قبل الفجر بلحظة صح الصيام.
4 - مفسدات الصوم سبعة:
أ - الجماع.
ب - إنزال المني بمباشرة أو ضم أو تقبيل.
ج - الأكل والشرب.
د - ما كان بمعنى الأكل والشرب كالإبرة المغذية.
هـ - إخراج الدم بالحجامة و الفصد.
و - التقيؤ عمداً.
ز - خروج دم الحيض أو النفاس.
5 - الحائض إذا رأت القصة البيضاء - وهو سائل أبيض يدفعه الرحم بعد انتهاء الحيض - التي تعرف بها المرأة أنها قد طهرت، تنوي الصيام الليل وتصوم، وإن لم يكن لها طهر تعرفه احتشت بقطن ونحوه، فإذا خرج نظيفاً صامت وإن رجع دم الحيض أفطرت.
6 - الأفضل للحائض أن تبقى على طبيعتها، وترضى بما كتبه الله عليها، ولا تتعاطى ما تمنع به الحيض، فإنه شيء كتبه الله على بنات آدم.
7 - إذا طهرت النفساء قبل الأربعين، صامت واغتسلت للصلاة، وإذا تجاوزت الأربعين نوت الصيام واغتسلت، وتعتبر ما استمر استحاضة، إلا إذا وافق وقت حيضها المعتاد فهو حينئذٍ حيض.
8 - دم الاستحاضة لا يؤثر في صحة الصيام.
9 - الراجح قياس الحامل والمرضع على المريض، فيجوز لهما الإفطار، وليس عليهما إلا القضاء، لقول النبي :{ إن لله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم } [رواه الترمذي وقال: حسن].
10 - لا بأس للصائمة بتذوق الطعام للحاجة، ولكن لا تبتلع شيئاً منه، بل تمجُّه وتخرجه من فيها، ولا يفسد بذلك صومها.
11 - يستحب تعجيل الفطر قبل صلاة المغرب، وتأخير السحور، قال : { لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر } [متفق عليه].
الوقفة الرابعة: رمضان شهر الصيام لا شهر الطعام
أختي المسلمة: فرض الله صيام رمضان ليتعود المسلم على الصبر وقوة التحمل، حتى يكون ضابطاً لنفسه، قامعاً لشهوته، متقياً لربه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].
وقد سئل بعض السلف: لمَ شُرع الصيام ؟ فقال: ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الفقير !!
وإن مما يبعث على الأسف ما نراه من إسراف كثير من الناس في الطعام والشراب في هذا الشهر، حيث إن كميات الأطعمة التي تستخدمها كل أسرة في رمضان أكثر منها في أي شهر من شهور السنة !! إلا من رحم الله. وكذلك فإن المرأة تقضي معظم ساعات النهار داخل المطبخ لإعداد ألوان الأطعمة وأصناف المشروبات !!
فمتى تقرأ هذه القرآن ؟
ومتى تذكر الله وتتوجه إليه بالدعاء والاستغفار؟
ومتى تتعلم أحكام الصيام وآداب القيام ؟
ومتى تتفرغ لطاعة الله عز وجل ؟
فاحذري - أختاه - من تضيع أوقات هذا الشهر في غير طاعة الله وعبادته، فقد خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يغفر له، قال النبي : { ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه،فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه } [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
الوقفة الخامسة: رمضان شهر القرآن
لشهر رمضان خصوصية بالقرآن ليست لباقي الشهور، قال الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]. فرمضان والقرآن متلازمان، إذا ذكر رمضان ذكر القرآن، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: { كان النبي أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة } في هذا الحديث دليل على استحباب تلاوة القرآن ودراسته في رمضان، واستحباب ذلك ليلاً، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً [المزمل:6]، وكان السلف يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان، وكان بعضهم يختم القرآن في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في سبع، ويعضهم في كل عشر، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة.
وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: ( فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام ).
وقال ابن عبد الحكم: ( كان مالك إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف ).
وقال عبد الرزاق: ( كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على تلاوة القرآن ).
وأنت - أختي المسلمة - ينبغي أن يكون لك وِرْد من تلاوة القرآن، يحيا به قلبك، وتزكو به نفسك، وتخشع له جوارحك، وبذلك تستحقين شفاعة القرآن يوم القيامة. قال النبي : { الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربي منعته الطعام والشهوة، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه. قال: فيُشفَّعان } [رواه أحمد والحاكم بسند صحيح].
الوقفة السادسة: رمضان شهر الجود والإحسان
أختي المسامة: حث النبي النساء على الصدقة فقال عليه الصلاة والسلام: { يا معشر النساء تصدقن وأكثرن من الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار } [رواه مسلم]، وقال : { تصدقن يا معشر النساء ولو من حُليِّكُن...} [رواه البخاري].
ويروى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها تصدقت في يوم واحد بمائة ألف، وكانت صائمة في ذلك اليوم، فقالت لها خادمتها: أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحماً تفطرين عليه ؟ لو ذكرتني لفعلت !!
أما الجود في رمضان فإنه أفضل من الجود في غيره، ولذلك كان النبي في رمضان أجود من الريح المرسلة، وكان جوده شاملاً جميع أنواع الجود، من بذل العلم والمال، وبذل النفس لله تعالى في إظهار دينه وهداية عباده، وإيصال النفع إليهم بكل الطرق، من إطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمُّل أثقالهم.
ومن الجود في رمضان: إطعام الصائمين:
فاحرصي - أختي المسلمة - على أن تفطري صائماً، فإن في ذلك الأجر العظيم، والخير العميم، قال النبي : { من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً } [رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح].
واحرصي كذلك على الصدقة الجارية، فقد قال النبي : { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقاة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوا له } [رواه مسلم].
الوقفة السابعة: رمضان شهر القيام
أختي المسلمة: كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالوا له: يا رسول الله ! تفعل ذلك وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال: { أفلا أكون عبداً شكوراً } [متفق عليه]، وقال النبي : { من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [متفق عليه].
وللمرأة أن تذهب إلى المسجد لتؤدي الصلوات ومنها صلاة التراويح و غير أن صلاتها في بيتها أفضل، لقول النبي : { لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن } [رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني].
وقال الحافظ الدمياطي: ( كان النساء في عهد رسول الله إذا خرجن من بيوتهن إلى الصلاة يخرجن متبذلات متلفعات بالأكسية، لا يعرفن من الغَلَس - أي الظلمة - وكان إذا سلم النبي يقال للرجال: مكانكم حتى ينصرفن النساء، ومع هذا قال رسول الله إن صلاتهن في بيوتهن أفضل لهن... فما ظنك فيمن تخرج متزينة، متبخرة، متبهرجة، لابسة أحسن ثيابها، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: لو علم النبي ما أحدث النساء بعده لمنعهن الخروج إلى المسجد، هذا قولها في حق الصحابيات ونساء الصدر الأول، فما ظنك لو رأت نساء زماننا هذا؟! ) ا.هـ.
فعلى المرأة الرشيدة إذا أرادت الخروج إلى المسجد تخرج على الهيئة التي كانت عليها نساء السلف إذا خرجن إلى المساجد.
وعليها كذلك استحضار النية الصالحة في ذلك، وأنها ذاهبة لأداء الصلاة، وسماع آيات الله عز وجل، وهذا يدعوها إلى السكينة والوقار وعدم لفت الأنظار إليها.
بعض النساء يذهبن إلى المسجد مع السائق بمفردهن فيكن بذلك مرتكبات لمحرمٍ سعياً في طلب نافلة، وهذا من أعظم الجهل وأشد الحمق.
ولا يجوز للمرأة أن تتعطر أو تتطيب وهيَ خارجة من منزلها، كما أنه لا يجوز لها أن تتبخر بالمجامر لقوله { أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء } [رواه مسلم].
وعلى المرأة ألا تصطحب معها الأطفال الذين لا يصبرون على انشغالها عنهم بالصلاة، فيؤذون بقية المصلين بالبكاء والصراخ، أو بالعبث في المصاحف وأمتعة المسجد وغيرها.
الوقفة الثامنة: صيام الجوارح
أختي المسلمة: اعلمي أن الصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام، فصامت عيناه عن النظر إلى المحرمات، وصامت أذناه عن سماع المحرمات من كذب وغيبة ونميمة وغناء وكل أنواع الباطل، وصامت يداه عن البطش المحرم، وصامت رجلاه عن المشي إلى الحرام، وصام لسانه عن الكذب والفُحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث، فإن تكلم فبالكلام الطيب الذي لاحت فائدته وبانت ثمرته، فلا يتكلم بالكلام الفاحش البذيء الذي يجرح صيامه أو يفسده.. ولا يفري كذلك في أعراض المسلمين كذباً وغيبة ونميمة وحقداً وحسداً ؛ لأنه يعلم أن ذلك من أكبر الكبائر وأعظم المنكرات ولهذا قال النبي : { من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه } [رواه البخاري].
وقال : { وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤٌ صائم } [متفق عليه].
وأما من يصوم عن الطعام والشراب فقط، ويفطر على لحوم إخوانه المسلمين وأعراضهم، فإنه المعنىُّ بقوله : { رُب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش } [رواه أحمد وابن ماجة بسند صحيح].
الوقفة التاسعة: خطوات عملية للمحافظة على الأوقات في رمضان
ينبغي على المرأة أن تستثمر أوقات هذه الشهر العظيم فيما يجلب لها الفوز والسعادة يوم القيامة، وأن تغتنم أيامه ولياليه فيما يقربها من الجنة ويُباعدها عن النار، وذلك بطاعة الله تعالى والبعد عن معاصيه، وحتى تكون المرأة صائنة لأوقاتها في هذا الشهر الكريم فإن عليها ما يلي:
1 - عدم الخروج من البيت إلا لضرورة، أو لطاعة لله مُحققة، أو لحاجة لابد منها.
2 - تجنب ارتياد الأسواق وبخاصة في العشر الأواخر من رمضان، ويمكن شراء ملابس العيد قبل العشر الأواخر أو قبل رمضان.
3 - تجنب الزيارات التي ليس لها سبب، وإن كان لها سبب كزيارة مريض فينبغي عدم الإطالة في الجلوس.
4 - تجنب مجالس السوء، وهيَ مجالس الغيبة والنميمة والكذب والاستهزاء والطعن في الآخرين.
5 - تجنب تضييع الأوقات في المسابقات وحل الفوازير ومشاهدة الأفلام والمسلسلات وتتبع القنوات الفضائية. فإذا انشغلت المسلمة بذلك فعلى رمضان السلام !
6 - تجنب السهر إلى الفجر؛ لأنه يؤدي إلى تضييع الصلوات والنوم أغلب النهار.
7 - تجنب صحبة الأشرار وبطانة السوء.
8 - الحذر من تضييع أغلب ساعات النهار في النوم، فإن بعض الناس ينامون بعد الفجر، ولا يستيقظون إلا قُرب المغرب، فأي صيام هذا ؟!
9 - الحذر من تضييع الأوقات في إعداد الطعام وتجهيزه، وقد سبق التنبيه على ذلك.
10 - الحذر من تضييع الأوقات في الزينة والانشغال بالملابس وكثرة الجلوس أمام المرآة.
11 - الحذر من تضييع الأوقات في المكالمات الهاتفية، فإنها وسيلة ضعفاء الإيمان في كسر حدة الجوع والعطش، ولو أقبل هؤلاء على كتاب الله تلاوة ومدارسة لكان خيراً لهم.
12 - الحذر من المشاحنات والخلافات التي لا طائل من ورائها إلا إهدار الأوقات والوقوع في المحرمات، وإذا دعيت - أختي المسلمة - إلى شيء من ذلك فقولي: إني امرأة صائمة.
الوقفة العاشرة: العشر الأواخر
أيتها الأخت في الله، مضى من الشهر عشرون يوماً ولم يبقى إلا هؤلاء العشر، فالفرصة مازالت أمامك قائمة، والأجور مازالت مُعدة، فإذا كنت قد فرطت فيما مضى من الأيام، فاحرصي على اغتنام هذه الليالي والأيام، فإنما الأعمال بخواتيمها.
وقد كان النبي { إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله، وأيقظ أهله } [متفق عليه]. فهيَ والله أيام يسيرة، وليالٍ معدودة، يفوز فيها الفائزون، ويخسر فيها الخاسرون.
كانت امرأة حبيب أبي محمد تقول له بالليل: قد ذهب الليل وبين أيدينا طريق بعيد، وزادنا قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا، ونحن قد بقينا !!
ومن فضل الله تعالى أن جعل ليلة القدر إحدى ليالي العشر الأواخر، وهيَ في أوتار العشر الأواخر من رمضان، فقد قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله يقول: { تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان } [متفق عليه]. وليلة القدر ليلة عظيمة، وفرصة جليلة، العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر، ولذلك قال النبي : { إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم } [رواه ابن ماجة وصححه الألباني].
فاجتهدي - أختي المسلمة - في تحري هذه الليلة العظيمة، ولا تحرمي نفسكِ من هذا الأجر الكبير، واعلمي أنك إذا قمت ليالي العشر كلها، وعمّرتيها بالعبادة والطاعة، فقد أدركت ليلة القدر لا محالة، وفزتِ - إن شاء الله - بعظيم الأجر وجزيل المثوبة.
دعاء ليلة القدر:
قالت عائشة رضي الله عنها للنبي : أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال: { قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا } [رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح].
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ(68/402)
فتاة لا تعجبني
محمد بن سعد الدوسري
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 5313
(1649 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... أما بعد :
من أنا حتى يعجبني أو لا يعجبني؟ أنا الفضيلة، أنا الغيرة الساكنة في قلب كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، أنا العقل السليم، أنا الحياة الدافئة بأنوار الشريعة، أنا الشرف المولود، أنا الحياء الموروث، أنا ضفتا العفة، أنا الخير الذي يشع على كل بلاد ألتزمتني، أنا الحياة السعيدة.
بعد أن عرفتم من أكون؟ لا أنسى أن أعرفكم من تكون تلك الفتاة التي لا تعجبني .. إنها فتاة، إنها صبية، إنها امرأة .. وكيف لا تعجبني؟ أبوح لكم بالجواب، إنها فتاة تخلت من أساور الإسلام، واستبدلتها بقيود الموضة وسلاسل التبعية، إنها فتاة نحرت الحياء ورمت به بعيداً بعيداً.
كل يوم تسأل عن الموضة، وكل ليلة تساهر القمر تبحث وتفكر في أمور تخالف فطرتها التي فطرها الله عليها، أمور تافهة، وأفكار سافلة، ترى نفسها فوق الآخرين، لماذا؟ لا أدري! قد يكون بتصورها السامج وإعجابها بجمالها الكاذب.
خدعوها بقولهم حسناء *** والغواني يغرهن الثناء
نعم! فالجمال ليس كما تتخيله هذه المسكينة التائهة؛ بل الجمال جمال العلم والأدب. أما من مشت في المنحدرات المظلمة والمستنقعات الموحلة الموحشة، فهي أقبح ما تكون عند من لا يغتر بالمظاهر.
على وجه مي مسحة من ملاحة *** وتحت الثياب الخزي لو كان باديا
وقد يكون إعجابها بنفسها بسبب دريهمات جعلها الله تعالى في يدها، أخشى أن تنفقها ثم تكون عليها حسرة، أو بلسانها الذي يقطر غيبة في المجالس، وكذباً في الكلام ولعناً، وتشبعاً بما لم تعط، أقبح بها من خصال تورد صاحبتها شلالات البوار.
أرجع إلى فتاتنا الصبية وصبيتنا المرأة، التي جعلت من نفسها عفناً ينجذب إليه المتسكعون في الأسواق ليلاً ونهاراً، لم يودعها ولم يردعهم دين ولا مروءة ولا حياء، إنها فتاة نزعت ذلك القناع الذي بجملها، ألا وهو قناع الحياء، لم تفكر يوماً من الأيام أن تخدم دينها، لم تفكر ساعة في أهوال القبر وعذابه، قال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَاباً [النبأ:27].
ليس عندها ولا ذرة أمل أو بقايا همة في أن تتمثل بما تمثل به النساء الصالحات؛ لتخدم هذا الكيان العظيم (الإسلام) فترفل في ثياب العز، وتنتظرها جنة عرضها السموات والأرض. إنما نظرها ماذا لبست الممثلة الفلانية؟ وما هي قصة عارضة الأزياء الفرنسية؟
هل يستوي من رسول الله قائده *** دوماً وآخر هاديه أبو لهب
وأين ما كانت الزهراء أسوتها *** ممن تقفت خطاً حمالة الحطب
يا لها من غافلة خسرت ورب الكعبة بحديث النبي : { صنفان من أمتي لم أرهما قط: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات } الحديث. فهي مكتسبة اسماً عارية في الحقيقة؛ فيا لها من حسرة في الدنيا، وعار بين الأهل والعشيرة، يعقبهما عذاب شديد في الآخرة، وهي أيضاً مائلة في مشيتها وفي كلماتها، مميلة للسذج من الرجال.
كم هي ضعيفة العقل؛ فهي لا تعد الناصحين والواعظين والمشفقين عليها من نار وقودها الناس؛ إلا أنهم أناس لا يعرفون التمدن، ولا يعرفون الحضارة، ولا يفقهون الحياة الحقيقية في زعمها، وصدق الله العظيم إذ ïقول: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ [الجاثية:23].
نعم لقد اتبعت هذه الفتاة هوها وغرها طول الأمل، فكم نبهت في الدنيا وحذرت قبل الموت؛ فأبت إلا أن تسير في الأوحال والظلمات، فلم تأبه لصيحات المحذرين من الوقوع في الهاوية، ولا لصرخات المنذرين من العذاب الأليم يوم القيامة.
تمر الأيام تترى وهي ساهية لاهية؛ نسيت هذه أن كل يوم يمضي إنما هو نقص من عمرها، وكل ساعة تمر تدنيها من قبرها الذي يناديها كل ليلة وهي لاهية، ولابد أن تستجيب شاءت أم أبت. إن تكلمت تبين سفورها في كلامها قبل وجهها، عدوة نفسها ودينها ومجتمعها، تتبجح عند مثيلاتها وزميلاتها بما رأت عبر الفضائيات من أمور يستحي المرء من وصفها، بل وتحثهن على متابعة تلك القنوات، فتبوء بإثمها وإثم كل من رأى بسبها ما رأى.
يا حسرة على النساء !
ضاعت الأعمار، وضلت الأعمال، والموت كل يوم يدعوها إلى أجلها، قد تكون رزقت شهادة سوف تكون حجة عليها لا لها، وقد تكون سائقة لها إلى النار لا قائدة لها إلى الجنة. هي في حقيقة أمرها جاهلة وإن نالت الشهادات العليا والمراكز العلية. ويا لهفي على الأجيال التي تخبئها أرحام تلك الناقصات.
وإذا النساء رضعن في أمية *** رضع الرجال جهالة وخمولاً
وقد تكون تلك المرأة رزقت أخاً أو زوجاً يقوم بتوصيلها إلى الأسواق ثم يتركها وحدها، وقد ينزل معها ولكن نزوله وعدمه سواء؛ فينزل معها (وعيناها) بائنتان بحدودها التي نالت نصف الوجنتين (والكفان) ظاهران إن لم نقل (الذراعين) تقلبهما حين تريد (مكاسرة البائع) (والقدمان) واضحتان لكل متسوق، أتعجب كل العجب، وأسأل نفسي: لماذا خرج معها زوجها إذن؟
الجواب معروف؛ فقد أخرجته هل لتحمله البضائع التي سوف تشتريها حيث اتخذته سلة لمشترياتها.
ولتعلم علم اليقين من كانت على منوال تلك الفتاة أنها قد تكون ممن يمسي في لعنة الله، ويصبح في غضبه، وتروح وتجيء في سخطه، فلتنتبه قبل أن لا ينفعها الانتباه، ولتعلم أنها لو تنعمت بأشكال اللذائذ وأنواع النعم طوال حياتها، ثم غمست غمسة في جهنم لأنكرت أن يكون مر بها نعيم قط، كما جاء في الحديث.
لم نزل ننظر إلى صبيتنا الفتاة وهي فترح وتمرح، كم هي مسكينة مخدوعة، غرقت في بحار الأماني، وهلكت في محيط الأمل، والموت أقرب من شراك نعلها، هي تمشي بين الأسواق وما تدري ماذا أعد الله لها، وتنام ملء جفونها ولا تعلم ماذا ينتظرها من عذاب الله، وتضحك مع زميلاتها وربها سبحانه قد يكون ساخطاً عليها. لم يدر بخلدها تلك الحفرة الضيقة ذات اللازم الدامس التي سوف توضع فيها.
لا تحب أحداً يذكرها بالموت؛ لأنه ينغص عليها لذاتها المحرمة، تريد أن تخادع نفسها حتى يهجم عليها الموت، حينها لن تخادع نفسها حتى يهجم عليها الموت، حينها لن ترجع إلا وفريسته في يده، وسوف تكون ممن يقول: يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24]، يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ [الزمر:56]. فإذا دقت ساعة الصفر، واقترب الموت، ولاقاها الذي طالما كانت تفر منه، ولا تحب أن تسمع ذكره؛ رأيت البكاء والدموع والتأوهات، إذ جعلت تستعرض شريط الذكريات السوداء التي لطختها بالسعي في الأرض والأسواق فساداً، أغوت عدداً من الشباب، وتبرجت في الأسواق، وتحدثت بتلك المكالمات الآثمة التي لا ترضي الله، وخانت والديها، وأصبح الإسلام يشتكي إلى الله منها؛ فتقول وهي على بوابة الآخرة: رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:100،99] إنه غباء مطبق ما بعده غباء.
إني أقول لتلك الفتاة: اعلمي أن قبرك الآن ينتظرك وهو إما وإما، إما أن يكون روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، فإن كانت الأولى فاسعدي وقري عيناً، وإن كانت الثانية فما أشقاك وأتعسك والله. فهلا جلست أيتها الفتاة فتدبرت أي الحفرتين مصيرك؟ أي القبرين جزاؤك؟
أيتها الفتاة، ألا تذكرين إحدى زميلاتك اللاتي قد تبادلت معها بعض الحديث، ثم أخبرت بعد ذلك أنها قد أكملت الأيام التي قدر الله لها أن تعيشها، ثم هي بين اللحود .. فما تظنين أن تقول أو تعمل لو سمح لها بالعودة إلى الحياة؟ وهل فكرت وسألت نفسك: لماذا أخذها الموت وتركني؟ فقد يكون هذا رحمة من الله تعالى لك، فأراد أن يذكرك وحق لمن اتعظ بغيره أن يسمى عاقلاً.
فإن كنت قد اغتررت بمغفرة الله ورحمته فتذكري تلك الآية التي كان يرددها أبو حنيفة رحمه الله تعالى وهو قائم بتهجد آخر الليل، فلم يستطع أن يتجاوزها من البكاء خوفاً أن يكون منهم، وهو على ما هو عليه من التقوى والخشية؛ وهي قول الله تعالى: وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47] أما أنت فقد جمعت عملاً سيئاً مع أمن من عقوبة الله وهذا غاية الخسران. يقول الحسن البصري رحمه الله: إن قوماً آلهتهم الأماني بالمغفرة حتى خرجوا من الدنيا وما لهم حسنة، يقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي. وكذب؛ لو أحس الظن لأحسن العمل. ثم تلا قول الله تعالى: وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47].
أختاه ، يا من ظلمت نفسها، لا تغتري بنساء الغرب الفاجرات ومن شاكلهن ممن يعيشن في الحظيرة لا الحضارة، فإن أولئك وصفهم الله تعالى بقوله: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] ثم انظري في مآلهم بعد ذلك: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء:98] وقال تعالى منبهاً لنا نحن المسلمين: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ [محمد:12] فهل تريدين أن تكوني مثلهم؟ كأني بك وقد اقشعر جلدك، وقف شعر رأسك، تقولين بملء فيك: معاذ الله. فأرجو أن تقولي بعدها: توبة يا رب.
يا رب هل من توبة *** تمحو الخطايا والذنوب
وتزيل هم القلب عنـ *** ـي والكآبة والشحوب
وقفة مشرقة
ينبغي لكل فتاة أن تنظر إلى وجهها في المرآة، فإن كان جميلاً فلتكره أن تسيء إلى هذا الجمال بفعل قبيح، وإن كان قبيحاً فلتكره أن تجمع بين قبيحين: فبح في الوجه، وقبح في الفعل.
تدبري يا غافلة !
إلى هذه الفتاة ومثيلاتها أنثر لهن باقة من النصائح الشعرية؛ علها أن تحرك قلباً قسا من طول الأمد، والجري خلف الأمل، حتى أصبح كالحجارة أو أشد، ونفساً سكنت أرض الله تعالى وما عرفت الله طرفة عين.
يقول مالك بن دينار رحمه الله تعالى:
أتيت القبور فناديتها *** فأين المعظم والمحتقر
وأين المذل بسلطانه *** وأين القوي على ما قدر
تفانوا جميعاً فما من خبر *** وماتوا جميعاً ومات الخبر
تروح وتغدو بنات الثرى *** فتحو محاسن تلك الصور
فيا سائلي عن أناس مضوا *** أما لك فيما مضى معتبر
ويقول الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى:
انظر لنفسك يا مسكين في مهل *** ما دام ينفعك التفكير والنظر
قف بالمقابر وانظر إن وقفت بها *** لله درك ماذا تستر الحفر
وأختتم كلامي بقول الشافعي رحمه الله تعالى:
لله لو عاش الفتى في دهره *** ألفا من الأعوام مالك أمره
متلذذاً فيها بكل عجيبة *** متمتعاً فيها لغاية عمره
لم يعرف الأسقام فيها مرة *** أيضاً ولا خطر الهموم بفكره
ما كان هذا كله بجميعه *** بمبيت أول ليلة في قبره
ما احلم الله عنها حيث أمهلها أياماً وسنين لعلها تستيقظ من غفلتها؛ فتراجع حساباتها مع الله تعالى، وتنظر في مصارع مثيلاتها كيف كانت؛ فتعظ وتعتبر بغيرها قبل أن يعتبر بها غيرها أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ [التوبة:126].
أختاه، أرجو أن تعذريني إن قسوت في العبارة، فإنما هي صيحة مشفق، ونصيحة محذر، وصرخة غيور، كتبتها بزفرات فؤادي؛ علها أن تعيها أذنك، ويستجيب لها فؤادك، ويفيق لها عقلك، وهي تحذير وذكرى لمن كان لها قلب أو ألقت السمع.
سأظل أنفخ في الرماد لعله *** يوماً يعود الوهج للنيران
وأظل أضرع للإله لعله *** يوماً يعود الناس للرحمن
أسأل الله أن يجعل نظرك عبراً، وصمتك فكراً، ونطقك ذكراً، وأن يجعلك هادية مهدية، تعيشين سعيدة، وتموتين شهيدة، وتحشرين مع عائشة وفاطمة وخديجة، مع اللاتي أنعم الله عليهن بالنصيحة والدعوة إلى الله والإخلاص لهذا الدين. آمين
ـــــــــــــــــــ(68/403)
اعترافات إمرأة غربية
سليمان بن صالح الخراشي
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 6410
(783 كلمة)
صورة المطوية
هذا مقال نشرته مجلة الأسرة (عدد 71) عن اعترافات امرأة غربية. أسلمت حديثا، أحببت عرضه للقراء - لاسيما النساء المسلمات - ليعلمن ما هنّ فيه من نعمة.
قالت المجلة:
( ليس جديداً القولُ بأن الحملة على الإسلام وتشويه حقائقه هي على أشدها في الغرب، حتى إن المسلمين غدوا في ظن بعض الغربيين أناسا وثنيين يعبدون القمر! لكن ما يشيع البهجة أن الإسلام أكثر الأديان انتشارا. في العالم، وربما كان ذلك أحد أسباب حقد الغرب عليه! فكثيرون في الغرب وجدوا ضالتهم المنشودة في الإسلام بعد أن تنكبت بهم سبل البحث عن الهداية في مجتمعات مادية ممسوخة.
ومن أكثر (الدعاوى) التي يرددها الإعلام الغربي عن الإسلام الادعاء بأنه يقهر المرأة ويجور عليها، ورغم أن هذا الادعاء رُدَّ عليه مراراً قبل أكثر من مائة عام، إلا أن الرد هذه المرة يأتي من امرأة غربية اعتنقت الإسلام حديثا. تعالوا نقف على تفاصيل رؤيتها تلك.
قالت: " في أوقات كان الإسلام يواجه فيها عداءً سافراً في وسائل الإعلام الغربية، ولا سيما في القضايا التي كان موضوع نقاشها المرأة، وربما كان من المثير للدهشة تماماً أن يتبادر إلى علمنا أن الإسلام هو الدين الأكثر انتشارا في العالم، كما أن من العجب العجاب أن غالبية من يتحولون عن دياناتهم إلى الإسلام هم من النساء.
إن وضع المرأة في المجتمع ليس بقضية جديدة، وفي رأي العديد من الأشخاص فإن مصطلح " المرأة المسلمة " يرتبط بصورة الأمهات المتعبات اللواتي لا هم لهن إلا المطبخ، وهن في الوقت عينه ضحايا للقمع في حياة تحكمها المبادئ، ولا يقر لهن قرار إلا بتقليد المرأة الغربية وهكذا.
ويذهب بعضهم بعيدا في بيان كيف أن الحجاب يشكل عقبة في وجه المرأة، وغمامة على عقلها، وأن من يعتنقن منهن الإسلام، إما أنه أجري غسل دماغ لهن، أو أنهن غبيات أو خائنات لبنات جنسهن.
إنني أرفض هذه الاتهامات، وأطرح السؤال التالي: لماذا يرغب الكثير والكثير جدا من النساء اللواتي وُلدْنَ ونشأن فيما يدعى بالمجتمعات "المتحضرة" في أوروبا وأمريكا في رفض "حريتهن " و"استقلاليتهن " بغية اعتناق دين يُزعم على نطاق واسع أنه مجحف بحقهن ؟
بصفتي مسيحية اعتنقت الإسلام، يمكنني أن أعرض تجربتي الشخصية وأسباب رفضي للحرية التي تدعي النساء في هذا المجتمع أنهن يتمتعن بها ويؤثرنها على الدين الوحيد الذي حرر النساء حقيقة، مقارنة بنظيراتهن في الديانات الأخرى.
قبل اعتناقي للإسلام، كانت لدي نزعة نسائية قوية، وأدركت أنه حيثما تكون المرأة موضع اهتمام، فإن ثمة كثيرا من المراوغة والخداع المستمرين بهذا الخصوص ودون قدرة مني علي إبراز كيان هذه المرأة على الخارطة الاجتماعية. لقد كانت المعضلة مستمرة: فقضايا جديدة خاصة بالمرأة تثار دون إيجاد حل مرض لسابقاتها. ومثل النسوة اللواتي لديهن الخلفية ذاتها التي أمتلكها، فإنني كنت أطعن في هذا الدين لأنه كما كنت أعتقد دين متعصب للرجل على حساب المرأة، وقائم على التمييز بين الجنسين، وأنه دين يقمع المرأة ويهب الرجل أعظم الامتيازات. كل هذا اعتقاد إنسانة لم تعرف عن الإسلام شيئا، إنسانه أعمى بَصَرَها الجهلُ، وقبلت هذا التعريف المشوّه قصداً للإسلام.
على أنني ورغم انتقاداتي للإسلام، فقد كنت داخلياً غير قانعة بوضعي كامرأة في هذا المجتمع. وبدا لي أن المجتمع أوهم المرأة بأنه منحها "الحرية" وقبلت النسوة ذلك دون محاولة للاستفسار عنه. لقد كان ثمة تناقض كبير بين ما عرفته النساء نظريا، وما يحدث في الحقيقة تطبيقا.
لقد كنت كلما ازداد تأملي أشعر بفراغ أكبر. وبدأت تدريجياً بالوصول إلى مرحلة كان عدم اقتناعي بوضعي فيها كامرأة في المجتمع انعكاسا لعدم اقتناعي الكبير بالمجتمع نفسه. وبدا لي أن كل شيء يتراجع إلى الوراء، رغم الادعاءات. لقد بدا لي أنني أفتقد شيئاً حيويا في حياتي، وان لا شيء سيملأ ما أعيشه من فراغ. فكوني مسيحية لم يحقق لي شيئاً، وبدأت أتساءل عن معنى ذكر الله مرة واحدة، وتحديداً يوم الأحد من كل أسبوع ؟ وكما هو الحال مع الكثيرين من المسيحيين غيري، بدأت أفيق من وهم الكنيسة ونفاقها، وبدأ يتزايد عدم اقتناعي بمفهوم الثالوث الأقدس وتأليه المسيح (عليه السلام). وبدأت في نهاية المطاف أتمعن في الدين (الإسلام). لقد تركز اهتمامي في بادئ الأمر، على النظر في القضايا ذات العلاقة بالمرأة، وكم كانت تلك القضايا مثار دهشتي. فكثير مما قرأت وتعلمت علمني الكثير عن ذاتي كامرأة، وأين يكمن القمع الحقيقي للمرأة في كل نظام آخر وطريقة حياة غير الإسلام الذي أعطى المرأة كل حقوقها في كل منحى من مناحي الحياة، ووضع تعريفات بينت دورها في المجتمع كما هو الحال بالنسبة للرجال في كتابه العزيز ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا .
ولما انتهيت من تصحيح ما لدي من مفاهيم خاطئة حول المنزلة الحقيقية للمرأة في الإسلام، اتجهت لأنهل المزيد، فقد تولدت لدي رغبة لمعرفة ذلك الشيء الذي سيملأ ما بداخل كياني من فراغ، فانجذب انتباهي نحو المعتقدات والممارسات الإسلامية، ومن خلال المبادئ الأساسية فحسب كان يمكنني أن أدرك إلى أين أتوجه وفقا للأولويات. لقد كانت هذه المبادئ في الغالب هي المجالات التي لم تحظ إلا بالقليل من الاهتمام أو النقاش في المجتمع. ولما درست العقيدة الإسلامية، تجلى لي سبب هذا الأمر؛ وهو أن كل أمور الدنيا والآخرة لا يمكن العثور عليها في غير هذا الدين وهو " الإسلام "
ـــــــــــــــــــ(68/404)
الحجاب عبادة
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 21993
(1950 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، أما بعد:
أختي المسلمة!
لقد دأبت بعضُ الأقلام بين فينةٍ وأخرى على النيلِ من حجابك والهجوم عليه، واصفةً إياه بالتخلف والرجعية وعدم مواكبة التطور الذي نشهده، والقرن الذي نحن على مشارفه، حيث إننا نعيش عصر الفضائيات والاتصالات والعولمة وتلاقح الأفكار وغير ذلك من مظاهر التقدم العلمي والتكنولوجي.
وقد انقسم هؤلاء المبهورون بمدنية الغرب إلى أقسام عدة:
فمنهم من أنكر فرضية الحجاب بالكلية، وزعم أنه من خصوصيات العصور الإسلامية الأولى!!
ومنهم من أنكر غطاء الوجه وراح يدعو إلى السفور والاختلاط، زاعماً أن ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ما يدل على تغطية وجه المرأة، وأن ذلك من قبيل العادات الموروثة التي فرضها المتشددون!
ومنهم من تخبَّط فقال: إن الحجاب سجن يجب على المرأة أن تتحرر منه حتى تستثمر طاقاتها في مواكبة العصر، ومشاركة الرجل مسيرته التقدمية نحو آفاق المدنية الحديثة!
ومنهم من طبق المثل القائل: "رمتني بدائها وانسلَّت" فزعم أن الذين يدعون إلى الحجاب ونبذ التبرج والسفور ينظرون إلى المرأة نظرة جسدية،ولو أنهم تركوا المرأة تلبس ما تشاء لتخلَّص المجتمع من هذه النظرة الجسدية المحدودة!!
وهؤلاء جميعاً قد اشتركوا في الجهل والدعوة إلى الضلال، شاءوا أم أبوْا.
والأمر في ذلك كما قال الشاعر:
فإن كنتَ لا تدري فتلك مصيبةٌ *** وإن كنت تدري فالمصيبةُ أعظمُ
أما حقيقة هؤلاء فلا تخفى على ذي عينين!
وأما كلامهم فباطل باطل، يبطل أولُه آخرَه، وآخرُه أولَه، قال تعالى: وَلَتَعرِفَنهُم فِي لَحنِ القَولِ وَاللهُ يَعلَمُ أَعمالَكُم [محمد:30].
وأما دعوتهم فمؤامرة مكشوفة على المرأة المسلمة، وعلى الأسرة والمجتمع والأمة بأسرها.
ومع ذلك فقد نجح هؤلاء في السيطرة على عقول بعض نسائنا، فأغروهن بكلامهم المعسول وعباراتهم البراقة التي تحمل في طيَّاتها الهلاك والدمار، فظننَّ أن هؤلاء هم المدافعون عن قضايا المرأة وحقوقها، وجهلن أن الإسلام قد صان المرأة أتمَّ صيانة، ورفع مكانتها في جميع مراحل حياتها، طفلةً وبنتاً وزوجة وأُمًّا وجدة.
ولما كان الأمر كما قال الشاعر:
لكلِّ ساقطةٍ في الحيِّ لاقطةٌ *** وكلُّ كاسدةٍ يوماً لها سوقُ
فقد تعيَّن الردُّ على هؤلاء ودحض شبهاتهم، وتفنيد كلامهم، وكشف عوار أحاديثهم وزيف أطروحاتهم، لعلهم يعودوا لرشدهم ويتخلوا عن باطلهم.
الحجاب عبادة
الحجاب عبادة من أعظم العبادات وفريضة من أهم الفرائض؛ لأن الله تعالى أمر به في كتابه، ونهى عن ضده وهو التبرج، وأمر به النبي في سنته ونهى عن ضده، وأجمع العلماء قديماً وحديثاً على وجوبه لم يشذّ عن ذلك منهم أحد، فتخصيص هذه العبادة – عبادة الحجاب – بعصر دون عصر يحتاج إلى دليل، ولا دليل للقائلين بذلك ألبتة. ولذلك فإننا نقول ونكرر القول: "لا جديد في الحجاب".
ولو لم يكن الحجاب مأموراً به في الكتاب والسنة، ولو لم يرد في محاسنه أيُّ دليل شرعي، لكان من المكارم والفضائل التي تُمدح المرأة بالتزامها والمحافظة عليها، فكيف وقد ثبتتْ فرضيَّتُه بالكتاب والسنة والإجماع؟!
أدلة الحجاب من الكتاب والسنة
وفي هذه الأدلة برهان ساطع على وجوب الحجاب، وإفحامٌ واضح لمن زعم أنه عادة موروثة أو أنه خاصٌّ بعصور الإسلام الأولى.
أولاً: أدلة الحجاب من القرآن:
الدليل الأول: قوله تعالى: وَقُل للمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِن وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُن وَلاَ يُبدِينَ زِينَتَهُن إِلا مَا ظَهَرَ مِنهَا وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِن عَلَى جُيُوبِهِن وَلاَ يُبدِينَ زِينَتَهُن إلى قوله: وَلاَ يَضرِبنَ بِأَرجُلِهِن لِيُعلَمَ مَا يُخفِينَ مِن زِينَتِهِن وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيهَا المُؤمِنُونَ لَعَلكُم تُفلِحُونَ [النور:30].
قالت عائشة رضي الله عنها: { يرحم الله نساء المهاجرات الأُول؛ لما أنزل الله: وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِن عَلَى جُيُوبِهِن شققن مروطهن فاختمرن بها } [رواه البخاري].
الدليل الثاني: قوله تعالى: وَالقَوَاعِدُ مِنَ النسَاء اللاتي لاَ يَرجُونَ نِكَاحاً فَلَيسَ عَلَيهِن جُنَاحٌ أَن يَضَعنَ ثِيَابَهُن غَيرَ مُتَبَرِّجَاتِ بِزِينَةٍ وَأَن يَستَعفِفنَ خَيرٌ لهُن وَاللهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ [النور:60].
الدليل الثالث: قوله تعالى: يأَيهَا النبِي قُل لأزواجِكَ وَبَناَتِكَ وَنِسَاء المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِن مِن جَلابِيبِهِن ذلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلاَ يُؤذَينَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رحِيماً [الأحزاب:59].
الدليل الرابع: قوله تعالى: وقَرنَ فِي بُيُوتِكُن وَلاَ تَبَرَّجنَ تَبَرجَ الجاَهِلِيةِ الأولَى [الأحزاب:33].
الدليل الخامس: قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلتُمُوهُن مَتَاعاً فاسأَلُوهُن مِن وَرَاء حِجَابٍ ذلِكُم أَطهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهِن [الأحزاب:53].
ثانياً: أدلة الحجاب من السنة:
الدليل الأول: في الصحيحين أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله، احجب نساءك. قالت عائشة: فأنزل الله آية الحجاب. وفيهما أيضاً: قال عمر: يا رسول الله، لو أمرتَ أمهات المؤمنين بالحجاب. فأنزل الله آية الحجاب.
الدليل الثاني: عن ابن مسعود عن النبي قال: { المرأة عورة } [الترمذي وصححه الألباني].
الدليل الثالث: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : { من جرَّ ثوبه خُيَلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة } فقالت أم سلمة رضي الله عنها: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: { يرخين شبراً } فقالت: إذن تنكشف أقدامهن. قال: { فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه } [رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح].
أدلة سَتر الوجه من الكتاب والسنة
أولاً: قوله تعالى: وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِن عَلَى جُيُوبِهِن [النور:30].
قال العلامة ابن عثيمين: ( فإن الخمار ما تخمِّر به المرأة رأسها وتغطيه به كالغدقة، فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على جيبها كانت مأمورة بستر وجهها ).
ثانياً: قوله تعالى: يأَيهَا النبِي قُل لأزواجِكَ وَبَناَتِكَ ... [الأحزاب:59].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلاليب ). قال الشيخ ابن عثيمين: ( وتفسير الصحابي حجة، بل قال بعض العلماء إنه في حكم المرفوع إلى النبي ).
ثالثاً: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: { لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين } [رواه البخاري].
قال القاضي أبو بكر بن العربي: ( قوله في حديث ابن عمر: { لا تنتقب المرأة المحرمة } وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج، فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها غير لاصق به، وتعرض عن الرجال ويعرضون عنها ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وهذا مما يدلّ على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن ).
رابعاً: في قوله : { المرأة عورة } دليل على مشروعية ستر الوجه. قال الشيخ حمود التويجري: ( وهذا الحديث دالّ على أن جميع أجزاء المرأة عورة في حق الرجال الأجانب، وسواءٌ في ذلك وجهها وغيره من أعضائها ).
جهل أم عناد؟!
إليكم يا من تزعمون أن حجاب المسلمة لا يناسب هذا العصر!!
إليكم يا من تدّعون أن تغطية الوجه من العادات العثمانية!!
إليكم يا من تريدون إخراج المرأة من بيتها واختلاطها بالرجال في كل مكان.
هذه آيات القرآن أمامكم فاقرءوها.. وهذه أحاديث النبي محمد بين أيديكم فادرسوها... وهذا فهم أئمة الإسلام من السلف والخلف يدل على وجوب الحجاب وستر الوجه فاعقلوه. فإن كنتم جهلتم هذه الآيات والأحاديث في الماضي فها هي أمامكم، ونحن ننتظر منكم الرجوع إلى الحق وعدم التمادي في الباطل؛ فإن الرجوع إلى الحق فضيلة، والإصرار على الباطل شر ورذيلة.
أما إذا كنتم من الصنف الذي وصفه الله تعالى بقوله: وَجَحَدُوا بِهَا وَاستَيقَنَتهَا أَنفُسُهُم ظُلماً وَعُلُواً [النمل:14]، فإنكم لن تنقادوا للحق، ولن ترجعوا إلى الصواب، وإن سردنا لكم عشراتٍ بل مئاتِ الآيات والأحاديث، لأنكم – بكل بساطة – لا تؤمنون بكون الإسلام منهج حياة، وبكون القرآن صالحاً لكلّ زمان ومكان. قال تعالى: أَفَحُكمَ الجَاهِلِيةِ يَبغُونَ وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللهِ حُكماً لقَومٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].
الحجاب والمدنية
يرى دعاة المدنية أن الحجاب مظهر من مظاهر التخلف، وأنه يمنع المرأة من الإبداع والرقي، وهو عندهم من أكبر العقبات التي تحول بين المرأة وبين المشاركة في مسيرة الحضارة والمدنية، وفي عملية البناء التي تخوضها الدول النامية للوصول إلى ما وصلت إليه الدول المتقدمة من رقي وتمدن!!
ونقول لهؤلاء: ما علاقة الحجاب بالتقدم الحضاري والتكنولوجي؟!
هل من شروط الحضارة والمدنية أن تخلع المرأة ملابسها وتتعرَّى أمام الرجال؟!
هل من شروط الحضارة والمدنية أن تشارك المرأة الرجل متعته البهيمية وشهواته الحيوانية؟!
هل من شروط الحضارة والمدنية أن تكون المرأة جسداً بلا روح ولا حياء ولا ضمير؟!
هل الحجاب هو السبب في عجزنا عن صناعة السيارات والطائرات والدبابات والمصانع والأجهزة الكهربائية بشتى أنواعها؟!
لقد تخلت المرأة المسلمة في معظم الدول العربية والإسلامية عن حجابها، وألقته وراء ظهرها، وداست عليه بأقدامها، وخرجت لتعمل مع الرجل، وشاركته معظم ميادين عمله!!
فهل تقدمت هذه الدول بسبب تخلِّي نسائها عن الحجاب؟!
وهل لحقت بركب الحضارة والمدنية بسبب اختلاط الرجال بالنساء؟!
وهل وصلت إلى ما وصلت إليه الدولُ المتقدمة من قوة ورقيّ؟!
وهل أصبحت من الدول العظمى التي لها حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن؟!
وهل تخلصت من مشاكلها الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والأخلاقية؟!
الجواب واضح لا يحتاج إلى تفصيل. فلماذا إذن تدعون إلى التبرج والسفور والاختلاط يا دعاة المدنية والحضارة؟!
نعم للتعليم.. لا للتبرج
إن المرأة في هذه البلاد – ولله الحمد – وصلت إلى أرقى مراتب التعليم، وحصلت على أعلى الشهادات التعليمية، وهي تعمل في كثير من المجالات التي تناسبها، فهناك الطبيبة، والمعلمة، والمديرة، وأستاذة الجامعة، والمشرفة والباحثة الاجتماعية، وكلّ هؤلاء وغيرهن يؤدين دورهن في نهضة الأمة وبناء أجيالها، لم يمنعهن من ذلك حجابهن وسترهن وحياؤهن وعفتهن.
لقد أثبتت المرأة المسلمة – في هذه البلاد – أنها تستطيع خدمة نفسها ومجتمعها وأمتها دون أن تتعرض لما تعرضت له المرأة في كثير من البلدان من تبذُّلٍ وامتهان، ودون أن تكون سافرة أو متبرجة أو مختلطة بالرجال الأجانب.
إن هذه التجربة التي خاضتها المرأة في بلادنا تثبت خطأ مقولة دعاة التبرج والاختلاط: ( إن النساء في بلادنا طاقات معطَّلة لا يمكن أن تُستَثمر إلا إذا خلعت حجابها وزاحمت الرجال في مكاتبهم وأعمالهم ). كَبُرَت كَلِمَةً تَخرُجُ مِن أَفوَاهِهِم إِن يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا [الكهف:5].
ماذا يريدون؟!
إن هؤلاء لا يريدون حضارة ولا مدنية ولا تقدماً ولا رقياً.. إنهم يريدون أن تكون المرأة قريبة منهم.. يريدونها كلأً مباحاً لشهواتهم.. يريدونها سلعةً مكشوفةً لنزواتهم ... يريدون العبث بها كلما أرادوا.. والمتاجرة بها في أسواق الرذيلة.. إنهم يريدون امرأة بغير حياء ولا عفاف.. يريدون امرأة غربية الفكر والتصور والهدف والغاية.. يريدون امرأة تجيد فنون الرقص.. وتتقن ألوان الغناء والتمثيل.. يريدون امرأة متحررة من عقيدتها وإيمانها وطهرها وأخلاقها وعفافها.
الرد على من اتهم الدعاة إلى الحجاب
أما هؤلاء، فحدّث عنهم ولا حرج.. إنهم يكذبون.. ويعلمون أنهم يكذبون.. يقولون: إن الدعاة إلى الفضيلة ينظرون إلى المرأة نظرة جسدية، أما إذا تُركت المرأة تلبس ما تشاء فسوف تختفي تلك النظرة وسوف يكون التعامل بين الرجل والمرأة على أساس من الاحترام المتبادل.
والحقيقة التي لا مراء فيها تكذِّب هذه الدعوى وتفضح تلك المقولة.
والدليل على ما أقول هو ما يحدث الآن في المجتمعات التي تلبس فيها المرأة ما تشاء، وتصاحب من تشاء.. هل خَفَّ في هذه المجتمعات سعار الشهوة؟ وهل كان التعامل فيها بين الرجل والمرأة على أساس من الاحترام المتبادل؟
يجيب على ذلك تلك الإحصائيات:
1- أظهرت إحدى الإحصائيات أن 19 مليوناً من النساء في الولايات المتحدة كُنَّ ضحايا لعمليات الاغتصاب!! [كتاب: يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة].
2- أجرى الاتحاد الإيطالي للطب النفسي استطلاعاً للرأي اعترف فيه 70% من الإيطاليين الرجال بأنهم خانوا زوجاتهم [تأملات مسلم].
3-في أمريكا مليون طفل كل عام من الزنا ومليون حالة إجهاض [عمل المرأة في الميزان].
4-في استفتاء قامت به جامعة كورنل تبين أن 70% من العاملات في الخدمة المدنية قد اعتُدي عليهن جنسيًّا وأن 56% منهن اعتدي عليهن اعتداءات جسمانية خطيرة [المرأة ماذا بعد السقوط ؟].
5-في ألمانيا وحدها تُغتصب 35000 امرأة في السنة، وهذا العدد يمثل الحوادث المسجلة لدى الشرطة فقط أما حوادث الاغتصاب غير المسجلة فتصل حسب تقدير البوليس الجنائي إلى خمسة أضعاف هذا الرقم [رسالة إلى حواء].
ألا تدل هذه الأرقام والإحصائيات على خطأ دعوى هؤلاء ومقولتهم؟ أم أن هذه الأرقام والإحصائيات هي جزء من الاحترام المتبادل بين الرجل والمرأة الذي يريده هؤلاء؟!
فاعتبروا يا أولي الأبصار
يا فتاة الإسلام:
إن الحجاب أعظم معين للمرأة للمحافظة على عفَّتها وحيائها، وهو يصونها عن أعين السوء ونظرات الفحشاء، وقد أقرَّ بذلك الذين ذاقوا مرارة التبرج والانحلال واكتووا بنار الفجور والاختلاط، والحقُّ ما شهدت به الأعداء!! تقول الصحفية الأمريكية (هيلسيان ستاسنبري) بعد أن أمضت في إحدى العواصم العربية عدة أسابيع ثم عادت إلى بلادها: ( إن المجتمع العربي كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيّد الفتاة والشاب في حدود المعقول. وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوربي والأمريكي، فعندكم أخلاق موروثة تحتِّم تقييدَ المرأة، وتحتم احترام الأب والأم، وتحتم أكثر من ذلك عدم الإباحية الغربية، التي تهدم اليوم المجتمع والأسرة في أوربا وأمريكا.. امنعوا الاختلاط، وقيّدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا وأمريكا ) [من: رسالة المرأة وكيد الأعداء].
فيا فتاة الإسلام:
هذه امرأة أمريكية تدعو إلى الحجاب بعد أن رأت التمزق الأسري والانحلال الخلقي يعصف بمجتمعها.
أمريكية توصينا بالتمسك بأخلاقنا الإسلامية الجميلة، وعاداتنا الحسنة.
أمريكية تحذرنا من مغبَّة الاختلاط والإباحية التي أدت إلى فساد المجتمعات في أوربا وأمريكا.
فأبشري يا فتاة الإسلام.. وقَرّي بحجابك عيناً.. واعلمي أن المستقبل لهذا الدين.. وأن العاقبة للمتقين ولو كره الكارهون.
ـــــــــــــــــــ(68/405)
أطفالنا ومعاني الرجولة
محمد بن صالح المنجد
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 5610
(1074 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد:
فإنّ مما يعاني منه كثير من الناس ظهور الميوعة وآثار التّرف في شخصيات أولادهم، ولمعرفة حلّ هذه المشكلة لابد من الإجابة على السّؤال التالي: كيف ننمي عوامل الرّجولة في شخصيات أطفالنا؟
إن موضوع هذا السؤال هو من المشكلات التّربوية الكبيرة في هذا العصر، وهناك عدّة حلول إسلامية وعوامل شرعية لتنمية الرّجولة في شخصية الطّفل، ومن ذلك ما يلي:
التكنية
مناداة الصغير بأبي فلان أو الصغيرة بأمّ فلان ينمّي الإحساس بالمسئولية، ويُشعر الطّفل بأنّه أكبر من سنّه فيزداد نضجه، ويرتقي بشعوره عن مستوى الطفولة المعتاد، ويحسّ بمشابهته للكبار، وقد كان النبي يكنّي الصّغار؛ فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: { كَانَ النَّبِيُّ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ – قَالَ: أَحسبُهُ فَطِيمًا – وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟! } (طائر صغير كان يلعب به) [رواه البخاري: 5735].
وعَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ قالت: { أُتِيَ النَّبِيُّ بثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيرَةٌ ( الخميصة ثوب من حرير ) فَقَالَ: مَنْ تَرَوْنَ أَنْ نَكْسُوَ هَذِهِ؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ، قَالَ: ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ. فَأُتِيَ بِهَا تُحْمَلُ ( وفيه إشارة إلى صغر سنّها ) فَأَخَذَ الْخَمِيصَةَ بِيَدِهِ فَأَلْبَسَهَا وَقَالَ: أَبْلِي وَأَخْلِقِي، وَكَانَ فِيهَا عَلَمٌ أَخْضَرُ أَوْ أَصْفَرُ فَقَالَ: يَا أُمَّ خَالِدٍ، هَذَا سَنَاه، وَسَنَاه بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنٌ } [رواه البخاري: 5375].
وفي رواية للبخاري أيضاً: { فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ الْخَمِيصَةِ وَيُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَيَّ وَيَقُولُ: يَا أُمَّ خَالِدٍ، هَذَا سَنَا، وَالسَّنَا بِلِسَانِ الْحَبَشِيَّةِ الْحَسَنُ } [رواه البخاري: 5397].
أخذه للمجامع العامة وإجلاسه مع الكبار
وهذا مما يلقّح فهمه ويزيد في عقله، ويحمله على محاكاة الكبار، ويرفعه عن الاستغراق في اللهو واللعب، وكذا كان الصحابة يصحبون أولادهم إلى مجلس النبي ومن القصص في ذلك: ما جاء عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّة عَنْ أَبِيهِ قَالَ: { كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ.. الحديث } [رواه النسائي وصححه الألباني في أحكام الجنائز].
تحديثهم عن بطولات السابقين واللاحقين والمعارك ا لإسلامية وانتصار ات المسلمين
لتعظم الشجاعة في نفوسهم، وهي من أهم صفات الرجولة، وكان للزبير بن العوام طفلان أشهد أحدهما بعضَ المعارك، وكان الآخر يلعب بآثار الجروح القديمة في كتف أبيه كما جاءت الرواية عن عروة بن الزبير { أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ قَالُوا لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ: أَلا تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي إِنْ شَدَدْتُ كَذَبْتُمْ. فَقَالُوا: لا نَفْعَلُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ ( أي على الروم ) حَتَّى شَقَّ صُفُوفَهُمْ فَجَاوَزَهُمْ وَمَا مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ رَجَعَ مُقْبِلاً فَأَخَذُوا ( أي الروم ) بِلِجَامِهِ ( أي لجام الفرس ) فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْر، قَالَ عُرْوَةُ: كُنْتُ أُدْخِلُ أَصَابِعِي فِي تِلْكَ الضَّرَبَاتِ أَلْعَبُ وَأَنَا صَغِيرٌ. قَالَ عُرْوَةُ: وَكَانَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ فَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ وَوَكَّلَ بِهِ رَجُلاً } [رواه البخاري: 3678].
قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث: وكأن الزبير آنس من ولده عبد الله شجاعة وفروسية فأركبه الفرس وخشي عليه أن يهجم بتلك الفرس على ما لا يطيقه، فجعل معه رجلاً ليأمن عليه من كيد العدو إذا اشتغل هو عنه بالقتال. وروى ابن المبارك في الجهاد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير "أنه كان مع أبيه يوم اليرموك , فلما انهزم المشركون حمل فجعل يجهز على جرحاهم" وقوله: " يُجهز " أي يُكمل قتل من وجده مجروحاً, وهذا مما يدل على قوة قلبه وشجاعته من صغره.
تعليمه الأدب مع الكبار
ومن جملة ذلك ما رواه أَبو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: { يُسلِّمُ الصَّغِيرُ على الكبِيرِ، والمارُّ على القاعِدِ، والقليلُ على الكثِيرِ } [رواه البخاري: 5736].
إعطاء الصغير قدره وقيمته في المجالس
ومما يوضّح ذلك الحديث التالي: عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: { أُتِيَ النَّبِيُّ بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ أَصْغَرُ الْقَوْمِ وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارهِ فَقَالَ: يَا غُلامُ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ الأشْيَاخَ؟ قَالَ: مَا كُنْتُ لأوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ } [رواه البخاري: 2180].
تعليمهم الرياضات الرجولية
كالرماية والسباحة وركوب الخيل وجاء عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ: { كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنْ عَلِّمُوا غِلْمَانَكُمْ الْعَوْمَ } [رواه الإمام أحمد في أول مسند عمر بن الخطاب].
تجنيبه أسباب الميوعة والتخنث
فيمنعه وليّه من رقص كرقص النساء، وتمايل كتمايلهن، ومشطة كمشطتهن، ويمنعه من لبس الحرير والذّهب. وقال مالك رحمه الله. "وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ الْغِلْمَانُ شَيْئًا مِنْ الذَّهَبِ لأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، فَأَنَا أَكْرَهُهُ لِلرِّجَالِ الْكَبِيرِ مِنْهُمْ وَالصَّغِيرِ" [موطأ مالك].
تجنب إهانته خاصة أمام الآخرين
عدم احتقار أفكاره وتشجيعه على المشاركة
إعطاؤه قدره وإشعاره بأهميته
وذلك يكون بأمور مثل:
(1) إلقاء السّلام عليه، وقد جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَرَّ عَلَى غِلْمَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ } [رواه مسلم: 4031].
(2) استشارته وأخذ رأيه.
(3) توليته مسئوليات تناسب سنّه وقدراته.
(4) استكتامه الأسرار.
ويصلح مثالاً لهذا والذي قبله حديث أَنَسٍ قَالَ: { أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ قَالَ: فَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي، فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ لِحَاجَةٍ. قَالَتْ: مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ. قَالَتْ: لا تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّهِ أَحَدًا } [رواه مسلم: 4533].
وفي رواية عن أَنَسٍ قال: { انْتَهَى إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا غُلامٌ فِي الْغِلْمَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَرْسَلَنِي بِرِسَالَةٍ وَقَعَدَ فِي ظِلِّ جِدَار- أَوْ قَالَ إِلَى جِدَار - حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ } [رواه أبو داود في كتاب الأدب من سننه، باب في السلام على الصبيان].
وعن ابْن عَبَّاسٍ قال: { كُنْتُ غُلامًا أَسْعَى مَعَ الْغِلْمَانِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِنَبِيِّ اللَّهِ خَلْفِي مُقْبِلاً فَقُلْتُ: مَا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ إِلا إِلَيَّ، قَالَ: فَسَعَيْتُ حَتَّى أَخْتَبِئَ وَرَاءَ بَابِ دَار، قَالَ: فَلَمْ أَشْعُرْ حَتَّى تَنَاوَلَنِي فَأَخَذَ بِقَفَايَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً ( ضربه بكفّه ضربة ملاطفة ومداعبة ) فَقَالَ: اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ. قَالَ: وَكَانَ كَاتِبَهُ فَسَعَيْتُ فَأَتَيْتُ مُعَاوِيَةَ فَقُلْتُ: أَجِبْ نَبِيَّ اللَّهِ فَإِنَّهُ عَلَى حَاجَةٍ } [رواه الإمام أحمد في مسند بني هاشم].
وهناك وسائل أخرى لتنمية الرجولة لدى الأطفال منها:
(1) تعليمه الجرأة في مواضعها ويدخل في ذلك تدريبه على الخطابة.
(2) الاهتمام بالحشمة في ملابسه وتجنيبه الميوعة في الأزياء وقصّات الشّعر والحركات والمشي، وتجنيبه لبس الحرير الذي هو من طبائع النساء.
(3) إبعاده عن التّرف وحياة الدّعة والكسل والرّاحة والبطالة،وقد قال عمر: اخشوشنوا فإنّ النِّعَم لا تدوم.
(4) تجنيبه مجالس اللهو والباطل والغناء والموسيقى؛ فإنها منافية للرّجولة ومناقضة لصفة الجِدّ.
هذه طائفة من الوسائل والسّبل التي تزيد الرّجولة وتنميها في نفوس الأطفال، والله الموفّق للصواب.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ(68/406)
وصايا لحافظات كتاب الله
محمد بن صالح المنجد
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 4521
(1895 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات يسّر بفضله ومنته حفظ كتابه لمعشر الأخوات والنساء الطيّبات فرأينا فيهنّ تحقيق موعود الله بتيسير القرآن للحفظ والذّكر، كما قال عزّ وجلّ: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ [القمر:17].
أما بعد فيا حافظة القرآن هنيئا لكِ فقد استعملك الله لحفظ كتابه في الأرض فكنتِ ممن حقق الله بهم موعوده في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].
يا حافظة القرآن لا تستقلّي ما فعلت فإنّ ما بين جناحيك هو العلم قال الله تعالى: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49].
ففي صدرك كتاب لا يغسله الماء وقد جاء في الكتب المقدسة في صفة هذه الأمة: ( أناجيلهم في صدورهم ).
يا حاملة القرآن أنت المحسودة بحقّ، المغبوطة بين الخلق
حسدكِ هو الحسد الجائز قال النبي : { لا تَحَاسُدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالا فَهُوَ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ فَيَقُولُ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ } [رواه البخاري: 6974].
والحسد الجائز هو الغبطة وهي تمني مثل ما للغير من الخير دون تمني زوال النعمة عنه.
يا حافظة القرآن ويا أترجّة الدنيا
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ } [رواه البخاري: 5007 ومسلم: 1328] وعنون عليه في صحيح مسلم باب فضيلة حافظ القرآن.
قوله: ( طعمها طيب وريحها طيب ) خص صفة الإيمان بالطعم وصفة التلاوة بالرائحة ( لأنّ الطّعم أثبت وأدوم من الرائحة ) والحكمة في تخصيص الأترجة بالتمثيل دون غيرها من الفاكهة التي تجمع طيب الطعم والريح لأنه يتداوى بقشرها ويستخرج من حبها دهن له منافع وقيل إن الجن لا تقرب البيت الذي فيه الأترج فناسب أن يمثّل به القرآن الذي لا تقربه الشياطين، وغلاف حبِّه أبيض فيناسب قلب المؤمن، وفيها أيضا من المزايا كبر جرمها وحسن منظرها وتفريح لونها ولين ملمسها، وفي أكلها مع الالتذاذ طيب نكهة وجودة هضم ودباغ معدة.
ياحافظة القرآن أتدرين أين رتبتك
روت أمكِ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: { مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ } [رواه البخاري: 4556].
والسفرة: الرسل، لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله، وقيل: السفرة: الكتبة، والبررة: المطيعون، من البر وهو الطاعة، والماهر: الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ولا يشق عليه القراءة بجودة حفظه وإتقانه، قال القاضي: يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقا للملائكة السفرة، لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى. قال: ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم.
والماهر أفضل وأكثر أجرا ; لأنه مع السفرة وله أجور كثيرة، ولم يذكر هذه المنزلة لغيره، وكيف يلحق به من لم يعتن بكتاب الله تعالى وحفظه وإتقانه وكثرة تلاوته وروايته كاعتنائه حتى مهر فيه والله أعلم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: { يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا } [رواه الترمذي: 2838 وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].
قوله: ( يقال ) أي عند دخول الجنة ( لصاحب القرآن ) أي من يلازمه بالتلاوة والعمل ( وارق ) أي أصعد إلى درجات الجنة، ( ورتل ) أي اقرأ بالترتيل ولا تستعجل بالقراءة ( كما كنت ترتل في الدنيا ) من تجويد الحروف ومعرفة الوقوف ( فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها )، قال الخطابي: جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة في الآخرة، فيقال للقاري أرق في الدرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن، فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة في الآخرة، ومن قرأ جزءا منه كان رقيه في الدرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة.
يا حافظة القرآن هنيئا لك فقد عمرت قلبك بكلام الله وأقبلت على مأدبته
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَخُذُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنِّي لا أَعْلَمُ شَيْئًا أَصْفَرَ مِنْ خَيْرٍ مِنْ بَيْتٍ لَيْسَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَإِنَّ الْقَلْبَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ خَرِبٌ كَخَرَابِ الْبَيْتِ الَّذِي لا سَاكِنَ لَهُ" [رواه الدارمي: 3173].
يا حاملة القرآن مبارك عليك ومبارك لك إن أخلصت الآن نجوت بحفظكِ من عذاب النيران
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ الْمَصَاحِفُ الْمُعَلَّقَةُ فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يُعَذِّبَ قَلْبًا وَعَى الْقُرْآنَ" [رواه الدارمي 3185].
يا حاملة القرآن هنيئا لك بشفاعة كتاب الله فيك وحليّك يوم القيامة إن ثبتّ أعظم مما تلبسين الآن
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: { يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ حَلِّهِ فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ زِدْهُ فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ فَيَرْضَى عَنْهُ فَيُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَارْقَ وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً } [رواه الترمذي: 2839 وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].
يا أم حافظة القرآن هنيئا لك بابنتك
وعن بريدة قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: { تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ ( أي السحرة ) قَالَ ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ يُظِلانِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ تَعْرِفُنِي فَيَقُولُ مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ تَعْرِفُنِي فَيَقُولُ مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا فَيَقُولانِ بِمَ كُسِينَا هَذِهِ فَيُقَالُ بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلا. } [رواه الإمام أحمد: 21892 وحسنه ابن كثير وهو في السلسلة الصحيحة للألباني: 2829].
يا حافظة القرآن إن المحافظة على القمة أصعب من الوصول إليها
عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: { تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ الإِبِلِ فِي عُقُلِهَا } [رواه البخاري: 4645].
قوله ( تعاهدوا ) أي استذكروا القرآن وواظبوا على تلاوته واطلبوا من أنفسكم المذاكرة به لا تقصروا في معاهدته واستذكروه ... من شأن الإبل تطلب التفلت ما أمكنها فمتى لم يتعاهدها برباطها تفلتت، فكذلك حافظ القرآن إن لم يتعاهده تفلت بل هو أشد في ذلك. وقال ابن بطال هذا الحديث يوافق الآيتين: قوله تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً [المزمل:5] وقوله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ [القمر:17] فمن أقبل عليه بالمحافظة والتعاهد يسّر له ومن أعرض عنه تفلت منه. [فتح الباري].
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { مَثَلُ الْقُرْآنِ مَثَلُ الإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِنْ تَعَاهَدَهَا صَاحِبُهَا بِعُقُلِهَا أَمْسَكَهَا عَلَيْهِ وَإِنْ أَطْلَقَ ذَهَبَتْ } [رواه البخاري: 4643].
فيا حافظة القرآن لا تزحزحي نفسك عن هذه الرتبة العالية بعد إذ نلتيها
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح: "اختلف السلف في نسيان القرآن فمنهم من جعل ذلك من الكبائر، قال الضحاك بن مزاحم: ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه لأن الله يقول: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30] ونسيان القرآن من أعظم المصائب.
وجاء عن أبي العالية رحمه الله: كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه. وإسناده جيد. ومن طريق ابن سيرين بإسناد صحيح في الذي ينسى القرآن كانوا يكرهونه ويقولون فيه قولا شديدا ... والإعراض عن التلاوة يتسبب عنه نسيان القرآن ونسيانه يدل على عدم الاعتناء به والتهاون بأمره ... وترك معاهدة القرآن يفضي إلى الرجوع إلى الجهل والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد. وقال إسحاق بن راهويه: " يكره للرجل أن يمر عليه أربعون يوما لا يقرأ فيها القرآن. " أهـ
يا حافظة القرآن قومي به وأكثري درْسه تعيشي به
قال الذهبي في السّيَر: قال أبو عبد الله بن بشر: ما رأيت أحسن انتزاعا لما أراد من آي القرآن من أبي سهل بن زياد وكان جارنا وكان يُديم صلاة الليل والتلاوة فلكثرة درسه صار القرآن كأنه بين عينيه.
يا حافظة القرآن ما دمت حفظتيه في قلبكِ فاحفظي به جوارحك
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: يجب على حامل القرآن وطالب العلم أن يتقي الله في نفسه ويخلص العمل لله فإن كان تقدم له شيء مما يكره فليبادر التوبة والإنابة وليبتدئ الإخلاص في الطلب وعمله، فالذي يلزم حامل القرآن من التحفظ أكثر مما يلزم غيره كما أن له من الأجر ما ليس لغيره.
يا حاملة القرآن لا يغرنّك الحفظ فتتركي العمل
فقد وقع في رواية شعبة عن قتادة { المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به مع السّفرة الكرام البررة } وهي زيادة مفسرة للمراد وأن التمثيل وقع بالذي يقرأ القرآن ولا يخالف ما اشتمل عليه من أمر ونهي وليس التلاوة فقط.
يا حاملة القرآن اقدري مكانة الذي في صدركِ وأعطيه حقّه ومنزلته وكما ارتقيت إلى المنزلة العالية بحفظه فعليك في المُقابل مسؤولية وواجبا يوازي ذلك. إنّ الحفظ ليس نيشانا يُعلّق ولا شهادة تُزوّق ولا مكافآت تُفرّق لكنه أمانة يجب القيام بحقّها.
ينبغي لحامل القرآن أن يكون على أكرم الأحوال وأكرم الشمائل
قال الفضيل بن عياض: حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي له أن يلهو مع من يلهو ولا يسهو مع من يسهو ولا يلغو مع من يلغو تعظيما لحق القرآن.
إنّه ثابت الجنان قائم بالحق، ولما حارب المسلمون مسيلمة الكذّاب وقُتل حامل رايتهم زيد بن الخطاب تقدّم لأخذها سالم مولى أبي حذيفة فقال المسلمون يا سالم إنا نخاف أن نُؤتى من قبلك فقال: بئس حامل القرآن أنا إن أتيتم من قِبَلي، فقطعت يمينه فأخذ اللواء بيساره فقطعت يساره فاعتنق اللواء وهو يقول: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ [آل عمران:144]، وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ [آل عمران:146]، فلما صرع قيل لأصحابه ما فعل أبو حذيفة قيل قتل. [الجهاد لابن المبارك].
يا حاملة القرآن إياكِ والتكبّر على من ليس بحافظ فلربما أفلح المقلّ المعذور وخسر الحافظ المغرور
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: { أَقْرِئْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَهُ اقْرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَاتِ ( ال~ر ) فَقَالَ الرَّجُلُ كَبِرَتْ سِنِّي وَاشْتَدَّ قَلْبِي وَغَلُظَ لِسَانِي قَالَ فَاقْرَأْ مِنْ ذَاتِ حم فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الأُولَى فَقَالَ اقْرَأْ ثَلاثًا مِنْ الْمُسَبِّحَاتِ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ وَلَكِنْ أَقْرِئْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ سُورَةً جَامِعَةً فَأَقْرَأَهُ إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهَا قَالَ الرَّجُلُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لا أَزِيدُ عَلَيْهَا أَبَدًا ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ } [رواه أبو داود: 1191 ورجاله ثقات وعيسى بن هلال الصدفي وثّقه ابن حبّان وقال الحافظ في التقريب: صدوق وقال البخاري وأبو حاتم لا يصح حديثه ولعله لأجل هذا أورده الألباني في ضعيف سنن أبي داود: 300].
يا حاملة القرآن لا تنتظري من الناس ثناء ولا تقديرا وجاهدي أن لا تتأثّري بمدحهم وإطرائهم إخلاصا لله
نعم يجب عليهم أن يوقروا حاملة القرآن لأنّ في جوفها كلام الله وإن من إجلال الله إكرام حامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه قال ابن عبد البَرّ رحمه الله: وحملة القرآن هم المحفوفون برحمة الله المعظّمون كلام الله المُلبسون نور الله فمن والاهم فقد والى الله ومن عاداهم فقد استخف بحق الله تعالى. وقد نقل صاحب كتاب الفواكه الدواني قول أهل العلم: بأنّ غيبة العالم وحامل القرآن أعظم من غيبة غيرهما. أهـ ومع ذلك فإنّ على صاحب القرآن أن لا يغترّ بحقّ وحرمة الحفظة فلربما أخرجه عدم الإخلاص من بينهم.
دعاء
اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامُ نَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ يَا رَحْمَنُ بِجَلالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أن تهدي هؤلاء الحافظات وأَنْ تُلْزِمَ قلوبهن حِفْظَ كِتَابِكَ كَمَا عَلَّمْتهن، وأن َترْزُقهن تلاوتهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُرْضِيكَ عَنهن، اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامُ نَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ يَا رَحْمَنُ بِجَلالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُنَوِّرَ بِكِتَابِكَ أبصارهن وَأَنْ تُطْلِقَ بِهِ ألسنتهن وَأَنْ تغسل بِهِ قلوبهن وَأَنْ تَشْرَحَ بِهِ صدورهن وَأَنْ تفرّج به همومهن وسائر المسلمين والمسلمات، وصلى الله على نبينا محمد.
ـــــــــــــــــــ(68/407)
الحجاب.. الحجاب يا فتاة الإسلام
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 12150
(1284 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فهذه رسالة قصيرة موجهة إلى الأخت المسلمة تتعلق بمسألة الحجاب والسفور، ولا يخفى على عاقل ما عمت به البلوى في كثير من بلاد المسلمين من تبرج كثير من النساء وعدم التزامهن بالحجاب، ولا شك أن هذا منكر عظيم، وسبب لنزول العقوبات والنقمات. وفي هذا الرسالة بيان لفرضية الحجاب وفضائله وشروطه، وتحذير من التبرج وعواقبه، نسأل الله أن ينفع بها أخواتنا المؤمنات، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الحجاب عبادة وليس عادة
أختي المسلمة: إن دعاة الضلالة وأهل الفساد يحاولون دائما تشويه الحجاب، ويزعمون أنه هو سبب تخلف المرأة، وأنه كبت لها وتقييد لحريتها، ويشجعونها على التبرج والسفور وعدم التقيد بالحجاب، بدعوى أن ذلك دليل على التحرر والتحضر، وهم لا يريدون بذلك مصلحة المرأة كما قد تعتقده بعض الساذجات، وإنما يريدون بذلك تدمير المرأة والقضاء على حياتها وعفافها، فاحذري أختي المسلمة أن تنخدعي بمثل هذا الكلام، وكوني معتزة بدينك متمسكة بحجابك، وتأكدي أن الحجاب أسمى من ذلك بكثير، وأنه أولا وقبل كل شيء عبادة لله وطاعة لرسوله ، وليس مجرد عادة يحق للمرأة تركها متى شاءت، وأنه عفة وطهارة وحياء.
أختي المسلمة، إن الله تعالى عندما أمرك بالحجاب إنما أراد لك أن تكونٍ طاهرة نقية بحفظ بدنك وجميع جوارحك من أن يؤذيك أحد بأعمال دنيئة أو أقوال مهينة، وأراد لك به أيضا العلو والرفعة. فالحجاب تشريف وتكريم لك وليس تضييقا عليك، وهو حلة جمال وصفة كمال لك، وهو أعظم دليل على إيمانك وأدبك وسمو أخلاقك، وهو تمييز لك عن الساقطات المتهتكات. فإياك إياك أن تتساهلي به أو تتنكري له، فإنه - والله - ما تساهلت امرأة بحجابها أو تنكرت له إلا تعرضت لسخط الله وعقابه، وما حافظت امرأة على حجابها إلا ازدادت رضا وقربا من الله، واحتراما وتقديرا من الله.
شروط الحجاب الشرعي
إن الحجاب الشرعي للمرأة المسلمة يجب أن يكون سميكا غير شفاف، وألا يكون زينة في نفسه كأن يكون ذا ألوان جذابة يلفت الأنظار، ولا ضيقا، ولا لباس شهرة، ولا معطرا؛ لأن النبي حرّم على المرأة أن تتعطر وتخرج إلى مكان فيه رجال أجانب، فقال: { أيما امرأة استعطرت فمرت بالقوم ليجدوا ريحها فهي زانية }، وألا يشبه لباس الرجل، ويجب أن يكون الحجاب أيضا ساترا لجميع البدن بما في ذلك الوجه الذي تساهلت بكشفه بعض النساء بحجة أنه ليس بعورة. وياللعجب كيف لا يكون الوجه عورة وهو أعظم فتنة في المرأة، وهو مكان جمالها ومجمع محاسنها، وإذا لم يفتتن الرجل بوجه المرأة فبماذا سيفتتن إذا؟!!
ولقد وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تدل على وجوب تغطية المرأة لجميع بدنها؛ لأن المرأة كلها عورة لا يصح أن يرى الرجال الذين ليسوا من محارمها شيئا منها، ومن هذه الأدلة قوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور: 31]، قالت عائشة رضي الله عنها: { لما نزلت هذه الآية أخذن نساء الأنصار أزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها } أي: غطين وجوههن. وأيضا ما جاء في الحديث المتفق على صحته في قصة عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك لما نامت في مكانها ثم أتى صفوان ابن المعطل إليها قالت: فخمرت، وفي رواية: (فسترت وجهي عنه بجلبابي) الحديث كل ذلك مما يدل على وجوب تغطية الوجه.
لذا يجب على كل امرأة مسلمة أن تتقي الله في نفسها، وأن تلتزم بحجابها التزاما كاملا، ولا تتساهل بأي شيء منه، كأن تكشف مثلا كفيها أو ذراعيها، أو تلبس نقابا أو لثاما مثيرا للفتنة، تظهر من خلاله جزءا كبيرا من وجهها، أو تغطي وجهها بغطاء شفاف يشف ما تحته، ثم تعتقد بعد ذلك أنها قد تحجبت حجابا كاملا، وأن ما كشفته من جسمها يعتبر أمرا بسيطا لا يثير الفتنة، أو لا يعتبر من التبرج، المذموم، وأنه يجب عليها أن تحرص على أن تتجنب كل ما قد يؤثر على حجابها أو يخدش حيائها، لئلا يطمع فيها الفسقة كما هي عادتهم مع المرأة التي لا تظهر بمظهر الاحتشام الكامل، ولكي لا تعرض نفسها لسخط الله وعقابه، كما ورد ذلك عن رسول الله في قوله: { صنفان من أهل النار لم أرهما ... } وذكر { ... ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا } [رواه مسلم].
قال أهل العلم: معنى كاسيات عاريات أنهن يلبسن ملابس لكنها قد تكون ضيقة أو شفافة أو غير ساترة لجميع الجسم.
وسئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين –حفظه الله تعالى- عن صفة الحجاب الشرعي، فأجاب حفظه الله بقوله: القول الراجح أن الحجاب الشرعي أن تحجب المرأة كل ما يفتن الرجال بنظرهم إليه، وأعظم شيء في ذلك هو الوجه، فيجب عليها أن تستر وجهها عن كل إنسان أجنبي منها، أما من كان من محارمها فلها أن تكشف وجهها له.
وأما من قال إن الحجاب الشرعي هو أن تحجب شعرها وتبدي وجهها ... فهذا من عجائب الأقوال !! فأيما أشد فتنة: شعر المرأة أو وجهها؟! وأيما أشد رغبة لطالب المرأة أن يسأل عن وجهها أو أن يسأل عن شعرها؟
كلا السؤالين لا يمكن الجواب عنهما إلا بأن يقال: إن ذلك في الوجه. وهذا أمر لا ريب فيه، والإنسان يرغب في المرأة إذا كان وجهها جميلا ولو كان شعرها دون ذلك، ولا يرغب فيها إذا كان وجهها ذميماً ولو كان شعرها أحسن الشعر، ففي الحقيقة أن الحجاب الشرعي هو ما تحتجب به المرأة حتى لا يحصل منها فتنة أو بها، ولا ريب أن متعلق ذلك هو الوجه.
التبرج والسفور دعوة إلى الفاحشة والفساد
إن المرأة إذا تبرجت وتكشفت للرجال - غاض ماء وجهها، وقل حياؤها، وسقطت من أعين الناس، وعملها هذا دليل على جهلها وضعف إيمانها ونقص في شخصيتها، وهو بداية الضياع والسقوط لها، وهي بتبرجها وتكشفها تنحدر بنفسها إلى مرتبة أدنى من مرتبة الإنسان الذي كرمه الله وأنعم عليه بفطرة حب الستر والصيانة، ثم إن التبرج والسفور أيضا ليس دليلا على التحضر والتحرر كما يزعم أعداء الإسلام ودعاة الضلالة، وإنما هو في الحقيقة انحطاط وفساد اجتماعي ونفسي، ودعوة إلى الفاحشة والفساد، وهو عمل يتنافى مع الأخلاق والآداب الإسلامية، وتأباه الفطر السليمة. ولا يمكن أن تعمل هذا العمل إلا امرأة جاهلة قد فقدت حياءها وأخلاقها؛ لأنه لا يتصور أبدا أن امرأة عاقلة عفيفة يمكن أن تعرض نفسها ومفاتنها هذا العرض المخجل والمخزي للرجال في الأسواق وغيرها دون حياء أو خجل.
وريما تعتقد بعض النساء أنها إذا خرجت متبرجة كاشفة وجهها ومفاتنها للناس أنها بذلك ستكسب إعجاب الناس واحترامهم لها، وهذا اعتقاد خاطئ؛ لأن الناس لا يمكن أبدا أن يحترموا من تعمل مثل هذه الأمور، بل إنهم يمقتونها وينظرون إليها نظرة ازدراء واحتقار، وهي في نظرهم امرأة ساقطة معدومة الكرامة والأخلاق، فكيف ترضى امرأة عاقلة لنفسها بكل ذلك؟! وما الذي يدعوها إلى أن تهين نفسها وتنزل بها إلى هذا المستوى؟! أين ذهب عقلها وحياؤها؟!
فيا من أغراها الشيطان بالتبرج والسفور: اتقي الله وتوبي إليه من هذا العمل القبيح، واعرفي مالك وتذكري مصيرك، وتذكري سكناك وحيدة فريدة في القبر الموحش المظلم، وتذكري وقوفك بين يدي الله عز وجل، وتذكري أهوال يوم القيامة، وتذكري الحساب والميزان، وتذكري جهنم وما أعد الله فيها من العذاب الأليم لمن عصاه وخالف أموره.. تذكري كل ذلك قبل أن تقدمي على مثل هذا العمل، واعلمي أنك والله أضعف من أن تتحملي شيئا من عذاب الله، أو أن تطيقي شيئا من هذه الأهوال العظيمة التي أمامك، فارحمي نفسك ولا تعرضيها لمثل ذلك، وبادري بالتوبة النصوح قبل أن يغلق في وجهك الباب، ويعلوك التراب، فتندمي ولات ساعة مندم.
كلمة إلى بعض الرجال
إنها لم تفسد أكثر النساء ولم تصل إلى هذا الحد من التبرج والسفور والتهاون بدينها وحجابها إلا بسبب تهاون بعض الرجال مع نسائهم واستهتارهم بدينهم وفقدهم لنخوة الرجال وغيرتهم وعدم نهيهن عن مثل هذه الأعمال.
فيا حسرتاه ... ترى كم فقد بعض الرجال من رجولتهم حتى أصبحوا أشباه رجال لا رجالاً، فويل ثم ويل لأولئك الذين لا يعرفون كرامتهم، ولا يحفظون رعيتهم، ولا يحسنون القيام على ما استرعاهم الله من النساء، ولقد توعد رسول الله من فرّط في حق رعيته فقال: { ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة }.
فيا أيها الرجال إن أعراضكم كأرواحكم وقد فرطتم بها كثيرا، فأهملتم الرعاية، وضيعتم الأمانة، وركبتم الخطر، وإن تهلكون إلا أنفسكم وما تشعرون أفلا تعقلون وتتوبون إلى ربكم وتحفظون نسائكم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وسلم.
ـــــــــــــــــــ(68/408)
المسترجلة
حمود بن إبراهيم السليم
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 8514
(2737 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، فجعل الزوجين الذكر والأنثى، والصلاة والسلام على رسول الهدى، وعلى آله وصحبه وعلى من اتبع الهدى، أما بعد:
فقد ظهر في هذا العصر صنف من النساء، خالفن فطرة الله التي فطر الناس عليها، وتخلقن بصفات لا تليق بطبيعة الأنثى التي خلقها الله لتتميز بها عن طبيعة الرجل، يحسبن بزعمهن أنهن أصبحن كالرجال بحسن التدبير، وحرية التصرف، ومواجهة أمور الحياة، والتنافس على الأعمال، والخوض في مجالات تخص الرجال ولاتليق إلا لهم وبهم.
فواجه ذلك الصنف من النساء من العنت والضيق الشيء الكثير، وحصلت لهن المشكلات النفسية والجسدية ومضايقة الرجال ـ الذين يكرهون تنافس أقرانهم من الرجال فكيف بالنساء ـ بل والتعدي عليهن، وأصبحن منبوذات حتى من بنات جنسهن، يكرهها ويمقتها زوجها وأبناؤها.
ومع ذلك كله جاء الوعيد الشديد لمن خالفت فطرتها، وتخلت عن أنوثتها، وتشبهت بالرجال في اللباس، والهيئة والأخلاق والتصرفات، ثبت في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: { لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال } [رواه البخاري]، واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً قال: { لعن النبي المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء } [رواه البخاري]. والمترجلات من النساء يعني اللاتي يتشبهن بالرجال في زيهم وهيئتهم فأما في العلم والرأي فمحمود.
سالم بن عبدالله عن أبيه قال: قال رسول الله : { ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث } [رواه النسائي]، وفي رواية الإمام أحمد: { لا يدخلون الجنة } وفي رواية أخرى زاد تعريف المترجلة في قوله: { والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال } (594).
ومن تلك الأحاديث يتبين حكم المترجلة التي تتشبه بالرجال بأنه حرام وكبيرة من كبائر الذنوب، قال الذهبي رحمه الله: "تشبه المرأة بالرجل بالزي والمشية ونحو ذلك من الكبائر"، فهي مطرودة من رحمة رب العالمين، ملعونة على لسان رسول الله ، لا ينظر الله إليها يوم القيامة نظرة رحمة، ولا تدخل الجنة، فما أكبره من ذنب، وما أقبحه من جرم، لا يغفره الله إلا بالتوبة النصوح.
والله عز وجل نهى النساء المسلمات أن يتمنين أن يكن كالرجال، وكذلك الرجال نهاهم عن تمني ما للنساء في قوله تعالى: وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً [النساء:32] ففي قول الله تعالى: وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أي في الأمور الدنيوية وكذا الدينية، وهكذا قال عطاء بن أبي رباح: نزلت في النهي عن تمني ما لفلان، وفي تمني النساء أن يكن رجالاً فيغزون رواه ابن جرير، ثم قال: لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ أي كل له جزاء على عمله بحسبه إن خيراً فخير وإن شراً فشر، هذا قول ابن جرير، ثم أرشدهم إلى ما يصلحهم فقال: وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ لا تتمنوا ما فضلنا به بعضكم على بعض فإن هذا أمر محتوم، أي أن التمني لا يجدي شيئاً ولكن سلوني من فضلي أعطكم فإني كريم وهاب: إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً .
مظاهر تشبه المترجلة بالرجال
لقد كثرت في وقتنا الحاضر مظاهر تشبه النساء بالرجال فلم يعد الأمر قاصراً على اللباس فحسب، بل تعدى إلى أكثر من ذلك، فمن المظاهر التي تتصف بها المرأة المترجلة:
1ـ التشبه بالرجال في اللباس، من لبس ثياب تشبه تفصيل ثياب الرجل، ولبس البنطال وهو من ألأبسة الرجل أصلاً، فعن أبي هريرة أن رسول الله : { لعن الرجل يلبس لبسة المرأة، ووالمرأة تلبس لبسة الرجل } [رواه أحمد وأبو داود]، وكذلك لبس أحذية تشبه أحذية الرجل، ولقد قيل لعائشة رضي الله عنها: إن امرأة تلبس النعل فقالت: { لعن رسول الله الرجلة من النساء } [رواه أبو داود]، وللأسف الشديد فقد انتشر في الأسواق أحذية غريبة الأشكال، قبيحة المنظر، يتنزه الرجل العاقل عن لبسها، ويزعمون أنها أحذية نساء، ومع ذلك يوجد إقبال كبير على شرائها من قبل النساء، والله المستعان.
2ـ عدم الالتزام بالحجاب الشرعي، الذي هو غطاء الوجه الساتر والعباءة الفضفاضة التي توضع على الرأس من أعلى، وأصبح البديل عنه غطاء للوجه شفاف، وعباءة مزركشة مطرزة توضع على الكتف، تفتن أكثر من أن تستر، أو يلبس ما يسمى بالكاب الذي يظهر تفاصيل جسم المرأة وكأنه ثوب رجل، ويكون إما مزين أو خفيف، ومع ذلك كله لا تهتم بستر جسمها أو تغطية وجهها عن الأجانب، فيظهر جزء من لباسها، وتكشف وجهها أحياناً دون مبالاة.
قال الذهبي رحمه الله: "ومن الأفعال التي تلعن عليها المرأة إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ من تحت النقاب، وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت، ولبسها الصباغات والأزر والحرير والأقبية القصار مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها إلى غير ذلك إذا خرجت، وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه ويمقت فاعله في الدنيا والآخرة".
3ـ كثرة خروجها من البيت لغير حاجة: إما مع السائق، أو سيارة أجرة، أو تقود السيارة في كثير من الدول، أو على قدميها حتى ولو كان المكان بعيداً عنها، خراجة ولاجة، لا تهتم ببيت ولا أولاد، ولا تقيم لذلك وزناً، زعماً أنها تقوم بحاجات المنزل، مع أنه يمكن لأحد رجال البيت أن يقوم بعملها دون الحاجة إليها.
4ـ مزاحمة الرجال ومخالطتهم في الأسواق والأماكن العامة، بل بعضهن لا تستحي أن تصاف الرجال في صف الانتظار، وتدخل وتجلس بينهم وخاصة في المحلات التجارية، وتتكلم مع الباعة كأحد محارمها، وتشترك في البيع والشراء وحدها، وفي أحد تعريفات المترجلة: ( اللاتي يتشبهن بالرجال في الحركة والكلام والمخالطة ونحو ذلك ).
5ـ رفع الصوت بالكلام ومجادلة الرجال: بصوت عال يسمعه البعيد قبل القريب، مع أن المرأة من سماتها خفض صوتها، والبعد عن محادثة الرجال الأجانب، ووفي تعريف للمترجلة: ( التي تتشبه بالرجال.. أو رفه صوتهم ).
6ـ تقليد الرجال في المشية و الحركات: فتمشي في الطرقات والأسواق مشية الرجل بقوة وجلد، وتتمثل حركات الرجل التي تظهر الصلابة والخشونة، بل وصل الحال ببعضهن المشاركة في أندية الكاراتيه ورفع الأثقال وألعاب القوى.
7ـ الخشونة في التعامل والأخلاق: كالرجال ( مع أهل بيتها وأقاربها) فهي عنيدة، فظة الخلق، مستبدة برأيها، لاتقدر ولا تحترم أحداً، وهذه الصفات مذمومة بحق الرجل فكيف بالمرأة؟!.
8ـ ترك الزينة: الخاصة بالنساء كالحناء والكحل وغيره، فتصبح كالرجل في شكلها وهيئتها، قالت عائشة رضي الله عنها: أومت امرأة من وراء ستر بيدها كتاب إلى رسول الله فقبض النبي يده فقال: { ما أدري أيد رجل أم يد امرأة } قالت: بل امرأة قال: { لو كنت امرأة لغيرت أظفارك ـ يعني بالحناء } [رواه أبو داود].
9ـ التشبه بالرجل في الشكل والهيئة: من قص للشعر كشعر الرجل، وتطويل الأظافر، وهيئة الوقوف والجلوس ونحوها.
10ـ نبذ قوامة الزوج أو رعاية الولي: فهي لا تقبل أن تكون تحت قوامة رجل أو تصرف ولي، تريد حرية التصرف المطلقة، دون إذن أو مراعاة رجل البيت.
11ـ السفر دون محرم: بوسائل النقل المختلفة، ومن أشهرها الطائرة فهي التي تستخرج التذكرة وتذهب إلى المطار، وتسافر دون محرم يرافقها ويحميها من الفساق، مخالفة بذلك دينها وخلقها، والرسول قال: { لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم } [متفق عليه]، تريد بذلك الحرية الواهية، فكم حصل لهذا النوع من النساء الضرر والمضايقة، بعكس لو رافقها محرمها:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له *** وتتقي حومة المستأسد الضاري
12ـ قلة الحياء: المرأة المسترجلة قد نزعت الحياء من شخصيتها ومن أخلاقها، وبذلك أصبحت كالشجرة بلا لحاء، مصيرها إلى العطب أو الموت سريعاً، فالمسترجلة تتكلم في كل موضوع، وتتحدث مع كل الناس، وتذهب إلى كل مكان، بلا حياء ولا خلق، كما قال في الصحيح: { إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت }.
ورب قبيحة ما حال بيني *** وبين ركوبها إلا الحياء
فكان هو الدواء لها ولكن *** إذا ذهب الحياء فلا دواء
أهم المظاهر للمترجلة ـ في نظري ـ والتي ظهر شرها بين كثير من نسائنا مع الأسف الشديد، ومن تلك المظاهر يمكن أن نستخرج تعريفاً شاملاً للمترجلة، وهو: التي تتشبه بالرجال زياً وهيئة ومشية وكلاماً ورفع صوت وفي الحركة والمخالطة، وترجلت المرأة: صارت كالرجل.
أسباب تشبه المرأة بالرجل ( الترجل )
للتشبه أسباب عديدة يمكن إجمالها فيما يلي:
1ـ نقص الإيمان وقلة الخوف من الله: لأن الوقوع في المعاصي سواء الكبير منها والصغير نتيجة نقص الإيمان، وضعف مراقبة الله عز وجل، كما قال رسول الله : { لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن } [متفق عليه]، ومما لاشك فيه أن المرأة التي تتشبه بالرجال ناقصة الإيمان، قد أغواها الشيطان للوقوع في كبيرة من كبائر الذنوب ورد تحريمها في أكثر من دليل صحيح عن النبي قد سبق ذكرها.
2ـ التربية السيئة: المرء ابن لبيئته كما يقال، فإذا كانت البيئة التي يعيش فيها صالحة كان صالحاً، وإن كانت سيئة كان كذلك، فالبنت التي تعيش في بيت يسوده الفوضى، وتنعدم فيه التربية الصالحة، معرضة للانحراف غالباً، ومن أشكال الانحراف التشبه بالرجال والاسترجال الذي يخالف فطرة المرأة وخلقها، فلا إيمان يمنعها، ولا تربية سليمة تردها، ولا ولي صالح يردعها عن السلوك السيئ، ويوجهها إلى الطريق الصحيح القويم.
3ـ وسائل الإعلام: بمختلف أشكالها وأنواعها، المرئية والمسموعة والمقروءة، فيها تبث وتنشر الأفكار الضالة والمنحرفة التي تغوي المرأة وتشجعها على التمرد على الدين والمبادئ السليمة، وعلى رفض سلطة الرجل ـ كما يزعمون ـ وتشجع المرأة على المطالبة بحقها في التصرف والحرية، وتعرض أنواعاً من الملابس الفاضحة والمشابهة لملابس الرجل باسم الموضة والأزياء. فتأثر كثير من النساء بما يعرض عليهن فخرجن عن الدين والخلق، وعن قوامة الرحل، وتشبهن بأخلاق الفاجرات وتصرفاتهن دون تفكير أو تمييز بين الخير والشر، وظهر نوع من النساء الشكل شكل امرأة واللبس والتصرفات والأخلاق كالرجال، إنهن ( المترجلات من النساء ).
4ـ التقليد الأعمى: فهي تلبس وتتصرف دون وعي أو إدراك لما تفعله، ودون تفكير في فوائد أو أضرار ما تعمله، فهي تقلد من حولها من صويحبات أو فنانات وإن كان الأمر منافياً لطبيعتها.
5ـ رفيقات السوء: مما لاشك فيه أن الصاحب له تأثير كبير في شخصية من يصاحبه سلباً أو إيجاباً، كما قال الصادق المصدوق نبينا محمد : { مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة } [متفق عليه]، فالمرأة المجالسة للمترجلات من النساء لابد وأن تتأثر بهن في لبسهن وتصرفاتهن، مجاملة أو تقليداً لهن كي لا تكون شاذة بينهن.
6ـ النقص النفسي ولفت الأنظار: بعض النساء تشعر بنقص نفسي، ومحاولة منها لسد ذلك النقص تفرض شخصيتها عن طريق التشبه بالرجال في اللبس والتصرفات، وبعضهن تتشبه بالرجال للفت الأنظار إليها، وشد الانتباه لها، وذلك بتسريحة الشعر أو لبس ملابس الرجل كالبنطال والقبعة، أو المشي في السوق والأماكن العامة مشية غريبة تلفت الانتباه.
7ـ القدوة السيئة: والقدوة من أهم عناصر التربية، فقد تكون الأم مسترجلة تتصرف كالرجل، فيقتدي بها بناتها، وفي الغالب أن البنات يكتسبن شخصيتهن من أمهاتهن، فالأم التي لا تقدر الأب ولا تحترمه، غالباً ما تكون بناتها كذلك لا يقدرن أزواجهن، والأم التي تكون شديدة اللهجة في الخطاب، ترفع صوتها في الكلام، تكتسب البنت منها هذه الصفة، وكذلك التشبه بالرجال وباقي الصفات، وهذا ما أخبر عنه الصادق المصدوق نبينا محمد ، عن أبي هريرة قال: قال النبي : { كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء } [متفق عليه]، وقد يوجد من تقتدي به تلك المرأة المترجلة سواء من قريباتها أو من تعجب به من المتشبهات بالرجال، فيكون ذلك سبباً رئيساً في محاكاتها وتقليدها.
8ـ انعدام الغيرة من زوجها أو وليها: فلا يمنعها من مخالفتها لأمر الله في الحجاب واللباس، ولاينهاها عن تصرفات ى تليق بها كمجادلة الرجال ونحوها، فتجد أحياناً الزوج أو الأخ يرى تصرفات خارجة عن الحياء والأدب ولا تتحرك الغيرة في نفسه، وقد قال : { ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث ... } [رواه أحمد والنسائي].
تلكم هي أهم أسباب تشبه المرأة بالرجال، وإليكم بعض فتاوى العلماء في التشبه:
سؤال ما حكم قص شعر الفتاة إلى كتفيها للتجميل سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة؟
الجواب: قص المرأة لشعرها إما يكون على وجه يشبه شعر الرجال، فهذا محرم ومن كبائر الذنوب؛ لأن النبي لعن المتشبهات من النساء بالرجال، وإما أن يكون على وجه لا يصل به إلى التشبه بالرجال، فقد اختلف أهل العلم في ذلك على ثلاثة أقوال: منهم من قال: إنه جائز لا بأس به، ومنهم من قال: إنه محرم، ومنهم من قال: إنه مكروه، والمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه مكروه، وفي الحقيقة أنه لا ينبغي لنا أن نتلقى كل ما ورد علينا من عادات غيرنا، فنحن قبل زمن غير بعيد كنا نرى النساء يتباهين بكثرة شعور رءوسهن وطول شعورهن، فما بالهن يذهبن إلى هذا العمل الذي أتانا من غير بلادنا، وأنا لست أنكر كل شيء جديد، ولكنني أنكر كل شيء يؤدي إلى أن ينتقل المجتمع إلى عادات متلقاة من غير المسلمين [أسئلة مهمة: للشيخ ابن عثمان].
وسئل الشيخ عبدالله بن جبرين حفظه الله عن حكم لبس الثوب الفاتح مثل الأصفر والأبيض والأحمر ولكنه ساتر؟
فأجاب: يجوز للمرأة أن تلبس من الثياب ما هو معتاد للنساء من أي لون كان، لكن ما كان خاصاً بالرجال فلا تلبسه النساء، فقد ورد لعن المتشبهات من النساء بالرجال وبالعكس.
وسئل الشيخ أيضاً عن إطالة الأظافر من أجل الجمال فقال: لا يجوز إطالة الأظافر، بل ورد الأمر بالتقليم كل أسبوع أو كل أربعين يوماً على الأكثر. [فتاوى المرأة].
وورد للجنة الدائمة للإفتاء في المملكة سؤال عن حكم لبس الثوب الضيق والأبيض للمرأة؟
فأجابت اللجنة: لا يجوز للمرأة أن تظهر أمام الأجانب أو تخرج إلى الشارع والأسواق وهي لابسة لباساً ضيقاً يحدد جسمها ويصفه لمن يراها؛ لأن ذلك يجعلها بمنزلة العارية ويثير الفتنة ويكون سبب شر خطير، ولا يجوز لها أن تلبس لباساً أبيض إذا كانت الملابس البيضاء في بلادها من سيما الرجال وشعارهم لما في ذلك من تشبهها بالرجال، وقد لعن النبي المتشبهات من النساء بالرجال. [اللجنة الدائمة للإفتاء].
علاج الترجل
إن ظاهرة الترجل من النساء بدأت تنتشر ـ مع الأسف ـ في مجتمعات النساء وخاصة في الكليات ومدارس البنات، حتى إن البنات المترجلات يلاحقن البنات الأخريات في أرجاء الكليات ويضايقنهن، وكذلك ظهر نساء خلعن جلباب الحشمة ورداء الحياء في الأماكن العامة وغيرها، فلزم بيان العلاج لوقف تلك الظاهرة الخطيرة، ومن العلاج:
1ـ التربية الإيمانية: لا بد من تربية البنت منذ الصغر على طاعة الله عز وجل، وعلى العقيدة الصحيحة، والتأدب بآداب الشرع المطهر، لتنشأ البنت على الإيمان والأخلاق الفاضلة قال : { من يلي من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهن كن له ستراً من النار } [متفق عليه]. وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله : { من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة } [رواه الترمذي].
2ـ القدوة الحسنة: سواء في البيت من الأم عندما تتخلق بالحياء، وتتأدب مع الأب في المعاملة ولطف الكلام، ومع الرجال الأجانب بعدم الحديث معهم، وخفض الصوت إذا اضطرت إلى ذلك، وعندما تخرج تلتزم بالحجاب الشرعي والحياء والأخلاق الفاضلة، أو من مجتمعها النسوي من أخوات وصديقات يتصفن بالخلق وحياء.
3ـ إلزام البنت والمرأة بالحجاب الشرعي: وعدم السماح لهن بلبس ما يخالف ذلك من الكاب والعباءة المطرزة والنقاب وغيره.
4ـ عدم السماح للمرأة بالخروج دون حاجة: وإن خرجت مع السائق الخاص بالعائلة فلا بد من وجود المحرم معها، ثم معرفة إلى أين تذهب ومتى ترجع، حفاظاً عليها لا.
اتهاماً لها
5ـ نهيها عن التشبه بالرجال: سواء في اللباس أو في المظهر، ولابد أن يكون لباسها شبيهاً بلبس النساء.
6ـ عند النزول إلى الأسواق: وعند الشراء يستحسن أن يكون محرم المرأة هو الذي يسأل عن البضاعة ومجادلة البائع في الأسعار، ليحفظ للمرأة حياءها.
7ـ اليقين الكامل بحكمة خلق الله تعالى: بأن خلق الرجل بصفات وخصائص تؤهله للقيام لأعماله ومهامه المطلوبة منه، وكذلك المرأة خلقها الله تعالى بصفات وخصائص تختلف عن صفات الرجل لتقوم هي بأعمالها المطالبة بها، وأن محاولة المرأة التخلي عن طبيعتها واتصافها بصفات الرجل سيكلفها الكثير من المتاعب والمطالبة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً [النساء:32].
أختي الكريمة:
الحذر.. الحذر من الاتصاف بتلك الصفة التي حذر منها رسولنا ، ولعن من اتصفت بها وهي الترجل، وإياك ثم إياك التشبه بالرجال؛ فهو خلق تترفع عنه المؤمنة بربها، الموقنة بلقائة يوم العرض الأكبر.
إن المرأة المسلمة تتميز عن غيرها بصفات وأخلاق تحفظ بها دينها ونفسها، منها خلق الحياء وخفض الصوت والقرار في بيتها، والتزامها بالحجاب الشرعي، فإذا هي فعلت ما أمرت به واجتنبت ما نهيت عنه استحقت من الله تعالى الثواب والأجر العظيم، وأدخلها الجنة برحمته، قال عز وجل: وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً [ النساء: 124]، وإن هي خالفت أمره استحقت العقاب قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ [غافر:40].
اللهم اجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، اللهم اهدنا إلى أحسن الأقوال والأعمال، وصل على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ـــــــــــــــــــ(68/409)
50 مخالفة تقع فيها النساء
عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 10921
(1837 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد..
شرع الله الشرائع وحد الحدود لما فيه سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وفي التزام حدود الله وعدم تعديها الفضيلة والطهر والعفاف وسمو النفس الإنسانية والترفع عن الرذائل وتجنب الشرور والفساد والأثام، والله تعالى يقول: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب:33].
وفي هذه الرسالة: صور من المخالفات التي ظهرت بين النساء، ولعظم شأن المرأة في المجتمع المسلم وحرصاً على سلامة الأخت المسلمة من الوقوع فيها أحببنا أن ننبه عليها لتحذرها وتقلع عنها وتتوب إلى الله إذا كانت واقعة في شيء منها، ثم تحذر أخواتها، وتنكر على من تأتي شيئاً منها.
والله نسأل أن يصلح نيتنا وأعمالنا.
مخالفات العقيدة
1- الذهاب إلى السحرة والمشعوذين والكهنة، لمرض أو عين أو فك سحر أو عمل: والرسول حذر من إتيانهم فقال: { من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً } [السنن الأربع]، بل إن تصديقهم كفر، كما قال رسول الله : { من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد }، [مسلم].
2- زيارة المقابر وشد الرحال لها وخاصة قبر الرسول ، وقد قال الرسول : { لعن الله زورات القبور } [مسند أحمد].
3- النياحة وضرب الوجوه وشق الجيوب على الأموات، قال : { ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية } [متفق عليه]، وقال : { النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب } [مسلم].
4- إلحاح بعض النساء على الأزواج لاستقدام خادمة أو مربية غير مسلمة، بل قد يشترطن ذلك عند عقد النكاح، ثم يلقين إليهن مهمة تربية الأطفال، وفي ذلك من العواقب الوخيمة على عقيدة وأخلاق الأطفال ما لا يخفى على ذي عقل.
5- جزع بعض النساء لضر نزل بهن والدعاء على أنفسهن بالموت، والرسول يقول: { لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لابد متمنياً، فليقل: الهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي } [متفق عليه].
مخالفات أركان الإسلام
6- تأخر الصلوات عن أوقاتها، خصوصا عند الخروج والسهر والتأخر في النوم، لما يصحب ذلك من تأخير صلاة الفجر إلى ما بعد طلوع الشمس، وقد قال : { إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثماني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وأن أتينا على رجل مضطجع ورجل قائم على رأسه بيده صخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصبح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قالا لي: أما أنا سنخبرك، أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة } [البخاري].
7- عدم الاهتمام بإخراج زكاة المال والحلي التي تملكها المرأة وحال عليها الحول وقد بلغت النصاب، والله تعالى يقول: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:35،34].
8- إهمال بعض النساء للزوج والأولاد - بنين وبنات - فيما يقصرون فيه من أداء الفرائض، وعدم النصح لهم والإنكار عليهم، كإهمال الزوج والبنين لأداء الفرائض في المسجد، وكإهمال البنات إذا بلغن المحيض لأداء الفرائض والصيام وغيرها من الواجبات.
9- تخصيص لون معين للإحرام للحج أو العمرة كالأخضر وغيره، وكذلك لبس النقاب والقفازين أثناء الإحرام، قال : { لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين } [البخاري].
مخالفات اللباس والحجاب
10- عدم الالتزام بالحجاب الشرعي الساتر عند الخروج من البيت، ككشف الوجه أو تغطيته بغطاء شفاف، ولبس الملابس الضيقة والقصيرة والمفتوحة، ولبس النقاب والبرقع الذي يظهر منه الحاجب والعينان وبعض الخدين ويظهر زينتها.
11- متابعة الموضة في اللباس والتسريحات وأدوات التجميل، والاهتمامات النسائية، وفي هذا فقدان لهوية المرأة المسلمة وضعف لشخصيتها.
مخالفات البيوت والعشرة بين الزوجين
12- استعمال آنية الذهب والفضة، والأكل والشرب فيهما، وقد نهى الرسول عن ذلك فقال: { لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنهما لهم في الدنيا ولكم في الآخرة } [متفق عليه]. وذلك لما فيها من الفخر والإسراف وكسر قلوب الفقراء.
13- وضع الصور المجسمة وغير المجسمة على الأرفف والجدران.
14- الاعتراض على تعدد الزوجات ومحاربته، والله تعالى يقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً [الأحزاب:36].
15- عدم طاعة الزوج والرد عليه بقوة ورفع الصوت في وجه وجحد جميله ومعروفه والشكاية منه دائما بسبب أو بدون سبب، عن عمة حصين بن محصن قالت: أتيت رسول الله في بعض الحاجة، فقال: { أي هذه ! أذات بعل؟ } قلت: نعم،قال: { كيف أنت له؟ } قالت: ما آلوه، إلا ما عجزت عنه، قال: { أين أنت منه؟فإنما هو جنتك ونارك } [النسائي]. وقال : { لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها } [الترمذي وأحمد].
16- تحديد النسل وتقليل الإنجاب لغير ضرورة، مما يؤدي إلى نقص الأمة الإسلامية، والرسول يقول: { تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم } [أبو داود والنسائي].
17- عدم الاهتمام بتربية الأولاد تربية إسلامية سليمة من الشوائب، كأعياد الميلاد، والملابس التي عليها الصور أو الصلبان، وتعليم الأطفال الموسيقى، وفي الجانب الآخر عدم الحث على الصلوات في المساجد وحفظ القرآن وربط هممهم بنصرة الإسلام. والرسول يقول: { ... والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها }.
18- إهمال بعض النساء لإدارة شؤون المنزل من نظافة وغسيل وطهي، وإهمال حقوق الزوج من التجمل والتزين والتهيؤ له.
19- طلب الطلاق من الزوج من غير بأس، والرسول يقول: { أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة } [أبو داود وابن ماجة].
20- تكليف الزوج شراء ما لا يطيق من كماليات وملابس وهدايا لا تلزم.
21- نشر ما يدور بين الزوجين من أحاديث وخلافات وأسرار، خصوصا المتعلقة بالمعاشرة.
22- صيام التطوع دون إذن الزوج، والرسول يقول: { لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، أو أن تأذن في بيته إلا بإذنه } [البخاري].
مخالفات الأفراح
23- العزوف عن الزواج للدراسة وغيرها حتى تتأخر ثم تجد نفسها وحيدة لا تجد من يرغب في الزواج منها لكبر سنها.
24- التساهل في اختيار الزوج بغير اعتبار للدين أو الخلق، والرسول يقول: { إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض } [الترمذي].
25- المغالاة في المهور، وفي الحديث: { خير الصدق أيسره } [الحاكم]، وأكثر النكاح بركة أيسره مؤونة.
26- الوقوع في البدع المستحدثة في هذا العصر، كإلزام الزوج بما يسمى الشبكة، أو لبس الدبلة المنقوش عليها اسم الزوج، وكذلك تقليد الكفرة فيما يسمى بالتشريعة وهي الثياب البيضاء الطويلة والقفازات، والجوارب البيضاء.
27- ذهاب المرأة للكوفيرات لتزيل شعر جسمها حتى وصل الحال إلى كشف أماكن من الجسم لا يحل لأحد أن ينظر لها سوى الزوج.
28- الإصرار على إقامة حفلات الزواج في القصور والفنادق وإنفاق الأموال الكثيرة إلى درجة الإسراف، وإحضار المطربين والمطربات ورفع الصوت بالغناء والموسيقى والصيحات.
29- وضع منصة للعروسين (الكوشة أو المنصة) وظهور الزوج والزوجة أمام غير المحارم من الأقارب رجل ونساء وتهنئتهما بالمصافحة وما يكون من الرقص والتصوير الفوتوغرافي أو بكاميرات الفيديو.
مخالفات الخروج والسفر والاختلاط
30- وضع الطيب أو العطر أو البخور الذي يشمه الرجال عند خروجها، والرسول يقول: { أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية } [أبو داود والنسائي].
31- ركوب المرأة مع السائق الأجنبي (غير المحرم) والخلوة معه وعدم التحجب عنه وكأنه من محارمها، والرسول قال: { لا يخلوه أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم } [متفق عليه].
32- كثرة الخروج من البيت والذهاب إلى الأسواق، والله تعال يقول: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33].
33- الاختلاط بالرجال الأجانب من أقارب المرأة أو أقارب الزوج أو غيرهم، والتساهل بالمزاح معهم ومصافحتهم، وإظهار الزينة أمامهم، وعدم التستر عندهم قال: { إياكم والدخول على النساء }، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو يا رسول الله، قال: { الحمو الموت } [متفق عليه].
34- تساهل بعض النساء ف العلاج عند الأطباء وكشف ما لا يجوز بغير ضرورة قصوى لذلك.
35- سفر المرأة بدون محرم سواء بالسيارة أو الطائرة أو غيرهما، والرسول قال: { لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم } [متفق عليه].
36- خروج بعض النساء للعمل الذي يفضي إلى محرم كإهمال الزوج والأبناء أو ترك الفرائض أو الاختلاط أو إهمال الخادمة.
مخالفات عامة
37- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتنا صح في الأوساط النسائية، والله تعالى يقول: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].
38- عقوق الوالدين برفع الصوت عليهما أو نهرهما وعدم طاعتهما، والله تعالى يقول: فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما .
39- انتشار آفات اللسان من غيبة ونميمة وغيرهما.
40- إهمال غض البصر، وكأن الله أمر به الرجل دون النساء، وقد قال تعال: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:31]، وإطلاق العنان للنظر للأجانب وخصوصا على شاشات التلفاز وغيرها مما يسبب الفتنة.
41- أن تنظر المرأة إلى المرأة فتصفها لأحد محارمها بغير غرض شرعي كالنكاح، والرسول يقول: { لا تباشر المرأة المرأة فتصفها لزوجها كأنه ينظر إليها } [متفق عليه].
42- فعل بعض المحرمات التي تؤدي إلى اللعن من الله، قال : { لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله } [متفق عليه]، وقال : { لعن الله الواصلة والمستوصلة }.
43- الخضوع بالقول، ولين الكلام مع الرجال الأجانب، وهذا حرام ويكثر هذا عند الكلام بالهاتف مما يؤدي إلى المعاكسات ووقوع الساذجات فريسة سهلة للذئاب البشرية.
44- غرور وكبر بعض النساء لحسن منظرهن أو لارتدائهن للملابس أو الحلي غالية الثمن، قال رسول الله : { لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر } [مسلم].
45- عدم التزود من الطاعات فبعض النساء هداهن الله لا يعرفن القرآن إلا في رمضان وبعضهن لا يعرفن صلاة الوتر وصلاة الضحى ولا يحافظن على السنن الرواتب.
46- بعض النساء هداهن الله قد يقمن بصبغ شعرهن بالسواد وتغيير الشيب به بدلا من الحناء والكتم، وقد قال : { يكون في آخر الزمان قوم يخضيون بالسواد، كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة } [أبو داود والنسائي].
47- مخالفة سنة من سنن الفطرة وهي تقليم الأظافر فتجد إحداهن تطيل أظافرها ثم تضع عليها صبغا يعرف باسم (المناكير) وهذا الصبغ يمنع وصول الماء إلى الأظافر ثم تأتي من وضعته لتتوضأ وتصلي فتبطل صلاتها لأن وضوءها غير صحيح حيث إن الماء لم يصل إلى الأظافر، فإن كان لابد من وضعه فيجب على المرأة أن تزيله قبل الوضوء.
48- اتخاذ المرأة صديقات سوء يحثونا على التساهل في حقوق الله عليها والتفريط في المحافظة على شرفها وكرامتها وإيقاعها فيما لا تحمد عقباه..
49- تجاوز مدة الحداد على الميت أكثر من ثلاث ليال ما لم يكن المتوفى هو زوجها، قال : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا } [متفق عليه].
50- عدم التقيد بشروط الحداد وتجنب لبس الزينة والحلي والخضاب والكحل والطيب ونحو ذلك وأن لا تخرج من بيتها إلا لضرورة، ولا يشترط عليها لبس السواد فإن ذلك لا أصل له وهو أمر باطل ومذموم
ـــــــــــــــــــ(68/410)
أفيقي يا فتاة الإسلام
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 6056
(1912 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
أختي المسلمة: إليك هذه الكلمات التي تخرج من قلب أخ غيور مشفق عليك، يريد لك السعادة في الدنيا، والفلاح في الآخرة.
أيتها الفتاة المسلمة: التي تؤمن بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبياً، وبالكتاب والسنة نهجاً.
يا فتاة الإسلام: يا من تعيش في كنف ربك وتحت رحمة خالقك وتخضعين لأوامر ربك، ويا من تجتنبين نواهيه هل سالت نفسك يوماً هذا الأسئلة؟
لماذا أتحجب؟ وطاعة لمن؟
وما معنى الحجاب؟ وما شروطه؟
أربعة أسئلة يجدر بكل مسلمة أن تطرحها على نفسها، وأن تعرف جوابها، وأن تعمل بها بعد معرفة الأدلة من الكتاب والسنة لتكون على بينة من أمرها.
أختي.. إن الفتاة المسلمة تتحجب لأنها تعلم أنه أمر من الله، والله لا يأمر إلا بالخير لها وللبشرية جميعها، وتدرك أن الحجاب عفة وشرف وكرامة لها، وحفظ لماء وجهها من الأعين الخائنة والسهام المسمومة إذ أن المرأة غالية لها مكانتها في الإسلام وبين المسلمين، لذا وجب عليها أن تحافظ على نفسها بالحجاب والستر والعفاف.
أما المرأة عند الغرب وعملائهم من الإباحيين فهي سلعة رخيصة يستخدمونها في ملاذهم وشهواتهم، حتى وصل الحال بهم إلى أن جعلوها دعاية يسوقون بها بضائعهم. واسألي نفسك يا أخية - لو رأوك غير لائقة الشكل أو كبيرة السن - هل ستجدين من يضع صورتك على غلاف المجلة لأنك امرأة مثقفة؟! وهل ستجدين من يطلبك لتعملي مضيفة في طائرة بحجة خدمتك للنساء؟! وهل ستجدين من يساعدك لأنك امرأة؟!
ولكن المرأة في الإسلام على العكس من ذلك تماما، فإن لها الاحترام والتقدير، وتحترم حقوقها الشرعية التي تحفظ لها كرامتها وعزها وشرفها، فهي الأم المطاعة المقدرة، والزوجة والأخت الموقرة، وهي المدرسة الأولى للأجيال التي سترفع راية الأمة الإسلامية إن شاء الله تعالى، قال الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعبا طيب الأعراق
الأم روض إن تعهده الحيا *** بالري أورق أيما إيراق
الأم أستاذ الأساتذة الألى *** شغلت مآثرهن مدى الآفاق
والله خلق النساء ويعلم ما يصلحهن وما يفسدهن، فلم يتركهن سدى، بل أمرهن ونهاهن فيجب أن يسرن وفق الكتاب والسنة، والله سبحانه وتعالى قد أمرك - أيتها المرأة - بالحجاب الذي هو طاعة لربك وخالقك ورازقك، وأنت تعيشين في كنفه تحت سمائه وعلى أرضه فقال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33]، وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59].
أختي المسلمة:
إنك حين تتحجبين إنما تقومين بامتثال أمر الله الذي له ما في السموات والأرض، وتقومين بعبادة خالقك: ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ [الأنعام:102]، والمرأة بالتزامها بحجابها، إنما تمارس عبادة كالمصلية في محرابها.
واعلمي يا فتاة الإسلام أن الذي تنقادين أمره سبحانه وتعالى هو الذي يتوفاك، فاستدركي نفسك قبل أن تنزل بك سكرات الموت. قال تعالى: وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19]، وهو القائل سبحانه: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً [مريم:86،85].
فاحذري أن تكوني من حطب جهنم، واعملي بالقرآن والسنة، حتى تكوني من أهل الجنة، واعلمي أن الذي تطبقين شرعه هو الذي ستقفين بين يديه للحساب في يوم عصيب كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2،1]، وهو القائل تعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ [ق:31،30].
أختي المسلمة:
إن معنى الحجاب عظيم أعظم مما يدل عليه واقع كثير من النساء ممن يظنن أن الحجاب إنما هو مجرد عادة من عادات المجتمع، ورثنها عن أمهاتهن أن تفرضه عليهن عادات المجتمع الذي يعشن فيه.
والحق أن الحجاب أشرف وأعلى من ذلك بكثير، إذ هو أمر من الله العليم الخبير بستر المرأة وعنوان يعبر عن انقيادها لأوامر ربها التي هي الحصن الحصين الذي يحميها، ويحمي المجتمع من الافتتان بها.
إن الحجاب هو الإطار المنضبط الذي شرعه الله كي تؤدي المرأة من خلاله وظيفة صناعة الأجيال وصياغة مستقبل الأمة، وبالتالي المساهمة في نصر الإسلام والتمكين له في الأرض.
أختاه.. يا فتاة الإسلام..
يقول ربك الذي جعل لك عينين، ولساناً وشفتين وصحة في الأبدان، ونعماً لا تحصى ولا تعد، كل ذلك تفضلاً منه وامتنان يقول سبحانه: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً [الأحزاب:36]، وقضى: أي حكم وأمر.
واعلمي يا فتاة الإسلام أن مما يرضاه الله ويحبه رسوله في حجابك أن يكون مشتملا على شروط معينة لا يتحقق إلا بها وهي كالآتي:
أولاً: أن يكون الحجاب ساترا لجميع البدن، بما في ذلك الوجه، لأنه أعظم فتنة في المرأة، ولأنه مكان جمال المرأة ومجمع محاسنها، قال تعالى: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59]، والجلباب: هو الثوب السابغ الذي يستر البدن كله. ومعنى الإدناء: هو الإرخاء والسدل، فيكون الحجاب الشرعي: ما ستر جميع البدن.
وإن المتأمل لحال بعض النساء يجد أنهن مع كل أسف يخرجن إلى الأسواق سافرات كاشفات، يرقبن تلك الحظه التي يخرجن فيها من المنزل ليرمين عن كاهلهن ثياب استر والحشمة، ويكشفن عن ثوب الحياء، فيخرجن نحورهن وسواعدهن وأرجلهن، مع ما يحيط بها من أجواء ملبدة بتلك العطورات الفواحة.
فلا أدري ما الذي أبقينه من الحياء الذي هو زينة المرأة وجمالها الحقيقي؟ ثم ماذا عملت يا أخية لتلك اليد الماكرة التي امتدت إلى ثوبك لتشرحه وتقصره تدريجياً؟!
قال : { صنفان من أهل النار لم أرهما.. وذكر: ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة وكذا } [رواه مسلم].
ثانياً: أن يكون كثيفاً غير شفاف، لأن الغرض من الحجاب الستر فإذا لم يكن ساتراً لا يسمى حجاباً، لأنه لا يمنع الرؤية ولا يحجب النظر.
ثالثاً: ألا يكون زينة في نفسه، أو مبهرجا ذا ألوان جذابة يلفت الأنظار، لقوله تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]، ومعنى ما ظهر منها: - والله أعلم - أي بدون قصد ولا تعمد مع تعاهد ستره ومنع انكشافه، فإن كان في ذاته زينة فلا يجوز ارتدائه، ولا يسمى حجاباً، لأن الحجاب هو الذي يمنع ظهور الزينة للأجانب.
رابعاً: أن يكون واسعا غير ضيق، ولا يشف عن البدن ولا يجسمه ولا يظهر أماكن الفتنة.
يا فتاة الإسلام..
لقد امتدت أياد خبيثة إلى حجابك الشريف، وتحت ستار التقدم والحرية عملت تلك الأيادي على نزع وقار الحشمة ورمز العفاف وعنوان الإسلام، وبصورة تدريجية. فما يزال الحجاب والثوب والعباءة تنحسر تدريجياً، وتتقلص عند بعض الفتيات اللاتي وقعن ضحية التهريج الإعلامي الذي يبثه أعداؤنا، وضحية التقليد الأعمى لكل من هب ودب، ممن لم يلبسن الحجاب - تدينا واحتسابا، ولكن لبسنه مجاملة لأعراف المجتمع وعوائده.. فحذار - أخيتي الكريمة - أن تكوني من هؤلاء.
وما يزال خبثهم يتتابع، وموضاتهم تتوالى، فما زلنا نرى تلك الخمر ذات الشريط الشفاف حول العينين، وغيرها كثير. وما زلنا نرى بعض أنواع العباءات، أو ما يسمى بـ (الكاب) وقد طرز بأنماط مختلفة من التطريز الملفت للنظر.. وما تزال أذهان مصممي هذه الأردية تتفتق كل يوم عن جديد.. والله المستعان.
وسأنبئك يا أخية - أن الهوة ستكبر ما دامت فتياتنا غافلات عما يكيده لنا الأعداء.ويا للأسف أن تقع فتاة الإسلام في شراك هؤلاء المفسدين، وتكون حبيسة فخاخهم، شعرت بذلك أو لم تشعر، هذه هي الحقيقة ولو كانت علقماً مرة.
فأفيقي يا فتاة الإسلام، يا حفيدة خديجة وعائشة، واعلمي أن ما يحاك لك مؤامرة مراميها عظام، وإن كانت بدايتها بطيئة ولكن نهايتها سحيقة، والشر لا يأتي دفعة واحدة، فليست الغاية نزع الحجاب فحسب، وإنما إذ انزع الحجاب انكسر كأس الحياء، وانكفأ ماء الوجه وعندها تكون الكارثة، خسارة في الدنيا والآخرة فانظري لما حولنا وحينئذ تدركين الحقيقة.
خامساً: ألا يكون الثوب معطراً، فيه إثارة للرجال لقوله : { إن المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا } يعني: زانية. [رواه أبو داود وقال الترمذي: حسن صحيح]. وفي رواية النسائي: { أيما امرأة استعطرت فمرت بالقوم ليجدوا ريحها فهي زانية }.
سادساً: ألا يكون الثوب فيه تشبه بالرجال، للحديث: { لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال } [رواه البخاري].
سابعاً: ألا يكون اللباس أو الحجاب ملفتا للنظر بسبب شهرته أو فخامته أو غير ذلك لقوله : { من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه ناراً }.
يا أخية.. اسمعي لقول أمك أم المؤمنين رضي الله عنها عندما سألت النبي : { كيف يصنع النساء بذيولهن؟ - أي أسفل الثياب - قال: يرخينه شبراً قالت: إذاً تنكشف أقدامهم قال: يرخينه ذراعاً ولا يزدن عليه } [حديث صحيح].
يا سبحان الله!! أمهات المؤمنين يطلبن إطالة الثياب، ونساؤنا يقصرنها ولا يبالين!!!
يا فتاة الإسلام:
اعلمي أن هذه الشروط لا بد من توفرها حتى تكون المرأة متحجبة ولربها متعبدة، وبقدر ما تخل به من هذه الشروط بقدر ما يكون بها نسبة من التبرج وتنبهي يا فتاة الإسلام إلى أنه لا بد أن يكون مصاحبا للحجاب اعتقاد بأن هذا العمل إنما هو امتثال لأمر الله سبحانه، وأن أمره مقدم على كل أمر وأن الله لا يأمر إلا بالخير ولا ينهى إلا عن شر وأن أي حكم يخالف أمره فهو جاهلية: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].
علامات على الطريق
لهذه التي تتردد في الالتزام بشروط الحجاب، نقول لها اعلمي يا أمة الله أنهذه الشروط مما أحب الله ورسوله وأمر بها، وأبغض من خالفها، فليس لأحد مخالفتها ولا اختيار ولا رأي ولا قول بعد قضائه وحكمه سبحانه، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً [الأحزاب:36]، وأقسم سبحانه فقال: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً [النساء:65].
وتوعد سبحانه من خالف أمره بالفتنة والعذاب الأليم فقال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].
ولهذه الفتاة التي تقدم هوى النفس على حكم الله نقول لها: اسمعي وتدبري قول الله تعالى: وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ [ص:26].
ولهذه الجارية التي تدعي حب الله وهي تخالف أمره!! إليها قول الشاعر:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه *** هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقا لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع
وقال آخر:
ولو قلت لي: مت، مت سمعا وطاعة *** وقلت لداعي الموت: أهلا ومرحبا
ولهذه الفتاة التي تقلد من غير وعي وتمشي على غير هدى نذكرها بقول الرسول : { من تشبه بقوم فهو منهم } وبقوله: { ليس منا من تشبه بغيرنا } وبقوله: { المرء مع من أحب}.
فهل تحبين يا فتاة الإسلام أن توصفي بغير الإسلام؟!
أختي الكريمة:
الحجاب ليس مظهراً وشكلاً فحسب، بل هو حاجز حقيقي ونفسي ضد كل صور الذوبان في المجتمعات المنحرفة، وضد ألوان الذوبان في المجتمع الرجالي.
إن المرأة المعتزة بالإسلام لا ترى سبباً للتخلي عن خصائص أنوثتها: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].
يقول : { ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء } [متفق عليه].
لقد عرف أعداء الإسلام أن في فساد المرأة وتحللها إفساداً للمجتمع كله. يقول أحد كبار الماسونيين: ( كأس وغانية تفعلان في الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوهم في حب المادة والشهودة ).
ويقول الآخر: ( يجب علينا أن نكسب المرأة فأي يوم مدت إلينا يدها فزنا وتبدد جيش المنتصرين للدين ).
تحية وبشرى
إلى أختي المسلمة التي تصمد أمام تلك الهجمات البربرية الشرسة.
إلى أختي التي تصفع كل يوم دعاة التحرر بتمسكها والتزامها.
إلى أختي التي تعض على حيائها وعفافها بالنواجذ.
إلى هذه القلعة الشامخة أمام طوفان الباطل وبهرجته.
إلى أختي التي تحتضن كتاب ربها وترفع لواء نبيها قائلة:
بيد العفاف أصون عز حجابي *** وبعصمتي أعدو على أترابي
إليك - يا أختي - بشرى نبيك : { إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس } وإليك قوله الحق تبارك وتعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:41،40].
وإليك - يا أختي - تحية الله للصابرين المؤمنين: سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:24].
ـــــــــــــــــــ(68/411)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
تحرير .. أم تغرير
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة(69/1)
قضية تحرير المرأة
فضيلة الشيخ : محمد قطب
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
• ... • السؤال الذي يطرح نفسه ونحن نتحدث عن قضية تحرير المرأة هو:هل للمرأة قضية في مجتمعنا؟ولماذا هذه الإثارة حول المرأة؟هل ضاعت هويتها لدرجة أن تطرح أسئلة عريضة مثل: أيتها المرأة أين هويتك؟أو هل هي مظلومة حتى تعلن المرافعة ضد الرجل؟
إن وضع المرأة ومهمتها في المجتمع قضية واضحة في دين الله، لذلك جاءت التشريعات الخاصة ببناء البيت المسلم والمجتمع المسلم وبالعلاقات بين الرجل والمرأة محددة وواضحة، بل إن الأصل الذي قام عليه مبدأ الذكر والأنثى في الكون هو الذي أصله الدين، وهو وضوح هوية المرأة ووضوح مهمتها في الحياة.
لقد تخصص كل من الرجل والمرأة بمهمة لا يستطيع الآخر أن يقوم بها بالصورة المطلوبة:
فالمرأة مشغولة في البيت، فالأصل بقاؤها فيه لتؤدي رسالتها إلا لحاجة تخرجها عن الأصل. والرجل يتولى أمور ما خارج البيت، وإذا اختلطت المهام بينهما حصل الاضطراب حتى يشمل المجتمع، ثم الحياة كلها.
ونقول بعد ذلك: إذا كانت لقضايا المرأة المطروحة ما يفسر أسباب إثارتها في مجتمعات معينة، نقول يفسرها ولا يبررها، فإننا لا نجد تبريرا بل ولا تفسيرا لطرح هذه القضايا وإثارتها في مجتمعنا، حيث تسود قيم الإسلام الضابطة لوضع المرأة في المجتمع.
لذلك يأتي تحذيرنا لكل الغيورين في مجتمعنا من مثل هذه الدعوات التي تريد إخراج المرأة عن بيتها وعن مهمتها ورسالتها وطبيعتها، وإذا حصل ذلك- لا سمح الله- فلا تسأل عن هلكة المجتمع.
• ... • إن وضع المرأة في مجتمعنا لا يمكن أن تحلم به تلك المرأة الغربية سواء كانت بنتا أو زوجة أو أما.
وبنظرة موضوعية لوضع المرأة في الغرب: وهي بنت تتقاذفها أيدي الذئاب البشرية.
أو زوجة كادحة لا تأوي إلى بيتها إلا كالة مرهقة لتشارك الرجل حتى في دفع أقساط السيارة وإلا فلا قيمة لها.
وأما يقذفها أولادها بالنهاية في إحدى دور الرعاية الاجتماعية.
نقول بنظرة منصفة إلى حال المرأة المسلمة في مجتمعنا وهي بنت مصونة يحافظ عليها الرجل كجزء من حياته.
أو وهي زوجة مكفولة بواسطة الرجل حتى ولو ملكت ما ملكت من المال.
بل يظهر البون الشاسع وهي أم أو جدة تتحول إلى ملكة في كيان أولادها وأحفادها.
إن المرأة في الغرب مظلومة ومبتذلة حقا، إنها تستحق أن يرفع لها قضية ترافع بها الرجل الذي يبتزها، وذلك من أجل إنصافها.(69/2)
فمهلا يا دعاة التغريب!! ويا دعاة البحث عن هوية المرأة!! الإنصاف والموضوعية والقيم.. الزموها!!
ويا دعاة الإصلاح وأصحاب الغيرة: اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، وتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم:((... اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)). وحديث: ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)) وغير ذلك من التحذيرات من الذي لا ينطق عن الهوى.
• ... • وكجزء من المشاركة في تحذير مجتمعنا وإنذاره من الخطر الذي أصاب الأم في دعوة ما يسمى ب "تحرير المرأة" من أن يحل بنا، لذا قمنا باستلال أحد فصول الكتاب القيم "واقعنا المعاصر" وهو فصل "تحرير المرأة" بعد إذن المؤلف والناشر.
وذلك لأن هذا الفصل يتحدث بصورة واعية عن مراحل إخراج المرأة من بيتها وإفسادها في النهاية فيما يسمى عند العلمانيين ب(( تحرير المرأة)) وذلك في المجتمع المصري.
ولأننا نعتقد أن تجربة المجتمع المصري عمت بها البلوى في المجتمعات الأخرى، لذا رأينا أن من واجبنا إيضاح الأمر وبيانه حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها فتذوقوا السوء.
وهي رسالة نرجو أن يتبعها رسائل أخرى في هذا الميدان بل وفي ميادين أخرى وذلك لتوضيح جوانب من محاور هجوم التيار العلماني على دين الأمة وقيمها.
قضية تحرير المرأة
[بطل] هذه القصة هو: قاسم أمين..
شاب نشأ في أسرة تركية مصرية- أي محافظة- فيه ذكاء غير عادي. حصل على ليسانس الحقوق الفرنسية من القاهرة وهو في سن العشرين. بينما كان هناك في عصره من يحصل على الشهادة الابتدائية في سن الخامسة والعشرين!
ومن هناك التقطه الذين يبحثون عن الكفاءات النادرة والعبقريات الفذة ليفسدوها، ويفسدوا الأمة من ورائها! التقطوه وابتعثوه إلى فرنسا.. لأمر يراد.
اطلع قبل ذهابه إلى فرنسا على رسالة لمستشرق يتهم الإسلام باحتقار المرأة وعدم الاعتراف بكيانها الإنساني. وغلى الدم في عروقه- كما يصف في مذكراته- وقرر أن يرد على هذا المستشرق ويفند افتراءاته على ا لإسلام.
ولكنه عاد بوجه غير الذي ذهب به! لقد أثرت رحلته إلى فرنسا في هذه السن المبكرة تأثيرا بالغا في كيانه كله، فعاد إلى مصر بفكر جديد، وعقل جديد، ووجهة جديدة..عاد يدعو إلى تعليم المرأة وتحريرها على المنهج ذاته الذي وضعه المبشرون وهم يخططون لهدم الإسلام!
• ... • يقول في مذكراته: إنه التقى هناك بفتاة فرنسية أصبحت صديقة حميمة له! وإنه نشأ بينه وبينها علاقة عاطفية عميقة، ولكنها بريئة،.. وإنها كانت تصحبه إلى بيوت الأسر الفرنسية والنوادي والصالونات الفرنسية، فتفتح في وجهه البيوت والنوادي والصالونات، ويكون فيها موضع الترحيب...(69/3)
وسواء كان هو الذي التقى بها أم كانت موضوعة في طريقه عمدا ليلتقي بها، فقد لعبت هذه الفتاة بعقله كما لعبت بقلبه، وغيرت مجرى حياته، وجعلته صالحا للعب الدور المطلوب الذي قررت مؤتمرات التبشير أنه لابد منه لهدم الإسلام!
• ... • ونحن نميل إلى تصديقه في قوله إن العلاقة بينه وبينها كانت [بريئة].. لا بالمعنى الإسلامي للبراءة بطبيعة الحال، ولكن بمعنى عدم وصول هذه العلاقة إلى درجة الفاحشة. فإنها- على هذه الصورة- تكون أقدر على تغيير أفكاره من العلاقة المبتذلة التي تؤدي إلى الفاحشة؛ لأن الفتاة ستكون حينئذ ساقطة في حسه غير جديرة بالاحترام، وغير جديرة بأن تكون مصدراً [إلهام]! وسواء كانت الفتاة قد [مثلت] الدور بإتقان، لتظل العلاقة بينه وبينها [روحية] و[فكرية] لتستطيع التأثير عليه، أم كانت تربيته المحافظة في الأسرة المنحدرة من أصل تركي هي التي وقفت بهذه العلاقة عند هذا الحد الذي يصفها بالبراءة.. فالنتيجة النهائية كانت انقلابا كاملا في كل كيانه.
• ... • ولنحاول أن نتصور كيف حدث التغيير؟
هذا شاب عبقري، نعم، ولكنه قادم من بلاد محتلة، تحتلها إحدى الدول الأوروبية.. وهو قادم إلى أوروبا.. تلك التي يتحدث قومه عنها بانبهار المأخوذ، وتمثل في حسهم العملاق الضخم الذي يتضاءل الشرق أمامه وينزوي. فنستطيع عندئذ أن نتوقع أنه قادم إلى أوروبا وهو منخنس داخل نفسه، يحس بالضآلة والقزامة، ويتوجس أن يزدرى في بلاد العمالقة؛ لأنه قزم قادم من بلاد الأقزام، وأقصى ما يتمناه قلبه أن يجد الطمأنينة النفسية والعقلية في تلك البلاد الغربية التي لا يكاد يستوعبها الخيال!
• ... • وبينما هو كذلك- منكمش متوجس- إذا هذه الفتاة تبرز له في الطريق فتؤنس وحشته بادئ ذي بدء، فيزول عنه انكماشه وتوجسه، ويذهب عنه توتر أعصابه، ويشعر بالطمأنينة في المهجر.
• ... • ثم إن هذه الفتاة تبادله عواطفه- كما قص في مذكراته- فيشعر فوق الطمأنينة بالسعادة والغبطة، ويزداد استقرار نفسه فلا يعود يشعر بالغربة النفسية الداخلية، وإن بقيت الغربة بالنسبة للمجتمع الخارجي الذي لم يحتك به بعد.
غير أن الفتاة تنتقل معه- فتنقله- خطوة أخرى. فهي تصحبه إلى الأسر الفرنسية، فتفتح له تلك الأسر أبوابها وترحب به، وتصحبه إلى النوادي والصالونات فترحب به كذلك. وهنا تزول الغربة نهائيا، سواء بالنسبة لمشاعره الخاصة أو بالنسبة للمجتمع الخارجي، وينطلق في المجتمع الجديد واثقا من نفسه، واثقا من خطواته.
• ... • كيف تصير الأمور الآن في نفسه؟!
• ... • كيف ينظر إلى العلاقة بينه وبين هذه الفتاة؟
• ... • وكيف ينظر إلى التقاليد التي تم عن طريقها كل ما تم في نفسه من تغيير؟! علاقة [بريئة].. أي لم تصل إلى الفاحشة.. نمت من خلالها نفسه نموا هائلا، فخرجت من انكماشها وعزلتها، واكتسبت إيجابية وفاعلية، مع نمو في الثقافة، وسعة في الأفق، ونشاط وحيوية.
ما عيب هذه التقاليد إذن؟ وما المانع أن تكون تقاليدنا نحن على هذا النحو البريء،؟!
هناك بلا شك- مهما أحسنا الظن- مجموعة من المغالطات في هذا المنطق،:(69/4)
المغالطة الأولى: هي دعواه ! ببراءة، هذه العلاقة على اعتبار خلوها من الفاحشة المبينة. فحتى لو صدقناه- ونحن أميل إلى تصديقه كما قلنا- فهي ليست بريئة في الميزان الإسلامي الذي يقيس به المسلم أمور حياته كلها. فهي تشتمل على خلوة محرمة في ذاتها سواء أدت إلى الفاحشة أم لم تؤد إليها. وهي محرمة في دين الله لحكمة واضحة لأنها تؤدي في النهاية- حتما- إلى الفاحشة، إن لم يكن في أول مرة- ولا حتى في أول جيل- فإنه ما من مرة أباحت البشرية لنفسها هذه الخلوة إلا وصلت إلى الفاحشة في نهاية المطاف. لم تشذ عن ذلك أمة في التاريخ!
والمغالطة الثانية: هي تجاهله ما هو واقع بالفعل في المجتمع الفرنسي من آثار مثل هذه العلاقة، وقد علم يقينا بلا شك أن ذلك المجتمع يعج بألوان من العلاقات الأخرى [غير البريئة] ويسمح بها بلا رادع. فلم يكن ذلك سرا مخفيا عن أحد ممن يعيش في ذلك المجتمع، سواء من أهله أو من الوافدين عليه. فحتى لو صدقناه في أن علاقته هو الخاصة لم تصل إلى ما يصل إليه مثلها في ذلك المجتمع- لظروف خاصة مانعة في نفسه أو في نفسها- فليس ذلك حجة لإباحة تلك العلاقات، أو الدعوة إلى مثلها، وهو يرى بنفسه نتائجها الواقعية حين يبيحها المجتمع.
والمغالطة الثالثة: هي زعمه في كتابه الأول ((تحرير المرأة)) أن هذا التحرير لن ينتج عنه إلا الخير، ولن تنشأ عنه العلاقات الدنسة التي رآها بعينه في المجتمع الفرنسي..إنما سينشأ عنه تقوية أواصر المجتمع وربطها برباط متين!.
وأيا كان الأمر فقد عاد قاسم أمين من فرنسا داعيا لتحرير المرأة. داعيا إلى السفور ونزع الحجاب!
• ... • نفس الدعوة التي دعا بها رفاعة الطهطاوي من قبل عند عودته من فرنسا.مع فارق رئيسي،لا في الدعوة ذاتها ولكن في المدعوين! فإن أكثر من نصف قرن من الغزو الفكري المستمر كانت قد فعلت فعلها في نفوس الناس، فلم تقابل دعوة قاسم أمين بالاستنكار البات الذي قوبلت به دعوة رفاعة الطهطاوي، ولم توءد في مهدها، كما وئدت الدعوة الأخرى من قبل!
• ... • ومع ذلك فلم يكن الأمر سهلا. فقد أثار كتاب ((تحرير المرأة)) معارضة عنيفة جعلت قاسم أمين ينزوي في بيته خوفا أو يأسا، ويعزم على نفض يده من الموضوع كله. ولكن سعد زغلول شجعه، وقال له: امض في طريقك وسوف أحميك!
• ... • عندئذ قرر أن يعود، وأن يسفر عن وجهه تماما! فلئن كان في الكتاب الأول قد تمحك في الإسلام، وقال إنه يريد للمرأة المسلمة ما أعطاها الإسلام من حقوق، وفي مقدمتها التعليم، فقد أسقط الإسلام في كتابه الثاني ((المرأة الجديدة)) ولم يعد يذكره. إنما صار يعلن أن المرأة المصرية ينبغي أن تصنع كما صنعت أختها الفرنسية، لكي تتقدم وتتحرر، ويتقدم المجتمع كله ويتحرر! وهكذا سقط الحاجز المميز للمرأة المسلمة، وصارت هي والمشركة أختين بلا افتراق!
• ... • بل وصل الأمر إلى الدعوة إلى السير في الطريق ذاته الذي سارت فيه الغربية من قبل، ولو أدى ذلك إلى المرور في جميع الأدوار التي قطعتها وتقطعها النساء الغربيات. وقد كان من بين تلك الأدوار ما يعلمه قاسم أمين- ولا شك- من التبذل وانحلال الأخلاق!(69/5)
قال:
• ... • ((.. ولا نرى مانعا من السير في تلك الطريق التي سبقتنا إليها الأمم الغربية، لأننا نشاهد أن الغربيين يظهر تقدمهم في المدنية يوما فيوما".
• ... • ((.. وبالجملة فإننا لا نهاب أن نقول بوجوب منح نسائيا حقوقهن في حرية الفكر والعمل بعد تقوية عقولهن بالتربية، حتى لو كان من المحقق أن يمررن في جميع الأدوار التي قطعتها وتقطعها النساء الغربيات )).
• ... • وكان آخر ما قاله في ليلة وفاته مخاطبا- بالفرنسية- مجموعة من الطلبة والطالبات الذين جاءوا من رومانيا في زيارة لمصر: ((.. أحيي هذه البعثة العلمية وأشكرها على زيارة نادي المدارس العالية. أحيي منها بصفة خاصة هاته الفتيات اللواتي تجشمن مصاعب السفر متنقلات من الغرب إلى الشرق حبا في الاستزادة من العلوم والمعارف. أحييهن وقلبي ملؤه السرور حيث أرى نصيبهن من العناية بتربيتهن لا يقل عن نصيب رفقائهن. أحييهن ولي شوق عظيم أن أشاهد ذلك اليوم الذي أرى فيه حظ فتياتنا المسلمات المصريات كحظ هاته الفتيات السائحات من التربية والتعليم. ذلك اليوم الذي ترى فيه المسلمات جالسات جنبا إلى جنب مع الشبيبة المصرية في اجتماع أدبي كاجتماع اليوم. فيشاركننا في لذة الأدبيات والعلوم التي هن منها محرومات. فعسى أن تحقق الآمال حتى يرتقين فيرتقي بهن الشعب المصري )).
• ... • والآن وقد صار للمرأة [قضية] فلابد للقضية من تحريك. وتبني القضية فريق من النسوة على رأسهن هدى شعراوي، وفريق من الرجال المدافعين، عن حقوق المرأة. وأصبح الحق الأول الذي تطالب به النسوة هو السفور! وصارت القضية التي يدور حولها الجدل هي السفور والحجاب!!
• ... • من أين جاءت القضية؟! حين قامت الحركة النسوية في أوروبا كان للمرأة بالفعل قضية! قضية المساواة في الأجر مع الرجل الذي يعمل معها في المصنع نفسه وساعات العمل نفسها، بينما تتقاضى هي نصف ما يتقاضاه الرجل من الأجر . وحين اتسعت القضية هناك وتعددت مجالاتها- تلقائيا أو بتخطيط الشياطين- فقد كان محورها الأول هو قضية المساواة مع الرجل في الأجر، ترجع إليه كلما طالبت أو طولب لها بحق جديد. حتى أصبحت القضية هناك في النهاية هي قضية المساواة التامة مع الرجل في كل شيء، ومن بين كل شيء [حق الفساد] الذي كان الرجل قد وصل- أو وصل- إليه، فصار حق الفساد داخلا بدوره في قضية المرأة، تحت عنوان [حق المرأة في اختيار شريك حياتها] في مبدأ الأمر، ثم تحت عنوان [حق المرأة في أن تهب نفسها لمن تشاء]!!
• ... • أما في مصر- أو العالم الإسلامي- فلم تكن للمرأة قضية خاصة! إنما كانت القضية الحقيقية هي انحراف هذا المجتمع عن حقيقة الإسلام، مما سميناه [التخلف العقدي]، وما نتج عن هذا التخلف العقدي من تخلف في جميع مجالات الحياة. وما تحقير المرأة وإهانتها وعدم إعطائها وضعها الإنساني الكريم إلا مجال من المجالات التي وقع فيها التخلف عن الصورة الحقيقية للإسلام. وعلاجها- كعلاج غيرها من(69/6)
الحالات جميعا- هو العودة إلى تلك الصورة الحقيقية، والتخلي عن ذلك التخلف المعيب.
• ... • تلك هي [القضية].. وهي ليست [قضية المرأة] ولا [قضية الرجل].. إنما قضية الأمة الإسلامية كلها، بجميع رجالها ونسائها وأطفالها وحكامها وعلمائها وكل فرد فيها. وتخصيصها بأنها [قضية المرأة] فضلا عن مجانبته للنظرة [العلمية] الفاحصة، فإنه لا يعالج القضية. لأنه يأخذ عرضا من أعراض المرض فيجعله مرضا قائما بذاته، ويحاول علاجه.. فلا يقدر لهذا العلاج أن ينجح، لأنه يتعامى عن الأسباب الحقيقية من ناحية، ويفتقر إلى الشمول من ناحية أخرى.
• ... • ولكن.. هل كان في ذهن أحد أن يبحث القضية بحثا جادا مخلصا فاحصا دقيقا ليتعرف على الأسباب الحقيقية فيعالجها؟!
أم هل كان أحد ممن تناول القضية في تمام وعيه ليناقشها مناقشة علمية موضوعية مبصرة؟!
أم هل كان أحد ممن تناول القضية سيد نفسه لينظر إليها بنظرته الخاصة، ويرى أيها ما يرى بمنظاره الخاص؟!
أم كانوا كلهم من العبيد سواء عبيد شهواتهم أو عبيد الغرب. الذين يساقون سوقا لتنفيذ مخططات أعدائهم وهم سادرون في الغفلة، غارقون في الضلال البعيد!
بلى! لقد كانوا كلهم كذلك رجالا ونساء، دعاة وأتباعا، مخططين ومنفذين!
وإذا كان لابد للقضية من موضوع، فقد جعلت القضية- فجأة وبلا مقدمات حقيقية- قضية الحجاب والسفور!
لقد كانت القضية في أوروبا [منطقية] في ظاهرها على الأقل. أو في بدايتها على الأقل.
• ... • فحين تضطر المرأة إلى العمل- لظروف ليس هنا مجال تفصيلها ثم تعطى نصف أجر الرجل الذي يقوم بالعمل نفسه، فطلب المساواة في الأجر قضية حقيقية من جهة، وجيهة كل الوجاهة من ناحية أخرى.
• ... • أما قضية الحجاب والسفور فما مكانها من المنطق، وما مكانها من الحق؟! لم يكن [الرجل] هو الذي فرض الحجاب على المرأة، فترفع المرأة قضيتها ضده لتتخلص من [الظلم] الذي أوقعه عليها، كما كان وضع القضية في أوروبا بين المرأة والرجل. إنما الذي فرض الحجاب على المرأة هو ربها وخالقها، الذي لا تملك- إن كانت مؤمنة- أن تجادله سبحانه فيما أمر به، أو يكون لها الخيرة في الأمر:{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}.
• ... • ثم إن الحجاب في ذاته لا يشكل قضية.
فقد فرض الحجاب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفذ في عهده، واستمر بعد ذلك ثلاثة عشر قرنا متوالية.. وما من مسلم يؤمن بالله ورسوله يقول: إن المرأة كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مظلومة.
فإذا وقع عليها الظلم بعد ذلك، حين تخلف المسلمون عن عقيدتهم الصحيحة ومقتضياتها، فلم يكن الحجاب- بداهة- هو منبع الظلم ولا سببه ولا قرينه! لأنه كان(69/7)
قائما في خير القرون على الإطلاق، التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم قرني ))، وكان قرين النظافة الخلقية والروحية، وقرين الرفعة الإنسانية التي لا مثيل لها في تاريخ البشرية كله.
• ولكن المطلوب هو نزع الحجاب!
المطلوب هو السفور! المطلوب هو التبرج! المطلوب هو أن تخرج المرأة في النهاية عارية في الطريق! ذلك ما تطلبه مؤتمرات المبشرين، وما يطلبه الصليبيون الذين يخططون.. .
فلتكن القضية إذن هي قضية السفور والحجاب. وليوصف الحجاب بكل شر يمكن أن يرد على الذهن، وليوصف السفور بكل خير يخطر على البال.
ولتبدأ القضية من هنا.. ولتنته حيث يريد الشيطان!
• ... • تلقفت [القضية]- كما قلنا- مجموعة من النسوة فطالبن بالسفور على أنه أحق، للمرأة سلبها إياه المجتمع، أو سلبها إياه الرجل الأناني المتحجر المتزمت الرجعي المتعفن الأفكار!.
وكانت زعيمة [ النهضة النسوية] هدى [هانم] شعراوي، التي اتخذت من بيتها [صالونا] تقابل فيه الرجال سافرة في غير وجود محرم.
• ... • كانت هدى شعراوي بنت محمد باشا سلطان أحد باشوات ذلك العصر، ومن هنا فهي [هانم] بالوراثة!سافرت إلى فرنسا لتتعلم وسافرت محجبة. ولكنها حين عادت كانت سافرة. وكان أبوها يستقبلها في ميناء الإسكندرية ومعه مجموعة من أصدقائه، فلما نزلت من الباخرة احمر وجهه خجلا وغضبا، وأشاح بوجهه عنها وانصرف دون أن يحييها. ولكن ذلك لم يردعها عن صنيعها، ولم يردها عن غيها الذي عادت به من فرنسا.
• ... • وتحلق حولها بعض النسوة. وبعض الرجال! الرجال الذين [يدافعون] عن قضية المرأة في الصحف والمجلات، بالنثر وبالشعر. لقاء جلسة [لطيفة] في صالون الهانم أو ابتسامة تخص بها أحدهم أو مبلغ من المال! تدسه في يد واحد من الصحفيين المرتزقة فيكتب مقالا في رقة الهانم ولطفها وابتسامتها العذبة وحسن استقبالها لضيوفها- الرجال- أو يكتب عن اجتماعاتها وتحركاتها. أو يكتب عن [القضية].
• ... • وكانت قمة المسرحية هي مظاهرة النسوة في ميدان قصر النيل (ميدان الإسماعيلية) أمام ثكنات الجيش الإنجليزي سنة 1919 م. فقد كانت الثورة المصرية قد قامت وملأت المظاهرات شوارع القاهرة وغيرها من المدن تهتف ضد الإنجليز، وتطالب بالجلاء التام أو الموت الزؤام. ويطلق الإنجليز الرصاص من مدافعهم الرشاشة على المتظاهرين فيسقط منهم كل يوم قتلى بلا حساب.
• ... • وفي وسط هذه المظاهرات الجادة قامت مظاهرة النسوة، وعلى رأسها صفية هانم زغلول زوجة سعد زغلول، وتجمع النسوة أما ثكنات قصر النيل، وهتفن ضد الاحتلال. ثم. بتدبير سابق، ودون مقدمات ظاهرة، خلعن الحجاب، وألقين به في الأرض، وسكبن عليه البترول، وأشعلن فيه النار. وتحررت المرأة!!!. ويعجب الإنسان الآن للمسرحية وخلوها من المنطق.(69/8)
• ... • فما علاقة المظاهرة القائمة للاحتجاج على وجود الاحتلال الإنجليزي، والمطالبة بالجلاء عن مصر. ما علاقة هذا بخلع الحجاب ! وإشعال النار فيه؟!
• ... • هل الإنجليز هم الذين فرضوا الحجاب على المرأة المصرية المسلمة من باب العسف والظلم، فجاء النسوة يعلن احتجاجهن على وجود الإنجليز في مصر، ويخلعن في الوقت ذاته ما فرضه عليهن الإنجليز من الحجاب؟!
• ... • هل كان الإنجليز هم الذين سلبوا المرأة [حق] السفور منذ ذلك الزمن السحيق. فجئن اليوم [يتحررن] من ظلمهم، ويلقين الحجاب في وجههم تحديا ونكاية فيهم؟!
ما المنطق في المسرحية؟!
لا منطق في الحقيقة!
ولكن التجارب التالية علمتنا أن هذا المنطق الذي لا منطق. فيه، هو الطريقة المثلى لمحاربة الإسلام.
• ... • إن الذي يقوم بعمل من أعمال التخريب والتحطيم ضد الإسلام ينبغي أن يكون [بطلا] لتتدارى في ظل [البطولة] أعمال التخريب والتحطيم!
كمال أتاتورك.. جمال عبد الناصر.. أحمد بن بيلا.. وعشرات غيرهم من [الأبطال] الذين حاربوا الإسلام بوسيلة من الوسائل.. كلهم ينبغي أن يكونوا [ أبطالا] وقت قيامهم بمحاربة الإسلام، وإلا انكشفت اللعبة من ورائهم، وانكشفت عمالتهم لأعداء الإسلام من الصليبيين واليهود.
• ... • كمال أتاتورك الذي أطاح بالخلافة، وأراد أن يقطع ما بين الأتراك وبين إسلامهم، فمنع الأذان باللغة العربية، وكتب اللغة التركية بالحروف اللاتينية، وأمر بخلع الحجاب، وذبح عددا من علماء المسلمين.. كان [بطلا] صنعت له البطولات المسرحية الزائفة لتخفي يده التي تقطر بدماء المسلمين، وتخفي جريمته الكبرى في حرب الإسلام.
• ... • جمال عبد الناصر الذي ذبح قادة الدعوة الإسلامية في مصر، وأنشأ للتنكيل بهم في سجون مصر ألوانا من التعذيب الوحشي لا مثيل لها في تاريخ البشرية كله، إلا في محاكم التفتيش التي أقامها الصليبيون في الأندلس للقضاء على الإسلام.. وألغى المحاكم الشرعية، وهم بإلغاء الأزهر.. وأضاف جرعات جديدة [لتحرير المرأة].. كان [بطلا].. أضيفت عليه البطولات المصطنعة لإخفاء الجريمة الهائلة التي ارتكبها ضد الإسلام.
• ... • أحمد بن بيلا الذي جاء ليسرق الثورة الإسلامية، ويحولها إلى ثورة اشتراكية بعيدة عن الإسلام مناوئة له، والذي دعا المرأة الجزائرية إلى خلع الحجاب بحجة عجيبة حين قال: إن المرأة الجزائرية قد امتنعت عن خلع الحجاب في الماضي لأن فرنسا هي التي كانت تدعوها إلى ذلك ! أما اليوم فإني أطالب المرأة الجزائرية بخلع الحجاب من أجل الجزائر..! أحمد بن بيلا- يوم أن دعا تلك الدعوة- كان بطلا أضيفت عليه البطولة المصطنعة بخطفه من الطائرة وهو متوجه من فرنسا إلى الجزائر.. حتى إذا نضجت اللعبة.. لعبة [البطولة].. أطلق ليقوم بعمله ضد الإسلام...
• ... • وعلى هذا الضوء نفهم مظاهرة النسوة في ميدان الإسماعيلية بالقاهرة سنة 1919م.(69/9)
لابد من بطولة تضفى على كل عمل من أعمال التخريب ضد الإسلام، لتخفي ما وراءه من تدبير...
وأي بطولة للنسوة يومئذ أكبر من أن يقفن أمام قوى الاحتلال، يهتفن ضدها، ويفتحن صدورهن للرصاص..؟!
• ... • يقول حافظ إبراهيم في شأن هذه المظاهرة:
خرج الغواني يحتججن ورحت أرقب جمعهنه
فإذا بهن اتخذن من سود الثياب شعارهنه
فطلعن مثل كواكب يسطعن في وسط الدجنة
وأخذن يجتزن الطريق ودار سعد قصدهنه
يمشين في كنف الوقار وقد أبن شعورهنه
وإذا بجيش مقبل والخيل مطلقة الأعنة
وإذا الجنود سيوفها قد صوبت لنحورهنهوإذا المدافع والبنادق والصوارم والأسنة
والخيل والفرسان قد ضربت نطاقا حولهنه
والورد والريحان في ذاك النهار سلاحهنه
فتطاحن الجيشان ساعات تشيب لها الأجنة
فتضعضع النسوان ليس لهن منة
ثم انهزمن مشتتات الشمل نحو قصورهن
• ... • وتدريجيا.. في ظل البطولة المدوية.. سقط الحجاب!
وأصبح من المناظر المألوفة في العاصمة أولا، ثم في المدن الأخرى بعد ذلك، أن ترى الأمهات متحجبات، والبنات سافرات، وكانت الأداة العظمى في عملية التحويل هذه هي التعليم من جهة، والصحافة من جهة أخرى.
فأما التعليم فقد اقتضى معركة طويلة حتى تقرر.. على المستوى الابتدائي أولا، ثم المستوى الثانوي، ثم في المرحلة الجامعية.
• ... • واستفاد أعداء الإسلام فائدة عظمى من الوضع الجاهلي الذي كان يسود المجتمع تجاه المرأة وتعليمها، فأثاروها قضية، ودقوا دقا عنيفا على الأوضاع الظالمة لينفذوا منها إلى ما يريدون.
ولسنا الآن في مجال تحديد المسئوليات، إنما نحن نتابع خطى التاريخ. وإلا فقد كان المسلمون على خطأ بين، وظلم بين للمرأة حين منعوا تعليمها، كما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلموها، وحين أهانوها وحقروها في الأمر ذاته الذي كرمها الله به ورفعها، وهو الأمومة وتنشئة الأجيال. {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير}.((الجنة تحت أقدام الأمهات )).
((من أولى الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك )).
• ... • ولكن الذين استغلوا هذا الوضع ليطلقوا دعوتهم لم يكن همهم الحقيقي رفع الظلم عن المرأة،إنما كان رائدهم الأول هو تحطيم الإسلام، وإخراج المرأة فتنة متبرجة في الطريق لإفساد المجتمع الإسلامي.. ولم تكن الفوضى الخلقية التي عمت(69/10)
المجتمع فيما بعد مفاجئة لهم، ولاشيء مستنكرا من جانبهم يشعرهم بالندم على ما قدمت أيديهم.. بل كانت شيئا محسوبا ومتوقعا ومرغوبا بالنسبة إليهم، وقد كانوا يرون تجربة الغرب ماثلة أمام أعينهم، ويعرفون ما يؤول إليه الأمر في المجتمع المسلم حين يتجه الوجهة ذاتها، ويسير على الخطوات ذاتها.
• ... • ولا ينفي هذا بطبيعة الحال وجود مخدوعين مستغفلين يتلقفون الدعوة بإخلاص.. ولكنه إخلاص لا ينفي الغفلة! وهم بغفلتهم- أدوات معينة للشياطين، يستغلون موقفهم لتقوية دعوتهم، لأن الناس ترى إخلاصهم فتظن أنهم على خير فيتبعونهم، فيتم ما أراد الشياطين!
• ... • وقد كان هناك بديل ثالث للمصلح المخلص، الذي يريد الله ورسوله، ويريد تصحيح الأوضاع في المجتمع المنحرف، ورفع الظلم عن المظلومين، وهو الدعوة- والجهاد- لإعادة المجتمع ا لإسلامي إلى صورته الصحيحة التي ينبغي أن يكون عليها. ولكن أحدا من المصلحين، القائمين يومئذ لم يدع إلى ذلك البديل الثالث.
وظل الخيار المعروض دائما هو إما الإبقاء على الأوضاع السيئة المتخلفة الجامدة الظالمة، وإما محو الإسلام ونبذه والانسلاخ منه، والاتجاه إلى أوروبا من أجل التقدم والتحضر والرقي.. بل إنه حين جاءت الدعوة إلى البديل الثالث في موعدها المقدور عند الله، وجدت أبشع الاضطهاد والتنكيل من الحكام، ووجدت الإعراض العنيف والمعارضة من المصلحين! مما يكشف عن الاتجاه الحقيقي لحركات [الإصلاح] التي قيمت في المجتمع الإسلامي، وأن هدفها لم يكن الإصلاح حقا، بقدر ما كان لو تحطيم الإسلام أولا.. وليكن بعد ذلك ما يكون!
• ... • سقط الحجاب تدريجيا عن طريق [بنات المدارس]!
أو لم تقرر المؤتمرات التبشيرية في مخططاتها ضد الإسلام ضرورة العمل على تعليم المرأة المسلمة وتحريرها؟!
وفي مبدأ الأمر لم يكن التبرج والتهتك هو طابع بنات المدارس، بل لم يكن مقبولا أصلا في المدارس!
والحكمة في ذلك واضحة بطبيعة الحال! فلا المجتمع في ذات الوقت كان يسمح، ولا كشف الخطة كاملة منذ اللحظة الأولى كان يمكن من تنفيذها، بل كان قمينا بالقضاء عليها في مهدها!
• ... • لو خرجت بنات المدارس عن تقاليد المجتمع المسلم دفعة واحدة ومن أول لحظة، هل كان يمكن أن يقبل أحد من أولياء الأمور أن يرسل بنته إلى المدرسة لتتعلم؟
كلا بالطبع!
إنما لابد من طمأنة أولياء الأمور تماما، حتى يسمحوا بإرسال بناتهم إلى المدارس. ولتكن الخطة على الأسلوب المتبع في عملية التحويل كلها: [بطيء ولكنه أكيد المفعول] ![منعا لإثارة الشكوك]!
بالتدريج..(69/11)
الشعر في مبدأ الأمر مغطى بقبعة.. وتتدلى من الخلف ضفيرتان تربطهما شريطة من القماش. الضفيرتان مكشوفتان، أما الرأس فتخفيه القبعة! والوجه سافر.. نعم.. ولكن.. صغيرات يا أخي! لا بأس!
إن لهذا الأمر دلالته ولا شك..
نعم، كانت هناك جهود شيطانية لإفساد المجتمع المصري بالذات، لتصدير الفساد منه إلى بقية المجتمع الإسلامي، كما مر القول،وشاركت في هذه الجهود كل الوسائل الممكنة من صحافة وإذاعة وسينما ومسرح.. إلخ. وكان التركيز عنيفا والوسائل فعالة.. ولكن هل يكفي ذلك كله لتفسير ما حدث؟!
• ... • لبيان ذلك نقول: إن كل هذه الوسائل لا تزال مستخدمة حتى هذه اللحظة، وبعنف أشد مما كان قبل خمسين عاما دون شك، وقد أحدثت هذه الوسائل في خلال ما يزيد على نصف قرن تيارا هائلا نافرا من الإسلام منسلخا منه.. ومع ذلك توجد اليوم فتيات محجبات، جامعيات مثقفات، لا يتنازلن عن حجابهن ولو دخلن من أجله السجون والمعتقلات. فما الفرق؟!
• ... • بعبارة أخرى نسأل: هل كان الحجاب الذي سقط عقيدة أم هو تقاليد؟! والأخلاق التي سقطت.. هل كانت ذات رصيد إيماني حقيقي أم كانت تقاليد؟!
والرجل الذي ثار يوم كشف [بنات المدارس] عن وجوههن.. هل ثار للعقيدة أم ثار للتقاليد؟!
والرجل الذي ثار يوم نزلت المرأة إلى الشارع لتعمل.. هل كانت ثورته نابعة من عقيدة حقيقية، دينية أو غير دينية، أم كانت [عنجهية] الرجل هي المحرك، والمحافظة عليها هي الدافع إلى الثورة؟
• ... • حين يكون الحجاب عقيدة فإنه لا يسقط.. مهما سلط عليه من أدوات التحطيم.
• ... • وحين تكون الأخلاق ذات رصيد إيماني حقيقي، فليس من السهل أن تسقط- ولو سقطت عليها عوامل الإفساد- إلا بعد مقاومة شديدة وزمن مديد.
أما التقاليد الخاوية من الروح.. وأما العنجهية الفارغة.. فهي عرضة للسقوط إذا اشتد عليها الضغط، وقد كان الضغط عنيفاً بالفعل، بل كان شيطانيا لكل ما تحمله الكلمة من معان!
بدأت بنات المدارس يكشفن عن وجوههن ويسرن في الطريق على النحو الذي وصفناه، ولكن في ملابس طويلة تغطي الذراعين جميعا وتصل إلى القدمين، وفي أدب ظاهر و [استقامة] كاملة..
وهل كن يملكن غير ذلك؟!
• ... • إن الفتاة التي يحدثها شيطانها أن تلتفت فقط- يمنة أو يسرة- تضيع! تسقط في نظر المجتمع، وتكون عبرة لمن يعتبر! فمن التي في مبدأ الأمر تلتفت يمنة أو يسرة؟! إنما هو الأدب الكامل والانضباط الشديد!
• ... • وحين افتتحت أول مدرسة ثانوية للبنات في القاهرة..[مدرسة السنية]كانت ناظرتها إنجليزية..وكانت [قمة]في المحافظة إلى حد التزمت! فهكذا ينبغي أن تكون الأمور في مبدأ الأمر!! حتى يكتب لهذه الخطوة الثبات في الأرض والتمكين، ويمكن(69/12)
مدها فيما بعد إلى آفاق جديدة! أما لو كشف المستور من أول لحظة فلن تدخل فتاة واحدة المدرسة الثانوية، ويبوء المخطط كله بالخسران!
• ... • كانت هيئة التدريس نسوية خالصة، فيما عدا مدرس اللغة العربية لتعذر وجود مدرسات للغة العربية يومئذ. ولكنه كان يختار من الرجال المتقدمين في السن، المتزوجين، المشهود لهم حقا بالصلاح والتقوى، فهو بالفعل أب يرعى بناته، ويشعرن نحوه بما تشعر به الفتاة نحو أبيها الوقور، فتقدم له الاحترام والتوقير. وليس في المدرسة كلها رجل آخر إلا كاتب المدرسة، وهو منعزل عن المدرسة كلها في مكتب خاص لمقابلة أولياء الأمور، والقيام بالأمور الكتابية والحسابية للمدرسة وحارس الباب، وهو كذلك رجل وقور متقدم في العمر تقول له البنات [يا عم!] إذا حدث على الإطلاق أن وجهن له الكلام!
• ... • وكانت الفتيات يحفرن إلى المدرسة في عربات مغطاة بالستائر، ويعدن إلى بيوتهن بالوسيلة نفسها. فأما إن كان أهل الفتاة لا يريدون أن يتحملوا نفقات العربة، فيأتي معها ولي أمرها يسلمها إلى المدرسة صباحا ويستلمها في نهاية اليوم المدرسي، لكي لا يتركها تسير وحدها في الطريق.
أي شيء يريد الآباء أكثر من ذلك؟!
بل إن [حضرة الناظرة] لهي أشد في تأديب البنات من أولياء أمورهن! إنجليزية يا أخي! الإنجليز حازمون في التربية! قل ما تشاء فيهم، ولكن في التربية..!
• ... • وكانت المناهج في مدارس البنات رجالية في الحقيقة لأمر يراد فيما بعد.. ولكنها بعد مغطاة.. فالفتاة تدرس المناهج نفسها المقررة في المدارس الثانوية للبنين، ولكنها تدرس إلى جانبها مواد [نسوية] كالتدبير المنزلي ورعاية النشء.. وذلك للإيهام بأن المقصود من التعليم في هذه المدارس هو إعداد الفتاة لحياة الأسرة التي تنتظرها. إذ كانت أشد نقط المعارضة في تعليم البنات بعد المرحلة الابتدائية أن الدراسة الثانوية ستعطل الفتاة عن الزواج- وهي في سن الزواج- وتبعدها عن جو البيت الذي خلقت له، والذي ستقضي بقية حياتها فيه.
• ... • فأما تعطيل الفتاة عن الزواج فقد واجهه أصحاب [القضية] بالمطالبة بإرجاء سن الزواج، وتحريم الزواج قبل سن السادسة عشرة (وصدر تشريع بذلك)، ومحاولة تزيين هذا التأخير بمختلف الحجج، حتى صار أمرا واقعا فيما بعد، لا عند السادسة عشرة؟ بل عند الثلاثين وما بعدها في بعض الأحيان!
• ... • وأما إبعاد البنت عن جو البيت فقد واجهه أصحاب [القضية] بتلك الدروس المتناثرة في التدبير المنزلي ورعاية النشء، وفي مقابلها تزاد سنوات الدراسة الثانوية للبنات، فتصبح ست سنوات بدلاً من خمس للبنين.
• ... • حتى إذا هدأت ثورة المعارضين، وصار التعليم الثانوي للبنات أمراً واقعا بعد المعارضة العنيدة التي كانت من قبل، أخذت هذه الدروس النسوية تتضاءل، حتى محيت في نهاية الأمر، وأصبح المنهج رجاليا خالصا في مدارس البنات.. وألغيت السنة السادسة، وأصبحت الفتاة تتخرج بعد خمس سنوات على المناهج ذاتها التي يتخرج عليها الفتى.. لتصبح للفتاه قضية جديدة.. قضية الدخول إلى الجامعة! ولكن.. لا نسبق خطى التاريخ!(69/13)
• ... • تعددت مدارس البنات الثانوية في القاهرة ثم في الإسكندرية ثم في غيرها من المدن.. وخفت قبضة الناظرة الإنجليزية فلم يعد يهمها إلا [النظام] الصارم في داخل المدرسة. أما [أخلاق] البنات فلم تعد تعيرها اهتماما، كما كانت من قبل. وجاءت بعدها ناظرات مصريات، أقل انضباطا من ناحية النظام، وأقل اهتماماً بقضايا الأخلاق.
وسارت الأمور فترة من الزمن سيرها الرتيب، وكثر الإقبال على مدارس البنات حتى ضاقت بهن، فقامت إلى جانبها مدارس أهلية تسير على المنهج ذاته، وتحقق الأهداف ذاتها. واطمأن الناس اليوم على بناتهم فلم يعودوا يصحبونهم في الذهاب والإياب.. وأصبحت أفواج البنات تذهب في الطرقات وحدها وتجيء.
• ... • ولكن.. هل كان يمكن أن تستمر الأمور في داخل هذا النطاق المحدود؟!
يوجد دائما في كل مجتمع فتاة [جريئة] وفتى [جريء] يخرجون على تقاليد المجتمع ويتحللون منها..
وفي المجتمعات المتماسكة يكون نصيب هؤلاء هو الردع الفوري، الذي يمنع العدوى، ويقضى على الجرثومة قبل أن يستفحل أمرها. أما في المجتمعات المفككة فلا يحدث الردع المطلوب، أو لا يحدث بالقوة الحاسمة التي تؤتي أثرها، فتظل الجرثومة باقية، وتظل تنتشر حتى يحدث الوباء.
لذلك مدح الله خير أمة أخرجت للناس بقوله تعالى:{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}
ولعن شر أمة أخرجت للناس بقوله تعالى:{لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون . كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}.
• ... • وفي المجتمعات التي تتحول فيها القيم والأخلاق إلى [تقاليد]خاوية من الروح، يحدث الإنكار، ويحدث الاحتجاج، ولكن لا يحدث الردع الحاسم الذي يقتل الجرثومة قبل أن تستفحل، فتبقى، ثم تنتشر في خطى بطيئة ولكنها أكيدة المفعول!
• ... • وهذا هو الذي حدث في المجتمع المصري أمام الغزو الفكري الصليبي في القرن الرابع عشر الهجري، وفي المجتمع الإسلامي كله.. كانت هناك بقايا قيم وبقايا دين.. ولكنها كانت تقاليد خاوية من الروح، فلم تستطع أن تصمد طويلا أمام الغزو الكاسح، الذي يزين الفساد للناس باسم الرقي والحضارة والتقدم و[التحرر] من الرجعية والتحرر من الجمود.
• ... • بدأت أول فتاة [جريئة] تلتفت برأسها حين يلقي إليها الفتى [الجريء] بألفاظ الغزل المستور أو المكشوف.
• ... • وتسقط الفتاة الجريئة في نظر المجتمع من أجل هذه الالتفاتة، وتعتبر فتاة فاسدة الأخلاق، ولكنها لا تردع! ولا يردع الفتى الجريء الذي ألقى بألفاظ الغزل على قارعة الطريق.. فيتكرر النموذج من هنا وهناك.. وتتبلد أعصاب الناس على المنظر المكرور.. وتصبح ظاهرة [معاكسة][ بنات المدارس] ظاهرة مألوفة في(69/14)
المجتمع المصري، لا يتحرك لها أحد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ويفرح الشياطين!
ورويدا رويدا تتغير ملابس بنات المدارس!
تقصر [المريلة] قليلا.. هل هناك مانع؟! الجورب يغطي ما كشفته [المريلة] فماذا يحدث؟!
ويقصر الكم قليلا.. هل هناك مانع؟! سنتيمترات قليلة لا تقدم ولا تؤخر.. ماذا يحدث؟! هل تخرب الدنيا إذا قصرت الأكمام قليلا أو قصر [الذيل]! لا تحبكوها أيها المتزمتون!
وتتبلد الأعصاب على المنظر المكرور، فتقصر الأكمام بضعة سنتيمترات أخرى، أو يقصر الذيل، أو يقصر الجورب.. وينكشف من المرأة ما أمر الله بستره بالمقدار نفسه!
• ... • أف لكم أيها المتزمتون، تفتأون تذكرون الأخلاق وتنادون بالويل والثبور! ماذا حدث للأخلاق حين تراجعت الملابس بضعة سنتيمترات؟ هل تقاس الأخلاق بالسنتيمتر أيها الجامدون؟ الأخلاق قيم !!! ! والقيم محلها القلب (!!) وما دامت الفتاة [مقتنعة] بالقيم في داخل نفسها فلن تفسد ولو سارت عارية في الطريق.
• ... • وحين تكثر الفتيات في الشوارع، حاسرات مقصرات، سواء من بنات المدارس الثانوية أو مدارس المعلمات، أو من خريجات المدارس الأخيرة اللواتي صرن معلمات، وصارت لهن رواتب خاصة يستطعن الإنفاق منها على حوائجهن.
عند ذلك تبدأ [الموديلات] في الظهور.. وتصبح هناك صحافة نسوية تتخصص في عرض [المودات] أو ركن في المجلات والصحف العامة يسمى [ركن المرأة] يقدم النصائح ويقدم [المودات].
فأما النصائح فتبدأ في غاية [العفة] وفي غاية الاتزان!
• ... • كيف تحافظين على محبة زوجك؟!
وهل يكره الإسلام أن تتحبب المرأة إلى زوجها وتتجمل له وتتزين؟!
نحن فقط نقدم النصيحة مصورة! لأننا في زمن الصحافة المصورة التي توضح كل شيء بالرسم!!
وحين تستقر هذه الخطوة نتقدم خطوة أخرى إلى [الأمامٍ]! تمهيدا التحرير، المرأة من قيد آخر من قيود الدين والأخلاق والتقاليد!
لقد كان الزوج في المرحلة الأولى هو [المحلل]..
وانتهت مهمته فلنكن الآن صرحاء!
كيف تجذبين انتباه الرجل؟!
نعم! وماذا فيها؟!
ألا تتزين ليقع في شباكها [ابن الحلال]؟!
فإن لم يقع [ابن الحلال] فمزيدا من التزين..
هذا فستان يكشف [مفاتن الصدر] وهذا يكشف [مفاتن الظهر] وهذا يكشف [مفاتن الساقين]!.(69/15)
وتتطور [المودة] العالمية وتتطور، حتى تكشف مفاتن الجسم كله بجميع أجزائه، وتتبعها الصحافة المصرية شبرا بشبر وذراعا بذراع. ((حتى إن دخلوا جحر ضب دخلتموه ))!.
• ... • وجاء دور الجامعة كنتم أيها المتزمتون تعارضون في تعليم المرأة حتى في المرحلة الابتدائية! وكنتم تقولون إنها لا تصلح إلا للبيت، وليست لديها القدرة على التعليم.. واليوم تتحداكم الفتاة المتعلمة! هاهي ذي قد تعلمت على المناهج ذاتها التي يتعلم عليها الفتى، ووصلت إلى المرحلة الثانوية. وهي لم تلحق به فحسب، بل تفوقت عليه في كثير من الأحيان!.
• ... • والآن صار من حقها أن تدخل الجامعة.. فماذا أنتم قائلون أيها الرجعيون؟! ودارت معركة طويلة بين المدافعين والمعارضين كتلك التي قامت في أوروبا من قبل...وقال المدافعون: إنه الدور نفسه! إن المرأة قضيتها واحدة في كل بلاد العالم. وستسير في الخطوات نفسها. ونتيجتها في النهاية واحدة.. هي النتيجة التي وصلت إليها أوروبا، التي سبقت العالم كله بقرن من الزمن أو أكثر، وخاضت المرأة فيها المعركة ذاتها، وخرجت منها منتصرة في النهاية. وفي ظاهر الأمر كان الذي يقوله المدافعون أمرا واقعا في كثير من بلاد الأرض. ولكنهم كانوا غافلين عن أمور..
كانوا غافلين أولا عن أن القضية لم تأخذ شكلا واحدا في كل الأرض بسبب طبيعتها الخاصة كما توهموا، ولكن لأن الأجهزة العالمية التي تدير القضية لحسابها الخاص قد جعلتها تأخذ هذه الصورة لأمر تريده. وكانوا غافلين ثانيا عن أن قضية المرأة المسلمة ليست هي قضية [أختها] الأوروبية! [فأختها] الأوروبية- ولا أخوة في الحقيقة لأن المسلمة لا تؤاخي المشركة- قد صارت لها قضية لأنه ليس لمجتمعها منهج رباني يسير عليه، إنما يشرع فيه البشر لأنفسهم، فيظلمون أنفسهم ويظلمون غيرهم. وقد وقع الظلم هناك من تشريع- أو عرف- وضعه الشر، ثم اختاروا- أو اختار لهم الشياطين في الحقيقة- حلا ساروا فيه حتى أوصلهم في النهاية إلى الخبال، من تفكك الأسرة، وتحلل المجتمع، وشقاء الرجل والمرأة كليهما، وتشرد الأطفال، وجنوح الأحداث، وانتشار الشذوذ، والأمراض النفسية والعصبية والقلق والجنون والانتحار والخمر والمخدرات والجريمة.
• ... • أما المرأة المسلمة فقضيتها أن الظلم قد وقع عليها من مخالفة المنهج الرباني الذي التزم به مجتمعها عميدة ولم يلتزم به عملا، وارتد في هذه النقطة بالذات إلى أعراف الجاهلية الفاسدة.
وقد يكون الظلم واحدا أو متشابهاً، ولكن العلاج يختلف لاختلاف الأسباب.
• ... • فعلاج القضية بالنسبة للمرأة المسلمة هو الرجوع إلى المنهج الرباني الصحيح، والالتزام به عقيدة وعملا. وليس علاجه هو اتباع الخطوات التي سارت فيها القضية في الغرب، فخرجت من تخبط إلى تخبط ولا تزال..
• ... • وحقيقة إن المنهج الرباني هو العلاج لكل مشكلات البشرية، ولو آمنت به أوروبا ونفذته كلت كل مشكلاتها. ولكن الذين ينفذونه بالفعل. أو المفروض أن ينفذوه- هم الذين التزموا به فعلاً- أي المسلمون- فإذا حادوا عنه فإن مهمة(69/16)
[المصلحين] هي تذكيرهم به، ودعوتهم إلى العودة إليه ليطيقوه في عالم الواقع، فتنحل مشكلاتهم ويصلح حالهم.
أما اتباع أوروبا،وسير المرأة المسلمة في الخطوات ذاتها التي سارت فيها[أختها]الأوروبية فلن يحل مشكلتها،كما لم يحل مشكلة[أختها] ، وسيصل بها وبمجتمعها- وقد وصل بالفعل- إلى المصير البائس ذاته الذي وصل إليه مجتمع [أختها] من قبل.
• ... • ولكن المدافعين- يومئذ لم يكونوا يفقهون شيئا من ذلك كله.. وهم يومئذ أحد فريقين: فريق يعلم جيدا أن الطريق الذي تسير فيه [القضية] سيؤدي إلى انحلال أخلاق المجتمع وتفككه كما حدث في أوروبا، وهو يريد ذلك ويسعى إليه جاهدا لأنه من {الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا }.
وفريق آخر مخدوع مستغفل لأنه مستعبد للغرب، لا يرى إلا ما يراه الغرب، ويظن- في غفلته وعبوديته- أن سيده دائما على صواب!
وهذا وذاك مسخران معا لخدمة الصليبية في المجتمع الإسلامي، وخدمة اليهودية العالمية كذلك .
وقال هذا وذاك إن [قضية المرأة] تستلزم أن تدخل الفتاة الجامعة لتؤدي [رسالتها] على الوجه الأكمل!
وقضية التعليم- الجامعي أو غير الجامعي- ليست هي القضية بالنسبة للمرأة المسلمة، فلن يمنعها الإسلام من طلب العلم، وهو الذي يدعوها إليه بل يفرضه عليها. ولكن الإسلام يشترط في تعليمها- وفي نشاطها كله- شرطين اثنين: أن تحافظ على دينها وأخلاقها، وأن تحافظ على وظيفتها الأولى التي خلقها الله من أجلها، وهي رعاية الأسرة وتنشئة الأجيال. وفي حدود هذين الشرطين تتحرك حركتها كلها، وهي حدود واسعة سل عنها الصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن.
ولكن عباد الغرب وشياطينه لم يكونوا يريدون شيئا من ذلك بطبيعة الحال وهم يطالبون للفتاة المسلمة بالتعليم الجامعي وما تبع ذلك من [قضايا]!
• ... • فأما الشياطين فإنهم ما جاءوا يبتغون الإصلاح.. إنما جاءوا للتخريب بادي ذي بدء.
• ... • وأما العباب فليس لهم إلا طريق واحد، لا يرود غيره، ولا يستطيعون رؤية غيره، لأنهم عبيد. والعبد لا يرى إلا ما يراه سيده له، بل يعتقد في دخيلة نفسه أن مجرد اتجاه فكره إلى شيء غير ما يراه السيد هو إثم غير مغفور!
• ... • دارت المعركة، وطالب المدافعون عن قضية المرأة أن يسمح لها بدخول الجامعة أسوة بالرجل ومساواة له.
وقال المعارضون: إن الفتاة لا تصلح للتعليم الجامعي أصلا لأنه لا يناسب طبيعتها، وسيؤثر على أنوثتها، فضلا عن أنه سيشغلها عن الزواج ويعطلها عنه عدة سنوات، وسيصرفها عن الأسرة والبيت- مهمتها الأصلية- وفوق ذلك كله فهناك مشكلة الاختلاط الذي لابد أن يحدث في الجامعة، وهو أمر يخالف الدين والأخلاق والتقاليد.
واستغرقت المعركة ردحاً من الزمن غير قليل. وتقاذف الفريقان الاتهامات الحادة، وضاعت حقائق كثيرة في وسط المعركة كانت على الأقل تستحق دراسة متأنية ليتخذ(69/17)
فيها القرار على بصيرة.فأما المدافعون فالمسألة عندهم منتهية لا حاجة فيها إلى التوقف والدرس. فهم مدفوعون دفعا- بوعي منهم أو بغير وعي- إلى تخريب المجتمع الإسلامي وتدميره، بل مدفوعون دفعا إلى استخدام [قضية المرأة] بالذات لإحداث هذا التدمير.
• ... • وأما المعارضون فمن أي منطلق ينطلقون؟
كان ظاهر الأمر أنهم ينطلقون من منطلق إسلامي.. وقد كثر في كلامهم بالفعل ذكر الدين والأخلاق والتقاليد.. ولكن هل كانوا على وعي حقيقي بالإسلام؟
لقد كان وعيهم به ضئيلا في الحقيقة.. وكان إخلاصهم للتقاليد أعمق في حسهم من الإخلاص للدين! أو قل: إن التقاليد التي كانوا يحرصون عليها ويدافعون عنها كانت مختلطة في حسهم بالدين، ومن ثم كان يختلط عليهم الإخلاص للتقاليد بالإخلاص للدين!
ولكنها لم تكن في الحقيقة تقاليد إسلامية.. إنما كانت تقاليد جاهلية ارتدت إليها المرأة المسلمة في فترة تخلفها العقدي، ثم اختلطت في حسها بالإسلام، وظن المدافعون عنها بإخلاص أنهم يدافعون عن الدين! وكانت عنجهية الرجل ولا شك عنصراً من عناصر القضية..
كان يحب أن يتميز وينفرد بأشياء، سواء كانت مما ميزه الله به حقيقة أو مما ميزته به الجاهلية، ويختلط الأمران معا في حسه، فيعتقد أنهما- كليهما - من صميم الدين، وأنه حين يدافع عن مركزه المتميز، ويدفع المرأة عن اللحاق به، يدافع عن الدين!
ولم يفت المدافعين عن [قضية المرأة ] أن يستغلوا نقطة الضعف هذه في موقف المعارضين، وأن يستغلوها إلى آخر المدى.. فدعوا إلى إخراج الدين كله من القضية، والحديث عنها على أنها قضية تقاليد.. وحين تكون على هذه الصورة، فهي إذن تقاليد عتيقة بالية، ينبغي أن تحطم ويستبدل بها تقاليد جديدة.. عصرية تقدمية متطورة.
وبطبيعة الحال لم يرض المتدينون والحريصون على الأخلاق عن حصر القضية في محيط التقاليد وإخراجها من دائرة الدين، كما كان أعداؤهم يدعونهم كلما احتدمت المعركة بقولهم: لا تزجوا بالدين في كل الأمور! فالدين لا علاقة له بهذه الأمور!!
ولكنهم في النهاية انهزموا وتراجعوا.. ثم صمتوا.. وتقرر الأمر الذي خطط له المخططون، فأصبح [أمرا واقعا] رضي المتدينون أو كرهوا، وأعلنوا رأيهم أو صمتوا عنه.لماذا حدث ذلك؟!
لم يكن [التطور العالمي] كما توهم المتوهمون. ولم يكن ضغط الحضارة الغربية. ولم يكن [الحق] الذي كان مغلوبا، ثم انتصر كما أذاع المدافعون عن قضية المرأة. ولم تكن [طبيعة القضية] وكونها قضية عالمية لابد أن تأخذ مجراها في كل الأرض.. بل لم يكن الغزو الفكري في ذاته هو الذي جعل الأمور تأخذ هذه الصورة.
إنما كان قبل كل شيء: الهزيمة الداخلية الناشئة من الخواء الناجم بدوره عن التخلف العقدي، والانبهار بما عند الغرب، والظن بأنه لابد أن يكون صوابا ما دام آتيا من عند الأقوياء الغالبين!(69/18)
نعم، إنها الهزيمة الروحية هي التي مكنت للغزو الفكري، وهي التي جعلت كل ما يخططه المخططون ينفذ كأنه أمر حتمي لا مرد له، ولا طاقة لأحد بالوقوف في طريقه!
وما كان شيء من ذلك ليحدث لو أن المسلمين كانوا على إسلام صحيح.
• ... • فالعقيدة الحية المتمكنة من القلوب لا تقهر، ولا يتخلى عنها أصحابها مهما وقع عليهم من الضغوط.
• ... • والاستعلاء بالإيمان يقي الناس من الذوبان في عدوهم ولو انهزموا أمامه في المعركة الحربية.
والغنى النفسي الذي يحدثه الإيمان الحق بالله، والغنى الواقعي الذي يحدثه التطبيق الصحيح للمنهج الرباني، يجعل المسلم- فردا وجماعة ومجتمعا ودولة- في غنى عن الاقتراض من عالم القيم والمبادئ- فضلا عن التسول!- وإذا احتاج لشيء من أمور الدنيا يفتقده عنده فإنه يأخذه في استعلاء المؤمن، ويطوعه لمنهجه الرباني، ويصبح مالكا له لا مملوكا له.
• ... • وما كان الغزو الفكري ليتسرب إلى نفوس المسلمين- لو كانوا على إسلام صحيح- ولا إلى عقولهم وأفكارهم ومشاعرهم، حتى يزيلهم عن قاعدتهم، ويجرفهم في التيار.. غثاء كغثاء السيل، كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرنا من الزمان.
• ... • وما كان ضغط الحضارة الغربية ليجلي المسلمين عن مواقعهم، وهي حضارة زائفة ممسوخة في عالم القيم، على الرغم من كل التقدم العلمي والمادي والتكنولوجي الذي يشتمل عليه. وقد كان المسلمون قمينين أن يأخذوا كل التقدم العلمي والمادي والتكنولوجي الذي يحتاجون إليه- كما أخذوا من الروم والفرس أول مرة- دون أن يفقدوا إسلامهم، أو يتخلوا عن ذاتيتهم، أو تختلط القيم والموازين في حسهم.
• ... • وما كان [التطور العالمي] ليغلب المسلمين على أمرهم.. فهو ليس [حتمية] حقيقية كما خيل اليهود للبشرية ليدفعوها في المسار الذي جرفوها إليه. إنما انجرفت أوروبا في تيار التطور اليهودي لخوائها من العقيدة الصحيحة، ولأن عقيدتها الممسوخة لم تكن تصلح للحياة، ولا كانت تقدر على الصمود أمام كيد اليهود. ولكن المسلمين كانوا قمينين أن يصمدوا ولا ينهزموا أمام [التطور] المزعوم، الذي انتكس فيه [الإنسان] أكبر نكسة وقع فيها في تاريخه كله، في مجال القيم والأخلاق والمبادئ؛ بل في مجال [إنسانية الإنسان]ذاتها، بالرغم من البريق الخاطف، وعلى الرغم من كثرة ما قيل في هذا العصر عن [إنسانية الإنسان] ..! كان المسلمون قمينين أن يصمدوا ولا ينهزموا لأنهم يملكون العقيدة الصحيحة من جهة؛ ولأنهم هم المؤهلون أن يقفوا للكيد اليهودي من جهة أخرى، لأن الله وعدهم بالنجاة من ذلك الكيد إن استقاموا على الشرط: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا}.
بل كان المسلمون قمينين أن يصححوا أفكار البشرية الزائغة إزاء لوثة الداروينية، ولوثة التطور، ولوثة المادية، ولوثة التفسير الجنسي للسلوك البشري، والتفسير الآلي للحياة، ولوثة [التحرر] من كل القيم، ولوثة إخراج المرأة من بيتها ووظيفتها، لتكدح وتشقى من أجل لقمة العيش، وتتبذل وتفسد، وتفسد المجتمع كله معها في نهاية الأمر.(69/19)
لو كانوا على إسلام صحيح!
• ... • ولكنهم لم يكونوا.. فأصابهم ما أصابهم.. وبدلا من أن يصححوا للبشرية منهج حياتها، ويهدوها إلى المنهج الحق، تخلوا هم عن منهجهم الرباني، وراحوا يلهثون لهثا وراء الجاهلية الأوربية، ويستأذنونها في مذلة - أن تسمح لهم باللهث وراءها، ولا تحتقرهم ولا تستصغرهم إلى أن يتمكنوا من اللحاق بها في آخر الشوط!
وذلك هو التفسير الحقيقي لما حدث في قضية المرأة، وكل القضايا الأخرى التي ألمت بالمسلمين في أثناء [نهضتهم] المعاصرة.
• ... • دخلت المرأة الجامعة لا [لتتعلم] فقط.. ولكن [لتتحرر]!
لتتحرر من الدين والأخلاق والتقاليد!!
فقد قيل لها- كما قيل للمرأة الأوروبية من قبل- إن التعليم..
والاختلاط.. والحرية.. و[التجربة] كلها [حقوق] للمرأة، كان الدين والأخلاق والتقاليد تمنعها من مزاولتها.. واليوم ينبغي أن تحطم الحواجز كلها لتحصل المرأة على مالها من حقوق.
وبطبيعة الحال لم تكن هناك طفرة.. إنما جاء كل شيء بالتدريج..
وما كان المخططون يتوقعون أن تحدث الطفرة- وإن تلهفت قلوبهم لمشاهدتها- ولا كان ذلك ممكنا في عالم الواقع.
• ... • لقد دخلت أربع فتيات كلية الآداب في [الجامعة المصرية] مقتحمات كل الحواجز القائمة يومئذ، والمجتمع كله- بين مؤيد ومعارض- يرقب التجربة الجديدة، وما يمكن أن تسفر عنه.
وكان هناك- طبعا- قدر من الأدب، وقدر من الحياء، وقدر من الاحتشام، سواء من جانب الفتيات الأربع، أو من جانب الطلاب في مدرجات الجامعة وأفنيتها، والجو كله مملوء بالحذر والترقب.
ومع ذلك كله كتبت أمينة السعيد في مذكراتها التي نشرتها لها[الهلال]- وهي إحدى الفتيات الأربع اللواتي [اقتحمن] الحواجز، ليثبتن جدارة الفتاة المصرية بكذا وكذا مما أثبتن جدارتهن به!- كتبت تقول: إنه في الاختبار الشفوي في آخر العام كانت اللجنة- في اختبار اللغة الإنجليزية- مكونة من أستاذ إنجليزي وأستاذ مصري، وإن الأستاذ الإنجليزي ابتدرها في الاختبار بسؤالها عن رأيها في الحب!
تقول إنها من جانبها تلعثمت في بادئ الأمر. وإن الأستاذ المصري غضب حتى أحمر وجهه من الغضب، وغادر اللجنة، فقال لها الأستاذ الإنجليزي: لا عليك منه! استمري!
وتقول: إنها وجدت نفسها تنطلق في الحديث- عن الحب- بلا تلعثم ولا حياء! وهو المطلوب!
• ... • لم تكن الجامعة المصرية- كما كانت جامعة القاهرة تسمى في ذلك الحين- قد أنشئت لترعى القيم الإسلامية، ولا لترعى تنشئة الشبان والفتيات تنشئة إسلامية.
إنما كانت قد أنشئت لتكون منبرا [حرا].. يهاجم منه الدين والأخلاق والتقاليد مهاجمة شفوية وعملية كلما أمكن، مع الحذر من الخروج السافر دفعة واحدة، حتى ترسخ أقدام الجامعة، وتصبح معلما ثابتاً من معالم الحياة المصرية.. فلا عليها بعد ذلك أن(69/20)
تفعل ما تشاء علانية بدون مواربة، فلن يصيبها يومئذ ما يقتلع جذورها بعد أن تثبت وتستقر.
كانت مدرسة المعلمين العليا- الدنلوبية- قد استنفذت أغراضها في تخريج المدرسين الذين سيوالون تعليم الأجيال فترة غير قصيرة من الزمن، يبثون فيهم ما بث فيهم من قبل من نفور من الدين وأهله، وانسلاخ من آدابه وقيمه، وعبودية مقنعة أو سافرة للغرب.
واليوم يراد توسيع الدائرة.. فالمدرسون مهمون نعم، ومطلوبون نعم، ولكن المدرس بطبيعة نشأته محدود الأفق، محصور في دائرته لا يغادرها، تتحول حياته بعد حين إلى رتابة مملة، فينغلق على نفسه، ويفقد حيويته وخصوبة فكره.. إلا النادر القليل.
ونريد اليوم أن يكون لدينا [مفكرون].. [أحرار] لينشروا[حرية الفكر] على مستوى المجتمع كله.. رجاله ونسائه وكل من فيه.
ومدرسة المعلمين العليا بكل ما قدمت من [خدمات] عاجزة بطبيعة تكوينها عن أداء هذه المهمة الخطيرة. إنما الذي يقدر على ذلك هو الجامعة.
ومن هنا كانت الجامعة محددة الأهداف- عند مخططيها- من أول لحظة.
ولقد فرح الناس بها فرحا شديدا عند مولدها، وأقبل الشباب عليها بلهفة وتشوق، لأنها- في ظاهرها- كانت خطوة تعليمية وثقافية ضخمة، سدت ثغرة كانت موجودة في الحياة المصرية، بعد تجمد الأزهر، وانصراف الناس عنه، والعزلة التي فرضها عليه دنلوب.. ثم لأمر آخر كان يخالج تلك النفوس ويزيد من فرحتها: لقد صرنا الآن مثل أوربا.. صارت لدينا جامعة!
• ... • ولم يكن كثيرون يتوقعون أن تصبح الجامعة منبرا لمهاجمة الإسلام، ولتخريج شباب يستخفون علانية بكل القيم الدينية، يستخفهم الغرور العلمي- أو الجهلي!- متكئين إلى أنهم [خريجوا الجامعة] أي [الطراز] الحديث!- فليس! لأحد أن يتصدى لهم أو يناقشهم أو يخطئهم.. وإلا فهو جاهل رجعي متخلف.. فهنا- في الجامعة- وهنا فقط، يوجد العلم الحق، والأفق الواسع، والفكر المتحرر، والنظرة التقدمية، والروح العلمية، وإرادة الحياة الحرة.. وفي كل مكان آخر- أيا يكن ذلك المكان- توجد الرجعية والجمود والتأخر، والعفن المنتن الذي خلفته عصور الانحطاط، والجهل الفاضح الذي يعيش في الظلمات، غير منفتح على تيار الحياة الحي.. ويكفي أهله سوءا وجهالة وتخلفا أنهم لا يعرفون [لغة أجنبية]!.
ولعل الناس فوجئوا- في أول الأمر- بالمستشرقين الذين يقدحون في الإسلام، ويشوهون صورته، ويهاجمونه جهرة، أساتذة في كلية الآداب يدرسون أفكارهم للطلاب، تحت إشراف طه حسين [عميد الأدب العربي] ورئيس قسم اللغة العربية يومئذ، ومن بينهم المستشرق اليهودي [مرجوليوث] الذي كان يقول: إن محمدا صلى الله عليه وسلم مجهول النسب! فقد كانت العرب تطلق على من لا تعرف نسبه اسم عبد الله، ومن ثم فمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم هو ابن رجل مجهول النسب! وهي فرية لم يقلها أحد غيره من المستشرقين!.
• ... • ولعلهم فوجئوا بطه حسين الذي قال في كتاب [الشعر الجاهلي]: لا للتوراة والإنجيل أن يحدثانا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما كذلك، ولكن(69/21)
هذا وذاك لا يثبت لهما وجوداً تاريخياً)) يصبح في مكان الصدارة في الجامعة الجديدة، ثم يقول في فترة لاحقة، في كتابه [مستقبل الثقافية في مصر]: إن مصر لم تكن قط جزءا من الشرق، وإنما كانت دائما جزءا من حوض البحر الأبيض المتوسط، وكل ما جاءها من الخير جاءها من حوض البحر الأبيض المتوسط، وكل ما جاءها من الشر جاءها من الشرق. ولعلهم فوجئوا بمن يقول: إن قصص القرآن الكريم قصص ((فني)).. يعني لا يتحدث عن حقائق تاريخية وأشخاص حقيقيين.. إنما هي قصص فنية، مبتدعة من الخيال لأغراض فنية!.
وفوجئوا.. وفوجئوا.. وفوجئوا.. وثارت ثائرة من ثار منهم.. ولكنها ثورة أضعف من أن تغير شيئا من الواقع. ومضى الواقع الجديد يثبت أركانه، يمد له المخططون من وراء الستار، وتتبلد عليه مشاعر الناس.. حتى جاء الوقت الذي أصبح [الناس] هم أنفسهم خريجي الجامعة (أو الجامعات فيما بعد).. فتجانست الأفكار والتصورات والدوافع وأنماط السلوك! ولم يعد شيء مما يجري في الجامعات يثير ما يسمى [الرأي العام]!
وإذا كانت كلية الآداب بالذات قد خصصت [لتفريخ] مثل هذه الأفكار والتصورات، وتخريج [مفكرين أحرار] يقومون [بواجبهم] في إزالة [العفن] و [النتن] من الأفكار والعقول، ليضعوا بدلا منها المفاهيم الغريبة عن الدين والأخلاق والتقاليد، ولينشئوا مجتمعا جديدا على هدى المخططين الذين يخططون من وراء الستار، قد تحرر أبناؤه وبناته وصاروا [طلقاء] يفعلون بالدين ما يراد منهم..
• ... • فإن كلية الحقوق قد أنشئت لتخريج أجيال تدعو إلى القانون الوضعي- لأنه تخصصها الذي ربيت عليه، ولم تعلم غيره، فمن الطبيعي أن تتعصب له، وتعادي كل شيء غيره- وتبعد عن الأذهان نهائيا قضية تحكيم شريعة الله، لأنها غير واردة في أذهانهم أصلا.. ومن هؤلاء يكون رجال السياسة ورجال الحكم، والأسماء البارزة اللامعة في المجال الاجتماعي.
• ... • أما الكليات العملية فهي تخرج الفنيين من أطباء ومهندسين وزراعيين وغيرهم.. ولكنها تخرجهم على الطريقة الغربية البحتة، أي [علمانيين] لا يطيقون الحديث في أمور الدين- فضلا عن أن يتدينوا هم أنفسهم- لأنهم طلاب [علم] والدين خرافة، ولأنهم [واقعيون] والدين أساطير، ولأنهم [عقول مفكرة] لا ينبغي لها أن تتدنى إلى مستوى العوام الذين لم يطلعوا على [الحقائق العلمية]. وفضلا عن ذلك فإنهم أيتميزون، عن أمثالهم من أ العلمانيين، في الغرب، بكونهم يحتقرون لغة بلادهم، لأنها لغة متخلفة لا تصلح للعلم، ويتحدثون- من ثم- بلغة السادة المتحضرين، ويرفضون أن ينظروا في أي كلام مكتوب بالعربية، لأن العربية أصلا هي لغة الجمود والتخلف، ولو كافي المكتوب بالعربية هو القرآن.. بل إن هذا الكتاب بالذات هو أشد ما ينفرون من قراءته أو النظر إليه!
وهكذا تتواكب الكليات وتتواكب التخصصات.. لتخرج في النهاية الجيل المطلوب لأعداء الإسلام! الجيل المتجه بكليته إلى الغرب، النافر من [الرجوع] للإسلام.
• ... • وكما كان من أهداف الجامعة تخريج الجيل الجديد من [الرجال المتحررين]- الذين أداروا ظهورهم للإسلام وولوا وجوههم شطر الغرب- سواء من كلية الآداب(69/22)
أو الحقوق أو الكليات العملية، فقد كان من أهدافها كذلك تخريج الجيل الجديد من [النساء المتحررات] اللواتي انسلخن من الدين والأخلاق والتقاليد.. فقد كانت [الفتاة الجامعية]..[المثقفة].. [المتحررة].. عنوانا للتغير المطلوب، ودافعا في الوقت ذاته إلى مزيد من [التحرر] المطلوب!
• ... • ولكن هنا تأتي وسائل الإعلام الأخرى لتمد [قضية المرأة] باللهيب الدائم الذي لا يخبو أواره، حتى يتم المطلوب كله، وفي أقصى صورة ممكنة.
فلئن كان [اللهيب] قد ابتدأ- أو اشتعل- في مسرحية المظاهرة النسائية التي أحرقت الحجاب في ميدان الإسماعيلية أمام ثكنات الجيش الإنجليزي، فالصحافة المصرية- اللبنانية المسيحية المارونية- تواكب [القضية] وتدفعها دائما إلى الأمام.
• ... • إن عدسة الصحافة تلاحق [الفتاة الجامعية] لترصد جميع تحركاتها.. وتختار- بطبيعة الحال- الوجوه الجميلة لتجعلها [إعلانا] عن القضية.. وتتنوع التعليقات، ولكنها كلها تبارك تلك الخطوة الجبارة التي خطتها الفتاة المصرية، والتي حطمت فيها القيود والحواجز، وأخرجت المرأة المصرية من سجن [التقاليد] المظلم، ومن عقلية القرون الوسطى المظلمة . لترى النور.. لتتحرر.. لتشارك في أمور المجتمع!
وفي ظل تلك التعليقات تسنح الفرصة وهي دائما سانحة لمهاجمة تلك [التقاليد]التي تجعل المرأة حبيسة البيت مستعبدة للرجل ناقصة الآدمية مهضومة الحقوق لا عمل لها إلا الحمل والولادة والرضاعة و[خدمة]الرجل وتربية الأولاد
• ... • ولابد من وقفة هنا لبيان حقيقة، سبقت الإشارة إليها، ولكنها تحتاج إلى مزيد من الإيضاح.
إن المرأة كانت مظلومة بالفعل، وكانت تعامل معاملة سيئة بالفعل، وكانت تعير بأنها جاهلة، وبأن مهمتها هي أن تحمل وتلد ولا شأن لها بشيء آخر.. وكانت هذه نظرة [جاهلية] تسربت إلى المجتمع المسلم حتى تخلف عقديا، وفسد كثير من مفاهيمه الإسلامية، والجاهليات تجنح - غالبا- إلى تحقير المرأة وازدرائها،! لا أن تجنح- كالجاهلية الإغريقية الرومانية، ووريثتها الجاهلية المعاصرة- إلى تدليل المرأة!إفسادها خلقيا لتصبح مسرحا لشهوة الرجل.
وكان وضع المرأة في مصر- وفي العالم الإسلامي كله- في حاجة إلى تصحيح، لرد الكرامة الإنسانية إليها، ووضعها في المكانة اللائقة بها بوصفها [إنسانة] كرمها الله حين قرر الكرامة لكل بني آدم:{ولقد كرمنا بني آدم}وساواها في الإنسانية بالرجل حين قرر أنه {بعضكم من بعض}
وقرر لها احتراما وتوقيرا خاصا في وضع الأمومة من أجل ما تتكبده في الحمل والرضاعة: {حملته أمه كرها ووضعته كرها} وجعل الجنة تحت أقدامها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
• ... • وكان هذا الوضع المنحرف عن أوامر الإسلام وتوجيهاته هُو هو الذي فتح الثغرة للغزو الفكري، وهو هو الذي استغله الشياطين لينفذوا منه إلى المجتمع الإسلامي- في كل بلاد الإسلام- وينفذوا مخططاتهم فيه..
• ... • ولو كان المجتمع الإسلامي يطبق الإسلام في صورته الصحيحة فمن أين كان ينفذ الشياطين؟(69/23)
كانت أوروبا- في جاهليتها- ستصيح صيحتها، و[تحرر] نساءها من الدين والأخلاق والتقاليد، وتخرج المرأة هناك سافرة متبرجة عارية، وتملا الشوارع والمصانع والمكاتب والدواوين، وتغرق- هي والرجل- في علاقات دنسة، تدنس الجسد والروح، وتتفكك الأسرة، ويتشرد الأطفال، وتنتشر الجريمة والخمر والمخدرات والقلق والأمراض العصبية والنفسية والانتحار والجنون.. ويظل المجتمع الإسلامي في تماسكه، ورفعته ونظافته وتطهره، ينظر رجاله ونساؤه إلى كلك الجاهلية نظرة استنكار ونفور واستعلاء.
• ... • وربما قال قائل: إن ما بدا اليوم من عوار الجاهلية المعاصرة لم يكن واضحا للعيان يوم بدأت[الحركة النسائية] في العالم الإسلامي، ومن ثم كان العالم الإسلامي عرضة للافتتان [بقضية المرأة] في وجهها [الإصلاحي]، قبل أن يظهر ما تحتويه في باطنها من الفساد.
• ... • وهذا قول مردود..
ففي وقت مبكر نسبيا- عام 1929 م- كتب [ول ديورانت]، الكاتب الأمريكي، في كتابه [مباهج الفلسفة] هذه الكلمات:
((فحياة المدينة تفضي إلى مثبط عن الزواج، في الوقت الذي تقدم فيه إلى الناس كل باعث على الصلة الجنسية،. وكل سبيل يسهل أداءها. ولكن النمو الجنسي يتم مبكرا عما كان من قبل، كما يتأخر النمو الاقتصادي.. ولا مفر من أن يأخذ الجسم في الثورة، وأن تضعف القوة على ضبط النفس عما كان في الزمن القديم، وتصبح العمة التي كانت فضيلة موضعا للسخرية، ويختفي الحياء الذي كان يضفي على الجمال جمالا، ويفاخر الرجال بتعداد خطاياهم، وتطالب النساء بحقها في مغامرات غير محدودة على قدم المساواة مع الرجال، ويصبح الاتصال قبل الزواج أمرا مألوفاً، وتختفي البغايا من الشوارع بمنافسة الهاويات لا برقابة البوليس..،
((.. وما يحدث من إباحة بعد الزواج فهو في الغالب ثمرة التعود قبله. وقد نحاول فهم العلل الحيوية والاجتماعية في هذه الصناعة المزدهرة، وقد نتجاوز عنها باعتبار أنها أمر لا مفر منه في عالم خلقه الإنسان. وهذا هو الرأي الشائع لمعظم المفكرين في الوقت الحاضر. غير أنه من المخجل أن نرضى في سرور عن صورة نصف مليون فتاة أمريكية يقدمن أنفسهن ضحايا على مذبح الإباحية وهي تعرض علينا في المسارح وكتب الأدب المكشوف، تلك التي تحاول كسب المال باستثارة الرغبة الجنسية في الرجال والنساء المحرومين- وهم في حمى الفوضى الصناعية- من حمى الزواج ورعايته للصحة )).
((... حتى إذا سئمت فتاة المدينة الانتظار، اندفعت بما لم يسبق له مثيل في تيار المغامرات الواهية. فهي واقعة تحت تأثير إغراء مخيف من الغزل والتسلية وهدايا من الجوارب وحفلات من الشمبانيا في نظير الاستمتاع بالمباهج الجنسية. وقد ترجع حرية سلوكها لي بعض الأحيان إلى انعكاس حريتها الاقتصادية، فلم تعد تعتمد على الرجل في معاشها. وقد لا يقبل الرجل على الزواج من امرأة برعت مثله في فنون الحب. فقدرتها على كسب دخل حسن هو الذي يجعل الزوج المنتظر مترددا، إذا(69/24)
كيف يمكن أن يكفي أجره المتواضع للإنفاق عليهما معا في مستواهما الحاضر من المعيشة؟ )).
((... ولندع غيرنا من الذين يعرفون يخبرونا عن نتائج تجاربنا.. أكبر الظن أنها لن تكون شيئا نرغب فيه أو نريده. فنحن غارقون في تيار من التغيير، سيحملنا بلا ريب إلى نهايات محتومة لا حيلة لنا في اختيارها. وأي شيء قد يحدث مع هذا الفيضان الجارف من العادات والتقاليد والنظم... )).
فإذا كان هذا قد كان واضحا عند رجل غير مسلم- بل رجل ملحد ساخر بكل القيم الدينية والأخلاقية- مثل ول ديورانت، قبل أكثر من نصف قرن من الزمان، فقد كان الأحرى أن يكون واضحا تماما عند المجتمع المسلم، الذي يهتدي ببصيرته الإيمانية، المستمدة من إيمانه بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والذي يرى حتمية السنن الربانية في الحياة البشرية حين يقدم الناس لها الأسباب، ويؤمن بالنتائج السيئة المترتبة على فساد الأخلاق في حياة الأمم وحياة الأفراد.
• ... • ولكن القضية أن المجتمع الإسلامي كان بعيداً عن حقيقة الإسلام.
ومن هنا وجدت الثغرة التي ينفذ منها الشياطين.
وحين نفذوا فإنهم لم يقولوا إن المجتمع قد بعد عن الإسلام الصحيح وينبغي أن يعود إليه.. فما لهذا جاءوا، وما لهذا أطلقوا صيحاتهم! إنما هم كانوا يعملون- بجهدهم كله- ليخرجوا هذه الأمة من الإسلام، وليرسموا لها الطريق الذي يبعدها نهائيا عنه، ويمنعها- بكل سبيل- من العودة إليه.
• ... • ولئن كانوا قد استخدموا الإسلام في بادئ حركتهم- كما استخدمه قاسم أمين وغيره- ليتترسوا به من قذائف المعارضين، الذين سيرمونهم- ولا شك- بالمروق من الدين، فإن هذه المرحلة سرعان ما استنفدت أغراضها، ووقفوا موقفهم الحقيقي من الإسلام، وهو موقف النبذ والمعارضة والهجوم، على مرحلتين متتابعتين- بحكم الظروف- الأولى هي مهاجمة [التقاليد].. والأخرى هي مهاجمة [الدين] باسمه الصريح. في مرحلة الهجوم الأولى هاجموا التقاليد التي كانت ظالمة بالفعل، من تأثير الردة الجاهلية التي كان المجتمع الإسلامي قد ارتد إليها نتيجة تخلفه العقدي، وعدم تطبيقه الإسلام على صورته الحقيقية، ولكنهم حرصوا على أن يدخلوا في دائرة الهجوم التقاليد الإسلامية الحقيقية التي قررها الله ورسوله، إلى جنب مع التقاليد الفاسدة، ويطلقوا عليها جميعا أنها تقاليد [بالية] ينبغي أن تحطم وأن تغير، كما حرصوا على أن يسموها كلها بأنها من تراث العصور الوسطى [المظلمة]، التي ينبغي لها أن تمحى من الوجود في العصر الحديث.. عصر النور.. والتحرر.. والانطلاق!
• ... • وكان في هذا الهجوم- على هذا النحو- خبث ماكر ولا شك. فحقيقة إن كلا النوعين من التقاليد- الصحيح والفاسد- كان قائما في الحياة الإسلامية، بعضه إلى جانب بعض، ولكن كان من السهل- لو خلصت النيات- فرز هذه من تلك، والإبقاء على التقاليد الحقة، المستمدة بالفعل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومحاربة التقاليد الفاسدة، التي جاءت من الردة الجاهلية في شأن المرأة، حتى لو اقتضى الأمر خوض معركة مع المتمسكين بها، فإنما برز [العلماء] في حياة هذه(69/25)
الأمة بالمعارك الحادة التي خاضوها ضد انحرافات المجتمع، ولو كان المجتمع كله غارقا فيها، وتركوا بصماتهم الإصلاحية بمقدار ما بذلوا من جهد، وبمقدار ما كان هذا الجهد مخلصا متجردا لله.
• ... • لكن الخبثاء استغلوا ما غشي الإسلام من غبش في نفوس معتنقيه، فلم يعودوا يميزون بين الحق والباطل، واستغلوا بصفة خاصة جهالة [المثقفين]، فهاجموا الظلم البين الذي يأباه الله ورسوله، وأدخلوا معه تقاليد الإسلام الحقيقية على أنها من الظلم الذي ينبغي إزالته، وزعموا في بادئ الأمر- أنها ليست من الدين، إنما هي من وضع رجال متزمتين، اخترعوها من عند أنفسهم وألصقوها بالدين! حتى إذا زرعوا كرهها والنفور منها في قلوب أولئك [المثقفين]، وضمنوا لهذا النفور الثبات والرسوخ في قلوبهم، صارحوهم في المرحلة الأخيرة أنها من الدين! وقالوا لهم جهرة: إن [الدين]ذاته هو البلاء الذي ينبغي التخلص منه ونبذه وراء الظهور!
• ... • هاجموا ترك المرأة جاهلة بلا تعليم.. وكان هذا بالفعل من التقاليد الفاسدة التي انزلق إليها المجتمع الإسلامي بعيدا عن تعاليم الإسلام.
• ... • وهاجموا احتقارها وازدراءهما، وتعييرها بأنها تحمل وتلد ولا شأن لها بشيء آخر، وكان هذا بالفعل من التقاليد الفاسدة المضادة تماما لتعاليم الإسلام.
• ... • وهاجموا تزويجها بغير إذنها وبغير رغبتها، وكان هذا كذلك من التقاليد الفاسدة المخالفة للنصوص الصريحة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولكنهم- إلى جانب ذلك- هاجموا حجابها، وهاجموا استقرارها في بيتها، وعدم خروجها إلا للضرورة، وصوروا ذلك بأنه سجن وضعها الرجل فيه أنانية منه وظلما، بينما هي أوامر صريحة من الله سبحانه وتعالى لأمهات المؤمنين ولنساء المؤمنين معهن. وطالبوا بخروجها إلى [المجتمع] سافرة [متحررة] بغير قيد، وهو أمر نهى الله عنه نهيا صريحا في آيات مبينات:
{وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}.
{يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن}.
{وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن}.
• ... • ولكن المهاجمين- في الجولة الأولى- خلطوا الحابل بالنابل- عن عمد- وجعلوا القضايا كلها تقاليد عتيقة بالية عفي عليها الزمن، ولم يعد يستساغ وجودها في عصر الحرية والنور!
أما في الجولة الثانية (وسيأتي الحديث عنها) فقد أصبح الدين ذاته هو الرجعية التي ينبغي أن ننبذها لنكون [تقدميين]!
• ... • قلنا إن الصحافة- سواء اللبنانية المسيحية المارونية، أو المصرية الصميمة التي يشرف عليها من يحملون أسماء إسلامية- قد تابعت [قضية المرأة] باهتمام ملحوظ، وحرصت على تغذية المعركة بالوقود الدائم الذي لا يفتر، كما حرصت على متابعة[الفتاة الجامعية] وهي تشق طريقها [الصاعد] الذي تدوس فيه كل المقدسات لكي تصل إلى [النور]!(69/26)
وكان من بين ما حرصت عليه تلك الصحافة- والمجلات الأسبوعية بصفة خاصة- إبراز [الروح الجامعية].
ولا يتبادر إلى ذهن أحد أن المقصود بالروح الجامعية هو روح البحث العلمي، والتعمق في أخذ الأمور، وعدم التسرع في إصدار الأحكام حتى يتثبت الباحث من أن لديه من الدلائل ما يسند الحكم الذي وصل إليه.. إلى آخر هذه المعاني التي تخطر على البال حين تذكر [الجامعة] وتذكر[الروح الجامعية].. والتي كان نصيب [الجامعيين] منها في غالبية الأحيان ضئيلا للغاية..! إنما [الروح الجامعية]- اعلم هداك الله- هي ممارسة الاختلاط في الجامعة بين البنين والبنات، ومقدار ما يقع في هذه الممارسة من تحرر وانطلاق، وانعتاق من سجن التقاليد البالية التي تفصل شقي المجتمع بعضهما عن بعض، وتضع بينهما الحواجز التي تعيق الأمة كلها عن التقدم والارتقاء..!
• ... • وحذار أيتها الفتاة أن تنهزمي في المعركة! فالمجتمع كله ينظر إليك ويرقب نتيجة المعركة.
• ... • حذار أن تغضي بصرك! فغض البصر معناه عدم الثقة بالنفس، وهو من مخلفات القرون الوسطى المظلمة، التي كانت تنظر إلى المرأة على أنها دون الرجل.. فتغض بصرها!
أما أنت يا حاملة الراية فارفعي رأسك عاليا، لتثبتي أنك مساوية للرجل في كل شيء، وأنك ند له في كل شيء.
شيئان ينبغي أن [تحرر] منهما الفتاة الجامعية.. غض البصر.. والحياء!
• ... • وفتاة الجامعة ينبغي كذلك أن تكون رشيقة خفيفة الحركة! فإليك الأزياء.. انتقي منها ما يناسبك.. وما يظهر رشاقتك.. وأظهري من [زينتك] بقدر طاقتك!
لا حرج عليك.. ماذا تخشين؟!
أتخشين الدين؟ والأخلاق؟ والتقاليد؟
تعالي معا نحطم الدين والأخلاق والتقاليد، التي تريد أن تكبلك في حركتك فلا تكوني رشيقة كما ينبغي لك!
وينبغي كذلك أن تكوني جذابة!
فهكذا المرأة[المتحررة] من صفاتها أن تكون جذابة.. في مشيتها..في حركتها.. في حديثها!
ألا ترغبين أن [ينجذب] إليك فتى الأحلام.. شريك المستقبل؟!
إن لم ينجذب هذا، فلينجذب غيره.. المهم أن يكون هناك دائما من يتطلع إليك.. ويعجب بك.. ويرغب فيك!
وبدأت[الفتاة الجامعية]تتخلع في مشيتها وتتكسر، وتتخلع في حديثها وتتكسر، وأصبح هذا عنوان[المرأة الحديثة]أو[المرأة المتحررة] التي تملأ الشارع، فيعج الشارع بالفتنة الهائجة التي لا تهدأ ولا تستقر.. وهو المطلوب!
أما البيت.. فآخر ما تفكر فيه الفتاة الجامعية..
لقد نعت لها بكل نعت مقزز منفر.. حتى أصبح البقاء فيه هو المعرة التي لا تطيق فتاة جامعية أن تلصق بها..(69/27)
البيت هو السجن.. هو الضيق.. هو الظلام.. هو التأخر.. هو..الرجعية.. هو [عصر الحريم].. هو التقاليد البالية.. هو القرون الوسطى المظلمة.. هو دكتاتورية الرجل.. هو شل المجتمع عن الحركة، ودفعه إلى الوراء..!
إنما تتعلم الفتاة الجامعية لتعمل.. لا لتبقى في البيت كما كانت تصنع جدتها الجاهلة المتأخرة الرجعية القابعة في سجن التقاليد.. المستعبدة للرجل..
وحين تعمل تنمى شخصيتها.. تصبح إنسانة ناضجة!
أما حين تبقى في البيت.. فلأي شيء تبقى؟! لتطبخ وتغسل.. يا للعار!! أو تحمل وتلد وترضع.. إن هذا الأمر- حتى لو حدث- لا ينبغي
حتى أن يمنعها من العمل. فالمرأة [الحديثة] قد تغلبت على هذه المشكلة، ونسقت بين حياتها الزوجية وبين العمل، فلم يعد شيء يعوقها عن العمل بعد الزواج.. أما قبل الزواج فالعمل، ولا شيء غير العمل!
• ... • ولسنا هنا نناقش هذه اللوثة.. ولا الآثار التي ترتبت على [ترجيل المرأة]في أوربا وإفساد فطرتها، وتنفيرها من أن تكون على فطرتها التي فطرها الله عليها، ودفعها دفعا إلى التنصل من كل ما يتعلق بأنوثتها من قيم وممارسات (وتركيز الأنوثة كلها في لحظة الجنس الدنسة المسعورة) ودفعها إلى التشبه بالرجل، وتعليمها على مناهج الرجل، وتوجيه مشاعرها إلى العمل لا إلى البيت!
لا نناقش هنا هذه اللوثة.. ويكفينا أن نشير إلى أن المرأة الأوروبية نفسها قد بدأت تتعب من لوثتها، وتحن إلى العودة إلى بيتها وفطرتها وبدأت تدرك أن اللعبة كلها لم تكن لصالحها...
إنما نتتبع فقط- في بلادنا- خط إخراج الأمة الإسلامية من الإسلام.. وتركيز المخططين على [قضية المرأة]،لعلمهم أنها من أفعل الوسائل في الوصول إلى الهدف المطلوب.
• ... • لم تكن الصحافة وحدها هي التي تعمل.. وإن كانت من أهم الأدوات.. إنما القصة والمسرحية والسينما والإذاعة..كلها أدوات.
فأما القصة والمسرحية فقد بدأتا- كما كان متوقعا- بالترجمة، وانتهتا بالتأليف. وأما السينما فقد ظلت أجنبية فترة غير قصيرة من الوقت، قام ناس فقالوا: إن من العار علينا ألا تكون لنا سينما وأفلام [وطنية] أي متكلمة باللغة العربية (نقصد العامية) فقامت [الجهود] وتكاتفت حتى برزت تلك الأفلام إلى الوجود.
• ... • فأما الإذاعة فقد جاءت متأخرة نوعا ما.. ولكنها سرعان ما لحقت الركب وشاركت في الموكب [الكبير]..
• ... • لقد تكاتفت الأدوات كلها للوصول في النهاية إلى هدف واحد.. صرف هذه الأمة عن دينها وأخلاقها وتقاليدها. وإنشاء مجتمع [جديد] لا يحفل شيئا بالقيم الدينية، لا يجعلها نصب عينيه، ولا يستمد منها منهج حياته، ولا يلجأ إليها في تكوين أفكاره ولا اهتماماته ولا عاداته ولا أنماط سلوكه. لا بل إن ذكرها- في أي وقت- فهو ذكر السخرية والاستهزاء والاستخفاف. ولا نحتاج هنا أن نتحدث عن هذه الوسائل (خاصة بعد أن أضيف إليها التليفزيون والفيديو) وعن آثارها المدمرة في حياة الأمة، فهذا واقع مشهود، يشهده الناس كل يوم وكل لحظة، ويرون بأعينهم آثاره في أولادهم(69/28)
وبناتهم، ويرون بأعينهم كيف يعجزون عن صد آثاره المتلفة، ووقاية أولادهم وبناتهم من تلك الآثار.
إنما نذكر فقط [عينات] سريعة قد تعين في تصور التخطيط الذي يكمن وراء التنفيذ.
• ... • كتبت [روز اليوسف] في مذكراتها- وكانت تقوم بالتمثيل على المسرح قبل اشتغالها بالصحافة وإصدار مجلتها التي تحمل اسمها- كتبت تقول: إنها طلبت إعانة لمسرحها من الحكومة، وكانت مصر إذ ذاك خاضعة للنفوذ البريطاني المباشر، فنصحها المندوب السامي البريطاني (وهو الحاكم الحقيقي في مصر في ذلك الحين) أن تذهب إلى الريف، وتعرض مسرحيتها هناك، فإن فعلت ذلك نالت الإعانة في الحال!.
والهدف واضح..
فالريف المصري في ذلك الوقت [مسلم] في عمومه، محافظ على بقايا من الدين والأخلاق، ومحافظ بشدة على [التقاليد] المستمدة من الإسلام (بصرف النظر عما غشاها في بعض الجوانب من الانحرافات) ومن أشد ما يحافظ عليه الريف من التقاليد- وفي الصعيد خاصة- قضية الحجاب وقضية العفة وقضية العرض.. وقضية صيانة المرأة بصفة عامة من التبذل والانحلال والانفلات!.وبقاء الريف على هذه الصورة عقبة ولا شك أمام المخططين، فالريف هو معظم مصر. ولن يؤتى المخطط ثماره كاملة إن فسدت العاصمة وحدها، وبقي الريف سليما حتى ولو في محيط التقاليد.. فإن هذا يطيل الأمر على المخططين، ويستنفذ من وقتهم وجهدهم شيئاً غير قليل (لم تكن الإذاعة قد أنشئت بعد، ولا التليفزيون بطبيعة الحال)فمن هنا يوجه المندوب السامي البريطاني [روز اليوسف]-وهو أعلم بحقيقتها، وحقيقة دورها- أن تذهب إلى الريف، لعل مسرحها ومسرحياتها أن تزحزحه قليلا عن تقاليده الصامدة، فيأخذ في حالة [الذوبان].. فتنفرج الأمور.
• ... • نجيب الريحاني ممثل فكاهي موهوب، وصاحب [مدرسة] في الثمثيل كما يقول نقاد المسرح. ولكنه صليبي لا ينسى صليبيته، هان غلفها [بالفن].. بل هي عن طريق أ الفن، تبلغ مداها الخبيث دون أن يحس الناس بالأمر، لأنهم مشدودون إلى البراعة الفنية المؤثرة، فيتلقون التأثير الخفي وهم في نشوة الإعجاب. فينساقون وراء التأثير.
له فيلم سينمائي يسخر فيه من مدرس اللغة العربية ومن اللغة العربية سخرية ماكرة- مقصودة بلا شك- فيصور مدرس اللغة العربية بائسا مسكينا تبعث كل مواقفه على السخرية به، ولا يثير الاحترام عند أحد، ويجعل فتاة مائعة تحاول أن تقرأ نصا عربيا في درس المطالعة فتخطئ أخطاء مضحكة- يضحك لها الجمهور الغافل- ولكنها تقدم في سياق الأحداث بالصورة التي توحي للمشاهد أن البنت معذورة.. فاللغة هكذا.. صعبة على الإفهام! لا يمكن للمتعلم أن يستوعبها مهما بذل المعلم من الجهد!
• ... • جورجي زيدان هو أحد مؤسسي دار الهلال (والآخر هو أخوه إميل زيدان) وهما- كما أسلفنا- من اللبنانيين المسيحيين المارونيين الذين اتجهوا إلى تأسيس الصحافة في مصر. ولكن جورجي زيدان يزيد- على كونه صحفيا- أنه يكتب قصصا(69/29)
وروايات [إسلامية] تتناول أحداث التاريخ الإسلامي في ثوب فني.. وقد تناول في رواياته عدة أحداث تاريخية، وله قدر من البراعة الفنية- بالنسبة لوقته على الأقل- تجعل القارئ يتابع رواياته في شغف وتأثر.
فكيف تناول أحداث التاريخ الإسلامي؟!
إنه ما من مرة ينسى فيصور المسلمين في موقف [إسلامي] يبعث على الإعجاب بهم، أو تقديرهم واحترامهم، فضلا عن أن يبعث في المسلم الاعتزاز بأمجاد الإسلام..
إنهم أي المسلمون إما غارقون في الطرب واللهو، والجري وراء شهواتهم، سواء شهوة الجنس أو شهوة الملك أو شهوة المال.. وإما واقفون مواقف جادة تثير الإعجاب، لأن واحدا من [أهل الكتاب]- سواء كان يهوديا أو نصرانيا- هو الذي يشير عليهم ويخطط لهم، ويقف وراءهم يساندهم في التنفيذ! فإن لم يكن ذلك الواحد من أهل الكتاب حاضرا في الصورة، فالمسلمون في لهوهم وعبثهم، وخلافاتهم وشجاراتهم، ومؤمراتهم الهابطة.. يسلمون أنفسهم إلى الضياع.. وهذا متى؟ في أشد الأوقات التي كان المسلمون فيها ممكنين في الأرض، تدين لهم الدنيا بالطاعة والإذعان !!
تخصص مجموعة من القصصيين والمسرحيين والسينمائيين في موضوع معين، يتكرر بصورة مختلفة، خلاصته أن فتاة- جامعية في الغالب، ومتعلمة بصفة عامة- لها [صديق].. يقع بينهما ما يقع- على درجات مختلفة من الوقوع!- ثم يتقدم للزواج منها فيرفضه أبواها- الريفيان في الغالب، والرجعيان التقليديان بصفة عامة- إما لأنهما يرتبان لها زواجا معينا بعقليتهما المتخلفة، وإما لأنهما- حرصا منهما على [التقاليد]- يشعران بميل الفتاة له فيرفضانه من أجل هذا السبب بعينه.. ثم تمضي القصة أو المسرحية أو الفيلم بإصرار الفتاة على موقفها، بصورة مختلفة من الإصرار، أدناها رفض الخطيب الذي يقدمه لها والداها، وأشدها ترك البيت والهروب مع [الصديق].. وينتهي الأمر في كل حالة بتنفيذ ما أصرت عليه الفتاة، ورضى الوالدين، أو تسليمهما لأمر الفتاة التقدمية إذعانا للأمر الواقع، أو اقتناع الأم خاصة، ومحاولة إقناعها الأب بأنهما كانا مخطئين، وأن الفتاة على حق!.
• ... • تخصص مجموعة من الكتاب- في وقت من الأوقات- في القول بأن المجتمع لم يكن نظيفا من الجريمة الخلقية وقت أن كان محافظا على التقاليد.. وأن الفاحشة كانت تقع تحت ستار الحجاب.. وذلك ردا على الذين كانوا يقولون: إن السفور والاختلاط سيؤديان حتما إلى التحلل الخلقي.
وكون المجتمع- أي مجتمع مهما كان محافظا- لا يخلو من وقوع جريمة فيه، فهذه حقيقة.. يكفي شاهدا لها أن الفاحشة وقعت في مجتمع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكنه من التبجح الغليظ أن يقال إنه ما دامت الفاحشة تقع هنا وتقع هناك، فلا فائدة في الدين، ولا فائدة في الأخلاق، ولا فائدة في التقاليد، ولا قيمة لكل التوجيهات الخلقية! فهناك فارق ضخم بين مجتمع لا تقع فيه الجريمة إلا شذوذا يستنكر، وتنال عقوبتها الرادعة حين تقع، ومجتمع يعج بالفاحشة حتى تصبح العفة فيه هي الشذوذ المستنكر!(69/30)
• ... • كتب إحسان عبد القدوس في إحدى توجيهاته التي كان يبثها في مجلة[روز اليوسف]: إنني أطالب كل فتاة أن تأخذ صديقها في يدها، وتذهب إلى أبيها، وتقول له: هذا صديقي!
• ... • كتب أنيس منصور في إحدى مقالاته في أخبار اليوم إنه زار إحدى الجامعات الألمانية ورأى هناك الأولاد والبنات أزواجا أزواجاً مستلقين على الحشائش في فناء الجامعة.. قال: فقلت في نفسي: متى أرى ذلك المنظر في جامعة أسيوط! لكي تراه عيون أهل الصعيد، وتتعود عليه!
هذا وغيره فضلا عن آلاف بل ملايين الصور العارية..والأغاني العارية.. والأفكار العارية.. والنكت العارية.. التي تملأ الصحف والمجلات والإذاعة والسينما والتليفزيون.. وآلاف بل ملايين الأجساد العارية في كل مكان: في الشوارع والمكاتب ووسائل المواصلات والشواطئ العارية في فصل الصيف..
وفضلا عن التفاهة التي تشيعها السينما والإذاعة والتليفزيون في نفوس مشاهديها ومستمعيها.. التفاهة التي تجعل النفوس لا تتجه لشيء جاد.. فضلا عن أن تتجه لله واليوم الآخر، أو للجهاد في سبيل الله!
• ... • ولم تكن [قضية المرأة] وحدها، وما نتج عنها من الفساد الخلقي، هي التي استخدمت في فك ارتباط المجتمع بجذوره الإسلامية، فقد كان الجهد المبذول شاملا لجميع الميادين بلا استثناء، وإن كانت [قضية المرأة] والفساد الخلقي الناشئ من [التحرر]، من أفعل الوسائل في فك ذلك الارتباط.
المصدر / موقع الدر المكنون
ـــــــــــــــــــ
امتهان المرأة في وسائل الإعلام
جميلة.. رشيقة.. متمردة.. حالمة.. مثيرة.. هكذا تظهر الأنثى فى وسائل الإعلام والأعمال الدرامية والفضائيات، فهل هذه هى «الأنثى» الحقيقية؟ وكيف تؤثر الصورة النمطية للأنثى على الأسرة ؟ وهل ما يقدم بالفعل هو رؤية عامة للمجتمع، أم أنه رؤية وسائل الإعلام الخاصة المتناقضة تمامًا مع الواقع ؟
الإجابة فى هذا التحقيق:
استغلال سيئ
تقول د. منال أبو الحسن - أستاذة الإعلام بجامعتى الأزهر و6 أكتوبر، وعضو اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل -: أظهرت أحدث الدراسات الإعلامية أن كلاً من الفيديو كليب والإعلان يستغلان جسد الأنثى فى الأعمال التجارية، وتسويق المنتجات، والأسوأ من ذلك أن الفيديو كليب يستخذم هذه الأنوثة فى نشر الرذيلة والفاحشة؛ إذ يركز تصوير الکيديو كليب على أماكن الإثارة والإغراء فى جسد الأنثى، كما يصورها غالبًا فى دور العاشقة التى تتدلل على حبيبها.
أما المسلسلات والأعمال الدرامية، فكثير منها يصور الأنثى على أنها كائن يعانى من مشكلات سببها دائمًا - أنها أم وزوجة - ومعنى ذلك أن دورى المرأة الأساسيين هما سبب تعاستها، ويكمن حل هذه المشكلات فى هذه الأعمال الدرامية فى أن تتمرد الأنثى على هذين الدورين ومسئولياتها.(69/31)
كما يلاحظ أن كثيرًا من الأعمال الدرامية تدعو المرأة إلى التمرد، وتقلل من قيمة ربة البيت.
وتضيف د. منال: من حق المشاهد أن يرى نموذجًا يقتدى به فى وسائل الإعلام، ولكن نموذج الأنثى الذى تقدمه وسائل الإعلام يصعب الاقتداء به، بل إنه يؤدى إلى زيادة التفكك الأسرى، فعندما تعرض وسائل الإعلام الأنثى دائمًا بصورة مبهجة ومظهر أنيق، وفى أبهى زينة وأجمل ثياب، وهو ما يتحقق فى الواقع بين الإناث بنسبة 30% فقط، فهذا قد يؤدى إلى زهد الأزواج فى زوجاتهم اللاتى قد لا تستطيع الكثيرات منهن الوصول إلى ذات الدرجة من جمال إناث الإعلام.
ومن هنا تحدث المشكلات بين الأزواج، ويشعر الزوج بأنه غير راض عن مستوى جمال زوجته.
خطاب الندية والصراع
وكانت صورة المرأة فى وسائل الإعلام هى محور المنتدى الفكرى الأول للمجلس القومى للمرأة، وفى هذا المنتدى أكد الإعلامى الأستاذ جمال الشاعر - رئيس قناة النيل الثقافية - فى مشاركته أن وسائل الإعلام تتحدث عن النساء، ولا تجعل النساء يتحدثن عن أنفسهن، والثغرة الأخرى فى وسائل الإعلام فى معالجتها لقضايا المرأة هى عدم الاهتمام بالثقافة الدينية، وتحول الخطاب إلى خطاب ندية وصراع، وكأننا فى معركة بين المرأة والرجل ينتصر فيها البعض للمرأة على حساب الرجل أو العكس، والمفروض أن يكون الخطاب الإعلامى غير مستفز؛ لأن العائلة كلها فى قارب واحد، إن غرق غرق بالذكر والأنثى معًا، وإن نجا نجا بهما معًا أيضًا.
أما د. عواطف عبد الرحمن - أستاذة الصحافة والإعلام بجامعة القاهرة - فأشارت إلى أن الدراسات التى أجريت على المجلات النسائية المختصة فى العالم العربى أكدت أنها تخصص 75% من صفحاتها للجوانب الجمالية والمظهرية للمرأة كالأزياء والمكياچ، أو المشكلات العاطفية للقارئات، مما يكرس فكرة أن القضية الأولى للمرأة العربية هى اهتمامها بأنوثتها، وإغفال قدراتها كإنسانة وكمواطنة.
كما تولى وسائل الإعلام اهتمامًا مبالغًا فيه لبعض المهن مثل: الاهتمام بالفنانات، والرياضيات، وسيدات الأعمال على حساب المعلمات والباحثات والعالمات والفلاحات.
استراتيجية غائبة
تشير د. سامية الساعاتى - أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس - إلى وجود صورتين مختلفتين للأنثى فى وسائل الإعلام، الأولى: تبدو فيها الأنثى عاجزة، عديمة الثقة فى زوجها وفى نفسها، والثانية تظهر فيها المرأة قادرة على اتخاذ القرار، مكتفية بذاتها، مستغنية عن الرجل.
وهذا يدل على غياب الاستراتيجية العامة لوسائل الإعلام، وعدم قدرتها على صنع صور إيجابية لفئات المجتمع المختلفة.
رشيقة رغم الزمن !!
وفى مؤتمر الدوحة العالمي للأسرة، الذى عُقد فى قطر فى الفترة من 25 - 29 من نوفمبر 2004م، قدم د. محمد العوضى - الكاتب والمفكر الإسلامى الكويتى - ورقة(69/32)
بحثية ذكر فيها: أن نتائج الدراسات التى أجريت فى بلاد مختلفة، وعلى فترات زمنية متغايرة أظهرت وجود نوع من التنميط للأدوار التى يقوم بها الفرد فى عالم الدراما بناء على جنسه، كما يوجد أيضًا تنميط للسمات الجسدية لكل من المرأة والرجل.
ففى دراسة تم خلالها تحليل مجموعة من المسلسلات الأمريكية، وجد الباحثون أن 69% من الشخصيات النسائية تتوافر لديهن صفة الرشاقة، فى حين أن هذه السمة لم تتوافر إلا لدى 17% من الرجال الذين كانوا من ذوى القوام الرياضى فى المسلسلات.
كما يلاحظ فى الأعمال الدرامية أن الرجال يشيخون إذا كانت الأحداث ممتدة على مدى زمنى كبير، فى حين لا يمر الزمن على النساء، فتظل الأنثى محتفظة بشكلها الجذاب، وإن تعارض ذلك مع المنطق الدرامى للأحداث.
شقراوات وعيونهن زرقاء
كما أشار د. العوضى إلى أن المرأة فى الفضائيات والإعلانات صارت هى المقياس التى تحدد معايير الجمال فى الواقع الحقيقى للإناث، ومن ثم فمن اللافت للنظر أن تتحول غالبية النساء فى محطات الإعلام العربية إلى شقراوات ملونات العيون، سواء بالنسبة للمذيعات أو فتيات الإعلانات، وهو ما لا يتفق مع السمات الشكلية للفتيات العربيات.
أغلفة المجلات وشرائط الفيديو:
وفى دراسة بريطانية قديمة (1980م) تم تحليل صورة الأنثى التى احتلت صفحات الغلاف لبعض المجلات الإنجليزية، فوجدت الباحثة «فيرجسون» أن الصورة الأكثر تقديمًا للمرأة على غلاف المجلات هى الوجه الحالم للأنثى الذى يعطى إيحاءً بأنها متاحة وتحمل ملامحها دعوة صامتة للاقتراب.
ولا عجب أن تكون هذه هى أغلفة المجلات فى بريطانيا أو أمريكا وغيرها من دول الغرب والشرق غير المسلمة، أما العجب العجاب فمن إعلامنا الذى لم يعد يرقب فى إناثنا إلاّ ولا ذمة، وأصبح ينظر إليهن على أنهن جسد بلا روح، بلا عقل، بلا إحساس.
ــــــــــــــــــ
مركز الإعلام العربي
ـــــــــــــــــــ
من أساليب تدمير الأسرة المسلمة
كانت الأسرة المسلمة – ولا تزال – تمثل لبنة أساسية في المجتمع الإسلامي ، وتمثل حصن هذا المجتمع وقلعته، ومنذ أن اكتشف الغربُ رغم حضارته أنه لا يمكن أن يخترق الأمة الإسلامية أو يدمرها بالوسائل العسكرية عقب محاولاته ومخططاته العسكرية سعى إلى تغيير وسائله فتحول من المواجهة العسكرية إلى الفكرية والسلوكية، وهو ما يُعبر عنه عادة في الأدبيات الإسلامية بـ"الغزو الفكري" وكانت أهم أدواته في ذلك إنشاء جيش من التبشيريين والمنصرين والمستشرقين وتأسيس كراسٍ للدراسات الاستشراقية التي تستهدف اكتشاف العالم الإسلامي واختراقه لمعرفة عاداته وتقاليده ونفسية أبنائه.(69/33)
وكانت جيوش المنصرين والمستشرقين طليعة الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي كما كانت هذه الجيوش الاستشراقية هي الأساس الذي قامت عليه مراكز الأبحاث وأجهزة الجاسوسية والمخابرات المتصلة بالنفاذ إلى أعمق أعماق عالمنا الإسلامي.
وبعد انتهاء الاستعمار العسكري ظل العالم الإسلامي – بحكم ما يمثله من امتلاك للقوة الحضارية والروحية المتمثلة في الإسلام - محط اهتمام لما يمكن أن نطلق عليه (الاستشراق الجديد) وهو الذي لا يعتمد في دراسته عن العالم الإسلامي على جنوده وأبنائه من الغرب، بل يسعى على وجود مستشرقين من أبناء العالم الإسلامي نفسه بحيث تقوم علاقة ترابط قوية بين المراكز الاستشراقية في الخارج وبين أطرافها وذيولها في الداخل.
وتمثل ظاهرة (الأبحاث المشتركة) عن المجتمع الإسلامي فيما يتصل بمظاهر قوته الخاصة بالصحوة الإسلامية، واللغة العربية، والأسرة المسلمة، والحجاب وانتشار السلوك الإسلامي، فلم يعد الذين يرصدون الظواهر التي تمثل مظاهر قوة في المجتمع الإسلامي من الغربيين وإنما هم اليومَ من جلدتنا وأبنائنا ويتحدثون بألسنتنا.
ووجدت نخبة متغربة تتبنى قيم الغرب نمطًا للحياة بديلاً عن النمط الإسلامي للحياة، وقد استطاعت هذه النخبة السيطرة على مراكز صناعة القرار وخاصة الإعلام والفكر والكتابة، وصارت الذراع الفكري التي تحمي النظم الحاكمة وتسوّغ لها الاندفاع في التبعية للأفكار والقيم الغربية، تارة باسم التقدم، وأخرى باسم الوراثة.
وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي – غير مأسوف عليه – صارت أمريكا القوة الوحيدة المهيمنة على العالم، وطرحت ما أطلقت عليه " النظام العالمي الجديد " ، ثم نظام "العولمة" ورغم أن المصطح الأول اتخذ طابعًا تبشيريًا يشير إلى وجود نظام عالمي مرجعي واحد للعالم، بحيث تتلاشى الخصوصيات والصراعات، وتتوحد المعايير في التعامل مع المواقف المتشابهة، إلا أن الوقائع أثبتت فشل المصطلح.
أما المصطلح الثاني " العولمة " فرغم أنه حاول المراوغة بالحديث عن نظام اقتصادي تبادلي تيسره الثورة التقنية إلا أنه استبطن فرض منظومة قيمية فيما يتصل بالسياسة والثقافة والاجتماع.
ويبدو أن الغرب يشعر بأنه حقق ما أراده بالنسبة إلى العالم الإسلامي فيما يتصل بالسياسة عن طريق سيطرته على الأنظمة الحاكمة وفرص ما يريده عليها، وأن شهيته الآن بدأت تتجه إلى نظام اجتماعي أساسُهُ الأسرة، والثقافة والقيم الدينية، وفي حالة العالم الإسلامي فإن القيم الإسلامية هي التي تسهم في صياغة الأسس الاجتماعية والثقافية وتنظم حياة البشر والناس.
إن الغرب قد شعر أن الناس في العالم الإسلامي يأبون أن يجعلوا عبوديتهم وولاءهم لغير الله، ومن هنا كان اقتحام عالم الأسرة التي تمثل أساس المجتمع الإسلامي.
وبشكل عام فإن الغرب وأمريكا خاصة يتبنى "سياسة تفكيك المجتمعات" أي جعل أهلها شيعًا وأحزابًا، وهي السياسة الفرعونية التي تعبر عن الطاغوتية والاستعلاء، ولكي تفكك هذه المجتمعات فإنها تسعى إلى ضرب مواطن القوة التي تحول دون اختراق المجتمعات الإسلامية، وأحد أهم مواطن القوة في العالم الإسلامي نظام الأسرة الذي يحفظ للمجتمع قوته وتماسكه، وتبدو الهجمة الغربية الأمريكية الآن عبر(69/34)
تسيّدها وهمينتها وشرائها للنخب العنكبوتية، واحتفائها بجمعيات ضغط نسائية منتفعة، وعبر جمعيات حقوقية نسائية وأخرى عامة، ومن خلال تمويل هذه الجمعيات وكأنها تفرض فيها ولو بالقوة "أجندة" خاصة، وتتصدَّرُ الأسرة وقضاياها الأولوية من الهجمة الغربية الأمريكية الجديدة، وهذه الهجمة تؤكد أن الغرب ووكلاءه في المنطقة ينتقلون من التخطيط والإعداد للغزو الفكري والقيمي للعالم الإسلامي إلى التنفيذ منتهزين لحظة تاريخية – إنما هي القوة المستبدة للغرب وضعف العالم الإسلامي.
إن ما يحدث اليوم هو التلاعب بقواعد المجتمع الإسلامي وطرح قواعد جديدة مستلهمة من الرؤية الغربية إلى حد محاولة فرض أيديولوجية نسوية جديدة لها انتشارها وذيوعها كما كان الحال بالنسبة للاشتراكية والشيوعية والليبرالية، وتكون هذه الأيديولوجية عابرة للقارات، بحيث تكون المساواة بين الذكر والأنثى محورها.. إنها حرب حقيقية تحتاج إلى وعي وجهاد لمدافعتها ورد خطرها عن مجتمعنا الإسلامي.
ـــــــــــــــــــ
حرب الإباحية على كاميرات المحمول!
حرب جديدة تستهدف الأسرة.. تُستخدم فيها أحدث مبتكرات العصر ومنجزات الألفية الجديدة، فمع «الجوَّال» أو «المحمول» تتعرض النساء والفتيات إلى أبشع أنواع الهجوم الأخلاقى، حيث انتشرت داخل شوارعنا وجامعاتنا «كاميرات» المحمول التى تلتقط صور النساء بدون أن يدركن ذلك، بل يسمح بعض الشباب لأنفسهم بتصوير أية فتاة أو امرأة تروق لهم! والأفدح هو سيل الصور الجنسية التى يتبادلها الشباب والفتيات فيما بينهم!
القضية أكبر من مجرد صورة؛ لأنها تدخل إلى أروقة وغرف النوم، وتحكى عن المسكوت عنه، وتفضح الكثيرين والكثيرات، وتشيع الفاحشة والعرى فى الأرض، وتتعرض لخصوصيات النساء والفتيات، وقبل وقت قصير كانت الهواتف المحمولة المزودة بكاميرات باهظة الثمن ومحدودة الانتشار، ولكنها اليوم انتشرت بشكل واسع، وصارت أسعارها أقل مما كانت عليه، وفى متناول قطاع ليس بالقليل من الشباب.
ولذلك نناقش هذه الظاهرة الخطيرة، وندق نواقيس الخطر، ونقول لكل فتاة.. احذرى، فربما رصدت كل حركاتك وسكناتك كاميرا هاتف محمول.
ابتزاز
تحكى «و. ع» - طالبة جامعية - عن كم المضايقات والمطاردات التى تتعرض لها كل يوم بسبب المحمول، وفى إحدى المرات أثناء ركوبها للحافلة قام شاب مستهتر بتسليط أشعة كاميرا المحمول الخاصة به عليها، لكنها وضعت يدها على وجهها، وقامت بالنزول على الفور من السيارة.
أما «ع. م» - طالبة ثانوى - فتؤكد أن عددًا كبيرًا من الشباب يقتنى بالفعل هذه الكاميرا مع جهازه المحمول، وكلما رأى فتاة حسنة المظهر وجميلة، يقوم بتصويرها(69/35)
وهى لا تدرى، ثم تفاجأ بصورتها مع أحدهم الذى قام بمعاكستها، ويهددها بأن يرسل صورتها لأهلها ويفضحها!
حجم التجارة القذرة
ويشير تقرير صادر عن رابطة الاتصالات الأمريكية إلى أن حجم تجارة الملفات الإباحية والصور الخليعة عبر شبكات الهواتف الجوالة فى ازدياد حتى بين الأطفال هناك، وأن ما قيمته «400 مليون دولار» هو مقدار تلك السوق السوداء، وأن هذا المبلغ سيصل إلى حوالى «5 مليارات دولار» بحلول عام 2010م، وأن مخاطر ذلك على الأطفال تتطلب فرض الرقابة الصارمة على شبكات المحمول، ومطاردة من يُروِّج لها! برغم وجود الكثير من الشركات الأمريكية التى تسهل لهؤلاء الأطفال عملية دخول هذه المواقع والتقاط هذه الصور وتبادلها فيما بينهم.
وصايا أب
ويقول «م. ح» - أحد أولياء الأمور -: إنه لا يسمح لبناته الطالبات الجامعيات بالوجود فى الأماكن التى تثير الشبهة، والتى ينتشر فيها الشباب، أو الجلوس مع طالبات لا يوحى مظهرهن بحسن السمعة، فقد يأتى أحدهم فجأة ويقوم بتصويرهن بطريقة غير مباشرة! ولذلك فهن يذهبن لحضور المحاضرات ويرجعن بسرعة إلى البيت، ويبتعدن عن أماكن الاختلاط، ويقمن بمغادرة المكان على الفور إذا شككن فى شيء غير طبيعى.
وتؤكد طالبة، رفضت ذكر اسمها: أنها أصبحت تخشى من تصرفات الطلبة الأثرياء الذين يتفننون فى التلصص والتجسس على البنات ومعاكستهن، حتى لو لم تكن هناك علاقة ما بهن، وإنما لمجرد التسلية بتصوير أى فتاة وتبادل صورها مع بعضهم، وهى لا تدرى! وتطالب موظفى الأمن بمنع دخول كاميرات المحمول إلى المدارس والجامعات.
ويقول «خ. أ» - طالب بكلية التجارة -: صارت هذه التقنية فى متناول أيدى المئات من الطلبة فى الجامعات، وهم يطاردون بها الفتيات، سواء الملتزمات أو غيرهن، وأنا أعرف عددًا من زملائى فى الكلية، يأتون كل يوم لالتقاط صور كثيرة للفتيات، وتبادلها فيما بينهم، وقد يتفقون مع إحدى الطالبات على تصوير زميلاتها وهن متخففات من ملابسهن فى الحمامات أو غرف الطالبات.
وتقدر إحدى الدراسات الاقتصادية الغربية حجم التجارة الإباحية الإلكترونية على الإنترنت والمحمول بـ «مليارى دولار» فى العام، مشيرة إلى تضاعفها فى المستقبل.. لكن دراسة صادرة عن المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية أكدت أن أعداد كاميرات المحمول بين أيدى الطلبة والشباب الجامعى فى زيادة مطردة، وأنها تكلف الأسر مبالغ باهظة، بينما الاستفادة منها تنحصر فى المطاردات الجنسية والإباحية! وحذرت من سماح أولياء الأمور لأبنائهم بشرائها؛ لأنها ضد الدين والأخلاق وقيم المجتمع الإسلامى.
مرض العصر
وعن أسباب الظاهرة يتعجب الدكتور يسرى عبد المحسن - أستاذ الطب النفسى - من «موضة» كاميرا الجوَّال التى تفشى أسرار الفرد والأسرة والمجتمع، وتعتدى على(69/36)
الخصوصية، وتتدخل فى حياة الإنسان الخاصة، حيث تسجل صوره بدون علمه ومعرفته، وهذه الظاهرة نتيجة منطقية لشيوع ثقافة «الفيديو كليب» التى انتشرت وتضخمت حتى أضحت مرض العصر! .
ويؤكد د. يسرى أن أبناء الطبقة الثرية يستغلون ثراءهم والتكنولوجيا فى معاكسة الفتيات فى أى مكان: فى الجامعة أو المدرسة أو الشارع.. وهو ما لم يكن موجودًا فى الجيل الماضى الذى كان الحياء والاحترام هما لغته، أما جيل اليوم فقد مارس كل شيء ولم يصل إلى أى نتيجة؛ لأنه ضائع وتائه ومشرد فى مجتمع طارد له، قاسٍ عليه، وفى أسرة تغلب عليها لغة المادة والمظاهر قبل لغة الأخلاق والتربية السليمة.
وبسؤال أحد المسئولين بوزارة الداخلية، ذكر أنه لا يوجد حتى الآن قانون مصرى يعاقب الشباب الذين يستخدمون كاميرات المحمول فى ترويج الصور المنافية للآداب، مؤكدًا أن هذه الظاهرة عرّضت الحياة للفوضى، وأنه يجب أن يصدر قانون يُحرِّم هذه الفعلة الشنعاء! وقال: إنه فى حالة تقدم الفتاة أو أهلها ببلاغ رسمى للسلطات.. ساعتها - فقط - يمكن النظر فى الموضوع، أما فيما عدا ذلك فلا يمكن اتخاذ أى إجراء قانونى.
رقابة الأسرة
أما عن رأى الشرع فى تفاقم وازدياد هذه الظاهرة التى تنذر بالخطر، فيقول الدكتور محمد إبراهيم الفيومى - عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر: لا شك أن الإسلام اهتم بخصوصية البيت والإنسان، وأتاح لهما مساحة من الحرية التى لا عدوان عليها، ومن ذلك حرية المرء فى بيته، فلا يمكن أن يعتدى عليه أحد، وهو آمن فى مسكنه، كذلك من أفدح الجرائم أن يعتدى شخص على آخر بتصويره، وهو لا يدرى؛ لأن ذلك انتهاك لحرمته، فضلاً عن بشاعة العقاب الذى ينتظره فى الآخرة بسبب تتبعه لعورات النساء وهن لا يدرين، واستغلال ذلك فى الابتزاز والمساومة وتخريب البيوت، والدعوة إلى الزنا والعلاقات غير السوية، خارج إطار الزواج!
وشيوع هذه الظاهرة إنما حدث من منطلق الحرية التى تركها الآباء والأمهات لأبنائهم، وهى فوضى أكثر منها حرية، وليست من الإسلام! ولابد من أن يعود للبيت دوره التربوى، كما كان فى السابق، بالرقابة الفاعلة المشددة على تصرفات الأبناء والبنات، وعدم شراء أجهزة المحمول لهم أو السماح لهم بالدخول على المواقع الإباحية على الإنترنت.
ـــــــــــــــــــ
محجبات بلا حجاب !!
ليس حجاب المرأة المسلمة شيئًا هينًا أو أمرًا عارضًا تعبث به أنامل مصممي الموضة والأزياء حتى تخرجه عن جوهره، وتحوله إلى مجرد زى ليس له من مواصفات الزى الشرعي نصيب، فالحجاب دين وهوية به تعبد المرأة ربها، وتتقرب إليه، وتُعرف به وتتميز.
فهل حجاب اليوم يعكس هذه المقاصد وما يرتبط بها من التزام أخلاقي وسلوكي، وإن لم يكن فما أسباب هذا التناقض؟ وكيف نزيلها؟(69/37)
خاصة أن بعض الناس يعتبرون المحجبات غير الملتزمات بضوابط السلوك الإسلامي حجة على الإسلام، ويحاسبون الإسلام بهن.
هذه التساؤلات وغيرها يجيب عليها الشيخ جمال قطب - وكيل لجنة الفتوى بالأزهر الشريف - في هذا الحوار:
الحجاب والالتزام
ـ بادئ ذى بدء ما الضوابط والالتزامات التى يفرضها الحجاب على أخلاق الفتاة وسلوكها ؟
- الحجاب فريضة على المرأة المسلمة، ويمثل في الوقت ذاته نوعين من أنواع الفرائض والالتزامات، فهو يمثل في أصله أولاً التزامًا خلقيًا بجميع تكاليف الدين من عقائد وتشريعات وأخلاق، ويمثل ثانيًا شعيرة ظاهرة تبدو المرأة من ورائها، فيعرف انتماؤها العقدي والتشريعي والخلقي، وهكذا لا يغنى ارتداء الحجاب عن الالتزام وإقامة الفرائض، كذلك لا تغنى الفرائض عن ارتداء الحجاب.
ـ إذًا فما تفسيركم للتناقضات والتجاوزات التى تصدر من بعض المحجبات والتى تتخذ حجة على الإسلام ذاته من اختلاط أو زينة وصداقة ؟.
- إذا ارتدت المرأة الحجاب فلابد أن ينعكس لباسها على سلوكها وأخلاقها، باعتباره جزءًا من هويتها كمسلمة، فمن ارتدت الحجاب دون التزام تشريعي وأخلاقي فلا اعتبار لحجابها، ومن التزمت بالفرائض وتركت الحجاب فلا اعتبار لها؛ لأن الحجاب والعمل بتكاليف الإسلام كالوضوء والصلاة، فلا يغنى وضوء عن صلاة، ولا تقبل صلاة بغير وضوء.
من ناحية أخرى فإن ارتداء الحجاب بالنسبة للغير هو جزء من ثياب المرأة يمثلها ويمثل عفافها والتزامها، فإذا تردت المرأة المحجبة إلى خطأ من الأخطاء فما هي إلا واحدة من البشر قد أخطأت، وعلى الناس أن تنسب الخطأ لصاحبه وليس للمجتمع جميعه أو للإسلام نفسه كدين ومنهج شامل.
فكم من وزير سرق أو أخطأ، فهل تم توجيه الاتهام لجميع الوزراء؟ وكم من ملك فسد فهل اعتبرت السقطة في حق جميع الملوك؟
فلماذا يضغط أصحاب الأفكار الهدامة على أعصاب المرأة المسلمة، ويخيرونها بين عدم الخطأ الذى هو من طبيعة البشر، وبين ارتداء الحجاب الذي هو من صميم الدين.
تعتقد بعض الفتيات أن الحجاب يعنى التجهم والعبوس والعزلة.. بما ترد عليهن؟
- لا يعتبر الحجاب اعتزالاً للمجتمع، بل هو احترام للنفس، واحترام للآخرين؛ لأن ستر الأنثى لجسدها فيه تقدير لمشاعر الآخرين، فهي لا تريد أن تستثيرهم بغير حِل أو بغير مبرر شرعي، وليس الحجاب معناه اعتزال المجتمع، وترك حركة الحياة، ورسم الكآبة على الوجوه والغلظة في الكلام ، بل هو فضيلة تعلن عفاف المرأة لا سلبيتها، وتعكس آداب دينها في سلوكها ومعاملاتها بغير تبرج أو سفور أو إسفاف.
في إطار التربية
ـ بعض الفتيات يرتدين الحجاب ثم يخلعنه ويعلنَّ أن المهم هو الجوهر وليس مجرد المظهر أو الملبس، فما تعليقكم؟(69/38)
- إجابة هذا السؤال ترتبط بالسؤال الأول، فمتى التزمت المرأة المسلمة بالحجاب أو الزى الإسلامي عن عقيدة واقتناع، فليس من المعقول ولا المتوقع أن تتزعزع عقيدتها أو تتغير قناعتها بأن الحجاب فريضة كالصلاة والصوم وغيرهما من العبادات.
ـ أيهما يأتي أولاً التربية أم الحجاب، وكيف تنمى الأم في ابنتها حب الحجاب وتعدها للالتزام به بحيث يصبح عبادة وليس مجرد عادة؟
- أتصور أنه لا مقارنة في الأولوية بين التربية والحجاب، فالحجاب جزء والتربية كل، تبدأ التربية عند التمييز من خلال التلقين والتقليد والمعايشة والمتابعة والتوجيه قبل أن يكون بالأمر والضغط والتشديد، فإذا ما وصلت الفتاة إلى مرحلة البلوغ أو قرابة الخامسة عشرة يجيء التزامها بالحجاب في نسقه وتطوره الطبيعي بناء على ما سبقه من خطوات تربوية، فتكون الفتاة قد أحست بقيمتها وضرورة تميزها وصيانة نفسها بالحجاب حتى يطلبها الزوج الكفء صاحب الدين والخلق.
ـ تتنافس بيوت الأزياء في عرض ملابس المحجبات وفق أحدث صيحات الموضة بما قد لا يفى بمواصفات الزى الشرعى، فكيف توازن الفتاة بين الأناقة والالتزام ؟
- لا تعارض بين الأناقة والالتزام بالزى الشرعي ، فالأولى إضافة للقادرات ماديًا والراغبات نفسيًا ، ولا حرج شرعيًا عليها ما دامت لم تستعمله في ما حرمه الله ، ولم تغير أوصاف الزى الشرعي للمرأة الذي لابد أن يستوفى شرطين اثنين، ألا يشف عما تحته، ولا يصف حدود وأبعاد وتضاريس الجسم، فضلاً عن أن يستر بدن المرأة الواجب ستره.
وأخيرًا أقول لكل فتاة تؤمن بالله ، وتحرص على إرضائه ما قال الله تعالى في محكم آياته : {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}
ـــــــــــــــــــ
مسلمات الغرب و المخابرات الأمريكية !!
على صفحة كاملة من أحد أعدادها نشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية مؤخرًا أن أجهزة المخابرات الأوروبية والأمريكية والموساد الإسرائيلى قدموا تقارير مطولة إلى وكالة المخابرات الأمريكية يحذرون من ارتفاع معدل انتشار الإسلام فى الغرب، رغم كل الأزمات التى تحيط بالمسلمين، وأن العامين الماضيين شهدا اعتناق أكثر من خمسين ألف شخص أوروبى للإسلام أغلبهم من النساء.
وأن الإسلام أصبح ينتشر بطريقة مخيفة، وأن المسلمين الجدد يعملون على تأدية جميع شعائر وطقوس الإسلام بمنتهى الدقة، ويصبحون أكثر تدينًا من المسلمين بالوراثة، وأن العالم كله يجب أن يحترس من هذه الظاهرة المخيفة والرهيبة فى آن واحد، خاصة فى ظل إقبال المرأة الأوروبية والأمريكية على الدخول فى الإسلام، وما يمثله هذا من خطر جسيم باعتبار أن المرأة تدخل الإسلام، ومن خلفها أسرة بأكملها، لا يقل متوسط عدد أفرادها عن خمسة أفراد.
وأن المرأة التى تعتنق الإسلام حديثًا تؤكد لكل من حولها أنها اعتنقت الإسلام؛ لأنه الدين الوحيد الذى يمنح المرأة حقها كاملاً غير منقوص، وفى ذات الوقت يمنحها(69/39)
قدسية خاصة، ويسبغ عليها الحماية، ومع إيمان تلك المرأة بهذه الأفكار تستطيع بسهولة أن تجذب صديقاتها، وهكذا تدور الدائرة بشكلها المخيف.
وإذا كان هذا هو محور اهتمام أجهزة المخابرات الغربية والإسرائيلية، وكذلك وسائل الإعلام الإسرائيلية، وإذا كان معدل انتشار الإسلام فى الغرب بكل ما يثيره أعداؤه حوله، وحسب ما شهد به هؤلاء، هو فى الارتفاع، وإذا كانت المرأة الغربية هى الأكثر إقبالاً على الدخول فى الإسلام، رغم اتهام الغرب للإسلام بقهر المرأة، وإيقاع الظلم عليها.
إذا كان هذا هو حال أعدائنا من رصد لمعدل أسباب انتشار الإسلام، فالسؤال الذى يطرح نفسه وبقوة هنا هو: هل أحسنا استخدام مثل هذه الحقائق التى أوردتها هذه الإحصائيات فى نشر الدعوة الإسلامية بين الأوساط النسائية الغربية ؟ وهل ركزنا فى خطابنا الدينى الموجه إلى الغرب على كل هذه المعانى السامية التى يحفظها الإسلام للمرأة ؟ وإلى أى مدى نستطيع الاستفادة من هذه الحقائق فى خدمة قضايانا الإسلامية المعاصرة ؟ وهل درسنا كيف استطاعت المبادئ الإسلامية العبور إلى المرأة الغربية رغم الجسور والموانع التى يصنعها الغرب ؟
فى السطور التالية بعض الإجابة:
يؤكد فضيلة الدكتور على جمعة - مفتى مصر - أن حال المرأة الغربية المذرى الآن هو دافعها للبحث عن الإسلام واعتناقه، وقد جذبها كثيرًا فى الإسلام أن الله (سبحانه وتعالى) جعل الرجل والمرأة فى موضع المساواة عندما خاطبهما بالإنسان، وأنه ليس هناك ندية أو عرقية بين الرجل والمرأة، وإنما هناك مراكز مختلفة وخصائص مختلفة، وكلاهما يكمل بعضهما البعض، كما يكمل الليل النهار فى اليوم، وكما يكمل الصيف الشتاء فى السنة، فمكانة المرأة فى الإسلام متميزة، وتلبى احتياجات فطرتها، وتتوافق مع خصائصها العضوية والنفسية، وهذا مما يجذب الغربيات إلى الإسلام.
ويؤكد المفكر الإسلامى الدكتور محمد عمارة أن إقبال المرأة الأوروبية على الإسلام، رغم كل ما يشاع عنه ليس أمرًا غريبًا، فالمرأة التى تتعرف على الإسلام تجد أنه الدين الذى يساوى بينها وبين الرجل فى الحقوق والواجبات، ويجعل من هذه المساواة جسرًا يصل المجتمع من خلاله إلى الفطرة السليمة التى جعلها الخالق ميثاقًا بين الجنسين، بسببه تترك المرأة أهلها وذويها لتضع نفسها فى أحضان إنسان جديد وغريب، وهو ما لم تعطه لأحد من الأهل الذين نشأت وترعرعت فى أحضانهم، فالمساواة عودة إلى الأصل الفطرى يرتقى بها الإنسان فوق الثمار المرة التى صنعها استبداد الأقوياء بالضعفاء عبر مسيرة تطور الإنسان.
ويتابع د. محمد عمارة أن الإسلام عندما يفضل الرجل على المرأة بدرجة، فهذه الدرجة تعنى القيادة التى لابد منها لأى مجتمع صغيرًا كان أم كبيرًا، أم قرية كان ، أم مدينة، أم أمة، والإسلام هنا يوجب على المرأة شيئًا، وعلى الرجل أشياء بحكم مسئولية الرجل فى الرئاسة، والقيام على المصالح باعتبار أن الحياة الزوجية حياة اجتماعية، ولابد لكل مجتمع من رئيس.
ويرى الدكتور عبد الصبور مرزوق - الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية - أن علاقة الرجل بالمرأة فى المجتمعات الغربية المعاصرة أكبر دليل على امتهان(69/40)
المرأة هناك، فهى ما زالت سلعة رخيصة فى كل شأن من شئون الحياة، بل أضحى لامتهان المرأة هناك نظم وقوانين تشرع للزوج والزوجة فى ممارسة الفاحشة والرذيلة دون حساب، والمرأة الغربية ما زالت كالشاة قد أحسنوا علفها لينتفعوا بها، وتفننوا فى سلخها من حياتها، وعفتها لتكون مطية لشهواتهم، ورغباتهم، وبدعوى المساواة جعلوا المرأة تقوم بعمل الرجل، ولم يجعلوا الرجل يقوم بما تقوم المرأة به.
وها هو الأمريكى هنرى ماكور ينتقد حال المرأة الأمريكية، ويؤكد فى مقال له أن تحرير المرأة خدعة من خدع النظام العالمى الجديد، خدعة قاسية أغوت النساء الأمريكيات، وضربت الحضارة الغربية.
والفتاة الغربية بفضل ما يدعونه تحرير المرأة تعيش حياة ماجنة، فالعشرات من الذكور يعرفونها قبل زوجها، فتفقد براءتها التى هى جزء من جاذبيتها، وتصبح جامدة وماكرة، وغير قادرة على الحب، بل تصل إلى أن تكون عدوانية مضطربة لا تصلح أن تكون زوجة، أو أمًا، رغم أن من يشنون حملات تشويه صورة المرأة فى الإسلام أغلبهم مستشرقون يهود، فقد نسوا أن توراتهم التى زوروها هى التى تسيء للمرأة ، وهل هناك امتهان للمرأة أكثر من دعواهم، أن المرأة اليهودية ممنوعة من قراءة التوراة.
وحول دلالات هذه الإحصائيات، وأهمية أن نحرص نحن على إجرائها، وليس أعداؤنا للوقوف على أسباب انتشار الإسلام فى الغرب، ومحاولة تنمية هذه الأسباب، وضرورة استثمار المشتغلين بشئون الدعوة الإسلامية للمناخ الذى تعيشه المرأة الغربية الآن، واختيار الوسائل الأكثر فاعلية لتوصيل رسالة الإسلام الصحيحة لها ترى الدكتور آمنة نصير - الأستاذ بجامعة الأزهر - أن الوضع الغربى الآن يحتم علينا تفعيل دور المرأة الداعية باعتبارها الأكثر نفوذًا إلى نساء المؤسسات الإسلامية التى تُخرِّج الدعاة والتركيز على الدور الغائب للمرأة الداعية، كذلك يجب القضاء على أسباب إعاقة المرأة عن أداء دورها الدعوى بكفاءة، وانطلاق، وانفتاح، وبخاصة المرأة الداعية فى الغرب، وإتاحة الفرصة للفتيات المسلمات فى الغرب للتعليم، والتساؤل، واكتساب روح المواجهة، وحسن التصرف، كذلك علينا البحث فى واقع المرأة الغربية عن إيجابيات توافق رؤى الإسلام، والانطلاق منها لتوضيح موقف الإسلام الأخلاقى من باقى القضايا، ومن هذه الإيجابيات وجود اتجاه فى الغرب عمومًا ينادى بالعفة، والطهارة، والقيم، والعادات، والتقاليد الإنسانية، فقد ظهرت مدارس أمريكية غير مسلمة تدعو إلى عدم الاختلاط، كذلك هناك جماعات فى مؤسسات التعليم الأمريكية شعارها العودة للعفة، والحفاظ على العذرية.
ـــــــــــــــــــ
الزواج من غير المسلمات.. مشكلات ومخاطر
حذر بعض علماء الإسلام والاجتماع والتربية من ارتفاع معدلات زواج الشباب المسلم من أجنبيات غير مسلمات في عالمنا العربي والإسلامي وأكدوا أن لهذه الظاهرة تداعيات اجتماعية وتربوية ودينية خطيرة فهي تضاعف من حدة مشكلة العنوسة في بلادنا العربية(69/41)
وتثمر أجيالا مسلمة ضعيفة الانتماء للدين والوطن واللغة وغير ذلك من المقومات الثقافية والخصائص الاجتماعية للمجتمع المسلم. كانت الدراسات والإحصاءات الحديثة قد أكدت زيادة إقبال الشباب المسلم على الزواج من أجنبيات وكشفت عن العديد من المشكلات الناتجة عن هذا الزواج.
ترجع الدكتورة نادية رضوان رئيسة قسم الاجتماع بجامعة قناة السويس لجوء الشباب المسلم إلى مثل هذه النوعية من الزواج لما حدث في المجتمع العربي والمسلم من اختلال في مفاهيم القيم والأخلاقيات والمبادئ حيث لم يعد الزواج كما كان في السابق يقوم على أسس واختيارات محكومة بالعادات والتقاليد الاجتماعية والقيم الدينية فأصبح المظهر والرغبة في الهجرة والحصول على الجنسية الأجنبية على رأس الأسباب التي تدفع الشاب للزواج من الأجنبية ليس هذا فحسب فهناك جانب آخر أفرزته سلبيات المغالاة في المهور والتعقيدات التي يواجهها الشاب عند إقدامه على الزواج من بنات وطنه ودينه مما يجعله يتجه نحو الزواج من الأجنبية التي لا يكون لديها قائمة تعقيدات كنظيرتها العربية المسلمة وهذا ليس وليد نشأتها وعادتها فقط بل لرغبتها في الحصول على الإقامة الدائمة في هذا البلد أو ذاك.
تضيف د. نادية رضوان: هذا الزواج تترتب عليه مشكلات اجتماعية كثيرة فضلا عن المشكلات الأسرية والعائلية في ما بين أهل العريس نفسه حيث تكون مساحة التفاهم والعلاقة الاجتماعية التي تربط هذه الزوجة الأجنبية بأسرة الزوج محدودة للغاية إن لم تكن مقطوعة نظرا لاختلاف العادات والتقاليد ثم عند إنجاب الأطفال لابد وانهم سيتطبعون بطباع أمهم “الأجنبية” ويخرجون أغرابا عن مجتمع أبيهم وأسرتهم فضلا عما تمثله مسألة المقارنة الدائمة سواء التي تعقدها “الأم الأجنبية” أو الأبناء ذاتهم فيما بين مجتمع الأب ومجتمع الأم في البلد الأجنبي الذي تنحدر منه مما يخلق لديهم نوعا من التمزق النفسي واضطراب الانتماء بكل أنواعه الوطني أو الاجتماعي أو النفسي أو غيره. والمشكلة أن هذا التمزق يظل ملازما لهم طوال حياتهم ولا يعرفون إلى أي المجتمعين ينتمون؟.
التشكيل النفسي
تتفق معها في الرأي الدكتورة مشيرة عبد الحميد اليوسفي أستاذة الصحة النفسية بجامعة الزقازيق مضيفة أن من ضمن الأسباب التي تجعل الشباب المسلم يلجأ لهذا النوع من الزواج هو ضعف وغياب ثقتهم في حضارتهم وثقافتهم نتيجة الجهل وعدم الوعي بجوهر هذه الحضارة العظيمة التي أضاءت بنورها ظلمات الجهل التي كانت تسود الغرب في العصور الوسطى فهؤلاء الشباب ينبهرون بما يرونه من تقدم حضاري وتكنولوجي للبلاد التي تنتمي إليها تلك الفتيات فضلا عن الحرية التي يعشنها في الملبس والعقلية مما يجذب الشباب إليهن خاصة في ظل الفراغ العقلي والفكري الذي يعيشونه نتيجة ابتعادهم أو إبعادهم قصرا عن جذورهم الحضارية والدينية.
تضيف د. مشيرة ولا شك أن التربية والبيئة المحيطة والعادات والتقاليد الاجتماعية كل ذلك يشكل نفسية الفرد وبالتالي ينعكس على تصرفاته وسلوكياته ومن ثم فإن كلا من الزوج الذي نشأ في بيئة أو مجتمع مختلف تماما عما نشأت فيه زوجته الأجنبية(69/42)
كل هذا ستظهر تأثيراته وسلبياته حينما تزاح الاحجبة وتزول الحواجز فيما بينهما بالزواج وتتضح الفوارق في الفكر والسلوك فتنشأ الخلافات الزوجية وان كان حرص كل فرد منهما على عدم إظهارها حتى ينال ويحقق غرضه من هذا الزواج القائم على المصلحة الذاتية لكل طرف.
وتحذر د. مشيرة من مثل هذا الزواج الذي يخلق أجيالا مضطربة نفسيا تعيش صراعا عنيفا بين ما تنتمي إليه الأم وما ينتمي إليه الأب من حضارة وعادات وقيم. ولذلك يجب توعية هؤلاء الشباب المقدم على الزواج من أجنبيات بتأثيراته السلبية سواء على الحياة الزوجية ذاتها أو على الأطفال ثمرة هذا الزواج مستقبلا في نفس الوقت يجب العمل على تأهيل من تزوج فعلا وتعريفه بالفوارق النفسية والاجتماعية والدينية حتى لا تحدث مشكلات تنعكس آثارها على المجتمع ككل وعلى أبناء هذا الزواج بصفة خاصة.
مصدر قلق
ونظرا لأن هذا الزواج تنتج عنه بعض المشكلات القضائية خاصة حول مسألة الحضانة أو قيام الزوجة بأخذ الأبناء وخطفهم والهروب بهم خارج البلاد كان لابد من استطلاع الرأي القانوني الذي يوضحه لنا الدكتور أنور رسلان عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة فأكد أن الزواج من أجنبيات حق دستوري كفله الدستور في معظم البلاد الإسلامية غير أن كل تجاربه قد باءت بالفشل، ويقع ضحاياه من الأطفال فريسة الضياع والتشرد، فالأمهات الأجنبيات يهربن بالأبناء خارج البلاد دون سابق إنذار، مع ملاحظة أن قرار المنع من السفر إجراء وقائي وحق للزوج مادام الطفل لم يبلغ سن الرشد بشرط أن يكون لدى الزوج الحجج والبراهين المنطقية والمستندات القوية التي تقنع المحكمة بأن قرار المنع من السفر في صالح الأبناء كما أن استخراج جواز سفر للابن أو وضعه على جواز سفر والدته لا يتم إلا بموافقة الزوج.
يضيف د. أنور رسلان: غير أن المشكلات التي تترتب على مثل هذا النوع من الزواج تجعلنا نحذر منه لأنه زواج محفوف بالمخاطر والمشكلات والقضايا التي تجعل من الزواج مصدر قلق واضطراب وتقاض في المحاكم وليس مصدر سكن ومودة ورحمة كما وصفه المولى عز وجل في كتابة الكريم بقوله “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”
مباح ولكن ...!
يشير الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية الأسبق إلى أن الشرع الحنيف أجاز الزواج من الأجنبيات من أهل الكتاب أي اليهوديات والنصرانيات وإن كان هذا الزواج مشروطا بعدة شروط يجب الالتزام بها أولها أن تكون هذه المرأة من الملتزمات دينيا وخلقيا بحيث يأمن الرجل على بيته وعرضه وعلى أبنائه مستقبلا بألا يتعرضوا لما يفسد عليهم دينهم وتربيتهم.
ثم يجب على المسلم الراغب في الزواج من أجنبية أن ينظر إلى البلد الذي تنتمي إليه تلك المرأة حتى لا يتحول من حيث لا يدري إلى إنسان ضار بوطنه ومجتمعه خاصة في هذا العصر الذي يموج بالفتن والمؤامرات والمخططات الرامية للنيل من الدول(69/43)
الإسلامية وإضعافها وبث الجواسيس وتجنيد ضعاف النفوس والإيمان للإضرار بأمن بلادهم ومستقبل شعوبهم.
يضيف د. نصر فريد واصل: على المقبل على الزواج من أجنبية أن يتبصر وينظر نظرة بعيدة بعض الشيء لمستقبله ومستقبل أبنائه فإن كان الشرع قد أباح هذا النوع من الزواج ووضع الشروط إلا أن الفقهاء اختلفوا فيه ومن رفضه كان ينظر إلى المصلحة العامة ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى هذه النظرة العامة لأن بنات المسلمين قد ازداد عدد “العانسات” منهن فضلا عن أن تربية الأبناء أصبحت صعبة للغاية وتتطلب وجود الأم بصفة دائمة معهم وبالتالي فإن كانت على غير دين الإسلام فلا نأمن أبدا مستقبلهم أو استقرار العقيدة في نفوسهم وقلوبهم.
كل هذا يجعلنا نفضل الزواج من المسلمات على الزواج من الأجنبيات خاصة أن زواج الأجنبيات ينتج عنه في الغالب الأعم مشكلات في الحضانة لأن الأجنبية مهما تحملت وتصنعت الرضا والتعايش مع المجتمع الجديد لزوجها إلا أن وقتا سيأتيها تتمرد على حياتها عندئذ ستكون الطامة والكارثة على مستقبل الأبناء الذين يتم تشريدهم بين أبوين متنافرين من أصحاب المحاكم والقضايا.
وينصح د. نصر فريد واصل كل مقبل على الزواج من أجنبية أن يفكر مائة مرة قبل إتمام الزواج في مستقبل أبنائه على أن يضع أمام ناظريه ضرورة التربية الدينية وتعليم أبنائه قيم الدين وتعاليمه ومبادئه وعادات وتقاليد مجتمعه المحافظ والذي بلا شك يختلف اختلافا جذريا مع المجتمعات الأخرى.
يلتقط خيط الحديث الداعية الإسلامي الدكتور عبد الصبور شاهين الأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة قائلا: صحيح أن الشرع الحنيف لا يمنع الزواج من الكتابيات لكن ينبغي للرجل المسلم أن ينظر إلى ما يهدف اليه من هذا الزواج أليس هو تكوين اسرة مستقرة وانجاب ذرية صالحة متمسكة بدينها؟ اذن هل هذا المقصود من الزواج سيتحقق إذا تزوج الإنسان المسلم من امرأة أجنبية على غير دين الإسلام والواقع والمنطق يقول إن هذا من رابع المستحيلات فإذا كانت الزوجة المسلمة في كثير من الأحيان تفشل في تخريج أجيال من النشء متمسكة بدينها نظرا لقلة الوعي وغياب المفاهيم الدينية الصحيحة عن كثير من أبناء الأجيال المعاصرة فما بالنا بمن هي ليست على ديننا أصلا؟ لا شك أن الهوة ستكون أوسع والضياع سيكون اعمق واكثر فداحة بل ليس من المستبعد بل هو الأقرب وما يحدث فعلا أن يتم تغييب الطفل الناشئ وإبعاده تماما عن دينه لأن الأم هي المسؤول الأول والأساسي عن التربية والإعداد.
ويتساءل د. شاهين في حسرة أين ذهبت الأسس والتوجيهات النبوية الشريفة التي أمرنا فيها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بالالتزام بها عند إقدامنا على الزواج أو عند اختيارنا وموافقتنا لتزويج إحدى بناتنا؟ إن الآيات القرآنية الكريمة تؤكد لنا أنه “لأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم” وكما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “تنكح المرأة لأربع لجمالها ومالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك” واكثر من هذا قال أيضا “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”.(69/44)
وهذه الآيات والاحاديث موجهة للمرأة كما هي موجهة للرجل بضرورة اختيار الدين وتفضيل صاحبه على غيره من أصحاب وصاحبات الجمال والمال والجاه والسلطان لكن المشكلة أن اختياراتنا اختلفت عما يجب أن يقوم عليه الزواج وهذا هو سبب ما نعانيه اليوم من مشكلات اجتماعية واقتصادية فإذا كان الدين يأمرنا بتفضيل ذات الدين أي الأكثر تدينا وإيمانا فهل تدخل في هذا غير المسلمة؟
يجب أن نفيق والكلام لا يزال على لسان د. شاهين قبل أن تأخذنا الواقعة ونجد لدينا أجيالا من الشباب ينتمون لجنسيات ودول أخرى غير إسلامية وقد تكون معادية للإسلام فهناك مخططات خبيثة تسعى جاهدة لتجنيد أبنائنا كطابور خامس وجعل الأجيال الجديدة اكثر انتماء وولاء لتلك الدول التي تنتمي إليها الزوجة الأجنبية وكل هذا في إطار حملة العداء للإسلام والمسلمين.
فهل نفيق قبل أن نجد أنفسنا نربي أعداءنا بين أيدينا؟.
ـــــــــــــــــــ
في الهند، يحرقون النساء فدية لأزواجهن
إن أردت أن تكوني أمرأة صالحة وألا تتعرضي للقهر والذل من رجال القبيلة فاحرقي نفسك بعد موت زوجك وإلا فالويل كل الويل لك من المجتمع الذي لا يرحم.
قد يتبادر إلى الذهن أن في الأمر خدعة أو تجنيا على الدين أو الأخلاق إلا أن نظام "ساتي" في الهند يحتم على المرأة التي يتوفى عنها زوجها أن تلحق به من خلال حرق نفسها لتكون قريبة منه في حياته وبعد مماته.
وكما يتميز المجتمع الهندي بتعدد عاداته وتقاليده ولغاته وأديانه (الوضعية في مجملها) وثقافاته وحضاراته فإنه يتميز كذلك بغرائب وعجائب العادات التي قلما توجد لدى غيره من المجتمعات.
وقال أستاذ التاريخ في جامعة دلهي "فينود راجا" إن كلمة ساتي تعني المرأة الطاهرة أو المقدسة التي تحرق نفسها لأجل زوجها أو وفقا لفلسفة طبقة "الراجبوت" فإن ساتي تعني المرأة الصالحة التي أصبحت قادرة على تقديم نفسها كهبة حيث كان يعتقد أنها بفعلها هذا ستخلص نفسها وأفراد أسرتها وذويها من هم البعث من جديد أو التجسيد وهو "تحول روح الميت إلى حيوان أو طائر" حسب المعتقد الهندوسي.
وأضاف أن نساء تلك الحقبة التاريخية كن يؤدين هذه العادة تعبيرًا عن الإخلاص والتودد لأزواجهن وللحفاظ على شرفهن من أن يدنسه غزاة الملك كاران جوهر بعد موت أزواجهن في ساحة الحرب خلال المعارك التي خاضوها ضد جنود الملك جوهر الذي غزا الهند وأقام دولته في ولاية راجستان.
وذكر راجا أنه لا يعرف لنظام الساتي أي أصل محدد، إلا أنه نسب لزوجة إلههم شيفا التي أحرقت نفسها أمام جموع الحاضرين تعبيرًا عن عدم رضاها عن أبيها داكشا الذي أقام وليمة دعا إليها كبار الآلهة واستثنى منهم الإله شيفا الأمر الذي جعلها تشتعل غضبا من تصرف أبيها تجاه زوجها الذي لحق به ذل تجاهل والدها مما جعلها تضرم النار بنفسها فداء لزوجها.!!
وقال راجا: إن نظام الساتي الذي خرج في القرن الأول والثاني للميلاد رفض بعد ذلك من قبل طوائف كثيرة من المجتمع الهندي كما أن كل الكتب الدينية لديهم لم(69/45)
توافق على هذه العادة حيث أكدت أن الإنسان لا ينبغي له أن يودي بحياته حرقا بالنار فداء لآخر مهما كان؛ إذ إن حياة الإنسان مقدسة ولها قيمة عظمى سواء كان ذكرا أو أنثى.
وتذكر كتب الفيشنو الهندوسية المقدسة أن عادة الساتي كانت تمارس ما بين القرن الأول والثاني للميلاد وكانت تعتبر بديلا تتخذه المرأة التي لم يكن بإمكانها توفير الحياة الكريمة الشريفة لنفسها بعد إن يتوفى زوجها.
وعلى الرغم من استنكار جميع الأوساط لهذا النظام غير الإنساني فإن قصص المهابراتا تروي أن امراة تدعى المادري أحرقت نفسها في موكب إحراق زوجها وذلك في القرن السادس للميلاد.
وقال الدكتور راجا إن نظام الساتي كان يمارس في ولايات الهند الشمالية والجنوبية إضافة إلى أنه كان يمارس حتى في عهد المغول وإبان حكم الاسكندر الأكبر الذي بذل جهودًا كبيرة للقضاء على هذه العادات إلا أن جميع الجهود ذهبت أدراج الرياح أمام التعصب القبلي الأعمى لهذا النظام الذي كان مترسخًا لاسيما في أذهان النساء.
وبين أن طريقة ممارسة هذا النظام كانت تتم عند موت الزوج حيث تؤخذ جثته إلى المحرقة وتؤمر زوجته فتتزين بأحسن ما عندها من ثياب وتتعطر بأحسن عطر ثم تتبع الجنازة برفقة ذويها وأهلها إلى أن تصل إلى المحرقة.
وأضاف راجا أن المحرقة تشعل عند قدومهم ثم تؤمر الزوجة فتجلس عند جنازة الزوج المتوفى ثم تبدأ بالنواح على رحيله عنها حتى تصل إلى درجة تفقد صوابها وبعدها يقوم عدد من الرجال بربطها فوق جثة زوجها ويصبون فوقهما سائلا سريع الاشتعال ثم تضرم فيهما النار حتى تصبح جثتاهما رمادا.
وذكر أن الفتيات الصغيرات اللائي تزوجن في سن مبكرة جدا وأغلبهن في العاشرة من أعمارهن غير مستثنيات من "الساتي" وعليهن إحراق أنفسهن بحجة المحافظة على شرفهن من أن يدنسه أحد بعد أزواجهن.
وحسب التقاليد والأعراف الهندوسية فإن الأرامل لا يحق لهن الزواج مرة أخرى إذا توفي عنهن أزواجهن. أما اللائي كن يمتنعن عن القيام بهذا العرف فكان جزاؤهن أن يقذفن بالقوة داخل النار وإن حاولن الهرب كن يحضرن مرة أخرى ويرمين في النار لأنهن ـ حسب زعمهم ـ يردن تدنيس شرفهن وشرف القبيلة، ثم يصب فوقهن حديد مصهور ليمتن طاهرات غير مدنسات.
وإن كان في هذا عبرة ، فإنها في معرفة فضل الإسلام على المرأة ومدى رفعه لقدرها، وتعظيمه لحقها، وحفظه لمكانتها، وتحريره لها من ربقة كل تقليد بال أو فكر بائر ... وصلى الله وسلم على صاحب الشريعة المحكمة والسبيل القويم {وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين
ـــــــــــــــــــ
الخطاب النسوي المعاصر .. صورة من قريب
خلال ما يربو على قرن كامل مرت الحركة النسوية بمراحل عديدة من التطور التاريخي وقد اقترن تطورها بتطور مماثل في الخطاب النسوي المصاحب لها والذي بدأ بالحديث عن حقوق المرأة الإنسانية والاجتماعية على استحياء وانتهى به المطاف(69/46)
إلى الحديث عن المساواة والندية المطلقة الآن مع تجاوز تام للرجل في بعض الأحيان ومن غير المستبعد أن يفاجئنا الخطاب في الغد بالحديث عن "الشعب النسائي" مثل نظيره النسوي الغربي الآن .
والمتابع لما يطرحه الخطاب يمكنه أن يلحظ أنه يدور في فلك عدة موضوعات لا يتجاوزها- بل ويمكن حصرها- فالحديث عن مظلومية المرأة والهيمنة الأبوية الذكورية والتمكين الاقتصادي للمرأة والعنف ضد النساء وغيرها كلها من ثوابت الخطاب النسوي
وأما أبرز ملامح الخطاب النسوي المعاصر فهي ازدراؤه لكل ما هو ثابت ومتفق عليه بحكم الشريعة فيرى أن تعدد الزوجات ونصيب المرأة من الميراث وعدة المطلقة أمور تكشف عن انحياز الإسلام للرجل وانتقاصه من حقوق المرأة وفي أحسن الأحوال فإنها أمور لم تعد تتمشى مع عصرنا الحالي !
ويخص الخطاب النسوي الحجاب على وجه الخصوص بنصيب وافر من الهجوم فهو من وجهة دعاة النسوية يلخص المرأة التي ترتديه إلى مجرد "شيئ" حيث تفقد خصوصيتها وتكوينها الذاتي وتتحول إلى مجرد رقم بين مجموع النساء. ومن المفارقات أن النسويات العربيات يتشددن في مسألة الحجاب بدرجة تفوق أحياناًُ تشدد أساتذتهن من النسويات الغربيات فعلى سبيل المثال ذكرت "جرمان جرير" النسوية البريطانية صاحبة الكتاب المثير للجدل "المرأة بأكملها" بأنها تقبل الحجاب باعتباره جزء من الهوية الثقافية للشعوب العربية .
وفي الوقت الذي يحمل فيه الخطاب النسوي على الحجاب باعتباره رمزا للستر والعفاف نجده لا يألو جهدا في الترويج لأطروحات المنظمات النسوية الغربية المتعلقة بالحرية الجنسية للمرأة ومشروعية ممارستها للجنس بدون زواج إلى غير ذلك من الأفكار الخارجة عن السياق الديني والقيمي والخلقي لعالمنا العربي والإسلامي .
وما الحرب التي خاضتها النسويات المصريات مؤخراً حول ضرورة تدريس الثقافة الجنسية بالمدارس إلا خطوة أولى في سبيل تعميم مثل هذه الأفكار.
والباحث المدقق فيما يطرحه الخطاب النسوي من قضايا وإشكاليات لا يجد صعوبة في أن يقف على مدى حالة التغريب التي يعيشها الخطاب الذي لم يكتف بأن يقتبس من الغرب طرقه في معالجة قضايا المرأة بل إنه سحب القضايا التي تعاني منها المرأة الغربية وأسقطها على المرأة العربية المسلمة.
ولا شك أن تركيز الخطاب على مثل هذه القضايا الوافدة الوهمية وإحجامه عن التصدي للقضايا الحقيقية التي تواجهها القاعدة النسائية العريضة قد باعد بينه وبين هذه القاعدة وأدى إلى تحوله إلى خطاب نخبوي وليس إلى خطاب جماهيري.
ومنذ فترة ليست بالبعيدة بدأ الخطاب النسوي يعاني من إشكالية عدم تمكنه من التوفيق بين ما هو وطني وما هو نسوي وفي مثل هذه الحالة فإن الخطاب غالباً ما ينحاز إلى جانب النسوي على حساب الوطني وقد اتضح ذلك بصورة عملية في موقف الخطاب المعارض للعمليات الاستشهادية وإحقاقاً للحق فإن بعض تيارات(69/47)
الحركة النسوية قد أعلنت أنها تؤيد مثل هذه العمليات إلا أن صوتها كان ضعيفاً وظلت الغلبة للمعارضين لها
وقد أدهش الخطاب النسوي الجميع حين أعلن رفضه للعملية الاستشهادية التي نفذتها الشهيدة وفاء إدريس وقد كان من المفترض والبديهي أن يحتفي الخطاب بمشاركة المرأة الفلسطينية في حركة التحرر الوطني لبلدها أما عن مبررات هذا الرفض فقد ساقتها إقبال بركة بشجاعة تحسد عليها قائلة (إن آلاف المنظمات الأهلية النسائية في أنحاء العالم لن تتعاطف أبداً مع الرجل العربي الذي يدفع زوجته أو ابنته أو شقيقته لتفجر نفسها دفاعاً عن وطنهما ) ..
ورفض الخطاب لعملية وفاء إدريس بصفة خاصة يلقي بظلال من الشك حول ما يدعيه الخطاب من أنه يستهدف تفعيل مشاركة المرأة في قضايا المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأنه يعمل على تغيير الصورة النمطية التقليدية عن المرأة والتي تحصر دورها في أداء أعمال معينة محكومة بعامل الجنس .
وليست هذه هي المشكلة الوحيدة التي يعاني منها الخطاب النسوي فالخطاب يقع في أخطاء منهجية عديدة حينما يحاول معالجة قضايا المرأة بمعزل عن قضايا المجتمع ككل وحينما يعادي الرجل لأسباب غير مفهومة وحينما يفشل في استحضار الهوية العربية والإسلامية في أدبياته .
أما أبرز تجليات فشل الخطاب النسوي بصورته الراهنة فهي عجزه عن تحقيق ما يدعو إليه رغم مرور ما يربو عن قرن من انطلاق مسيرته فما زالت المرأة العربية تعاني من الأمية وما زالت تواجه صورًا عديدة من القهر والظلم أما عن آية فشل هذا الخطاب الحقيقية فهي إخفاقه في تشكيل قوة نسائية حقيقية تعبر عن مطالب المرأة العربية لا الغربية !
وختاماً فإننا حين ننتقد القائمين على الخطاب النسوي لمحاولتهم إسقاطهم الثوابت الدينية والخلقية ومراعاة الخصوصية الثقافية فإننا ننحي أيضاً باللائمة على الإسلاميين الذين عجزوا عن بلورة مشروع خطاب إسلامي بديل يعبر عن القضايا الحقيقية التي تعاني منها المرأة ويوائم بين ما هو ثابت بحكم الشريعة وما هو متغير بحكم العصر الذي نحيا فيه وإن كنا لا نُغفل بعض الجهود الفردية.
ـــــــــــــــــــ
الإسلام وتعليم المرأة
يموه بعض المغرضين ويزعم بعض الجاهلين أن الإسلام لا يشجع على تعليم المرأة، وأنه يفضل أنه تبقى جاهلة أو أقرب إلى الجهل.
وهذا محض افتراء ظاهر على الإسلام، فما من دين ولا مذهب في الحياة دفع الإنسان إلى العلم كما دفعه إليه الإسلام، إنه دفع الإنسان كلِّ الإنسان بشطريه الذكر و الأنثى إلى مجالات العلم المختلفة، وإلى ميادين المعرفة والبحث عن الحقائق، بكل قوة، إعلانًا منه أن الطريق الصحيح إلى معرفة الله والإيمان به، والاستسلام لشرائعه إنما هو طريق العلم.
أليس في الآيات التي بدأ الله بها الوحي لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم إعلان قوي لهذه الحقيقة؟(69/48)
إن أول ما بدئ به من الوحي قول الله تعالى لرسوله محمد في سورة العلق: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[العلق:1-5].
إنه لأمر بالقراءة باسم الرب الخالق، الذي خلق الإنسان كل الإنسان بشطريه الذكر والأنثى من علق ، وفي هذا إشارة إلى أن المخلوقات هي مجالات المعرفة التي تأخذ بيد الإنسان إلى معرفة الله، والبحث فيما خلق الله هو السبيل الأقرب والأقوم لطلاب المعرفة ومتتبعي الحقائق، أين كانوا وفي أي منهج علمي سلكوا.
ولقد بدأ الوحي بالأمر بالقراءة لأنها أهم وسائل تثبيت المعارف، ومتابعة حلقاتها، والقراءة إنما تكون بعد الكتابة، ومن أجل ذلك أظهر الله منَّته على عباده إذ علّم بالقلم، أداة الكتابة الكبرى، فعلَّم الإنسان كلَّ الإنسان بشطريه الذكر والأنثى ما لم يعلم.
وهذه الدعوة التي دعا الله بها الإنسان إلى العلم، منذ اللحظات الأولى التي بدأ بها إنزال تعاليم الإسلام، أكبر برهان يدل على التسوية التامة بين شطري الإنسان الذكر والأنثى، في ميدان دعوتهما إلى العلم والمعرفة، والتأمل فيما خلق الله، والدعوة إلى استخدام الوسيلتين المترابطتين ببعضهما، وهما القراءة والكتابة.
ولما كان العلم هو الطريق إلى معرفة الله والإيمان به، والطريق إلى معرفة الأحكام الدينية التي يكلفها الإنسان ذكرًا كان أو أنثى، كان من المتحتم على كل مسلم ومسلمة أن يتعلم ما يهديه إلى هذه الأمور المسؤول عنها مسؤولية شخصية أمام الله.
فالإنسان كل الإنسان ذكره وأنثاه مبتلىً في هذه الحياة الدنيا، ومسؤول عن تصرفاته الإدارية كلها مسؤولية تامة، مادام متمتعًا بأهلية التكليف، وهي العقل والإرادة والاستطاعة.
ومسؤولية الإنسان عن تصرفاته تستلزم تكليفه ما يعرف به الحق والباطل، والخير والشر، والنفع والضر، والقبح والجمال، وحدود مسؤوليته أمام الله.
وقد حرص الإسلام كل الحرص على تعليم المرأة ما تكون به عنصر صلاح وإصلاح، في مجتمع إسلامي متطور إلى الكمال، متقدم إلى القوة والمجد، آمن مطمئن سعيد.
ولتحقيق هذا الهدف حرص على اشتراكها في المجامع الإسلامية العامة الكبرى منها والصغرى، فرغب بأن تحضر صلاة الجماعة، وأن تشهد صلاة الجمعة وخطبتها، وأن تشهد صلاة العيد وخطبتها وإن كانت في حالة العذر المانع لها من أداة الصلاة، وأمرها بالحج والعمرة، وحثها على حضور مجال العلم، وخاطب الله النساء بمثل ما خاطب به الرجال، وجعلهنَّ مندرجات في عموم خطاب الرجال في معظم الأحوال، حرصًا على تعليمهن وتثقيفهنَّ وتعريفهنَّ أمور دينهنَّ، ومشاركتهنَّ في القضايا العامة للمسلمين.
ونظرة إلى واقع الحياة تبدي لنا أهمية صلاح المرأة علمًا وخلقًا وسلوكًا داخل أسرتها، ثم في المجتمع الكبير، فبمقدار صلاح المرأة في الأسرة سيكون غالبًا صلاح النشء، والذرية فيها، وبمقدار فسادها يكون غالبًا فسادهم.(69/49)
يضاف إلى ذلك ما لها من تأثير بالغ على الرجل، زوجًا كان أو أبًا أو أخًا، وأهمية صلاح المرأة لصلاح الأسرة أكثر من أهمية صلاح الرجل لصلاحها؛ لأن المرأة تستطيع أن تكون ذات أثر فعال مرشد أو مفسد، في تكوين أخلاق الأطفال الصغار وطبائعهم وعاداتهم أكثر من الرجل بكثير، وذلك لعدة أسباب:
1- منها ما وهبها الله تعالى غالبًا من عاطفة متدفقة، ولين في الطبع، وقابلية للاندماج والمشاركة في أمور الصغار على مقدار طبائعهم ونفوسهم، مما له أثر كبير في اكتساب حبهم وإحراز ثقتهم، حتى يتخذوها قدوة لهم في أقوالها وأعمالها وأخلاقها وسائر تصرفاتها.
2- ومنها واقع حال ملازمتها لأطفالها في أكثر أوقات نشأتهم، وهم ما يزالون بعد فطرة نقية، وعجينة لينة، قابلة للتكيف بالتقليد، أو بالعادة
ولما كان للمرأة كل هذا الأثر في تربية الطفولة داخل أسرتها أو خارجها، كان لابد من العناية بتكوينها تكوينًا راقيًا، والعمل على جعلها قدوة صالحة وأسوة حسنة، وذلك لا يتم إلا بتعليمها ما تكون به المربية الفاضلة، وتربيتها تربية إسلامية حسنة، والاستفادة مما وهبها الله من عاطفة رقيقة، لملء قلبها ونفسها بالإيمان والخير، حتى تغذي بهما الجيل الذي تتولى تنشئته وتربيته.
ولذلك كثيرًا ما نلاحظ أولادًا فاضلين مهذبين ثم نبحث عن سر الأمر فنعلم أن لهم أمًّا مربية فاضلة، تقية مهذبة، وإن لم يكن أبوهم على مثل ذلك، ونلاحظ أيضًا أولادًا فاسدين منحرفين، ثم نبحث عن سر الأمر فنعلم أن لهم أمًّا فاسدة، وقد يكون أبوهم صالحًا فاضلاً.
فلا عجب بعد هذه الموجبات لإصلاح المرأة علمًا وعملاً وخلقًا، حتى تكون مربية فاضلة، أن نجد الإسلام يحرص على تعليم المرأة، وأن يخصص الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء أيامًا يجتمعن فيها، ويعلمهنَّ مما علمه الله، إضافة إلى الأيام التي يحضرن فيها مع الرجال، ليتزودون من العلم ما يخصهنَّ، ويتعلق بشؤونهنَّ، مما ينفردن به عن الرجال، بمقتضى تكوينهنَّ الجسدي والنفسي، إذ بلغت عندهنَّ الجرأة الأدبية الطيبة أن يطلبن ذلك من الرسول صلى الله عليه وسلم، فاستجاب لهنَّ صلوات الله عليه.
يروي البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: "جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه، تعلمنا مما علمك الله. قال: اجتمعن يوم كذا وكذا، فاجتمعن، فأتاهنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، فعلمهنَّ مما علمه الله. ثم قال: "ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابًا من النار، قالت امرأة: واثنين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واثنين".
فهذه امرأة من الصحابيات تأتي الرسول صلوات الله عليه بجرأة أدبية مشكورة وتخاطبه برباطة جأشٍ فتقول له: يا رسول الله! ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله.
وذلك لأن الرجال كانوا يحتلون مكان المقدمة من مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم، فتوجه إليهم أكثر كلماته وعظاته وبياناته، ولئن كان الإسلام في دعوته(69/50)
وأحكامه وتكاليفه ومواعظه يتناول الرجال والنساء على السواء، فإن بعض مسائله وأحكامه خاص بالرجال، وبعضها خاص بالنساء.
أما الرجال فينالون حظهم من التعرف على ما يخصهم، إذ ليس بينهم وبين الرسول حجاب، ولديهم من الجرأة ما يسألون عن كل أمر من أمور دينهم، فهم يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك أينما حلوا وأينما ارتحلوا، لكن النساء لا يستطعن دائمًا أن يسألن عمَّا يخصهنَّ من أمور الدين، ويحللن به مشكلاتهنَّ، ولئن كنَّ يحضرن مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم مع الرجال من دون اختلاط فإنهن ربما يستحيين أمام الرجال أن يسألن عنها.
لذلك كان تعليمهنَّ ما يخصهنَّ وحل مشكلاتهنَّ، لابد فيه من تخصيص مجالس لهنَّ تعالج فيها أمورهنَّ، وتوجه لهنَّ فيها الأحكام والمواعظ بحسب خصائصهنَّ النفسية والفكرية والخلقية والاجتماعية، وبحسب مسؤوليتهنَّ في الحياة، داخل أسرتهنَّ وخارجها، ولكل هذه الأمور طالبت هذه المرأة بتخصيص أيام للنساء يتلقين فيها ما يخصهنَّ من معارف دينية، ومن أجل ذلك استجاب لها الرسول صلوات الله عليه.
وهذا هو الحل الذي يتم فيه تعليم النساء، وإخراجهنَّ من ظلمات الجهل إلى النور المعرفة، حتى يؤدين رسالتهنَّ في الحياة على أحسن وجه وأفضله، وحتى يحملن مسؤوليتهنَّ كما يجب أن يحملنها، مع المحافظة على عفافهنَّ وأخلاقهنَّ، وعدم قذفهنَّ إلى مجتمع مختلط تسرع إليه مفاسد المجتمعات المختلطة، وتشب فيه نيران الشهوات العارمة، التي تنتشر معها المعاصي والآثام ومفاسد كثيرة أخرى.
لأن العلم الصحيح هو الوسيلة الأولى التي لا بد منها لإصلاح كل مجتمع، رجاله ونسائه، كباره وصغاره.
ولما كانت النساء المسلمات في الصدر الإسلامي الأول متلهفات لمعرفة أمور دينهنَّ، وتبين مشكلاتهنَّ الخاصة، فقد تبادرن إلى مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم الخاصة بهنَّ، فاجتمعن، وأتاهنَّ النبي صلى الله عليه وسلم في المواعيد المحددة، فعلمهنَّ مما علمه الله، وبيَّن لهنَّ ما بيَّن، وسألنه عن مسائل وأجابهنَّ صلوات الله عليه.
ولما كان في صحابيات الأنصار جريئات في السؤال عمَّا يتعلق بأحوال النساء وخصائصهنَّ، أثنت عائشة أم المؤمنين عليهن بقولها : "رحم الله نساء الأنصار، لا يمنعهنَّ حياؤهنَّ أن يسألن عن أمور دينهن".
وعلى هذا المستوى الرفيع كانت سياسة الإسلام التعليمية للنساء، فهل بعد تبيان هذه الحقائق كلام يضلل به أعداء الإسلام الناس في موضوع تعليم المرأة، إذ يحاولون أن يصوروا الإسلام بغير صورته الحقيقة؟ وهل بعد هذه التسوية التامة بين الرجال والنساء في طريقي العلم والعمل يظل رغاء المشوهين لصورة الإسلام الرائعة يؤذي الأسماع بما تنفر منه الطباع؟
من كتاب " أجنحة المكر الثلاثة "
ـــــــــــــــــــ
آفة الاختلاط في المجتمع المسلم(69/51)
كثرت الأمراض والعلل والآفات التي تعتري المجتمعات في هذا العصر، علل تتراكم وتتخذ شكل أخطبوط متعدد الأذرع، يلتف حول الإنسان حتى ليكاد يخنقه، وفي أحسن أحواله، فهو يتنفس في جو موبوء وفضاء ملوث تسبح فيه الجراثيم التي تهاجم جسمه وروحه وتكاد تجهز عليه وتذره قاعا صفصفا، أو كالأعجاز الخاوية.
من تلك الآفات القاتلة، آفة الاختلاط التي عم بها البلاء وأصبحت سمة وعلامة، أو هي بمثابة السم الناقع الذي يسري في أوصال المجتمع ويتغلغل في شرايينه وعروقه، فيعطل قدرا كبيرا من طاقته وكماً هائلا من عزمه.
كان المجتمع المسلم في منأى عن هذه الآفة حينما كان يعيش في ظل إسلامه، مستلهماً قيم العفة والطهر والنقاء، مسترشدا بأخلاق الفطرة التي تضع الأمور في نصابها وتأنف من التمرد على سنن الله عز وجل في النفس وفي الاجتماع والعمران البشري.
ولكن أتى عليه حين من الدهر بدأ ينسلخ فيه عن طبيعته ويخرج عن صبغته، وذلك بفعل احتكاكه بالغرب إبان مرحلة ما يسمى بالاستعمار، وقد كان الغرب يحمل في جعبته مخططات جهنمية تستهدف تغريب المجتمعات المسلمة وإخراجها من أصالتها وطمس معالم هويتها. وإذا كانت مداخل الشر ومعاوله قد تعددت وتنوعت، فإن تزيين فكرة ومسلك الاختلاط بين الرجال والنساء على كل المستويات، مثَّل المدخل الأشد خطورة وفتكا بأخلاق المجتمعات الإسلامية وعقيدتها. وقد قدمه الأوربيون إلينا على أنه وجه من وجوه المدنية والتقدم والعصرنة، فصدق المسلمون في غفلة من العقل وانفلات من نور الوحي ومنهجه القويم، هذه الفرية وهذا البهتان العظيم، وخاضوا تجربة العري والاختلاط، وبلغوا فيها آمادا سحيقة، وسجلوا صورا مذهلة من التحلل والارتكاس تفوقوا فيها- أحيانا- حتى على من أدخلوهم إلى هذا المستنقع البغيض.
إنه على الرغم من العواقب الوخيمة التي حاقت بالمجتمعات الغربية، وبمن ساروا في ركابها واقتفوا آثارها، بل وبالرغم من استنكاف عقلاء الغربيين من المخازي والويلات التي قاد إليها الاختلاط، يصر بعض أبناء بلدتنا على المضي قدما في هذا الطريق الخاطئ والإمعان في إغراق مجتمعاتنا في حمأة الاختلاط، وما يسببه من فساد وامتصاص لمكارم الأخلاق، وشعب الإيمان التي من أعظمها الحياء.
> إنه لا أحد يجادل في أن الواقع الذي أفرزه مجتمع الاختلاط، واقع فاسد موبوء غابت من جرائه صورة المجتمع المسلم الطاهر المشرق الذي تينع فيه خصال الفطرة التي عاش عليها أجدادنا كالعفة والغيرة، وغيرها، وحلت محلها صورة كالحة منتنة تتمثل في الصفاقة والدياثة، التي هي موت لمفهوم العرض، واندثار لمفهوم الكرامة الإنسانية.
إن المؤسسات التعليمية التي هي بهذه المثابة، لا يمكن أن تحقق أهدافها ومقاصدها التربوية والاجتماعية والحضارية، إلا في ظل شروط معينة ومواصفات محددة تجعل منها فضاء خلاقا للأخذ والعطاء، تتفتق فيه المواهب وتجد فسحتها ومجالها الرحيب، ولا ريب أن على رأس تلك الشروط، جعل المحيط المدرسي محيطا يتسم(69/52)
بالنقاء والبعد عن المثيرات والمشوشات التي تطمس الفكر وتعوق عملية الإبداع عن أن تسير في مجالها الصحيح.
وأسوق إليكم هنا نتائج دراسة غربية نشرت في 8 يوليو 2002 قامت بها هيئة حكومية بريطانية تدعى المؤسسة الوطنية للبحث التعليمي والتي أجريت على 2954 مدرسة ثانوية في انجلترا لدراسة مدى تأثير حجم المدرسة ونوعها (مختلطة أو غير مختلطة) على أدائها التعليمي.
أوضحت هذه الدراسة نتائج مدهشة أبرزها أن أداء الطلبة الذكور والإناث كان أفضل دراسيا في المدارس غير المختلطة، الفتيات كن أكثر استفادة من الفصل بين الجنسين في تنمية أدائهن .
كذلك وجد من تحليل نتائج الامتحانات البريطانية العامة أن المدارس غير المختلطة تحقق أفضل النتائج وأعلاها بشكل روتيني. ففي سنة 2001 كان العشرون الأوائل في امتحانات البريطانية من طلاب المدارس غير المختلطة، وأغلب الخمسين الأوائل من الدارسين في تلك المدارس.
يضاف إلى ذلك أن تجارب علمية تم القيام بها في بعض المدارس أكدت أن التعليم غير المختلط أفضل بكثير من التعليم المختلط. فقد تم تحويل مدارس مختلطة إلى مدارس غير مختلطة يفصل فيها بين الجنسين، لكن مع بقاء نفس الطلاب ونفس المدرسين ونفس المنهج ونفس الإمكانيات.
لقد كانت مجتمعاتنا الإسلامية في منأى عن كثير من الفواجع والويلات لو أنها اتبعت كتاب ربها سبحانه وتعالى وسنة نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام ولكنها أبت إلا أن تدخل جحر الضب، وأن تنغمس بوعي أو بغير وعي في تجارب نكدة وأنظمة ومناهج شاردة، فكان ما كان من هذا التيه والشرود، يقول الله سبحانه وتعالى: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} (الأنعام:122).
ومن غير الدخول في جدال عقيم نقول للمعجبين بالغرب المنبهرين ببهارجه، لماذا تلتقطون أوساخه وتتركون حكمته، وهي كامنة في أصول دينكم في صيغة أبهى وأجمل؟
إن المنطق العقلي البسيط في حد ذاته يأنف من هذا التناقض الشائه.. فهل أنتم منتهون.
ـــــــــــــــــــ
الزوجة الثانية !!!
إن النفوس البشرية عالم غامض لا يعرف كنهه إلا الله تعالى، وتختلف كثيرًا فيما بينها، وتتغير هي نفسها من وقت لآخر، ولا تثبت على حال.. تدخل عليها أشياء جديدة، مشاعر جديدة، آراء جديدة.. كل ذلك مرهون بتعاملات البشر المحيطين، وظروف الزمان والمكان.
إن الحياة حول الناس تتغير فتتغير تبعًا لذلك ردود أفعالهم، وتختلف استجاباتهم، إنها الحياة الدائمة التغير المستمرة الحركة، ولا يدري بأمر هذا التغير الداخلي في النفوس إلاَّ خالقها وحده سبحانه وتعالى.(69/53)
هذه النفوس البشرية التي يتأبى على غير الله تعالى فهمها. (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)[البقرة:235]، (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الملك:13، 14].
هذا الخالق العظيم العالم بدقائق الخفايا وصغائركل النفوس وأدق الهواجس هو أيضًا الرحيم بخلقه، الكريم بفضله، المتفضل دائمًا بسابغ نعمته. (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً)[النساء:28]، (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)[البقرة:286].
وهو سبحانه لا يكبت النفوس المسلمة كبتًا، ولا يضيق عليها الخناق، وهو لرحمته الإلهية لا يجعلها تحيا حياتها أسيرة اختيار قد يخطئ وقد يصيب وقد يجد عليه من ظروف الحياة ما يجعله خيارًا يستلزم التعديل كله أو بعضه .
وخيار الزواج خيار خاضع في أغلبه لهذه النفس البشرية التي تختلف من شخص لآخر وأيضًا من وقت لآخر، ومن ظرف لآخر.
وقد يختار الزوج ويفرح بخياره أول الأمر ثم تبدو في حياته ظروف لا يعلمها إلاَّ الله وحده، فإذا هو في صراع نفسي وصدام داخلي بين اختيار هو واقعه المعاش، وبين أمر آخر تميل إليه نفسه أو يفضله في داخله الشعوري، فإذا هو يريد أن يقبل على الزواج مرة أخرى، والزواج الثاني في الإسلام خيار لم يحرم ، ولم يشجبه الإسلام أو يعتبره نقيصة أو ذريعة للازدراء.
إن الزواج الثاني هو أحد مظاهر الرحمة الإلهية الكبيرة بهذه النفوس المسلمة، من مظاهر رحمته تعالى بالزوجين الرجل والمرأة، وبالمرأتين الأولى والثانية.
والخيارات المتسعة للمسلم في الحياة هي منافذ الرحمة تتدارك المسلم وقت الضيق لتنتشله من الأزمة، وتغدق عليه من الرقة والهناء ما يضمن له الهدوء والهناء النفسي.
ولننظر إلى هذا البيت المسلم الذي خلا من بسمة الصغير ولهو فلذة الكبد! هل يبقى هكذا مظلمًا كئيبًا مدى الحياة؟! هل يقضي الزوج حياته حتى تذوى دون أن تحمل يداه طفلاً أو تداعب أنامل الصغير الرقيقة شفتيه ووجهه؟
كثيرون وكثيرات يسارعون إلى الصياح والاستنكار، ليتزوج إذن، ولكن ليطلق الزوجة الأولى حتى لا يجرح شعورها أو يحطم نفسيتها، أو يعاقبها بذنب لا يد لها فيه.
ونعود إلى كرم الرحمن وفضله، فنسأل: وهل من العدل في نظر العقل أو العاطفة أن يلفظ الرجل زوجته الأولى والتي هي في أغلب الأحيان صاحبة الحيز الأكبر من عواطفه ومشاعره وشريكته في أطول فترات حياته لمجرد تحقيق أمله الفطري في أن يصبح أبًا ؟!
هل من الرحمة أن يدعها وحيدة تعاني حرمانًا من نعمة الإنجاب يختبرها الله تعالى به. ثم يزيد هو معاناتها بالوحدة والانفصال النهائي، فيقطعها عن البيت الذي عاشت فيه أحلى وأجمل سنوات عمرها، وينزعها من جوار زوجها الذي تحبه ويعزلها عن البيئة التي غدت جزءًا من كيانها النفسي والاجتماعي؟!
إن الزوجة المسلمة المؤمنة بقضاء الله وقدره، حلوه ومره؛ لتدرك أن زوجها الذي صبر معها سنين طويلة وشاركها السعي عند الأطباء، وقاسمها ألم الانتظار والشوق،(69/54)
تدرك أنه زوج كريم الأصل، يحفظها في قلبه ووجدانه، وتدرك كذلك أن فطرة الله تعالى لها ضغط ولها تأثير كبير وإن أخفاه حرصًا عليها، فلماذا حين يفتح الله تعالى لزوجها بابًا لتحقيق حلمه والتفضل عليه بفرحة الوليد، تقوم هذه الزوجة بطلب الطلاق؟!
إن من رحمة الله تعالى أنه لم يحرم هذه الخطوة، خطوة الزواج الثاني، لكنه أيضًا لم يشترط لها طلاق الزوجة الأولى حتى لا يُهْدَم بيت دعائمه الحب والإخلاص والتواد والتماسك ليقوم بيت ثانٍ على أنقاضه فلا يستفيد المجتمع بقدر ما يتألم بعض أفراده.
إن الكثير الذين يتصايحون اليوم حرصًا على ما يزعمون من مشاعر الزوجة الأولى.. وكرامتها هم أعدى أعدائها، فالله سبحانه وتعالى أرحم بها منهم.. وأرحم بها من نفسها التي بين جنبيها. وإن الواقع من حولنا ليشهد وجود زوجات مؤمنات أقدمن على اختيار زوجة ثانية لأزواجهنَّ حتى لا يعنتوا عليهم ويحملوهم فوق ما يطيقون، وليسعدن كذلك بتربية وليد صغير يعطي لحياتهنَّ امتدادًا جديدًا ، وقوة دافعة....
إن وزن الأمور كلها بمقياس الحلال والحرام يجعل المؤمن يعيش حياة هانئة تخلو من كل مشاعر الغيظ والحنق أو الثورة والهم. يقول تعالى للمؤمنين: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ)[البقرة:216]، (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)[النساء:19].
وكأن الله سبحانه وتعالى يريد من المؤمن أن لا تكون مشاعره وأهواؤه هي دافعه الأول، أو مرجعه عند الخيار، فالله يصرف له ما في صالحه الوقتي والمستقبلي معا ،حتى لو بدا له في وقتها أن الأمر ليس كذلك، فقد تكره الزوجة الأولى فكرة الزواج الثاني، لكن قد تكون هذه الخطوة هي الخير العميم الذي يخبئه الله لها، وحين تتلو المؤمنة تلك الآيات ترمي بهواجس الشيطان بعيدًا، وهمسات من لا يعلمون خلف ظهرها، وتكتفي بالله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[البقرة:216]؛ فإذا النفس تهدأ، والقلب يطمئن إلى قدر الله، وإذا باب عريض لأمل كبير يفتح على مصراعيه ويغمر هذا الأمل النفس المطمئنة الراضية فتقول: "قد يكون هذا الزواج هو الابن الذي لم يحمله رحمي أو يتغذى من دمائي. قد يكون هذا الصغير هو اليد التي تعينني إذا تعبت، وترفعني إذا تعثرت قدماي، ربما هو اليد الحانية التي ستمسح الأحزان، وتفرح القلب، وتعوض النقص، وتسد العوزاء. ربما هو الرحمة المهداة التي يسوقها الله إليَّ.. ولكن تعميمها على الآن حجب الشيطان!
ويعلو صوت يستنكر ذلك متظاهرًا بالرقة، والرحمة والحنان : أي ألم رهيب يسببه الزواج الثاني للزوجة الأولى ، أي ضغط عصبي وقسوة لا متناهية تتعرض لها، أي معاناة!!
ونتلفت جميعًا حولنا، هل تخلو الحياة من أي صورة من صور المعاناة؟! هل تمضي حياة أي إنسان كائنًا من كان دون صعوبة أو مشاق؟!
قد لا يتزوج الزوج، لكنه يكون من سوء الخلق وسوء العشرة حتى ليتنقل من عشيقة لأخرى تحت سمع الجميع ووسط همس الأقارب، ورغم نيران الاستنكار والكره التي تنهش زوجته.(69/55)
وكم هنَّ كثيرات من يعشن هذه الحياة ويتحملنها لمختلف الأسباب، بل إن بعضهنَّ قد يكافئها زوجها (بالإيدز) في نهاية المطاف، فتقضي دون أن يهتم بها أحد؟!
قد تسير الحياة كما هي ويتزوج الرجل دون أن يخبر زوجته وينجب ويخفي عنها أنه أب، ويتركها تعطيه ما اعتادت من حنان وعطف وموالاة، بينما هو قد انفصل عنها بعالم مختلف جديد يمتلأ بصراخ الطفل أو الأطفال، بينما قد يكون إشراكها معه في البداية باختيار الزوجة الثانية، مانعًا للكثير من المشاكل التي تبرز في مستقبل الأيام.
قد يكون الزوج متزوجًا قبلها ولم يخبرها ولا هي عرفت ذلك، فماذا لو كانت هي الثانية وتظن نفسها الأولى؟!
أليس ما سبق صور بسيطة لمعاناة نفسية حقيقية يحياها الكثير من النساء، وتمضي حياتهنَّ دون أن يتباكى عليهنَّ أحد؟!
لعل بكاء وعويل هؤلاء المتباكين يتجه إلى الزوجة التي تحترق كل ليلة، وزوجها مع العشيقات، فهذه الزوجة أولى بالبكاء وأولى بالعويل!
ـــــــــــــــــــ
واجب المرأة المثقفة نحو نفسها وبيتها
إن مجتمعنا بحاجة إلى إصلاح.. ولا بد أن تتعاون القوى مجتمعة على عملية الإصلاح هذه.. فلا الدولة وحدها.. ولا الفرد وحده.. ولا الرجل وحده.. ولا المرأة وحدها.. ولا البيت وحده.. ولا المدرسة وحدها.. ولا النظام وحده.. ليس واحدٌ من هؤلاء بمفرده يحقق الإصلاح المنشود.. بل لا بد أن تتعاون هذه المؤسسات كلها، والأفراد جميعهم على إقامة أسس الإصلاح ورعايته حتى يؤتي أكله.
والمرأة عامل مهم أساسي من عوامل الإصلاح.. ولا سيما إن كانت مثقفة، ونودّ في هذه الكلمة الموجزة أن نتبين واجب المرأة نحو نفسها وبيتها، لأن قيامه بهذا الواجب يؤهلها للقيام بواجبها في المجتمع.
الشعور بالمسؤلية
الخطوة الأولى التي تمكنها من ذلك كله أن تشعر بمسؤوليتها أمام الله.. أن تشعر بمسؤوليتها عن بيتها وأمتها.. وكون هذه المسؤولية أمام الله يحملها على مضاعفة الجهد والبعد عن التقصير؛ لأن تبارك وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.. وهذا يقتضيها أن تنبذ اللامبالاة، والاقتصار على الاهتمام بشؤونها الخاصة، كما تفعل كثير من السيدات المثقفات في هذه الأيام، ويقتضيها أن تتحمل قسطًا من أعباء الإصلاح والبناء.. وإذا كانت الحياة الإنسانية لا يمكن أن تقوم ولا أن تستمر إلاَّ بالمرأة، فطبيعي أن تشارك المرأة في كل ما يتصل بهذه الحياة.
والخطوة الثانية أمور عدة تتصل برفعها من مستواها وإعدادها للقيام بمهمة الإصلاح ونذكر منها:
1- أن تزداد صلتها بكتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فكتاب الله هو الهدى والنور، وهو الحبل المتين، من تمسك به أفلح وهدي إلى صراط مستقيم وحيزت له السعادة الدنيوية والأخروية، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي البيان الشافي والنهج الواضح.(69/56)
فما يليق بالمرأة المثقفة المسلمة أن تشغلها شؤون الحياة المتشعبة عن الرجوع إلى هذين المصدرين والتزود من معينهما.. نعم لا يليق أن يمر يوم دون أن تخصص وقتًا للاتصال بكتاب الله وسنة رسوله تلاوة وتدبرًا ووعيًا.
وينبغي أن تنتقل هذه الصلة الوثيقة بصاحبتها إلى ميدان التطبيق والالتزام، فتعنى بأن تكون حياتها ترجمة حية ناطقة لما جاء فيها، وتعنى بروحها وعبادتها الواجبة والمستحبة، فاليقظة الفكرية والتألق الروحي وسيلتان رائعتان تمكنان الراغبة في الدعوة من النجاح والعمل الجاد البناء.
2- ومنها أن تنمو ثقافيًّا عن طريق متابعة المطالعة والاستزادة من المعرفة، فذلك ينأى بها عن الإسفاف الذي تنحدر إليه كثيرات ممَّن ودَّعن القراءة والاطلاع بعد أن حملن الشهادات العالية.
3- ومنها أن تلزم نفسها بتهيئة الوسط الصالح الذي تحيا فيه وتتعاون معه على الخير، وتتبادل معه النصح، وألاَّ تكون صلاتها إلاَّ بمن يعينها على مهمتها الجليلة مهمة الإصلاح والبناء، وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال عز من قائل: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)[الكهف:28].
4- ومنها أن تقوم بعملية مزدوجة بينها وبين نفسها، هذه العملية ترتكز على عنصرين:
أولها: تقويم عملها دائمًا بموضوعية محايدة، ونقدٌ ذاتي لتصرفاتها تناقش هذه التصرفات، كما لو كانت من امرأة غريبة.
وثانيها: التخطيط للخروج من الوضع الحالي إلى الوضع الأمثل بناء على التجربة التي عانتها وانتقدتها.
إن ما سبق ذكره يُعدُّ المرأة المثقفة المسلمة للقيام بواجبها الذي نجد له مجالين هما: البيت والمجتمع.
البيت قلعة حصينة
أما البيت فإنه القلعة الحصينة التي ما يزال أعداء الإسلام يوجهون نحوها سهامهم يريدون أن ينحوا كل أثر الإسلام عنه، ولم يستطيعوا حتى الآن اقتحامه والسيطرة عليه بصورة عامة، ولكنهم مع الأسف استطاعوا أن يتسللوا إلى بعض أعضائه عن طريق مناهج التعليم ووسائل الإعلام، وهم سائرون في عملهم التخريبي بمكر، ماضون فيه بتخطيط، وبمقدار غياب الوعي عن هذا البيت يستطيع هؤلاء الأعداء أن يحققوا أغراضهم بيسر وسهولة. والمرأة في البيت هي الدعامة الرئيسية، وواجبها صيانة بيتها من وسائل الأعداء المدمرة، والمحافظة على أن يستمر البيت بأداء مهمته الخالدة في تنشئة أبناء هذه الأمة على الإسلام وموالاته.
وهي - إن كانت مثقفة - تستطيع أن تجعل منه منطلقًا لتخريج الأبطال، وقد عرفنا - فيما يقصه علينا التاريخ من أنباء - عمالقةً كان للبيت المسلم تأثير كبير عليهم، ونستطيع أن نضرب مثلاً على ذلك: ابن تيمية الذي كان لبيته الفاضل أثر واضح في تنشئه على العلم والجهد والصلاح والإصلاح، وغيره كثير.(69/57)
وعرفنا في العصر الحاضر عددًا من رواد الإصلاح والدعوة الإسلامية كان للبيت المسلم أكبر الأثر في تكوينهم.
وهي - إن كانت مثقفة مخلصة حكيمة - تستطيع أن تحمي أولادها وزوجها من الانحراف.. بل إنها - إن كانت قوية الشخصية - لتستطيع أن تصلح من أوضاع إخوتها ووالديها.. وتحملهم جميعًا على جادة الإسلام.
تنشئة الجيل المجاهد لا المترف
إن الجيل الحاضر جيل مترف مترهل أفسدته وسائل الراحة والرفاهية وعوامل التسلية والمتعة، حتى غدا بعيدًا عن الرجولة والاستقامة والصواب.. إن هذا الجيل لا يستطيع أن يستعيد الأرض ولا أن يزيل العار.
وحلُّ قضية الإسلام السياسية الكبرى (قضية فلسطين) لا يمكن أن يحققه إلا جيل مؤمن مجاهد.
وهذه مهمة المسلمة الواعية في البيت المسلم، وقد حدثنا القرآن عن نساء فضليات كان لهنَّ الأثر العظيم، من أمثال مريم وأم موسى وملكة سبأ، وامرأة فرعون. وقد حفل تاريخنا بالعدد الوافر من هؤلاء النساء على مر العصور من أمثال خديجة وعائشة وأم سلمة... وكثيرات.
إن سلامة البيت الذي يستقبل الوليد تضمن له السلامة النفسية والعقلية والصحية، وتغرس فيه القيم الأصيلة التي نحتاج إليها في حياتنا عامة وفي معركتنا خاصة.
فإلى هذه المهمة العظمى يا أيتها الأخت الكريمة والله يسدد خطاك على طريق الحق.
ـــــــــــــــــــ
المرأة المسلمة والأجندة الغربية
ما الذي يدعو الغرب إلى الاهتمام المكثف بقضايا المرأة العربية ؟ ولماذا تحرص الأمم المتحدة على وضع الأسرة المسلمة على رأس قائمة أولوياتها؟ وهل ما تطرحه وثائق مؤتمرات المرأة من قضايا هو انعكاس لأولويات المرأة المسلمة بالفعل؟
ليس سرا
وعن خطورة وضع المرأة في الأجندة الغربية يقول الدكتور عبد الصبور شاهين - المفكر الإسلامي - إن العداء الذي يواجهه الإسلام بكل الطرق، وفى كل مكان عسكريا، وثقافيا أمر واضح للعيان، خاصة في قضايا المرأة، فوضع المرأة والأسرة المسلمة مستهدف بالخطاب الغربي منذ أكثر من مائة سنة، أحيانا تهدأ المواجهة أو يتغير الميدان، أو الوسيلة، ولكن تظل الحرب مستعرة.
ويفسر الدكتور عبد الصبور شاهين هذا العداء بأهمية وضع المرأة وقيمتها بصفتها أساس استقرار المجتمع المسلم، لذلك تأتى على رأس أولويات الأجندة الغربية لدورها في صنع الحضارة الإسلامية، ومن هنا أنشأت الإدارة الأمريكية مراكز أبحاث، وتبنت دراسات لتقييم المجتمعات الإسلامية، وبناء على ذلك تقرر سياستها وشكل السيطرة، وبما أن ثقافة وأفكار المجتمعات الإسلامية تحول دون ذلك، فيجب إعدادها حتى تقبل تلك السيطرة ناسية أو متجاهلة أن المنظومة الثقافية والاجتماعية التي تريد فرضها على المجتمعات العربية بدعوى التطور جاءت نتيجة طبيعية ومنطقية لظروفها التاريخية، ولا يمكن فرضها على مجتمعات ذات تاريخ مختلف.(69/58)
ولهذا يجب أن يحدونا التفاؤل، فالقيم الأصيلة هي التي تربح، وخاصة التي تستمد قوتها من الله سبحانه وتعالى.
خيانة غير مبررة
ترى الداعية كريمة قمر - بالجمعية الشرعية - أن ما تعانى منه المرأة المسلمة أكبر بكثير من اللاءات الثلاث "لا للحرمان من التعليم، لا لختان الإناث، لا للزواج المبكر"، فهناك الابتذال والعرى من أجل ترويج السلع من قطعة الحلوى حتى السيارات، ناهيك عما يقدمه الفيديو كليب، أليس ذلك إهدارًا وإهانة لكرامة المرأة؟!
وتؤكد الأستاذة كريمة على أنه من الخيانة للأمة المسلمة ألا نهتم بما تتعرض له المرأة في فلسطين، والعراق، والشيشان، والهند، وأفريقيا، وما تعانيه من أسر الأزواج، وقتل الأولاد، وسجن الآباء، ويزيد من معاناتها التفتيش على الحدود، وفى المنازل ليلا ونهارا.
لذلك ترى الداعية كريمة قمر أنه يجب علينا ترتيب أولوياتنا، والتركيز على القضايا الكبرى، والمصيرية، فننشغل بها عما سواها، كما تحذر من تنحية الدين عند مناقشة قضايانا، فبالإضافة لوجود الحل فيه هو ضمان لعلاج فعال دون مشاكل جانبية، كما ترى السيدة كريمة أن المرأة المسلمة عليها عبء كبير في صد الحملات الموجهة إليها، فقد منحها الله مقومات كبيرة، مما يبشر بنجاحها في هذه المقاومة الحضارية.
مشكلات حلها الإسلام
رغم الجوانب التشريعية في قضايا المرأة يرى دكتور رأفت عثمان - عضو مجمع البحوث الإسلامية والمجمع الفقهي الإسلامي بأمريكا - أننا لسنا في حاجة إلى تشريعات وقوانين جديدة لتعديل أو إصلاح أحوال المرأة، كما أنه لا يمكن فصل قضايا المجتمع، والرجل بوجه خاصة عن قضايا المرأة التشريعية.
ويؤكد دكتور رأفت أن ما تعانيه المرأة ليس عن نقص تشريعي أو عدم وضوح في الحقوق والواجبات، فوضع قضية المرأة في إطارها الإسلامي كفيل بحلها جذريا.
ويوضح دكتور رأفت أن التشريع الإسلامي ليس فيه أي تمييز ضد المرأة بنص حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "النساء شقائق الرجال" .
وعن حقها في التعليم، جعله الإسلام واجبا بقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة".
وأما حقها في الزواج، فلا يتم إلا بموافقتها، كما أن العقد متوقف على إجازتها، كما أن للمرأة ذمتها المالية المستقلة تبيع، وتشترى، وتقايض، وتقرض، وتقترض، تهب، وتوصى، تصرفاتها نافذة بإرادتها الذاتية لا تتوقف على رضا أب أو زوج.
ويرى الدكتور رأفت عثمان أن كل قضايا المرأة يجب أن تطرح بخلفية شرعية، وهوية إسلامية حتى لا تتصادم وفطرة المجتمعات الإسلامية
ـــــــــــــــــــ
فرنسا والحجاب .. إنهم أناس يتطهرون !!
كان قوم لوط من الشواذ ، يمارسون الفحشاء مع أمثالهم من الرجال ، وعدوا الشذوذ هو الأصل ، والطهارة هى الاستثناء ، ولذا حاربوها وحاربوا الداعين إليها ، وعلى رأسهم سيدنا لوط عليه السلام ، وكانت تساعدهم فى حربهم ضد الطهارة زوجه التى(69/59)
كانت تنقل أخباره إلى قومه ،وكانت نهاية هؤلاء القوم طبيعية حين انقلبت بهم الأرض فصار عاليها سافلها ، ومعهم زوج لوط ، الذى أنجاه الله ومن آمن به .
وقد وردت قصة لوط وقومه فى أكثر من سورة على امتداد القرآن الكريم ، وأكدت القصة دائما على النهاية التى يستحقونها وهى التدمير بخسف الأرض وإمطارهم بحجارة من سجيل لقد وردت القصة فى سور منها :هود ،والحجر ،والأنبياء ،والشعراء ،والعنكبوت .والنمل ،والصافات ،وسأكتفى بإيراد آيات سورة النمل لكشف التفكير المعوج الذى يجادل به قوم لوط ، مع أنهم كانوا أصحاب عقل وبصر : (ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون .أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون .فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم ،إنهم أناس يتطهرون .فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين .وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين) (النمل:54-58).
وتكشف الآيات أن قوم لوط أصروا على شذوذهم وإجرامهم ،وكان ردهم على الاستفهام الإنكارى التوبيخى من جانب لوط عليه السلام هو طلب إخراج لوط ومن معه لأنهم أناس يتطهرون ، الطهارة والعفة والنقاء مسوغات الطرد من الديار عند الشواذ والمنحرفين ..
معاناة المسلمين في فرنسا
وهذه المسوغات بعينها هى ما يرفعه الصليبيون الاستعماريون المتعصبون فى فرنسا ضد المسلمين ، دع قضية الحجاب جانبا ، وانظر إلى مجمل ما يعانيه المسلمون من تمييز عنصرى بشع وكريه فى أرجاء البلاد الفرنسية ،مع أنهم يمثلون القوة الثانية بعد الكاثوليك ،ويبلغ عددهم أكثر من خمسة ملايين مسلم ،منهم ثلاثة ملايين يحملون الجنسية الفرنسية ،والباقى من المقيمين الذين قضوا فترات طويلة هناك فلا يوجد وزير مسلم واحد فى فرنسا ،ولا يوجد مسئولون مسلمون فى الإدارات الفرنسية حتى المستويات الدنيا ..والمسلمون يسكنون غالبا فى الأحياء الفقيرة ،ويعيشون مستوى اقتصاديا أقل من اليهود والكاثوليك ..ومع ذلك فهم يخدمون الدولة الفرنسية بإخلاص ، ويعطونها جهدهم وعمرهم ، ويأبى عليهم المتعصبون أن يكون لهم وجود إنسانى أو كيان محترم ..بل يريدونهم عبيدا بلا دين ولا عقيدة ولا ثقافة ولا هوية !.
الحجاب يقضي على النظام الجمهوري!!
إن فرنسا تمتلئ بالنساء العاريات والداعرات والمدمنين والشواذ والإباحيين ، ولكن ذلك لا يشغلها ولا يمثل لها مشكلة خطيرة ، فقط يشغلها استراتيجيا وقوميا حجاب المرأة الفرنسية المسلمة الذى يعلن من وجهة نظرهاعن هوية صاحبتها الإسلامية ..صار الحجاب علامة وشارة لدى فرنسا المتعصبة الظلامية ،وليس جزءا من العقيدة الإسلامية التى تلزم المرأة بالطهارة والعفة والنقاء ..ويجب التخلص من هذه الشارة وتلك العلامة لأن ذلك يخل بالمعادلة العلمانية ويقضى على النظام الجمهورى ؟!.
مشابهة بين منطقين
ولا ريب أن المشابهة قائمة بين قوم لوط فى منطقهم المعوج ضد المتطهرين ،و المتعصبين الفرنسيين ضد الحجاب ،وكلا الطرفين يملك عقلا وبصرا وعلما وفقها(69/60)
،ولكن الشذوذ والتعصب ضربا بظلامها على الجميع ،وإذا كان قوم لوط قد نالوا جزاءهم قديما ،فلا أظن المتعصبين الفرنسيين سيفلتون من العقاب الإلهى قريبا أو بعيدا.. وصدق الله إذ يقول " وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا " الكهف ، فالظلم هو سبب الهلاك ومقدمته فى كل مكان وزمان !.
ليست قضية حجاب
القضية فى كل الأحوال ليست قضية الحجاب ، وإن كان الحجاب جزءا منها ، إنها قضية الإسلام الذى يكرهه الصليبيون المتعصبون ، ويحاربونه ليل نهار ، ويحققون انتصارات عظيمة ( في هذا المضمار ) .. .. ومع كل هذه الانتصارات الصليبية الاستعمارية ، فإنهم يخافون الإسلام والمسلمين ،لأن قيمه ضد طموحاتهم الشريرة وغاياتهم العدوانية وسلوكهم الإجرامى ضد الآخر استعمارا ونهبا وإذلالا واستعبادا .
المفارقة!!
والمفارقة أن الإسلام ينتشر فى عقر دارهم ،وبين أبنائهم الذين يهديهم الله تعالى إلى التعرف عليه وعلى مبادئه وتشريعاته ، وقد كثر القول مؤخرا عن دخول عدد كبير من الأوربيين والأمريكان إلى الإسلام عقب أحداث سبتمبر (2001) الغامضة ،التي اتهم المسلمون بتدبيرها ،حيث تهافت عدد كبير من أهل أوربا وأمريكا على شراء نسخ القرآن الكريم ومحاولة التعرف على ما فيه وكانت النتيجة إسلام بعضهم ، وتحجب نسائهم المسلمات ،مما أثار ذعرا وقلقا فى دوائر المتعصبين الصليبيين الظلاميين الذين مازالوا يعيشون بمنهج بطرس الحافى !!.
والمسيحية أبعد ما تكون عن الصليبية الاستعمارية ،ولقد اتخذ الاستعماريون الهمج من الصليب شارة وعلامة على المسيحية ،وهم يذبحون ويقتلون المسلمين والنصارى على السواء( الحملة الصليبية الثالثة توجهت إلى بيزنطة بدلا من القدس ،فأعملت فى أهلها النصارى قتلا وتشريدا ونهبا مما تقشعر له الأبدان).
وهو ما يكرره الصليبيون المعاصرون فى هيستريا لا تقل خطورة عن الهيستريا الصليبية القديمة ، حين يرون فى الحجاب تدل على تمدد الإسلام داخل المجتمع الصليبى الاستعمارى ،وهو ما يضعه الاستراتيجيون الغربيون تحت دائرة الضوء والتشريح لمعرفة مستقبله وتأثيره على المعادلة الاجتماعية والثقافية والسياسية فى الغرب ،كما يرى بعض الباحثين .إن الإسلام اليوم وهو حاضر المسلمين دائما فى الشارع الأوروبى يجعل الأوربيين يتساءلون دائما عن الإسلام ، وعن أولئك القوم الذين يتطهرون بالحجاب والعفة والنقاء ولا ينضوون تحت لواء الإباحية أو الإدمان أو الشذوذ ..وهذا ما تراه الحكومات الاستعمارية المتعصبة خطرا على وجودها فى المدى القريب أو البعيد .. ومهما يكن من أمر ،فإن الحملة المسعورة ضد الحجاب لن تزيد المسلمين إلا تمسكا بدينهم وحرصا عليه ودفاعا عنه وانتماء إليه ، والله غالب على أمره.
ـــــــــــــــــــ
الحرب على الحجاب!
جاء الإسلام مكملاً لمكارم الأخلاق منادياً بالبُعد عن كل ما يثير الغرائز ويحرك الشهوات وذلك من أجل إصلاح البشرية والسمو بها عن مرحلة البهيمية والفوضى(69/61)
إلى مراتب مرتفعة من العفة والطهارة. قال عليه الصلاة والسلام: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
ولأن الشهوات والغرائز الطبيعية جزء أساسي من تكوين الإنسان فقد سعى الإسلام لضبطها وتوجيهها التوجيه الصحيح فشرع الزواج قناة وحيدة لإشباع الغرائز والشهوات وإنشاء الأسرة التي هي النواة الرئيسية للمجتمع الإسلامي.
ولأن النفس أمارة بالسوء فقد حرَّم الإسلام كل ما يمكن أن يؤدي إلى إثارة غرائز الإنسان أو تهييج شهواته، لذا جاء الأمر الرباني للمسلمين بأن يغضوا من أبصارهم وأمر المسلمات بارتداء الحجاب يحفظن به أنفسهن وحرَّم عليهن التبرج والسفور ومخالطة الرجال غير المحارم، قال تعالى (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
ولأن أمر الحجاب في الإسلام عظيم فقد جاء الأمر الرباني للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام بأن يأمر أزواجه وبناته قبل نساء المؤمنين بارتداء الحجاب، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا). فإذا كان الأمر بالحجاب قد بدأ بأزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) وهن العفيفات الشريفات الطاهرات فكيف ببقية نساء المؤمنين وخاصة في هذا الزمان الذي انتشرت فيه الفتن وصار فيه الدين غريباً؟
من أجل ذلك توعَّد الله عز وجل المتبرجات المظهرات لزينتهن لغير أزواجهن بالعذاب الأليم يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم في وصف أهل النار (صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا).
التبرج هو إظهار المرأة زينتها لغير محارمها وهو من الأمور المحرمة في الإسلام لأن المقصود منه هو إثارة شهوات الرجال من غير الأزواج وإحداث الفتنة في المجتمع.
أما الحجاب فهو نقيض التبرج ويُقصد به الستر والإخفاء ومنه حاجب العين الذي يمنع عنها الغبار والأتربة وأشعة الشمس وحاجب الملوك أو الرؤساء والذي يمنع عنهم الدخلاء والمتطفلين والمتسكعين.
وتقتضي فطرة الإنسان العفة والطهارة ولذلك نجد أن إبليس اللعين عندما أغوى آدم عليه السلام وزوجه بالأكل من الشجرة المحرمة وتم له ما أراد، سقطت عنهما ثيابهما وبدت لهما عورتاهما فأخذا يلتقطان من أوراق الشجر ليخفياهما وذلك التصرف الطبيعي والتلقائي الذي قاما به من دون أن يأمرهما به أحد يدل على أن الأصل في الفطرة البشرية العفة والطهارة وإخفاء العورات.(69/62)
قال سبحانه وتعالى: (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ).
كانت النساء قبل الإسلام وفي عهد الجاهلية يتبرجن ويلبسن الملابس الخفيفة ويمشين في الأسواق ويعرضن أنفسهن على الرجال، لذلك جاء الأمر من عند الله لنساء المسلمين بارتداء الحجاب، قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).
أما في العصر الحديث فقد تفننت النساء في ابتداع أساليب جديدة من التبرج والسفور وصارت المصانع الغربية تمد بلاد المسلمين بالملابس الضيقة الشفافة التي تكشف أكثر مما تستر، وتزيد من مفاتن النساء. وغمرت هذه المصانع أسواق المسلمين بأنواع كثيرة من المساحيق والطلاء والعطور المثيرة للشهوات وأنواع شتى ومتباينة من الأحذية التي تجعل النساء يتمايلن في مشيتهن ويبالغن في التغنج والدلال.
وعندما بدأت مظاهر الصحوة الإسلامية تدب في العديد من بلدان العالم وانتشر الحجاب في بلاد المسلمين ووسط بناتهم في الدول الغربية هاج الغرب وماج وتجاوب معه بعض أنصار الرذيلة ودعاة الفجور في بلاد المسلمين وبدأوا في محاربة الحجاب الإسلامي حرباً لا هوادة فيها ووصفوا الحجاب بأنه يغطي على عقل المرأة وأنه جزء من اضطهاد الإسلام لها ونعتوا المحجبات بنعوت لا تليق ورموهن بالتخلف والرجعية والاستسلام لسطوة الرجل وغيرها مما ينعق به الناعقون.
اتخذت هذه الحملة أشكالاً عديدة فمرة نسمع من يقول إن الحجاب يعزل المرأة عن بقية شرائح المجتمع ويحرمها من دورها وظهر من يدعو إلى (تحرير) المرأة وغيرها من الدعاوى الساقطة المردودة، ونسى هؤلاء الذين لا هم لهم إلا تحرير المرأة من قيمها واحترامها لنفسها أن الإسلام ما شرع الحجاب إلا صوناً للمرأة المسلمة وتكريما لها وإعلاءً لقدرها وتقديراً لدورها في المجتمع إذ أن المرأة المحجبة تكون بمنأى عن مشاكسات الذئاب البشرية ومصانة ممن لا يريدون لها إلا أن تكون متاعاً ومكاناً لتفريغ الشهوات.
وعندما يشعر هؤلاء أن ما ساقوه من حجج يتساقط من تلقاء نفسه نسبة لضعفه وعدم موضوعيته نجدهم يلجأون إلى الاستشهاد برأي بعض من يتدثرون برداء الدين من المستغربين والماركسيين وذوي المصالح الخاصة على أنهم من العلماء المسلمين فيلوون لهم أعناق الحقائق ويستشهدون بأدلة ليست في مكانها ويفسرون الأحكام الإسلامية حسب هواهم متوهمين أن هذه الافتراءات سوف تنطلي على الأمة الإسلامية، وما دروا أن علماء الأمة الأمناء على دينها واقفون لهم بالمرصاد مفندين حججهم ودعاواهم.
وعندما تأكد لهم أن الحجاب الإسلامي أصبح مطلباً شعبياً وأنه آخذ في الانتشار وسط نساء المسلمين لم يجدوا بداً من إعلان الحرب عليه، وخلال الفترة الماضية قامت(69/63)
العديد من الدول الغربية بشن حملة ضارية على الحجاب في المدارس ودواوين الحكومة.
تشتد هذه الحملة في فرنسا حيث فصلت السلطات التعليمية العديد من الطالبات المسلمات لإصرارهن على ارتداء الحجاب وتجلى اهتمام الحكومة الفرنسية بمحاربة الحجاب عندما أعلن رئيس الوزراء الفرنسي أنه قد آن الأوان (لاستئصال) الحجاب من المجتمع الفرنسي وأنه لا مكان في المدارس الفرنسية لطالبة محجبة، وأكد ذلك الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي زاد عليه أن الحجاب يمثِّل مشكلة ثقافية تهدد المجتمع الفرنسي العلماني ويجب التصدي لها بكل صرامة وحسم.
وتمتد الحملة المسعورة وتشمل الولايات المتحدة حيث قضت محاكمها بتأييد فصل العديد من الطالبات المحجبات، كما تتعرض النساء المحجبات للاعتداء بسبب الحجاب الذي يبدو أنه يثير حساسية بعض المتعصبين في المجتمع الأمريكي.
وفي هولندا تأخذ الحملة على الإرهاب طابعاً أكثر سخونة حيث تشن الصحف التي تتبع لليمين المتطرف حملة متواصلة شعواء على الحجاب وأشادت هذه الصحف بمبدأ مدير إحدى المدارس والذي رفض السماح لطالبة محجبة بدخول المدرسة وبرر موقفه بأنه (يؤمن بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة) وأن حجاب المرأة المسلمة يرمز (للظلم الواقع على عاتقها).
وفي المقابل نجد نماذج مشرقة لبعض الدول الأوروبية التي اعترفت بالحجاب كجزء من الخصوصية والحرية الشخصية للمسلمات حيث قضت المحكمة العليا الألمانية بحق المسلمات في ارتداء الحجاب ومنعت الجهات المعنية من التغول على ذلك الحق وضمان تمتع المسلمين به.
كذلك فإن الدنمارك قد أقرت بهذا الحق للمسلمات حيث قضت محكمة دنماركية بفصل معلم ومعلمة قاما بطرد طالبة صومالية من المدرسة لإصرارها على ارتداء الحجاب وقررت المحكمة أن ارتداء الحجاب لا يتنافى مع التعاليم المعمول بها.
ومما يؤسف له أن بعض المسؤولين في دول عربية وإسلامية انساقوا وراء هذه الحملة الجائرة وانضموا للهجمة الشرسة على الحجاب وحملوا لواءها وأعلنوا - صراحة - منعه وسط طالبات المدارس وقاموا بفصل من أصرت عليه بوصفه جزءًا أصيلاً من هويتها الدينية وشخصيتها العامة.
ففي مصر على سبيل المثال تتعرض النساء المحجبات لمضايقات عديدة فقد تم قبل فترة منع مذيعة بإحدى القنوات الفضائية من الظهور على شاشة التليفزيون بسبب ارتدائها للحجاب بدعوى أنه (يثير الحساسيات)، وتم كذلك فصل امرأة محجبة تعمل مساعدة طيار في إحدى شركات الطيران بسبب رفضها التخلي عن الحجاب رغم أن ارتداءه لم يؤثر على كفاءتها ومقدرتها على أداء عملها.
كما أقدمت مدرسة (شامبليون) بالإسكندرية والتابعة للسفارة الفرنسية بفصل طالبة مسلمة بسبب الحجاب مما أثار الرأي العام المصري ضد إدارة المدرسة، وتدخل شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي وهاجم إدارة المدرسة ودعاها للالتزام بالتقاليد الإسلامية السائدة في مصر، وكذلك قامت إدارة إحدى المدارس الخاصة بطرد معلمة(69/64)
محجبة وهددتها بالفصل وعدم إعادتها للعمل إلا بعد أن تخلعه.. والأمثلة على تلك الحملة كثيرة ومتعددة.
وفي تونس أقدمت إدارة معهد القنال الثانوي على منع 38 طالبة من أداء الامتحانات بسبب ارتدائهن الحجاب، كما أقدمت إدارة معهد المنذر بن عكاز على رفض السماح لطالبات مسلمات بأداء الامتحانات بسبب الحجاب، وبالرغم من أن بعضهن اضطررن إلى خلع الحجاب ليتمكن من أداء الامتحانات إلا أن مدير المعهد أصر على رفضه واشترط على الطالبات الذهاب إلى قسم الشرطة وتوقيع تعهد بعدم ارتداء الحجاب مستقبلاً!!
وكانت السلطات التعليمية التونسية قد أصدرت في عام 1981م منشوراً قضى باعتبار الحجاب رمزاً طائفياً يجب محاربته ومنعه في المدارس الثانوية والجامعات، مما أدى لزيادة التمييز ضد المحجبات في الجامعات وحتى بعد تخرجهن حيث يواجهن صعوبات بالغة في الحصول على وظائف حكومية.
ويبقى السؤال الكبير هو: لماذا اتحد كل هؤلاء على محاربة الحجاب؟ ولماذا هذه الحملة الشرسة وفي هذا التوقيت بالذات؟ هل السبب هو فوبيا الحجاب والخوف من كل ما يرمز للإسلام؟ أم أنها حالة مرضية وترسبات نفسية كانت تعتمل في دواخل مرضى النفوس ولم تجد فرصة للخروج إلى العلن بهذه الصورة إلا بعد تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تبعها من تطورات عالمية وما يسمى بالحرب على الإرهاب؟؟
ولكن يبقى أصحاب القلوب المطمئنة العامرة بالإيمان على يقين بأن العاصفة سوف تزول وأن سحب التشكيك سوف تنقشع عما قريب وأن الله متم نوره ولو كره الكافرون.
ـــــــــــــــــــ
الصراع بين الإسلام والتغريب في قضية المرأة
لم تخضع قضية للتشريح والنقد وزرع الشكوك في العالم الإسلامي مثلما كان الحال مع قضية حرية المرأة المسلمة التي كانت مسرحا لشتى الطروحات والأفكار والنماذج الحضارية المتصارعة منذ أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وما ذلك إلا لكون هذه القضية عنت منذ البداية في تصور الاستعمار والاستشراق وحلفائهما تطويرا لآليات الصراع ، بنقل السموم إلى داخل البيت المسلم والأسرة المسلمة، النواة التي ظلت أكثر صلابة في وجه التغريب والغزو الثقافي طوال القرون الماضية التي شهدت أعتى الهجمات ضد الإسلام باسم التخلف والتقليد وعدم القابلية للتطور الحضاري ومسايرة التقدم.
ولعل مقصد أنصار الاستعمار ومن سار في ركبه من كل ذلك هو زرع الشكوك، وبذر الخلاف بحيث تصبح الطريق سالكة أمامه بعد ترسيخ نفسية القابلية للاستعمار حسب تعبير المفكر الجزائري المسلم الراحل مالك بن نبي.
ونحن لاننكر أن كثيرين من مفكري الأمة وعلمائها ومثقفيها قد انقادوا مع الحملة الغربية الرامية إلى تشويه الإسلام والتشكيك في قيمه الثابتة وأسسه الخالدة في تنظيم شؤون المجتمع والأسرة، سواء بحسن نية أو لسوء الطوية، في النصف الثاني من(69/65)
القرن التاسع عشر، غير أننا لاننكر أن الصراع كان قويا ومزلزلا بالنظر إلى جدة الطروحات الأوروبية الاجتماعية والثقافية والسياسية في ذلك الحين، وذلك لسببين اثنين مترابطين: الأول أن المجتمعات الإسلامية كانت تعيش تحت نير التخلف والركود بحكم سريان مفعول التقاليد البالية وغلبتها في نفوس المسلمين على قيم الشرع الحنيف، والثاني محاولة مفكري الأمة وعلمائها البحث عن سبيل للخروج من هذه الأوضاع وشق طريق الحضارة التي عبدها أسلافهم الصالحون.
وفي ظل هذا الشد و الجذب، أي دواعي الجمود و محاولة النهوض، كان المستعمر الأوروبي المدفوع بالحقد الصليبي على الإسلام يعمل على تقويض ما تبقى من دعائم الصرح الإسلامي وإثارة الناقمين ضد "التقاليد المتخلفة" - حسب زعمهم- التي هي عين الإسلام.
بداية الانحدار
و قد سخّر قاسم أمين ، الكاتب المصري ذو الانتماء الأرستقراطي، قلمه للكتابة عن المرأة في المجتمع المصري المسلم، و انتشرت دعواته في شتى أرجاء العالم الإسلامي باعتبارها أول محاولة جريئة للخوض في هذا الموضوع الذي ظل شبه مغلق أمام المفكرين والعلماء المسلمين، و ذلك بسبب كونه يمس التقاليد الاجتماعية التي تعود الناس عليها وألفوا التعايش معها، مما جعل هؤلاء العلماء والمصلحين يترددون في الخوض فيها خشية الصدام مع المجتمع ونعتهم بشتى النعوت.
أصدر قاسم أمين أول كتاب يدور حول المرأة عام1899 تحت عنوان(تحرير المرأة)، و قد حاولت مضامين المقدمة أن تصب في الهوية الإسلامية، وتدعو إلى الإصلاح العام، ومن ضمنه الإصلاح الاجتماعي. ولا غرابة في ذلك، فقد كان قاسم أمين تلميذا للشيخ محمد عبده ورفيقه في باريس عندما كان يصدر مع الشيخ جمال الدين الأفغاني (العروة الوثقى)، حيث كان قاسم أمين يقوم بمساعدة الشيخ عبده على الترجمة من اللغة الفرنسية التي كان يجيدها. و يذهب الدكتور السيد أحمد فرج إلى أن كتاب قاسم أمين المذكور "نبت منبتا إسلاميا" وتطابقت أفكاره مع كثير من أفكار محمد عبده التي عبر عنها في كلامه عن المرأة وحديثه عنها في مقالات (الواقع)، وفي تفسير آيات القرآن الكريم (المؤامرة على المرأة المسلمة:تاريخ ووثائق ص65). فقد اعتمد قاسم أمين في إ ثبات دعوته إلى تحرير المرأة الشرقية على أدلة من السيرة النبوية والأحاديث الشريفة والآيات القرآنية، مدافعا عن الحجاب الشرعي الذي يدعي أن الفقهاء قد أجمعوا عليه، والمتمثل في كشف الوجه والكفين فقط ، و حمل على عزل المرأة داخل أسوار البيت، ودعا إلى طرح الحجاب التقليدي أو الخمار الذي يجعل المرأة كما يقول( لاتتمكن من المشي ولا الركوب، بل ولا تتنفس ولاتنظر ولا تتكلم إلا بمشقة)، وذهب مذهب الشيخ محمد عبده في تقنين عدد الزوجات حينما أعطى للحاكم حق منع التعدد في حالة فساد الزمان للشطط والفساد في استعمال التعدد من طرف الرجل.
ومهما يكن من أمر هذا الكتاب والخلفيات التي كانت تكمن وراءه أو ما كان يدبره صاحبه من مفاجآت لاحقة، فإن الكتاب في الصفحات التي بين دفتيه كان يعبر في نظر الكثير من المثقفين عن حاجة موضوعية إلى إخراج المرأة المسلمة من العزلة(69/66)
الاجتماعية و الثقافية التي ضربت عليها بسبب تراكم التقاليد المنافية لجوهر الإسلام، وكان جميع المصلحين المسلمين متفقين على ضرورة إصلاح هذا الوضع الشاذ وإطلاق مبادرة المسلم ذكرا وأنثى في بناء النهضة المنشودة بعد سبات طويل عمل الاستعمار على تأبيده.
لكن قاسم أمين ألحق كتابه الأول حول تحرير المرأة، بعد عام واحد فقط، بكتاب آخر هز أولئك الذين استقبلوا كتابه الأول بالقبول والترحاب، وهو "المرأة الجديدة" عام1900، وكأنه عنى بهذا العنوان المعبر الإعلان عن بروز امرأة جديدة غير التي عرفها المسلمون، أي امرأة متمردة على التقاليد والإسلام معا، أو أنه عنى أن دعوته الجديدة هي غير الدعوة السابقة إلى تحرير المرأة، و أن ما يدعو إليه هذه المرة ليس تحرير المرأة المسلمة من قيودها، بل تجاوز هذه المرأة نحو شخصية جديدة.
مرحلة جديدة
و قد دشن هذا الكتاب الثاني مرحلة جديدة في حياة صاحبه، حيث انتقل من الدعوة الإصلاحية التوفيقية والنهج السلفي إلى التغريبية والاقتلاع الحضاري مباشرة، وقطع علاقته بأفكار المصلحين المسلمين الذين أيدوا دعوته السابقة كالشيخ محمد عبده، و الشيخ رشيد رضا، و الشيخ عبد القادر المغربي، معلنا انحيازه إلى طبقته الاجتماعية والثقافية، الطبقة الأرستقراطية المصرية التي كانت تابعة للغرب في المسلك والملبس والثقافة. ويذهب أحد الباحثين إلى أن كتاب "المرأة الجديدة" كان بمثابة اعتذار قدمه قاسم أمين للأميرة "نازلي" التي كانت على صلة وثيقة بسعد زغلول رئيس حزب الوفد الليبرالي، وكانت تؤيد أفكار رجال تركيا الفتاة ، وذلك بسبب ما جاء في كتابه "مصر والمصريون" والذي ألفه عام1894 ردا على المستشرق النصراني الدوق داركور الذي هاجم الشرقيين، وفي هذا الكتاب دافع قاسم أمين عن المرأة والتقاليد وعن الحجاب التقليدي. وبهذا يكون قاسم أمين قد عاش عدة تحولات فكرية قبل أن يكشف عن الوجه السافر للمثقف المتغرب العلماني الذي لا يرضى بالحلول الوسطى، بل يريد أن يجتث القيم الإسلامية من جذورها لحساب القيم الغربية العلمانية، وإذا لاحظنا أن الفاصل الزمني بين الكتابين الأول والثاني عام واحد، يكون الاحتمال الطبيعي أن أفكار الكتاب الثاني كانت جاهزة ، إذ من الصعوبة بمكان أن تتغير مواقف الرجل في ظرف وجيز بمقدار مائة وثمانين درجة دفعة واحدة.
وهكذا لم يعد قاسم أمين يدافع عن الحجاب الشرعي الذي عليه الفقهاء كما في دعوته السابقة، بل دعا علانية إلى تمزيق الحجاب ومحو آثاره، واعتبر أن أوروبا هي النموذج الذي ينبغي أن نحتذيه، وأن التمدن الأوروبي ليس خيرا محضا ولكنه الخير المحض الذي أمكن للإنسان أن يصل إليه .
قضية المرأة وتدويل القيم
مضى اليوم على دعوة قاسم أمين نحو مائة عام ، قطع خلالها العالم الغربي والإسلامي أشواطا كبيرة في مسار التحولات الاجتماعية والثقافية و الفكرية، وهذه المدة الفاصلة بين انطلاق ما يسمى الدعوة إلى تحرير المرأة المسلمة في الماضي وما نحن عليه اليوم كافية للتأمل في مسلسل الانحدار الخطير الذي أصاب المجتمعات الإسلامية.(69/67)
حاصل المسألة ، أن موضوع المرأة اليوم لم يعد مسؤولية أفراد أو شخصيات، أو مبادرات معزولة تنطلق من هنا وهناك لتثير معركة أو تشعل حربا أو تطلق نقاشا بين المؤيدين و المعارضين ، بين أنصار التغريب وتيار الهوية والتأصيل.
لقد أصبحت القضية اليوم تطرح على بساط النقاش الدولي، و خضعت قضية المرأة في العالم الإسلامي لنوع من التدويل، السياسي والثقافي، وهو ما يعني أن موضوع المرأة والأسرة عموما صار جزءا من المواجهة الحضارية الشاملة.
منذ 1994، تتالت المؤتمرات واللقاءات الدولية التي كان الهدف منها فرض الرؤية الغربية العلمانية على المجتمعات الأخرى، بما فيها العالم الإسلامي الذي هو قلب التحولات العالمية خلال قرنين من الزمان على الأقل، فيما يخص نظام الأسرة ووضع المرأة وأخلاقيات الزواج.
ففي ذلك العام انعقد مؤتمر السكان والتنمية في القاهرة ، وتلاه مؤتمر الصحة الإنجابية في بكين عام 1995، وفي عام 1998 انعقد مؤتمر الصحة الإنجابية في القاهرة أيضا، وفي يونيو من نفس العام نظم مؤتمر الشباب في بانكوك، وتوالت اللقاءات والمؤتمرات الدولية الجانبية لمتابعة الشق المتعلق بتنفيذ توصيات هذه المؤتمرات في أكثر من مناسبة.
هذا الانتقال والتحول الذي طرأ على شعار تحرير المرأة في العالم الإسلامي، بين بداية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، أي على مسار قرن كامل، لم يحدث فجأة ودفعة واحدة، وإنما حدث على مراحل متدرجة، وكان يراد لكل مرحلة أن تصبح مكسبا، ليتم الانتقال إلى المرحلة التالية، وأن تترسخ كواقع لا يمكن التشكيك فيه أو التراجع عنه. وخلال هذه المراحل كلها تمكن الفكر الغربي العلماني من التسلل إلى المجتمعات العربية والإسلامية من خلال المثقفين المتغربين والأحزاب والحركات النسوية العلمانية التي حاولت أن تمتلك النفوذ من خلال سلطة الإعلام والثقافة والدعم الغربي المادي والسياسي والأدبي.
وقد سمح هذا التقارب الواسع بين الحركات النسوية في العالم الإسلامي ونظيراتها في الغرب والمنظمات الغربية، بظهور شبه تكتل دولي، عبر التنسيق والتعاون والعمل المشترك، وهذا هو المسلسل الذي أدى إلى انعقاد العديد من اللقاءات الدولية بشأن المرأة ، أصبحت توصياتها ملزمة للدول والشعوب غير الغربية ، ليس فقط بقوة الشرعية العالمية، بل كذلك بقوة النفوذ الذي اكتسبته الحركات النسوية داخل هذه البلدان بفضل الدعم الأجنبي، بحيث أصبحت تشكل لوبيات للضغط والمطالبة إزاء الحكومات.
وتحضرني هنا نماذج من المغرب والجزائر وبلدان عربية وإسلامية أخرى، عملت فيها الهيئات الحزبية والنسوية للضغط على الحكومات ورفع مطالب بتغيير قوانين الأسرة والزواج بشكل يستوعب المبادئ والقرارات الصادرة عن تلك المؤتمرات واللقاءات الدولية.
لقد خلق هذا التطور في طرح قضية تحرير المرأة ، بالمفهوم الغربي لكلمة التحرير الذي لا يقبل أي نقاش اليوم خشية فضح حقيقته، خلق واقعا عالميا جديدا هو واقع تدويل القيم المتعلقة بالأسرة بشكل عام ، والمرأة بشكل خاص.(69/68)
وجاءت العولمة قبل سنوات قليلة لتعطي لهذا التدويل دفعة، ولم تعد توصيات المؤتمرات الدولية وحدها التي تؤدي هذا الدور، بل تدخلت قوى جديدة ذات نفوذ وسلطة أدبية وأخلاقية على العقول والنفوس لخلق هذا التدويل في الشعور العربي والمسلم ، هذه القوى الجديدة هي الإعلام وثورة الاتصالات، التي أصبحت تسوق رؤية جديدة للمرأة والأسرة تقوم على امتداح الليبرالية الأخلاقية وحرية الاختيار ومبدأ المتعة والفائدة وقانون الرغبة الذاتية وسلطة الفرد على نفسه.
كيف نربح المعركة؟
إن التحدي الذي يواجه الأمة الإسلامية في قضية المرأة ليس تحديا هينا ولا بسيطا، كما قد يبدو، ليس بسيطا ولا هينا لأن قضية المرأة ليست معزولة عن قضية الأسرة، والأسرة ليست معزولة عن المجتمع برمته، وصحة الحضارة من صحة المجتمع وسلامته.
ونحن نخطئ كثيرا حين نعتقد بأن الغرب يتناول قضية المرأة في العالم الإسلامي من منطلق التجزيء، بل لأن الغاية هي تفكيك المجتمع ، إن المعادلة السابقة بين المرأة والأسرة والمجتمع ثم الحضارة قد فهمها الغرب جيدا قبل أزيد من قرنين، ولذلك فهو يحاول البدء من الحلقة الأولى الأقوى لكسرها.
مهما يكن من الأمر، فإن المعركة الحضارية اليوم هي معركة الثقافة والإعلام من أجل التنوير وخلق الوعي التاريخي السليم بما حدث وما يحدث، وما سوف يحدث مستقبلا لو أننا سرنا في نفس الطريق.
وهناك قضيتان لا بد من إيفائهما حقهما من الدرس والشرح والتحليل، من أجل اعتراض الهجمة الحضارية القوية التي يقودها الغرب ضد العالم الإسلامي ، تحت ستار المرأة والأسرة.
القضية الأولى ، فكرية تاريخية: لقد جاء الإسلام بالمفهوم السليم للتحرير الشامل للمرأة ، وأعطاها جميع حقوقها من الميلاد إلى الممات، أسوة بشقيقها الرجل الذي تشترك معه على قدم المساواة في بناء المجتمع والحضارة، وفي تقديم الحساب في الآخرة.
ولدينا تجربة تاريخية فريدة عمرها يزيد على أربعة عشر قرنا من الممارسة،التشريعية والدينية والأخلاقية الإسلامية يمكن القياس عليها، بينما لدى الغرب تجربة لا تزيد على قرنين، قادت اليوم إلى تفسخ الأسرة وإذلال المرأة والقضاء على الأخلاق الاجتماعية السليمة والإنسانية. وبقياس التجربة الثانية الغربية على التجربة الأولى الإسلامية، مع الفارق الكبير في الفترة الزمنية بينهما، يمكننا الخروج بقاعدة فكرية والبناء على أساسها: لقد نجح الإسلام في أربعة عشر قرنا في بناء الحضارة الإنسانية السليمة المرتكزة على الأخلاق، لكن الفكر الغربي سقط في أول الطريق ولم يكمل قرنين من عمره.
أما القضية الثانية، فهي قضية اجتماعية وأخلاقية: إن الأصل في الفلسفة التي أنجبت هذا النموذج الغربي لمفهوم تحرير المرأة أنها فلسفة فاسدة أخلاقيا واجتماعيا، وصيرورة هذا النموذج في الغرب منذ نشأته والتبشير به تكشف لنا المخاطر التي تهدد كل كيان يسعى إلى تقليده والسير على نهجه.(69/69)
في فرنسا مثلا، أشارت إحصائيات ظهرت العام الماضي أن أكثر من أربعين في المائة من الولادات تسجل خارج مؤسسة الزواج، وأن 53 في المائة من النساء يلدن من حمل خارج إطار العلاقات الزوجية الشرعية، وأن 300 ألف مولود يولدون سنويا - نعم سنويا - من علاقات محرمة، والرقم في ارتفاع مطرد، ووصلت نسبة المراهقات الحوامل إلى 30 فتاة من كل ألف، أعمارهن تتراوح بين 15 و19 سنة. وتشير نفس الإحصائيات إلى أن معدل الزواج في تراجع مستمر، ولا تسجل فروق كبيرة بين فرنسا والسويد والنرويج وفنلندا، أما في بريطانيا فالحال أسوأ، إذ تشير آخر الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني البريطاني إلى أن نصف الأطفال في بريطانيا تحبل بهم أمهاتهم خارج العلاقات الزوجية المتعارف عليها، بينما كانت النسبة تصل إلى الثلث فقط قبل عشر سنوات، هذا معناه، في تقديرنا، أن النسبة مرشحة للارتفاع بعد عشر سنوات أخرى، والنتيجة: مجتمعات لقيطة وعالم بهيمي بعد عشرين عاما مثلا.
والصورة تبدو أكثر قتامة وسوادا حين نتأمل في أرقام ومعطيات عالم الدعارة الخفي في أوروبا وأمريكا، حيث تحولت المرأة إلى سلعة تباع وتشترى بدون رحمة ودون أي حس بالانتماء إلى الإنسانية.
وأمامي الآن كتاب خطير ألفته برلمانية سويسرية تدعى "نيكول كاستيوني " ظهر قبل نحو عام في باريس عنوانه" الشمس في آخر الليل"، تحكي فيه قصتها الغريبة كواحدة ممن ابتلعتهن ماكينة الدعارة في الغرب، أو تجارة" الرقيق الأبيض" كما أصبح يطلق على تجارة النساء في هذا العصر الحديث، عصر الهيمنة الأوروبية والغربية.
ومن خلال صفحات الكتاب التي تتجاوز ثلاثمائة صفحة، نتعرف على رحلة المؤلفة، ومن خلالها على العالم الأسود للدعارة في البلدان الغربية التي يقدر ضحاياها بمئات الآلاف من النساء، كما نتعرف على أساليب القتل والاغتصاب والفساد السياسي، وقد خرجت المؤلفة من تلك الوهدة العميقة واستطاعت أن تتزوج عام 1995 وتكون أسرة وتدرس المحاماة ثم تتقدم للانتخابات وتدخل البرلمان السويسري، لتبدأ كفاحها ضد عالم المواخير بواسطة الكتابات وتأسيس الجمعيات.
غرضي من سوق هذه الشواهد، أن أوضح بأن قضية تحرير المرأة في الغرب بدأت بشعارات براقة، وانتهت في أفواه الرأسمالية الجشعة التي لا فرق لديها بين تجارة الأخشاب وتجارة البشر، وهناك عقلاء في الغرب نفسه يتعلمون من هذه التجربة الفاشلة مع تحرير المرأة، فلماذا لا نتعلم نحن قبلهم.
إن المخدوعين بشعارات التحرير عندنا، من كلا الجنسين ، يخططون للالتحاق بالغربيين والغربيات، ولكنهم لا يدركون أن الكثيرين من هؤلاء يفكرون في الوقت نفسه في كيفية الخلاص، والالتحاق بنا، لو عرفوا الطريق، ولو عرفنا نحن كيف نجعلهم يعرفونها.
ـــــــــــــــــــ
على هامش مؤتمرات المرأة المصرية(69/70)
عقد في قلب القاهرة - مدينة الألف مئذنة - قبل عامين مؤتمر "تحرير المرأة في مائة عام"، وأشرف عليه المجلس الأعلى للثقافة الذي لا أعلم إن كان هو، أو الأصابع غير الخفية التي تدير خيوطه، قد حشد فيه من الأسماء النسائية والرجالية العلمانية ما يكفي لوصم هذا المؤتمر بالمؤامرة، رغم الكلمة الطيبة التي افتتحت بها السيدة سوزان مبارك قرينة الرئيس المصري، وشددت فيها على أن مصر لا تسمح بأي تجاوز لضوابط الإسلام في قضية المرأة، وبمجرد أن غادرت حرم الرئيس المنصة وقاعة المؤتمر، بدأت جلساته التي ضربت العقيدة في الصميم.
مقولات فاجرة
وترددت فيها مقولات حرية الجسد، وتحدي المجتمع الذكوري، والتجربة الجنسية للمرأة، وضرورة امتلاكها شجاعة إعلانها و... و... و...
وانفجر الغضب في الصدور، وبدأت المعالجات الصحفية النسائية تصب اللعنات على المؤتمر، ومموليه، والمشاركين فيه، وأعلن الأزهر أنه يعد لمؤتمر للرد على ما أثاره "تحرير المرأة في مائة عام" وبعد أكثر من ستة أشهر انعقد المؤتمر المذكور، ولكنه لم يقدم الرد الكافي لطول الفترة أولا بين المؤتمرين، ولأن الأخير اتسم بعدم التخطيط، وغيبة وضوح الهدف إذ احتشد بالأوراق التي تؤكد تفرد مكانة المرأة في الإسلام، وتحدث كثيرا عن هذا الأمر من الجانب النظري، وتجاهل تماما واقع المرأة المسلمة ، والذي يمثل ابتعاده بقدر أو بآخر عن النظرية الإسلامية وقودا جاهزا للمؤسسات العلمانية تشكله كل حين، وتحاول من خلاله إثبات زعمها بأن تحقيق المرأة لمكانتها مرهون بتحدي العقيدة ، والخروج من قيودها.
وكان أسرع وللأسف أسوأ رد فعل لهذا المؤتمر، ما نظمته أمانة المرأة بحزب إسلامي مصري ولا أقول "مؤتمرا" ضم شخصيات نسائية ودعوية معروفة تحدثت بشكل مكرر ولا جديد فيه، وكان واضحا تماما أن كثيرين ممن شاركوا بإلقاء الكلمة لم يعرفوا شيئا عن مؤتمر المجلس الأعلى للثقافة، ولم يعدوا كلماتهم بشكل ذكي بعيدا عن خندق رد الفعل الذي اتضح تماما إن هذا الاحتفال الذي لا نشكك في إخلاص منظميه لم يستطع الخروج منه.
ومؤخرا شهدت القاهرة أيضا وبرعاية المجلس الأعلى للثقافة الذي يرأسه د. جابر عصفور القطب العلماني المعروف - مؤتمر المرأة والإبداع ، الذي استتر وراء عنوانه حمال الأوجه ليثير زوابع من المبالغة أن تصفها بالفكرية، فتتناول المشاركات فيه موضوع الجسد في أدب المرأة ، ويهاجمن بشكل سافر آيات المواريث في القرآن الكريم ، وينفثن سموم حقدهن على الإسلام، ويجهرن بكل وقاحة بأنهن لم يعرفن الذيوع إلا عندما تحدين قيود الشريعة، ولم يخل المؤتمر من أسماء جالية علمانية أعلن أصحابها بتبجح لايحسدون عليه ضرورة التصدي لآيات القرآن التي يزعمون أنها تتعارض مع المساواة بين الجنسين "المواريث والشهادة وتعدد الزوجات".
عش العنكبوت
ومر المؤتمر، وسيمر غيره ، والصمت المريب يعشش كعنكبوت خبيث في مؤسساتنا الثقافية ذات الطابع الإسلامي، فهل سنظل ننتظر حتى تتحول أفكار هؤلاء(69/71)
إلى نظريات، ثم إلى ممارسات، وقوانين، وتشريعات تجد لها الدعم الحكومي، والرواج الإعلامي، والقبول الشعبي؟
بوادر هذا بدأت بالفعل، وها هي بعض صحفنا تنتقد المفهوم الجسدي لشرف المرأة ، وبعض فضائياتنا تناقش قضايا الشذوذ والعادة السرية بشكل مثير بعيدا عن المنهج الفقهي أو العلمي ، وبعض المراكز النسائية تخصص ورش عمل ومنتديات للفتيات لتربيتهن على مفاهيم الاستقلال المادي والجسدي والتشبث بحق العصمة وغير ذلك.
الفجوة بين الإسلام والواقع
وفي المقابل فإن أوضاع كثير من بيوتنا تجسد الفجوة العميقة بين الإسلام والواقع، بين ما يريده ديننا من الزواج من إعمار للأرض، وتسكين للشهوة والغريزة، وتحقيق لفقه الاستخلاف، وما يريده بعض المسلمين والمسلمات مما ينأى كلية عن مقاصد الشرع الحنيف، هذه الفجوة تهيئ أخصب بيئة لتقبل واستيعاب، وتطبيق هذه الأفكار الشاذة ليصبح أمامنا تحديان، تحدي الخروج من فخ رد الفعل، وإجادة فن المبادرة بتقديم الصورة الصحيحة للإسلام، فيما يتعلق بالمرأة والأسرة بشكل خاص، وتحدي تغيير المفاهيم، والقناعات الشخصية ليقترب واقعنا بقدر الممكن من إسلامنا.
وما لم نتهيأ منذ اللحظة للتحديين، فإن النتيجة عسيرة التصور، وعلينا ألا نلوم إن حدثت إلا أنفسنا.
ـــــــــــــــــــ
القوامة بين نظرتين
المستميتات في الدفاع عن حق المرأة في العمل من داعيات التحرر والفكر النسوي.. لا تقف وراء دفاعهن فلسفة إنسانية سوية تنظر إلي هذا الحق كفرع للتكامل بين شقي المجتمع - الرجال والنساء - أو كرمز لتكريم الإسلام للمرأة، ومن ثم نظرته إليها كإنسان كامل الهوية، من واجبه المشاركة في إعمار الأرض تحقيق الفقه الاستخلاف.
إنهن يعتبرن هذا الحق مدخلا لتحقيق ذات المرأة.. الذات الاقتصادية التي ترادف الاستقلال المادي عن الرجل، ومن ثم الانفلات من قبضة "السلطة الأبوية" والتحرر من قيود "المجتمع الذكوري" على حد تعبيرهن!.
مقدمة للاستقلال الجسدي
والمتطرفات منهن يعتبرن هذا الاستقلال مقدمة للاستقلال الجسدي للمرأة بدعوى أن الرجل يمتلك جسد امرأته بموجب تبعيتها الاقتصادية له.. وفي غمرة حماسهن المريض لترويج هذا المنطق الأكثر مرضا يتناسين أن الأب مكلف بالإنفاق على ابنته.. والأخ على أخته والابن على أمه، ومن ثم فإن علاقة التبعية الاقتصادية كما يسمينها لا توجد في إطار الزواج فقط ، بل في الإطار الأسري العام الذي ينفرد الإسلام بتقديم رؤية متميزة ومتكاملة له.. رؤية تمزج في تناسق بديع بين الذمة المستقلة للمرأة ، وحقها في أن تكون معالة اقتصاديا من أبيها أو أخيها أو زوجها أو ابنها، وأيضا من المجتمع المسلم الذي من المفترض أن "يكفل" كل من تفتقر إلى عائل.
مفاهيم خاطئة(69/72)
وقد لا يمكن الزعم بأن واقعنا الاجتماعي خال من رجال ينكلون بشريكات حياتهن، ويذلون أعناقهن بسيف الإنفاق.. ولكن هذا لا ينهض دليلا على صحة مزاعم داعيات تحرير المرأة واستقلالها الاقتصادي ، إذ كيف يصح بناء قاعدة اجتماعية على أساس شذوذ فكري وسلوكي؟
وكيف يتسق زعمهن بأن الرجل يستعلي على زوجته بإنفاقه عليها مع التصوير القرآني البديع لما يجب أن يفعله الزوج سوي الفطرة حين تنشز زوجته - إذ يقول الله (عز وجل) في محكم كتابه: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا) (النساء: 43)، وليس من بين هذه البدائل الإصلاحية.. الحرمان من النفقة أو الإذلال بالتجويع مثلا !.
القوامة وجه من وجوه الإعجاز
إن قوامة الرجل وجه رائع من وجوه إعجاز القرآن الكريم، ولو فهمت ومورست بمرادها وأهدافها لحققت للرجل والمرأة معا التوازن والاستواء والراحة، فمن علامات استقامة الفطرة أن يسعد الرجل بركن الإنفاق في القوامة، ولا يراه عبئا ومسئولية كريهة.. وأن تزهو المرأة بأنها في كنف رجل وفي ظل قوامته المعنوية والمادية، وأنهما يمثلان معا صورة واقعية لقيمة الأسرة التي يعد محوها هدفا إستراتيجيا للحركات النسوية الساعية ليس فقط لخلخلة كيان الأسر القائمة بالفعل، بل لتغيير اتجاهات الرجال والنساء نحو مفهوم الأسرة ذاته، لينظروا إليه كقيد.. وكقالب تقليدي لصب علاقة المرأة بالرجل.. وكعدو لحرية الرجال، وطموحات النساء!.
ليتهن يذقن
إن اللاتي يصرخن مطالبات بالاستقلال الاقتصادي للمرأة لم يذقن متعة أن ينفق الرجل على زوجته، ويكرمها فيشعرها بإنسانيتها، ولم يجربن الإحساس الرائع بالتميز وهن يتمتعن بحق النفقة والذمة المالية المستقلة في الوقت نفسه.
ليتهن يذقن.. ويجربن.. وليت بعض بناتنا ونسائنا يتخلصن من وهم الإحساس بالذل؛ لأن الرجال ينفقون عليهن.. فكل زوجة "تابعة" اقتصاديا لزوجها من حقها أن تزهو.. وتفخر.. وتعتز بأنها كانت سببا في منحه وسام شرف.. القوامة
ـــــــــــــــــــ
العنف الأسري ضد المرأة في الغرب (1) في أمريكا
أين تقع المرأة الغربية على المدرجة الإنسانية ؟ ومن يمثل هذه المرأة ؟
نساء البهرج والزيف المصقول على شاشات هوليود أم أولئك المسحوقات تحت وطأة العمل المنهك، وسوط الرجل الذي لا يرحم...!!
في حوار الحضارات هل يمكن لدراسة حقيقية، أن تقرن واقعاً بواقع، لنصير إلى الجواب العملي لا الإعلامي، أيهما أكرم وأرقى...؟!
في إعلام يسيطر عليه المفسدون: اعتبر حجاب المرأة الدليل الأوضح على امتهانها وتخلفها وانحطاطها وجهلها وو... ولكن المتاجرة بجسد المرأة لم يعتبر قط كذلك...!! نحن لا نزعم أن وضع المرأة العربية أو المسلمة في أوفى حالات الرقي والكمال... ولكننا نعتقد أن كثيراً من البلاء النازل بها ليس سببه كونها امرأة، وإنما هو بعض ما(69/73)
يصيب شقيقها الرجل، مخرجاً طبيعياً لحالات الاستبداد والقهر والاستتباع الحضاري المفروض على الأمة.
في سياق رؤيتنا الحضارية لواقع المرأة الغربية من الداخل، سنترك دائماً أصحاب الشأن يتكلمون وسنترك الأرقام تفصح عن الحقيقة. فربما ننشئ حوار حضارات حقيقي، ليس فقط بين فكرين أو منهجين، وإنما أيضاً بين واقعين...
العنف الأسري ضد المرأة في الغرب.. هو الموضوع الذي آثرنا أن نبدأ به. ولنلحظ أن هذا العنف المتجاوز لكثير من الأبعاد الإنسانية. لا يمارسه رجال أميون يعيشون في أعماق الريف، ولا في القاع الضبابي للفقر... وإنما يمارسه رجال مصقولون تماماً كما رجال هوليود: بريقاً وثقافة ومواقع اجتماعية، على نساء مستضعفات مهما بدا من بريقهن، فهن لا يملكن بعد أن يعدن إلى بيوتهن إلا أن يكن عبدات العصا والإذلال والمهانة...!!
في دراستنا هذه سنتوقف عند العنف الأسري ضد المرأة في الغرب، حيث ستظهر هذه الدراسة أن المرأة المهانة ليست امرأة أفغانستان ذات البرقع، ولا امرأة جزيرة العرب التي تعيش في حيز من الصون والحرمة يدعو كل المجتمع ليقدم لها التوقير والاحترام، وإنما الابتذال الحقيقي هو في جعل المرأة سلعة كما جميع السلع، والعدوان عليها بشتى أشكال العسف والاضطهاد الذي ستقدمه لنا الأرقام التالية...
أولاً: المرأة في أمريكا...
لحق العنف الأسري بشتى أنواعه بأضعف أعضاء الأسرة، أي النساء والأطفال. ولا يزال الكتمان وعدم كفاية الأدلة، والحواجز الاجتماعية والقانونية، تجعل من الصعب الحصول على بيانات مضبوطة عن العنف المنزلي الموجه ضد المرأة، والذي يعتقد علماء الاجتماع أنه أقل ما يبلغ عنه من أنواع الجرائم. ومعظم البيانات عن العنف الموجه ضد المرأة، تُجمع من دراسات صغيرة، ولا تعطي غير لمحة فحسب، عما يفترض أنه ظاهرة عالمية، وهي لا يمكن استخدامها في توفير مؤشرات دقيقة عن مدى العنف الموجه ضد المرأة؛ ولكنها تبين بشكل قاطع أن العنف في البيت أمر شائع، وأن المرأة هي ضحيته في أكثر الحالات.
ـ ففي عام1981 أشار (شتراوس) إلى أن حوادث العنف الزوجي منتشرة في (50ـ 60%) من العلاقات الزوجية في الولايات المتحدة الأمريكية، في حين قدر (راسل) عام 1982 هذه النسبة بـ 21%، وقدرت (باغلو) النسبة بأنها تتراوح بين 25ـ35%، كما بين (أبلتون) في بحثه الذي أجراه عام 1980على 620 امرأة أمريكية أن 35% منهن تعرضن للضرب مرة واحدة على الأقل من قبل أزواجهن. ومن جهتها (والكر) أشارت استناداً إلى بحثها عام 1984 إلى خبرة المرأة الأمريكية الواسعة بالعنف الجسدي، فبينت أن 41%من النساء أفدن أنهن كن ضحايا العنف الجسدي من جهة أمهاتهن، و44% من جهة آبائهن، كما بينت أن 44% منهن كن شهوداً لحوادث الاعتداء الجسدي لآبائهن على أمهاتهن.
ـ في عام 1985 قتل (2928) شخصاً على يد أحد أفراد عائلته، وإذا اعتبرنا ضحايا القتل الإناث وحدهن، لوجدنا أن ثلثهن لقين حتفهن على يد زوج أو شريك حياة،(69/74)
وكان الأزواج مسؤولين عن قتل 20% من النساء اللاتي قتلن في عام 1984، في حين أن القتلة كانوا من رفاقهن الذكور في 10%من الحالات.
ـ أما إحصاءات مرتكبي الاعتداءات ضد النساء في أمريكا: ثلاثة من بين أربعة معتدين هم من الأزواج: 9% أزواج سابقين، 35% أصدقاء، و32% أصدقاء سابقين. إحصائية أخرى تدرس نسبة المعتدين، تبين أن الأزواج المطلقين أو المنفصلين عن زوجاتهم ارتكبوا 79% من الاعتداءات بينما ارتكب الأزواج 21%.
ـ وقد ثبت أن ضرب المرأة من قبل شريك ذكر لها، هو المصدر الوحيد، والأكثر انتشاراً، الذي يؤدي إلى جروح للمرأة. وهذا أكثر انتشاراً من حوادث السيارات والسلب والاغتصاب كلها مجتمعة.
ـ وفي دراسة أخرى تبين أن امرأة واحدة من بين أربع نساء، يطلبن العناية الصحية من قبل طبيب العائلة، يُبلغن عن التعرض للاعتداء الجسماني من قبل شركائهن.
ـ من مجموع النساء اللواتي سعين في طلب العناية الصحية من طبيب العائلة، أبلغ 37% منهن على كونهن من الناجيات من حوادث التعذيب الجنسي في مرحلة الطفولة، و29% أبلغن أنه تم الاعتداء عليهن جنسياً بعد البلوغ. والنساء اللواتي كن ضحية لمثل هذه الاعتداءات الجنسية أكثر اكتئاباً من اللواتي لم يتعرضن لها.
ـ تم توزيع بيانات على مستوى الولايات شملت (6000) عائلة أمريكية ونتج عنها أن 50% من الرجال الذين يعتدون بشكل مستمر على زوجاتهم، يعتدون أيضاً وبشكل مستمر على أطفالهم.
ـ الأطفال الذين شهدوا عنف آبائهم، معرضون ليكونوا عنيفين ومعتدين على زوجاتهم، بنسبة ثلاثة أضعاف، من الذين لم يشهدوا العنف في طفولتهم، أما أولياء الأمور العنيفون جداً فأطفالهم معرضون ألف ضعف ليكونوا معتدين على زوجاتهم في المستقبل.
ـ أكثر من ثلاثة ملايين طفل في السنة هم عرضة لخطر العنف الصادر عن الأبوين.
ـ مليون امرأة في السنة تعاني من كونها ضحية للعنف الذي لا يصل إلى درجة الموت، ويكون هذا الاعتداء من قبل شخص قريب للضحية. هذه الإحصائية تعتبر من أكثر الإحصائيات اعتدالاً.
ـ أربعة ملايين أمريكية تقع تحت اعتداء خطير، من قبل شريك قريب لها خلال سنة. وقرابة 1 من 3 نساء بالغات، يواجهن تجربة الاعتداء عليهن جسمانياً على الأقل مرة واحدة من قبل شريك في فترة النضج. وفي عام 1993 تم توقيف ـ 575000 ـ أي ما يزيد عن نصف مليون رجل لارتكابهم العنف ضد النساء.
ـ خلال عام1994، 21% من حالات العنف التي وقعت المرأة ضحيتها، قد ارتكبت من قبل قريبين، ولكن فقط 4% من حالات العنف ضد الرجل، قد ارتكبت من قبل قريبات.
ـ من 90ـ95% من ضحايا العنف العائلي هم من النساء.
ـ الأطفال الذين يعيشون في منازل يتم فيها اعتداء الأزواج على بعضهم، معرضون للإيذاء بنسبة تفوق الأطفال الآخرين بـ 1500 مرة.(69/75)
ـ من 40 ـ60% من الرجال الذين يسيئون معاملة زوجاتهم يعتدون على الأطفال أيضاً.
ـ الآباء الذين يضربون الأمهات يميلون، أكثر مرتين من الأزواج الغير عنيفين، للحصول على طلب رعاية الأطفال بعد الطلاق.
ـ في دراسة واحدة، 27% من ضحايا القتل داخل العائلة هم من الأطفال.
ـ 90% من الأطفال الذين يقتلون تحت سن العاشرة، يقتلون خلال خلاف عائلي، و56% من الأطفال هم دون الثانية.
ـ في عام 1994، / 243000/ شخص، من الذين تلقوا الإسعاف في غرفة الطوارئ، بسبب الجروح التي نتجت عن العنف، كان قريب للعائلة هو السبب، وفاق عدد ضحايا الإناث ضحايا الذكور بنسبة 1:9.
ـ هناك على الأقل أربع ملايين تقرير في حوادث العنف العائلي ضد المرأة كل عام، وقرابة 20% من هذه الحوادث حصلت في المنازل.
ـ في عام 1991، أكثر من تسعين امرأة قُتلت أسبوعياً، تسع نساء من عشر قتلن من قبل رجل.
ـ تستخدم الأسلحة بنسبة 30% من حوادث العنف العائلي.
ـ في 95% من الاعتداءات الناتجة عن العنف العائلي، الجرائم ترتكب من قبل الرجال ضد النساء.
ـ الأزواج والعشاق المؤذين، يضايقون في مجال العمل 74% من النساء المتعرضات للضرب، إما بطريقة مباشرة أو مضايقات عبر الهاتف.
ـ في العلاقات الحميمة تفوق ضحايا النساء المتعرضات للعنف ضحايا الرجال بعشر مرات
ـــــــــــــــــــ
العنف الأسري ضد المرأة في الغرب (2) في بريطانيا وفرنسا
في المقال السابق بينا واقع المرأة في المجتمع الأمريكي و ماتتعرض له من عنف ونواصل في هذه المقالة ملف العنف ضد المرأة في الغرب
المرأة في بريطانيا ...
ـ أما في بريطانيا فإن أكثر من 50% من القتيلات كن ضحايا الزوج أو الشريك. وارتفع العنف في البيت بنسبة 46% خلال عام واحد إلى نهاية آذار 1992، كما وجد بأن 25% من النساء يتعرضن للضرب من قبل أزواجهن أو شركائهن، تتلقى الشرطة البريطانية 100 ألف مكالمة سنوياً لتبلغ شكاوى اعتداء على زوجات أو شريكات، علماً بأن الكثير منهن لا يبلغن الشرطة إلا بعد تكرار الاعتداء عليهن لعشرات المرات. وتشير (جين لويس) إلى أن ما بين ثلث إلى ثلثي حالات الطلاق تعزى إلى العنف في البيت، وبصورة رئيسة إلى تعاطي المسكرات وهبوط المستوى الأخلاقي.
ـ أظهر استطلاع نشرت نتائجه في بريطانيا، تزايد العنف ضد النساء. ففي استطلاع شاركت فيه سبعة آلاف امرأة: قالت 28% من المشاركات أنهن تعرضن لهجوم من أزواجهن. ويفيد تقرير بريطاني آخر أن الزوج يضرب زوجته دون أن يكون هناك(69/76)
سبب يبرر الضرب، ويشكل هذا 77% من عمليات الضرب. ويستفاد من التقرير نفسه أن امرأة ذكرت أن زوجها ضربها ثلاث سنوات ونصف السنة منذ بداية زواجها، وقالت: لو قلت له شيئاً إثر ضربي لعاد ثانية لذا أبقى صامتة، وهو لا يكتفي بنوع واحد من الضرب بل يمارس جميع أنواع الضرب من اللطمات واللكمات والركلات والرفسات، وضرب الرأس بعرض الحائط ولا يبالي إن وقعت ضرباته في مواقع حساسة من الجسد. وأحياناً قد يصل الأمر ببعضهم إلى حد إطفاء السجائر على جسدها، أو تكبيلها بالسلاسل والأغلال ثم إغلاق الباب عليها وتركها على هذه الحال لساعات طويلة.
ـ تسعى المنظمات النسوية لتوفير الملاجئ والمساعدات المادية والمعنوية للضحايا، تقود (جوان جونكلر) حملة من هذا النوع، فخلال اثني عشر عاماً مضت، قامت بتقديم المساعدة، لآلاف الأشخاص من الذين تعرضوا لحوادث اعتداء في البيت، وقد جمعت تبرعات بقيمة70 ألف جنيه إسترليني لإدارة هذه الملاجئ. وقد أنشئت أول هذه المراكز في مانشستر عام 1971، ثم عمت جميع بريطانيا حتى بلغ عددها 150مركزا.
ـ انتشار حالات الإبلاغ عن العنف الجنسي في مرحلة الطفولة يتراوح ما بين 6% إلى 62% بين الإناث.
ثالثاً: المرأة في فرنسا ...
في فرنسا تتعرض حوالي مليوني امرأة للضرب، وأمام هذه الظاهرة التي تقول الشرطة أنها تشمل حوالي 10% من العائلات الفرنسية. أعلنت الحكومة أنها ستبدأ حملة توعية لمنع أن تبدو أعمال العنف هذه كأنها ظاهرة طبيعية. وقالت أمينة سر الدولة لحقوق المرأة (ميشال أندريه): (حتى الحيوانات أحيانا تُعامل أحسن منهن، فلو أن رجلاً ضرب كلباً في الشارع فسيتقدم شخصاً ما بشكوى إلى جمعية الرفق بالحيوان، ولكن إذا ضرب رجل زوجته بالشارع فلن يتحرك أحد). وأضافت في تصريح لوكالة فرانس برس: "يجب الإفهام بأن الضرب مسألة تطالها العدالة، أريد أن يتم التوقف عن التفكير بأن هذا الأمر عادي. وتابعت: إن عالمنا يقر بأن هنالك، مسيطراً ومسيطراً عليه؛ إنه منطق يجب إيقافه".
ونقلت صحيفة فرانس سوار عن الشرطة في تحقيق نشرته حول الموضوع: أن 92,7% من عمليات الضرب التي تتم بين الأزواج تقع في المدن، وأن 60% من دعوات الاستغاثة الهاتفية التي تتلقاها شرطة النجدة في باريس، هي نداءات استغاثة من نساء يسيء أزواجهن معاملتهن. وذكرت أمانة سر الدولة لحقوق المرأة أن هناك أنواعاً من العنف الذي يمارس مع المرأة منها معنوي (تهديدات وإهانات) ومنها جسدي (ضرب).
ولاحظت جمعية (نجدة النساء اللواتي يتعرضن للضرب) أن النساء اللواتي تستقبلهن تتراوح أعمارهن بين 25 ـ 35 سنة، ولهن ما معدله طفلان، ومستواهن التعليمي متدن، وهن غالباً معزولات عن عائلاتهن أو جيرانهن، وكثيراً ما أدت ذريعة مثل: المرض، وإدمان الكحول، أو البطالة إلى تفاقم العنف الذي يمارس عليهن، ولكن(69/77)
قليلات من الضحايا يجرؤن على فضح عمليات العنف هذه بسبب الخوف من الانتقام أو بسبب نقص الشجاعة.
وقالت سيدة تبلغ من العمر خمسة وعشرين عاماً تحملت عامين من ضرب زوجها، عندما قيل لها أن تترك المنزل: "في فرنسا لا نتحدث عن حياتنا الزوجية، فلا يمكن لأحد أن يأتمن أصدقاءه أو أي أحد على أحد على أسراره الشخصية."
ولقد شبه الكاتب الفرنسي (الكسندر دوما) ذات يوم الفرنسيات بشرائح اللحم فقال: كلما ضربتهن أصبحن أكثر طراوة!!
ـــــــــــــــــــ
العنف الأسري ضد المرأة في الغرب (3)
في المقالين السابقين بينا واقع المرأة في الغرب و ما تتعرض له من عنف ونواصل في هذه المقالة ملف العنف ضد المرأة في الغرب
في كندا:
في إحصائية كندية شملت النساء المتزوجات، نتج عنها أن العاصمة شهدت حدة اعتداءات ضد الزوجات أكثر من أي مكان في كندا. 36% من الزوجات صرحن بأنهن قد تم الاعتداء عليهن بشكل أو بآخر، لمرة واحدة على الأقل منذ بلوغهن سن السادسة عشرة. 81% من الاعتداءات التي رصدها جهاز الشرطة، تبين تورط معتد ذكر. و9% معتدية أنثى، 10% تورط معتد ذكر و أنثى معاً، وما يزيد عن النصف 53% من هذه الحوادث ثبت أن طرفاً واحداً على الأقل كان تحت تأثير شرب الكحول.
في نيوزلنده: ـ
تبعاً لإحصائية رسمية لرصد العنف العائلي ساهمت فيها (سوزان سنايفلي) وفريقها مفادها: أن تقريباً 300 ألف امرأة وطفل كانوا من ضحايا العنف العائلي، وتبعاً لدراسة قام بها مقدمو الخدمات في نيوزلنده، تم الاتفاق على أن معدل انتشار العنف العائلي، يبلغ قرابة 14%. وأشارت دراسات أخرى مشابهة، أن معدل الانتشار هو10:1 أو4:1 وبالرجوع إلى عدد السكان في نيوزلنده في آخر شهرآذار 1994يعني أن نسبة طفل واحد من سبعة تساوي 129556طفلا، وامرأة واحدة من سبعة تساوي 172125 امرأة، وهذا مجموعه 301691 ضحية للعنف من النساء و الأطفال.
في النمسا: ـ
في عام 1985 ذكر العنف المنزلي كعامل مساعد في فشل الزواج في 59% من 1500قضية طلاق. وبين تلك الحالات نلاحظ أن 38% من الزوجات المنتميات إلى الطبقة العاملة استدعين الشرطة رداً على الاعتداء عليهن بالضرب المبرح، في حين أنه لم تفعل ذلك غير 13% من النساء المنتميات إلى الطبقة المتوسطة، و غير 4% من المنتميات إلى الطبقة العليا.
في ألمانيا: ـ
ذكرت دراسة ألمانية أن ما لا يقل عن مائة ألف امرأة تتعرض سنوياً لأعمال العنف الجسدي أو النفساني التي يمارسها الأزواج، أو الرجال الذين يعاشرونهن مع احتمال(69/78)
أن يكون الرقم الحقيقي يزيد عن المليون، وقالت الدراسة أن الأسباب المؤدية إلى استخدام العنف هي البطالة زمناً طويلاً، والديون المالية، والإدمان على المشروبات الكحولية، والغيرة الشديدة، وقد وضعت الوزارة الألمانية الاتحادية لشؤون الشبيبة والأسرة والصحة مشروعاً لتقديم المساعدة من قبل منظمة خيرية على أن يتم ذلك خلال عامين.
هذه بعض الإحصاءات العجلى، عن واقع المرأة في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوروبي، هذه الدول التي تحمل إداراتها عصاها على كاهلها لتعيد تنظيم العالم ، وتأديب رجاله، عبر تغيير منظومة الشرائع والقوانين. إن الرجل الأمريكي والأوروبي الذي يمارس هذا الكم الهائل من أعمال العنف ضد المرأة زوجة وبنتاً وشريكة، إنما يفعل ذلك لأن منظومة التربية في الولايات المتحدة وأوروبة فاسدة ومنحرفة، وبحاجة إلى مراجعة عملية. إن المرأة في العالم العربي والإسلامي لا تتعرض لعشر هذه الأنواع من المهانات، لأن الرجل الذي هذبه الدين قبل القانون، وامتلأت نفسه بالشهامة قبل المدنية الزائفة؛ لا يمكن أن يقدم على فعل شنيع كالذي تشير إليه هذه الإحصاءات.
لا نزعم أن مجتمعاتنا تخلو من حالات شاذة ومؤذية، ولكن مثل هذه الجرائم تبقى في إطار محدود، بحيث لا تتجاوز نسبتها في أحسن الحالات 05%.
برامج مغرضة
إن برامج تحرير المرأة، التي تحاول فرض المقاييس الغربية على المرأة في العالم أجمع، إنما تسعى للزج بالمرأة المسلمة المكرمة في سوق السلعة الرخيصة، ليبتزها الرجل باستغلالها في العمل نهاراً، ثم بالعدوان عليها وعلى أطفالها بجميع أشكال العدوان ليلاً.
نتمنى أن تكون هناك دراسات إحصائية حقيقية، في عالمنا الإسلامي، لنثبت للعالم أن المرأة المسلمة ـ ذات البرقع والحجاب ـ وهي في عمق البوادي والخيام، كما في البيئات المستورة والمحدودة من مجتمعاتنا العربية، تلقى من التكريم والرعاية ما لا تحلم به المرأة الأمريكية والغربية موضوع هذه الإحصاءات المشينة للإنسان والحضارة والمجتمع
معهد المرأة الإسباني: الوضع النسائي في الغرب كارثي
أصدر معهد معني بشؤون المرأة تقريرًا قام بإعداده فريق متخصص لرصد أحوال المرأة في العالم الغربي، ومقر هذا المعهد في إسبانيا ويسمى ( معهد المرأة )، وهو معهد عالمي معترف به تجرى فيه جميع الدراسات حول وضع المرأة ويرفع تقريراً سنوياً عن أحوال المرأة، والأرقام التي يبينها التقرير تتناول وضع المرأة في دولتين غربيتين هما إسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
أما إسبانيا فباعتبارها آخر الدول لحاقاً بركب ما يسمى بالحضارة الغربية ، وأما الولايات المتحدة فباعتبارها قمة ما يسمى بالحضارة الغربية وما بينهما فيتراوح بين هذا وذاك.
أولاً : في إسبانيا(69/79)
- في عام 1989م كان متوسط الولادات 1.36 لكل امرأة.
- وفي عام 1992م كان متوسط الولادات 1.02 وهي أقل نسبة ولادات في العالم.
- في عام 1990م : 93 % من النساء الإسبانيات يستعملن حبوب منع الحمل ولمدة 15 عاماً متتالية في عمر كل منهن.
- في عام 1990م : قدمت 130 ألف امرأة بلاغات بالاعتداء الجسدي والضرب المبرح من قبل الرجال الذين يعيشون معهن (أزواج وخلافه).
قال محامي الشعب الأسباني أن الشكاوى بالاعتداء الجسدي والضرب المبرح بلغت هذا العام (1997م) 54 ألف شكوى، تقول الشرطة أن الرقم الحقيقي عشرة أضعاف هذا العدد.
- عام 1995م : خضعت مليون امرأة تحت أيدي جراحي التجميل أي بمعدل امرأة من كل 5 نساء يعشن في مدريد وما حولها.
بلاغ يومي عن قتل امرأة بأبشع الطرق على يد الرجل الذي تعيش معه.
ثانياً : الولايات المتحدة الأمريكية
- عام 1980م :1.553000 حالة إجهاض ، 30 % منها لدى نساء لم يتجاوزن العشرين عاماً من أعمارهن قالت الشرطة : إن الرقم الحقيقي ثلاثة أضعاف ذلك.
- عام 1982 م : 80% من المتزوجات منذ 15 عاماً أصبحن مطلقات .
- عام 1984م : 8 ملايين امرأة تعيش وحدها مع أطفالها ودون أية مساعدة خارجية.
- عام 1986 : 27% من المواطنين يعيشون على حساب النساء.
- عام 1982 :65 حالة اغتصاب لكل 10 آلاف امرأة.
- عام 1995 : 82 ألف جريمة اغتصاب، 80% منها في محيط الأسرة والأصدقاء، بينما تقول الشرطة أن الرقم الحقيقي 35 ضعفاً.
- عام 1997م : قالت جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة أنه تغتصب امرأة كل 3 ثواني، بينما ردت الجهات الرسمية أن هذا الرقم مبالغ فيه حين إن الرقم الحقيقي هو حالة اغتصاب كل 6 ثواني أي أن الفرق في الثواني فقط.
- عام 1997م: 6 ملايين امرأة عانين من سوء المعاملة الجسدية والنفسية بسبب الرجال، 70% من الزوجات يعانين من الضرب المبرح ، 4 آلاف يقتلن كل عام ضرباً على أيدي أزواجهن أو من يعيشون معهن.
74% من العجائز الفقراء هم من النساء، 85% من هؤلاء يعشن وحيدات دون أي معين أو مساعد.
- من 1979 إلى 1985 م : أجريت عمليات تعقيم جنسي للنساء اللاتي قدمن إلى أمريكا من أمريكا اللاتينية ومن النساء اللاتي أصولهن من الهنود الحمر وذلك دون علمهن.
- من عام 1980 إلى عام 1990 : كان بالولايات المتحدة ما يقارب مليون امرأة يعملن في البغاء.
- في عام 1995م: بلغ دخل مؤسسات الدعارة وأجهزتها الإعلامية 2500 مليون دولار .
.......................(69/80)
التقرير السنوي المسمى بـ (قاموس المرأة) الصادر
عن معهد الدراسات الدولية حول المرأة ومقره مدر
ـــــــــــــــــــ
تعدد الزوجات بين الشريعة والواقع
مؤرخ فرنسي يرى أن الغرب لا بد أن يبيح التعدد حلاً لمشاكله الأخلاقي
• الإندونيسيات يطالبن بإباحته لمنع أزواجهن من الانحراف، والمصريات يعتبرنه حلاً لمشكلة العنوسة
• القانون التونسي يحرم تعدد الزوجات ويبيح الزنا!
• موافقة الزوجة ليس شرطا في إتمام الزوج لزواجه الثاني وإن كان يحسن إخبارها
ما تزال قضية تعدد الزوجات من القضايا التي تشغل بال الكثيرين ، سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين ، بل إنها من الأمور التي شهدت جدلاً واسعًا بين علماء المسلمين أنفسهم سواء قديما أم حديثا ، ورغم اتفاقهم على مشروعيته إلا أن الخلاف بينهم انحصر في أسباب هذا التعدد وشروطه وحيثياته.
ففي مصر مثلا تحول مسلسل (الحاج متولي) الذي عرض في شهر رمضان الماضي -والذي رأى فيه البعض دعوة صريحة لتعدد الزوجات- إلى مادة للحديث بين الناس بمختلف فئاتهم وطبقاتهم الاجتماعية ، حيث يرى البعض أن التعدد أحد الحلول الرئيسية لمشكلة العنوسة التي تعاني منها ثلاثة ملايين فتاة تجاوزن سن الثلاثين، حسب آخر إحصائية للمركز القومي البحوث الاجتماعية والجنائية، لكن المسلسل أثار حفيظة العلمانيين واليساريين ودعاة التنوير وتحرير المرأة للهجوم على الإسلام وتعاليمه.
وفى تونس- وهى بلد إسلامي- يجرم القانون الوضعي واقعة الزواج الثانية، فقد نشرت الصحف هناك وقائع القبض على زوج بتهمة زواجه من امرأة ثانية وجدت معه في شقة الزوجية ، وأثناء المحاكمة نصح المحامي الزوج بأن يعترف بأن المرأة التي كانت معه هي في الحقيقة عشيقته، وليست زوجته فحكمت المحكمة بالبراءة !!
وفى إندونيسيا طالبت العديد من النساء بإلغاء القانون الذي تم وضعه في عام 1983، والذي ينص على عدم السماح للموظفين الحكوميين بالزواج من ثانية إلا بموافقة الزوجة الأولى، بعد الكشف عن أن عددا كبيرا من المسؤولين الحكوميين وكبار الموظفين بدؤوا في اتخاذ خليلات وصديقات، وإقامة علاقات غير شرعية !
وفي الوقت الذي تضع فيه بعض الدول المسلمة قيودًا على التعدد، قد تصل إلى درجة التجريم ، فإن الغرب المسيحي - والذي ظل لقرون عديدة يعاني الأمرين بسب تحريم الزواج الثاني- بدأ يعترف بأخطائه، ويطالب بتعديل هذه القوانين بعد أن انتشرت حالات الزنا والسفاح والعشق تحت شعار زائف مثل الصداقة، فنجد المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون يقول: "إن مبدأ تعدد الزوجات (الشرقي!) نظام طيب لرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تأخذ به، ويزيد الأسرة ارتباطًا، ويمنح المرأة احترامًا وسعادة لا تراها المرأة في أوروبا، حيث تتزوج زواجًا شرعيًا ولا تقع في علاقات آثمة، ولست أدري على أي أساس يبني الأوربيون حكمهم بانحطاط ذلك(69/81)
النظام - نظام تعدد الزوجات - بل إنني أرى أن هناك أسبابًا تحملني على إيثار نظام التعدد على ما سواه".
شروط التعدد
ويقول الداعية الإسلامي الشيخ محمد حسين عيسى: كثير من الأمم والملل قبل الإسلام كانوا يبيحون التزوج بالجمّ الغفير من النساء قد يبلغ العشرات، وقد يصل إلى المائة والمئات، دون اشتراط لشرط ولا تقييد بقيد، فلماء جاء الإسلام وضع لتعدد الزوجات قيدًا وشرطًا، فأما القيد فجعل الحد الأقصى للزوجات أربعًا ، وقد أسلم غيلان الثقفي وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " اختر منهن أربعًا وفارق سائرهن " .
وكذلك - كما يقول الشيخ عيسى- كان حال من أسلم عن ثمانية، وعن خمسة فقد نهاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يمسك منهن إلا أربعًا، أما زواج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتسع فكان هذا شيئًا خصه الله به لحاجة الدعوة في حياته، وحاجة الأمة إليهن بعد وفاته.
ويضيف: أما الشرط الذي اشترطه الإسلام لتعدد الزوجات فهو ثقة المسلم في نفسه أن يعدل بين زوجتيه أو زوجاته في المأكل والمشرب، والملبس والمسكن، والمبيت والنفقة، فمن لم يثق في نفسه بالقدرة على أداء هذه الحقوق بالعدل والسوية حرم عليه أن يتزوج بأكثر من واحدة، فقد قال تعالى (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) (النساء- 3) وقال عليه الصلاة والسلام "من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطًا- أو مائلاً".
والميل الذي حذر منه هذا الحديث - كما يقول الشيخ عيسى- هو الجور على حقوقها، لا مجرد الميل القلبي، فإن هذا داخل في العدل الذي لا يستطاع، والذي عفا الله عنه وسامح في شأنه، قال سبحانه وتعالى : (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم، فلا تميلوا كل الميل) (النساء- 129)، ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقسم فيعدل ويقول : "اللهم هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك" يعني " بما لا يملكه " أمرَ القلب والميل العاطفي إلى إحداهن وكان إذا أراد سفرًا حكم بينهن بالقرعة ، فأيتهن خرج سهمها سافر بها، وإنما فعل ذلك دفعًا لوخز الصدور، وترضية للجميع.
حكمة التعدد
وعن حكمة الإسلام في تعدد الزوجات يقول الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف سابقا: إن تعدُّد الزوجات كان معروفًا وسائدًا في الشرائع الوضعية والأديان السماوية السابقة، والإسلام أقرَّه بشرط ألا يَزيد على أربع، وألَّا يُخاف عدم العدل بينهن، قال الله تعالى : (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) (النساء- 3) وفي مشروعيته مصلحة للرجل، فمن المقرَّر أنه بحكم تكوينه مستعد للإخصاب في كل وقت من سنِّه العادي، وتتوق نفسه إلى المتعة ما دام في حال سويَّة.
ويواصل الشيخ عطية صقر قائلا: أما المرأة فبحكم تكوينها لا تستعدُّ للإخصاب مدة الحمل، وهي أشهرٌ طوال، ومدة الدورة وهي - في الغالب - ربع الشهر طيلة عمرها(69/82)
حتى تبلغ سنَّ اليأس، كما أنها تعزِف عن المتعة مدة الإرضاع التي قد تبلغ حولين كاملين، ولا ترغب فيها غالبًا، أو تلُحُّ عليها إلا في فترة قصيرة جدّا كل شهر حين تنضج البويضة، فكان من العدل والحكمة أن يُشرع التعدُّد ما دامت هناك قدرة عليه وعدل فيه.
فالزوجة - كما يقول الشيخ - قد تكون غير محقِّقة لمتعته كما يريد، إما لعامل في نفسه أو نفسها هي، ولا يريد أن يطلِّقها، وقد تكون عقيمًا لا تلد وهو يتوق إلى الولد شأن كل رجل، بل وكل امرأة، فيُبقي عليها لسبب أو لآخر، أو قد تكون هناك عوامل أخرى تحقِّق له بالتعدُّد مصلحة مادية أو أدبية أو عاطفية يحب أن ينالها في الحلال بدل أن ينالها في الحرام ، كما أن في تعدُّد الزوجات مصلحة للمرأة أيضًا إذا كانت عقيمًا أو مريضة، وتفضِّل البقاء في عِصمة الرَّجل، لعدم الاطمئنان عليها إذا انفصَلت ، وقد تكون محبَّة له يَعزُّ عليها أن تُفارِقه لشرَف الانتساب إليه أو نيل خيْر لا يوجد عند غيره، وفيه مصلحة للمجتمع بضم الأيامى ورعاية الأيتام ، وخاصة في الظروف الاستثنائية، وبالتعفُّف عن الفاحشة والمخاللة، وكذلك بزيادة النَّسل في بعض البلاد، أو بعض الظروف التي تحتاج إلى جنود أو أيدٍ عاملة، وإذا علمنا أن الرجل مستعدٌّ للإخصاب في كل وقت، وبتزوجه بعدَّة زوْجات يكثُر النسل جاز له أن يعدِّد الزوجات، لكن المرأة إذا حمَلت أو كانت في فترات الدم أو الرَّضاع لا تكون مستعدَّة للحمْل مهما كثر اللقاء الجنسي بينها وبين زوجها الواحد .
استئذان الزوجة
ولكن هل يجب على الزوج استئذان زوجته عند رغبته في الزواج بأخرى؟
يقول الشيخ محمد حسين : إن سيدنا علي (رضي الله عنه) أراد أن يتزوج على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وكان علي قد رغب في الزواج من بنت أبي جهل، فلم يرضَ النبي صلى الله عليه وسلم وبيّن النبي السبب وهو ألا يجتمع تحت رجل واحد بنت رسول الله وبنت أبي جهل عدو الله ، ولكن عندما توفيت السيدة فاطمة تزوج علي بأكثر من امرأة، وجمع بينهن؛ لأن المبرر لم يعد قائما، ومن هذه القصة نعلم أن عليا لم يقم بالزواج إلا بعد الاستئذان، وهذا من باب حسن السلوك، وليس واجبًا، ولا فرضًا شرعيًا، ولكن تأسيًا بعلي (رضي الله عنه) ومن مثل هذه الواقعة ندرك أنه يحسن للزوج أن يبين لزوجته وأن يخبرها بالأسباب ؛ لتعينه على أن تستمر معه، ولكن ليس حقًا لها، ولا تملك منعه.
ـــــــــــــــــــ
عولمة المرأة
عولمة المرأة أي جعلها كائناً عالمياً يمكن وصفه بأنه كائن فوق الحكومات أو كائن عابر للقارات.. ولجعلها كائناً عالمياً كان لا بد من عقد المؤتمرات الدولية وتوقيع المعاهدات والاتفاقيات العالمية التي تلزم الحكومات بحقوق هذا الكائن، وتمثل توصيات المؤتمرات الدولية والمعاهدات والاتفاقيات العالمية المرجعية العالمية الجديدة التي يمكن وصفها بأنها "أيديولوجية نسوية" لها قوة الأيديولوجيات السياسية التي عرفها القرن الماضي ثم انهارت وخبت وماتت.(69/83)
وكما كان يحدث بالنسبة للأيديولوجيات السياسية والفكرية فإن الأيديولوجية النسوية الجديدة يراد لها أن يكون معتنقوها في كل العالم وفي كل الدول والشعوب وفي كل الأعمال؛ فإنها الوسيلة الجديدة لغزو العالم وشعوبه، وهي الدين الجديد الذي يُراد للعالم أن يتوحد خلفه ويدين به : بيد أن الخطر في هذه الأيديولوجية والدين الجديد يكمن في أن الذي يُبشر بها ويدعو إليها هو النظام العالمي الجديد الذي حقق ما اعتبره انتصاراً نهائياً وعالمياً للفكر الغربي العلماني، ويريد أن يفرض هذا الدين والأيديولوجية بالقوة على العالم كله بحيث تكون هناك قوة عالمية واحدة ومرجعية كونية واحدة وإنسان عالمي واحد، وتنهار كل الحدود والقيود والحصون أمام هذه القوة العالمية
الجديدة والمنفردة بحيث تصبح إرادتها ورغباتها ومصالحها مُسلَّماً بها ومُرحَّباً بقدومها بلا أي عوائق من الدين أو اللغة أو اللون أو الجنس أو القومية أو الثقافة. أي أن المرجعية الكونية الجديدة هي بديل لكل ما عرفته الأمم والأجناس البشرية من ثقافات وتاريخ وصراعات وأفكار؛ بحيث يغدو كل هذا ذكرى بلا قيمة ولا معنى، وتصبح القيمة والمعنى في المرجعية الكونية البديلة والجديدة التي يتحوَّل البشر جميعاً فيها عبيداً للإله الذي قررها، وهو النظام العالمي الجديد.
كما أن خطر هذه الأيديولوجية البديلة يتمثل أيضاً في اقتحام مناطق كان يُنظر إليها باعتبارها خاصة أو شخصية وينظم أوضاعها بشكل أساسٍ الدينُ والتقاليد والأعراف المحلية والثقافات الخاصة، أي أن الاقتحام والهدم لهذه الأيديولوجية ينال مناطق متصلة بالهوية والثقافة والوجود وهي محور الكيان الإنساني والوجود البشري. ويقف وراء هذه الأيديولوجية فكر شيطاني يريد أن يجعل من الأخلاق فوضى ومن الفاحشة شيوعاً وذيوعاً.
وتستمد النسوية الجديدة جذورها الفكرية من الماركسية الحديثة "حيث تعتبر أن خطأ الماركسية القديمة هو اللجوء إلى الأساليب الاقتصادية لبناء مجتمع لا طبقي؛ بينما اللجوء إلى الأساليب الاجتماعية هو السبيل الوحيد لمجتمع خالٍ من الطبقات والميول الطبقية، وتمثل "الأسرة" والأمومة في نظر "الماركسية الحديثة" التي تستمد النسوية أفكارها منها تمثل السبب وراء نظام طبقي جنسي يقهر المرأة لا يرجع إلا لدورها في الحمل والأمومة.
وإذا كانت السنن الكونية الطبيعية عندهم هي التي اقتضت هذا الاختلاف البيولوجي فلا بد من الثورة على هذه السنن الطبيعية والتخلص منها بحيث تصبح الفروق البيولوجية بين الرجل والمرأة فروقاً اجتماعية متصلة بالأدوار التي يؤديها كلٌّ من الرجل والمرأة وليست متصلة بالخواص البيولوجية لكل منهما؛ ومن ثَمَّ فإذا قام الرجل بوظيفة المرأة وقامت المرأة بوظيفة الرجل فإنه لن يكون هناك ذكر وأنثى وإنما سيكون هناك نوع "جندر" وهذا النوع هو الذي سيحدد طبيعة دوره في الحياة بحيث يجوز للأنثى أن تمارس دور الذكر والعكس، وبحيث لا تكون هناك أسرة بالمعنى التقليدي ولا أبناء ولا رجل ولا امرأة، وإنما أسر جديدة شاذة وأبناءٌ نتاج للتلقيح الصناعي؛ فأي فكر شيطاني ذلك الذي تتبناه "النسوية الجديدة"؟! وأي قوة تجعل من الأمم المتحدة وأمريكا والغرب تتبنى هذا الفكر الشيطاني لفرضه على(69/84)
العالم؟!! إنها تعبير عن إرادة لا نقول علمانية وإنما إلحادية لتحويل الوجود البشري وجوداً بلا قيمة ولا معنى تنتفي معه العناية من استخلاف الله للإنسان في الأرض. وفي الواقع فإن هذا الفكر الإجرامي ليس خطراً على المجتمعات الإسلامية فحسب ولكنه خطر على الحضارة الإنسانية ذاتها؛ لكن المجتمعات الإسلامية تأتي في القلب من معتقد هذا المخطط الإجرامي البديل والجديد.
أدوات المرجعية الجديدة:
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تم إرساؤه عام 1948 م ، يمثل البذرة الأولى لهذه المرجعية الجديدة التي طرحت موضوع الأسرة والمرأة قضية عالمية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، لكن ضجيج القضايا السياسية والاقتصادية على دول العالم الثالث في هذا الوقت غطى على الجانب الاجتماعي والثقافي المتصل بالأسرة والمرأة والأحوال الشخصية؛ فمنذ عام 1950م حاولت الأمم المتحدة عقد الدورة الأولى لمؤتمراتها الدولية حول المرأة والأسرة بعنوان: "تنظيم الأسرة" لكن الحكومة المصرية في العهد الملكي قاومته بقوة، وأخفق المؤتمر الذي كان يترأسه ماركسيٌّ صهيوني، ثم عاودت الأمم المتحدة مرة ثانية تطلعها في بناء المرجعية النسوية الجديدة، فعقدت مؤتمراً في المكسيك عام 1957م ودعت فيه إلى حرية الإجهاض للمرأة والحرية الجنسية للمراهقين والأطفال وتنظيم الأسرة لضبط عدد السكان في العالم الثالث، وأخفق هذا المؤتمر أيضاً، ثم عقد مؤتمر في "نيروبي" عام 1985م بعنوان: "استراتيجيات التطلع إلى الأمام من أجل تقدم المرأة" ثم كان مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية الذي عقد في سبتمبر 1994م، وأخيراً كان مؤتمر المرأة في بكين الذي عُقد عام 1995م تحت عنوان: "المساواة والتنمية والسلم" وهو المؤتمر الذي ختمت به الأمم المتحدة القرن الماضي، وانتهت إلى الشكل النهائي للمرجعية الجديدة والبديلة التي يراد فرضها على العالم والتي تهدف بكلمة واحدة إلى "عولمة المرأة".
وعولمة المرأة هو الجانب الاجتماعي والثقافي في "العولمة" الذي تسعى الأمم المتحدة وأمريكا وأوروبا إلى فرضه على بقية العالم خاصة العالم الثالث. والتوصيات والوثائق التي توقع عليها الدول والحكومات الأعضاء في الأمم المتحدة تعتبر ملزمة لها، كما أن الأمم المتحدة تقوم بكل هيئاتها ومؤسساتها بتنفيذ ما جاء في توصيات هذه المؤتمرات الدولية ووثائقها بما في ذلك المراقبة والمتابعة لمدى التزام الدول والحكومات بها. كما أن المنظمات غير الحكومية الممثلة في الأمم المتحدة تمثل قوة ضغط في دولها لمراقبة التزام هذه الدول بقرارات الأمم المتحدة وتوصياتها ومتابعة ذلك، وهي في هذا تشبه "جواسيس للأمم المتحدة" في دولها.
ولا تكتفي الأمم المتحدة بذلك وإنما تعقد مؤتمرات مع الأطراف الحكومية والمنظمات غير الحكومية كل سنة أو سنتين للتأكد من الالتزام الحكومي بالمرجعية الكونية البديلة والخضوع للنظام العالمي الجديد؛ فهناك مؤتمر سنوي يطلق عليه مؤتمر السكان + 1 أو + 2 أو + 3 وهكذا حتى يأتي موعد المؤتمر الدولي القادم للسكان عام 2004م. وأيضاً بالنسبة لمؤتمر بكين(1) قد عُقد بكين + 4 في الهند وسوف يعقد مؤتمر للمرأة أيضاً عام 2005م أي بعد عشر سنوات من مؤتمر المرأة(69/85)
الذي عُقد في بكين، أي أن هناك آلية دولية لها طابع الفرض والإلزام والمتابعة تتدخل في الشؤون الداخلية للدول لتطلب منها الالتزام بما وقعت عليه؛ وهذه الآلية يمكن أن تمارس الإرهاب بفرض العقوبات الدولية على الدول التي ترى الأمم المتحدة أنها غير ملتزمة؛ كما أن هذه الآلية تمارس الإغراء بمنح معونات أو قروض أو ما شابه إذا التزمت بمقررات الشرعية الجديدة.
ومن ثَمَّ فإن ما يجري في مصر أو المغرب أو الأردن بشأن تغيير قوانين الأحوال الشخصية أو العقوبات هو جزء من الالتزام بالأجندة الدولية التي وافقت هذه الدول عليها في المؤتمرات الدولية وليس تعبيراً عن حاجة داخلية لشعوب هذه الدول. فحق المرأة في فسخ عقد الزواج، وحقها في السفر هي وأولادها بلا قيود، وحقها في المواطنة الذي يستخدم ستاراً لمساواتها مع الرجل في الإرث والطلاق وعدم الخضوع لسلطة أي رفض القوامة وإقامة علاقات ود وصداقة خارج نطاق البيت والعائلة، كل هذه القضايا كانت مطروحة باعتبارها جزءاً من أجندة دولية للتسليم بالدخول في طاعة النظام العالمي الجديد والإقرار بالالتزام بالدين النسوي البديل.
وفي الواقع فإن كل ما سيحدث في هذا الإطار سيكون مثل تأسيس "المجلس القومي للمرأة" في مصر الذي يضم الوجوه النسوية المصرية التي تدعو للأيديولوجية الجديدة بلا خجل أو حياء.
وهذه الوجوه النسوية هي انعكاس للفكر الغربي النسوي؛ حيث تشعر تجاه المرأة الغربية بالنقص، وتشعر أن الالتحاق الفكري بها سوف يعوض هذا النقص لهن كما يبلغ النقص بهذه الوجوه حد كراهية الدين الإسلامي ونظمه الاجتماعية وقوانينه في الاجتماع والأسرة ؛ وهم في ذلك أشبه "باللامنتمي" ومن ثَمَّ فهذه الوجوه تعبر عن حالة نفسية مرضية؛ ورفعها إلى مستوى التخطيط والحديث عن قضايا المرأة ليس سوى خضوع للقوى الدولية الخارجية التي تحب أن يعبر عن أوضاع المرأة في العالم الإسلامي النسوةُ اللاتي يرددن الأفكار الغربية ويبشرن بالأيديولوجية النسوية الجديدة.
وثيقة بكين .. مفردات المرجعية الجديدة :
وبالعودة إلى وثيقة بكين التي تمثل منتهى الفكر النسوي الجديد نجد مخططاً واضحاً لتدمير الأسرة والمرأة، وتدمير الحضارة البشرية ذاتها، ويبدو لنا أن الحضارة الغربية تريد أن تدمر الحضارات الأخرى وعلى رأسها الحضارة الإسلامية بعد أن شارفت هي على الهلاك والتدمير والفوضى بسبب خضوعها للأفكار النسوية والشذوذ الجنسي والأخلاقي .
ومن المؤكد أن الجانب الثقافي والاجتماعي الذي يراد فرضه على الحضارات الأخرى والإسلامية على رأسها هو جزءٌ مما أطلق عليه "صموئيل هنتنجتون": "صراع الحضارات" هذه الوثيقة وهي في حقيقتها تمثل مخططاً تحاول فرض مصطلح "النوع Gender " بدلاً من كلمة Sex والتي تشير إلى الذكر والأنثى أما النوع فمعناه رفض حقيقة أن الوضع البيولوجي هو المصير لكل فرد، ورفض حقيقة أن اختلاف الذكر والأنثى هو من صنع الله عز وجل وإنما الاختلاف ناتج عن التنشئة الاجتماعية والأسرية والبيئة التي يتحكم فيها الرجل. وتتضمن هذه النزعة فرض(69/86)
فكرة حق الإنسان في تغيير هويته الجنسية وأدواره المترتبة عليها، ومن ثَمَّ الاعتراف رسمياً بالشواذ والمخنثين والمطالبة بإدراج حقوقهم الانحرافية ضمن حقوق الإنسان ومنها حقهم في الزواج وتكوين أسر والحصول على أطفال بالتبني أو تأجير البطون. وتطالب الوثيقة بحق المرأة والفتاة في التمتع بحرية جنسية آمنة مع من تشاء وفي أي سن تشاء وليس بالضرورة في إطار الزواج الشرعي ؛ فالمهم هو تقديم المشورة والنصيحة لتكون هذه العلاقات (الآثمة) مأمونة العواقب سواء من ناحية الإنجاب أو من ناحية الإصابة بمرض الإيدز.
وتطالب "وثيقة بكين" الحكومات بإعطاء الأولوية لتعزيز تمتع المرأة والرجل بالكامل وعلى قدم المساواة بجميع حقوق الإنسان والحريات بدون أي نوع من التميز وحماية ذلك، ويدخل ضمن هذه الحقوق والحرياتِ: الحرياتُ الجنسية بتنويعاتها المختلفة والتحكم في الحمل والإجهاض وكل ما يخالف الشرائع السماوية، وتطالب الوثيقة الحكومات بالاهتمام بتلبية الحاجات التثقيفية والخدمية للمراهقين ليتمكنوا من معالجة الجانب الجنسي في حياتهم معالجة إيجابية ومسؤولة، وتطالب بحق المراهقات الحوامل في مواصلة التعليم دون إدانة لهذا الحمل السِّفَاح.
ولا تتحدث "وثيقة بكين" عن الزواج من حيث إنه رباط شرعي يجمع الرجل والمرأة في إطار اجتماعي هو الأسرة؛ وإنما ترى أن الزواج المبكتر يعوق المرأة، ومن ثَمَّ فهي تطالب برفع سن الزواج وتحريم الزواج المبكر. ولا ترد كلمة "الوالدين" إلا مصحوبة بعبارة "أو كل من تقع عليه مسؤولية الأطفال مسؤولية قانونية" في إشارة إلى مختلف أنواع الأسر المثلية، ولا تستخدم الوثيقة عبارة الزوج وإنما الشريك أو الزميل.
وتخاطب وثيقة بكين المرأة الفرد وليست المرأة التي هي نواة الأسرة، ولذا فالمرأة العاملة هي المرأة المعتبرة؛ أمَّا المرأة العاملة داخل البيت ربة الأسرة فيُنظر إليها باعتبارها متخلفة وخارج السياق الدولي الجديد؛ لأنها لا تمارس عملاً بمقابل، ولأنها ربطت نفسها بالزوج والأولاد والأسرة، ولذا فعبارة: "الأمومة" وردت حوالي ست مرات؛ بينما كلمة: "جندر" جاءت ستين مرة وجاءت كلمة "جنس" في مواضع كثيرة. إن وثيقة بكين التي أصبحت "مقررات بكين" ووقعت عليها 180 دولة هي أساس المرجعية الكونية البديلة والتي أشارت بوضوح إلى أن الدين يقف عائقاً أمام تحقيق هذه المقررات، ولذا ناشدت المقرراتُ المؤسساتِ الدينيةَ لكي تساعد على تحويل مقررات مؤتمر بكين إلى واقع أي أن تصبح المؤسسات الدينية أحد أدوات المرجعية الكونية الجديدة التي يتبناها النظام العالمي ويسعى لفرضها على العالم.
وهنا لا بد من تأمُّل دور بعض المؤسسات الدينية الإسلامية في الموافقة على تمرير المطالب التي تفرضها الأجندة الدولية مثل حق الزوجة في السفر بدون إذن الزوج وكذا الأولاد القُصَّر بما في ذلك البنات. والمثير أن تستخدم الوثيقة كلمة (المساواة) للتعبير عن إزالة الاختلافات بين الرجل والمرأة، وتستخدم (التنمية) للتعبير عن الحرية الجنسية والانفلات الأخلاقي، وتستخدم كلمة (السلم) لمطالبة الحكومات بخفض نفقاتها العسكرية وتحويل الإنفاق إلى خطط التخريب والتدمير للأيديولوجية النسوية الجديدة؛ حيث تلزم مقررات بكين الحكومات المحلية بتنفيذ الأهداف(69/87)
الاستراتيجية للنظام العالمي الجديد فيما يتصل بإقرار الأيديولوجية النسوية الجديدة، وذلك بمساعدة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
هذه هي المفردات الجديدة والمقررات التي يسعى النظام العالمي الجديد لفرضها أيديولوجية كونية على العالم. وبالطبع فإنه يستهدف من وراء ذلك ضرب مواطن القوة في الحضارات المختلفة معه.
وبالنسبة للحضارة الإسلامية فلا يزال الدين الإسلامي يمثل مرجعية للناس ونظاماً لحياتهم خاصة في مسائل الأسرة والأحوال الشخصية وفي مسائل الفكر والثقافة والاعتقاد وهو ما يزعج الأمم المتحدة والغرب ؛ إذ إن المسلمين يمثلون ملياراً وربع مليار نسمة، والعالم الإسلامي بإمكاناته وثرواته وأهله يهدد النظام العالمي الجديد بفقدان سيطرته عليه ما بقي الإسلام حاكماً للجوانب الاجتماعية والثقافية وللهوية، ولذا لا بد من تسديد الضرب إلى الصميم للقضاء على الهوية الإسلامية وعلى النظم الاجتماعية التي أثبتت أنها القلعة التي حمت العالم الإسلامي من السقوط والانهيار، ولذا فإن الصراع مع الغرب انتقل من السياسي والاقتصادي إلى الديني والثقافي والاجتماعي المتصل بالهوية والوجود؛ وهو ما يتطلب وعياً جديداً وأدوات جديدة ؛ كما يتطلب يقظة ومقاومة.
إن الإنسان: الرجل، والمرأة، والأطفال، والأسرة هم المقصودون بالهجمة العالمية الجديدة وهم المقصودون بالمرجعية الكونية البديلة للنظام العالمي الجديد؛ وعلى عالمنا الإسلامي أن ينتفض ويستيقظ ؛ فإن وجودنا مرتبط بمدى ارتباطنا بكلمة: "مسلمين" اسماً وفعلا ً؛ وإلاَّ فالاستبدال كما قال تعالى : (( وإن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ )) [محمد: 83]
حذار .. الأسرة في خطر
أصدقكم القول إنني مندهش جداً ، فثمة خطر حقيقي مفزع يلوح في الأفق .. قد بدت نذر هبوبه ومع ذلك فلا يبالي أحد ـ على الأقل حتى الآن ولا يتحدث عنه أحد ـ إلا النذر اليسير ـ بينما يشكو الكثير من تفشي الجريمة وتعاطي المخدرات والتحلل الخلقي وغير ذلك من العلل والأمراض .. المخدرات التي تبذل لأجلها حكومة الولايات المتحدة وأوربا المليارات ، وتجند لها مئات الألوف من رجال الأمن والتحري والدوريات و .. دون جدوى !!
وتعقد الكثير من المنتديات والمؤتمرات حول السبل الناجعة لمواجهة هذا الخطر المرعب ، وتتخذ الكثير من التوجيهات والقرارات ، ولا يزداد الأمر إلا خطورة واستفحالاً .. الحل الحقيقي هو الأسرة ..! والخطر الحقيقي المخيف ... هو تقويض الأسرة .
يؤمن الناس في الغرب أن وراء كل عظيم ( امرأة ) لكن إيماني عميق بأن وراء كل عظيم أسرة عظيمة ؛ ولذلك فكل ما من شأنه دعم كيان الأسرة وتعزيزها يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار ويعطى الأولوية .
الأسرة هي ملاذ الأمن الاجتماعي المطلوب ، وأي خطر يتهددها هو خطر في نواة الأمن الاجتماعي الصلبة الذي يجب أن تقام من حوله القلاع وتبني من حوله(69/88)
المتاريس .وفي الماضي كانوا يقولون عن الرجل إذا بالغوا في الثناء عليه : ( فلان ولد حمولة ) أي أنه نتاج أسرة كريمة ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ) [ الأعراف : 58] ، ولما كان حاله كذلك فلا عجب أن يكون على خير صفات الكمال ... فالشيء من معدنه لا يستغرب ... واليوم بدأت تتحطم القبيلة لحساب (( الوطنية )) ، ويتمزق كيان الأسرة لحساب (( الحرية الفردية )).
في الماضي كانت الأجيال الثلاثة تسكن بيتاً واحداً .. الجد وابنه وأحفاده .. في الماضي لم تكن الأسرة تتناول طعاماً إلا مجتمعة .. واليوم تتكفل محلات الوجبات السريعة ((FAST FOOD )) المهمة ، لا يجمع الناس في البيت الواحد إلا لحظات النوم .. وحتى هذه اللحظات متفاوتة ؛ فمن أفراد الأسرة من لا ينام إلا مع بواكير الفجر الأولى بعدها يمل من مراقبة (( القنوات الفضائية )) المتنوعة ، أو ينتهي من حوارات (( الدردشة CHATTING )) )) في الإنترنت تلك التي تكاد لا تنتهي ... !! ومنهم من ينام أول الليل حتى (( يلحق بالعمل الباكر )) ، ومنهم من لا ينام حتى ترتفع الشمس في كبد السماء ، ويزداد الحر فيفر منه إلى سكينة النوم عاكساً قانون الله الكوني في جعل الليل سكناً ... !!
يا سادة ! هل تصدقون أن نسبة الطلاق في المدن الكبرى تجاوزت (( 30% )) أي أنه بين كل ثلاث زيجات تنتهي واحدة بالطلاق بعد مدة .. تنبهوا ها هو حصن الأمن تتقوض أسواره .. هل تبحثون عن الأسباب ... ؟!
ثمة أسباب كثيرة .. ربما يساعدنا إدراك أن هذه الظاهرة ـ أعني ظاهرة الطلاق والتمزق الأسري ـ ظاهرة عالمية تتزايد في كل مكان في هذا العالم ، ولما كنا ـ وكم يؤلمني ذلك ـ نعيش في عصر العولمة ((عولمة وسائل الاتصال والنقل ، والمعلومات وعولمة الجريمة والتحلل الأسري ، وهيمنة النموذج الغربي .. لما كنا نعيش هذا العصر فلا ريب أن علله الأخلاقية تعدينا تماماً (( كما يعدي الصحيحَ الأجربُ )).
زرت العديد من الدول الأوربية .. ورأيت أنك تتمكن بسهولة من ملاحظة رجل يسير مع امرأة ، أو امرأة تسير مع أطفالها .. بل الرجل يسير مع أطفاله ، لكنك من الصعب جداً أن تجد أسرة مكونة من الأم والأب والأطفال !!
لقد تخيل بعضنا أنا بدأنا نستهلك الغرب ... وأذبناه ـ ويا للمفاجأة ـ نحن الذين تستهلكهم الحضارة الغربية ... ثم تلفظهم مشتتين ممزقين واهني القوى ..
تشتكي الكثير من الأمهات من عدوانية أطفالهن التي لا تطاق ... ولا غرابة .. فالطفل الذي يمضي سحابة نهاره في حضن خادمته المكدودة طوال نهارها في العناية بالمنزل ، تعاني الكثير من الآلام في بعدها عن زوجها وأطفالها ؛ فكيف لها أن تكون مصدر حنان يكفي لطفل قذفت به أمه بين يدي هذه المربية ، ثم انطلقت لا تلوي تعمل في هذه الوظيفة أو تلك !! .
كيف لا يكون الطفل عدوانيا .. وأمه تنتظر كالنمرة عودة زوجها مكدوداً مرهقاً من عمل النهار كي تنطلق نحوه بأعيرة كلامية لا تنتهي حول تقصيره في بيته وإهماله لها .. أو حول تصرفات أهله أو أقاربه معها أو .. أو ... كيف يمكن لهذا الطفل المسكين أن يكون ودوداً لطيفاً مبدعاً معطاء ؟!(69/89)
ثم كيف يمكن لهذه الأم التي يكيل لها زوجها الصاع صاعين .. كيف يمكن لها أن ترضخ له ، وهي الموظفة المرموقة ، التي تملك السيارة والسائق والخادمة والمريبة ... الخ إنها ليست في حاجة إليه .. بل هو الذي يحتاجها .. وإن لم يحترمها وصبر على (( نكدها )) فليذهب إلى الجحيم ولا عليها أن تكون بلا زوج . فأزواج هذه الأيام ـ كما يقلن كثيراً ـ البعد عنهم خير من القرب منهم !!.
الضحية في النهاية هم هؤلاء الأطفال المساكين ... إنني عاجز عن أن أكف تفكيري الدائم في المستقبل المجهول الذي ينتظر هؤلاء المساكين الذين لم يجدوا حظاً من الرعاية والاهتمام في طفولتهم الأولى .. أي نوع من الرجال سيكونون ؟ وأي نوع من الأسر سوف يشكلونها ؟!
ثم هذا الغلاء الفاحش في تكاليف المعيشة ، وهذه النفقات الباهظة للزواج من يطيق احتمالها والقيام بها ؟!
إنني أعتقد اعتقاداً لا أشك فيه أن أجراس الخطر لا بد تقرع الآن ، وأنه قد آن للعقلاء من هذه الأمة أن يبدؤوا بتشكيل الملتقيات والندوات والجمعيات الخيرية ومنظمات التوعية التي تواجه هذا الصدع الخطير في بينان الأسرة التي نواجهها اليوم ... وتذكروا معي جيدًا أن (( وراء كل عظيم أسرة عظيمة )). < p>
ـــــــــــــــــــ
حرية المرأة في ظل الإسلام
لقد أولى الإسلام المرأة مكانة عظيمة ، ورفع من شأنها بما تضافرت الشواهد عليه من الكتاب والسنة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين ، وإن حدثت انتكاسات للمرأة في العهود المتأخرة نتيجة تحكيم العادات والتقاليد المخالفة للشريعة فإن الدين لا يتحمل أي جزء من المسؤولية كما يحاول أن يقول المغرضون .
ونقتصر هنا على بيان حرية المرأة في ظل السلطة ، سواء السياسية أم الأسرية أو العلمية ، ونؤكد على "السلطة" لأنها - في الغالب - تحجب الحرية إما قسراً أو رهبةً.
ففي سياق حرية المرأة في ظل سلطان الولي ( الوالد وغيره ) ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :[ استأمروا النساء في أبضاعهن ] ، قيل : فإن البكر تستحي أن تَكَلمّ ؟ قال: [ سكوتها إذنها ] . رواه أحمد والنسائي .
وهو طلب وأمر للولي باستئذان البنت في الزواج.
وفي سياق التطبيق العملي لتلك الحرية في الاختيار ، جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تقول : إن أبي زوّجني من ابن أخيه ؛ ليرفع بي خسيسته، وأنا كارهة . فدعا رسول الله أباها ، وجعل الأمر إليها ، فقالت : يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي ؛ ولكن أردت أن تعلم النساء أنْ ليس للآباء من الأمر شيء. رواه أحمد والنسائي.
فاعجب معي من قوة شخصية هذه المرأة، ورعاية الإسلام لحقها في اختيار زوجها!
والأمر لم يقتصر على الولي ، بل تعدّاه إلى الخليفة ، أمير المؤمنين ورئيس البلاد ، فهذه امرأة تقف بين الجموع وترد على أمير المؤمنين عمر ، حين أراد تحديد مهور النساء ، فتقول: "ليس لك هذا يا ابن الخطاب ؛ فإن الله تعالى يقول : ( وآتيتم إحداهن(69/90)
قنطاراً ) فهل تدري ما القنطار يا عمر؟ فقال أمير المؤمنين: "أصابت امرأة وأخطأ عمر".
وهذه خولة بنت ثعلبة تستوقف أمير المؤمنين عمر فتقول له : قف يا عمر ، فوقف لها ، ودنا منها وأصغى إليها ، وأطالت الوقوف وأغلظت له القول (أي قالت له): "هيه يا عمر! عَهِدتك وأنت تسمى عُميراً وأنت في سوق عُكاظ ترعى القيان بعصاك ، فلم تذهب الأيام حتى سُميت عمر ، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمين ، فاتق الله في الرعية ، واعلم أنه من خاف الوعيد قَرُب عليه البعيد ، ومن خاف الموت خشي الفوت ، فقال لها الجارود : قد أكثرت ، أيتها المرأة ، على أمير المؤمنين ، فقال عمر : دعها. السيرة الحلبية 2/724 .
وكذلك الأمر ، كانت المرأة تتمتع بالحرية ، حتى مع شخص النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي تنصاع له كل الناس ، محبةً ورغبة في إرضائه ، فتقف المرأة تراجعه وتناقشه صلى الله عليه وسلم .. وقصة خولة بنت ثعلبة معروفة ومشهورة ، وهي التي نزلت فيها سورة "المجادلة" ، تستجيب لطلبها وترعى شأنها وشأن كل من حل بها ما حلّ بها .
وعن ابن عباس أن مغيثاً كان عبداً فقال : يا رسول الله اشفع لي إليها (يعني بريرة كانت زوجته ثم عتقت فطلبت مفارقته) ، فقال صلى الله عليه وسلم : [ يا بريرة اتقي الله فإنه زوجك وأبو ولدك] فقالت: يا رسول الله أتأمرني بذلك ؟ قال "لا، إنما أنا شافع" فكان دموعه ( أي مغيث ) تسيل على خده ، فقال صلى الله عليه وسلم للعباس : ألا تعجب من حب مغيثٍ بريرة وبُغضها إياه ؟! ] رواه أبو داو.
والعجب ليس من إصرارها على رفض زوجها ، مع شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له عندها ، وإنما في إدراكها الدقيق وتمييزها بين ما هو وحي تنصاع له ، وبين ما هو بشري من تصرفات النبي ، فتملك الاختيار فيه !.
وكذلك كانت زوجاته صلى الله عليه وسلم يراجعنه القول .. فعن عمر رضي الله عنه قال : " تغضبت يوماً على امرأتي ، فإذا هي تراجعني ، فأنكرت أن تراجعني - كعادة العرب في الجاهلية - فقالت : ما تنكر أن أراجعك ؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه ، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل!! قال : فانطلقت فدخلت على حفصة ، فقلت : أتراجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : نعم ، قال : وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل ؟ قالت : نعم . [رواه أحمد].
وحرية المرأة في ظل الإسلام تجاوزت تلك الحدود إلى درجة مناقشة الوحي ، فحين شعرت أم سلمة أن الوحي يخاطب الرجال ، هبت مسرعة إلى رسول الله تقول : يا رسول الله يُذكر الرجال في الهجرة ولا نُذكر ؟ فنزل قول الله تعالى : ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ) .
(آل عمران:195) . [رواه الحاكم في المستدرك والطبري في التفسير]. ـــــــــــــــــــ
قَوامة الرجال على النساء
قال تعالى : ( الرجال قّوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون(69/91)
نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً * وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيرا) .
إن الذي خلق هذا الإنسان جعل من فطرته الزوجية ، شأنه شأن كل شيء خلقه في هذا الوجود : ( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) . الذاريات:49
ثم شاء أن يجعل الزوجين في الإنسان شطرين للنفس الواحدة : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها ) . النساء:1
وأراد بالتقاء شطري النفس الواحدة بعد ذلك فيما أراد ، أن يكون هذا اللقاء سكناً للنفس ، وهدوءًا للعصب ، وطمأنينة للروح ، وراحة للجسد ... ثم ستراً وإحصاناً وصيانة ... ثم مزرعة للنسل وامتداداً للحياة ، مع ترقيها المستمر في رعاية المحضن الساكن الهادىء المطمئن المستور المصون :(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) . الروم:21 ، ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) . البقرة:187 ، ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله ) . البقرة:223 ، (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ) . التحريم:6 ، (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء ) . الطور:21.
ومن تساوى شطر النفس الواحدة في موقفها من الله ، ومن تكريمه للإنسان ، كان ذلك التكريم للمرأة ، وتلك المساواة في حقوق الأجر والثواب عند الله تعالى ، وفي حقوق التملك والإرث ، وفي استقلال الشخصية المدنية .
لقد خلق الناس ذكراً وأنثى، زوجين على أساس القاعدة الكلية في بناء هذا الكون وجعل من وظائف المرأة أن تحمل وتضع وترضع ، وتكفل ثمرة الاتصال بينها وبين الرجل ، وهي وظائف ضخمة أولاً، وخطيرة ثانياً ، وليس هينة ولا يسيرة ، بحيث تؤدى بدون إعداد عضوي ونفسي وعقلي عميق غائر في كيان الأنثى، فكان عدلاً كذلك أن ينوط بالشطر الثاني _ وهو الرجل _ توفير الحاجات الضرورية ، وتوفير الحماية كذلك للأنثى ، كي تتفرغ لوظيفتها الخطيرة ، ولا يحمل عليها أن تحمل وتضع وترضع وتكفل .. ثم تعمل وتكد وتسهر لحماية نفسها وطفلها في آن واحد وكان عدلاً كذلك أن يمنح الرجل من الخصائص في تكوينه العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينه على أداء وظائفه هذه ، وأن تمنح المرأة في تكوينها العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينها على أداء وظيفتها تلك .
وكان هذا فعلاً ... ولا يظلم ربك أحداً ...
ومن ثم زُودت المرأة فيما زُودّت به من الخصائص بالرقة والعطف ، وسرعة الإنفعال ، والإستجابة العاجلة لمطالب الطفولة بغير وعي ولا سابق تفكير ؛ لأن الضرورات الإنسانية العميقة كلها حتى في الفرد الواحد لم تترك لأرجحة الوعي والتفكير وبطئه ، بل جعلت الاستجابة لها غير إرادية ، لتسهل تلبيتها فوراً ،
وفيما يشبه أن يكون قسراً ، ولكنه قسر داخلي غير مفروض من الخارج ، ولذيذ ومستحب في معظم الأحيان ، كذلك لتكون الاستجابة سريعة من جهة ومريحة من جهة أخرى مهما يكن فيها من المشقة والتضحية ، صنع الله الذي أتقن كل شيء .(69/92)
وهذه الخصائص ليست سطحية ، بل هي غائرة في التكوين العضوي والعصبي والعقلي والنفسي للمرأة ، بل يقول كبار العلماء المختصين : إنها غائرة في تكوين كل خلية ، لأنها عميقة في تكوين الخلية الأولى ، التي يكون من انقسامها وتكاثرها الجنين ، بكل خصائصه الأساسية !!
وكذلك زُوِّد الرجل فيما زُوّد به من الخصائص بالخشونة والصلابة وبطء الانفعال والاستجابة ، واستخدام الوعي والتفكير قبل الحركة والاستجابة ، لأن وظائفه كلها ، بداية من الصيد الذي كان يمارسه في أول عهده بالحياة ، إلى القتال الذي يمارسه دائماً لحماية الزوج والأطفال ، إلى تدبير المعاش ، إلى سائر تكاليفه في
الحياة ؛ لأن وظائفه كلها تحتاج إلى قدر من التروي قبل الإقدام ، وإعمال الفكر والبطء في الاستجابة بوجه عام ! وكلها عميقة في تكوينه عمق خصائص المرأة في تكوينها .
وهذه الخصائص تجعله أقدر على القوامة ، وأفضل في مجالها ... كما أن تكليفه بالإنفاق وهو فرع من توزيع الاختصاصات يجعله بدوره أولى بالقوامة ، لأن تدبير المعاش للمؤسسة ومن فيها داخل في هذه القوامة ، والإشراف على تصريف المال فيها أقرب إلى طبيعة وظيفته فيها .
وهذان هما العنصران اللذان أبرزهما النص القرآني ، وهو يقرر قوامة الرجال على النساء في المجتمع الإسلامي قوامة لها أسبابها من التكوين والاستعداد ، ولها أسبابها من توزيع الوظائف والاختصاصات ، ولها أسبابها من العدالة في التوزيع من ناحية، وتكليف كل شطر في هذا التوزيع بالجانب الميسر له ، والذي هو معان عليه من الفطرة .
وأفضليته في مكانها ، في الاستعداد للقوامة والدربة عليها ، والنهوض بها بأسبابها، لأن المؤسسة لا تسير بلا قوامة كسائر المؤسسات ، الأقل شأناً ، والأرخص سعراً ولأن أحد شطري النفس البشرية مهيأ لها ، معان عليها ، مكلف تكاليفها ، وأحد الشطرين غير مهيأ لها ، ولا معان عليها ... ومن الظلم أن يحملها ويحمل تكاليفها إلى جانب أعبائه الأخرى ، وإذا هو هُيئ لها بالاستعدادات الكامنة ، ودُرّب عليها بالتدريب العلمي والعملي ، فسد استعداده للقيام بالوظيفة الأخرى ، وظيفة الأمومة ... لأن لها هي الأخرى مقتضياتها واستعداداتها ، وفي مقدمتها سرعة الإنفعال ، وقرب الاستجابة ، فوق الاستعدادات الغائرة في التكوين العضوي والعصبي ، وآثارها في السلوك والاستجابة .
إنها مسائل خطيرة ، أخطر من أن تتحكم فيها أهواء البشر ، وأخطر من أن تترك لهم يخبطون فيها خبط عشواء .. وحين تركت لهم ولأهوائهم في الجاهليات القديمة والجاهليات الحديثة ، هددت البشرية تهديداً خطيراً في وجودها ذاته ، وفي بقاء الخصائص الإنسانية ، التي تقوم بها الحياة الإنسانية وتتميز .
ولعل من الدلائل التي تشير بها الفطرة إلى وجودها وتحكمها ، ووجود قوانينها المتحكمة في بني الإنسان ، حتى وهم ينكرونها ويرفضونها ويتنكرون لها ...
لعل من هذه الدلائل : ما أصاب الحياة البشرية من تخبط وفساد ، ومن تدهور وإنهيار ، ومن تهديد بالدمار والبوار ، في كل مرة خولفت فيها هذه القاعدة ، فاهتزت(69/93)
سلطة القوامة في الأسرة ، أو اختلطت معالمها ، أو شذت عن قاعدتها الفطرية الأصيلة .
ولعل من هذه الدلائل : توقان نفس المرأة ذاتها إلى قيام هذه القوامة على أصلها الفطري في الأسرة ، وشعورها بالحرمان والنقص والقلق وقلة السعادة ، عندما تعيش مع رجل ، لا يزاول مهام القوامة ، وتنقصه صفاتها اللازمة ، فيكل إليها هي القوامة ، وهي حقيقة ملحوظة تسلم بها حتى المنحرفات الخابطات في الظلام!
ولعل من هذه الدلائل أيضا : أن الأطفال الذين ينشئون في مؤسسة عائلية القوامة فيها ليست للأب ، إما لأنه ضعيف الشخصية - بحيث تبرز عليه شخصية الأم وتسيطر ، وإما لأنه مفقود - لوفاته ، أو لعدم وجود أب شرعي - قلما ينشئون أسوياء ، وقل ألا ينحرفوا إلى شذوذ ما ، في تكوينهم العصبي والنفسي ، وفي سلوكهم العملي والخلقي .
ـــــــــــــــــــ
نافذة الهلاك
الصحف والمجلات .. والقصص .. الأشرطة .. والفيديو .. والتليفزيون .. ثم جهاز الاستقبال الفضائي المشهور بـ ( الدش ).
أفكار متنوعة .. وثقافات مختلفة .. وأخلاقيات غربية .. وصور فاضحة .
لقد اعترضت فرنسا وغيرها من بلدان أوروبا على غزو الثقافة والإعلام الأمريكي لهم ، ورأوا في ذلك اعتداء على عقلية شعوبهم .. و انتهاكا سافر لخصوصياتهم ..؟!!!
كانت أدوات الخطاب والمواجهة في الماضي مقصورة على خطبة أو قصيدة لكنها قد تنوعت في هذا العصر وأصبح فكر الإنسان .. وعواطفه .. وعقله .. وقلبه يتحكم فيها الإعلام رديئا كان أو صالحا ..
وكانت المرأة المسلمة في السابق .. بعيدة عن كثير من الأفكار السيئة والتصرفات الخاطئة .. فأصبحت في هذا العصر تبصر ذلك عن كثب .. وأصبحت تستقبل كثيرا من الأخلاق الغربية بدون أن يكون لذلك الوضع أي إنكار أو معارضة لدرجة أنه قد أصبح الوضع الصحيح .. وما سواه الخطأ ..
إنك عندما تريد أن تقتني بفكرة ما ستذكر الأدلة المؤيدة .. والفوائد المنبثقة و . .. ثم تنجح في إقناعي .
فما بالك إذا كنت تخاطبني كل يوم .. وبأساليب مختلفة .. وبطرائق جذابة ومبهرة ..
كانت طفلة صغيرة تعيش مع أبيها الذي لم يتعلم ومع أمها التي تكدح طوال اليوم لتوفر لها ولإخوتها كل ما تريد ..
ومع إخوة في المنزل لكل واحد منهم همومه وحياته وكان جهاز التلفزيون يتربع في أحد أركان المنزل وكذلك المذياع ، والصحف والمجلات يحضرها الأخوة يوميا وكان ذلك زادها الفكري ونافذتها على العالم إذا أضفنا صاحباتها في المدرسة .
كانت ترى كل هذه النوافذ تصور فتاة العصر على أنها هي الفتاة المنطلقة المتبرجة ذات الصديقات والأصدقاء التي تعمل تذهب متى تشاء وتعود متى تشاء ( الحرة ) .(69/94)
بينما تظهر المرأة البلهاء .. ذات العقل الغبي والفكر الناقص .. تقبع في البيت ثياب متسخة وشعر أشعث وحياة بائسة
أثناء ذلك وبعده تفتح المجلة فترى صور الفتيات الجميلات .. المتحررات ثم تسمع الأغنية وتقرأ القصة ..
تلبس العباءة بدون مبالاة وتغطي وجهها أمام من تعرف ..
تهمس لصديقة خاصة بما تجد وتحاذر وتبدأ الفتاة شعرت أو لم تشعر بفك ما تتصور أنها قيود مؤلمة .
ويظهر كل ذلك في أشكال متنوعة وحسب قدرة كل فتاة على التخلص والنفور
لا أحد تفتح له قلبها من أخوتها وأبيها ولا أحد يناقشها ويجيب عن أسئلتها ؟
ليست فتاة واحدة إن كثيرة من الفتيات اللاتي شربن الأفكار المعادية لتعاليم الإسلام قد أظهرن كثيرا من التبرم ، قلن ذلك بألسنتهن أو بتصرفاتهن .
فمن يقول لها إن الحجاب طهر وعفاف ، وإن المرأة الغربية التي بلغت أوج الحرية والانطلاق تتمنى الآن أنها لم تفعل ؟
من يقول لها إن الأفكار المسمومة التي توجه لها على قاعدة ( دس السم في العسل ) أفكار تؤدي بها الهلاك ؟
إننا لا نريد أن توضع المرأة في صندوق حتى تكبر ولسنا عساكر على فكرها فنأذن لمن نشاء ونحجب من نشاء .
وفي نفس الوقت نحن نحرص عليها ونتمنى لها الخير والصلاح ولا نريد أن تصل إلى الدرك الأسفل الذي وصلت إليه المرأة في بعض المجتمعات .
ولكن كم هو عاجز وجاهل ذلك الذي يوفر لها كل أساليب وطرق الفساد الفكري والسلوكي ثم يريد منها أن تكون ( مريم ) .
إن الرجل يصبح في منتهى الجبن والوهن عندما يرى اللص يدخل إلى بيته ويسكت .
وإن لصوص الفكر والفضيلة يدخلون البيوت .
وقد يجول ويتوعد ويتهدد إذا أتاه الخبر أن ابنته ضبطت مع شاب في سيارة .
مع أنه هو الذي سمح لعفاف ابنته أن يتسرب شيئا فشيئا تحت وقع أدوات الفساد ، إن مقولة العالم أصبح قرية واحدة مقولة صحيحة ولكنها ليست مبرراً أن أدخل بيتي كل ما هب ودب.
وإن في هذه القرية إلى الآن بدائل خير كثيرة تغني عن البلاء القادم .
ومسئولية المرأة ـ سواء كانت أما أم ربة بيت أم فتاة متعلمة مقبلة على الحياة ـ أصبحت أكبر وأعظم في هذا العصر .
الأم عندما تخاطب زوجها قائلة : لا أسمح لك أن تخرب بيتي وتفسد أولادي .
وتقف أمام الأب الطائش بكل حزم وجرأة فهي بذلك تذود عن بيتها أخطر الأعداء .
وإن الفتاة عندما تبذل الجهد المضاعف في البيت مع الأم والإخوة الصغار ثم الأب في سبيل تطهير المنزل من كل مخلفات الحضارة وقذارات المدينة ..
فهي بذلك تحقق حريتها بالشكل الصحيح ، وتصبح جديرة بالثقة وهي بذلك تلقم الأعداء حجراً في أفواههم .(69/95)
قبل الزواج تشترط المنزل النظيف من كل ما من شأنه تلويث عقول أطفالها القادمين .
والتنغيص على استقرارها في بيت هادئ ومستقر .
وكثير من حالات الطلاق كان وراءها منظر مخل أو فيلم ساقط أو فكرة استمدت من أداة شر
ـــــــــــــــــــ
أيها الباكون على المرأة .. كفى خداعا
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
فإن أعظم العلل وأشدها خطرًا على جسد الأمة ؛ هي تلك الأمراض الاجتماعية التي تفتك بالمجتمعات وتسقط الدول ؛ كما أن أسرع التغيرات وأجلها نفاذًا إلى نخاع الأمة تلك التغيرات الاجتماعية ، خاصة في مجال المرأة . وقد قال أحد أقطاب الاستعمار: " كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع".
فهذا المعز الفاطمي ما يزال يرنو إلى فتح مصر متهيبًا غزوها ، حتى بلغه استهتار نساء الأخشيد في مصر ، فتحرك لغزوها وقال : اليوم فتحت مصر ؛ اليوم لا يردنا عنها شيء .
ولأجل ذلك كانت قضية المرأة قضية خطيرة ، وما زال أعداء الأمة يستغلونها ؛ منذ قال جلاد ستون رئيس وزراء بريطانيا في عصره : " لا يمكن أن تتقدم بلاد الشرق إلا بأمرين:
الأول : أن يُرفع الحجاب عن المرأة المسلمة.
الثاني : أن يُغَطى بالحجاب القرآن الكريم .
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : [ إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعلمون ، فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ].
إنما النساء شقائق الرجال
وليس معنى ذلك أن المرأة رجس ونجس كما هي عند اليهود والنصارى وغيرهم ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ إنما النساء شقائق الرجال ].
- شقائق في الأصل والخلقة ، شقائق في أصل التكليف ، شقائق في جزاء الآخرة.
أما دعاة المساواة الذين باعوا عرض المرأة ، وكرامتها وعفتها وأنوثتها ، وأخرجوها من بيتها موضع كرامتها لكنس الشوارع ، وحمل الأمتعة ، وقيادة سيارات الأجرة .. وغير ذلك من الأعمال الحقيرة الممتهنة ؛ بحجة أن المرأة نصف المجتمع ، فكذبوا . فإن المرأة هي المجتمع كله والأمة بأسرها ؛ لأنها تلد لنا النصف الآخر ؛ فهي أم الرجل وأخته وزوجه وابنته .
أيتها الأخت المسلمة .. انتبهي فأنت الضحية ، إنهم يخدعونك بتلك المفاهيم الخاطئة والأفكار الخبيثة تحت عناوين براقة مثل :" تحرير المرأة - مكانة المرأة - عمل المرأة - جمال المرأة " .. احذري استدراجهم ، تمسكي بالحجاب ، فإنهم كانوا لا يطلبون منك أكثر من كشف وجهك ، وبحجة أن كشف الوجه مختلف فيه ، غير أنهم(69/96)
يعلمون علم اليقين - بحكم التجارب الطويلة العديدة- أنك يوم تكشفين عن وجهك ، ويذهب ماؤه وحياؤه ستكشفين لهم عما عدا ذلك.
أيها الباكون ..
أما انتم أيها الراثون الباكون على المرأة وحقوقها ، فإنكم لا ترثون لها بل ترثون لأنفسكم ، وتبكون على ما يُحال بينكم وبينه من شهواتكم ، هذِّبوا رجالكم قبل أن تهذبوا نساءكم ، فإن عجزتم عن الرجال ، فأنتم عن النساء أعجز .
لقد عاشت المرأة القطرية حقبةً من دهرها هادئة مطمئنة في بيتها ، راضية عن نفسها وعن عيشها ، ترى السعادة كل السعادة في واجب تؤديه لنفسها ، أو وقفة تقفها بين يدي ربها ، أو عطفة تعطفها على ولدها ، أو جلسة تجلسها إلى جارتها ؛ تبثها ذات نفسها وتستبثها سريرة قلبها ، وترى الشرف كل الشرف في خضوعها لأبيها ، وائتمارها بأمر زوجها ، ونزولها عند رضاهما ، وكانت تفهم معنى الحب ، وتجهل معنى الغرام ، فتحب زوجها ؛ لأنه زوجها كما تحب ولدها لأنه ولدها ، فإن رأى غيرها من النساء أن الحب أساس الزواج رأت هي أن الزواج أساس الحب ، فقلتم لها : إن هؤلاء الذي يستبدون بأمرك من اهلك ليسوا بأوفر منك عقلاً ولا أفضل رأيًا ولا أقدر على النظر لك من النظر لنفسك ، فلا حق لهم في هذا السلطان الذي يزعمونه لأنفسهم عليك ، فازدرت أباها ، وتمردت على زوجها ، وأصبح البيت الذي كان بالأمس عرسًا من الأعراس الضاحكة ، مناحة قائمة لا تهدأ نارها ، ولا يخبو أوارها .
وقلتم لها : " لا بد لك أن تختاري زوجك بنفسك ؛ حتى لا يخدعك أهلك عن سعادة مستقبلك " فاختارت لنفسها أسوأ مما اختار لها أهلها ، فلم يزد عمر سعادتها عن يوم وليلة ، ثم الشقاء الطويل بعد ذلك والعذاب الأليم ، وقلتم لها : " إن الحب أساس الزواج " فما زالت تقلب عينيها في وجوه الرجال مصعدة مصوبة حتى شغلها الحب عن الزواج فغنيت به عنه ، وقلتم لها : " إن سعادة المرأة في حياتها أن يكون زوجها عشيقها " وما كانت تعرف إلا أن الزوج غير العشيق ، فأصبحت تبغي كل يوم زوجًا جديدًا يحيي من لوعة الحب ما أمات الزوج القديم ، فلا قديمًا استبقت ، ولا جديدًا أفادت ، وقلتم لها : " لا بد أن تتعلمي لتحسني تربية ولدك ، والقيام على شؤون بيتك ، فتعلمت كل شيء إلا تربية ولدها والقيام على شؤون بيتها ، وقلتم لها " " نحن لا نتزوج من النساء إلا من نحبها ونرضاها ويلائم ذوقها ذوقنا وشعورها شعورنا " فرأت أن لا بد لها أن تعرف مواقع أهوائكم ومباهج أنظاركم لتتجمل لكم بما تحبون ، فراجعت فهرس حياتكم صفحة صفحة فلم تر فيه غير أسماء الخليعات المستهترات والضاحكات اللاعبات ، والإعجاب بهن والثناء عليهن ؛ فتخلعت واستهترت لتكسب رضاكم وتنزل عند محبتكم ، فأعرضتم عنها ونبوتم ، فرجعت أدراجها خائبة منكسرة وقد أباها الرفيع وترفع عنها المحتشم .
فهل تودون أن تتحول المرأة المسلمة إلى هذه الصورة الساقطة بعد تلك الحياة العفيفة المطمئنة . نسأل الله أن يصلح أحوالنا ، وأن يستر عيوبنا .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ـــــــــــــــــــ(69/97)
المرأة الغربية والزواج
قارئي الكريم :
إنني طبيب في الأمراض النفسية ، وهذا العمل يتيح لي مشاهدة الوجه الآخر لمجتمعاتنا ، والاتصال بأصناف متعددة من الناس رجالاً كانوا أو نساءً، ومن طبيعة الذين يعملون في مثل هذه الاختصاصات الاهتمام بمشكلات الناس ، وقد يسير أحدهم في الشارع فتلفت انتباهه أمور لا يهتم بها المارة.. وكم أتمنى أن يهتم العلماء الدعاة بمثل هذه القضايا ويقدمون لها الحلول الناجعة، وسيكون دورهم أهم من دور الأطباء ورجال الأمن ؛ لأن مخالفة تعاليم الإسلام من أهم العوامل التي أدت إلى نشوء مثل هذه الأمراض.
وقد حرصت على ذكر هذه المقدمة حتى لا يستغرب القارئ ما أذكره له من أحداث، وبشكل أخص زيارة النساء لنا في العيادة، والاستماع إلى مشكلاتهن، ولا علاج بدون الاستماع إلى هذه المشكلات ومناقشتها.
وبعد هذه المقدمة أعود إلى الحديث عن المرأة الغربية والزواج ، فأقول :
كنت أستغرب عند بداية إقامتي في بريطانيا أن المرأة هي التي تنفق على الرجل ، وكنت أشاهد هذه الظاهرة عندما أركب القطار أو أدخل المطعم ، إذ ليس في قاموس الغربيين شيء اسمه "كرم"..
وبعد حين زال هذا الاستغراب ، وأخبرني المرضى عن أسباب هذه الظاهرة، وفهمت منهم بأن الرجل لا يحب الارتباط بعقد زواج، ويفضل ما أسموه [صديقة]، والمرأة تسميه [صديقاً] ، وليس هو أو هي من الصدق في شيء ، وكم أساءوا لهذه الكلمة النبيلة ، فالصديق يعني: الصدق، والمحبة، والمروءة، والنخوة، والكرم، والوفاء، وما إلى ذلك من معان طيبة كريمة.
والصديق عندهم يعيش مع امرأة شهوراً أو سنين ، ولا ينفق عليها ، بل هي تنفق عليه في معظم الحالات، وقد يغادر البيت متى شاء ، أو قد يطلب منها مغادرة بيته ، إن كانت تعيش معه في بيته ، ولهذا فالمرأة عندهم تعيش في قلق وخوف شديدين ، وتخشى أن يرتبط صديقها (!!) بامرأة ثانية ويطردها ، ثم لا تجد صديقاً آخر.
وكما يقولون " بالمثال يتضح المقال " ، فسوف أختار مثالاً واحداً من أمثلة كثيرة تبين وضع المرأة عندهم:
رأيت في عيادة الأمراض النفسية امرأة في العشرينات من عمرها ، وكانت حالتها النفسية منهارة ، وبعد حين من الزمن شَعَرتْ بشيء من التحسن ، وأصبحت تتحدث عن وعيٍ ، فسألتها عن حياتها ، فأجابت والدموع تنهمر من عينيها ، قالت:
مشكلتي الوحيدة أنني أعيش بقلق واضطراب ، ولا أدري متى سينفصل عني صديقي ، ولا أستطيع مطالبته بالزواج منى ، لأنني أخشى من موقف يتخذه ، ونُصِحتُ بالعمل على إنجاب طفل منه ، لعل هذا الطفل يرغبه في الزواج ، وها أنت ترى الطفل ، كما أنك تراني ولا ينقصني جمال ، ومع هذا وذاك فأبذل كل السبل ؛ من تقديم خدمات ، وإنفاق مال ، ولم أنجح في إقناعه بالزواج ، وهذا سر مرضي ، وسبب قهري إنني أشعر بأنني وحدي في هذا المجتمع ، فليس لي زوج يساعدني(69/98)
على أعباء الحياة ، ولي أهل ولكن وجودهم وعدمه سواء ، وليتني بقيت بدون طفل ؛ لأنني لا أريد أن يتعذب ويشقى في هذه الحياة كما تعذبت وشقيت.
وهذه المرأة المريضة ليست من شواذ المجتمع الغربي ، بل الشواذ هم الذين يعيشون حياة هادئة.. ومع ذلك ينقد الغربيون مجتمعاتنا الإسلامية ، ويزعمون بأن المرأة تعيش في بلادنا حياة بائسة محزنة، ونحن لا يهمنا رأي الغرب بنا، ولا نطلب منه حسن سلوك، ولكن نريد من نسائنا أن يحمدن الله سبحانه وتعالى على نعمة الإسلام ، فلقد كانت في الجاهلية ذليلة مهينة ، وجاء الإسلام ليرفع مكانتها ، وبفضل من الله سبحانه وتعالى أصبح الرجل يبحث عن المرأة ، ويطلب الزواج منها ، وهي قد تقبل وقد ترفض ، ولأهلها دور كبير في أمر زواجها ، وسواء كانت عند زوجها أو في بيت أبيها فهي عزيزة كريمة ، والرجال هم الذين ينفقون عليها، بل والذي نشكو منه في بلادنا الغلو في المهور ، والتكاليف الباهظة التي تفرض على الرجل حتى يحصل على زوجة ، ((يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَّ تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) [الحجرات/17].
المرأة المسلمة والأعاصير الغربية !
تمثل المرأة في التفكير الغربي الاستعماري الحديث محورًا مهمًّا من محاور الصراع ضد الإسلام والمسلمين ، الذي غايته - أو محصلته - هيمنة الغرب الصليبي على مقدرات الأمة الإسلامية ، والسيطرة على إرادتها ، واستنزاف مواردها ، وإدخالها دائرة التبعية المطلقة من منظور السيّد الخادم .
ولا يكفّ الغرب الصليبي عن إثارة موضوع المرأة المسلمة في شتى المناسبات الممكنة ، وبوساطة الأقلام المحلية والأجنبية ، ليكون بديلاً
عن القضايا الأساسية التي تعنى الأمّة وتشغلها وتؤرقها مثل : الحريّة والشورى والتعليم والثقافة والإدارة والبحث العلمي والقوة الاقتصادية والقوة العسكرية ، وما إلى ذلك من قضايا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بواقع المسلمين ومستقبلهم .
إن الإلحاح على قضية المرأة وإثارتها في الأدبيات المطروحة يثير من الرّيبة أكثر مما يثير من اليقين ، وخاصّة أن الأمر تجاوز المؤسسات الغربية الصليبية إلى المؤسسات العالمية أو الدولية التي يفترض أنها تمثل أمم الأرض جميعًا ، وأعني بها مؤسسات الأمم المتحدة .
إن معظم بلاد المسلمين الآن تغصّ بالمدارس التي تعلّم البنات ، والكليات المخصّصة للبنات ، فضلاً عن المؤسسات التعليمية المشتركة للبنين والبنات ، فضلاً عن امتلاء الشوارع ومؤسسات العلم والإنتاج والمستشفيات والمصالح الحكومية والجمعيات الخاصة والعامة ، والمجالس الشعبية والنيابية بالنساء من مختلف الأعمار والتخصّصات ، مما يعني أن المرأة المسلمة لا مشكلة جوهرية لديها .. صحيح أن هناك مشكلات محددة تصنعها التقاليد الظالمة والعادات السخيفة ، ولكن من قال إن هذه العادات أو تلك التقاليد تمثّل حالة عامة يتم في المجتمات الإسلامية تحتاج إلى عملية تحرير ؟ وتحرير ممن ؟(69/99)
إن الإسلام يحقق للمرأة ما لا تحققه لها المجتمعات الغربية الصليبية و لقد أعزّ الإسلام المرأة ، وحقق لها إنسانيتها، وراعى ظروفها الطبيعية والبيولوجية فألزم المجتمع - ممثلاً في الأب أو الزوج أو الأقارب - بحمايتها وصيانتها ورعايتها ، وفضلاً عن ذلك فقد جعل الإسلام للمرأة ذمّتها المالية الخاصة ، وحقوقهاالمادية التي لا يجوز لأحد أن ينال منها أو يستبيحها .. في الوقت الذي تحوّلت فيه المرأة الغربية الصليبية إلى مجرد سلعة يتداولها رجال الأعمال ، ومنتجو السينما والتلفزيون ، ومنظمو حفلات ملكات الجمال المحلية والعالمية ، وغيرهم من رجال المافيا والدعاية وشبكات الدعارة وما شابه .. ولعل هذا يفسّر سرّ زيادة عدد النساء الأوروبيات الداخلات في الإسلام أكثر من الرجال .
إن المرأة المسلمة تؤدي دورها الإنساني بكفاءة وتفوّق وسعادة ، فهي مدبّرة منزلها ومربّية أولادها .... أسرتها دون ادّعاء عريض ، أو صراخ بغيض ، وهي على مستوى الجمهور الكبير في البلاد الإسلامية - تواجه مع الرجل - صعوبات الحياة وقسوتها بما يشبه البطولة ، وتسعى - مع الرجل - إلى توفير أساسيات الحياة في صبر وجهاد عظيم ، ثم إنها تذهب إلى المدرسة وتتعلم وتتفوّق وتنافس الرجال ، دون أن تكون هناك قيود أو سدود ؛ اللهم إلا ما يفرضه الخلق الإسلامي والقيم الكريمة التي يتحلى بها الرجال والنساء معاً .
بيد أن العالم الصليبي يصر على تصدير انحلاله ، أو انحلال بعض النماذج النسائية عنده إلى أمتنا . ويتخذ من بعض المقولات العامة طريقًا عامًا لعملية التصدير والإقناع بها .. إنه يطرح قضيّة المساواة المطلقة بين الرجال والنساء في كل شيء ، دون مراعاة لخصائص كل من الرجل والمرأة ، بوصفها حقًّا من حقوق الإنسان ، ويطمح من وراء ذلك أن يكون عدد النساء مثلاً مساويًا لعدد الرجال في الحكومات والمجالس النيابية والإدارات المحلية ومواقع السلطة في كل مكان .
نقل عن السيد "كوفي عنان" أمين عام الأمم المتحدة قوله :
"لا أستطيع أن أفكر في أي قضيّة ترتبط بمنظمة الأمم المتحدة إلا وكانت تتعرض لقضية المرأة وتتداخل فيها . فالمرأة أصبح لها دور مساوٍ للرجل في تحقيق السلام ، والأمن وحقوق الإنسان ، لذلك فإن من الحق ، بل من الضروري ، أن تكون المرأة ممثلة في مواقع السلطة واتخاذ القرار لتحقيق هذه الأهداف . وأن تكون نسبة تمثيلها في هذه المراكز مساوية لعدد الرجال لأنها تملك القدرة نفسها والأداء المتميز لخروج خططها إلى حيّز التنفيذ ( الأهرام : 7/ 16 / 2000 ) .
وهذا القول ، مع ما فيه من مبالغة ، لا يخلو من خيال واسع ، يبتعد عن أرض الواقع ، وحقائق التكوين الإنساني البيولوجي للرجل والمرأة .
إن قدرات المرأة - مهما تفوقت في المجالات الإنسانية والإدارية والعلمية - تظل مرتبطة بالمجال الأساسي والرئيس للمرأة ، وهو الإنجاب وتربية الأبناء ، وتكوين الأسرة ، وهذه مهمة من أشرف المهام وأنبلها .
وإذا كانت بعض المجتمعات الغربية الصليبية قد أهملت شأن الأسرة ، ولم تعد تعدّ بها ، فإن الأسرة - وفقاً للفطرة الإنسانية - كيان ضروري ، لا تستطيع المجتمعات الطبيعية التفريط فيه ، أو النظر إليه بعدم مبالاة .(69/100)
إن " كوفي عنان " يطمح إلى أن تكون نسبة المرأة بين موظفي الأمم المتحدة 50% ، حيث وصلت الآن إلى ما يقرب من 38.9 % ، وهدف خطة "عنان" من ذلك أن يقدم نموذجًا عالمياً لأمم الأرض كي تحذو حذوه ، وتصنع مثله ، وتجعل المرأة مساوية للرجل في الوظائف القيادية والإدارية ، واتخاذ القرار ، مما سيعطي المرأة فرصة الاهتمام بقضاياها وهمومها التي تلح عليها دول الغرب الصليبي . ومن هذه القضايا : التطرف الديني والأيديولوجي وتأثيره السلبي في المساواة بين الرجل ، وعدم الاعتراف بالأم المراهقة والأم العزباء ( خارج نطاق الزوجية ) ، وتنفيذ خطة بكين على الصعيدين الدولي والإقليمي ، والحدّ من الممارسات الضارة ( من وجهة نظر هذه الدول ) مثل ختان الإناث والزواج المبكر والزواج بالإكراه وتعدد الزوجات .
وكما نرى فإن هذه القضايا التي تطرح في المؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة ، وآخرها "مؤتمر نيويورك 2000" أو الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة ( المرأة 2000 ) ، تصدر عن تصوّر غربي يركّز بالدرجة الأولى على المفاهيم الإسلامية الأساسية حول المرأة ؛ لنسفها ، وإحلال السوك الغربي الإباحي محلّها !
فالتطرّف الديني - مثلاً - مفهوم غير واضح وغير محدد ، ولكن المفهوم من الكتابات الغربية والكتابات المحلية المشايعة له : أنه السلوك المعادي للحرية والإنسانية وللمرأة أيضًا ، وفكرنا الإسلامي يرفض هذا السلوك ويدينه ، ولكن القوم يقصدون من وراء طرح مفهوم التطرّف الديني نبذ الإسلام ، وعدم تحكيمه في قضايا المجتمعات الإسلامية بصفة عامة ، والمرأة بصفة خاصة ، وبالطبع فإن القوم يرون ارتداء الحجاب تطرّفًا ، وأداء الصلوات تطرّفًا ، والزواج الإسلامي تطرّفًا .. وهكذا .
أما موضوع الأم المراهقة والأم العزباء ، فهو إصرار من جانب الدول الغربية الصليبية - ومن خلال الأمم المتحدة - على إلزام الدول الإسلامية بتقنين الإباحية ، وفرضها على المجتمع الإسلامي بوصفها حقًّا من حقوق الإنسان .. أي يصبح من حق أي فتاة أن تمارس الزنا مع من تريد ، وتحمل منه ، وعلى المجتمع الإسلامي أن يقرّ هذا السلوك ، بوصفه أمراً واقعًا يترتب لصاحبته حقوق الاعتراف والمشروعية وطلب المساعدة المادية والمعنوية !
ولنا أن نتصوّر كيف يكون الواقع الاجتماعي حين نسمح لبناتنا بممارسة الزنا والولادة غير الشرعية ، ثم يتوجب علينا بعدئذٍ أن نقرّ هذا الوضع ونتماهى فيه ؟
لا ريب أن تصدير الإباحية والانحلال إلى مجتمعاتنا عدوان سافر على قيمنا وأخلاقنا وحقوقنا الإنسانية المشروعة في الاعتقاد والتصّور والتفكير والحرية .
وقس على ذلك ما يتعلق بمسائل الختان والزواج المبكر وتعّدذ الزوجات ، وغيرها من أمور لها طبيعتها في المنظور الإسلامي الذي يختلف اختلافًا جذريًّا مع التصور الدولي الصليبي وغاياته . وإذا كانت المؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي تتصدى لهذا القهر الدولي الصليبي بما تستطيع ، فإنه من المؤسف ، أن تتولى مجموعة من النساء العاملات في المجال النسائي والجمعيات النسائية على الأرض(69/101)
الإسلامية الترويج لهذه المفاهيم والدعوة لها ، والدفاع عنها ، في الوقت الذي تتناسى فيه حقوق الأمة كلها في الحرية والشورى والأمل
ـــــــــــــــــــ
تحرير المرأة
حجاب المرأة ودعاوى الحرية
عز الدين فرحات 25/9/1424
19/11/2003
في قرار غريب وعجيب أقرت حكومتا مقاطعتي بادي فورتنبورج وبافاريا الألمانيتان يوم الثلاثاء 11/11/2003م مشروع قانون يمنع المدرسات المسلمات من لبس الحجاب، لكنه يسمح لهن بإبراز رموز دينية مسيحية ويهودية.
وأوضح رئيس الحكومة المحلية في مقاطعة بادي فورتنبورج أن الهدف من مشروع القانون هو منع المدرسات في التعليم العام من ارتداء ما يمكن أن يفسر على أنه موقف سياسي.
فيما قالت وزيرة التربية التي قدمت المشروع إن الحجاب يمكن أن يشكل رمزاً ثقافياً وعنصرياً يشير إلى عصر قمع المرأة.
بالمقابل ولتبرير إبراز الرموز المسيحية واليهودية تذرعت الحكومة المحلية بقرار المحكمة العليا الذي أجاز لكل مقاطعة أن تتخذ قراراتها وفق تقاليدها.
إلى هنا ينتهي الخبر، وهو على ما ينطوي عليه من عنصرية بغيضة وتحامل على المسلمين؛ إلا أننا يجب أن لا ننظر إليه منفرداً، بل لا بد من النظر إليه من خلال السياق العام السائد في دول الحرية والديمقراطية الأوروبية. حيث الهجمة الشرسة على كل ما هو إسلامي حتى قطعة القماش على رأس تلميذة في إحدى المدارس.
يحدث هذا في ألمانيا كما يحدث في فرنسا وعلى أعلى مستوى سياسي حيث يتدخل رئيس الجمهورية في فرنسا بتكوين لجنة رئاسية للنظر في تطبيق أحسن للعلمانية يرأسها برنارد ستازي المقرب من الرئيس جاك شيراك. في الوقت الذي يحتد فيه النقاش على صفحات الجرائد والمجلات حول موضوع الحجاب الإسلامي في محاولات لاستصدار قانون يمنع المسلمات من ارتداء الحجاب.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية راعية الديمقراطية والمبشرة بها في العالم تتعرض موظفة مسلمة في أحد البنوك للفصل من عملها بسبب ارتدائها للحجاب!.
وإذا تركنا الغرب جانباً وتحولنا إلى بعض دول الإسلام تثار أزمة سياسية في تركيا لأن رئيس الدولة يدعو بعض أعضاء البرلمان لحضور احتفال رسمي ويتجاهل آخرين لأن زوجاتهم يرتدين الحجاب. وتحرم النساء من التعليم والعمل لارتدائهن الحجاب!.
وفي مصر خمس مذيعات يرفعن قضية ضد وزير الإعلام المصري لأنه أصدر قراراً بمنعهن من الظهور على شاشات التلفاز مرتديات للحجاب الإسلامي، وقبلهن إحدى مضيفات الطيران تُمنع من الصعود إلى الطائرة لأنها ارتدت الحجاب.(69/102)
وفي تونس تتعرض النساء المحجبات إلى الحرمان من العمل والدراسة، بل يتعدى ذلك إلى تطاول رجال الأمن عليهن بالسب والإهانة والتعنيف وإجبارهن على التوقيع على تعهدات بعدم ارتداء الحجاب مستقبلاً.
هذه الأمثلة وغيرها كثير وكثير في أماكن متفرقة من العالم.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هو:
أين دعاة حقوق الإنسان والمطالبون بأن تنال المرأة حقوقها؟!.
أليس من حقوق المرأة حق الحرية؟!
أليس من الحرية أن تعتقد المرأة ما تشاء - كما يدعون - وتفعل ما تشاء؟ أليس الداعون إلى حرية المرأة يزعمون أنهم يطالبون بحرية المرأة من تسلط الآخرين عليها؟!
فلماذا يتسلطون هم عليها ويجبرونها على نزع حجابها الذي ارتدته بحريتها وكامل إرادتها عن اقتناع وعقيدة ؟!
لماذا يسمحون للمرأة بالتعري ويمنعونها من الاحتشام؟!
أليس ذلك مصادرة لحريتها؟ وحجراً على عقلها وإرادتها؟!
أم أن المقصود بحرية المرأة - عند هؤلاء الدعاة- هو حرية التعري واتخاذ الخلان؟!
أم أنهم يستعبدونها بدعوى تحريرها؛ فتكون عندهم كالأًمَة مسلوبة الإرادة تلبس ما يقترحونه وتفعل ما يأمرون وتباع وتشترى في سوق النخاسة الإعلامية ما بين الإعلانات التجارية و الفيديو كليب؟!
أسئلة تنتظر الإجابة عنها من دعاة تحرير المرأة....
فهل من مجيب...؟
ـــــــــــــــــــ
اليوم العالمي للأسرة..رؤية إسلامية مقارنة
د. ليلى بيومي 13/3/1424
14/05/2003
يحتفل العالم كل عام بيوم 15 مايو كيوم عالمي للأسرة ، وهذا شيء معروف . والاهتمام بالأسرة والتنشئة الأسرية له معان عظيمة ، وأهمية بالغة في الاتزان النفسي والأخلاقي والاجتماعي للإنسان .
لكننا سوف نتبنى مفهومًا محددًا خلال هذه السطور، وهو أن الدول الغربية – ومعها الأمم المتحدة كمنفذ لرغباتها – لم ترد بهذه الأعياد الاهتمام بالأسرة وإعلاء قيمتها ، وإنما أرادت من ناحية التكفير عن الذنب في تحطيم الأسرة الغربية ، ومن ناحية أخرى لاتخاذ هذه الأعياد وسيلة لترويج تشوهاتهم، وإفساد النماذج الأسرية الأخرى في المجتمعات غير الغربية حسداً وغيرة .
ولقد دفع المجتمع الغربي ثمن الحرية التي استخلصها من براثن الكنيسة والعصور الوسطي والرق والإقطاع وحياة الذل والمهانة التي عانى منها لمئات السنين .
صحيح أن المجتمع الغربي حصل على هذه الحرية بما قدمه من دماء وتضحيات وثورات سياسية واجتماعية وعلمية؛ إلا أن الإنسان الغربي كان ضيق الأفق ولم يفكر في أبعد من استخدام هذه الحرية ليروي غرائزه ، وحينما تمتع الإنسان الغربي(69/103)
بالحرية الجنسية التامة أحجم عن الزواج، ومن ثم انهارت الأسرة، ولم يعد الزواج يتم إلا في إطار ضيق جدًا.
وبرزت – أيضا- نماذج مشوهة من العلاقات، فالقانون هناك يحمي علاقات الشذوذ بين امرأتين تعيشان معًا، وهناك رجلان يعيشان معًا، وهناك رجل وامرأة والرجل يعيش معه صديقه والمرأة تعيش مع صديقتها ..إلخ، هذه التشوهات التي يحاول أن يفرضها علينا الغرب.
إن الغرب رغم ما به من علل وأمراض أسرية واجتماعية؛ فإنه يحاول عبر مختلف الوسائل (بما فيها الأمم المتحدة ومؤتمراتها عن المرأة والسكان والتنمية الاجتماعية والطفولة.. إلخ) فرض نموذجه القيمي والاجتماعي على العالم، والحقيقة أن الدافع وراء رغبة الغرب في تعميم النموذج الغربي ليس هو الاقتناع فقط بأن هذا النموذج هو الأفضل أو الأصح، وإنما الثقة التي بلغت درجة الغرور، والنظرة إلى باقي الثقافات نظرة دونية لا يتسع معها صدر الطرف الغربي للدخول في أية حوارات أو مجرد القبول بتعدد الثقافات والحضارات، وهذا هو سبب المشكلة، وإلا فإن الطبيعي إذا انطلقنا من فكرة تعدد الثقافات والحضارات وضرورة احترام هذا التعدد ومراعاة خصوصية كل ثقافة فإن النتيجة ستكون مختلفة؛ إذ سيترتب على ذلك من ناحية القبول بأفكار الآخر واحترامها دون الاقتناع بها ضرورة، ومن ناحية أخرى محاولة التوصل إلى المساحة المشتركة بين الثقافات المختلفة للتعاون في هذه المساحة المشتركة.
المرأة عقدة حقيقية في الغرب
ومشكلة المرأة في المجتمع الغربي عقدة حقيقة في الثقافة الأوروبية القديمة, ثم حملتها النصرانية معها عندما تنصرت الشعوب المتوحشة المتخلفة؛ فقد كانت هذه الشعوب - قبل تنصرها - تشرب الخمر, وتتزوج زوجة واحدة يمتلكها الرجل مدى الحياة ويخونها, ويزني بمن صادف من النساء... ، ثقافة يتوارثها الآباء عن الأجداد, في البيوت والمكاتب والمدارس والكتب...، وغيرها.
إن المرأة في النصرانية ما هي إلا جزء من ممتلكات الرجل، والمسلمون منذ 14 قرنًا أعطوا للمرأة العدل المبكر جداً.
لقد كتب أحد الكتاب الأمريكان, يقول: "إن تعاملنا مع مسألة المرأة هذه الأيام, يدمر مجتمعنا"، المرأة التي تصبح وتمشي على ثقافة الحركة النسوية المتطرفة, والتي تطالب بأن يخاطب الله - عز وجل - بضمير المؤنث أيضًا (عز وجل عما يفترون) لأنهم إن وصفوا الله بضمير التذكير؛ ففي هذا امتهان للمرأة ؛ بل لا بد من الإشارة بالضميرين بالتساوي. وجعل كلمة "هي" و"هو" في كل مكان سواء.
وأيضاً يقول :"والأسر والأطفال الذين يسمعون عن هذه الحروب الثقافية, كيف يمكن أن تصنع لهم هذه الثقافة أسرة سعيدة ؟ بل وكيف يشعر الأطفال والآباء أن بينهم مودة ومحبة ؟ إن الأصوات الصاخبة بحقوق المرأة لم تعد عليها إلا بالتدمير والكراهية والطلاق والمضايقة والامتهان والسخرية في مواقع العمل والشوارع. إن العلاقة بين الزوجين ليست علاقة "قانونية" مجردة ؛ إنها حب ووئام وألفة وإنصاف ومشاركة، وكم كانت الحياة سعيدة هادئة, قبل الحركة النسوية؟! "(69/104)
إن النقمة العارمة من التاريخ النصراني والعرف الوثني الغربي - الذي يحقر المرأة، ويجعلها من سقط متاع الرجل؛ هي من أسباب سن القوانين المناصرة للمرأة, والتي تفضلها على الرجل, ولكن.. ماذا جاءت به هذه القوانين؟ بالمزيد من الكراهية والاستهتار. فالأمريكي العنيف, لم يزل يفكر بالفتوة, والرجولة, والقوة, والغلبة على المرأة والهندي والملون.
عمل المرأة سبب تفكك الأسرة عندهم
تقارير غربية كثيرة تؤكد أن المرأة العاملة لديهم تعاني العديد من المشكلات، وكذلك مَنْ حولها من زوج وأولاد؛ بل والمجتمع بأسره.
ولعلَّ ما يُثار كثيرًا في الآونة الأخيرة عن مشكلات التحرش الجنسي -التي تتعرَّض لها المرأة في أماكن العمل- يلقي الضوء على جانب من معاناة المرأة الغربية العاملة!
العجيب أنَّ الطفولة البريئة قالت كلمتها بدورها في هذا الشأن! فقد صدر مؤخرًا تقرير (نشرته مجلة "The Women" الأمريكية) بعنوان: "لماذا تعملين يا أمي؟!" كان التقرير محاولة للإجابة عن السؤال الذي يهتف به الطفل كل صباح وهو يرمق أمه من النافذة حتى تغيب عن ناظريه، وهي تمضي إلى عملها، تاركة إياه للمربية أو الخادمة!
جاء في التقرير أنَّ معظم الأطفال يعانون عقدة ذنب ليس لهم فيها يد، مفادها شعورهم بأنَّ أمهاتهم يتركنهم عقابًا لهم على شيء اقترفوه.. لا يدرون ما هو؟!
ناهيك بما تؤدي إليه هذه العُقَد المركبة من شروخ نفسية يصعب التئامها مستقبلاً، فيزداد الخرق على الراقع، حين تُثار قضية "الحصول على جيل من الأسوياء".
إنَّ نوعًا من المافيا الاجتماعية الغربية وكثيرًا من حملة الأقلام الصحفية المؤثرة لديهم يسهمون إسهامًا فعَّالاً في تفاقم المشكلة. وما لم تُقاوم هذه التأثيرات السلبية بتأثيرات مضادة من عقلائهم ومريدي الإصلاح الحقيقي لديهم، فسوف يظل نساؤهم وأطفالهم يعانون، ويتهددهم التفكك الأسري المُفضي إلى الانهيار الاجتماعي.
إن الغرب اليوم يتعرض للتفكك الأسرى وانهيار منظومة القيم، وهذا ما يفسر رغبتهم في تفكيك الأسرة الإسلامية في العالم الإسلامي من خلال محاولة إثارة مثل هذه الشبهات التي تدور حول الميراث والشهادة والعنف ضد المرأة.
مهمتنا الأولي هي الدفاع عن المرأة والأسرة المسلمة، وصد هجمات المستشرقين، وإبراز صورة الإسلام الطيبة التي شوهها الغرب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتوضيح كيف أن الإسلام كرّم المرأة المسلمة، وتوضيح المفاهيم الإسلامية، وبيان أحكام الإسلام بصورة تفهمها الشعوب الغربية.
مقارنة بين النموذج الغربي ونظيره الإسلامي
الأسرة هي البنيان الاجتماعي الأساسي في المجتمع. وعلى امتداد تاريخ البشر وباختلاف عقائدهم الدينية وألسنتهم وثقافتهم كانت الأسرة هي القاسم المشترك بين كل البشر على اختلافهم، فالزواج والأسرة هو الإطار الذي شرعه الله ليستمر النوع البشري، وتتم به خلافة الله في الأرض، وآدم وحواء زوجان منذ اللحظة الأولي، والقرآن الكريم يحدد ذلك بوضوح لا لبس فيه، يقول الله تعالى في كتابه العزيز(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا(69/105)
رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءَ، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1].
والنبي - صلي الله عليه وسلم- يحث على الزواج ويرغب فيه " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" ( رواه البخاري ومسلم). وكذلك فقد حبب النبي - صلي الله عليه وسلم- في الحياة الزوجية بقوله :" من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الآخر ".
وإذا كان الزواج في الإسلام هو "عقد يفيد جل العشرة بين الرجل والمرأة بما يحقق ما يتقاضاه الطبع الإنساني وتعاونهما مدى الحياة، ويحد ما لكليهما من حقوق وما عليه من واجبات"، فإن الأسرة في الإسلام تبعًا لهذا المفهوم هي الوحدة الاجتماعية الأساسية في المجتمع الإسلامي التي تتأسس بها ومن خلالها تقوم علاقات على قيم بر الوالدين وصلة الرحم.
وهذا التراجع لقيمة الأسرة في الثقافة الغربية يعود في الجزء الغالب منه إلى السعار الجنسي الذي أصاب مجتمعات الغرب، وهذا الصدى المبالغ فيه والشذوذ في العلاقات الجنسية الذي تعدى مسألة إقامة علاقات جنسية مثلية بين أبناء الجنس الواحد؛ بل وحتى الاستخدام غير الإنساني أو الأخلاقي للأطفال في علاقات جنسية غير سوية، ليصل إلى معاشرة الحيوانات، وإقحام الغريزة الجنسية في كل أشكال الفنون والإعلام.
حركة تحرير المرأة وجنايتها على المجتمع الغربي
وبالإضافة إلى هذا الهوس والشذوذ الجنسي، فإن حركة تحرير المرأة، التي نشأت في الستينات بالأساس بهدف الحصول على ضمانات قانونية للمرأة في مجال ظروف العمل والحقوق السياسية، تحت شعار تحرير المرأة من سلطة الرجل؛ تحولت إلى استخدام مفهوم جديد من "الأنثوية" أو "النسوية" أو "النسوانية"Feminism، وبدأت بعض الحركات النسائية في الغرب باستخدام هذا المفهوم للترويج لأفضلية المرأة، واستبعاد ما اعتبره هذا الاتجاه "السلطة الأبوية المرفوضة"، باعتبار أن المجتمعات الإنسانية كانت في البداية أمومية ثم استولى عليها الرجال. بل إن الحركة النسوية تعلن في مرحلة تالية إمكانية استغنائها تمامًا عن الرجال حتى في العلاقات الجنسية، واعتبار نفسها الإطار النظري لممارسة السحاق بين المثليات من النساء.
والهدف الأساسي للحركة النسوية هو التخلص من عبء الأسرة بادعاء أن النظام الأسري ضد طبائع البشر، بل إن الغرب في سعيه لاستخدام هذه الورقة للضغط على الحكومات الأخرى اعتبرها ضمن قضايا حقوق الإنسان، داعيًا إلى رفع ما يسمى بالقيود والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزًا ضد المرأة، بغض النظر عن القيم والمبادئ السائدة في المجتمعات الأخرى غير المجتمعات الغربية، وهي القيم والمبادئ التي لا تسمح بالشذوذ والسلوك الاجتماعي المنافي للطبيعة.
أما الأخطر من كل ذلك فهو أن المنظمات الدولية بدأت في تبني هذه المفاهيم والمبادئ النسوانية، وصياغتها في وثائق رسمية تضفي عليها هذه المنظمات الصفة القانونية والشرعية؛ لتحاول بعد ذلك أن تصنع منها قضية دولية.(69/106)
بل إن الحركة النسوانية- في سعيها لإعادة تحديد المفاهيم المرتبطة بدور الرجل والمرأة داخلها- طالبت بمخاطبة الله -عز وجل- بضمير (هي) ، أو في أكثر مداخلات رواد هذه الحركة اعتدالاً فإنها تدعو المؤمنين إلي مخاطبة ربهم بضميري التأنيث والتذكير على حد سواء وبقدر متساوٍ، ويعتبرون أن مخاطبة الخالق بضمير المذكر فقط إهانة للنساء وتحقير من شأنهن. وتبع ذلك أن المبشرات بمبادئ هذه الحركة من بني جلدتنا في المجتمعات العربية والإسلامية يطالبن بإعادة تفسير القرآن الكريم والسنة المشرفة من منظور أنثوي جديد، ويعتبرن أن الأصول التي يعود إليها المسلمون في كافة بقاع الأرض ومنذ أربعة عشر قرنًا للإجابة على تساؤلاتهم المتصلة بالعقيدة أو المعاملات الشرعية، بما فيها ما يتصل بالأحوال الشخصية والعلاقة داخل الأسرة، قد تم وضعها من وجهة نظر ذكورية وأن القرآن الكريم -كتاب المسلمين الأعظم- تمت قراءته في السابق بلسان وفهم الرجال وحدهم !
وبلغت الحركة النسوانية في مداها أن بدت وكأنها تنتقم من الكنيسة نفسها، والتي فرضت على المرأة الغربية بصفة خاصة في الماضي قيودًا مبالغ فيها في معظمها، وألغت تقريباً كل اعتبار لشخصيتها وجعلت منها باستمرار تابعًا للرجل المسيحي الغربي، سواء أكان هذا الرجل أباها أم زوجها. ولا يفوت أحد أن المرأة في الغرب حتى الآن عندما تتزوج تفقد اسم عائلتها فورًا لحساب عائلة زوجها، ويمكن في هذا الإطار أن نسوق الأمثلة بلا نهاية.
كارثة الزواج المدني
وما سبق يضاف إلى الفصام الذي لم يكن هناك مفر منه بين الزواج الديني الذي لا يزال سائدًا بين المسيحيين المحافظين في الغرب، وبين الزواج المدني الذي يتم خارج الكنيسة، ولا تعترف الأخيرة بالعلاقة الناشئة عنه أو حتى شرعية أبنائه كنسيا.
ولم تتوقف المعايير داخل الأسرة الغربية عن التغير والتبدل المستمرين، بل إن فكرة الأسرة نفسها- كمؤسسة اجتماعية يقوم عليها المجتمع السوي- قد أخذت في التراجع وفي الاتجاه نحو الانقراض في كثير من المجتمعات الغربية، وباتت وكأنها تنتمي للتاريخ ، ففرنسا -علي سبيل المثال- التي كانت تعتبر في فترات سابقة من المجتمعات التي تعلي من قيمة الترابط الأسري مقارنة بالولايات المتحدة ودول شمال أوربا؛ أصبحت الآن تحسب ضمن الدول الأوروبية التي أصبحت عادة الزواج فيها أمرًا نادرًا، بل وتفوقت في ذلك على فنلندة والنرويج والسويد، فحالات الولادة دون زواج بها في ازدياد مستمر، حيث بلغت 40% من مجمل المواليد في عام 1997م مقارنة بـ 20% في عام 1985م، هذا حسب التقرير السنوي للمعهد القومي للدراسات الديموغرافية في باريس.
فقد أكد المعهد في ذلك التقرير أن الزواج أصبح عادة روتينية أقلع عنها كثيرون، ولاحظ أن أعداد المطلقين قد بدأت في تزايد بمعدلات كبيرة منذ العام 1995، حيث يوجد زوجان مطلقان من بين كل 10 أزواج، وأن أعداد الزوجات من ربات البيوت قد انخفضت من 3 ملايين إلى 2.4 مليون بين العامي 90 – 1999. وأوضح التقرير انتشار ظاهرة خطيرة وهي المعاشرة دون زواج شرعي، حيث وجد أن 30% من جملة البالغين في سنوات التسعينيات يعاشرون بعضهم معاشرة زوجية(69/107)
دون عقد قران، وأن من بين 29.6 مليون شخص نجد 24.8 مليونًا منهم متزوجين شرعًا، و4.8 ليسوا كذلك. كما وجد أن النساء حتى سن 26 سنة والرجال حتى سن 28 سنة يقيمون علاقات معاشرة دون زواج شرعي. لهذا، وحسب التقرير السنوي للمعهد؛ فإن الأشخاص البالغين المعاصرين يعتبرون أن المعاشرة دون زواج شرعي حق هي الظاهرة الأكثر استمرارية، حيث يوجد بين كل ستة أسر زوجان يعاشران بعضهما معاشرة غير شرعية، كما لاحظ التقرير النقصان الشديد في حالات الزواج الشرعي عندما وجدها لا تتعدى الـ 280.000 حالة في العام الحالي مقارنة بـ 417.000 حالة زواج في عام 1972. هذا بالإضافة إلى ارتفاع ظاهرة العنوسة، حيث وجد أن 3 من بين كل 6 نساء من مواليد عام 1965، لم يتزوجن بعد.. ، وأدت ظاهرة المعاشرة دون زواج شرعي إلى زيادة أعداد الأطفال الذين يولدون ولا يعرف لهم آباء إلى ما يقارب 300.000 طفل، أي أنه من بين كل 4 أطفال يولد 3 أطفال دون زواج شرعي، كما أوضح التقرير أن ربع حالات الزواج تنتهي بالطلاق، وهذه الظاهرة أدت بدورها إلى وجود أعداد كبيرة من العائلات التي يعولها أحد الوالدين، وأن 10% من أطفال فرنسا يعيشون مع جدهم أو جدتهم. و ذكر التقرير أن الرجال يتزوجون سريعًا بعد الطلاق، وأن الزيجات الثانية للمطلقين والأرامل قد تضاعفت منذ العام 1970 وحتى الآن. و في المجمل وجد أنه من بين 7.8 مليون حالة زواج توجد 660.000 أسرة فقط متكاملة وتعيش عيشة مستقرة، مما يؤكد انتشار ظاهرة المعاشرة دون زواج شرعي، بل وتضاعفها في عام 1999م، الشيء الذي يثير قلق المعهد.
ـــــــــــــــــــ
(بكين+10) .. وماذا بعد؟
عز الدين فرحات 5/2/1426
15/03/2005
صارت قضايا المرأة هي أبرز مجالات الاهتمام الدولي خلال العقود الثلاثة الأخيرة منذ عقد المؤتمر العالمي الأول للمرأة عام 1975م في مكسيكوسيتي تحت عنوان: "رفع التمييز ضد المرأة" وحتى المؤتمر الأخير المنعقد في نيويورك في فبراير 2005م، ولعل من المهم التعرف على الفلسفة التي تنطلق منها هذه المؤتمرات والوثائق للوقوف على مدى ما يُراد بالمرأة عموماً والمرأة المسلمة خصوصاً، وهذه الفلسفة تقوم على: فرض مبادئ وقيم تعمل على مسخ ثقافات الشعوب الأخرى وحضاراتها وتهميشها باسم العالمية واستبدالها بالنمط الغربي، وذلك تحت مظلة الأمم المتحدة وحراسة القوى المهيمنة في العالم (الولايات المتحدة الأمريكية) بما تملك من قدرات اقتصادية و خبرات إعلامية و سلطان سياسي.
مؤتمرات الأمم المتحدة ووثائقه
1. اتفاقية التمييز ضد المرأة والبروتوكول الاختياري 1979
2. اتفاقية حقوق الطفل 1990
3. وثيقة القاهرة للسكان 1994
4. مؤتمر بكين 1995(69/108)
5. وثيقة القاهرة للسكان +5 1999
6. وثيقة بكين +5 2000
7. جلسة خاصة للجمعية العمومية للأمم المتحدة لمتابعة قمة الطفل2001
8. مؤتمر بكين +10 والمنعقد في نيويورك فبراير2005
ملاحظات على مؤتمرات الأمم المتحدة ووثائقها
1- تنطلق هذه المؤتمرات في تشخيصها لأمراض المجتمعات في العالم من أمراض المجتمع الغربي ثم تعممها على بقية المجتمعات دون النظر إلى الثقافات والعادات والديانات.
2- تقدم منظور الحقّ وتغفل منظور الواجب بمعنى أنها: (لا تعادل بين الحقوق والواجبات).
3- تكرس مفهوم المساواة المطلقة بمعنى التماثل التام بين الرجال والنساء، وتغفل الفروق والاختلافات البيولوجية والنفسية بين الجنسين، وما يترتب على ذلك من تفاوت في الحقوق والواجبات.
4- تتجاهل الدين ودوره في قيادة الأمم والحفاظ على القيم.
5- تتجاهل دور الأسرة، حيث تشخص الوثائق مشكلات المرأة بشكل خاطئ، وتفرض منطق المجتمع الاستهلاكي الذي يستهدف تفكيك الروابط بحيث يتحول كل فرد في المجتمع إلى وحدة مستهلكة في ظل غياب الكيان الأسري.
6- تبدي احترامًا شديدًا للشذوذ الجنسي - وحق الشواذ في تكوين أسر بينهم - وتتكلم عنه باعتباره مجرد (توجه) جنسي.
7- لا تُجرّم الإجهاض بل تعمل على توفير سبله، وتنادي بما تسميه الإجهاض الآمن.
8- تركز على المرأة الأنثى الشابة العاملة (خارج المنزل) وليس المرأة الأم والأخت والعاملة في المنزل.
9- تنادي بتقليص دور الدولة القومية.
دور المؤسسات الإسلامية
لعل من المؤسف ضعف دور المؤسسات الرسمية الإسلامية في مناقشة هذه المؤتمرات ووثائقها والرد عليها من منظور الدين أو العقل والفطرة، وهذا لا ينفي وجود اعتراضات ومناقشات لعدد من العلماء والمفكرين، ولكنها آراء شخصية لا تعبّر عن جهات رسمية، وكذلك بعض المنظمات الإسلامية – غير الحكومية- قامت بمحاولات للاعتراض على هذه الوثائق وإبداء ملاحظات عليها وذلك بالمشاركة الإيجابية في فعاليات هذه المؤتمرات ومناقشة بنودها وإبداء الرأي فيها، ومن ذلك البيان الذي صدر عن ائتلاف المنظمات الإسلامية حيث جاء عدد من الملاحظات منها ضرورة أن تلتزم تفسيرات الوثيقة وتطبيقاتها بالمبادئ التالية:
• احترام التعددية الدينية والثقافية والهوية الخاصة بالشعوب؛ لأن المشكلات تختلف تبعاً للثقافات والمجتمعات، والحلول تختلف تبعاً لها.
• المساواة في إطار مفهوم العدالة والإنصاف؛ لأن المساواة المطلقة تفترض المماثلة الكاملة وتؤدي إلى النديّة والصراع، وقد تتحقق في الأمور المادية دون الاجتماعية.(69/109)
• وضع حلول جذرية تتعامل مع المشكلات برؤية متكاملة، تأخذ في الاعتبار الحيلولة دون قيام المشكلة وعدم الاقتصار على علاج آثارها، مثال لذلك: الأمراض الجنسية كالإيدز وغيره، وحمل المراهقات.. التي يعالجها الإسلام بترسيخ "ثقافة العفّة"، والابتعاد عن الممارسة خارج إطار الزواج.
• النظر إلى كل من المرأة والرجل في سياقهما الاجتماعي بما يحافظ على مصالح الأسرة والمجتمع، وعدم الاستغراق في الفردية.
العلماء والمفكرون يحذرون
تصدَّى د. عبد العظيم المطعني -الأستاذ بجامعة الأزهر- لما ورد في وثيقة بكين من بنود مخالفة للفطرة الإنسانية فضلاً عن مخالفتها للشرائع السماوية وعلى رأسها الإسلام، جاء ذلك من وجهة نظر وضعية خالصة، ونقدها نقدًا موضوعيًا واقعيًا دون أو يواجهها بمبادئ الإسلام وتشريعاته في مجالي المرأة والطفل، اللذين أقحمت منظمة الأمم المتحدة نفسها فيهما، وهي لا تملك سلطانًا تستند إليه في طرح رؤاها وبنودها التي ادَّعت أنها من أجل إنصاف المرأة والطفل، وأنها رعاية لحقوق الإنسان التي أهدرتها المجتمعات المعاصرة.
وحذَّر د. المطعني من فرض بنود الوثيقة على النظم والحكومات والشعوب التابعة لها، وناشد الإنسانية أن ترفض بقوة هذه الوثيقة؛ لأن بنودها تمثل اختراقات حمراء دامية لكل ما ورثته وتعارفت عليه المجتمعات الإنسانية منذ نشأتها وتطورها، ثمَّ اتخذت منه نظامًا عامًا تسير عليه الحياة، فجاءت بنود هذه الاتفاقية الشاذة مدعيةً العداوة بين الرجال والنساء، وادَّعت أنَّ نظام الأسرة انحراف خطير ترتب عليه ظلم المرأة واحتقارها وامتهانها، وأباحت الشذوذ الجنسي بكل صوره المعروفة وغير المعروفة، وشنَّت حربًا لا هوادةَ فيها ضد العفّة والطهارة الخلْقية والخلُقية، وجعلت الدعارة القذرة سلوكًا مألوفًا وحقًا من حقوق الإنسان طفلاً وطفلةً شابًا وشابةً رجلاً وامرأةً، واعتبرت تجريمها انتهاكًا لحقوق الإنسان، وجعلتْ الممارسةَ الجنسية بين المثلين رجلين أو امرأتين حقًا محميًّا بقوة القانون من حقوق الإنسان- أكبر وأشنع وأقبح انتكاسة في نظام الحياة البشرية لم يسبق لها شبيه أو مثيل في تاريخ الإنسانية.
وناشد الدكتور المطعني الإنسانية أن ترفض بقوة بنود وثيقة الأمم المتحدة، وإلا فإنَّ الله لها بالمرصاد.
- أما الدكتور محمد عمارة الكاتب والمفكر الإسلامي فقد حذر من هذه المؤتمرات وشبّهها بالمد السرطاني الغربي، واصفًا إياها بالوباء الذي يتربص بالمجتمعات الإسلامية.
وقال د. عمارة إن هذا الوباء تجلّى في الوثائق الدولية التي تسعى الأمم المتحدة والولايات المتحدة لفرضها على مجتمعاتنا مثل وثيقة السكان ووثيقة بكين + 5 وبكين + 10، والتي يتم الإعداد لها الآن، ومن المعروف أنَّ هذه الوثائق تحتوي على عشرات النصوص التي تخالف قيم الإسلام وقيم المجتمعات، ومنها إباحة الحرية الجنسية تحت مُسمَّى الجنس الآمن- بدلاً من الجنس الشرعي- وكذلك تقنين وإباحة الشذوذ والمعاشرة غير الشرعية وإباحة الجنس للمراهقين والمراهقات مع إباحة الإجهاض للنساء والفتيات.(69/110)
وأكد أنَّ هناك مؤسسات دولية ومنظمات نسائية تعمل حتى الآن تحت مُسمَّى تحرير المرأة، ومنها على سبيل المثال منظمة (تقطيع أوصال الرجال)، والتي تسعى لنشر مفهوم نساء بلا رجال، وكذلك حذَّر من خطورة هذه المفاهيم، والتي تسعى لإعادة هيكلة الأسرة من وجهة نظر غربية لا تتفق مع القيم الإسلامية فبدلاً من أن تصبح الأسرة رجلاً وامرأةً يربطهم رباط شرعي لا مانع من وجهة نظرهم أن تصبح الأسرةُ رجلين أو امرأتين أو رجل وامرأة وأطفال من السفاح لا يربطهم أي رباط!!
ـــــــــــــــــــ
خير أمة 1/2
عز الدين فرحات 6/7/1424
03/09/2003
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ )[آل عمران: 110]
يقول العلماء في تفسير هذه الآية :"هذه الأمة لها شبه بالأنبياء من حيث أنها مهتدية في نفسها هادية لغيرها، وإن صفة الخيرية ثبتت لهذه الأمة بهذه الخاصية وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن فقدت هذه الخاصية سلبت ثوب عزها وعظمتها ومجدها، ولم يبق فرق بينها وبين غيرها من أمم العالم". ويقول تعالي : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف:108] " فمن اتبع الرسول فهو مكلف بالدعوة إلي الله تعالي إلى يوم القيامة ".
- يقول ابن تيميه في قوله تعالي :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ )[المائدة: 105] : "إن تمام الاهتداء لا يكون إلا بأداء الواجبات ومن أهمها واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
-ويقول سيد قطب في كتابه "هذا الدين" : "ونحن ملزمون بالعمل لهذا الدين لنحقق لأنفسنا صفة الإسلام، حيث إن لا إله إلا الله تتضمن معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتحقيقها في واقع حياة البشر"
* وهنا يأتي سؤال:
لماذا اختص الله تعالي هذه الأمة بخاصية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
ذلك أن الرسول محمد -صلي الله عليه وسلم- أرسل إلي الناس أجمعين: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [سبأ:28]، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107].
فهذه الدعوة عالمية، ولا بد أن تبلغ لكل الناس، وقد قبض النبي -صلي الله عليه وسلم- قبل أن يشرق نور الإسلام على كثير من بقاع الأرض؛ فكان لزاماً على أتباع محمد -صلي الله عليه وسلم- أن يكملوا رسالته، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء والرسل، فلا نبي بعده، فكان لزاما أن تحمل أمته عبء دعوته ورسالته وتبليغها إلى العالمين إلي يوم الدين .. (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71](69/111)
والتكليف بالقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الآية وغيرها من الآيات يشمل الرجال والنساء فهما يشتركان في هذا التكليف كما في غيره و سواء كان ذلك بالقول أو الكتابة أو حتى الاعتراض على الحكام ونقد أخطائهم وتفنيدها،كما ورد في قصة المرأة التي اعترضت على قرار عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتحديد مهور النساء وناقشته بالحجة والدليل مما جعله يتراجع عن قراره ولم يمنعه منصبه من الاعتراف بالخطأ ويقول قولته الشهيرة أصابت امرأة وأخطأ عمر.
1- حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
كلمة المعروف تطلق علي الفضائل الخلقية التي تعيَّن حسنها عند كل واحد، وكلمة المنكر تطلق علي الرذائل الخلقية التي يستنكرها العقل العام، ومعنى المعروف والمنكر في القرآن الكريم أو سع من ذلك بكثير؛ فهو يشمل كل الجهود التي تبذل لبعث الدين وإقامته وتقويم أوده، والمعروف يشمل كل ما أمر الرسول بأخذه، والمنكر يشتمل كل ما نهى الرسول عنه.
قال الرازي: رأس المعروف الإيمان بالله، ورأس المنكر الكفر بالله .
وقال الألوسي: المعروف الطاعات، والمنكر المعاصي التي ينكرها الشرع.
وقال الحدادي: المعروف هو السنة، والمنكر هو البدعة.
وخلاصة ذلك أن الشريعة الإلهية هي المعروف، والحكم المعارض لها هو المنكر .
2 - أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إن فساد الحياة البشرية الآن أمر لا يخفى على صاحب بصيرة، ولا يشك عاقل أن البشرية إذا بقيت على هذا الطريق الذي تسلكه؛ فإنها قطعاً سائرة إلي الدمار والهلاك، والمتبصر في حال البشرية اليوم يدرك قول ابن مسعود -رضي الله عنه- : "يذهب الصالحون إسلاماً، ويبقي أهل الريب من لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً ".
لقد أسنت الحياة وتعفنت وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيد الناس، ولقد استشرى الفساد في كل ناحية من نواحي الحياة، وتخلل الانحلال كل خلية من خلايا الحياة البشرية، واستعملت كافة الأسلحة لحرب الإسلام والمسلمين ومن مظاهر ذلك الفساد:
أ- في الحياة الاجتماعية: أقحمت المرأة كسلاح في المعركة ضد الإسلام تحت شعارات مزيفة من تحرير المرأة والدفاع عن حقوقها، وما مؤتمرات الأمم المتحدة التي عقدت في القاهرة وبكين، وما تبعها من قرارات ملزمة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلا خطوات جادة وحثيثة من أجل إفساد المجتمعات وخاصة المسلمة، فنتج عنها تفسخ في الأخلاق وانتشار للمخدرات والأمراض الاجتماعية والبدنية التي لم تكن معروفة من قبل.
ب- من الناحية الاقتصادية:
استولي اليهود علي اقتصاد العالم بشركاتهم العابرة للقارات وسلعهم التي تغزو الأسواق، وتحكموا بمصارفهم الربوية بأموال الناس حتى امتصت دماءهم وأموالهم بأسماء متعددة.
ج – في مناهج التربية والتعليم :(69/112)
وضعت مناهج قاتلة للفضائل الإنسانية في النفس، وكلها تلتقي على محاربة الأديان السماوية، وتعمل على تمييع الإنسان، وإقامة حاجز سميك بينه وبين ربه، وازدادت الهجمة شراسة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالتركيز على المناهج الإسلامية والمطالبة بتغييرها، خاصة في كل من مصر والسعودية واليمن وباكستان وغيرها.
د – في الناحية الثقافية: تشجيع العامية لتزاحم وتحارب الفصحى لغة القرآن، وكذا تشويه التاريخ الإسلامي، وبث الشبهات حول القادة المسلمين، ونشر ثقافة الجنس وإذكاء الشهوات عن طريق القنوات الفضائية والإنترنت.
كل هذا وغيره من مظاهر الفساد التي عمت البلاد؛ فأضلت العباد ولم تنج منه بقعه من الأرض، مما يجعل المجتمعات عامة والإسلامية بخاصة في أمس الحاجة إلي من يقوم بمهمة الأنبياء والرسل، فيأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويوضح لهم طريق الخير ويرشدهم إليه ويرغبهم فيه، ويبين لهم طريق الشر ويزجرهم عنه، ومن ذلك يتضح أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة شرعية وضرورة بشرية اجتماعية.
3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علامة فارقة بين الإيمان والنفاق
قال تعالي عن المنافقين : (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة:67].
ويقول عن المؤمنين :(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71] .. فمع أي الفريقين نكون؟
4-خطورة ترك هذا الواجب
ماذا لو تقاعس المسلمون عن القيام بهذا الواجب؟ إن هذا الواجب فريضة علي المسلمين لابد من القيام به. وإن لم يفعلوا ذلك لعمهم العذاب في الدنيا والآخرة وأما العذاب في الدنيا فمن صوره.
ا- العذاب العام : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [لأنفال:25] فالعذاب إذا نزل لن يفرق بين الصالح الطالح طالما ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي الحديث "أن الله أوحي إلى جبريل عليه السلام: أن قلب قرية كذا علي من فيها فقال: يا رب إن فيها عبدك فلان لم يعصك طرفة عين قال: به فابدأ إنه لم يتمعر وجهه مرة من أجلي" أي لم يغضب لله.
ب- استحقاق اللعنة : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78،79].
وكما يوضح الرسول الكريم كان الرجل منهم يلقي أخاه فيأمره وينهاه ثم يأتي الصباح وهو علي حالة فلا يمنعه ذلك من أن يجالسه ويؤاكله ويشاربه فلذلك استحقوا اللعنة.(69/113)
ج- عدم استجابة الدعاء : روي الترمذي عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: أنه قال: لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم" ولعل ذلك أقرب لما نحن فيه الآن.
د- شدة البأس بين المؤمنين: روي الترمذي عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- أنه قال: "لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن علي يد المسيء ولتأطرنه علي الحق أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم علي بعض أو يلعنكم كما لعنهم " وما الحروب التي يعاني منها المسلمون اليوم إلا نتيجة لذلك، يقتل المسلم بيد أخيه المسلم وأصبح بأسنا بيننا شديداً وبأسنا علي عدونا ضعيفاً.
هذه بعض العقوبات في الدنيا أما الآخرة فعقابها أشد وأنكى عند الله يوم القيامة.
5- فضل الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وجزاؤه.
إن الذين يقومون بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أولئك هم ملح الأمة وبهجة الدنيا، ولئن سكت هؤلاء وتقاعسوا عن أداء واجبهم أوشك الله أن يعم الأمة بعقاب فأداء هذا الواجب يمنع أو يؤجل العقاب من الله لعباده .
قال تعالى:(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104)
إن فضل الداعي إلي الله عظيم ومقامة كبير، لقد نجى الله سبحانه وتعالي نوحاً والذين آمنوا معه في السفينة، وأغرق الكافرين جمعياً، ذلك لفضل ومكانه الداعي إلي الله كذلك نجي الله لوطاً وقليلاً من أهل بيته لما آمنوا، وأهلك القرية بمن فيها، وفي قصة أصحاب السبت خير دليل: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) [لأعراف:165].
وليس في الأرض أفضل ممن يقوم بهذه المهمة ولا أكرم عند الله منه " (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33]
شبهات حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرد عليها.
قد تثور بعض الشبهات في النفوس حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يلقيها الشيطان في بعض النفوس، وقد تستجيب له النفوس الضعيفة أو الجاهلة ومن هذه الشبهات ما يلي :
- تفضيل الانقطاع لعبادة الله والابتعاد عن الناس، وذلك لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) [المائدة: من الآية105].
- إن الفساد قد عم وانتشر، ولن يفيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في شيء.
– إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهمة العلماء ورجال الدين، وهو فرض كفاية.
هذه بعض الشبهات التي قد تثار في النفوس المتخاذلة للرد عليها نقول:
أولا: هل يجوز الانقطاع لعبادة والابتعاد عن الناس؟
والإجابة على ذلك بالنفي طبعاً ومن يظن غير ذلك من الناس؛ فإنه لا يدرك طبيعة هذا الدين، ولا يعرف أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الركن الأساس في هذه الأمة، وهو الذي من أجله كانت خير أمة: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) [آل عمران: من الآية110](69/114)
وعما يزعمه البعض في قول الله تعالى: ( عليكم أنفسكم ..)؛ فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه صعد المنبر ذات يوم وقال: أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها...، وتلا الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (المائدة:105) ثم قال :وإني سمعت رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا علي يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب.
ويقول فيها ابن تيميه رحمه الله: إن تمام الاهتداء لا يكون إلا بأداء الواجب، ومن الواجب علي المسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ويروى أن الله أوحى لجبريل أن اقلب قرية كذا علي من فيها قال: يارب إن فيها عبدك فلان لم يعصك طرفة عين . قال تعالي: به فابدأ إنه لم يتمعر وجهه من أجلي، أي لم يتغير وجهه غضباً من أجلي.
-يقول ابن القيم عن الذين يتركون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل الزهد أوالذكر: هؤلاء في نظر العلماء من أقل الناس ديناً؛ فأي دين وأي خير في من يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تضاع ودينه يترك، وسنه رسول الله يرغب عنها، وهو بارد القلب ساكن اللسان؟ إنه شيطان أخرس. وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذ سلمت لهم مآكلهم ورياستهم فلا مبالاة بما يجري علي الدين وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم . قوبلوا في الدنيا بأعظم بليه وهم لا يشعرون وهي موت القلوب فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره لدين الله أكمل .
ثانيا:أن الفساد قد عم وانتشر ولن يفيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرفي شيء .
- شبهة أن الفساد قد عم وانتشر ولن ينفع أمر ولا نهي . فقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم ما يشبه ذلك في قصة أصحاب السبت بقوله تعالي : (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(164)فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (لأعراف:165)
ولعل في تفسير هذه الآية ما يرد على هذه الشبة بل إن بعض المفسرين قالوا إن الله لم يذكر في الجزاء إلا طائفتين فقط العاصين الذين أهلكهم ، والناهيين عن المنكرالذين أنجاهم ، وأما الطائفة الثالثة التي لم تنه ولم تأمر لم تذكر إما احتقارا لشأنهم أو لأن العذاب عمهم مع العاصين والله أعلم بمراده.
– قولهم إن هذه مهمة العلماء ورجال الدين وأن ذلك فرض كفاية ولتكن منكم أمة . فإن هذا القول مردود بقول رسول الله " بلغوا عنى ولو آيه " فمن علم آيه واحدة من كتابه الله فهو مكلف بتبليغها والدعوة إليها وقوله تعالي: ( ولتكن منكم أمة ) . فإن ( من ) في قوله ( منكم ) لا تفيد التبعيض وإنما تفيد عموم الجنس كما قال تعالي ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) فلو كانت ( من )هذه للتبعيض لكان المعنى اجتنبوا بعض الأوثان وتمسكوا ببعضها وقولهم:إنه فرض كفاية.
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نوع من الجهاد والجهاد فرض عين لقوله تعالي ( انفروا خفافاً وتقالاً..) وقوله ( إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ... )(69/115)
7-صفات يجب توافرها فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر :
ا-الإخلاص : والإخلاص روح كل عمل وأي عمل مهما كان عظيما لا قيمة له إلا بالإخلاص فإذا فقد الإخلاص فلا قيمة له وهو مردود علي صاحبه والإخلاص شرط النجاح والتوفيق في أي عمل وإذا شاب العمل شيئ من الرياء فقد حبط العمل ولم يكتب له التوفيق .
ب- أداء العبادات : وعلي رأسها الصلاة لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ) .
ج- الصبر : فمن سنة الله في الكون أن كل من بتصدي لهذه المهمة لابد وأن يتعرض للأذى في نفسه وفي بدنه . فكان لابد لمن يقوم بها أن يتحلى بالصبر ليستطيع تبليغ دعوته وقد أوصي لقمان ابنه بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصبر فقال:(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان:17).
وفي سورة العصر بعد التواصي بالحق وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان التواصي بالصبر( وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) .
د-العفو: ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) في الآية الكريمة يأمر الله بالعفو قبل الأمر بالمعروف وذلك لأهمية حسن الخلق في الدعوة إلي الله والحلم والعفو عن الناس فلابد أن يتحلى الداعي بحسن الخلق فيعفو ويصفح ويتحمل الأذى والنقد .
هـ-استخدام أحسن الأساليب : ( ادع إلي سبيل ربك الحكمة والموعظة الحسنه ) ولابد من تحين الفرص والأحداث والمناسبات للحديث فلكل مقام مقال وقد يحسن السكوت في موضع وقد يذم في موضع آخر وكذلك الكلام قد يحسن في موضع وقد يذم في آخر فعلي من يقوم بهذا الأمر اختيار الوقت المناسب والمكان المناسب .
و-الدعوة إلي الله في كل حين
- يوسف عليه وسلام يقوم بالدعوة وهو في السجن . ( يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله القهار . )
- نوح عليه السلام :(قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً(5)فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً(6)وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً(7)ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً(8)ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً(9)فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً(نوح:10)
8- ضوابط عامة في فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
1- البدء بالأهم فالمهم:إذا كان هذه الفريضة جهاد فيه بذل وتضحية ومشقة فالأولي بالمسلم أن يوجه هذا لجهد إلي إصلاح القضايا الأكثر أهميه ولا يصرف وقته وجهده في علاج الجزئيات والفرعيات البسيطة.
2- البعد عن مواطن الخلاف :يجب علي من يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر أن لا يحمل الناس علي آرائه واجتهاداته في الأمور التي تحتمل الاجتهاد والتي اختلف فيها العلماء والفقهاء وذلك أن الأمور الاجتهادية ليست محلا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا فيما أجمع عليه العلماء .(69/116)
3- عدم التجسس :لا يجوز لمن يقوم بهذا الواجب أن يتجسس أو يقتحم الدور بالظنون أو يتتبع عورات الناس فإن ذلك حرام لقوته تعالي ( ولا تجسسوا).
4- معرفة أحوال الناس : ينبغي لمن يقوم بهذه المهمة أن يكون عالما بأحوال الناس وظروفهم ليخاطبهم بما يناسبهم من أسلوب فما يصلح للعقلاء لا يصلح للسفهاء وصدق القائل( خاطبوا الناس علي قدر عقولهم ) .
5- يتم هذا الواجب قدر الاستطاعة :ولعل حديث الرسول صلي الله عليه وسلم ( من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان وليس بعد ذلك مثقال حبه خردل ) لعل هذا الحديث يوضح الاستطاعة وترتيب الدرجات فيها وليس في الإنكار بالقلب وحده لأنه لا يكلف صاحبه شيئاً ويجب علي صاحب هذه الحالة هجر أهل المنكر وعدم مخالطتهم وإلا حلت اللعنة علي الجميع فقد لعن الذين كفروا من بني إسرائيل لذلك السبب؛فقد كان الواحد منهم يأمر أخاه بالمعروف وينهاه عن المنكر ثم يلقاه في اليوم التالي وهو علي حالة لم ينته عن المنكر فلا يمنعه ذلك أن يجالسه ويؤاكله ويشاربه . فلذلك لعنوا قال تعالى :(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78 )كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة:79).
9- أحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ينبغي لمن يقوم بهذه الفريضة أن يغلب علي ظنه أن المصلحة فيما يقوم به راجحة علي المفسدة وإلا حرم عليه ذلك وهنا أربعة أحوال :
- أن يزول المنكر ويخلفه المعروف.
- أن يقل ولم يزل بجملته .
- أن يخلفه ما هو مثله من منكر .
- أن يزول ويخلفه ما هو شر منه .
وقد اتفق الفقهاء علي مشروعية الأمر في الحالتين الأوليين وحرمة الرابع أما الثالث فهو محل اجتهاد ويقدر حسب المصلحة والظروف .
10- التنوع في الوسائل والأساليب
1- تحديد الداء والدواء: وذلك أول ما يجب علي الداعي أن يهتم به أن يحدد الداء الذي يعاني منه المدعو والذي علي أساسه يستطيع تحديد الدواء المناسب كالطبيب تماما .
2- إزالة الشبهات :وإن من يقوم بهذا الواجب يقابله أعداء الله بالإيذاء وغيره ومن ذلك إثارة الشبهات حول الدعوة ذاتها ويجب علي الداعي أن يصبر علي ذلك وأن يبتعد عن مواطن الشبهات.
3- الترغيب والترهيب:والأصل في ذلك أن يكون بالترغيب في رضي الله تعالي وثوابه وذلك في القرآن الكثير وبالتخويف من غضب الله تعالي وعقابه. كذلك بذكر عاقبة المكذبين والعاصين من الأمم السابقة ومصائر هذه الأمم ومصارعها .
4- التربية والتعليم :حيث لا يكفي مجرد التبليغ بهذه الدعوة فقط ولا يكفي مجرد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل يجب علي الداعي إذا ما تمت الاستجابة له أن(69/117)
يكمل واجبه بتربية وتعليم المدعوين ولا بد من تعليمهم دينهم والحلال والحرام وما يجب عليهم فعله وما يجب عليهم تركه ولا يكفي مجرد التعليم فقط بل لابد من العمل أي التربية الدائمة والمستمرة علي قواعد الإسلام .
ولعل أهم وسائل التربية : هي الاتصال الدائم بالقرآن ومذاكرته وتطبيق مافيه من أوامر ونواه بعد تدبره، وكذلك سيره رسول الله وسيرة الصحابة الكرام والسلف الصالح رضي الله عن الجميع .
والوسائل متعددة ومتنوعة نجملها في محاور ثلاثةهي(القول-العمل-حسن السيرة)
أ- القول : ومن صورة الخطبة – الدرس – المحاضرة – المؤتمر – الرسالة – المقال – الكتابة ...........
ب- العمل : أي العمل علي إزالة المنكر باليد .
جـ- السيرة الحسنة : ويقصد بها أن يكون الداعي صورة حسنة وقدوة لغيره من الناس ليقتدوا به في فعل الخيرات والمعروف والابتعاد عن المنكر .
ـــــــــــــــــــ
آمنة ودود وجحر ضبّ الفيمينزم
(Feminism)
د. بدران بن الحسن 24/2/1426
03/04/2005
مشهد من أحد فصول المسرحية:
في سابقة هي الأولى من نوعها أمّت امرأة أميركية من أصل افريقي صلاة الجمعة التي اختلط فيها النساء بالرجال مما أثار احتجاجات واتهامات بالاساءة الى الدين من مسلمين آخرين أكّدوا على أنه لا إمامة إلا للرجال.
نظمت الصلاة المثيرة للجدل منظمة تدعى "جولة حرية المرأة المسلمة" والموقع الإلكتروني "صحوة الإسلام". وأصبحت آمنة ودود، أستاذة الدراسات الإسلامية في جامعة فيرجينيا، أول امرأة تؤم صلاة جمعة مختلطة، حضرها نحو مائة من الجنسين، جلسوا متقاربين، في قاعة "ساينوت هاوس" في "كتدرائية سانت جون ذا ديفايد"، بعد أن رفض المسؤولون عن بعض المساجد السماح لها بإمامة الصلاة. وحاولت في خطبتها تبرير موقفها من إمامة الصلاة، وقالت: إن الدين الإسلامي يساوي بين الرجل والمرأة وأن لها الحق في إمامة الصلاة.
أقيمت الصلاة وسط إجراءات أمن مشددة بكنيسة سينود هاوس التابعة لإحدى الكاتدرائيات بمدينة مانهاتن. وكانت أماكن أخرى رفضت استضافة الحدث بعد تلقي تهديدات.
وقالت ودود في مؤتمر صحفي حاشد قبل الصلاة: "لا أريد أن أغير من طبيعة المساجد. أريد أن أشجع قلوب المسلمين على الإيمان بأنهم متساوون" مضيفة أنها تتمنى المساعدة في إزالة "القيود المصطنعة والمزعجة" التي تستهدف المرأة المسلمة.
وكانت إسراء النعماني منظمة الحدث أثارت جدلاً العام الماضي عندما دخلت مسجداً بمنطقة مورجانتاون بولاية وست فرجينيا من الباب الأمامي المخصص للرجال.(69/118)
وقالت النعماني: "اليوم تنتقل النساء المسلمات من خلفية المسجد الى الأمام. إنه حدث تاريخي".
وتؤكد أمينة ودود مؤلفة كتاب " القرآن والنساء إعادة قراءة النص المقدس من وجهة نظر المرأة" حق النساء في إمامة الصلاة مشدّدة على أن قيام الرجال بهذا العمل "هو أمر مجحف".
وقال بيان صادر عن منظمة " مسلمون استيقظوا" و" حرية النساء المسلمات": إن النساء المسلمات سيحصلن اليوم على حقوقهن الروحية مضيفاً أن النساء سينتقلن من مكانهن التقليدي في آخر المسجد إلى الصفوف الأمامية.
وقال محمد شمسي علي نائب إمام المركز الثقافي الإسلامي في نيويورك: إنه «لا مانع لدينا في أن تؤم ودود بمصلين من النساء فقط، فهذا حق منحها إياه الله، ولكن إذا كانت ستؤم بالرجال أيضاً فهذا غير مسموح في الإسلام لأنه يتعارض مع الشعائر الدينية المتبعة».
واستنكر مجمع فقهاء الشريعة بأميركا إمامة المرأة لصلاة الجمعة. وأصدر المجمع، ومقره ولاية ميرلاند، بياناً استبشع فيه إمامة المرأة للصلاة، ووصفه بالموقف البدعي الضالّ، وحذّر المجمع من الافتتان بمثل «هذه الدعوات الضالة المارقة من الدين، والمتبعة لغير سبيل المؤمنين»، ودعاهم إلى الاعتصام بالكتاب والسنة، والنظر عمن يأخذون دينهم.
وقال منظمو الحدث: إنه يأتي ضمن حملة أوسع لتشكيل مجتمع جديد يعتمد على مبادئ وتعاليم الإسلام وخاصة العدل والمساواة.
وأضافوا في بيان أن النبي محمد أقام نموذجاً للمجتمع في المدينة المنورة في القرن السابع، وفي القرن الحادي والعشرين "نحن ملزمون بأقامة مجتمع حديث يعتمد القيم الدينية وكذلك على حقوق المرأة".
جحر الضب يبتلع مئات المسلمين
ولعل المشهد السابق يذكرنا بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي حذرنا فيه من تتبع كل ما يرد إلينا من أهل الكتاب أو بالأحرى اليهود والنصارى، حيث جاء في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " لتتبعُنّ سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى قال: فمن؟" (البخاري/ الاعتصام بالكتاب والسنة/ قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لتتبعن سنن من كان قبلكم).
وجاء في مسند أحمد قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتتبعن سنن من كان قبلكم باعاً بباع وذراعاً بذراع وشبراً بشبر حتى لو دخلوا في جحر ضب لدخلتم معهم قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى. قال: فمن إذا" (مسند أحمد/ مسند المكثرين).
فالتقليد الأعمى الذي درج عليه كثير من أبناء المسلمين حذّر منه الحديث الشريف، وهو حالة من الاتباع النفسي والفكري الذي يأسر صاحبه ويجعله لا يرى الحق إلا كما يراه هؤلاء اليهود والنصارى. وخاصة في وضعنا الحاضر الذي يشهد الغلبة الحضارية والعسكرية والاقتصادي والتكنولوجية من قبل الغرب النصراني اليهودي وسيطرته على مجريات أمور العالم بما فيه العالم الاسلامي.(69/119)
وقد عبر عن هذه الحالة ابن خلدون -رحمه الله - مستشفاً ذلك من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن تجربته في دراسة تقلبات الامم والشعوب بقوله : "المغلوب مولع بتقليد الغالب"، وهي كما قلنا حالة مرضية نفسية وفكرية تؤثر على تصورات الناس وإدراكهم لحقائق الأشياء.
ولعل من أهم ما أثر على صاحبة المشهد المذكور سابقاً وأدخلها جحر الضب النصراني في نيويورك هو هذه الحالة من الامتهان والذل النفسي والانبهار بمفردات الحياة الغربية ذات المرتكز النصراني المحرّف، فكانت أن لجأت إلى التقليد الأعمى الذي جرها إليه "حركة الفيمينزم" أو الحركة النسوية الغربية ذات الامتداد في التاريخ الحضاري الغربي الذي طالما اضطهد المرأة وحرمها من كثير مما منحها الله لها، سواء في ذلك الحرمان الكنسي أو الحرمان الاجتماعي بفعل هيمنة المفاهيم الكنسية أو العلمانية التي تحتقر المرأة تارة وتنظر إليها بعين المتعة تارة أخرى.
فكانت الفيمينزم هي حجر الضب الذي وقعت فيه كثير من بنات المسلمين ومنهم آمنة ودود.
حجر الفيمينزم feminism: الأيديولوجيا الجديدة
قد يجد الكثيرون من المتابعين صعوبة في استيعاب ما ترمز إليه الخطوة التي قامت بها آمنة عبد الودود، ولذلك أثير نقاش فقهي حاد بين مختلف المتتبعين في مدى جواز إمامة المرأة لصلاة الجماعة، والجملة على وجه الخصوص.
ولكن ما ينبغي ان ننتبه إليه هو تلك العبارات التي تلفظت بها آمنة ودود من خلال تأكيدها على المساواة، وحق المرأة الديني في العدل والمساواة، ومحاولة إشارتها للمؤنث والمذكر في حق الذات الإلهية عند تفسيرها لبعض الآيات التي ذكر فيها اسم الله تعالى، وهو ما يعرف بالاتجاه الانثوي لفهم النص الديني (الفيمينزم).
فمنذ نشوء حركة فيمينزم في أواخر القرن التاسع عشر، ظهرت مفاهيم حقوق المرأة ووجوب مساواتها بالرجل في كل شيء؛ في حق الملكية، والنشاط الاجتماعي، والممارسة السياسية، والتمثيل النيابي والانتخاب وغيرها، ووصل الأمر إلى ما يُعرف باللاهوت الأنثوي الذي حاول تأنيث كل العبارات المذكرة في الإنجيل.
وبمعنى آخر فإن حركة الفيمينزم نفسها مرت بمراحل تاريخية تأثراً وتأثيراً بمحيطها الفكري والاجتماعي والسياسي، وتبعاً للتطور الحضاري الغربي خاصة، وأهم التيارات الفكرية الموجودة به، والفاعلة على ساحته في كل مرحلة تاريخية.
تطور حركة الفيمينزم
1. مرحلة المشاركة الاجتماعية على قدم المساواة:
من الثابت في التقاليد الكنسية القديمة أن المرأة ذات وجود أقل قيمة من وجود الرجل، بل إنها مستبعدة من كثير من الطقوس الكنسية، والشعائر الدينية، والمسؤوليات لأنها إما "نجس" أو أنها "شيطان جميل" كما وصل إلى ذلك أحد المجامع الكنسية.
ومنذ بدايات حركة النهضة في أوروبا بدأت حركة تحرير المرأة تأخذ طريقها للتشكل والتهيكل. وقد شهدت هذه الحركة مرحلتين مهمتين من تطورها؛ أولها تمثلت في المطالبة بتحقيق المساواة من خلال تحسين واقع المرأة الاجتماعي والاقتصادي،(69/120)
حيث كانت المطالب تشمل تحقيق المساواة من خلال توفير فرص متساوية في مجالات التعليم والعمل والتدريب وأجور متساوية. وأعطى هذا التيار اهتماما أساسياً بخصوصية المرأة البيولوجية، وما يترتب عليها من حقوق أساسية؛ منها حق الاختيار واتخاذ القرار فيما يتعلق بالإنجاب، وحق التمتع بالأمومة ورعاية الأطفال والعمل خارج المنزل.
وركزت هذه المرحلة ورموزها على المناداة بتحسين واقع المرأة من خلال الأبنية والمؤسسات القائمة في المجتمع؛ حيث تم تعريف المساواة في أواخر القرن التاسع عشر بأنها عبارة عن المساواة بين الرجل والمرأة أمام القانون القائم، وكذلك التمثيل المتساوي في المؤسسات القائمة، إن إستراتيجية الليبرال فيمينزم بُنيت على أساس أن المساواة يمكن تحقيقها من خلال العلاقات الاجتماعية والوسائل القانونية والمؤسسات السياسية والاقتصادية القائمة في المجتمع.
وما يترتب عليها من إجازة الأمومة من العمل والضمان الاجتماعي، والمطالبة بتوفير مراكز رعاية الأطفال من دور الحضانة ورياض الأطفال، والمطالبة بحق المرأة في التحكم في حياتها الإنجابية يعتبر جزءًا لا يتجزأ من مطالب هذه المرحلة.
2. مرحلة المساواة المطلقة أو العبثية
بدأت المرحلة الثانية من تطور مفهوم المساواة لدى التيار الليبرالي من الفيمينزم نتيجة لتأثرها بالتيارات الراديكالية والماركسية التي بدأت تنادي بالمساواة المطلقة من بداية النصف الثاني من القرن العشرين. حيث ظل الخطاب السياسي يطالب بالإصلاح في إطار المؤسسات المختلفة القائمة داخل المجتمع، وحصل التغيير فقط في جانب تناول المجالات التي تتعلق بالمرأة. وأصبح خطاب التيار الليبرالي يتناول قضايا الخاص والعام وأثرهما في نيل المرأة لحقوقها، ودور الحكومات في تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في المجال العام، وأثر ذلك في تحقيق المساواة في المجال الخاص. وكذلك الحرية الشخصية للمرأة، وقضايا أخرى شخصية ومتعلقة بالمرأة.
وبدأ النظر إلى علاقة المرأة بالرجل من منظور الصراع بين جنسين وتمت الدعوة إلى القضاء على مفاهيم الذكورة والأنوثة، وظهرت حركات الشواذ والعاملين على إيجاد نموذج جنسي بديل لا هو بالذكر ولا هو بالأنثى، كما تمت الدعوة إلى القضاء على مفهوم الزواج المعتاد ودعت إلى الزواج بين المثليين، وبدأت الدعوة إلى فصل احتياجات المرأة عن احتياجات الرجل، ورفض إشباع احتياجات المرأة العاطفية والجنسية من الرجل، والتوجه بدل ذلك نحو المرأة (المثلية الجنسية)، وأدى ذلك إلى ظهور التيار السّحاقي ليشكل ليس تياراً انحرافياً في السلوك فقط، بل تياراً فكرياً وسياسياً ترفده مؤسسات ومراكز وجمعيات وأعضاء في البرلمانات. بل ولجأت هذه التيارات النسوية إلى الأمم المتحدة في مؤتمراتها المختلفة وخاصة مؤتمر القاهرة للسكان سنة 1994، ومؤتمر بكين سنة 1995، وما تلاها من مؤتمرات المرأة والسكان وغيرها.
أتباع للفيمينزم وتبرّم بما شرع الله(69/121)
في الحقيقة أن حركة الفيمينزم في جوهرها تعتبر الدين من وضع الرجال، وترى فيه محاولة رجالية لضمان سيطرة الرجال على مقاليد الأمور، ولذلك يستوى عند حركة الفيمينزم الاعتراض على أفكار البشر والاعتراض على شرائع الكتاب الحكيم، وأظن أن الكثير من المسلمات ممن دخل جحر الفيمينزم نسي قوله تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً). [الأحزاب:36]، وإلا كيف نفسر تبرمهم مما ثبت من شرائع وشعائر.
فإذا كان من حقهن منازعة الرجال في حقوقهن والمطالبة بهن، فإن من الشعائر التعبدية ما لا صلة له بحقوق الإنسان سواء أكان هذا الإنسان رجلاً أو امرأة، وإنما هي حقوق رب الإنسان، الذي شرع من الشعائر ما هو أدرى بحكمتها.
ونختم قولنا بالتأكيد على أن الأمر لا يتعلق بالدفاع عن حق إمامة المرأة من منظور إيماني، بقدر ما يتعلق بعمل يتفق مع رؤية الفيمينزم التي ترى أحقيّة المرأة في منازعة الرجل ومغالبته في كل جبهة، وفي كل موضع وإظهار تماثلها بل وتفوقها على الرجل في كل شيء، ويستوى في ذلك الأمر الديني بالأمر الدنيوي.
ولذلك فإنه لا اعتبار لتلك الشعائر في ذاتها، وإنما محاولة اقتحام أي ميدان وطرق أي موضوع يثير الجدل ويثبت للمرأة حقها.
ولو كان الأمر يتعلق بحق المرأة الشرعي في الإمامة لكانت المشاركات في تلك الصلاة الكنسية التزمن بالزي الشرعي وبآداب الصلاة، ولما كان كل واحد يجلس بقرب صويحبته ويلوك العلكة، وهو يستمع إلى تلك المؤذنة التي أسدلت شعرها، وبدأت تصيح بكلمات الأذان، وكأنها في نادي للرقص الشعبي أو في حفلة تدريب على الأداء الصوتي أمام مرأى الناس، وفي موقع نجس لا تصح فيه الصلاة
ـــــــــــــــــــ
الصّفقة الخاسرة
أ. د. عماد الدين خليل 15/3/1426
24/04/2005
تعود "قضية" المرأة في العقدين الأخيرين لكي تحتل موقعاً متقدماًً في ساحة الصراع الفكري، وتكون واحدة من أكثر المواضيع سخونة في العالم.
قبلها كان الغربيون هم الذين "يغزوننا" بأفكارهم ومعطياتهم وتقاليدهم بخصوص المرأة والأسرة، وكل المفردات المرتبطة بهذين القطبين الأساسيين في الحياة الاجتماعية .. كنا نستورد، وكانوا يصدرون .. وكانت تجارة رائدة أن يظهر في ديارنا مقاولون أو متعهدون كبار يمارسون مهمة الاستيراد هذا بحساب الجملة.. وكانت الصفقات تتم دون معاينة جادة للبضاعة، فكانت تحمل وهي تتدفق على موانئنا الكثير من المزيف والمغشوش الذي سرعان ما انتشر في أسواقنا، وملأها بالبضائع المدسوسة التي ضاعت في غبشها المرأة المسلمة، وتعرّضت الأسرة للاهتزاز والدمار بكل ما تنطوي عليه هذه المؤسسة من قيم تربوية تصنع مجد الأمم والشعوب، أو تقودها إلى البوار.(69/122)
كانت المرأة والأسرة هناك في ديار الغرب تعانيان من ألف مشكلة ومشكلة فنُقلت إلينا كما لو كانت هي الحل، فكانت خسارتنا مضاعفة على كل المستويات وبكل المقاييس. استبدلنا الأعلى بالأدنى، بمعيار معكوس كان يصور للمتعاملين على أنه هو المقياس المطلوب والضروري في القرن العشرين.
وكانت تغذي المحاولة المعكوسة هذه، وتحرسها، وتمضي بها إلى نهاية الشوط شبكة من السماسرة في عالم الفكر والإعلام والاجتماع، قد يختصمون على كل شيء إلا في هذه.. وكانت الأصوات " المعارضة" التي ترتفع لكي تدين السمسرة الماكرة، تُكبت أو تُعزل، وأحياناً يغيب أصحابها بهذه الحجة أو تلك.
صوت الطهر والنظافة والاستقرار والأمن والتوحد كاد يضيع قبالة أصوات المهرجين الذين أريد لهم أن يدخلوا المضمار، وأن يحظوا بالفوز بأي ثمن.
كانوا يصدرون مشاكلهم عبر موانئ الفكر المفتوحة على مصراعيها، ومن خلال شبكة المستوردين والسماسرة، مخيّلين للمسلمين أن المرأة المسلمة هي التي تعاني من المشاكل والأزمات، وأن الأسرة المسلمة بحاجة إلى تعديل الوقفة الجانحة من أجل كرامة المرأة وحقها الإنساني المشروع في الحياة الحرة الشريفة!! وبهدف تجاوز الهضم والإجحاف والتحقير التي عانت منها عبر القرون.
الاستقرار النفسي، والأمن الأسري، والطهارة الخلقية، والطفولة الآمنة المتوحدة.. أصبحت مآخذ على الحياة الإسلامية، سعى السماسرة إلى استيراد الحلول المناسبة لتداركها .. والحلول كانت سموماً مركزة أطاحت بالاستقرار والأمن والطهارة، ودست في شرايين الحياة الإسلامية: الفساد والعهر والشذوذ والتفكك والخوف والدمار.
ومنذ بدايات القرن الماضي حدثنا المتحدثون والكتاب عن حدث يحمل دلالاته العميقة في هذا المجال. لقد كانت (اسطنبول) عاصمة الخلافة الإسلامية واحدة من أنظف مدن
العالم في مجالات العلاقة بين الرجل والمرأة، فلما دخلها الغربيون تحت مظلة الإصلاح والتحديث .. لمّا غزتها قوانين (بونابرت) الوضعيّة وأبعدت مفردات الشريعة الإسلامية شيئاً فشيئاً.. لما أخذ الطلبة الأتراك يذهبون إلى عواصم الغرب ويرجعون بالشهادات
أو بدونها .. بدأ الطفح الأحمر يظهر على جلد (اسطنبول) .. والزهري والسيلان وكل السموم الجنسية المدمرة تتسرب في شرايينها. ويذكر (شمتز دوملان) في كتابه (الإسلام) أنه " عندما (غادر الدكتور مافرو كور داتو) الأستانة سنة 1927 م إلى برلين لدراسة الطب لم يكن في العاصمة العثمانية كلها بيت واحد للدعارة. كما لم يُعرف فيها داء الزهري وهو السفلس المعروف في الشرق بالمرض الافرنكي، فلما عاد الدكتور بعد أربع سنين تبدّلت الحال غير الحال. وفي ذلك يقول الصدر الأعظم (رشيد باشا) في حسرة موجعة: إننا نرسل أبناءنا إلى أوروبا ليتعلموا المدنية الافرنكية فيعودون إلينا بمرض الداء الافرنكي".
كانت الخطوة الأولى .. الخطوة الضرورية.. وأعقبتها بقية الخطوات .. صار العملاق العثماني الذي دق أبواب فينا، رجلاً مريضاً، وراحت السكاكين تعمل في(69/123)
جسده الممزق، حتى انتهى الأمر إلى قتله تماماً على يد واحد من المحسوبين على جغرافية الإسلام.. وجاء من بعده عشرات القادة لكي يواصلوا المهمة. ومن قبلهم ومعهم، وربما بعدهم، استمرت شبكة السماسرة في دوائر الفكر والثقافة والإعلام والاجتماع تمارس مهمتها المعكوسة، فترفع شعار تحرير المرأة لكي تصل بها في نهاية الأمر إلى التعهير!
عدد ليس بالقليل من النساء الغربيات أنفسهن، كما سنرى، كن يجدن في الحياة الإسلامية.. في جمال المرأة والأسرة والطفولة المثل الأعلى والصيغة المرتجاة للأمن والاستقرار والعطاء والسعادة.. وكن يتُقْن إلى التمتع بعشر معشار ما تتمتع به المرأة
المسلمة. وأغلب الظن أن عدداً من القراء والمتابعين لا يزالون يذكرون، من بين وقائع كثيرة، ذلك المؤتمر النسائي الحاشد الذي نظمته وزيرات المرأة والأسرة في الحكومات الألمانية الإقليمية عام 1991 م والذي كان بمثابة تظاهرة نسائية رسمية ضخمة استهدفت تأكيد دور المرأة في المجتمع الألماني، وقد طالبت النساء في المؤتمر بالحقوق التي تتمتع بها المرأة المسلمة منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، وخاصة بالنسبة لاحتفاظ المرأة الألمانية باسم والدها بدلاً من إجبارها على حمل اسم زوجها. وحيّت النساء المحتشدات قرار المحكمة الدستورية في ألمانيا (الاتحادية) الذي أقرت فيه بعدم حتمية قيام المرأة بحمل اسم زوجها، وأنه لها الحق في الاحتفاظ باسم والدها إن أرادت ذلك.
قبل ذلك بحوالي العقدين من الزمن كانت الساحة الإيطالية قد شهدت هجوماً مضاداً آخر في مواجهة الميل بالمرأة والأسرة عما أراده لها الله سبحانه .. تلك الضغوط المتواصلة في البرلمان الإيطالي .. على بعد خطوات من الفاتيكان زعيمة الكاثوليكية في العالم .. والتي تزعمها أشد البرلمانيين ليبرالية، من أجل إقرار حق الطلاق للرجل الإيطالي، بعد حجبه القرون الطوال.
بل إن بعض النسوة الغربيات انتمين إلى الإسلام من أجل أن يذُقْن التجربة ويبعدن عن مواطن التفكك والرذيلة والعفن والقلق والسعار الذي يحكم حياة المرأة الغربية، حتى لم تعد الكثيرات منهن يأمن على أزواجهن من المعاشرة اللاشرعية، ولم يعد الأزواج أنفسهم يأمنون على الذراري والأبناء، ويضمنون انحدارهم من الأصلاب!
هذا كله يتسرب بدعاوى السماسرة الذين أطلقوا على أنفسهم دعاة تحرير المرأة.. يتسرب إلى حياتنا فيستبدل الذهب بالتراب، ويكون هذا الذي كان ..
وليس ثمة أمة كهذه الأمة المسماة تجوّزاً " بالإسلامية " تجهل كل فن مجدٍ في صيرورة الحياة وتناميها، ولكنها تحذق فن هدر الطاقة، والتفريط بعناصر التميّز والتفوّق، واستبدال الغالي بالرخيص.
في سياقات عديدة تمّت الصفقات الخاسرة في التاريخ الحديث والمعاصر لهذه الأمة .. في مجال الاقتصاد والسياسة والحرب والعلم و الأخلاق.. وهاهنا في سياق المرأة والأسرة، كان القانون نفسه يعمل عمله بوساطة جيش من السماسرة وأدعية التقدّميّة والتحرر، لكي يفرط بواحدة من أكثر الحلقات في الحياة الإسلامية تميّزاً وتفوقاً،(69/124)
ويحلّ محلها: التفكك والعفن والرذيلة والخراب والشذوذ والزهري والسيلان.. وأخيراً الإيدز الذي بدأ يدق الأبواب.
هذا كله كان، ولا يزال قائماً حتى اللحظات الراهنة في ديارنا، رغم أنه حوصر إلى حد كبير بقوة معطيات الصحوة الإسلامية ومطالب الفطرة البشرية التي تميل إلى الطهر والعفاف والنظافة والاستقرار، والتي لن تحظى بتحققها المأمول إلا في إطار هذا الدين.
ألا أن المفاجأة التي حدثت، فيما لم يكن أحد يحسب له أيما حساب، إن المكر السيئ حاق بأهله، وتلك هي واحدة من سنن الله سبحانه في خلقه. وليس المقصود هنا حشود السماسرة الذين مرّروا العملية؛ فهؤلاء ليسوا بأكثر من أدوات أو آلات للتوصيل.. وإنما الحياة الغربية نفسها التي أخذت تتلقى الهجوم المضاد في قضية المرأة.. في عقر دارها.. عبر العقدين الأخيرين على وجه الخصوص. وأصبح هذا "الغزو" إذا صح التعبير، أو الهجوم المضاد، يمثل بمرور الوقت هاجساً ملحاً في دوائر الحياة الغربية على مستوى السلطة والمجتمع، وأخذ يتصاعد حتى كاد يدفع بعض القيادات الغربية إلى تجاوز ما يُسمى هناك بالثوابت الديموقراطية من أجل وقف الظاهرة التي أخذت تهدّد الحياة الغربية، على ما تصوّروه هم بحكم التقاليد الفكرية والسلوكية وضغط الأعراف والمسلمات الخاطئة القادمة من عمق الزمن الأوروبي.
أمامي الآن مقال للمفكر الفرنسي (برنارسيشير) بعنوان "الحجاب العرب .. ونحن" ينطوي على بعض المعطيات المهمة، وهي تمس كما يبدو من العنوان، إحدى الحلقات المهمة في موضوع المرأة المسلمة، ولا أقول قضيتها، ألا وهو (الحجاب).. فها هو الحجاب يقتحم العري الفرنسي.. التهتك الباريسي المعروف، ويفرض حضوره في قلب المجتمع.. فكيف كانت رؤية الفرنسيين أنفسهم للظاهرة؟ كيف كانت ردود الأفعال؟
حين تحجّبت بعض الفتيات في (الليسيه) يقول (سيشير)، تحركت الطبقة السياسية، وراح يدلي كل بدلوه حول الاحترام الواجب تجاه بلد الضيافة، وهو يقصد ضرورة احترام التقاليد الفرنسية من قبل أولئك الغرباء الذين قبلتهم فرنسا ضيوفاً عليها، بغض النظر عن القيم الأخلاقية لهذه التقاليد، حتى إن أحد الوزراء هدّد باتخاذ موقف، واجتمعت أخيراً الهيئة الدستورية، في حين كاد يعلن بعض المثقفين - جهاراً - أن الوطن العلماني في خطر!
ويمضي (سيشير) إلى القول بأنه مهما بلغت قدرة عملاء العروض المشهدية على التلاعب والتأثير - وهم لم يترددوا في ممارستها بوقاحتهم المألوفة - فإن حادثاً كهذا لا يكتسب مثل هذه الأهمية ولا يثير مثل هذه الأصداء، إلا إذا كان يمس الطبقات العميقة من الوعي الاجتماعي. وبما أن من تحرّك هذه المرة ليس من أتباع (الساسة الفاسدين)، وإنما من المفكرين اللامعين الذين اجتاحتهم فجأة موجة من الغضب المفرط.. فيجب أن نبحث عن الدوافع البعيدة.. إنها أعراض (بواتييه) المرضية!
إذن فإن تراكمات التأريخ والعمق الصليبي للمثقف الفرنسي الذي لا يزال يتذكر محاولة الاقتحام الإسلامي للأرض الفرنسية وهزيمته عند (بواتييه)، هي التي تستفز(69/125)
في تحليل (سيشير) العقل الغربي لمجابهة ظاهرة الحجاب الإسلامي، حتى لو أدّى الأمر إلى
خرق الثوابت الديموقراطية وضرورات "التسامح وجمال الاختلاط العرقي" التي يدّعيها الفرنسيون. ويبدو لي - يقول سيشير -: إن أعراض (بواتييه) المرضية إنما تشهد على جهلنا العميق بحقائق الإسلام كما تشهد في الوقت نفسه على عودة غريبة للمكبوت تجعل
العربي (المسلم بالأخص) يحل وقتياً محل اليهودي في الاستيهام العنصري والمتوتر لغيريّة AL teroite )) قوية تنذر وتهدّد.
إنه "النسيان المذهل" و "النفي المجنون" كما يعبر (سيشير)، لأفضال الحضارة الإسلامية على الغرب"، وإذا كان العرب قد بهروا ذاكرتنا القديمة وأربكوها إلى هذا الحد ، فذلك لأنهم كشفوا عن قدرتهم على ابتكار الحضارة الأكثر ألقاً وغنى ، عندما كنا لا نزال نحن في طور التخلف، وقد لعبت الكنيسة المسيحية، في إطار هذا الكبت الكبير، دوراً لا تُحسد عليه أبداً، وآن الأوان لكي تعترف بذلك خصوصاً وأن مذهبها ما كان ليتكون لولا أن سلبت الكنز النفيس الذي وصلها من الفكر الإسلامي، ثم عملت على طمس معالمه المدهشة ".
إن الفرنسيين، والغربيين عموماً هم ضحايا التعصب - كما يقرر سيشير - ضحايا تشويه تجعلهم يتصورون أن تأريخهم هو التاريخ الوحيد الممكن، ويجعلهم يسقطون من خلال هذه الأفكار (وعسكرياً من خلال الأفعال) تحديدهم للسياسة على وقائع تاريخية وثقافية تبدو لهم متطرفة لدرجة أنهم يمضون وقتهم في ترسيخ سوء التفاهم.
وبوصفي مدرساً - يقول سيشير - فإنني أتساءل كيف لا ترون أن المشكلة الملحة ليست الحجاب، وإنما الانهيار العام لثقافة لا تعني رجال السياسة عندنا؟" وتقولون: إنكم تريدون حماية هُويّة؟ وأية هُويّة؟ ولأن الجواب لن يكون سهلاً فمن الأفضل فتح باب المناقشة والانحياز إلى الفكر وليس إلى الخوف!
" لقد أحالتنا الحيوية الدينية الإسلامية فجأة، إلى وعي مخيف، ولقد عبّر عنها بعض المثقفين المستنيرين من خلال ردود فعل مرعبة وتشنّجات غير عقلانية"
هذا بعض ما يخلص إليه (سيشير) وهو يعالج ردود الفعل الفرنسية تجاه ظاهرة الحجاب في سياق الموقف المسيحي العام من خلال الظاهرة الإسلامية ببعدها الديني وعمقها التاريخي، وهو موقف لا يعكس فكر أو عاطفة الشرائح الدنيا في المجتمع، أو حتى الساسة (الفاسدين)، ولكن المثقفين والمفكرين اللامعين
ـــــــــــــــــــ
فوز كردي: أخبرت الصحفيّة الأمريكيّة عن حقيقة المرأة السعوديّة!
حوار: منال الدغيم 28/4/1426
05/06/2005
ضيفتنا في هذا الحوار، الأستاذة/ فوز عبد اللطيف كردي الأكاديمية التربوية المحاضرة في كلية التربية للبنات بجدة، وداعية فاضلة من السعودية، تتسم بنظرة واضحة منصفة، وبقناعة ذاتية تخرج عن تفكير متأنٍ، وتأمل عميق، وبصيرة ثاقبة..(69/126)
لها جهود مباركة في الدعوة والإصلاح والتعليم، شاركت في الحوار الوطني الثالث الذي كان عن المرأة. نسعد بحوار معها عن شؤون شتى:
المرأة والعمل، المرأة والإصلاح، المرأة والظلم، المرأة والآخر، والمرأة والإعلام، وأخيراً المرأة والحوار.
مفهوم الإيجابية لدور المرأة في المجتمع متذبذب هذه الأيام، بين منادين بإقحام المرأة في سوق العمل؛ لأن المجتمع يتنفس برئة واحدة (!)، وبين آخرين يرون أن الإنتاج والإصلاح يكون بقيام المرأة بواجباتها في البيت فقط. فأين تكمن الحقيقة؟
"الإيجابية" كلمة ذات معنى جميل، كما أن لها معنى واسعاً يشمل معاني العمل والحركة والمساهمة في النفع، والمبادرة والإصلاح، وقصر "الإيجابية" على صورة واحدة أو مجال واحد – فيما أرى – قصور كبير، ففي موضوع المرأة -تحديداً- لا يمكن حصر "الإيجابية" في خروجها من البيت وانخراطها في سوق العمل فقط، وليس من الصواب اختزال هذا المعنى الواسع في العمل في نطاق البيت فقط، والتقليل من شأن المساهمة خارجه.
لذا فلعل حقيقة مفهوم إيجابية المرأة تكمن في ترك كلمة "إيجابية" على معناها الواسع، والذي يتحدد معناه الخاص باختلاف ظروف ومسؤوليات كل امرأة على حدة، فالمرأة ذات الزوج والأبناء الصغار ستكون في قمة الإيجابية والمشاركة المجتمعية بقيامها على أمور زوجها وبيتها، وانهماكها في تربية أبنائها، وصقل مهاراتهم وتنمية شخصياتهم، فهي تساهم مساهمة فعّالة في صناعة الإنسان السويّ في مجتمعها.
بينما الأمر يختلف بالنسبة لغير المتزوجة، أو من كبر أبناؤها، أو من ليس لها من الذرية نصيب، فلا شك أنها تستطيع أن تجمع بين مسؤولية رعاية بيتها المحدودة، وأعمال أخرى مجتمعية، وقد يتحقق ذلك بانخراطها في مجال عمل له مردود مالي ووظيفة معينة، وقد يتحقق بممارسة أنواع من أعمال المجال الخيري الإنساني، وقد يتطلب الأمر خروجاً من المنزل بضوابطه، وقد لا يتطلب؛ فمجال العمل عن بعد أو ما يُسمى حديثاً بـ "العمل صديق الأسرة" واسع.
والمرأة التي تعي واجبها وتنظم وقتها وتعرف قدراتها تمارس جميع أعمالها بإيجابية، فهي زوجة صالحة وأم حنون، ومعلمة مبدعة وطبيبة ربانية حاذقة، وإدارية منضبطة خلوق، وهي صاحبة رسالة أينما ذهبت: في السوق، أو في قاعة انتظار المرضى، أو في اجتماع الأهل وزيارة الجارات.. ونحو ذلك.
لست متشائمة، لكن حال الفتيات في الجامعات تدل على خلل في خطاب الإصلاح، رتابة فيه، وقصر نفس. فماذا ترين؟
قد يكون هناك شيء من هذا، ولكن من الصعب تحديد سبب واحد وراء الخلل في حال الفتيات، أو غيرهن من فئات المجتمع، ومن الظلم اتهام خطاب الإصلاح أو الخطاب الدعوي بالتسبب فيه، والأمر برأيي يحتاج إلى تتابع دراسات جادة من المختصات في التربية والدعوة، فالذي كان يستمع للخطاب الدعوي بإقبال وتصديق ورغبة، تغيرت طريقته كثيراً في التقبل والتفاعل؛ إذ المنافس كبير ومتوفر بل ومزاحم، وأقصد الخطاب التشكيكي في الثوابت، والممتلئ بإثارة الشبهات، ناهيك(69/127)
عن الخطاب الدنيوي والمادي، فالصوارف التي تلهي عن سماع الحق، وربما تصد عنه كثيرة، ومن ثم لا بد من الاهتمام بإثارة التفكير الناقد في الطرح الدعوي، وتأصيل مصادر المعرفة، كما لا بد من تدرب كافٍ على مهارات الإلقاء وفنون الإقناع لمخاطبة قلوب وعقول الناس بطرائق مستجدة تتضمن وسائل جذب متنوعة.
فالذي أتفق معك عليه تماماً هو أن هناك خللاً ظاهراً، كما وأن هناك قصوراً في مواجهة هذا الخلل، والأمر بحق يحتاج لتكاتف جهود من أجل معالجة الخلل.
شفقة عميقة يتهدج بها صوت الإصلاح العالمي لأحوال المرأة السعودية خاصة. فهل حقاً المرأة مظلومة؟ ومن المتهم؟
المرأة السعودية محسودة حال كل ذي نعمة، لذا يكثر الحديث حولها ومحاولات إخراجها مما تتنعم فيه بفضل الله سبحانه، وإن كانت توجد بعض مظاهر الظلم، ولا شك في بعض البيئات أو بعض الحالات الخاصة، إلا أن المنصف والمتابع لحال المرأة العربية بشكل عام يرى بكل وضوح التميز الذي تعيشه المرأة السعودية، لذا ينبغي أن يكون برنامج الإصلاح لحال المرأة السعودية منطلقاً ومنتهياً من نظرتها ومن مبادئها؛ فهي القادرة وحدها على تحديد الأمور التي تريد إصلاحها، حتى لا تضيع مكتسباتها الثمينة تحت دعاوى إصلاحها، كما حدث ويحدث فيما حولها.
قامت إحدى الصحفيات الأمريكيّات بإجراء حوار مطوّل معك، هلا أتحفتنا بشيء مما دار فيه؟ وكيف كان انطباع الصحفيّة بعد ذلك الحوار؟
"جولي مكارثي" صحفية ومذيعة أمريكية، كانت تعدّ برنامجاً عن المرأة السعودية للإذاعة الأمريكية العامة بعد انتهاء الحوار الوطني الثالث، والمخصص لمناقشة ما يخص المرأة السعودية، وقد أجرت مقابلات مع عدد من المشاركات، وكان لقاؤها معي مطولاً استغرق ثلاث ساعات اختزلت منها للبرنامج ثلاث دقائق!
ولكن بشكل عام كان لقاءً جيداً كانت تحاول من خلاله استشفاف مدى ثقافة المرأة السعودية، وأهم مشكلاتها، وما يضايقها من الأنظمة المفروضة عليها من الرجل أو الأعراف أو من الدين، وقد أوضحت لها كثرة الدعاوى وزيفها، وأن المرأة السعودية تحتل مكانة متميزة في مجتمعها، وتساهم مساهمة فعّالة، استعرضت معها بعض جوانبها، كما شرحت لها أن تعاليم الدين وقِوامة الرجل وكثير من أعراف البلاد إنما تزيد من المكانة، وتعينها على الوصول لأعلى المراتب العلمية والعملية في أجواء تتميز بالخصوصية، وأن كثيراً مما يُدّعى من ظلمها وقهرها يمثل حالات خاصة لا يخلو من مثلها أي مجتمع، بل إن المجتمع الأمريكي، وقد عشت فيه سنوات يعجّ بأضعاف أضعافها.
وفي الجملة كان انطباعها جيداً، وطلبت مني التوفيق بين ما سمعته مني، وبين رأي سعوديات أخريات يقلن: إن السعودية مقيدة ومظلومة في نواحي كثيرة، فبينت لها دوري المجتمعي في التعليم والدعوة وأثره على إعطاء رأي عام، وليس رأياً شخصياً فقط، بينما قد تعبر كثيرات عن آرائهن الفردية التي لا تمثل المرأة السعودية ولا طموحاتها ومبادئها، إنما قد تمثلهن خاصة.
المهتمون في الصف الإسلامي بقضية تحرير المرأة، انشغلوا كثيراً بالرد على المؤتمرات وأدعياء حقوق المرأة والمشاركة السياسية، عن تحرير عوام النساء من(69/128)
قيود الجهل والغفلة والتقليد وتبصيرها في أمور دينها وأخلاقها وعلاقاتها الاجتماعية. فما رأيك؟
أوافقك نسبياً، ولكن ما انشغلوا به يُعدّ أمراً مهماً وجبهة لا بد من التصدي لها، والجبهة الأخرى تحتاج إلى جهود مكثفة كذلك، وبحمد الله تساهم المحاضرات والأشرطة، وحلقات العلم وأنشطة المؤسسات التربوية والمجتمعية والدعوية في سدّها كثيراً، وأسأل الله التوفيق للجميع.
يقولون: "المعرفة قوة"، ونقول كذلك: "والإعلام قوة". برأيك ما هي أكثر القنوات الإعلامية تأثيراً، والتي هي بحاجة إلى تركيز الجهود الدعوية فيها؟
برأيي كل القنوات الإعلامية تحتاج إلى تطوير واهتمام، فتنوعها يتناسب مع تنوع شرائح المجتمع، فمن الناس من لا يصله إلا الشريط، ومنهم من لا يهتم إلا بالكتب أو المجلات، ومنهم من يتابع البرامج الفضائية ويتصفح المواقع الإلكترونية، والجهود المبذولة في كل هذه المجالات مباركة -ولله الحمد- لكنها تحتاج إلى مزيد من عمق الطرح وتنوع أساليب الخطاب، وإلى ملامسة احتياجات شرائح الأمة فعلياً، وهناك اهتمام ظاهر بجميع القنوات في الفترة الأخيرة، فالتسجيلات الإسلامية وحلقات الدروس الفضائية أو عبر غرف البالتوك الإلكترونية، والرسائل المختصرة والكتب والمطويات والكروت، بل ومؤخراً لوحات الدعاية والإعلان للتذكير بالصلاة أو بر الوالدين أو الأذكار، كما أن هناك اهتمام واضح ببرامج العرض من محاضرة المسجد، للمراكز الصيفية، للدورات التدريبية، إلى المخيمات السياحية. وبرأيي أن لكل طريقة ميزتها ولها أهلها، ومن المهم الاستفادة منها جميعها للوصول إلى الشرائح كافة و إلى مختلف الأذواق.
الحوار يد تمتد لتصافح اليد "الأخرى"، وتسمع رأيها وتتقارب وإياها. ما القناعات التي خرجت بها بعد مشاركتك القيمة في الحوار الوطني الثالث عن المرأة؟ وعمّ كانت ورقة العمل المقدمة منك؟
المشاركة في الحوار الوطني بالنسبة لي كانت تجربة مفيدة، فسماع آراء من قد تخالفهم الفكر والتوجّه، وتلتقي معهم في أصول العقيدة، وفي مشاعر الانتماء للوطن والاهتمام به يعطي خبرة جيدة في إمكان الوصول إلى نقاط اتفاق مشتركة، أو -على أقل تقدير- الوصول إلى فهم الطريقة التي يفكر بها الآخر وينطلق من خلالها.
ومن أهم القناعات التي خرجت بها من الحوار أهمية استمرار المحاورة مع كل من يطرح رأياً أو فكرة مخالفة أو اتهاماً ضد فكرنا أو رأينا، وعدم الاكتفاء بسماع الكلام المنقول عن رأي فلان، أو طلب هذا التوجّه مثلاً، فقد اتضح جلياً أن كثيراً ممن يخالفوننا الفكر لم يحسنوا الاستماع لرأينا، أو أننا لم نحسن نحن طرح فكرنا وتوجّهنا، ولهذا كان الحوار والاستماع والمحاجّة من أهم ما ينبغي أن يُفعّل من أجل معايشة طيبة على أرض واحدة.
وأما ورقتي فقد كانت عن المرأة في مناهج التعليم السعودية، وكانت ورقة استقرائية لمناهج المراحل المختلفة التي تتناول موضوعات عن المرأة لمعرفة الصورة التي ترسمها المناهج في ذهنية النشء في المجتمع السعودي ذكوراً وإناثاً، وكانت نتيجة الدراسة عل عكس مما ادُّعي كثيراً من أن مناهجنا ترسم صورة امرأة سلبية ضعيفة،(69/129)
وقد تشمل تحريضاً للرجل على التحكم فيها وقهرها بحجة الدين أو الأعراف؛ فالدراسة استوفت مقررات كثيرة في مراحل التعليم المتنوعة من الابتدائية وحتى نهاية الثانوية للبنين والبنات، ووجدت الصورة مشرقة للمرأة في كافة أدوارها في الحياة بنتاً وأختاً وزوجة وأماً، وبينْت صوراً كثيرة من مشاركتها المجتمعية في البيت، ومع الجارات، وفي التمريض، والتدريس، والمشاركة في الجهاد وغيره.
كما أن الدعوة لتكريمها والاهتمام بحاجاتها والقيام على رفاهيتها كثيرة متنوعة، وثّقت الدراسة نماذج ذلك من واقع المقرّرات، وأوصت بأن تتضمن المناهج جوانب عملية تساهم في بناء شخصية المرأة، لا سيما من خلال الأنشطة الصفية، كما أوصت بالاهتمام أكثر بمناهج البنين وتنقية الموضوعات التي تتحدث عن المرأة من بعض الألفاظ التي قد تحمل على معنى القسوة معها من أجل حمايتها، وتضمينها موضوعات تربي البنين على مثاليات التعامل مع المرأة سواء كانت من المحارم بأدوارهن المختلفة أو من غيرهن في المجتمع.
الرؤوس الموافقة دائما تصيب المرء بغيبوبة لذيذة، لكن الآراء المخالفة تثري المرء وتعلمه الحلم والمرونة، وعمق المعرفة وصلابة الاعتقاد. ماذا استفادت أ. فوز من المخالفين؟
نعم استفدت كثيراً؛ فقد تدربت عملياً على طول النفس وعلى التماس العذر، وكانت أكبر استفادة هي تذكر نعمة الله -عز وجل- على العبد بالهداية ووضوح الرؤية، أسأل الله الثبات، فكثير من المخالفين يشعر المرء –فوراً- بما يعانونه من تخبط واختلاط في الرؤى وجهل بالحق، مما يعظم الفرح بنعمة الله، والعمل بالأسباب التي تزيدها.
في الختام وصيتي لأخواتي المسلمات: لنجدد عزيمتنا ونشحذ هممنا؛ فالطريق طويل والفتن متلاطمة، لنحول سلبنا إيجاباً ولنجعل إيجابنا وثَّاباً، ولنستعن بالله ونمضي مترسمات منهج السلف، والله أسأل أن يوفق الجميع إلى ما يحبّ ويرضى.
ـــــــــــــــــــ
الفكر الإسلامي على مفارق طرق
الأستاذ / جمال سلطان 22/4/1424
22/06/2003
عندما وقعت واقعة تماثيل بوذا في أفغانستان، وإعلان حركة طالبان المفاجئ عن عزمها على إزالة هذه التماثيل ، وما صاحب ذلك من حالة هوس في العالم أجمع ، بدا المشهد الإسلامي مثيرا للدهشة والحيرة ، بقدر ما هو مثير للقلق ، وبدا أن هناك بونا شاسعا بين المواقف " الإسلامية " من هذه القضية ، وكأنها مواقف تصدر من مناهج وأيديولوجيات مختلفة ، وليست من منهج واحد لدين واحد ، لقد كان هناك من دافع عن هذه التماثيل واعتبرها لونا من الجمال والإبداع الإنساني ينبغي المحافظة عليه والعناية به ، حتى أن كاتبا صحفيا مصريا " إسلاميا " وينتمي إلى جماعة إسلامية كبيرة ومشهورة ، كتب يقول أن هذه التماثيل نعمة من الله ، وأن هدمها يمثل أبلغ إساءة للإسلام وللقرآن الكريم ! ، وفريق آخر رأى أن هذه التماثيل أصنام وأنها يتوجب إزالتها وتحطيمها لأن قطب رسالة الإسلام هي إزالة الأصنام وهدمها ،وبين(69/130)
هذا الطرف وذاك درجات شديدة التباين في الموقف ، وألوان شتى من التمايزات ، بين من يرى جواز التماثيل ومن يرى حرمتها ، ومن يرى حرمتها ولكن المصالح الشرعية تقتضي الحفاظ عليها وحمايتها ، ومن يرى أن لا مفسدة في الدنيا أعظم من مفسدة نشر الأصنام التي تعبد والدفاع عنها وفتح الباب أمام إحياء الوثنية من جديد . ولم يكن هناك حوار فكري حقيقي ، وإنما كان هناك صراع عنيف بين هذه التوجهات والآراء والمناهج ، يتهم هذا ذاك بالإساءة للإسلام ، ومخالفه يتهمه بإهدار معالم الشريعة ، ويتهم الأول الثاني بالغباء العلمي ! ، ويتهم الثاني الأول بتمييع الدين والتساهل المسف ، وهكذا ، وكان كل فريق يصدر عن ما يمكن اعتباره منظومة فكرية ومنهجية مختلفة عن الآخر ، ولقد كان هذا الاختلاف ـ في الحقيقة ـ موجودا من قبل هذه الواقعة ، ومعالمه حاضرة في أكثر من موقف سياسي أو اجتماعي أو قيمي أو عقائدي ، كالخلاف الشهير حول بعض جوانب حجية السنة ، والموقف من الحجاب والنقاب وبعض الأحكام الفقهية للمسلمين المهاجرين في الغرب ، وغيرها ، ولكن واقعة تماثيل بوذا فجرت المسألة تفجيرا عنيفا وواسع النطاق ، ربما لأنها تتعلق هذه المرة بصلب العقيدة ذاتها وشعار الإسلام نفسه ، الأمر الذي أفاد في كشف الغطاء عن مخاطر حقيقية تتهدد الفكر الإسلامي ، مهما حاولنا إنكارها أو التقليل من مخاطرها ، وأنها تضع الفكر الإسلامي كله على مفارق طرق شديدة الحساسية والخطر .
وقبل أن نقف أمام تفاصيل المشهد الحالي ، وتياراته ومناهجه ، يكون من الضروري رصد تطورات الحالة الفكرية الإسلامية في العصر الحديث ، منذ بدايات ما يسمى بالنهضة الحديثة وحتى اليوم ، لأن الكثير من التفاصيل إنما تعود إلى جذور بعيدة في شجرة الفكر الإسلامي المعاصر ، يصعب إدراك الصورة العامة الحالة دون العودة إليها والنظر في تياراتها . عندما انكشف العالم الإسلامي أمام التحولات الحضارية الغربية الكبيرة ، وعندما تحول التحدي الحضاري إلى تحد عسكري مباشر ، من خلال قيام الجيوش الأوربية باستباحة أراضي العالم الإسلامي ـ إلا قليلا ـ حيث ذهب كل مستعمر بجزء من " الكعكة " الإسلامية ، أكبرها لبريطانيا ، وبعدها فرنسا ثم إسبانيا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا ، وجد المسلمون أنفسهم أمام صدمة حضارية قاسية ومريرة ، وبدا العقل الإسلامي يطرح السؤال الذي طالما تأخر طرحه ، وهو السؤال الذي جسدته رسالة مسلمي جزيرة " جاوه " ـ إندونيسيا حاليا ـ إلى السيد محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار : لماذا تخلف المسلمون ولماذا تقدمت أوربا ، وهو السؤال الذي عرضه رشيد رضا على الأمير شكيب أرسلان الذي أجاب عليه تفصيليا ثم نشرت الرسالة والجواب عليها في كتاب بعد ذلك يحمل نفس الاسم ، في تلك الفترة كانت الصدمة هي شعار المرحلة ، والصدمة بطبيعة الحال لا تدع مجالا للفكر أن يقيم لوحة الواقع تقييما متكاملا وعقلانيا وراشدا ، لأن الصدمة تولد حالة الذهول ، وفي هذه الحالة يكون الإنسان أكثر احتياجا إلى المحافظة على موطئ قدمه ، ومكانه ، حتى لا تزل قدمه فيما هو هلاك له ولا يدري ، أو أن تزداد خسارته إذا ترك مكانه الذي هو فيه إلى تراجع أكثر وأخطر وأفدح وهو غير مدرك لاتجاهات الفعل الحضاري وريح التقدم ، وهكذا كان العالم الإسلامي في تلك المرحلة ، مرحلة(69/131)
الحفاظ على الذات والهوية والدين واللغة من الاستباحة والانمحاق أمام تيارات الفكر والتحضر الغربية البالغة الحيوية والعميقة النفاذ والتأثير ، ولذلك شهدت هذه المرحلة المبكرة العديد من المعارك التي تمثل " معركة دفاعية " إن صح التعبير ، هدفها الدفاع عن الأصالة ضد موجات التغريب التي تتسلل من خلال مستشرقين أو تلاميذهم أو بعض الشباب الجديد المتهور المنبهر بأوربا وحضارتها وأخلاقها وفكرها ، فكانت هناك معركة مثل معركة العلماء والمحافظين مع قاسم أمين وكتابيه " تحرير المرأة " ثم " المرأة الجديدة " وشنوا فيها حربا شعواء عليه ، وللحقيقة أن جمهور الأمة كان مع العلماء في هذه المعركة ، والقلة المتغربة هي التي ناضلت مع قاسم ، لأن عموم الناس كانت تستشعر القلق ، وإن كانت عاجزة عن طرح بدائل أو حتى تصورها ، ثم كانت معركة على المنوال نفسه مع علي عبد الرازق وكتابه " الإسلام وأصول الحكم " حيث حاول الرجل إهدار الشريعة الإسلامية جملة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والقانون بأفرعه كافة ، بل أهدر وجود شيء اسمه الخلافة أو الدولة في الإسلام ، والحقيقة أن من يقرأ كتاب علي عبد الرازق يهاله مبلغ الضحالة الفكرية والمنهجية في هذا الكتاب ، فهو بالتعبير الدارج " تافه " ولا يتأسس على منطق سوي ولا حجة بليغة ولا عقلانية مفهومة ، ويصعب تصور أن من كتبه قد مر يوما على الدراسات الشرعية أو التاريخية في الإسلام ، ولكن القلق الذي سببه الكتاب كان كبيرا ، وذلك أن العالم الإسلام كان قلقا من حالات الانهيار المتلاحقة ، وكان آ خرها انهيار دولة الخلافة العثمانية ، التي وإن كانت طللا هشا وشكليا وقتها بفعل الدمار والتخريب الذي فعلته جماعة " الاتحاد والترقي " والمؤامرات المتعددة من الدول الأوربية ، إلا أنها كانت تمثل ـ حتى ذلك الحين ـ رمزا في الوجدان الإسلامي على عالمية الأمة المسلمة وهيبتها التاريخية ، وأيضا شاهدا حيا على تواصل حضور القوة السياسية الإسلامية ـ من خلال دولة الخلافة ـ منذ الخلافة الراشدة وحتى نهاية الدولة العثمانية بلا انقطاع ، ولم يكن العقل والضمير الإسلاميان يستوعبان كيف يمكن تصور حياة الأمة من غير سياج الخلافة ، ولعل من أبرز ما يدلنا على هذا القلق والحيرة ، أن علماء الأزهر ، وأغلبهم حنفية ، ظلوا يصلون الظهر جماعة يوم الجمعة عقب صلاة الجمعة ، عقب إعلان الكماليين إسقاط الخلافة ، وذلك لأن فقه الأحناف يربط إقامة الجمعة بنصب الإمام أو الخليفة ، وظل هذا الحال عدة سنوات في مصر قبل أن يستوعب الناس صدمة موات دولة الخلافة .
في أعقاب هذه المرحلة ، مرحلة الصدمة ، بدأت الأمة تعاني من اختراق فكري وعقيدي وأخلاقي واسع النطاق ، من خلال ظهور تيارات سياسية وافدة مثل الحركات القومية العلمانية ، والحركات الشيوعية ،وتيارات الإلحاد الديني ، وهي تيارات كانت تستلهم مددها وحيويتها من مجمل الأوضاع المحيطة بها في العالم الإسلامي ، أكثر مما تملكه من فكر أو رأي أو مصداقية ، فقد استمدت الحركات الشيوعية قوتها من مظاهر البؤس الاجتماعي التي كانت تعيشها جماهير الأمة ، وكذلك الظلم السياسي ونحو ذلك ، في الوقت الذي لم يتقدم الفكر الإسلامي بطرح بديل يواكب هذه التحديات الجديدة ، والوعي بها في المجتمع الإسلامي ، وكان من(69/132)
أسوأ المواقف التي وجد الفكر الإسلامي نفسه فيها أن يكون موقفه هو الموقف الدفاعي ضد الشيوعية كعقيدة ملحدة ومخربة للقيم الاجتماعية والأخلاقية ، وهي كانت بالفعل كذلك ، ولكنها كانت أيضا مشروعا للتحرر الاجتماعي والعدالة ونحو ذلك ، وكان من المفترض أن يتقدم الفكر الإسلامي بطرح بديل يقطع الطريق على متاجرة هذا التيار الإلحادي بالقضية الاجتماعية ، وهو ما لم يحدث إلا في فترات متأخرة ، في أوائل النصف الثاني من القرن العشرين ، عندما كتب سيد قطب ـ على سبيل المثال ـ العدالة الاجتماعية في الإسلام ، وكتب الغزالي ومصطفى السباعي وغيرهم ، وهو ما سوف نعود إليه . وكذلك كانت تيارات المد القومي الجديدة ، والتي نبتت أساسا بالشام ، فالتحمت ـ بحكم المولد والمخاض ـ بالخلفية الطائفية ، حيث برزت الحركة القومية على يد عناصر مسيحية ، كان لها بالضرورة حساسية خاصة مع الإسلام والفكر الإسلامي ، وبالتالي ، ولدت فكرة القومية متباعدة عن الإسلام ومفارقة له ، وبمرور الوقت والتقارب بين التيار القومي والتيارات اليسارية ، حملت الحركة القومية بأبعاد معادية للدين وكارهة لأي دور له سياسيا أو اجتماعيا أو تشريعيا ، ومرة أخرى لم يملك الفكر الإسلامي طرحا بديلا ، يملك الحيوية والجرأة وروح التقدم ، لقطع الطريق على هذا الانحراف بالوعي القومي، وقد كان الأمر ميسورا تماما ، لاحتواء الروح القومية التي تنامت في أعقاب تولي الكماليين للسلطة في تركيا ، ولكن الفكر الإسلامي كان ما زال في أجواء الصدمة ، والرغبة على الحفاظ على الأصالة والهوية ، دون بذل جهد جاد وحقيقي لدعم هذه الهوية في عالم جديد .
والمثير للدهشة أن الجهد الحقيقي الوحيد الذي يمكن الإشارة إليه في ذه المرحلة ، كطرح لبديل إسلامي يواكب التيارات الجديدة ، كان في تفسير القرآن ونصوصه في ضوء التطورات العلمية الجديدة ، فقد اجتهد عدد من العلماء والباحثين ، لكي يقربوا معاني القرآن من الجيل الجديد المهووس بالاكتشافات العلمية والتقدم المذهل الذي وصل له الغرب عن طريق البحث العلمي ، فظهرت كتابات يمكن القول بأنها محاولة لرفع معنويات الإنسان المسلم المضطرب والقلق أمام هذه التطورات العلمية المتسارعة ، فكانت جهود الشيخ طنطاوي جوهري ، وكتابه " الجواهر " وهو محاولة لتفسير النص القرآني بما يتوافق مع النظريات العلمية الجديدة ، وكذلك كتابات الأستاذ محمد فريد وجدي ، والطريف أن فريد وجدي ـ على سبيل المثال ـ حاول تفسير سورة الفيل ، في ضوء العلم الجديد ، وكان الرجل قد تخيل أن العقل البشري في ضوء العلم الجديد والنزعة العقلية لن يسعه استيعاب أن حجرا يقذفه طائر على فيل فيحوله إلى " عصف مأكول " في لحظة ، فتأول الرجل ـ دفاعا عن القرآن ـ المسألة بالقول أن الآية مجرد دلالة رمزية على مرض مثل الطاعون ، أرسله الله فأهلك الأفيال وجيش أبرهة ، وليس القصد هو أن الطير قذف حجارة فدمرت الأفيال بهذا الشكل ، ولا شك في أن فريد وجدي لو عاش إلى أيامنا هذه لأدرك أن تأويله الغريب ليس له ما يبرره على الإطلاق ، لأن العلم الحديث نفسه اكتشف الآن أن حجرا " نوويا " يحمله طير أو طائرة ، لا يبيد فيلا فقط ، بل يبيد مدينة بكاملها ، وما عليها من بشر وشجر ونفس منفوسة . وجدير بالذكر هنا ، أن(69/133)
هذه النزعة ، وإن كانت قد أساءت من حيث أرادت الإصلاح ، إلا أنها كشفت لنا عن اتجاه جديد ، بدأ يتنامى مع الوقت في الفكر الإسلامي ، وهو اتجاه تأويل الإسلام ومعالمه بما يتوافق مع النظريات والأفكار الغربية الجديدة ذات السحر والحضور ، وكانت هذه من أخطر نقاط التحول في الفكر الإسلامي ، وكانت هذه الظاهر قد برزت في الخمسينات والستينات بوضوح ، من خلال الكتابات التي حاولت أن تقرب الإسلام من الفكر الاشتراكي، وتجعل الإسلام دينا اشتراكيا ، ويذكر القراء كتابا لأحد نبلاء الفكر الإسلامي ورجاله الكبار ، الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله " اشتراكية الإسلام " ، وهي نزعة استغلها جيدا فريق جديد من اليسار العربي للإعلان عن توافق الاشتراكية والإسلام ، وأن الإسلام دين اشتراكي ، ويدعو إلى الاشتراكية ، وظهرت نزعة لتفسير الإسلام ونصوصه وشخصياته التاريخية وأحداثه بما يخدم الفكر الاشتراكي ، وقد تبلورت هذه النزعة في ظهور تيار " اليسار الإسلامي " في أوائل السبعينات ولكنه انزوى سريعا لأنه لم يكن يحمل أية مشروعية للحياة ، وكذلك انطفأت سريعا الكتابات التي تحدثت عن اشتراكية الإسلام للسبب نفسه .
ومع السبعينات ، ظهرت حركة الإحياء الإسلامي الكبيرة في العالم الإسلامي ، وهي حركة مدهشة كانت لها امتدادات متوالية وعفوية في مختلف أنحاء العالم ، وكانت عفويتها هذه أهم أسباب عجز النظريات الاجتماعية المختلفة عن تفسير أسباب نشأتها ، وإذا كانت هذه الصحوة قد تفاعلت فيها أفكار متعددة ، وظهرت فيها كتابات متنوعة ، إلا أن هناك كتابات معينة هي التي طبعت هذه الصحوة بطابعها ـ النفسي على الأقل ـ وتركت بصمتها واضحة على أبناء ذلك الجيل ، وليس من شك في أن كتابات الأستاذ سيد قطب ، رحمه الله ، كانت النموذج الأوضح في ذلك المجال ، حيث تواكبت مع الروح الجديدة للصحوة الإسلامية ، وظهور انكسار واضمحلال الأفكار والإيديولوجيات التي كان لها صخب كبير على مدار نصف قرن ، وكان لها السلطة والصولجان ، فأتت كتابات سيد قطب المشبعة بروح الاستعلاء الإيماني الكبير على واقع الناس وتحولات الحياة ، بشرقيها وغربيها ، أتت لتمتزج مع روح هذه المرحلة ، وكان من نتائج هذا التحول ظهور نزعة مغايرة لتلك التي سادت في المراحل السابقة ، نزعة تحتقر الحضارة الغربية ، وتهون من أمرها ، وتطرح عوراتها ومثالبها بدلا من الانبهار بإنجازاتها ، واتجه الفكر الإسلامي ـ من ثم ـ للبحث عن معالم المفارقة مع هذه الحضارة بكل تجلياتها وإفرازاتها ، وليس عن أوجه الاتفاق معها ، وكانت هذه الروح الجديدة ضرورية للغاية لاستعادة الفكر الإسلامي لثقته في ذاته ودينه وتراثه ، ولكي ينفض عن كاهله ، بقوة ويقين وإصرار ، عوالق مراحل التيه والذهول والاضطراب التي عرفتها الأمة في عصرها الحديث ، ولكن بالمقابل كانت لهذه النزعة أخطارها وأخطاؤها ، إذ أنها، ككل موقف يقوم على رد الفعل ، غالت في الاستعلاء على الواقع ، والقطيعة معه، إلى الحد الذي حرمها من إمكانيات التواصل معه والتأسيس لمشروعها البديل الذي يحتوي هذا الواقع وينتقل به نقلة جديدة إلى الأمام ، وامتدت هذه القطيعة لتشمل كل معالم الواقع ، فلم يكن للحركة الإسلامية مشروعها السياسي أو مؤسساتها الاقتصادية ، أو(69/134)
نشاطها الأهلي ، أو حضورها الإعلامي ، أو غير ذلك من معاني الحضور وتجلياته ، الأمر الذي حرمها كثيرا من ريادة الفعل الاجتماعي والسياسي ، وجعل بعض فصائلها يتجه إلى ألوان من الرعونة السياسية عندما حاول أن يصرف " فائض القوة " لديه في عمل سياسي أو جماهيري .
ثم أتت المرحلة الأخيرة التي نعيشها الآن ، وهي المرحلة التي يمكن تحديد نشأتها ـ تقريبا ـ بأوائل الثمانينات ، والتي شهدت وما قبلها عددا من الأحداث الجسام ، منها قيام الثورة الإيرانية وما مثلته من عوامل جذب وتحريك لأشواق النصر عند الإسلاميين ، وكذلك حادث اغتيال الرئيس السادات في عملية مثيرة ، وكذلك في الصراع الدموي بين الحركة الإسلامية والنظام السوري ، هذه الأحداث دشنت مرحلة جديدة في العمل الإسلامي ، يمكن وصفها بمرحلة البحث عن المستقبل ، فبعد أن مر الفكر الإسلامي بمراحل الصدمة والذهول ، ثم مرحلة البحث عن مواءمة مع الفكر الغربي ، ثم مرحلة الاستعلاء وإثبات التميز ، بدأت المرحلة التي لا بد وأن كان يصلها الفكر الإسلامي ،وأن يجد نفسه في مواجهة السؤال الكبير ، وماذا بعد ..؟ ، وكيف ندخل في عالم اليوم وتحدياته ، فكانت هذه هي مرحلة التأسيس لمشروعه المستقبلي الذي يعبر عن هويته وأصالته ، في الوقت الذي يعبر فيه أيضا عن قدرته على مجابهة تحديات الواقع المعاصر ، على مختلف الأصعدة ، وأن يطرح مشروعه الذي يؤسس فيه لحضارة جديدة وعالم جديد أكثر عدلا واستنارة ورشدا . هذا التفكير الجديد ، التفكير المستقبلي ، وضع الفكر الإسلامي على مفارق طرق ، لأن الأخطر دائما ليس ما ترفضه ، وإنما ما تقوله أو تبدعه .
وقد أفرز هذا الانفتاح التفكيري تيارات ومناهج متعددة للنظر في المستقبل الإسلامي وصياغة مشروع للنهضة ـ إن صح التعبير ـ يعبر تعبيرا راشدا وحقيقيا عن روح الإسلام ودوره في الحياة الإنسانية ، ويمكن استجماع شتات هذه التيارات في ثلاثة اتجاهات ، وإن كان كل اتجاه منها يحمل بداخله بعض التباينات في طرح منتسبيه في الدرجة والحدة ، إلا أن الوجهة العامة والخطوط الأساسية متجانسة إلى حد بعيد . الاتجاه الأول ، وهو اتجاه سلفي واضح النزعة ، يأوي إلى نصوص الوحي ، بصرامة كاملة ، ويأوي إلى السنة المشرفة فيما يعن من مسائل ، صغيرها وكبيرها سواء ، بحكم أن السنة هي الموضحة والشارحة للنص القرآني ، كما أنه تيار يصدر عن قناعة بأن انفلات الفكر من إطار الوحي ودخوله في باب الاجتهاد العقلاني الواسع يوقعه حتما في المعسكر المعادي أو المفارق للوحي ، ويتحول بمرور الوقت إلى عنصر هدم وتخريب في قواعد الإسلام حتى وإن ظن أنه يحسن صنعا ، ويهتم هذا التيار بشكل كبير بالقضايا العقدية ، وتفاصيلها ، والفروق المنهجية والعقدية بين التيارات الإسلامية المختلفة قديمها وحديثها ، وفي الوقت الراهن برز اهتمام هذا التيار بمسألة القبور والأضرحة وما يقع فيها من بدع الطواف والاستغاثة والنذر ونحو ذلك مما لا يجوز إلا لله ، وخاضوا حروبا مريرة مع هذه البدع في العالم العربي وفي أطراف العالم الإسلامي المختلفة ، وحيثما حلوا ، كما يولي هذا التيار اهتماما واضحا بالهدي الظاهر والالتزام به ، من الزي واللحية والنسك والتزام المساجد وعمارتها والآداب النبوية وإحيائها في السلوك العام ، والذي لا شك فيه أن(69/135)
هذا التيار يمكن القول بأنه الوجه الأكثر حضورا وبروزا في الصحوة الإسلامية الأخيرة التي عرفتها الأمة ، من حيث الجهد الضخم الذي بذله أبناؤه والروح الجديدة التي بثوها في جنبات الأمة ، والبصمة الواضحة التي وضعوها في الحياة الاجتماعية والدينية بشكل خاص ، بل إن الصدمة الكبيرة التي أحدثها الحجاب والنقاب واللحية ومعالم الهدي الظاهر ، إنما خاض معتركها هذا التيار بكل جسارة ، وهذه الجوانب كانت بمثابة الراية التي تمثل حضور الصحوة الإسلامية في بلاد المسلمين . ولكن هذا التيار كان يشوبه العديد من الأخطاء والسلبيات التي تعوق مسيرته في قيادة الأمة ، وإكمال مشروع حضاري ملائم لها ، بل إن غياب هذا المشروع عن وعي وطرح رواد هذا التيار ، كان من أبرز المعالم السلبية فيه ، إن هذا التيار عرف ما يرفض أكثر مما عرف ما يقول أو ما يطرح ، وكان من الصعب أن تصنع مستقبل أمة بمجرد الوقوف عند معاني الهدي الظاهر ، أو حتى عند التنبيه على أخطاء عقدية تقع من بعض أبناء الأمة ، الناس كانت في حاجة إلى مشروع سياسي يحتوي طموحاتها ويحقق لها الإحساس بالكرامة الإنسانية في أوطانها ، وكانت في حاجة إلى رؤى جهادية تحقق لها آمالها في صراعها مع اليهود وغيرهم ، وكانت في حاجة إلى مشروع اجتماعي يحقق لها الاطمئنان والاتزان في البناء النفسي للمجتمع واحتواء نزعات الشطط والانفلات الموارة داخله ، ومحاصرة الغزو القيمي والنفسي الخطير للغاية الذي ينفذ كل يوم إلى ساحة الدار ونحن عاجزون عن وقفه أو مدافعته ، كانت الأمة في حاجة إلى بناء ثقافي وفكري وفني وإنساني جديد يستوعب طاقات فطرية عند الإنسان المسلم ، وخاصة عند ملايين الشباب والشابات الباحثين عن المتعة الحلال وتنفيس طاقاتهم في مسالك آمنة ، وكل هذا مع الأسف لم نلحظه في أطروحات التيار السلفي ، الأمر الذي أدى إلى وجود فراغات ومساحات من الفوضى في الحالة الإسلامية تقدمت قوى وتيارات أخرى لمحاولة ملئها وقيادة الأمة من خلالها .
التيار الثاني ، وهو التيار السياسي والحركي ، وهو ينتظم في جماعات وأحزاب سياسية متعددة ، وهو تيار يعود إليه الفضل في تسجيل الحضور السياسي الفاعل والمثير للدعوة الإسلامية في مختلف أنحاء العالم ، وكان وما يزال يمثل المجال الحيوي لاستيعاب طاقات أجيال من الإسلاميين ممن يملؤهم الشوق لتسجيل حضور الشريعة الإسلامية في مؤسسات الدولة الحديثة ، والدفاع عن حق الإسلاميين في المشاركة في الحكم أو الشورى أو الهموم العامة في الدولة ، وإن كان هذا التيار يتوزع على جبهات عديدة منها من قبل العمل من خلال مؤسسات الدولة العلمانية لدفع صائلة قوانين العقوبات التي تضطهد العمل خارج القانون الرسمي للدولة ، ويحمد لهذا التيار أنه أعطى الصحوة الإسلامية نوعا من الهيبة في العمل العام والسياسات المحلية والدولية ، ولكن المشكلة الكبرى في هذا العمل هي في التبعات التي تعلق بأي نشاط سياسي ، وهي خفة الضبط العقدي والمنهجي والقيمي لخدمة ما تراه الحركة مصالح عملية أو سياسية ، كما أن التربية في صفوف أبنائها ترتكز على تنشيط الوعي العام بأحوال الأمم والواقع السياسي المحلي والدولي على حساب عمق التربية العقدية والسلوكية ، ولعله مما يلاحظ عامة على تلك التوجهات قلة الاهتمام(69/136)
بالسنن ومعالم الهدي الظاهر ، بل هناك نوع من الاستخفاف بها وربما التهكم على الملتزم بها ، والأمر الجدير بالملاحظة أن التيار الحركي السياسي الذي ينشط خارج المؤسسات الرسمية ، في تنظيمات لها طابع سري أو غير قانوني ، هي ـ من بين أبناء ذلك التيار ـ التي تكون أقرب إلى التربية العقدية ، وهي ملاحظة تحتاج إلى تحليل بلا شك ليس هنا مكانه .
ويبقى التيار الأخير وهو ذلك التيار الذي ينزع إلى الاجتهاد العقلاني في فهم النصوص والواقع الدعوي والعام ، وهو تيار قوي يملك أصحابه قدرا عاليا من رجاحة العقل ، ويملكون ـ عادة ـ خبرة عميقة بالحالة الثقافية والسياسية في المجتمع المحلي والدولي ، كما أنه بالنظر إلى أن كثيرا من أقطاب هذا التيار هم من المتحدرين من تجارب عقدية ومنهجية مغايرة للمنهج الإسلامي وعقيدته ، من ماركسيين وقوميين وبعثيين وليبراليين لا دينيين ، فإن في مواقفهم الفكرية قيمة كبيرة في التصدي لرموز التيارات التي كانوا ينتمون إليها ، وقدرة عالية على دحض حججهم ، وكشف عوارهم وفضح تناقضاتهم وهشاشة موقفهم الفكري ، ولا شك في أنهم أفضل من قاموا ويقومون بهذا الدور ، ولكن هذا السبب الذي منحهم هذه الإيجابية في النشاط الإسلامي العام ، هو نفسه السبب الذي مثل نقطة الضعف الواضحة في نشاطهم ، وذلك أن علاقة هذا الفريق بأصول الشريعة ليست حميمة ، وحسهم الفقهي والتراثي فيه غربة ، وبناءهم العقلي والنفسي اكتمل قبل تشربهم لروح الإسلام ، ولذلك تأتي رؤاهم في العديد من القضايا الإسلامية العامة ، وخاصة ما يتصل منها بالسنة أو شؤون العبادات أو أصول التشريع ، تأتي ناشزة ، ومفارقة لإجماع أهل العلم ، كما أن لديهم جرأة مدهشة على تجاوز النص الشرعي إذا لم يوافق تأملهم العقلي ، والخطير أن عقلهم العلمي لم يتأسس ويتبحر في غمار العلوم الشرعية ، ولم يألف وعي الفقهاء والعلماء بالمشتبهات وتخريج ما غرب على العقل العام من الأحكام والنصوص ، ولذلك يستسهلون إسقاطها أو تجاوزها ، وترى منهم جرأة عجيبة في هذا الباب ، بل هناك حالة من الاستعلاء غير الصحي في مواقفهم تجاه أبناء الدعوة الإسلامية ممن لا يوافقونهم في نزعتهم ، وأخطر ما في أمر هذا التيار أنهم اقتربوا من بعض " المشايخ " إنسانيا وفكريا ، وأثروا فيهم تأثيرا كبيرا ، وخاصة عندما دخلوا إليهم من باب نظر الغرب إلى الإسلام ، وتحسين صورة الإسلام أمام الإنسان الغربي الجديد ، وما تصوروه تيسيرا على الناس في الأحكام ونحوها ، في حين أنه ينتهي إلى إضعاف وجود الدين ودوره في حياتهم وفتح باب الاستهانة بالأحكام الشرعية ، وقد تولدت الكثير من التفريعات والتقعيدات غير الحميدة من هذا التيار أثرت سلبيا على اعتصام الأمة بالكثير من معالم الشريعة والجرأة على الاستهانة بها ، من مثل تقسيم الدين إلى لباب وقشور ، واستبدال مصطلح التجديد بمصطلح الاجتهاد ، للهرب من الواجبات العلمية التي يفرضها استحداث النظر في قضايا الشريعة ، وغير ذلك من أمور .
هذه هي التيارات الثلاثة التي توجه الحالة الإسلامية اليوم ، في مرحلة البحث عن مستقبل للمشروع الحضاري الإسلامي ، وهي في الحقيقة تيارات على قدر ما فيها من تباين على قدر ما فيها من تكامل وتعاضد ، إذا حسن إجراء حوار علمي(69/137)
وحضاري وديني جاد بين رموزها ، وإذا أمكن السيطرة على نوازع الغلو في كل تيار ، وهي موجودة في الجميع ، وفي تقديري أن مستقبل المشروع الحضاري الإسلامي مرهون بمثل هذا الأمل في تكامل هذه الجهود ومن ثم امتزاجها في تيار عام يعيد بناء الشخصية المسلمة ، ويعيد بناء الأمة ، والدولة ، ثم يعيد بناء الخطاب الإسلامي العام إلى العالم كله . إن النهضة الإسلامية في تصوري لا يمكن أن تقوم إلا على بناء سلفي متين ، لأن هذه النهضة في أساسها هي نهضة دين ، فهو قطب وجوده ووجودنا ، ودين الله هو نص كتابه وسنة رسوله ، ومنهج السلف الصالح الذي تأسست عليه هذه الأمة العظيمة التي ننتسب إليها ، ومن أراد أن يجتهد أي اجتهاد ، علمي أو سياسي أو دعوي أو حضاري وينسب ذلك إلى الإسلام ، فعلى هذا النهج الواضح ، بلا التواء ولا مجاملات ، فالأصل العام في النهضة الإسلامية ، أنها نهضة أمة الكتاب والسنة، أمة الوحي ، فهو الراية وهو الدليل وهو الرائد ، وعندما نفقد التزامنا بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ، فإن سفن النهضة تنفلت من مسارها خبط عشواء ، تتجاذبها الرياح رياح الفكر ورياح الفتن ورياح الشهوة ، ثم تغرق بها في قرار سحيق ، وعلى جانب آخر فإن هذه النهضة لا بد وأن يكون لها حضورها الواعي في معترك الحياة الإنسانية بكافة تشعباتها ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، لأننا نبني أمة بشرية ، وللبشر احتياجاتهم ، وللأجيال طاقاتها التي تحتاج إلى أن تفرغ في مشروعات بديلة آمنة ، وعندما تتوقف أنت عن ذلك وتنعزل فسوف يتقدم غيرك ويقود هذه الطاقات ، إنه من الميسور أن يمارس المسلم الآن دور رجل المرور في شوارع الفكر والأخلاق والاقتصاد والسياسة ، فيحذر هذا من ذاك الطريق ، وينهى الآخر عن هذه المركبة ، ولكن دون أن يكون قد خطط سبلا وطرقا وخدمات بديلة تضبط مسار الفعل في المجتمع وتستوعب توسعات النشاط وتوسعات الطموح عند الناس ، وأن يقوم بتنفيذها أو بعضها بالفعل ، وكذلك فمشروع المستقبل الحضاري لا يمكنه تجاهل عطاء الفكر الإنساني ، وخاصة المفكرين الإسلاميين ، ودورهم في تحريك الوعي الإسلامي والدفاع عن الإسلام ضد خصومه ، وحماية العقل الإسلامي من كثير من المخاطر التي تهددته من تيارات ومناهج وافدة ، كما لا يمكن أن يتجدد عطاء الإسلام في حياة الناس من غير أن تتجدد اجتهادات تتأمل في مستجدات الهموم والخطوب ، وتطرح البديل الشرعي الذي ربما لم ينتبه له القدماء ولم تصطدم به آلة الفقه في السابق ، ولا بد وأن تكون هناك رحابة صدر في احتمال ما ينجم عن مثل هذه الاجتهادات من أخطاء أو مثالب ، يمكن تداركها والإبانة عن زللها والتحذير منها ، ولكن دون أن نجرح أصحابها أو نهيل على تاريخهم التراب .
وبعد ..
فقد كانت هذه إطلالة عامة بطبيعة الحال ، على تحولات الفكر الحضاري في العالم الإسلامي في العصر الحديث ، تحتاج إلى حوار ونقد وتمحيص وإضافة وحذف ، كما تحتاج إلى كثير من إحسان الظن بصاحبها ، الذي يعترف بأن بضاعته في هذا الشأن " مزجاة " ، فإن أحسنت فمن الله وبرحمته ، وإن زللت فمن نفسي والشيطان ،(69/138)
والحمد لله أولا وآخرا ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي الخاتم وعلى آله وصحبه أجمعين .
ـــــــــــــــــــ
عبدالحميد أبوسليمان: أعلى معدلات للعنف ضد النساء في الغرب
حوار: علي عليوه 20/12/1427
10/01/2007
دعا الدكتور عبد الحميد أبو سليمان رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي في واشنطن إلى ضرورة التصدي للهجمة الغربية الشرسة على نظام الأسرة في المجتمعات الإسلامية، ومحاولة الغرب فرض رؤيته للعلاقة بين الرجل والمرأة .. تلك الرؤية التي تنطلق من نظرة ترى أن الرجل والمرأة متماثلان تمام التماثل، ولا يعترف حتى بالفروق النفسية والبيولوجية، وترتكز على مفهوم للحرية المطلقة المنفلتة من أي قيود دينية أو خلقية.
وشدد في مقابلة صحفية مع شبكة (الإسلام اليوم) على أهمية طرح رؤية بديلة تجسد المنظور الإسلامي للعلاقة بين الرجل والمرأة التي تقوم على التكامل وليس التماثل؛ لننقذ بها أنفسنا والآخرين بعد أن جلب المفهوم الغربي لتحرير المرأة المزيد من الظلم والمعاناة للمرأة الغربية، وأدى إلى تفكك مؤسسة الأسرة؛ مما يُعدّ مؤشرًا على قرب انهيار الغرب ذاته.
وفيما يلي تفاصيل المقابلة ..
المعهد العالمي للفكر الإسلامي له مشروع بحثي مهم لتأصيل العلوم الاجتماعية والإنسانية من المنظور الإسلامي.. فما هي أهم الأسس التي يقوم عليها هذا المشروع؟
كل شيء في الوجود مبني على نسق ومنظومة معينة، وكذلك لكل ثقافة وحضارة منظومتها والنسق الخاص بها، ومن هنا لا يمكن التعامل مع الحقائق العلمية والإمكانيات المادية بعيدًا عن تلك المنظومة وذلك النسق، وهذا ينطبق أيضًا على الإسلام ونظرته المتميزة للخالق والكون والحياة.
وقد وقع المسلمون في خطأ وهم يظنون أنهم على صواب حين أخذوا من الحضارات الأخرى الغث والسمين دون فرز وتحديد المفيد لهم في دينهم ودنياهم، ويكون في ذات الوقت موافقًا لعقيدتهم، وحين التحم المسلمون بالحضارة اليونانية في العصر العباسي وهي حضارة ذات منظومة ونسق خاص يتميز بالصورية والأسطورية انتهى بهم الأمر إلى الوقوع في الفتن، من أمثال قضية خلق القرآن وتعارض العقل مع النقل، مع أن الصحيح هو المقارنة بين الوحي والفطرة، والعقل هو الوسيلة للإدراك، وهنا لا يصير خلاف بين العقل والنقل.
مهمتنا هي كيفية استعادة الرؤية الحضارية الإسلامية، ونعي طبيعة المنظومة الخاصة بتلك الرؤية ونفهم منظومة الطرف الآخر ويكون بيننا وبينه حوار وتلاقح إيجابي يفيدنا ويفيدهم، ومن هنا يأتي مفهوم إسلامية المعرفة ليس كما يروّج أعداء هذا المفهوم بأنه سيكون هناك حساب إسلامي أو كيمياء إسلامية وكيمياء أخرى(69/139)
مسيحية؛ فإسلامية المعرفة تعني السعي للتوصل إلى الحقائق في إطار المنظومة والنسق الخاص بكل حضارة.
وفي العلوم الاجتماعية والإنسانية ينبغي أن ننطلق من إطار الفطرة التي فطر الله الناس عليها، أي من منظور الوحي وكل ما يتعارض مع هذا الوحي لا ينبغي أن نعتبره علمًا انطلاقًا من أن حقائق العلم والوحي لا يمكن أن يتعارضا؛ لأن مصدرهما واحد وهو الخالق سبحانه وتعالى.
ومن هنا لا يمكننا أن نقبل بعض النتائج التي توصلت إليها العلوم الاجتماعية والإنسانية الغربية من تاريخ وعلم نفس ونظريات سلوكية وتربوية وغيرها؛ لأنها انطلقت من رؤية ونسق خاص بالغرب وحضارته المادية العلمانية التي تخالف النسق والرؤية الإسلامية للخالق والكون والحياة، صحيح قد يكون هناك مناطق التقاء في الفروع والجزئيات، وهو ما يسمى بالمشترك الإنساني العام، ولكن الأصول والجذور والمنطلقات تظل مختلفة بيننا وبينهم.
من هنا فإن إسلامية المعرفة تعني تفعيل الرؤية التوحيدية في مناهج البحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية لتحقيق مقاصد الحضارة الإسلامية، وهذه الرؤية تقوم على عدد من الأسس، وهي التوافق والتكامل والأخلاقية والتناسق والغائية، وهذه كلها هي ملامح الفطرة السوية؛ وليس العشوائية والمادية والعرقية والتظالم والحيوانية، وهي الأسس التي تقوم عليها الرؤية الغربية.
كما أن إسلامية المعرفة والجهود فيها تستهدف إعادة بناء المنظور الإسلامي والبحث في كيفية تطوير النظر والرؤى في الحياة الاجتماعية والعلمية وسواها؛ انطلاقًا من هذا المنظور بهدف تحقيق التوافق والتناسق والاستجابة للفطرة وترشيدها للوصول إلى مرضاة الله وإعمار الأرض وفق منهج الله تعالى.
لماذا يعطي المعهد العالمي للفكر الإسلامي للقضايا المتعلقة بالمرأة والأسرة اهتمامًا خاصًا في خططه البحثية ودراساته؟
نحن مهتمون بقضايا المرأة والأسرة؛ لأنهما المدخل الذي يدخل منه أعداء الإسلام في محاولتهم تشويه الإسلام عقيدة وشريعة، ودفع المرأة المسلمة للتمرد على دينها ومجتمعها، إلى جانب أن القضية الوجدانية وعلاقتها بالإرادة الإنسانية وتعديل السلوك البشري واكتساب القيم لها علاقة مباشرة بالناحية التربوية التي هي الدور المحوري للأسرة.
فالعلماء يؤكدون أن تحويل أي معرفة ذهنية إلى فعل يعتمد على الناحية الوجدانية، فإذا كانت المعرفة الذهنية غير متفقة مع الناحية الوجدانية فسيحدث عدم التوافق، فنجد الإنسان يعرف الصواب ولا يفعله، ويعرف الخطأ ويفعله، لذلك من المهم جدًا أن يكون الاثنان على نفس الموجة والاتجاه، وهذا ما يتم داخل الأسرة، التي استطاعت أن تحمي المجتمعات الإسلامية، على الرغم من هذا الكم الكبير من الانحرافات والخلافات العرقية والمذهبية والاهتراء العام في أوضاع المسلمين، وأبقت على مفهوم الأمة الإسلامية من خلال الحفاظ على القيم والعقيدة الإسلامية وأخلاقياتها وتنشئة الأبناء عليها جيلاً بعد جيل.(69/140)
ولكن هناك العديد من الدراسات تشير إلى تراجع الدور التربوي للأسرة بسبب انشغال الأم والأب بالعمل خارج البيت وتزايد معدلات الطلاق؛ مما يهدد تماسك الأسرة واستمرارها. فما رأيكم؟
نظام الأسرة في المجتمعات الإسلامية يواجه حاليًا نوعين من التحدي:
أولهما: كيفية إحداث النقلة للأحكام والمقاصد الشرعية المتعلقة بالأسرة التي وجدت في الأزمنة السابقة إلى العصر الحالي الذي لا شك أنه يختلف تمامًا عن تلك الأزمنة، وتتلخص تلك المقاصد في قاعدة أوجزها القرآن الكريم في (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [سورة البقرة: من الآية 229]، وما خالف العشرة الحسنة أو التفريق الذي لا يحفظ حقوق كل من الطرفين فليس من مقاصد الشريعة، ومن هنا فان إحداث النقلة المطلوبة للتطبيقات التاريخية إلى تطبيقات معاصرة هو التحدي الأول .
أما التحدي الثاني فيتمثل في الهجمة الغربية الشرسة على نظام الأسرة في المجتمعات الإسلامية ومحاولته فرض رؤيته للعلاقة بين الرجل والمرأة، تلك الرؤية التي تنطلق من نظرة ترى أن الرجل والمرأة متماثلان تمام التماثل.. ولا يعترف حتى بالفروق النفسية والبيولوجية، وهذا ضد الواقع والطبيعة، لذلك فالمرأة هناك صارت تعاني من الظلم الناجم عن تحميلها أعباء العمل المنزلي إلى جانب العمل خارج البيت، والحرية المطلقة المنفلتة من أي قيود دينية أو خلقية.
وهذا الوضع أدى إلى حدوث تشققات كبيرة في مؤسسة الأسرة في الغرب، ومن مظاهر ذلك بروز ظاهرة الأطفال الذين يولدون سفاحًا، والأطفال اليتامى الذين يعيشون مع أمهاتهم بسبب انفصال الآباء عن هؤلاء الأمهات، وتزايد معدلات الطلاق والعنف الأسري والعلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج.
ما أهم خصائص الرؤية البديلة للعلاقة بين الرجل والمرأة المطلوبة لإنقاذ مؤسسة الأسرة؟
الرؤية البديلة هي الرؤية الإسلامية التي تنطلق من مبدأ التكامل بين الرجل والمرأة، وليس التماثل كما هو الحال في الغرب، وتعطي الفروق بينهما قيمتها ومعناها، و تعكس تلك الفروق في ترتيب المهام والوظائف التي يقوم بها كل منهما والتي خُلق من أجلها، ومن المعلوم أن المرأة تمر بمرحلتين في حياتها مرحلة الخصوبة والحمل والإرضاع والتربية، وتمتد هذه المرحلة إلى حوالي الخامسة والأربعين أو تزيد قليلاً، وبعدها تنتهي وظيفة الإنجاب.. فالمفروض في النظام البديل الذي نسعى إليه أن تكون للأمومة الأولوية في فترة الخصوبة والحمل والإرضاع؛ لأنه لا أحد يستطيع القيام بتلك المهمة غير المرأة.
والسؤال المهم هو كيف نجعل المرأة في النصف الآخر من حياتها الذي يحدث لها فيه تغيرات عديدة، حتى هرموناتها الأنثوية يلحقها هذا التغيير، تدخل باب العمل في ذلك الوقت، وتعتبر في الواقع قادرة عليه، ولا يشغلها عنه شيء وتصبح متفرغة لمن حولها.
وعلينا أن نقدم الرؤية البديلة التي تحقق للرجل والمرأة كليهما طبيعته وفطرته والتكامل فيما بينهما، ونضع تشريعات تنصف الطرفين، وتجعل كلاً منهما يحقق(69/141)
رسالته في الحياة، وبهذا لا ينهار نظام الأسرة، ونستعيد النظام العام والرؤية الجماعية؛ لأن انهيار نظام الأسرة في المجتمعات العربية والإسلامية من شأنه مضاعفة مآسي المسلمين.
وما الدور المطلوب من المجتمع لتفعيل تلك الرؤية من وجهة نظركم؟
ينبغي على المجتمع أن يوفر للمرأة في المرحلة الثانية من حياتها فرص العمل وبرامج التأهيل الوظيفي، وأن نرد لها الجميل لما بذلته من جهد كبير في الحمل والإرضاع والتربية وإدارة البيت بإعطائها ميزات وظيفية، منها على سبيل المثال أن تحتسب فترة وجودها في البيت لتربية أطفالها أقدمية في الوظيفة، وبالتالي لا تُعامل مثل الخريجة الجديدة.
ولكن هناك إشكالية تواجه الأسرة في بداية تكوينها، وهي أن الزوجة التي تترك العمل للتفرغ للبيت يكون دخل الزوج ضعيفًا، ولا يكفي متطلبات المعيشة، وهنا فإن الدولة عليها أن توفر للأسرة دعمًا إضافياً بإعطاء الزوجة التي تتفرغ للبيت جزءًا من راتبها الذي كانت تتقاضاه، وهذه إشكالية اقتصادية ينبغي أن يتم معالجتها في مجال الاقتصاد الذي هو مسؤولية الدولة، وليس على حساب الأسرة التي يجب أن نوفر لها كل أسباب الاستقرار والنجاح، وما يُنفق من موارد الدولة في هذا المجال هو تقوية للمجتمع وللدولة في نفس الوقت.
وينبغي الاهتمام بطرح هذه الرؤية البديلة وتوصيلها للعالم لننقذ بها أنفسنا والآخرين أيضًا؛ انطلاقًا من أن الإسلام هو سفينة الإنقاذ للحضارة الإنسانية المعاصرة، ولابد من العناية بالتربية الوالدية، وإعادة ترتيب أوضاعنا وفق منهج الإسلام وتعاليمه حتى لا تلقى الأسرة المسلمة مصير الأسرة الغربية.
وعلينا أن نبين للناس أن تحرير المرأة في الغرب أضر بالمرأة فهي تعمل دوام كامل، ثم تعود متعبة إلى البيت لتقوم بأعباء التربية وإطعام أسرتها وسائر الأعمال المنزلية، ثم هي تساهم أيضًا في نفقة البيت والرجل يجلس مستريحًا بعد العمل، وقد يتقاعس عن القيام بالإنفاق من راتبه، ويلقي بتلك المسؤولية على كاهل الزوجة، فتصبح هي الأم والأب معًا، وهذا ظلم فادح لها.
هناك محاولة لضرب مفهوم "قوامة الرجل" داخل الأسرة بزعم أن تلك القوامة هي نوع من الاستعباد للمرأة. فما رأيكم بهذا الزعم؟
هذا الفهم الخاطئ للقوامة يرجع إلى تبني المنظور الغربي للأسرة والعلاقة بين الرجل والمرأة والنظرة إليهما على أنهما كائنان متماثلان وليسا متكاملين، ولو أنهم انطلقوا من منطلق التكامل لأدركوا أن مؤسسة الأسرة بطبيعتها تختلف عن بقية المؤسسات الاجتماعية؛ فعلى سبيل المثال هم يريدون من الرجل أن يعمل وينفق على أولاده وزوجته ويوفر لهما أكبر قدر من الإمكانيات، وليس له حقوق على أسرته ولا يثق في انتماء الأسرة إليه.. فلماذا يبقى؟ لذلك هو يترك البيت، وتُفاجَأ المرأة الغربية في الصباح بأن الزوج قد ترك البيت، واختفي مع امرأة أخرى، ونفس الشيء ينطبق كذلك على المرأة.
أما الأسرة في الإسلام فللرجل مكانته وللمرأة مكانتها، وأي مؤسسة لابد لها من رئيس واحد؛ لأن تعدد الرئاسات يجعل الأمور فوضى، لذلك أُعطيت الرئاسة للرجل(69/142)
في حدود الضوابط الإسلامية، وهي (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) [سورة الشورى: من الآية 38]، فلا تسلُّط ولا استبداد ولا تعسف؛ لأن الرجل بطبيعته له قدرات يتميز بها عن المرأة تؤهله لهذه القوامة، منها القوة البدنية التي تمنحه القدرة على العمل والكدح والحماية، والعقلانية في اتخاذ القرارات، على العكس من المرأة التي يغلب عليها العاطفة والانفعال، وتأتيها الدورة الشهرية فتجعلها شبه مريضة أياماً عديدة كل شهر.
ولكنّ إخفاقنا في توضيح المعنى الصحيح للقوامة للآخرين أعطى الغربيين الفرصة لمهاجمة وتشويه تلك القوامة التي تعني القيام على الشيء بما يصلحه، وهي تلقي بمسؤوليات كبيرة على كاهل الرجل؛ من حيث الإنفاق ورعاية شؤون الأسرة والسهر على حمايتها، وكما يُقال في الأمثال المصرية: "هو في الليل خفير وفي النهار أجير" .. أي أن القوامة تلقي على الرجل المزيد من المسؤوليات والأعباء والتكاليف، وهي لمصلحة المرأة والأبناء، ولصالح الأسرة.. وهل يضر المرأة أن يكون هناك من يسهر على رعايتها، ويحقق لها مصالحها هي وأولادها؟
البعض يحاول دفع المرأة المسلمة إلى التمرد على نظام الأسرة بحجة أن الإسلام يعطي الرجل الحق في ضرب زوجته. فما هو ردكم على هذا الطرح؟
أنا لي كتاب حول قضية الضرب؛ بينت فيه أن المقصود بالضرب لغة هو العظة وضرب الأمثال والزجر، وليس الضرب بمعنى الإيذاء البدني عندما تكون الزوجة ناشزًا، أي التي لا تطيع زوجها، وللأسف فنحن لا زلنا نتمسك برؤى فقهية تمتّ لعصور سابقة، لها ظروفها الزمانية والمكانية والمجتمعية التي تختلف عن ظروفنا في عصرنا الحالي، وبالتالي لابد أن تكون هناك اجتهادات تأخذ هذه الظروف في الاعتبار خاصة أنه لم يثبت أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ضرب امرأةً قط.
ومن الثابت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يفعله خياركم".. أي الضرب والإيذاء البدني.. كما أن الفقهاء وضعوا شروطًا لهذا الضرب؛ بألاّ يكون مبرحًا وألاّ يكسر عظمًا ولا يسيل دمًا، وأن يكون بما يشبه السواك، وهذه الشروط تجعل الضرب أشبه بالتأنيب لا التعذيب الذي تعيشه المرأة الغربية على يد الزوج أو العشيق، ويصل إلى حد القتل وإحداث العاهات.
ولكن العلمانيين يرون أن حركة تحرير المرأة في الغرب جعلت أوضاع المرأة الغربية أفضل حالاً من المرأة العربية والمسلمة؟
هذه المقولة غير صحيحة تمامًا، ومما يؤكد ذلك تلك الدراسة التي قامت بها إحدى الباحثات في حقوق المرأة، وهي سمر الزين، التي أكدت فيها من واقع المصادر الغربية بؤس أحوال المرأة الغربية؛ فعلى سبيل المثال تشير الدراسة إلى أن الشرطة الفيدرالية الأمريكية أصدرت تقارير عن العنف ضد المرأة الأمريكية تشير إلى أن 79% من الرجال في أمريكا يضربون زوجاتهم ضربًا يؤدي إلى عاهة، وأن 17% منهن تستدعي حالاتهن العناية المركزة، وهناك زوجة يضربها زوجها كل (18) ثانية في أمريكا، إلى جانب ذلك فإنه يتم اغتصاب (1900) فتاة يوميًا في أمريكا!
ـــــــــــــــــــ
اليوم العالمي للمرأة .. رؤية إسلامية(69/143)
المرأة بين عدل الإسلام ..وبيوت الغرب الخربة
د. ليلي بيومي 5/1/1424
08/03/2003
كانت الدعوة الدولية إلى تخصيص يوم الثامن من مارس كل عام للاحتفال باليوم العالمي للمرأة، انتصارا كبيرا للمرأة في أنحاء العالم - وخاصة المرأة الغربية – التي عانت وما زالت تعاني حتى الآن من أشكال متعددة للتمييز ضدها .
وكانت الاشتراكية الألمانية " كلارازيتكين " أول من دعت إلى الاحتفال بيوم المرأة العالمي، ونجحت في إقناع الرئيس لينين بجعله يوم عطلة عامة في الاتحاد السوفييتي السابق، لكن فكرة اليوم العالمي للمرأة تبلورت في مؤتمر كوبنهاجن عام 1910، واحتفل به الغرب في الثلاثينات، لكن ما لبث أن طواه النسيان حتى السبعينات حينما أحيته الأمم المتحدة من جديد ودعت للاحتفال به .
ولعل ما لاقته المرأة الغربية بدء من الإمبراطورية الرومانية التي تاجرت بجسد المرأة، ولم ترفيها شيئا غير إمتاع الرجل والرقص له، ومرورا بعصور الظلام حيث جعلتها الكنيسة روحا شريرة، وفي عصور الظلام أيضا كانت المرأة في أوروبا تورث كما يورث المتاع، ولكن النهضة والتطور الصناعي والثورة الفرنسية وما انعكس به كل ذلك على الحياة السياسية والاجتماعية في البلدان الأوروبية، وزيادة الاهتمام بحقوق الإنسان التي سحقتها الكنيسة، ومع تطور الديمقراطية والتمثيل النيابي، بدأت المرأة الغربية في التحرك وتنبيه المجتمع الدولي إلى معاناتها، وهو ما انعكس على اهتمام الأمم المتحدة بالمرأة وتخصيص يوم 8 مارس للاحتفال باليوم العالمي للمرأة، ثم عقد العديد من المؤتمرات الخاصة بالمرأة، لتثبيت حقوق المرأة وتحقيق المزيد من المكتسبات لها من وجهة النظر الغربية البحتة، حتى لو كان ذلك متعارضا مع ثقافات وأديان وحضارات كثير من شعوب العالم، بل حتى لو كان متعارضا مع مبادئ الكنيسة الغربية نفسها .
خديعة المساواة
وبدلا من الحديث عن حقوق طبيعية وواقعية للمرأة، فقد أصبح السائد في المجتمعات الغربية وبالتالي في المنابر الدولية هو الغلو إلى درجة ما يمكن أن يسمى " عبادة المرأة "، وفي هذا الإطار فقد صدر في فرنسا من أكثر من عامين ونصف قانون يتقدم على كل القوانين التي سبقته وعن أي قانون في العالم، حيث ينص على المساواة في التمثيل النيابي بين المرأة والرجل ، ويطالب جميع الأحزاب السياسية بترشيح أعداد متساوية من الرجال والنساء في الانتخابات، ونتيجة لذلك وكما تقول صحيفة الهيرالد تربيون الأمريكية حدث تزاحم على النساء ذات المواهب، لدرجة أن إحدى النساء حاولت ثلاثة أحزاب إقناعها بالانضمام إلى قوائمها الانتخابية!.
ومما يذكر أن 7 % من العمد في فرنسا من النساء، وحوالي 9 % من أعضاء الهيئة التشريعية من النساء، وتعد هذه النسبة منخفضة إذا ما قورنت بدول الاتحاد الأوروبي الأخرى ( الدانمرك 37,1 % ، فنلندا 37 % ، هولندا 33,3 % ، ألمانيا 29,6 % ، أسبانيا 27,1 % وتستمر النسبة في الانخفاض حتى إيطاليا 10,2 % وأخيرا فرنسا 8,7 % ) ..(69/144)
ويذكر أن المرأة الفرنسية لم تحصل على حق التصويت إلا عام 1944، ولكن رغم هذا كله لا زالت قطاعات كبيرة من النساء في فرنسا وأوروبا لا يحصلون على راتب مساو لراتب الرجل الذي يعمل بنفس المهنة، وتضطر المرأة للعمل في المهن الشاقة مثل المناجم من أجل توفير قوت يومها، فهي في الغالب تعول نفسها لأن نسبة الزواج وإعالة الزوج لزوجته منخفضة نتيجة للعلاقات الجنسية المفتوحة، وزيادة معدلات الطلاق .
النساء شقائق الرجال
إذا كان الماضي قد شهد قرونا مظلمة من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان واستغلاله وقهره، فقد كان ذلك واقعا لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948 وفيه حقوق للإنسان عامة بما فيه المرأة، ففي البند 16 منه " للرجل والمرأة إذا بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله" وفيه " ولا يبرم عقد الزواج إلا برضا الطرفين" وفيه أيضا "والأسرة هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة " .. وإذا كان العالم لم ينتبه إلا عام 1948 ليعطي المرأة حقوقها، فقد كان الإسلام سباقا قبل 15 قرنا وكانت تعاليمه بمثابة ثورة لتحرير المرأة، وإذا كان الإعلان العالمي يطالب بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة فإن الرجل والمرأة في الإسلام هما الشقان المكونان للنفس الإنسانية، وهو المعنى الكامن وراء مقولة " النساء شقائق الرجال"، ولهما حقوق اجتماعية وسياسية واقتصادية متساوية بنص الآية 71 من سورة التوبة.
لكن الإسلام في هذه النقطة يقر بوجود اختلافات بيولوجية وفسيولوجية ونفسية بين الرجل والمرأة، اختلافات هي حسب التفسير الصحيح أساس لتكامل دور المرأة في المجتمع والأسرة، إلا أنه رغم ما قدمه الإسلام للمرأة التي كانت سلعة تورث في الجاهلية، وتحريره لها من كل الوجوه، يحلو للغرب دائما إثارة الشبهات حول موقف الإسلام من المرأة، وهذه الشبهات انتقلت إلى المنابر الدولية الخاصة بالمرأة وكذلك المؤتمرات الدولية .
وهذه الشبهات تنحصر أساسا في خمس نقاط ..
الشبهة الأولى : لماذا جعل الإسلام للمرأة نصف الشهادة ؟
الشبهة الثانية : لماذا جعل الإسلام للمرأة نصف الميراث ؟
الشبهة الثالثة : لماذا يجوز للرجل المسلم أن يتزوج بامرأة يهودية أو نصرانية ولا يجوز العكس؟
الشبهة الرابعة : لماذا أعطى حق الطلاق للرجل دون المرأة ؟
الشبهة الخامسة : لماذا جاز للرجل أن يتزوج بأربع نساء ؟
وللرد على هذه الشبهات باختصار شديد، فان نصف الشهادة للمرأة مقترن بالشئون المالية المفترضة ألا يكون للنساء بها إلمام، أما نصف الميراث فلأن نفقة المرأة على الرجل بعكس ما هو سائد في الغرب فإن المرأة لو طردت من عملها يطلقها زوجها؛ لأنه يعتمد على مرتبها، ويحملها نصف أعباء الأسرة المادية .. أما عن زواج المسلم من كتابية دون العكس؛ فلأن الزواج في الإسلام عقد مدني وليس شعيرة دينية، لذلك(69/145)
جاز للطرفين أن يكون لهما ملتان مختلفتان، فالإسلام معترف باليهودية والنصرانية، والزوج إن كان مسلما فسوف يحترم حقوق زوجته الكتابية الدينية، أما اليهودية والنصرانية فلا يعترفان بالإسلام، ولذلك فالزوج الكتابي سوف يهدر حقوق زوجته المسلمة الدينية، أما عن إعطاء الرجل وحده حق الطلاق؛ فلأن الزواج عقد تراض مدني، لذلك يمكن أن ينص فيه على حق الطلاق للطرفين ويكون النص ملزما، وأخيرا فعن زواج الرجل بأربع نساء؛ فلأن هناك عوامل فسيولوجية ونفسية تجعل طبيعة الرجل والمرأة مختلفة ، وهناك عوامل سياسية واجتماعية تخل بالتوازن بين أعداد الرجال والنساء في المجتمع، وقد أجاز الإسلام تعددا محدودا للزوجات لمواجهة هذه الظروف ولكن تعدد الزوجات ليس واجبا إسلاميا .
وبعد هذا الاستعراض فإن أحكام الشريعة الإسلامية معنية بالتصدي لمشاكل حقيقية ، وليس امتهان حقوق المرأة من مقاصد شريعتنا الغراء كما يصور الغرب الذي فرض تصوراته على الأمم المتحدة وفروعها ومؤتمراتها، ويريد أن يفرضها بالتالي على مختلف شعوب العالم .
بيوت الغرب الخربة
وإذا كان الغرب يحلو له دائما إثارة الشبهات حول الإسلام خاصة في مجال المرأة، فإن النظرة المتأنية إلى واقع المرأة الغربية تكشف عن المنظر الحسن من الخارج بينما الخراب في الداخل، وصندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة " اليونيسيف " لا يرى إلا مشكلات المرأة غير الغربية، ويغض الطرف عن أي تجاوز غربي ضد المرأة، فيقول في تقرير له صدر مؤخرا إن العالم لم يحقق تقدما كبيرا نحو خفض معدلات العنف المنزلي الذي يستهدف النساء والفتيات، بالرغم من التعهدات التي قطعها المجتمع الدولي على نفسه في مؤتمر المرأة ببكين قبل 6 سنوات لخفض هذه الظاهرة .
ويشير التقرير إلى أن نصف تعداد النساء في بعض الدول يتعرضن لانتهاكات جنسية أو جسدية أو عقلية، ويقول التقرير الصادر عن "اليونيسيف" إن معظم الانتهاكات في حقوق الإنسان تحدث في جنوب آسيا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط والصين، وينقل التقرير عن دراسة مصرية قولها إن 35 % من النساء المصريات تعرضن للضرب على أيدي أزواجهن مرة واحدة على الأقل.
لكن البرلمان الأوروبي يقول الحقيقة ويكشف انحياز إحدى منظمات الأمم المتحدة " اليونيسيف " للمرأة الغربية، وخلال الاحتفال باليوم العالمي للمرأة العام الماضي قام الاتحاد الأوروبي بحملة على تجارة الرقيق الأبيض، ولحماية ضحايا البغاء اللاتي تعرضن لتعذيب وحشي واغتصاب من جانب المهربين الذين يجنون أرباحا خرافية من خلال تهريب النساء من جمهوريات التشيك وبولندا وأوكرانيا وروسيا، حيث يقدر ثمن المرأة الضحية بنحو ربع مليون دولار .
وقالت المفوضية الأوروبية إنها تريد إعطاء النساء اللاتي يسقطن في شرك تجارة الرقيق الأبيض المتنامية في أوروبا حماية خاصة إذا تقدمن للشهادة ضد القوانين والمهربين، وتقدر بروكسل عدد النساء والأطفال الذين يجري بيعهم إلى أسواق الجنس بالاتحاد الأوروبي بأكثر من 120 ألف امرأة وطفل سنويا .(69/146)
وتقول ديامانتو بولو مفوضة الشئون الاجتماعية بالاتحاد الأوروبي إن كثيرا من النساء لقين حتفهن نتيجة لعلميات التهريب، وتقول: إن جثث عدة مئات من النساء تكتشف سنويا، ويعتقد " اليوروبول " أي شرطة الاتحاد الأوروبي أن كثيرا من الجثث لن يتم العثور عليها ، وحسب مصادر الاتحاد الأوروبي فإن غالبية هؤلاء اللائي جرى تهريبهن إلى دول أوروبا الغربية للعمل في ظروف أقرب ما تكون إلى الرق قدمن من دول وسط وشرق أوروبا، وتضيف المصادر أن الضحايا يتعرضون للعنف والاغتصاب والضرب والقسوة المفرطة، ومعظمهم تتراوح أعمارهم بين 15 – 18 عاما وغالبيتهن مدفوعات بوعود الحصول على المال والحياة الرغدة داخل الاتحاد الأوروبي من خلال العمل كمربيات أو عاملات في المطاعم ومراكز التجميل .
وإذا كان الغرب ومعه الأمم المتحدة ومنظماتها لا يرون السوس الذي ينخر في أجسام الغرب الذي تخصص في تقنين تجارة الرقيق الأبيض فإننا نهديهم هذه الإحصاءات القادمة من الغرب نفسه، فتقول مجلة "التايم" الأمريكية إن في الولايات المتحدة يضرب أحد الأزواج زوجته كل 15 ثانية ضربا مبرحا، وفي فرنسا توجد وزارة لشئون المرأة تطالب بتشريعات جديدة وبتكوين شرطة خاصة لإبلاغها بضرب الزوجات والأولاد، أما في إنجلترا فأصبحت ظاهرة ضرب الأزواج للزوجات محلا للشكوى ، وفي روسيا انتشرت الظاهرة على نطاق واسع لكثرة عدد الأزواج العاطلين، ونتيجة للحياة الاقتصادية الصعبة، وأصبح الأزواج ينفثون عن أنفسهم بضرب زوجاتهم
ـــــــــــــــــــ
الأقليات المسلمة بين التغريب وحملات الاضطهاد
الإسلام اليوم : القاهرة 21/8/1423
27/10/2002
في بلاد كثيرة من العالم تعيش أقليات مسلمة تتباين نسبتها وتختلف مواقعها بين فئات المجتمع الأخرى في تلك الدول سواء في مجال الثروة والنفوذ أو في غيرهما ، وبقدر ما يتاح لها من حرية العقيدة وحرية العبادة ، ينعكس ذلك كله على فرص التعليم والعمل وإمكانات المحافظة على تراثها وهويتها الثقافية.
وفي الغالب الأعم فإن هذه الأقليات تتعرض لمزيد من الاضطهاد أو الضغوط السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية ، إضافة إلى التباين في احتمالات العزلة أو الاندماج أو التعايش ، وهذه كلها تمثل ظواهر جديرة بالاهتمام والدراسة .
وتذكر الإحصاءات أن عدد الأقليات المسلمة وصل إلى ما يقرب من 95 مليونا ، 50 % من هذا الرقم لاجئون بسبب الاضطهاد .
ومنذ إعلان الحرب الصليبية ، والتي استمرت قرنين من الزمان ، حتى انتهت في القرن الثالث عشر ، ومنذ ذلك الوقت يتعرض المسلمون لحرب معلنة وأخرى غير معلنة ، تستهدف تشويه صورتهم وإبادتهم بشكل جماعي .
ومن هنا فقد أصدرت منظمة إذاعات الدول الإسلامية دراسة حول " وضع الأقليات الإسلامية في العالم " وجعلت منها المدخل الأساسي الواقعي إلى وضع السياسات(69/147)
واتخاذ المواقف والتحرك الإيجابي للدفاع عن الإسلام في كل بقعة من الأرض يوجد بها مسلمون .
وإزاء الأساليب غير الإنسانية اضطرت قطاعات كبيرة من المسلمين إلى الهجرة هربا من التعذيب والتنكيل ، ولم تقتصر الهجرة على المواطنين العاديين فقط ، بل اضطر كثير من النخبة للهجرة حتى بلغت نسبة المهجرين 70 % من عدد اللاجئين في العالم لتحقيق قدر من الكرامة الإنسانية ، وتكوين المناعة الذاتية للأقليات المسلمة ، وتوفير فرص البقاء والازدهار لتكون امتدادا حيا لدعوة الإسلام عقيدة وحضارة وأسلوبا في الحياة بكل ما ينطوي عليه ذلك من عدل وكرامة وسماحة .
أربع مجموعات من الأقليات المسلمة
واتجهت الدراسة إلى التركيز على أربع مجموعات من الأقليات المسلمة في أمريكا الشمالية وأوربا وآسيا والمحيط الهادئ وأفريقيا وأمريكا الجنوبية ، في محاولة لرصد أوضاعها الراهنة وعلاقاتها بمجتمعاتها ، وببقية المسلمين في أرجاء العالم والشبكات والقنوات الاتصالية المتاحة أمامها ، مع تتبع جذورها التاريخية والثقافية ، والعوامل ذات التأثير المباشر أو غير المباشر في مستقبلها باعتبارها جزء من كيانات سياسية واجتماعية قائمة بما يترتب على ذلك من حقائق والتزامات ، وباعتبارها أولا وأخيرا جزءا من الأمة الإسلامية وامتدادا طبيعيا للعقيدة الإسلامية .
وتذكر الدراسة أنه على الرغم من أوجه التماثل بين الأقلية المسلمة في كندا والأقلية المسلمة في الولايات المتحدة فإن أوجه تباين كثيرة مرجعها إلى الظروف التاريخية التي أحاطت بانتشار الإسلام في كل منهما وللتركيبة البشرية لكل من الأقليتين .
لذلك أفردت الدراسة قسما خاصا لك منهما في معالجتها لأوضاع المسلمين في أمريكا الشمالية مبتدئة بالأقلية المسلمة في الولايات المتحدة غير متجاهلة ما بينهما من سمات مشتركة ، وما هو قائم بينهما الآن من اتصال وتعاون مما يساعد كثيرا في تنسيق التوجه الإعلامي والثقافي لخدمة الإسلام والمسلمين في تلك الأماكن .
تحديات في مواجهة الأقليات الإسلامية
وعن أهم التحديات التي تواجه الأقليات المسلمة في الولايات المتحدة تذكر الدراسة أنها تشهد احتكاكا وصراعاً مباشرا بمختلف التيارات , وأبرزها الجماعات اليهودية التي تشكل " لوبي " ضغط على الأقليات المسلمة ومحاولات دائمة للوقيعة بينهم وبين مختلف المؤسسات الأمريكية ، والاعتداءات المتكررة على المسلمين ، وخاصة السود منهم ، وانتزاع حقوقهم السياسية ، وإظهار المسلمين بمظهر التعصب .
إلا أن المسلمين يحاولون استغلال ما هو متاح لإقامة مجتمع إسلامي يعيش حياة إسلامية دون إذابة لهويتها الإسلامية أو انتقاص من ذاتيتها الثقافية ، والقيام بواجب الدعوة الإسلامية ومهامها المتعددة بالوسائل التقليدية والمبتكرة ، على الرغم من وجود حواجز اللغة وتباين الخلفية الثقافية التي تعتمد عليها اللغة في حالة الكثيرين ممن يتحدثون اللغة الإنجليزية دون أن تكون لديهم الخلفية الثقافية الأمريكية .
فضلا عن وجود إحساس عام لدى الجميع بأن أمريكا دولة نصرانية يهودية دون اعتبار للوجود الإسلامي ، فضلا عن الأديان الأخرى ، مما يزيد عمق التحديات التي(69/148)
تواجه المسلمين هناك ، ودعوة الأمريكان لتحرير المرأة المسلمة في محاولة لمسخ المكانة التي يمنحها الإسلام للمرأة .
بورما ومقدونيا
وعلى جانب اللاجئين تؤكد الدراسة أن المسلمين في بورما يلاقون أنواعا شتى من العذاب والتنكيل ، ووصلت مجازرها إلى إبادة 50 ألف مسلم ، وانتهاك أعراض النساء منذ عدة سنوات ، ومحاولات نهب بيوتهم وثرواتهم ، وذلك في محاولة لإكراه المسلمين حتى يرحلوا عن ديارهم بعد أن هدموا لهم 70 مسجدا و 60 مدرسة وحرقوا 9 آلاف نسخة من المصحف الشريف .
وفي جمهورية مقدونيا يعيش نحو 7 ملايين مسلم لاجئين من ألبانيا وتركيا ، وهم حسب الدستور الجديد يعتبرون مواطنون من الدرجة الثانية ، ولذلك قامت السلطات بهدم الأسوار المحيطة ببيوتهم وهدم مساجدهم .
مركز معلومات إسلامي
وفي نهاية الدراسة اقترحت عدد من المحاور لحماية الأقليات المسلمة والمهجرين أبرزها أنه يمكن أن تقوم شبكة إسلامية للاتصال والمعلومات في صورة مركز معلومات إسلامي يتيح لتنظيمات هذه الأقليات معلومات عن بعضها البعض ، وعن الموضوعات الإسلامية التي تعنى بها .
وأن يكون لهذه الشبكة دور تعليمي إسلامي في إعداد برامج ذات طابع تعليمي عن حضارة الإسلام في ماضيها وحاضرها ومستقبلها وأن تهتم الدول الإسلامية التي تمتلك قنوات فضائية أو تستخدم مؤسساتها الحكومية أو الأهلية للبث المباشر أو شبه المباشر بتخصيص برامج ذات محتوى إسلامي متطور لخدمة هذه الأقليات واستخدام اللغة العربية واللغات الإنجليزية والفرنسية لتلبية حاجتها من البرامج الإسلامية المتنوعة ، وأن يعمل المسلمون من الأقليات على شراء أسهم تسمح لهم بنفوذ في شركات الخدمة الاتصالية ، والتوسع الأفقي بين جماعات هذه الأقليات
ـــــــــــــــــــ
يا مسلمة:صخرتك حاجز أم سُلَّم؟
أم حسان الحلو 22/8/1423
28/10/2002
التحدي، كأنه حاجز من حديد يقف أمامك، وفي الحكمة أن الصخور العظيمة تقف حواجز أمام الضعفاء بينما هي سلالم للأقوياء .
التحدي بين طرفين فإن استسلم أحدهما وأصبح سحقاً أو محقاً .
إذن يجب على المسلمة أن تقف أمام تحديات الجاهلية جميعاً، تقف شامخة واثقة بربها معتزة، وتسأله وحده الثبات وأن يلهمها الصواب ويهديها ويرشدها .
بيئتنا المعاصرة أثرت في المسلمة تأثيراً إيجابياً وسلبياً، وربما أرى أن دعوات تحرير المرأة والمساواة ، وتلك النداءات قد انتهت وأبادتها فطرة المرأة التي رفضتها وبقي شيء من الرواسب، لعل أهمها ما تلوث به فكر المرأة من :
01 مادية التفكير.
02 شكلية الاهتمامات.(69/149)
03 صدورها عن العلم النافع وجهلها بأبواب العمل الصالح .
وهذه ركائز ثلاث عميقة الجذور فاسدة الثمار تؤدي بالمرأة إلى ما لا تحمد عقباه دون وعي منها .
ولعل أهم بعد للعولمة هو البعد الاقتصادي ، يعني المادي وبالتحديد إلغاء العمل لعالم الغيب.
ومن مظاهر مادية التفكير:
01 وضع الأولوية للمردود الاقتصادي لأي علم تخطط له لنفسها أو لأولادها أو لمن تقترن به .
02 إذا تصادم الحصول على المال أو توفيرها له مع قناعتها الفكرية ينتصر الحصول على المال.
03 اللهاث خلف العلوم المبتورة مثل المسابقات التي تقدم جوائز خيالية تصل إلى المليون.
04 ترك الأعمال التي لا طائل مادي لها مثل تربية الأبناء وإعداد الطعام لهم بينما أثبت علم الموجات ضرورة الوجود المعنوي للمرأة في بيتها خاصة وهنا أذكر دراسة أجريت في بريطانيا على دارين للأيتام، تقدم لهما الخدمات نفسها ولديهما الإمكانيات نفسها فقد لوحظ أن نزلاء إحدى المدارس ينمون بسرعة وحالتهم النفسية أفضل، مما حير الدارسين الذين لاحظوا فيما بعد أن هناك عجوزاً تسكن بجوار أحد الدارين تأتي يومياً فتمسح على رؤوس نزلاء الأيتام الصغار، لمسة ليس لها ثمن عضوي وليست مجدية مادياً كانت فعالة يفارق واضح، سبحان الله العظيم .
05 لعل أخطر مظهر هو ذهاب الأخلاق الحميدة عند من يفكر تفكيراً مادياً، كخلق المروءة والشهامة والكرم والجود والصدق والأمانة والإخلاص والوفاء والنصيحة والشجاعة والإيثار، فمثل هذه الأخلاق تكون باهتة هزيلة في أي مجتمع تسيطر عليه المادة بينما تزدهر وتتزعزع في المجتمع ذاته بعض الأخلاق السيئة كالخيانة والجبن والرياء والمفاخرة والكبر ولابطر والأثرة، فهل نعي لأنفسنا مثل هذه المجتمعات ؟
06 من نافلة القول أن تتوقع نصرة الإسلام والمسلمين، بل النصرة وكل التأييد لما يدر علي من مال، ففي ثنايا الفكر المادي الفكر الأناني أنا مصلحتي .. دخلي .
07 خروج المرأة للعمل دون مبرر، المهم أن تحقق ذاتها وتحقق استقلالها الاقتصادي.
08 قبولها بأي عمل وأي أجر حتى لو عملت سائق عمومي كما هي في بعض المجتمعات العربية والإسلامية.
09 إذا خرجت المرأة تفككت الأسرة وأصبح كل فرد فيها يكسب قوت نفسه ويبني لمستقبله وله ميزاته، أما غير العاملين في هذه الأسرة فيهم مثل الأيتام على مأدبة اللئام !
عند مثل هذه المجتمعات ، يتحقق قول الرسول – صلى الله عليه وسلم - : " حب الدنيا رأس كل خطيئة" فالذي يفكر بالمادة فقط بعيد عن الله، لا يخطر بباله التفكير بالدار الآخرة، هو بذلك قد يخسر نفسه وماله ودنياه وآخرته، نعوذ بالله من شر ذلك .
أما من أبرز التحديات التي تعانيها المرأة المسلمة:(69/150)
01 إنها جزء من مجتمع إنساني، والإنسان المسلم يعيش أزمة حقيقية رجلاً كان أم امرأة.
02 بما أن أمام الرجل تحديات فقد يواجهها بإسقاطها على المرأة، فيمثل بذلك تحدياً قوياً أمام المرأة ، أهمها إشعارها بالنقص وبالدونية وعدم الاعتراف بحجم طاقاتها وتضحياتها، مما يقتل مواهبها ويئد عطاءها .
كثير من الرجال والنساء يمثلان فريقان يتبادلان بث دوافع الإحباط، بدل أن يتبادلا بث عواطف الارتقاء.
03 جعل العالم قرية واحدة بسرعة اتصالاتها وشيوع تطوراتها وتدهوراتها، قرية فيها من الفساد والإفساد ما عجزت عنه أقوام استحقت الخسف والنسف.
04 تشكيل عقلية العوام وفق ما تريده القوى العظمى، مثال ذلك إطلاق كلمة " إرهاب" على كل من هو إسلامي ووصف أبشع العمليات الإجرامية بأنها هي " العدالة المطلقة"!!
05 بعثرة الجهود الإسلامية وتناقصها وما يجره ذلك من صراعات حزبية أحياناً، فأين الذين يقاتلون في سبيل الله صفاً كأنهم بنيان مرصوص؟ بل أين إحساس الجسد الواحد؟
06 ما تعانيه القلة المستضعفة من قدرات مالية ضعيفة وربما تؤول أموالنا بأيدي غير أيدي الصالحين .
07 أصبح العالم الثالث نفايا للعالم المتحضر ، نفايات ترمى يومياً لتغطي جميع جوانب الحياة، الصحية والثقافية والمالية والاجتماعية .
إن المسلمة التي وجدت نفسها وسط هذه البحار الهادرة من التحديات، وهي تريد المواجهة ، لكن هناك ضغوطات تمارس عليها ، فلتحاول أن تقلل من أثرها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
ومن هذه الضغوطات:
01 متطلبات النفاق الاجتماعي وما يستنزفه من وقت وجهد ومال .
02 تداخل الأدوار وكثافة متطلبات كل دور، فقد نجد المرأة أماً أو زوجة وعاملة وداعية، فهل تستطيع أن تقوم بهذه الأدوار بكفاءة عالية ؟
03 ضعف المهارات لدى المرأة سواء اليدوية أو الفكرية، فالتي لم تربَ على مهارة القراءة مثلاً، ستبقى تتجرع ويلات الجهل ، والتي لم تتعلم فنون المطبخ مثلاً ستفتح أطباقها لنفايات الهمبرجر الجاهزة وغيره .
04 لكل مكانة اجتماعية شرنقة خاصة، فالعانس تعاني ضغوطاً نفسية واجتماعية تختلف عن تلك الضغوط التي تعاني منها المطلقة والأرملة مثلاً .
05 تباعد المؤثرات الشخصية على الفرد وتناقضها أحياناً ، من أجل ذلك نرى مثلاً أخوين يختلفان كأنهما قدما من قارتين متباعدتين، وذلك له آثار على التفكك الأسري والويلات الاجتماعية .
06 تسارع ما تبث الحضارة، وعدم قدرة المرأة على اللحاق بهذا لركب المتسارع، مثال ذلك تطور استعمال الكمبيوتر خلال العشرين سنة الماضية، فعدم القدرة على متابعة هذا التسارع تقذف المسلمة على رصيف المتغيرات المؤثرة والفاعلة.(69/151)
وللتي تحلم أن يكون لها دور فاعل :
أولاً: يجب أن تدرك حجمها وما هي الثغرة التي تقف عليها لتعطيها الأولوية في اهتمامها فهذا سبيلها إلى الجنة، ومن هنا ستطرق بابها .
ثانياً: أن تقبل على مدارسة العلم الذي خدم هدفها، ولو بذلت في سبيل ذلك الغالي والنفيس .
ثالثاً : أن تقف شامخة أمام التحديات وتحسن التعامل مع الضغوطات ولا تختلق لنفسها المبررات التي هي من المهلكات .
رابعاً : أن تحتسب عند الله جهدها، وتعتقد أنها تسير في درب المجاهدين فلا تلتفت لآراء الجالسين الذين يتفننون في دراسة أخطاء السائرين.
خامساً: أن تحدد أعداءها وأعداء أمتها، وأن تنصف من يخالفها في الرأي .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــ
المرأة المسلمة وملكات الجمال: مقارنة أمريكية
محمد الكندري* 11/10/1423
15/12/2002
"البرقع مقابل البكيني فسوق المرأة الأمريكية" ..عنوان لمقال سطره د"هنري ماكوو" يبدي من خلاله تقديره للحياء كصفة ملازمة للفتاه المسلمة، كما لا يخفي احترامه للمرأة المسلمة التي تكرس حياتها لأسرتها وإعداد النشء وتربيتهم، وعلى الوجه الآخر يبوح بما يضمره من استياء نتيجة الانحطاط القيمي والهياج الجنسي الذي تعيشه الفتاة الأمريكية .
د. هنري ماكوو- أستاذ جامعي ومخترع لعبة (scruples) الشهيرة، ومؤلف وباحث متخصص في الشؤون النسوية والحركات التحررية .
المقال يعكس مدى إعجاب بعض المنصفين من دعاة التحرير في الغرب بقيمنا الإسلامية، رغم اختلاف الإيدلوجيات والتوجهات، وقد أثار مقال د.هنري ردود أفعال في الشارع الأمريكي بين مؤيد ومعارض .
* صورتان متناقضتان
يقول د. هنري في مقاله ( على حائط مكتبي صورتان ، الأولى صورة إمرأه مسلمة تلبس البرقع – النقاب أو الغطاء أوالحجاب – وبجانبها صورة متسابقة جمال أمريكية لا تلبس شيئأ سوى البكيني ، المرأه الأولى تغطت تماماً عن العامة، والأخرى مكشوفة تماماً،هكذا كانت مقدمة المقالة، والتي تعتبر مدخلاً لعرض نموذجين مختلفين في التوجهات والسلوكيات .
*حرب متعددة الأهداف
يشير الكاتب إلى الدوافع الخفية لحرب الغرب على الأمة العربية والإسلامية، موضحاً أنها حرب ذات أبعاد سياسة وثقافية وأخلاقية، إذ إنها تستهدف ثروات ومدخرات الأمة، إضافة إلى سلبها من أثمن ما تملك، دينها، وكنوزها الثقافية والأخلاقية،وعلى صعيد المرأة فاستبدال البرقع وما يحمله من قيم بالبكيني( كناية عن التعري والتفسخ). يقول الكاتب ( دور المرأة في صميم أي ثقافة، فإلى جانب سرقة(69/152)
نفط العرب فإن الحرب في الشرق الأوسط إنما هي لتجريد العرب من دينهم وثقافتهم، واستبدال البرقع بالبكيني)!!.
*دفاعاً عن القيم
يمتدح د.هنري القيم الأخلاقية للحجاب أو البرقع، أو ما يستر المرأة المسلمة فيقول ( لست خبيراً في شؤون النساء المسلمات، وأحب الجمال النسائي كثيراً؛ مما لا يدعوني للدفاع عن البرقع هنا ، لكني أدافع عن بعض من القيم التي يمثلها البرقع لي ) ويضيف قائلاً:" بالنسبة لي البرقع ( التستر) يمثل تكريس المرأه نفسها لزوجها وعائلتها ، هم فقط يرونها وذلك تأكيداً لخصوصيتها). وكأن د.هنري يتفق هنا مع ما ذهبت إليه السيدة عائشة -رضي الله عنها- لما سئلت: أي النساء أفضل؟ قالت ( التي لاتعرف عيب المقال ولا تهدي لمكر الرجال، فارغة القلب إلا من الزينة لزوجها والإبقاء على رعاية أولادها) أو كما قالت رضي الله عنها.
*المسلمة مربية أجيال
ويشيد الكاتب بمهمة ورسالة المسلمة، والمتمثل في حرصها على بيتها واهتمامها بإعداد النشء الصالح فيقول ( تركيز المرأة المسلمة منصب على بيتها(العش) حيث يولد أطفالها وتتم تربيتهم ، هي الصانعة المحلية ، هي الجذر الذي يُبقي على الحياة الروح للعائلة، تربي وتدرب أطفالها، تمد يد العون لزوجها وتكون ملجأً له) .
*وماذا عن المرأة الأمريكية ؟
بعد الانتهاء من شرح الصورة الأولى التي على مكتبه، وهي صورة المرأة المسلمة، ينتقل د. هنري إلى الصورة الثانية فيقول (على النقيض ، ملكة الجمال الأمريكية وهي ترتدي البكيني، فهي تختال عارية تقريباً أمام الملايين على شاشات التلفزة، وهي ملك للعامة، تسوق جسمها إلى المزايد الأعلى سعراً (هي تبيع نفسها بالمزاد العلني كل يوم).
ويضيف ( في أمريكا المقياس الثقافي لقيمة المرأة هو جاذبيتها ، وبهذه المعايير تنخفض قيمتها بسرعة،هي تشغل نفسها وتهلك أعصابها للظهور).
*الجنس والعواطف الفارغة
ينتقد د. هنري فترة المراهقة الشاذة التي تعيشها الفتاة الأمريكية، حيث التعري والجنس والرذيلة فيقول ( كمراهقة قدوتها هي "بريتني سبيرز" المطربة التي تشبه العرايا ، من شخصية بريتني تتعلم أنها ستكون محبوبة فقط إذا مارست الجنس، هكذا تتعلم التعلق بالعواطف الفارغة، بدلاً من الخطوبة والحب الحقيقي والصبر ).
*الفتاة المسترجلة
ثم يعرج الكاتب إلى الآثار السلبية لتلك الحياة الماجنة التي تعيشها الفتاة الأمريكية، فيقول (العشرات من الذكور يعرفونها قبل زوجها، تفقد براءتها التي هي جزء من جاذبيتها ، تصبح جامدة وماكرة ،غير قادرة على الحب ).
ويشير إلى أن المرأة في المجتمع الأمريكي تجد نفسها منقادة إلى السلوك الذكوري، مما يجعلها إمرأة عدوانية مضطربة لاتصلح أن تكون زوجة أو أماً، إنما هي فقط للاستمتاع الجنسي، وليس للحب أو التكاثر .
*النظام العالمي يكرس العزلة(69/153)
وينتقد د. هنري نظام الحياة في العالم المعاصر حيث التركيز على الانعزالية والانفراد، فيقول (الأبوة هي قمة التطور البشري، إنها مرحلة التخلص من الانغماس في الشهوات حتى نصبح عباداً لله تربية وحياة جديدة، ويضيف قائلاً: ( النظام العالمي الجديد لا يريدنا أن نصل إلى هذا المستوى من الرشد، حيث يريدوننا منفردين منعزلين جائعين جنسياً، ويقدم لنا الصور الفاضحة بديلاً عن الزواج ).
*احذروا خدعة تحرير المرأة
ويكشف د. هنري زيف ادعاءات تحرير المرأة، ويصفها بالخدعة القاسية، إذ يقول ( تحرير المرأه خدعة من خدع النظام العالمي الجديد ، خدعة قاسية أغوت النساء الأمريكيات، وخربت الحضارة الغربية ).
ويؤكد الكاتب أن تحرير المرأه يمثل تهديداً للمسلمين، فيقول: (لقد دمرت الملايين، وتمثل تهديداً كبيراً للمسلمين ).
وأخيراً يقول د. هنري:( لا أدافع عن البرقع أو النقاب أو الحجاب، لكن إلى حد ما بعض القيم التي يمثلها ، بصفة خاصة عندما تهب المرأه نفسها لزوجها وعائلتها، والتواضع والوقار يستلزم مني هذه الوقفة ).
أليس هذا الكاتب و أمثاله أكثر صدقاً وجرأة وقولاً للحق من الكثير من دعاة العلمانية في بلادنا؟!
- ألا يكفي المرأة المسلمة فخراً بأن يشيد بمكارم أخلاقها من ليسوا على دينها ؟ * إعلامي وباحث في شؤون المنظمات الخيرية
ـــــــــــــــــــ
وليس الذكر كالأنثى
أبو محمد الشنقيطي 8/11/1423
11/01/2003
إن كانت المرأة مساوية للرجل في أصل الخلقة وفي أغلب التكاليف وفي الحقوق، إلا أن لها خصوصيتها ولها مجالها، ولا ينكر هذا إلا مماحك.
إن جعل المرأة رجلا هو انتكاس في الفطرة، وجهل بحقيقة الخلقة، ولن يؤدي إلا إلى مزيد من الارتباك في حركة المجتمع، وإلى الاختلال في الموازين.
لقد استطاعت المرأة المسلمة أن تقوم بدورها في الإسهام الحضاري دون أن تفرط في وظيفتها الأصيلة، ودون أن تطالب بالمساواة مع الرجل، ولأن دور المرأة ومركزها في المجتع من المسائل التي كثر حولها لغط الغوغائيين في عصرنا الحاضر، فقد أردت أن أخط حولها هذه التهميشات التي أرجو من خلالها أن تنير الطريق لمن خطفت أبصارهن وعود المساواة الزائفة وشعارات التحرر الخادعة.
إن الفروق الجوهرية بين المرأة والرجل والتسليم بها من عدمه هي حجر الزاوية في قصة تحرير المرأة، ومع أنها لا تحتاج إلى بيان، إلا أننا في عصر انقلبت فيه الموازين وأصبحت الحقائق أوهاما.
لقد أثبتت البحوث والدراسات في ميدان علم الأحياء أن المرأة تختلف عن الرجل في كل شيء، بدءاً بالصورة والأعضاء، وانتهاء بذرات الجسم وخلاياه النسيجية، وهذا الاختلاف يلقي بظلاله على التكوين الجسمي والنفسي للمرأة ،فهي ضعيفة في الأول(69/154)
عاطفية في الثاني، وتبدو الآثار النفسية عند المرأة أكثرحدة في فترة الدورة والولادة، لأن التغيرات الجسمية المصاحبة تؤثر في القوى الذهنية والسلوك، وتضمحل قوة الجهد العقلي والتركيز الفكري أيام الحيض، إضافة إلى التهاب المجموع العصبي وتبلد الإحساس واضطراب الشعور، وبعض الأعراض المرضية الأخرى، وفترة الحمل لا تختلف كثيرا عن فترة الحيض، ولفترة ما بعد الحمل أعراضها وأمراضها.
ومن رحمة الله –تعالى- بالمرأة آن جعل مهمتها توافق بناءها الجسمي والنفسي، فأوكل إليها مهمة صناعة الرجال وهندسة الأجيال، وهي لعمر الله أشرف مهنة، بينما أوكل إلى الرجل مهمة السعي والحركة للضرب في الأرض والإنفاق على المرأة وأطفالها، وحين يحدث العكس فإن البشرية تنهار، وبدايات التصدع واضحة في المجتمع الغربي، أضرب لذلك مثلا واحدا، لقد أقنعت " دوت" زوجها " بايرون ايفانز" بضرورة قراره في البيت، فقدم استقالته من التدريس ليمارس مهمة تربية الابناء والعمل المنزلي، وراحت دوت (رب الأسرة الجديد ) تحصل الرزق للإنفاق على من تعول، وذات مرة حاول "بايرون" إسكات الطفلة "ماريش" فلم تطعه فتوترت أعصابه فصفعها بيده فازدادت بكاء، فما كان منه إلا أن دق رأسها ورمى بها أرضا ليجد طريقه إلى السجن، وتضطر الزوجة المسترجلة إلى العودة لوظيفتها الأولى بعد أن دفعت الثمن، وكما يقول الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- فإن المرأة ستظل اليد اليسرى للإنسانية، وسيظل عملها في البيت أكثر من عملها في الشارع، وسيظل الرجال حمالي الأعباء والأثقال في الشؤون الخاصة والعامة؛ لأن طاقة كلا الجنسين هكذا، ولأمر ما لم يرسل الله نبيا من النساء . إن الاختلاف الحاسم في طبيعة المرأة والرجل انجر عنه الاختلاف في المهمة.
والأهداف، ليواجه كل منهما مطالبه الأساسية في تكامل وانسجام، لذلك لا ارى كيف تستساغ هذه الثرثرة الفارغة عن المساواة الآلية بين الجنسين، إن المساواة في الإنسانية أمر طبعي، ولكن المساواة الآلية والوظيفية غير ممكنة وإن أرادها أهل الأرض كلهم، وإن عقدت لها المؤتمرات تلو المؤتمرات.
ـــــــــــــــــــ
من مصر:الحجاب في عيون السافرات
د. ليلى بيومي 5/11/1423
08/01/2003
فوجئت أن هناك كثيراً من المثقفين والمثقفات المسلمين والمسلمات لا يعرفون شيئاً عن الزي الشرعي للمرأة المسلمة، وفرضية ارتداء الحجاب رغم ادعائهن للمعرفة والوعي وحبهن لله ورسوله، وقد وجدت أن كثيراً من الأمهات قد ارتدين الحجاب باقتناع من الأبناء (شباب وفتيات الصحوة الإسلامية).
وقد ذكر لي أحد الصحفيين " الناصريين " الكبار بمؤسسة دار الهلال المصرية أنه هاجم الحجاب كثيراً في كتاباته، وشاء الله أن ترتدي بناته الحجاب فور دخولهن الجامعة، وقد بينَّ له بالدليل القرآني والسنة أن الحجاب فرض على المرأة المسلمة، فندم على ذلك وعرف الحق على يد بناته المسلمات .(69/155)
ولكن ما أثارني لطرح هذه القضية هو حوارات دارت بيني وبين أستاذة بجامعة الأزهر تجاوزت الخمسين من عمرها، ومازالت تصفف شعرها باللون الأصفر، وتضع كماً رهيباً من المساحيق فوق وجهها المجعد وقد أصرت على عدم ذكر اسمها خوفاً من علماء الأزهر (المتشددين على حد قولها) .
تقول أستاذة الأزهر إن معظم المحجبات في الشارع العربي ريفيات فقيرات غير متحضرات، ولا يعرفن الطريق إلى الكوافير، و بعضهن قرر ارتداء الحجاب لإخفاء عيوب في الشعر، أو لعدم اهتمامهن بنظافة رؤوسهن، ولقد جاء الرسول -عليه الصلاة والسلام- متمماً لمكارم الأخلاق وليس آمراً بالحجاب، وبلاد الكفر في الغرب أفضل من المسلمين؛ لأنهم جادون في عملهم ومخلصون ولا يكذبون، إنما هنا قد تجدين مسلماً يكذب ويسرق وغير أمين في أداء عمله.
وتضيف إنني لا يهمني المظهر ولكن ما يعنيني الجوهر فقط، هكذا تتحدث الأستاذة الجامعية التي تربي الأجيال في إحدى المؤسسات الدينية التعليمية عن الإسلام وشرائعه، وكأنها قد تربت في أحد معاقل الصهيونية، وللعلم فهي عضو مهم في نوادي الروتاري بالقاهرة.
مثقفات سافرات
ورغم انتشار الحجاب في الشارع المصري والمؤسسات التعليمية والمجالس النيابية والقطاع الحكومي والقطاعين العام والخاص، واجتياحه حتى الوسط الفني، إلا أن هناك رموزاً نسائية تحتل مراكز إعلامية وثقافية مازالت سافرة، ولم تقتنع بعد بفرضية الحجاب، ورغم تقديرنا لهذه الشخصيات، ودعائنا لهن بأن يصبحن في القريب العاجل أخوات مسلمات في دنيا الالتزام والحجاب فقد تحاورنا معهن لمعرفة رؤيتهن للسفور والحجاب.
تقول الأديبة سناء البيسى رئيسة تحرير مجلة نصف الدنيا القاهرية :أنا أعلم أن الحجاب واجب شرعي لا نقاش فيه، وأنا أنتظر هداية من الله، ولن أرتدي الحجاب إلا إذا كان هناك انفعال من داخلي يحركني للالتزام، فهذا الذي يمثل لي قناعة شخصية، ولا أدري ماذا يمكن أن يحدث لي بعد أن أؤدي فريضة الحج أو أعتمر وربنا يهدينا جميعاً .
أما عن انتشار الحجاب في الشارع المصري فهذا يمثل امتداد طبيعي للصحوة الإسلامية والخوف من الله والارتماء في أحضان الدين كملجأ لجميع المشاكل التي تواجه الإنسان، وأنا أرى الآن العديد من الصحفيات الشابات المحجبات، وكذلك أرى الشباب من حولي يحافظون على أداء الصلوات في أماكن العمل، وهذه المظاهر لم تكن موجودة من قبل، ولكني أفسر أيضاً حجاب الكثيرات على أنه عامل اقتصادي أو نوع من الكسل أو حماية بهذا الحجاب؛ حتى لا تجرح الفتاة بكلمة نابية، وهذا لا يمنع أن تكون المرأة السافرة المحتشمة محترمة، وبالنسبة للعمل في مجال الصحافة أعتقد أن الحجاب لا يعوق العمل الصحفي، ولكن هناك مؤسسات ترفض المحجبات، فأنا أعرف مضيفة تم طردها من عملها لأنها تحجبت.
أما الأستاذة عايدة العزب موسى الصحفية بروزاليوسف فتقول : الحجاب مسألة شخصية وهو غير مرتبط بالتدين أو عدم التدين، ولقد كان الحجاب في الزمن(69/156)
الماضي شاذاً، وقد عملنا كجيل من الصحفيات وواصلنا المسير ونحن غير محجبات، وكنا محتشمات، وأنا أرى أن حجابي كصحفية يعوق عملي أو يحده في مجال الصحافة الإسلامية فقط، وأنا الآن أرتدي أزياء في حدود الحشمة، ولقد أصبح الحجاب الآن شيئاً عادياً وترتديه معظم الشابات وهذا شيء طيب، والقضية التي تعنيني أكثر من المظهر هي الجوهر والسلوك الإسلامي الصحيح، وعندما يحدث شك ما في داخلي وأقتنع شخصياً بالحجاب سأترك العمل فوراً .. وربنا يهدينا جميعاً إلى خير ما يحب ويرضى.
أما الأستاذة سكينة فؤاد الكاتبة الصحفية الكبيرة فتقول : الاحتشام من ضروريات وجماليات المرأة وأنا لا أحترم الأنثى التي تهتم بجمالها في البهرجة والملابس الخليعة، والشيء الثمين يصان ويحفظ في علبة محكمة، وكذلك المرأة يجب أن تكون محتشمة، أما الحجاب فأنا على قدر علمي أنه لنساء النبي-صلى الله عليه وسلم- وهناك فرق بيننا وبينهن في الواجبات والالتزامات، وحشمة المرأة تكون في جوهرها وقيمها الداخلية كإنسان، وهذا هو الأقوى والأهم، وأنا بيني وبين الله عمار وحب شديد.
أما التساؤل لماذا أنا غير محجبة فأنا أقول إن داخلي إيمان وإخلاص ونقاء وحب لله ورسوله ،وأحس أنني لا ينقصني شيء؛ لأنني قد تربيت ورسخ في عقلي ووجداني حب الحلال والبعد عن الحرام، وقد انتشرت مظاهر متعددة قالوا إنها من الالتزام، وأخشى ما أخشاه أن نأخذ من ديننا المظاهر فقط ولا نهتم بالجوهر والسلوكيات والعمل، وأنا يهمني شخصياً الجوهر قبل المظهر.
أما الأستاذة أمينة شفيق الصحفية الشهيرة والسياسية اليسارية فتقول : أنا لست محجبة ولن أرتدي الحجاب وأنا لا أعترض على حرية الآخرين في اختيار الرأي والمنهج الذي يرتضونه لأنفسهم بناء على قناعات شخصية أو دينية، وأرفض من يقول إن المرأة عورة أو يعاملني معاملة سيئة لمجرد أنني غير محجبة، وأنا في الوقت نفسه محتشمة ولا أضع المساحيق ولا أحب الملابس الخليعة وهذه قناعتي ويجب أن يحترمها الآخرون، وأنا أرى الآن العديد من المحجبات اللائي ليس لهن انتماءات دينية سياسية، وهناك أيضًا تقدميات يساريات محجبات ! .
الحجاب ليس ظاهرة اقتصادية
وتقول الدكتورة زينب رضوان عميدة كلية دار العلوم بجامعة القاهرة فرع الفيوم : لقد قمت بدارسة ميدانية حول أسباب ومدى انتشار الحجاب بين الطالبات والمهنيات خريجات الجامعة، وكانت نتائج هذه الدراسة تؤكد أن الحجاب قد انتشر بين هذه الفئات بنسبة تجاوزت الـ90% وأن أسباب الظاهرة لا ترجع مطلقاً للظروف الاقتصادية، ولكنها تمثل عودة للذات والبحث عن الجذور والهوية الإسلامية لأمتنا وخصوصاً بعد نكسة 1967 وما صاحبها بعد ذلك من صحوة إسلامية ومد ديني .
إن معظم هؤلاء المحجبات كانت لديهن ثقافة دينية عالية، وهن اللواتي حاولن بأنفسهن البحث في الأصول الإسلامية، والحجاب كان عن اختيار وقناعة ذاتيتين، وأفكار هدى شعراوي ودعاة تحرير المرأة وسفورها قد تلاشت ولم يعد لها أي صدى في عقول هؤلاء الفتيات المتعلمات الواعيات بأمور دينهن، ومعظمهن يفضلن عدم(69/157)
الخروج للعمل والتفرغ لرعاية الأطفال، أو ممارسة العمل كطبيبات أو مدرسات، ويرسخ في عقولهن ووجدانهن أن الغرب لن يمدنا بأية مساعدة ولن يحقق لنا أي حلول للمشاكل التي تواجه أمتنا، ولذا فالحل عندهم هو الإسلام منهجاً وتطبيقاً.
أما الأستاذة ابتسام الهواري الصحفية المحجبة بالأخبار فتقول : الحجاب بالنسبة لي التزام شرعي، وهذا أمر محسوم دينياً بالنسبة لي وموقف يحدد علاقاتي بالآخرين، بل يحدد موقفي العام من كل القضايا، والحجاب لا يعوق المرأة عن أداء مهامها في الصحافة وفي أداء أي عمل آخر إلا إذا كانت تعمل في أعمال محرمة، فسيكون عملها من أساسه حرام، والمرأة المسلمة التي تتقي الله في نفسها ودينها لا تقبل العمل الحرام.
يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض
أما السيدة شمس البار ودي الفنانة المعتزلة فتقول : الإيمان كل لا يتجزأ، ومن قال لا إله إلا الله عليه أن يتحمل تبعات هذا القول ولا يتخذ إلهه هواه، فيفسر آياته البينات تفسيراً جزئياً حسب وجهة نظره وهواه فهذا شرك بالله، والإسلام جاء متمماً لمكارم الأخلاق، والقول بأن الحجاب غير ضروري والمهم الأخلاق قول باطل .. فالإسلام أيضاً عبادات وأخلاق ومعاملات وحدود وعقائد تسير كلها متوازية، ويجب الالتزام بها مكتملة، ولا يصح أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، ثم ندعي العلم والمعرفة ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم ) ويقول أيضاً (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ) وطالما أن الإسلام أمر بالحجاب فعلى المؤمنين السمع والطاعة، وآيات الحجاب واضحة وصريحة في القرآن، وفي سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- ويعرفها ويفهمها جيداً كل من يقرأ كتاب الله وسنة رسوله ويقرأ التفسير الصحيح لهما، أما كون الإسلام دين الجوهر فقط فهذا كلام الجهلاء فالإسلام له أركان وأسس، والتزامات وفروض وواجبات ولن يكتمل الجوهر إلا بالمظهر، وكون الحجاب جاء من الريف فهو قول ليس عليه دليل فالمرأة الريفية لها زيها المعروف التقليدي ووحتى لو كان الحجاب قد جاء من الريف فلأن الريف مازال يحترم الدين الذي صاغ له الهوية الثقافية والأخلاقية، أما كون الحجاب تلتزم به كل من أرادت إخفاء عيب فهو قول الضعفاء والمرضى، فالإسلام التزام ووعي والالتزام به صعب فالجنة محفوفة بالمخاطر، والأسهل هو العري والابتذال والجري وراء الموضة، والإسلام لم يلتزم به أبناء طبقة معينة، ففيه الأغنياء والفقراء، ولا يخفى على أحد أن الصحوة الإسلامية ضمت فئات شتى من مثقفين وأعضاء هيئة تدريس وأطباء ومهندسين، بل هي تزداد طردياً مع ازدياد الوعي الثقافي والطبقة الاجتماعية والقدرة الاقتصادية، وهذا مما يخرس الألسن، بل الأعجب من ذلك أن تصل الصحوة الإسلامية إلى الوسط الفني بكل ما يمثله من ثراء فاحش.
الحجاب قمة التحرر
أما الأستاذة صافي ناز كاظم الكاتبة الإسلامية فتقول : أصبح الحجاب في الشارع العربي ظاهرة متنامية بدأت على استحياء منذ سنوات ثم أصبحت مداً لا يمكن تجاهله، والمحجبات على اختلاف أزيائهن التي يقرها الشرع يعتمدن في اختيارهن(69/158)
على نص الآية الكريمة ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين، وكان الله غفوراً رحيماً) وقد أجمع المفسرون على أن "الإدناء" كلمة تعنى تغطية الجسم من الرأس إلى القدم، وبين لابسة الخمار ولابسة النقاب يكون الواجب الشرعي على المرأة في الحجاب.
ـــــــــــــــــــ
هل المرأة إنسان؟
د.محمد بن صالح الدحيم (*) 28/5/1423
07/08/2002
من النادر أن نجد قضية اختلفت فيها وجهات النظر بمثل ما اختلفت وتعددت في قضية المرأة، هذه القضية التي تعددت فيها التشريعات ووجهات نظر المفكرين والدعاة على مر العصور حتى وصل التعدد إلى مستوى التناقض والاختلاف الجذري الذي لا إمكان معه للقاء أو الاتفاق أو التقارب.
وقد أغرى هذا التعدد كثيراً ممن لم تتهيأ لهم ظروف المعرفة والقدرة على الاجتهاد الصحيح في مثل هذه القضية الخطرة فقالوا وسودوا بمقالاتهم صحائف كثيرة لا يجد فيها القارئ المحقق سوى جهالات كبيرة ومركبة ، وشذرات مبتورة من حقائق غير كاملة عرفت شيئاً لكن غاب عنها أشياء كثيرة ولا عجب في هذا التعدد والاختلاف وكثرة القول والقيل فإن قضية المرأة إنما تعاني الجزء الأكبر من العمران البشري في حاضرة ومستقبله فأوضاع المرأة تؤثر بالسلب والإيجاب على كافة أوضاع العمران البشري فهي لا تعيش منفردة فيه .
لقد مر على معظم البيئات الإسلامية قروناً متطاولة من التهميش للمرأة في أنشطة محدودة وقوالب معينة وتحت وصيات مشددة – دينياً واجتماعياً وسياسياً – لا تتناسب إطلاقاً مع حجم الطاقات والقدرات والإمكانات التي منحها الله للمرأة في ظل الإسلام بكماله وشموله، فنحن - بحمد الله- الأمة الوحيدة التي حفظ الله لها اتجاهها العام وأهدافها الكبرى بما أذن لها من خلود الرسالة ولكن تقلب الأيام والليالي وبعد العهد وطول الأمد وطروء الحوادث وامتزاج الثقافات وتنوع الظروف – كل ذلك – أدى إلى غبش في الرؤية واختلاط العادات بالعبادات وتقديس الموروثات الآبائية حتى نسبت إلى الدين ومورست تحت هذا المسمى وضرب بالسياط مخالفها ورمى بالتبديع مناقشها مهدداً بـ(السيف المشهور) حتى ضعف الإحساس بالهدف أو غاب، والنتيجة الحتمية لذلك أن الأمة اليوم أًصبحت تواجه ضغوطات كبيرة من الخارج يقابلها خواء من الداخل مما أدى لسهولة الاستعمار الفكري والسلوكي في الوقت الذي كنا مرابطين فيه على حراسة الحدود. فقد تكشفت الأقنعة وأصبح بإمكان كل أحد أن يصافح المعرفة ويتواصل مع الحقيقة فإذا هو يفاجأ بأن كثيراً مما كان يملى عليه بكرة وأصيلاً ما هو إلا رؤى مذهبية في أحسن أحوالها سيقت على أنها نصوص معصومة .
مما أدى إلى ردة فعل بنفس القوة لكن بعكس الاتجاه وأخطر ما يكون الحال حين تقل الثقة أو تضعف المصداقية ونحن في عصر معلوماتي لا يرحم الكسالى ولا يعتذر للغافلين.(69/159)
إن من ينظر إلى وضعية المرأة في كثير من البلدان الإسلامية يجد أنها ضعيفة التركيب هشة البناء ( دينياً وثقافياً واجتماعياً) الأمر الذي جعل جهات عديدة تستهدف المرأة فدعت إلى سفورها واختلاطها بالرجال في حال مزرية من التحلل من الحياء ونبذ الفضيلة، ووجدت من المرأة ترحيباً، إما لأنها انخدعت به أو لأنها تهرب إليها من مأساتها، ففقدت المرأة توازنها.
والحق أن ثمة جهودًا كبيرة أنفقت في الرد على تلك الحملات حتى طغى بعضها وجاوز الوسط. الأمر الذي شغلنا عن تنمية المرأة المسلمة ، ولو أننا رجعنا إلى ما كتبناه وسجلناه في قضايا المرأة لوجدنا أن نحواً من 80% من مؤلفاتنا ومحاضراتنا ودروسنا وفتاوينا تدور حول مسألة الحجاب، ولوجدنا أن نحواً من 20% منها يتحدث عن ترشيد المرأة وعلى استحياء في بعض الأحيان، وكان المطلوب هو العكس.
( ما هكذا يا سعد تورد الإبل) وما هكذا تحرس الفضيلة ، وإننا إذا أردنا إنصاف المسألة ورغبنا في إحقاق الحق فلن نجد سوى هدي القرآن والسنة في أجلى صفاء وأجمل بهاء. وما لم نستطع ذلك فإننا نكرس التخلف ونعمق الخلل( وسوف تسألون).
إن الوحي المعظم ينظر إلى المرأة على أنها إنسان وهذا هو سر المسألة الأكبر ومفتاحها الأوحد، وعليه فإن أي نظرة أخرى غير هدي الوحي فإنها لا تهدي سواء السبيل بل تضل ضلالاً بعيداً . لقد فهم الصحابة – رضي الله عنهم – وهم من شاهدوا التنزيل- هذا الفهم القويم. ففي صحيح مسلم عن أم سلمة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم – رضي الله عنها – أنها قالت : كنت أسمع الناس يذكرون الحوض ولم أسمع ذلك من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلما كان يوم من ذلك والجارية تمشطني فسمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : أيها الناس فقلت للجارية: استأخري عني ، قالت: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء، فقلت: إني من الناس ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: " إني لكم فرط على الحوض .." الحديث .
بل إن النبي – صلى الله عليه وسلم – يرحب بالمرأة، ففي الصحيحين عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية النبي – صلى الله عليه وسلم- فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " مرحباً بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله".
وهذه النظرة الصائبة للمرأة هي التي جعلتها تتحمل مسؤوليتها، فعن أبي سعيد قال : جاءت امرأة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالت : يا رسول الله - : ذهب الرجال بحديثك – وفي رواية قال النساء للنبي – صلى الله عليه وسلم - : غلبنا عليك الرجال – فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال : " اجتمعن في يوم كذا وكذا، في مكان كذا وكذا" فاجتمعن فأتاهن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فعلمهن ما علمه الله ثم قال : " ما منكن امرأة تقدم بين يديها من ولدها ثلاثة إلا كان لها حجاباً من النار " فقالت امرأة منهم : يا رسول الله اثنين؟ قال : فأعادتها مرتين ثم قال:" واثنين واثنين واثنين" رواه البخاري ومسلم. وفي حديث أم الفضل بنت الحارث أن ناساً تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي – صلى الله عليه وسلم(69/160)
– فقال بعضهم : هو صائم ، وقال بعضهم : ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه. رواه البخاري ومسلم. يقول الحافظ ابن حجر : وفي الحديث من الفوائد، فطنة أم الفضل لاستشكافها عن الحكم الشرعي بهذه الوسيلة اللطيفة اللائقة بالحال لأن ذلك كان في يوم حر بعد الظهيرة اهـ.
ولست هنا أرمي إلى استيعاب النصوص ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى الموسوعة الجميلة(تحرير المرأة في عصر الرسالة) لأبي شقة- قدَّس الله روحه -.
وإذا كانت المرأة إنسان انسحب عليه كل خصائص الإنسان وسماته وأي معاملة لها تعاكس هذه الخصائص فإنها تخرجها عن إنسانيتها وبالتالي لا تحصل الاستجابة بل على الضد.
إن على الدعاة إلى الله أن يجعلوا الإسلام خيارًا للمرأة. الإسلام وليس غيره من العادات والأعراف أو القناعات المذهبية أو الفتاوى الإقليمية . كما يجب عرض ما يستشكله الناظر على نصوص الوحي بفهم السلف بعيداً عن القراءات الإسقاطية التي تختزل وتقولب، وبعيداً عن استهجان الرأي الآخر أياً كان، كيف وإذا كان هو قول الجمهور؟ ولنعلم يقيناً أننا بالمسكنات الفقهية ( المصلحة، سد الذرائع ، الأحوط، الخروج من الخلاف) لن نحل قضية وإن استطعنا إزالة الأعراض فقد بقيت الأمراض، وقصتنا مع محاربة الأعراض، وقطع الأوراق وترك الجذور لتنبت من جديد قصة طويلة طويلة هي ما أشير إليه في مقالاتي في هذا الموقع المبارك .
لقد كنت عرضت هذه القضية في محاضرة سجلت باسم ( المرأة من جديد) وبعد نشرها ضاق بها قوم وسرَّ بها آخرون، وحسبي أنني مجتهد أدور بين الأجر والأجرين مؤمناً بخبر الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلم - .
والحديث حروف لها معان كبيرة وللمعاني دلالات واسعة وللدلالات ميادين رحبة للتطبيق. أقول ما تقرؤون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل تقصير وذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .(*) القاضي بمحكمة الليث
ـــــــــــــــــــ
نحن وتعليم البنات
د. وليد بن عثمان الرشودي 23/1/1423
06/04/2002
لم تحظ المرأة في أمة من الأمم بالعناية مثل ما حظيت به المرأة المسلمة، فلقد جاء الإسلام لها بكل خيرية مطلقة في صلاح عقيدتها وخلقها وشريعتها، وحَّدت ربها وأطاعت رسولها وعرفت حق بيتها فدخلت الجنة بذلك.
إنه الإسلام الذي رعى كرامتها وحفظ عزتها وجعلها في معالي الأمم سباقة لكل خير دافعة لكل شر، وكان من تلك المجالات عنايته بها في مجال العلم حتى إنه أصبح فريضة عليها مخاطبة في قول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، وهو خطاب عام لكل أفراد الأمة المسلمة ذكرها وأنثاها، فوجب عليها أن تتعلم ما يلزمها في يومها وليلتها، وما تكون به خالية عن الشرك والمعاصي والآفات والأمراض القلبية، بمعرفة خطورتها وطريقة الشفاء منها، ولا يكون هذا إلا بالعلم والتعلم أولاً.(69/161)
ولقد بَّوب البخاري –رحمه الله- في صحيحه بأبواب ثلاثة كلها مختصة بتعليم المرأة فقال: "باب تعليم الرجل أمته وأهله" وقال: "باب عظة الإمام النساء وتعليمهن"، وقال: "باب هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم، وذكر حديث أبي سعيد قالت النساء للنبي –صلى الله عليه وسلم-: "غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك"، ولقد سطر التاريخ نماذج مشرقة لعناية المرأة بالعلم وعناية أهلها بها، فوجد في التاريخ الإسلامي نوابغ من النساء في كافة الفنون والعلوم وتراجمهن حافلة في الكتب، فوجد منهن الفقيهات، والمفسرات، والأديبات، والشاعرات، والعالمات، في سائر علوم الدين واللغة.
وكان في برهة من الزمن لا تجهز العروس إلا ومعها بعض الكتب الشرعية النافعة، فذكر –مثلا- الإمام الذهبي إن البكر كان في جهازها عند زفافها نسخة من كتاب المزني، فأي مفخرة لأمة من الأمم أعظم من هذه المفخرة؛ ولذا تبوأت المرأة المسلمة أعلى درجات القيم في الأخلاق والتربية طيلة سلوكها لهذا المسلك الشرعي في التعليم ابتغاء وجه الله بهذا العلم، ومع تتابع الفتن على أمة الإسلام التي كانت مصداقاً لحديث حذيفة –رضي الله عنه- والذي كان آخرها وأقساها تدمير الخلافة الإسلامية واستعمار الأرض الإسلامية من قبل الصليبيين وحنقهم وانتقامهم الشديد من كل ما هو إسلامي في جميع المجالات إلا أنهم في هذه الحقبة علموا يقيناً أن الحرب يجب تغيير مسارها من المعدات إلى الأفكار، فكان لهم ذلك بغزوهم للعقول وتدمير قدراتها الذاتية وتحويله من مبدعة إلى متبعة، فتتبع كل ناعق غربي مهما كانت ثمرة اتباعه، وكان أعظم التسليط على تعليم المرأة، وادعى أنها مظلومة، وجعل لها قضية منفصلة ادعوها ظلماً وعدواناً (تحرير المرأة) فسلطوا أفكارهم على ثلة من بني جلدتنا حملوا أفكارهم أعظم من حمل أصحابها لها، وكان ذلك بالتسليط على مناهج التعليم عامة وتعليم المرأة خاصة، ولقد قال أحدهم وهو: -المستشرق جب- (إن مدارس البنات هي بؤبؤ عيني) وما ذاك إلا لإخراجها من حيز الصيانة إلى مجال الضياع، ولقد كان لهم ذلك في معظم العالم الإسلامي.
إن الواجب على كل مسلم أن يهتم بتعليم أهل بيته التعليم الكامل الشامل الذي به صلاح الدين وقوام الدنيا، حتى جاء الأمر القرآني بقوله –سبحانه-: "واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيرا"، قال الإمام ابن سعدي: "والمراد بآيات الله القرآن والحكمة أسراره وسنة رسوله وأمرهن بذكره يشمل ذكر لفظه بتلاوته وذكر معناه بتدبره والتفكر فيه واستخراج أحكامه وحكمه وذكر العمل به وتأويله.
إن الله كان لطيفاً خبيرا، يدرك سرائر الأمور وخفايا الصور، وخبايا السماوات والأرض والأعمال التي تبين وتسر، فلطفه وخبرته تقتضي حثهن على الإخلاص وإسرار الأعمال، ومجازاة الله لهن على تلك الأعمال.
إن الأمر الرباني لهن بأن يذكرن هذا الكتاب والحكمة سواء مما فيه أو سنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- وإن كان الخطاب موجهاً لأمهات المؤمنين، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ إن تعليمها يجب أن يكون محل عناية بحجم الصيانة الخاصة بها، فلا يتطرق إليه أي أمر يخدش في صيانته من سراق وخداع، بل يجب(69/162)
أن يكون تحت أهل المسؤولية والأمانة فإنها أعظم الأمانة، في الأمة إذ بصلاحها صلاح الأمة، وبضياعها ضياع الأمة، قال العلامة ابن باديس: "البيت هو المدرسة الأولى والمصنع الأصلي لتكوين الرجال، وتديُّن الأم هو أساس حفظ الدين والخلق، والضعف الذي نجده من ناحيتها معظمه نتج من عدم التربية الإسلامية في البيت وقلة تدينهن" إنه متى ما كان العلم سبباً لخدش حياء المرأة وضياع صيانته وعفتها كان حملاً ثقيلاً عليها وعبئاً لا يجوز أن تحمله، كما قال ابن باديس: "لماذا تعاقب المرأة بعلمها؟ هل العلم ورد صفاء للرجال ومنهل كدر النساء هل له تأثيران حسن على فكر الذكور قبيح على فكر الإناث"، وهذا في معرض نقده للموجة الصليبية على التعليم النسائي.
إن استقلالية تعليم المرأة عن تعليم الرجل جاءت به الشريعة الغراء -كما سبق بيانه وأكدته فطر العقلاء- ومتى تم اختلاطه بالرجال سواء إدارته، أو توجيهه، أو مناهجه، أو صفوفه فقد انحدر إلى هاوية الجاهلية ولحق بركب التخلف الحقيقي.
إن على كل عاقل أن يتبصر فيما حوله من العالم في قضية تعليم المرأة ليرى الضياع العلمي عندها. لقد اشتغلت بشهواتها عن عملها في دائرة التوجه العلمي الموجه لها، ولأنه أمر جلل حينما يدك آخر معقل لتعليم المرأة في بلاد الإسلام وإلغائه لتوحد إدارته بإدارة تعليم الرجال ليتوحد التوجيه لهما.
إنه يجب أن تكون إدارة تعليم المرأة منفصلة كل الانفصال عن تعليم الرجل؛ وذلك لخصوصيتها ومكانتها وحاجيتها وأهدافها المختلفة عن الرجال، وفي دمجها توحيد لأهدافها، وهنا تكون الملمة أنه من وجهة نظري تجاه ما حصل بنا يجمل عمل الآتي:
1-الدعاء بأن يحسن الله العاقبة في الدنيا والآخرة.
2-الالتفاف حول أهل العلم وأخذ رأيهم صدقاً، ومشورتهم حقاً، والعمل بها وتذكر أن رأي الأشياخ خير من رأي الأحداث وجعل نصب الأعين غزوة أحد.
3-دراسة التاريخ المعاصر سيما تاريخ الدول الإسلامية المستعمرة سيما مصر خصوصاً فما أشبه ليلتنا ببارحتهم وتدبر ما فيه، وأخذ العبرة والدروس منه وتبصير العامة والخاصة بذلك يراجع في ذلك (واقعنا المعاصر)و (حصوننا مهددة من الداخل).
4-العمل على مناصحة من ولاه الله أمر المسلمين وتذكيره بأن الحق هو المتبع وأن الرجوع إليه هو الدين الذي تعبدنا الله به، ففي الحديث: "وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفِّر عن يمينك وائت الذي هو خير"، متفق عليه، وفي قضاء عمر لأبي موسى –رضي الله عنهما-: "ولا يمنعنك قضاء قضيته في اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق فإن الحق قديم لا يبطله شيء ومرجعة الحق خير من التمادي في الباطل".
5-لا بد من الصبر والاستعانة به، كما قال الله: "يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة"، والصبر حقيقة عملية وليس حقيقة سلبية تثبيطية بدليل قول يعقوب –عليه السلام-: "فصبر جميل" ثم قال: "يا بنيَّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه" فصبره لم يحمله على عدم العمل والتحسس عن يوسف، فالصبر ينال به النصر، وهو الصبر(69/163)
على العمل والاستمرار فيه فالعمل شاق وطويل "واعلم أن النصر مع الصبر" ودين الله لن يشادَّه أحد إلا غلبه.
6-تدبر قول الله: "وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلا ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون قالوا ياويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيداً خامدين"
وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين
ـــــــــــــــــــ
لعلمانية ... نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة
د. سفر بن عبد الرحمن الحوالي 12/9/1423
27/11/2001
اسم الكتاب :العلمانية ... نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة
المؤلف :د. سفر بن عبد الرحمن الحوالي
الناشر : جامعة أم القرى / السعودية
عدد الصفحات :727
التعريف بالكتاب :
جاء الكتاب في مقدمة ذكر المؤلف فيها أسباب اختيار الموضوع وتعريف للعلمانية ،ثم خمسة أبواب .
جعل الباب الأول في دين أوروبا الذي انحرفت عنه إلى اللادينية فأثبت فيه تحريف الدين النصراني وأنه لا يمثل دين الله الحق لا في العقيدة ولا في الشريعة . وتعرض بالنقد للتحريفات والبِدَع و الخرافات النصرانية .
أما الباب الثاني ففي أسباب العلمانية المباشرة :
الطغيان الكنسي دينياً وسياسياً ومالياً ، مؤيداً بالشواهد التاريخية والصراع بين الكنيسة والعلم ، عرض فيه الصراع النكد عرضاً تاريخياً منذ نظرية كوبرنيك إلى نظرية نيوتن مروراً بمدرسة النقد التاريخي و مذهب الربوبيين و الملحدين الأوائل .
الثورة الفرنسية التي نجحت في إقامة أول دولة لا دينية في أوروبا النصرانية ، فأوضح أسبابها وآثارها و استغلال القوى الهدامة لها .
ثم نظرية التطور التي كانت إيذاناً بانتهاء وصاية الكنيسة الفكرية على أوروبا و انسحابها من الميدان ، إلى الأبد .. وقد تحدث عن الآثار المدمرة للنظرية في الفكر والحياة وتطبيقها المريب في حقول المعرفة و ميادين السلوك .
بينما تكلم في الباب الثالث عن العلمانية في الحياة الأوروبية وضمنه ستة فصول :
الأول : في الحكم و السياسة ، تعرض فيه للفكر السياسي اللاديني و أشهر نظرياته ، مثل : " النظرية الخيالية ، نظرية العقد الاجتماعي ، نظرية الحق الإلهي " ، ثم النظريات الحديثة التي تقوم على " الميكافيللية ، فلسفة التطور الديمقراطية " بتفسيريها الليبرالي والشيوعي .
الثاني : في الاقتصاد ، تحدث فيه عن النظام الاقطاعي ، ثم عن المذاهب اللادينية الاقتصادية: " المذهب الطبيعي (الفيزيوقراطي) ، المذهب الكلاسيكي الرأسمالي ،(69/164)
المذهب الشيوعي " ، عارضاً نظريات كل مذهب . ثم عقب على ذلك بعرض الواقع المعاصر والنتائج الفظيعة التي نجمت عن فصل الاقتصاد عن الدين .
الثالث : في علمانية العلم ، تحدث فيه عن الأسس والملابسات التي قامت عليها لادينية العلم ، مثل موقف الكنيسة والإرث الديني الوثني في النفسية الأوروبية ، الذي يصور الإله عدواً للإنسان يتعمد تجهيله كما في سفر التكوين وأساطير الإغريق .. ومظاهر لادينية العلم ، مثل " استبعاد الغائية والاكتفاء بالعلل الصورية ، حذف اسم الله من أي بحث علمي و الاستعاضة بتعبيرات ملتوية كما في مسألة أصل الحياة وتعميم التفسيرات الميكانيكية للكون والحياة ، ورفع شعار العلم للعلم في الغرب والعلم للمذهب في الدول الشيوعية " . وعقب ذلك بالحديث عن أثر الفصل بين العلم والدين في المجتمع المعاصر و نتائجه السيئة ، مثل انتشار الإلحاد وظهور الفوضى العقائدية و القلق على الأجيال المثقفة و استحالة العلم نفسه إلى خطر يهدد البشرية جمعاء .
الرابع : في علمانية الاجتماع والأخلاق ، مهد له بالحديث عن مجتمع وأخلاق القرون الوسطى في ظل الكنيسة ، ثم فصل القول في النظريات والمدارس الاجتماعية اللادينية ـ مبتدئاً بالحديث عن أصول وولادة علم الاجتماع ـ وهي " نظرية العقد الاجتماعي المدرسة الطبيعية ، المدرسة الوضعية العقلية ( كونت ، دوركايم ) النظرية الاجتماعية الشيوعية ، النظرية العضوية و النفعيون ، الدراسات النفسية الحديثة ( السلوكية ، التحليل النفسي )" ، ثم أردف ذلك بالحديث عن الواقع الاجتماعي والأخلاقي المعاصر ( قضية المرأة ) وما نجم عنها من الشرور الاجتماعية المستطيرة.
الخامس : في الأدب والفن ، تحدث فيه عن الاتجاهات الأدبية الأوروبية :
1- عصر النهضة " الكلاسيكية الجديدة " وما هدفت إليه من بعث التراث الوثني الإغريقي و إنماء النزعة الإنسانية .
2- العصر الحديث :
( أ ) الرومانسية : تطويرها للهروب ، مثاليتها ، تأليه الطبيعة .
(ب) الواقعية : نشأتها ، أهدافها ، ميزاتها الفنية .
3- الأدب المعاصر " من الواقعية إلى اللامعقول " المؤثرات الفكرية والاجتماعية فيه ، اتجاهاته الكبرى :
( أ ) الإباحية ، مع سرد نماذج لها .
( ب ) الضياع " اللاإنتماء " ، مع أمثلة أدبية له .
ثم عرض نماذج موجزة لمدارس الضياع المعاصرة " الوجودية ، الرمزية ، السوريالية ، العدمية ... الخ " .
أما السادس فهو تكملة عامة للباب مع التركيز على يوم الدين أو " ساعته ! " و بيان الإفلاس الذي مُنِيَتْ به الكنائس و كيف أصبحت مباءات للمفاسد العصرية .
أما الباب الرابع فحول العلمانية في الحياة الإسلامية ،وقد قسم هذا الباب إلى فصلين كبيرين :
الأول : في أسباب العلمانية في العالم الإسلامي ، وقد أوجزها في سببين بارزين :(69/165)
1- انحراف المسلمين الذي يقابل تحريف النصرانية في أوروبا ، أوضح فيه صور ذلك الانحراف ، لا سيما ما يتعلق منها بالتوحيد والعقيدة وانحسار مفهومات الإسلام في مجال الشعائر التعبدية بتأثير الأفكار الصوفية والركود الحضاري العام ، واختتمه بنماذج لتقبل المسلمين الذاتي للعلمانية .
2- التخطيط اليهودي الصليبي : تحدث فيه عن جذور العداوة التاريخية للمسلمين من قبل اليهود والنصارى وأبديتها والخطة الجديدة للغزو و إفادتها من الواقع الإسلامي المنحرف ، وقسم المؤامرة إلى أربعة أجنحة كبرى( قوى الاحتلال المباشر ، المستشرقون ، المبشرون ، الطوائف اليهودية و النصرانية والباطنية ) .. وفصل القول في جهود وأعمال كل جناح في سبيل تحقيق الهدف المشترك : إخراج المسلمين من دينهم وصبغهم بالصبغة الغربية اللادينية .
الثاني : مظاهر العلمانية في الحياة الإسلامية .. وهو فصل كبير قسمه إلى ثلاثة أقسام :
1- في الحكم والتشريع ، تحدث فيه عن بداية الانحراف المتمثلة في تخلف المسلمين الحضاري ، وجمود الاستنباط الفقهي ، وتوهم دعاة اليقظة بأن سبب تأخر المسلمين هو عجزهم التنظيمي والإداري وما أدى ذلك إليه من تبلور فكرة " الإصلاح " واستيراد التنظيمات ثم التشريعات الكافرة وكيف انتهى الأمر بالحركة الإصلاحية إلى العلمانية الكاملة في تركية ، وإلى إقصاء الشريعة في البلاد العربية ـ ومصر خاصة ـ بالتعاون بين الاستعمار و دعاة الإصلاح، وأثر ذلك في ظهور الأفكار السياسة اللادينية والأحزاب المتعددة الانتماءات .
2- في التربية والثقافة : تحدث فيه عن المستوى التربوي والثقافي للعالم الإسلامي قبل احتكاكه بالحضارة الغربية اللادينية و كيف تمت الازدواجية الخطرة في التعليم ، وحركة التغريب الأولى ، ثم عن الدعوات الهادفة إلى لا دينية التربية والثقافة ، مثل " الدعوة إلى اقتباس الحضارة الغربية خيرها وشرها ، واحتقار الماضي الإسلامي تربوياً وتاريخياً ، وتطوير الأزهر ، و تطبيق المناهج التعليمية الغربية ، واستيراد المذاهب اللادينية في الفكر والأدب " .
3- في الاجتماع و الأخلاق ، ابتدأه بالحديث عن سوء تمثيل المجتمع الإسلامي لحقيقة الإسلام ، والتقبل الذاتي لتقليد الغرب .. ثم فصل القول فيما أسمي " قضية تحرير المرأة " ، ابتداء من جمال الدين الأفغاني ورفاعة الطهطاوي ، وانتهاء بقاسم أمين و حركة النهضة النسائية ! . مع إيضاح دور العلماء و الزعماء والأدباء الذين أسهموا في المؤامرة ،وسريان الفكرة إلى بلاد الشام والمغرب ،فضلاً عن تركية،والنتائج الواقعية لها .
أما الباب الخامس فتكلم فيه عن حكم العلمانية في الإسلام وقسمه فصلين :
- الأول : فصل تمهيدي بعنوان : هل للعلمانية في العالم الإسلامي مبرر ؟ أوضح فيه الفروق الجوهرية بين الإسلام
و النصرانية المحرفة عقيدة وشريعة و تاريخاً وواقعاً ، مما ينفي أي مبرر عقلي لاستيراد هذا المذهب المنحرف .(69/166)
ـ الثاني : حكم العلمانية في الإسلام : بين فيه حكم العلمانية على ضوء الأصول العقدية الإسلامية و المدلول الحقيقي لكلمة " لا إله إلا الله " ومفهومي " الطاغوت والعبادة " ، وخرج من ذلك بنتيجة هي أن العلمانية تتنافى مع الإسلام من جهتين :
1- كونها حكماً بغير ما أنزل الله .
2- كونها شركاً في عبادة الله ، وفصل القول في ذلك مورداً الأدلة من الآيات والأحاديث و مستشهداً بأقوال علماء السلف .
و من خلال ذلك ناقش شبهة التعلل بحرية أداء الشعائر التي تسمح بها بعض الأنظمة العلمانية ، وشبهة قصور الشريعة عن مجاراة التطور الإنساني و الإحاطة بجوانب الحياة المعاصرة
ـــــــــــــــــــ
ن ركائز الغزو الثقافي الجديد
الإسلام اليوم -التحرير 9/7/1423
16/09/2002
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة رأس حربة في الاختراق الثقافي والغزو الفكري .
- من أهداف الجامعة طمس الهوية العربية الإسلامية في نفوس طلابها .
- أمل أمريكا بأن يتولى خريجو الجامعة قيادة بلدانهم العربية .
- هذه أخطر مؤسسة للتجسس العلمي على مصر والشرق الأوسط .
كان للاستعمار في كل بلد يحتله أربع ركائز كبرى ، أولها الكنيسة وجهاز تبشير ، وثانيها مدرسة أو مدارس تعلم بلغة الدولة المستعمرة ، وثالثها عدد من الشركات في مختلف جوانب الحياة، وأخيراً مصرف رئيسي يهيمن على الجوانب الاقتصادية والمالية.
وحينما رحل الاستعمار عن بلادنا اهتزت ركائزه ، إلا أن إحداها لم تهتز بل تدعمت وهى مدارسه ، وأضيف إليها المراكز الثقافية والبحثية بحجة الاحتكاك الثقافي ونشر المعرفة ولكنها في الحقيقة أداة تغريبة الغاية منها نزع جذور الشعوب وهويتها وإبعادها عن مصادر ثقافتها.
وهنا تنفتح أبواب الغزو الثقافي .. تلك القضية القديمة الحديثة التي ترتبط بالمصالح الغربية وتأخذ أشكالاً عديدة ، ولها ركائز مختلفة فإذا نظرنا إليها داخل مصر – قلب العالم العربي والإسلامي – نجد أنها تتفاوت حجماً ونوعاً حسب وجود قبضة حديدية تمنع تسلل هذه الأجسام الغريبة.
والركائز الحالية للغزو الثقافي الجديد في مصر تتمثل في 36 مؤسسة بحثية ما بين أمريكية وألمانية وفرنسية وبريطانية وإسرائيلية ، مثل مؤسسة الأيد Aid الأمريكية ، وهيئة المعونة الأمريكية ، ومؤسسة فورد ، ومؤسسة فريدرش ايبرت ، وفريدرس نومن وهانز ظايدل وفولدايت ، والمركز الأكاديمي الإسرائيلي ، والجامعة الفرنسية بالإسكندرية ، والمركز الثقافي الفرنسي ، والمركز الثقافي البريطاني والمراكز الثقافية الأمريكية.(69/167)
لكن على رأس هؤلاء جميعاً تقف الجامعة الأمريكية بالقاهرة كمؤسسة تعليمية وبحثية بما تملكه من إمكانات.
اختراق ثقافي وغزو فكرى
تحدثنا المصادر التاريخية أن أول اهتمام أمريكي ثقافي بالمنطقة كان عام 1815 وكان اهتماماً تنصيرياً حين عين المجلس الأمريكي الخاص بالبعثات التنصيرية الأجنبية ممثلين له في القدس ، وعهد إليهم بمهمة تكوين بعثة تنصيرية .. وكان طبيعياً أن يواجه هؤلاء عقبات قانونية وسياسية ودينية كبيرة من سلطات الدولة العثمانية .. ونتيجة لذلك تحول الاهتمام الثقافي الأمريكي ناحية التعليم .. وكانت البداية بمدارس الأحد فافتتح المنصرون أول مدرسة رسمية لهم في بيروت عام 1924 ثم تحولت مدارسهم إلى كليات ثم إلى جامعات.
فمثلاً انشأوا الكلية البروتستانتية السورية في بيروت عام 1866م وهى التي عرفت فيما بعد بالجامعة الأمريكية في بيروت ، ثم انشأوا بجامعة الأمريكية فى القاهرة عام 1919
وإحصائيا فقد بدأ الاهتمام الثقافي الأمريكي بالمنطقة تتزايد مع بداية القرن العشرين . ففي إيران أنشئت 108 مدرسة ، وفى تركيا أنشئت 450 مدرسة ، وفى سوريا 95 مدرسة ، وفى مصر 200 مدرسة .. غير أن الفترة التالية للحرب العالمية الثانية كانت هي الأخطر ؛ حيث برزت برامج تعليمية ناجحة وهادفة ، مثل مشروع فولبرايت للتبادل التعليمي عام 1949 ، ثم مشروع فرانكلين عام 1952 ، والذى وزع فى سنواته العشر الأولى 30 مليون كتاب أمريكي . وفى بداية السبعينات تدفق الغزو الثقافي الأمريكي تجاه المنطقة في صور التعاون المشترك في مجال البحث العلمي والبحوث المشتركة ، وتكثيف البث الإعلامي وسطوة الأفلام والدعاية السينمائية والتليفزيونية.
ويقود هذا كله في مصر الجامعة الأمريكية كغطاء .. بما لديها من إمكانات هائلة ومراكز بحثية وجماعات تنصيرية تعمل وسط طلاب الجامعة بل وخارج الجامعة أيضا.
المحاور الثقافية للجامعة الأمريكية
يقوم الدور الثقافي للجامعة الأمريكية على عدة محاور :
المحور الأول هو : الوضع التعليمي داخل الجامعة ، وتحديداً المناهج والطلاب والأساتذة .. حيث يلاحظ على المناهج التي تدرس داخل الجامعة الابتعاد الكامل عن القضايا والحقائق العربية والإسلامية، وانفصالها شبه الكامل عن قضايانا ، بل إن أغلب هذه المناهج يتم وفق النمط الأمريكي في التعليم ؛ مما يساهم بالتبعية في تكوين أجيال من الطلاب الأمريكيين لغة وقيماً وسلوكاً ، على الرغم من أنهم يحملون جنسيات عربية ، ويزيد الأمر خطورة أن هؤلاء الطلاب يأتون من طبقات اجتماعية متميزة ؛ أي أنهم سيكونون قادة المستقبل .
ويأتي الأساتذة ليكملوا الحلقة ؛ حيث يتضاءل عدد الأساتذة الوطنين بالنسبة للأمريكان .. وحيث تزايد مرتب الأستاذ المصري أو العربي إلى أضعاف مرتبه في جامعته الأم.(69/168)
والمحور الثاني هو : البحوث التي تقوم بها الجامعة الأمريكية عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .. وهنا تثار العديد من التساؤلات . فقد دعت الجامعة الأمريكية البروفيسور سامى زبيدة وهو يهودي متعصب للصهيونية يدرّس في إحدى الجامعات البريطانية لإلقاء عدة محاضرات وندوات عن الصراع العربي الإسرائيلي وإيران ، وتجري الجامعة العديد من الأبحاث التي يتم شهرياً بها ولا يعرف عنها شيئاً ، وأقرب مثال على ذلك ما قام به " د. ليونارد بانيدر " أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو والمستشار السياسي لرئيسة وزراء إسرائيل السابقة جولدا مائير عن إمكانات مصر النووية .
والمحور الثالث هو : أن الجامعة الأمريكية من خلال قراراتها المادية الرهيبة تحتوى القوى الوطنية والمثقفين الوطنيين لتحقيق أهدافها .
والمحور الرابع هو : أن الجامعة الأمريكية تقدم نفسها كنموذج غربي له بريقه وطابعه الخاص وله أهدافه بعيدة المدى .. وبالتالي فهو يصادم البديل العربي وينفصل عنه ، وفى دراسة عن الهوية العربية الإسلامية ودور المؤسسة التعليمية فى تشكيلها قام بها د. أحمد ثابت أستاذ العلوم السياسية جاءت نتائج عينة الجامعة الأمريكية كما يلى :
71.5% من طلاب الجامعة الأمريكية لا يعرفون لون العلم المصري أو ترتيب ألوانه .
38.5% يرون أن ارتداء الحجاب يعد مظهراً للتخلف ومؤشراً لسلوك الفقراء .
27.5% على شوق جارف للحصول على الجنسية الأمريكية . 19.5 % يرون في تبادل القبلات بين الطلبة والطالبات مسألة حضارية ولا تتنافى مع التقاليد المصرية .
75% يرون أن الوجود الأوروبي الاستعماري في مصر كان تعاوناً وتنويراً ولم يكن استعماراً ، وأن مشاكل المجتمع المصري عندهم هي في قلة أماكن اللهو ، وضوضاء أماكن العبادة ، وعدم وجود أماكن لانتظار السيارات ، وسوء فهم المجتمع للاختلاط بين الجنسين.
التغريب من أجل ..قيادة النخبة المثقفة والحاكمة
نتيجة لهذا الدور الخطير الذي تقوم به الجامعة الأمريكية في مجال الغزو الفكري ومسخ الهوية لدى العرب والمسلمين ، ونتيجة لتراجع الدور العربي والإقليمي بفعل الضغوط الأمريكية الإسرائيلية ونتيجة لغياب المشروع الحضاري العربي .. وظهور طبقة واسعة من أثرياء الانفتاح الاقتصادي ورجال الأعمال المشبوهين خاصة في مصر أصبح الشغل الشاغل لهؤلاء هو إلحاق أولادهم بالجامعة الأمريكية مقابل آلاف الدولارات سنوياً والتفاخر بذلك وتفضيل الجامعة الأمريكية على أية جامعة عربية .
ونتيجة لفقدان الثقة في الذات أصبحت الإعلانات التي تطلب شباباً للعمل في بعض الدول العربية تشترط خريجي الجامعة الأمريكية .. فهم الذين يحظون تقريباً بالعمل السهل في المنظمات الدولية العاملة والمؤسسات الإعلامية من صحف ومجلات ووكالات أنباء وفضائيات كما تفضلهم الشركات والمؤسسات الهامة ومواقع صنع القرار .. مما يعنى أنهم هم الذين سوف يقودون المجتمع في المستقبل.(69/169)
ويجمع الباحثون والأكاديميون أن المستوى العلمي لطالب الجامعة الأمريكية متواضع إذا قورن بنظيره في أية جامعة عربية .. الشيء الوحيد الذي يتفوق فيه خريج الجامعة الأمريكية هو إتقانه للغة الإنجليزية التي درس بها.
وهكذا فأمريكا على الأمل أن يقود هؤلاء الأمة العربية العقود القادمة أولئك الشباب الذين تربوا في أحضان تلك المؤسسة التغريبية التي تناهض فكرنا الإسلامي وثوابتنا الثقافية والدينية والحضارية . هؤلاء الشباب الذين يفضلون النمط العلماني ويعتبرون الهوية الإسلامية تطرفاً وتزمتاً وجهلاً يجب التخلص منه .. كما يرون أن هذه الهوية هى سبب مشكلات الأمة وتخلفها .. وهم طبعاً مهزومون أمام الإرادة الأمريكية الصهيونية.
مراكز..ومؤسسات مشبوهة
يعاون الجامعة الأمريكية في وظيفتها من أجل الغزو الفكري والاختراق الثقافي مركز البحوث الأمريكي .. وهو مؤسسة ضخمة ذات موارد رهيبة لإجراء أبحاث ذات طبيعة خاصة .. وهو يحظى بعضوية عدد من الأساتذة العرب والمصريين ومزدوجي الجنسية (مصرى – أمريكيى) ، (أمريكي – إسرائيلي)..
مثلما هو الحال بالنسبة للأساتذة الزائرين بالجامعة الأمريكية بالقاهرة . ومن الأبحاث التي قام المركز بتنفيذها : دراسة عن تحرير المرأة .. نموذج من ريف مصري ، مصر البيزنطية إبان الغزو العربي لفلسطين وسوريا ، الجهل والتخلف في إسلام العصور الوسطى .
وبالإضافة لمركز البحوث الأمريكي هناك مؤسسة " اليوسا " التي تم إنشاؤها عام 1953 في مصر واليوسا تعنى الوكالة الأمريكية للإعلام .. يقول مديرها " ليس لدينا الوسائل للتخاطب المباشر مع الجماهير العريضة في الخارج ولكننا نحاول مخاطبتهم من خلال قادتهم أولئك الذين يسيطرون على وسائل الإعلام حتى نتمكن من التأثير على ما تشاهده الجماهير في وسائل الإعلام المحلية".
وفى عام 1951 أنشئت أخطر مؤسسات التجسس العلمي في تاريخ الولايات المتحدة وهى مؤسسة " فورد فوندشن " والتي بدأت ممارسة نشاطها في مصر عام 1902 ويكفى للتدليل على دورها أن نقرأ للأمريكيين " بيتر جونسون وجوديت ناكر " كيف أن هذه المؤسسة قد تفاقم دورها في السبعينات عندما اهتمت بالتغيرات الاجتماعية والدينية والثقافية في مصر والشرق الأوسط بهدف دراسة مقومات هذه التغيرات والتنبؤ بها لمساعدة السياسة الأمريكية على التحكم في مسار التغيير داخل هذه المجتمعات لخدمة مصالح الولايات المتحدة ، والقضاء أولاً بأول على العناصر التي تهدد السيطرة الأمريكية على المنطقة
ـــــــــــــــــــ
وماذا عن الخطاب الإسلامي؟
سهيلة زين العابدين 13/9/1423
18/11/2002
يقال بأنَّ مفردات الخطاب الإسلامي تنمي ثقافة العنف والإرهاب، وهذا فرية من فريات أعداء الإسلام الذين أوجدوا الجماعات الإرهابية، وأطلقوا عليها مسميات(69/170)
إسلامية، وحرضوهم على الأعمال الإرهابية في بلادهم، وتكفير المجتمع، لزعزعة أمنه واقتصاده وإباحة أمواله ودمائه وأعراضه، ونسبوا أفعالها إلى الإسلام، بهدف جعل هوة بين المسلمين ودينهم، وتخويفهم من كل ما هو إسلامي، وقد ساعدهم المتشددون في الدين في ترويج هذه الفرية، بتضييق دائرة الحلال، وتوسيع دائرة الحرام بإخضاع النصوص الشرعية للعادات والتقاليد ...
وقد نجح أعداء الدين إلى حد ما في تحقيق هذا الهدف، وجعلوا من أبناء الإسلام من يهاجم الدين ويصفه بالإرهاب، وقد حدثت مواجهة بيني وبين إحدى القاصات العربيات في مؤتمر مائة عام على تحرير المرأة الذي عقد في القاهرة في أكتوبر عام 1999م عندما قلت في مداخلة لي في إحدى جلسات المؤتمر عندما وجد تُ هجوماً على ثوابت الإسلام وتطبيق الشريعة الإسلامية فقلتُ إنَّه حري بالمرأة المسلمة أن تطالب بالتطبيق الأمثل لشريعة الإسلام لتنال حقوقها بدلاً من أن تضرب المثل بالدول الأخرى التي خرجت عن ثوابت الإسلام وألغت القوامة متحدية قول الله –تعالى- ( الرجال قوَّامون على النساء)والتي ألغت تعدد الزوجات، وأباحت السفور وحرَّمت الحجاب فقالت هذه الأديبة"لقد استفززتها عندما قلتُ تطبيق الشريعة الإسلامية، معتبرة تطبيقها قهراً للشعوب، وأنّ الإسلام ليس حجاباً، وليس قطع يد السارق وجلد الزانية، وإن كان يُعمل بها بما يلائم فترات تاريخية محدودة، ونحن في نهاية القرن العشرين نقول: لا ... ولن نخاف لعبارة إرهابية تقول قال الله، فهم يعتبرون الاستشهاد بالقرآن إرهاباً، وهذا مؤلم للغاية وقد لا تصدقني أيها القارئ الفاضل إذا قلتُ لك إنني لم أنم ليالٍ طويلة بعد هذه المواجهة، وأنا أكتب المقالات وأعد الدراسات عن المنهج الذي ينبغي أن نتبعه في مخاطبة مثل هذه الأخت، وأمثالها كثير، وللأسف هذه الفئة تكاد تكون المسيطرة على وسائل الاتصال من صحافة وإذاعة وتلفاز وسينما ومسرح ،ويومياً نقرأ عشرات المقالات لكتاب وأدباء مسلمين من الجنسين يصفون الإسلام والخطاب الإسلامي بالإرهاب، وبالإفلاس الفكري، وسرقة أفكار الغربيين ونسبتها إليهم، ولي أكثر من مواجهة معهم في أكثر من مؤتمر، وأكثر من مقالة، وفي عشرات الدراسات .
هذا وبعد أحداث تفجيرات برجي المركز التجاري في نيويورك، ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية " البنتاجون" في الحادي عشر من سبتمبر في العام المنصرم، وإلصاق هذه الأحداث بالإسلام والمسلمين، وما ترتب عنها من هجمة شرسة من الإعلام الغربي الذي تسيره الصهيونية العالمية على الإسلام والمسلمين، والإساءة إلى المسلمين في الغرب، والاعتداء عليهم، وعلى ممتلكاتهم، وتجفيف مصادر الجمعيات الإسلامية الخيرية، والمؤسسات الإسلامية، ومطالبة الولايات المتحدة البلاد الإسلامية تغيير مناهجها الدينية بزعم أنَّ هذه المناهج تنمي العنف في عقول الناشئة، ومهاجمة مكاتب رابطة العالم الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية .
كل هذا يجعلنا نتساءل ما الذي حققه المسلمون في حواراتهم مع الآخر، وصورة الإسلام لدى الإنسان الغربي لا تزال كما شوهها اليهود في إعلامهم والمستشرقون في كتاباتهم عن الإسلام والمسلمين على مدى ثمانية قرون.(69/171)
وهذا ما يجعلنا نعمل من أجل إعادة صياغة الخطاب الإسلامي مع أنفسنا ومع الآخر؛ لنستعيد مكانتنا، ولندحض الحملات الإعلامية الصهيونية على الإسلام والمسلمين، وذلك بوضع قواعد وأسس لهذا الخطاب ينطلق منها، ولتحقيق هذه الغاية، أرى أنَّنا ينبغي أن نتبع الآتي :
1-أن نرفض نسبة أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي تعرضت لها الولايات لمتحدة الأمريكية إلى العرب والمسلمين، وأن تقوم حملة إعلامية من جميع وسائل الإعلام في عالمنا العربي والإسلامي لإثبات تورط المخابرات الأمريكية والموساد، فيها لإلصاقها بالعرب والمسلمين حتى تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بتنفيذ مخططهما الذي وضعاه، والماضيان في تحقيقه.
2- أن تتاح الفرصة لعلماء الدين ذوي منهج الوسطية في الإسلام بأن يكونوا في مراكز قيادية، وفي إمامة المساجد، وأن تتيح أجهزة الإعلام على اختلافها الفرصة للأقلام الإسلامية الواعية والمعتدلة لتوضح وجهة نظر الإسلام الصحيحة بعيدة عن التطرف والتشدد، وفي رأيي أنَّ هؤلاء هم المسؤولون عن صياغة الخطاب الإسلامي المعتدل الذي نحن في أمس الحاجة إليه الآن، ويجب وضع خطة إعلامية استراتيجية يكون لحملة الفكر الإسلامي المعتدل الدور الأهم والأبرز.
3- أن نهتم بالمنهج الإسلامي في التربية، ونركز على التربية الروحية، فلابد من تقوية صلة الفرد بربه منذ طفولته، وأن ينشأ وهو يحب الله ويراقبه في كل قول وعمل .
4-أن نعيد النظر في مناهج التعليم، وصياغتها صياغة تتفق مع إيقاع العصر، وما فيه من تطورات بحيث تتماشى مع العصر وأحداثه وإنجازاته، وتتفاعل معها، مع تحقيق التوازن بين التقدم العلمي والتكنولوجي وربط النشء بدينهم وقيمهم، وتكوين الشخصية الإسلامية القوية التي لا تذوب في غيرها، بل تظل قوية صامدة مهما كانت المغريات. وأن نركز في هذه المناهج على المواد الدينية، وأن نهتم بتحفيظ القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة.
5-وأن تتضمن المناهج التعليمية مآثر المسلمين في جميع المجالات بأن نتوسع في تدريس الحضارة الإسلامية لنعيد الثقة لأبنائنا بالفكر الإسلامي،وعلماء الإسلام ورجاله .
6-أن نطبق المنهج العلمي الذي حثنا الإسلام على اتباعه.
7- أن نهتم بالمواهب في جميع المجالات ونعمل على تنميتها، وأن نشجعهم على الابتكار والاختراع، وأن نجعل من أهداف التعليم تنمية المهارات والقدرات على الاختراع والابتكار.
8- أن نهتم ببناء ذواتنا، ويكون ذلك بإنشاء سوق إسلامية مشتركة لتحقيق التكامل الاقتصادي في عالمنا الإسلامي، وأن ننشئ قاعدة صناعية كبرى ، وأن نصنع ما نحتاجه من سلاح، بإنشاء هيئة إسلامية كبرى للتصنيع الحربي.
9-أن نهتم بمخاطبة الآخر ،بتوجيه قنوات فضائية بمختلف اللغات لنظهر صورة الإسلام المشرقة، ودحض كل الافتراءات التي توجه ضد الإسلام، والعمل على تكوين رأي عام عالمي سليم تجاه قضايا الأمة العربية والإسلامية، مع تقديم الأدلة(69/172)
والبراهين التي تثبت حقوقنا فيما نطالب به، كما علينا أن نهتم بإصدار كتب بمختلف اللغات عن الإسلام، وعن قضايا الأمة العربية والإسلامية، وعلينا أيضاً أن نهتم بإصدار صحف موجهة للإنسان الغربي تخاطبه بلغته ،وبطريقة تفكيره، تصحح له الصورة المشوهة للإسلام والإنسان المسلم، وتكشف له المخططات التي تستهدفه من وراء هذه الحملات، وعلينا أن نكشف حقيقة الشخصية اليهودية والمخططات الصهيونية لتقويض الأديان والسيطرة على العالم، كما ينبغي أن نوضح له موقف اليهود من المسيح عليه السلام، ومن المسيحيين وفق ما جاء في تلمودهم، لابد لنا أن نعمل على تحرير الفكر الغربي من سيطرة الفكر اليهودي وهيمنته عليه حتى أضحى لا يرى الأمور إلاَّ برؤية ومنظار اليهود.
10-أن نهتم بتثقيف أبناء الجاليات الإسلامية ثقافة إسلامية واعية، وأن نربطهم بتاريخ أمتهم ،وبقضايا أمتهم الإسلامية ،وأن نحرص على تهيئة كل الوسائل التي تساعدهم على التحصيل العلمي الذي يؤهلهم ليكونوا في مراكز قيادية، تجعلهم يؤثرون في صياغة القرار في البلد الذي يحملون جنسيته، كما علينا أن نجعل من هذه الجاليات مراكز إشعاع حضاري، وأن يكون لها كيان مؤثر في الرأي العام في المجتمعات التي تعيش فيها .
11-إنَّ ما تعرض له الإسلام والمسلمون في العالم من هجمات شرسة أعقاب أحداث سبتمبر من العام المنصرم توجب علينا أن نعيد النظر في طرائق ومناهج حوار الأديان والحضارات والثقافات، وأن نضع استراتيجية موحدة بين لجان الحوار الإسلامية تحدد فيها أسس وأهداف هذا الحوار، وموضوعاته ،والمنهج الذي نسير عليه بحيث نخرج من هذا الحوار بإنجازات لصالح ديننا وأمتنا ،من أهمها جعل الدول المسيحية تعترف بالإسلام ديانة رسمية في بلادها، كما علينا أن نعمل على تحرير العقلية المسيحية من سيطرة التراث الديني اليهودي عليها، هذه السيطرة ـ كما وصفها المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي ـ جعل الكنيسة المسيحية تقبل دون مناقشة تفسير اليهود لتاريخهم كما ورد في التوراة بما تضمنته بين طياتها من المطاعن ضد الشعوب التي احتكوا بها كالفينيقيين والفلسطينيين والأرمويين والموابين "إلى قوله :"فما برحت جمهرة المسيحيين تأخذ التأريخ اليهودي كما ورد في التوراة قضية مسلماً بها "
12-أن نحتضن المستغربين من بني الإسلام ،ولا ننبذهم أو نكفرهم، بل علينا أن نحاورهم وأن نجادلهم بالتي هي أحسن ، طبقاً للمنهج الإسلامي في الدعوة، فالله جل شأنه يقول: ( وجادلهم بالتي هي أحسن) وقال (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، وقال لرسوله الكريم (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ).
13-العمل على القضاء على الأمية الأبجدية ،إذ كيف سنواجه تيَّار العولمة، ونسبة الأمية بيننا _ نحن العرب-تبلغ حوالي 60%.
14-الاهتمام بتثقيف المرأة المسلمة ثقافة إسلامية واعية لتدرك حقوقها وواجباتها في الإسلام، فتؤدي ما عليها من واجبات، وتطالب بحقوقها، ولا تفرط فيها ،والمرأة إذا(69/173)
عرفت مالها وما عليها، ونالت حقوقها صلحت حالها ،وبالتالي صلحت حال مجتمعاتنا.
15-إعادة النظر في قوانين عمل المرأة، وجعلها توافق بين عملها ،وبين واجباتها الأسرية.
16-أن يجتمع المجمع الفقهي بمكة المكرمة لوضع قوانين الأحوال الشخصية فيما يتعلق بشؤون المرأة والأسرة والزواج والطلاق، وحقوق المرأة السياسية والمدنية والثقافية وفق الشريعة الإسلامية، وطبقاً للنظرة الإسلامية الوسطية المعتدلة، وتؤخذ تطبيقاتها من عهد الرسول -صلّى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين .
17-أن تعقد مؤتمرات عالمية إسلامية سنوياً لمناقشة قضايا المرأة والأسرة والمجتمع ،وما يهددها من أخطار ،وكيفية معالجتها، مثل مناقشة أخطار ومشاكل الاختلاط بين الجنسين، وأسباب الزواج العرفي، وآثاره وكيفية القضاء عليه، وكذلك أسباب وعوامل ظهور زواج المسيار في المجتمعات الخليجية، وظهور التطرف الديني، وفي المقابل وجود التيار العلماني، وكيف تغلغل في مجتمعاتنا ،وغير ذلك من القضايا لدراستها والعمل على معالجتها.
18-أن تقرر مادة الأسرة المسلمة ،ومكانة المرأة في الإسلام على طلبة وطالبات المراحل الثانوية ليعلم كل من الفتى والفتاة ماله وما عليه.
19-إنشاء صندوق دولي إسلامي لتقديم القروض والمعونات للدول الإسلامية، والاستغناء عن الصندوق الدولي والمعونات الغربية حتى لا تستخدم معوناتها وقروضها للضغط علينا لقبول ما تفرضه علينا من اتفاقيات تؤدي إلى تدمير مجتمعاتنا وأسرنا، وتحلل نسائنا وتفسخهن، بل تؤدي إلى إشاعة الفاحشة في مجتمعاتنا.
20- أن يستثمر المسلمون أموالهم المودعة في البنوك الغربية في بلادهم الإسلامية، وأن تسن الدول الإسلامية القوانين التي تحفظ حقوق وأموال المستثمرين.
21- أن يكون المسلمون حذرين من فتح مجال للاستثمار الأجنبي، فقد يكون هذا المستثمر يهودياً صهيونياً متخفياً في جنسيات أوروبية أو أمريكية، وبالتالي يصبح لهؤلاء نفوذاً على اقتصادهم، ويستخدم هذا النفوذ فيما بعد لصالح الدولة اليهودية، كما يحدث الآن في الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، ومعروف أن اليهود على مدى العصور التاريخية المختلفة يركزون على السيطرة على الناحية الاقتصادية، لتكون وسيلة ضغط عظمى لتحقيق ما يرمون إليه من أهداف،وعلينا أن نعتبر من دروس التاريخ، وأن نعي ما نقرأه، وألا نلغي عقولنا تحت أية ضغوط ،وعلينا أن نكون بعيدي النظر في ما نقدم عليه من خطوات، وأن نعمل حساباً لأبعاد هذه لخطوات على الأجيال التالية، ويجب ألاَّ ننسى أنَّنا مسؤولون أمام الله عن مصير الأجيال القادمة، وما يلحق بهم من كوارث من جراء ما نتخذه من خطوات وقرارات لتفادي مواجهات بصورة مؤقتة.
22- أن نعمل على إعادة العقول العربية والإسلامية المهاجرة للعودة إلى أوطانها، ونهيئ لها كل الأجواء التي تساعدها على مواصلة أبحاثها وأنشطتها العلمية(69/174)
وابتكاراتها، وإزالة كل العراقيل التي تعترض طريقها، مع موضعها في المكانة التي تليق بها.
23-أن تتمسك دول الخليج العربي بمنع التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية، وأن تحذو بقية الدول العربية والإسلامية حذو دول الخليج ،وتمنع التمويل الأجنبي على أن يتولى بنك التنمية الإسلامي تمويل هذه الجمعيات شريطة أن تنهج المنهج الإسلامي في خططها وأهدافها .
24-أن ينظر إلى المرأة نظرة الإسلام لها، وأن تنال كامل حقوقها في الإسلام، فالمرأة الآن -للأسف الشديد- محرومة من كثير من حقوقها التي منحها إياها الإسلام باسم الإسلام بإخضاع بعض النصوص القرآنية والحديثية للعادات والتقاليد والأعراف، أو لسد باب الذرائع، وأود أن أنبه إلى أمر جد خطير، وهو أنّ الغرب والصهيونية قد نفذوا إلى بيوتنا من خلال مؤتمرات المرأة العالمية التي تنظمها الأمم المتحدة، ومن خلال التمويل الأجنبي للجمعيات النسائية غير الحكومية، ومن خلال الاتفاقيات الدولية، وقد لمست هذا بنفسي أثناء حضوري مؤتمر مائة عام على تحرير المرأة، وملتقى الحوار الذي نظمته المؤسسة الألمانية"فردريش إيبرت الألمانية في القاهرة في شهر نوفمبر عام 1999م لمناقشة البند الحادي عشر لاتفاقية إزالة أشكال التمييز ضد المرأة في ميدان العمل، وهم يصورون المرأة المسلمة مقهورة ومظلومة، ويطالبون بإلغاء ثوابت الإسلام كالقوامة، وتعدد الزوجات، وإلغاء العدة، والاكتفاء بالكشف الطبي، وإلغاء حد الزنا، وسفر الزوجة وعملها وخروجها بدون إذن الزوج، ومساواة المرأة والرجل في الميراث، كما يطالبون لها بحقوق سياسية منحها إياها الإسلام، ولكن مجتمعاتنا الإسلامية مصرة على حرمان المرأة منها من باب سد الذرائع أو نتيجة إخضاع النصوص القرآنية والحديثية للعادات والأعراف والتقاليد.
إنَّ هذه الحقوق ستنالها المرأة بسيطرة الغرب علينا، وبما يمارسه من ضغوط علينا، وستنالها وفق المنظور الغربي لها، ولن نستطيع عندئذ ضبطها بضوابط الإسلام، لأننا من البداية منعنا عن المرأة هذه الحقوق باسم الإسلام، وسيبدو الغرب أمام المرأة المسلمة هو المنصف المنقذ لها، والدين الإسلامي هو الظالم القاهر لها.
هذا في تصوري أهم الأسس والقواعد التي ينبغي أن يرتكز عليها الخطاب الإسلامي في صياغته الجديدة لمواجهة كل التحديات التي تتعرض لها أمتنا الإسلامية، وأتمنى أن تؤخذ في الاعتبار لدى أولي الأمر والمسؤولين في البلاد الإسلامية
ـــــــــــــــــــ
الحجاب في عيون المحجبات
القاهرة:فاطمة الرفاعي الرياض: شيخة القريني 26/5/1424
26/07/2003
- محاولات علمانية لطمس معالم الحجاب الإسلامي وتغيير هويته.
- المحجبات : الشعور بلذة الطاعة في الحجاب لا يساويها شيء.
- حجاب الموضة غير شرعي ويحول العبادة إلى عادة.(69/175)
إن نظرة تأمل في الحجاب في هذا العصر تعود على صاحبها بالألم والحزن، حين جعلت بعض الفتيات من الحجاب عادة تغيّر فيها وتسمح لأعداء الدين بالتدخل في هذا الأمر الرباني الذي تتعبد المرأة لربها وخالقها بالتمسك به.
لقد عرف الغرب السر في المحافظة على هيبة المرأة المسلمة وحفظ كرامتها؛ فحاولوا تزييف الحجاب والعبث به بدعوى مسايرة الموضة ومحاكاة العصر وطمس معالم الزي الشرعي الذي أقره الإسلام، وكانت النتيجة ظهور أشكال مختلفة وألوان متعددة، وأنواع عديدة للحجاب الإسلامي، وكل يوم تفاجئنا بيوت الأزياء العلمانية بموضات جديدة للحجاب وملابس المحجبات، بعضها يقترب أو يبتعد عن المواصفات الصحيحة للزي الشرعي للمرأة المسلمة، الذي يصون كرامتها وعفتها، وللأسف نجد الكثيرات من المسلمات لا يحرصن على لبس الزى الشرعي بشروطه الصحيحة، وينصب كل تفكيرهن على اتباع أحدث الأزياء والموضات فيصبح حجابهن مجرد عادة اجتماعية وشكل يفتقد لمعاني الطاعة والعبودية لله.
والسؤال الذي يطرح نفسه؛ ما هي نظرة المحجبات إلي الحجاب؟ وهل اختلفت تلك النظرة الآن عما كانت عليه في السابق ؟ وما هو رأيهن في الأنواع الجديدة وأشباه الحجاب التي انتشرت مؤخراً وغزت الأسواق؛ لطمس معالم الزي الشرعي؟
عبادة وليس عادة
في البداية تؤكد سمية رمضان -داعية بمساجد الجمعية الشرعية- أنه من خلال عملها بالدعوة لمدة 20عاماً وجدت أن غالبية البنات والسيدات يرتدين الحجاب عبادة لله وطاعة له، وليس من قبيل العادة الاجتماعية، خصوصاً بعد الصحوة الإسلامية التي دبت في معظم المجتمعات، وشملت كل الطبقات في فترة السبعينات وحتى الآن. وتضيف أن المشكلة الرئيسة التي تواجه النساء بالنسبة للحجاب هي تعدد الفتاوى التي تتحدث عن شكل الحجاب ومواصفاته الشرعية، فنجد البنات والسيدات يبحثن عن فتوى تميل مع أهوائهن، مثل الفتوى التي تبيح لبس البنطلون الواسع.
وتضيف أن معظم الأسئلة التي نستقبلها في المسجد تدور حول شكل الحجاب، وخصوصاً بعد تعدد أشكاله واختلافها من مجتمع لآخر، ووجود بيوت أزياء خاصة بالمحجبات، مما أدى لظهور ما يسمى بـ"حجاب الموضة"، وهو شكل يفتقد للمواصفات الشرعية ومنها ارتداء ايشارب قصير يغطي الشعر، فقط مع ارتداء البنطلون الضيق أو (الجيب) القصير، وكذلك نرى بعض البنات يلبسن غطاء للرأس يشف عن الشعر، ويظهر الرقبة وبالطبع كل هذه الصور بعيدة عن الحجاب.
الزي الشرعي
وحول مواصفات الزى الشرعي للمرأة المسلمة تقول الدكتورة سعاد صالح - أستاذ الفقه بجامعة الأزهر-: "لقد فرض الله -سبحانه وتعالى- على كل امرأة مسلمة أن ترتدي الحجاب وتراعي العفة والاحتشام، وحرص على كل ما يصون المرأة ويحفظها، وخاطبها كما خاطب الرجال في الآية 30 من سورة النور بقوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)، وفي الآية 31 يخاطب المؤمنات بقوله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ(69/176)
بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
ويتضح من الآيات فرضية الحجاب على المرأة المسلمة وهو أن تغطي سائر جسدها عدا الوجه والكفين، وقد اتفق العلماء على ذلك، وحددوا صفات الزى الشرعي بأن يكون واسعاً فضفاضاً، يغطي الجسد كله عدا الوجه والكفين، لا يصف، ولا يشف، ولم يحددوا شكلاً معيناً للحجاب أو لوناً معيناً، وهذا من تيسير الإسلام على النساء المسلمات، فكل امرأة تلبس الحجاب الذي تتوافر فيه الصفات والشروط السابقة، والذي تعارف عليه المجتمع الذي تعيش فيه؛ فمثلا نجد حجاب شرعي في دولة ما يختلف في شكله مع حجاب آخر في مجتمع آخر وهكذا، والأساس هو ضرورة توافر المواصفات والشروط المعروفة.
دعاة السفور
وتقول الكاتبة الإسلامية صافيناز كاظم: "في البداية لا بد أن نوضح أن المرأة المسلمة التي ترتدي الزى الشرعي تُسمى بـ"المرأة المختمرة" وليست المحجبة؛ لأن الحجاب يعني النقاب وذلك تصديقاً لقول الله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)، ولا مجال للجدل حول فرضية الخمار على المرأة المسلمة، وهو ما تؤكده الآيات والسنة النبوية الشريفة، ورغم وجود صحوة إسلامية في المجتمعات الإسلامية وإقبال النساء والبنات على الالتزام بأوامر الله؛ إلا أن هناك فئة من المرجفين والمنافقين يعملون على تضليل المسلمات وإبعادهن عن أوامر الله، فنجد من تقول: "إن الحجاب ليس فريضة، وإنه عادة فارسية قديمة"، وأخرى تقول: "إن الحجاب يغطي العقول"، وغيرها من الأقاويل، وأنا أذكِّر كل مسلمة بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي"، وأحذرها من دعوات السفور والجاهلية وهجماتها التي تشنها على الحجاب، ومن الانصياع لهذه الأقوال الباطلة، واتباع دعاة الموضة، ولا تعلم أن هدف هذه الدعوات هو النيل من كرامتها وعفتها، وجعلها سلعة تباع وتشترى.
لذة الطاعة
وتعلق الفنانة منى عبد الغني على تعدد أشكال الحجاب في المجتمعات العربية، وتقول" إن اختلاف الشكل من مجتمع لآخر تبعاً للعادات الاجتماعية أمر عادي، فالحجاب ليس له شكل معين، ولكن المهم هو توافر الشروط الشرعية فيه، والأكثر أهمية هو الشعور بلذة الطاعة، وهو شعور لا يستشعره إلا من ذاق مرارة المعصية، فما أحلاها من حياة عندما يعيش الإنسان في رضا الله!. ولذلك أرى أن الفتاة أو السيدة التي تلبس الحجاب لمجرد أنه عادة تفرضها الأسرة أو المجتمع محرومةً من سعادة كبيرة.
هـ . ق معلمة - الرياض:الحجاب عبادةٌ أمر الله بها من فوق سبع سماوات، وكما أن المسلم لن يستمع لأي ناعق يأمره بالتغيير في عباداته التي يتعبد بها كالصلاة(69/177)
والصوم وغيرها؛ فكذلك الحال مع الحجاب، إذ كيف تسمح المرأة المسلمة ليد مبغضة مغرضة أن تمتد إلى حجابها، فتصمم وتغيّر فيه، وهو عبادة ربانية وليست عادة ورثناها؟!.
خ .ن مشرفة تربوية:: السبب الذي يجعل المرأة تتهاون في حجابها هو الجهل الشرعي بالحكم الشرعي للحجاب ووجوبه, والجهل بعقوبة تركه أو التهاون فيه، فاتخاذ الحجاب عادة وتقليد موروث يجعل المرأة تستهين به، وتغير فيه، وتخضعه للموضة؛ بل قد تتركه, لكن إن كان التمسك بالحجاب صادر عن اعتقاد جازم بوجوبه وحرمة تركه؛ فلن تترك المرأة حجابها مهما كلفها ذلك.
ت .ر جامعة الملك سعود:ورد في الحديث "ومن دعا إلى ضلالة كان له من الوزر كأوزار من تبعه لا ينقص من أوزارهم شيئاً" في ضوء هذا الحديث يُحمّل أصحاب محلات العباءات التي تبيع العباءات المزركشة والتي تُلبس على الكتف وغيرها من عباءات السفور والتبرج والتي ما أنزل الله بها من سلطان المسؤلية الكبرى في نشر التبرج والمساعدة على استمراره في المجتمع, إذ لو تكاتف أصحاب هذه المحلات على عدم بيع هذه العباءات المحرمة فلن يوجد التبرج والتهاون في الحجاب في مجتمعنا، وهذا من باب التعاون على البر و التقوى، والله أمرنا بذلك في كتابه العزيز، وأنا شخصياً إذا دخلت السوق لابد من أن أدخل هذه المحلات وأذكر أصحابها بالخوف من الله عز وجل.
أ .ن أستاذة:رسالة أوجهها عبر هذه الكلمات إلى من يقرؤها ممن اختلت عنده الموازين، ونادى بتحرير المرأة وخلع حجابها أقول له : من سمح لك بالحديث بالنيابة عنا، فنحن نعيش أعظم صور السعادة في ظل الحجاب، ثم إنه لا يقيد حريتنا كما يزعم أهل الأهواء ودعاة الباطل.
ي .خ معلمة: من أسباب التبرج والسفور ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يؤدي إلى انتشار المنكر.
ـــــــــــــــــــ
التحرر من ماذا ؟!
هيا الرشيد 12/10/1424
06/12/2003
تحرير المرأة، قضية وهمية نسجها خيال مريض، خرجت إلى الوجود كحقيقة صدقها ضعاف النفوس منذ مئة عامٍ تقريباً، وهي في الأصل حركة علمانية نشأت في مصر، ومن ثم كان التوسع فيها لتنتشر فيما بعد في كثير من الدول العربية والإسلامية. والدعوة إلى التحرر تقوم على كثير من المبادئ الهدّامة التي تهدف في مجملها إلى إخراج المرأة عن تعاليم دينها لإفسادها خلقياً واجتماعياً؛ ليتبعها بطبيعة الحال فساد المجتمع بأكمله، وهذه الحركة تدعو إلى نبذ قوانين دينية نابعة من الكتاب والسنة، وأوامر إلهية يجب على المسلم أن يلتزم بها سواء كان ذكرًا أو أنثى، فهم يدعون إلى التبرج والسفور، ونزع الحجاب، والخروج من البيت، والاختلاط، والمساواة بين الجنسين في كل شيء، مع تجاوزهم في المطالب لتصل إلى تقييد الطلاق، ومنع تعدد الزوجات.(69/178)
وإن ذكرنا في البداية أن المناداة بتحرير المرأة حركة علمانية؛ فإننا في نفس الوقت لا نُغفل أبداً الدور الذي تلعبه القوى الاستعمارية الغربية في تمويل هذه الحركة في السر والعلن، حيث تدعم الاتحادات النسائية المسؤولة تقريباً عنها مادياً ومعنوياً، وتشجعها على المضي قدماً في الترويج لأفكارها المنحلة، وهم بذلك يدّعون حرصهم على حقوق المرأة ومحافظتهم عليها، ومن المعروف أن فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف بنا أن نوازن بين مطالب الغرب بأن نأخذ نحن -المسلمات- حقوقنا، بينما نرى حقوق نسائهم مهدرة أمام العيان؟!.
فما حال الأم لديهم بعد أن تكبر ويرفضها الرجال، ولننظر إلى مكانة الأم لدينا ومنظر الأولاد والبنات والأحفاد وهم حولها عند حاجتها إليهم، ولنرى أيضاً حال الزوجات وهن يتسولن لقمة العيش من هنا وهناك دون وضع أي اعتبار للمكان الذي تعمل به، وهل هو مناسب لتكوينها أم لا؟ بينما تنعم المرأة لدينا بدفء البيت، وإن خرجت للعمل فهو محصور فيما يناسبها من تعليم لبنات المسلمين ونحوه، ولو فكرنا بأحوال الفتيات في الغرب لرأينا العجب، حيث تخرج الواحدة منهن قبل سن العشرين هائمة على وجهها، تتقاذفها شتى الخطوب من إهانة للكرامة وبيع للشرف، ويريدون لبناتنا نفس المصير وكأن المحافظة عليهن قد أقضَت مضاجعهم، وولدت لديهم رغبة بتوحيد الظروف لتكون النتائج متساوية.
لقد نسوا أو لعلهم تناسوا الويلات التي جرّتها عليهم الحرية المزعومة التي نالتها النساء لديهم، غابت عن أذهانهم تلك الإحصائيات المرعبة عن أعداد الأطفال غير الشرعيين الذين أصبحوا عبئاً على حكوماتهم؛ فقد كاد عدد المواليد خارج مؤسسة الزواج يزيد عن ربع المواليد لديهم، وأصبح لديهم أعداد هائلة من النساء الهاربات من جحيم عنف الأزواج واللاتي يلجأن إلى ملاجئ خاصة لمثل هذه الحالات.
ومما نادوا به سابقاً للمرأة المسلمة المساواة بينها وبين الرجل في الميراث، وهذا مخالف لشرع الله تعالى، أما الآن فهم ينادون بالمساواة المطلقة في كل شيء، متناسين الفروقات بين المرأة والرجل، والتي لا تحتاج إلى الجدل، وقد اعترف بعض علمائهم بوجودها، وخرجت نظريات صريحة تبين عدم إمكانية المساواه، ولكن رغبتهم في الإفساد طغت على تحكيم عقولهم، والأهم من آرائهم ونظرياتهم مهماً كان عددها قول الله –تعالى- في كتابه العزيز: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَىِ) [سورة آل عمران:36]، وقوله تعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [سورة البقرة:228]. فنحن -المسلمين- نستقي تعاليمنا من كتاب الله تعالى، وندع نظرياتهم جانباً ما دامت لا تتوافق مع مبادئ ديننا الحنيف.
وعارض كثير منهم الحجاب، وربطه بعضهم بالعادات والتقاليد، وتناسوا أنه أمر إلهي قد سارت علية نساء المسلمين لقرون خلت، ولم يكن هذا الحجاب في يوم من الأيام عائقاً للمرأة عن العمل والعطاء في بيتها أو عملها خارج البيت، بل كان أداة عفة وكرامة، وسبباً قوياً في حفظ الأعراض، وللحشمة والتستر أيضاً دور كبير في حفظ شرف المرأة وصيانتها من الابتذال، فما رأينا للمتبرجات في الدول الكافرة وغيرها من دور سوى عرض الأجساد، وكأنهن في سوق عالمي للنخاسة، وأصبحن بسبب ذلك سجينات الذل والإهانة.(69/179)
أما بالنسبة لقرار المرأة في بيتها وهو الأصل، فكان من أكبر الأشياء التي أزعجتهم، وقد أعيتهم الحيل وهم في كر وفر لإخراج نساء المسلمين من بيوتهن، وتوفير الفرص أمام مبدأ آخر من مبادئهم وهو الاختلاط، والاعتراض بطبيعة الحال ليس على الخروج بحد ذاته وإنما على طبيعة الخروج، أو طبيعة العمل الذي خرجت لأجله المرأة، وهل يوافق تعاليم ديننا ويتناسب مع طبيعتها وإمكانياتها أم لا، المرأة كانت في الماضي تخرج متسترة ومحتشمة لقضاء بعض الأعمال الضرورية، والآن تخرج لطلب علم أو صلة رحم أو عمل، فالاعتراض سيكون بطبيعة الحال لخروجها للعمل بين الرجال، أو مشاركتها في أعمال لا تناسبها، فقد سمعنا عن أول سبّاحة مسلمة، وأول عدّاءة، وأول طيّارة، و...,و... والقائمة تطول، فهذه الأشياء هي التي تتنافى مع تكوين المرأة وقدراتها، وتجعلها كالسلعة معروضة أمام ضعاف النفوس، وكثيرًا ما كان تحقيرهم قوياً وجارحاً لوظيفة المرأة الأساسية من رعاية بيت وأولاد، وعندما خَََرجَتْ للعمل بدأت أساليبهم التهكمية في التقليل من شأن نوعية العمل، فهم لا يريدون الخروج الشريف المتعارف عليه، بل يرغبون في خروج من البيت يكون مصحوباً بالخروج عن المألوف.
أما من ناحية ما يطالبون به من مخالفة صريحة لتعاليم ديننا كتقييد الطلاق، ومنع تعدد الزوجات؛ فهذا مالا يقبل به العقل أبداً، والعجب من نفوسهم التي سوّلت لهم أن المسلم سيستبدل شرع ربه بقانون بشري وبهذه السهولة، ولم يشرع الله –تعالى- مثل هذه الأشياء إلا لسعادة البشرية وبمستوى لا تصل إليه ضحالة تفكير هؤلاء الناعقين، والمشككين في جدوى مثل هذه الأمور.
ويقولون إن المرأة مظلومة، ومهضومة الحقوق، وقد أغفلوا الظلم الواقع على مستوى العالم بأكمله، دول تُظلم، ومجتمعات تُسرق مقدّراتها أمام العيان، وشعوب تُستغل مجهوداتها، وأراضٍ تُنهب خيراتها، ويتركون كل ذلك الظلم، ويتحدثون عن ظلم المرأة، أليس الرجل يُسجن ظلماً؟! ألا يجد الظلم أيضاً من رئيسه في العمل؟! ألا يظلمه أخوته وأبوه وأقاربه؟! ألا يتعرض للظلم من جيرانه؟! ألم يحدث أن زوجة ظلمت زوجها؟! فالظلم واقع من كثيرين وعلى كثيرين أيضاً، فلماذا التركيز على نقطة دون نقاط؟! ولماذا القول بأن المرأة مظلومة؟!
فالظلم الذي يقع عليها أحياناً إنما هو من المحيطين بها، وهو ظلم من البشر، وبعيد كل البعد عن تعاليم الشرع المطهر؛ بل هو خروج عن تعاليم ديننا؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد حرّم الظلم بكافة أشكاله.
ينادون بالحرية..! الحرية من ماذا؟! وهل يريدون تحريرها وقد تحررت منذ بزوغ شمس الإسلام؟!
الإسلام حرر المرأة وأعطاها حقوقاً لم تحصل عليها في الجاهلية ولا في أي ديانة من الديانات، خاصة في الديانة اليهودية والنصرانية، وماذا قال عنها الإغريقيون والرومان؟، وكيف كانت عند الصينيين والهنود والفرس؟، أما في الإسلام فكان لها شأنٌ آخر، فقد حفظ حقها كاملاً منذ أن كانت جنيناً في بطن أمها، وفي جميع فترات حياتها إلى أن يتوفاها الله.
ـــــــــــــــــــ(69/180)
المرأة.. رهان المستقبل
عبد الرحمن الشمسان 4/11/1424
27/12/2003
المرأة.. ذلك "الهاجس" الذي يقض مضاجع المصلحين، ويقلق هدوءهم، ويئد راحتهم.. ليس لأن مسألتها عويصة، والرؤية حولها ضبابية.. لكنه "الواقع" المعقَّد، والمليء بالمتناقضات.. مثاليات تدَّعى، وانحرافات تطبَّق.. تاريخ نبوي مجيد في تحرير المرأة، وواقع مظلم متأزم بما فيه الكفاية.
جاء الإسلام ليعالج وضع المرأة، فتعامل مع الموقف بشفافية كاملة، ونظر إليها "شقيقة" للرجل، ومساهمة فعالة في بناء الصرح.
اليوم، وفي مجتمعنا من يتعامل مع القضية كمن يحاول أن يلمس الصفيح وهو ساخن، أو كمن يمسك بمبضع الجراح؛ ليفتق جرحاً يمتلأ صديداً.. دون أن يملك مخدراً.
نعم.. هي صعوبات ومشاق، لكنه آن لنا أن نملك زمام المبادرة قبل أن تفلت القضية من بين أيدينا.
كان الخطاب الإسلامي في زمن مضى دفاعياً أكثر منه تصحيحياً، فلم يسبر غور واقع المرأة في بلاد المسلمين، مع علمه اليقيني بما يحدث لها من ظلم فادح، وانتهاك واضح، كان يخوض معركة شرسة مع دعاة التغريب، فلم يرد أن يفتح أبواباً مغلقة، ولا أن ينشر حقائق هي عليه لاله، وكان هذا مفهوماً.
أما بعد أن تغيَّر الزمان، وزادت حدَّة العصر انفتاحاً.. فلم يعد من المفهوم أن يظل خطابنا مقتصراً على الحديث عن تهتك المرأة الغربية، وضياع شرفها، وتمريغ كرامتها.. ولا عن مثاليات الإسلام التي لم تطبق –جملة- في غير عهد الخلافة الراشدة، واستمر الوارثون يقاربون أو يباعدون.. ولا أن يقتصر على محاولات مستميتة، لتحويل اختلاف أهل القرون المفضلة إلى اتفاق يخدم واقعنا بدلاً من أن يطوعه..
لقد كان النزاع شديداً حول خلافيات لم تحسم ولن تحسم إلا أن يشاء الله، وكان الاهتمام منصباً على لباس المرأة وحشمتها الظاهرة، أما عقلها وأدبها وعواطفها واستقبال إبداعاتها وتطوير مواهبها فقد تُرك لغيرنا..
المرأة في المجتمع.. ليس لها وجود ولا رأي، فهي "ناقصة عقل ودين" بفهم زائغ، وهي "حبالة الشيطان"، وهي مثار فتنة أينما حلَّت وحيثما ارتحلت، وهي موطن "شك" في كل وضع تتضعه... هل هذه هي نظرة الإسلام النقي الخالي من شوائب التقاليد البالية والجفاء الطبعي؟ هل أولينا المرأة اهتماماً يليق بمكانتها وعظيم تأثيرها وتأثرها في المجتمع؟ هل استخدمنا الدين لإضفاء القداسة على بعض التقاليد التي تئد المرأة وتتركها تعيش ميتة بين الأحياء؟ إنه – يا سادة- لن يكون هناك تصحيح لوضع المرأة حتى تُصحح النظرة إليها، فلسنا في حاجة إلى أن نعالج أعراضاً، وندع الداء العضال يلد أعراضاً أخرى...
إن كرامة المرأة تكمن في عفتها، واستكمال حقوقها التي وهبها الله إياها.(69/181)
إن على خطابنا – لكي يكون مقنعاً- أن يبرز اهتماماً مشعاً بحقوق المرأة، كما يهتم بعفتها، وعليه أن يتلمَّس طريق عقلها كما يلتمس منافذ قلبها، وهذا يوجب علينا أن نسلِّط الضوء على الأجزاء المنتنة في واقع المرأة في مجتمع مغلق، وليس إلا الاستئصال –مع ما يكتنفه من آلام- إن لم يُجدِ العلاج.
المرأة.. ذلك الملاك المبدع.. هي رهان المستقبل
ـــــــــــــــــــ
الهلع الفرنسي من الحجاب... لماذا ؟
د. ليلى بيومي 9/11/1424
01/01/2004
إن ضعف الوازع الديني، وانتشار التحلل الأخلاقي، وتآكل دور الكنيسة في الغرب عموماً غير خاف على أحد، فلم يعد الوازع الديني يحرك أوروبا، بقدر ما أصبحت تحركها خريطة الجغرافيا السياسية والاستراتيجيات المتوسطة والبعيدة المدى، في ظل احتكار الولايات المتحدة لقيادة الحلف الأطلسي.
والرأي العام الغربي حيل بينه وبين المعرفة الكاملة بالعالم الإسلامي، وتولي الإعلام المغرض صناعة صور مشوهة مقلوبة لتحولات الإحياء الإسلامي، بالتمييز المصطنع بين مسلمين علمانيين ومسلمين متشددين.
هذه نقاط هامة نحتاجها ونحن نتحدث عن أزمة الحجاب في فرنسا هذه الأيام.
والحضور الإسلامي في ديار العلمانية لم يتجاوز قرابة خمسين عامًا من الزمان، فقد توجه إلى البلدان الغربية أفواج من المهاجرين منذ الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، بحثًا عن عمل يرفع مستواهم المادي والاجتماعي، أو سلوكًا لطريق علم تجريبي أو إنساني ينفع النفوس والمجتمعات، أو هروبًا من استبداد سياسي واحتماءً بالديمقراطية والحرية.
لكن الإسلام تحول من الجيل الثاني والثالث، من مهاجر غريب، إلى مواطن أوروبي يسعى إلى التخلص من جذوره الثقافية والسياسية الأولى، ليندمج في الثقافة الغربية والحياة السياسية العامة، وبذلك أصبح هذا الإسلام الأوروبي رقمًا صعبًا داخل المعادلات الداخلية والدولية، بالنظر إلى الصحوة الدينية المتزايدة للعالم الإسلامي، والنزعات التوسعية للولايات المتحدة، والصراع العربي الصهيوني حول فلسطين المحتلة والشرق العربي الإسلامي.
صورة الإسلام في الضمير الفرنسي:
استقبل الغرب بعامة، وفرنسا بخاصة، هجرة الإسلام إلى أوروبا بذاكرة مشحونة بالمعارك الحربية والمواجهات السياسية بين العالم الإسلامي والعالم النصراني في حوض البحر الأبيض المتوسط.
وبالإضافة إلى الذاكرة المشحونة تزاحمت في المنطقة الدماغية البصرية صور ذهنية سيئة للإسلام والمسلمين، ومرة أخرى كان الإعلام المهيمن والاستشراق المتحيز وراء صناعة التحريف والتخويف.
الحالة الفرنسية لها علة أخرى في مواجهة الإسلام تتعلق بماضيها الاستعماري وما عانته مع المقاومة وجيوش التحرير، وبخاصة في الجزائر، وذلك ما سماه بعض(69/182)
المتخصصين بعقدة "ما بعد الاستعمار"، وتفسيرها أن فرنسا تحتضن مسلمين ذوي أصول جزائرية يذكرونها وهم على ترابها بهزيمتها وانهيار إمبراطوريتها الاستعمارية.
فالهزيمة الفرنسية في الجزائر كانت سياسية أكثر من كونها عسكرية، وتركت جرحًا غائرًا في الشخصية الفرنسية الوطنية (سيزاري: التمثلات الفرنسية للإسلام، في كتابها: "هل يجب الخوف من الإسلام؟").
ويكفي استقراء البرامج التلفزيونية الفرنسية خلال السنوات العشر السابقة لإدراك صعوبة تجاوز الذاكرة الفرنسية للهاجس الجزائري، ومن الطبيعي أن تتحفز النفس الفرنسية، وهي تستقبل الجزائريين والمغاربة القادمين إليها من المستعمرات السابقة، وتلجأ إلى الرفض بطرق ملتوية، منها الحذر الشديد من الإسلام، ولو كان فرنسيا!، وتخشى فقدان الهوية الأصلية والانتماء، وترى في القادمين الجدد والدين الجديد تهديدًا للجوهر والأصل.
محطات فرنسية بارزة في قضية الحجاب:
قضية الحجاب التي تختزل قضية الحضور والمستقبل الإسلامي في فرنسا والغرب، شهدت شوطين كبيرين وساخنين، الأول عام 1989 والثاني عام2003.
وقد اعتبر بعض الكتاب الفرنسيين سنة 1989م سنة إسلامية لكثرة قضايا الحجاب في فرنسا وأوروبا وتركيا، ففي تلك السنة التهبت فرنسا وأوروبا بصدى الثورة الإيرانية، وظهور الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر وانفجار "الآيات الشيطانية" لسلمان رشدي، وتحول كثير من شباب ضواحي المدن الفرنسية نحو الإسلام.
وفي خريف تلك السنة تفجرت قضية الحجاب بفرنسا واحتلت كل شاشات التلفزيون الفرنسي رغم انشغال أكثر من 53% من الفرنسيين بانهيار حائط برلين وسقوط المعسكر الشيوعي وإسقاط الطاغية الشيوعي الروماني "تشاوشسكو".
وبدأ الانفجار في جريدة "لوكورييه بيكاريو" في الثالث من أكتوبر، بعد أن أقدمت إدارة ثانوية "دوكرييه" على طرد ثلاث تلميذات محجبات, لتتوالى الأحداث من بعد ذلك؛ ابتداء من احتجاج أسر التلميذات، وانتهاء بالموقف الذي اتخذته يومذاك "دانييل ميتيران" زوجة الرئيس الفرنسي المتوفى "فرانسوا ميتران"، مرورًا بمواقف جمعيات مناهضة للتمييز العنصري وجمعيات مسلمي فرنسا مثل "الدعوة والتبليغ" و"اتحاد المنظمات الإسلامية" و"الفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا".
ومنذ ذلك التاريخ وقضية الحجاب تسخن وتبرد حسب درجة حرارة الأحداث, إلى أن جاءت قضية تمثيلية المسلمين وتنظيم أنفسهم لتعيين مخاطب للحكومة.
أما سنة 2003 فهي سنة الاعتراف الرسمي بالإسلام في فرنسا، إذ تأسس فيها المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، المجلس الذي يعد المخاطب الرئيس في قضايا المسلمين بفرنسا؛ اجتهد وزراء سابقون في تأسيسه، إلى أن كللت جهود وزير الداخلية الحالي "نيكولا ساركوزي" بالنجاح بعد أن استطاع جمع جميع المسلمين في هيئة واحدة تنطق باسمهم وتنظم أمورهم وتدافع عنهم وتحظى بالاعتراف الرسمي من لدن الحكومة الفرنسية.(69/183)
وبالموازاة مع مداولات التأسيس هبت حملة إعلامية جديدة حول هذا الأمر، وحول الحجاب الإسلامي من جديد. في هذا السياق الساخن شكّل الرئيس الفرنسي لجنة ستازي، وإلى جانبها تشكلت اللجنة البرلمانية برئاسة رئيس البرلمان دوبري. اللجنة الأولى تشكلت من 20 من "الحكماء" وعملت لمدة 6 أشهر عقدت فيه 120 جلسة اجتماع. ويوم 11 ديسمبر الأخير قدمت تقريرها للرئيس مقترحة فيه مجموعة من المقترحات حول الحجاب وحماية العلمانية وإدماج المسلمين، وكان الرئيس الفرنسي قد صرح في تونس يوم الجمعة 6 ديسمبر بأن الحجاب يشكل عدوانًا على العلمانية.
تناقضات الحرية الفرنسية:
العجيب أن فرنسا بلد الحرية تخاف وترتعد من غطاء رأس نساء المسلمين، الحرية الفرنسية يتمكن منها العراة والشواذ وتستميت الهيئات السياسية والحقوقية الأممية والقطرية في الدفاع عنهم بجميع المحافل والمنتديات، والضغط بكل وسيلة ممكنة لضمان حرية التعري والشذوذ، في حين أن المتدينين لا حرية ولا حقوق لهم، وليس لهم من يحميهم ويدافع عنهم إلا الله وأهل الإنصاف والتعقل والضمير الحي، وقليل ما هم.
ففي الغرب عمومًا، الشاذ جنسيًّا لا حرج عليه، ويجد من يدافعون عنه، بل هناك رجال دين يلقون الخطب والمواعظ "البليغة" ويرشدون الناس إلى الأعمال الصالحة والمعاملات الحسنة، ومع ذلك هم شواذ وفضائحهم تملأ الآفاق.
وما دامت الحرية مصونة مضمونة للشذوذ الجنسي، فلماذا لا يصبح رجال التربية والتعليم من الشاذين جنسيا؟ وما المانع؟ ليس هناك أي مانع! فليعلنوا إذًا عن شذوذهم وتجمعاتهم، وليناشدوا رجال الحق والقانون أن يدافعوا عنهم، ورجال الصحافة والإعلام أن يسلطوا الأضواء على "محنتهم واضطهادهم".
وهكذا فمن عجائب الدهر أن للشذوذ الجنسي مشروعية الوجود، وقانونية الحماية والدفاع، وإمكانية الانخراط في كل مجال وقطاع، أما الحجاب الإسلامي فلا شيء له من ذلك، ويخشى أن يصبح جريمة ومخالفة يعاقب عليها القانون! ولم العجب وقد قال رئيس الجمهورية الفرنسية في قلب العاصمة التونسية وفي يوم جمعة "إن الحجاب الإسلامي بمثابة عدوان على العلمانية"؟!.
تحالف بين الغرب والعلمانيين المسلمين:
عندما بدأت مظاهر الصحوة الإسلامية تدب في العديد من بلدان العالم وانتشر الحجاب في بلاد المسلمين ووسط بناتهم في الدول الغربية ارتعد الغرب ومعه العلمانيون العرب والمسلمون، وبدؤوا في محاربة الحجاب الإسلامي حرباً لا هوادة فيها، ووصفوا الحجاب بأنه يغطي على عقل المرأة وأنه جزء من اضطهاد الإسلام لها ونعتوا المحجبات بنعوت لا تليق، ورموهن بالتخلف والرجعية والاستسلام لسطوة الرجل وغيرها مما ينعق به الناعقون.
اتخذت هذه الحملة أشكالاً عديدة فمرة نسمع من يقول إن الحجاب يعزل المرأة عن بقية شرائح المجتمع ويحرمها من دورها وظهر من يدعو إلى (تحرير) المرأة وغيرها من الدعاوى المتهافتة، ونسي هؤلاء الذين لا هم لهم إلا تحرير المرأة من قيمها واحترامها لنفسها أن الإسلام ما شرع الحجاب إلا صوناً للمرأة المسلمة(69/184)
وتكريما لها وإعلاءً لقدرها وتقديراً لدورها في المجتمع إذ أن المرأة المحجبة تكون بمنأى عن مشاكسات الذئاب البشرية ومصانة ممن لا يريدون لها إلا أن تكون متاعاً ومكاناً لتفريغ الشهوات.
وعندما يشعر هؤلاء أن ما ساقوه من حجج يتساقط من تلقاء نفسه نسبة لضعفه وعدم موضوعيته نجدهم يلجؤون إلى الاستشهاد برأي بعض علماء الدين، الذين باعوا دينهم بدنياهم، فيلوون لهم أعناق الحقائق ويستشهدون بأدلة ليست في مكانها ويفسرون الأحكام الإسلامية حسب هواهم متوهمين أن هذه الافتراءات سوف تنطلي على الأمة الإسلامية، وما دروا أن علماء الأمة الأمناء على دينها واقفون لهم بالمرصاد مفندين حججهم ودعاواهم.
عجز العلمانية الفرنسية:
لا ينبغي النظر إلى دلالات التوجه الفرنسي إلى منع الحجاب وباقي المظاهر الدينية خارج سياق عجز العلمانية الفرنسية عن التكيف مع المتغيرات الاجتماعية والثقافية والفكرية التي تطرحها العولمة كتحد على المجتمع الفرنسي في وقت لا تزال تشهد البلاد فيه دعوات إلى الانفصال على أسس إقليمية أو قومية كما هو الحال في كورسيكا، الأمر الذي يعني أن المركزية في الدولة الفرنسية باتت تتحول تدريجيا إلى الحد من الفيدرالية وفي الوقت نفسه فإن العلمانية كمصلحة عليا للدولة - تتحول إلى ضد الدين وليس الفصل عنه، وبالتالي تعجز الدولة عن استيعاب تعبيرات الهوية الاجتماعية للجماعات الدينية على اختلافها، وهو الأمر الذي أشارت إليه وزيرة التنمية الفرنسية تقيه صيفي «مسلمة من أصل جزائري» عندما قالت عقب خطاب شيراك الذي دعا فيه إلى منع المظاهر الدينية:
«إن خطاب الرئيس شيراك يساعد على النهوض بسياسة إدماج المهاجرين العرب والمسلمين في النسيج الوطني الفرنسي» الأمر الذي يعني أن المسألة لا تشير إلى خلل في العلمانية الفرنسية فقط؛ بل إلى وجود إشكالية اجتماعية سياسية تتعلق أساسًا بالجالية الإسلامية في البلاد دون التقليل من تأثير الجماعات الدينية ونفوذها وتهديدها للعلمانية في الوقت نفسه.
لعل ما يهم العالم العربي والإسلامي هنا هو ما يتعلق بالجالية العربية والإسلامية في فرنسا أولاً، وثانيا: علاقة التشريع المنتظر صدوره في فرنسا بالتجارب العلمانية الجارية في بعض الدول العربية والإسلامية مثل تركيا وتونس وغيرهما من الدول التي تعاني من أوضاع اجتماعية ودينية مشابهة لجهة علاقة النظام بالمجتمع وهويته الإسلامية
ـــــــــــــــــــ
الأسرة بين الشرق والغرب
الحسن سرات 25/11/1424
17/01/2004
روى الخبير النفسي والمعالج المتخصص في مشاكل الزوجين (جاك أنطوان مالاريويتش) شهادات تتقطر لها القلوب بالألم وتتوجع منها النفوس لما آل إليه حال الأسرة في الغرب بعد زحف الماديات وانحسار الروحانيات والأخلاقيات. ومن(69/185)
شهدها وعلمها أدرك بسهولة قيمة الاستقرار وحلاوة السعادة التي تحققها الأسرة عندما يستمسك الزوجان والأبوان بحبل الله المتين وتعاليم الدين القويم. فلا سعادة ولا راحة ولا طمأنينة للآباء والأبناء والأحفاد والأقربين والأبعدين إلا في ظل الله، إذ لا ظل إلا ظله. وأولو الألباب يعتبرون بالذين سبقوهم وقدموا لهم دروسًا عملية. الكاتب النفسي جاك أنطوان مالاريويتش (51 عامًا) معالج ومحلل نفسي مختص في "علاج العلاقات الزوجية" منذ عشرين عاما. اشتغل أول أمره في القطاع الاستشفائي العام ثم فتح عيادة خاصة, وكتابه هذا صدر في يناير 2001 وأعيد طبعه عام 2002. وله بالإضافة إلى كتابه الحالي كتب أخرى منها: "عقدة الأمير الصغير: المراهقة في أزمة بين الطفولة غير المنتهية وسن النضج المستحيل بلوغه" (سبتمبر2003), و"الزوجية: أربعة عشر تعريفًا غير مشجعة ونافعة إذًا"(1999).
أسرة مجتثة
أطلق المعالج الفرنسي على كتابه عنوانًا بليغًا فسماه "إعادة التفكير في الزوجين" وفسره بعبارة صغرى تحت العنوان الأكبر قائلاً: "الرجال والنساء: كيفية العيش معًا في هذا الزمان". وأكد الخبير في مطلع كتابه أن الأغلبية الساحقة من "مرضاه" هن نسوة وأن الرجال من أكبر الغائبين, وتؤكد إحصائيات أخرى أن 70% من حالات الطلاق المسجلة في فرنسا مثلاً تكون المرأة فيها هي صاحبة الطلب, وأن السبب الأول للفراق هو الزنى. فالأسرة في الغرب عمومًا وصلت إلى حال من التمزق والتشرذم أصبحت المرأة فيها سببًا وضحية. ومما رواه جاك أنطوان مالاريويتش في كتابه من شهادات هذه الحالة:
" هذه المرأة - التي سأسميها ميراي- لها إذًا طفل. انفصلت عن الأب منذ حوالي خمس سنوات, لكن أي إجراء من إجراءات الطلاق لم يتخذ لا من الرجل ولا من المرأة. أخذت تشرح لي طويلاً أن الرجل يعيش مع امرأة أخرى هي حامل منه. ودون أن تكون متأكدة قالت لي إن للرجل طفلة تبلغ من العمر ثلاث سنوات مع امرأة أخرى. وهو الآن عاطل عن العمل ويكافح من أجل الحصول على تعويضات من مشغل سابق له متعلقة بحادثة شغل. لم أفاجأ عندما علمت أنه لم يقدم لها أبدًا نفقاتها ولم يساعدها أدنى مساعدة. هذا هو حال الأب أو الوالد. أما الباقون فمن نفس الحال. ميراي لها أخوان اثنان أصغر منها. انفصل الأول عن زوجته ولم تعد تعلم عنه شيئًا منذ ثلاث سنوات, والثاني يسعى إلى إنشاء علاقة شاذة فاشلة مع زوج وأب لطفلين. أما الأب فقد انتحر منذ خمس عشرة سنة نتيجة مغامرات متتالية مع الإدمان وفي ظروف ما زالت غامضة وغير مفهومة إلى الآن. وأمها تعيش معها وتساعدها في العناية بولدها. وهذا الأخير موضوع الاستشارية العلاجية مهدد بالانزلاق في مهاوي الانحراف واجتمعت أمامه كل الشروط الممهدة."
معمل بويضات
حسب بعض الدراسات, 10% من الرجال المتزوجين لهم أطفال هم ليسوا آباء لهم. هذا يعني أن عددًا لا يستهان به من الآباء لهم أطفال لم يخرجوا من أصلابهم, وأن عددًا آخر من الأطفال لا يهتدون إلى آبائهم البيولوجيين. ولا يعلم سرهم وأصلهم إلا اللاتي ولدنهم أو كثير منهن) أكثر من 40% من الأطفال يولدون خارج الزواج في(69/186)
فرنسا, فأي تصور يحمله هؤلاء عن قوة الرباط الجامع بين أبويهم أو هشاشته. وكيف يمكن أن نمرر لهم فكرة المقدس وفكرة السلطة المرتبطة بمؤسسة الأمومة؟ هكذا انهارت صورة الرجل من أب إلى مجرد مصدر لصنع الحيوانات المنوية ولم يعد لديه الالتزام بما فوق الدافع الحيوي.
أصبح الآن من الممكن أن نتساءل الأسئلة التالية التي لم تكن تطرح من قبل: لماذا نتزوج؟ في أي لحظة من عمرنا نتزوج؟ كل شيء أصبح الآن متداخلاً بين الزواج والامتناع عن الزواج وتأخير الزواج والزواج ثم الطلاق ثم إعادة الزواج.
مستغنية عنه..
اكتشفت المرأة أن بإمكانها الاستغناء عن الرجل وأنها يمكن أن تعيش بدونه مع شعور كامل بأنها امرأة. وكما أسلفت القول فإن الرجل نفسه من المحتمل جدًا جدًا أن يكون أول من ساعدها على ذلك (...) واختزال الإنسان في الأذهان إلى مجر ماء مهين ليس شيئًا جديدًا. إن مرحلتنا التي تضع حداثتها حججًا جديدة تساعدهن على إعادة اكتشاف تفقير العلاقات العاطفية. وكما أسلفت القول فإن العمل النسائي وما نطلق عليه اسم التطور. تطورات الطب سهلت بشكل كبير إقامة منطق ييسر للمرأة تصور تربية طفل واحد أو أكثر وحدها وبطريقة أسهل من العقود الماضية.
امرأة "قوية جدا"!
ما هي العوامل التي تجتمع لتمكن هذه المرأة "الحداثية" بتصور عالم بغير رجل (رجال)؟
هذه المرأة تعرف جيدًا ماذا يعني أن تكون وحيدة. غير أنها معتمدة على ذاتها أكثر من أن تكون مستقلة. بمعنى آخر هي تعرف كيف تكون معتمدة على نفسها في نوع من الارتباط, لأنها ليست وحيدة بصورة تامة. وهذا الاعتماد الذاتي يعبر عن نفسه في المجال المالي كما يعبر عن نفسه في المجال العاطفي. يتعلق الأمر إذًا, بصورة عامة, بامرأة عاملة لها حياتها الاجتماعية الخاصة بفضل هذا العمل. وهي لا تنتمي لطبقة ذات امتيازات خاصة, ولكنها تعلمت كيف تدبر ماليتها. وفضلاً عن هذا فهي تعرف جيدًا حقوقها في الميدان الاجتماعي المهني. هي ليست محرومة لا عائل لها إلا إذا كانت غير مسنودة من أسرتها الأصلية.
استقلالها المالي لا يكفيها لتأمين اختياراتها العاطفية, فهي في حاجة إلى استقلال في هذا المجال. عليها إذًا أن تكون قادرة على التعبير عن استقلالها العاطفي أيضًا. بالنسبة لمراقب خارجي تبدو هذه المرأة قاسية وباردة. وبكل بداهة ذلك لا يكون بدون آلام "تدخلها" هذه المرأة في تعلمها للوحدة.
ومع شعورها بالتخوف والتردد تقيم مع الاستقلال المنشود علاقة مبهمة. محاولة تبنٍ كأنها تحدٍ وهو تخوف من الفراغ. ولتجاوز هذا الغموض تميل إلى الاعتماد على نساء أخريات يعشن الوضعية نفسها ويقاسمنها الشكوك نفسها. هذا الاستقلال يُبنى على مدى سنوات تتخلله لحظات متناوبة من الإحباط وارتفاع الهمة.
رجل كأنه طفل
وتريد هذه المرأة, ما أمكنها ذلك, أن تجتنب كل علاقة عاطفية مع البالغين الآخرين, وخصوصًا الرجال منهم. وكل ما يشبه قصة حب خطير عليها لا بد من إبعاده بقوة.(69/187)
وكل ما يمكن أن يشكل تهديدًا بالارتباط ينبغي اجتنابه. كل ما يمكن أن يظهر على أنه ضعف غير متصور لديه) بالنسبة للآخرين الذين تعتبرهم جاهلين تبدو لهم أنها تتخلى عن وضعيتها كامرأة, في حين أنها مقتنعة تمامًا بالعكس. إلا أنه بالنسبة لها أن تكون امرأة, هو قبل كل شيء, واستثناء أيضًا أن تكون أمًّا.
وهكذا نصل إلى هذا التناقض: في الوقت الذي تكافح فيه نساء من أجل تحسين علاقاتهن الزوجية, تتخلى أخريات عن هذه الغاية للاستغناء عن العلاقة الزوجية. هل المطالب مهمة جدًا؟ الرجال هم بالفعل مصدر إحباط؟ لا يبقى في النهاية سوى أن هؤلاء النسوة لا يلتقين الرجال إلا لماما لإرواء اللذة وكفى, وليس من أجل حياة يومية تجلب الصراع والشقاق والاختلاف وانعدام التفاهم. العلاقة الوحيدة المقبولة من لدنهن مع الرجل (للتذكير) مشروطة بأن يكون هذا الأخير طفلاً وأن يبقى طفلاً.
لا مكان للإرواء العاطفي
وبداهة, ليس صحيحًا أن يقال إن هؤلاء النسوة لا جنسانية لهن. ويبدو صعبًا أيضًا أن نعتبر جنسانيتهن متفتحة راغبة رغم ـ أنهن يظهرن بعض التردد في الاعتراف بها.
وبالفعل, يتعلق الأمر بجنسانية تجد قيمها -دون علم منها- في رصيد قديم من المعتقدات الدينية الموروثة عن الثقافة اليونانية الرومانية. قيم تمكن - في حيز كبير منها- من تفسير قمع الديانة الكاثوليكية لكل شكل من أشكال الجنسانية التي لا تؤدي إلى النسل والولادة. والأهم بالنسبة للرجل هو ما يتفوق به على المرأة أي ماؤه الدافق. ماء اعتبرته المعرفة الطبية الغربية إلى غاية القرن الثامن عشر تدفقًا دماغيًا. فكل ضياع لهذا السائل وكل استخدام غير مشروع لا يمكن أن تتحمله الكنيسة ولا يجلب لصاحبه سوى غضبها وسخطها. ومن ثم كان لزامًا على النساء ألا يبحثن عن شيء آخر سوى ماء الولادة والتخصيب ولا مكان للإرواء العاطفي والارتباط المستمر. العلاقة الجنسية لم تكن سوى مناسبة لنقل المعلومات الصبغية الوراثية من الرجل للمرأة بلا إحساس ولا تعبير.
وهذه الجنسانية جديدة باعتبارها لا تسعى سوى إلى الولادة والإخصاب, جنسانية توريثية لا تلقي بالاً للعلاقات المعقدة للروح. جنسانية لا تعير اهتمامًا لمصير الولد ولا يقلقها ذلك.
إعادة بناء العلاقات
قبل أن يقدم المعالج النفساني الحلول التي يراها جديرة بإعادة الارتباط بين الزوجين وتمتين العلاقات فيما بينهما, يعرض لبزوغ مجموعة من الحركات والتيارات المراجعة لأوضاع الأسرة والعلاقات بين الزوجين. وهي تيارات ومجموعات وصفها بأنها تمتد من أقصى طرف في السذاجة إلى أقصى طرف في القلق. ويضرب لذلك بعض الأمثال:
غواية الصياد
تحت هذا العنوان يكشف الخبير المعالج عن ظهور مؤسسات جديدة لتعليم "فن الغواية والمراودة" للرجل. مؤسسات تشرف عليها نساء للعودة بالذكر إلى حالته البدائية حيث لا يتكلم إلا قليلاً, تكفي قوته الجسدية لتسكت الآخرين وتجعل كلمته هي العليا. إنه "صياد جيد, وكما هو معروف, مثل الحيوان لا يتكلم". وهو أيضا يستجمع(69/188)
شخصيته في نظرة عينيه, بها يبصر الفريسة ويحددها وسط القطيع وينقض عليها. "الصياد الماهر يشبه المنوم المغناطيسي". وهو بالإضافة إلى كل هذا ينقل المرأة إلى عالم الأحلام, وبكلمات بسيطة قليلة يستطيع الفوز بالقطعة المرجوة، وربما اقتضى الأمر ما دون الكلمات, أي نخيرا كنخير فحول الحيوانات. "وأفضل فريسة لديه تلك التي تقبل - ببداهة واستسلام- التضحية والموت مسرورة نشيطة".
الرجال الحقيقيون
"الرجال الحقيقيون يعودون في الولايات المتحدة, وفي البلدان الأخرى المصابة بالحنين المازوخي. يعودون على الأقل في شكل مجموعات صغيرة, لكنها نشيطة جدًا وحاضرة بقوة في وسائل الإعلام, وخاصة في شبكات الإنترنت. يختارون الأسماء لأنفسهم مثل "بروميس كيبير" أي "الأوفياء بوعودهم", أو "أنغري وايت مالز" أي "الرجال البيض الغاضبون". في أوروبا, وخاصة في سويسرا, يتطور "منتدى الرجال", وهو تجمع يتماثل مع "الأوفياء بوعودهم". وهذه التيارات الصاعدة تعكس الواقع المؤلم والبئيس الذي توجد فيه وضعية الرجل والمرأة في الغرب عمومًا بعد العاصفة الحداثية التي شتت عشها ضياع القيم والبوصلة الهادية. منتدى "الأوفياء بوعودهم" مجموعة دينية أو متعاطفة مع التيار الديني, ولدت في الولايات المتحدة عام 1990 على يد "بيل ماكارثي" القادم من منطقة "كولورادو", اشتغل مدربًا لفريق كرة القدم الأمريكي إلى سنة 1995. يرى أن الرجال مسؤولون عن أهم المشاكل الموجودة بأمريكا. فهم الذين تخلوا عن التزاماتهم وهم الذين تركوا الفوضى الأخلاقية والاجتماعية تنتشر وسط الإباحية والعنف... وعليهم اليوم أن يتحملوا مسؤوليتهم ويجددوا التزاماتهم ابتداءً من أسرهم وانتهاءً بمجتمعهم. عليهم أن يعودوا مندمجين وطاهرين. ويحتل الإنجيل مكانة عالية لدى هؤلاء الرجال, ويوظفوا مقاطع منه في مواجهة حركات الإجهاض والشذوذ الجنسي وتحرير المرأة. ويحمل خطابهم عنصرية واضحة متعصبة للرجل الأبيض, مصحوبة بالشعور بالاختيار الإلهي لهم لإنقاذ البلد والعالم. عرفت هذه الجماعة أوجها في 1997 عندما حشدت في إحدى تجمعاتها بواشنطن حوالي 500 ألف مشارك. وعلى نفس المنوال والمثال ظهرت منظمات نسائية تحمل الأفكار والقيم ذاتها تسند ظهر المنظمات الذكورية وتملأ فراغ الساحة النسائية وتواجه الحركات النسائية المتحررة.
حلول الخبراء
عبر المعالج المتخصص في العلاقة بين الزوجين عن حساسية وظيفته وخطورتها, في الوقت الذي ينتظر فيه الطرفان المتخاصمان المتباعدان أن يكون إلى جانب أحدهما, أو يقدم لهما الحل الناجع. وفي طريق العلاج اقترح الخبير خطوات عملية للاستماع إلى الطرفين معًا, لكنه ركز على سؤالين هامين لا بد من الإجابة عنهما، وهما "لماذا" و "كيف", حتى إذا اتضحت الحالة أمام الطرفين دفعهما الخبير إلى بذل مجهود مضاعف للتحول الذاتي لديهما معًا, وإعادة الاعتبار لكل طرف, والتخلي عن الصور الموروثة للأسرة الأصلية التي جاء منها الزوجان.
ويقترح الخبير المعالج للعلاقات بين الأزواج "عقدًا جديدًا" بين الزوجين عندما تصل علاقاتهما إلى نقطة الانسداد التام. تجديد العقد -حسب هذا الخبير- يمكَّن الزوجين من(69/189)
إعادة تحديد وتعريف العلاقات بين الطرفين. اتفاق أشبه ما يكون بزواج جديد تحدد فيه الأهداف والوسائل بدقة, غير أنه أبعد ما يكون عن الزواج لأول مرة بين المتزوجين الشباب. الأهداف ليست كثيرة ولكنها تقصد إبقاء العلاقات حتى لا ينفرط العقد ويضيع الأطفال.
التحولات الكبرى
يختم جاك أنطوان مالاريويتش كتابه القيم بخاتمة يجمع فيها أفكاره ويجملها, كما يضيف إليها ما لم يتمكن من قوله في صلب الكتاب. ومن أهم ما قاله في الخاتمة تحليله الجامع لأوضاع الأسرة عمومًا, والمرأة خصوصًا, وعرضه للتحولات الكبرى التي لم تستقر بعد. قال الكاتب في هذا السياق: "نحن خاضعون لنوعين اثنين من القوى. الأولى: هي القوة المالية التي تختفي بسهولة وراء ذريعة العولمة. الثانية: هي القوة التكنولوجية التي تحاول دوما ارتداء ملابس التقدم, وهو شيء صعب عليها منذ اكتشاف الذرة. وهاتان القوتان تؤديان بنا حتما إلى قبول تحولات كبرى في طريقة عيشنا وعلاقاتنا مع الآخرين, وخاصة أولئك الأكثر قربًا منا, أي ما بين الزوجين والأسرة." ويشير المعالج إلى الانعكاس الأكبر للتحولات المقصودة على النساء بصفة أساسية, ومشاركة الحركات النسوانية فيما حصل, وشكواهن من أضرار التحولات وآلامها. قال عن هذا الأمر: "هؤلاء النسوة يشتكين من الرجال, وقد أعطيت أمثلة كثيرة عن ذلك. إنهن يظهرن كأنهن ضحايا العنف الذكوري. ولكن, ربما كن في حاجة إلى معرفة أنهن شريكات بالقدر نفسه الذي يتحمل به شركاؤهم هذه التحولات, فذلك أمر يعني الجميع." ويزداد الأمر جلاء عندما يحدثنا عن موقف الرجال وسلوكهم المتجاهل لما يحدث, سلوك يعكس الخوف والقلق العميق: "الرجال أصعب في "التعبئة", ولكن لأسباب أخرى ذات علاقة بالقلق والتخوف. إنهم خائفون من تحولات لا يتحكمون فيها جيدا, ويشعرون أنهم "أُصيبوا" بها. ولذلك, يميلون إلى تجاهلها, أو يتركون أمرها لصاحباتهم أو لمعالجيهم إذا لو التقوهم."
ـــــــــــــــــــ
الإعلام الإسلامي..حقائق وآمال
هيا الرشيد 7/12/1424
29/01/2004
عندما ننظر إلى الاتجاه العلماني والإعلام الذي يخدمه في حدود مجتمعنا المسلم، وننظر من ناحية أخرى إلى الإعلام الإسلامي الهادف الذي يعمل بإخلاص وحماس لخدمة الأمة الإسلامية من خلال قضاياها المتعددة، سنجد أن النتيجة مذهلة من حيث الكم والكيف، والدعم بوجوهه المتعددة، فالإعلام الإسلامي الحقيقي وهو على كثرته يعتبر قليلاً وضعيفاً مقارنة بالاتجاه العلماني، وسنجد البون شاسعاً أيضاً بين الاتجاهين من نواحٍ كثيرةٍ مهمة قد يكون من أهمها الدعم المادي الذي يعتبر الركيزة الأساسية لنجاح أي عمل، ولن تكون المقارنة هنا بين إعلامنا الإسلامي، والإعلام الغربي برمته، لأنه لا شك بأن الكفة ستكون راحجة ولأول وهلة للإعلام الغربي، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في الإعلام الذي يعد إسلامياً في ظاهره، ولكنه يحمل(69/190)
توجهاً علمانياً بحتاً، ويقف فكره على النقيض تماماً من كل شيء إسلامي، فإعلامنا الإسلامي يجد المنافسة خطيرة وصعبة من إعلام يعايشه في نفس المجتمع، ويعمل به أفراد المجتمع أنفسهم، دون أن يكون له سمة ظاهرة تبين خطورته على الدين والمجتمع.
فالإعلام أياًً كان توجهه، له دور كبير في توجيه الرأي العام نحو وجهة معينة يهدف إليها القائمون على هذا الإعلام، كما أنه يلعب دوراً كبيراً في تحديد سلوكيات الأفراد خاصة عندما نرى التأثير القوي للقنوات الفضائية على أفراد المجتمع على اختلاف فئاتهم العمرية ومستوى ثقافتهم، ولو قلنا بضرورة استغلال إعلامنا الإسلامي لهذا التأثير لتذكرنا على الفور محدودية العدد من الصحف والمجلات والقنوات ومواقع الإنترنت، وكثرة العدد وقوة الإمكانيات التي تخدم التوجه العلماني المعاكس.
وفي الفترة الأخيرة أصبحت هناك خطوة من الإعلام العلماني الكثيف لمحو الحد الفاصل بين إعلامهم المشبوه وبين الإعلام الذي يقف خلفه الغيورين من أبناء الأمة الإسلامية، في خطوة للتغرير بالنشء، ومحو الفواصل، وإعطاء تزكية ظاهرية لإعلامهم، فلو أمعنا التفكير في سياسة بعض المنابر الإعلامية العلمانية الجديدة وتوجهها نحو استقطاب بعض علمائنا ودعاتنا ومفكرينا في أسلوب جديد لإقناع كافة الفئات بشموليتها، وسلامة منطقها، لوجدنا خطوتهم تصب في مصلحتهم وخدمة إعلامهم أولاً وآخراً، وقد يكون في خطواتهم الأخيرة أسلوباً جديداً لمحو الأفكار التي نشأت حول إعلامهم وأفكارهم ومبادئهم التي يسيرون وفقها، ولا ننتقد التواجد هناك من قبل علمائنا ومفكرينا بقدر ما ننادي بضرورة التفريق بين الإعلام الإسلامي المتكامل الذي يهدف إلى خدمة الدين والمجتمع الإسلامي فقط، والإعلام المناقض الذي يحمل فكراً غريباً ولكنه ينتهج أسلوب الإقناع من خلال بعض البرامج الدينية التي يُستضاف فيها شخصيات قريبة إلى قلوب كثير من الناس.
وفي السنوات الأخيرة نجد أن الصحوة الإسلامية المباركة قد خطت خطوات كبيرة تحتاج من خلالها إلى إعلام إسلامي قوي يأخذ بيدها، ويعمل على نشر أهدافها ومبادئها المنبثقة من تعاليم ديننا الحنيف بشكل واسع وكبير دون الحاجة إلى إعلامٍ علماني لإخراج ما لديها إلى النور، فالفكر الذي تحمله ليس غريباً لأن مصدرة كتاب الله عز وجل، وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، ولكن الحاجة تكمن في عدم توفر العلم بهما لدى الجميع وفي كل مكان، كما أن المسلمين أنفسهم بحاجة إلى تعليم وتبصير بأمور دينهم، والحاجة قائمة أيضاً إلى ما يقف سداً منيعاً في وجه كل فكر مشبوه سواء كان من خارج الأقطار المسلمة أو من داخلها، ويفترض أيضاً أن يتلقى المسلم أخبار أخوته في شتى بقاع العالم من مصادر إسلامية بحتة بدلاً من أن يستقيها من مصادر أساسها معادٍ للإسلام والمسلمين، وللارتقاء بالإعلام الإسلامي لا بد من دعائم وأساسيات يرتكز عليها، وقد تتمثل فيما يأتي:
ـ تضافر الجهود لإقامة منابر قوية لإعلام إسلامي متنوع يعمل على احتواء المجتمعات المسلمة بأفرادها على اختلاف أعمارهم وثقافاتهم.
ـ العمل على إقامة هذا الإعلام بمشاركة الجموع ودعمها المعنوي والمادي عن طريق المشاركة الفعَالة بالعمل أو المتابعة.(69/191)
ـ الدعاية لذلك وبيان أن دعم مثل هذه المشاريع إنما هو دعم لأمتنا المسلمة وقضاياها المتعددة.
ـ جذب المثقفين والمفكرين بكافة تخصصاتهم ما دامت تصب في خدمة الدين الإسلامي والمجتمع المسلم.
ـ كسب الكفاءات الجديدة، وتشجيعها مادياً ومعنوياً، وعدم تركها لقمة سائغة في أفواه بني علمان.
ـ التنوع في الطرح لإقناع المتابع بمنافسة الإعلام الإسلامي لغيرة في حدود الشرع المطهر.
ـ النهوض بالعمل الإعلامي كاملاً، وجعله قاعدة أساسية للرقي بعقلية المتلقي من أبناء الأمة الإسلامية، وإمداده بخلفية ثقافية كبيرة تركز على تزويده بالعلوم الشرعية، وإعطائه معلومات واسعة عن تاريخه الإسلامي.
ـ تلبية الدعوة للعمل في أي منبر إعلامي إسلامي وعدم الخلط بين المفاهيم أو التحرز من الرياء بشكل عشوائي، والتفكير للحظة واحدة فقط في أهل الفن والرياضة الذين يمثلون مادة دسمة للإعلام العلماني الذي يلهثون خلفه ليل نهار رغبة منهم في إبراز أنشطتهم وأعمالهم التي تعتبر سبب فساد لأفراد المجتمع المسلم، فالأولى أن الطاقات المسلمة تعمل أيضاً مساهمة بذلك على إرشاد الناس لعمل ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.
مواكبة الأحداث ومسايرتها، فأفراد المجتمع المسلم يعيشون مع غيرهم على كوكب واحد ويحتاجون إلى معرفة الحدث بتفصيلاته الدقيقة أولاً بأول، فإذا ما توفر لهم ذلك من خلال إعلامهم فلن يكونوا بحاجة إلى البحث عن غيره.
ـ مسايرة العصر وتطوراته، والحرص على البرامج والمعلومات التي تُعنى بالتقنية في كل مراحلها المتقدمة، ودعوة ذوي التخصصات وطلب مشاركتهم، وعرض إنجازاتهم في الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت، والقنوات الفضائية.
ـ إخراج الحقائق للناس وعدم المداهنة في ذلك، فالإعلام أساسه الصدق لكسب ثقة المتابعين له.
ـ الجرأة في عرض القضايا الاجتماعية، وإخراجها أمام الناس بصورة صحيحة، وطرحها بشكل يساعد على حلها، ولن نقول بأن لنا في الإعلام الغربي مثل، ولكننا نتذكر تعرية الحقائق لديهم خاصة فيما يخص القضايا الاجتماعية، وإخفاء كثير منها لدينا بحجة عدم نشر الفضائح على الملأ، مع أن للنشر في كثير من الأحيان فوائد لتجنب السلبيات فيما بعد.
ـ عند القيام بتحقيقات أو بحوث حول ظاهرة معينة لا بد من الاعتماد على الاستبانات الموسعة التي تشمل عدة شرائح من مناطق مختلفة، وعدم الاعتماد عليها في مدينة واحدة أو حتى دولة واحدة لتمثل رأي المجتمع المسلم بشكل صحيح.
ـ الحرص بشكل كبير على نقل صورة حقيقية للعمل الإسلامي ككل، بحيث تتضح الايجابيات للاستمرار عليها وتشجيعها، والسلبيات لتفاديها مستقبلاً.(69/192)
ـ تدريب الطاقات للعمل بشكل أفضل، وتوجيهها الوجهة الصحيحة التي تناسب قدراتها، وعدم الاعتماد على التخصص المجرد الذي قد لا يحمل صاحبه القدرة الحقيقية على العمل.
ـ إقامة الدورات التي تخدم الإعلام الإسلامي وفق منظور إسلامي بحت، وعدم الاعتماد على المفاهيم الغربية التي تزخر بها المكتبات من خلال الكتب المترجمة التي تحمل أساليب وطرق قد لا تتوافق في كثير منها مع متطلبات العمل الإعلامي الإسلامي.
ـ العناية بشكل أكبر بالقضايا التي يستغلها الإعلام المعاكس من علماني وغربي وفق أحداث وظروف معينة، كقضية تحرير المرأة التي قد يدافع عنها من ينتسب إلى الإسلام بحجج واهية، وليكن للأقلام النسائية مكان في الساحة لمناقشة هذه القضية بالذات، لبيان وجهة نظر المرأة المسلمة فيما يُقال عنها ويُراد بها.
ـ تشجيع التواجد النسائي في المجال الإعلامي بشكل مناسب يحفظ للمرأة عزتها وكرامتها، ويتوافق مع تعاليم ديننا الإسلامي، وذلك بالمساهمة الكتابية الفعّالة، والعمل الصحفي الذي يتيح لها النقل الصحيح عن الأنشطة النسائية، والبحث في كثير من المشاكل التي تعترض عموم النساء في بيوتهن أو في مجالات العمل الذي يشغلنه خارج بيوتهن، وتبصيرهن بالتحديات التي تحيط بهن وتريد النيل منهن سواءً كانت من داخل الدول الإسلامية أو من خارجه
ـــــــــــــــــــ
تيار لا يتعلم من أخطائه
د . عادل الشدّي * 13/1/1425
04/03/2004
بين وقت وآخر تطفو على سطح المجتمع السعودي قضايا يسعى أصحابها إلى إحراز تقدم في الاتجاه الذي يريدون جرَّ المجتمع إليه؛ إلا أن عودة سريعة إلى الثوابت التي قام عليها بناء المجتمع تكفي لمعرفة الموقف الصحيح من هذه القضايا والمصير المتوقع لها.
وفي هذا السياق يمكن فهم الربط غير المنطقي بين منتدى اقتصادي يعقد في أكثر دول العالم عناية بالمحافظة على قيم الإسلام وثوابته، وبين نزع بعض المشاركات للحجاب الإسلامي، وخروجهن متبرجات يختلطن بالرجال على هذه الصورة مع تغطية إعلامية غير عادية تكاد تطغى أحيانًا على المنتدى الذي دعيت المشاركات له في جدة.
إن الذي أمر المسلمات بالحجاب هو الله تعالى، وليس الحجاب عادة اجتماعية بل هو عبادة ألزم الله بها المؤمنات ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ...... الآية ) والذي نهى عن التبرج وإبداء الزينة لغير المحارم هو الله تعالى ، وليس تقاليد المجتمع قال تعالى: ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)، واختلاط النساء بالرجال على هذه الحالة التي سبق وصفها أمر ظاهر التحريم والبطلان؛ بل إن الله تبارك وتعالى أمر أطهر الأمة قلوبًا وهم الصحابة إذا أرادوا سؤال أطهر المؤمنات قلوبًا وهن زوجات النبي – صلى الله عليه وسلم- أن يكون(69/193)
ذلك من وراء حجاب؛ فقال تعالى: ( وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب ..... الآية) ، وحين نرجع إلى البدهيات المسلَّم بها؛ فإننا نتساءل عن معنى الإسلام؟ أليس هو الاستسلام لله والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك؟ ألم يقل الله تعالى: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) فكيف يريد البعض من المجتمع أن يتقبل مخالفة ما قضى الله عز وجل به ، وإباحة الاختيار حينئذ لمن شاءت الالتزام بالأمر ومن شاءت مخالفته؟.
إن هذا البعض على قلته يمثل تيارًا يتصف بالانتهازية وخلط المفاهيم والانتقائية والتهويل، ومع ذلك فهو تيار لا يتعلم من أخطائه؛ فقد سبق له أن سجل تراجعًا كبيرًا حين أقحم على أجندته قبل عقد ونصف تقريبًا مسرحية قيادة المرأة للسيارات وما تبعها من نزع للحجاب وتصوير مرتب سلفًا، تم تسريبه إلى وسائل إعلامية في الخارج، لكن هذا الفعل أذكى مشاعر الغيرة الدينية؛ بل وكاد يؤثر على تلاحم المجتمع في فترة عصيبة، لولا الله ثم حكمة القيادة السياسية والدينية آنذاك في قصة لا تنسى قُدر لي حضور أحد أهم فصولها في اللقاء الحاشد الذي عقد في مقر الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة الشيخ (عبد العزيز بن باز) -رحمه الله-، حيث حضر الأمير (سلمان بن عبد العزيز)، وتم انتزاع فتيل الأزمة بعد جلسة مشهودة.
واليوم يتكرر الخطأ بانتهازية تختار أوقات الشدائد والأزمات (احتلال العراق للكويت وما تبعها من مجيء القوات الأجنبية للمنطقة في الحالة الأولى، والحملة المتواصلة خارجيًّا على السعودية لإلصاق التهم الباطلة بدعم الإرهاب ومناهجه، إضافة إلى أزمة التفجير ومحاولة ضرب الاستقرار داخليًّا، التي تقودها بعض التيارات المنحرفة فكريًّا في الحالة الثانية).
والسؤال هنا: لماذا لا ينشط دعاة تحرير المرأة على الطريقة الغربية إلا في أوقات الأزمات والشدائد؟ وسؤال آخر: أين دعواتهم المتكررة للوحدة الوطنية واللحمة بين سائر شرائح المجتمع والمحافظة على الاستقرار؟! وهي الدعوات التي أصموا آذاننا بها شهورًا متواصلة ثم خالفوا بفعلهم ما دعوا إليه بأقوالهم باستفزازهم لمشاعر الأغلبية ومصادمة الثوابت الدينية.
إن سلاح خلط المفاهيم واتهام المخالفين ليس حكرًا على أهل الغلو والتكفير؛ بل وجدنا اليوم أهل الجفاء عن الدين والتفريط في ثوابته يحملون ذلك السلاح، فإذا استنكر أحد نزع الحجاب وتبرج النساء واختلاطهن بالرجال على هذه الحالة اتهموه بأنه ضد إعطاء المرأة حقوقها وبأنه يدعو إلى مقاومة مسيرة الإصلاح والحوار التي بدأت تنشط مؤخرًا؛ مع أن الثابت أن الإصلاح الحقيقي لا يتعارض مع الثوابت الدينية، وبأن مصدر الحقوق للمرأة وغيرها داخل المجتمع السعودي هو شرع الله وليس أهواء البشر.
وتظهر الانتقائية واضحة حين يتم فرز فتاوى العلماء واختيار بعضها وإطراح البعض الآخر، فبينما يتم التأييد للفتاوى التي تبين خطورة التكفير والتفسيق والتبديع وتحذر من التسرع في ذلك يتم تجاهل فتاوى هؤلاء العلماء ذاتهم إذا كان الأمر يتعلق بتحريم التبرج ونزع الحجاب أو حتى قيادة المرأة للسيارة ( لما يترتب على هذا(69/194)
الفعل من المفاسد)، وهذا التناقض يهدد بنسف نظرية المرجعية الدينية في مجال الفتوى باعتبارها صمام الأمان للأمن الفكري لمجتمع يعاني من تياري الغلو والإفراط من جهة والجفاء والتفريط من جهة أخرى.
وأخيرًا فإن من أساليب هذا التيار التهويل ومحاولة عكس الصورة ليظهر للناظر غير المدقق أن شريحة كبيرة من المجتمع؛ بل ومن المسؤولين فيه تؤيد طروحاتهم وما يريدون للمرأة السعودية أن تظهر به بدليل إقحام هذا الظهور المتبرج غير المسبوق لبعض السعوديات على منتدى دولي يمثل المملكة العربية السعودية ويعقد على أرضها، ثم تبين أن الأمر على عكس ما حاولوا تصويره؛ فقد أصدر مفتي البلاد بيانًا يبين إنكاره لهذا العمل وأدلة تحريمه الظاهرة من الكتاب والسنة ويتألم لحصوله على أرض هذه البلاد المباركة، ثم دعمت الدولة هذا البيان بإذاعته في نشراتها الإخبارية؛ بل إن جمعًا كبيرًا من رجال الأعمال عبّروا عن استنكارهم لما حصل ودهشتهم لوقوعه دون تنسيق مسبق مما يعني اختطاف هذا المنتدى بعيدًا عن أهدافه، كما حاول البعض اختطاف نتائج الحوار الوطني الثاني الذي عقد مؤخرًا بمكة وإظهاره بمظهر الداعي إلى تغيير المناهج الدينية في المدارس السعودية ، وهو ما تبين لاحقًا عدم صحته!.
مرة أخرى لم يتعلم البعض من أخطائه لأن باب المرأة في المجتمع السعودي عصّي على اقتحام المستغربين، ولو أتيحت الفرصة للسواد الأعظم من السعوديات للتعبير عن رأيهن فيما حدث لعرف الجميع حقًّا أن المرأة السعودية ثابتة على دينها متمسكة بحجابها مع حصولها على أعلى الشهادات العلمية وقدرتها على الحوار والدفاع عن حقوقها الشرعية.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون* كلية التربية ـــ جامعة الملك سعود
ـــــــــــــــــــ
تحرير المرأة .. السجل البائس المسكوت عنه
شعبان عبد الرحمن * 18/2/1425
08/04/2004
بينما هدأ ضجيج احتفالات الثامن من فبراير ، يستعد العالم لاستقبال موجة أخرى من الضجيج على مسرح الأمم المتحدة.
فقد عودنا الغرب بآلته الإعلامية والسياسية أن يغلف حملاته ونظرياته وأدبياته عن المرأة بالذات بهالة كبيرة من الدعاية عن "تحرير المرأة ..وحقوقها .. ومكاسبها..." التي تحققت في ظل حضارته، ثم ازدادت تحقيقًا في عصر العولمة.. وقد شاهدنا جانبًا من تلك الدعاية في احتفالات الثامن من فبراير بـ" يوم المرأة العالمي " ولاشك أننا سنشاهد جانبًا آخر خلال المؤتمر الدولي للسكان الذي تستعد الأمم المتحدة لعقده .
وهناك ملاحظة جديرة بالذكر هنا، وهي أن النظرية المخادعة التي تروج لها الآلة الإعلامية والسياسية الغربية ومعها بالطبع الجوقة العلمانية في بلادنا باختلاف أطيافها تلح على أن كل ما تحقق للمرأة منذ الثورة الصناعية حتي اليوم هي في سجل المكاسب العظيمة، وربما يكون ذلك هو الظاهر الخادع بينما الحقيقة التي تنطق بها(69/195)
المرأة اليوم هي خلاف ذلك؛ فإخراج المرأة للعمل في عصر الثورة الصناعية كان ظاهره تحقيق ذاتها وإسهامها في بناء المجتمع وتحريرها من أسر البيت، ولكن الواقع أثبت أن الذي حدث هو عملية استعباد للمرأة في حقل العمل بالغرب كسلعة رخيصة الأجر جرى التلاعب بها . كما أن تعرية المرأة وإخراجها إلى دنيا الناس في أبهى زينتها كان ظاهره منح المرأة حريتها في أن تلبس ما تشاء وتخرج إلى المجتمع بما تريد، لكن الحقيقة أن المرأة وقعت هنا تحت الابتزاز والاتجار في سوق المتعة تحت شعارات خادعة كثيرة .
والمدقق في الأمر لن يجد خلافًا بين حقيقة الشعارات التي تروجها الدعاية الأمريكية الغربية خلال الحملات العسكرية لاحتلال بلادنا وحقيقة الشعارات التي تروجها نفس الدعاية عن حقوق المرأة؛ فظاهر الدعايتين التحرير والتنوير والرخاء وحقوق الإنسان، أما باطنها فهو العذاب الذي نعانيه .
في سجل المرأة وتحريرها ونيل حقوقها هناك صفحات دامية مسكوت عنها من الغرب والطبقة العلمانية في بلادنا، وهي صفحات مكتوبة بلسان المرأة الغربية ذاتها، وربما يكون في الاطلاع عليها كشف لجانب من الحقيقة .
مؤتمرات الأمم المتحدة حول المرأة :
ففيما يتعلق بمؤتمرات المرأة المتواصلة يأتي المؤتمر القادم ضمن سلسلة المؤتمرات التي تنظمها الأمم المتحدة حول السكان منذ عام 1975م حين عقدت مؤتمرها الأول في المكسيك ثم نيروبي عام 1985م ومؤتمر القاهرة عام 1994م، وبكين عام 1995م واسط نبول عام 1996م ونيويورك عام 1999م وانتهاء بمؤتمر «بكين + 5» بعنوان «المرأة عام 2000م».
ورغم أن العنوان المعلن لهذه المؤتمرات هو«السكان» إلا أن هناك حقيقتين تنطق بهما وثائق تلك المؤتمرات و برامجها:
الحقيقة الأولي : أن أهدافها تمحورت حول نقطة واحدة فيما يخص «المرأة»، وهي الإلحاح في الدعوة لإطلاق الإباحية الجنسية ومنح المرأة كامل التصرف في جسدها، بما في ذلك حق الإجهاض دون تدخل من أحد، والدعوة لإلغاء نظام الميراث - الذي أقره الإسلام- بزعم المساواة، والمطالبة الصريحة بشل سلطة الأبوين على الأبناء، بل وصل الأمر إلى الدعوة إلى هدم الأسرة وإلغائها ليبقى كل فرد هائماً على وجهه.
وقد أثبتت وثائق وفاعليات وبيانات تلك المؤتمرات على امتداد أكثر من ربع القرن أنها أبعد ما تكون عن إنصاف المرأة وحمايتها وإحقاق حقوقها وصون آدميتها؛ وإن كانت الشعارات التي ترفعها تتغنى بذلك.
الحقيقة الثانية : أن تلك المؤتمرات تأتي في إطار المشروع الغربي الكبير لعولمة العالم، فكما أن الآلة السياسية والعسكرية الغربية تسعى لدمج العالم سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا في منظومة غربية واحدة، تأتي تلك المؤتمرات التي ينظمها الغرب ومنظماته وأجهزته، ممتطياً المنظمة الأممية الدولية، لإكمال مخطط العولمة الكبير بعولمة البشرية ودمجها في أتون النمط الغربي الاجتماعي " الفاشل " حيث الإباحية المطلقة والدمار الأسري والانهيار الأخلاقي، والمستهدف من وراء ذلك كله المرأة المسلمة والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم الذي يمتلك - بفضل الإسلام - ثروة عظيمة من(69/196)
القيم والمبادئ والأخلاق التي صانت عفاف المرأة وأقامت بنيان الأسرة على أساس متين وأبدعت مجتمعاً متماسكاً متكافلاً.
ومن هنا وبمناسبة يوم المرأة العالمي واستباقاً للحملة الدعائية الكبرى التي ستصاحب عقد المؤتمر الجديد حول السكان نؤكد علي الحقائق التالية:
أولاً: لقد بات واضحاً وبما لا يدع مجالاً للشك أن الغرب وسماسرته في البلاد الإسلامية من المؤسسات والمنتديات والأقلام العلمانية المتطرفة أصبحوا يمتلكون خبرة شيطانية في التلاعب بقضايا المرأة من خلال الشعارات الخادعة نحو تحقيق مكاسب سياسية رخيصة حيناً أو استخدامها كورقة ضغط على الدول والشعوب أو كورقة إرهابية لابتزاز الأفراد والجماعات حيناً آخر، وقد نجحت - للأسف - تلك الضغوط في إحداث تغييرات بقوانين الأسرة في عدد من الدول العربية بما يصب في تحقيق بعض من مخطط عولمة الأسرة المسلمة.
ثانياً: أن النموذج والتجربة الغربية فيما يسمى بتحرير المرأة والذي يروج له سماسرة الاستعمار بافتنان وإلحاح على تطبيقه في بلادنا، نموذج حافل بالفشل ومليء بالمآسي ومتخم بأنات وصرخات النساء، ولا نقول ذلك من نسج خيالنا وإنما نقوله من واقع السجلات والبيانات والوثائق والدراسات التي صدرت في الغرب وعلى ألسنة نساء في الغرب .
شهادات نسائية :
ووقفة سريعة أمام البيانات والوثائق يتضح ما نقول:
1 ـ اكتشفت المرأة الغربية - التي خرجت إلى ميادين العمل بلا ضوابط أو حدود تحت شعار المساواة بالرجل وإثبات الذات - أنها ساقطة بين أنياب غول من الشهوانية المريضة التي تفترسها من جهة وواقعة تحت مطارق الاستعباد والابتزاز من جهة أخرى. ففي استطلاع لجامعة كورفيل الأمريكية بين العاملات في الخدمة المدنية ثبت أن 70% منهن قد تعرضن إما لمضايقات أو اعتداءات جنسية.
وفي دراسة تم رفعها مؤخراً إلى وزيرة الشؤون النسائية الكندية تبين أن 40% من النساء العاملات تعرضن إما للضرب أو الاغتصاب.
2 ـ لقد بلغ الانحدار أن أصبحت المتاجرة بالأعراض وتبادل صفقات الاستغلال الجنسي من أكثر الأسواق رواجاً في العالم، وهذا ما يحاولون تصديره إلينا عبر مؤتمرات السكان التي تنادي بالحرية الجنسية الإباحية.
وقد كشفت دراسة حديثة صادرة عن جامعة بنسلفانيا الأمريكية أن حوالي 325 ألف أمريكي تقل أعمارهم عن 17 عاماً يتعرضون سنويًّا للاستغلال الجنسي، وهو ما وصفه واضع الدراسة البروفيسور ريتشارد ايستيس بأنه "أخبث أشكال المعاملة السيئة التي تنزل بالأولاد في الولايات المتحدة وأمريكا الشمالية".
3 ـ أن المجتمعات الغربية ذاتها صارت تضج بالشكوى من الإباحية وأصبحت تئن تحت سعارها؛ ففي دراسة أمريكية أخرى ثبت أن 80% من الأمريكيين باتوا يعتقدون أن أسباب انحدار القيم الأخلاقية لدى الشباب يكمن في التغيير الذي طرأ على المجتمعات خلال الثلاثين عاماً الماضية بسبب الحرية المفتوحة، وقال 87%(69/197)
من عينة الدراسة: «لو عادت عجلة التاريخ لاعتبرنا المطالبة بالمساواة بين الجنسين مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة».
وقد أثبتت الإحصاءات في ألمانيا أن الحياة الإباحية تنتج كل عام سبعة آلاف طفل ينتسبون لغير آبائهم.
كما بثت وكالة رويترز للأنباء مؤخراً نبأ محاكمة (مارك دمولان) عضو الجمعية الوطنية الفرنسية بتهمة الاعتداء الجنسي على ابنة أخيه القاصر.
إن السجل حافل ومتخم بالحقائق الدامغة التي تكشف زيف الشعارات والدعاوى التي تطلقها مؤتمرات الأمم المتحدة عن المرأة والسكان، وتكشف في الوقت نفسه بلاهة الببغاوات العلمانية ممن يطلقون على أنفسهم اسم مناصري حقوق المرأة. ولو أن الجميع وقفوا قليلاً وبتجرد أمام الحقيقة لتحركوا نحو إنقاذ المرأة ولسارت خطط المؤتمرات وحملات الإعلام نحو إنقاذ المرأة والأسرة و منهج الإسلام الحكيم كفيل لمن أراد .
فقد كرم الإسلام المرأة تكريماًَ حقيقياً وصان حقوقها وحفظ كرامتها وشرفها وإنسانيتها أمًّا وزوجة وابنة، ويجدر بنا التأكيد في هذا الصدد على أنها كانت دوماً درة المجتمع الإسلامي وحصنه الحصين في إقامة بنيان الأسرة وحفظ تماسكه، ولذا كان المشروع الغربي الاستعماري على استهدافها واستخدامها كسلاح لإفساد مجتمعاتنا.
وقد أعلن ذلك قبل قرنين من الزمان رئيس الوزراء البريطاني جلادستون قائلاً: إن بلاد الشرق لا يمكن أن تتقدم - في نظره- إلا بأمرين؛ الأول: برفع الحجاب عن المرأة المسلمة. والثاني: أن يغطي الحجاب القرآن. وذلك ما يحاولونه حتى اليوم.
لكن الصحوة الإسلامية الراشدة التي عادت بالناس إلى كنف الإسلام بوعي وإدراك استطاعت عرقلة كل تلك المخططات متخذة المرأة المسلمة العامل الأهم نحو الإصلاح الشامل.* كاتب صحفي ومحلل سياسي
ـــــــــــــــــــ
المرأة في عمق الزمن تحرير أم تغرير
يسري صابر 27/2/1425
17/04/2004
مرت المرأة في تاريخها الطويل بمرحلتين:
المرحلة الأولى: مرحلة الظلم والظلام وبؤس المرأة العربية وسوء حالها، وذلك قبل الدعوة المحمدية وظهور الإسلام في الجزيرة العربية، المرأة في فترة الظلام قد سلبت جميع الحقوق دون استثناء، بل لم تعتبر المرأة امرأة كما هو معلوم عندنا الآن؛ فالمرأة كانت تعد حشرة من الحشرات، أو كانت تعد من عالم آخر كعالم الجن والشياطين، والذي كان يعتبرها امرأة من أهل الجاهلية كان يمنعها حقها ويفرض عليها أمورًا، ويعاملها معاملة غير إنسانية؛ فمثلاً: إذا حاضت المرأة كان الزوج لا يأكل ولا يشرب معها، بل ولا يسكن معها في البيت، وإنما يخرجها خارج البيت هذا ما كان عليه أهل الجاهلية. وأما حقوقها كأم أو أخت أو غير ذلك فلم يكن لها أي حق على الإطلاق.. قال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ(69/198)
كَظِيمٌ)[النحل:58] فكانت بشرى في منتهى التعاسة والنكد لو بشر أحد الجاهليين بأنه رزق بأنثى، يفكر ماذا يفعل بها (يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [النحل:59]
(أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ) يبقها على مضض (أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ) فكان أهل الجاهلية يدسون ويئدون بناتهم في التراب وهنّ أحياء، فكان يحفر الأب أو الأخ لابنته أو لأخته في التراب ثم يضعها فيه وهي حية يجري الدم في عروقها!
المرأة كانت عند أهل الجاهلية كمتاع يقتنى، وسلعة يستكثر منها ولا يهم بعد ذلك ما يصيب الأسرة من تفكك وانهيار، ولا ما يترتب على تعدد الزوجات من عداوة وبغضاء بين النساء وبين الأبناء حتى تعلن الأسر حرباً على نفسها و تصبح مصدر نزاع وعداوة بين أفرادها.
وكان الزوج لا يعنيه الأمر سواء عدل بين أزواجه أو جار، سوى بينهن في الحقوق أو مال؛ فكانت حقوق الزوجات مهضومة، ونفوسهن ثائرة، وقلوبهن متنافرة، وليت الأمر كان قاصراً على تعدد الزوجات في أبشع الصور وأوخم العواقب؛ بل كان الرجل منهم إذا قابل آخر معه ظعينته (امرأته في هودجها) هجم عليه فتقاتلا بسيوفهما، فإن غلبه أخذ منه ظعينته واستحلها لنفسه ظلماً وعدواناً.
وحرمت المرأة في الجاهلية من الميراث؛ فهي لا ترث الرجل بعد وفاته؛ بل هي من تركته التي تركها، فإذا جاء أحد أقارب الزوج المتوفى وألقى بثوبه على المرأة صارت له، فبئست التقاليد وبئست العادات، فلا رحمة ولا مودة ولا تعاطف؛ بل جفاء طاغ.
المرحلة الثانية:هي مرحلة النور .. مرحلة التحرير .. مرحلة العزة والكرامة؛ وهي المرحلة التي أعطى الإسلام للمرأة كامل حقوقها وفرض عليها الواجبات التي تتناسب مع خلقتها وينصلح بها حالها، وبصلاح المرأة ينصلح المجتمع كله.
لقد جاءت الدعوة المحمدية فحررت المرأة من فوضى الجاهلية وأخرجتها من الظلمات إلى النور، وأعادت إليها حريتها كاملة غير منقوصة ونظمت أو حددت تعدد الزوجات بأربع فقط.
وقد اعترف المستشرق الفرنسي (أندريه سرفيه) بفضل هذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كتابه "الإسلام ونفسية المسلمين"؛ فقال: لا يتحدث هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المرأة إلا في لطف وأدب، كان يجتهد دائماً في تحسين حالها ورفع مستوى حياتها، بعد أن كانت تعد مالاً أو رقيقًا، وعندما جاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- قلب هذه الأوضاع؛ فحرر المرأة وأعطاها حق الإرث" ثم ختم كلمته قائلاً : "لقد حرر محمد المرأة العربية، ومن أراد التحقيق بعناية هذا النبي بها؛ فليقرأ خطبته في مكة التي أوصى فيها بالنساء خيرًا، وليقرأ أحاديثه المتباينة".
ما أصدق هذا القول ووضوح تلك الرؤية التي بعد عنها كثير من أبناء المسلمين بعد أن صاروا ببغاوات وأبواق لأذنابهم من الغرب، وما أكثر دفاع النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المرأة وحقوقها، ألم يقل في خطبته في حجة الوداع: " أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ ، إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ(69/199)
مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا، أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ ، أَلا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ" [رواه الترمذي(1163) وابن ماجة (1851) من حديث عمرو بن الأحوص -رضي الله عنه- وعند مسلم (1218) بلفظ: "فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"، وعن عائشة -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : " خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي" [رواه الترمذي(3895) وغيره]. وعن معاوية بن حيدة -رضي الله عنه- أن رَجُلا سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ؟ فقَالَ : " أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ ، وَأَنْ يَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَى ، وَلا يَضْرِبِ الْوَجْهَ ، وَلَا يُقَبِّحْ ، وَلا يَهْجُرْ إِلا فِي الْبَيْتِ" [رواه أبو داود (2142) وابن ماجة(1850)]. وأمر بالرفق العام بهن فقال صلى الله عليه وسلم: "ارفق بالقوارير" [رواه البخاري (6209) ومسلم (2323) من حديث أنس -رضي الله عنه-]
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-- قال : "إني لأتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي". ولها رأيها في تزويجها ، وليس لوليها أن يعدو إذنها، ويقصرها على من لا تريد إن كانت رشيدة؛ فعن خنساء بنت خذام الأنصارية -رضي الله عنها- أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فرد نكاحه [رواه البخاري (5137) تحت باب: إذا زوج ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود].
ومن أعجب المصادفات أن يجتمع (ماكون) في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أي في سنة 586 م لبحث هل المرأة إنسان ، وبعد بحث ومناقشة وجدل قرر: أنها إنسان ولكن خلقت لخدمة الرجل وحده. ولم يكد يصدر هذا القرار الجائر في أوروبا، حتى نقضه محمد -صلى الله عليه وسلم- في بلاد العرب إذ رفع صوته قائلاً : " إنما النساء شقائق الرجال" [رواه الترمذي (113) وأبو داود (237) وابن ماجة (612) من حديث عائشة -رضي الله عنها-].
بل إن جاهمة السلمي - رضي الله عنه- جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يارسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "هل لك من أم؟ " قال: نعم. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فالزمها فإن الجنة تحت رجليها". أليس هذا فضل وأي فضل، إن الجنة مبتغى كل رجل، وكل امرأة أم لكل رجل!، فالمرأة نصف المجتمع وتلد النصف الآخر فهي المجتمع بأسره، وبذلك علم العالم أجمع أن المرأة إنسان مهذب له من الحقوق ما يتناسب مع خلقتها وفطرتها في وقت كانت فيه أوروبا تنظر إلى المرأة نظرة سخرية واحتقار، وفي القرن السابع الميلادي عقد مؤتمر عام في روما ليبحث فيه المجتمعون شؤون المرأة فقرروا أنها كائن لا نفس له ، وعلى هذا فليس من حقها أن ترث الحياة الآخرة ، ووصفها المؤتمر بأنها رجس كبير. وحرم عليها ألا تأكل اللحم ، وألا تضحك ، وألا تتكلم ، ونادى بعضهم بوضع أقفال على فمها ، وفي هذا الوقت كانت المرأة العربية تأخذ(69/200)
طريقها نحو النور وتحتل مكانتها الرفيعة في المجتمع العربي وتقف بجانب الرجال في معترك القتال .
لقد قالت الربيع بنت معوذ -رضي الله عنها-: "كنا نغزو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فنسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة" [رواه البخاري (2883)].
ألا يحق بعد هذا كله للسيد (ريفيل) أن يقول: إننا لو رجعنا إلى زمن هذا النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لما وجدنا عملاً أفاد النساء أكثر مما فعله هذا الرسول؛ فالنساء مدينات للنبي -صلى الله عليه وسلم- بأمور كثيرة رفعت مكانتهنّ بين الناس.
وقد كتبت جريدة "المونيتور الفرنسية" عن تصور احترام الإسلام ونبيه للمرأة فقالت: لقد أجرى الإسلام ونبيه تغيراً شاملاً في حياة المرأة في المجتمع الإسلامي فمنحها حقوقاً واسعة تفوق في جوهرها الحقوق التي منحناها للمرأة الفرنسية.
أما الكونت (هنري دى كاسترى) فقد تناول عقد الزواج عند المسلمين فقال: "إن عقد الزواج عند المسلمين يخول للمرأة حقوقاً أدبية وحقوق مادية من شأنها إعلاء منزلة المرأة في الهيئة الاجتماعية"، وهذا أيضًا هو ما دفع العالم الألماني (دريسمان) أن يسجل قوله : لقد كانت دعوة محمد إلى تحرير المرأة السبب في نهوض العرب وقيام مدينتهم، وعندما عاد أتباعه وسلبوا المرأة حقوقها وحريتها كان ذلك من عوامل ضعفهم واضمحلال قوتهم. إن الفضل قد يخرج من الأعداء في لحظة صدق وإنصاف والفضل ما شهد به الأعداء.
نعم عاد من أبناء جلدتنا من سلب المرأة حقوقها وأرادها خراجة ولاجة يساومونها على عفتها وكرامتها وشرفها عبر إعلانتهم التجارية وفضائياتهم العفنة، وآخرين يعتدون على أنوثتها ويدنسون رقتها قالوا لها: كوني رجلاً! وقابلي المجرمين لتقضي بينهم ! كوني مقاولة ..! تنقلي بين البلاد واغتربي لتكوني سفيرة ..!! زعموها حقوقا!! هل من حق المرأة أن تكون رجلاً ؟! أن تخرج عن خِلقتها؟!
أن تمارس أدوارًا خارج فطرتها؟! أن تمارس أعمالا لا طاقة لها بها؟! أن تتمرد على أنوثتها؟! أن تخالف رقتها؟! أن تبعثر جمالها؟! عجبا أن يطلب من القمر المضيء أن يكون شمسًا محرقة! أهذه حقوق؟! أم أنها مفاهيم عفنة وألفاظ تتصادم مع الفطرة وتعجل بانتقام الخالق سبحانه.
إن الإسلام هو المملكة التي أعطت الحقوق لكل من فيها ذكرًا كان أو أنثى، إنسانًا أو حيوانًا، صغيرًا أو كبيرًا، فقيرًا أو غنيًّا، وسيظل الإسلام ظاهرًا وباقيًا محفوظًا بحفظ الله وسنعيش في تلك المملكة طالما تمسكنا بتعاليمه وقواعده فهو مصدر عزتنا وكرامتنا قديما وحديثًا ومستقبلاً، والمرأة هي الكيان التي تقوم به تلك المملكة ولو خرجت عن هذا الكيان وعن دورها فيه لتحطمت تلك المملكة وانهارت.
وختامًا؛ فالإسلام هو نصير المرأة أمًّا وأختًا وابنة، ومنقذها ومحررها ومخرجها من الطغيان والذل، وجعلها تخرّج الأجيال والأبطال، فوراء كل عظيم امرأة، فلا خداع ولا مداهنة ولا فلسفات فاسدة، ولكنه تاريخ يمتد عبر العصور، وحضارة تثبت جدارتها وإنسانيتها، وقدرتها على الابتعاث من جديد، عرف من عرف، وجهل من جهل.(69/201)
والله غالب على أمره، ولو كره المرجفون.
ـــــــــــــــــــ
د. بهيجة: بيوتنا يهددها الانحلال!
حوار: علي مهدي 17/3/1425
06/05/2004
ـ التقاليد البعيدة عن الإسلام هي سبب المظالم التي تعاني منها المرأة.
ـ مشاريع إعلامية وثقافية لتصحيح صورة الإسلام وموقفه من المرأة.
أقدمت رابطة العالم الإسلامي بالمملكة العربية السعودية على خطوة طيبة حين أنشأت الهيئة العالمية للمرأة والأسرة المسلمة؛ كمنبر ذي طابع دولي للدفاع عن المرأة والأسرة في ظل التحديات الخطيرة التي تتهدد مؤسسة الأسرة من جانب القوى الغربية التي تسعى لفرض نموذجها الثقافي، الذي يقوم على الإباحية والحرية الفردية المطلقة المتحللة من كل ضوابط أو قيود دينية أو خلقية وهم يستخدمون العولمة وشعارات القرية الكونية الصغيرة ستارًا للتغلغل في المجتمعات الإسلامية لبث سمومهم والترويج لقيم حضارتهم الآفلة ..
وفي مقابلة مع الدكتورة بهيجة بهاء عز ى -الأمين العام للهيئة- ، طرحنا عليها العديد من التساؤلات حول الهدف من إنشاء الهيئة والمخاطر التي تتعرض لها المرأة المسلمة ومؤسسة الأسرة والطفل، ودور المنظمات المنبثقة عن الأمم المتحدة في خدمة المشروع التغريبي الذي يقوده الغرب، وكيفية مواجهة الأخطار التي تهدد المرأة والطفل المسلم وقضايا أخرى ، وفيما يلي نص الحوار ...
مواجهة التشويه
يستغل الإعلام الغربي قضية المرأة في المجتمعات الإسلامية لشن حملة تشويه؛ فكيف يواجه المسلمون تلك الحملة؟
الإسلام أنصف المرأة وأعطاها حقوقها كاملة في التعليم والعمل والأهلية المالية المستقلة وغيرها، وللرد على حملات التشويه التي تقودها بعض وسائل الإعلام الغربية لا بد من عرض الحقائق كاملة حول الإسلام وموقفه من القضايا المختلفة (خاصة الموقف من المرأة) عرضًا علميًّا موثقًا بعيدًا عن لغة الخطابة التي تخاطب المشاعر ولا تصل إلى العقول ، وتطبيًقا لذلك قامت الهيئة بطبع كتيبات باللغة الإنجليزية ترد على الشبهات المثارة ضد المرأة المسلمة وموقف الإسلام منها في قضايا مثل الميراث وتعدد الزوجات وغيرها من القضايا التي لا يمل الإعلام الغربي عن إثارتها. وقد عرضنا من خلال هذه الكتيبات الحقائق مدعمة بالوثائق والنصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية مع مقارنة نقدية لأوضاع المرأة الغربية التي رغم دعاوى الحرص عليها وإعطائها حقوقها لا زالت تعاني من هضم حقوقها ولم تصل إلى ما وصلت إليه المرأة المسلمة من تكريم ، وتضمنت تلك الكتيبات أرقامًا وإحصاءات عن العنف الذي يمارس ضد المرأة في الغرب، وعقدنا مقارنة بين ما يقوله الطب عن الإجهاض المنتشر في أوربا والولايات المتحدة ومخاطره الطبية ، ثم عرضنا وجهة نظر الإسلام التي تحرم الإجهاض إلا في حالة وجود الخطر على حياة الأم ، وهو ما يتفق مع رأي الطب ويعد إعجازًا علميًّا لصالح الإسلام.(69/202)
وتناولنا قضية (الجندر) أي النوع، وهو مصطلح تستخدمه المنظمات النسوية في الغرب بمعنى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة وتجاهل أي اختلافات بيولوجية ونفسية بينهما، والزعم بأن التنشئة الاجتماعية هي التي توجد الفروق بين الجنسين وليس الاختلافات البيولوجية. وبيّنا رأي علماء الغرب في تكوين الدماغ لدى الجنسين والاختلافات الفسيولوجية في تركيب الجسم لدى المرأة والرجل، وأثبتنا أنهما مختلفان وأن التنشئة الاجتماعية ليست كما تزعم النسويات الغربيات هي المسؤولة عن تحديد الذكورة والأنوثة وأداء كل منهما في الحياة .
مخاطر تهدد مؤسسة الأسرة
ما هي أهم المخاطر والتحديات التي تواجه مؤسسة الأسرة في العالمين العربي والإسلامي؟ وكيف يمكن مواجهة تلك المخاطر والتحديات؟
مؤسسة الأسرة سواء على المستوى الإسلامي أو العالمي تواجه تحديات تهدد وجودها وتحدث شرخًا في بنيانها وأدوارها الرئيسة في المجتمع بدعوى النظام العالمي الجديد ، وكان لا بد من مواجهة هذه التحديات لضمان استمرار المجتمعات محليًّا وعالميًا، والساحة المحلية والدولية تكاد تخلو من وجود طرح إسلامي معاصر يرى في الأسرة عمودًا فقريًا وركيزة أساسية للأمن الفردي والاجتماعي.
وأكثر ما يهدد مؤسسة الأسرة موجة التحلل والإباحية القادمة عبر الفضائيات والإنترنت، والتي تتستر وراء الدعوة لتحرير المرأة وهي في الحقيقة دعوة لتحرير المرأة من أي قيود أخلاقية أو دينية تحفظ عليها عفافها وتصون كرامتها وإنسانيتها ، وقد ظهرت هذه الدعوات بوضوح خلال مؤتمرات الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة والشباب وانعكست على الكثير من المواثيق الدولية التي من شأن تطبيقها داخل الدول التي صادقت عليها تعريض العلاقات بين المرأة والرجل ومؤسسة الأسرة للكثير من الهزات ؛ فبعض هذه المواثيق تقنن للعلاقات غير المشروعة بين الرجل والمرأة؛ بل وتدعو لنوع من الأسر يتكون من رجل ورجل، أو امرأة وامرأة. ولحماية الأسرة المسلمة من مخاطر الفكر الغربي الوافد فإن الهيئة تعتزم عقد ندوات ومؤتمرات محلية وإقليمية وإصدار مجلة وفتح موقع على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) لتفنيذ هذه الأفكار وبيان ما فيها من خروج على تعاليم الإسلام ومخاطرها على الأسرة ، وتوجيه ثقافة صحيحة واعية تنبثق من تعاليم الإسلام بدلاً من الثقافة المغلوطة المشوهة، والعمل على توظيف الإعلام في خدمة قضايا الأسرة المسلمة بالتعاون مع الأقلام الإسلامية وغير الإسلامية ضد موجات الإباحية الغربية.
تحرير المرأة
هناك مفهوم لتحرير المرأة والمساواة مع الرجل تطرحه المنظمات النسوية الغربية فهل هناك فرق بين تحرير المرأة بالمفهوم الغربي والمفهوم الإسلامي؟
المساواة التي تدعو إليها المنظمات الغربية هي المساواة المطلقة بمعنى التماثل بين الرجل والمرأة وإلغاء أي فروق بيولوجية أو نفسية بين الجنسين، وبالتالي فهي مساواة تتنكر للفطرة السوية والحكمة من خلق النوعين الذكر والأنثى، وأن لكل منهما دورًا في الحياة يتناسب مع قدراته واستعداداته الفطرية؛ أما مفهوم تحرير المرأة من وجهة النظر الإسلامية؛ فهو يقوم على احترام آدمية وكرامة المرأة(69/203)
والاعتراف بالفروق البيولوجية والنفسية بين كلا الجنسين، وأنهما خلقا من أصل واحد ومتساويان في التكاليف الشرعية ، وأن لكل منهما رسالة في الحياة هي عبادة الله تعالى وإعمار الكون، وأن من حق المرأة التعليم والعمل إذا احتاجت إليه، والحق في الذمة المالية المستقلة والميراث وفق ما شرعه الله -سبحانه وتعالى-، وأن نفقتها هي وأولادها تقع على كاهل الزوج.
النساء شقائق الرجال
ما هي الأسس التي تقوم عليها الأسرة المسلمة؟
الإسلام ينظر للأسرة على أنها نواة المجتمع وهي أساس قوته وتماسكه ، وأن النساء هم شقائق الرجال ، وبناء الأسرة يقوم على المودة والرحمة فيما بين الزوجين وليس على الجانب المادي وحده ، وأن هدف الأسرة إنجاب الأولاد لإعمار الكون والحفاظ على النوع الإنساني وتحقيق خلافة الإنسان على الأرض بعبادة الله -سبحانه وتعالى- وفق المنهج الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، والأسرة التي يعرفها الإسلام هي المكونة من رجل وامرأة يجمع بينهما عقد الزوجية الشرعي وليس كما يدعو الغرب إلى ما يطلقون عليها "الأسرة غير النمطية" المكونة من رجل ورجل ، أو امرأة وامرأة؛ لأن هذا النوع من الأسرة يصادم الفطرة السوية ويخالف شريعة الإسلام وهي نذير بأن المجتمع الغربي يسير نحو الهاوية.
إذا كانت الشريعة الإسلامية أعطت للمرأة حقوقها وأنصفتها؛ فمن أين جاء الظلم الواقع على المرأة في بعض البلاد الإسلامية؟ وكيف يمكن مواجهة مصادر هذا الظلم؟!
هناك بعض التقاليد والأعراف التي تسيء للمرأة وهذه التقاليد بعيدة عن الإسلام ولكنها مع تقادم الزمن اكتسبت بعض القداسة، وفي ظل الأمية الدينية اعتبرها البعض أنها من الإسلام والإسلام منها براء ، لذلك فإن علاج هذا الوضع يكمن في العودة إلى تعاليم الإسلام وتوعية الناس رجالاً ونساء بهذه التعاليم التي من شأن تطبيقها تحقيق سعادة الرجال والنساء في الدنيا والآخرة. ومواجهة هذه التقاليد والأعراف تكون بالتعاون بين المسجد والإعلام والمدرسة ومؤسسات التثقيف التي ينبغي أن تتكاتف جميعًا في التوعية بموقف الإسلام من المرأة، وحض الناس على إعطاء المرأة حقوقها التي كفلتها لها الشريعة الإسلامية ، وإقناع الناس بأن الدين وليس العرف البعيد عن الإسلام هو الأولى بالاتباع وتربية النشء على هذه التعاليم، فإن أطفال اليوم هم آباء وأمهات الغد .
ـــــــــــــــــــ
الأنوثة في نصوص الوحيين (1/2)
أ.د. عبدالله بن إبراهيم الطريقي * 7/4/1425
26/05/2004
اقتضت حكمة الخالق جل شأنه أن تكون الخلائق مركبة من زوجين، والزوجية تقتضي الاختلاف بينهما، إما اختلاف تضاد أو اختلاف تشابه وتنوع.
ولذا قال الحق تعالى: "وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" [الذاريات: 49].(69/204)
قال مجاهد بن جبر فيما رواه عنه الطبري: "وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ" الكفر والإيمان، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلالة، والليل والنهار، والسماء والأرض، والإنس والجن.
والزوجية هنا تشمل المعنويات كالهدى والضلال، والخير والشر، والمحسوسات كالليل والنهار، والذكورة والأنوثة.
وقد أوضح ذلك الراغب الأصفهاني بقوله: "الزوج: يقال لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجه زوج، ولكل قرينين فيها وفي غيرها زوج كالخف والنعل، ولكل ما يقترن بآخر مماثلاً له أو مضاد زوج.. وقوله: "خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ" فبين أن كل من في العالم زوج من حيث إن له ضداً أو مثلاً ما أو تركيباً ما، بل لا ينفك بوجه من تركيب، وإنما ذكر هاهنا زوجين تنبيهاً أن الشيء وإن لم يكن له ضد ولا مثل فإنه لا ينفك من تركيب جوهر وعرض وذلك زوجان" [المفردات/ صـ216].
والذكورة والأنوثة هما صورة من صور الزوجية المشار إليها؛ فما علاقة الأنوثة بالذكورة؟
هذا هو محور الحديث هنا، ونقصر الحديث على جنس البشر.
وذلك في النقاط التالية:
أولاً : أصل الخلقة:
جاءت نصوص الوحيين بإشارات كثيرة لا يخلو أكثرها من التفصيلات في شأن (بدء الخلق).
قال سبحانه: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ 4 يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ 5 ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ 6 الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ 7 ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ 8 ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ" [السجدة:4-9].
هكذا خلق آدم عليه السلام، ثم إن الله تعالى قدر أن يوجد له مخلوقاً يأنس به ويسكن إليه، فخلق منه زوجه حواء، كما أشارت إلى ذلك الآية الأخرى "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ" [الأعراف:189].
وجاء توكيد ذلك في أول سورة النساء "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً".
وجاء في الأحاديث الصحيحة أن حواء خلقت من ضلع آدم، كما في حديث: (استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) [البخاري برقم 3331].
وهذا يفيد أمرين:
الأول: أن المرأة إنسان كالرجل:
الثاني: أنها جزء من الرجل وفرع منه.(69/205)
ولعل ما يؤكد هذه الحقيقة قوله عليه السلام: (إنما النساء شقائق الرجال) [رواه أبو داود/ 236].
قال الخطابي في معالم السنن 1/79: "أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع، فكأنهن شققن من الرجال".
وعلى هذا لا فرق في القيمة الإنسانية بين الرجل والمرأة، بل هما متساويان فيها، مما يجعلهما مشتركان في جملة الفضائل الإنسانية، التي أشارت إليها نصوص القرآن الكريم.
كقوله تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً" [الإسراء: 70].
وقوله تعالى: "لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ" [البينة:4].
ثانياً: خصائص الأنوثة:
وبرغم تلك المساواة في القيمة الإنسانية أو أصل التكوين إلا أنه مما تقتضيه الحكمة الإلهية، والخلقة الطبيعية أن يكون الزوجان ـ الذكر والأنثى ـ مختلفين في بعض الخصائص والمكونات، كما تقتضيه الحال في كل زوجين من النبات والحيوان، فضلاً عن المتضادات كالخير والشر، والنفع والضر، والحب والبغض..إلخ.
ولو كان الرجل والأنثى سواء في كل شيء لم يكن في التعددية فائدة، لذلك لابد أن يقول العقل ومنطق الأشياء: إن بينهما اختلافاً في مجالي: الخلق والتكوين والخُلق والطبع.
وقد يكون من غير الممكن هنا تفصيل ذلك عند علماء الطب والتشريح، أو عند علماء النفس والأخلاق، لكنني أشير إلى ماله صلة وثيقة بالتشريع، وهو علم اللغة الذي عني أصحابه بالموضوع عناية واضحة وبالغة.
فابن سيده في (المخصص) بدأ بخلق الإنسان، وذكر اسم كل جزء فيه، ثم كل نعت فيه، بما يشمل الذكر والأنثى، ثم جاء بعنوان آخر هو: كتاب النساء، حيث أورد ما فيهن من خصائص وسمات، ثم نعوت وصفات، مما يحمد أو يذم.
وسبق ابن سيده علماء آخرون من أهل اللغة والأدب مثل الجاحظ وابن قتيبة، كما يلحظ ذلك في كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة، حيث خص النساء بكتاب مستقل سماه (كتاب النساء).
بل إن الأصل اللغوي لكل من لفظتي (الذكر، والأنثى) تعطي أبعاداً للمفاهيم، فالذكر: مأخوذ من الذكرة، وهي القطعة من الفولاذ، ويقال: حديد ذكر: أي يابس شديد، ورجل ذكر: قوي شجاع.
أما الأنثى، فمأخوذ من الأنوثة وهي الليونة، يقال: أنّث في الأمر: لان ولم يتشدد، وأرض أنيثة: سهلة منبات. ينظر: المعجم الوسيط. مادتا: أنث وذكر.
ولعل من المناسب أن نتوقف عند بعض الخصائص التي وردت في الوحيين، والتي لا يختلف عليها مسلم يؤمن بالله و اليوم الآخر؛ لإيمانه وتسليمه بالوحي أولاً، ثم لكون الخصائص هذه حقائق أكيدة ثانياً.(69/206)
1- أن المرأة محل الزينة والجمال: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ" [آل عمران: 14].
وفي الحديث: (حبب إلي من الدنيا النساء والطيب) [رواه النسائي/ 3941]، وهو ما عبرت عنه تلك الشاعرة بقولها:
إن النساء رياحين خلقن لكم وكلكم يشتهي شم الرياحين
2- والمرأة محل الحرث: "نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ" [البقرة: 223].
والجنين منذ مرحلة النطفة حتى ساعة الميلاد وهو يعيش في رحم أمه، وهو معنى الحرث.
3- وهي عرضة للطمث، والحمل والولادة والرضاع: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ" [البقرة: 222]. "وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ" [لقمان: 14]. "وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا" [الأحقاف: 15].
4- وفي جنس النساء نقص أكثر منه في جنس الذكور: ففي الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج في يوم العيد إلى المصلى فمر على النساء فوعظهن وقال: (يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار) فقلن: وبم يا رسول الله، قال: (تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟) قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟) قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان دينها) [رواه البخاري/304 ، ومسلم برقم 132].
وهذا النقص أمر نسبي، في كل من الرجل والمرأة، ولكن في المرأة أكبر نسبة.
ومما يؤكد وجود النقص في الرجل، قوله عليه الصلاة والسلام: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وأن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) [رواه البخاري /3411، ومسلم /2431].
فإذا كان كثير من الرجال قد كمل، فإنه يقابلهم كثير آخرون ناقصون.
5- ومما يؤكد وجود خصائص في كل من الذكر والأنثى: قول الحق تعالى في سياق قصة مريم عليها السلام: "إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" [آل عمران: 35-36].
والشاهد هنا هو قوله تعالى :" وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى" وهو من تتمة كلام امرأة عمران، بعد الجملة الاعتراضية "وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ" وهي من كلام الرب تعالى.(69/207)
قال الطبري: "فتأويل الكلام إذًا والله أعلم من كل خلقه بما وضعت، ثم رجع جل ذكره إلى الخبر عن قولها، وأنها قالت ـ اعتذاراً إلى ربها مما كانت نذرت في حملها فحررته لخدمة ربها (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى)، لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقوم بها، وأن الأنثى لا تصلح في بعض الأحوال لدخول القدس والقيام بخدمة الكنيسة، لما يعتريها من الحيض والنفاس".
6- والنساء لهن خصيصة في اللباس تختلف عن الرجال: "وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ ُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ" [النور:31].
ثالثاً: المسؤولية والتكليف: خلق الله الإنس والجن لعبادته، والقيام بالأمانة والعدل. "إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا"الأحزاب: 72. "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات: 56].
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" [البقرة:21].
والإنس، والناس، والإنسان، كلها أسماء جنس يدخل فيها جميع عقلاء البشر من الذكور والإناث ممن يفهم الخطاب.
وجاءت نداءات متكررة ومتنوعة في القرآن الكريم تتضمن تكليفات إلهية. مثل: يا أيها الذين آمنوا، يا أيها الناس، يا بني آدم، يا أيها الإنسان. وهي خطابات للذكور والإناث، والقاعدة الشرعية في الخطاب أنه عام للذكور والإناث إلا ما جاء مستثنى.
لكن هل يدخل النساء في الخطاب بأصل الوضع، أم يدخلن بالتغليب؟ خلاف بين الأصوليين.
قال ابن القيم في رده على نفاة القياس عندما قالوا: "إن الإسلام سوَّى بين الرجل والمرأة في العبادات البدنية والمالية كالوضوء والصلاة والصوم والزكاة والحج، وفي العقوبات كالحدود، ثم جعلها على النصف من الرجل في الدية والشهادة والميراث والعقيقة".
فعلق ابن القيم على هذه المقولة بقوله: "هذا من كمال شريعته وحكمتها، ولطفها؛ فإن مصلحة العبادات البدنية ومصلحة العقوبات، الرجال والنساء مشتركون فيها، وحاجة أحد الصنفين إليها كحاجة الصنف الآخر، فلا يليق التفريق بينهما، نعم فرقت بينهما في أليق المواضع بالتفريق، وهو الجمعة والجماعة.. وكذلك فرقت بينهما في عبادة الجهاد التي ليس الإناث من أهلها، وسوت بينهما في وجوب الحج لاحتياج النوعين إلى مصلحته، وفي وجوب الزكاة والصيام والطهارة.." [أعلام الموقعين 2/145].
وابن القيم يفصل هنا مواطن التسوية والتفرقة بين الجنسين.
والنصوص الشرعية واضحة وقاضية في كلا الأمرين والمقام لا يتسع لإيراد التفصيلات، لكن نشير إلى أهم مواطن الاختلاف بين الجنسين مما لا نزاع فيه بين أهل العلم في الجملة.(69/208)
ففي نظري أن القضايا والأحكام ذات العلاقة لها أنواع:
1- تخفيف الحكم على المرأة من الوجوب إلى ما دونه، مثل: صلاة الجمعة، والجماعة، والجهاد.
2- إسقاط الحكم التكليفي عنها، مثل: عدم قضاء الصلاة بسبب الحيض والنفاس، وعدم النفقة على الزوج والأولاد.
3- تأجيل الحكم التكليفي وتأخيره، مثل: صيام رمضان بسبب الحيض والنفاس.
4- تمييز المرأة بأحكام تتعلق بأنوثتها: كالحجاب، وإباحة التحلي بالذهب والحرير، وعدم حلق شعر الرأس، وإرضاع الأطفال وتربيتهم.
5- وضع أحكام احتياطية لصالح المرأة، مثل: عدم السفر إلا مع ذي محرم، وعدم الخلوة بالرجل الأجنبي إلا مع ذي محرم، وعدم التبرج، و عدم الاختلاط في غير مواطن الحاجة.
6- إسناد الأعمال القيادية للرجل دون المرأة، مثل:
أ- قوامة الرجل على المرأة، ولزوم طاعة الزوج بالمعروف.
ب- ولاية النكاح.
ج- الولايات العامة للمجتمع (كالإمامة، والإمارة، والوزارة).
7- تحديد أنصبة أقل من الرجل، في الميراث، والديات والشهادة.
8- منحها حقوقاً مادية مثل: المهر، والنفقة.
وكل هذه الأحكام الخاصة بالمرأة، والتي تميزت بها عن الرجل هي عند التدقيق عين الحكمة ومقتضى العقل الصحيح ومساحة هذه المقالة لا تتسع للتفصيل.
رابعاً : الجزاء:
لا تكاد تختلف المرأة عن الرجل في مجال (الجزاء) دنيوياً كان أو أخروياً.
فالثواب والعقاب يستوي فيه الجنسان.
قال سبحانه: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" [النحل: 97].
يقول الطاهر بن عاشور: قوله: "مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى" تبيين للعموم الذي دلت عليه (من) الموصولة، وفي هذا البيان دلالة على أن أحكام الإسلام يستوي فيها الذكور والنساء، عدا ما خصصه الدين بأحد الصنفين".
وقد ثبت أن جبريل عليه السلام قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (اقرأ على خديجة السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب) [البخاري رقم/3820].
ولما قالت أم سلمة رضي الله عنها: يا نبي الله، مالي أسمع الرجال يذكرون في القرآن، والنساء لا يُذكرن أنزل الله: "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا" [الأحزاب: 35].
خامساً: المرأة والعلم:(69/209)
الخطاب الشرعي الحاث على التعلم والتحصيل، عام يشمل الذكور والإناث، ومن أمثلة هذا الخطاب:
أ- قوله تعالى: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ" محمد:19.
قال البخاري فبدأ بالعلم.
والخطاب وإن كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- فهو متناول لأمته، كما يقول ابن حجر.[ فتح الباري/ 1/160].
والأمة: اسم جنس يشمل الذكر والأنثى اتفاقاً.
ب- قوله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) [البخاري رقم/71].
فـ (من) شرطية وهي تعم الذكور والإناث، بلا نزاع يذكر. [ينظر شرح الكوكب المنير(3/240)].
"وإذن فلا خلاف في مشروعية تعليم الأنثى، لكن في الحدود التي لا مخالفة فيها للشرع" [الموسوعة الفقهية الكويتية 7/77].
ومن المحذورات هنا: اختلاط الطلاب والطالبات، وخلع الحجاب، والتبرج، وتعليم الأنثى ما لا يليق بها كرياضة الأجسام، والموسيقى، والعلوم العسكرية.
وكان كثير من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء الصحابة عالمات فاضلات، مجيدات لكثير من فنون العلم.
وكما قال أحمد شوقي:
هذا رسول الله لم ... ...
ينقص حقوق المؤمنات
العلم كان شريعة ... ...
لنسائه المتفقهات
ردن السياسة والتجارة ... ...
والشؤون الأخريات
سادساً: المرأة والعمل:إذا كانت للأنثى تلك الخصائص السابقة، ولها تلك الاستثناءات التي أوردناها، فالنتيجة المنطقية أن يكون مجال العمل متناسباً معها.
وإذا كان كثير من الأعمال مشتركاً بين الرجل والمرأة فلا يمنع ذلك وجود أعمال أخرى لها خصوصية ذكورية، أو أنثوية.
والقاعدة هنا: أنه بقدر ما يشترك الجنسان في المعاني الإنسانية، يكون العمل مشتركاً بينهما، وبقدر ما بينهما من الفروق يكون اختصاص العمل.
وإذا كان من خصائص الرجل القوة والشدة والمغامرة فإن كل عمل يحمل هذه الخصائص لا يتحمله سوى الرجل في الغالب.
وإذا كان من خصائص الأنثى النعومة والعاطفة فإن كل عمل يحمل هذه الخصائص لن يتناسب إلا مع المرأة في الغالب أيضاً، وبهذا التكامل تستقر الحياة وتقوم على سوقها.(69/210)
أما إذا ا فترضنا عدم صحة تلك القاعدة، وأسندت كل الأعمال إلى الرجل، أو إلى المرأة، فلابد أن يكون الخلل والقلق والفوضى لمصادمة الفطرة، والواقع، والشرع.
أما من حيث الفطرة، فلو قيل للرجل: أمامك ثلاثة مجالات للعمل، لتختار واحداً منها، وهي:
1- حضانة الأطفال.
2- قبالة النساء (توليدهن).
3- العمل في مجال العسكرية والأمنية.
ترى أي المجالات سيختار؟
أعتقد أنه لا محل للتردد هنا، بل سيختار المجال الثالث.
وهكذا بالنسبة للمرأة لو خيرت بين تلك الأعمال فإنها قد تختار الأول أو الثاني أما الثالث فلا.
وأما من حيث الواقع، فإن المرأة والرجل مازال كل منهما يمارس الأعمال التي تناسب شخصيته عند أمم الشرق والغرب.
وبرغم المناداة بتحرير المرأة، وتحرر نساء الغرب في الجملة، إلا أن السلوك الاجتماعي يفرض التنوع، ويملي على كل من الرجل والمرأة أعمالاً ومجالات محددة، ويفرض عليها فروضاً لا ينفكان عنهما.
وأما من حيث الشرع فهو محور الحديث هنا، وعرضنا ما وسعنا عرضه.
وبناء على ما تقدم فهل يمكننا أن نفهم أو نفسر طبيعة الحياة بين الجنسين بأنها تجنح إلى المنافسة على مجالات العمل، أو وجود التعارض بين متطلبات كل منهما ومصالحه؟
أظن أن النتيجة هنا واضحة، وهي أنه لا تعارض بين مصالح المرأة ومصالح الرجل، بل كل منهما يكمل الآخر.
ولعل مما يؤكد هذه الحقيقة، هو طبيعة العلاقة الخاصة (الجنسية)، حيث تقوم على حاجة كل منهما للآخر، وعدم إمكان الاستغناء عنه، عقلاً، وفطرة، وواقعاً.
حيث لا يمكن تصور مجتمع مكون من رجال فقط، أو من نساء فقط، كما لا يمكن تصور وجود أسرة مكونة من رجال فقط، أو نساء فقط، اللهم إلا في حالات خاصة وعارضة، فقد لا يوجد في البيت إلا رجال، أو نساء لأسباب قاهرة، كالكوارث ونحوها.
وصدق الله العظيم إذ يقول: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم:21].
وما شرع الزواج إلا لتلك الأغراض، كيما تسير الحياة وفق نظام سليم ومحكم.
فلا جرم أن ذلك كله يفيد شدة حاجة كل من الجنسين إلى الآخر، وأن في كل منهما نقصاً يكمله الآخر.
وأن العلاقة بينهما هي علاقة تكامل ليس إلا، نظراً إلى وجود التشابه بينهما.
إنها الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها.
والقول بغيرها لا يخلو من أحد أمرين:
أحدهما: أن تكون العلاقة بينهما علاقة ندية.(69/211)
الثاني: أن يكونا متطابقين ومتماثلين.
هذا هو التقسيم المنطقي في هذه المسألة.
ولو قيل: إن العلاقة بينهما علاقة الند لنده، لأصبح بينهما من التنافر والتنافس والمشاحة ما يصعب معه التعايش إلا بالمجاملات والمعاهدات، كما يلحظ ذلك في طبيعة العلاقة بين التجار، والطلاب، والأمم والحضارات.
ولو قيل:إنهما متطابقان لم يكن أحدهما محتاجاً إلى الآخر، بل تكون العلاقة بينهما كالعلاقة بين الرجلين، أو بين المرأتين.
فلم يبق إذن إلا أن تكون العلاقة بينهما علاقة تكامل نظراً للتشابه الكبير بينهما.
والآية السابقة، تؤكد هذه الحقيقة "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً".
يقول محمود الألوسي (ت. 127هـ) عند هذه الآية خلق لكم أي من أجلكم، "مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا" فإن خلق أصل أزواجكم حواء من ضلع آدم عليه السلام متضمن لخلقهن من أنفسكم... فمِن تبعيضيةٌ، والأنفس بمعناها الحقيقي، ويجوز أن تكون مِن ابتدائية والأنفس مجاز عن الجنس، أي خلق لكم من جنسكم لا من جنس آخر، قيل، وهو الأوفق بقوله تعالى: "لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا" أي لتميلوا إليها، يقال: سكن إليه: إذا مال، فإن المجانسة من دواعي النظام والتعارف كما أن المخالفة من أسباب التفرق والتنافر. [روح المعاني 21/30].
و على هذا فإن إقحام المرأة في ميدان الرجل الذي لا يليق إلا به، هو تكليف للمرأة بمالا يناسبها، بل ربما لا تطيق.
سابعاً: المرأة والإغراء: أشرنا من ذي قبل إلى أن من خصائص المرأة الليونة والنعومة والتجمل، وهذا يجعلها محط اهتمام الرجل وميوله إليها، وتعلق قلبه بها، ما لم تكن من محارمه، وهي حقيقة لا مرية فيها؛ ولأجلها جاءت النصوص الشرعية المحذرة من الفتنة بالنساء، والتعلق بهن بالطرق غير المشروعة.
ومن هذه النصوص:
أ- قوله عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء) [البخاري رقم/ 5096 ومسلم رقم/ 2740] ، فالمرأة فتانة بلا شك، وهو ما أشار إليه جرير بقوله:
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أركاناً
ب- قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) [مسلم /رقم 2742].
ومعنى (اتقوا النساء) أي احذروهن بأن تميلوا إلى المنهيات بسببهن وتقعوا في فتنة الدين لأجل الافتتان بهن. [مرقاة المفاتيح لملا علي قاري 6/190].
وعلى هذا فليس معنى اتقاء النساء اعتزالهن بترك الزواج وتكوين الأسرة، بل المقصود اتقاء الفتنة المؤدية إلى المحظور، وهو معنى اتقاء الدنيا أيضاً.
ج- ما جاء في الحديث (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان). [الترمذي /رقم 1173، وقال: حديث حسن غريب]، ومعنى "عوره" كما في المفردات(69/212)
للراغب: "العورة: سوأة الإنسان، وذلك كناية، وأصلها من العار، وذلك لما يلحق في ظهوره من العار أي الذمة، ولذلك سمي النساء عورة".أ.هـ.
د- قوله عليه السلام: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه) [مسلم /رقم 1403].
قال النووي: "قال العلماء معناه الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بها لما جعل الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء والتلذذ بالنظر إليهن، وما يتعلق بهن، فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له" [شرح صحيح مسلم 9/178].
قلت: وصورة الشيطان ليست لها جاذبية، بل هي مكروهة للنفس السوية، بعكس المرأة، فلعل المقصود الصورة المعنوية الجاذبة للشهوة.
وبناء على ما تقدم فالمرأة لديها الجاذبية للرجال، وهي محط أنظارهم ورغباتهم، والأمر الذي يفرض واجبات على كل من الرجل والمرأة، تحول بينهما وبين الجريمة.
أما الرجل فواجبه أن يغض البصر، ويحذر الخلوة بالمرأة، أو يدخل على النساء بدون استئذان، أو يكن في حال من التبرج والزينة، وألا يتعامل مع النساء إلا بحشمة ووقار، سواء في كلامه، أو في تصرفاته.
وأما المرأة فواجبها ألا تخرج متبرجة أو متطيبة أو تبدي زينتها لغير محارمها، أو تخضع بالقول للرجل، وألا تختلط بالرجال إلا في المواضع الضرورية.
بل إن الإسلام احتاط للمرأة بأكثر من ذلك، فأسند أمر الولاية والمحرمية إلى الرجل (القوي بطبيعته) ليكون راعياً وسنداً لها في كل مواطن الخطر أو الريبة، مثل السفر، والخلوة بالرجل.
ففي الحديث الصحيح: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة وأني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: (انطلق فحج مع امرأتك) [البخاري /رقم 1862 ومسلم /رقم 1339].
ولنتخيل المرأة وهي تواجه مثل هذه المأزق، كيف يكون وضعها؟
وكيف تستطيع الخلاص ـ وهي وحيدة أو معها امرأة مثلها ـ من براثن المجرمين العابثين؟
الحقيقة أنها في وضع لا يحسد عليه، وشواهد الحال أكثر مما يخطر في البال.
ولله در تلك المرأة الشريفة التي كانت تطوف بالبيت وكانت جميلة، فأبصر بها عمر بن أبي ربيعة الشاعر المشهور، فجعل يكلمها ويتابعها، فقالت لزوجها: إني أحب أن أتوكأ عليك إذا رحت إلى المسجد، فراحت متوكئه على زوجها، فلما رآها عمر بن أبي ربيعة ولى، فقالت: على رسلك يا فتى، ثم أنشدت:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... ...
وتتقي مربض المستثفر الحامي
[ينظر: عيون الأخبار المجلد الرابع 109].(69/213)
ثامناً: آراء متباينة نحو المرأة:
المرأة مخلوق عجيب، احتار الرجال من سائر الأمم والأجيال في معرفة كنهه وطبيعته، ومن ثم التعامل معه.
وليس غرضنا هنا تتبع هذه النظرات والنظريات والفلسفات عند الأمم وأهل الملل والنحل، ولكن المهم أن نتوقف عند آراء ونظرات أهل ملتنا وبني جلدتنا، فذلك ما ينسجم مع طبيعة هذا البحث.
وفي تقديري أن هذه الآراء أو المواقف يمكن إجمالها في ثلاثة:
الأول: الموقف المتشدد:
الذي ينظر إلى المرأة نظرة مطبوعة بالارتياب والحقارة، والتشاؤم، فبالارتياب يعامل المرأة بالشك وسوء الظن، حتى لو كانت من صالحات الأقارب والجيران.
وكأن القاعدة لديه: الاتهام حتى تثبت البراءة.
وبالحقارة يعامل المرأة كأنها مخلوق دنيء، لا صلة له بالإنسانية، فهو يتحاشى ذكر المرأة في أحاديثه، أو ذكر اسمها أو أن ترافقه في المناسبات والاجتماعات، ولو كانت أماً أو زوجة، وهو لا يعرف من المرأة إلا أنها ناقصة وسفيهة، وقرينة الكلب والحمار.
وبالتشاؤم يعامل المرأة كأنها شيطان، ويرى أن كل معصية أو مصيبة في الدنيا فسببها المرأة؛ لأنها حبالة الشيطان، ويروون في ذلك أثراً غير معروف (النساء حبائل الشيطان).
الموقف الثاني: الموقف المتساهل الجافي: الذي ينظر إلى المرأة بإحدى رؤيتين:
أولاهما: الرؤية المادية (الجنسية).
الثانية: الرؤية الفلسفية القائمة على المساواة مع الرجل.
أما الرؤية الأولى؛ فهي تنظر إلى المرأة نظرة متعة جنسية ليس إلا، وكأنها خلقت لا لشيء إلا لاستمتاع الرجل وقضاء وطره، بأي أسلوب كان، مشروعاً أو غير مشروع.
وعلى المجتمع أن يتسامح في ذلك، فلا يلزم المرأة بحجاب، ولا يمنعها من مخالطة الشباب، ولا يخشى على عفتها أو بكارتها أو سمعتها.
وأما الرؤية الثانية: فإنها لا تختلف كثيراً عن الأولى، إلا أنها تنظر بعين العقل المجرد من وحي السماء، فالمرأة إنسان كالرجل، والإنسان جنس واحد لا يجوز التمييز بين عناصره.
فإذا كان لا يجوز التمييز بين الأسود والأبيض؛ فكذلك لا يجوز التمييز بسبب الجنس، ولا بسبب الدين.
وأظن أن النتيجة عند هؤلاء منطقية، فما دام الدين لا أثر له في المفاضلة بين الناس، بحيث يتساوى المسلم مع غير المسلم، أيا كانت ديانته يهودية أو نصرانية، أو بوذية، أو إلحاداً...الخ.
فالناس سواسية في الحقوق عند أصحاب هذا المبدأ، وإن كان مبدأ نظرياً لا يمكن تحقيقه على أرض الواقع، بل إن أصحابه أول من يخرق هذا المبدأ، فيقدمون(69/214)
المتأخر، ويؤخرون المتقدم، ويفاضلون بحسب أهوائهم ويقربون من شاءوا ويُقْصون من شاءوا، فيقعون في التناقض.
والدليل على ذلك أنهم في الوقت الذي يحتفون به بأصحاب الشذوذ الفكري ويجعلون منهم نماذج مثالية، فهم في الوقت نفسه يقصون أهل الاستقامة ويزدرونهم ويسفهون آراءهم، وإن كانوا نساء.
الموقف الثالث: الذي توسط في هذه القضية، بين أهل الغلو، وأهل الجفاء.
فينظر إلى المرأة نظرة تقدير واحترام، وأنها شقيقة الرجل، ولها حقوقها الكاملة المتناسبة مع أنوثتها.
وأن الأنوثة ليست صفة ذم، بل وليست صفة نقص، فإن العرب تقول: امرأة أنثى: أي كاملة.
[الفيروز آبادي ص210].
وأما النقص الموجود فيها، فهو نسبي، أي بالنسبة إلى الرجل.
وليس المقصود أن كل رجل هو أكمل من كل امرأة وأفضل منها، كلا؛ بل المقصود أن جنس الرجال أكمل من جنس النساء.
وإلا فقد يوجد من النساء من هو أكمل من آلاف الرجال.
وهل تقاس مريم ابنة عمران، أو آسية امرأة فرعون أو خديجة أو عائشة أو أم سلمة بأمثال فرعون وهامان وقارون وأبي جهل وأمية بن خلف؛ بل أمم الكفر والضلال؟ اللهم لا.
بيد أن التشريعات الإلهية إنما تنظر إلى الأعم الأغلب.
ودين الإسلام وهو يضع الأنصبة في مكانها فإنه لا يقر الدعاوى الفارغة التي تستغل عواطف المرأة وتسوقها إلى براثن الرذيلة، تحت ذرائع المساواة والتحرير، والحرية.
وإذا جاز أن يقع ذلك في مجتمعات لا تؤمن بالله واليوم الآخر، ومن قبل دعاة الإلحاد والإباحية فإنه لا عذر للمجتمعات المسلمة، ولا لأي مسلم أو مسلمة أن ينخدع بتلك الدعاوى المزخرفة والمزيفة.
وأخيراً، أوجه نظر الباحث المنصف، الذي ينشد الحق والحقيقة، إلى أنه لا يمكن فهم المنهج الإسلامي نحو الأنوثة إلا بالوقوف على جملة النصوص الشرعية وشروحاتها وبياناتها اللغوية المتصلة بالموضوع، وعند ذلك تكتمل الرؤية، وتتضح الصورة.
أما أخذ بعض النصوص دون بعض وانتقاء بعضها فذلك منهج خداج لا يعطي الصورة الصحيحة عن الإسلام.
والله ولي التوفيق..
ـــــــــــــــــــ
حركة تحرير المرأة..تاريخ ٌ يعيد نفسه
د. مسفر بن علي القحطاني (*) 10/4/1425
29/05/2004
يلحظ القاري لتاريخ الدعوات التحررية التي تبنت قضايا المرأة ومشكلاتها في بلادنا العربية البعد الزماني لنشأتها المبكرة إذ تعود البداية إلى منتصف القرن التاسع عشر(69/215)
الميلادي , وذلك بعد الاحتكاك الذي حصل بين الشرق والغرب واستعمار الغرب العلماني لدول الإسلام ، وساعد على ظهور هذه الدعوات التحريرية حركة التنصير والاستشراق التي غزت الدول الإسلامية مبكراً من خلال التعليم والتوجيه الفكري؛ لأن تعلم المرأة المسلمة التعليم الغربي يؤثر في نفسها وينطبع في تربيتها لأولادها . ولهذا يقول المنصر (جب):
"إن مدرسة البنات في بيروت هي بؤبؤ عيني ، لقد شعرت دائماً أن مستقبل سوريا إنما هو بتعليم بناتها ونسائها" فكانت أول مدرسة للبنات فتحها المنصرون في لبنان عام 1830م وتلتها مدارس أخرى في مصر والسودان والعراق والهند والأفغان (1)
ونتيجة عمل متواصل للمنصرين والمستشرقين لعدّة سنوات في البلاد الإسلامية ظهر الكثير من المثقفين الإسلاميين المتأثرين بالغرب وثقافته، ودعا بعضهم إلى إنصاف المرأة ودعم حقوقها في التعليم والعمل والمشاركة الاجتماعية. فكان رفاعة الطهطاوي الذي عاد من فرنسا سنة 1873م ووضع كتابه : ( المرشد الأمين لتربية البنات والبنيين ) . إذ يعتبر الطهطاوي أول رائد لحركة تحرير المرأة وإن كان ينطلق من مرجعية إسلامية نادى من خلالها بحقوق المرأة الشرعية إلا أنه كان متأثراً للغاية بطبيعة الحياة الفرنسية التي بدأ يدعو إليها بكل ما فيها من اختلاط وسفور.
وبعد احتلال إنجلترا لمصر عام 1882م بدأ الترويج للأفكار التحريرية النسائية بالمفهوم الغربي ، وكان أفضل مكان لترويج هذه الأفكار صالون الأميرة (نازلي) الذي كان يجمع طبقة المثقفين والنخبة الحاكمة ، وفيه كانت تعقد مؤامرات خفية لغزو المرأة المصرية وهدم قيمها الإسلامية . ولا نستغرب أن تبدأ تلك الحركات التحريرية من مصر؛ إذ تشكل في حينها مركز الثقل الثقافي والسياسي للعالم العربي والإسلامي.
ولقد سخر الاستعمار في ذلك الوقت عدداً من المثقفين النصارى مثل: جورجي زيدان وماري عبده وسلامه موسى وغيرهم للدعوة الصريحة إلى تحرير المرأة، ومنهم صدر أول كتاب في قضية تحرير المرأة من تأليف رجل قبطي اسمه مرقص فهمي وكتابه هو : ( المرأة في الشرق ) صدر عام 1894 م . ونادى برفض الحجاب و الاختلاط ومنع التعدد، وتقييد الطلاق .
وبعد خمسة أعوام من صدور هذا الكتاب صدر كتاب قاسم أمين ( تحرير المرأة )، ثم ( المرأة الجديدة ) والذي كان نقلة نوعية في مطالبات الحركة النسائية ومن مطالباته : رفع الحجاب ، و منع التعدد ،وتقييد الطلاق ،وتعليم المرأة ،والعمل المطلق للمرأة ، فكان كتابه (المرأة الجديدة) دعوة صريحة لمحاكاة المرأة الأوربية في جميع أشكال حياتها زاعماً أن ذلك يحقق التقدم والتحضر للمرأة الشرقية .
وقد تدخل محمد عبده في دعم كتابات قاسم أمين وتدخل سعد زغلول في تنفيذها عملياً .
وكان أول نزع للحجاب عندما قدم سعد زغلول من منفاه سنة 1921م ونزع حجاب زوجته صفية زغلول،ثم تبعتها هدى شعراوي، وسيزا نبراوي، ونبوية موسى، فخلعن الحجاب ووطئته بالأقدام بعد ما عادوا من روما في مؤتمر دولي لتحرير(69/216)
المرأة سنة 1923م, وفعلوا ذلك في أكبر ميادين القاهرة والذي عُرف بميدان التحرير بعد ذلك.
و في نفس الفترة كانت أهم بؤر الإسلام وتمركزه في العالم وثقله موزعة في مصر وتركيا وإيران . ففي سنة 1925 م صدر قانون حظر الحجاب في تركيا !!. وفي نفس العام تقريباً أصدر الشاه رضا خان ملك إيران قانوناً يمنع المحجبات من دخول المدارس والمؤسسات الحكومية !!.
وفي النصف الأول من القرن العشرين كانت المرحلة الذهبية للحركات النسائية التحريرية التي انتشرت دعواتها في طول بلاد المسلمين وعرضها وذلك بمساعدة الاحتلال الأجنبي الذي أيدهم ودعمهم مالياً وسياسياً في جميع الدول الإسلامية التي احتلها عسكرياً، أو لم يحتلها ولكنه دخلها بالغزو الفكري والثقافي .
فمثلاً أفغانستان واليمن يعتبران بلدين مغلقين محافظين كثيراً على تعاليم الإسلام وتقاليده، ولم يتوطن الاستعمار في بلديهما طويلاً ، ومع ذلك ففي أفغانستان سمح قانون في عام 1959 م للنساء بالخروج سافرات، وأحرق النساء العباءة والغطاء في تنانير بيوتهن، وأصبح الاختلاط سمَة واضحة ، والسفور شيء ملاحظ في المدن والجامعات ودوائر الحكومة. مع العلم أنه قبل 32 سنة من هذا التاريخ خلع العلماء والناس الملك أمان الله خان الأفغاني لأنه سمح لعقيلته أن تخرج من شرفة القصر سافرة (2)!!.
وقريباً من ذلك كان الحال في اليمن يقترب نحو إخراج المرأة ومشاركتها للرجال في جميع الميادين.
وانتشرت بعد ذلك الحركات النسائية وبدأت تدعو للسفور والعمل والاختلاط دون قيد أو شرط على النمط الغربي . وفي نفس الفترة تأسست الكثير من الجمعيات النسائية في البلاد الإسلامية .
فنجد في مصر أن هدى شعراوي وحدها أسست أكثر من 25 جمعية نسائية.
وفي النصف الثاني من القرن العشرين خفت الحركة النسائية في البداية ثم عادت للظهور في نهاية الستينات والسبعينات الميلادية لتشمل أكثر المناطق الإسلامية ، وتغزو جميع المدن والأرياف العربية إلا القليل منها ، فانتشرت بذلك مئات الجمعيات النسائية الداعية لتحرير المرأة في جميع تلك المدن والقرى لتمارس نشاطها المدعوم من هيئات دولية و إقليمية .
واليوم تواجه الأسرة والمرأة في جميع الدول الإسلامية نمطًا جديدًا من الدعوات التحررية لا تعرف الحدود الجغرافية ولا الخصوصيات الفكرية والثقافية التي تدعيها بعض الدول , وذلك من خلال المنظمات والهيئات الدولية ، ولا يعنيها كثيراً الحجاب، أو خروج المرأة للعمل، أو دخولها المجال السياسي والقضائي، وإنما أصبح هدفها تغريب المرأة ، ونشر الإباحية والشذوذ، والخروج عن كل تقليد مقبول ومبدأ مشروع وعُرف سليم ؛ بالانفتاح نحو الجنس والمتع الشهوانية، وتعميم هذا الفكر المنحط لجميع شعوب العالم بل وفي كل طبقاته الاجتماعية و العمرية؛ من أجل إفساد الجذور الداخلية فضلاً عن القشور الظاهرية في الحياة الاجتماعية.(69/217)
وبدأ ذلك الغزو المفسد للشعوب والأفراد من خلال عولمة الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، و دعم منظمة الأمم المتحدة التي قامت بخطة مدروسة ومدعومة مالياً وسياسياً لتنفيذها بقوة النظام العالمي الجديد ، فكانت المؤتمرات التالية للمرأة:
ابتداء من نيروبي عام 1985م ومروراً بقمة الأرض في ريودي جانيرو في البرازيل عام 1992م , ثم المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فينا في النمسا عام 1993م , ثم مؤتمر السكان والتنمية في القاهرة بمصر عام 1994م , ثم المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين بالصين عام 1995م ,ثم مؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في استانبول بتركيا عام 1997, وأخيراً مؤتمر المرأة في نيويورك عام 2000م الذي عقد على شكل جلسة استثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة ومعها منتدى للمنظمات غير الحكومية ، وعرضت على المؤتمر توصيات ونتائج المؤتمرات السابقة بهدف الخروج بوثيقة دولية موحدة ، يسعون لجعلها وثيقة ملزمة لدول العالم ، وقد حفل مشروع الوثيقة المقدم للمؤتمر بما حفلت به وثائق المؤتمرات السابقة من دعوة صريحة إلى هدم الأسرة ، وإطلاق الحرية الجنسية للشباب ، ودعوة صريحة كذلك للشذوذ بكل أنواعه ، والمطالبة بشل سلطة الأبوين على الأبناء وحرية الإجهاض ، وإلغاء نظام الميراث في الإسلام ، وغيرها من البنود التي تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية ؛ بل مع أبجديات الفطرة الإنسانية (3).
ومن هنا أصبحت حصوننا وبيوتنا مهددة من الداخل بسبب التيار التغريبي العولمي بما يبثه إلينا من خلال بعض الكتابات المغرضة في الصحف والمجلات العربية ، و ما تبثه القنوات الفضائية ، وما يدور في شبكات الإنترنت ومواقعها المختلفة من دعوات صريحة للسفور والاختلاط والمشاركة للرجال، وهدم الأسرة والقضاء على كرامة المرأة وعفتها .
ويكفي لبيان خطورة هذا الغزو الإعلامي النتائج التي قدمتها إحدى الدراسات في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وكانت عن أثر الأطباق الفضائية على الأسرة والمرأة خصوصاً ، فجاءت نتائجها مذهلة حيث ظهر أنّ 85% من النساء يحرصن على مشاهدة قنوات فضائية تعرض موادًا إباحية ، و53% قلت لديهن تأدية الفرائض الدينية, و32% قصّرن في تحصيلهن العلمي و 22% تعرضن للإصابة بأمراض نسائية نتيجة ممارسة عادات خاطئة (4) .
كذلك نلحظ أن هذه النداءات والصيحات التحريرية يراد لها أن تظهر بصورة جماعية، وأنها تمثل قطاعاً واسعاً من النساء إلا أنها في حقيقتها الواقعية مجرد دعوات فردية وأحياناً خارجية وربما من الرجال أكثر من النساء ، ولعل في ردة الفعل الغاضبة في مجتمعنا النسائي من هذه الدعوات شاهد على حقيقة هذا الرفض العام ، وأن هذه الدعوات مجرد شعارات فارغة مدفوعة ومرفوضة من الناحية الدينية والحضارية والعقلية والفطرية وحتى من الناحية الإنسانية (5)..
أن تاريخ تحرير المرأة قد بدأ يعيد نفسه بأشكال وصور مختلفة في بعض الدول الإسلامية التي سلمت منه في البداية.. وقد لا تسلم منه في النهاية .. فما لم يكن هناك فكر رصين يقرع الفكر المضاد , وتخطيط واعٍ يفند مخططات أهل الأهواء؛ و إلا فالنهاية واحدة والمأساة سوف تعيد نفسها .. نعم مأساة أن تُرى المرأة ضحية لنزعات(69/218)
السوء والغواية عند الرجل المتهتك المستهتر , و مأساة أن تراها سائرة نحو مصير مظلم لا يرحم ضعفها ولا يراعي فطرتها .. ولا أدري لماذا تصمّ الآذان من سماع صيحات من جرب هذا الطريق وتجرع مراراته المتكررة .. هل مطلوب منا دائمًاً أن نبدأ من حيث بدأ الآخرين ولا نبدأ من حيث انتهوا .. ألا نقرأ التاريخ التحرري ونعرف ماذا حصدوا للمرأة غير الهوان والإذلال .
جاء في إحدى الدراسات العلمية أن 80% من الأمريكيات يعتقدن أن الحرية التي حصلت عليها المرأة خلال الثلاثين عاماً الماضية هي سبب الانحلال والعنف في الوقت الراهن . و75% يشعرن بالقلق لانهيار القيم والتفسخ العائلي .و 80% يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه الزوج والأولاد .و 87% يقولن : لوعادت عجلة التاريخ للوراء لاعتبرنا المطالبة بالمساواة مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة الأمريكية وقاومنا اللواتي يرفعن شعاراتها (6).!! فهل نعي دروس التاريخ ونعتبر بغيرنا من الأمم .. قبل أن نصبح لغيرنا عبرة .فالسعيد الناجي من وُعِظ بغيره ..(*) الأستاذ بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن
(1) انظر : المرأة المسلمة بين الغزو والتغريب للرماني ص 56 .
(2) الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية لأبي الحسن الندوي ص 20-26 .
(3) انظر: المؤامرة على المرأة المسلمة للسيد فرج ص 47 ــ 78 ، المرأة ماذا بعد السقوط لبدرية العزاز ص 31ـ57، المرأة المسلمة بين الغزو والتغريب للرماني ص41 ـ 81، مجلة المجتمع (1404) ، الأسرة 1417هـ ، المنار (32) .
(4) جريدة المدينة 23 / 11 / 1420 هـ .
(5) انظر : كتابي (المرأة .. والعودة إلى الذات) ففيه مناقشة للشبهات المثارة على المرأة من الناحية الدينية و الحضارية والعقلية والفطرية والإنسانية .
(6) مجلة البيان ربيع الآخر 1420هـ .
ـــــــــــــــــــ
المرأة السعودية بين التحرير والتطوير
أنور العسيري ـ ياسر باعامر 26/4/1425
14/06/2004
د.علي با دحدح
- تاريخ المملكة تأسيسًا سياسيًّا وتشريعًا قضائيًّا وواقعًا اجتماعيًّا ونهضة تعليمية؛ كانت فيه مكتسبات تتعلق بالمرأة بشكل لا ينبغي إغفاله.
- يجب أن نعرف هل قضيتنا الآن هي أن كشف الوجه فيه اختلاف فقهي؟!
- كثير من الدعاة كتبوا منذ عشرات السنين عن بعض القضايا وطرحوها في منابر عامة لكن مشكلتهم أنهم ميدانيون لاوقت لديهم للإعلام.
- دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب التي أسست عليها هذه الدولة كانت دعوة إصلاحية بالنسبة للمرأة.(69/219)
- دعوات تحرير المرأة مصطلح حديث ونحتاج مزيد بحث في الدعوات المشهورة عند الناس مثل دعوات قاسم أمين وغيره.
د.عدنان باحارث:
حجم المال الذي يأتي للمرأة السعودية وهي غير مكلفة شرعًا بالإنفاق ضخم جدًا، وهذا ليس موجودًا في أي مكان في العالم.
- جاءت هدى شعراوي ومزقت الحجاب ليكون مظهراً على تحرير المرأة، والآن يأتون بصورة امرأة قادت طائرة أليس بين هذه الأمور رابط صحيح؟!
- حين تمل المرأة دورها في تكثير النوع؛ فإنها تريد أن تدخل ميدان الرجال والرجل لن يرحمها.
- الرجل اقتصاديًّا يخدم الاقتصاد حين يجمع الثروة ثم يفتتها؛ أما المرأة فهي تجمع المال شرعًا ولا تفتته إلا بالإرث فقط، والاقتصاديون يعرفون الخطر الذي يشكله هذا الأمر.
أدار الندوة:
أنور العسيري ـ ياسر باعامر
تقف المرأة السعودية اليوم في دعوات الإصلاح الركن الذي يحاول البعض التسلق من ورائه لتوجيه أهداف وتمرير مخططات استراتيجية ذات مطامح تتعارض وعقيدة الإسلام.. تستخدم هذه الكتل المتربعة صدر الإعلام الشعارات البراقة ومصطلحات التحرير ودعوات مقاومة الظلم وحرب الامتهان، في حين تجد واقعهم تعرية للمرأة وامتهان لكرامتها وتسليع لدورها داخل المجتمع، فغدت سلعة في سوق النخاسة، ومسخت هويتها لتصبح مطية إغرائية للترويج لأي منتج جديد..
ندوتنا التي سننطلق وإياكم في غمارها تهدف إلى قراءة هذه الدعاوى والتأصيل لضوابط الإصلاح الإسلامي للمراة السعودية ومقاومة المغريات وتوجيه سفينة النجاة عبر ضيوف كانت لهم بصمة في تاريخنا الإصلاحي.. نعبر وإياكم معهم إلى رؤية أكثر تنوعاً.. قابلة -ولاشك- للأخذ والرد وتوزع الآراء ومقابلة الاختلاف.
فضيلة الشيخ الدكتور علي با دحدح.. دعنا ننطلق من ندوتنا بعودة حقيقية بالذاكرة إلى الفضاء الأول الذي انطلق منه الإسلام بشموله وتكامله في وسط بيئة جاهلية تضع المرأة بإنسانيتها وحيوية دورها في زاوية دونية حتى وصل الأمر ببعض القبائل إلى أن يدفعهم الخوف من العار والفقر إلى وأدهن..السؤال الذي يبعث نفسه من خلال تلك المواجهة بين الإسلام ومظاهر الجاهلية والتخلف هو: كيف استطاع أن يغير الإسلام تلك الصورة البالية عن المرأة في الجاهلية إلى هذه الصورة التي حولتها من رهينة إلى شريك حقيقي في الحقوق والواجبات؟
الحقيقة التاريخية هي ما ذكرت -أخي العزيز-، إذ إن المرأة في العصر الجاهلي في الجزيرة العربية كانت تواجه من مجتمعها سلبيات كثيرة منها أن الحقوق المالية للمرأة لم تكن ذات اعتبار فإذا مات زوج المرأة انتقلت كسلعة، فمن يرث هذا الميت يرث معه زوجته ومتاعه وكأنها جزء من هذا المتاع. أيضًا كانت المرأة عارًا بحيث ينظر إليها نظرة أشبه بشيء يتبرأ منه أو يستحيا منه. النقطة الثالثة وهي الأكثر أهمية وذكرت ذلك عائشة -رضي الله عنها- في الحديث الصحيح وهو انتشار ألوان(69/220)
البغاء وامتهانه في المجتمع الجاهلي، وهذا أيضا كان امتهان للمرأة فقد كان لهن رايات يعرفن بها وصور أخرى من وأد البنات، وإن كانت الصورة العامة الانطباعية ليست حقيقية، أي لم يكن العرب كلهم أو أكثرهم يمارسون هذا الجرم إنما كان بعضهم يفعل ذلك، وفي الجملة لم تكن المرأة في وضع ملائم يتناسب مع بيئتها.
لكنه و في تلك الفترة كانت أيضًا المرأة تعتبر في أوضاع مهينة غير سوية في بعض الحضارات المعاصرة كالمسيحية بتحريفها؛ حيث كان من مباحثها في العصورالوسطى وما بعدها هل المرأة إنسان أم شيطان؟ هل لها روح بشرية مثل الرجل أم شيء آخر؟. والحضارة اليونانية جعلت المرأة سلعة تعرض وتمتهن من الناحية الجنسية والغريزية البحتة وغير ذلك من صور كثيرة.. ونستطيع أن نقول إن أكثر المحاور أو الركائز الأساسية التي وضعها الإسلام في النظرة للمرأة كشقيقة للرجل في أصل خلقتها وفي مبدأ تكليفها وفي أساس تكريمها وتشريفها...قال تعالى: ( ولقد كرمنا بني آدم ) أي ذكورًا وإناثًا وقال تعالى: ( خلقكم من نفس واحدة ). وأيضًا جعل التكليف في خطابات كثيرة للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وما هو مذكور في الصيغة الذكورية إنما خطابه للمذكر والمؤنث كما هو معروف في اللغة العربية وهذا جانب أول. أما الجانب الثاني؛ فهو جانب إكرام المرأة من وجهين: في الوجه الأول تشريفها و تقديرها بحيث تكون مصونة وتخدم وتحمل وترعى بشكل أساسي تكون هي التي تقدم لها الأشياء والخدمات. والوجه الثاني هو التكريم في حقوقها التي رتبت لها في كل الأوضاع أمًّا وبنتا وزوجة إلى غير ذلك مما هو معلوم. الجانب الثالث هو الدور الكبير للمرأة في الإسلام، وهو ما أشرت له في النقطة السابقة.. (الأم) والنصوص الشرعية في بيان مكانتها وذكر فضلها، ونعرف حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- "من أحق الناس بحسن صحابتي.. قال أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك إلى غير ذلك..، والنصوص معروفة في هذا. ثم (الزوجة) في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) وحقوق الزوجة معروفة في الإسلام من الصيانة والرعاية والإجلال والتكريم وحسن العشرة بالمعروف وما هو معلوم في هذا.. وكذلك النظرة إلى (البنت) نظرة إجلال وتقدير أيضًا، وقد حث عليه الصلاة والسلام على رعاية البنات وتخصيص أمر رعايتهن بالفضل لما يكون في نفوس بعض الناس من تفريق بين ذكر وأنثى.. هذه النظرة وجدنا الأحاديث تقف بقوة أمامها وحديث (من عال جاريتين...) مثال أمامنا.. كل هذا للتكريم والعناية بالمرأة.
آخر نقطة هو أن الإسلام شهد للمرأة في الحياة العامة بما يحقق أمرين: أولاً بما يناسب فطرتها وطبيعتها؛ لأن هذا هو الذي يحقق الفائدة، بمعنى لو أنت حملتني هذا الحمل وأنا لست قادرًا عليه فإنك سوف تضرني وتسيء إليّ ولن يكون هذا تكريمًا لي، فالإسلام جعل للمرأة دورًا يتناسب مع فطرتها وإمكانياتها، وذلك في الحقيقة هو الذي جعل المرأة تؤدي دورها بشكل جيد.
الدكتور عدنان باحارث الأكاديمي والمهتم بقضايا المرأة معلقاً على ما ذكره الدكتور با دحدح: لا يختلف العقلاء في الوضع الذي كانت عليه المرأة قبل ظهور الإسلام؛(69/221)
بل ولا يختلف أحد على وضع المرأة في كل الجاهليات، سواء الجاهليات الوثنية قبل الإسلام في العصور السابقة أو الجاهليات المعاصرة أو اللاحقة، والواقع يشهد أن المرأة ما عرفت الخير في الحياة الإنسانية قط إلا في ظل القيادات الإسلامية.. قيادة الأنبياء -عليهم جميعًا الصلاة والسلام-، وفي قيادة خاتمهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الذي جاء بهذا الدين الكريم العظيم الذي يحفظ للإنسان عموما ذكرًا و أنثى خيره. ومن ناحية أخرى أرى أنه لا يمكن أن يصل الظلم إلى المرأة إلا وقد وصل للرجل أولاً؛ فتجهيل الرجال يتبعه عادة تجهيل للنساء، وظلم الرجال يتبعه عادة ظلم للنساء، وكثيرًا ما يغضب بعض الناس ويظن أن المجتمع يظلم فقط النساء ولا يظلم الرجال، وليس من الغريب أن يكون الظلم عادة يقع جله وأكثر ألمه على المستضعفين في المجتمع؛ فالمرأة من أول الفئات التي يمكن أن يقع عليها الظلم بقسوة، وكذلك على الأطفال ومساكين الناس، لكن إذا وقع الظلم في العادة؛ فإنه يصيب الجميع، ولكن على تفاوت بين هؤلاء وهؤلاء، والإحصاءات التي تذكر دائما تتضمن تجهيل للموقف؛ فحينما يأتون بالإحصائيات في أي بلد لا يأتون أيضًا بالإحصائيات المقابلة لها في الذكور؛ فالعدد والنسبة متقاربة جداً، وأذكر مثالا واحداً: يذكر عن أحد الأدباء في بلاد شنقيط في موريتانيا عاش قبل ثمانين عاماً أنه قال: لا أعرف في بلادنا امرأة لا تقرأ ولا تكتب.. إن التعليم في الذكور قد وصل إلى مئة في المئة، وكذلك وصل في النساء، ويندر أن يوجد في مجتمعنا امرأة لا تقرأ ولا تكتب، وكيف وصل العلم إلى النساء في ذلك الوقت مع أن المرأة في ذلك الوقت كانت مستورةً محفوظةً؛ فدل على أن وجود العلم في الرجال لابد أن ينتقل قطعاً إلى النساء والأدلة على ذلك كثيرة جداً.
الدكتور با دحدح متداخلاً: أنا أحب أن أضيف نقطة صغيرة تعقيباً على ما أشار إليه الدكتور عدنان وهو ما ذكره من تجهيل لإحصائيات المرأة؛ فهي تركز على المرأة ولا تذكر الرجل، أيضًا أنا أقول: إن اتجاه التاريخ ينقل لنا عن مجتمعات معينة أن المرأة كانت فيها المغنية، وكانت فيها المطربة؛ وكأن نساء العصور السابقة هن مغنيات ومطربات وراقصات؛ وهذا غير صحيح!. إن ما يحدث في الحقيقة توظيف غير منهجي وغير علمي مما نطرحه. ماذا عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب؟ هل ننظر فعلاً إلى أن هذه الدعوة التي أسست عليها هذه الدولة كانت دعوة إصلاحية بالنسبة للمرأة .. نعم فكما ركزت على التوحيد قامت بإعادة إحياء القيم الإسلامية والثوابت التي نظر من خلالها الإسلام إلى المرأة.
هل يمكن أن ننظر إلى أن تأسيس هذه الدولة بمشروعها الإسلامي الإصلاحي نظر نظرة إيجابية تجاه المرأة؟
د.با دحدح :أولا بالنسبة للدعوة الوهابية هي دعوة إسلامية وليست مذهبًا منفردًا والنسبة إلى الأشخاص هي قضية اجتماعية تاريخية موجودة، وقد جددت وأكدت ونبهت هذه الدعوة إلى كثير من الأخطاء؛ أبرزها قضية التوحيد لوجود مظاهر شركية وتعلقات بالقبور، لكنها أيضًا واجهت انحرافات بعض العادات والتقاليد والتي كانت أشد إجحافاً وظلماً وتجاهلاً للمرأة.(69/222)
وفي البيئة التي ظهر فيها الإمام محمد بن عبد الوهاب ربما كان فيها ولا زال بعض آثار عدم إعطاء المرأة حقها في الميراث وعدم إعطائها حقها في إبداء رأيها وقبولها ورفضها في مسائل الزواج؛ فلما جاءت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب جددت وأكدت المعاني الإسلامية بأصولها الشرعية، وكان من سياق ذلك التفكير في هذا والتنبيه عليه..
د. باحارث متناولاً أطراف الحديث :
بالنسبة لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -عليه رحمة الله- هي دعوة كغيرها من الدعوات الإصلاحية في بلاد المسلمين.. دعوة مجتهدة لإعادة المسلمين إلى ما كانوا عليه من قوة وتمكين، مرتبطين في ذلك بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهي كغيرها من الدعوات تقيم في حدود القيم التشريعية والإسلامية.. هناك اجتهادات قد تكون مصيبة وقد تكون هناك اجتهادات أيضًا مخطئة في هذا، لكن عموما هي دعوة إسلامية إصلاحية لا نشك في ذلك، ومحمد بن عبد الوهاب -عليه رحمة الله- من المصلحين و قطعًا من أهل الخير والفضل، والمصلح لا يقصر نفعه على فئة معينة من الناس؛ فلا بد أن يكون لهذا الشخص نظرته للمرأة شمولاً وعمومًا ودعوته في القضية التي برزت هي الدعوة إلى معاني التوحيد ونبذ ما كان عليه بعض الناس في هذه الجزيرة من المخالفات الشرعية، والمرأة كانت مقصودة قطعًا في هذا؛ بل إن غالب ما يقع من الانحرافات في هذا الجانب كثيرًا ما يقع من جهة المرأة.. القضية واضحة؛ لكن قد لا يكون الخطاب في تلك الفترة يتناسب مع مخاطبة النساء، ولهذا نقول ونؤكد أن مخاطبة الرجل هي مخاطبة للمرأة حينما تخاطب الزوج إنما أنت تخاطب زوجته كما أنك حين تخاطب الأب فأنت تخاطب أيضًا ابنته.. القضية واضحة، وليس فيها هذا التزمت الذي يريد أن يلبسه علينا بعض الناس؛ فالصلاح في الرجل لا بد أن يتبعه صلاح في المرأة وهذا أمر مشاهد. بالنسبة للشيخ محمد بن عبد الوهاب برز في فترته جمع من النساء، وأذكر أن بعض النساء اللواتي كانت لهن أدوار بالغة جدًّا في دفع أعداء الشيخ وقد ذكر الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- في بحث لطيف عن دور المرأة في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وذكر فيها جمع من النساء منهن امرأة كان لها دور رئيس في هذه القضية، حين حمت أحد دعاة آل سعود الكبار من أن يُقتل، وهذه مسألة الحقيقة من المهم أن تذكر، لكن مع كل هذا أن المسألة دخلت عفوية ولا يقال دور المرأة ونحو ذلك المسألة دخلت عفوية، و المرأة التي كانت بعد زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وشاركت في قتل الأسود العنسي.. إنه المجتمع المسلم بكل أطيافه يمثل جسداً واحداً متكاملاً متعاضداً في صالح الإسلام، وهو ليس بغريب على المرأة المسلمة، لكن إبرازه بهذه الطريقة مقابل نشاطات الرجل أمر خاطئ، وهذا خطأ يقع فيه كثير من الناس من الذين يريدون أن يبرزوا المرأة على حساب الرجل أو يبرزوا الرجل على حساب المرأة. نقول: المسألة لا تسير بهذه الطريقة وإنما المرأة والرجل يسيران في طريقين متوازيين إلى الله -عز وجل- وليسا بمتعارضين.(69/223)
ألا تعتقدون أهمية أن نراعي ونحن نقرأ التاريخ ظروف وطبيعة ذلك العصر الذي كان ينظر للمرأة نظرة غير إيجابية وأثر هذه الدعوة المباركة في تحقيق هذه المكاسب للمرأة السعودية؟
د.باحارث: نعم علينا أن ننظر إلى أن تأسيس هذه الدولة وتحالفها مع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي عودة للإسلام بشموله وتكامله، وحتى لو لم ننظر إلى تفصيلات موضوع المرأة بفرعياتها وحتى أسسها؛ لكن بنظرة عامة عودة الدعوة إلى أصالة الفهم الإسلامي البعيد عن تخر صات البدع والتقاليد المنحرفة عن الإسلام دعوة إصلاحية هدفها تحرير المجتمع رجاله ونسائه على حد سواء من ربقة الجهل والتخلف، وإذا قرأنا دعوات تحرير المرأة التي مرت بمجتمعاتنا العربية والإسلامية دائمًا نشاهد أن هناك في كل عصر ومصر مجموعة ونخب ثقافية تدعو إلى تحرير المرأة والقيام بإصلاحات، ودائما ينصب التركيز على المرأة؛ والغريب أننا لم نسمع في تاريخ الحركات الإصلاحية دعوة لتحرير الرجل!
في المقابل نحن لا نجد من الدعاة والعلماء إلا الوقوف في اتجاه الدفاع أمام أطروحات تحرير المرأة؛ فهل يعد هذا الموقف إيجابيًّا خاصة والأطروحات الإصلاحية التي تستهدف المرأة غالباً ما تغيب عنها الرؤية الشرعية؟
د. با دحدح : أولاً تاريخيًّا عندما نتحدث عن دعوات تحرير المرأة كمصطلح؛ فإننا نقرأ مصطلح حديث ظهر في القرن الماضي في منتصفه وأوائله ونحتاج مزيد بحث في هذه الدعوات المشهورة عند الناس مثل دعوات قاسم أمين وغيره.. ولا ننسى أيضًا أن هناك عناصر مختلفة من أهمها أن كثيرًا من هذه الدعوات ارتبطت أيضًا بالعنصر الخارجي الأجنبي الذي كان يمثل في ذلك الوقت عنصر الاستعمار: الاحتلال البريطاني في مصر، والفرنسي في سوريا وبلاد المغرب العربي. وأنه كان مؤسسًا لهذه الصورة التي ربطت باسم تحرير المرأة، وإن كان الاسم ليس صحيحًا وقد أسس لها عن توجه ؛لأنه يريد أن يصبغ هذه المجتمعات بصبغته: في مناهج التعليم، والحياة الاجتماعية، وفي الحياة الوظيفية. أيضًا هناك نقطة أحب أن أشير إليها وهي ما ارتبط بهذه الدعوات والقضايا التي اعتبرها استخدام للمرأة في الإغراء والإغواء والجانب الأنثوي منها، وهي قضية الفن وأكثر من بدأت بهم الفنون المسرحية والسينمائية والغنائية في العالم العربي هم من العرب غير المسلمين، وهؤلاء دخلوا بأسمائهم الفنية المسلمة. وهذا أيضًا يعطينا انطباعًا عن هؤلاء حتى ولو استبعدنا مسألة البراءة والإدانة هم ينطلقون من ثقافة وفكر مختلف، والعنصر الاجتماعي لم يتغير في حياتهم؛ فإذا كان لدي نصارى أو يهود في المجتمع؛ فهذا لا يعني أنهم سيصبغوا بثقافة المجتمع صبغة كاملة.. قد يؤثر فيهم المجتمع لكنهم يظلون مرتبطين بعقيدتهم ومبادئهم. و نقطة أخرى تتعلق بالقضية التي أشرت إليها، وفيها مغالطات كثيرة، إذ يُطرح سؤال: لماذا نقول إصلاح المرأة ولا نقول إصلاح الرجل؟ وهذا يدل على أنها قضية مقصودة فيها مغالطة وعدم وضوح رؤية، وحتى لا نتهم اتهامات جزافية نقول إن الربط بالمذهب العلمي المنهجي غير صحيح وأن ما يتم فيه نوع من القفز على الحقائق وهو نوع من تغيير العقل و إعطاء صور مبهرجة وربطها بقضايا ليست متصلة بها.(69/224)
نحن نريد أن نتحدث عن أي قضية سواء كانت إصلاح المرأة أو أي قضية على مستوى المجتمع، بمنهج علمي وحقائق واقعية. عندما نتحدث عن هذا؛ ففي الأمر مغالطات كثيرة وتظهر في أمثلة متعددة. حتى الناحية الاقتصادية هناك فهم مغلوط باتجاه القضية، والحقيقة الآن أن الدراسات الاقتصادية تقف عكس دعاوى عمل المرأة.
وفي رسالة صدرت عن جامعة أم القرى بخصوص عمل المرأة وأثره الاقتصادي وهي دراسة أقيمت على مصر والسعودية أثبتت أن عمل المرأة لا يؤدي الجدولة الاقتصادية التي زعمت، فما تأخذه من الأجر ينفق بطبيعتها على نفسها وعلى متطلبات هذا الخروج أكثر، وليس هذا في مجتمعاتنا المحافظة بل حتى في المجتمعات الغير المحافظة؛ فهناك دراسة في اليابان أثبتت أن المعدل الذي ينتج عن عمل المرأة اقتصاديًّا لا يعادل إلا ثلاثين بالمئة من حجمها في أحسن أحوالها، وأحيانا يصل إلى عشرة بالمئة لأسباب وظروف كما يقولون موضوعية. ثم إن هناك من ادعى أن عدم عمل المرأة يعني أن نصف المجتمع معطل وأنا هنا أود أن أقول: إن كل موظف لا يستطيع أن يؤدي دوره كاملاً إلا إذا كان عنده أسرة متماسكة وزوجة تعينه، وبالتالي يحصل إنتاج في تربية الأبناء وأشياء عظيمة جدًّا لا يمكن أن يأتي الذكر لها، لكن هناك وهج إعلامي ومضامين براقة وحقائق غائبة ونوع من القفز على الخطوات يحاول البعض إبرازها حتى يتم ترديدها مثل: حقوق المرأة وتحرير المرأة ؛ دون أن نعطى مفردات ملموسة قائمة على أسس. وإلى الآن لم يظهر أحد تكلم في مثل هذه الموضوعات وأعطانا أرقامًا حقيقية، أما أن تأتيني بأرقام معينة هي نتائج نهائية تكون لعدد المتعلمات وتقابله بحاجة لعدد من الوظائف فهذا خطأ؛ إذ من قال إننا علّمنا كل إنسان من أجل الوظيفة؟! وعندما تتعلم المرأة ثم تعلّم عشرة من الأبناء، وتأهلهم لأن يكونوا متفوقين دراسيًّا أليس هذا استثمار؟!
د. باحارث :في الحقيقة أود أن أضيف إضافة إلى الكلام الذي ذكرناه قبل ذلك عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب -عليه رحمة الله-؛ فقد ذكر بعض الباحثين في الدولة السعودية الثالثة بعض الأنشطة للمرأة في تلك الفترة، وكان نشاطهن لطيفًا جدًا وهو نشر؛ فالقضية الغريبة هي: من أي شيء ستتحرر المرأة؟ ما هي النقاط التي نحررها منها؟ السؤال الذي يطرح من خلال هذه الدعاوى هو: ما هي الغايات والأهداف التي قامت عند أول دعوة لتحرير المرأة؟ في إحدى الأمصار الإسلامية حين راجعنا المسألة وجدناها تدور في قضيتين اثنتين: أما الأولى؛ فهي التعليم، وأما الثانية؛ فهي كشف وجه المرأة .. التعليم لا خلاف فيه، ولكن الواقع الذي حصل بعد ذلك هو ارتباط التعليم بالفساد.. هذه القضية حصلت على مستوى العالم بأجمعه، حتى عند الغرب ارتبط التعليم بالفساد، ولهذا فكثير من العلماء الفضلاء في بلادنا حين رفضوا تعليم المرأة لا من باب أنها تقرأ وتكتب ولكن الامتناع في هذا الموضوع خوفاً من الفساد وخوفاً من أن يتطور الأمر كما تطور في بعض الدول.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: كم هو الزمن الفاصل بين كشف وجه المرأة وكشف ما اتفق العلماء على تحريمه من الفخذ والصدر والشعر؟ والإجابة العلمية هو ما لا يزيد على أربعين عامًا أي في نفس الجيل. ولهذا من ذهب إلى بعض البلاد التي(69/225)
حصلت فيها هذه الأزمة وكانت في أوائل القرن العشرين (تقريبًا في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات) الذي ذهب وجد المرأة في تلك البلاد ترقص في الملهى أمام الرجال لا تستر إلا العورة.
باحارث متطرقاً إلى أهمية الموضوعية في الطرح: لا بد أن نعطي نظرة متوازنة لأي موضوع بالنسبة لقضية عمل المرأة.. لا يعبد الله -سبحانه وتعالى- في هذه الأرض إلا بوجود الإنسان، والإنسان لا يمكن أن يبقى في هذه الأرض حيًّا صالحًا إلا بالعمارة؛ فأنت تحتاج إلى قضيتين: تحتاج إلى الإنسان أن يُخلق وأن يوجد، وتحتاج مع الإنسان إلى عمارة لإصلاحه؛ حتى تتحقق العبودية في الأرض. الله -سبحانه وتعالى- وزع المهمتين بين الرجل والمرأة؛ فأعطى مهمة تكثير النوع الإنساني للمرأة حتى تكثر هذا النوع، وربطها بالنسل برباط تكاد تكون قضيتها الكبرى، وأعطى للرجل الجانب الآخر قضية العمارة... الرجل في قضية التناسل دوره في غاية القصر في حين تجد المرأة في قضية التناسل دورها أكثر تجسداً ووضوحاً، و انظر إلى طول دورها وفي الحضانة بعد ذلك وفي الرضاعة، و الله -سبحانه وتعالى- أعطى الرجل المواهب للضرب في الأرض، وخلقه أيضًا من الأرض مباشرة في حين خلق المرأة من الرجل؛ فأصبحت مهمتها وميلها إلى طبيعة هذا الرجل والإحاطة به وخدمته حتى يستمر في عمارة الأرض، ومن هذا الجانب يتضح للقارئ أن المرأة حين تريد أن تعمل عمل الرجل وأن تنتج كما ينتج الرجل، والرجل أيضًا حينما يريد أن يعمل عمل المرأة وينتج ما تنتجه المرأة يسيران في اتجاه عكس الفطرة؛ فهل يمكن للرجل أن يذهب إلى ميدان المرأة وينتج كما تنتج بهذا التفصيل؟ هذا لا يمكن! مكان المرأة لا بد أن يبقى شاغرًا ولا يمكن أن يدخله أحد فلا يمكن للرجل أن يحمل على سبيل المثال!
وهذه قضية جوهرية تحتاج إلى بعض البيان، وهو محل تفصيلي خطير.
بعد أن أسسنا تاريخيًّا على بعض القواعد وبعض الركائز التي قدمها الإسلام، وبعد أن مررنا أيضًا على تجربة تاريخية وهي ميلاد هذه الدولة والدعوة الإصلاحية التي أشرقت بها؛ كيف تستطيع د.عدنان أن تكمل لنا رسم ملامح العلاقة بين الرجل والمرأة في واقعنا؟
.باحارث: ذكرنا كيف أن الله -سبحانه وتعالى- قسم المسؤولية بين الرجل والمرأة؛ فتتحقق العبودية له -سبحانه وتعالى- بأن تتكفل المرأة بتكثير النوع الإنساني، وكل ما جهزه الله فيها يدل على ذلك قطعًا، ثم كلف الرجل في الجانب الآخر بإثارة الأرض وهي العمارة؛ فكل منهم يحمل هذه المسؤولية المرأة حين تملّ من مشروعها في تكثير النوع لكونه مكررًا؛ فإنها تريد أن تدخل ميدان الرجال، ودخولها في مجال الرجل ليس بغريب تستطيع أن تدخل هذا الميدان، ولكن سوف يكون الصراع في مجال الرجل، والرجل لن يرحمها في هذا الصراع، أما إذا أراد الرجل أن يقع في ميدان المرأة؛ فلن يجد له فرصة في هذا الميدان. إذًا الصراع سوف يكون في ميدان الرجل. والله -سبحانه وتعالى- كلّف الرجل فطريًّا وشرعيًّا بأن يقوم هو على المرأة نفقة وإصلاحًا حتى تتفرغ لهذه المسؤولية؛ فالله -سبحانه وتعالى- جعل ثروات الرجال تفتت قطعًا شرعًا وفطرة لمن تحت أيديهم من النساء والأطفال؛ فالرجل(69/226)
اقتصاديًّا يخدم الاقتصاد حين يجمع الثروة، ثم يفتتها، ثم تفتت بعد ذلك بالإرث؛ أما المرأة تجمع المال شرعًا ولا تفتته إلا بالإرث فقط؛ والاقتصاديون يعرفون الخطر الذي يشكله هذا الأمر.
وهل تقصد من هذا الطرح إلغاء أهمية عمل المرأة؟
د.باحارث موضحاً: عفوًا التطرف من جانب هو انعكاس لطرف آخر. أنا أتحدث عن أن الأصل في عمل المرأة ليس الخوض في مواطن الكد .. هذه أمور تتطوع بها تطوعًا لخدمة المجتمع طوعًا من عند نفسها، لا تلزم بشيء في ذلك، ولا أعرف أَحدًا يقول إن هذا فرض عين على النساء؛ إنما هو فرض كفاية غالبًا يحمل به الرجال وإنما هذه تأتي بالفطرة..
با دحدح متحدثاً :هناك نقطة أخرى من المهم طرحها وهو مصطلح تابع لهذا، مصطلح (المساواة) وهو مصطلح غير علمي وغير منطقي؛ لأن المساواة بين مختلفين لا بد أن تكون غير صحيحة، ولو لم تكن ظاهرة، ولكن لا نقول الإسلام جاء بالمراعاة وليس بالمساواة، لا لأن المساواة فضيلة تركت في الإسلام لكن لأن المساواة ليست صحيحة أصلاً وكما ذكر الدكتور عدنان لو أردنا المساواة اجعلوا الرجل يحمل ويلد ويرضع حتى نقول المرأة تعمل وتذهب في المصنع، لكن المراعاة مهمة: مراعاة طبيعة الرجل في وظيفته ومراعاة طبيعة المرأة في وظيفتها، وقدرات الرجل وقدرات المرأة. واليوم العلم أصبح يحدثنا بالتفصيل عن طبيعة المرأة في عقلها وعاطفتها وطبيعة الرجل في عقله وعاطفته؛ بل أصبحت بحوثًا ملموسة مادية معروفة لم يتدخل فيها العنصر العاطفي وإنما العنصر المادي العلمي الذي قررها، واليوم ألف الغربيون وليس نحن "المرأة من الزهرة والرجل من المريخ"، وهذه القضايا بعد دراسات علمية و اجتماعية مستفيضة.
باحارث: أريد أن أضرب مثالاً واحدًا لو سمحتم لي
تخيلوا أن هناك وظيفة أعلن عنها؛فتقدم لها رجل وزوجته فقبلت أوراق المرأة ولم تقبل أوراق الرجل، ثم تأتي الشريعة وتقول لهذا الرجل أنت ملزم بالنفقة عليها، وتقول الشريعة لهذه المرأة أنت لست ملزمة بالنفقة عليه، ولا أن تصرفي قرشًا من نقودك.. ماذا سوف نفعل؟ هل نقوم بتغيير شريعتنا، أم نقول لهذه الوظيفة أو لصاحب الوظيفة اعطها للرجل؛ لأنه سوف يفتتها قطعًا وسوف يذهب للمرأة، أما خيرها فلن يصل إلى الرجل إلا تطوعًا أو تحت ضغط كما يحصل الآن بين كثير من الأزواج مع زوجاتهم؟!
نتحدث الآن عن واقعنا، ونتحدث عن مشروع أمريكي بعد سقوط العراق ومشروع غربي إصلاحي ركز على المرأة ، وخصوصاً المرأة السعودية والتي كانت محور مناقشات وصلت حتى أبواب الكونجرس المغلقة... سؤالنا هو: لماذا المرأة السعودية في هذا الوقت ؟ وماذا يراد منها؟
با دحدح: أنا أحب أبدأ أولاً بالمصطلحات مرة أخرى أنا لا أرى أن نسميها دعوات إصلاحية أنا أسميها دعوات مصلحية هم يريدون مصلحتهم، وحيث ما كانت مصلحتهم عملوا لها وغلفوها وصدروها؛ وإلا كيف يتفق لي أن تكون هذه الدول أمريكا أو غيرها تريد مصلحتي وتاريخها ومذهبها الرأسمالي الذي تتبناه يعتمد على(69/227)
تكريس المصلحة المادية والقوة الإمبراطورية في يدها؟! إذًا لا بد أن تكون فلسفتها الفكرية هي التي تقود طروحاتها العملية هذا أولاً. وثانيًا: قضية ارتباط هذه الدعاوى بالشرق الأوسط الكبير يجب قبلها ألا ننسى أن هناك مصطلح سابق وهو الشرق الأوسط الجديد، هذا المصطلح ظهر بعد مدريد وبالذات بعد أوسلو، وكان الهدف منه واضحًا؛ بل منصوصًا عليه، وهو دمج إسرائيل في بيئة الدول العربية حتى وضعوا أهمية دخول إسرائيل في جامعة الدول العربية، وتسمى جامعة دول الشرق الأوسط ، وعقدت مؤتمرات اقتصادية في المغرب وفي الأردن والإمارات على اعتبار أن الاقتصاد قضية قابلة للترويج لما فشلت هذه المشروعات فووجهت برد الفعل الذي يرفض اندماج دولة عنصرية محتلة، ووجد أنه لا بد أن نوسع الدائرة ونخلط الأوراق ودخلت في لعبة الشرق الأوسط الكبير دول أخرى، حتى يكون ذوبان إسرائيل أو دخولها وليس إسرائيل، وإنما الفكر والطرح الصهيوني المسيحي اليميني الذي يهدف الآن ومن خلال العولمة ونظرة التجارة العالمية للهيمنة الاقتصادية، ومن خلال القوة السياسية إلى تسويق الديمقراطية الغربية، ومن خلال أيضًا الضغط العسكري إلى التسلط على المقدرات الاقتصادية؛ فالمسألة لا بد أن لا نأخذها بسياق محدد؛ فنفرح أن أمريكا قالت لنا إن المرأة عندكم لا تتعلم علموها فتبدأ مسيرة تعليمنا بالطريقة الأمريكية!!
بعد فشل مسألة المشروع الأول.. هل وجدوا بوابة المرأة أسهل للمحاولة؟
با دحدح : نعم هو المشروع الثاني، وتريد أمريكا اليوم أن تقوي هذا المشروع الذي طرحته على الدول الأوروبية... حتى في البلاد العربية الأخرى المرأة فيها تمارس كل ما تمارسه المرأة الغربية تقريبًا بحماية القانون، وفي دول عربية نعرف أنه لا يجوز التعدد الشرعي؛ بل وقدمت هذه الدول أفلامًا أظهرت فيها المرأة عارية تماماً، وظهرت فيها ممارسات جنسية على خشبة المسرح وهذا معروف ومكتوب ومنصوص عليه ومعروفة الأفلام والجوائز التي قدمت، ولا ينتقد هذا العمل الإجرامي اللاأخلاقي ضد المرأة المسلمة وامتهان كرامتها وتشجيعها على الانحلال. إذًا ما هو المطلوب في قضية المرأة السعودية؟ ولماذا التركيز عليها؟ السبب لأنها النموذج الوحيد المخالف للتيار العام، ومخالفته لها أصولها، سواء كانت شرعية أو واقعية أيضًا؛ فالتعليم المختلط يكاد يكون ممارسة طبيعية في العالم العربي والإسلامي.. العمل الذي امتهنت فيه المرأة في صور كثيرة يكاد يكون موجودًا في كل العالم الإسلامي.. المزايا الاجتماعية والمادية التي يكفلها الإسلام للمرأة لا تكاد تكون موجودة بصورة جيدة (لا أقول كاملة). ثم المملكة بجملتها من مكتسباتها الإسلامية ومحافظتها العامة في قضيتين مهمتين: قضية الصياغة القانونية، نحن هنا لدينا نظام البلد القائم على الإسلام ينص على هذه الأمور، وأيضا الوضع الاجتماعي العام. هذه كرست وضعًا مخالفًا لما يريد هؤلاء زرعه، ويجب أن نعرف كذلك هل قضيتنا الآن هي أن كشف الوجه فيه اختلاف فقهي، أم أن القضية هي ستار أكاديمي؟! إن عبارات من يدعون الإصلاح من معسكر أمريكا تقول نريد إصلاحًا وإعطاء دور أكبر للمرأة بما لا يتعارض مع الشريعة، ولا يتعارض مع تقاليدنا الاجتماعية، ولا يتعارض مع الدور الأساسي للمرأة، هذه عبارات لفظية والمهم(69/228)
ليست العبارة بقدر العمل، ويجب أن نعرف كيف يمكن أن نعتني عمليًّا بتحقيق الأهداف المتوخاة بما لا يتعارض مع الدور الأساسي للمرأة؛ كونها زوجة ومربية للأبناء، وقائمة في بيتها . الحقيقة أنهم يرمون بعبارات مطاطة غير قابلة للفهم لأن المرأة المسلمة دورها واضح وجلي في الإسلام وفي مجتمعنا السعودي المسلم، وهذه القضية لا بد أن نطرحها للناس بصدق إن كنتم يا من تنادون بتحرير المرأة عندكم أفكار كونوا أصحاب مصداقية فقولوا ماذا تريدون؟ وما هو النموذج للمرأة الذي تطرحون؟ نحن نريد أن نقدم نموذجنا الموجود في منهج الإسلام.. نعم في التقديم العملي في الجملة هناك أخطاء.
خذ مثالاً آخر وهو الغناء بالنسبة للمرأة؛ أنا لا أتحدث عن أحكام فقهية بشكل عام ..انظر إلى هذا الأمر الذي بدأ منذ سنين، و يوم أن كانت أم كلثوم تغني كانت تلبس من أخمص قدميها إلى رأسها، وأقصى ما في يدها المنديل.. الآن وصلنا إلى أن المغنيات العربيات يغنين وهن بلباس البحر تقريبًا!!
أقول: دقق النظر في هذه القضية، وانظر إلى التدرج فيها، وانظر إلى التدرج الحالي الذي وصلت إليه المرأة من الغناء على المسرح، ثم كان اللباس الفاضح، ثم جاء الفيديو كليب؛ فهل هذا الآن منتقد عند هؤلاء؟! أنا لا أسمع انتقادًا؛ بل يقولون: نحن نريد للمرأة أن تشارك في الفن.. مشاركة الفن نحن نعرفها والناس يعرفونها، وهي أمام أعيننا ليست شيئًا جديدًا. إذًا هل هم يريدون هذا أم شيئًا آخر؟! وضحوا لنا ما عندكم!
د.باحارث : السؤال الذي يطرح مع قانون المرأة في العصر الحديث: أين هي المرأة التي تريدون من الفتاة السعودية؟ وهل تريدون أن تكون مثلها؟ أرونا إياها.. سوف يختارون -مثلاً- امرأة من أمريكا أو امرأة من هناك ؛ نقول: لا.. أرونا المجتمع الذي يمثل هذه المرأة، كم عدد هؤلاء النساء القدوات التي تريدون أن يكن مثلها الآن من حولنا، ليس هناك مجتمع قدوة أبدًا لا في الغرب ولا في الشرق، ولا في الدول العربية، ولا حتى في الدول الخليجية، نحن نجد في الحقيقة أنفسنا في نور جميل صالح بين هذه الظلمة الضخمة التي تحف بنا.. نعم القصور موجود ولا ننكره، ولا يمكن أن ينكر أحد هذا القصور، ولكن نحن أفضل الموجود قطعًا أنا أريد أن أضرب مثالاً فقط: المرأة السعودية كم حجم المال الذي يأتي للمرأة السعودية وهي غير مكلفة شرعًا بالإنفاق عن طريق التعليم وعن طريق الطب؟ شيء ضخم جدًّا.. أموال ضخمة جدًّا تصل إلى النساء، وهذا ليس موجودًا في أي مكان في العالم، وأنا أتحدى من هذا المكان أن يأتي أحد ويقول: إن هناك وظيفة في نظام وظيفي يعطي المرأة بقدر ما يعطي الرجل مع نفس الشهادات؛ بل عندنا هنا كثير من النساء بالبكالوريوس يحصلن على رواتب في التعليم لا يعرفها الأستاذ الجامعي، وكلنا يعرف هذا الكلام، وهذا نتحدى به الآن أي دولة في العالم، ثم بعد ذلك نقول للغربيين: أنتم الآن تزعمون تحرير المرأة.. أولاً أنتم قد اتفقتم جميعًا على أن المرأة الآن عندكم مضطهدة تستخدم في وسائل الإعلام وتستخدم في المراقص وتستخدم داعرة وتستخدم في أمهن الوظائف.. وهذه تقارير الأمم المتحدة، والأدلة موجودة! المرأة الراقصة والمرأة المغتصبة والمرأة التي تدير الوظائف ، والرجل تركها ورفع يده عنها، ويكفينا فقط(69/229)
وظيفة السكرتيرة، ومعروف ما معنى السكرتيرة؛ أي بالمعنى الإداري وبالمعنى حتى الأخلاقي، خادمات الفنادق.. خادمات الملاهي.. مضيفات الطائرات.. أهذه هي المرأة التي تريدونها؟ أم أنكم تريدون أن تضربوا المثال بتاتشر؟ كم سوف يكون هناك تاتشر.. هذه بريطانيا لم تظهر فيها تاتشر إلا مرة في تاريخ بريطانيا منذ أن كانت عظمى حتى أصبحت صغرى طوال هذه الفترة لم تنتج إلا امرأة واحدة تفتخر بها!، و هذه أمريكا الآن أكثر من مائتي سنة تعيش ليس فيها امرأة وصلت إلى هذه القمة ولا حتى نائب رئيس؛ فالقضية ليست سهلة بهذا الكلام.. إذا كانوا يريدون منهم تطور باتجاه معين نقول لهم: أعطونا المجتمع الذي اكتمل فيه شكل المرأة حتى نقتدي به؛ فإذا لم تأتونا به فسنظل على حالنا حتى تأتون به.
بالنسبة للانحرافات -أيها الإخوة- الانحراف دائمًا يبدأ يسيرًا سهلاً؛ فنقول: هذا أمر سهل لا خلاف فقهي، ثم يتوسع إلى ما لا قبل للمجتمع به، وهذا الذي يحصل الآن، عندما نقول المرأة تقود السيارة مثلاً نعم تقود السيارة، لكن بعد ذلك سوف تأتينا قضايا ضخمة جدًا . في تقرير للدولة السعودية في كتاب الإحصاء الذي تصدره وزارة الداخلية بعد خطة من الخطط الخمسية حينما كان في تلك الخطة الاستفادة من طاقة المرأة في التنمية؛ فإذا بتلك الخطة بعد خمس سنوات تفجعنا بإحصائية مفادها وجود عدد من النساء ممن وقعن في الجريمة، وهذه بحسب تعليق مقدم هذه الإحصائية أن هذا راجع كما نص في مقدمة الكتاب إلى انفتاح المرأة على العمل.
د. با دحدح مبيناً : لدي مقال لمحرر أمريكي يقول: أمامي صورتين على مكتبي: صورة لامرأة أمريكية بلباس البحر، وصورة لامرأة بالبرقع، نظرت إليهما فظللت أفكر وأقارن.... يقول: لم أجد نفسي متحمسا للدفاع عن البرقع؛ لأنه غير موجود في ثقافتي، ولكنني نظرت إليه، فوجدت فيه مزايا أصبحت مشدودًا إليها و الاعتراف بحقيقتها .. يقول: مثل لي البرقع المرأة التي تركز على بيتها وزوجها ا وأطفالها وترعى مملكتها، يمثل البرقع معاني من الحياء. ووجدت النموذج الآخر كالتي تعرض نفسها في السوق ولا أحد يقبل بها، أو كأنها في المزاد العلني. وقد أجرى مقابلات حول نفس الموضوع، وفي تصريح له أشار إلى أن إشكالية الحجاب ووضع المرأة في السعودية التي هي لها صورة معينة في الفكر الغربي والإعلام الغربي لا وجود لها في هذا المجتمع، ولا تمثل شيئًا غريبًا أو شاذًّا في هذا المجتمع، وقال: وجدت النساء السعوديات وهن على هذه الصورة وهن على أحسن وأرقى مستويات التعليم، ويفقهن في الكمبيوتر والاتصالات الفعلية. وجاء أيضا في مقابلة مهمة إذ قالت له إحدى النساء وهي من المتعلمات في الغرب: إن كنت تسألني عن الإصلاح على نمط المرأة الغربية فأستطيع أن أجيبك بكل سهولة أني لا أريد ذلك لا، لا ،لا ..؛ لأنني أجد في بيئتي ومجتمعي ما لا أجده في هذا. وفي الحقيقة هذا التصور الآن بدا ضخمًا وهائلاً، والغرب اليوم يشكو من هذه القضية في مجالات كثيرة؛ فهناك جمعيات لا تحصى في أمريكا للدفاع عن المرأة ضد الاغتصاب وللدفاع عن المرأة ضد الانتهاك والدعارة؛ بل هناك الآن كثير من الجهات تريد أن تفصل المرأة في المواصلات العامة و تريد أن تفصل المرأة في الجامعات وفي قطاع التعليم، وأنا أذكر لك في جريدة التايمز المشهورة منذ عدة سنوات كان عنوان غلافها الرئيس(69/230)
(تشلدرن هاف تشلدرن) والتحقيق يقول: إن بنات عمرهن 11 و12 سنة يحملن ويلدن، وإحصائية قديمة أخرى عن طالبات الثانوية في نيويورك تقول إن نسبة من حملن من سفاح 48%. والآن صدر كتاب اسمه ( موت الغرب) يقول في المقدمة: إن عدد المواليد في 19 دولة أوربية وغربية أقل من عدد الجنائز، ويقول المؤلف: إننا سنموت وننتهي فعليًّا كبشر بمعدلات التناقص هذه الموجودة، فضلاً عن الجانب الأخلاقي، ونشرت هذه الإحصائيات في حلقات متتابعة في مجلة الحرس الوطني عن هذا الكتاب على مدى ثماني أو عشر حلقات؛ فهل يريدون أن تصل إلى هذا المستوى؟!
باحارث: نقطة بسيطة هنا نذكرها.. الموضوع ذو شجون كما يقال ..أحد الإخوة الذين يجيدون اللغة الإنجليزية في أمريكا كان يجلس ليشاهد بعض القنوات في الفترة التي عقد فيها المؤتمر الإسلامي في مصر؛ فإحدى المذيعات وأظنها بريطانية عملت مقابلة مع دكتورة في الجامعة، وهذه الدكتورة كانت ملتزمة بحجابها بالكامل حتى إن وجهها مغطى كما يسمونها (خيمة) وأثناء اللقاء -وهذا على الهواء- سألت المذيعة؛ فقالت أما ترين نفسك وأنتي في هذا التقدم وهذا الانفتاح ثم تصرين على لبس هذا الشكل غير المناسب؛ فالمرأة كانت ذكية جداً وكانت تجيد اللغة الإنجليزية فقالت لها: أنا أسألك سؤالاً: هل تسمحون لأحد من شعبكم أن يسير في الشارع العام عارياً؟ فقالت: لا . فقالت هل تسمحون أن تدخل المرأة (عارية) الكنيسة؟ فقالت: لا. فقالت لها انظري.. نحن قبل 1400 سنة كنا عند أطهر مكان في الأرض عند كعبتنا نسير عراة فتقدمنا إلى هذه المرحلة فبيننا وبينكم 1400 سنة حتى تصلوا إلى مرحلتنا!.
والابتذال الذي تشهده بعض دولنا العربية وصل إلى أن الرقابة تعترض على مشاهد جنسية.
هناك بعض الدعاوى التي حملتها بعض النساء السعوديات في مجتمعنا..البعض منهن خرجن من الوسط الدعوي والأخريات من مشارب متنوعة؛ فكيف تقرؤون هذه المطالب الإصلاحية؟
د.باحارث: أنا أحب أن أبدأ بنقطة هي: هل التخصص له اعتبار، أم هو مهمل تمامًا؟ البعض يقول إنه غير مهمل، وإذا جئنا للتخصص الشرعي الفقهي الديني قيل: إن فهم الدين لايحتاج إلى تخصص فإذا كانت كل التخصصات لها اعتبار؛ فهذا له اعتبار، فكون الناس الآن يكتبون يقولون: لا نرى هذا من الناحية الشرعية، وليس هناك ما يدل، وليس هناك دليل..!! كاتب صحفي لا يعرف الأصول ولا الأدلة ولا يعرف قواعد فقهية ولا يعرف أصول فقه ولا يعرف تراث فقهي ولا يعرف إجماع وغير إجماع؛ ثم يصبح مفتيًا وقاضيًا في مسائل شرعية !! هذه أمور غير مقبولة. وقد تطور الأمر إذ إننا الآن بدأنا نقرأ أن هذه الفنانة تقول أنا لا أرى هذا الأمر حرامًا، وأنا أعرف أن هذا ليس فيه كذا..أنا استمعت إلى إذاعة كذا (تعتبر إذاعة سعودية في شهر رمضان المبارك) وكانت المقابلة مع أهل الفن وكيف يقضون برنامجهم اليومي في رمضان في محاولة لصناعة قدوات زائفة.. أنا أقول: إن هذه المسألة من الذي يفصل فيها؟ هل هو كل أحد؟! هذه قضية مهمة!! نحن نقول من الناحية الشرعية: فرق بين قضية أن هناك اختلافًا، وفرق بين اعتبار الاختلاف، وفرق بين تطبيق هذا(69/231)
الاختلاف. مثلاً: هل كل اختلاف معتبر؟ نحن إذا جئنا لمسألة الاختلاف يمكن في كل مسألة أن نأتي باختلاف، وبالمناسبة أكثر من يعرضون للمسائل الشاذة أو المسائل الغريبة سواء كانت في المسائل الفقهية أو في المسائل العقدية يأتوننا برأي شاذ واحد وينقلونه عن كتاب، ويقولون: هذا كتاب علمي معروف ويطنطنون بهذه القضية.. هذه قضية مهمة وعندما يأتينا في القضايا العقدية من لا يفهم العلم الشرعي، ثم يحاول التقول وكأن العالم الإسلامي ليس فيه سوى هذا المثل أو هذه النماذج؛ وبالتالي هذه أيضًا نقطة ابتدائية خطيرة؛ ينبغي معرفتها؛ لأن الصحافة الآن تحاول أن تناقش أي إشكالية؛ والحقيقة أنا أقول إن مهمة الصحافة ليست مناقشة قضايا علمية، وإذا أرادت ذلك؛ فلا بد أن تفتح ملفات طويلة، لكن الصحافة هكذا تريد أن تأخذ قضية كاملة في عمود واحد وتخلص منها إلى نتيجة ..
نقطة أخرى أود أن أشير إليها؛ وهي أن كثيرًا من النساء اللاتي يتصدرن هذه الدعوات نسبتهن في المجتمع نسبة صغيرة؛ سواء قلت لي واحدة ترشحت في الكونجرس؛ فهذه لم تعش في بيئتنا ولا تعرف معالم بناء شخصيتنا، وحتى الأخريات يعشن حياة في أمريكا وأوروبا دهرًا طويلاً من الزمن، وفكرهن وزيارتهن وقدوتهن وهواهن وكل شيء متعلق بالغرب، فهؤلاء كلهن نشأن في بلاد الغرب. وبالمناسبة بعض الأسر السعودية التي كانت ثرية وتقدمت في التعليم قبل أن يصبح التعليم هنا درسوا في الجامعة الأمريكية في مصر والجامعة الأمريكية في بيروت ودرسوا مراحل الدراسة الأولى إلى الثانوية في كلية فكتوريا في الإسكندرية، وهذه كلها مدارس غربية تنصيرية تأقلموا معها. نحن لا نذمهم بمعنى أن نقول إنهم فسقة أو إنهم أصحاب هوى، ولكن نقول إن طبيعة نشأتهم لا تمثل الفكر الإسلامي، وكون الإنسان يصلي لا نستطيع أن ننزع عنه الإسلام، لكن كونه يصلي لا يعني أنه يمثل الإسلام ويفهم الإسلام ويفقه الإسلام!. لقد أصبح كل أحد الآن بالجريدة يكتب كتابة، ويقول هناك أخطاء في تدريس أبنائنا! إذًا ما معنى ذلك؟ هل يعني هذا أن الشذوذ أو أن الرأي المخالف المحجوب هو الذي يصبح الأصل؟ حتى ثقافة الاختلاف لا تعني الإقرار بالخطأ؛ تعني تفهمه أو عذر صاحبه في ذلك، ولا تعني أن يكون الخطأ المحدود الذي تتبناه فئة قليلة من الناس هو الأصل الذي يوازي حكم الأغلبية. أنا لو قلت –مثلاً-: نسبة الذين يقولون في مسألة معينة 10%، ونسبة الآخرين 90% من عموم العلماء هذا لا يعني أن أعطي رأي 10% بنفس القوة التي يأخذها 90% وهذا يقوله العقلاء؛ بل تقوله الديمقراطية اليوم؛ فإذا 51% صوتوا للمشروع فإنها نسبة تفوز على 49% .
بعض اللواتي قدمن مطالب إصلاحية هن من الوسط الدعوي ومن الكاتبات والمثقفات الإسلاميات؛ فهل هناك شك في صدق نواياهن، أم أننا نعيش في مأزق ولابد من الاعتراف بالخطأ؟
د.با دحدح :لا شك أن لدينا قضيتين: الأولى؛ هناك أخطاء لا بد أن تدرس، أنا لا أقبل الاعتراف أو الأخذ في الأمور هكذا لمجرد إثارتها عبر مقالة أو رأي غير مستند على أداء بحثي علمي .. لدينا قضية القضاء، وهي إشكالية موجودة وتمثل صعوبة بالنسبة للمرأة، وبدلاً من أن نتكلم عن أصل القضاء الشرعي ومحاولة اجتثاث الشيء(69/232)
من جذوره؛ علينا البحث عن معالجة الأخطاء .. وهذا مهم؛ فوجود الخطأ لا بد أن يدرس ليكون هناك بناء صحيح للإصلاح. الأمر الثاني: الرأي الشخصي لفرد أو امرأة أو اثنين حتى لو كانت داعية أو ملتزمة.. فإن الرأي تقابله أراء أخرى. ثم أيضًا هناك فقه الموازنة في رعاية المصلحة العامة والنظرة الكلية؛ لو كان عدوي الآن يقول كلامًا وهذا الكلام أوافقه فيه ينبغي أن أحسن عرضه بما لا يمكّن عدوي وعبر موافقتي له من أن يصل إلى مآرب أخرى.. هذه القضية قضية وعي، وعلينا أن نعي أن هناك أيضًا ظروفًا بيئية شخصية لبعض الناس؛ تجعل له طرح معين، والظروف الشخصية لا تملي على الناس المشكلة..
أنا اكتب في الإعلام إذًا رأيي ينتشر.. ورأي الغالبيات الآن تشكل من الإعلام ولا يتشكل من الحقيقة، أنا أدعو الناس أن يصوتوا للمرأة السعودية وانظروا ماذا تختار!
يا من تدعون الديمقراطية اتركوا المرأة تصوت على نمط المرأة الذي تريد!!
دكتور علي أنت الآن تتحدث على أن هناك أخطاء، لكن مشكلتنا في عدم الاعتراف بها! الإشكالية هو أن التيارات الأخرى تسابق الزمن بطرح القضايا بحثًا عن الحلول؛ بينما يتلقف الوسط الدعوي وخصوصا المشايخ هذه المبادرات بالصد وادعاء كمالية المجتمع!
د.با دحدح: نعترف ونبادر علميًّا وليس بناء على استباق فهذا الذي يحصل استباق، وأنا أدعو كل صحفي الآن أن يعطيني قضايا محددة طرحت خلال الأشهر الماضية باستثناء قضية القضاء وباستثناء حالات يذكرونها عن أن الرجال يظلمون النساء أو لا يعطوهن حقوقهن.
دفاعكم أمام بريق أطروحات الغربيين قد يسقط نساءنا في تيار التغريب الذي تحذرون منه
د.با دحدح : قد تجذب لكن نحن نطرحها بالمقابل وبهدوء وبعيدًا عن الإثارة المفتعلة، ثم أنت تتكلم بمقياس الإعلام، ونحن نتكلم بالمقياس العلمي الاجتماعي، أنا لا أختلف معك؛ لكن أقول لك كم حجم هؤلاء.. أنا أريد شيئًا علميًّا.. هو لا شك لولا أن هناك أخطاء ما اعترفنا بها ؛ لكن أنا لا أريد أن نعترف بالقضية دون منهج علمي.. أنا أريد أن نعترف بالمنهج العلمي إذا كانوا صادقين في طرح القضية؛ بحيث ندرس استبيانات ونقدم حالات نخرج بنتيجة عملية حقيقية، وهذا صحيح، والآن الناس يقدمون اقتراحات عملية في بعض هذه الجوانب، ولا شك أن هناك قصورًا في المبادرات الإصلاحية؛ لأن الوضع المستقر لا يستفز الناس لأن يقدموا، و أن يكونوا متحمسين جدًّا لإصلاح بعض الأخطاء، وهناك تقصير من الدعاة في المبادرة، وأنا واثق تمامًا وأقول هذا عن يقين، وأستطيع أن أثبته لك من خلال ما كتبه بعض الناس أن الدعاة قد كتبوا في أوقات سابقة ومنذ عشرات السنين عن بعض القضايا وطرحوها في منابر عامة وطرحوها أيضًا في جهات خاصة، ولكن هم ليسوا إعلاميين؛ هم ميدانيون ولا يتفرغون للطرح الإعلامي.
عفواً أستاذ عدنان نحن نريد أن ننتقل لرؤيتك لأسس وضوابط تعتقد بوجوب توفرها في أي محاولة إصلاح وتطوير لدور المرأة في المجتمع السعودي.(69/233)
د.باحارث: أي إصلاح لا ينطلق من معالم ديننا وما اتفقت عليه الأمة وأجمعت عليه؛ فإنه قطعاً ليس بإصلاح.. صحيح لابد أن ينطلق من معالم ديننا ومما أجمعت عليه أمتنا، أنه حق؛ فهذا هو الانطلاق الذي ننطلق منه، وأي إصلاح يخرج عن هذا فليس بإصلاح، و أريد أن أؤكد في الضوابط على أهمية أن تقبل المرأة بأفضلية الرجل؛ فالله -سبحانه وتعالى- قدم الرجل في أشياء معينة ليست بالتحديد في حدود الذكورة والأنوثة، فالله –سبحانه- قدم الرجال على النساء في نص القرآن وفي التعامل، وجعل للرجال على النساء درجة فطرية، ليس هو من أجل شيء ما وإنما لتنظيم الحياة الإنسانية؛ فالله -سبحانه وتعالى- وزع هذه الملكات بين الرجال والنساء، والمشكلة الآن التي تواجهنا أن المرأة تريد أن تخرج عن هذا الإطار، وتريد المساواة في القوامة بينها وبين الرجل، وهذا لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون؛ لا فطرياً ولا اقتصادياً. قد يختل مقام الرجل اقتصاديًّا حينما تقوم المرأة بالإنفاق، لكن كيف نحاول الاخلال بهذا الميزان فطريًّا؟!
فالضوابط هي ما أجمعت عليه الأمة، أما بالنسبة للمسائل الخلافية التي ذكرها الدكتور علي با دحدح إلى عهد قريب قبل أن تأتينا هذه الثورة المعلوماتية وقبل أن تأتينا شبكات الانترنت كان كثير من الناس من الذين لا ثقافة إسلامية عندهم، وكانوا متغربين، كان يصعب عليهم أن يحنوا ظهورهم ويدخلوا لهذه الكتب ويخرجوا منها المسائل الفقهية؛ أما الآن فقد أصبحت القضية عن طريق (السي دي) يكفيه بضغطة واحدة أن يصل للمعلومات الفقهية، ثم يأتي بعد ذلك ويضحك علينا في الجريدة ويأتينا بتلك الأقوال مسرودة؛ وكأنه ذهب وأخذها من هناك؛ نقول هذا العلم لا ولن يبني الشخصية بهذه الطريقة، وإنما يبقى مختلاً حتى يعكف صاحبه على المشايخ.
ما هو المطلوب من المرأة السعودية للمشاركة في أي مشاريع إصلاحية؟
د.باحارث: نوجهها إلى الالتزام بدينها وأخلاقها والآداب الإسلامية، وأن تدفع عن نفسها هذه الهجمة بكل ما تستطيع: أن تكتب بقلمها في الصحافة، أن تتصل ببعض المسؤولين تعطيهم وجهة نظرها، وأن تصرح أن هذا الإصلاح الذي يأتي من الخارج (ولا سيما من الفكر غير الإسلامي أو من الداخلين المستغربين) غير موافق لشريعة ربها.
يناقش مؤتمر الحوار الوطني دور المرأة السعودية في المجتمع ما هي رؤيتكما لعوامل نجاح المؤتمر؟
د.با دحدح: ألا تكون قضية الإسلام والشريعة الإسلامية عبارة ورقة للبحث، وإنما أن نبني هذا الموضوع الحساس والمهم بأصالة شرعية ودراسة علمية تخصصية، حتى إذا خرجنا برؤية أو برأي يكون على أسس صحيحة، وهذه مسألة أولى. المسألة الثانية: تاريخ المملكة تأسيسًا سياسيًّا وتشريعًا قضائيًّا وواقعًا اجتماعيًّا ونهضة تعليمية كانت فيه مكتسبات تتعلق بقضية المرأة بشكل مناسب لا ينبغي إغفالها، ومن الخطر والخطأ أن ننقض كل شيء. نحن عندنا التجربة الفريدة في التعليم غير المختلط من الحضانة إلى الدكتوراه، واستطاعت المرأة السعودية أن تحصل على الدكتوراه داخل المملكة وخارج المملكة بالإشراف وبآليات طورت دون أن نضطر أبدًا إلى أن ندخل إلى حمأة الاختلاط ومشكلاته الكبرى، والإحصائيات في بعض(69/234)
الدول العربية توحي إلى أن نسبة 27% على أقل تقدير من بنات الجامعة متزوجات زواجًا عرفيًّا، هذه التي تريد أن تسلك مسلكا تظنه شرعيًّا فضلاً عن ما هو وراء ذلك، لو تصورنا وجود أخطاء في هذه المسيرة؛ فإن الحل هو علاجها وتطويرها وإعطاؤها أفقًا أوسع دون أن ننقلب عليها. مشكلة ردود الفعل التي تأتي سواء كانت بتوجه يسمى إصلاحيًّا أو غير إصلاحي مشكلتها في أنها تستند على الخطأ اليسير لنقض الأصل كله.. هذه قضية مهمة؛ الوضع النظامي والشرع..كل النصوص النظامية في المملكة العربية السعودية وسياستها الأمنية وسياستها التعليمية وسياساتها الموجودة في الأنظمة تعطي المرأة الجانب المتعلق بالشريعة والحفاظ عليه،
وكما ذكر في الحوار الأول والثاني أننا نلتقي على قضايا أساسية، فنحن وطن واحد ونحن قيادة واحدة لا نزاع فيها؛ كيف نجمع على أننا وطن لا نريد تفتيت وحدته وعلى قيادة لا نشك في شرعيتها، ولا نجمع على أن ديننا هو الشيء الذي لا نزاع فيه، وعلى أن واقعنا الذي انعكس عن هذا الدين ليس فيه مجال للنزاع؟!
النقطة الأخيرة أقولها في هذا الحوار: الحقيقة وهو مشابه للحوارات السابقة ينبغي ألا يأتي أحد للحوار لقضيتين أساسيتين إما تمرير مصالح شخصية وآراء شخصية، وإما للقفز فوق الحواجز والتشويش.. قضية الحوار الأصل أنه يراد منها أن تحقق مصالح وطنية عليا، وعندما يتجرد المحاورون من ذواتهم ومن طموحاتهم ومن رد فعلهم الشخصي؛ فأعتقد أنهم سيحصلون على المطلوب. الأصل في هذه القضايا أن الذين يختارون أو الذين يشاركون يسهمون بقضية تخدم الوطن كله، فينبغي أن يستحضر أمانته أمام الله -عز وجل-، ثم أمانته أمام المسؤولين الذين اختاروه، ثم أمانته في القضايا التي يتحدث فيها. للأسف رأينا في السابق أشياء أخرى كانت عبارة عن مهاترات وطبعًا مشاركة المرأة مهمة، وقولها في مثل هذه القضايا سيكون له قيمته ووزنه المعتبر، والله أعلم.
د.باحارث: أنا حقيقة أريد أن أختم هذه الندوة بسؤال يقول: أين كانت المرأة في العصر الذهبي في الإسلام؟ والإجابة أن المرأة أنجزت في العصور الذهبية؛ فكانت سيدة النساء وسيدة الوزراء. وهؤلاء النساء أين كن في تلك العصور؟ هل كن في الأندية؟ هل كن في الشوارع؟ هل كن حتى في المساجد؟ كانت المرأة في بيتها، وكل ما حققته تعلمته في البيت؛ فأصبحت مسندة عصرها. هذه النقطة التي يجب أن نقولها: أين كانت المرأة في العصر الذهبي؟ كانت في بيتها قطعًا والأدلة على هذا كثيرة جدًّا؛ أما قضية أن المرأة نحتاج لها في النهضة الاقتصادية؛ فنقول: إذا عجز الرجال عن القيام بهذه النهضة؛ فهل تقوم الأيدي الناعمة بهذه النهضة؟ ثم الأزمة التي حصلت في شرق آسيا -وإن كان الغربيون لهم يد في هذه الأزمة التي حصلت- وجدنا الإحصائيات في تلك الفترة أن نسبة النساء العاملات 60%، وكأنها رابط كلما زادت نسبة النساء في العمل كلما كان الضرر أكثر على الجانب الاقتصادي
ـــــــــــــــــــ
فتاةٌ مُهِمَّة
سلمان بن فهد العودة 22/5/1425
10/07/2004(69/235)
إن شعور الإنسان بأهميته، شعور فطري راسخ، وربما يكون -هذا الشعور بالأهمية- وراء كثير من الإبداعات، والإنجازات، والأعمال الجليلة والعظيمة، التي يعرفها الناس.
ولهذا ذكر الله -عز وجل- لنا قول إبراهيم -عليه السلام-: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) [الشعراء:84].
وقال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ ابن آدم انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِه،ِ وَوَلَدٌ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ".
فهذا إشارة إلى أن الإنسان يحب أن يشعر بأهميته وذاته، حتى بعد موته؛ يحب أن يبقى عمله.
ولذلك، أرشده النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى: الصدقة الجارية، والعلم الذي ينتفع به، والولد الصالح -ذكراً أو أنثى- الذي يدعو له.
إن الذين يمارسون تحقير الآخرين وازدراءهم، ومصادرة شخصياتهم؛ لن يجنوا من ذلك إلا الشوك والعلقم، سواء كانوا مسؤولين، أو مربين، أو آباء، أو معلمين، أو أي شيء آخر.
ومجتمعنا بحاجة إلى دروس ودورات في هذا السياق؛ فالكثيرون -في المجتمعات عموماً والإسلامية- يتوارثون تحقير المرأة، والنظر إليها على أنها مخلوق من الدرجة الثانية، وربما العاشرة أحياناً. ولازال بعضنا أسرى لهذه النظرة الدونية، وكأننا لم نسترشد بالهديّ النبوي، والوحيّ الربانيّ كما يجب، أو ما زال يزاحمه الإرث الجاهلي المترسخ، مع أننا في عصر ترفع فيه شعارات كثيرة: الحرية حقوق الإنسان حقوق المرأة، العدالة المساواة...؛ حتى أصبح كثير منا ينظرون بريبة إلى هذه المصطلحات والمفاهيم.
بينما في صميم ديننا وشريعتنا ضمانات وحقوق، أرقى وأنبل من أي مدونة أو ميثاق لحقوق الإنسان في العالم، الآن أو قبل الآن.
المشكلة هنا في قضية المرأة -وفي قضية الفتاة على وجه الخصوص- مزدوجة بين المفاهيم الجاهلية الحديثة والمفاهيم الجاهلية.
فأولاً: يتداول كثير من الناس مفاهيم مجحفة بحق المرأة؛ منها: إن المرأة خائنة بطبعها، فتسمع من يقول:
- إن ماتت أختك، انستر عرضك!
- يا تسترها يا تقبرها!
- هم البنات للممات!
وبعضهم يقول: دفن البنات من المكرمات!
ثانياً: ولادة البنت في بعض البيئات عار وشؤم!
حتى تقول بعض الأمثال: صوت حية، ولا صوت بنية!
ثالثاً: ليس للمرأة رأي ولا قرار!
ولهذا يتداول الكثيرون: مقولة ( شاوروهن واعصوهن)؛ وربما رووه على أنه حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو شيء مكذوب، لا أصل له.
رابعاً: المرأة للمطبخ؛ ولذلك يقول: المرأة لو راحت للمريخ آخرتها للطبيخ.(69/236)
وفي الكلمات، والقصائد، والأشعار العربية تقول:
ما للنساء وللخطابة والصحافة والكتابة هذا لنا ولهن منا أن يبتن على جنابة
إن هذه المفاهيم السائدة هي: المفاهيم العربية، الجاهلية الأولى؛ وليست المفاهيم النبوية.
(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْض)
[آل عمران:195].
(إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَات) [الأحزاب:35].
فيذكر الله –سبحانه وتعالى- يذكر المرأة مع الرجل، جنباً إلى جنب.
إن كثيراً من البنات يشعرن بالغبن، والغيظ، والغضب؛ من عدم المساواة في المعاملة مع الأولاد.
فإذا جاء الولد، وقد نجح في دراسته ولو بأدنى مستوى؛ فإنه يُستقبل بالفرح والاستبشار والهدايا. لكن إذا جاءت البنت بالشهادة، وقد حصلت على تقدير ممتاز؛ فقد يقال لها: هذا لا يهم.. وما الفائدة؟!.. ونحو ذلك ...
وبمثل هذا وجد المناخ الملائم لدعوات التغريب؛ باعتبارها ملاذاً من هذا الظلم الاجتماعي في ظن الكثيرات ووهمهن.
وقد سمعت مقابلة، مع إحدى داعيات تحرير المرأة في مصر، فكانت تتكلم عن شيء كهذا، إنها ردة فعل لبعض العادات والأوضاع، التي ليست من الإسلام، ولكنها من آثار الجاهلية الأولى.
إن المرأة -كالرجل- تحتاج إلى من يمنحها الأهمية، ويستمع لشكواها، ويشبعها وجدانيًّا وعاطفيًّا؛ فإذا فقدت ذلك من أسرتها، ومن مدرستها؛ فإنها سوف تجده في مكان آخر، والإعلام اليوم يعطيها دروساً يومية متواصلة في هذا الباب.
لقد أثبت علم النفس الاجتماعي أنّ الاستماع الجيد إلى الآخرين ليس بالضرورة أنه يقنعهم، أو يغير رؤيتهم؛ ولكنه يزيد من أواصر المحبة، والتقارب الروحي والعاطفي.
إن من أبرز صفات العظماء، والأكابر، وأصحاب التأثير: الاستماع، والإصغاء إلى الآخرين.
وقد جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مجموعة من مشركي مكة يعرضون عليه؛ فتكلموا حتى انتهوا، فلما انتهوا قال لهم: (أَقَدْ فَرَغْتُمْ ) قالوا: نعم. فقرأ صلى الله عليه وسلم شيئاً من القرآن.
إن الإنسان الذي يتحدث إليك -ربما- يشعر بظلم، أو يحس بحرمان، أو يحمل وجهة نظر يتحمس لها، ويريد أن يوصلها إليك.
فلابد أن تسمح له بأن يفرغ هذه الشحنات، بطريقة صحيحة وواعية، وإذا لم تستمع إليه بشكل جيد؛ فإنها تتحول إلى طوفان، وسيل جارف، أو إلى عقد ومشكلات نفسية مدمرة.
بالتجربة يتبين أن المشكلات الكبيرة، في نظام الأسرة، أو الدولة، أو الفرد كانت في بادئ الأمر مشكلات صغيرة لم يتم احتواؤها، والتفاعل معها، فتضخمت وتفاقمت(69/237)
وانفجرت؛ فالإصغاء الفعال المدروس يشكل صمام أمان للفرد والمجتمع، وحين يكون هناك نوع من التوتر بسبب مشكلة ما؛ ينسى الكثيرون إمكانية احتواء هذه المشكلة، ويلقون على النار مزيداً من الحطب؛ فتشتعل أكثر وأكثر.
وهناك في موضوع الاستماع عدد من المهارات، يمكن اتباعها:
الأولى: تلخيص الفقرة، التي تمت المحادثة حولها.
فإذا تكلمتما في نقطة معينة، وسمعت منه، وسمع منك؛ فإنك يمكن أن تقوم بتلخيص هذه الفقرة..
وتتحدث، أن وجهة نظر محدثك تعني: كذا وكذا..، وأنك تستدل عليها بالأدلة التالية...
بهذه الطريقة تشعره بأنك مهتم به، وأنك فهمته بشكل جيد، واستطعت أن تطمئنه إلى أنك لن تتقوّل عليه، أو تفهمه بشكل مغلوط، وبالتالي تستطيع أن تشعره بأنك مُصغٍ له، بشكل جيد.
إننا -في كثير من الأحيان- لا نسمح للآخرين أن يتكلموا، وإذا تكلموا لم نستطع أن نفهم عنهم، ولا أنْ نشعرهم بأننا فهمناهم.
المهارة الثانية هي: الدخول إلى عالم الآخرين، الذين نستمع إليهم، أو نتحدث معهم.
فحينما تنظر إلى اثنين يتكلمان في موضوع معين تستطيع أن تعرف إن كان هذا الكلام يُبنى على علاقة متكلفة، أو على علاقة ودية أخوية حميمة صادقة، بحسب القرب، و الإنصات، ونظرات العيون، وحركات اليد، ولغة الجسد كما يقال.
إن الأم تستطيع أن تقيم تواصلاً جيداً مع ابنتها، حين تضع نفسها في مستواها وتتخاطب معها بلغة القلب والجسد، وتحسس ابنتها بالأمن والثقة، وتتجاوب مع مشاعرها، وأحاسيسها، وظروفها.
يمكن أن تشجع البنت على تجاوز الخجل، وأن تتعود الصدق والصراحة، والبوح بما لديها، والتعبير عن أحاسيسها، إذا رأت الاهتمام بما تقول.
إن الكثيرين لا يريدون منا حلاًّ لمشكلاتهم، بقدر ما يريدون القلب الذي يتوجع ويتأسى، وكما قيل:
ولابد من شكوى إلى ذي مروءة ... ...
يواسيك أو يُسليك أو يتوجعُ
تخيل أنك تتكلم مع شخص.. فينظر في الساعة، أو يرد على الجوال، أو يتصفح جريدة، أو يسرح بفكره، ولو كان ملتفتاً إليك.
فالدخول إلى عالم الفتاة يقتضي النفاذ إلى روحها، وقلبها، ومشاعرها، وأحاسيسها، وأن نشعرها أننا معها ولسنا ضدها.
المهارة الثالثة من مهارات الاستماع: توجيه الحديث وإدارته صوب الوجهة المفيدة التي نريدها.
فقد لا تستطيع البنت أن تصرح بكل ما لديها، أو تفصح بما عندها، وقد ترتبك، أو تقع في خطأ، فلا نمسكها بهذا الخطأ، ونحاسبها عليه؛ بل نساعدها على التعبير عما تقول، ونشعرها بأن الوضع عفوي وعادي.
ويمكن أن تتحدث الأم نفسها عن تجربتها في الطفولة والصغر، وأني مررت بهذه المرحلة التي مررت بها، وحصل لي كيت وكيت.(69/238)
قد تتحدث البنت عن معاناة، ولا تستطيع أن تقول كل شيء, ولذلك قد تزدريها الأم، أو تتهمها أنها لا تعرف كيف تتكلم، أو أنها غبيّة، أو ساذجة، أو ما أشبه ذلك.
سمعت الكثير من البنات.. تقول إحداهن: لم أجد أحداً يفهِّمني معنى هذه الكلمة..!
ربما تقصد البنت أنه لا يوجد في أسرتها من يوافقها على ما تريده, هذا صحيح.
لكن الكثيرات يقصدن بهذا: أنها لم تجد من يستمع إليها باهتمام.
ـــــــــــــــــــ
النخاسون الجدد !!
د. حلمي القاعود 8/7/1425
24/08/2004
أعلنت إحدى القنوات الفضائية عن مسابقة لملكة جمال مصر (مس إيجيبت)، وربطت هذه المسابقة بمساعدة الأيتام!
واضح أن هذه المسابقة لا تبغي مساعدة الأيتام في حقيقة الأمر؛ لأن مساعدتهم لا تقتضي هذا السلوك المشين الذي يحوّل الفتاة المسلمة إلى مجرد سلعة تُعرض أمام المستهلكين ليحكموا بجودتها أو رداءتها؛ فمساعدة الأيتام تقتضي مالاً طاهرًا نقيًّا، ونية حسنة خالصة لوجه الله يشعر أصحابها بواجبهم الشرعي والاجتماعي تجاه من حُرموا الآباء والأمهات؛ فيتقدمون عن رضا وطيب خاطر للبذل والعمل لرعاية هؤلاء المحرومين والعطف عليهم حتى يبلغوا مبلغ الرجال والنساء الذين يخوضون معترك الحياة.
مسابقة ملكة الجمال مشروع تجاري رخيص بعيد عن الأخلاق والحياء والآداب العامة، ويتنافى مع الشرائع السماوية التي تحفظ كرامة الإنسان عامة، والمرأة خاصة، وما عرف المسلمون قبلاً هذا التلوث الخُلقي الذي ابتلينا به على يد القنوات الفضائية والأرضية، ورأيناه يحوّل المرأة العربية المسلمة إلى مجرد جسد عار تنهشه الأنظار والأبصار، ويهيئه بعد ذلك لمهمات غير خلقية وغير إنسانية بالمرة.
ولا أدري كيف يستبيح هؤلاء التجار الذين يقيمون مسابقات ملكات الجمال لأنفسهم أن يعيدوا المرأة العربية المسلمة إلى قرون الظلام الأوروبية التي كانت تباع فيها المرأة وتُشترى، أو على أحسن الفروض لا تملك من أمرها شيئًا.
إن ربط قيمة المرأة بجمال الجسد هو عدوان على المرأة بصفة عامة، والمرأة غير الجميلة بصفة خاصة، واختزال لمعنى النسوية في صورة الأنثى التي يجب أن تكون مجرد غانية أو جارية ترضي الرجل وتشبع رغباته وتطلعاته؛ أما المرأة الإنسان.. المرأة العقل.. المرأة العطاء؛ فهذه مسألة بعيدة عن أذهان تجار الأجساد العارية في القنوات الفضائية وغيرها.
بمقاييس هؤلاء التجار؛ الفلاحة المصرية التي تبذل جهدًا مضاعفًا في الحقل والبيت وتربية الأبناء تبدو امرأة لا قيمة لها بجوار الجثة التي تقدمها القنوات التلفزيونية بوصفها ملكة جمال مصر المحروسة.
في حين أن الفلاحة المصرية هي ملكة جمال، وعقل، وتاريخ مصر على امتداد مسيرتها الزمنية الطويلة.(69/239)
المفارقة أن الجمعيات والمجالس والمؤتمرات والروابط والمؤسسات التي تملأ بلادنا العربية وتتحدث صباح مساء عن حرية المرأة، وكرامة المرأة، ومستقبل المرأة لا تستنكر بيع المرأة في سوق النخاسين الذي يسمى مسابقة ملكة جمال مصر.
النخاسون الذين يطعنون المرأة العربية في شرفها وعفتها، وكرامتها يلقون ترحيبًا من جماعات تحرير المرأة؛ لأن التحرير في نظرهم أن تتعرى المرأة، وتتحول إلى جسد للعرض ثم البيع؛ فلا يصدرون كلمة واحدة دفاعًا عن المرأة ولا حقها في الحياة الحقيقية الحرة!
وتأتي هذه المسابقات الماجنة في وقت تتعرض فيه المرأة العراقية لأبشع أنواع العنف، والوحشية، والهمجية، والاغتصاب من قبل جيش الولايات المتحدة الاستعماري (في الأسبوع الأول من المواجهات بين شعب الفلوجة والهمجية الاستعماري الأمريكية قُتلت مائتا امرأة برفقتهن ستون طفلاً).. هذا في الوقت الذي تبتهج فيه القنوات العربية لتعلن عن مسابقة ملكة جمال مصر أو (مس إيجيبت) بينما (مس إيراك) تُقتل، وتُغتصب، وتشرد في صحارى الفلوجة، ولا نجد شيئًا من الحياء أو مراعاة الحال ومشاعر الأشقاء.
كان دم الشهيد (عبد العزيز الرنتيسي) ينزف ويموت وتشيعه الجماهير الفلسطينية، وتتظاهر من أجله الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، والقنوات العربية تتحفنا بالجديد من ألبومات "البورنو كليب".. حيث تتلوى جثث الفتيات العاريات على مدار اليوم والليلة، ولا تستحيي هذه القنوات ولا تخجل مما تمارسه من فحش وبذاءة واستهانة بمشاعر الملايين.
لا ريب أن العيب فينا نحن الذين تركنا بناتنا للمشاركة في سوق الجواري الجديد.. حيث غاب الأب والأم والمجتمع عن توجيه البنات والأبناء وغابت المدرسة عن التربية والتعليم جميعًا، وتفرغت لمحاربة ما يُسمى التطرف، والفتنة الطائفية، وحضر الإعلام ليدشن بطولات العوالم والغوازي، والطبالين والزمارين، والمشخصاتية، ولاعبي كرة القدم بوصفهم أبطال الأمة وفرسانها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ـــــــــــــــــــ
المرأة في القرآن الكريم ليست كمّاً مُهمَلاً
قراءة: إبراهيم الزعيم 27/7/1425
12/09/2004
في قاعة السنابل بمحافظة غزة وسط حضور عدد كبير من النساء والرجال والإعلاميين، وذلك بناء على دعوة من "صالون نون الأدبي"، ألقى الشيخ الداعية عبد العزيز عودة محاضرة بعنوان "المرأة في القرآن الكريم"، أكد فيها اعتناء الإسلام بالمرأة واحترامه لها، من خلال الحديث عنها في القرآن الكريم، وقد كان لموقع "الإسلام اليوم" حضوره وتواجده في هذه المحاضرة، لينقل لقرّائه ومتصفحيه صورة كاملة عن وقائع هذه المحاضرة.
افتتح الشيخ الداعية عبد العزيز عودة حديثه بالقول: إن القرآن الكريم هو الذي حرر أمة العرب دينياً وسياسياً واجتماعياً، وهو الذي اعتنى بالمرأة أيما عناية، وقد كانت(69/240)
المرأة تمثل شيئاً عظيماً في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد أطلق على العام الذي توفيت فيه زوجته خديجة -رضي الله عنها- عام الحزن.
وأضاف عودة أن هناك مستويات عديدة للحديث عن المرأة ، مثل المرأة قبل الإسلام، والمرأة في السنة. موضحاً أن الحديث سيقتصر على المرأة في القرآن الكريم. مضيفاً أن حديث القرآن عن المرأة لم يأت على شكل قصص؛ بل إنه تحدث عنها كنوع، ولم يذكر الا اسم امرأة واحدة هي مريم، مشيراً إلى أن الحديث عن المرأة جاء في سور عديدة مثل البقرة وآل عمران والأعراف وهود، بالإضافة إلى أن هناك سوراً خاصة بالمرأة، وهي التحريم والطلاق والنساء.
وقال: إن لفظ (قالت) ورد في القران 43 مرة، منها 26 مرة الفعل فيها مسند للمرأة، مثل قوله تعالى: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) [القصص: 26] ، و (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [آل عمران: 35] .
وأوضح أن الواو في اللغة العربية معناها مطلق الجمع لا الترغيب، وليس معناها ان الذي قبل أفضل، وهناك آيات تقدمت فيها الأنثى على الذكر مثل قوله تعالى: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) [الشورى: من الآية49] ، موضحاً أن سورة مريم تقدمت على سورة طه، والتي اعتبرها فريق من علماء المسلمين أنها اسم من أسماء النبي، وعلى هذا الأساس؛ فقد تم هنا ذكر الأنثى على الذكر، معتبراً أنه في النهاية يجب أن يتقدم أحدهما على الآخر. أما في الأحكام فأشار إلى أن ذكر المرأة تقدم على الرجل في قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ.. ) [النور: من الآية2] ، وفي ذلك دلالة بلاغية، ففي الزنا دور المرأة أهم، وقد تقدم ذكر الرجل على المرأة في قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [المائدة:38] ؛ وذلك لأن الرجل أجرأ على السرقة من المرأة.
واعتبر أن الحديث عن المرأة في القرآن جاء على ثلاثة مستويات؛ وهي: معالم شخصيتها، شخصيات نسائية، مواقف مميزة للمرأة. وقال إن الإمام ابن رشد -وهو فقيه وطبيب وفيلسوف- اعتبر أن لكل من الرجل والمرأة أعمالاً ومهماتٍ يقومان بها، وقد تكلم عن تحرير المرأة من الجاهلية، وذلك عندما تحدث عن ضرورة تحريرها من الضيق بها، (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ) [النحل:58] .
وأشار عودة إلى أن القرآن الكريم رفع مكانة المرأة عندما حررها من الابتذال؛ فقال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ...) [النساء: من الآية23] ، وقد أكد على شخصيتها المستقلة فذكرها بجوار الرجل، ولا بد أن نسجل للقرآن مفخرة عظيمة، حيث إنه برّأ أمَّنا حواء من الوسوسة لسيدنا آدم عليه الصلاة والسلام، واعتبرهما ضحية لوساوس الشيطان؛ فقال تعالى: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى) [طه:120] .
وحول موضوع الأسرة اعتبر أن القرآن الكريم تكلم عن الزواج باعتباره آية من آيات الله، أي من دلائل عظمته وربوبيته، ونظم هذه العلاقة فجعل القوامة للرجل،(69/241)
ولكنها مشروطة؛ فمعنى القوامة الإنفاق على المرأة وحمايتها، وتطرق إلى قوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة: من الآية228] . مشيراً إلى أن هناك خلاف حول هذه الدرجة؛ فقد قال الطبري: إن الرجل عليه أن يتحمل المرأة أكثر مما تتحمله، وأن يصفح عن زلاتها أكثر مما تصفح عن زلاته.
أما في موضوع الطلاق؛ فقال: إن القرآن تحدث عن الأحكام الخاصة بالمرأة كنوع وشريك للرجل في الحياة الإنسانية، مؤكداً أن الطلاق لا يقع إذا كانت المرأة حائضاً. مضيفاً أن هناك العديد من حقوق المرأة المهدرة، مثل حق المطلقة في عدم الخروج من بيت الزوجية، والخلع. مشيراً إلى أن القرآن ساوى بين الزوجين في براءة الذمة، وقوة اليمين، وتقرير مبدأ المشاركة في الميراث.
وأكد عودة أن القرآن تحدّث عن صور الهجرة للنساء؛ وهي صورة من صور الجهاد، وهي على هذا الأساس تواجه الباطل، كما تحدث عن مشاركتها في العقد السياسي بين الأمة والحاكم من خلال مبايعتها للنبي -صلى الله عليه وسلم-، كما تحدث عن تعرضها للفتنة مثل الرجل، موضحاً أن المرأة ليست كمّاً مهملاً في القران؛ فهي مكلفة مثلها مثل الرجل.
وقال عودة: إن القرآن الكريم ضرب أمثلة لنساء مؤمنات، كن ولا يزلن قدوة حسنة للعالمين إلى أن يشاء الله تعالى مثل: أم موسى التي استجابت لأمر الله، وكذلك أخته التي كان لها حسن الحيلة، وفتاة مدين التي أرست قاعدة في العمل الإداري لازالت قائمة إلى الآن، وهي استئجار القوي الأمين، والصحابية الجليلة خولة بنت ثعلبة التي جادلت النبي صلى الله عليه وسلم، وملكة سبأ التي أعطيت حكمة وفهماً ومنحت مجتمعها قدراً من الحرية والمشورة، وتمتعت بحسن إدراكها للعواقب، ومريم ابنة عمران الطاهرة العفيفة التي صدّقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين.
ـــــــــــــــــــ
سكينة الصميدعي: لا أثق حالياً بأي قرار في العراق!
حوار: ضحى الحداد 29/10/1425
12/12/2004
في ظل أجواء من الحرية والديمقراطية -كما تدّعي الحكومة العراقية المؤقتة حالياً- تُقام العديد من المؤتمرات والندوات وفي مختلف المجالات، والتي كان آخرها المؤتمر الذي عُقد مؤخراً تحت عنوان (المؤتمر الأول للمرآة العراقية), حيث دعا هذا المؤتمر إلى إلغاء قوانين وصفها بالمجحفة، ومنها إلغاء قانوني غسل العار والسفر مع محرم, إضافة إلى العديد من الأمور والتي توحي في ظاهرها بأن هذا المؤتمر هو لإنصاف المرأة، إلا أنه يحمل ما لا يلاحظه القارئ العابر، فإذا أمعن النظر فيه فسيجد في طيّا ته ما هو أكبر من ذلك..
حول هذا القرار، ورأي الشريعة فيه, وهل سيطبق فعلاً في العراق أم لا؟ سنحاول معرفة ذلك من خلال حوار (الإسلام اليوم) مع الداعية الإسلامية العراقية (سكينة الصميدعي) *
بداية ما تعليقكم على هذا المؤتمر؟(69/242)
يتكلم هذا القانون في ظاهره عن توظيف برامج للمرأة والاهتمام بها وحمايتها، وهم يحاولون بهذا دس السّم في العسل, فيطالبون بأشياء وضعها الإسلام أصلا ومنذ القدم للمرأة، وغرضهم بذلك هو دسّ سمّهم عبر تطبيق قرارات ليس المقصود منها إلا تشويه صورة الإسلام من خلال سن هذين القانونين لإلغاء قوامة الرجل، والدعوة إلى المساواة، ولتحرير المرأة من ظلم الرجل كما يدعون، والمطالبة بإعطائها حريتها في السفر بمفردها، والتخلص من قيود الشريعة، وهم بذلك يذلون المرأة؛ فالإسلام وضّح هذين المعنيين بشكل جليّ، فإذا جئنا إلى قرار السفر مع محرم فالأصل هو ألاّ يجوز للمرأة السفر بدوم محرم، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر المرأة لمدة ثلاثة أيام ألا بمحرم"؛ لأن المحرم وهو إما الزوج أو الأب أو الأخ يعينها في سفرها، ويكون لها سنداً يدافع عن عرضها, ويقيها شر الطريق، ويكون بقربها إذا احتاجت إلى معونة, وهذا على عكس ما يعتقدون؛ فالإسلام أكرم المرأة وحافظ عليها وصانها وعزّزها, ولم يحدّ من حريتها فإذا اضطرت المرأة أن تسافر لحاجة ملحة فلها أن تسافر بدون محرم بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "سيأتي زمان على أمتي تسير فيه الظعينة من صنعاء إلى حضرموت لا تخاف على نفسها إلا الذئب"، أما إلغاء قانون غسل العار فنحن نطالب بإلغاء الحماقة في هذا القانون، والمتمثلة بالقتل بمجرد الشك، فقد سمعت شخصياً عن قصص للعديد من النساء اللواتي قتلن لمجرد الشك وبدون تيقن, وأما الصحيح في ذلك فهو أن تقتل الزانية المتزوجة وبشهادة أربعة شهود مع التيقن التام, أما غير المتزوجة أو البكر فحكمها أن تُجلد. لكنّ تنفيذ هذه الأحكام الشرعية لم يعد موجوداً في زماننا هذا بسبب التطورات التي حصلت، اللهم إلا في القرى والأرياف، ولم نسمع مؤخراً حوادث تذكر, لكن هذا لا يمنع تطبيق حكم الشريعة، أما وصفه بالمجحف بحق المرأة فكأنه من وجهة نظري تشجيع على الزنا وبدون حساب، وهذا الحكم الشريف ما هو إلا تكريم للمرأة وحفاظ عليها, وهنالك جملة من الاتهامات وُجهت للرجل، منها زواجه من أخرى وقِوامته عليها، هذا من ضمن ما دسّه الغرب لتشويه صورة العربي، وهذا القرار برأيي خطير جداً.
كيف تستطيع المرأة العراقية المسلمة تجنب هذه المكائد وما الذي يجب عليها فعله؟
المفروض على المرأة العراقية أن تتسلح بسلاح العلم والمعرفة وأن تترك المشاهدة فقط؛ لأن القرآن الكريم عندما نزل علينا لم يقلْ: شاهدْ بل قال: اقرأ؛ فالقراءة والتثقيف من الأمور المهمة للمرأة خاصة وهي تواجه هذه التيارات المختلفة، والتي تحاول النيل منها ومن كرامتها, وأن تنظم حياتها ابتداء بالاهتمام بالوقت لأنه عنصر مهم جدا؛ً فكل دقيقة سيُحاسَب عليها الإنسان ماذا فعل بها، ويجب أن تكون في طاعة الله سبحانه وتعالى, إضافة إلى التثقيف بشكل عام كالتعرّف على الديانات الأخرى ودراسة التاريخ وغيرها؛ فلا تكون محجمة إحجاماً تاماً عن الثقافات الأخرى، وأن تتجه إلى المساجد ودور العلم، وألاّ تقتصر في ذلك على قراءة القرآن فقط بل تقرأ تفسيره وتدرك ما جاء فيه, فما مرّ علينا من حصار فكري ليس بالهيّن؛ إذ أدّى ذلك إلى تجمّد الكثير من العقول التي رجعت الآن -وبفضل من الله- إلى الطريق(69/243)
الصحيح، وكما نرى فالناس الآن -هنا مثلاً- أصبحوا يفرقون ما بين (السنة والبدعة ) بعد أن كان البعض يجهل الكثير من هذه الأمور.
ما رأي السيدة سكينة بمشاركة المرأة السياسية حالياً في العراق؟ وهل تعتقدين أنها مشاركة فاعلة؟
على الرغم من أن موضوع دخول المرأة مجال السياسة هو موضوع حيوي، وقد تكون فيه الفائدة كبيرة, إلا أني لا أثق حالياً بأي قرار في العراق, وحتى إذا كانت هناك انتخابات فهي خاضعة للتزوير ولسلطة الاحتلال؛ فمشاركة المرأة حالياً في البرلمان العراقي قد لا يكون لها جدوى بسبب أن القرارات تُملى عليها وهي لا تملي على أحد , فكم من مؤتمرات عُقدت ومُسّ فيها الإسلام بصورة أو بأخرى، ولم يجد من ينصفه! فيجب عليها أن تقعد لهم بالمرصاد.
كيف ذلك؟ هل ممكن التوضيح أكثر؟
بمعنى أن تكون لديها البذرة الإسلامية الصحيحة، وذلك من خلال أن تكون ذات ثقافة عالية وإدراك بكل ما يدور حولها, وأن تشارك ولو بجزء بسيط في القرارات لكي لا تُملى عليها، وهي ساكتة تنفذ ,والمسلمة العراقية حالياً أراها تخرج إلى المساجد والجمعيات الإسلامية، و تتوجه توجيهاً صحيحاً, وعلى الرغم من أن أمامها الكثير، لكنها وصلت إلى مستوى نحمد الله عليه.
يبقى ذهن المرأة العراقية حاضراً ومتفتحاً وفي كل المجالات, خاصة والأيادي الشيطانية تمتد إلى العراق محاولة قلع كل بذرة مؤمنة، وبكل الوسائل التي يدخلون بها تحت غطاء الحرية والسلام, لكنها مؤمنة بقول الله تعالى: ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)[العنكبوت:2].*هي سكينة عبد المالك الصميدعي, تخرجت في كلية الشريعة جامعة بغداد سنة (1972م) سافرت إلى بريطانيا ثم رجعت إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث حصلت على الماجستير هناك من (جامعة لاهور باكستان ) ودرست التربية الإسلامية للمرحلة الثانوية هناك, ومن ثم عاشت الجزء الكبير من حياتها في السعودية، وكانت لديها العديد من النشاطات مثل محاضرات في علوم الحديث النبوي ألقتها في الندوة العالمية للشباب الإسلامي. تكتب في العديد من المجلات كمجلة التربية الإسلامية في العراق، ومجلة الإصلاح الإماراتية. لديها كتابات عن الطفل والتربية، وهي حالياً في طور إنشاء رابطة جديدة تحمل اسم (رابطة الأم العراقية)
ـــــــــــــــــــ
مجلة الحرس الوطني تحاور الشيخ سلمان العودة
حوار: مجلة الحرس الوطني 10/11/1425
22/12/2004
نفى فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة المشرف العام على مؤسسة (الإسلام اليوم) أن يكون مفهوم "الوطنية" غائباًً في الخطاب الإسلامي غير أنه أقرّ بوجود "بعض اللبس فيه" بسبب أن الأحزاب العلمانية في العالم العربي سبقت الإسلاميين في طرق موضوعات الوطنية والعروبة, مؤكداً على عدم وجود أي فروقات بين ما(69/244)
هو إسلامي وما هو وطني طالما كانت الوطنية بمفهوم العدالة والمساواة وحفظ حقوق الإنسان وكرامته.
وتطرق فضيلة الشيخ سلمان العودة في الحوار الذي أجرته معه مجلة (الحرس الوطني) إلى مؤلفه "مقولات في فقه الموقف" الذي يؤكد فيه الشيخ سلمان على ضرورة التفريق بين الأصول والفروع وبين الثابت والمتغير في الشريعة الإسلامية.
وبجانب ذلك تحدث الشيخ سلمان في الحوار عن حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الجزيرة العربية وعما إذا كان الخطاب الديني في حاجة إلى مراجعة، وظاهرة الإرهاب في العالم وطرق مواجهتها, كما عرض فضيلته الأسباب التي تدفع بالشباب الإسلامي إلى الضيق من النقد وغير ذلك من القضايا المعاصرة التي تناولها الحوار مع فضيلته...
الوهابية حركة إصلاحية كما نفهمها، هل ما زلنا متمسكين بها نهجا وتطبيقا, أم أنه لابد لنا من مراجعة وإعادة لفقه الحركة عموما؟!
الوهابية ليس اسماً اختيارياً؛ فهي لم تشأ أن تكون مدرسة مستقلة.
وإنما كان تسميتها من قِبَل قرّاءها سواء كانوا مناوئين أو محايدين.
وهي ككل الحركات التجديدية التصحيحية تقوم على نبذ التقليد والتعصب والتعلق بالأشخاص, والتنادي بالرجوع إلى النبعين الصافيين الكتاب والسنة، وجعل هذا الدين دستور حياة علما وعملا بالتزام ما كان عليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون له بإحسان.
ولا يوجد في الأنظمة, ولا في الدراسات الجامعية, أو غيرها في السعودية ما يقضي بأن الدولة تلتزم أو تلزم الآخرين بها, إلا في القدر المشترك الذي هو دين الأمة من الإيمان بالله وعبادته ونشر قيم الخير والأخلاق .
ومن البدهي أنها لا تمنح نفسها معصومية, ولا أحقية مطلقة لاجتهاداتها, فضلاً عن أقوال شيوخها وعلمائها.
لكن يبقى أن أي عمل دعوي، أو عمل بشري ليس معصوما، ومن اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر.
ويبقى كذلك أن أمور الدعوة، وتحركاتها ليست هي الوحي المنزل ولكنها تتكىء عليه بفهم، واختيار، وتنزيل بشري.
ومن هنا لا يكون الأمر صوابا مطلقًا, ولاخطأ محضًا؛ ولهذا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ بقوله: (....وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ ...) رواه مسلم.
ونحن بدورنا متمسكون بأي دعوة يكون منطلقها الفهم الصحيح للكتاب والسنة نهجا، وتطبيقا.
يقرأ كثير من المتابعين غياب مفهوم الوطنية في كتابات الإسلاميين؛ بينما يبرز الخطاب العام للأمة جمعاء هل ما زال الوطن مفهومًا عامًا لدى الإسلاميين، وهل هناك تعارض بين ما هو إسلامي وما هو وطني، أم أن الأمر لا يعدو ترتيب أولويات؟(69/245)
هناك نوع من الجفوة إلى حد ما بين مصطلح (الوطنية) وبين الإسلاميين، والسبب أنه عند بداية تكوين الإسلاميين كانت الأحزاب العلمانية هي التي تطرق موضوع العروبة، وتدندن حول الوطنية، وما زال هناك بعض اللبس فيها, والرفض لها أحياناً.
ومن تأمل قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) (النساء:66)
يجد أن الله عز وجل قرن بين قتل النفس والخروج من الديار.
فانتماء الإنسان لوطنه قضية فطرية.
والوطن في تقديري هو: الإنسان؛ قبل أن يكون ترابا، وحدودا، وإقليما بالدور الأول.
والاعتراف بالإنسان هو الاعتراف بالوطن؛ أرضا, وحدودا, وتاريخا وسلطة؛ فكل هذه الأقسام مصبها ومآلها على تحقيق ذات الإنسان.
فالمفهوم الحقيقي للوطنية إذا أردنا أن نغرسه يجب أن يكون من خلال العدالة, والمساواة, وحفظ حقوق الإنسان, وكرامته وعدم الاعتداء عليه؛ حريةً, وعرضًا, ومالًا, وخصوصيةً.
إذا حدث هذا تكامل معنى الوطن وأصبح لكلمة الوطنية معنى يفرض نفسه على الجميع.
ومصلحة الوطن مشترك كبير, ومصلحة دنيوية عظمى.
وأنا لا أرى انشقاقاً وانشطاراً بين هذه وتلك, بل على العكس الإسلام أصلاً جاء لتحصيل المصالح, كما يقول الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: أجمع العلماء على أن الرسل جاءوا بتحصيل المصالح وتكميلها وتقليل المفاسد وتعطيلها.
إذاً قضية وجود وحدة وطنية لأبناء بلد واحد يلتحمون عليها, ويجتمعون عليها, وينطلقون منها؛ فهذا بقدر ما هو دين إلا أنه مصلحة دنيوية أيضاً.
ذكرتم في كتابكم (مقولات في فقه الموقف) أن المجتهدين مأمورون بالتعاذر ولكن ما نراه ونقرأه ونسمعه غير ذلك فالمجتهد عندنا متحزب وحركي فماذا تريد أن تقول في كتابكم آنف الذكر؟
أريد أن أقول: إنه يجب التفريق بين الأصول والفروع, وبين الثوابت والمتغيرات.
فلا مزايدة ولا اختلاف على محكمات الشريعة, وعصمها الكبار, وأصولها المنضبطة بالكتاب والسنة.
أما الفروع فالأمر فيها واسع, والتعاذر فيها مطلوب, وهي محل اجتهاد من المجتهدين, والمصيب له أجران, والمخطئ له أجر, و يسعنا فيها ما وسع سلفنا الصالح من آلاف المسائل التي اختلفوا فيها دون تهاجر أو تدابر أو قطيعة.
وقد قرر الإمام ابن تيمية رحمه الله أن الاختلاف في الأحكام أكثر من أن ينضبط ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة ولقد كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما سيدا المسلمين يتنازعان في أشياء لا يقصدان إلا الخير .(69/246)
وقال عمر بن عبد العزيز ما يسرني أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل لكان ضالاً, وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة.
ولي محاضرة في هذا المعنى بعنوان (كيف نختلف) تعالج جوانب عدة من هذا الموضوع.
فما ذكرته في الكتاب آنفاً يصب في التقرير النظري الأخلاقي لهذه المبادئ الراقية.
وما ورد في السؤال يشير إلى الخلل التطبيقي, وهذا غير ذاك؛ فإن أول معالجات الخلل هو الاعتراف بوجوده, ثم محاكمته إلى المعايير السليمة, ثم السعي إلى تربية الناس على معرفة الحق وإتباعه, وأخشى أن تكون الفئات التي تشغب على مخالفيها هي خارج أهلية الاجتهاد أصلاً؛ فالغالب أن العوام هم الذين يتعصبون لتقليد تلقوه قبل غيره من غير نظر ولا اعتبار.
ومسائل الفروع أمرها قريب كما يقول ابن تيمية, وحصول الخلاف بن الأئمة معناه الاتفاق الضمني على أن المسألة لا إجماع عليها, المهم كيف ندير الخلاف, وكيف نتحاور؟ وكيف نتعامل معه؟
مما نتابعه ونلحظه لدى طلبة العلم الضيق من النقد وعدم الجرأة في المختلف فيه (حتى ولو كان عالما) بل عدم تحبيذ الخوض في المستقر في الواقع والوجدان ولو كان دليله ضعيفا.. ماذا تقول في ذلك؟
هناك عوامل كثيرة للخوف من النقد منها:
-فهم النقد على أنه نوع من التنقص.
-البعض بناؤه من زجاج ولذلك يخاف التشهير والفضيحة.
-استمراء الخطأ والخوف من الحقيقة.
ولذلك نحن نحتاج إلى محاضن تربية لغرس الشفافية والصدق والمسارات المتعددة, والتربية على تقبل الآخرين.
وقد عالجت شيئا من ذلك في دراسة بعنوان (ورقه في هموم العمل الدعوي).
المرأة في مجتمعنا وضعها لا يسر عند كثيرين وعند آخرين مرضي عنه, لكن المتابع يلحظ آراء تعلن ثم يتراجع عنها أصحابها إما تحت ضغط المجتمع أو وجد صاحبها أن في ذلك خرقا لأعراف المجتمع حتى ولو كان الدليل الشرعي معه.
ماذا يمكن أن نخرج به من أجل أن تأخذ المرأة وضعا مقبولا في المشاركة التنموية في بلادنا؟
المرأة نصف المجتمع, وهي كيان هائل ضخم, لا يجوز تهميشه, ولا عزله عن ميدانه الطبيعي, كما لا يجوز الزجّ به فيما ليس من طبيعته, ولا يحسن أن تكون قضية المرأة ميداناً للمزايدة والتنافس.
لست أوافق الذين يقولون: لا توجد قضية للمرأة عندنا!
نعم قضية المرأة محلولة في دين الله, لكن ليس كل ما في المجتمع هو من دين الله, بل هناك الكثير من العادات والتقاليد الاجتماعية الموروثة التي لم يهذبها الإسلام.
وقد استنكر النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أصحابه سوء معاملة النساء, وقال: ليس أولئك بخياركم ...(69/247)
فلماذا يستنكف بعضنا من مطالب التصحيح والإصلاح في قضية المرأة وسواها؟
بيد أن بعض الغيورين محقون بتحفظهم؛ لأن مسألة تحرير المرأة كما تسمى كانت غطاء فضفاضاً لتمرير ألوان من الاستعباد الحقيقي للمرأة, وتوظيفها في خدمة مطامع الرجل وأهوائه, أو الانتقال من أنماط مألوفة من الحرمان إلى أنماط أخرى أشد ظلمة وقتامة, وأسوأ عاقبة لكنها مطلية بألوان زاهية براقة تخطف العيون!
وأحياناً قد يرتبك دعاة الإصلاح, لأنهم يجدون أنفسهم بين خيارات, أحلاها مُرّ, ولا يملكون ضبط الحركة أو تأطير الانفتاح في الحدود المعقولة.
ولذا أميل إلى الاعتقاد بأن قضية المرأة لا يمكن إصلاحها أو الحديث عنها بمعزل عن قضايا المجتمع الأخرى, كقضية التعليم, والاقتصاد, والمال والسياسة, ونحوها.
فإذا استطعنا إيجاد جدول تصحيحي يتواضع عليه الجميع, وتتضح معالمه ومرجعيته فهذا سيقرب دون شك تلك الهوة الواسعة التي تفصل شرائح المجتمع بعضها عن بعض, وتحدد المقاصد الحقيقية لأي مشروع.
وفي قضية المرأة خاصة, هناك من يريد الإبقاء على الأمور كما هي دون تعديل, وكأننا أمام تطبيق راشدي محكم لا تعتريه تساؤل ...
وهناك من يريد استنساخ النموذج الغربي للمرأة, وهو نموذج لا يمكن استنساخه أصلاً, لأنه تكون مرحلياً في بيئة مختلفة وثقافة مختلفة, لكن استنساخ بعض قشوره وسلبياته وأخطائه ومظهرياته.
وأنا أقول:
بقاء المرأة على ما هي عليه خير لها وللمجتمع من الاسترسال وراء دعوة غامضة لن تجني من ورائها إلا العلقم.
أما حين نبصر نموذجاً أو توجهاً رشيداً يحافظ على قيم الإسلام ومبادئه العظام ويستفيد من إمكانات العصر وإنجازاته ويستجيب لمتطلبات المرحلة فسوف نخف إليه سراعاً.
الخطاب الديني هل هو في حاجة إلى مراجعة كيف ترون ذلك؟
هناك فرق بين النص الشرعي المقدس أعني: الوحيين القرآن وصحيح السنة وبين الفهم لهذا النص.
نصوص الشريعة حق واضح, وهي الأصل الذي يرجع إليه.
أما الفهم والتنزيل والتطبيق فهذا مجاله واسع.
وكبار الأئمة كالشافعي- صاحب المذهبين القديم والجديد- ومالك وأحمد, وابن تيمية وغيرهم, راجعوا مذاهبهم وأقوالهم وفهومهم؛ ولم يجدوا غضاضة في ذلك ولا منقصة؛ بل يحسب ذلك لهم, وهم أمثلة تحتذى في ذلك.
ومن قبلهم قال عمر لأبي موسى : لا تمتنع من مراجعة الحق فإن الحق قديم.
والخطاب الدعوي هو فهم للنصوص وتنزيل لها, ومراعاة الظروف الخاصة والعامة وهذا قابل للخطأ والصواب والمراجعة والتصحيح وكل ذلك دائر بين الأجر والأجرين.
وكثيراً ما يتهم الخطاب الإسلامي بالاختزالية والعاطفية والسطحية وغير ذلك .(69/248)
وكما قلت: من البدهيات أن أصحاب الخطاب الإسلامي هم كغيرهم من ذوي الاختصاص, لم يحرمهم الله عز وجل من التفكير , والعقل, أو يخص به غيرهم ؛ بل نحن على قناعة أن من تشبع بهذا الدين وثوابته وأصوله وحقائقه يملك مقدرة في تحليل ما حوله , بما عنده من هذه المعطيات الحقّة .
بيد أن ثمت عوامل تؤثر في الاهتمامات وترتيب الأولويات منها :
حجم المتغيرات , ونضج التجربة العلمية والعملية , ومدى الشعور بالمسئولية , وقدر المصداقية مع الله ومع النفس ومع الناس . وهذه العوامل من شأنها أن تؤثر على أي تصور أو تعديل أو تصحيح لدى أي فرد أو جماعة أو حتى دولة .
والخطاب الإسلامي يعاني في بعض الأحيان من العمومية والإطلاقات والانتقائية بل والمثالية التي خرجت عن الواقع ولذلك فملاحظاتي حول الخطاب الإسلامي تتلخص فيما يلي :
1 ـ من المفترض أن يكون لدى أصحاب الخطاب الإسلامي وضوح في المنهج , ومعرفة المقاصد الكبرى للإسلام , والبعد عن الرمزية ومحدودية التفكير . والوعي بحقيقة الدعوة وتفهم السنن الشرعية والكونية في مناهج التغيير والإصلاح .
2 ـ من المتعين أن نكون على وعي بإدراك الإمكان الشرعي والواقعي الذي نعيش فيه , وأن يكون القدر الذي يريده أصحاب الخطاب الإسلامي متناسباًَ مع واقع من يخاطبون , وليس مثالياً متعالياً يولد أزمة عند محاولته .
3 ـ من الأساسيات: العناية ببناء الإيمان في القلوب , والتأسيس للعمل الصالح , ولغة الأمر بالمعروف ينبغي أن تكون هي الأصل في خطابنا مع العناية بأصول الإسلام , هذا هو الأهم تحقيقه من عباد الله .
4 ـ في الحديث الذي رواه مسلم : عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لاَ يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً ».
وهذا المعنى على مستوى التطبيق للأمر الشرعي أيضاً , لذلك من المهم أن ندرك أن الأمة وإن كان فيها نزّاع من الأخيار الأبرار , وطبقة من أهل العلم إلا أن جمهورها يغلب عليه الجهل والتقصير مع خير كثير , ولذا ينبغي وضع ذلك في الحسبان وألا يكون الخطاب لشريحة منتقاة دون غيرها .
5 ـ عندما يكون الخطاب الإسلامي مدركاً أنه لا يستعمل الأوراق الأخيرة والنفس النهائي عند إصلاحه للواقع ؛ فهو ـ هنا ـ يتخلص من كثير من الأخطاء التي تكتب النهاية للعمل قبل البدء فيه .
6 ـ من الحكم الشرعية ـ فيما أرى ـ أن يتخلص الخطاب الإسلامي من اللغة الواحدة , فيختزل أزمات الأمة كلها في الواقع السياسي فقط , أو الاقتصادي فقط . ونمط آخر خص خطابه الإسلامي بأهل الخير والصلاح لأنهم متفاعلون , وهذا النوع قد يؤدي إلى فصل المجتمع الإسلامي إلى طبقات , تعيش العزلة والصراع الشعوري أحياناً ـ بين أهل الصحوة وباقي المجتمع المسلم الذي يتمتع بالخيرية أيضاً .
7 ـ من المهم على محاضن التربية أن تربي الشباب وسواد المسلمين عموماً على قواعد الشرع الصحيحة, وأصوله وكلياته ومقاصده العظام. وعلى توقير واحترام كل(69/249)
من جعل هذا الدين همه , وقصد هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته حسب ما أمكنه .
ومن المهم أن يعلم شباب الصحوة أن أهل العلم ليس ممكناً ألا يقولوا إلا صواباً , فهم ليسوا معصومين . لكن لا يجمع الله الأمة على خطأ , ومن أكبر مقاصد الشريعة جمع القلوب على الدين والهدى .
8 ـ علماء الإسلام الكبار يعلم لهم قدرهم لكن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم , فكل كلام سوى كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم يقبل النظر والمراجعة والخطأ , وما زال علماء الملة يتراجعون ويختلفون .
لكنهم كانوا أبعد شيء عن فساد العبارة , أو رداءة اللغة , أو التمرس على أسلوب المصادرة والتكفير والتخوين وهذه سيرهم وحياتهم وأقوالهم ... وفي عصرهم كان الكفر قائماً والنفاق موجوداً , بل في محكم التنزيل ( مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ). وفيه قال (اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ) وأستأذن أحد الصحابة في قتله فقال -صلى الله عليه وسلم -: لعله أن يكون يصلي ...
فما بال بعض إخواننا اليوم أصبح التكفير لغة دارجة عندهم , وهو شر من القتل , ففي الصحيح « لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ ».
فما بالك بتكفيره إذاً؟!!
الإرهاب ظاهرة عالمية كيف ترون مواجهتها من خلال التعامل مع القضايا التي تهم الشعوب أو التي تعنى بقضايا الحرية؟
الإرهاب عنوان واحد من قائمة المعاناة البشرية, وهو ليس أهمها, فهناك الفقر والجوع وفقدان الضروريات المعيشية, وهناك الجهل والخرافة, وهناك الأمراض التي تغتال مئات الملايين دون وقفة جادة لتدارك مدها, وهناك التفرقة العنصرية الظاهرة والمستترة.
بل من خلال قوانين الإرهاب تم ترسيم هذه المشكلات, وتوسيع دائرة الجياع والمعوزين ومحاربة الأعمال الإنسانية خصوصاً ما كان منها ذا طابع عربي أو إسلامي.
ومن خلال هذه القوانين أطيح بحقوق الإنسان وحرياته وأصبح عرضه للانتهاك والحجز والتعذيب والابتزاز البدني والنفسي.
ولقد تم تطوير خطاب الإرهاب ليصبح أداة طيعة في يد القوى الكبرى, إذ إن بدهية تعريف الإرهاب لا تزال غامضة وأمريكا تريد أن تقول إن الإرهاب هو كل عمل لا توافق عليه حتى لو كان مقاومة مشروعة, أو سعياً في الاستقلال.
قل لي بصراحة! تحت أي نظام يمكن اعتبار المقاومة العراقية إرهاباً, ولا يمكن اعتبار التدخل الأنجلو أمريكي إرهاباً؟!
وأهم عنصر في المواجهة هو عدم الرضوخ للإدارة الأمريكية وأن تستعصم الدول الإسلامية بتقارب يشملها ويخفف من حدة الصراع بينها, فمهما يكن من التباينات المحفوظة إلا أنه لا تقارن بما بيننا وبين الإدارة الأمريكية.
فالاجتماع عصمة وقوة, فلنتدرب على برامج ومشروعات مشتركة ولو على مضض لتحقق لشعوبنا الحد الأدنى الذي بدونه لن تكون أصلاً.(69/250)
والمشكلات الداخلية التي تواجهها الدول الإسلامية, ومنها مشكلة العنف الداخلي يمكن حلها من خلال الاجتهاد في صياغة إجماع على رفض هذا المسلك, ووثيقة تعنى بالأسس الضرورية للاجتماع ورفض الفتنة, وتتجاوز التفصيلات التي جرى القدر بألا يتفق الناس عليها.
ثم الانطلاق من هذا الإجماع وهذه الوثيقة للمعالجة الراشدة الشاملة وتوظيف الأطراف كلها دون تناقض بينها في مسؤولية حماية المجتمع ومؤسساته من الفكر المنحرف أو التصرف اللامسؤول
ـــــــــــــــــــ
نوال الفاعوري: العنف ضد المرأة يواجه بالوعي
حوار: سماح بيبرس 14/11/1425
26/12/2004
قضايا المرأة العربية كثيرة ومتشعبة، ولكن التركيز على جوانب معينة بحد ذاتها هو ما أفرزه الواقع الحالي، كالعنف ضد المرأة، والخطاب النسوي وما إلى ذلك، حول هذه المفاهيم كان لنا هذا اللقاء السريع والذي أجريناه مع الداعية الإسلامية الأستاذة نوال الفاعوري * عضو حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن
ما تقييمك لوضع المرأة في العالم العربي والأردن تحديداً من الناحية الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية؟
يختلف وضع المرأة من بلد عربي إلى آخر بحسب طبيعة النظام الاجتماعي و السياسي لكل بلد، ومدى التطور التعليمي و المستوى المعيشي ومستوى دخل الفرد.
وبصورة عامة فإن حال المرأة العربية من حال مجتمعها، مع الاعتراف بأن تقدماً في مجال التعليم قد حصل في معظم الأقطار، وانعكس ذلك إيجاباً على قضية المرأة ودرجة مشاركتها في الحياة العامة هذا بالإضافة إلى التأثير الذي تركته الأحداث العالمية فيما يخص هذا الموضوع؛ حيث يدور حراك عالمي واسع حول ضرورة مشاركة المرأة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لكن بالرغم من هذا التطور النسبي مازال هناك عوائق تحول دون وصول المرأة إلى المستوى المطلوب من المشاركة الفاعلة.
ومن أهم هذه العوائق الفكرة السلبية السائدة في المجتمعات العربية حول قدرات المرأة، مع عدم ظهور ممارسات ديمقراطية حقيقية تفتح المجال لذوي الكفاءات من الرجال و النساء على حد سواء، وتُتاح الفرص عادة لعدد محدود ومحظوظ من النساء دون أن تكون معايير الكفاءة والقدرة هي الفيصل في هذا.
ما رأيك بالخطاب النسوي المعاصر؟ وكيف يجب أن يكون شكل هذا الخطاب؟
هناك "نغمة جديدة" تنادي بمساواة الرجل و المرأة في كل الأمور والأحوال، تماماً كما هو الحال في خطاب الغرب الموجه لهذه المنطقة.
ومما يشجع هذا النوع من الخطاب الممارسات الخاطئة بحق المرأة في المجتمعات العربية الإسلامية، و التي تعطي ذريعة لنبرة الدعوة للمساواة وإلى "تحرير المرأة "كما يُقال أحيانا.(69/251)
وإن الغالبية الساحقة من جماهير النساء العربيات ليست مع هذا التوجه بالرغم من الرغبة الأكيدة في إعطاء المرأة العربية حقوقها كاملة كإنسان، وإتاحة المجال أمامها للمشاركة الفاعلة في مختلف المجالات الحياتية مع مراعاة تراث ثقافة المرأة العربية المسلمة من خلال فقه عصري يأخذ واقع الأمور في الحسبان، ويراعي المستجدات والثوابت والتوفيق بينهما.
إن ما يحدث في مجتمعاتنا الآن غير وثيق العلاقة بموقف الإسلام من المرأة والذي أعطاها حقوقاً، ورتّب عليها التزامات لذلك، ومن خلال الالتزام بجوهر هذه التعاليم والتجاوب مع أحداث العصر وتطوّراته يجب أن يأتي الخطاب النسائي العربي متفقاً مع هذه التعاليم، والذي يعني مشاركة المرأة في كافة القطاعات، مع مراعاة الفوارق والقدرات والمحافظة على كرامة المرأة.
كيف يمكن مواجهة العنف ضد المرأة؟
إن ظاهرة العنف ضد المرأة ظاهرة عالمية برزت في المجتمعات العربية بعد أن جنحت هذه المجتمعات بعيداً عن جوهر أحكام الشريعة الإسلامية باتجاه بعض العادات الجاهلية، وبالإمكان مواجهة هذه الظاهرة بنشر الوعي و التعليم لدى عامة الناس خاصة فيما يخصّ حقوق المرأة في الإسلام وعلاقة المودة و الرحمة التي تميّز جوّ الأسرة المسلمة.
ولا بدّ أن يكون هناك من التشريعات ما يضع حداً على التعدّي على كرامة الإنسان (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب).
لقد أكد الإسلام على علاقة المودة و الرحمة في الأسرة، كما بين حقوق وواجبات كل من الرجل و المرأة، وعلى تساويهما في الإنسانية و التكريم، فالإسلام لا يقرّ العنف ضد المرأة أو الرجل، وما ذكر في حالات النشوز فهو حالة فردية نادرة، كما أكّد الإسلام على ضرورة الرفق بالمرأة ووضعها في حدود حفظ الكرامة الإنسانية.
تقييمك لتجربة المنظمات و المؤسسات النسائية في الأردن، ومدى مساهمتها في تحسين وضع المرأة؟
المنظمات النسائية الأردنية ناشطة وفاعلة في هذا المجال، ومن خلال الاتحادات النسائية و الجمعيات النسائية كالاتحاد النسائي الأردني واتحاد المرأة و اللجنة الوطنية لشؤون المرأة وغيرها من المؤسسات الفاعلة في هذا المجال.(*) التحقت بالعمل الدعوي الإسلامي لغاية 1993م، حيث نجحت في ذلك العام بمجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي كأول امرأة تتخطى هذا الحاجز. وفي نفس العام أسست مدرسة خاصة وعملت مديراً عاماً لها لغاية 2002م، كما أسست جمعية الأقصى الخيرية في محافظة مادبا، وكنت عضواً مؤسساً في حزب الوسط الإسلامي، وانتخبت عضواً في المكتب السياسي لهذا الحزب. عملت رئيسة للاتحاد النسائي الأردني "فرع مادبا" لدورتين متتاليتين، ومازلت عضواً في المجلس الاستشاري لمحافظة مادبا.
ـــــــــــــــــــ
الجواب الكافي
د.عبد العزيز بن فوزان الفوزان * 2/12/1425(69/252)
13/01/2005
كل من يتصدى للدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويسعى لإصلاح الناس، ويعارض أهواءهم المنحرفة، وإراداتهم الفاسدة، ويمنعهم من خرق سفينة المجتمع، وتهديم أمنه، وتعريضه لغضب الله ومقته، وأخذه وسطوته، فلابد أن يوطن نفسه على ما يصيبه من أذى هؤلاء الخلق وظلمهم، وطيشهم وجهلهم، فإن فيهم الجاهل الذي يظن الحق باطلاً، والباطل حقاً، ويفهم الكلام على غير وجهه، ويصدق عليه قول الشاعر:
كم من عائب قولاً سليماً ... ...
وآفته من الفهم السقيمِ
وفيهم الظالم الذي اتبع هواه، واستعبدته شهواته، وأخلد إلى الأرض، وآثر الدنيا على الآخرة، فحمله ذلك على بغض كل من يناصحه ويحذره من مغبة فعله السيئ، بل ويعتبره عدواً له، ومتدخلاً في خصوصياته، وهو في الحقيقة محب ناصح، ومشفق صادق.
ولهذا لما أمر الله تعالى بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر بالصبر على ما يصيب العبد بسببها من الظلم والأذى. فقال سبحانه: (والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) فأقسم سبحانه بأن الناس كلهم في خسار وبوار إلا من اتصف بهذه الصفات الأربع، ومنها التواصي بالحق، والتواصي بالصبر على الأذى فيه. وفي وصية لقمان لابنه يقول سبحانه وتعالى: (يابني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) أي: أن الصبر على ما يصيب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من الأمور التي عزمها الله وأوجبها على عباده، والتي لا يقوى عليها ويوفق لها إلا أولوا العزائم القوية، والهمم العلية.
وإذا كان رب العزة سبحانه لم يسلم من أذى الخلق وجهلهم، فهو وإياهم في نبأ عظيم، يخلق ويعبد غيره، ويرزق ويشكر سواه، خيره إليهم نازل، وشرهم إليه صاعد، يتحبب إليهم بالنعم، ويتبغضون إليه بالمعاصي. بل قال عنه أقوام: "إن الله فقير ونحن أغنياء". وقالوا: "يد الله مغلولة". وزعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه. وشبهه آخرون بخلقه، وكذبوا عليه فجعلوا له زوجة وولداً. وزعم بعضهم أن الملائكة بنات الله. وكذلك الحال مع أصفيائه وأوليائه، بل أفضل خلقه من رسله وأنبيائه، فقد أوذوا في الله ما لم يؤذ أحد، واتهموا بالجهل والكذب، والجنون والسفاهة، وتعاطي السحر والكهانة. كما قال تعالى: (كذلك ما أرسلنا من قبلك من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون. أتواصوا به بل هم قوم طاغون)...
فإذا كان هذا ما يحصل لرب العزة سبحانه، الذي له الخلق والأمر، وهو الحكيم الخبير، وهو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وهو كذلك ما حصل لرسله وأصفيائه، أكمل الناس خلقاً، وأصدقهم نصحاً، وأتقاهم لله تعالى سراً وجهراً، فكيف بمن سواهم من ورثتهم في حمل هذا الدين وتبليغه للعالمين؟! فلا جرم أن أن يجدوا الظلم والأذى من الإنسان الذي خُلق ظلوما جهولا، وكيف يُطلب الإنصاف ممن الأصل فيه الظلم والجهل؟ وكيف يُنصف الخلق من لم ينصف الخالق؟!! ولذلك قال(69/253)
النبي صلى الله عليه وسلم: (الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم) رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة.
وقد تقاعس أقوام كثيرون عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو من أخص أوصاف المؤمنين، وسبب خيرية هذه الأمة، وسبيل فلاحها ونجاتها في الدنيا والآخرة، تركوا ذلك خوفاً من أذى الخلق، وإيثاراً للسلامة، ونسوا أن قعودهم عن القيام بهذه الشعيرة العظيمة هو عين الهلكة والندامة، وأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وأن العذاب إذا نزل عم الصالح والطالح، والكبير والصغير، كما قال ربنا سبحانه: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب)، ولما سألت زينب رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث" متفق عليه.
هذه حقيقة أحببت التذكير بها حين رأيت عجباً من بعض الصحفيين وكتاب المنتديات في الشبكة الدولية، الذين استنكروا ما ذكرته في برنامج "الجواب الكافي" في قناة "المجد الفضائية" من أن المصائب العامة، ومنها الزلازل والفيضانات المدمرة التي وقعت في شرق آسيا وجنوبها عقوبة إلهية، ونذارة ربانية لمن يبارزون الله بالمعاصي، ويحادونه بأنواع المنكرات والقبائح من الربا والزنا والشذوذ الجنسي، والانفلات الخلقي، وغيرها، وأن هذه الكبائر تكثر عادة في المنتجعات السياحية، التي يؤمها السواح من أنحاء العالم، في الإجازات العامة، كعيد الميلاد وعيد رأس السنة الميلادية وغيرها. بل ذكر بعض الباحثين أن "السياحة الجنسية" التي تكثر في تلك المناطق التي ضربها الزلزال تأتي في الترتيب الثالث عالمياً بعد تجارة السلاح والمخدرات.
وكان من آخر ما اطلعت عليه من هذه المقالات ما نشرته صحيفة "الرياض" في عددها (13349) بتاريخ: 29/11/1425هـ بقلم رئيس تحريرها، بعنوان "الجواب غير الكافي"!! وتساءل ما هو ذنب شعوب فقيرة للغاية في شرق آسيا لكي يحل بها هذا الدمار الشامل؟ ثم قال: إن الله أكثر رأفة ورحمة بعباده من أن يضعهم تحت هذه القسوة. ثم ذكر في نهاية مقاله أن هذا أمر لا يقبله العقل!! وتساءل بلغة تحريضية كنت أربأ به عنها: كيف هي أفكار هذا المتحدث مع تلامذته إذا كان هذا هو ما يقوله في هذه الواقعة؟ كما ذكر في ثنايا مقاله أن جريدة "الحياة" في عددها (15257) ذكرت أن شبكة "إن بي سي" الأمريكية أوردت هذه الفتوى، وبثت مشاهد من هذا اللقاء، الذي أثار –بزعمه-استياءً كبيراً في الأوساط الأمريكية.
والجواب عن هذه التساؤلات بغض النظر عن مقصد كاتبها ومن سار على منواله، سأختصره في النقاط الآتية:
أولاًً: لقد أعمت النظرة المادية كثيراً من أبناء هذا العصر، فلم يتفطنوا للربط بين الأسباب ومسبباتها، ولم يدركوا العلاقة بين الأعمال وآثارها، فتجدهم يكتبون ويصرحون بأن سبب هذا الزلزال ضعف في القشرة الأرضية، ووجود اختلالات وفجوات في داخلها، أو أن هذا شيء يحصل في الكرة الأرضية كل مائتي عام... ونحن لا ننكر وجود مثل هذه الأسباب، ولكننا يجب أن نعلم أن وراء هذه الأسباب المادية أسباباً شرعية هي التي سببت هذا الخلل في القشرة الأرضية أو غيره من(69/254)
الأسباب، ثم حصلت تلك الكوارث والمصائب، فهذه الأسباب المادية التي يذكرونها -إن صحت- لا تعدو أن تكون وسيلة لما تقتضيه الأسباب الشرعية من المصائب والعقوبات العامة. يقول الله تعالى بعد أن ذكر مصارع الأمم السالفة: (فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) إنها السنة التي لا تتبدل، ولا تتخلف عند وجود أسبابها: (فكلاً أخذنا بذنبه)(وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من وعظ بنفسه، وإن سنن الله في عباده لا تحابي أحداً، فمن فعل فعلهم فقد استحق العقوبة مثلهم، (وما ربك بظلام للعبيد) (سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) فمتى يفيق السادرون؟ ومتى يرعوي العصاة والمذنبون؟
وقد أكد الله هذه السنة الإلهية في آيات كثيرة من كتابه إعذاراً منه وإنذاراً، يقول سبحانه وتعالى: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)، وقال: (ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فإذا غير الناس ما بأنفسهم من الصلاح والاستقامة غير الله عليهم نعمته، وأبدلهم بالأمن خوفاً، وبالعز ذلاً، وبالغنى فقراً، وبالصحة بلاء وسقماً، كما قال سبحانه: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير)، ويقول: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) فهو إذا أخذهم وعذبهم فهو بسبب ما اكتسبته أيديهم من أنواع الطغيان والعصيان. ثم قال سبحانه محذراً من زوال نعمته، وتحول عافيته، وفجاءة نقمته: (أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون. أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون. أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون)؛ فأين أولئك الذين يتركون الصلوات، وينتهكون الحرمات، ويأكلون الربا، ويشربون الخمور، ويفعلون الفواحش والفجور، ويستهينون بظلم الخلق ويبخسونهم أشيائهم, ألا يخافون من مكر الله، ألا يتفكرون في هذا الوعيد الذي تنخلع له القلوب الحية، وتقشعر منه جلود المؤمنين خشية ورهبة!!
فالمصائب العامة التي تنزل بالعباد إنما هي حصائد ذنوبهم وما كسبته أيديهم، لعلهم يثوبون إلى رشدهم، ويعودون إلى ربهم، قال الله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون).
فلما كثرت المعاصي في هذا الزمن كثرت المصائب العامة من الأعاصير والعواصف المهلكة، والفيضانات المغرقة، والزلازل المدمرة، والبراكين المحرقة، والأمراض الفتاكة، والطواعين العامة، والحروب الطاحنة، والنقص والآفات الكثيرة في النفوس والزروع والثمار، وغير ذلك من المصائب والبلايا التي يخوف الله بها العباد، ويذكرهم بقوته وسطوته، ويعرفهم بعجزهم وضعفهم، وأنهم إن تركوا أمره لم يبال بهم بأي واد هلكوا، وما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره، ولجوا في طغيانهم وفساهم!!
إنها والله آيات وعبر، ومواعظ ونذر، وما يعقلها إلا العالمون، وما يعيها ويحذرها إلا العارفون المؤمنون. أما الذي ركنوا إلى الدنيا ونسوا الله والدار الآخرة، فإنهم لا(69/255)
ينتفعون بهذه الآيات والنذر، ولا تزجرهم عن غيرهم وفسادهم، بل قد لا تزيدهم إلا عتواً وفساداً، وتهالكاً على الدنيا وملذاتها، حتى يعبوا منها قبل أن يفارقوها، إنهم كما قال الله عنهم: ( وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) وقال تعالى: ( ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا ًكبيراً) وقال سبحانه وتعالى عن المنافقين: (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولاهم يذكرون). ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم" حديث صحيح رواه ابن ماجه والحاكم والبزار والبيهقي والطبراني وغيرهم. وفي حديث زينب السابق تصريح بهذه السنة الإلهية التي تقتضي هلاك الأمم، وخراب الديار، إذا انتشرت المنكرات، وكثر الخبث، وقعد الصالحون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ونحن إذ نتعاطف مع إخواننا المسلمين هناك، ونتألم أشد الألم لما حل بهم، ونسأل الله تعالى أن يرحم ضعفهم، ويجبر كسرهم، ويرفع الضر والبأساء عنهم، ونسعى لمواساتهم وإغاثتهم، ونحث إخواننا على ذلك، فإنه يجب علينا وعليهم أن نحاسب أنفسنا، ونصحح أوضاعنا، وأن نسعى جاهدين لإزالة المنكرات والفواحش التي هي سبب حصول البلايا والمحن. وقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إذا ظهر الزنا والربا في قرية أذن الله عز وجل بهلاكها".
وذكر ابن أبي الدنيا حديثاً مرسلاً (أن الأرض تزلزلت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها ثم قال: اسكني فإنه لم يأن لك بعد. ثم التفت إلى أصحابه فقال: إن ربكم ليستعتبكم فأعتبوه) يعني: فأرضوه.
وروى الإمام أحمد عن صفية أنها قالت: "زلزلت المدينة على عهد عمر بن الخطاب فقال: يا أيها الناس! ما هذا؟ ما أسرع ما أحدثتم! لئن عادت لا أساكنكم فيها أبداً"
فلماذا لم يعترض عمر رضي الله على ما فعله الله بأهل المدينة، وهم خير القرون، وأفضل هذه الأمة، بل شدد النكير عليهم، وبين أنها إنما زلزلت بسبب ما أحدثوه من التفريط والعصيان، وأقسم أنها إن عادت لا يساكنهم فيها أبداً؟!
ولما هزم المسلمون في معركة أحد، واستنكر بعض الصحابة ما حدث، أنزل الله تعالى قوله: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير) فبين أن ما أصابهم هو من عند أنفسهم. والنصوص في هذا الباب كثيرة جداً، والغرض هنا هو التنبيه. وبه يتبين أن ما عجز الكاتب عن فهمه، ولم يقبله عقله هو الذي دل عليه صريح الكتاب والسنة، وفهم سلف الأمة.
كما أن هذا هو ما يؤكده العقلاء من غير المسلمين من الأمريكيين وغيرهم. ومنهم على سبيل المثال بات روبرتسون، وجيري فولويل، وغيرهم. حيث يصرح هؤلاء(69/256)
في أكبر المحطات الأمريكية بأن الشذوذ الجنسي والزنا والإجهاض من الذنوب الكبيرة التي ستجلب الدمار لأمريكا، وهو سبب ما يحصل فيها من الأعاصير، والفيضانات، والحرائق، والأمراض الفتاكة وغيرها. بل إن القس جيري فولويل الذي وصف النبي صلى الله عليه وسلم "بالإرهابي" في أكبر محطة بث في أمريكاCBS, يرى أن السبب في هجمات الحادي عشر من سبتمر ليس ابن لادن وأتباعه، ولكن سببها هو الشذوذ الجنسي والإجهاض ودعاة تحرير المرأة.
ثانياً: أما تساؤله عن أفكاري مع تلامذتي، ففي ظني أن أفكاري مبثوثة عبر الدروس والمحاضرات العامة، ووسائل الإعلام المختلفة، من صحافة وإذاعة وتلفاز ومجلات وكتب وغيرها، ولو تبين لي خطئي في شيء منها لما ترددت في الرجوع عنه، ورحم الله امرءاً أهدى إلي عيوبي، ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب).
ثالثاً: أما ما نسبه إلى شبكة "إن بي سي" الأمريكية، نقلاً عن جريدة "الحياة"، فأنا أعجب لم ينقل هذا عن جريدة الحياة التي نقلته بدورها عن أحد المواقع في الشبكة الدولية؟ أما كان الأجدر برئيس التحرير، وبصحيفة "الحياة"، وصحيفة "الوطن" من قبله أن يتأكدوا من صحة هذا الخبر قبل نقله، ويرجعوا إليه في مصدره الأصلي في تلك المحطة الأمريكية. وألا يعتمدوا في خبر كهذا على شخص مجهول الهوية في موقع من مواقع الشبكة الدولية. وأخشى أن يكون هذا الخبر مختلقاً من أساسه، حيث رجعت أنا وبعض المختصين إلى موقع تلك المحطة، وسألناهم عن هذا الخبر، فلم نجد له أية أثر!! فأين هي مسؤولية الكلمة؟ وأين الأمانة الصحفية يا معشر الكتاب؟! ولو فرضنا صحة الخبر، فلا يستخفنكم الذين لا يوقنون، ودعوا السيد: بات روبرتسون، وجيري فولويل، وأمثالهما من المتدينين، الذين يشكلون قطاعاً عريضاً من الشعب الأمريكي يجيبونهم عنكم، ويبينون لهم هذه الحقيقة الغائبة! وتقبلوا خالص شكري وتقديري
*عضو هيئة التدريس بجامعة الامام
ـــــــــــــــــــ
ماذا تريد المنظمات الأجنبية من المرأة المسلمة في شمال نيجيريا؟
الخضر بن عبد الباقي محمد 13/12/1425
24/01/2005
تتعرض الأسرة المسلمة في نيجيريا اليوم أكثر من أي وقت مضى لحروب فكرية شرسة ومدروسة لإحداث بلبلة فكرية أولاً، ومن ثم اضطراب في المفاهيم، وكلها ترمي للقضاء على القيم الإسلامية في البلاد، تلك المحاولات تستهدف المرأة المسلمة وعلى التحديد في المناطق الشمالية التي حققت فيها الصحوة الإسلامية مكاسب كبيرة في السنوات الأخيرة، وتأتي المنظمات الأجنبية والجمعيات غير الحكومية كإحدى محكات تلك الحروب نظراً لما تقوم به وتسوّق له من أفكار لا تخرج في جوهرها عن نمط وأشكال الدعوات إلى الإباحية والرذيلة في البلاد، وللأسف- بأسلوب مموّه وبطريقة قذرة قد لا ينتبه إليها أو يدرك مغزاها ودلالاتها العميقة إلا القلة، ترفع هذه المنظمات شعارات براقة جذابة، وتخفي بداخلها جرثومة فتّاكة من دون إثارة(69/257)
الضجيج. إنها بذلك تنقل السموم الغربية والقيم النصرانية المتناقضة لقيم الإسلام بزعم أنها جاءت تستبدل بالتخلف العلمية والتقدم، وتقتل الظلام بالنور الساطع القادم مع الحضارة الغربية.
الخطوط العريضة لهذه المحاولات الخبيثة لا تكاد تختلف عن دعوات سابقة لتحرير المرأة، بل تؤكد الأدبيات الخاصة للجمعيات العاملة في هذا المجال على أن مسألة تقوية المرأة بإعادة الحرية الكاملة لها، من خلال امتلاك إرادة حرة في اتخاذ قراراتها بعيدة عن سلطة الرجل أو الأسرة، وهذه واحدة من الغايات الأسمى التي تهدف إليها تلك المنظمات، بل تعتبر تحقيق ذلك "انتصاراً لقيم الحرية على السلطوية والقهر".
ولسنوات دأبت على تشجيع إدانة ممارسات رجعية على حد زعمها- مثل تعدّد الزوجات، الزواج القسري أو الزواج المبكر، وسعت من خلال التركيز على هذه الابعاد الحساسة ثقافياً إلى جذب انتباه سلطات محددة، وتتبع منطق الاستفادة السريعة في الانتشار داخل الحياة العامة في نيجيريا وفي داخل عدد من الدول والمجتمعات الأفريقية، وتكثف عملها على إبراز سوء أوضاع النساء من مختلف الأبعاد والتي تمثل نقاط الصدمة للغرب، الشيء الذي يمكن أن يجلب أو يدرّ تمويلاً ومساعدات كبيرة من المؤسسات الغربية المعنية بالقضية.
لماذا شمال نيجيريا؟
جاء اهتمام هذه المنظمات الأجنبية بمناطق شمال نيجيريا بشكل أكثر وضوحاً وتركيزاً من أي وقت مضى، ولعل هذا التركيز لم يكن قد جاء اعتباطا أو مصادفة من حيث التوقيت الزمني أو حتى المكاني بالطبع، فعلى الرغم من أن المحاولات والجهود التي تبذلها تلك المنظمات الناشطة في هذا الاتجاه قد انطلقت منذ فترة ليست بقصيرة، إلا أن تكثيف المناشط والبرامج قد جاء في وقت تصاعدت فيه مظاهر الانبعاث الديني أو الصحوة الإسلامية والمتمثلة في إعلان بدء عدد من الولايات النيجيرية في تلك المنطقة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وجاءت موجة انتقادات شديدة منها باتهامها بمصادرة حريات المواطن خاصة النساء، والتى ترى على حد زعمها "أنهن أكثر تضرراً من تطبيق الشريعة الإسلامية، وأكثر من وقع ضحايا أحكامها، لا سيما في قضايا الأحوال الشخصية أو القضايا الجنائية".
وقد شهدت مناطق شمال نيجيريا تنامي ظهور وانشاء المنظمات والمراكز الجديدة العاملة في مجال المرأة وشؤونها بطريقة أكثر لفتاً للانتباه والاهتمام حسب ما تشير إليه التقارير و الكتابات الأكاديمية المعنية بالشؤون الاجتماعية في تلك المناطق، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك: مراكز الحق في الصحة(Centers for the right to Health) وامتدت تلك التطورات لتشمل مجال القانون مثل: مركز تنمية المصادر والأبحاث القانونية( Legal Resource and Research Development Center) والذي يولي اهتماماً كبيراً بالجوانب القانونية وتوفير خدمات واستشارات قانونية للمرأة؛ لإنجاح مشروع دعم وتقوية المرأة وتحريرها من السلطوية الأسرية أو الدينية كما يزعم هؤلاء، وقد كان الذراع الطولى والسند الكبير لدعم هذه الدعوات والأفكار الوكالات(69/258)
والمنظمات الدولية اللا حكومية؛ إذ تؤمن للنشطاء في هذا الاتجاه مساعدات مالية ومصادر تمويل دائمة.
وقد أكدت البحوث العلمية الأكاديمية حدوث حالة تدنٍ في مستوى الذوق العام وظهور ممارسات سلوكية في الوسط الاجتماعي، وحملت بعضها مسؤولية انتشار ظواهر سلبية في المجتمع الشمالي المسلم المحافظ، ويشير الدكتور محمد ثالث الشيخ أستاذ التربية في جامعة بايرو في مدينة كانو في بحث له عن (دور الجمعيات والمنظمات اللا حكومية في إفساد المرأة في شمال نيجيريا) إلى التأكيد على ظهور حالات انحراف سلوكية بين النساء والشباب بالفعل؛ لأسباب ودوافع مختلفة، من بينها ما تنشره تلك الجمعيات من معلومات بالتركيز على مفاهيم مرتبطة بقضايا الجنس والغرائز والمراهقة.
كما أنها باتت تنخرط بشكل كبير في أوجه مناشط المجتمع المدني بجميع أشكالها، وأصبحت تجذب أعداداً هائلة في الأوساط النسائية، بدعاوٍ ومزاعم شتى، كدعوى (إصلاح حياة المرأة والعمل أو النضال للرفع من مستواها المعيشي والدفاع عن حقوقها المهضومة)، ورفعت شعار إطلاقها من القيود المفروضة عليها من الأعراف والتقاليد والقيم الدينية الموروثة.
من ناحية أخرى، نلاحظ أن أغلب تلك المنظمات إن لم تكن جميعها كانت تنطلق من مبادئ الفكر العلماني، فهي لا تهتم أو تعتني بالقيم الروحية، ولا الالتزام الديني فضلاً عن القيم الأخلاقية؛ فلا مجال للحديث عندها عن قضايا قيمية مثل: الشرف والعفة والطهارة والنقاء في الجانب المادي أو المعنوي، فلا تحث على النكاح الحلال، ولكنها تدعو وتشجع على ضرورة إطلاق العنان لحرية المرأة والشباب من الجنسين في إشباع الرغبة والغرائز الجنسية بأي طريقة دون التقيد بالإطار المقبول سواء في العُرف أو الشرع، علاوة على ذلك نجد أن التركيز شديد جداً على قضايا تحديد النسل؛ إذ أصبحت الشغل الشاغل على أجندة أولوياتها، وكثّفت حملاتها، وارتفعت وتيرتها خلال السنتين الماضيتين في شمال نيجيريا حول ضرورة ضبط النسل، والاهتمام بالنواحي الصحية للمرأة من خلال خطة مدروسة ومعدة بكل مكر ودهاء لتحظى بالقبول على المستوى الرسمي والشعبي تحت شعار: نحو مجتمع شمالي خالً من الأمراض، (التطعيم) الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقة بين الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات الشمالية بسبب موقف تلك الولايات الرافض لهذا المشروع المشبوه والمشكوك فيه.
مداخل التغلغل
عملت هذه المنظمات على استغلال الأوضاع والظروف الاجتماعية في البلاد كمدخل طبيعي للنفاذ داخل المجتمع النسوي، ولمخاطبة الرأي العام النسائي، بالضرب على أوتار وميول مرتبطة بالاحتياجات الفعلية والمشكلات التي تواجه المجتمع، وكانت من بينها إطلاق سلسلة من المشروعات والبرامج ذات الصبغة الإنسانية والخدمية، مثل (مشروع التطعيم ضد الأمراض والأوبئة)، و(مشروع المكافحة والوقاية من الإصابة بمرض فقد المناعة المكتسبة"الإيدز")، و(مشروع دعم التعليم الأساسي)، و(تأمين حياة أفضل للمرأة)، و(مشروع الصحة الإنجابية)(69/259)
وتتبنى الإشراف على تلك المشروعات منظمات ووكالات أجنبية غربية، مثل منظمة الصحة العالمية(World Health Organizition) وتعتبر الوكالة الدولية لمشروع صحة المراهقين والمعلومات(Adolescents Health And Information Agent) أكثر تلك المنظمات الدولية والأجنبية ذات قوة ونشاط ونفوذ، وهي تقدم معلومات و أرشادات ونصائح للمراهقين من الجنسين فيما يخص سبل الوقاية من الأمراض التي يمكن أن تنتج عن ممارسة الجنس، تلك المعلومات التي تصفها بأنها " معلومات ومشورات علمية لإقامة علاقة صداقة وعلاقات حب فاعلة على أساس من الثقة لتفادي أي مخاطر صحية ومشكلات في الأداء"!! وعلى جانب آخر هناك منظمات تقدم خدمات مماثلة للسيدات، مثل منظمة صحة المرأة النيجيرية(Nigerian Women Organization) صحة المرأة وإرشادات عن وسائل منع حدوث الحمل عند ممارسة الجنس هي قضايا اهتمامها، كما تعمل لتكريس عدة مفاهيم لا تخرج عن فكرة تحرير المرأة، وتعمل بالتعاون مع وكالة الولايات المتحدة الأمريكية للتنمية العالمية، والوكالات الوطنية ذات النزعة العلمانية لنشر قيم الثقافة الغربية في التعليم، مثل الدعوة إلى التعليم المختلط، والمطالبة بإلغاء حالة الفصل الموجودة في بعض المدارس، وتعمل منظمة أخرى في مجال نشر الوعي بالحقوق الديمقراطية للمرأة، مثل مشروع تقوية المرأة (Women Empowerment project) لمساندة جميع الجمعيات النسائية المحلية في شتى المدن لنيل حقوقهن وتحقيق مطالبهن عبر المؤسسات والمنابر الديمقراطية المختلفة.
وتتّبع هذه المنظمات العديد من الوسائل للترويج لتلك الأفكار والمفاهيم، مثل: عقد ندوات ومؤتمرات، وتنظيم ورش وحلقات نقاش ودورات خاصة للنساء، تحت عناوين ومسميّات مختلفة مخفية الأهداف والمقاصد الحقيقية وراء السطور، من بينها مؤتمر المرأة في ظل تطبيق الشريعة الإسلامية في شمال نيجيريا، والذي عُقد مؤخراً في مدينة أبوجا، ولم يكن مستغرباً أن يخلص في مداولاته إلى أن تطبيق الشريعة قد أضر بالمرأة النيجيرية وأعاق تقدمها وتحريرها!!
ويبقى لنا للأمانة أن نشير إلى مسيس الحاجة إلى بذل المزيد من الجهود للتوعية والإرشاد لملاحقة هذا التغلغل والنفوذ من ناحية، وإلى ضرورة تدارك مواطن الضعف والخلل في الأوضاع الداخلية في تلك الولايات مثل: المظاهر الاجتماعية السلبية كحالة أطفال الشوارع وظاهرة التسوّل، وغيرها من الأمور التي وفّرت أرضية للطعن والتشكيك في مدى قدرة نظام ذي توجه إسلامي في ضبط الوضع على الرغم مما تزخر به خطبه وأدبياته من نظريات في الرعاية والعدالة الاجتماعية، علاوة على ذلك فإن هذه الحالة تطرح تحدياً جديداً لا تقل خطورة عن التحديات الثقافية المعاصرة التي تواجهها الأمة، وهو إشكالية عدم وجود خطاب دعوي مخطط ومنظم للمرأة الأفريقية بما يتناسب ومخاطر المشكلات التي تعيشها، أخيراً يجب أن تتم إعادة طرح جديد لفكرة التربية الجنسية في المناهج الدراسية في البلاد، بعقلية تتجاوز الهاجس الأخلاقي للوصول إلى رؤية متكاملة الأبعاد، مما يجعل الجيل والنشء في مأمن وعلى بصيرة من تلك القضايا الشائكة التي دائماً تُثار للنيل من الإسلام وتعاليمه(69/260)
ـــــــــــــــــــ
الحركة النسويّة الغربيّة ومحاولات العولمة (1/2)
الحركة النسويّة الغربيّة في طور جديد
د. إبراهيم الناصر * 25/3/1426
04/05/2005
الحركة النسويّة: هي حركة غربيّة عُرفت سابقاً بحركة تحرير المرأة ثم انتقلت إلى عالمنا العربي و الإسلامي من خلال الغزو العسكري والثقافي فشقيت بها الأمة منذ عقود من الزمن، وما زالت هذه الأفكار تُستورد تباعاً، كلما حصل تطورات فكريّة لهذه الحركة في موطنها الأصلي.
وتعريفها باختصار عند أتباعها هي: الفلسفة الرافضة لربط الخبرة الإنسانية بخبرة الرجل، وإعطاء فلسفة وتصور عن الأشياء من خلال وجهة نظر المرأة.
والمتخصصون يفرقون بين النسويّة والنسائيّة، فالنسائيّة: هي الفعاليّات التي تقوم بها النساء دون اعتبار للبعد الفكري والفلسفي، وإنما بمجرد أنها فعاليات تقوم بها المرأة، بينما النسويّة تعبر عن مضمون فلسفي وفكري مقصود حسب التعريف السابق.
- موجبات وجود هذه الحركة في الغرب هي صورة المرأة في المصادر الثقافيّة الدينيّة الغربيّة أي في التراث اليهودي والمسيحي باعتبار أن الحركة هي نتاج المجتمع الغربي وثقافته، وليست نتاج المجتمعات الأخرى سواء كانت إسلاميّة أو غير إسلاميّة؛ فقد نشأت فيه وانبعثت منه، فمن أهم أسباب وجودها صورة المرأة في التراث اليهودي والمسيحي؛ فالمرأة في هذا التراث هي أصل الخطيئة؛ لأنها هي التي أغرت آدم بالخطيئة عندما أكلت من الشجرة كما هو منصوص عليه في كتبهم الدينية المحرّفة، فالرب عندما فعلت هذا الفعل حكم بسيادة الرجل عليها نهائياً، وقد ترتب على هذا الموقف – فيما بعد - أحكام وأوصاف أخرى للمرأة في هذا التراث، فهي شيطانة وملعونة، وليس لها روح تستحق من خلال هذه الروح أن تدخل الجنة بل الأغلب أنها تدخل النار، ولا توجد امرأة لديها فضيلة يمكن أن تدخلها إلى الجنة, هذا أحد موجبات وجود هذه الحركة وأسباب انتشار هذه الأفكار التي تجمّعت عليها هذه الحركة.
الموجب الآخر لهذه الحركة المتطرفة هو موقف العديد من المفكرين والفلاسفة الغربيين تجاه المرأة من (أفلاطون) الفيلسوف اليوناني المشهور الذي يصنف المرأة في عدد من كتبه ومحاوراته مع العبيد والأشرار ومع المخبولين والمرضى, إلى الفلاسفة المتأخرين مثل (ديكارت) من خلال فلسفته الثنائية التي تقوم على العقل والمادة: فيربط العقل بالذكر ويربط المادة بالمرأة، والفيلسوف (أوغست كنت) أحد أباء الفلسفة الغربية: يصف المرأة بأنها ضعيفة في كافة الاتجاهات بالذات في قدراتها العقلية, كذلك فيلسوف الثورة الفرنسية (جان جاك رسو) يقول: إن المرأة وُجدت من أجل الجنس، ومن أجل الإنجاب فقط إلى (فرويد) اليهودي رائد مدرسة التحليل النفسي وموقفه المعروف من المرأة الذي يتضمن أن المرأة جنس ناقص لا يمكن أن يصل إلى الرجل، أو أن تكون قريبة منه.(69/261)
هذا الموقف التراثي الديني المنبعث من التحريف الموجود في العهدين القديم والجديد مع موقف هؤلاء المفكرين والفلاسفة هما الموجبان الرئيسان لهذه الحركة النسوية.
فدعاة النسوية يتخذون من هذه الأفكار منطلقاً لنشر الثقافة المضادة عن المرأة التي شكلت مفاهيم وقيم ومبادئ الحركة النسوية الغربية، ثم هم يهدفون أن تكون حركة نسوية عالمية.
ما هي النتائج التي عكسها الموقف التراثي الديني والموقف الفكري الفلسفي حسب رؤية النسويّين؟
قالوا: إن تهميش المرأة, وسيطرة الرجل عليها سبب نشوء جماعات ذكوريّة متطرفة في نظرتها إلى المرأة مسيطرة عليها لا تعطي لها فرصة إثبات وجودها مما تسبب في نشوء تمييز على أساس الجنس أي تمييز ضد المرأة، ولذلك أصبح الحل في نظر الحركة النسويّة الغربيّة: هو التخلي عن المنطلقات التي كوّنت هذه النظرة، وهي العقائد والأعراف الدينية والشرائع السماوية باعتبار أن هذا الوضع للمرأة هو إفراز لتلك النظرة في التراث الديني.
ثم برزت فكرة الصراع بين الرجل والمرأة من أجل أن تنتزع المرأة الحقوق التي سلبها الرجل منها، أي أن العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة صراع على الحقوق، لذا كان من أهم الحلول التي طرحتها الحركة النسويّة الغربيّة هو التخلي عن العقائد ورفض الدين؛ فالفكر النسوي قائم على أساس فكري علماني صرف، وهذه حقيقة لا بد أن ندركها؛ لأن هذا الفكر اللاديني تأثرت به معظم المجتمعات الإسلامية.
و في أثناء مسيرة هذا الفكر نشأ تياران داخل الفكر النسوي في المجتمعات الغربية:
التيار الأول:التيار النسوي الليبرالي المعروف بحركة تحرير المرأة، وهو الذي بدأ في العالم الغربي منذ قرن ونصف القرن، ويقوم على مبدأين أساسيين هما: المساواة و الحرية, مبدأ المساواة التماثلية بين الرجل والمرأة ومبدأ الحرية شبه المطلقة, وهذان المبدآن الرئيسان اللذان قامت على أساسهما الحداثة الغربية, كيف نشأ هذان المبدآن؟ هذه قصة فلسفية طويلة لا حاجة للوقوف عندها، لكن العبرة بآثارهما؛ فهما الأساسان اللذان قام عليهما الفكر النسوي كأحد منتجات الحضارة الغربية، وقد تم تكريس هذا الفكر على المراحل الآتية:
1- قامت ثورتان في المجتمع الغربي ترفعان هذين المبدأين وهي الثورة الأمريكية عام 1779م والثورة الفرنسية عام 1789م، ومبادئ هاتين الثورتين ضمنتا في الدساتير التي قامت عليه الدولتان الأمريكية والفرنسية، ثم ترسّخت هذه المبادئ في الفكر الغربي المعاصر.
2- قام التنظيم الدولي المعاصر على هذا الأساس, فمبادئ الأمم المتحدة عندما نشأت عام 1945م ضمنت في وثيقتها رفض التمييز على أساس الجنس، وتحقيق المساواة التماثلية بالمفهوم الغربي الذي يقوم على فكرة الصراع بين الرجل والمرأة من أجل الحقوق التي يسيطر عليها الرجل.
3- صيغت الصكوك والاتفاقات الدولية على أساس هذه المبادئ، وأهم وثيقتين في هذا الصدد هما:(69/262)
ا - الإعلان العالمي لحقوق الإنسان(1948) وهو ينص على وجوب الالتزام بهذه المبادئ ويؤكد على عدم التمييز على أساس الجنس وعلى تحقيق المساواة التماثلية بين الرجل والمرأة وعلى حرية الزواج خاصة في المادة السابعة والمادة السادسة عشر.
ب - الوثيقة الثانية وهي الأهم والأخطر من بين هذه الاتفاقيات فيما يخص المرأة اتفاقية (سيداوcedaw) أو (اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة) عام ( 1979) . وهي اتفاقية مكونة من (30) مادة، وموادها الست عشرة الأولى تؤكد على عدم التمييز وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، وتشجيع الاختلاط بين الجنسين، والمساواة بين الزواج والطلاق.
4- مرحلة عولمة هذا الفكر من خلال الصكوك والوثائق الدولية، و ترويجها من خلال المؤتمرات الأممية التي تنعقد بين الفينة والأخرى في القضايا الاجتماعية مثل مؤتمر السكان في القاهرة عام 1994م، ومؤتمر المرأة في بكين عام 1995م، وهذا الأخير هو أخطرها لأن وثيقته اعتبرت مرجعية في مصاف اتفاقية (سيداو) من حيث الأهمية والمتابعة مع أن وثائق المؤتمرات عبارة عن توصيات وليست اتفاقاً دولياً, لكن النشاط المحموم في متابعة تنفيذ مقررات هذه الوثيقة (وثيقة بكين) يدل على مرجعيتها، فانعقد عام 2000م في نيويورك اجتماع دولي سُمّي بِـ(بكين 5) لمتابعة تنفيذ ما في هذه الوثيقة، و في فبراير هذا العام 2005م انعقد في نيويورك مؤتمر (بكين10) لمتابعة تنفيذ توصيات نفس الوثيقة، وفي كل هذه الاجتماعات يُطلب من الدول تقديم تقارير توضح مدى التقدم في تنفيذ هذه التوصيات، وما هي العوائق التي تقف في وجه تنفيذ ما لم يُنفذ.
التيار الثاني: الذي أفرزه الفكر النسوي الغربي عبارة عن تيار نسوي متطرف يطالب بتغيير البنى الاجتماعية و الثقافية والعلمية واللغوية والتاريخية باعتبار أنها متحيزة للذكر، وفي داخل هذا التيار نشأت جيوب تدعو إلى دين جديد (الوثنيّة النسويّة).
(female paganism) أو دين المرأة الجديد الذي يقوم على أساس تأليه المرأة مقابل الأديان الذكورية التي فيها الإله ذكر، فلا بد للمرأة أن تكون آلهة في الدين الجديد.
أهم مبادئ هذا التيار: - التخلي عن الأفكار التي أخذت صفة القدسية، ويعنون بها نصوص الوحي والتراث الديني وهذا موقف يلتقون به مع التيار الأول فمحاربة الأديان قاسم مشترك بين التيارين.
- التخلي عن الأنوثة باعتبار أن الأنوثة هي سبب ضعف المرأة وسبب هيمنة الرجل عليها، فالأنوثة تقود إلى الزواج، والزواج يقود إلى الأمومة، والأمومة تقود إلى تكوين الأسرة، ففي كل هذه المراحل تكون المرأة الطرف الأضعف، والرجل يكون الطرف المهيمن.
كيف يمكن التخلي عن الأنوثة في نظرية هذا التيار؟
يتم ذلك عن طريق عدد من الإجراءات :
ا- تغيير النظام الأسري الذي يصنع نظاماً طبقياً ذكورياً يقهر المرأة, وهذا لا يتم إلا بتقويض مفهوم الأسرة المعروف وإحلال الأسرة الديمقراطية محلها.(69/263)
ب- حق المرأة في الإجهاض بحرية حسب الطلب، وتسهيل ذلك.
ج- ممارسة الجنس المثلي (اللواط والسحاق) وهذا يعطي المرأة الحرية في أن تمارس حقها الجنسي بحرية، فلا تبقى بحاجة إلى ذكر في المسألة الجنسية.
د- صياغة نظرية نسويّة لتحقيق المساواة التماثلية بين الجنسين، ولا يتم ذلك إلا بخلخلة الثنائية السيكولوجيّة والاجتماعيّة التقليديّة بين الذكر والأنثى، وإيجاد بديل عنها، وهو مصطلح (الجندر) أو الجنوسة وهو النوع الاجتماعي بدلاً عن مصطلح الجنس.
ما هو مفهوم (الجندر)؟
يقوم هذا المفهوم على أساس تغيير الهوية البيولوجية والنفسية الكاملة للمرأة, و يقوم أيضاً على إزالة الحدود النفسية التي تفرق بين الجنسين على أساس بيلوجي أو نفسي أو عقلي, كذلك يزيل الهويّة الاجتماعيّة التي تحدد دوراً مختلفاً لكل واحد من الجنسين في الحياة وتمايزه عن الجنس الآخر.
سبب التمييز والاختلاف بين الرجل والمرأة حسب تفسير هذا التيار المتطرف للحركة النسوية: أن التنشئة الاجتماعية والأسرية تتم في مجتمع ذكوري، أي أن الأنظمة ذكوريّة والآلهة ذكوريّة حتى عقيدة التثليث المسيحية هي ذكورية فالأب والابن وروح القدس كلهم ذكور يرمز لهم بـ ( He ) ضمير المذكر وليس (She)ضمير المؤنث.
هذه التنشئة الاجتماعية والأسرية والبيئية التي يتحكم فيها الذكر بالأنثى تحدّد دور المرأة في المجتمع فتنشئ تمييزاً جنسياً, فالأنثى اكتسبت خصائص الأنوثة بسبب التنشئة الاجتماعية و البيئية وبسبب المصطلحات اللغوية التي تميز بين الذكر والأنثى، التي أبرزتها كأنثى, بينما الذات الواحدة يمكن أن تكون مذكراً أو مؤنثاً حسب القواعد الاجتماعية السائدة, فلا توجد ذات مذكرة في جوهرها ولا ذات مؤنثة في جوهرها, هذا الاعتقاد هو الذي قاد إلى فكرة (الجندر) أي النوع الاجتماعي باعتبار أنه إذا بقي الوصف بالجنس (ذكر وأنثى) لا يمكن أن تتحقق المساواة مهما بُذل من محاولات لتحققها فلابد من إزالة صفة الأنوثة لتحقيق المساواة أو تخفيفها على الأقل؛ لتخفيف التمييز وبناء على ذلك لا يُقسم المجتمع على أساس الجنس ولا تقوم الحياة الاجتماعية، ولا تؤسس العلاقات الاجتماعية على أساس الذكر والأنثى، إنما يكون نوع إنساني (Gender), وبذا تتخلخل هذه الثنائيّة الاجتماعيّة المكونة من المذكر والمؤنث.
كيف يمكن إيجاد الأسرة الديمقراطيّة وتكريس مفهوم جديد للأسرة يتوافق مع مبادئ هذا التيار باعتبار أن الأسرة التقليديّة عائق في تحقيق المساواة الكاملة؟
يتم ذلك من خلال إجراءات تحقّق في النهاية خصائص الأسرة الديمقراطية، وأهم هذه الإجراءات:
- إلغاء مؤسسة الزواج لأنه معوق أساس في تحقيق المساواة، وهو في النهاية يوجد طبقية بين الزوجين، ويكرس السيادة للمذكر على المؤنث.
- تحرير المرأة من الحمل والإنجاب وإحلال الحمل، والإنجاب الصناعي لأن الحمل والإنجاب عمليتان استبداديّتان في حق المرأة؛ فلابد من تحرير المرأة منهما.(69/264)
- إلغاء دور المرأة في تربية الأطفال، ومن القيام بالأعمال المنزلية وإقامة مراكز تربويّة لتربية الأطفال داخل المجتمع وليس بالبيت.
هذه المبادئ تأخذ عند بعض جيوب هذا التيار شكل إنشاء دين جديد وثني يسمونه دين المرأة الجديد أو الوثنيّة النسويّة ( (female paganism حسب مصطلحاتهم كما ذكرنا سابقاً, وقد اعتنق مبادئ الوثنيّة النسويّة الجديدة حسب آخر الإحصائيات المتاحة في السبعينيات الميلادية أكثر من مائتي ألف امرأة، ويتوقع أن تزداد هذه النسبة في مرحلة ما بعد الحداثة, لأن مبادئ هذا التيار تتوافق مع مبادئ وأفكار هذه المرحلة مثل التعددية النسبية, رفض المُطلقات والثوابت, ومن غرائب أفكار هذا التيار المتطرف (الوثنيّة النسويّة) أنهم يتهمون العلم الطبيعي المادي بأنه تسبب باغتراب الإنسان عن ذاته وعن الإيمان الروحي، ولذلك تضع هذه الحركة من أهدافها إعادة الروح للإنسان من خلال تأليه الطبيعة, الذي يساعد على إعادة العلاقة بين الطبيعة وبين الإنسان بعد أن دمرها الرجل المستبد المسيطر الذي صنع آلات الدمار فدمر بها الطبيعة؛ فلابد من إعادة العلاقة من جديد بين الطبيعة وبين الإنسان من خلال المرأة؛ لأن هناك علاقة مباشرة بين المرأة والطبيعة، فالطبيعة فيها الجمال والخصب وفيها النماء وتوحي بالسلام، وهكذا هي صفات المرأة، فالمرأة متوافقة مع الطبيعة، فإذا ألّهت الطبيعة ألّهت المرأة فتنشأ علاقة مقدسة بينهما، فالطبيعة هي وجه المرأة، والمرأة هي وجه الطبيعة. وبناء على هذه الأفكار نشأ مذهب داخل هذه الحركة في المجتمع الغربي يُسمّى المذهب النسوي البيئي ((Ecofeminism, يكون الربّ فيه مؤنثاً وأظهروا له تماثيل بشكل المرأة ذات الصدر العالي تُسمّى (الإلهة) (Godess) مؤنثة وليس (إله) ((God مذكر، واسترجعوا تاريخ الوثنيات القديمة التي ألّهت الطبيعة في مجتمعات آسيوية وأفريقية قديمة ليضعوه أحد مسوغات هذا الفكر الجديد بوجهه النسوي المتطرف في العالم الغربي.
ومجمل القول: إن هذا الفكر قائم على أساس تدمير الأديان؛ لأنها قامت على أساس ذكوري من الإله إلى الأنظمة السياسية، إلى المجتمع، إلى الرجل الذي يتحكم بالمجتمع الذكوري، ويستبد به، ويصنع هذه البيئة الذكوريّة على حساب المرأة، كما يقوم هذا الفكر على إزاحة البُنى التي قامت على أساس ذكوري، ونبذ القوالب الثابتة والأفكار الجامدة في إشارة إلى الأفكار المتأثرة بالفكر الديني.
ثم صياغة فكر نسوي يتمثل في الوثنيّة النسويّة أو دين المرأة الجديد يقوم على مفهوم (الجندر)، والأسرة الديمقراطية، ويقوم على عبادة الطبيعة من أجل التوازن البيئي، وربط ذلك بالمرأة لأنها تمثل الجمال والخير والخصب والنماء. والتركيز على المرأة كذات مستقلة عن الرجل وتستغني عنه حتى في الجنس بتشريع السحاق، وباختصار فإن "الفكر النسوي الغربي عبارة عن هجوم على طبيعة الإنسان الاجتماعي، و إلغاء الثنائية الإنسانيّة (الذكر والأنثى) التي يستند إليها العمران الإنساني" كما يقول الدكتور عبدالوهاب المسيري.
هناك حركة محمومة في هذا الاتجاه في عدد من البلدان العربية والإسلامية كل مجتمع بحسبه، ولو أخذنا مثالين من المغرب ومصر؛ ففي المغرب حركة قوية جداًّ في الغارة على ما بقي من أحكام الشريعة الإسلامية في بعض جوانب الأحوال(69/265)
الشخصية تحت شعار إدماج المرأة في التنمية، وأما في مصر فهناك قوانين جديدة للأحوال الشخصية وجدل كبير حول مبادئ النسوية،والجمعيات النسوية الموجودة في مصر من كثرتها يسميها بعض الكتاب الدكاكين النسوية، وهي بالمئات وبعضها تمول تمويلاً أجنبياً للقيام بأنشطة مريبة هناك، فهناك أكثر من خمسين مؤسسة تمويل، أمريكية في الدرجة الأولى ثم كندية ثم أوروبية وأسترالية، ومنها مؤسسات تابعة للأمم المتحدة، وبعضها مؤسسات رسمية، أو شبه رسمية، ومنها مؤسسات طوعية أهلية ليست على علاقات بالحكومات.
ومن أبرز المشاريع التي مولتها بعض مؤسسات التمويل الغربية في مصر مشروعات لمتابعة تنفيذ مقررات وثيقة بكين في مصر، فهناك أكثر من مؤسسة تمويل دعمت أكثر من جمعية لنفس الهدف.
أما على مستوى التنظيم الرسمي فهناك عدد من المجالس واللجان المعنية بشؤون المرأة، مجالس ولجان عليا تخطيطية ولجان تنفيذية ، كذلك صدر عدد من التشريعات لتتوافق مع مقررات (سيداو: اتفاقية القضاء على كافة إشكال التمييز ضد المرأة) ولتتوافق مع مقررات بكين ومن أهمها موضوع الأحوال الشخصية، والجدل الذي دار في مجلس الشعب المصري لتغيير عدد من مواد قانون الأحوال الشخصية في مصر، وصدور عدد من التشريعات في هذا الاتجاه يحكي الحالة المصرية، كما أن التحفظات المصرية المعتادة على بعض الاتفاقيات الدولية في هذا الصدد بدأت تختفي أو زالت بحكم الواقع ، ولو انتقلنا إلى السعودية التي قاطعت رسمياً المؤتمرات هذه (مؤتمر السكان ومؤتمر بكين) وصدر بيانان من هيئة كبار العلماء مستنكراً أفكار وثيقتي المؤتمرين وحضورهما، لكن في المقابل وقعت المملكة على اتفاقية (سيداو) مع التحفظ المعتاد على ما يخالف الشريعة الإسلامية، لكن المشكلة أن القانون الدولي لا يقبل مثل هذه التحفظات لوجود اتفاقية دولية (اتفاقية جنيف) تنص على أن التحفظ على أي بند في أي اتفاقية دولية لا يكون مقبولاً إلا إذا كان يتعلق في جوهر هذه الاتفاقية، ومعلوم أن مخالفة اتفاقية ( سيداو) للشريعة الإسلامية هو في بنودها الموضوعية الجوهرية ، ومن الأشياء التي تُحمد لمجتمعنا في السعودية أن الجمعيات النسائية لم تتورط في هذه الفتنة المتمثلة في هذا الفكر النسوي المنحرف، كما هو الحال في كثير من الجمعيات النسوية في المجتمعات العربية والإسلامية. ومع الأسف أنك تجد أطروحات كثير من هذه الجمعيات في تلك المجتمعات تتوافق مع أطروحات جمعيات الحركة النسوية العالمية، ففي مؤتمر بكين كان من أسوأ الأطروحات ما جاء من بعض الجمعيات النسائية العربية، بينما كانت الجمعيات النصرانية الغربية خاصة الكاثوليكية أكثر محافظة من بعض الجمعيات العربية النسوية.
ومما يحمد للمجتمع السعودي أنه يمنع الاختلاط في أكثر المجالات ، والاختلاط بين الجنسين في فكر الحركة النسوية العالمية وفي اتفاقية ( سيداو) من مظاهر المساواة ومنعه يعتبر تمييزاً في حق المرأة، ولذا فإن هذه الاتفاقية تنص على ضرورة الاختلاط في التعليم وفي العمل، ولكن هذا المجتمع متمسك ومتماسك إلى حد كبير في هذه المسألة عدا بعض الخروقات في بعض مواقع التعليم والعمل مع أن الأنظمة(69/266)
والتعليمات تنص على منع الاختلاط، ونظام العمل والعمال المعمول به الآن ينص على عدم الاختلاط؛ فينبغي المحافظة على هذه القيمة الفاضلة في المجتمع حتى لا نِزل أو نِضل بتشرب هذه الفتن التي ابتليت بها مجتمعات إسلامية وعربية.
وأهم ما ينتقدونه على المجتمع السعودي في اللجان والمؤتمرات هو عدم تمكين المرأة – تمكين المرأة مصطلح نسوي يعني أن تمكن في المجتمع كالرجل تماماً- في تولي الوظائف القيادية والمشاركة في اتخاذ القرار وتولي القضاء، وقد تولت امرأة القضاء في مجلس الدولة في مصر هذه السنة لأول مرة، مع أن الفتوى الشرعية في مصر عدم جواز تولي المرأة للقضاء.
أيضاً ما ينتقدونه على المجتمع السعودي تمييز الرجل عن المرأة في الميراث، وكذلك الشهادة أمام المحاكم، وموقف هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المرأة، والتمييز ضد المرأة بمنع الاختلاط، ومنعها من قيادة السيارة، وعدم حرية التنقل والسفر دون محرم وخاصة السفر الخارجي، وعدم المشاركة في الوفود الرسمية الخارجية.. هذه أهم الانتقادات التي توجه إلى المملكة العربية السعودية، ومعظم هذه القضايا ذوات أبعاد شرعية واجتماعية، وهذه الاتفاقية وتوصيات المؤتمرات تطالب تطبيق بنودها دون اعتبار للأحكام الشرعية والمواقف الثقافية.
كيف نواجه ضغوط الموقف الخارجي:
على المستوى الخارجي:المشاركة الفعالة في هذه اللجان والمؤتمرات ولا أرى أن المقام يتسع للمقاطعة؛ لأن الضعيف إذا قاطع لا يؤبه به - ونحن ضعفاء مادياً وسياسياً في هذه المرحلة - وإنما إذا شارك أثبت حضوره وقرر فكره ونشر مبادئه بخلاف القوي إذا قاطع فسيكون له أثر، فالولايات المتحدة الأمريكية عندما قاطعت اليونسكو ضعفت اليونسكو بسبب أن الذي قاطع دولة قوية كالولايات المتحدة الأمريكية، لكن إذا أتت بعض الدول الإسلامية وقاطعت مؤتمرات عالمية فإن هذا لا يؤثر كثيراً. فمن الحكمة -والله أعلم- أن نشارك ونطرح وجهة النظر الشرعية والرؤية الإسلامية بقوة ومن دون انهزامية حتى نزاحمهم ونكاثرهم ونثبت في وثائق هذه المؤتمرات وجهة النظر الإسلامية، ونمنع تفرد وجهة نظر النسوية العالمية التي تتبناها السياسة الغربية والأمم المتحدة، والحذر من أن نظهر وكأننا نريد أن نتوافق مع مواد اتفاقية (سيداو) أو مقررات بكين؛ لأننا لا نستطيع أن نستبدل مرجعيتنا الشرعية والثقافية بهذه المقررات، فالله سبحانه وتعالى يقول (فماذا بعد الحق إلا الضلال)، ولأن مجتمعنا سيرفض ذلك تماماً فهذا الخيار غير ممكن، ولذا سنستمر في جدل مع لجان المتابعة ومجاملات لهم توصلنا إلى حال مرتبك، لكن إذا أظهرنا ديننا ومبادئنا وأعلنا ثوابتنا وأن قيم مجتمعنا نشأت على أساس مبادئ وأحكام الشريعة التي قامت عليها شرعية الدولة ونشأ عليها المجتمع؛ فيمكن أن ننفذ بهذه الحجة التي قد لا يقتنعون بها في البداية لكن بعد الإصرار والثبات والعرض القوي الحكيم، ولذا يكون من المناسب أن يتضمن الموقف نقد مفهوم الحرية الغربي ومفهوم المساواة القائم على فكرة التماثل بين الجنسين وظيفياً، ونبين موقف الإسلام من هذه القضايا بحسن عرض وقوة منطق، فنتحدث عن العدل في مقابل المساواة، وأن المساواة ليست دائما تحقق العدل؛ بل تكون أحيانا ظلماً وهذا ما يحصل بالنسبة للمرأة(69/267)
الغربية، فهم يظنون أنهم يحققون لها المساواة وهذا ليس صحيحا لأن التسوية بين المختلفين تكون ظلماً في كثير من الأحيان وفي حالتنا هذه تكون المرأة هي المظلومة.
على المستوى الداخلي:هناك أطروحات ليبرالية داخلية تريدنا أن نبدأ بدرجات السلم الأولى للهبوط من خلال التوافق مع أجندة المؤتمرات أو بعضها مستثمرين ظروف المرحلة. ومواجهة هذه الأطروحات يكون بعمل إيجابي يقوم على حل مشكلات المرأة بالتزامن مع تطوير وتنمية أدائها لوظائفها ودورها الاجتماعي ، ويكون ذلك بالتالي:
أولاً : من خلال تحرير الموقف الشرعي من حقوق المرأة وواجباتها بوضوح، وبيان أن مقتضى كون الشريعة مرجعاً لنا هو قبول هذا الموقف والانقياد له في المجتمع المسلم.
ثانياً: من خلال بيان ما يواجه المرأة من مشكلات؛ فالمرأة تواجه مشكلات كثيرة في أي مجتمع من المجتمعات مثلها مثل غيرها من أفراد المجتمع، فالرجل له مشكلاته، والأطفال لهم مشكلاتهم ، والمعاقون لهم مشكلاتهم وهكذا.. ، ونظراً لأن المرأة لها اعتبار خاص وقضيتها مطروحة الآن وهي مدخل للفتنة في مجتمعنا كما هي فتنة للحضارة الغربية المعاصرة؛ فلا بد أن نواجه هذه القضية بما يكافئها علمياً وعملياً، ومنها أن ننظر في مشكلات المرأة التي تواجهها في المجتمع بنظر شرعي واقعي.
ما هي مشكلات المرأة مع الرجل؟ ما هي مشكلات المرأة في المجتمع؟ ما هي مشكلات المرأة مع الأنظمة؟ ما هي مشكلة المرأة مع المرأة؟ هناك مشكلات تواجهها المرأة مع المرأة يغفل عنها كثير من المهتمين بشأن المرأة ، المرأة كثيراً ما تظلم المرأة، كم تظلم الضرة ضرتها! وكم تظلم زوجة الابن أم الزوج والعكس! كم تظلم العميدة عضوات التدريس! كم تظلم المدرسة الطالبات! وكم تظلم المديرة المدرسات والموظفات! وهكذا...
ثالثاً: اقتراح البرامج العملية لحل هذه المشكلات بأن يبادر أهل العلم والمثقفون والدعاة والمصلحون وأصحاب الغيرة بالتصدي لهذه القضية، ولا تترك للناعقين والمتفيهقين ولمدعي العلم والثقافة ممن في قلوبهم مرض، المستنسخين لفصول من الثقافة النسوية الغربية، مستقوين بفكر العولمة الذي يدعم هذا الاتجاه، ومستغلين ظروف البلاد بعد أحداث سبتمبر عام 2001م.
من المبادرات الجيدة لبعض أهل العلم والدعوة صدور وثيقة تحمل تصوراً شرعياً لقضايا المرأة، سميت بـ (وثيقة حقوق المرأة وواجباتها في الإسلام) وقعها أكثر من ثلاث مئة عالم وداعية ومفكر ما بين رجل وامرأة، وهذه الوثيقة قسمت إلى أقسام:
أولاً: منطلقات أساسية ذكرت الوثيقة عدداً من المنطلقات التي يجب أن يبنى عليها أي مشروع للمرأة سواء في بيان الموقف الشرعي تجاه المرأة أو عند مناقشة المشكلات أو في مرحلة طرح البرامج والحلول، وأذكر فقرتين كنموذج لما ورد في باب المنطلقات من هذه الوثيقة المتميزة:
الفقرة الأولى: تقرر الوثيقة أن دين الإسلام هو دين العدل، ومقتضى العدل التسوية بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين، ويخطئ على الإسلام من يطلق أنه دين(69/268)
المساواة دون قيد، حيث إن المساواة تقتضي أحياناً التسوية بين المختلفين وهذه حقيقة الظلم، ومن أراد بالمساواة العدل؛ فقد أصاب في المعنى وأخطأ في اللفظ، ولم يأت حرف واحد من القرآن يأمر بالمساواة بإطلاق، وإنما جاء الأمر بالعدل قال تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) فأحكام الشريعة قائمة على أساس العدل؛ فتسوي حين تكون المساواة هي العدل، وتفرّق حين يكون التفريق هو العدل، قال تعالى: (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم)، أي صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام؛ لذا فإن الإسلام يقيم الحياة البشرية والعلائق الإنسانية على العدل كحد أدنى، فالعدل مطلوب من كل أحد مع كل أحد في كل حال، قال تعالى (ولا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).
الفقرة الثانية في هذا الباب: في مجال العلائق بين البشر. تعتبر الجاهلية الغربية المعاصرة الفردية قيمة أساسية، والنتيجة الطبيعية والمنطقية لذلك هو التسليم بأن الأصل في العلاقات بين البشر تقوم على الصراع والتغالب لا على التعاون والتعاضد، وعلى الأنانية والأثرة لا على البذل والإيثار، وهذه ثمرة الانحراف عن منهج الله، فصراع الحقوق السائد عالمياً بين الرجل والمرأة هو نتاج طبيعي للموروث التاريخي والثقافي الغربي بجذوره الميثولوجية (الدينية) الذي تقبل أن فكرة العداوة بين الجنسين أزلية وأن المرأة هي سبب الخطيئة الأولى، وهذا الموروث ربما التقى مع بعض الثقافات الأخرى، ولكنه بالتأكيد لا ينتمي إلى شريعة الإسلام ولا إلى ثقافة المسلمين؛ فالحقوق عند المسلمين لم يقرها الرجل ولا المرأة إنما قررها الله اللطيف الخبير.
وفي باب آخر من هذه الوثيقة: تحت عنوان "أصول شرعية في حقوق المرأة وواجباتها" تكلمت الوثيقة عن عدد من النقاط كان منها: التأكيد على موضوع الأسرة وعلى موضوع العلاقة بين الرجل والمرأة وأنها علاقة تكاملية وليست تماثلية، وقالت في بند من بنودها: "حفظت الشريعة الإسلامية -المراعية للعدل- أن للمرأة حقوقاً في المجتمع تفوق في الأهمية الحقوق التي تضمنتها وثيقة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة القائمة على أساس المساواة التماثلية وتغفل الجاهلية المعاصرة هذه الحقوق ولا تبالي بانتهاكها، مثل: حق المرأة في الزواج حسب الشريعة الإسلامية وأيضاً حقها في الأمومة وحقها في أن يكون لها بيت تكون ربته ويعتبر مملكتها الصغيرة، حيث يتيح لها الفرصة الكاملة في ممارسة وظائفها الطبيعية الملائمة لفطرتها، ولذا فإن أي قانون أو مجتمع يحد من فرص المرأة في الزواج يعتبر منتهكاً لحقوقها ظالماً لها.
ومعلومٌ أن الفكر النسوي ينتهك هذه الحقوق (حق الزواج وحق الأمومة)، فاتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة تدعو الدولة الموقعة أن تدعم تعليم وعمل المرأة ولو على حساب الزواج، وتحارب الزواج المبكر، هذا فضلاً عن موقف التيار النسوي المتطرف المطالب بإلغاء قدسية الزواج!.
وتكلمت الوثيقة أيضاً في باب آخر تحت عنوان رؤى الوثيقة عن نقاط عدة، منها: أن الإسلام بعد تقرير المساواة بين الرجل والمرأة في معنى الإنسانية والكرامة البشرية والحقوق التي تتصل مباشرة بالكيان البشري المشترك والمساواة في عموم الدين و(69/269)
التشريع، يفرق بين الرجل والمرأة في بعض الحقوق والواجبات تبعاً للاختلاف الطبيعي الحاصل بينهما في المهام والأهداف والاختلاف في الطبائع التي جبل عليها كل منهما ليؤدي بها وظيفته الأساسية، وهنا تحدث الضجة الكبرى التي تثيرها المؤتمرات الكبرى الخاصة بالمرأة وروادها، و يثيرها المنتسبون للحركة النسوية العالمية ومقلدوها في العالم الإسلامي المروجون لفكرة المساواة التماثلية بين الجنسين.
إن المساواة في معنى الإنسانية ومقتضياتها أمر طبعي ومطلب عادل؛ فالمرأة والرجل هما شقا الإنسانية، والإسلام قرر ذلك بصورة قطعية لا لبس فيها، أما المساواة في وظائف الحياة وطرائقها فكيف يمكن تنفيذها؟ هل في وسع هذه المؤتمرات والحركات النسوية ومنتسبيها من الرجال والنساء بقراراتهم واجتماعاتهم أن يبدلوا طبائع الأشياء؟ وأن يغيروا طبيعة الفطرة البشرية؟
إن مزية الإسلام الكبرى أنه دين ونظام واقعي يحكم في مسألة الرجل والمرأة على طريقته الواقعية المدركة لفطرة البشر؛ فيسوي بينهما حين تكون التسوية هي منطق الفطرة الصحيحة، ويفرق بينهما حين يكون التفريق هو منطق الفطرة الصحيحة، قال تعالى: ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).
وفي فقرة أخرى عللت الوثيقة أسباب التمايز بين الرجل والمرأة في الميراث والشهادة والدية والعمل والتعليم والحجاب وغير ذلك من الرؤى التي تخص المرأة، وفي النهاية تذكر الوثيقة مطالب وتوصيات موجهة للحكام وللمجتمع وللمرأة وأيضاً للناشطين في مجال الحقوق من المسلمين ومن غير المسلمين وتختم الوثيقة مطالبها بالاهتمام بالبرامج العملية التي تقوم على أساسين:
الأول: الثوابت الشرعية من عقائد وأحكام ومقاصد.
والثاني: الملائمة الواقعية لمستجدات الحياة.
ثم تبشر الوثيقة بأن الإسلام هو أكثر الأديان انتشاراً في العالم الغربي وأن أكثر من يسلم في الغرب من النساء... هذه أهم أفكار الوثيقة.
وأرجو أن يتبعها وثيقة أخرى تتكلم عن مشكلات المرأة في المجتمع، ثم ثالثة تطرح البرامج والحلول في المجتمع لتكون مبادرة من أهل العلم والمثقفين وأهل الغيرة والمصلحين لحماية مجتمعهم من هذه الفتنة العاصفة المتمثلة في فساد الفكر الوافد الذي تمثله الحركة النسوية العالمية وإسقاطاتها في المجتمع، وللعناية بالمرأة تربيةً وتنميةً لتقوم بدور فاعل برؤية شرعية واثقة.
ـــــــــــــــــــ
المرأة الأفغانية .. في مواجهة التحدّيات!
د. ليلى بيومي 4/7/1426
09/08/2005
أثار الاحتلال الأمريكي لأفغانستان مشاعر أسى عميقة في نفوس المسلمين، خاصة وأن الشعب الأفغاني شعب مسلم فقير لا يكاد يجد لقمة عيشه .. ولم ترض أمريكا باحتلال أفغانستان فقط بل راحت تبث سمومها وتروّج ثقافتها الغربية بين أوساط الأفغان ونالت المرأة الأفغانية القسط الأوفر من حربها الفكرية المسمومة ودعوتها(69/270)
للسفور والتبرج ومخالطة الرجال ..فبعد أكثر من ثلاث سنوات من الاحتلال نتعرف في تلك السطور على ردود الأفعال النسائية تجاه ما تعيشه المرأة الأفغانية في ظل الاحتلال الأمريكي، وهل تم منحهن الحياة الكريمة والحرية الكاملة في ظل الاحتلال.
في البداية تقول الكاتبة الإسلامية صافي ناز كاظم: إن ما حدث في أفغانستان حرب غير إنسانية على كل المستويات؛ لأنها حرب قادها الهوى والغرور الأمريكي وأخذت الناس بالظنون والشبهات .. وكان وقودها الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ وكلهم من المدنيين، وتحمّلت المرأة الأفغانية بصفة خاصة أعباء هذه الحرب الفاجرة بعد أن فقدت بيتها وزوجها وبعض أطفالها أو كلهم وبعض إخوتها أو كلهم .
إنني رأيت صورة امرأة أفغانية أدمت قلبي، وهي تحمل رفات زوجها، وتصحب أبناءها الصغار إلى رحلة المجهول؛ هذه المرأة ومثيلاتها يعانين الكثير الكثير في رحلة البحث عن مأوى ثم توفير رغيف الخبز والأغطية والعلاج .. ناهيك عن تعليم الصغار، وأذكر هنا أن ما فعلته أمريكا من إلقاء الطعام بجوار القنابل للمدنيين إنما هو تمثيلية غير أخلاقية بعدما كشفت العديد من وسائل الإعلام أن الدقيق (الطحين) الذي تقذفه الطائرات الأمريكية مأخوذ من قمح تم هندسته وراثياً كي يضر بصحة من يستخدمه .. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الولايات المتحدة كانت تأمر الطائرات بقصف مخازن الطعام التابعة لهيئات الإغاثة الدولية والأمم المتحدة ...وهذا يعني أنه كان يُراد تجويع الشعب الأفغاني بنسائه وأطفاله وشيوخه الذين يتباكى عليهم الإعلام الغربي الكاذب.
تشويه صورة المرأة الأفغانية
أما د. نادية هاشم الأستاذة بكلية الدراسات الإسلامية للفتيات بجامعة الأزهر فتقول: إن الولايات المتحدة ومعها الغرب اغتصبت القانون الدولي، وداست على الأمم المتحدة، واحتلت أفغانستان بالقوة الغاشمة التي صبّتها على شعب جائع بائس فالإعلام الغربي شوّه صورة المرأة الأفغانية بأنها مضطهدة وجاهلة لا تتعلم، وترتدي النقاب عنوة في ظل حكم طالبان..وهذا محض افتراء؛ فأذكر هنا أن فضيلة مفتي مصر الدكتور نصر فريد واصل حينما ذهب بصحبة الوفد الإسلامي إلى أفغانستان عاد وأنكر هذه الاتهامات، وقال: إن ما يتردد في هذا الشأن محض افتراء وإن الفتاة يتم تعليمها بشكل عادي تحت سلطة طالبان .. هذا ما قاله فضيلة المفتي .. أما الحجاب أو النقاب فهو أمر شائع في المجتمع الأفغاني الذي لا يكاد يعرف السفور؛ على الرغم من الحملة الأمريكية ضد النقاب، والغريب أن الغرب هلّل للموسيقى التي انطلقت من الإذاعة في ظل الاحتلال الأمريكي .. وأنا أتساءل هل وفّرت هذه الموسيقى الطعام والمأوى والأمن للنساء ؟ .. هل فعلت الموسيقى شيئاً لامرأة فقدت زوجها وأطفالها؟
وتضيف د . نادية هاشم: إن أمريكا والغرب أمم مادية انتهازية لا تقيم وزناً لخصوصية الشعوب ..
صلاح المرأة الأفغانية(69/271)