فيمن عليه مسؤولية رعاية المرأة
...
...
498
...
الأسرة والمجتمع
...
...
المرأة
...
محمد بن صالح العثيمين
...
...
عنيزة
...
...
...
الجامع الكبير
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- نقص عقل المرأة ودينها. 2- المرأة سهم من سهام إبليس. 3- التبرج عند بعض نسائنا. 4- حال نساء السلف.
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى وقوموا بما كلفكم الله به من رعاية أولادكم وأهلكم خصوصا النساء فإن النساء يحتجن إلى زيادة العناية بالرعاية لأنهن ناقصات في العقل وناقصات في الدين ناقصات في العقل وفي التفكير وبعد النظر والعاطفة، تفكيرها مضطرب غير موزون ونظرها قريب لا يتجاوز قدميها وعاطفتها متداعية كل سبب يجذبها وكل هوى يطيح بها وناقصة الدين لأنها إذا حاضت لم تصل ولم تصم ولأنها تكثر اللعن وتكفر العشير.
أيها المسلمون يا رجال الإسلام اشكروا هذه النعمة التي حباكم الله بها وقوموا بها على الوجه الأكمل، اسمعوا ربكم خالق الكون وعالم أسراره والمحيط بخفيه وظاهره ومستقبله وماضيه اسمعوه يقول: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض [النساء:34]. فاعرفوا أيها الرجال هذا الفضل وقوموا بحقه لا تبخسوا أنفسكم حقها وتنسوا الفضل لا تغلبكم النساء على رجولتكم ولا يلهينكم الشيطان عن رعاية أهليكم ولا تشتغلوا بأموالكم عن قيمكم وأخلاقكم والحفاظ على عوراتكم وشرفكم.
أيها المسلمون: إن مشكلة النساء ليست بالمشكلة الهينة وليست المشكلة الجديدة لأن الفاسقة منهن شَرَك الشياطين وحبائل الشر يصيد بهن كل خفيف الدين مسلوب المروءة. قال النبي : ((إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان)) [رواه مسلم]. وقال: ((المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان)) أي زينها في نظر الرجال [رواه الترمذي قال الألباني وإسناده صحيح]. وقال : ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)) [متفق عليه].
فاتقوا الله أيها المسلمون واحذروا هذه الفتنة التي حذركم منها نبيكم اقضوا على أسباب الشر قبل أن تقضي عليكم وسدوا أبواب الفساد قبل أن تنهار عليكم.
أيها الناس إن كثيرا من النساء في هذا العصر قد لعب الشيطان بهن وبأفكارهن وتصرفاتهن تخرج الواحدة منهن إلى الأسواق بدون حاجة، وقد قال رسول الله في النساء اللاتي يخرجن إلى الصلاة في المساجد قال: ((بيوتهن خير لهن)). وتخرج الواحدة منهن متزينة متطيبة متحلية وقد قال : ((إن المرأة إذا إستعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا يعني زانية)) [رواه الترمذي وقال حسن صحيح]. وتخرج الواحدة منهن فتمشي في السوق مشية الرجل وترفع صوتها كما يتكلم الرجل وتزاحم كما يزاحم الرجل وتختلط مع الرجال بدون مبالاة هذا موجود في بعض النساء ولا سيما في أماكن البيع وكل هذا خطر عظيم ضرر جسيم ومخالف لما كان عليه السلف الصالح من هذه الأمة خرج النبي من المسجد وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال الرسول للنساء: ((إستأخرن فإنه ليس لكن أن تحتضن الطريق عليكن بحافات الطريق)) فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليعلق به. وقالت أم سلمة رضي الله عنها: لما نزلت هذه الآية يدنين عليهن من جلابيبهن خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها وقالت عائشة رضي الله عنها ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقا لكتاب الله ولا إيمانا بالتنزيل لقد أنزلت سورة النور وليضربن بخمرهن على جيوبهن [النور:31]. فانقلب الرجال يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم يتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابته فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها([1]) المرحل([2]) فاعتجرت به([3]) تصديقا وإيمانا بما أنزل الله في كتابه.
أيها الناس إن الكثير يتساءلون على من تكون مسؤولية هذا التوسع في خروج النساء أعلى الجهات الحكومية أم على وجهاء البلد أم على الولي المباشر؟ والحق أن كل واحد سواء كان جهة أم شخصا كل واحد عليه مسؤولية ذلك ولكنها على الولي المباشر أكبر وأعظم وأقرب حلا إذا وفقه الله للقيام بمسؤوليته إن على كل واحد منا أن يمنع زوجته وابنته وأخته وكل من في كفالته أن تخرج إلى السوق إلا من حاجة لا يمكنه أن يقضيها بنفسه عنها. وإذا خرجت فلتخرج غير متطيبة ولا متبرجة ولا لابسة ثياب زينة وأن تخرج وعليها السكينة وتخفي صوتها وتحرص على أن يكون خروجها في الوقت الذي لا تزاحم فيه الرجال.
ومتى عرف الرجل مسؤوليته أمام أهله وخاف مقام ربه وحرص على إصلاح عائلته ومجتمعه فسيقوم بما أوجب الله عليه من الرعاية ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا [الطلاق:2-3].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. . . الخ.
([1])كساء من صوف أو خز.
([2])برد فيه تصاوير رحل أو إزار خز فيه علم.
([3])لبسته على صفة معينة.
ـــــــــــــــــــ(68/257)
بيان الدواءين القرآني والمادي - حجاب المرأة / الحلقة الأولى
...
...
852
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
...
...
أعمال القلوب, المرأة
...
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري
...
...
المدينة المنورة
...
...
...
قباء
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
ضعف الإنسان وتعرضه للآفات وحكمة ذلك – حال المؤمنين المحافظين على الصلاة في في العافية والبلاء – الأخذ بالأسباب وحكم التداوي , وعدم تعارضه مع التوكل , وخطا من فهم ذلك – الدواء المادي والدواء القرآني – الأصل في القرآن أنه شفاء لأمراض الشبهات والشهوات – وحَكم ونظام – من بركة القرآن الشفاء من الأمراض العضوية وغيرها , والرقية وأحكامها – مشروعية الحجاب وحِكمه وفوائده – موقف الطواغيت وأهل الشهوات من الحجاب الأمر بغض البصر
الخطبة الأولى
أما بعد:
فإن الإنسان هذا المخلوق المكرم، إن الإنسان معرض للآفات والعوارض من الأمراض والحوادث وغير ذلك من الأحوال المكروهة وبذلك يظهر ضعفه ويتبين قدره وأنه خُلق ضعيفًا، وأنه خُلق من ضعف فإن هذا الإنسان كلما أحس بالعافية والقوة أو أوتي شيئًا من الجاه والسلطان، أو أوتي شيئًا من المال هو في الغالب يطغى ويتجبر على الناس ويشمخ بأنفه وينسى نفسه وينسى ربه عز وجل، فإذا ما هجم المرض على جسده أو على نفسه أو على عقله اشتد جزعه وانهارت قوته فذهب يضرب في الأرض يمينًا وشمالاً يبحث عن الطب والدواء ويتذلل للأطباء وربما تذلل للدجالين والمشعوذين: إن الإنسان خُلق هلوعًا إذا مسه الشر جزوعًا وإذا مسه الخير منوعًا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون [المعارج:19-23]. نعم إلا المؤمنين، والمؤمنون هنا وصفهم الرب عز وجل بالمداومة والمحافظة على الصلاة فهم يذكرونه سبحانه دائمًا.
وصفهم بهذا الوصف تنويهًا بعظم شأن هذه العبادة وعظم شأن قدرها وعظم بركتها على أصحابها فالمؤمنون من أبرز سيماهم ذكر الله عز وجل والمداومة على الصلاة والمحافظة على الصلاة.
ولذلك فإنهم يستمتعون دائمًا في جميع أحوالهم ببركات هذه العبادة العظيمة الشأن.
المؤمن المحافظ على ذكر الله وعلى الصلاة يُبتلى كغيره من الناس، قد يبتليه الله عز وجل بالمرض في جسده أو في نفسه أو في عقله ليرفع من درجاته ويعظم ثوابه ويطهره من ذنوبه حتى إذا قدم على ربه يقدم عليه وهو نقى من الذنوب. فالله عز وجل يبتلي المؤمن كما يبتلي غيره.
إلا أن من أبرز سمات المؤمن أنه إذا اُبتلي صبر، ورضى بقضاء الله وآمن بقدره وبأنه سبحانه يفعل في ملكه ما يشاء: لا يُسئل عما يفعل وهم يُسألون [الأنبياء:23].
له ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بمقدار سبحانه وتعالى. والمؤمن مع ذلك من شأنه أيضًا أن يتخذ الأسباب لرفع بلاء المرضى عن جسده أو نفسه أو عقله، يتخذ الأسباب بالتداوي امتثالاً لأمر النبي المصطفى فقد أمر بذلك فقال: ((عباد الله تداووا فما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء))[1].
فالتداوي أي طلب الدواء لإزالة المرض هو من اتخاذ الأسباب واتخاذ الأسباب من لوازم التوكل، ولوازم حسن الظن بالله عز وجل ولذلك فإن سيدنا رسول الله وهو أعظم المتوكلين إيمانًا وأعلمهم بالله عز وجل تداوي طلب الدواء لنفسه ووصفه لغيره.
وقد أرشد الرسول لأمته الدواءين الدواء المادي والدواء القرآني أما الدواء المادي فخبره لدى الأطباء والمستشفيات والجراحين هم أهل هذا الشأن.
لكن سيدنا رسول الله لقلة الأطباء في زمنه وندرته في عهده وشفقته على أمته أرشد الناس إلى بعض الأدوية المادية وصفها لهم وأقر بعضًا ممن كان موجودًا من قبل.
فأرشد إلى العسل[2] وأرشدهم إلى القد العود الهندي[3] وأرشدهم إلى السنا المكي[4] ووصف التلبينة[5] أي مرق اللحم الممزوج باللبن، ووصف الاغتسال بالماء البارد للمحموم[6].
ووصف الحجامة[7]، وذكر الكي من أنواع الدواء لكنه جعله آخر الدواء.
فأرشد الناس إلى هذه الأدوية المادية وهي بعضًا من الدواء المادي فإضافة إلى ما أخبرنا به الصادق الأمين المبلغ عن رب العالمين من هذه الأدوية المادية.
فإن الدواء المادي في زماننا هذا قد تطور بتطور الطب والجراحة تطور تطورًا كبيرًا وهذا من أعظم نعم الله على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون فالمؤمن يتخذ الأسباب إذا ابتلي بالمرض أو بغيره، يتخذ الأسباب يبحث عن الدواء المادي، يذهب إلى الأطباء والمستشفيات وهذا أمر لا يحتاج الناس إلى تحريضهم عليه هم أحرص على أجسادهم وعلى مصالحهم.
إلا أننا نريد بذلك أن ننفي عن الأذهان. عن ما يقوم في أذهان بعض الناس بأن من لوازم التوكل في شريعتنا ترك الدواء وترك طلب الدواء هذا خطأ فادح فإن التداوي من لوازم التوكل لأنه من اتخاذ الأسباب هو من لوازم التوكل ومن لوازم حسن الظن بالله عز وجل، ولو كان ترك الدواء من التوكل لما فعله سيد المتوكلين والمؤمنين رسول الله ، فقد تداوى بنفسه طلب الدواء لنفسه ووصفه لغيره .
هذا عن الدواء المادي وأما الدواء القرآني فإن الله عز وجل أنزل هذا القرآن شفاءً لما في الصدور، شفاءً لمرض الشهوات والشبهات وهذا هو الأصل في القرآن العظيم أنه إنما أُنزل ذكرًا قرآنًا مبينًا أي كلامًا يُتقرب للرب عز وجل بقراءته وتلاوته.
وأُنزل حكمًا لقوم يوقنون أي دستورًا ونظامًا إذا التزم الناس بأحكامه وقوانينه وآدابه في حياتهم أفلحوا في الدارين.
ولكن الرب عز وجل من رحمته بعباده أودع في كلامه العظيم في قرآنه الكريم، مع ذلك أودع فيه من أسرار البركة والخير أن جعل فيه الشفاء من الأمراض عضوية كانت أو غير عضوية.
جعل فيه الشفاء من الأمراض، الشفاء من العين، الشفاء من السحر، والشفاء من مس الجن ومن غير ذلك من الأمراض.
جعل في كلامه العظيم الشفاء من الأمراض معنوية كانت أو غير عضوية فعلى المسلم أن يلجأ إلى الدواءين الدواء المادي والدواء القرآني بدلاً من أن يذهب إلى الكهنة والسحرة والدجالين والمنجمين والمشعوذين فيقع في الإثم العظيم يقع في الكفر بما أُنزل على محمد ولا تُقبل له صلاة أربعين يومًا.
بدلاً من ارتكاب هذا الإثم العظيم وبدلاً من ارتياد الكهنة والدجالين والعرافين على المسلم أن يلجأ إلى الأسباب التي أرشده إليها نبينا وسيدنا محمد أن يلجأ إلى الدواءين، الدواء المادي والدواء القرآني.
الدواء المادي المتاح لدى الأطباء والمستشفيات، والدواء القرآني المتاح في هذا الكتاب العظيم المبارك الكريم فيقرأه على نفسه.
يقرأ منه ما تيسر به على نفسه أو يرقيه به غيره من المؤمنين الصالحين الصادقين، فينفع بإذن الله عز وجل.
ومن هنا شُرعت الرقية الشرعية بهذا القرآن العظيم.
ولكن على المسلم أن يكون متبصرًا في أمور دينه، متبصرًا في أمور نفسه لا يسلم نفسه للدجالين والعرافين والمشعوذين فقد كثروا في الآونة الأخيرة وكلهم يزعم أنه يقرأ بالقرآن ويرقي بالقرآن وما كل من زعم ذلك صادق فيه فإن الرقية بالقرآن إنما تنفع إذا رقى بها المؤمن الصادق الصالح أما المشعوذون الكذابون الذين يستغلون الناس باسم القرآن ويأكلون أموالهم بالباطل فعليك أيها المسلم أن تحذر منهم لا تسلم نفسك إليهم فيستغلونك وينهبونك ويفرّغون جيوبك وعلامة هؤلاء الدجالين وإن زعموا أنهم يقرأون القرآن ويرقون بالقرآن أنهم يتحدثون عن أنفسهم دائمًا في المجالس والمناسبات والصحف والمجلات يشهرون بأنفسهم كأنما يقول كل واحد منهم هاأنذا أيها الناس لدي هذه الأسرار فأقبلوا علىّ حتى أملأ جيوبي من أموالكم ومن علامة هؤلاء الدجالين المشعوذين الذين يستغلون كتاب الله عز وجل لأكل أموال الناس طمعهم وجشعهم وظلمهم وجورهم على الناس وعلى أموال الناس فإن الشارع الحكيم وإن أباح للراقي بالرقية الشرعية أن يأخذ على رقيته أجرًا إلا أنه لم يبح له أن يظلم الناس ويجور على أموالهم ويرهقهم بل على العكس من ذلك أمر النبي المؤمن صاحب القرآن الذي أوتي الرقية أن ينفع أخاه وأن يعين المسلمين وينفعهم أمره النبي بذلك مع إباحته له أن يأخذ أجرًا إذا احتاج إلى ذلك في صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي قال: "لا رقية إلا من عين أو حمة أو نملة"[8].
أما العين وتسمى النفس ويعرفها الجميع وأما الحمة فهي لدغ العقرب وما أشبهها من الحشرات السامة وأما النملة فهي جروح أو قروح الإنسان أعاذنا الله وإياكم من ذلك جميعًا.
وليس المراد من هذا الحديث حصر الرقية في هذه الإصابات الثلاث وإنما معنى هذا الحديث أنه لا دواء لهذه الإصابات الثلاث أفضل من الرقية بالقرآن وهي إذا تأملتم واحد منها سببه غير عضوي وهي عين العائن والحاسد واثنان سببهما عضويان وهي الحمة وهي لدغ العقرب والنملة الجروح التي تصيب جنبي الإنسان.
فالرقية بالقرآن العظيم تنفع بإذن الله عز وجل من الإصابات العضوية وغير العضوية.
نسأل الله عز وجل لنا ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] مسند أحمد (4/278) ، سنن أبي داود (3855) ، سنن الترمذي (2038) ، وقال: حسن صحيح ، وسنن ابن ماجة (3436).
[2] في صحيح البخاري (5680) عن ابن عباس مرفوعا: (( الشفاء في ثلاثة:شربة عسل وشرطة لحجم كية نار وانهى)).
[3] في صحيح البخاري (5692) عن أم قيس بنت محصن قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية. . )) الحديث.
[4] في مسند أحمد (6/369) وسنن الترمذي (2081) وقال: حسن غريب ، وسنن ابن ماجة (3461) عن أسماء بنت عميس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأ لها : ((بمَ تستمشين؟)) قالت: بالشبرم
[5] في صحيح البخاري (5689) وصحيح مسلم (2216) عن عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن التلبينة تجم فؤاد المريض ، وتذهب ببعض الحزن)).
[6] في مسند أحمد (2/119-120) عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا احسستم بالحمى فاطفئوها بالماء البادر)).
[7] انظر حديث البخاري في حاشية رقم(2).
[8] ليس لهذا الحديث أثر في صحيح مسلم ولكن فيه أثر عن بريدة بن الحصيب الأسلمي أنه قال : (( لا رقية إلا من عين أو حمة)) رقم (220).
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فإن الرب عز وجل من صيانته للمرأة المسلمة ورعايته لها وحمايته لعفافها ونقاءها شرع لها الحجاب وتلطفًا بشأنها وتكريمًا لها أمر النبي بأن يبلغها هذا الحكم الإلهي فجعل هذه الوسيلة الكريمة الواسطة بينه وبين النساء المسلمات لتبليغهن هذا الأمر الإلهي.
والنبي هو واسطتنا بيننا وبين ربنا لتبليغنا جميع أوامره ونواهيه لا يختص هذا بهذا الحكم لكن هذا الحكم مع بعض الأحكام غيره نص الله تعالى في قرآنه الكريم على النبي وسيلة وواسطة لتبلغه قال عز وجل: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورًا رحيمًا [الأحزاب: 59].
نعم المرأة المسلمة الصالحة بالحجاب يعرف الجميع عفافها وإيمانها وأنها محضة مصونة عفيفة فلا يتعرض لها أهل الفسق والكبائر مما في قلبه مرض يعرفن فلا يؤذين [الأحزاب: 59].
يعرف إيمانهن وصلاحهن وتعففهن بالحجاب والحشمة فإن الحجاب رمز الحشمة والحياء فلا يتحرش بهن من في قلبه مرض وبذلك تتم صيانتهن ورعايتهن وحفظهن.
فإن الحكمة التي أرادها الشارع الحكيم من الحجاب هو حماية المرأة من غوائل الفساد وأهل الفساد حتى لا تكون نهبة لكل من هب ودب وحتى لا تُستغل فتهدر كرامتها وتضيع إنسانيتها وتضيع حقوقها فالله عز وجل أعلم بخلقه وبشئونهم وأحوالهم وطبائعهم وغرائزهم وما يصلح حالهم: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير [الملك: 14].
فهو سبحانه يريد لخلقه يريد لعباده صلاح حالهم واستقامة حياتهم حتى يقبل أعمالهم ويتوب عليهم وحتى يجزل لهم الثواب والتكريم: والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيمًا [النساء: 27].
ولذلك لا يغيظ أهل الشهوات عبيد الشهوات دهاقنة الفساد والإفساد لا يغيظهم شيء من أحوال المرأة المسلمة كما يغيظهم تعففها وحياءها ورمز ذلك كله الحجاب، الحجاب يغيظ طواغيت الفساد. واحد من طواغيت العرب هذه الأيام نصح فتاتين من رعيته ساكنتين في فرنسا، وما أدري ما الذي ألجأ تلك الفتاتين وأهلهما إلى السكنى في بلاد الكفر والفساد ربما كانت هناك ضرورة ألجأتهم إلى ذلك.
فتاتان عربيتان مسلمتان التزمتا بالحجاب فقام الفرنسيون عليهما قام الفرنسيون النصارى الإفرنج عليهما يستنكرون حالهما وحجابهما ثم انتصرت هاتان الفتاتان. انتصر الحياء والحشمة ووقف ذلك الطاغية من طغاة العرب يزجر هاتين الفتاتين لماذا تفضحوننا أيتها الفتيات المسلمات الحجاب ليس من أحكام الإسلام.
الحجاب رمز الحياء والحشمة يغيظ عبيد الشهوات الذين يريدون من المسلمين أن يميلوا ميلاً عظيمًا.
أما الرب عز وجل فيريد منكم أيها المؤمنون ويريد منكن أيتها المؤمنات يريد أن يتوب عليكم ويتقبل أعمالكم وتستقيم أحوالكم وتصلح حياتكم.
هذا هو ما يريد الرب عز وجل الذي شرع الحجاب للمرأة المسلمة وهو مع ذلك أمر المرأة بغض البصر فإن الحجاب ليس أمرًا شكليًا المراد منه الحشمة والوقار والتعفف والصون هذا هو المراد من الحجاب ولذلك أُمرت المرأة المسلمة مع الحجاب أن تغض بصرها عن الرجال ما أمكنها ذلك أُمرت بهذا كما أمر به الرجل.
قال تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن [النور: 30-31].
وسوف نعود إلى تفسير هذه الآية وإلى أحكام الحجاب في الجمعة القادمة بإذن الله تعالى.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار.
واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة ومنهج الصحابة الأخيار رضوان الله عليهم أجمعين.
يا بن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تُدان.
ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب: 56].
وقال : ((من صلى علىّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًاْ))[1].
[1] صحيح مسلم (408).
ـــــــــــــــــــ(68/258)
أي امرأة نريد
...
...
234
...
الأسرة والمجتمع
...
...
المرأة
...
عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
...
...
عنيزة
...
1/5/1417
...
...
جامع السلام
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- مكانة المرأة في المجتمع الإسلامي. 2- خداع المرأة لإخراجها من بيتها وعن دورها الرئيسي. 3- خطر الإعلام في توجيه المرأة. 4- ضرورة تعليم المرأة. 5- المرأة تعلم أبنائها وتسعى في تربيهم وتعليمهم. 6- خديجة بنت خويلد. 7- سمية ينت خباط. 8- أم عمارة المازنية. 9- أم عطية الأنصارية.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل وكثرة حمده على آلائه إليكم، ونعمائه عليكم، وبلائه لديكم، فكم خصَّكم بنعمة، وأزال عنكم نقمة، وتدارككم برحمة فتوبوا إليه واستغفروه واشكروه، عباد الله، بزغ نور الهداية يشع في ذرُى مكة المكرمة لينتشر في أنحاء العالم، ناشرا معه الفضيلة، داعيا إلى الخير، مرهَّبا من الشر، أقر الفضائل، وَنقَّص الرذائل وألغى ما يخالف الإسلام من عادات جاهلية تسلب الحقوق وتهدر الكرامات.
كان من فضائل الإسلام على المرأة أن أعاد عليها كرامتها، وحفظ عليها ماء وجهها من أن تبذله، وتستذل استذلالا مقيتا، جعلها محفوظة في بيت أبيها تُحْتَرم ويعطف عليها لأنها امرأة، يراها مكرّمة معززة في بيت زوجها تبدي رأيها وتزور أهلها وتصل رحمها، نراها أمََّا تصبح كنفا للابن وينبوع سعادة، يتدفق بأغلى عاطفة إنسانية، فتعالوا إخوتي مرة أخرى لنتحدث عن المرأة بعد أن تحدثنا في خطبتنا الماضية عن كيفية الحفاظ على المرأة فهيا بنا نتناول الحديث عن المرأة التي نريد وماذا نريد من المرأة؟!
إخوة الإيمان: كوّن آدم وحواء أول أسرة في التاريخ عاشت بعد أمر الله لهم بإنجاب الأولاد ثم تربيهم على عقيدة الله عز وجل ونبذ الشرك، إذا فالمرأة تبدأ من الأسرة وتعتبر إحدى ركائزها، بل هي الركيزة الأساسية لهذه الأسرة، التي أمر الإسلام بأن يكون الزوجين فيها مترابطين بهذا الولاء: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة [الروم:21]. وبلغ من عظم هذا الرباط بين الزوجين أن جعله عليه الصلاة والسلام إحدى وصاياه لأمته في خطبة الوداع: ((استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمات الله ..))، والمرأة سواء كانت أمًا أو زوجة أو بنتا أو أختا أو عمة أو خالة لها مكان محترم وتقدير من نوع خاص، فاحترام الأم ينبع من توجيه إسلافنا بطاعة الوالدين، وتقدير الزوجة لأنها النصف الآخر لدين الرجل وعتبة منزله، وبنتا لتربيتها وحسن رعايتها، أجر مرافقة النبي في الجنة، وأختا يحافظ عليها حتى تجد الزوج الصالح، وعمة وخالة أمر الدين بصلة الرحم من خلالهن وتوعد قاطع الرحم بأشد العقوبات.
أيها الإخوة المؤمنون: لا يمكن لنا أن نتحدث عن دور المرأة ورسالتها المطلوبة منها بمعزل عن الحالة العامة التي تعيشها الأمة، فالمرأة لا تقيم في جزيرة نائية بل تعيش وسط العمعمة، تؤثر وتتأثر، تستقبل وترسل فما كان من ضعف في كيان الأمة أحست به وتأثرت له، وما كان من خير وقوة علمته وتمثلته ليعود نفعا عليها وعلى أسرتها، وحينما نرى كثير من المجتمعات نرى فيها اهتماما أكبر بالرجل كمًا وكيفاً، يتقدم هذا الاهتمام على الاهتمام بالمرأة بل قد يكون على حسابها في التربية والتعليم بما أثر في وجود ظواهر سلبية في شخصية المرأة ودورها ورسالتها.
وعلى الرغم من أن المرأة المسلمة بدأت تنال حظا من التعليم والاهتمام على مستويات رسمية وشعبية إلا أن هذا التعليم والاهتمام تأثر كثيرا بمفاهيم غير إسلامية، تؤكد مثلا على عمل المرأة ووظيفتها خارج البيت أكثر مما تؤكد على الأمومة وقيادة الأسرة، توهم المرأة بخيال حرية خطرة تهدد معتقداتها وسلوكها وكيفية أسرتها، إن الإعلام في أكثر البلدان الإسلامية لا سيما من خلال القنوات الفضائية التي تتابعها وتشاهدها المرأة يعمل على تقديم النماذج النسائية التي يطلبون تمثلها في مجتمعاتنا الإسلامية وأن تقلدها نساءنا إنها نماذج تعيش في بيوت جميلة، وترتدي الثياب الجميلة أيضا، وأحيانا تمثل القيم للناس بل ونساء التاريخ الإسلامي الطاهرات العفيفات، ولكن لا تسأل عما وراء ذلك كله من تهتك قِيَِمِي، تحلل عقدي يؤدي في النهاية إلى كون المرأة سلعة في جنبات سوق نخاسة عالمي ينظر التجار فيه إلى الأخلاق وكأنها تراث أو كماليات، يوجد في الحياة بدائل عنها تجد سماسرة ذلك السوق يقتلون المرأة باسم الحرية، فهم يكسبون المال بفتاة الغلاف ويروجون مصنوعاتهم بصورة امرأة متبرجة أو شبه عارية .
إننا كأولياء على النساء يحتم علينا الإسلام أن نجمع جهودنا في صياغة برامج تربوية لإصلاح المرأة وإعادة دورها المنشود، أن نكرس جهودنا في إعداد موسوعة علمية تتناول شؤون المرأة وشجونها، همومها واهتماماتها، حاضرها ومستقبلها، وأن نعمل بعون الله ثم بالتعاون المثمر البناء مع كل مؤسسة عامة أو خاصة، رسمية وشعبية بل مع الجهود الفردية لننقل التصور إلى حقيقة مرئية، ولنعبر من جموح الخيال إلى طموح الواقع ومن النظريات إلى التطبيقات، ولنبدأ مثلا مع بداية العام الدراسي للمرأة بالتأكيد على العلاقة بين القراءة والفعل، بين المدرسة الشارحة والمدرسة السالكة المطبقة، بين الإسلام بوصفه خِيَِرة الله للناس وصبغة الله التي أرادها للبشر: صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون ، لنساهم في وجود العلم والمعلّمة والإرادة للذين يجعلون بناء العقيدة في شخصية الطالبة أكبر همهم ويحضونها على طلب العمل لنفع دينها وأمتها ودنياها، أخرج البخاري أن رسول الله قال: ((أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران))، وقال عروة بن الزبير: " ما رأيت أحدا أعلم بطب ولا بفقه ولا بشعر من عائشة "، يجب أن نساعد في وجود العلم والمعلمة الذين يعدون المرأة الزوجة والمرأة الأم، والمرأة المنتجة مثل أن يعدوا المرأة لوظيفة تخالف طبعها وطبيعتها لتقضي عليها أمًا وزوجة.
ليساعد الآباء والأمهات والأولياء والأزواج المسؤولين في آرائهم ورُآهم، وليكن همُّ الكتَّاب والمثقفين والإعلاميين رفع دور المرأة وتوضيح حقيقته، ليتحدث الخطباء وليتكلم المحاضرون على المرأة الموجود والمرأة المطلوبة، عن الأم التي تخلت عن أمومتها للخادمات، وانشغلت بالأفراح والحفلات، ليتحدث الجميع عن المرأة التي انشغلت عن بيتها للثرثرة عند الجارات في أحاديث تفسد الدين ولا تنفع الدنيا، لنتحدث عن الأم التي صارت مجلات الأزياء ثقافتها مهملة كتاب ربها وسنة نبيها، لتكتب الأقلام وتنطق المنابر بأن المرأة المسلمة هي التي باعت لله نفسها، وبايعت على العفة والجد، ترى واجبها الأكبر في أداء حق ربها ثم في إرضاء زوجها، ورعاية أطفالها وبيتها، قال : (( إذا صلت المرأة خمسها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت)).
لتكتب الأقلام عن المرأة المسلمة التي تكون مباركة حيث ما حلت فلا تختصر الزوجية بالطبخ ولا تختزلها في الملبس، ولا ترتضي تلك المرأة الخيرة بيتا لا مكان للعلم وحفظ القرآن وتداوله فيه، ولا تقترن برجل لا يعظم شعائر الله ولا يلتزم بشرائع الإسلام، يؤرقها جهل أولادها وسوء خلقهم، كما أنها تقلق لمرضهم وانحراف صحتهم، تخشى على بيتها الانحراف والفساد كخوفها من حيوان مفترس يتربص بأهل بيتها الدوائر، تسعى بكل جهدها لتعليم أولادها واختيار أحسن المعلمين لهم كما تجهد لإطعامهم واختيار لباسهم، روى مسلم عن أنس بن مالك أنه قال: ((جاءت بي أم سليم – والدته – إلى رسول الله وقد أزرتني بنصف خمارها، وردتني بنصفه، قالت: يا رسول الله هذا أنُيَسْ ابني أتيتك به يخدمك فادع الله له، فقال : اللهم أكثر ماله وولده)) فكان أنس من مكثري الصحابة في الرواية عنه .
إننا إخوة الإيمان نريد المرأة التي تؤثر ولا تستأثر، وتقنع ولا تطمع، تسير مع زوجها وفق قدرته فلا ترهقه بمطالب تجعله فريسة للديون.
إننا نريد المرأة التي تكون بشخصيتها المسلمة لا بوقاً لكل ناعق ناعب وليست مناعا لكل متربص بالبيت المسلم دوائر السوء.
إننا إذ نريد ذلك كله فإننا نطلب من الله عز وجل أن يعيننا على ذلك بفضله ومنّه، ونريد من مجتمعاتنا بكل طاقاتها وإمكانتاتها، نريد قادراً وقائداً ومقوداً العمل على تعبيد الطريق لتدعيم القيم الإسلامية والبراعم الإيمانية لكي ينعم الجميع، مجتمع آمن متراحم متماسك إن شاء الله ،وليضع لبنة الأم المدرسة التي تصنع أجيال المستقبل الواعد .
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
إذا كنا نريد نتائج عامة نافعة للأمة فإن المشاركة لا تكون خاصة ولنعلم أن جمع الجهود وتكريسها لتربية المرأة وإعادة دورها المنشود ورسالتها الواعدة هو خير ما يجتمع الناس له ويتواصون به: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)) هذه صيغة عموم وجود صدرها يستلزم حضور لوازمها فإذا التزم الأكثر من المجتمع خيرا وطمأنينة، وإن قل الملتزمون بالمساعدة على إيجاد المرأة المسلمة ببذل الجهود وجمع الوسائل والدعاء الصالح والرأي الناصح والدعم بالمال ونشر العلم المقتبس من كتاب ربنا وسنة نبينا وسيرة السلف الصالح وسلوك المسلمات الصالحات، إن قل كل ذلك فما أخال غدنا إلا كالحا ولا مستقبلنا إلا قاحلا .
وثقتي بالله عز وجل، ثم بالمسلمين الحريصين على مجتمعهم من أمثالكم تحملني على التفاؤل وتدفعني وإياكم لأن نُغَلَّب جانب الأمل بفضل الله ثم بجهودكم التي نسأله جل وعلا أن يبارك فيه ويضاعف أجرها ويضعف عدوها، ولنعلم تماما أيها الأحبة أن ليس في الدنيا خير من نسائنا ما تمَّسْكن بحجابهن وحافظن على آدابهن، وتقيدن بأخلاق وأحكام إسلامهن، وتتبعن خطا ذلك المجتمع الفاضل الذي أخرج خديجة وأسماء والخنساء ومئات من المربيات الفضليات، والعالمات الأدبيات، والأمهات الديّنات الصَّينات اللائي وَلدن أولئك الرجال الذين كانوا قواد الميادين، وفرسان المنابر وأبطال الفكر، وسادة الدنيا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما [الأحزاب].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه.
الخطبة الثانية
أما بعد:
فيا أيها الناس: حين تداولنا الحديث عن دور المرأة وماذا نريد منها تعالوا بنا نقلب صفحات سيرتنا العطرة لنطالع غيضا من فيض سيرة أعظم النساء في التاريخ فكل مَنْ يرى بداية دعوة الإسلام لا يغفل عن موقف خديحة رضي الله عنها في نصرة الرسول وتثبيتها، فلقد وقفت بجانبه وآزرته معنويا وماديا، وكانت له خير معين إلى أن توفاها الله، أنظر كيف ثبتته حين عاد من رحلة الغار فزعا مهموما: "كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتحمل الكلّ وتقري الضيف وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الدهر"، ثم إلى صورة سمية بنت خياط أم عمار بن ياسر التي عذبت في سبيل دينها حتى الموت فخلد التاريخ اسمها أول شهيدة في الإسلام، واستمر دور المرأة، عظيما في سيرة الإسلام الأولى في بيعة العقبة حيث بايع رسول الله ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتان هما نسيبة بنت كعب وأسماء بنت عمرو بن عدي، وانظر إلى عائشة رضي الله عنها في إيصال علم النبي إلى الناس، عن أبي موسى الأشعري قال: "ما أشكل علينا أصحاب رسول الله حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما"، أخرجه الترمذي، وكان للمرأة دور كبير في الجهاد حيث لم تبخل بشيء من جهدها، فعن أم سعيد بنت سعد قالت: دخلت على أم عمارة نسيبة بنت كعب فقلت لها: حدثيني خبرك يوم أحد؟ قالت: "خرجت أول النهار ومعي سقاء فيه ماء فانتهيت إلى الرسول وهو في أصحابه والريح والدولة للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله فجعلت أباشر القتال دونه وأذود عن رسول لله بالسيف وأرمي القوس حتى خلصت إلي الجراح " قالت الراوية: فرأيت على عاتقها جرحا له غوار جوف.
وفي صحيح مسلم عن أم عطية الأنصارية قالت: "غزوت مع رسول الله سبع غزوات كنت أخلفهم في رحالهم فأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى" تلك أجزاء من سيرة المؤمنات المناضلات المجاهدات الصابرات اللواتي سَمَتْ نفوسهن وعلت أخلاقهن واللواتي يشعرن بحريتهن من خلال عبوديتهن لله وحده.
ونحن نريد من كل ذلك أم المستقبل الباسم المشرق، نريد من ترضي ربها، نريد مربية الأجيال ومدرسة الرجال، وأمل الأمة، نريد مخرجة العلماء والدعاة المحامية عنهم الداعية لهم ذلك هو ما نريده من دور عظيم وبناء للمرأة وتلك هي المرأة التي نريد.
أسأل الله جلت قدرته أن يصلح أحوال المسلمين وأن يصلح نساء المسلمين ويجنبهن ما يكاد لهن ويُخَطَّطْ من تدمير وإفساد، وأن يرزقهن حسن التربية ودوام العمل لخدمة الدين ونشر الإسلام.
وصلوا وسلموا يا عباد الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه. . .
ـــــــــــــــــــ(68/259)
الخصائص النبوية – حسن العشرة بين الزوجين
...
...
853
...
الأسرة والمجتمع, التوحيد, سيرة وتاريخ
...
...
أهمية التوحيد, الشمائل, المرأة
...
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري
...
...
المدينة المنورة
...
...
...
قباء
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
كمال بشريته صلى الله عليه وسلم – أركان رسالته صلى الله عليه وسلم : 1- التوحيد : وهو الركن الأعظم 2- الإيمان بالبعث ولقاء الله – الامتثال والانقياد – اجتناب الشرك – حمايته صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد , وتحذيره من الغلو – حاله صلى الله عليه وسلم مع أزواجه وحسن عشرته – الرجال مع زوجاتهم فريقان متناقضان
الخطبة الأولى
أما بعد:
فقال الله عز وجل: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلىّ إنما إلهكم إلهٌ واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا [الكهف: 110].
هذا خطاب من الرب جل جلاله لعبده ورسوله محمد يأمره فيه أن يخبر الناس بحقيقة شخصيته وبحقيقة رسالته. أما شخصيته فهو بشر مثل باقي البشر في الخصائص البشرية من ناحية الخلقة والطبائع والغرائز، إنه مثلهم في ذلك وإن كان يمتاز عليهم بالكمال في الطبيعة البشرية.
فهو في خلقته وخلقه وطبائعه وغرائزه في قمة الكمال وأحسن الأحوال . إنه وإن كان بشرًا مثل باقي البشر إلا أنه اختص كإخوانه الأنبياء والمرسلين اختص بمقام النبوة.
فقوله: بشرٌ مثلكم يثبت المماثلة وقوله: يوحى إلىّ يثبت المغايرة والمفاضلة هذه هي شخصيته كما تنطق بها هذه الآية الكريمة من سورة الكهف، والتي ترد على أولئك المجاذيب تؤدب أولئك المجاذيب الذين أعرضوا عن كلام ربهم وذهبوا يتخيلون ويحيكون الألغاز والأسرار والأحوال التي ما أنزل الله بها من سلطان حول شخصية النبي المصطفى .
فمن قائل إنه خلق من نور، ومن قائل أنه بشر لا كالبشر، ومن قائل إنه سر الخلق فمن أجله خلق الله الكون والأفلاك، إلى غير ذلك من المبالغات التي ترد عليها كلها هذه الآية الكريمة من سورة الكهف بشرٌ مثلكم وهذه الآية في نصفها الثاني تنبهنا إلى أن رسول الله محمدًا بُعث برسالة ليبلغنا إياها بأمر ربه عز وجل. أمره ربه بذلك وشدد عليه الأمر: يا أيها الرسول بلِّغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلَّغت رسالته [المائدة: 67] لكنه فعل وبلغ رسالة ربه أكمل البلاغ فهذه هي رسالته كما تلخصها وتوجزها لنا هذه الآية من سورة الكهف وتجمع أطرافها في عبارتين موجزتين إنما إلهكم إله واحد هذا هو الركن الأول من رسالة المصطفى بل هذا هو الركن الأعظم من رسالته إنه التوحيد.
ثم الركن الثاني وله ثلاثة جوانب:
الجانب الأول: كما تنطق به هذه الآية من سورة الكهف الإيمان بالبعث وبلقاء الله تعالى في اليوم الآخر: فمن كان يرجو لقاء ربه [الكهف: 110].
والجانب الثاني: جانب الامتثال والانقياد بالعمل الصالح: فليعمل عملاً صالحًا [الكهف: 110].
والجانب الثالث: جانب الحرص على العقيدة على جناب التوحيد والحذر والاحتراس من الشرك: ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا [الكهف: 110]. لقد جاءنا رسول الله بهذه الرسالة التي جوهرها تعلق القلب والجوارح بالإله الواحد الأحد.
فهل نعرض عن ذلك ونذهب نشتغل بحياكة الأسرار والألغاز والمبالغات والغرائب والعجائب حول شخصية النبي معاندين بذلك رسالته التي جوهرها كما قلنا الانشغال بالخالق عن المخلوق، الانشغال بالله وحده عن سائر من سواه.
معاندين بذلك هذه الرسالة ومرتكبين بذلك نهيه عاصين أمره فإنه من شدة شفقته على أمته وحرصه على هدايتها وإرشادها وتحذريها من مزالق الشيطان وحرصه على حماية جناب عقيدتها حماية جناب التوحيد وشدة شفقته على أمته. وخوفه عليها من الوقوع في ذريعة الشرك.
حذَّر أمته من ورطة الغلو، من حفرة الغلو في شخصيته الشريفة الكريمة فعن عبد الله بن الشخير رضى الله عنه قال: انطلقت مع وفد بني عامر إلى رسول الله فقلنا: يا سيدنا. فقال : ((السيد الله تبارك وتعالى)) فقلنا: وأفضلنا فضلاً وأعظمنا قولاً فقال : ((قولوا بقولكم - أو ببعض قولكم - ولا يستجرينكم الشيطان)) رواه أبو داود[1].
وعن أنس رضي الله عنه قال: جاء ناس إلى النبي فقالوا: يا رسول الله يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا فقال : ((يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد عبد الله ورسوله – مرتين - ولا أحب أن تنزلوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل)) رواه النسائي[2]. وقد ثبت عنه أنه قال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى بن مريم إنما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله))[3].
ولما قال بعض الصحابة: قوموا بنا نستغيث برسول الله، قال لهم رسول الله : ((إنه لا يُستغاث بي إنما يُستغاث بالله عز وجل))[4].
ولمّا قال له ذلك الصحابيّ: "ما شاء الله وشئت" قال له: ((ويلك أجعلتني لله ندا، ما شاء الله وحده))[5].
وهكذا نجد النبي المصطفى من كمال شفقته على أمته ومن كمال حرصه على حماية عقيدتها وحرصه على حماية جناب التوحيد وخوفه على أمته من الوقوع في شريعة الشرك والوقوع في ورطة الغلو، يحذرها من ذلك كله وخاصة منه ما يتعلق بشخصيته الكريمة وإلا فهو سيدنا كما أخبر بذلك بنفسه حين قال: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة))[6]. فإذا كان سيدنا يوم القيامة فهو سيدنا في الدنيا من باب أولى، فلو أطلق أحد عليه وصف السيادة لأصاب الحقيقة وما أخطأها ولكنه إن فعل ذلك من باب الغلو في تعظيمه فقد أثم بذلك لأنه ارتكب نهي المصطفى فإنه إنما نهى أولئك الوفد عن إطلاق تلك الأوصاف عليه لأنهم ربما أطلقوها عليه من باب الغلو في تعظيمه أو خشي عليهم من الوقوع في الغلو في تعظيم شخصه .
فيقعون في مثل ما وقع فيه النصارى فعيسى بن مريم رسول الله لمّا اختصه الله ببعض الآيات والمعجزات وقعت أمته في الغلو في شخصه عليه السلام فرسول الله محمد وقد اختصه الله بأعظم مما اختص بها عيسى بن مريم من الآيات والمعجزات الباهرات وكرّمه أعظم مما كرم عيسى بن مريم أولى بأن يُخاف على أمته من الوقوع في ورطة الغلو في شخصيته الكريمة الشريفة ولذلك حرص على تحذيرها من الغلو في شخصه.
حرص على تحذيرها من ذلك وأمرها بالاحتياط والاحتراز في وصفه وإطلاق الأسماء والأوصاف عليه : ((إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله)).
هذه ترجمة عملية وتفسير عملي لقوله تعالى: إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلىّ [الكهف: 110] فـ بشر مثلكم يقابلها "عبد الله" و يوحى إلىّ يقابلها "رسول الله" ، وسوف نعود إلى هذا الباب بمزيد من الدروس والاستنباطات في الجمعة القادمة إن شاء الله تعالى بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا واستغفر الله العظيم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] سنن أبي داود (4806).
[2] لم أجده في سنن النسائي ، فالسنن ليس فيها كتاب ((الأدب الذي يمكن أن يوضع فيه هذا الحديث ، والحديث في مسند أحمد (3/153).
[3] صحيح البخاري (3445).
[4] مسند أحمد (5/316) وفي لفظه اختلاف.
[5] مسند أحمد (1/214، 283، 347).
[6] مسند أحمد (1/281، 295) ، سنن الترمذي (3615) وقال : حسن صحيح وابن ماجة(4308).
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
فعن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت: ((لقد رأيت رسول الله وهو يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا الذي أسأم منه فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو)) متفق عليه[1].
وعن النسائي عنها رضي الله عنها وأرضاها قالت: ((وجاءت السودان يلعبون بين يدي رسول الله فاطلعت عليهم من فوق عاتقه فما زلت انظر إليهم حتى أكون أنا التي انصرف))[2].
وثبت عنها أيضًا رضي الله عنها أنها قالت: ((كنت ألعب بالبنات - أي بتماثيل البنات - عند رسول الله وكانت تأتيني صواحبي فينقمعن من رسول الله - أي يستترن منه إذا رأينه - فيسربهنّ إلىّ)) أي يردهن ويرسلهن إلىّ فيلعبن معي. متفق عليه[3].
هذا هو هدى المصطفى إنه نموذج رفيع فيما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الزوجين وما ينبغي أن يعامل به الرجل زوجته بالرفق واللين ورعاية مشاعرها ومتطلباتها المباحة التي لا تغضب الله ورسوله.
العلاقة بين الزوجين مودة ورحمة متبادلة كما قال الرب عز وجل: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة [الروم:21].
انظر كيف كانت رعاية المصطفى لزوجته وحبيبته أم المؤمنين عائشة وقد كان دخل بها وهى حديثة السن صغيرة، انظر كيف كان يرعى مشاعرها وينتبه إلى متطلباتها وما تهفو إليه نفسها من المباحات فيوفر ذلك لها على قدر طاقته .
وقد استدل العلماء بالحديث الأول حديث لعب الحبشة بالمسجد ونظر أم المؤمنين عائشة إليهم استدلوا بذلك على جواز نظر المرأة إلى الرجال إذا كان بغير شهوة وأُمنت الفتنة أما إذا كانت هناك فتنة كما نرى اليوم من نظر المرأة إلى الممثلين والمغنين والمطربين الفاسدين المفسدين أو نظرها إلى المذيعين المتأنقين الرقيعين الفاسدين المفسدين في التليفزيون أو أشرطة الفيديو أو نحو ذلك حرام لا يحل لامرأة تؤمن بالله ورسوله لأن الفتنة هنا متحققة لا ريب فيها.
واستدل كثير من العلماء بالحديث الثاني حديث لعبها رضي الله عنها وأرضاها بتماثيل البنات على جواز اقتناء التماثيل والصور إذا كانت هناك مصلحة شرعية متحققة في ذلك كمصلحة لعب الأطفال والصغار بتماثيل البنات أو نحوها.
والمقصود أن الرجال مع زوجاتهم فريقان على طرفي نقيض فبعضهم يجور على امرأته لا يحترم مشاعرها ولا ينتبه إلى متطلباتها المباحة كأنما هي خادم محبوس عنده وهذا مخالف لهدى النبي المصطفى ومصادم للحكمة من الحياة الزوجية التي نصت عليها الآية الكريمة الحكمة التي هي المودة والرحمة المتبادلة بين الزوجين.
وبعض الرجال يستسلم لرغبات زوجته حتى وإن كان فيها عصيان لله ورسوله يطيع زوجته طاعة عمياء فربما عقّ والديه بسببها وربما سكت عن المحرمات والمنكرات كتبرجها وسفورها وكاختلاطها بالرجال وكتسكعها في الأسواق ومشاهدتها للأفلام الخليعة يسكت على كل تلك المنكرات إرضاءً لزوجته وطاعةً لها وخوفًا منها، هذا رجل مفتون غفل عن قول ربه عز وجل في محكم كتابه: يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوًا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم [التغابن: 14].
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله. وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة ومنهج الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين يا بن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تُدان ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب: 56].
وقال : ((من صلى علىّ واحدة صلى الله بها عشرًا))[4].
[1] صحيح البخاري (5236) ، صحيح مسلم (892).
[2] سنن النسائي (1594).
[3] صحيح البخاري (6130) ، صحيح مسلم (2440).
[4]صحيح مسلم (408).
ـــــــــــــــــــ(68/260)
مقام العبودية – طاعة المرأة لزوجها
...
...
854
...
الأسرة والمجتمع
...
...
قضايا الأسرة
...
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري
...
...
المدينة المنورة
...
...
...
قباء
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
أعظم الناس منزلة إلى الله أعظمهم عبودية له – عبودية الرسول صلى الله عليه وسلم ومقامها وحمايته جناب التوحيد – وجوب التأدب مع الله عز وجل وإظهار الافتقار والعبودية له والإنكار على المدَّاحين – الغلو في المدح والإفراط فيه من صفات المداهنين , والمنهج الأقوم في ذلك – عِظَم حق الزوج ووجوب طاعته في المعروف والآثار في ذلك
الخطبة الأولى
أما بعد:
فقد بعث الله رسوله محمداً ليدعو الناس إلى التوحيد ليدعوهم أن يحققوا عبوديتهم لله جل جلاله فإذا وحّد العبد ربه فقد حقق العبودية له سبحانه، وكلما حقق العبد عبوديته لله كانت منزلته أعلى وأعظم عند الله ، ولذلك مدح الرب عز وجل نبيه ومصطفاه مدحه بذلك ووصفه بوصف العبودية مدحه بصفة العبودية ووصفه بها في أعظم المناسبات يذكر الرب عز وجل نبيه ومصطفاه بهذه الصفة، لما قام رسول الله بواجب الدعوة إلى التوحيد رغم معارضة المشركين وتألّبهم عليه، ذكر الرب عز وجل ذلك في كتابه فقال: وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا [الجن:19]. عبد الله أي رسوله محمد وعندما ذكر مقام نبوته وتنزل الوحي عليه قال: فأوحى إلى عبده ما أوحى [النجم:10] وعندما ذكر تنزل القرآن العظيم عليه قال: تبارك الذي نزل الفرقان على عبده [الفرقان: 1]. وقال: الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب [الكهف: 1]. فإذن الرب عز وجل يمدح نبيه وخليله يمدحه بوصف العبودية لأن هذه الصفة هي سر الكمال في شخصيته .
ومن كمال حرصه على تحقيق العبودية لربه. من كمال حرصه على ذلك كان حرصه الشديد على حماية جناب التوحيد فنهانا على أن نطريه كما أطرت النصارى نبيهم عيسى بن مريم عليه السلام.[1]. أي نهانا عن الغلو في مدحه والمبالغة في وصفه كما يصفه المداحون.
أعظم وصف لرسول الله تصفه به ومدح نمدحه به كما علمنا ربنا وكما أرشدنا إليه هو نفسه هو مقام العبودية مع مقام النبوة والرسالة فإذا قلت: عبد الله ورسوله فقد جمعته بين المقامين.
جمعت له بذلك بين المقامين مقام العبودية لله ومقام الرسالة.
والدرس الثاني من هذا التوجيه النبوي أن على كل مؤمن موحد أن يتأدب مع الله عز وجل وأن يظهر عبوديته لله وأن يظهر تواضعه لله عز وجل، فالمؤمن الموحد يحرص دائمًا على أن يظهر عبوديته للرب عز وجل وتواضعه بين يديه، ويظهر افتقاره إليه وذله وانكساره بين يديه سبحانه وتعالى لا يحق لأحد من الخلق مهما علا شأنه مهما أوتى من قوة وجاه وسلطان أن يظهر شيء من الكبرياء والعظمة أو يظهر الخيلاء والجلالة فإنهما من خصائص الله جل جلاله لا يشركه فيهما أحد.
يقول الرب عز وجل في الحديث القدسي: ((الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني إياهما قصمته))[2] أي أهلكته وقضيت عليه.
أما المؤمن الموحد فهو كما قلنا يظهر دائمًا عبوديته لله وافتقاره إليه وذله وانكساره بين يديه وسيد المؤمنين والموحدين عبد الله ورسوله محمد كان من أحرص الناس على ذلك، على إظهار عبوديته لله وافتقاره إليه وإظهار ذله وانكساره بين يديه. كان من أحرص الناس على ذلك ولهذا حرص حرصًا شديدًا على أن تعرف أمته مقامه الحقيقي فلا تغلو في مدحه ولا تبالغ في وصفه. إذا نظرت إلى مواقفه وإلى كلامه تجد حرصه الشديد على ذلك يقول : ((أنا محمد عبد الله ورسوله ما أحب أن تنزلوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل))[3] فمن غلا في مدحه وبالغ في وصفه حتى خرج عن حد الحق والاعتدال فقد عانده وارتكب ما يكرهه وينهى عنه ويحرمه، وليس في ذلك أي أدب معه ولا هو دليل على محبته الأدب كل الأدب في الامتثال، الامتثال هو عين الأدب، وأعظم دليل على محبته هو طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر فمن مقتضيات محبته أن تفعل محبوباته وتجتنب مكروهاته .
الدرس الثالث من هذه المسألة: أن على كل مؤمن موحد تأدب مع الله عز وجل وتحقيقًا لمقام العبودية لله جل جلاله أن يمتنع عن المدح ويزجر المداحين بل وأن يحثوا في وجوههم التراب كما أمر بذلك المصطفى [4].
فإذا كان المصطفى وهو أحق الناس بالمدح والثناء قد نهى أمته عن الغلو والإسراف في مدحه والثناء عليه فغيره من باب أولى.
وليس المنهي عنه هو مطلق المدح والثناء إنما المنهي عنه هو الغلو والإفراط في المدح والثناء بما ليس هو أهل له، مدح الإنسان بما ليس هو أهل له والمبالغة في ذلك. ولذلك أمر النبي بأن نحثو التراب في وجوه المداحين وليس في وجه كل مادح، والمداح صيغة مبالغة تدل على أمرين:
تدل على من كانت تلك عادته المدح والمبالغة في المدح، عادته ودأبه دائمًا، وتدل على الغلو والإفراط في المدح بما هو خارج عن حد الحق والاعتدال.
وهاتان الصفتان من صفات المداهنين في كل المجتمعات الذين لا ينصحون للإنسان بل يخادعونه، لا ينصحون للإنسان فلا يبصرونه بالحقائق ولكن يخادعونه بالغلو في مدحه والإفراط في الثناء عليه حتى يعموا بصره ويشغلونه عن حقيقة نفسه وعن حقائق الأمور من حوله فما أجدر بهؤلاء أن يُحْثى في وجوههم التراب وتُغلق دونهم الأبواب.
المؤمن الموحد من كمال تواضعه للرب عز وجل وإظهار العبودية له لا يقبل المدح والثناء من المداحين من المنافقين والمداهنين، ولكن لا يدخل في الحد المنهي عنه مدح رسول الله والثناء عليه بما هو أهله وإبراز مواضع القدوة والأسوة والتكريم في شخصه الشريف .
فقد مدحه ربه عز وجل في القرآن وأثنى عليه، مدحه بحسن الخلق ومدحه بشفقته على أمته ورأفته بها وحرصه على هدايتها ، ومدحه أصحابه بين يديه شعرًا ونثرًا فلم ينههم لأنه لم يكن في مدحهم له غلو ولا إفراط.
مدحه حسان بن ثابت وكعب بن مالك وكعب بن زهير وعبد الله بن رواحة وغيرهم من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ولكن لكي تعرف الفرق بين الحد المباح المشروع وبين حد الغلو والإفراط اسمع قول كعب بن زهير في وصفه ومدحه حين قال:
مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة القرآن فيها مواعظ وتفصيل
مدحه بأعظم معجزة أوتيها وهى القرآن.
قارن بين هذا وبين قول القائل:
وإن من جودك الدنيا وضَرَّتَها ومن علومك علم اللوح والقلَم
الدنيا والآخرة والجنة والنعيم والصراط كل ذلك من جود المصطفى ، ماذا بقى للرب جل جلاله إذن، اللوح الذي فيه كل ما كان وما سيكون وما هو كائن إلى يوم القيامة هو من بعض علوم المصطفى ماذا بقى إذن لعلام الغيوب، هذا القائل كأنه قال: محمد هو الله جل جلاله.
سواء قصد ذلك أم لم يقصد هذا هو الغلو الذي خاف محمد عبد الله ورسوله على أمته منه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا [الأحزاب: 70].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] صحيح البخاري (3445).
[2] مسند أحمد (2/376، 414، 427، 442)، سنن أبي داود (4090)، سنن ابن ماجة (4174-4175).
[3]مسند أحمد (3/153).
[4] صحيح مسلم (3002).
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه أجمعين أما بعد.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله : ((والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته في فراشه فتأبى أن تجيء إليه إلا باتت والذي في السماء ساخط عليها)) متفق عليه[1].
وفي رواية: ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه فبات وهو عليها غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح))[2].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا...)) وذكر منهم: ((امرأة باتت وزوجها عليها ساخط))[3].
ورُوى مثله عن أبي إمامة رضي الله عنه وقال الترمذي حديث حسن غريب[4] هذا كله يبين عظم حق الزوج على زوجته وأنه يجب عليها طاعته في المعروف عليها أن تطيعه في المعروف وتحرص على تلبية احتياجاته الشرعية خاصة منها ما يتعلق بفراشه، فإن الزوج بحاجة إليها لتعينه على إعفافه وإحصانه خاصة في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن وعوامل الفساد والإغراء والانحراف فإذا ما عصت الزوجة زوجها في المعروف وأبت عليه حقه المشروع فإن في إسخاطه في ذلك إسخاطًا لرب العالمين، تبيت والملائكة تلعنها وصلاتها - إن كانت مصلية - لا ترفع إلى ربها عز وجل فعلى المرأة المؤمنة على الزوجة المؤمنة الصالحة أن تراعي حق زوجها وأن تطيعه في المعروف وأن تحرص على تلبية احتياجاته الشرعية، وأن تراقب ذلك من نفسها وأن تعينه على العفاف والإحصان، هذا إذا كان الزوج يعرف حدود الله عز وجل أما إذا كان لا يعرف حدود الله وطلب منها أمرًا محرمًا فلا طاعة له ولا كرامة إنما الطاعة في المعروف أي فيما أباحه الشرع وجعله من حقوق الزوج.
وقال مؤكدًا حق الزوج على زوجته: ((لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها))[5]. ولم يأمرها بذلك لأنه لا يحل لأحد أن يضع جبهته على الأرض وأن يسجد إلا لرب العالمين، لكنه بهذا القول الشريف الكريم أكد حق الزوج على زوجته فياله من حق عظيم.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة وبمنهج الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
أما بعد يا ابن آدم أحبب ما شئت فإن مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تُدان. ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم بذلك ربكم في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب: 56] وقال : ((من صلى علىّ واحدة صلى الله بها عليه عشرًا))[6].
[1] بل هو بهذا اللفظ عن مسلم فقط في صحيحه برقم(1436).
[2] صحيح البخاري (5193)، صحيح مسلم (1436).
[3] سنن ابن ماجة(971).
[4] سنن الترمذي (360).
[5] مسند أحمد (4/381)، (5/227-228) (6/76) ، سنن الترمذي (1159)، سنن ابن ماجة (1852).
[6] صحيح مسلم (408).
ـــــــــــــــــــ(68/261)
الفقر ومتاعبه العاجلة والآجلة
...
...
1258
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
...
...
الزهد والورع, قضايا الأسرة
...
إسماعيل الخطيب
...
...
تطوان
...
25/6/1419
...
...
الحسن الثاني
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- لا يوجد في القرآن ولا السنة مدح للفقر. 2- استعاذة النبي من الفقر ، وذكر بعض آثاره. 3- مشكلة التفاوت الاقتصادي الكبير في المجتمع وآثارها عليه. 4- شرائع أمر بها الإسلام لمحاربة الفقر.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فإن الفقر داء خطير حاربه الإسلام وعمل على القضاء عليه، ولا توجد في القرآن آية واحدة تمدح الفقر، ولا يوجد في السنة حديث واحد صحيح يمدح فيه رسول الله الفقر.
بل إن الإسلام يجعل الغنى نعمة من الله، ويجعل الفقر مصيبة تنزل بالإنسان، يستعاذ بالله منها.
هذا نوح عليه السلام يبشر قومه بثواب الله لهم في الدنيا إن هم آمنوا واستغفروا ربهم من ذنوبهم، فيقول: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً [نوح:10]. فالمال الصالح للعبد الصالح نعمة من الله وثواب، أما الفقر فقد استعاذ النبي عليه الصلاة والسلام منه بقوله: ((اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر)) فقرنه بالكفر، لأن الفقر المدقع قد يكون سبباً في الشك في حكمة التنظيم الإلهي، وقد قال بعض العلماء: إذا ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر: خذني معك. فالفقر خطر على الإيمان، ثم هو بالتالي خطر على الأخلاق، خطر على المجتمع كل، فهو السبب في زعزعة الأمن والإستقرار، روي عن أبي ذر أنه قال: عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه.
ومشكلة المشاكل هي أن يكون هناك تفاوت بين سكان البلد الواحد، فتجد من الناس من يعيش في ترف ونعيم يُبذر المال ويفسد في الأرض، وإلى جانبه فقراء لا يجدون قوت اليوم، ولا ثمن الدواء، إن هذا الفقر الناشيء عن سوء التوزيع يملأ قلوب الفقراء بنار الحقد والبغضاء، ويدفعهم إلى تقبل أفكار الهدم والفوضى .
لذلك اتخذ الإسلام الوسائل الكفيلة بالقضاء على الفقر، ويُثبت التأريخ أن المسلمين عندما طبقوا الإسلام انعدم الفقر في المجتمع المسلم.
إن الوسيلة الأولى لمحاربة الفقر هي العمل قال تعالى على لسان نبيه صالح: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها [هود:61]. أي جعلكم عمارها بالبناء والغرس ومختلف الأعمال، وقد ضمن الله تعالى الرزق لعباده قال سبحانه: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها [هود:6]. وعلى الإنسان أن يحبث عن الرزق الذي كتبه الله له، قال تعالى: فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه فمن مشى أكل، ومن قعد وتكاسل حُرم. لذلك وجدنا أمة الإسلام أمة الحرف والصناعات تفخر أسرها بالانتساب إليها فيقال: الخراز والدباغ والحداد والنجار والخياط والصباغ، وهكذا لأنهم رأوا أن الحرفة والصغة عز لصاحبها وأمان من الفقر.
وقد حث الله عباده على الهجرة طلباً للرزق قال تعالى: وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله لذلك وجدنا الصحابة ومن بعدهم ينطلقون في الأرض لنشر الدين وطلب العلم والتماس الرزق.
والإسلام يوجب على الحاكم أن يفتح أبواب العمل وأن يساعد على الكسب الحلال، وهذا ما طبقه الرسول عليه الصلاة والسلام عندما جاءه رجل يطلب الإعانة، فقال له: هل في بيتك شيء قال: حلس وإناء ماء، فقال له: ائتني بهما، فباعهما النبي بدرهمين، فقال له: اشتر بأحدهما طعاماً وبالآخر فأساً واذهب فاحتطب وبع. فأرشد النبي بذلك إلى أمرين:
الأول: إن على ولي الأمر أن يهئ للناس فرص العمل.
الثاني: اجتناب المعونة المادية والوقتية التي قد تدفع الكسالى إلى ترك العمل، والاعتماد على عطايا الناس.
غير أن هناك من الفقراء من يعجز عن العمل إما لمرض أو شيخوخة، أو غير ذلك، هؤلاء أوجب الله تعالى معونتهم، فأوجب على ذوي القربى أن يكفل غنيهم فقيرهم، قال تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله [الأنفال:57].
إن الزكاة هدفها الأول هو إغناء الفقراء – الذين لم يجدوا عملاً أو أن دخل عملهم لا يكفيهم أو أنهم من العاجزين عن العمل. وقد جعل الإسلام الزكاة حقاً من حقوق الله على عباده وحقاً من حقوق الإنسان على أخيه الإنسان.
فإن لم تحقق الزكاة الكفاية كان على الدولة أن تحقق الكفاية للفقراء من مختلف المداخيل، ذلك أنه من حق كل فرد في المجتمع المسلم أن يوفر له تمام الكفاية من مطالب الحياة، وآيات القرآن تنذر بالويل والعذاب لمن أهمل المسكين وحرم الفقير. قال تعالى: كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين [الأحزاب:6].
وقال : ((أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله)).
ـــــــــــــــــــ(68/262)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتحذير من الاختلاط
...
...
1239
...
الأسرة والمجتمع, الإيمان, العلم والدعوة والجهاد
...
...
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, خصال الإيمان, قضايا المجتمع
...
حسين بن شعيب بن محفوظ
...
...
صنعاء
...
30/5/1420
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 2- منزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام. 3- فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . 4- مراتب النهي عن المنكر. 5- مفاسد الاختلاط بين الجنسين في المدارس. 6- حضّ المسلمين على إنكار الاختلاط. 7- عظم المسؤولية على الوالدين. 8- مكر أعداء الإسلام بالمسلمين.
الخطبة الأولى
فإن الله سبحانه وتعالى قد أوجب على المسلمين القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون [آل عمران:104]، فأوجب الله سبحانه وتعالى أن ينتصب من هذه الأمة طائفة تقوم بهذا الواجب العظيم، وجعل الله من شروط حيازة الخيرية لهذه الأمة قيامها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله [آل عمران:110]، فأساس التشريع الإسلامي مبني على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل الدين كله أمر بمعروف ونهي عن المنكر فالتوحيد أمر بعبادة الله وحده لاشريك له ونهى عن الشرك قال تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً [النساء:36] والصلاة تأمر بالمعروف وتنهى عن الفحشاء والمنكر قال تعالى: وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون [العنكبوت:45]، والزكاة أمر بمعروف ونهي عن منكر قال تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليه إن صلاتك سكناً لهم [التوبة:103] تطهرهم من دنس البخل والشح والهلع والأثرة والأنانية وتمنيهم عند الله سبحانه وتعالى بالمثوبة والأجر والدرجات العلى والصوم كذلك يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قال رسول الله : ((فاذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل))1، والحج كذلك شرع للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج [البقرة:197] .
فيا عباد الله إن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصائص الأمة المحمدية فقال تعالى: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم [التوبة:71]، وهو سبب من أسباب التمكين للمؤمنين في الأرض قال الله تعالى: الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور [الحج:41] .
وهكذا نجد كل أركان الإسلام إنما جاءت لتؤكد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك يدل على أهمية القيام به في الإسلام، ولما كانت المنكرات قد فشت وعمت وطمت فإن المسئولية تقع على كاهل الجميع في تغيير المنكرات وقد جعل الرسول مراتب التغيير ثلاثاً فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطيع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان))2 فكل مسلم قادر على تغيير المنكر وجب عليه أن يغيره بيده فيما له قدرة عليه أو مسئولية، فإن لم يستطيع فالإنكار باللسان واجب، وذلك بالنصيحة والتوحيد والإرشاد، وإن أدى الى نوع تغليظ وتعنيف إن إقتضت المصلحة ذلك، فإن لم يتمكن من هذا وذاك فالواجب على المسلم إنكار المنكر بالقلب وذلك أضعف الإيمان، أي آخر مراتب الإيمان وحدوده، فعن عبدالله بن مسعود أن رسول الله قال: ((ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل))3، (فعلم أن القلب إذا لم يكن فيه كراهة ما يكرهه الله، لم يكن فيه من الإيمان الذي يستحق به الثواب وقوله ((من الإيمان)) أي: من هذا الإيمان وهو الإيمان المطلق، أي: ليس وراء هذه الثلاث ماهو من الإيمان، ولاقدر حبة خردل، والمعنى: هذا آخر حدود الإيمان، ما بقي بعد هذا من الإيمان شيء، ليس مراده: إنه من لم يفعل ذلك لم يبق معه من الإيمان شيء، بل لفظ الحديث إنما يدل على المعنى الأول)4، فيا عباد الله إن المنكرات بين المسلمين كثيرة وفي إزدياد، والسيئات يتفاقم أمرها بين الفينة والأخرى، ومن هذه المنكرات فرض الإختلاط بين الجنسين في المدارس، وهو أمر إن تم لا قدر الله فسينذر بكارثة وسوف يحصل مالا تحمد عواقبه، فإن الميل الفطري بين الجنسين عميق في التكوين الحيوي، فالاختلاط بين الجنسين يؤدي إلى شيوع الفساد وإنتشار الزنا وتحلل الأخلاق وفسادها وكثرة أولاد الزنا وذهاب الحياء وظهور السفور والتبرج وحصول هذه الأمور بعضها أو كلها إيذان بفتح باب الفتنة، فعن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي دخل عليها فزعاً يقول: ((لا إله إلا الله ويلٌ للعرب من شرق قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)) وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم إذا كثر الخبث))5، وقد فسر بعض أهل العلم الخبث بالفجور والفسوق، وذهب بعضهم الى أن الخبث هو الزنى خاصة، وقيل: أولاد الزنى، وفي هذا الحديث دليل على شؤم المعصية والواجب تحريض المسلمين على إنكارها وتغييرها، فيا أيها المسلمون: الواجب عليكم أن لا تسكتوا عن هذا المنكر، فلوسكتم عنه كما سكتم عن غيره وعن ماهو أعظم منه عم العذاب والبلاء ونزلت الفتن والمصائب والإبتلاءات كما قال تعالى: وأتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وأعلموا أن الله شديد العقاب [الأنفال:25]، فاذا حصل الإختلاط بين الجنسين لاقدر الله، فالواجب على كل أب أن يمنع إبنته من الذهاب الى المدارس المختلطة والتعلم فيها، فأجلسها في البيت وعلمها كتاب ربها وسنة نبيها وأدبها بأدب الإسلام تكن لك ذخراً عند الله، وأما اذا أطلقت لها العنان وشجعتها على الدراسة في المدارس المختلطة فلا تلومن الا نفسك إن جاءت لك بفضيحة أو حملت معها العار والشنار، وحينها والعياذ بالله ستندم ولات ساعة مندم، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين وأجعلنا للمتقين إماماً .
1 - متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
2 - رواه مسلم .
3 - رواه مسلم .
4 - أنظر مجموع الفتاوي 7:52 – شيخ الإسلام بن تيمية .
5 - متفق عليه .
الخطبة الثانية
فإن المسئولية على البنات تقع على كاهل الجميع فكل أب مسؤول عن أولاده وكذلك المرأة مسؤولة عن تربية أولادها وبناتها وقد قال : ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في بيته وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته))6، فكل إنسان سيسأل يوم القيامة عن ما إسترعاه الله حفظ ذلك أم ضيع.
فيا عباد الله: إن الإختلاط شره مستطير، وخطره عظيم وكبير فمامن أمة عرفت الإختلاط الا وذهبت أخلاقها
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وأعداء الإسلام من اليهود والنصارى والعلمانيين أدركوا أن الوسيلة السهلة لإفساد المسلمين إنما يكون بإشاعة الفاحشة بينهم ومن أهم الطرق المؤدية الى ذلك الإختلاط بين الجنسين .
ولما أعدت فرنسا حملتها لاحتلال الشام ومصر كان برفقه الجيش الفرنسي المحتل جيش آخر من النساء الغانيات الفاتنات الجميلات فقال أحد الجنود لقائده: إن مهمتنا معروفة ولكن ماهي مهمة هذا الجيش من النساء، فقال له: يا أحمق أن كاساً وغانية يفعلان في شباب محمد - - ما لا يفعله ألف مدفع أو دبابة.
إن الواجب على المسلم أن يحافظ على بناته ويؤدبهن بأدب الإسلام وديننا الحنيف وضع للمرأة المسلمة القيود التي تحصنها وتحافظ على كرامتها وتصون عفتها فقال تعالى: وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة [الأحزاب:33]، وقال تعالى: وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن [الأحزاب:53]، فياعباد الله إن الواجب عليكم أن تحافظوا على بناتكم وتمنعوهن من التبرج والسفور والإختلاط، فأجعلوا البنت تقر في بيتها ولا تشجعوها على الإختلاط بالرجال في المدارس والجامعات وأمتثلوا لدين الله وأمره تفلحوا وترشدوا.
6 - متفق عليه من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما .
ـــــــــــــــــــ(68/263)
الصوم وبر الوالدين
...
...
622
...
الأسرة والمجتمع, فقه
...
...
الصوم, الوالدان
...
هشام بن عبد القادر عقدة
...
...
دمنهور
...
...
...
خالد بن الوليد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1 – استقبال شهر رمضان 2 – خصائص شهر رمضان 3 – الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 4 – الأمر ببر الوالدين 5 – التحذير من عقوق الوالدين
الخطبة الأولى
إخوة الإسلام: روى الحاكم بإسناد صحيح عن كعب بن عجرة قال : قال رسول الله : ((حضروا المنبر، أي اجتمعوا عنده، فحضرنا، فلما ارتقى درجة قال: آمين، فلما ارتقى الدرجة الثانية قال: آمين، فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال: آمين ))، فلما نزل قلنا : يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه قال : (( إن جبريل عرض لي فقال: بَعُد من أدرك رمضان فلم يغفر له، قلت: آمين، فلما رقيت الثانية قال: بعد من ذكرت عنده فلم يصلي عليك، فقلت: آمين، فلما رقيت الثالثة قال بعد من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قلت : آمين )).
ففي هذا الحديث إخوة الإسلام ثلاثة أمور عظام: صوم رمضان والصلاة على النبي كلما ذكر، وبر الوالدين .
أما الأمر الأول وهو صوم رمضان، فيهمنا الحديث عنه في هذه الأيام حتى لا ينسلخ شهر رمضان ونحن كما نحن ملطخون بالذنوب والأوزار، وبعد من أدرك رمضان ولم يغفر له .
فإن من نعمة الله عز وجل على عباده أن هيأ لهن مواسم للخيرات، ولتزكية النفوس وهو عز وجل أعلم بما يصلح عباده المذنبين، وهو أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، فشرع صيام ذلك الشهر المبارك لعلكم تتقون، وجعله عونا على معاداة الهوى والشيطان لعلكم تتوبون وتتذكرون .
فهو شهر تسلسل فيه الشياطين وتضيق مجاري الشيطان في بني آدم، وتستجاب فيه الدعوات، وفيه ليلة عظيمة هي خير من ألف شهر، ويتفضل فيه رب الخلائق بعتق من يشاء من النار في كل ليلة وعند كل فطر، جعلنا الله وإياكم من عتقائه في ذلك الشهر المبارك .
روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي أمامة عن النبي أنه قال : ((لله عند كل فطر عتقاء)) وروى البزار عن أبي سعيد الخدري أنه قال : قال رسول الله : ((إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة (يعني رمضان) وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة)).
وروى النسائي والبيهقي عن أبي هريرة أنه قال : قال رسول الله : (( أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم )).
فطوبى لعبد آخذ بأسباب المغفرة في هذا الشهر، فحفظ جوارحه عن العبث فيما لا يحل له، وألجم هواه وشهوته بلجام التقوى، وأمسك لسانه بزمام الشرع، وحول سمعه وبصره عن الفسق والتفاهة إلى كتاب الله عز وجل فجعل نظره فيه، وسمعه .
أما الأمر الثاني : فهو الصلاة على النبي ، والمؤمن الصادق، والمحب لنبيه مدفوع دفعا للصلاة عليه في كل حين لما علمه من فضله وتبليغه الرسالة وحرصه على الأمة وشفقته عليها، ونصحه لها، وجهاده في الله حق جهاده، متحملا ما أصابه من الضرب والخنق، والقذف بالحجارة، والسب والتجويع والسخرية وإلقاء التراب والأقذار على رأسه وجسده الشريف صلوات ربي وسلامه عليه .
فأي جفاء هذا حين لا يصلي عليه أتباعه، هذا العمل السهل، فما أيسر أن يقول العبد، عليه الصلاة والسلام، أو اللهم صل على نبينا محمد أو أفضل من هذا، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى إبراهيم إنك حميد مجيد .
أمر يسير من ضن به على رسول الله فهو البخيل حق، كما قال المصطفى إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي، واسمعوا هذا الوعيد في قوله : ((من ذكرت عنده فخطئ الصلاة علي – أي لم يصل علي – خطئ طريق الجنة)).
وإن كان العبد مأمورا بالصلاة على النبي كلما سمع ذكره على وجه الخصوص فإنه مأمور إجمالا بالصلاة على النبي في أي وقت كما في قوله جل ذكره : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما اللهم صل على محمد وعلى آل محمد . . إنك حميد مجيد
وقال ((من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات ورفع له عشر درجات))، وقال عليه الصلاة والسلام: (( من صلى علي حين يصبح عشرا، وحين يمسي عشرا، أدركته شفاعتي يوم القيامة )) .
وإذا كانت الصلاة على النبي فاضلة في كل وقت فإن فضلها يتأكد في يوم الجمعة كما في السنن وغيرها أن أوس بن أوس قال : قال رسول الله : ((أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة )) وفي رواية: (( إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا يا رسول الله : وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت – بليت – قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسام الأنبياء )) صلوات الله عليهم جميعا .
أما الأمر الثالث الخطير في حديث اليوم فهو بر الوالدين فإن عقوق الوالدين قد عم وطم في هذا الزمان حتى تلبس به الصالح والطالح، وقست القلوب، وتبلد الإحساس، وماتت المشاعر والعواطف، وقدم الأصحاب على الوالد، وقدمت الزوجات على الأمهات .
ألا ما أقبح العقوق، ما أقبح العقوق لا سيما عند كبر الوالدين، وأين ذلك العقوق من قول الله تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً وقوله : ((لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه ))
وحسبنا تلك الدعوة الصادقة من جبريل عليه السلام وتأمين رسول الله بالبعد والذل والهوان ليس على من فرط في حق والديه، وإنما على من لم يبلغ من البر بهما ما يدخله الجنة فما بالك بمن عقهما.
فالعقوق أيها المسلمون يتصدر أكبر الموبقات المهلكات بعد الشرك بالله عز وجل كما أن بر الوالدين يتصدر مرتبة متقدمة في دين الله عز وجل، فبر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله عز وجل، ومن الأبواب التي يلج العبد منها إلى الجنة، ففي الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال : سألت رسول الله : أي العمل أحب إلى الله تعالى ؟ قال : ((الصلاة على وقتها، أي أول وقتها كما في بعض الأحاديث – قلت: ثم أي ؟ قال : بر الوالدين، قلت: ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله)).
فالمؤمن مأمور ببر الوالدين وفاء وإحسانا لهما، وخدمة وتفقدا لهما ولحوائجهما وما يرضيهما، وحرصا لذلك على هدايتهما، دعاء لهما وبدءا بهما في رفق وأدب في الدعوة والإرشاد مع اللين والصبر: وأنذر عشيرتك الأقربين .
وإذا كان حق الوالدين من الحقوق العظيمة المؤكدة فإن حق الأم آكد وأعظم، يقول الله عز وجل: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن فهنا تأكيد على حق الأم لما تكبدته وتتكبده من أجل ولدها، لذا أمر رسول الله بلزومها برا وخدمة وإحسانا فقال عليه الصلاة والسلام : ((إلزمها فإن الجنة تحت أقدمها))، وفي رواية (( ألزم رجلها فثم الجنة)).
وجعل رسول الله حقها آكد من حق الأب ثلاث مرات، حين سأله رجل : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي، قال : ((أمك، قال: ثم من؟ قال : أمك، قال: ثم من؟: قال : أمك، قال ثم من، قال : أبوك)) .
وبر الوالدين أيها المسلمون لا يسقطه شيء حتى الشرك، فلو كان الوالدين مشركين فإن برهما يبقى واجبا، فعن أسماء رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله : إن أمي قدمت علي راغبة، أي مشركة، أفأصلها، فقال لها عليه الصلاة والسلام (( نعم، صلي أمك)) .
ولكن ذلك لا يعني طاعتهما في المعصية أو في مخالفة أمر الله أو مصاحبتهما لحضور المعاصي، ولا يعني كذلك نصرتهما على أهل الحق المؤمنين أو السكوت عنهما إذا ما اعتديا على العقيدة.
بل إن اتخذ الوالدان خط محاربة المسلمين والكيد لهم فحينئذ يجب على الابن مناصرة أهل الحق ولو على والديه: قوامين بالقسط شهداء لله على أنفسكم أو الوالدين والأقربين
وهذا أبو عبيدة يقتل أباه يوم بدر لأنه وقف محاربا لله ولرسوله، و في ذلك ومثله قوله عز وجل: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيديهم بروح منها ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد أخي المسلم :
فاتق الله في والديك وبرهما، وأحسن إليهما ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وخاصة إذا كانا كبيرين في السن، ومهما بذلت أيها المسلم نحوهما، فلا يساوي ما بذلاه نحوك، فقد كانا يحملان عنك الأذى، ويسهران لتنام هادئا، وإذا مرضت قلقا عليك، ويرجوان حياتك، وأنت إن حملت عنهما شيئا من الأذى، أو سهرت في تمريضهما، أو طال سقمهما، فإنك تسأم مصاحبتهما، وقد ترجو موتهما .
أيها المسلمون : إن الولد ما دام صغيرا فإنه يظهر حبه لأمه قبل كل أحد، ثم لا يحب بعد أمه إلا أباه، الذي إذا دخل هش وبش له، وإذا خرج تعلق به، يرى أنه إذا رضي أعطاه كل شيء، وإذا غضب قدر على كل شيء، يخوف الناس كلهم بأبيه، فأي حب واحترام بعد هذا، ولكنه إذا كبر نسي الجميل، وأنكر المعروف وقابل ذلك بالإساءة والعقوق .
فاتق الله أيها الولد، واعلم أنك إن كنت اليوم مع والديك بارا أو عاقا، فسوف تكون غدا إن كان لك أولاد محتاجا إلى بر أبنائك، وسيفعلون كما فعلت، كما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل، فبروا آباءكم تبرّكم أبناؤكم.
واعلم أن عقوبة العقوق وخيمة ومعجلة في الدنيا قبل الآخرة، قال النبي : ((كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات)).
ثم لتعلم أيها المسلم أن دعوة الوالد على ولده مستجابة، قال : ((ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن : دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده )). وفي رواية : ((دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على الولد)) .
فيا من أبكى أبويه، فيا من أبكى أبويه وأحزنهما وأسهر ليلهما، وحملهما أعباء الهموم، وجرعهما غصص الفراق، ووحشة البعاد، هلا أحسنت إليهما وأرضيتهما وأضحكتهما، كم آذيتهما مرار وهما يدعوان الله سرا وجهارا، ويبكيان عليك وأنت صغير شفاقا وحذرا، ويبكيان منك وأنت كبير خوفا وفرقا، فهما أليفا حزن، وحليفا همّ رغمّ، فلما بلغت موضع الأمل ومحل الرجاء فارقتهما على رغمهما باكيين، وتركتها محزونين، فإن غاب شخصك عن عيونهما لم يغب خيالك عن قلوبهما، ولئن ذهب حدثيك عن أسماعهما، لم يسقط ذكرك عن أفواههما، ولطالما بكيا ولم يذوقا غمضا إن تأخرت عن الرواح في المساء، فكيف إذا أغلقا بابهما دونك، وأبصرا خلو مكانك ففقدا أنسك، ولم يجدا رائحتك، فكان ملاذهما سح الدموع، فصار الولد خبرا، وكل غريب ولدهما، وكل ميت هو لهما، وسل عن حديثهما إذا لقيا إخوانك، وأبصرا أقرانك، ولم يبصراك معهم، فهنالك تسكب العبرات، وتتضاعف الحسرات، وأنت إذا فقدتهما وابتليت بموتهما فإنك لا تذكر إلا حينئذ فضلهما، وتمقت نفسك على إساءتك لهما، وتقول: ويحي، ماتا قبل أن أبرهما، وياخسارتي، إذ لم أقم برد جميلها، ولم أشكر حسن صنيعهما، وقد رحلا قبل أن يجدا مني ما يرضي نفوسهما، ويسمح عنهما ماعاشا من نكد مني في حياتهما .
فأدرك نفسك من اللحظة إن كنت مقصرا في حقهما، وأما إن كانا قد توافهما ربهما، فمالك إلا صدق التوبة والاستغفار لنفسك ولهما بعد رحيلهما، ولله الأمر في قبول توبتك واستغفارك أو عدم قبولهما .
ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، واغفر لنا ولوالدينا والأموات المسلمين.
ـــــــــــــــــــ(68/264)
الطفولة والتربية
...
...
520
...
الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد
...
...
الأبناء, التربية والتزكية
...
عبد العزيز الغراوي
...
...
الدار البيضاء
...
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- مرحلة الطفولة لها خصائص وميزات وهي مرحلة خطِرة وحَرِجة جداً .. 2- عظم مسئولية الآباء والأمهات في هذه المرحلة وشدة عناية الإسلام بالطفل حتى قبل ولادته باختيار أمه وأبيه 3- مزايا التربية الإسلامية على الفرد والمجتمع وأضرار التربية المنحرفة على المنحرف ومجتمعه .. 4- واقع المسلمين اليوم في التربية يُنذر بالخطر إذ يتلقى الطفل أنماطاً مختلفة ومخالفة لدينه وعادات وتقاليد مجتمعه المسلم فكانت النتائج ما نشاهده من سلوكيات تدل على فساد المعتَقد والمِزاج .
الخطبة الأولى
أيها الاخوة والاخوات في الإسلام: الطفولة عند الإنسان هي المرحلة الأولى من مراحل عمره تبدأ من حين الولادة، وتنتهي إلى حين بلوغ الإنسان سن الرشد, أي سن التكليف قال الله تعالى: واذا بلغ الأطفال منكم الحلم وقال سبحانه: ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا اشدكم، فهاتان الآيتان تشيران إلى أن سن الطفولة يمتد من الميلاد إلى حين البلوغ.
وفي هذه السن يكمل عقل الإنسان ويقوى جسمه ويكتمل تميزه ويصبح مخاطباً بالتكاليف الشرعية كلها على سبيل الوجوب.
أيها المسلمون: عباد الله: إن مرحلة الطفولة هذه من أهم المراحل في حياة الإنسان وأكثرها خطورة، فهي تتميز عن غيرها بصفات وخصائص واستعدادات، فهي أساس المراحل الحياة التالية، وجذور لمَنابت التفتح الإنساني, ففيها تتفتّق المواهب، وتبرز المؤهلات وتنموا المدارك, وفيها تتجاوب قابلية الإنسان مع الحياة سلباً وإيجاباً, وتتحدد ميوله واتجاهاته نحو الخير أو الشر، وفيها تأخذ شخصيته بالبناء والتكوين، لتصبح مميزة عن غيرها من الشخصيات الأخرى، فطفولة الإنسان كتاب أبيض مفتوح يسجل فيه كل ما يرد عليه من حوادث تعرض له، وانطباعات ترتسم في مخيلته وذاكرته، وهي أرض صالحة للاستنبات, فكل ما يغرس فيها من مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات وكل ما يبذر فيها من بذور الشر والفساد، تؤتى أكلها في مستقبل حياته، وفي هذه المرحلة يكتسب الطفل من بيئته ومجتمعه ومحيطه العادات السارة والضارة، والأخلاق الكريمة أو الذميمة, والاتجاهات الصحيحة أو الفاسدة, والسبل المستقيمة أو المنحرفة، فعلى الوالدين في هذه المرحلة واجب من أكبر الواجبات الدينية والأدبية, وهي تربية الطفل تربية صالحة جسمياً وعقلياً، وتدريبه فكرياً وعلمياً وتثقيفه أدبياً واجتماعياً، ليكتسب منهما العادات الفاضلة وتنغرس فيه جذور الأخلاق الكاملة سواء عن طريق القدوة الصالحة أو عن طريق التعليم والتلقين, لأن توجيه الوالدين في هذه المرحلة له كبير الأثر في صياغته وحسن تقويته كإنسان اجتماعي, فإن قاما بواجبهما نحوه بنيا فيه الرجولة وحب البطولة, وقبل ذلك كله العقيدة السليمة التي هي أساس كل شيء, وإن أهملا وقصرا في حقه وتهاونا في تربيته أسلماه إلى الفشل في الحياة، وألقيا به بين أنياب الضياع والحرمان.
ولهذا اعتنى الإسلام بتربية الأطفال والإنسان عموماً منذ أن يولد بل قبل أن يولد ولهذا حث الشرع على اختيار الزوجة الصالحة والمرأة الطيبة, لأن الأم هي أول من يفتح الطفل عينيه عليه, فيرى أمه تبتسم له وتحتضنه وتحنو عليه, فيتأثر بحنانها وعطفها, فيشعر أنها الملجأ الأمين الذي يثق به، فهي التي تطعمه إذا جاع وتدفئه إذا برد, وتضحكه إذا بكى, وتبعد عنه الأذى, وتوفر له راحته, وتقضي له حاجته، فلهذا وغيره كان الأمر باختيار المرأة الصالحة والزوجة الطيبة لتكون معدناً طيباً وأملاً للطفل ثم لتعين تربيته وتغرس فيه الخير من البداية, فاهتمام الإسلام بالطفل منذ البداية واضح إذا نحن تحدثنا عن اختيار الاسم الطيب وحضانته والنفقة عليه وإرضاعه الرضاع الكامل وغير ذلك، والذي يهمنا نحن اليوم هو التربية.
أيها الأحبة في الله: إن تربية الطفل هي تنشئته وتعهده بالتنمية والإصلاح ليقوى جسمه ويصح جسده ويكمل عقله وينمو تفكيره وليكون فرداً سعيداً في نفسه وعضواً نافعاً في المجتمع الذي يعيش فيه، والطفل إن كبر وأصبح عضواً في المجتمع فهو إن لم يربى التربية الصالحة الصحيحة فقد يصبح عضواً فاسداً في المجتمع.
ـــــــــــــــــــ(68/265)
المشاكل الزوجية (1)
...
...
523
...
الأسرة والمجتمع
...
...
قضايا الأسرة
...
عبد العزيز الغراوي
...
...
الدار البيضاء
...
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- من أعظم المشاكل الزوجية وأكثرها خطراً تَدخُّل الأهل وغيرهم في الأمور الزوجية 2- عِظم إثم من يحاول التدخل للتخبيب أو الإفساد 3- الواجب على من علم شيئاً من الخلاف بين الزوجين النصح والستر 4- يجب على الأزواج ستر ما يقع بينهم حتى يتولوا بأنفسهم إصلاح أمورهم
الخطبة الأولى
أيها الاخوة والأخوات في الإسلام: ومن أسباب المشاكل الزوجية بل من أعظمها وأهمها والتي تنشأ بعد الزواج تدخل الغير في شؤون الزوج والزوجة, إذا تدخل الغير في شؤون الزوج والزوجة فإنه حينئذ يعاني الزوج من المشاكل وتعاني الزوجة من المشاكل ما الله به عليم.
ولذلك إذا أراد الله عز وجل أن يرحم الزوجين فإنه يكرمهما بأن لا يدخل أحداً بينهما فكم من نساء صادقات طاهرات, وكم من رجال صالحين مباركين وقعوا في مشاكل مع زوجاتهم لم يعلم بها أحد غير الله جل وعلا.
ولذلك من سداد العبد وصلاحه وكذلك سداد المرأة وصلاحها أن لا تدخل الغريب بينها وبين زوجها، ولذلك كان من الخطأ البيّن تدخل الأب في شؤون ابنه, وكذلك تدخل الأم في شؤون ابنتها، فيجلس كل واحد منهما يتعقب الزوج والزوجة يسأله عن أمور قد لا يحل له السؤال عنها, وهو مسؤول بين يدي الله عز وجل عن كشف تلك الأسرار وعن ذلك العيب الذي لم يأذن الله به.
وإذا أراد سبحانه أن يصلح حال الزوجين فإنه سبحانه يقطع عنهما غريباً يدخل بينهما، إذا أردت أن تعرف حكمة الرجل في معاملة لأهله فأنظر إليه في أسراره مع أهله, إن وجدته كتوماً لا يخبر أحد يعتمد على الله تعالى: ويشتكي إلى الله ويحسن إدارة البيت بنفسه متوكلاً على ربه, فظن به خيراً, وكذلك الزوجة الصالحة لا تأذن لأحد أن يدخل بينها وبين زوجها, ولذلك تحاول رغم أذية زوجها لها ألا يعلم قريب ولا أحد بما جرى بينها وبين زوجها, وهذا قمة في الوفاء وفي العشرة الحسنة السوية, والعكس بالعكس لما أصبحت الأمهات والآباء يتدخلون في شؤون الزوجين, وكل منهما يدلي برأيه ويحاول أن يتعقب وأن يفسر الأمور على غير ما ينبغي.
لمّا كان ذلك وقعت المشاكل وعانينا منها لذلك أحبتي في الله فلنتق الله في التدخل في شؤون الزوجين, فليتق الله الأب في ابنه وليتركه يتعرف ويدبر شؤون بيته حسب ما يراه هو, ولتتق الله الأم في ابنتها ولتتركها تتصرف مع زوجها وتدبر أمور بيتها بطريقتها هي.
هناك أمر آخر وهو تدخل الأصدقاء في شؤون أصدقائهم, حتى في شؤون الإنسان مع زوجته, وهذا أمر لا يجوز ولا يحل شرعاً لإنسان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يدخل بين زوج وزوجته إلا أن يأذن له ذلك الزوج, ويدخل على وجه الإصلاح لا على وجه الإفساد, وقد أشار النبي إلى ذلك حينما قال: ((لعن الله من خبب امرأة على زوجها، لعن الله من خبب زوجاً على زوجته)) أي عليه لعنة الله من أفسد زوجاً على زوجته أو زوجة على زوجها، فإذا جاءك إنسان يشتكي فينبغي أن تشعر وأن تحس أنك أمام عورة وأنك أمام أمر ينبغي ستره, فعلمه الصبر وحاول قبل أن يتكلم أن تذكره بالله وأن تُعوده التوكل على الله وأن تكون مشاكله بينه وبين زوجته, وعوده الصبر والتأسي بالسلف الصالح مع زوجاتهم فإنك إن فعلت ذلك كان الأجر والمثوبة في الدنيا والآخرة، فرحم الله رجال صادقين ونساءً صالحات ثبّت الله بهن قلوب الأزواج, أولئك الأصفياء البررة الذين يوصون بالصبر ويوصون بالتحمل واحتساب الأجر، لقد أوجد الله رجالاً صادقين كادت الأسر أن تتمزق لولا الله ثم نصائح منهم قيمة وكلمات منهم مباركات سديدة أولئك الذين عَناهم الله بقوله: والعصر إن الإنسان لفي خُسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصو بالصبر التواصي بالصبر من كانت فيه هذه الخصلة فهو من الناجين إذا كان الرجل يصبر صديقه على زوجته ويعينه في محنته ومشكلته, فإنه من أهل الخير, ومن الذين عناهم الله تعالى بالنجاة. أحبتي في الله: ما علاج هذه المشاكل كيف نتصرف كيف تتصرف الزوجة وكيف يتصرف الزوج إذا وقف أمام المشكلة؟
المشاكل الزوجية (2)
...
...
524
...
الأسرة والمجتمع
...
...
قضايا الأسرة
...
عبد العزيز الغراوي
...
...
الدار البيضاء
...
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- أسباب المشاكل الزوجية كثيرة فما العلاج ؟ 2- التوجه إلى الله تعالى لأن الدعاء مفتاح كل خير – نماذج من إرشاد القرآن لذلك 3- الاتصال بالعلماء إذا استفحلت المشكلة 4- الاتصال بأهل التجارب من عقلاء كبار السن .. 5- الابتعاد عن الخوض في أسباب الخلاف 6- مراقبة الله والنصح والإنصاف من كل الأطراف 7- واجب أبوي الزوجين
الخطبة الأولى
أيها الاخوة والأخوات في الاسلام: عرفنا في الخطب السابقة أسباب المشاكل الزوجية سواء التي تكون قبل الزواج أو بعده، وبقي أن نتعرّف على العلاج, وما الذي يجب عمله في حالة وقوع المشاكل بين الزوجين.
أيها الأحبة في الله: إن أول ما ينبغي على الإنسان إذا وقعت مشكلة من هذه المشاكل أول ما يجب أن يتوجه إلى الله تعالى، أن يلجأ إليه سبحانه أن يدعو كل من الزوج والزوجة الله تعالى أن يشرح صدورهما للخير، وهناك لطيفة عجيبة في سورة البقرة بعدما ذكر الباري جل وعلا مشاكل الزواج وذكر الطلاق قال تعالى: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين كأنه سبحانه ينبه على أن هذه المشاكل تقع وتنشأ عن ضعف الصلة بالله تعالى.
ومما يدل على أن الدعاء والتعلق بالله عز وجل مفتاح الفرج في المشاكل الزوجية قول الحق تبارك وتعالى: وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين، فبين تعالى أنه أصلح له زوجه ثم قال: إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً فدل على أن الدعاء مفتاح في صلاح الزوج والزوجة، فإذا تنكرت الزوجة على زوجها فليقرع الزوج باب الله تعالى وليدع الله تعالى أن يصلح له زوجته, وكذلك المرأة إذا تنكر عليها زوجها فلتلجأ إلى إلله ولتشتكي إليه وتدعو الله تعالى لتقل: اللهم أصلح لي زوجي, وتجد من تلك الدعوة منحة من الله لايخيب صاحبها, فمن التجأ إلى الله وتعلق به فلن يخيب في تعلقه بالله أبداً.
الأمر الثاني: إذا نزلت المشكلة عليك أن تتصل بالعلماء, استشر في أمرك حتى تعرف, فقد تكون المسألة متعلقة بالدين والشرع تحتاج لأن تتصرف تصرفاً شرعياً واجباً عليك، فاتصل بأحد العلماء وكن صادقاً فيما تقول أميناً فيما تنقل وأنصف المرأة من نفسك وقل وقع كذا وكذا ياشيخ ماالعمل؟ بَيِّن لي الأمر, وإذا لم تجد العالم أو كنت في مكان لايوجد فيه عالم اتصل بإنسان من كبار السن من أهل العقول الصائبة والآراء المستقيمة ممن توسمت فيه الخير والصلاح واعرض عليه المشكلة وبين له ما تعانيه وأستشيره في أمرك.
شاور أخاك إذا نابتك نائبة يوماً وإن كنت من أهل المشورات
فالعين تبصر مادنى ونأى ولا ترى مابها إلا بمرآةً
العيب الذي في العيون لانستطيع رويته إلا بمرآة, قد تكون تظن أنك الحق, فإذا أنت المخطئ وقد تكون تظن أنك المخطئ, فإذا أنت المحق فمن يدلك على هذا العيب غير أهل العقول المستقيمة الذين نوّر الله بصائرهم وأبصارهم، فارجع أخي المسلم إلى عالم أو إلى رجل من أهل التقى والعقول والبصائر النيرة.
الأمر الثالث: ابتعد عن أسباب هذه المشاكل فإذا دخلت البيت ووجدت شجاراً أو خطأً ما أُخرج من البيت لأن الشيطان يستزلك, وقد يجرك إلى كلمة تؤدي بالبيت إلى كارثة يقول الله تعالى: وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً فاخرج من البيت أو غيِّر من حالك, اذهب وتوضأ, وصلّ , المهم ألا تبقى أمام ذلك الموقف، اللهم إذا كان الموقف يحتاج إلى فصل فيه أو حل في حينه فعندئذ لاحرج ولاعتب عليك.
الأمر الرابع: ما واجبنا نحن إذا كنا أمام انسان وقعت له مشكلة أو نراه يعاني منها يجب أن تتوفر فينا صفات أهل الإيمان وأن نصبر من وقع في المشكلة زوجاً كان أو زوجة, فكثير منا لايحسن المعاملة مع أصدقائه في مثل هذه المواقف, فيجب أن نراقب الله تعالى في هذه الأمور حتى لا تثار الضغائن بين المسلمين, فلن يكون الواحد منا مسلماً مؤمناً حقاً إذا جاء أخوه يشتكي امرأته ولم تنزل هذه المرأة منزلة أخته، أنزل أخي المسلم هذه المرأة منزلة أختك وأنظر الضرر الذي سيلحقها وسيجري عليها إذا لم تقم بواجبك في الإصلاح أحسن قيام، إذا نزلتما هذه المنزلة حينئذ تعرف الصواب وتعرف ماذا تقول, لأنها أختك في الدين كيف تحرض الزوج على زوجته؟ فلذلك كثير من الرجال والعلماء حُرموا التوفيق فلا يحسنون التصرف حينما يرون الزوج أو الزوجة في حالة انفعال أو غضب, فالنار لا تُطفأ بالنار, والمفاسد لا تُطفأ بالمفاسد, ولكن النار تطفأ بالماء, والطيش يعالج بالحكمة, والاستعجال يعالج بالأناة والتروي وعدم التسرع، لذلك أحبتي في الله لنتق الله في الأزواج، كلمة طيبة تقولها للزوج تصبره تحفظ بسببها بعد الله عز وجل تلك الأسرة من الضياع يثقل الله بها ميزان حسناتك يوم القيامة.
الأمر الخامس: واجب الأب والأم أن يقوم كل واحد منهما بواجبه تجاه أبنائه وأن لا يتسرع الأب حين يأتيه ابنه يشتكي, بل عليه أن يصبره وكذلك الأم عليها أن تراعي مصلحة ابنتها ولتفكر في عودة ابنتها إلى بيت أبيها ومعها ولدان أو أكثر, فلتُنزل زوج ابنتها مكان ابنها ولتعلم أن مصلحة ابنتها في استقرارها في بيت زوجها مع أبناءها، لو أن الأم إذا جاءتها ابنتها صبّرتها وسَلّتها لصلُحت أحوال الكثير, ولكن الذي حدث هو العكس, فإن كلا منهم يحرض ابنه ويحرض ابنته ومن ثم نبكي على الأضرار.
أحبتي في الله: إن علاج هذه المشاكل بالرجوع إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله وأن يعي كل واحد منا واجبه تجاه إخوانه وتجاه أبناءه وبناته.
ـــــــــــــــــــ(68/266)
المشاكل الزوجية وحقوق الزوجين (3)
...
...
525
...
الأسرة والمجتمع
...
...
قضايا الأسرة
...
عبد العزيز الغراوي
...
...
الدار البيضاء
...
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- من الحقوق الزوجية المشتركة بين الزوجين حفظ السر. 2- ومنها حسن العلاقة مع أقارب الزوجين. 3- ومنها حسن التزين.
الخطبة الأولى
أيها الإخوة والأخوات في العقيدة: الحق الخامس عدم إفشاء السر فكل واحد من الزوجين مطالب بكتمان مايراه من صاحبه أو يسمعه منه، وهذا أدب عام حث عليه الإسلام ورغب فيه, وخاصة مايقع بين الزوجين حيث قال أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته, وتفضي إليه, ثم ينشر سرها))1.
وهذا إن كان ذكر فيه الرجال فالنساء كذلك يدخلن في الحكم, وقد ورد في ذلك حديث في مسند الإمام أحمد من طريق أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله والرجال والنساء قعود فقال: لعل رجلاً يقول مايفعله بأهله، ولعل إمرأة تخبر بما فعلت مع زوجها، فأرم القوم فقلت: إي والله يا رسول الله إنهن يفعلن، وإنهم ليفعلون قال: ((فلا تفعلوا, فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون)).
الحق السادس: حسن العلاقة مع أقارب كل واحد منهما, نقصد بذلك أيها الإخوة المسلمون والدي الزوجين وأقاربهما، فعلى كل من الزوجين أن يراعي حق صاحبه في والديه وأقاربه وألا يذكر أحداً منهم بسوء، فإن ذلك يوغر الصدور ويجلب النفرة بين الزوجين, وكم من زوج تحدث أمام زوجته بعيوب أبويها, فأحدث ذلك ألماً في قلبها أطفأ نور السعادة المضيئة في حياتهما مع زوجها، وإذا كان هذا في حق الزوج وله القوامة فمابالك بحديث الزوجة عن والدي الزوج وأقاربه بسوء، ولا نقول يجب أن يحب كل واحد منهما أقارب الآخر, فالقلوب بيد الرحمن يقلبها كيف يشاء، ولكن الواجب الاحترام وحفظ كل منهما لصاحبه مشاعره تجاه أبويه، وكرامته وعرفه.
الحق السابع: التزين، فالتجمل أمر فطري لدى الإنسان، وللزينة دور فعال في إعفاف كل من الزوجين وقناعته بصاحبه والرغبة فيه، ودوام العشرة بالمعروف, ولا عجب فالقلب مجبول على حب التطلع إلى الجمال ومحبته، غير أن بعض الرجال يعتقد أن هذا خاص بالمرأة دونه وأنه يجب عليها أن تتزين وتتجمل له، لكنه لا يقوم بدوره بالتزين والتجمل لذلك الاعتقاد الخاطئ وقد قال الله تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف.
نعم إن زينة الرجل كمال رجولته، وقوامته، وحسن عشرته, ولكن التجمل الظاهري مطلوب للمرأة, ترتاح له وتُسرُّ به وقد بينت ذلك إحدى النساء حينما خطبها رجل قد شاب شعره فأبت موافقتها، وقالت: (أخبروه أن في رأسه شيباً) فغير الرجل رأيه لذلك، فقالت المرأة: (والله ما في رأس شعره إلا شعرة إلا وهي سوداء, ولكني أردت أن أعلمه أن ما يحبونه فينا نحبه فيهم) ومع هذا نجد كثيراً من الأزواج يهمل هذا الحق لزوجته عليه، ولكن هذه الزينة والجمال يجب أن يكونا موافقين للشرع غير مخالفين له.
1 - رواه مسلم .
ـــــــــــــــــــ(68/267)
حقوق الزوجين (1)
...
...
516
...
الأسرة والمجتمع
...
...
المرأة
...
عبد العزيز الغراوي
...
...
الدار البيضاء
...
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
المرأة في المجتمعات الجاهلية. 2- تكريم الإسلام للمرأة له صور كثيرة ومنها : أ- أن يدفع لها مهرها كاملاً ب- النفقة والسكن المناسب ج- تعليمها وتربيتها د- الصبر عليها وتحمّلُها هـ- إعطاؤها وقتاً كافياً للمؤانسة و- تمكينها من صلة الرحم ز- صيانتها والغيرة عليها. ح- العدل بين الزوجات
الخطبة الأولى
أيها الاخوة والاخوات في الإسلام: مما لاشك فيه أن الإسلام شرع مركز المرأة في الحياة, وجعل لها من الحقوق والواجبات ما لم تجعله الشريعة سابقة, في حين نجد في بعض الأديان والعقائد من اعتبر المرأة حيواناً لاروح له، أو انها خلقت لخدمة الرجل، ومنهم من جعل حياتها مرتبطة بحياة الرجل, فإذا مات الرجل أصبحت المرأة لاحق لها في الحياة فيحكم عليها بالموت معه، ثم جاءت شريعة الإسلام السمحة، لتجعل لها من الحقوق والواجبات مثل ماللرجل, فأعطاها الإسلام حرية التصرف في أموالها، كما أعطاها حرية اختيار زوجها بل جعلها الله تعالى آية من آياته، يقول سبحانه وتعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون.
فالمرأة خلقت من نفس الرجل لا من طينة أخرى، فهي ليست حيواناً بل هي من الرجل, والرجل منها, وقد خلقها الله لتكون زوجة لا خادمة فقط، زوجة يسكن إليها الرجل, وتسكن إليه, والسكن أمر نفساني وسر وجداني يجد فيه المرء سعادته وراحته وأمنه وطمأنينته، وبهذا فقد قرر الإسلام ما بين الزوج والزوجة من أصول التعاون على رسالة الحياة الزوجية، وجعل حقوق مشتركة بين الزوجين, وهذا ما تطرقنا إليه في الخطبة الماضية, وحقوقاً للزوج على زوجته وهكذا نتركه إلى الخطبة القادمة إن شاء الله, وجعل حقوق للزوجة على زوجها نذكرها في هذه الخطبة.
أيها المسلمون: الحقوق ثبتت لها بقول الله تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة ولقوله فيما رواه الترمذي وصححه: ((إن لكم على نسائكم حقاً, ولنسائكم عليكم حقاً)).
وأول هذه الحقوق: المهر، لقوله تعالى: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة والمهر نوع من أنواع الهدية يقدمه الرجل بين يدي عقد الزواج, وهو حق للزوجة تأخذه عاجلاً أم آجلاً. ثانياً: النفقة والسكن: فالنفقة تلزم الزوج من حين عقد الزواج, يعد لها السكن والمتاع ويوفر لها الطعام والشراب والكسوة, ولا تلزم الزوجة ولو كانت ذات مال أن تنفق على نفسها شيئاً من مالها، قليلاً أو كثيراً إلا أن تتطوع به عن طيب نفس منها، ولايحق للزوج أن يجبرها على شيء من هذا, وفي ذلك يقول الرسول من حديث جابر رضي الله عنه: ((ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف))1، ولما روى حكيم بن معاوية عن أبيه قال قلت: يارسول الله ماحق الزوجة على أحدنا؟ قال: ((أن تطعمها إذا طعمت, وأن تكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت))2، والنفقة والكسوة والسكن يجب أن يكون على حسب طاقة الزوج وقدرته, فالغني ينفق من سعته, والمقل على قدره لقوله تعالى: اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم أي على قدر ما يطيقه كل منكم، وكذلك قوله تعالى: لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لايكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسراً يسراً.
فلذا عليك أختي المسلمة أن لا تكلفي زوجك فوق طاقته كما عليك أخي الزوج أن لا تبخل, واعلم أن خير وأفضل وأرحم ذاك الذي تنفقه على أهلك لقول الرسول فيما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة, ودينار تصدقت به على مسكين, ودينار أنفقته, أعظمها أجراً الذي تنفقه على أهلك)).
وكما عليك أخي المسلم ألا تطعمها إلا حلالاً ولا تنفق عليها من المال الحرام الخبيث.
الحق الثالث: أن يعلمها أمور دينها، فالزوج راع ومسؤول عن رعيته, فهو مسؤول عنها, وعليه أن يعلمها أمور دينها وخاصة إذا لم تكن المرأة قد أخذت من العلم الشرعي ما يكفيها في أمور دينها ودنياها, هذا إن كان متعلماً وإلا أذن لها أن تحضر مجالس العلم كأن يصحبها معه أو أن يجلب لها ما تستفيد منه وتتعلم منه ككتاب أو شريط, وهذا الأمر يتساهل فيه كثير من الأزواج ونسوا قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة وقوله تعالى: وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها.
الحق الرابع: أن يصبر عليها وعلى أذاها, وأن يتحمل ويتغافل عما يصدر عنها من قول أو عمل رحمة بها وشفقة عليها وعملاً بوصية الرسول : ((استوصوا بالنساء خيراً)) ولأن هذا داخل في المعاشرة بالمعروف, وليعلم أن الناس في العشرة طرفان مذمومان، منهم من لايعرف الرحمة والعطف إلى قلبه سبيلاً، ومنهم من يفرط ويتساهل ويتسامح حتى ينفلت زمام الأمور من يده، والحق وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، ومن هنا نقول: إن الزوج يكون حازماً في وقت الحزم غير متساهل في الأمور الشرعية والدينية, كما عليه أن لا يألوا جهداً في الترفيه عن زوجته بما يدخل عليها السرور, وأن يكون طلق الوجه يحسن اختيار الكلمة الطيبة الحلوة وأن لا يهجرها على أمر دنيوي فوق ثلاث ليال.
1 - رواه مسلم .
2 - رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه .
ـــــــــــــــــــ(68/268)
حقوق الزوجين (2)
...
...
517
...
الأسرة والمجتمع
...
...
قضايا الأسرة
...
عبد العزيز الغراوي
...
...
الدار البيضاء
...
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- أهمية الاستقرار الأسري وعناية الإسلام بذلك لما ينبني عليه من سلامة المجتمع المسلم 2- محاربة أعداء الإسلام للمسلمين في المجال الأسري 3- الحقوق الزوجية ثلاثة أقسام : أ- مشترك ب- خاص بالرجل ج- خاص بالزوجة 4- سرد للحقوق الزوجية المشتركة على ضوء ما أمر الله به من المعاشرة بالمعروف
الخطبة الأولى
أيها الاخوة والاخوات في الإسلام: إن بناء الأسرة من ضرورات قيام هذا الدين وهذه الأمة, لأن الأسرة لَبِنة المجتمع الأولى وأساس هذا البناء الزواج الناجح المبني على أسس سليمة متينة، وأهداف مستقيمة، لهذا حظيت الحياة الزوجية في الإسلام كغيرها بتشريع متكامل, وعالج الإسلام جميع جوانبها مما يضمن حياة سعيدة رضية مستقرة, ولهذا ندرك سر هجوم أعداء الإسلام على الأسرة المسلمة, لأنهم يعلمون أن في انهيار الأسرة المسلمة انهيار للمجتمع الإسلامي، فمتى كثرت المشاكل والخلافات في بيت، فلا تنتظر أن يخرج منه جيل صالح.
وحتى لا نقع فيما يريده أعداء الاسلام علينا أن نعمل على سلامة هذه الأسرة والحفاظ عليها ولن نحافظ عليها إذا لم يقم كل واحد من الزوجين بدوره أحسن القيام في هذه المؤسسة العظيمة.
وأحسن وسيلة هي أداء كل واحد منهما ما عليه تجاه الآخر، قبل أن يطلب ماله، وهذه قضية طويلة ألا وهي قضية الحقوق الزوجية, ولكننا نحاول ذكر أهم عناصرها بإيجاز, علماً أن مدارها وخلاصتها في قول الباري جل وعلا: وعاشروهن بالمعروف وقوله سبحانه: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف.
أيها الاحبة في الله: والحقوق ثلاثة أقسام: قسم مشترك وحقوق خاصة بالرجل, وحقوق خاصة بالمرأة.
وإليكم أيها الاخوة في الله الحقوق المشتركة وهي حقوق تجب لكل واحد من الزوجين تجاه الآخر, وليست خاصة بأحدهما, نلخصهما فيما يلي:
أولاً: حق المعاشرة بالمعروف، ومعنى هذا أن يعاشر كل من الزوجين صاحبه معاشرة حسنة, فلا يؤذيه بالفعل ولا بالقول ولا بما يستنكر شرعاً ولاعرفاً ولامرؤة, وإنما الصبر والرحمة واللطف والرفق, وأن يعامل كل واحد منهما الآخر كما يحب هو أن يعامل.
ثانياً: المناصحة بينهما فإن للتناصح دوراً كبيراً في الارتقاء بمستوى الأسرة وإنارة لدرب السلامة من التردي في الخطأ, غير أن كثيراً من الأزواج يرى من غير الطبيعي أن تؤدي المرأة دورها في نصيحة زوجها, وأن من السائغ أن تكون النصيحة من جانبه هو فقط, ويصل الظن ببعض الأزواج إلى أن قيامها بالنصيحة نوع من التطاول على حقه، وخَدش لكرامته ولقوامة الزوج, وهذا خطأ لأن التناصح مأمور به شرعاً, وحق للمسلم على المسلم, وحق مشترك بين الزوجين وخاصة أن النبي يقول: ((الدين النصيحة)).
ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل في هذا, وهو حق لكل مسلم على أخيه المسلم, ومن واجب كلا الزوجين أن يأمر صاحبه بالمعروف وينهاه عن المنكر.
ثالثاً: الشورى، بمعنى أن يكون التشاور وتداول الرأي قائماً بين الزوجين فيما يتعلق بشؤون البيت، وتدبير أمر الأسرة وتربية الأولاد, وليس من الحكمة في شيء أن يستبدّ الرجل برأيه ولا يلتفت إلى مشورة امرأته، لا لشيء إلا لأنها امرأة, ومشورتها قدح لقوامته عليها في نظره, فكم من امرأة أدلت برأي أرجح من رأي رجل, وكم من امرأة أشارت برأي صار له أكبر الأثر في استقامة الأمور وإصلاح الأحوال، وخير من يقتدى به في ذلك رسول الله يوم أن دخل على أم سلمة رضي الله عنها غاضباً مما فعل أصحابه يوم الحديبية حيث أمرهم بالحلق والتحلل فكأنهم تحرجوا وتباطؤا, فأشارت عليه أم سلمة رضي الله عنها أن يحلق هو أمامهم حتى يحلقوا فأخذ الرسول بمشورتها فما كان إلا أن بادروا إلى امتثال أمره عليه الصلاة والسلام.
رابعاًً: حق الإنجاب، يقول الله تعالى: والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفَدة إن حق الإنجاب والرغبة في الولد أمر فطري عند الرجل والمرأة على السواء, لكن قد يزهد في طلب الولد لاعتبار ما في زمن ما، وعندها ينبغي لمن زهد منهما في الولد أن يراعى حق الآخر وخاصة إذا كان الدافع إلى الزهد في الولد مصلحة كمالية لا مصلحة ضرورية أو شرعية, ولهذا رأى الفقهاء رحمهم الله لما تحدثوا عن العزل أن يكون بإذن الزوجة مراعاة لحقها في قضاء الوطر وحقها كذلك في الولد، والرسول حرض على طلب الولد حين قال: ((تزوجوا الودود الولود, فإني مُكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة))1، ويلحق بهذا الحق حق التربية, فأمر التربية حق مشترك بين الزوجين, فكل واحد يقوم بواجبه إلا أنه من المتفق عليه أن ثمة مجالات تختلف باختلاف سن الولد وطبيعته فمنه ما يكون رائد التربية فيها الأب، ومجالات أخرى يكون رائد التربية فيها الأم، فعلى كل واحد منهما تقدير مجال صاحبه وعدم التعدي على حقه فيه مع التسليم إلى القوامة للرجل, وهذا لا يعني أن يلجأ أحدهما إلى الآخر ويُخطأه أمام الأولاد، ولا يليق تجريحه والنيل من كرامته أو أن يختلف الأبوان في الأسلوب الأمثل لحل واقعة بين الأولاد بحضورهم فإن ذلك يؤدي إلى جرح عميق في نفوسهم يبقى أثره أبد الدهر, وأقل ما يحصل من ذلك عقوق الأولاد لأحدهما, واستهانتهم بالمهزوم منهما فالملاحظات في شؤون التربية لا تكون أمام الأولاد ولكن بعيداً عنهم, إذا انفرد بها قال لزوجته ما شاء, وإذا انفردت به قالت ما شاءت.
1 - رواه أحمد وابن حبان .
ـــــــــــــــــــ(68/269)
حقوق الزوجين (3)
...
...
518
...
الأسرة والمجتمع
...
...
قضايا الأسرة
...
عبد العزيز الغراوي
...
...
الدار البيضاء
...
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- من حقوق الزوجة على زوجها عدم الخروج في المنزل إلا لقضاء مصالحه ومصالح الأسرة. 2- من حقوق الزوجة أن لا يمنعها من زيارة أهلها وأقاربها. 3- ومنها أن يغار عليها ويصونها. 4- ومنها العدل بين الزوجات.
الخطبة الأولى
أيها الإخوان والأخوات في العقيدة: الحق الخامس: أن يجلس الوقت الكافي في بيته لتأنس به, وأن يبتعد عن كثرة السهر خارج البيت إلى ساعات متأخرة من الليل, وهذا حق يجب أن يراعى حتى لاتضطر الزوجة إلى الخروج عن حيائها, فبعض الأزواج تراه في دنياه لاهياً أو يدمن على السهرات مع الأصدقاء والخلان ولايعود إلا متأخراً، قد ارهقه التعب وأضناه التعب واستنفذ مافي جعبته من المرح واللهو مع أصدقائه, فيدخل وربما لا بسلام ولا كلام ويرتمي على فراشه كالجيفة, ولو قدر الله أن يقضي وطره منها قضاه على وجهه لا تشعر معه الزوجة بسعادة، وكأنها ما بقيت في البيت إلا للكنس والطبخ والخدمة وتربية الأطفال فهي في نظره أو كما يعبر عنه حاله وواقعه معها, ليست بحاجة إلى قلب يَعطف عليها ورجل يُداعبها ويَحنّ إليها ويروي عاطفتها، ويشبع غريزتها, وإذا كان الرجل ينهى عن الانهماك والاشتغال بالعبادة لأجل إتمام هذا الحق لزوجته فكيف بإهدار الوقت وإضاعته في السهرات العابثة والليالي اللاهية؟ جاء سلمان الفارسي إلى أبي الدرداء رضي الله عنهما يزوره وقد آخى رسول الله بينهما، فإذا بأم الدرداء مبتذلة فقال: ما شأنك؟ قالت: إن أخاك لاحاجة له في الدنيا، يقوم الليل ويصوم النهار، فجاء أبو الدرداء فرحب به وقرب إليه طعاماً فقال له سلمان: كُل، قال: إني صائم، قال: أقسمت عليك لتفطرنّ، فأكل معه ثم بات عنده فلما كان الليل، أراد أبو الدرداء أن يقوم فمنعه سلمان وقال: إن لجسدك عليك حق, ولربك عليك حق, ولأهلك عليك حق، صم وأفطر وصلّ, وائت أهلك وأعط كل ذي حقه حقه، فلما كان وجه الصبح قال: قم الآن إن شئت فقاما فتوضأ ثم ركعا ثم خرجا إلى الصلاة فأتى النبي فذكر ذلك فقال له النبي : ((صدق سلمان))1.
الحق السادس: أن لايمنعها من زيارة أهلها وأقاربها بلا إفراط, لأن ذلك من صلة الرحم, وهي واجبة في الإسلام, وذلك بعد أن تستأذنه عند الخروج وأن يكون خروجها شرعياً بحيث لا تمس طيب ولا تخرج بزينة, وأن لا تكون في زيارتها تلك ما يؤدي إلى الحرام, وهذا يكون في كل خروج اضطرت إليه المرأة لتخرج.
الحق السابع: أن يصونها وأن يغار عليها, فالزوج عليه أن يصون كرامة زوجته ويحفظ عرضها ويغار عليها, ومن المؤسف أن بعض حيوانات الغابة أكثر غيرة على زوجته من بعض الرجال اليوم، فتراه يطلق العنان لزوجته تختلط مع الرجال تحادثهم وتذهب للأسواق وحدها, وإذا كان الحَمْو هو قريب الزوج كأخيه الذي قال عنه النبي : ((الحمو الموت)) إذا كان لا يجوز لها أن تخالطه وتختلي به ويدخل عليها في غياب زوجها, فما بالك بغيره من البقال والسائق وغيره.
وينبغي أن تكون هذه الغيرة محمودة لا مذمومة لقول جابر كان النبي يقول: ((من الغيرة ما يحب الله, ومنها ما يبغضه الله فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة)) فيجب أن لا تتجاوز الغيرة حدها حتى لا تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.
الحق الثامن: العدل ويقصد به إذا كان للزوج أكثر من زوجة, فحق كل واحدة أن يعدل بينهنّ فإن الله تعالى عندما أباح للرجال الزيادة على الواحدة قيّد ذلك بالعدل لقول الله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان ولقوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم إلا تعدلوا فواحدة ويكون العدل في أمور كثيرة ذكر منها الطعام والشراب والكسوة والسكن والمبيت والكلام وحتى الابتسامة, أما المحبة فهذا الأمر لايقدر عليه لأن القلوب بيد الله سبحانه يقلبها كيف يشاء، فمن حق المرأة أن يعدل زوجها وأن لا يحابي وأن لايميز بين زوجاته في هذه الأمور المقدور عليها، وليعلم قول رسول الله : ((من كانت له إمرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة أحد شقيه ساقطاً أو مائلاً))2.
هذه أيها المسلمون حقوق الزوجة على الزوج التي ينبغي على كل زوج مسلم أن يؤديها لزوجته كما أمر بها الله ورسوله فالزوجة هي الجانب الأضعف والأحوج إلى العطف والرحمة وحسن الرعاية فعن أبي شريح صويلة عمرو الخزاعي قال: قال رسول الله : ((اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة))3، ومعنى أحرج الحق: الحرج أي الإثم، فمن ضيع حقهما وأحذر من ذلك تحذير بليغاً, وأزجر عنه زجراً كبيراً، فاتقوا الله عباد الله, وأدوا حقوق زوجاتكم, وتقربوا بأدائها إلى ربكم تفوزوا برضاه فإنهن عوان عندكم.
1 - رواه البخاري .
2 - رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي .
3 - حديث حسن رواه النسائي بإسناد جيد .
ـــــــــــــــــــ(68/270)
أنذرتكم العار
...
...
1264
...
الأسرة والمجتمع
...
...
المرأة
...
محمد بن عبد الله الهبدان
...
...
الرياض
...
18/2/1419
...
...
جامع العز بن عبد السلام
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- مكانة وأهمية المرأة في المجتمع جعلها هدفاً لسِهام الغرب 2- سياج الإسلام يحفظ المرأة 3- صور للاختلاط في مجتمعنا 4- عقوبة الله في ذنبي الاختلاط والزنا 5- أقوال للغربيين للفصل بين الرجال والنساء 6- كليات للبنات فقط في أمريكا
الخطبة الأولى
أيها الأخوة في الله: يتبارد إلى أذهان الجميع لماذا التركيز على المرأة من قبل الغرب، ومن قبل اتباعه المستغربين العلمانيين؟
والجواب على هذا: إن هؤلاء قد فطنوا لمكانة المرأة الأساسية ودورها في صنع الأمة وتأثيرها على المجتمع، ولذلك أيقنوا أنهم متى ما أفسدوا المرأة ونجحوا في تغريبها وتضليلها فحين ذاك تهون عليهم حصون الإسلام، بل يدخلونها بكل يسر وسهولة و دون أدنى مقاومة .
يقول شياطين اليهود في بروتوكولاتهم: علينا أن نكسب المرأة، ففي أي يوم مدت إلينا يدها ربحنا القضية. ولذلك نجح اليهود في توجيه الرأي العام الغربي حينما ملكوا المرأة عن طريق الإعلام وعن طريق المال. وقال آخر من ألد أعداء الإسلام: كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوها في حب المادة والشهوات[1].
ولذا أحبتي الكرام كتبت هذه الكلمات بقلم المحب المشفق الناصح المنذر بخطورة المرأة إذا حادت عن طريق ربها، ولأن الرجل قد يصمد في كثير من المعارك والحروب ولكن هذا الرجل العملاق يفاجأ أنه كثيرا ما ينهار أمام المرأة بمغرياتها وفتنتها وصدق القائل:
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا
ولذلك يقول النبي : ((اتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء))[2]، ويقول المصطفى : ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء))[3].
أحبتي الكرام: إن من المظاهر الخطيرة المنذرة بالخطر الداهم، ظاهرة التبرج والسفور والاختلاط مع أن الأدلة متضافرة في النهي عنها والتحذير منها يقول الله جل جلاله: وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ولقد نهى رسول الله بشدة عن الاختلاط والتبرج، ومنع كل ما يؤدي إليه حتى في مجال العبادات وأماكنها فلقد أسقط عن المرأة الجمعة والجماعة والجهاد، وجعل جهادهن لا شوكة فيه، وهو الحج المبرور، وقال عليه الصلاة والسلام: ((المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها))[4]، وقال : ((أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية))[5].
أحبتي الكرام: إن هذه الظاهرة لو تساءلنا بصدق هل الواقع الذي نعيشه الآن ونراه صباح مساء هو الواقع الذي كان عليه سلفنا قبل فترة ليست بالطويلة؟ إن كل عاقل لبيب يعلم أن ذلك المجتمع في عمومه لا يمكن مقارنته بل ولا تستساغ المقارنة مع مجتمعنا اليوم.
إن ما يجري وما نراه اليوم نخشى ورب الكعبة بسببه عقوبة تعم الصالح والطالح، ألستم ترون معي المشاهد المخزية المتكررة يومياً، إن من يدخل أسواق المسلمين اليوم يرى من المشاهد ما يندى له الجبين، وتتفطر له الأكباد، ترى بعض نسائنا وكأنها في صالة عرض لجسمها، أمام مرأى ومسمع من الناس بلا حياء، وإذا انتقلت إلى صورة أخرى وهو الاختلاط الموجود في كثير من الأماكن الأطباء والطبيبات، المرضى والممرضات، بين الممريضات والممرضين، الاختلاط في الحدائق العامة، وبعض الأعراس والمناسبات الاجتماعية والمطاعم العائلية، فوأسفا على ما آلت إليه حالة الإسلام بين أقوام أنكروه بعدما عرفوه، ووضعوه بعدما رفعوه، وذهبوا به مذاهب لا يعرفها، ولا شأن له بها.
أي عين يجمل بها أن تستبقي في محاجرها قطرة واحدة من الدمع فلا تريقها أمام هذا المنظار المحزنة، أي قلب يستطيع أن يستقر بين جنبي صاحبه ساعة واحدة فلا يطير جزعا حينما يرى تلك المشاهد.
أيها الأخوة في الله: إن المجتمع الذي ينتشر فيه التبرج والسفور والاختلاط يسير إلى الهاوية، ويسعى إلى حتفه، ولسوف ينخر الفساد في كيانه، وتعم الفوضى أرجاءه، ويعيش أفراده في شقاء وحيرة، بل سيكونون أسوأ حظاً من الحيوانات.. عندما ينتشر الاختلاط ستتفكك الأسر، والروابط العائلية، لأن كلاً من الزوجين يحس بالاستغناء عن الآخر، ولأنهما لن يجدا الثقة في بعضهما، فتنعدم المودة والرحمة، والسكن والأمن، وعند ذلك سينشأ جيل عاش في هذا الجو المكفهر، وسيكون لذلك أكبر الأثر على نفسيته وعقليته وخلقه، وسيتقلص النكاح الطبيعي الشرعي، وستنتشر الفواحش وتسيطر الشهوات، فالبضاعة معروضة، وسهلة المتناول، وستنتشر بيوت البغاء، بل قد تتخذ حرفة تجبى من ورائها أرباح باهظة، ولسوف تبدد الأموال بلا مقابل لبذلها في إشباع الغرائز وتحقيق الشهوات، وسيعرض الناس عما يخدم المجتمع، فلن يُهتم بالإنتاج وأسباب التقدم والعمران، وسيكون هذا المجتمع نهباً للغاصبين، ولقمة سائغة للمستعمرين، والسبب الرئيسي كما اعترف به المؤرخون لسقوط باريس، عاصمة فرنسا، واستسلام الجيش الفرنسي أمام جيوش الألمان خلال مدة قصيرة، هو الاسترسال في الشهوات، والانغماس في الملذات، والإخلاد إلى الترف والخوف على مراقص باريس ومواخيرها وحاناتها، فهوت على ركبتيها عند أول ضربة، خاضعة ذليلة، تستجدي الظافرين.
هكذا أيها المسلمون عندما ينتشر هذا الداء، فعلى الأخلاق السلام، ستذهب ليحل محلها الكذب والخداع، وتعاطي المحرمات، وارتكاب الفواحش جهارا وبلا حياء، وستدفن النخوة والشهامة، بل سترحل الحشمة والغيرة، قال ابن القيم رحمه الله: (ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنى، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة)[6].
أيها الأخوة: وهناك أمراض فتاكة متنوعة، تتولد في المجتمع المختلط كالسيلان و الزهري، والتقرحات الجنسية، والشذوذ الجنسي ومرض النضج الجنسي المبكر، والضحية الأولى في هذا الفساد هي المرأة التي استدرجت وأخرجت من قرارها، فهي ستنشغل بجمالها، وتقضي الأوقات الطويلة لتحسين مظهرها، لتلفت أنظار الآخرين إليها، وتستأثر بنظراتهم. بل الأطفال أيضا سيكونون ضحية لهذا الداء، فالطفل محروم الحنان والعطف والحب من أبويه، لأن المحاضن تنتظره ليعيش فيها بين أفراد آخرين لا تربطه بهم سوى التنافس على الحاضنة، فهو محروم من جو الأسرة المترابط المتحاب.
ولقد سارت أغلب المجتمعات الإسلامية في هذا الطريق فعم الاختلاط في جميع المجالات، وبدأت من حيث انتهى الآخرون.
كل ذلك تقليد أعمى لحياة الغربيين، وسير على طريقهم، وتقديس لحضارتهم وثقافتهم، لقد بدأ الغربيون يحسون بخطر الاختلاط على حياتهم و مستقبلهم، فاعترفوا بإفلاسهم وخطئهم في تجاربهم، فأخذوا يرجعون إلى ما بدأ يتركه الشرقيون. فيوجد في أمريكا 154 كلية خاصة بالبنات[7] وتقول الكاتبه آرنون: (ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهارة) وقال أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي: (إن المرأة تستطيع أن تخدم الدولة حقاً إذا بقيت في البيت الذي هو كيان الأسرة) وقالت لاديكون: (علموا النساء الابتعاد عن الرجال، أخبروهن بعاقبة الكيد الكامن لهن بالمرصاد[8].
ونحن وإن كنا في غنى عن هذه المقالات اكتفاء بما نراه في واقع المجتمعات الغربية من فساد يراه كل ذي عينين، واكتفاء بما عرفناه من الحق، إلا أننا نورد هذه المقالات من علماء الغرب من باب قوله تعالى: وشهد شاهد من أهلها ومن باب قولهم (والفضل ما شهدت به الأعداء)، ولأن المستغربين في ديارنا يرون أن كلام هؤلاء هو الحجة التي لا تقبل النقاش، وحالهم هو الحياة المثلى التي لا تعلو عليها حياة.
بارك الله لي ولكم. . .
[1] أساليب العلمانيين في تغريب المرأة المسلمة للشيخ بشر البشر ص7 بتصرف .
[2] رواه مسلم
[3] متفق عليه .
[4] رواه الترمذي وقال حسن غريب وابن حبان،
[5] رواه النسائي .
[6] الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص281
[7] مكانك تحمدي ص93
[8] انظر فتياتنا بين التغريب والعفاف 57-58 بتصرف
الخطبة الثانية
أيها الآباء: تذكروا أنكم موقوفون بين يدي الله تعالى غدا ومسئولون عنهن قال عليه الصلاة والسلام: (الرجل راع على أهله وهو مسئول عن رعيته) احذروا التبرج والسفور والاختلاط فإنها والزنى رفيقان لا يفترقان، وصنوان لا ينفصمان غالباً، أنذرتكم العار، أنذرتكم العار.. أنذرتكم العار.. أنذرتكم العار، أنذرتكم العار.
ن الأعراض إذا لم تُصن بالعفاف والحصانة واحترام القيود التي شرعها الإسلام في علاقة الجنسين فإنها ستأكل بلا عوض ولا أثمان وعندها لا ينفع بكاء ولا ندم واللوم أولاً وأخيراً على وليّ البنت الذي ألقى الحبل على غاربه، وأرخى لابنته العنان
أتبكي على لبنى وأنت قتلتها لقد ذهبت لبنى فما أنت صانع[1]
إني داع فأمنوا، اللهم احفظ فتيات المسلمين من كيد الكائدين، وتربص المتربصين، واجعلهن بالصحابيات مقتديات، وعن الضلال معرضات، وللكتاب والسنة مقتفيات، اللهم من أراد بنسائنا سوءا، اللهم أشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدميره تدميرا عليه يا سميع الدعاء اللهم انتقم منه، اللهم انتقم منه، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أقر أعيينا برؤية زرع الإسلام وقد استوى على سوقه، يعجب الزراع لنغيظ به الكفار، إلهنا إله الحق.
[1] صيحة تحذير و صرخة نذير ص24
ـــــــــــــــــــ(68/271)
...
أيها الآباء اتقوا الله في أولادكم
...
...
1265
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الأبناء
...
محمد بن عبد الله الهبدان
...
...
الرياض
...
27/5/1419
...
...
جامع العز بن عبد السلام
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- الدعوة لتربية الأبناء وتأديبهم 2- الأولاد فتنة خير يَبتلي الله فيها العبد 3- صور من تأديب السلف لأولادهم 4- سوء تربية الأبناء عقوق لهم يتضرر منه الآباء قبل غيرهم 5- توجيهات عامة في تربية الأبناء
الخطبة الأولى
أيها الأخوة في الله: إن الله سبحانه أنزل إلينا خير كتبه وشرع لنا أفضل شرائع دينه ،شرع لنا ما ينفعنا، وأمرنا بما هو كفيل بسعادتنا في الدنيا والآخرة، ومن تلك الآوامر الإلهية التي يخاطب الله فيها عبادة الذين آمنوا، ذلك الخطاب الرباني الموجه إلى أرباب الأسر، محذرا ومنذرا ومذكرا وموجها، يقول الله جل جلاله فيه: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون فالقرآن يهيب بالذين آمنوا ليؤدوا واجبهم في بيوتهم من التربية والتوجيه والتذكير، فيقوا أنفسهم وأهليهم من النار، قال ابن عباس : (اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، ومروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار) وقال علي بن أبي طالب : (علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم).
أيها الأخوة في الله: إن من شب على شيء شاب عليه غالبا، فمن نشّأ أولاده على الأخلاق الفاضلة والمثل الكريمة في الصغر، سر وانتفع بهم في الكبر، وإن نعمة الأولاد نعمة كبرى، ومنتها منة عظمى، أنعم الله بها على من أعطاهم إياها المال والبنون زينة الحياة الدنيا وإن العاقل الذي أوتي هذه النعمة ليدرك أن استقرار هذه النعمة واستمرار أثرها على الإنسان في محياه ومماته بتوجيهها التوجيه الذي أمر الله به في قوله جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً، وقوله سبحانه: وأنذر عشيرتك الأقربين والبعد كل البعد عن التساهل والتفريط في شأنها، فإنها بجانب كونها نعمة، هي في نفس الوقت ابتلاء واختبار للوالدين يقول الله تعالى: ونبلوكم بالشر والخير فتنة ويقول: واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة.
أيها الأخ المبارك: إذا قلبت طرفك في صفحات التاريخ وقفت على حقائق ناصعة كلها صفاء وبهاء من اهتمام الأجيال الفذة بتربية أبنائهم والاعتناء بهم ،لأنهم أدركوا ما وراء شكرها والقيام بحقها من تتابع أجر وبقاء ذكر، مهتمين كل الاهتمام بتوجيه أولادهم وتنشئتهم وتربيتهم على الإسلام الذي لا يضل ولا يشقى من تمسك به فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها يقول الله تعالى عن عباده المؤمنين المضافين إليه إضافة تشريف وتكريم: يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً.
إن هذا الاهتمام كان له أعظم الأثر في صلاح أبناءهم ومن ثم إحسانهم إليهم وبرهم بهم.
فهذا لقمان الحكيم يقول لولده ويوصيه بقوله: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ويقول له أيضا ليزرع في قلبه مراقبة الله جل جلاله: يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُنْ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ.
وهذا عمر فاروق هذه الأمة يؤدب ولده عندما دخل عليه وهو مترجل، وقد لبس ثيابا حسانا، فضربه عمر بالدرة حتى أبكاه، فقالت له حفصة: لم ضربته؟ قال رأيته قد أعجبته نفسه، فأحببت أن أصغرها إليه[1] وهذا سفيان الثوري رحمه الله قالت له أمه: "يا بني! اطلب العلم، وأنا أكفيك بمغزلي" فكانت تعمل - وتقدم له ليتفرغ للعلم، وكانت تتخوله بالموعظة والنصيحة، قالت له ذات مرة: "يا بني إذا كتبت عشرة أحرف، فانظر: هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تر ذلك، فاعلم أنها تضرك، ولا تنفعك"[2].
فهل من غرابة بعد هذا أن نرى سفيان يتبوأ منصب الإمامة في الدين، كيف وهو قد ترعرع في كنف مثل هذه الأم الرحيمة، وتغذي بلبان تلك الأم الناصحة التقية؟!
لقد أعطى أسلافنا الأوائل عبر حقب التاريخ أمثلة ونماذج رائعة في هذا المضمار تربية وتوجيه الأولاد توجيها يربطهم بالله، وبشرعه، يؤهلهم للحوق بصالح آبائهم أو شفاعتهم في آبائهم ليلحقوا بهم في الجزاء والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء.
ولكن يا حسرة على العباد، ومع الأسف الشديد إن كثيراً من الناس ممن أُعطوا أولاداً أهملوا هذا الجانب الهام في حياتهم وحياة أولادهم، إهمال المستبدل الأدنى بالذي هو خير، فمنهم من يمسي ويصبح ودنياه همه، وشغله الشاغل، لا يكاد يلتفت إلى أولاده ولا من تحت يده ممن استرعاه إلا بقدر ما يلتفت به صاحب الحيوانات أو الطيور إلى حيواناته، يضع لها كلأ وماء، ولم يدر المسكين أنه بعمله هذا كتارك لباب ذات اللباب النافع وجامع قشوره، وأشر من هذا وأقبح من يأخذ بهم في تربيته لهم إلى ما يخالف فطرة الله التي فطر الناس عليها، بل ومقتضى ما أمر به تعالى نحوهم قوا أنفسكم وأهليكم نارا فيأخذ بهم مأخذ العصيان أو العلمنة ـ والعياذ بالله ـ سواء فعل ذلك هو مباشرة أو أسلم من لا حصانة لديه منهم في عقيدة أو سلوك إلى مربي أو مدرسة أو جامعة علم فيها هذا التوجيه.
قال ابن القيم رحمه الله: (من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم )[3].
أيها الأب المبارك: كيف ترجو صلاح ولدك وإحسانه وأنت قد جلبت له أسباب الشقاء، قد هيأت له ما تقسوا به القلوب، بل تموت!
كيف ترجو صلاح ولدك وأنت قد جلبت له تلك الأطباق السوداء ينظر فيها ما تشيب لهوله الولدان وتقشعر له القلوب؟!! تلك الأطباق التي دمرت عقول الأمة وحطمت دينها وفتكت بشبابها وشيبها؟!!
كيف ترجو خيره وصلاحه وأنت تراه مقيما على المعصية فلا تنهاه! بل ربما وصل بك الأمر ـ واسمح لي إن قسوت عليك في العبارة فما أريد ورب الكعبة إلا نفعك ـ أن تكون أنت أول من يفعل ذلك أمامه، بل قد تراه أمرا لا غضاضة فيه، وهذا والله لهو الخطأ الفادح بكل المقايس، والفعل المشين بكل المعايير.
قال عمرو بن عتبة لمعلم ولده منبهاً له: (ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك،فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت)[4].
أيها الأخوة: إن مسؤولية الأب في نفسه وفي أهله مسؤولية عظيمة رهيبة، فالنار هناك وهو متعرض لها وأهله، وعليه أن يحول دون نفسه وأهله ودون هذه النار التي تنتظره هناك، إنها نار فظيعة مستعرة، وقودها الناس والحجارة، إنها نار كلها بؤس وعناء، نار كلها عذاب وشقاء، نار عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون .فرحماك يارب نسألك أن تجعلنا ممن قلت فيهم قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين.
[1] صفات مشرقة ص230
[2] عودة الحجاب (2/203)
[3] تحفة المودود ص161 بتصرف .
[4] مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد ص68
الخطبة الثانية
أيها الأب المبارك: هذه توجيهات سريعة تستضيء بها في تربية ولدك وفلذة كبدك، فأرع يا رعاك الله لها سمعك وأحضر لها قلبك.
أولا :[1] من الأمور المهمة أن يغتنم الأبوان مرحلة الصغر والتأثر، لأن الولد في هذا السن صفحة بيضاء.
فكل مولد يولد على الفطرة، ثم يأتي دور الأبوين، فإما أن يكون دورا مجيدا مشرفا قائماً بالمسؤولية، وإما أن يكون دورا مخربا مفسدا لا مباليا. ويصعب عليهما فيما بعد أن يتداركا الأمر كما قال القائل:
إن الغصون إذ قومتها اعتدلت ولا يلين إذا قومته الخشب
ثانيا: لابد أن يكون هناك تفاهم قائم بين الزوجين، وأن يتعاونا على التربية الفاضلة، فلا يجوز أن يتلقى الطفل أوامر متناقضة لا يدري أيها ينفذ؟ ويجد لنفسه النصير إن عصى أمر أحد والديه، بحجة طاعته أمر الآخر، لابد أن يكون هناك تنسيق وتعاون وتفاهم بين الوالدين.
ثالثا: ألا يرى الابن في سلوك أبويه ما يخالف النصائح التي سمعها منهما، حتى تكون ثمرة التربية مجدية نافعة. أما الازدواج الذي يقوم بين ما يقوله الآباء وبين ما يسلكون، فهو من أكبر أسباب الانحراف التي تُفسد الناشئة وتجعلهم يشكون في القيم والمثل العليا كلها .وكما قال القائل:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذ فعلت عظيم
رابعا: ومن أسس تربية الأولاد غرس الروح الدينية في نفوسهم، وتنشئتهم على المخافة من الله تعالى، فإن ذلك سبب لاستقامتهم على السبيل السوي الفاضل، وعلى الوالدين أن يشربا الأولاد حب الله وحب رسوله.
خامسا: ومن أسس تربية الأولاد تعداد الوسائل في تقويمهم، فالضرب في سنّ، وعند الضرورة، وبعد زوال الحدة، ولا يجوز أن يستمر الوالد في الضرب، لأن ذلك قد يؤدي إلى مخاطر عظيمة.
ومن أهم الملاحظات في هذا المجال أن يتفهم الوالد عقلية أولاده عندما يكبرون ويناقشهم، ويحترم شخصياتهم، ولا يستمر في نظرته إليهم على أنهم ما يزالون صغارا.
إن العقد النفسية بدأت تمزق صدور كثير من الشباب والشابات بسبب تصرف سيئ يقوم به أحد الأبوين، فلنتق الله في أبنائنا ولنعلم أنهم أكبادنا يمشون على الأرض.
سادساً: ومن الأسس الهامة في تربية الأولاد اختيار الرفقاء الصالحين لهم، فالرفيق ذو تأثير كبير، فعلى الأبوين مراقبة الأولاد في أصدقائهم. ((فالمرء على دين خليله))[2]ولذا كان لزاما على الآباء أن يختاروا الصحبة الصالحة لأولادهم، ونحن في هذه البلاد ننعم بهذه الحلقات المباركة حلقات العلم وحلقات تحفيظ القرآن الكريم، وفيها أخوة يتلقفون من يريد الانضمام إليهم تلقف الأخ لأخيه، والمحب لحبيبه، والداعية المخلص لمدعوه، فاعملوا على رفقة أولادكم ومصاحبتهم لهؤلاء.
هذا وصلوا على نبيكم. . .
[1] انظر في هذه كتاب نظرات في الأسرة المسلمة ص 191بتصرف .
[2] أخرجه أبوداود والترمذي وأحمد (2/303) وغيرهم .
ـــــــــــــــــــ(68/272)
...
أهمية تربية الأبناء
...
...
1047
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الأبناء
...
صدّوق الونّاس
...
...
برج الكيفان
...
...
...
الرحمة العتيق
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- بيان انتشار الفساد في صور مُزيّنة. 2- الأبناء أمانة على أعناق الآباء. 3- قال تعالى : قوا أنفسكم وأهليكم نارا . 4- حاجة الأبناء إلى التربية الحسنة. 5- تدريب الصبيان على الصلاة. 6- تدريب الصبيان على الصيام. 7- الرفق في تربية الأبناء. 8- مراقبة الأبناء والنظر فيمن يصحبون. 9- أهمية التربية بالقدوة الحسنة. 10- التحذير من التناقض بين الأقوال وبين الأفعال لدى الآباء.
الخطبة الأولى
لقد انتشر الفاسد والانحراف في أوساط المسلمين، انتشار النار في الهشيم، وملأ بيوتنا ومدارسنا وشوارعنا وأسواقنا، فأقبل أولادنا على الحرام، شأن البهائم والأنعام، فلا إيمان يردّهم، ولا عقل يردعهم، ولا قوة تمنعهم، بل جنّدت طاقات وقوى عظيمة، ووسائل خبيثة تدعو إلى الفساد وتزيّنه، تدعو إلى الكفر والإلحاد، والانحراف والشذوذ، والدعارة والمخدرات والخمور تحت أسماء كاذبة وشعارات جذابة، فيرى الشباب على شاشة التلفزيون النساء الكاسيات العاريات يرقصن ويغنين باسم الفن، ويرون الأفلام الجنسية في أقبح وأخبث الصور تحت غطاء الحب، ويرون الأفلام التي تعلّم القتل والإجرام، ويرون أيضاً الفكاهيات [التي تميت القلب] تحت غطاء الترفيه والتسلية، وهذه أدنى أضرارها تضييع الوقت وتضييع الصلاة والغفلة عن ذكر الله تعالى، وكفى بذلك ضرراً.
ومن هذه الوسائل التي تحث على الفساد وتصرف عن طاعة الله قاعات اللعب التي لا يخلو منها حيّ من الأحياء، فإنها تستقطب الصبيان والشباب، فيجتمعون فيها اجتماع الذباب على النجاسات، إلى غير ذلك من الوسائل المفسدة المدمّرة، فكان نتيجة ذلك ما نراه من فساد عريض وشرّ عظيم، ينبئ وينذر بمصائب عظيمة وأخطار جسيمة، لا قِبل لنا بها كالخسف والمسخ والقذف والفيضانات والأعاصير والمجاعات والأوبئة وتسليط الأعداء.
أيها الآباء: ما أعظم الأمانة والمسؤولية التي حمّلكم إيّاها الرب سبحانه وتعالى، وما أغلظ العقوبة التي تلحقكم إذا ضيّعتم هذه الأمانة وأهملتم هذا الواجب الكبير، قال عليه الصلاة والسلام: ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيّته، فالإمام راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعي في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع راع في مال سيّده، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)) [متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما].
فسوف تسألون أيها الآباء عن أولادكم، فأعدّوا لهذا السؤال الجواب، فالأولاد فتنة واختبار من الله تعالى لعباده ليرى من يتقي الله فيهم ومن يهملهم ويضيّعهم إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم.
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. أي: مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، ولا تدعوهم هملا فتأكلهم النار يوم القيامة.
قال علي في قوله تعالى: قوا أنفسكم وأهليكم نارا: علّموا أهليكم الخير. [أخرجه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الترغيب].
وقال مجاهد رحمه الله قوا أنفسكم وأهليكم ناراً أوصوا أنفسكم وأهليكم بتقوى الله وأدّبوهم. [أخرجه البخاري معلقا].
فعليكم أن تحفظوا وتنقذوا أنفسكم وأهليكم من النار بالعمل بطاعة الله وبدعوة الأهل إلى ذلك وبحملهم عليه تعليماً وتأديباً.
أرأيت أخي المسلم لو أن ناراً أوشكت أن تحرق بيتك وأهلك وولدك ماذا كنت تفعل. سوف تسعى حتما بكل جهد ووسيلة لإنقاذهم، فهلا بذلت قصارى جهدك ووسعك لإنقاذهم من نار الآخر؟
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لرجل: (أدّب ابنك، فإنك مسؤول عن ولدك ما علّمته وهو مسؤول عن برّك وطاعته لك).
فيجب على الوالدين الاعتناء بالأولاد وتربيتهم، فلا يقتصر على توفير المطالب الدنية من غذاء وكساء ودواء كما يفعل كثير من الآباء، بل حق الأولاد في التعليم والتربية على الأخلاق الفاضلة أعظم وأوكد من حاجتهم إلى غير ذلك.
فإذا صرخ الصبي من الجوع طلبا للطعام، فصراخ قلبه وعقله طلبا للأدب والعلم أشد وأعظم، ولكن أني يسمعه أو يُحسّ به الغافل الأصمّ.
وإذا أمر النبي بإزالة شعر المولود، وأخبر عنه أنه أذى فقال: ((أميطوا عنه الأذى)). فأذى الأخلاق الرذيلة والأفكار الرديئة أولى بالإماطة والإزالة.
علّموا أولادكم أصول الإيمان وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر.
وعلّموهم أركان الإسلام وهي: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصيام، والحج إلى بيت الله الحرام.
علموهم الحياء والعفة والصدق وسائر الأخلاق الفاضلة، وجنبوهم الرذائل والفواحش وجميع المنكرات.
بيّنوا لهم الحق ومنافعه ومروهم به، وبيّنوا لهم الباطل ومضاره وحذّروهم منه.
قال النبي : ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع نين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرّقوا بينهم في المضاجع)) ومعناه: إذا بلغ أولادكم سبعا فأمروهم بأداء الصلاة ليعتادوا عليها، ويأنسوا بها، فإذا بلغوا عشرا فاضربوهم على تركها.
فأمر النبي الآباء أن يعلموا أولادهم الصلاة، وما تحتاج إليه من شروط وأركان، وأن يأمروهم بفعلها بعد التعليم.
((وفرّقوا بينهم في المضاجع)) أي فرًقوا بين أولادكم في مضاجعهم التي ينامون فيها حذراً من غوائل الشهوة، وسدّا لباب الفاحشة.
وفي هذا تربية الأولاد على الصلاة، وتعويدهم عليها، وتربيتهم كذلك على الطهر والعفاف بإبعادهم عن الفواحش وأسبابها.
عن الرّبيّع بنت معوّذ رضي الله عنها قالت: أرسل النبي غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: ((من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم))، قالت: فكنّا نصومه بعد، ونصوّم صبياننا – زاد مسلم: ونذهب بهم إلى المسجد، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار.
ففي الحديث مشروعية تمرين الصبيان على الصيام، وتعويدهم على صلاة الجماعة في المسجد. قال عمر للذي أفطر في رمضان موبّخا له: (كيف تفطر وصبياننا صيام؟).
وعن عكرمة رحمه الله قال: كان ابن عباس رضي الله عنهما يجعل الكبل في رجلي على تعليم القرآن والفقه. والكبل: هو القيد الضخم.
ثم ينبغي أن تكونوا حكماء في تعليم وتأديب أولادكم وأن تتحلّوا باللين والرحمة والشفقة بهم.
وعليكم أن تراقبوهم في حركاتهم وسكناتهم، في ذهابهم ورجوعهم، في أصحابهم وأخلائهم، فإنهم في مجتمع عظم فيه الفساد، وكثرت وتنوّعت وسائله وطرقه، وقلّ المعلمون والمربون الناصحون، فلا يؤمن عليهم في الشوارع، ولا في المدارس، ولا حتى في البيوت، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وعليكم أن تستعينوا بالله، وتتضرعوا إليه وتدعوه بصدق وإلحاح أن يصلح أولادنا، قال الله تعلى في وصف عباد الرحمن والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرّياتنا قرّة أعين واجعلنا للمتقين إماماً.
الخطبة الثانية
اعلموا أيها الآباء أن التربية القدوة من أهم وأنجح طرق التربية، فقد غرز في فطرة الصبي الميل إلى الاقتداء بالكبار وتقليدهم.
فالطفل في سنواته الأولى يعتقد أن كل ما يفعله الكبار صحيح، وأن آباءهم أكمل الناس وأفضلهم، لهذا فهم يقلّدونهم ويقتدون بهم، فالطفل يأخذ عن أبيه أقواله، وأخلاقه، ومعاملاته مع الأقارب والجيران وعموم الناس دون أن يشعر الأب بذلك.
فعلى الآباء أن يربوا أولادهم بالتوجيهات القولية، وبالترجمة الواقعية لذلك، المتمثلة في السلوك الإسلامي الصحيح في جميع شؤون الحياة.
فإذا أمرنا أولادنا بشيء فلابد أن نسبق إليه، وإذا نهيناهم عن شيء فلنتركه قبل ذلك. وإذا وعدناهم بشيء فعلينا أن نفي به، فالأولاد يتأثرون بأفعالنا المشاهدة أكثر من تأثرهم بأقوالنا المجرّدة.
قال عبد الله بن مسعود : (لا يعدنّ الرجل صبيه شيئا ثم لا ينجزه له).
وقال أبو هريرة : (من قال لصبي تعال هاك تمرا ثم لم يعطه شيئا فهي كذبة).
وقد ذم الله تعالى ومقت الذي يخالف أعمالهم أقوالهم فقال: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.
وقال عليه الصلاة والسلام: ((يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى قد كنت أمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وأتِيه)) [رواه مسلم].
بعض الآباء مثلا يدخنون أو يشاهدون الأفلام الخليعة، وينهون أولادهم عن ذلك.
ومن الآثار السلبية لهذا الصنيع أن يسقط هذا الأب من عين ابنه، وتزول تلك الهيبة وذلك التوقير، ومن ثم تصبح أوامر هذا الأب لا قيمة لها فلا يطاع فيها ولا يسمع لها.
يقول لابنه: لا تدخن فإنه مضرّ بالصحة، ثم هو يدخن يقول له: إذا رآه مهملا لدروسه مشتغلا باللهو واللعب: لا تضيع وقتك واحرص على الدراسة، ثم هو يضيع وقته ويقضيه في اللغو واللهو واللعب، وفي لعب الورق والدامة والدومينو[1] وغيرها، من الملاهي. ولا يحرص على ما ينفعه.
فاتقوا الله أيها الآباء، واحرصوا على أن تطابق أقوالكم أفعالكم حتى تتيسر لكم تربية أبناءكم التربية الصالحة الصحيحة. والحمد لله رب العالمين.
[1] الدومينو: هي لعبة الأحجار.
ـــــــــــــــــــ(68/273)
الحقوق الزوجية
...
...
1325
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
...
...
الآداب والحقوق العامة, قضايا الأسرة
...
إحسان بن محمد شرف الحلواني
...
...
الطائف
...
...
...
ابن باز
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- المفهوم الخاطئ للعلاقة الزوجية عند بعض الأزواج. 2- العلاقة الزوجية تقوم على المودة والرحمة. 3- أسباب المشاكل العائلية. 4- معنى القوامة والشراكة في العلاقة الزوجية. 5- بدعة المولد النبوي.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون:
فإنه على قدر صلاح الأسرة يكون صلاح الفرد، وما يحدث من مشاكل وكوارث ومصائب في الأسر إنما هو نتيجة عدم علم كل من الزوج والزوجة بالحقوق والواجبات، بالحقوق المترتبة عليهما لقاء عقد الزوجية المبرم بينهما، هناك حقوق وهناك واجبات يرتبها الإسلام بموجب العقد الشرعي.
مما يؤسف له أن الكثير من المسلمين من الرجال أو النساء لا يدركون هذه الحقوق ولايعرفون هذه الواجبات والمسؤوليات، وكل الذي يفهمونه من الحياة الزوجية أنه لقاء جنسي يقضي الإنسان وطره من زوجته، وتقضي المرأة وطرها من زوجها ثم لايعود لهما بعد ذلك أي اهتمام بما يترتب على هذا العقد من الحقوق.
وأدى هذا الفهم المغلوط إلى وجود الانفصام والانفصال وعدم وجود التربية الإسلامية الصالحة في البيوت فإن البيت إذا امتلأ بالشحناء والبغضاء والمشاكل والمخاصمات والسب والشتم والقطيعة، انعكست كل هذه الأخلاق على النشء، ووجد جيل خامل جيل فاشل، لأنه اكتسب هذه الأخلاق كلها من الأبوين الأم والأب.
الحياة الزوجية في نظر الإسلام شركة فيها طرفين: الزوج والزوجة، على الزوج حقوق وواجبات، وعلى الزوجة حقوق وواجبات، وقد جعل الله عز وجل الحياة الزوجية آية من الآيات الدالة عليه فقال جل من قائل: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون.
هذه الشركة قائمة على عنصرين الأول: المودة، والثاني: الرحمة، وإذا لم يتوفر هذان العنصران في الحياة الزوجية تحولت إلى حياة بهيمية، يلتقي فيها الرجل والمرأة كما يلتقي البهيم بالبهيمة، ولا علاقة ولامودة ولارحمة ولاتقدير ولا احترام، وإنما مشاكل على مشاكل حتى تصبح حياة كل من الرجل والمرأة معقدة، ويترتب على ذلك كراهية الإنسان حتى لنفسه، وكل هذا نتيجة عدم علم كل من المرأة والرجل بالواجب والمسؤولية الملقاة على عاتقهما تجاه بعضهما البعض.
والذي ينظر في حال مجتمعنا اليوم فإنه يجد بالإضافة إلى نسبة الطلاق المرتفعة، والذي هو أبغض الحلال إلى الله، يجد أيضاً أن كثيراً من البيوت تعيش مشاكلاً وهموماً مستعصية لأنها لا تقوم على المودة والرحمة، بل تقوم على السباب والإهانة والاحتقار والشتم والتسلط والسخرية والكراهية، وحتى تتضح الأمور ويعرف كل إنسان ماله وما عليه، وكيف يمكن أن يحقق السعادة مع زوجته ومع أولاده فإننا نبدأ بذكر بعض الحقوق والواجبات التي فرضها الشرع الإسلامي على الرجل تجاه امرأته: فالله فرض للمرأة من الحقوق مثل مافرض للرجل من الحقوق فقال تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف فللمرأة من الحقوق مثل الذي عليها من الواجبات وللرجال عليهن درجة، والدرجة هي المسؤولية والقوامة، باعتبار أن الحياة الزوجية شركة لابد لها من مسؤول واحد فقط، إذ لو كان فيها مسؤولان اثنان فإن الشركة تتخبط وتفشل، ولم نسمع في العالم كله أن هناك شركة لها مديران لهما نفس الصلاحيات والمسؤوليات، ولم نسمع في العالم كله أن هناك دولة مستقرة يديرها ملكين أو رئيسين، فوجود أكثر من مسؤول في مكان واحد يؤدي إلى تضارب في التوجيهات والأعمال، والحياة الزوجية شبيهة بالشركة أو الدولة، فالمسؤول الأول فيها هو الزوج، ونائب الرئيس هي الزوجة، وبقية أعضاء الشركة هم الأبناء وأفراد الأسرة، فإذا انطبع هذا الشعور في ذهن الزوج إنه المسؤول الأول لكنه ليس مستبداً وليست الكلمة الأولى والآخيرة دائماً له، إنما يستشير ويطلب الرأي ويطلب النصح ويتقبله، فهذا رب شركة زوجية صالحة، وأما إن ظن أن المسؤولية استبداد وعدم أخذ للرأي وتسلط وعدم إقامة وزن لأحد ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد فإن فعل ذلك فإن رئاسته فاشلة وسيأتي يوم من الأيام يدير فيه هذه الأسرة لوحده ليس فيها غيره.
فلا أحد معصوم إلا رسول الله وليس معنى قوامة الزوج أن يكون معه الحق دائماً، وليس معنى قوامته أن لايقول له أحد: أنت مخطئ، وليس معنى قوامته أن لا يستشير أحداً.
إن الزوج له واجبات وعليه واجبات، وإن من الناس – للأسف- من يرى أن زوجته ملك عنده أو خادمة عنده، فهي طوع أمره ورهن إشارته، ومن الرجال من يخالف زوجته ولو كانت على حق، فمعنى القوامة عنده أنه إذا قالت: شرق. قال: غرب. وإن قالت: شمال. قال: جنوب وإن قالت: نعم. قال: لا. وإن قالت: لا، قال: نعم، فيعاكسها ويخالفها في كل شيء، فإن قلت له لماذا تفعل ذلك؟ قال: لأظهر سلطتي وقدرتي، إني أنا الرجل، إني صاحب القرار، صاحب الكلمة إنني الأول والأخير في الأسرة، وإن الأسرة لا رأي لها، سبحان الله ومن قال لك يا هذا أن هذا هو الإسلام؟ ومن أخبرك بهذا؟
إن أجل نعمة أنعمها الله على المسلمين هي نعم الحرية، حرية الرأي وحرية الكلمة فلا يجوز لأحد أن يمنعها ظاناً أن ذلك من الإسلام ومن مبادئه.
أيها الزوج: أنت صاحب القرار، لكن لابد لك من أخذ رأي الرعية، ثم حاول أن تكون آراؤك متوافقة ومنسجمة مع آراء من يعيشون معك ليل نهار في الحق، خذ رأي زوجتك وأبنائك لكن إن كان مخالفاً للشرع فالواجب عليكم جميعاً رفضه، أما إن جاء الحق مع زوجتك، ورأيت أنه من العيب أن تأخذ الحق من لسانها فهي امرأة وأنت رجل فتقول: لا إنها إمرأة والله لا نأخذ برأيها، وتأتي بالباطل من رأسك فتفرضه فهذا منتهى الفساد.
في عمرة الحديبية أمر الرسول الصحابة أن يحلوا بعد عقد صلح الحديبية على أن يرجعوا تلك السنة ويعودوا في العام المقبل، فصعب ذلك على الصحابة، وكانت كل بنود الإتفاقية صعبة عليهم، ولكن الله أمره بذلك، فلما لم يحلوا من عمرتهم خاف عليهم الرسول من العذاب لعدم تنفيذهم أمر الله، فدخل مغضباً على زوجه أم سلمة وقال: هلك قومك، قالت: لماذا يا رسول الله؟ قال: آمر فلا أطاع، قالت: يارسول الله أدع بحلاق واحلق شعرك، فما أعظم عقلها وحكمتها، قالت: فإنهم سيقتدون بك وينتبهون من ذهولهم بمجرد أن يروا فعلك، وهذا ما حدث فما إن بدأ الحلاق بشقه الأيمن حتى تهاوى الصحابة بعضهم على بعض يحلقون ويتحللون، والرسول هنا لم يرفض رأي أم سلمة لأنها امرأة، بل إن للمرأة رأيها واحترامها ومكانتها ورأيها مقبول مادام موافقاً لشرع الله تعالى، وأما إن كان رأيها مخالفاً للشرع فإنه مردود لا لأنه صادر من امرأة بل لأنه مخالف للشرع، والباطل مردود من أي مصدر جاء رجل أو امرأة.
إن على الرجل والمرأة على السواء أن يعلموا أن الحياة الزوجية عهدة ومسؤولية، الله سائلهم عنها يوم القيامة، يوم الوقوف عليه.
أنت أيها الرجل مسؤول عن زوجتك وستسأل عنها يوم القيامة، فهي أمانة في عنقك، يقول الرسول : ((فاتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم)) أي أسيرات عندكم، مسكينة زوجتك أيها الرجل، سلمها لك أبوها لتكون في حمايتك ورعايتك وإكرامك، ولا يدري أبوها ماذا تصنع بها؟ ولا تدري أمها ماذا تصنع بها؟ ولا يدري أخوها ولا أقاربها، تعذبها في البيت فلا تخبر أهلها حتى تعيش معك وحتى لايضيع الأولاد، وتهينها وتسبها لا يدري أهلها عنها، لكن الله يعلم ويرى ويطلع على حالك وحالها.
إنها أسيرة يقول الرسول : ((إنهن عوان عندكم أخذتموهن بكلمة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله))، وكان يقول: ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)) أفضلكم عند الله منزلة من كان أفضلكم وأحسنكم عند أهله، فأهله يحبونه ويحترمونه لمعاملته الحسنة والله يحبه من أجل ذلك، إن الذي ليس فيه خير لأهله ليس فيه خير لنفسه أو للناس خارج الأسرة.
هذا هو معنى القوامة الحقيقي، وسنذكر إن شاء الله في الأسبوع القادم حقوق المرأة التي على الرجل، نسأل الله أن يجعلنا بارين مقسطين مؤدين لحقوقنا وواجباتنا حتى تتحقق السعادة والرضى في أنفسنا وبيوتنا وأسرنا ومجتمعاتنا، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد الله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم على محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه ومن سار على دربه ونهج طريقه واقتفى إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن من علامات حب الله وحب رسوله اتباع أمر رسوله وعدم مخالفتها، ففي ذلك الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، وأما أن يخالف المسلم أوامر الله وأوامر رسوله، ثم يعتقد أنه بإحتفاله بذكرى مولد رسول الله ، يعتقد بذلك أن سيغفر له وأنه بذلك قد وجبت شفاعة الرسول له فهذا غير صحيح ومخالف لسنة الله الكونية، فإن لكل مجتهد نصيب، فمن فعل الأمور التي بينها رسول الله وجبت له شفاعته ((من تمسك بسنتي عند فساد أمتي وجبت له شفاعتي)) أما أن يقارف الإنسان المعاصي والشهوات والملاذ ثم يرجو أن يدخل في عداد الصديقين والنبيين بلاعمل ولا إخلاص ولا توحيد، فهذا لا يكون.
ولنعلم عباد الله أن الله لايعبد إلا بما شرع، فلم يشرع الله ولا رسوله الاحتفال بمولده ولافعله الصحابة ولا التابعون ولا تابعوا التابعين. ثم ابتدع هذا الأمر بعد ذلك، وأما إقامة أعياد سوى عيدي المسلمين المعروفة: الفطر والأضحى فهذا ليس من الإسلام في شيء، بل هو تقليد نصراني، إذ هم يحتفلون بعيد الميلاد وعيد الأم وعيد الأب وعيد الكذب وعيد رأس السنة (أي عيد ميلاد المسيح) إلى آخر أعيادهم التي لاتنتهي والتي يجعل فيها من الفجور وشرب الخمور والرقص والغناء فلا يرض عنه لا المسيح ولا محمد رسول الله ، ولن يرض الله ولا رسوله عن أعياد يقيمها المسلمون وترتكب فيها المعاصي والموبقات والمخالفات الشرعية سواء كانت باسم الرسول أو باسم الأم أو الأب أو الابن.
فاتقوا الله عباد الله وأعلموا أننا نتشرف أن نكون عبيداً لله مطيعين لأوامره.
ومما زادني شرف وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً
نسأل الله أن نكون من عباده الصالحين المطيعين المخبتين المنيبين المتبعين لا المبتدعين، اللهم اجعلنا هداة مهتدين، اللهم إنا نحمدك حمداً يوافي محامد خلقك كفضلك على سائر خلقك إذ فضلتنا على كثير من خلقك تفضيلاً.
ـــــــــــــــــــ(68/274)
حقوق الزوجة على زوجها
...
...
1327
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
...
...
الآداب والحقوق العامة, قضايا الأسرة
...
إحسان بن محمد شرف الحلواني
...
...
الطائف
...
12/4/1410
...
...
ابن باز
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- لكل من الرجل والمرأة حقوق وواجبات. 2- اعرف واجبك قبل حقوقك. 3- من حقوق الزوجة العشرة بالمعروف. 4- صور العشرة الطيبة. 5- العطف على النساء والأبناء.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فسنكمل الحديث عن حقوق المرأة على زوجها حتى لا يتصور إنسان أننا ننحاز إلى طرف دون آخر أو أن هذا الكلام في صالح النساء، بل إنه في صالح الرجال قبل النساء، فالمرأة رابحة إن أدي حقها في الدنيا، فهو حق لها إن لم يؤد في الدنيا فستأخذه في الآخرة بين يدي الله عز وجل، وستأخذ حقها من حسناتك أيها الرجل، وقد تكون عاقبتك إلى النار بسبب نقص حسناتك لأنك لم تؤد حقوق زوجتك، فالكلام في صالحك أيها الزوج في الدنيا بصلاح زوجتك وبأدائك لواجباتك، وتستفيد منه في الآخرة حيث تقف بين يدي الملك الديان بوجه أبيض وكتاب أبيض وعمل صالح، ويجب على كل إنسان أن يعرف واجبه ومسؤلياته ويتعرف على هذا الواجب ويدرك الدور المطلوب منه في عمله وفي كل شؤونه وخاصة فيما يتعلق ببيته وحياته الخاصة وزوجته التي ترافقه أزماناً طويلة، وقد تستمر العشرة إلى الممات بل إلى ما بعد الممات، فلو كان كل منهما محباً للآخر ومقدراً له كانت زوجته في الآخرة في الجنة بالإضافة إلى الحور العين.
عليك أيها المسلم قبل أن تسأل عن حقوقك التي لك أن تسأل عن الحقوق التي عليك فإن أديت ما عليك قامت زوجتك بواجباتها، وأما إن تجاهلتها تجاهلتك وعاملتك بالمثل فكما تدين تدان، والنفوس البشرية قد طبعت على هذا، وهذا ما يجده كل من يتأمل في البيوت التي تهدمت: خلافات ومشاكل وطلاق، تجد الزوج يشكو من زوجته، والواقع أن الزوجة تشكو أيضاً من زوجها، فكل منهما مقصر في حق الآخر، وكل منهما لايريد الاعتراف بهذا التقصير، فنسأل الله الهداية.
أيها المسلمون: لقد تكلمنا في بعض الحقوق التي على الزوج تجاه الزوجة، وذكرنا أمرها بطاعة الله إطعامها من حلال والإنفاق عليها وحسن العشرة، ويقول الله تعالى آمراً بحسن العشرة وعاشروهن بالمعروف وأكد في آية أخرى أن لهن من الحقوق مثل الذين عليهن فقال جل من قائل: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة ولقد كان رسول الله من ألطف العالمين بنسائه، كان حسن العشرة معهن يعاشرهن أعظم ماتكون العشرة، لأنه رسول الله ، ولذا لما وسع الله على رسوله وعلى المؤمنين، وبدأت الأمور المادية تتحسن طلب بعض أزواج الرسول تحسين أوضاعهم المادية والمعيشية، وطلبوا من الرسول التوسيع عليهم في المسكن والنفقة، فنزل تخيير الله تعالى لهن: إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً، فخيرهن الله بين رغد العيش وكمال المعيشة والدنيا وبين أن يعشن مع رسول الله العيشة التي تخيم عليها السعادة، عيشة هنية رضية وسعادة قلبية وسعادة روحية لاسعادة دنيوية مادية، فأخترن كلهن أن يبقين مع رسول الله وقد قالت عائشة حين خيرها رسول الله : ((أفيك أختار يارسول الله، أختار الله ورسوله)) فما اخترن العيش مع رسول الله إلا لكرم عشرته، إن كرم العشرة وحسن المعاملة يعوض المرأة كل ما تفقده من الماديات، ولو أسبغت على الأرض كل مافي الأرض من ماديات وكل وسائل الترف والرفاهية وألبستها الحرير وأسكنتها العمارات والقصور، لكن عشرتك سيئة ووجهك عبوس ولسانك بذيء ويدك ممدودة، فإنها ستبقى في عذاب معك رغم النعيم المادي ولو افتقدت في حياتها معك كل الإمكانيات المادية، وعوضتها بحسن المعاملة وحسن العشرة لشعرت بسعادة لايمكن أن تشعر بها مع غيرك، ولذلك أمر الله تعالى بحسن العشرة فقال: وعاشرون بالمعروف.
ومن معاني العشرة بالمعروف:
- أن تذكر اسم الله حين دخولك لبيتك وتذكر دعاء الدخول إلى المنزل، فإن الشيطان حريص على الدخول معك وعلى أن يشاركك في الطعام والشراب والسكنى وحتى في نكاح زوجتك، ثم توطن نفسك أنك داخل على أم أولادك، أنك داخل على هذه المسكينة التي تتعب في خدمتك وتبقى في المنزل طوال يومها، وهي تنتظر منك كلمة طيبة وبسمة صادقة، وعليك مجاملتها بالكلمة الطيبة فتثني عليها وعلى مظهرها وتشكرها على إعداد الطعام وتمدح طعامها حتى لوكان فيه عيب، امدح ثم وجهها فيما بينك وبينها بأسلوب طيب.
- ومن حسن العشرة أن تسلم على أهلك وتبتسم في وجه زوجتك ((فتبسمك في وجه أخيك صدقة))، وهذا من حق إخوانك المسلمين الذين تراهم في الشارع فكيف بزوجتك وأقرب الناس إليك.
- ومن حسن العشرة السؤال عن زوجتك وعن حالها، ومحادثتها وعدم العبوس في وجهها.
- ثم ملاعبة الصغير وتقبيله والسؤال عنه، والسؤال عن المريض من أبنائك إن وجد وتقبله، فهي تشعر بأن لها دوراً في الاعتناء بأطفالك، فإن رأت اهتماماً منك بصغارها شعرت بالرضا عن عملها وانعكس ذلك على سلوكها وأخلاقها.
- وعليك دائماً بالابتسامة في وجه زوجتك وعدم التجهم، فالزوجة من أعظم الأمانات وعليك بأداء الأمانة يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون، والرسول أوصى بهن فقال: ((استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندك عوان)) أي أسيرات.
- ومن حسن العشرة أيضاً تحمل زوجتك والنظر إلى محاسنها وعدم النظر إلى المساوئ فقط، فإن الكمال في الناس وخاصة النساء غير موجود، ((فإنهن خلقن من ضلع أعوج، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فاستمتعوا بهن على عوجهن)) كما قال رسول الله وقال في حديث آخر: ((فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستمتعوا بهن على عوجهن)) بغض الطرف عن الأخطاء وصرف السمع عما لايرضيك، ولاتقم على كل كلمة قضية ومحكمة، فإن من الناس من يطلق زوجته من أجل قشة، ويتجاهل جهدها وإحسانها كله.
وبعض الناس يريد أن تكون له الكلمة الأولى والأخيرة في كل شيء، وهذا لايمكن أن يكون معه سعادة، فعليك بغض الطرف إلا أن يكون الخطأ في الدين، فكل مايتعلق بالكنس والطبخ والغسيل يمكن تلافيه ويمكن تجاهله ويمكن علاجه وهو هين يسير، أما الخطأ في الدين فله علاج آخر، لعلنا نتناوله فيما بعد.
جاء رجل إلى عمر يريد أن يشكو طول لسان زوجته عليه، وأنها بذيئة عليه، فلما دخل فإذا زوجة عمر تتكلم من وراء الحجاب بلسان شديد، رغم هيبة عمر ورغم أن الناس تخاف منه حتى الشياطين، قال عمر: (أما يرضيك أنها طباخة طعامي ومغسلة ثيابي ومربية ولدي وكانسة بيتي وأقضي منها وطري، أما أتحملها في بعض الجزئيات البسيطة)، فيا أيها الرجل قدر هذه النعمة أن سخر لك هذه المرأة لرعايتك وخدمتك رغم أنها أجنبية عنك.
دخل مرة الأقرع بن حابس على عمر بن الخطاب فوجده يقبل أبناءه، فقال: أتقبل أولادك يا أمير المؤمنين فإني إذا دخلت من الباب استيقظ النائم، وقعد الواقف، وسكت المتكلم.
ويقول الرسول : ((لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره من خلقاً رضي آخر)) أي لا يكره
ـــــــــــــــــــ(68/275)
قيادة المرأة للسيارة
...
...
1398
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
...
...
الفتن, المرأة
...
ناصر بن محمد الأحمد
...
...
الخبر
...
...
...
النور
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- تظاهرة النساء الأولى المطالبة بالسماح لهن بقيادة السيارة. 2- تكرر الحدث بعد سبع سنين . 3- أسئلة يفرضها الحدث عن خلفياته – والجهات الداعمة له. 4- موقف المسلم في هذه القضية. 5- المفاسد المترتبة على قيادة المرأة للسيارة. 6- شبه يدعيها الأدعياء للتمكين لهذه المؤامرة.
الخطبة الأولى
أما بعد:
عباد الله: إنا نعوذ بالله من الفتن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم إن أردت فتنة بعبادك فاقبضنا إليك غير مفتونين.
يقول الله تعالى: واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب إن الفتن أيها الأحبة لو نزلت فإنها لا تخص صاحبها بل قد يُخشى عليه وعلى غيره منها، وهل هناك فتنة أشد وأخطر من فتنة النساء، وما أدراكم ما فتنة النساء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)).
إن المرأة إذا فسدت وانحرفت فقل على ذلك البيت أو على ذلك المجتمع: السلام.
أظن أن الجميع قد سمع بالمظاهرة النسائية التي قامت بها بعض النساء في مدينة الرياض بالأمس يطالبن فيها بقيادة المرأة للسيارة، وقد خرجن قرابة 300 امرأة يقدن السيارات في بعض شوارع الرياض.
عجيب هذا الحدث الذي قد حصل مثله قبل سبع سنوات، وقد جاء المنع بعده من هيئة كبار العلماء، وأيضاً خرج بيان من وزارة الداخلية تمنع مثل هذا الأمر، وفي وقتها أُدب غالب النسوة، وقد فُصل بعضهن من وظائفهن، وبعد مرور سبع سنوات يعدن الكرّة مرة أخرى.
انه لينقدح في الذهن عدة أسئلة تحتاج إلى جواب تجاه هذا الحدث:
س1: هل يمكن أن يجرؤ نساء على القيام بمثل هذا العمل، ونحن نعلم أن من طبيعة المرأة أنها ضعيفة، وأنها تخاف أحياناً حتى من ظلها؟.
س2: أين أولياء أمور هؤلاء النسوة، أين أبوها وأين أخوها بل وأين زوجها، لأن عدداً من الذين خرجن في المظاهرة متزوجات، هل عندهم علم بالموضوع؟ وهل هم من الذين شاركوا في ترتيب هذه المظاهرة؟ وإن لم يكن عندهم علم فهل هم الآن راضون بما فعلن بناتهن وزوجاتهن؟ ثم ما هي حال هذه الأسرة من المحافظة والحشمة والطهر حتى تتجرأ المرأة وتخرج وتقوم بمثل هذا العمل والزوج أو الأب لايدري ؟.
س3: هل تعودنا نحن في هذا البلد أن يقام عندنا مظاهرات؟ إنها المظاهرة الثانية من نوعها ومن نفس الفئة ولنفس المطالب، وإلا فلا نعلم أن بلدنا بلد مظاهرات ولله الحمد، ما هي حالات وأوضاع البلاد التي ابتلوا بالمظاهرات، إن أوضاعهم لسيئة، يصل الحال في بعض الحالات إلى فقدان الأمن واختلال التوازن في الحكومات، ويحصل بسببها أضرار وخسائر، بل ربما ضحايا.
وأظن أنكم سمعتم قبل أيام بالمظاهرات التي حصلت في بنجلادش، بسبب انقطاع الإرسال عن البث المباشر، والناس كانت تتابع مباريات كأس العالم، ماذا حصل؟ تضجر الناس وخرجوا بمظاهرة، وقاموا بتكسير وتحطيم محطة التلفزيون. هكذا تعودوا، وهذا وضع غالب البلدان إلا قليلا، ونحن من هؤلاء القليل، فيجب أن نحمد الله على هذه النعمة، وأن يوقف هذا التجاوز ولا يسمح له بأي حال من الأحوال، وإلا لو انفرط العقد فتلك هي المصيبة، وإنه لبداية لاختلال الأمن نسأل الله جل وتعالى أن لا يكون.
س4: هل كل من له مطالبة ويريد تحقيق أمر ما يخرج بمظاهرة؟ مصيبة !!. تخيلوا بعض العمال في أية شركة كانت لهم مطالب ثم لم يتمكنوا من تحقيقه، فخرجوا بمظاهرة، أو هناك بعض المدرسين كانت لهم بعض الاقتراحات فلم يُسمع لهم فخرجوا بمظاهرة، وهناك بعض طلاب الجامعات كانت لهم آراء معينة فخرجوا بمظاهرة، وهكذا، فوضى، لصار البلد فوضى، ونحن نعلم أن أبواب المسئولين مفتوحة لكل شكوى أو رأي أو اقتراح، ثم هناك وسائل ووسائل كثيرة جداً لايصال الرأي أو الاقتراح، فهناك الكتابة للمسئولين، وهناك الحديث المباشر، وهناك الهاتف، وهناك البرقيات، وهناك وهناك، فلم يبق وسيلة من هؤلاء النسوة إلا الخروج بمظاهرة.
س5: هل القيام بمثل هذه الأعمال يعتبر وسيلة ضغط على الدولة لكي تغير قراراتها نعلم جميعاً بأنه قد صدر بيان من وزارة الداخلية عام 1411هـ بمنع جميع النساء من قيادة السيارات في المملكة، وإليكم البيان السابق (ثم يقرأ البيان).
فماذا يعني القيام بمثل هذه المظاهرات، والجميع رجالاً ونساءً يعلمون موقف الدولة من هذا الأمر؟.
س6: هل اللاتي خرجن في هذه المظاهرة وهنّ يطالبن بقيادة المرأة للسيرة ممن يشهد لهنّ بالصلاح والاستقامة؟ وهل هنّ معروفات في البلد بالدين وحضور المحاضرات والدروس؟ وهل هن ممن يشاركن في الدعوة الى الله وحب الخير والسعي والبذل من أجله؟ أم أن الشريحة التي خرجت يعرفن بغير ذلك، وربما كانت الواحدة منهن مفتاحاً للشر مغلاقاً للخير؟
س7: هل هؤلاء النسوة ممن شاركن في هذه المظاهرة يمثلن المجتمع كله؟ وهل هذا هو رأي الجميع؟ بمعنى أنهنّ عملن استفتاء وكان رأي الغالبية هو هذا؟ أم أن هذا يمثل شريحة شاذة لا تمثل إلا نفسها، والمعروف عن مجتمع هذا البلد هو عكس هذا، وأنه على رأي علمائه وولاته ومسؤوليه، وأنه ما يزال هو المجتمع المحافظ من بين كل المجتمعات، وأنه يفتخر بهذا بعد حمد الله وشكره على هذه النعمة، بل ولا يرضى مجتمعنا أن يكون سقوطه وتدهوره على أيدى نسوة أقل ما يقال فيهن السفه والفسق وقلة الحياء.
س8: ما موقفنا وماذا يجب علينا تجاه ما حصل؟
الجواب: أنه يجب على كل من لديه غيرة أن يستنكر مثل هذا الحدث، وأن لايرضى به، خصوصاً وأن المقصود به هو نساؤنا وبناتنا، إن سكوتنا عن المنكرات يا عباد الله قضية خطيرة، وعاقبتها وخيمة، ولا يجوز لنا أن نسكت عن أي منكر لأن النتيجة هو اللعن من رب العالمين كما لعن بنو إسرائيل عندما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال تعالى: لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون.
إن خروج المرأة وقيادتها للسيارة عندنا ليس في صالح أحد، إلا أصحاب الشهوات والأغراض الدنيئة، والمرأة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان)) [رواه مسلم في الصحيح].
لكن كما قال الشاعر:
أين القلوب أما تحسّ وتشعر
فتن النساء أشدهن وأخطر
ووراءها سيف الدسائس يُشهر
وقلوبهم بلظى المفاتن تُصهر
بنت المكارم في البيوت وتكسر
إن المبادئ كسرها لا يجبر
بالثوب الطويل زمانها تتستر
فتن البلاء أمامها تستصغر
مما جرى ونخيلها يتذمر
من سوء ما فعل النساء وسطروا
والقدر من فوق الأثافي يطفر
بالدين يمنحها الثبات ويعمر
ولقد يحطم أمة متهور
...
...
أين العقول أما لديكم حكمة
إن عدت الفتن العظام فإنما
إني لأسأل كيف تبقى أسرةٌ
إني لأسأل كيف تبقى أسرة
يغشون دعوى السافرات تهدماً
نخشى على الأخلاق كسراً بالغاً
ماذا نقول لكعبة الله التي
نخشى على أوطاننا من فتنة
رمل الجزيرة كاد يطحن بعضه
وجبالها الشم الرواسي تشتكى
فالنار تأكل كل شيء حولها
فبلادنا بين البلاد تميزت
قد تهدم السد المشيد فأرةٌ
أيها المسلمون: عباد الله: إليكم بعض المفاسد المترتبة على قيادة المرأة للسيارة:
فمن المفاسد: نزع الحجاب، لأن قيادة المرأة للسيارة سيكون بها كشف الوجه الذي هو محل الفتنة ومحط أنظار الرجال، ربما يقول قائل: إنه يمكن أن تقود المرأة للسيارة بدون نزع الحجاب، وذلك بأن تتلثم المرأة ولا يظهر إلا عينيها، وحتى العينين يمكن أن تلبس عليهما نظارتين سوداوين.
الجواب: هذا خلاف الواقع من عاشقات قيادة السيارة، واسأل من شاهدهن خارج هذه البلاد، وعلى فرض أنه يمكن تطبيقه في ابتداء الأمر، فإن هذا لن يدوم طويلاً، بل سيتحول الأمر في المدى القريب إلى ما كانت عليه النساء في البلاد الأخرى كما هي سنة التطور المتدهور في أمور بدأت هينة مقبولة بعض الشيء ثم تدهورت منحدرة إلى محاذير مرفوضة.
ومن المفاسد: نزع الحياء من المرأة، والحياء من الايمان كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحياء هو الخلق الكريم الذي تقتضيه طبيعة المرأة وتحتمي به من التعرض للفتنة، فإذا نزع الحياء من المرأة فلا تسأل عنها.
ومن المفاسد أيضاً: أنها سبب لكثرة خروج المرأة من البيت، والبيت خير لها كما قال ذلك أعلم الخلق بصالح الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، لأن عاشقي القيادة يرون فيها متعة، ولذا تجدهم يتجولون بسياراتهم هنا وهناك بدون حاجة لما يحصل لهم من المتعة بالقيادة.
ومن المفاسد: أنها سبب لتمرد المرأة على أهلها وزوجها، فلأدنى سبب يثيرها في البيت تخرج منه وتذهب في سيارتها إلى حيث ترى أنها تروح عن نفسها فيه كما يحصل ذلك من بعض الشباب وهم أقوى تحملاً من المرأة.
ومن المفاسد: أنها سبب للفتنة في مواقف عديدة: في الوقوف عند إشارات الطريق في الوقوف عند محطات البنزين، في الوقوف عند نقط التفتيش، في الوقوف عند رجال المرور عند التحقيق في مخالفة أو حادث، في الوقوف عند خلل يقع في السيارة في أثناء الطريق، فتحتاج المرأة إلى إسعافها فماذا تكون حالها حينئذ؟ ربما تصادف رجلاً سافلاً يساومها على عرضها في تخليصها من محنتها لاسيما إذا عظمت حاجتها حتى بلغت حد الضرورة.
ومن المفاسد: كثرة الزحام في الشوارع، فنحن نعاني من الزحام، والمرأة لم تمكن بعد فكيف لو زاد عدد السيارات إلى الضعف أو أكثر من ذلك.
ومن المفاسد: كثرة النفقة، فإن كثيراً من الأسر تعاني اليوم من ارتفاع في مستوى المعيشة مع بقاء الراتب على ما هو عليه، وآلاف من الأسر يعانون من الديون والأقساط الشهرية، فكيف الحال لو زاد الأمر على ذلك بشراء سيارات لنساء وبنات البيت الواحد.
ومن المفاسد: كثرة الحوادث لأن المرأة بمقتضى طبيعتها أقل من الرجل حزماً وأقصر نظراً وأعجز قدرة في التصرف عند مداهمة الخطر.
ومن المفاسد: فتح أبواب أخرى من الفساد تصب في خانة إخراج المرأة من بيتها ومخالطة الرجال، إذ يستلزم ذلك الانتقال للمرحلة التالية وهي قولهم: فإذا قادت المرأة قالوا: ألا يكون هناك شرطيات أيضاً ونساء مرور ونحوها من الدوائر ذات العلاقة ليُفتح بذلك أبواباً مغلقة لم تكن تخطر لأحد على بال، وإذا صارت المرأة شرطية فلا بد أن تعرف بذلك وهذا سيدعو قطعاً إلى كشف وجهها، إذ كيف يعرف الناس أنها شرطية إلا بما يدل على ذلك من لباس وبطاقة ونحوها، ولنا في جيراننا عبرة لمن أراد أن يتذكر.
ومن المفاسد: أن يتوسع بعد ذلك في القطاع الخاص، فتنشأ ورش السيارات الخاصة بالنساء، ويتطلب ذلك تدريب كوادر وطنية للقيام بمهنة الميكانيكا والسمكرة والكهرباء، كما يتطلب ذلك فتح محلات لتأجير السيارات للنساء ومحلات لقطع الغيار، فيتسع الخرق على الراقع ويصعب التحكم فيه وضبطه، كما أن كل مجال يفتح يحتاج إلى عاملات، وبهذا يتحقق هدف أهل الشر في إخراج المرأة من بيتها وتدمير الأسرة المسلمة وإهمال البيت والأطفال وفتحهم على أبواب الضياع كما هو حاصل في الغرب.
ومن المفاسد: تهيئة الجو للفساد الأخلاقي الذي عم وطم وبدا يتطاير شرره، فتزداد معاكسة النساء بصورة لم يسبق لها مثيل، وتتيسر سبلها أكثر، وإذا كانت المعاكسات تحصل للمرأة مع وجود والدتها معها بل ومع زوجها أحياناً، فما بالك إذا انفردت لوحدها، هذا إذا كانت المرأة صالحة، أما المرأة الفاسدة فيتيسر لها ما كان صعب المنال بلا رقيب ولا حسيب، وما أكثرهن للأسف الشديد.
ومن المفاسد: تعريض المرأة للمخاطر العظيمة من المساومة على العرض ممن قل دينه إذا تعطلت في الأماكن النائية، والمرأة ضعيفة الشخصية.
ومن المفاسد: أنها سبب لسفر المرأة بدون محرم، وحينئذ تقع الطامة الكبرى، حيث المخاطر الكبيرة، وإذا كن اليوم يسافرن في الطائرات والقاطرات والحافلات بدون محرم، فماذا يمنعها من السفر بالسيارة؟!، والسفر مُحرّم بدون محرم ولو لليلة ولو لعمل ووظيفة، فعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ يَحِلُّ لِإمْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ مَسيِرَةَ لَيْلَةٍ إلا وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا)) [رواه مسلم].
ومن المفاسد: أن من رأى جرأة النساء في الركوب مع سيارات الليموزين الآن لوحدهن مع علمهن بحوادث الاغتصاب، علم أنهن لو قدن السيارات لفعلن الأفاعيل ثم الفتنة ليست خوفاً على المرأة فقط بل يخشى على الرجال من الوقوع في المحرم بكثرة النساء في الشوارع والطرقات.
وأخيراً تخيل معي يا أخي الحبيب هذا المنظر: تأتي الأم إلى مدرسة ثانوية لتأخذ ولدها الذي لم يصل إلى سن القيادة من المدرسة حيث الرجال يحيطون بها من كل جانب، أو تمر على زوجها في العمل لتأخذه معها إلى البيت.
فهل بعد ذكر هذه المفاسد وهي على سبيل المثال لا الحصر يشك مسلم في حرمة قيادة المرأة للسيارة.
وختاماً ينبغي أن تعلم يا عبد الله بأن هذا الحكم وهو الحرمة هو الذي يفتي به علماء هذه البلاد، وعلى رأسهم سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز، مفتي عام المملكة.
بارك الله لي ولكم. .
الخطبة الثانية
أما بعد:
هناك بعض الشبه يطرحها أولئك الذين يسعون لتمكين المرأة أن تقود السيارة في هذه البلاد، وقد سبقت لهم بعض الكتابات في الآونة الأخيرة في هذا الموضوع.
فمن شبههم أن الأصل في قيادة المرأة للسيارة الإباحة، وقد كان نساء الصحابة يركبن الدواب بلا نكير فأي فرق بين الحالين؟
الجواب: أن كل وسيلة تفضي إلى محرم فإنه يحرّم سداً للذريعة، وأيضاً ما كانت مفاسده غالبة على مصالحه فإنه أيضاً يحرّم من هذا الباب، ومن تأمل في المفاسد التي ذكرناها في الخطبة الأولى يدرك سبب تحريم العلماء قيادة المرأة للسيارة.
وأيضاً من الشبه التي تتطرح: أن قيادة المرأة للسيارة خير من ركوبها مع السائق الأجنبي بدون محرم.
الجواب: أن كلا الأمرين خطأ، والخطأ لا يعالج بالخطأ.
لاشك عندنا جميعاً أن المخدرات ضررها وخطورتها أشد بكثير من الخمر، بل إنها فتكها بالمجتمعات أشد من الخمور، فإذا قال قائل: بما أن المخدرات قد انتشرت في أوساط الشباب فالحل هو أن نسمح بالخمور وأن يرخص لها. الجواب أن كلا الأمرين خطأ، والخطأ لا يعالج بالخطأ. ومثل هذا يقال أن قيادتها لوحدها خير من ركوبها مع السائق الأجنبي بدون محرم.
ثم يقال أيضاً بأن قيادة المرأة للسيارة ضررها عام عليها وعلى سائر من تقابله من الرجال للفتنة بها، أما السائق فضرره على أهل البيت الواحد، والضرر العام مقدم على الضرر الخاص.
ثم لو سلمنا بأن قيادة المرأة لوحدها خير من ركوبها مع السائق الأجنبي بدون محرم، فمن الذي يضمن لنا أنه في اليوم الثاني من صدور الأمر بالسماح للمرأة بالقيادة سيصدر الأمر بمنع اقتناء أية أسرة لسائق أجنبي، ولنا في جيراننا عبرة، فالأب يملك سيارة، والأم تملك سيارة، والابن يملك سيارة، والبنت تملك سيارة، وفي البيت أيضاً سائق أجنبي ويركبن معه وبدون محرم.
أيها المسلمون: إن الأصل في المرأة القرار في البيت وعدم الخروج، قال الله تعالى: وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً إذا كان هذا أيها الأحبة في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهنّ من هنّ في الطهر والعفاف، فغيرهنّ أولى.
ـــــــــــــــــــ(68/276)
وقفات مع استقبال الدراسة
...
...
1406
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الأبناء
...
ناصر بن محمد الأحمد
...
...
الخبر
...
13/5/1419
...
...
النور
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- صور في ضياع الأبناء وتقصير الآباء في الإجازة. 2- صور أخرى لأبناء أقبلوا على الله خلال إجازة الصيف. 3- تقديم البعض الدراسة على فروض الله. 4-منكرات يجب تداركها في بداية العام الدراسي الجديد.
الخطبة الأولى
أما بعد:
تعيش قطاعات كبيرة من مجتمعنا هذه الأيام حالة استنفار ملحوظة حيث يستقبل الناس العودة الى المدارس والكليات والمعاهد والجامعات، وهذه الظاهرة تتكرر كل عام، ولا بد لنا أن نقف معها وقفات:
الوقفة الأولى: ماذا حدث في الإجازة؟ وكيف قضاها أبناؤنا وبناتنا؟
اعلم أيها المسلم أنه قد سُجّل في صحائف أعمالك نتائج المسؤلية الملقاة على عاتقك من خلال حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)) فتأمل أيها المسلم أيّ رصيد من الخير جنته رعيتك؟ أم أن الأمر خلاف ذلك كما حدث مع الأسف الشديد حيث كان يعيش كثير من الشباب والشابات في الإجازة حياة بائسة، سهر في الليل ولا ينامون إلا بعد طلوع الشمس، وياليته سهر على مباح، ولكنه سهر على القنوات الفضائية التي تفسد القلوب وتلوث الأخلاق. كان نتاجه على مستوى الشباب مجموعةً من الانحرافات الأخلاقية والسلوكية، كقصات الشعر القبيحة، التخفيف من الأطراف السفلية، والتكثيف من الأعلى، ولبس بعض الأشياء التي يستحي المسلم من وصفها، مقلدين في ذلك أقواماً من الكفرة الذين لايحسنون إلا خداع هؤلاء الشباب المساكين الذين رضوا بأن يكونوا أذناباً لأولئك المنتكسين.
وأما على مستوى البنات فالهمّ أعظم، والخطب أخطر، حيث صارت كثير من البنات لايفكرن إلا في تقليد الكافرات والعاهرات والممثلات والراقصات، ووالله لولا أن مجتمعنا فيه بقية من حياء لرأينا ما يجعل الحليم حيرانا.
وإن نظرة واحدة على البضائع النسائية في سوق الألبسة يعلمك أيها المسلم أيّ مدى وصل إليه نساؤنا وبناتنا، فأكثر السلع الآن في الأسواق هي من القصير الذي ربما لم يصل إلى الركبة، وبعضها أسفل الركبة بقليل، وصارت الفتحات ذات اليمين وذات الشمال في أكثر الملبوسات، أما البنطلونات للنساء فحدث ولا حرج مما يتعجب منه المسلم ويستغرب حدوثه في مثل هذا المجتمع، والأغرب منه هو رضى كثير من أولياء الأمور الطيبين الصالحين المصلين من لبس نسائهم وبناتهم البنطلونات.
وأما العباءات التي هي أصلاً للستر صار الباعة يتفننون في تطريزها واختراع الموديل الجديد لها، فأي ستر يُبحث من وراء عباءات الكتف وغيرها، التي ربما زادت المرأة فتنة على فتنة، والأمر قد يزيد خطره ما دام أولياء الأمور مشغولين بل أقول ممسوخين لأنهم لايعرفون عن بناتهم شيئاً إلا أنها تخرج مع السائق وإلى الله المشتكى.
أيها المسلمون: هنيئاً لكل أب وأم ممن رزقهم الله أولاداً صالحين وبنات صالحات، فقد سُجّلت الحسنات في صحيفة كل والدين إن شاء الله تعالى كان ولدهما ممن يثني ركبتيه في حلقات العلم، لاسيما الدروس العلمية التي أشرف عليها مركز الدعوة والارشاد مشكورةً، فكان مجموعات من الشباب المقبل على الله يتزاحمون على أبواب المساجد راغبين في العلم والأجر، مهدين لأهليهم ووالديهم مثل أجورهم، فشكر الله لهؤلاء الشباب صنيعهم. وشكر الله للمشايخ المشاركين جهدهم وعنائهم.
ويا خسارة كل أب وأم ممن رزقهم الله أولاداً وبناتاً على عكس ما ذُكر، فقد يكون قد سجلت السيئات في صحيفة كل والدين ممن كان أولادهم ممن يسهرون حتى الصباح، ومعظم ليلهم في المطاعم والأسواق وأماكن الفساد، محمّلين أهليهم مثل أوزارهم.
أيها الأخوة في الله: قد لا ينفع الآن التحسر على ما مضى من الإجازة، والمقصود لنا جميعاً أن يحاسب كل واحد منا نفسه ماذا صنع في الإجازة؟ وماذا صنع أهله وأولاده؟ وليس المراد هو مجرد المحاسبة، ولكن المراد هو الاستفادة من الأخطاء وتدارك المستقبل وتصحيح الأوضاع.
الوقفة الثانية: مع صبيحة أول يوم من الدراسة تزدحم الشوارع بالسيارات التي يقودها في الغالب السائقون، وربما قادها ولي الأمر نفسه، وسيحدث استنفار عام في المملكة غداً صباحاً، ويتساءل المسلم كيف استيقظ هؤلاء؟ ومن أجل ماذا ؟
نعم: لقد استيقظوا رجالاً ونساءً، شيباً وشباباً وأطفالاً من أجل الدراسة. وهذا في حد ذاته أمر حسن، ولكن أين هؤلاء الشباب والرجال عن حضور الصلوات، لقد كان كثير من الآباء والأمهات إلى هذا اليوم، وهو آخر يوم من الاجازة، يشتكون من أولادهم أنهم لايستيقظون إلاّ - وبدون مبالغة - قرب العصر أو بعد العصر أحياناً، فكيف سيستيقظون غداً؟ وماذا سيفعل الآباء والأمهات؟ سيتغير الحال في يوم وليلة.
فما هو السر؟ إنه ليس سر، وليس هناك أسرار، إنه الحرص والحرص على الدنيا، لقد قدّس بعض المسلمين الدراسة أكثر من تقديسهم للصلاة، التي هي فرض بإجماع المسلمين، هذا هو السر. أيّ معنى أيها المسلم للإسلام الذي تدعيه وأنت لم تتكدر طوال الإجازة عندما كان أولادك البالغين ينامون عن صلاة الفجر ويتخلفون عن غيرها عن المساجد، وأنت أنت بنفسك غداً ستعمل المستحيل حتى توقظهم من أجل المدرسة.
نقولها أيها الأخوة بكل صراحة ووضوح ولا أحد يزعل: أن الدراسة أصبحت عند من هذا حاله مقدمة على طاعة الله جل جلاله. لكن الذي قد يخفى على البعض، هل تدرون ما حكم هذا في الشرع؟ حكمه: أن الدراسة إذا قدمت على طاعة الله واحتلت المرتبة الأولى في اهتمام المسلمين على حساب أعظم شيء من الأعمال، وهو الصلاة كما هو واقع اليوم، فإن الدراسة حينذٍ ستكون طاغوتاً يعبد من دون الله.
إن الأمر أيها الأحبة يحتاج منا إلى تفكر وتأمل، فإن الله يمهل ولا يهمل، والعاقل من وعظ بغيره، فلماذا لا نحرص على الدين وعلى طاعة الله وعلى إصلاح أبنائنا كما نحرص من أجل الدراسة؟ ولماذا يتغير وجه ولي الأمر إذا جاءه الخبر أن أحد أولاده قد رسب في أحد المواد، ولا يتغير وجهه بل ولا يهمه أن يرى أبناءه يشاهدون فلماً خليعاً أو مسلسلاً ماجناً أو حتى يشاهدون مباراة لكرة القدم، فيؤذن المؤذن للصلاة ويصلي المسلمون، بل ربما خرج الوالد بنفسه وصلى مع الناس، ويخرجون من المسجد وأولاده كالأصنام لم يتحركوا؟ لماذا لم يتغير الوجه هنا وتغير هناك؟ الجواب أتركه لك أيها الوالد الكريم. لكن أنا متأكد أني أتفق أنا وأنت بأن هذا الأمر لا يرضى به إلا من ضعف يقينه بالله، واستهان بمحارم الله، كما أتفق معك بأن باب التوبة مفتوح، وأن التوبة تلغي ما قبلها من السيئات. إن الحسنات يذهبن السيئات.
أيها المسلمون: يجب علينا تدارك المنكرات الآتية: ونحن نستقبل عاماً دراسياً جديداً:
أولاً: عدم الاستيقاظ لصلاة الفجر والتفريط في ذلك من قبل بعض الطلاب والطالبات، وقد ورد من الوعيد للذي يترك صلاة الفجر في وقتها ما تقشعر منه الأبدان، وتخافه القلوب المؤمنة.
ثانياً: يجب على أولياء الأمور أن يتابعوا أولادهم في أثناء الدراسة وأن يحرصوا على الصحبة الطيبة لأولادهم وبناتهم، فمن الإهمال الذي يأثم صاحبه أن لا يسأل الأب ولا الأم أولادهما عن أسماء أصحابهم ومع من يجلسون.
ثالثاً: من المنكرات التي يجب على المسلمين الإقلاع عنها ركوب الفتاة الطالبة مع السائق لوحدها، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)) فيجب على المسلم أن يتقي الله ما استطاع، ومن استعان بالله أعانه الله.
رابعاً: من المنكرات وهذا يجب أن يشدد فيها الآباء بل ويتأكد منه بنفسه عدم خروج الطالبة متعطرة إلى المدرسة، وهذا أمر قد شاع وانتشر ولا حول ولا قوة إلا بالله، مع علمنا بأن المتعطرة إذا خرجت وشمها ولو رجل واحد فإن الرسول صلى الله عليه وسلم عدها زانية نسأل الله العافية، والأحاديث في هذا الباب كثيرة مشهورة.
خامساً: من المنكرات المتكررة تسكع بعض البطالين من الشباب المشكوك في رجولتهم، يتسكعون عند مدارس البنات، وهذه الظاهرة تدل على تخلف المجتمع، وعلى غياب الرقابة، وعلى ضعف الدين والخلق، وعلى الفراغ الذي يعيشه هؤلاء الشباب إما لعدم الدراسة أو عدم الوظيفة. فيجب علينا جميعاً التعاون في إزالتها بنصح هؤلاء الجهلة وبحفظ بناتنا من التبرج وتحذيرهن باستمرار من هؤلاء، بالإضافة إلى التعاون مع رجال الهيئة وفقهم الله لإزالة هذا المنكر.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم.
بارك الله لي ولكم. .
الخطبة الثانية
الحمد لله القائل في كتابه: وما تنفقوا من خير فان الله به عليم وأشهد أن لااله الا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: ((المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا)) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وعلى أصحابه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
الوقفة الثالثة: ومع استقبال عام دراسي جديد، فإن قرطاسية جامع النور، هذا المشروع الخيري الذي بدأناه قبل سنتين، وها نحن ولله الحمد ندخل عامنا الثالث، خلاصة المشروع هو تأمين حاجيات الطلاب المدرسية للأسر الفقيرة في الحيّ.
لا يخفى على أحد الأوضاع الاقتصادية الحالية، وهناك عشرات الأسر في كل حي وبعضها مئات لا يجدون الحاجات الأساسية، فماذا يفعل الأب الذي راتبه ثلاثة آلاف هذا إذا كان يحصل على ثلاثة آلاف ولديه ثلاثة أو أربعة من الأبناء في المدارس، ولا أظن يخفاكم أسعار قرطاسيات الطلاب. بدأ المشروع من هذه النقطة.
ولو أن كل إمام في حيّه أو حتى بعض الطيبين اعتنى بهذا الجانب واستحث الموسرين في الحي وسدوا النقص عند الفقير فإن هذا عمل نبيل، وقد تعاون معنا أغنياء الحي والموسرين منهم مشكورين، وأنا أعلم أنهم لا يريدون الشكر من أحد، وإنما ساهموا معنا إحتساباً عند الله عز وجل، أسأل الله جل جلاله أن لا يحرمهم الأجر والمثوبة. وسنحاول إن شاء الله تعالى أن نصرف اللوازم المدرسية من الغد إن شاء الله تعالى، ومن أراد المشاركة والمساهمة فالباب مفتوح للجميع.
ـــــــــــــــــــ(68/277)
نصيحة إلى الأخوات
...
...
1416
...
الأسرة والمجتمع, الإيمان
...
...
المرأة, اليوم الآخر
...
أحمد بن عبد العزيز القطان
...
...
غير محدد
...
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- قرب الجنة من المؤمن ، فما بينه وبينها إلا الموت. 2- الآمنون من أهوال القيامة في ظل الله يوم القيامة. 3- المؤمن وعبوره على الصراط. 4- تعلق المؤمن بالجنة ونعيمها. 5- ذكر بعض نعيم الجنة. 6- نصائح إلى النساء.
الخطبة الأولى
بعض النار يقول إذا نصحته: يا هذا اترك الذنب وعد إلى مولاك الذي أعد لك الجنة، قال: إن الجنة بعيدة، دعني أتمتع في حياتي فإن آخر الحياة موت. وهذا المسكين يظن أن الجنة بعيدة بينها وبين المسلم ملايين السنين والعصور والأحقاب وما علم أن النبي يقول: ((إن الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله))[1].
والقرآن العظيم يقول: وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد [ق:31].
والذي يقول غير بعيد هو الله.
واسأل بالجنة خبيراً وهو الله.
واسأل بها عليماً رآها بعينه وشمها بأنفه وذاق منها، محمدٌ رسول الله إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً [المعارج:6-7].
وقرب الجنة أيها الأحباب لو حسبته بالمقياس الزمني بين موت الإنسان وبين دخول الجنان قد لا يصل إلى نصف ساعة، فقد أخبر النبي [2] أن العبد إذا مات وكان من المؤمنين فإن قبره روضة من رياض الجنة، وما بين موته وبين دفنه إلا دقائق معدودات، فهذه بشائر الجنة، روضة فيها الروح والريحان والنور والإحسان والبر والرضوان.
ينظر فيها إلى الحور والقصور والنور والزهور والطيور حتى أنه يستعجل ربه فيقول: ((رب أقم الساعة لأذهب إلى أهلي ومالي))، لا يريد أن ينتظر ثانية واحدة، وأين هذه الثانية؟ في بيتي في بيتك، إنها في روضة من رياض الجنة لأنه لما ذاق تلك الروضة وأصبح قبره مد البصر اشتاقت روحه حتى أصبحت لا تطيق المكوث في القبر لحظة، فأخذ يصيح ((رب أقم الساعة لأذهب إلى أهلي ومالي))، والملائكة تقول ليس الآن: ((نم في قبرك نوم العروس)).
ويأتي الحديث يقول: ((ما بين موت المسلم إلى بعثه في عالم البرزخ كصلاة ظهر أو كصلاة عصر)).
فكم أخذت صلاة الظهر منا؟ عشر دقائق، ومن بعثه ينقل على عرش الرحمن وظلله فيكون تحت العرش كصلاة ظهر أو كصلاة عصر، أضف عشر دقائق.. الوقت الزمني على الكافرين طويل.. ففي القبر والبرزخ تمتد الأوقات بالعذاب، وإذا كان يوم الحشر كان عليهم خمسين ألف سنة، وعلى ((المتحابين في الله)) أو ((شاب نشأ في طاعة الله)) أو ((إمام عادل)) أو ((رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله))، أو ((رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه))، أو ((رجل أنفقت يمينه ما لا تعلم شماله))، أو ((رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)). وأصناف وأقسام لا يعلمها إلا الله، هذه ليست للحصر وما يعلم فضل ربك إلا هو. . .
هؤلاء تحت ظل العرش كصلاة ظهر أو كصلاة عصر.
ومن يمل أو يحس بالوقت الزمني يوم أن يغرف له بأيدي النبي من الحوض النبوي، وعدد أكوابه بعدد نجوم السماء من شرب منها شربة لا يظمأ منها بعدها أبداً، أو بأيدي الملائكة أو بأيدي المؤمنين أو بيده المتوضئة الطاهرة، من ماء يتدفق من نهر الكوثر الذي حافتاه من قباب الفضة والذهب واللؤلؤ المجوف، وطينته من المسك الأبيض، فهو أحلى من العسل، وأبرد من الثلج يصب ميزابان من ذهب متدفق من أعلى الفردوس إلى حوض محمد .
وما بعد ذلك إلا الصراط، وهناك معظم أمة محمد يمرون على الصراط كالبرق أو كالريح الشديدة، أو كالجواد السريع، أو كطرف العين لأنه أمته أمة مرحومة، قال : ((إن أمتي هذه أمة مرحومة جعل الله عذابها بما يصيبها من اللأواء))[3]. أي أن الله لا يقبض عبداً مسلماً موحداً عليه ذنوب إلا ويسلط عليه في الدنيا ما يمحص الذنوب من الهم والغم والمرض والبلاء، فيصبر ويحتسب فيقبضه وما عليه خطيئة واحدة، ثم بعد ذلك بعد محو الخطايا تبقى حقوق العباد...
يصلح الله بين العباد يوم القيامة، فلهذا لا تحملوا هموم الذنوب، وإنما احملوا هموم الحقوق المسلوبة والأعراض المنهوبة والأموال المسروقة، يوم تأتي الشاة القرناء فتنطحها الجماء لتمام عدل الله رب الأرض والسماء.
فالله يقول للعاصين في حقه: ((لو جئتني بملء الأرض خطايا لجئتك بملئها مغفرة، ولو بلغت ذنوبك عنان السماء لغفرتها لك ما استغفرتني ولا أبالي))[4]، فاحذروا من ظُلم الناس.
وتجد المؤمن يوم القيامة على الصراط كالبرق كطرف العين كالجواد السريع، كالريح المرسلة، ثم بعد ذلك عند باب الجنة وعندها محمدٌ [5] أمسك بحلقتها يقعقع الباب بأصوات وأنغام لم يُسمع لها مثيل، لا تظن أن باب الجنة يفتح بجرس يضرب أو بحاجب يأذن لك ويوقفك بالساعات ذليلاً مهاناً كما يقف الناس على أبواب الملوك.
الجنة فيها رضوان يقول: من؟ يقول: محمد ، يقول: لك أُمرت أن أفتح، وتُفتح أبواب الجنة الثمانية فيدخل المؤمنون ومن أبوابها مسير أربعين عام[6].
أحبتي في الله:
إذا أصابك الهم والغم أو رأيت من زُخرف الدنيا ما يتطلع إليه قلبك فتذكر ما عند الله وما بيدي الله، يهون عليك كثيراً.
ذكر أن أحد الصالحين كان يمر على الفاكهة في السوق فلا يستطيعها فيقول: إن موعدكم الجنة، وهذا السلوك ليس بدعة، فهو من سنة محمد يجهله كثيرٌ من الناس، فقد كان يمر على آل ياسر فلا يطعمون ولا يُسقون ولا يرتاحون يُصب عليهم العذاب صباً، فلا يملك أن ينصرهم في الدنيا فكان يقول لهم: ((صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة))[7]، وأنا أقول للغرباء في زماننا هذا، أقول للدعاة المخلصين في سجون الطغاة الذين يُرفلون [8] بالسلاسل والحديد، وأقول لكل أخت وأم وامرأة فقدت زوجها أو أخاها: اصبري فإن موعدك الجنة مهما طال ليل الظالمين، مهما احلولكت ظلماته فإن الصبح والفراج والفجر قريب وأزلفت الجنة للمتقين [ق:31].
والجنة وما أدراك ما الجنة؟ استمع ما يقول عنها الحبيب : ((لو أن امرأةً مما في الجنة أطلت بخمارها لملأت ما بين السماء والأرض عطراً وطيباً))[9].
إذا دخلت قصور الملوك تشم روائح عجيبة لأن أطيب الطيب يُجلب إليهم، ولكن كم مداه؟ يملأ قاعة، كم سيدوم؟ يوماً، يومين، ما تقول بعبدٍ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره، لخمار زوجته من الحور العين لو أطلت به لملأت ما بين السماء والأرض عطراً وطيباً.
إذاً من هم الملوك؟ ومن هم السلاطين؟! ألا إن ملوك الآخرة والسلاطين هم المؤمنون.
ولو أن رجلاً مما في الجنة بدا سواره الذي يلبسه في يده لطمس ضوءه ضوء الشمس كما تطمس الشمس النجوم في وضح النهار!!.
قدر قيمة هذا السوار في الدنيا ستجده أغلى من كنوز الدنيا وما فيها، إذن لا تتطلع لأحد غير الله، ولا تمد يدك إلى جبار أو طاغوت أو إلى أنذال الناس، والله أعد لك هذا، فاتق ربك حيثُ كنت، واعرف ربك بأسمائه الحسنى وصفاته العلى. فلا تخضع إلا له، ولا تسأل إلا إياه، ولا تطلب إلا منه، إليه فوض وسلم وحاكم واحتكم، فالذي يعطيك سواراً يطفئ ضوءه ضوء الشمس أتخضع لغيره، أو تسأل غيره؟ معاذ الله.
يقول : ((الجنة ترابها المسك))[10].
يقول : ((للمؤمن في الجنة خيمةٌ من لؤلؤة عرضها ستون ميلاً في الفضاء، للمؤمن فيها أهلون لا يرى بعضهم بعضاً))[11].
ويقول : ((في الجنة مائة درجة لو اجتمع كل العالمين في درجة واحدة لوسعتهم))[12].
سقفُها العرش، وما أدراك ما العرش؟ مخلوق كريم خلقه ربٌ كريم، ثم استوى عليه، لا إله إلا هو.
وإنني لأقول: يا أخي المسلم اصبر، اصبر، فإن الأمر أقرب مما نتصور فأنت تسمع أخبار المنقولين من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن سجن الدنيا إلى جنان النعيم.
انتقل إلى رحمة الله فلان بن فلان الذي أٌذيع خبره أكان يظن أنه سيموت غداً أو بعد غد؟؟ لهذا إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وأعدّ للجنة عُدتها إنها والله سويعاتٌ ولحظات ثم تنتقل إلى نعيم لا يوصف، فيها ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وعد إلى كتاب الله وسنة رسوله لترى كيف وصفها الله وكيف وصفها محمد ، وصدق الله: فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز [آل عمران:185].
اللهم نسألك الجنة ونعيمها.
إن لم يكُن هنا من يدافع عنك فإن الحورية في الجنة تدافع عنك، أخبر : ((أيما مسلم تؤذيه زوجته في الدنيا إلا قالت زوجته في الجنة: لا تؤذه، إنه عما قليل مفارقك إلينا))[13]، إنها تنتظرك، تأمل أن يفارق التي تؤذيه إلى التي لا تؤذيه، والله سبحانه وتعالى يقول عن صفتها: قاصرات الطرف [الصافات:48]. كأنهن الياقوت والمرجان [الرحمن:58].
قاصرات الطرف [أي لا تنظر إلا إلى زوجها.
وعليك أن تتوهم يوم أن تدخل خيمة اللؤلؤة فتنظر فإذا بها حورية لا تلتفت إليها يميناً أو شمالاً إلا وجدتها تنظر إليك بحنان وشوق ومحبة ورأفة لا تطيق فراق النظر إلى وجهك، وعندما يأتي وصفها يصف بأجمل صفة الشفافية، شفافية الروح والجسد لأن الياقوت لو وضعت به شيئاً لرأيته من ورائه لأنه حجر كريم شفاف.
كأنهن الياقوت والمرجان، بالاحمرار الوردي الجميل.
يصفها الله كأنها اللؤلؤ المكنون [الواقعة:23].
بنعومة اللؤلؤة وبكارة اللؤلؤة وبياض اللؤلؤة ورقتها وجمالها، يا له من وصف إلهي عظيم لهذا أخبر الحديث: ((إن أكثر أهل الجنة النساء وأقل أهل الجنة النساء أيضًا))[14].
وهذا شيء عجيب!...
كيف يكون أكثرها النساء وأقلها النساء؟.
أما أكثرها النساء, فإن الله خلق الحور العين في الجنة الشهيد له منهن اثنان وسبعون زوجة...
والمؤمن الموحد أدنى أنواع المؤمنين وهو آخر من يخرج من النار ويُطهر من الذنوب ويدخل الجنة له زوجتان من الحور العين غير زوجته التي في الدنيا, إذن أكثر أهل الجنة النساء...
أما أقلها النساء فهم نساء الدنيا, فقد أخبر النبي قال: ((يا معشر النساء أُريت النار فوجدت أكثر أهلها النساء والأغنياء))[15], ويعني بهم نساء الدنيا, قالوا: ما بال النساء يا رسول الله, قال: يكفرن, قالوا: ـ يكفرن بالله ـ قال: ((يكفرن العشير, أي يكفرن الزوج, فإنك لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك سوءًا واحدًا لقالت: ما رأيتُ منك خيرًا قط))[16]
.
قال : ((يا معشر النساء أكثرن من الصدقة، أكثرن من الاستغفار, فإني رأيتكن أكثر أهل النار))[17].
وبعض الشباب المسلم يأتيني يشكيني أهله يقول: يا أخي لقد كنت قبل أن يهديني الله وزوجتي تتمايل بجمالها ذات اليمين وذات الشمال, فلما تدينتُ وتدينت هي وضعت على نفسها الحجاب فلا تتعطر لي ولا تتزين لي, تستقبلني بفستان المطبخ وتظن أن الدروشة والقذارة من الدين, وإنني الآن عفيف متعفف, لا أنظر إلى ما حرم الله أبدًا, ولكني إذا عُدت إلى بيتي لا أجدُ ما يسرُ نظري أو أُذني.
وأنا أقول لكل امرأة تريد رفقة زوجها المسلم في الجنة اتقِ الله, والله الذي جعل خمار امرأة الجنة يملأ ما بين السماء والأرض عطرًا وطيبًا ذلك لكرامة هذا المؤمن على الله، لولا أن الله يحبه ما أعد له ذلك... فتعطري له في البيت وتزيني له, فإذا أردت الخروج إلى الأجانب فاغسلي ذلك...
والله الذي أعدَ للمؤمن سبعين حُلةً وفستانًا بسبعين لوناً تلبسه الحورية له، ذلك لأن الله يُحبه, وأن الله يُكرمه, فإذا أنتِ أحببتيه وأكرمتيه حُشرت معه يوم القيامة...
أين الأخت الداعية؟ التي تجعل مهرها الدعوة, وفستانها التقوى, وحُليها الأخلاق, أين الأخت الداعية التي تُحب أخًا داعية سيارة يحب الغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس, ويزيدون إذا نقص الناس, والنزاعُ من القبائل الذين جمعهم حبُ الدين وقرابة الإيمان، الفارون بدينهم, أين الأخت الداعية؟ التي تكون لزوجها أمًا في الحنان ـ وبنتًا في الطاعة ـ وأختًا في الدعوة, وحبيبةً في الفراش, وزوجة في الجنة, أين الأخت الداعية؟ التي تستقبله بابتسامة وتودعه بالدعاء, فإذا عاد إليها مشتاقًا همس في أذنيها.
صلى الملائكة الذين تخّيروا والصالحون عليكِ بالأبرارُ
يالها من همسة يهمسها الداعية عندما يعودُ إلى جنته المُصغرة فيجدها تنتظره بشوق كما تنتظرهُ الحورية بشوق, وإن الأخت المسلمة لتملك السحر الحلال.
ولكن ماذا أقول لمن يأتيني يشتكي يقول: تأتيني تستقبلني بفستان المطبخ، وبثياب مملوءة بالزيوت كمحطة الغسيل وتنفخُ علي بفم فيه بقايا البيض والبقل والمكسرات ثم حموضة تفوحُ من العُنق, فإذا أحس المسكين بالاختناق وأراد الافتراق ونادى بالطلاق ذهبت وقد نست دينها وربها ذهبت إلى مشعوذ أو ساحر ليُعيد إليها الوفاق... وهي تملك السحر الحلال بلسمات إيمانية مشرقة.
قال : ((الدُنيا متاع، وخيرُ متاعها الزوجة الصالحة التي إذا نظرت إليها سرتك, وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك))[18].
اللهم إنا نسألك أن تحقق فينا نداءك في كتابك الكريم:
يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون [الزخرف:68].
[1] صحيح : رواه البخاري والإمام أحمد في مسنده.
[2] صحيح : نحوه في صحيح الجامع الصغير برقم 1671 و1672.
[3] اللأواء:الآلام والابتلاءات.
[4] حديث حسن : رواه الترمذي والضياء والدرامي وأحمد وله شواهد أوردها الألباني في السلسلة الصحيحة127.
[5] صحيح : رواه مسلم وأحمد والترمذي والدارمي ، وفي مسلم: ((أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، وأنا أول من يقرع باب الجنة)).
[6] انظر المصادر السابقة ، وكذلك مختصر العلو للحافظ الذهبي بتخريج الألباني ص121.
[7] حديث حسن صحيح: رواه ابن إسحاق في السيرة والحاكم والطبراني ، وأبو نعيم في الحلية ، أنظر فقه السيرة للغزالي بتخريج الألباني ص110.
[8] يرفلون: يغلون.
[9] صحيح : رواه البخاري في صحيحه كتاب الرقاق: باب صفة الجنة والنار ، انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري رقم 5868 جـ 11 ص 418.
[10] صحيح : هو قطعة من حديث المعراج المتفق عليه من حديث الزهري عن أنس بن مالك.
[11] صحيح : من حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين ، أخرجه البخاري في باب ما جاء في صفة الجنة والنار وأنها مخلوقة ، والإمام مسلم باب صفة خيام الجنة وما للمؤمنين فيها من الأهلين.
[12] ضعيف : انظر الأحاديث الضعيفة للألباني 1886 وضعيف الجامع رقم 2670 ، ولكن الجملة الأولى صحيحة وردت في قوله : (( في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مائة عام)) صحيح عن أبي هريرة وأخرجه الألباني في صحيح الجامع رقم 4121 وفي السلسلة الصحيحة برقم 922 ومن ثم فللحديث أصل صحيح.
[13] صحيح : رواه الإمام أحمد بنحوه ففي مسنده من حديث كثير بن مرة عن معاذ بن جبل.
[14] صحيح موقوف: انظر حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح للإمام ابن القيم ص 96 باب "31" في أن النساء في الجنة أكثر من الرجال وكذلك هم في النار وعزاه للصحيحين.
[15] صحيح: رواه أحمد ومسلم والترمذي عن ابن عباس والبخاري والترمذي عن عمران بن حصين وأخرجه الألباني في صحيح الجامع برقم 1041.
[16] البخاري ومسلم: كتاب العيدين.
[17] البخاري ومسلم: كتاب العيدين.
[18] صحيح: رواه أحمد ومسلم والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما.
ـــــــــــــــــــ(68/278)
اهتمام الإسلام بالمرأة
...
...
1461
...
الأسرة والمجتمع
...
...
المرأة
...
إسماعيل الخطيب
...
...
تطوان
...
13/6/1420
...
...
الحسن الثاني
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
حال المرأة في الجاهلية واهتمام الاسلام بها وحثه على الإحسان إليها. - سبب انتشار ظاهرة العنف ضد النساء
الخطبة الأولى
أما بعد:
يقول ربنا عز وجل: ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن الآية.
عباد الله، سئل النبي عن شأن النساء، وعن الغامض من أحكامهن، وعن حقوقهن، هذه الحقوق التي كان المجتمع الجاهلي قد أضاعها حتى غدت المرأة أداة في يد الرجل أباً أو أخاً أو زوجاً لا تملك لنفسها شيئاً من أمر نفسها.
وجاء الجواب الشافي الكافي في كتاب الله فها هي آيات القرآن الكريم تبين أحكام النساء وما لهن من حقوق وما عليهن من واجبات ومن ذلك وجوب المعاملة الحسنة، فالمرأة إما أن تكون أمّا، قال تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً والإحسان يكون بالقول هو المخاطبة باللين واللطف والتكريم، والإحسان بالفعل خدمتها وقضاء حوائجها، والإحسان بالمال بذله لها من غير منة.
وقد تكون المرأة بنتاً أو أختاً. قال رسول الله: ((لا يكون لأحد ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو أختان فيتقي الله فيهن ويحسن إليهن إلا دخل الجنة)) فالأخوة والبنوة تفرض الإحسان للأخوات وللبنات.
والمرأة قد تكون زوجة.قال تعالى: وعاشروهن بالمعروف وقال : ((لايفرك مؤمن مؤمنة - أي لا يبغضها إن كره منها خلقاً رضي خلقاً آخر)).[1] فالزوجية تفرض الإحسان بين الزوجين.
وقد تكون المرأة أختا في الدين وهذه أيضاً لها حقوقها. قال تعالى: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض أي قلوبهم متحدة في التواد والتحاب والتعاطف، فالمسلم الصادق هو الذي يحب لأخته المسلمة الخير والفلاح، فيأتمر بشرع الله الذي يمنعه من ارتكاب أي ظلم أو خيانة في حق أخته المسلمة.
عباد الله: في هذا الزمن الذي عم فيه الفساد وانتشر صرنا نسمع الكثير عن ظاهرة العنف ضد النساء، والعنف هو الغلظة والخشونة وعدم الرفق، والدول الأوربية بصفة خاصة تشتكي من هذه الظاهرة التي يجب علينا أن نعرف أسبابها ونعمل على علاجها.
إن سببها في مجتمعنا - بلا شك - هو الابتعاد عن أوامر الشريعة المطهرة ، فهناك من الرجال من نبذ وراء ظهره وصية رسول الله في حجة الوداع عندما قال: ((اتقوا الله في النساء)) أو كأنهم لم يسمعوا قول رسول الله : ((من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله)).
فمعاملة الزوجة باللطف والإحسان من علامات الإيمان، وهذا العنف قد يصدر من الزوج أو من الأخ أو من الأب أو من مختلف أفراد المجتمع، لكن الزوج في الغالب يبقى هو المصدر الأول لذلك جاءت آيات القرآن الحكيم تدعو الأزواج إلى حسن المعاشرة. قال عز وجل: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون.
عباد الله: هناك من النساء من تُعرض نفسها للعنف، بمخالفتها لأوامر دينها.فلقد أمر الله المرأة بصيانة كرامتها وحفظ عرضها، فدعاها إلى عدم التبرج ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى والتبرج هو إظهار المحاسن - فالمرأة إذا أظهرت محاسنها ، وكشفت عورتها، شجعت الفساق على أذيتها، والمرأة إذا مارست من الأعمال ما لا يتناسب مع طبيعتها كأن تعمل في التهريب أو في الخمارات أو في المقاهي والفنادق فإنها تكون عرضة للأذى والعنف من جانب من لا خلاق لهم ولا إيمان يردعهم، وما أكثرهم في هذا الزمن. أما المرأة التي تبيع جسدها لكل من هب ودب فإنها معرضة لأقسى أنواع العنف سواء من طرف الزناة أو من قرابتها فكم من زانية قتلت من طرف قرابتها أو من المتعاملين معها.
إن الإسلام حرص أشد الحرص على حفظ كرامة المرأة بما فرض من أحكام، فإذا كان مجتمعنا اليوم قد تنبه إلى ظاهرة العنف الذي يمارس ضد النساء، فإن على المسئولين، أن يعملوا على توعية النساء بأحكام الدين، ليعلمن ما لهن من حقوق وما عليهن من واجبات، فالخير كل الخير في العمل بشرع الله.
[1] أخرجه مسلم ح(1469).
ـــــــــــــــــــ(68/279)
الحذر من اتباع الهوى
...
...
1466
...
الأسرة والمجتمع
...
...
المرأة
...
إسماعيل الخطيب
...
...
تطوان
...
18/1/1419
...
...
الحسن الثاني
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
- الحث على اتباع الحق والحذر من الزيع عنه. - اهتمام الإسلام بالمرأة وحثها على العفة والحياء. - أثر الاحتلاط بين الجنسين ف انتشار الفاحشة وتنبه العقلاء حتى من الكفرة لخطر ذلك.
الخطبة الأولى
أما بعد:
يقول ربنا تعالى: ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون.
عباد الله: بين الله تعالى أنه شرع لرسوله شريعة أمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وأهواؤهم هو ما يهوونه وما هم عليه من ضلال وانحراف عن دين الله، بل حذره ربه سبحانه من اتباع أهواء الذين لا يرضون إلا عن من اتبع ضلالهم، فقال تعالى: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى فالهدى الحق والصحيح هو ما جاء عن الله تعالى. ثم قال سبحانه: ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير أي أنك لن تنجح ولن تُفلح إذا جاريتهم في باطلهم واتبعتهم في ضلالهم، وهذا الإنذار الشديد والوعيد والتهديد، هو موجه في الواقع للأمة، فنبي الرحمة مؤيد بالكرامة والعصمة عصمه الله من الزيغ والضلال، الذي قد تقع فيه أمته إذا هي اتبعت طريق المغضوب عليهم والضالين، لذلك حذرنا الله تعالى من تقليدهم في انحرافهم، هذا التقليد والاتباع الذي وقعنا فيه، والذي من أمثلته تقليد المسلمة للغربية في لباسها وتبرجها.
لقد بعث الله نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام في وقت انحرف فيه النساء – كالرجال – عن دين الله، فجاءت آيات القرآن تبين شكل لباس المرأة المسلمة، فقال تعالى: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن فالجلباب وهو اللباس الذي يستر الجسم كله هو شعار المرأة المسلمة يميزها عن المنحرفة والكافرة، وقد فرضه الله عليها كالصلاة والصيام، وهي مطالبة مع اللباس الذي بين الله أمره في سورتي النور [الآية:31] والأحزاب [الآية:59]. بالالتزام بآداب الإسلام وأخلاقه.
ومن أمثلة تقليد المسلمين للغربيين الاختلاط بين الذكور والإناث في المدارس، هذا الاختلاط الذي بدأ الغرب الآن يتراجع عنه بعد أن اكتوت مجتمعاته بويلاته، ففي إحصاء نشر أخيراً في بريطانيا ذكر أنه في عام 1996 سجلت أعلى نسبة لحمل الفتيات خارج إطار الزواج قبل بلوغهن سن 16 إذ بلغ عددهن تسعة آلاف فتاة، منهن خمسمائة لم يتجاوز سنهن 14 عاماً، ومصير الغالبية العظمى من حمل هؤلاء الفتيات هو الإجهاض، وقد تأكد أن الاختلاط في المدارس هو السبب الأول في هذه الكوارث التي تقع مثيلاتها في بلاد المسلمين لكنها تظل طي الكتمان، ولا تنشر عنها أية إحصائيات أو أخبار ليتنبه الناس لخطر الاختلاط وويلاته.
عباد الله: لقد تفطن بعض العقلاء في البلاد الغربية إلى ما يشكله الاختلاط من خطر على المجتمع، فدعوا إلى الفصل بين الذكور والإناث في المدارس وغيرها، وقد قررت وزارة الدفاع الأمريكية الفصل بين المجندين من الإناث والذكور بعد سلسلة من الفضائح غيرت نظرة المؤيدين للاختلاط، وكذلك قررت عدة مدارس في ولاية كاليفورنيا الأمريكية الفصل بين الجنسين سعياً لتحسين مستوى التحصيل الدراسي، فقد تبين لهم أن الاختلاط يتسبب في الشرود الذهني حيث يظل كل من الطالب والطالبة لا يفكر إلا في الآخر، ليطبق معها ما رآه في أفلام الخلاعة والمجون، التي تُقدم في السينما والتلفزيون.
ولقد نبه علماء الإسلام قديماً إلى وجوب منع التعليم المختلط والفصل بين الجنسين، فقال سحنون: "ومن حسن النظر التفريق بين الذكور والإناث وأكره خلطهم لأنه فساد" نعم. . إنه فساد نرى نتائجه الآن، فهاهن الفتيات تذهبن متزينات إلى المعاهد والجامعات، ويذهبن إلى أماكن الخلوة دون خوف من أب أو أسرة، بل إن بعض الآباء لا يجدون حرجاً في أن يكون لبناتهم أصدقاء يتبدلون بتبدل الفصول، ويعدون ذلك من مظاهر الحضارة والتقدم، ألا تباً لحضارة الفسق والفجور، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وأولادنا من تلك الطائفة المتمسكة بدينها التي قال عنها نبينا عليه الصلاة والسلام: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله)).
ـــــــــــــــــــ(68/280)
مشكلات الشباب
...
...
1894
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الأبناء
...
إبراهيم بن محمد أحمد عبد الكريم
...
...
صنعاء
...
9/1/1416
...
...
العميري
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- الشباب في العطلة الصيفية. 2- مشكلة الفراغ وضياع الوقت. 3- الحث على اغتنام الأوقات. 4- مشكلة عدم الاهتمام بالعلم الشرعي. 5- مشكلة جلساء السوء. 6- شباب السلف.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فأوصي نفسي المقصرة وإياكم بتقوى الله سبحانه وتعالى، ثم أما بعد:
يعيش شبابنا اليوم العطلة الصيفية، وهم في قضاء هذه العطلة على صنفين:
صنف قد صمم تصميماً جازماً، وأكد تأكيداً بالغاً على قضاء هذه الإجازة في الضياع واللهو واللغو واللعب فهذه عادته وطريقته، يبدد عمره في كل معصية ولهو ولعب لا يعرف لله حقاً ولا طريقاً.
وقسم آخر من شبابنا هم أهل الصدق والاستقامة والصلاح، قوم نظر الله إلى قلوبهم فرأى ما فيها من التقوى وحسن القصد، فكانوا أهلاً لهدايته وتوفيقه، عزموا على قضاء هذه العطلة في مرضاة الله وعرفوا أن هذه العطلة جزء من أعمارهم وأنهم محاسبون عليها بين يدي الواحد الديان أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ اله إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:15-16].
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبت هؤلاء وأن يصلح أولئك.
إخوة الإسلام وأحباب الحبيب المصطفى محمد :
إن مشكلات الشباب وقضاياهم تتلخص في قضايا:
المشكلة الأولى الفراغ وضياع الوقت، والأصل أنه ليس في حياة المسلم ما يسمى بوقت الفراغ، فالوقت أغلى شيء وأنفس شيء لأنه عمر الإنسان، لكنه كذلك عند غير المسلمين، أما عند كثير من المسلمين فما أرخصه، الساعات الطويلة والأعمار المديدة يضيعها كثير من الناس في غير فائدة، بل فيما يجلب عليهم الحسرات والضياع يوم القيامة.
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع
ولذلك فإن رسول الله بين لنا أهمية الوقت وقيمة الزمن في أحاديث كثيرة، فيقول كما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس : ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)) ويقول أيضاً كما في حديث معاذ بن جبل كما عند الطبراني وغيره: ((لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟)).
ويقول أيضاً كما عند الحاكم من حديث ابن عباس: ((اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل مرضك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)).
ولذلك إخوة الإسلام لما عاش سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى هذا الهدي الجامع وهذه التعاليم النبوية كانوا من أحرص الناس على العمر، ومن أكثرهم اغتناماً للزمن، فكان الحصاد فتوحاً وعلوماً ومعارف ومدنية وحضارة ليس لها نظير في تاريخ البشرية.
فها هو ابن مسعود يقول: (إني لأمقت الرجل أن أراه فارغاً ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة).
وهذا الحسن البصري رحمه الله تعالى يقول: (أدركت أقواماً كان أحدهم أشح على عمره منه على درهمه).
لأن الدينار والدرهم يمكن تعويضه، أما العمر فلا يمكن تعويضه، فما من يوم ينشق فجره إلا وينادي ويقول: يا بن آدم أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني إن ذهبت فلن أعود إلى يوم القيامة.
ولذلك كان قائلهم يقول:
إذا ما مضى يوم ولم أصطنع يدا ولم اقتبس علماً فما هو من عمري
قيل لكرز بن وبرة: اجلس معنا، وكان من العباد رحمه الله تعالى فماذا قال؟ قال: امسك الشمس أجلس معك، يعني إذا توقفت الشمس وتوقف الوقت جلست معك، فهكذا كان اهتمام سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى بالوقت فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصلاةَ وَاتَّبَعُواْ الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً [مريم:59].
أصبحت كثير من أوقات شباب الإسلام ضائعة بلا عمل ولا تجارة ولا وظيفة ولا كسب ولا تحصيل ولا طاعة، وإذا لم يشغل الشباب أوقاتهم في هذه الأمور شغلوها في المعصية واللهو واللغو واللعب والحرام، ولذلك يقول أبو العتاهية شاعر الحكماء:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
فالقضاء على الفراغ في حياة الشباب المسلم ينبغي أن يكون من أول ما يوجه المصلحون عنايتهم له، ولا يشترط أن يقضي الشاب فراغه في الحفظ والعلم بالقراءة بل كل حسب وجهته والله عز وجل يقول: قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ [البقرة:60]. فمن كانت وجهته علمية فليذهب إلى المؤسسات العلمية وينهل من منابع العلم، ومن كان له تميز وتخصص في مجال من المجالات فليذهب إلى ما يهواه من المجالات التي لا تعارض ديننا الحنيف من تجارة نافعة أو صناعة مفيدة أو حرفة شريفة وغير ذلك حتى لا يندم الإنسان على هذه الأيام وعلى عمره، ولات حين مندم، ويقول: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر:37]. فيأتيه الرد أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ [فاطر:37].
المشكلة الثانية من مشكلات الشباب: عدم الاهتمام بالعلم الشرعي، والعلم الشرعي هو العلم النافع الذي تحتاج إليه القلوب والأبدان، ولكن للأسف أصبحت الأمة – إلا من رحم الله – أمة ثقافة سطحية، تحولت الأمة من الأصالة والعمق المتمثل في العلوم الشرعية والعلوم التجريبية إلى أمة تعرف المعلومات العامة والثقافة السطحية، وهو علم يشترك فيه الكافر والمؤمن، ولكن أين التحصيل وأين الاجتهاد في طلب العلم وأين الحرص على الاستفادة وأين الحفظ والتدبر للقرآن.
والله لساعة واحدة يقضيها المسلم في طلب العلم، في حفظ آية من كتاب الله أو فهم حديث من أحاديث رسول الله خير له من الدنيا وما فيها، يقول : ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة)).
من وصايا أمير المؤمنين أبي السبطين علي بن أبي طالب لكميل بن زياد: يا كميل، العلم خير من المال، العلم يحفظك، وأنت تحفظ المال، العلم يزكو بالإنفاق، والمال تنقصه النفقة.
هو العذب المهند ليس ينبو تصيب به مضارب من أردت
وكنز لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنت
يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددت
فعلينا إخوة الإسلام أن نأتي بشباب الأمة ونحبب إليهم علم الكتاب والسنة، حتى ترتفع أصولهم إلى الله الواحد الحي القيوم، وتمتلئ قلوبهم بالنور والإيمان.
المشكلة الثالثة من مشكلات الشباب: رفقاء السوء وجلساء السوء، وهم قوم علم الله من قلوبهم الخبث فأخرهم، قوم ما أفلحوا في دين ولا دنيا، فأخذوا يصدون عن سبيل الله ويتلقفون شباب الإسلام ليجعلوا مصيرهم كمصيرهم، والرسول يحذر من قرناء السوء فيقول : ((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل))، وقال : ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة)). وفي الحكمة:
لا تسأل عن المرء واسأل عن قرينه فإن القرين إلى المقارن ينسب
فيا أيها الآباء، كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
يقول : ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة)).
وإنه لمن الغش أن يترك الأب أبناءه لا يسأل أين يذهب الابن الساعات والأيام، ولا يسأله أين ذهب ومع من كان وأين نام؟ ولا يدري هذا الأب أن ابنه كان في جولة مع شياطين الإنس يسلخونه من دينه وعقله وإسلامه.
الحذر الحذر من قرناء السوء وجلساء السوء، وعلى الشاب أن يتخير الرفقة الصالحة من أهل الخير والعقل والصلاح الذين يعينونه على الحق، ويدلونه عليه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
فمن هم شباب السلف ومن هم شبابنا؟ شباب السلف هم حمزة وعبد الله بن رواحة وجعفر بن أبي طالب وأسامة بن زيد وابن عباس وابن عمر والحسن والحسين.
عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه
وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه
هذا عقبة بن نافع شاب في الخامسة والعشرين من عمره، يقف على المحيط الأطلنطي موحداً مصلياً يرفع سيفه إلى السماء قائلاً: والله لو أعلم أن وراء هذا الماء أرضاً لخضته بفرسي هذا رافعاً راية لا إله إلا الله.
نصر الإسلام وفتح أفريقيا، فشكر الله سعيك ورفع منزلتك يا عقبة، ولكن هل تدري يا عقبة أن من شبابنا من بلغ الثلاثين والأربعين من عمره وهو لا يعرف لماذا أتى ولماذا يعيش وأين يسير؟! غاوٍ لاه، ما عرف رسالته في الحياة!!
عبد الله بن رواحة شاب في الثلاثين من عمره حمل سيفه وذهب إلى معركة مؤتة في أرض الأردنّ فلبس أكفانه ورفع سيفه وقال:
أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنة ما لي أراك تكرهين الجنة
وطالما قد كنت مطمئنة هل أنت إلا نطفة في شنة
ثم قال:
يا نفسي إلا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت
ما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلي فعلهما هديت
جعفر أتى إلى مؤتة أيضاً مجاهداً في سبيل الله يحمل الراية، فقطعت يمناه فأخذ الراية بيده اليسرى، فقطعت فضم الراية بعضديه حتى تكسرت الرماح في صدره وهو يبتسم ويقول:
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها
الروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
فهؤلاء هم شباب السلف ليلهم سجود وتسبيح وذكر، ونهارهم جهاد ودعوة.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
فيا شباب الإسلام:
من يرفع راية لا إله إلا الله إذا توليتم أنتم؟!! ومن ينصر هذا الدين إذا أعرضتم أنتم؟!!
فعودة يا شباب الإسلام إلى الله، عودة إلى المسجد، عودة إلى المصحف، عودة إلى حلقات العلم عودة إلى ربكم.
شباب الدين للإسلام عودوا فأنتم مجده وبكم يسود
وأنتم سر نهضته قديماً وأنتم فجره الباهي الجديد
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، وكن كما شئت فكما تدين تدان.
ـــــــــــــــــــ(68/281)
وصايا لقمان لابنه
...
...
1895
...
الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد
...
...
القرآن والتفسير, الوالدان
...
إبراهيم بن محمد أحمد عبد الكريم
...
...
صنعاء
...
...
...
العميري
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- من لقمان؟ 2- الحكمة في الدعوة والتربية. 3- خطورة الشرك. 4- عظم حق الوالدين. 5- عقوق الوالدين من أكبر الكبائر. 6- عبر وعظات من واقع العاقين.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فأوصي نفسي المقصرة وإياكم بتقوى الله سبحانه وتعالى.
ثم أما بعد، فيا إخوة الإسلام يا أحباب الحبيب المصطفى :
لنستمع إلى القرآن وهو يعرض علينا مشهداً من مشاهد الآباء مع الأبناء، مع لقمان الحكيم وهو يجلس مع ابنه جلسة روحية يوصيه فيها بأعظم وصية في الحياة، لقمان الحكيم يجلس ابنه أمامه، فلذة كبده وثمرة قلبه وفؤاده، ويوصيه وصية أب مشفق على ابنه، فاسمعوا إلى القرآن وهو يعرض علينا هذه الوصايا في إبداع عجيب، وروعة متناهية وأسلوب بديع يقول سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ [لقمان:12].
فمن هو لقمان – يا عباد الله –؟ إنه مولى من الموالي وعبد من العبيد وراع من رعاة الأغنام، وفقه الله بالحكمة ومجده بالتقوى وشرفه الله بالإيمان.
من عرف الله فلم تغنه معرفة الله فذاك الشقي
ما يصنع العبد بعز الغنى والعز كل العز للمتقي
آتى الله سبحانه وتعالى عبده لقمان الحكمة، وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ [البقرة:269].
ومما يؤثر من حكمته أن مولاه أمره بذبح شاة وأن يخرج له أطيب مضغتين فيها، فأخرج له اللسان والقلب، ثم أمره أن يخرج له أخبث مضغتين فيها، فأخرج له اللسان والقلب، فالتفت إليه متعجباً! فقال لقمان: ليس شيء هناك أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا.
ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى عبده لقمان بالشكر على هذه النعم التي أعطاها الله سبحانه وتعالى إياه، فقال سبحانه: وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ [لقمان:12].
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإله فإن الإله سريع النقم
إخوة الإسلام:
استمعوا إلى وصايا لقمان لابنه وإلى آثار الحكمة التي أنعمها الله عليه، يقول سبحانه وتعالى: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يابُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]. انظروا إلى روعة الخطاب قال سبحانه: وَهُوَ يَعِظُهُ ما قال: يوبخه ولا يؤنبه ولا يزجره ولا يعنفه، ثم قال له: يابُنَىَّ يتلطف مع ابنه ويتحنن معه، وهذه من آداب الدعوة التي ينبغي أن يتحلى بها كل داعية إلى الله وكل ناصح إلى طريق الله فإن الله سبحانه وتعالى لما بعث موسى إلى فرعون الطاغية الذي ادعى الألوهية والربوبية مع الله ومع ذلك قال الله لموسى وأخيه هارون: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:43-44].
يابُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]. بدأ لقمان يوصي ابنه بأعظم وصية وهي التوحيد الذي قامت عليه دعوة الأنبياء والمرسلين، وهي الوصية التي كان يعلمها الرسول لأصحابه وأتباعه من بعده، في مسند الإمام أحمد بسند صحيح أن الرسول ركب حماراً وأردف خلفه معاذا ، فقال الرسول لمعاذ: ((أتدري ما حق الله على العباد؟))، فقال معاذ: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله : ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً))، ثم قال الرسول لمعاذ: ((أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟))، فقال معاذ: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله : ((فإن حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك أن يدخلهم الجنة)).
قال ابن مسعود - كما في الصحيحين -: لما أنزل الله عز وجل: الَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82] شق ذلك على أصحاب رسول الله فأتوا إليه ، قالوا: يا رسول الله وأينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ – وهم يعنون المعاصي – فقال : ((ليس ذلك المراد، إن المراد الشرك، أما سمعتم قول العبد الصالح لقمان: إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)).
فهل آن للآباء أن يجلسوا مع أبنائهم ويوصونهم بتوحيد الخالق جل في علاه، ويقولوا لهم: لا تشركوا بالله ولا تكفروا بالله ولا تجحدوا نعم الله، ولا تكفروا بآلاء الله ولا تراؤوا بأعمالكم غير الله، إنها والله أعظم وصية في تاريخ الإنسان وأكبر موعظة في تاريخ البشرية.
ثم يفصل الله سبحانه وتعالى وصايا لقمان بوصية من عنده فيقول: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوالِدَيْكَ إِلَىَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14]. فقرن الله حقه بحق الوالدين، وقرن شكره بشكر الوالدين، فـ((رِضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين)) كما صح ذلك عن الصادق المصدوق محمد .
لا إله إلا الله، ما للوالدين من حقوق، ولا إله إلا الله ما للوالدين من واجبات، فعن ابن عباس ما: ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث، لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها: إحداهما قول الله تعالى: وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ [التغابن:12]، فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه، الثانية قوله تعالى: وَأَقِيمُواْ الصلاةَ وَءاتُواْ الزكاةَ [المزمل:20]، فمن صلى ولم يزكِّ لم يقبل منه، والثالثة قوله تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوالِدَيْكَ [لقمان:14]، فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه.
وبدأ الله سبحانه وتعالى في الآية بحق الأم، لأن لها ثلاثة أرباع الحق، فقد جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أبوك)).
ذكر أن أبا الأسود الدؤلي تخاصم مع زوجته إلى القاضي على غلام لهما، أيهما أحق بحضانته؟ فقالت الأم للقاضي: أنا أحق به حملته مشقة، وحملته تسعة أشهر، ثم وضعته، ثم أرضعته، فقال أبو الأسود للقاضي: حملتُه قبل أن تحمِلَه، ووضعتُه قبل أن تضَعَه، فإن كان لها بعض الحق فلي الحق كله أو جله، فقالت المرأة: إن كنت حملتَه خفاً فقد حملتُه ثقلاً، ولئن وضعتَه شهوة فقد وضعتُه كرهاً، فنظر القاضي إلى أبي الأسود وقال له: ادفع إلى المرأة غلامها ودعنا من سجعك.
وهاهو ابن عمر يرى في طوافه وهو يطوف بالبيت الحرام رجلا وقد أركب أمه على ظهره وأتى بها حاجاً إلى بيت الله، فيلتفت الرجل إلى ابن عمر ويقول له: يا ابن عمر أتراني قد أوفيت حقها؟ فقال له ابن عمر: والله ما أوفيتها ولا طلقة من طلقات ولادتها.
وفي الصحيحين عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: أتى رجل أبا الدرداء فقال له: إني تزوجت ابنة عمي، وهي أحب الناس إلي، وأمي تكرهها وأمرتني بفراقها وطلاقها، فقال له أبو الدرداء: لا آمرك بفراقها ولا آمرك بإمساكها، إنما أخبرك بما سمعته من رسول الله ، لقد سمعته يقول: ((الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فضيع ذلك الباب أو احفظه)).
فالله الله – يا عباد الله - في بر الوالدين، بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله، يسأل : أي العمل أفضل؟ فيقول : ((الصلاة لوقتها))، قيل: ثم أي؟ قال: ((بر الوالدين))، قيل: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله)).
يأتي رجل إلى رسول الله فيقول: يا رسول الله إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، فقال : ((هل بقي من والديك أحد؟)) قال: نعم أمي، فقال له : ((قابل الله في برها، فإن فعلت فأنت حاج ومعتمر ومجاهد)).
ويأتيه رجل من اليمن يبايعه على الجهاد والهجرة، ويخبره بأنه أبكى والديه بهجرته، فيقول الرسول : ((ارجع إليهما ففيهما فجاهد))، وفي رواية: ((ارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما)).
ويأتيه جاهمة يستأذنه في الجهاد فقال له الرسول: ((أحيّ والدتك؟)) قال: نعم، قال: ((الزمها فإن الجنة عند رجليها)).
ولذلك كان أحد السلف يقبل كل يوم قدم أمه فأبطأ يوماً على أصحابه فسألوه، فقال: كنت أتمرغ في رياض الجنة تحت قدمي أمي، فقد بلغني أن الجنة تحت قدميها.
ولما ماتت أم إياس القاضي المشهور بكى عليها فقيل له: ما بك؟ قال: كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة فأغلق أحدهما.
فالله الله في بر الوالدين، الله الله في بر الوالدين، من أراد السعادة في الدنيا والنعيم في الآخرة فعليه ببر الوالدين، من أراد تفريج الهموم والكروب وتيسير الأمور فعليه ببر الوالدين، من أراد الرزق وطول العمر فعليه ببر الوالدين، صح عنه أنه قال: ((من أراد أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليبر والديه وليصل رحمه)).
إخوة الإسلام وأحباب الحبيب المصطفى :
روي عن الصادق المصدوق محمد أنه قال: ((إذا ظهر في أمة محمد أربع عشرة خصلة فانتظروا ريحاً حمراء وزلزلة وخسفاً ومسخاً وقذفاً وآيات تتابع كنظام قطع سلكه، ومن هذه الخصال: إذا أطاع الرجل زوجته، وعقّ أمه، وأدنى صديقه، وأبعد أباه)).
وعند الطبراني من حديث أبي ذر : ((يأتي زمان لأن يربي أحدكم كلباً خير له من أن يربي ولداً)). ونعوذ بالله أن يكون هذا زماننا.
عقوق الوالدين من أكبر الكبائر – يا عباد الله – عاق الوالدين ملعون، عاق الوالدين حرام عليه الجنة، عاق الوالدين دعا عليه أفضل أهل السماء وأمّن على هذه الدعوة أفضل أهل الأرض، صعد المنبر فلما رقى الدرجة الأولى قال: ((آمين))، ثم رقى الثانية فقال: ((آمين))، ثم رقى الثالثة فقال: ((آمين))، فلما نزل سأله الصحابة عن ذلك، فقال: ((لما كنت في الدرجة الأولى عرض علي جبريل وقال: يا محمد رغم أنف من أدرك أحد أبويه أو كليهما فلم يدخلاه الجنة قل: آمين، فقلت: آمين)).
إلى الله المشتكى مما وصل إليه الحال من عقوق الوالدين، لقد وجد في مجتمعنا أبناءٌ قلوبهم أشد قسوة من قلوب اليهود والنصارى، وجد من سب أباه ومن شتم أباه ومن استهزأ وتنقّص أباه، ووجد من تعير بأبيه وأمه وظن أنهما لا يتناسبان مع مكانته ومركزه، ووجد من فضل زوجته على أبيه وأمه، هذا رجل يذهب هو وزوجته وأمه إلى سوق الذهب وأم الرجل تحمل ابنه على كتفها، فيدخل الرجل وزوجته إلى محل صائغ الذهب، فيشتري الرجل لزوجته ذهباً بما يساوي 600 ألف ريال، وتأخذ الأم خاتماً بما يساوي ألفين وخمسمائة ريال، ويأتي الرجل فيحاسب عن الذهب الذي اشترته زوجته فيقول له البائع: بقي عليك ألفان وخمسمائة ريال قيمة الخاتم الذي أخذته هذه المرأة، فيغضب الابن غضباً شديداً ويقول: هذه العجوز لا تحتاج إلى ذهب، فتنفجر الأم باكية وتعود إلى السيارة وهي حاملة لابن ابنها ولسان حالها يقول: إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى اللَّهِ [يوسف:86]، ويرجع الزوج إلى السيارة وإذا بالزوجة تؤنبه وتوبخه وتأمره أن يشتري لأمه الخاتم ولسان حالها يقول: من يحمل لنا هذا الطفل إذا لم تشتر لها هذا الخاتم، يأتمر الرجل بأمر زوجته ويذهب لشراء الخاتم ويعطيه لأمه، فتلقيه الأم في الشارع وتقول: والله لا ألبس ذهباً في حياتي، حسبي الله ونعم الوكيل.
هذه أحداث ثابتة وواقعة والله ليست أساطير تروى، ولا حكايات تتلى، وعشرات مثلها في البيوت، ونعوذ بالله من العقوق والعاقين.
فنسأله تعالى أن يجعلنا من عباده البارين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
فيا أيها العاق لوالديه، اتق الله واحذر دعوة من والديك قد تصادف ساعة إجابة، فتكون سهماً صائباً يرديك ويشقيك في الدنيا والآخرة، أذكر أن أباً كان له ابن اسمه منازل، وكان هذا الابن عاقاً بأبيه ولكن الأب الصالح دائما ما يذكره بالله، وكلما ذكره بالله زاد نفوره وعقوقه، وفي ذات يوم ألح عليه في التذكير فما كان من الابن إلا أن ضرب أباه، وما كان من الأب إلا أن شد الرحال إلى بيت الله الحرام وتعلق في أستار الكعبة، ودعا الله على ذلك الابن العاق، فوالله ما أتم الأب دعاءه إلا وقد شلت يمينه أشل يد ذلك الابن لدعاء أبيه عليه، فدعوة الأب على ابنه مستجابة.
وهذه حادثة وقعت في زماننا: أب كان له ابن يعمل في مزرعته، وأراد الابن أن يسافر للعمل ويترك أباه فاستأذن الابن أباه في السفر، فلم يأذن الأب وحاول الابن مع أبيه مرات ومرات ولكن الأب يرفض، فقال الابن: سوف أذهب وأسافر رضيت أم أبيت، وسافر الابن وعصى أباه، فما كان من الأب الصالح إلا أن توجه بيده إلى السماء وقال: اللهم أرني فيه ما يكره، فوالله ما وصل إلى نصف الطريق إلا وقد عميت عيناه، فرجع إلى أبيه وهو أعمى، فقال له الأب: هل وجدت السهم؟ قال: الابن إي والله، فحزن الأب على ابنه حزناً شديداً، وتأثر عليه تأثراً بالغاً، ونام ليلته تلك ساجداً راكعاً بين يدي الله سبحانه وتعالى يدعو الله بشفاء ابنه ويلحس عيني ابنه بلسانه، فوالله ما قام لصلاة الفجر إلا وقد رد الله بصر ابنه.
أيها العاق لوالديه، اتق الله وترقب عقوبة عاجلة، فكل الذنوب قد يؤخرها الله عز وجل إلى الآخرة إلا العقوق، فعقوبته معجلة في الدنيا قبل الآخرة.
ذكر العلماء أن رجلاً كان عنده والد كبير، امتدت به الحياة حتى تأفف من خدمته والقيام على شؤونه، فأخذه في يوم من الأيام على دابة وخرج به إلى الصحراء، فلما وصل بوالده إلى صخرة هناك أنزله فقال: يا بني ماذا تريد أن تفعل بي هاهنا؟ فقال الابن العاق: أريد أن أقتلك، أريد أن أذبحك، فقال له الأب: أهذا جزاء الإحسان يا بني فقال الابن العاق: لقد أتعبتني في حياتي ولا بد أن أذبحك، فقال له الأب: إن أبيت إلا أن تذبحني فاذبحني عند تلك الصخرة، قال: ولم يا أبت ما ضرك أن أذبحك عند هذه أو تلك؟ قال: يا بني لقد كنت عاقاً بوالدي وذبحته عند تلك الصخرة، فإن كان الجزاء من جنس العمل فاذبحني عند تلك الصخرة، والله يا بني مثلها.
حصادك يوماً ما زرعت وإنما يدان الفتى يوماً كما هو دائن
فيا أيها الأبناء اتقوا الله في آباءكم بروا آباءكم، أطيعوا آباءكم، وإياكم والعقوق، فالتوبة التوبة، لا نخرج من المسجد إلا وقد عاهدنا الله عز وجل بطاعة الوالدين وبرهما والتوبة عن كل تقصير تجاههما، فإن لم يكونوا موجودين فلندع لهما ولنتصدق عليهما، ولنصل صديقهما فإن ذلك من برهما، وأنتم يا أيها الآباء أعينوا أبناءكم على الطاعة والبر، وادعوا لهم بالهداية والتوفيق، وإياكم من الدعاء عليهم فقد تصادف الدعوة ساعة إجابة فتندمون على ذلك يوم لا ينفع الندم.
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، وكن كما شئت فكما تدين تدان.
ـــــــــــــــــــ(68/282)
دعاة تحرير المرأة
...
...
1933
...
أديان وفرق ومذاهب, الأسرة والمجتمع
...
...
المرأة, مذاهب فكرية معاصرة
...
حسين بن شعيب بن محفوظ
...
...
صنعاء
...
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1 ـ المرأة في الجاهلية. 2 ـ المرأة في الإسلام. 3 ـ دعوة تحرير المرأة. 4 ـ الصهاينة وتحرير المرأة. 5 ـ أهداف الأعداء من وراء تحرير المرأة. 6 ـ الإعلام ودوره في إفساد المرأة والطفل. 7 ـ أين العلاج؟
الخطبة الأولى
أما بعد:
إن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فإن المرأة قبل الإسلام كانت في نظر الناس من سقط المتاع، هضموا حقوقها واعتبروها مجرد متعة لا غير، ولذلك كانوا يتبرمون إذا بشر أحدهم بالأنثى وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِالاْنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوء مَا بُشّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى التُّرَابِ أَلاَ سَآء مَا يَحْكُمُونَ [النحل: 58، 59]، ولذلك كان العرب في الجاهلية من بغضهم للمرأة كانوا يئدون البنت وهي حية يحفرون لها حفرة وهي حية، ويدفنونها وهي حية، ولذلك قال تعالى في بيان أهوال القيامة وَإِذَا الْمَوْءودَةُ سُئِلَتْ بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ [التكوير: 8، 9] فجاء الإسلام فاعتبر المرأة إنساناً لها مكانتها ورفع من شأنها وأعطاها حقوقها ما هضمها حقها قط، بل إنها عنصر فعال في المجتمع لا يمكن الاستغناء عنه ولذلك قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 228] أي مثل ما للرجال بالمعروف للمرأة كذلك لهن من المعروف وقال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 19] والنبي يقول: ((استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج))، والمراد هنا التشبيه باعوجاج لسانها، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، ((وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن أردت أن تقيمه كسرته وإن تركته لا يزال أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا)) أخرجه البخاري ومسلم.
ولذلك جعل الإسلام المرأة الصالحة خير متاع في الدنيا إن المرأة الصاحلة خير من المال فخير متاع يتمتع به الإنسان في الدنيا وخير شيء يحوزه الإنسان من الفضيلة المرأة الصالحة قال الرسول (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة) أخرجه الإمام مسلم.
ولذلك يأتي في زماننا هذا دعاة يريدون أن يغيروا المرأة إلى الحالة التي كانت عليها في الجاهلية، فالمرأة قد كرمها الإسلام فهم يريدون أن يجعلوها أيضاً من سقط المتاع، يريدون أن يستمتعوا بها، ولذلك نجد اليوم من يدعو إلى أن تكشف المرأة حجابها تكشف عن سوأتها تتبرج وتمشي في المجتمع سافرة، ونسمع من يدعو بهذه الدعوة أن خروج المرأة من بيتها سافرة يعتبر نوعاً من التحضر، ولذلك سموها بدعوة تحرير المرأة وكذلك باسم إعطاء المرأة حقوقها أو المحافظة على حقوق المرأة، وكذلك نسمع من يرفع عقيرته بالصراخ ليقول لنا: إن المجتمع اليوم يتنفس برئة واحدة، لماذا لا نرى المرأة اليوم مزاحمة مع الرجال، وكذلك منهم من يقوم إن نصف المجتمع معطل هذه كلها دعوات لها أغراض خبيثة إنها ليست عفوية إنما هي مخطط لها من قبل أساطين الكفر واليهود والنصارى هكذا قال اليهود في بروتوكالاتهم التي سموها بروتوكولات حكماء صهيون فيقولون بالنص ما معناه قالوا: يجب أن نكسب المرأة يجب أن نكسب المرأة، أي في كل لعبة نلعبها في أي مجتمع يجب أن نكسب المرأة فإنها في أي يوم مدت إلينا يدها ربحنا القضية أي قضية إفساد الشعوب.
وقد قال أحد اليهود قديماً من الذين تخصصوا وتفننوا في إفساد الشعوب الإسلامية ماذا قال: إن مكسبنا في الشرق لا يمكن أن يتحقق إلا إذا خلعت الفتاة المسلمة حجابها، فإذا خلعت الفتاة المسلمة حجابها كسبنا القضية واستطعنا أن نستولي على الشرق.
وقال أحد قادة الماسون قال: كأس وغانية يفعلان بالأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع ودبابة فأغرقوها، أي أمة محمد أغرقوها في حب المادة والشهوات. واليوم أساطين الكفر العالمي في كل بلد إسلامي وفي كل بلاد وجد فيها مسلمون ماذا يقولون؟ يقولون: إنه لا يمكن بناء التنمية الاقتصادية في البلاد إلا إذا حررنا المرأة، ولا ديمقراطية إلا بتنمية، ولا تنمية إلا بتحرير المرأة، هذه هي دعوة اليهود والنصارى ينادي بها أقوام من جلدتنا، يتكلمون بألسنتنا تعرف منهم وتنكر، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ولذلك حتى نتدارك الأمور لا بد أن نعلم ما هي الدعوة التي ينادي بها هؤلاء لإفساد المرأة كي نضع النقاط على الحروف وتجري الأمور لتعلموا بأن الهدف من وراء ذلك أولاً إفساد المجتمع الإسلامي عن طريق إفساد المرأة لأن المرأة هي الأم وهي الزوجة وهي البنت وهي الأخت وهي التي تربي الأجيال فمتى ما فسدت فسد المجتمع لأنها بفسادها تصطاد الشباب بحبائل الشيطان ماذا يريد هؤلاء من دعوتهم لتحرير المرأة أو بما يسمونه زوراً وبهتاناً وكذباً وافتراء بإعطائها حقوقها؟ ماذا أرادوا من هذه الدعوة؟ أرادوا من المرأة أن تكون متاعاً، أرادوا من المرأة أن تكون سافرة خلعت ربقة الحياء من عنقها، أرادوا من المرأة أن تكون عارية كاشفة مائلة مميلة رأسها كسنام البخت تمشي بين الناس لتصطاد شباب الإسلام بحبائل الشيطان فتغريهم بمظهرها الفاتن فإن الله سبحانه وتعالى قد جعل الميل بين الجنسين بالتكوين الحيوي عميقاً جداً ولذلك الإسلام وضع للمرأة قيوداً حتى لا يفسد المجتمع إنهم يريدون منها انتهاك عرضها ويريدون منها أن تكون متاعاً رخيصاً في سوق الدعاية نخاسة العصر تباع بأرخص الأثمان كما يباع الرقيق والعبيد في سوق النخاسة ولذلك هم إلى جانب هذه الأمور يتبنون إفسادها عن طريق الإعلام الفاسد هذه الصحف التي تدخل كل البلاد التي فيها المسلمون والتي يعيش فيها المسلمون صحف كثيرة تعد بالمئات بالآلاف إذا ما عدت على مستوى البلاد التي يعيش فيها المسلمون صحف تدخل حتى السياسية منها فالهدف منها إفساد المرأة وإفساد المجتمع تجد على كل غلاف صورة امرأة فاتنة يختارون أجمل امرأة توفرت فيها مواصفات الإغراء والإثارة الجنسية كاشفة شعرها ونحرها وجيدها ووجهها وكذلك أيضاً شيء من مفاتنها المغلظة فيعدونها لكي يفسدوا المجتمع.
والأقلاك كذلك إنما سخرت لهذه المهمة، والمسلسلات كذلك سخرت لهذه المهمة ففي دراسة أجريت على 500 فيلم تبين أن موضوع الحب والجنس يشكل اثنين وسبعين بالمئة حتى الأفلام التي صمموها للأطفال سخروها لإفساد الأطفال عن طريق المرأة في دراسة أجريت على الأفلام التي تعرض في كل القنوات العربية الفضائية اليوم تبين أن تسعة وعشرين وستة من عشرة في المئة من هذه الأفلام أي أفلام الأطفال حتى الكرتونية منها تتناول موضوعات جنسية وخمس عشرة في المئة تدور حول الحب الشهواني العصري، يريدون كذلك أن يفسدوا أبناء الأمة الإسلامية من الصغر ولذلك أكثر الشباب المراهق والفتيات المراهقات تعلمن سوء الأدب وقلة الحياء وتعلمن الممارسة الجنسية عن طريق هذه الأفلام الداعرة والمسلسلات الهابطة والتمثيليات المبتذلة، والتي ليس هدفها إلا إفساد الشباب المسلم، وكذلك أيضاً فنون الدعارة والتقبيل، وكذلك الحب والمغازلة والإثارة الجنسية التي يشكو منها المصلحون والمنتشرة بين أوساط الشباب الجامعي على وجه الخصوص، من أين تعلمها؟ من هذه هذه الأفلام التي تقدم النساء الداعرات الفاسقات الفاجرات لإفساد شباب الإسلام، وكذلك الدعاية وما أكثرها في كل قناة من القنوات المتلفزة العربية، تجد أن نسبة ثلاثين في المئة منها للدعاية في الإعلانات التي تقدم لإفساد الشباب لأن 90 من هذه الإعلانات إنما تقدمها المرأة بكل إثارتها الجنسية، والهدف المقصود من وراء ذلك معلوم، فقام أحد الباحثين بدراسة حول أحد البرامج المتلفزة فتوصل إلى النتائج الآتية: ثمانية وتسعون وستة من عشرة في المئة من الأطفال يشاهدون من الإعلانات التي تقدمها النساء بإثارة جنسية، يشاهدون أطفال المسلمين بصفة دائمة ويجدون استمتاعاً ولذة على مرأى ومسمع من الوالدين، ستة وتسعون في المئة من الأطفال يحبون الإعلانات التي فيها حركات المرأة المثيرة بحركات مقصودة جنسية، بل يحفظون نفس النصوص التي تقدمها هذه المرأة المثيرة جنسياً، وأحد الباحثين اعتمد على تحليل يتضمن 356 إعلاناً تلفزيونياً من كثير من القنوات العربية بلغ إجمالي تكرارها أي تكرر على مدار تسع مرات في اليوم من خلال تسعين يوماً فقط، أي على مدار ثلاثة أشهر كررت هذه الإعلانات المثيرة جنسياً في كل القنوات العربية بمعدل 3409 مرة، إذ الهدف المقصود مخطط رهيب من قبل اليهود والنصارى لإفساد أجيال الأمة الإسلامية، وتوصل إلى الآتي استخدمت صور المرأة وصوتها في 300 إعلان من بين 356 إعلان، 42 من الإعلانات التي قدمتها المرأة لا تخصها، مثال على ذلك إطار سيارات تقدمه امرأة، جزمة من جزمات الرجال تقدمه امرأة، عمامة أو شماع أو ثوب رجالي تقدمه المرأة، هل يخصها هذه الأشياء؟ لا يخصها، إنما القصد من وراء ذلك استخدامها سقط متاع لكي تصطاد الرجال بحبائل الشيطان.
51 من الإعلانات تعتمد على حركة جسد المرأة المثيرة بحركة تنم عن خبث لا تفعله إلا العاهرات الفاجرات.
12 من الإعلانات استخدمت فيها ألفاظ خبيثة مبتذلة القصد منها كذلك نشر الإباحية والفوضى الجنسية بين أوساط المسلمين.
هذه هي دعوة تحرير المرأة فهل نعيها ونتنبه لها؟ إننا إن سكتنا عن هذه الدعوات ولم نقاومها، ولم نتصدى لها بقوة فإن النتيجة الحتمية ستكون معروفة كما قال تعالى واتقوا فتنة لا تصدَّ الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب [الأنفال: 25].
أقول ما تسمعون وادعوا الله واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
فإن هذا الداء الذي يسري في الأمة الإسلامية كسريان النار في الهشيم داء عضال، وسم زعاف قاتل لا بد أن نبحث عن العلاج الناجع لهذا الداء ومثله من الأدواء، حتى نكون على حصانة من أمرنا وبينة من أمر ديننا، حتى لا نؤخذ على غرة من أمورنا فإن المحافظة على الدين واجب على كل مسلم آمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً، إن العلاج لمقاومة هذه الدعوات الماجنة التي تأتينا بعبارات مبهرجة وبألفاظ براقة، وكشعائر مزيفة، هذه الدعوات إنما يكون علاجها وعلاج تلك الظواهر السيئة في المجتمع يكون بالعودة الصادقة إلى الإسلام إن المرأة كما قال الله سبحانه وتعالى مبيناً علاجها في القرآن حفاظاً لها وصوناً لكرامتها وعفتها حتى لا يخدش حياءها قال تعالى آمراً للمرأة وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الاْولَى وَأَقِمْنَ الصلاةَ وَءاتِينَ الزكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب: 33]. ويقول الله لنبيه يأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لاِزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب: 59]. ويقول الله سبحانه وتعالى يانِسَاء النَّبِىّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً [الأحزاب: 32] يطمع الذي في قلبه مرض أي مرض الشهوة بفساد القلب فإذا فسد القلب وتعلق بالمرأة فإنه لا ينظر إلى أي شيء إلا عن طريق المرأة الماجنة الفاسدة، ولذلك صيانة للمجتمع وضع الإسلام بعض القيود التي تحصن المجتمع من عوامل التخريب والفساد منها:
غض البصر من الجنسين قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذالِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءابَائِهِنَّ أَوْ ءابَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى الإِرْبَةِ مِنَ الرّجَالِ أَوِ الطّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْراتِ النّسَاء وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 30، 31]. وليضربن بخمرهن على جيوبهن أي محتجبات محتشمات لا يخرجن من بيوتهن إلا لضرورة وقال تعالى وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب: 53]. أطهر للجميع الرجال والنساء هذه القيود التي وضعها رب العالمين، خلقنا وهو أعلم بأنفسنا من أنفسنا أعلم بما يصلحنا من أنفسنا والله يعلم وأنتم لا تعلمون، الإنسان بطبيعته لا يعلم ما ينفعه وما يضره إنما جاء الإسلام ليبين له النفع والضرر أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك: 14]. ءأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة: 140]. ثم بعد ذلك يأتي أفراد ممن هم امتسخوا عن الدين فيرفعون هذه الشعارات فيجدون بعد ذلك رواجاً وتأييداً لهم من بين المسلمين أو الذين ينتسبون إلى الإسلام إنها والله لكارثة فادحة ومصيبة عظمى وما نملك إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.
لكن المسؤولية تقع على الجميع.
أولاً:تقع على الآباء والأمهات فإنهم الذين يرعون أبناءهم، الطفل سواء كان ذكراً أو أنثى رعايته يجب أن يكون من البيت ولذلك قال : ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته.والإمام المراد به الحاكم والرجل راع في بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)).أخرجه البخاري ومسلم.
الثاني:كلنا أفراداً وجماعات مسؤولون فإننا إذا لم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر عمنا الله بعقاب من عنده مهما دعوناه لا يستجاب لنا، فلذلك الاستجابة لله ورسوله فيما فيه نفع لنا وحياة لنا وخير لنا أمر مطلوب كما قال تعالى يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْء وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال: 24، 25].
الثالث: مسؤولية العلماء النصح والتوجيه والصدع بالحق وإرشاد الناس إلى الدين وتبصيرهم بما أمر الله به حتى يقفوا عند الحدود التي أمر بها الله ورسوله، كي يعيش الناس جميعاً يتفيّؤون تحت ظلال رحمة الكتاب والسنة، هذه هي مسؤولية العلماء لو سكتوا عنها أي جناية تلحق البشرية بسكوت العلماء
يا معشر القراء يا ملح البلد .. ما يصلح الملح إذا الملح فسد
الرابع : إليك أيتها الأخت المسلمة أوجه ندائي، فإنك أنت المعنية، أنت الهدف، أنت المقصد الذي من ورائه يصيب عدونا أكباد أجسامنا، بهذه السهام الخبيثة يستطيع أن يقضّ من مضاجع الأمة الإسلامية العدو عن طريقك أيتها الفتاة المسلمة، صوني عرضك، ولا تكوني مغفلة يخدعونك بكلمات معسولة، هؤلاء الذئاب البشرية هدفهم أن يخرجوك من بيتك لكي تكوني متعةً لهم يستخدمونك حتى تكوني وسيلة من وسائل هدم الدين الإسلامي والأسرة والمجتمع في كل مجتمع طاهر نظيف.
خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء
فلا تغتري بالثناء.فإن الثناء كل الثناء أن تكوني بحشمتك وعفافك، وصوني عرضك واحتجابك واحتشامك وتمسكك بكتاب ربك وسنة نبيك ، هذا هو الخير لك، واعلمي أيتها الأخت المسلمة أنك أم لأجيال، زوجة للرجال الأفذاذ، أخت للعظماء، كذلك أنت بنت للصالحين في كل مجتمع فإن من السوء والعار عليك أن تكوني أمة للفساق وزوجاً للمفسدين في الأرض فأنت كما قال الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
فتمسكي بما أمرك الله به وصوني نفسك، فإنك بصيانتك لنفسك تصونين المجتمع من كل عوامل الهدم والتخريب والفساد.
ـــــــــــــــــــ(68/283)
دعوة للإصلاح
...
...
2089
...
الأسرة والمجتمع
...
...
قضايا المجتمع
...
أحمد بن محمود الديب
...
...
العين
...
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- حاجتنا إلى صلاح ذات البين. 2- الأمة المسلمة كما أرادها الله. 3- تكاتف المسلمين وترابطهم. 4- أمور مطلوبة في مجتمعنا.
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الأخوة الكرام الأحبة، أشكر الله تعالى على أن جمعني بكم في هذا الجمع المبارك، والفضل لله تعالى. وكلمتي معكم في هذا اللقاء هي دعوة للتعاون والمودة والإصلاح، وما أحوجنا إلى التعاون وما أشدَ حاجتنا إلى الإصلاح.
ما أحوجنا إلى التعاون وقد استبد بكثير من المسلمين الأنانية وتغلبت عليهم المصالح الشخصية، وحصروا أفكارهم في قضاياهم الذاتية فضاق أفقهم وضاقت أخلاقهم، وما أحوجنا إلى الإصلاح وقد كثر الاختلاف في الآراء وامتلأت كثيرٌ من القلوب بالشحناء والبغضاء، واستحكم بين كثير من المسلمين الخصام والعداء، ما أحوجنا إلى أن نمضي إلى مرضات الله عز وجل متعاونين وأن نسعى بين إخواننا مصلحين، ما أحوجنا إلى أن نربط بين القلوب بآصرة الأخوة والمحبة الإيمانية، ما أحوجنا إلى أن نحكم لُحمةَ الصفوفِ بالأخوة والتآخي الإيماني الذي يقوم على عقيدة وسلوك سلف أمتنا.
إننا نحتاج إلى أن نتأمل ما أراد الله تعالى لأمتنا، والطريقَ الذي رسمه لها لتصل إلى تلك الغايات العظيمة، إن الله تعالى أراد لأمة الإسلام السيادة والعزة: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَاكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ [المنافقون:8].
وقد بين الله تعالى أنه لا عزةَ إلا بالوحدة وأوضح لنا أنه لا وحدةَ بغير أخوة فقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]. ورسم الله تعالى الطريق الذي تتحقق به الأخوة وتحكَمُ به الوحدة فقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10]. وقال تعالى: فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [الأنفال:1].
إنه طريق واضح المعالم لا بد أن ندرك فيه أن الصورةَ التي رسمها الله عز وجل وأرادها لنا هي هذه الصورة المشرقة: إِنَّ هَاذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]. فمثل بها للمجتمع المسلم فيما رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: ((إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ)). فإن البنيان هو التكامل، لا بد أن نعرف ما معنى البنيان الذي أراده الرسول، إن البنيان نظام لا فوضى وإن البنيان تقارب لا تباعد، إنه تواضع لا تكبر، إنه تقديم للمصلحة الجماعية على المصلحة الفردية واعتراف بدور الفرد في الجماعة، إن كل مسلم لبنة في بناء المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية وحيث ما كان ضعفٌ في إحدى اللبنات أو خلل في بعضها أو نشوز في مجموعة منها فإن الأمر والوصفَ لا ينسب لها بل يلحقُ العوارُ والقصور بالبناء كله، ولذلك من هنا ندرك أهمية الطريق الذي نسلك به إلى التعاون نسعى به إلى الإصلاح وتقويم الأخطاء واستكمال النقص وتزين ما قد يكون من خلل أو قصور ثم نتمثل قول الرسول عند البخاري ومسلم عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)) إنه لا انفصام، بل ترابط، إنه لا إهمال بل اهتمام، لا بد أن ندرك هذه المعاني وأن نترسم هذه الطرق التي نصل بها إلى هذا التعاون ونحقق بها الإصلاح فيما بيننا، فإن هذا من أعظم ما ينفع الأمة في وقتها الحاضر الذي كثرت فيه الفرقة بين صفوف أبنائها والخلاف في آرائها والعداوة بين مجتمعاتها إلا ما رحم الله تعالى.
إن من أول هذه الخطوات حق الأخوة وخلق المحبة فهي دليل الإيمان، إن هذا الإيمان يربط بين القلوب ربطاً، ويؤاخى بين النفوس مؤاخاة، إن التحقق الصحيحَ بالإيمان الصادق الكامل يقتضي أن يحب له ما يحبه لنفسه كما جاء في الحديث المتفق عليه والذي بوب له البخاري رحمه الله تعالى باباً بعنوان: بَاب مِنَ الإْيمَانِ أَنْ يُحِبَّ ِلإَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ فعَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّه عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ ِلأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)) فكمال الإيمان أن يمتلأ قلبك حباً لإخوانك في الإيمان لكل منتسب لهذا الدين العظيم، لا بد أن ننظر إلى صورة المجتمع الإسلامي كما بينها الله تعالى في كتابه الكريم بقوله: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9]. فهؤلاء يقدم بعضهم بعضاً في الحوائج وفي الملمات لأن القلوب امتلأت بالمحبة والصفاء.
أيها الأخوة الكرام الأحبة، فلننظر إلى واقع مجتمعاتنا اليوم أين نحن من هذه المطالبة بالمحبة والصفاء مما نراه في واقعنا من صور الشحناء والبغضاء، أما آن لنا أن ندرك أهمية الألفة والمحبة والإخاء، فكيف نحقق التعاون وقلوبنا متنافرة وكيف نصلح والنفوس منقبضة كاشحة، لابد أن ندرك أن أول الخطوات أن نصفي القلوب، أن نطهر النفوس، أن نشيع المحبة والودَ والإخاء الإيماني، إن هذا الطريق ليس سهلاً إلا على من سهله الله عليه ومن ملك الإيمان عليه قلبه ومشاعره، فإذا أحب لا يحب إلا لله تعالى وإذا أبغض لا يبغض إلا لله تعالى، فلا بد أن نجعل هذا المعلم وهذه الحقيقة حيةً في واقعنا نعلمها من حقيقة بواطننا لأنها أمر خفي لا يعلمها إلا الله تعالى الذي يطلع على السرائر ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
الأمر الثاني: الرحمة والشفقة فقد استبد بكثير من مجتمعاتنا معالم الأخلاق المادية التي طغت فيها المصالح فلم يعد أحد يكترث بغيره مع أن الأصل في المسلم أنه يرحم إخوانه ويشفق عليهم ويلتمس لهم المعاذير عملا بقوله: ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحمنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)) [رواه أبو داود والترمذيّ]0 لابد من الشفقة والرحمة لما لها من الأثر العظيم في استدامة المودة بين المسلمين.
الأمر الثالث: خدمة المسلمين وإعانتهم، وهذا يتحلى به من عرف حقوق المسلمين الذين عناهم الله تعالى بقوله: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]. ونحن اليوم نجد صورة لا نحبها في مجتمعاتنا وهي صورة الأنانية التي لا تتفق مع هذه الآية الكريمة ولا تتفق مع ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللّه قَالَ: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ. مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللّهُ فِي حَاجَتِهِ. وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)). فكن في خدمة إخوانك لأن الله تعالى وعد من فعل ذلك أن يكون في عونه.
الأمر الرابع: العفو والستر لأن الإنسان غير معصوم، فإذا وقع المسلم في ذنب يجب علينا أن نستر عليه لأن هذا هو الأصل الأول حتى يبدو منه إصرار على المعصية ومجاهرة بها، أما إذا وقع في معصية ولم يجاهر بها فعلينا أن ننفذ فيه وصية رسول بالستر والنصح وكذلك لحماية المجتمع من إشاعة الفاحشة علينا أن نعمل بتحذير الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ ءامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النور:19].
فما بالنا اليوم نرى الناس لا همّ لهم إلا أن يتكلموا في أعراض إخوانهم، ففلان وصفه كذا وكذا، وفلان وقع في كذا وكذا، وفلان ينتمي لكذا وكذا، وهذا منهجه وصفته ونعته، وبذلك تقطعت الأواصر واختلفت القلوب وكثرت الغيبة والنميمة وشاع بين الناس الفرقة والاختلاف، ومن هؤلاء من ينظرون من خلال منظار أسود لا يرون الحسنات بل يتتبعون العثرات، إن علموا الخير أخفوه، وإن علموا شراً أذاعوه، وإن لم يعلموا كذبوا، فهؤلاء القوم هم من شرار الخلق ويسعون في تفتيت الصفوف وتفريقها وزرع الشحناء والبغضاء بين النفوس والقلوب لأنهم لا يعرفون الستر على المسلم بل يشيعون الفاحشة ويصمون كل مخطأ بخطئه ويشهرن به، فهؤلاء قوم يسعون للفرقة فيجب أن نحذرهم وأن نحذر منهم وأن ننصحهم. لماذا نجرح إخواننا؟ لماذا نهتك أستارهم؟ لماذا نسعى للفرقة؟ ولصالح من يفعل ذلك؟
فالله أسأل أن يملأ قلوبنا بحب إخواننا المؤمنين والرحمة عليهم والشفقة عليهم وأن نندفع في خدمتهم وإعانتهم وأن نستر عليهم وأن نعفو عن أخطائهم، وأن نعمل بقول الله تعالى الذي يدعونا فيه إلى الاعتصام وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً [آل عمران:103].
وأسأله جل وعلا أن يؤلف بين قلوبنا وأن يوحد بين صفوفنا، هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ(68/284)
عقوق الوالدين
...
...
2186
...
الأسرة والمجتمع, موضوعات عامة
...
...
السياحة والسفر, الوالدان
...
سعيد بن يوسف شعلان
...
...
جدة
...
...
...
عمار بن ياسر
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- تعريف العقوق وضابطه وبعض صوره. 2- النصوص تحرم العقوق. 3- الإجازة والسفر للخارج. 4- الإسراف في الحفلات.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فإن عقوق الوالدين من كبائر الذنوب وقد عرفه بعض العلماء بأنه:
صدور ما يتأذى به الوالدين من قول أو فعل، وعرفه بعضهم بأن ضابط العقوق هو أن يحصل للوالدين أو لأحدهما إيذاء ليس بالهين عُرفًا، فسبهما وعصيانهما والتلكؤ في قضاء شؤونهما ومد اليد بالسوء إليهما ولعنهما وغيبتهما والكذب عليهما؛ كل ذلك عقوق ونكران للجميل، وكذلك نهرهما وتوبيخهما وقهرهما والتأفف منهما والتكبر عليهما والدعاء عليهما كأن يقول الابن لوالده: أراحنا الله منك، أو أخذك الله، أو عجل الله بزوالك، كل ذلك عقوق وإثم كبير وذنب عظيم.
وهذا الذي يقع من الأبناء للوالدين تجد الوالدين معه يكرهان الحياة، يود أحدهما أن لم يكن له ولد وأنه كان عقيمًا، فبعض الناس لا يكتفي بالتقصير في حق والديه بما مضى ذكره من الإساءة، بل يسوؤهما بما يسمعهما وتضيق معه صدورهما، وينكد بذلك عليهما معيشتهما.
فعقوق الأبناء تئن له الفضيلة، وتبكي له المروءة، وتأباه الديانة، ولا يرضى به العاقل فضلاً عن المتدين لأن فعله منكر عظيم.
وقد لا يسب العاق والديه مباشرة ولكن يسب أبا هذا وأم هذا؛ فيسبون أباه وأمه كما أخبر رسول الله وأخبر أن ذلك من العقوق ومن الكبائر: أن يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه أو يسب أمه، ويصبون على والديه من أجل ذلك اللعنات أضعاف ما صدر منه، والبادي هو الظالم. إذ هو الذي جلب لوالديه السب واللعن، وما أكثر السب والشتم واللعن في وقتنا هذا! وما أسهله عند الناس! وما أكثر الاحتقار للوالدين في البيوت والأسواق وفي كل محل -نسأل الله العافية-.
ولقد حرم الله تبارك وتعالى في سورة الإسراء عقوق الوالدين ولو بأن يقال لهما أدنى ما يمكن أن يعبر به عن الإمتعاض وعدم الرضى، ولو بأن يقال لهما أُف. حرم ذلك فقال: فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا [الإسراء:23].
ومما جاء في السنة المطهرة من بيان جرم العقوق وقبحه وإثمه، ما رواه البخاري وغيره عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي قال: ((إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعًا وهات، وكره لكم: قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)).
وروى البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثًا: قلنا بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس وقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور)) فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.
فكما شفع الله الأمر بتوحيده بالأمر ببر الوالدين كذلك شفع النهي عن الإشراك به بالنهي عن عقوق الوالدين، وفي ذلك دلالة واضحة على جرم العقوق وقبحه وإثمه.
نسأل الله تعالى الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد، ونسأله شكر نعمته وحُسن عبادته، ونسأله أن يغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمته، إنه هو أرحم الراحمين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن إلا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله خاتم الأنبياء وإمام المرسلين. اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ثم أما بعد:
فإنه من اللازم والضروري حتمًا التنبيه على ما يقع من بعض الناس في هذه الأيام من الأمور التي لا يصح وقوعها من المسلمين الذين شرفهم الله وأنعم عليهم بالهداية إلى هذا الدين القيم.
فبعض الناس بمجرد انتهاء اختبارات الطلاب يقبلون على السفر إقبالاً شديدًا، وبعضهم يُسرف في الإنفاق على إقامة الاحتفالات بمناسبة النجاح والزواج، ولا ريب أن السفر في حد ذاته ليس أمرًا معيبًا؛ فإن في السفر فوائد جمة عظيمة لا سيما إن كان السفر سفر طاعة، كأن يكون لطلب علم أو صلة رحم أو لقصد بيت الله الحرام بالحج أو العمرة أو نحو ذلك من الأمور المرضية شرعًا.
وأما أن يكون السفر للترويح عن النفس بأمور لا يتمكن من نيلها في هذا البلد، وهي أمور لا تحل شرعًا فإنه حينئذ يكون سفر معصية.
ويلاحظ ذلك من المسافرين حينما يصلون إلى جهاتهم التي قصدوها بالسفر، وهذا هو الغالب -والله أعلم- وقوعه من الناس في هذه الأيام إلا ما رحم ربي، فتجد نهارهم قد انقلب إلى ليل، فنهارهم نوم وليلهم سهر تؤتى فيه المحرمات والمنكرات، وتُضيع فيه الصلوات، ويُشرب فيه ما حرم الله من المسكرات، ويتساهل أثناءه في التبرج والاختلاط، ويُشتغل فيه بحظوظ النفس العاجلة والشهوات عما خلق الله العباد لأجله من معرفته وعبادته.
فيا أيها الناس:
وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [البقرة:281].
ورحم الله القائل:
وا حسرتي، وا شقوتي من يوم نشر كتابيا.
واطول حزني إن أكُن أوتيته بشماليا.
وإذا سئلت عن الخطأ ماذا يكون جوابيا.
وا حرّ قلبي أن يكون مع القلوب القاسية.
وإما الإسراف في الإنفاق في إقامة الاحتفالات بمناسبة النجاح والزواج حتى إنك لتجد بعض الناس يقيمون حفلاً بمناسبة نجاح طفلة في السنة الثانية من المرحلة الابتدائية، فيقدمون إلى الناس بطاقات للدعوة أشبه ما تكون ببطاقات الدعوة إلى الزواج، ويقام الحفل في محل كبير.
وكان الأولى أن يقدم إلى هذه الطفلة هدية، وأن يُدعى لها بالنجاح الدائم والفوز، وأن يبارك من حولها هذا النجاح، وأن يشعروها بأنها قد أدت عملاً عظيمًا لا سيما إذا كانت متفوقة في العلوم الشرعية، محافظة على صلاتها، متقية لما نهى الله تبارك وتعالى عنه، وذلك لا يتأتى طبعًا إلا بتوجيه الوالدين وحُسن التربية والتنشئة.
أما هذا، فإن الإنكار عليه لازم، ولا يُستحيا في أن يُنكر على من يفعلون هذا الفعل، الإسراف في الإنفاق في إقامة الاحتفالات منكرٌ أيضًا؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل المسرفين إخوانًا للشياطين فقال في سورة الإسراء: وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبّهِ كَفُورًا [الإسراء:26-27].
فاعلموا أيها الناس: أن المال ينبغي أن ينفق في طاعة الله وفي مراضيه، وأن يُربأ به عن الإنفاق في مساخطه سبحانه. بل ينبغي أن يُسرف في مواساة الحاجات وسد الخلات وتفريج الهموم والكربات، وإعداد العدة لما أمرنا الله أن نستعد له من مواجهة الأعداء والاستعداد والتجهيز لذلك، هذا ما ينبغي أن ينفق فيه المال وإلا كان الحساب عليه عسيرًا وشديدًا.
فيا أيها الناس:
إن الله قد جعل لحياتكم أجلاً معلومًا، إذا بلغتموه فلن تتأخروا أو تتقدموا عنه ساعة، كما قال الحسن البصري رحمه الله: لم يضرب الله للناس أجلاً دون الموت، حتى يقول الناس نتوب إذا ما بلغنا أو تزوجنا أو حججنا أو نحو ذلك مما يقوله الناس. فإن الله عز وجل لم يُحدد للناس أجلاً قبل الموت. حتى إذا ما بلغوه تابوا عما وقع منهم وعما سلف منهم، واعتذروا وعادوا إلى الله. لا. ضرب الله لحياتنا أجلاً إذا بلغناه فلن نستطيع أن نتأخر أو نتقدم عنه ساعة.
فالسعيد حقًا هو من صبر في هذه الدنيا على التكاليف التي جعلها الله في طوقنا وفي قدرتنا فقال: لاَ يُكَلّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286]. فالسعيد هو من صبر على هذه التكاليف، وصبر على الطاعات، وصبر على المعاصي حتى يفوز برضى الله في الدنيا وفي الآخرة.
فيا أيها الناس عليكم بمعرفة الله عز وجل من خلال كتابه وسنة رسوله والآيات المبثوثة في الكون، فإن معرفة الله عز وجل سببٌ للخيرات كلها وسببٌ لسعادة العبد في الدنيا والآخرة، والجهل بالله سبحانه سبب للكفر والفسوق والعصيان، نعوذ بالله من الجهل به ومما ينشأ عن ذلك الجهل.
تعرفوا على الله من خلال كتابه، اقرءوا قوله تعالى في سورة الروم: اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مّن شَىْء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الروم:40].
وتعرفوا على الله من خلال سنة رسوله فإن النبي يقول في الحديث الصحيح: ((يطوي الله سبحانه وتعالى السموات يوم القيامة بيمينه ويقبض الأرض بشماله ويقول: أنا الملك. أنا الجبار أين ملوك الأرض، أين الجبابرة)).
هذا يلقي في قلوبكم محبة الله عز وجل وتعظيمه وتوقيره، ويعرفكم أنكم مراقبون وأنكم واقعون تحت سمعه وبصره، ليس كمثله شيء، ليس كمثل سمعه وبصره سبحانه سمعٌ ولا بصر، بل ليس كمثله في أسمائه وصفاته وألوهيته وربوبيته شيء وهو السميع البصير سبحانه.
وإياكم والجهل بالله تبارك وتعالى فإنه يوقعكم في المهالك ويودي بكم في الردى فتندمون أشد الندم على جهلكم يوم لا ينفع ندم، يوم لا ينفع ندم ولا ينفع إلا الصدق والإيمان والطاعة والخوف والوجل والإشفاق من الله عز وجل والإنابة والتقرب إليه بما يحب ويرضى
ـــــــــــــــــــ(68/285)
الإصلاح بين الناس
...
...
2242
...
الأسرة والمجتمع
...
...
قضايا المجتمع
...
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
...
...
الرياض
...
17/8/1422
...
...
جامع الإمام تركي بن عبد الله
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- الأخوة الإيمانية. 2- الخلاف أمر طبيعي. 3- فضل الإصلاح بين الناس. 4- دعوة النبي إلى الإصلاح بقوله وفعله. 5- الإصلاح بين الزوجين. 6- الإصلاح بين الأرحام. 7- الإصلاح بين الجيران. 8- الإصلاح بين الشريكين والمتبايعين. 9- الإصلاح بين فئات المسلمين. 10- جواز الكذب لأجل الإصلاح. 11- المصلح بين الناس بماله له حق في الزكاة. 12- إصلاح الله عز وجل بين المؤمنين يوم القيامة.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، بَيْن أمة الإسلام الأخوة الإيمانية، الأخوة الصادقة، أخوة الإيمان، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، صلةٌ بين أمة الإسلام لا تنقطع، وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ [التوبة:71]، وفي الحديث: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر))[1].
أيها المسلمون، والخلاف بين المسلمين أمر طبيعي؛ لاختلاف أخلاقهم، وتباين أفكارهم، وقوة مداركهم من ضعفها، فيقع النزاع بين الأب وأبنائه، بين الزوج وزوجته، بين الأخ وإخوانه، بين الجيران بعضهم بعضاً، بين الإنسان وشريكه في البيع، بينه وبين صديقه، وبينه وبين شريكه في التجارة، وقد يكون بينه وبين موظفيه ومَنْ تحت يده في العمل.
هذا الاختلاف يقع أحياناً لاختلاف وجهات النظر، وربما تطوّر إلى أن تتخذ موقفاً خاصاً، وربما يكون سبب الخلاف والنزاع سعي الوشاة والنمامين، الذين يحبون أن يفرقوا بين المرء وزوجه، وبين الأخ وأخيه، وبين الصاحب وصاحبه، وبين الشريك وشريكه، إلى غير ذلك؛ لأن قلوبهم المريضة تسعى بالنميمة للتفريق بين الناس.
والإسلام لم يدع هذا الخلاف يتسع نطاقه، بل سعى في تضييقه، وعلاجه، ورفعه إن أمكن، ولذا شرع الإصلاح بين الناس، وحثّ عليه، ورغّب فيه، وأخبر أنه خير ما يتناجى فيه المتناجون، سواء كان هذا الإصلاح بين الزوجين، أو بين الأفراد، أو بين المجموعة، قال تعالى: لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114].
فتأمل – أخي – قوله: لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ، فالنجوى بين الناس لا خير فيها إلا ما استثناه الله، إلا نجوى تأمر بصدقة، أو معروف، أو إصلاح بين الناس، تناجي أخاك لتأمره بالصدقة والإحسان لعباد الله، أو تأمره بالمعروف، أو تصلح بين الناس، وأن هذا الإصلاح بين الناس يكون لأجل الله، فالمصلح مخلصٌ في سعيه، يريد به وجه الله والدار الآخرة، وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114].
أيها المسلم، ورسول الله يدعو إلى الإصلاح بين الناس بقوله وفعله.
فأما قوله فيقول : ((يصبح على كل سلامى من الناس صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس، تعدل بين اثنين صدقة)) [2]، أي تصلح بينهما، فإصلاحك بين اثنين متنازعين صدقة منك على نفسك.
ويرغب في أمر الإصلاح بين الناس، فيجعله أفضل من نوافل الصدقة، ونوافل الصيام، ونوافل الصلاة؛ لأن هذه أعمال خاصة بك، وذاك مصلحة عامة، فيقول : ((ألا أدلكم على ما هو أفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟! إصلاح ذات البين)) [3].
ويقول لأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: ((ألا أدلك على التجارة النافعة؟! تصلح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقرب بينهم إذا تباعدوا))[4].
وأما فعله فتقاضى كعب بن مالك من ابن حدرد ديناً عليه في مسجده ، وارتفعت أصواتهما، فخرج عليهما وقال: ((يا كعب))، وأشار بيده فرضي بذلك كعب[5]. وخرج ليصلح بين فئتين من الأنصار اختصمتا، فخرج فأصلح بينهما[6].
أيها المسلم، تخلّق بخلق الإصلاح بين الناس، وكن مصلحاً بينهم على قدر استطاعتك.
فأولاً: النزاع بين الزوجين، النزاع بين الزوجين يهدِّم كيان الأسرة، وربما أدّى إلى الطلاق والفراق، وتشتت الأولاد وضياعهم، إذاً فالإصلاح بينهما مطلوب، والله يقول: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128]. فتصلح بين الزوجين، ولا سيما إن كنت من أقاربهما، فالإصلاح بينهما، والبحث عن مصدر الانشقاق والنزاع وعلاج القضية بما يدل عليه الكتاب والسنة، ويكون صلحك منفعةً للزوجين، لا تفضل أحدهما على الآخر، بل تعدل في إصلاحك بينهما، فَمَن مِنْه الخطأ والتقصير تحاول حثّه على تجنّب ذلك التقصير والخطأ حتى تقرّب وجهة الزوجين فيما بينهما. وعلى ضدّ ذلك السحرة وأعوانهم قال تعالى: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْء وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102]، وفي الحديث: ((لعن الله من خبّب امرأة على زوجها))[7]، فالمصلح بين الناس هو بخلاف أولئك، يسعى لتقريب وجهة الزوجين بعضهما مع بعض.
الإصلاح بين الأب وأولاده، قد يكون بين الأب وأولاده شيء من الاختلاف والنزاع، فلا بُدّ من إصلاحٍ بينهما، حث الأولاد على بِرّ الأب، والإحسان إلى الأب، والقيام بحقه، ثم الالتفات إلى الأب إن يكن هو سبب النزاع والشقاق حثّه على القيام بالواجب، والعدل بين الأولاد، والبعد عن ما يسبب القطيعة فيما بينهما.
الرحم، تُصلح بين الأرحام، وتوفّق بينهما، وتحاول جاهداً أن تبذل النصيحة لكل من الرحم، وتذكّرهم صلة الرحم، وأهميتها، وأنها من واجبات الإسلام، وأنهما مما يحبه الله ويرضاه، وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوء الحِسَابِ [الرعد:21]. فتحاول جاهداً الإصلاح بينهم، ولذا أمر أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن لا يُفصَل بين الأرحام في الخصومة؛ لأن الفصل يحدث الضغائن، وقال: (اتركوا الأرحام حتى يصطلحوا)[8].
أيها المسلم، وينشأ الخلاف بين الجيران أحياناً، فلا بد من إصلاح بينهما، وبحث المشكلة التي سبّبت هذا النزاع، وتذكير الجيران بحق الجوار، وما أمر الله به من إكرام الجار، والنهي عن أذاه، فعسى أن يوفق في ذلك.
الشريك مع شريكه ربما اختلفَا، وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ الْخُلَطَاء لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ [ص:24]. فتسعى بين الشريكين، وتصلح بينهما، وتحلّ هذا النزاع وهذا الإشكال.
المتبايعان قد يختلفان، ولكن يصلح بينهما من وُفّق للخير، فيقضي على النزاع في مهده، حتى لا تقوى المشاكل وتكثر.
أيها المسلمون، الإصلاح بين فئات المسلمين مطلوب، يقول الله تعالى: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُواْ الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىء إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9].
فالمصلح بين فئات المسلمين، يلتزم العدل في صلحه، لا ليضرّ هذا، وينفع هذا، ولكن ليقرب وجهات النظر، ويزيل الإشكال، ويحل النزاع، ويوفق بين الطائفتين.
إن الإصلاح بين الناس يسعى فيه ذوو الهمم العالية، والنفوس الطيبة التي تحب الخير للمسلمين، تحب لهم الخير، وتكره لهم الشر، أما أولئك الذين يوقدون نار الفتنة، ويفرقون بين الأحبة، ويسعون بالنميمة، ولا يدعون فرصة فيها إلحاق الأذى بالناس إلا فعلوه، فأولئك قلوبهم قلوب مريضة، وقلوب مليئة بالحقد والكراهية للإسلام وأهله.
أما المؤمنون فهم أهل إصلاح وتوفيق بين الناس، يبتغون بعملهم وجه الله، ويرجون به التقرب إلى الله.
أيها المسلم، إن المسلم يسوؤه أن يرى بين مسلمَيْن نزاعاً، وأن يرى بينهما خصومة واختلافاً، ولهذا النبي يقول: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) قالوا: يا رسول الله، ننصر أخانا مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال: ((تكفّه عن الظلم، فذاك نصرك إياه))[9].
أيها المسلم، الكذب من كبائر الذنوب، إِنَّمَا يَفْتَرِى الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النحل:105]. ولكن مع كون الكذب هذا أمره، أبيح الكذب لأجل الإصلاح بين الناس، فإذا لم يكن وسيلة سوى الكذب في التقريب بين المسلمين، جاز استعمال الكذب لأجل الإصلاح، يقول : ((ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فيقول خيراً أو ينمي خيراً)) [10].
وفي حديث أم كلثوم أنها قالت: (لم يرخّص النبي فيما يقول الناس إلا في ثلاثة: في الحرب والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها) [11]، فهذه خصالٌ الكذب فيها مباح لأنه يُتوصل به إلى الخير.
أيها المسلم، المصلح بين الناس يُعطى من الزكاة، وجعل له نصيب من الزكاة، فإن الله يقول في المستحقين الزكاة: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرّقَابِ وَالْغَارِمِينَ [التوبة:60]، فالغارمون لهم نصيب من الزكاة، من غرم لأجل مصلحة الآخرين، وتحمّل ديوناً لأجل التوفيق والإصلاح بين الفئات المتنازعة، فإن ديونه التي تحمّلها تُقضى من الزكاة ولو كان غنياً، لأنه بذلها في مصلحة عامة للأمة، ولذا قال الله: وَالْغَارِمِينَ أي ويعطى الغارمون من الزكاة، لأجل ما غرموا وتحمّلوا لأجل مصلحة الإصلاح بين الناس.
فكن – أخي المسلم – ساعياً للإصلاح، فلعلك أن توفق وتردأ الصدع، وتحقق المودة بين الأمة، فتفوز بالخير.
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري في الأدب [6011] ، ومسلم في البر [2586] من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
[2] أخرجه البخاري في الصلح [2707]، ومسلم في الزكاة [1009] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.
[3] أخرجه أحمد [27508]، وأبو داود في الأدب [4919]، والترمذي في صفة القيامة [2509] من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، وقال: "حديث صحيح" . وصححه ابن حبان [5092]، والبزار كما في نصب الراية (4/354)، وابن حجر كما في فيض القدير (3/106) ورمز له السيوطي بالصحة، وصححه الألباني على شرط الشيخين، انظر: غاية المرام [414].
[4] أخرجه البزار (2/441 ـ كشف الأستار ـ)من حديث أنس، وقال: "لا نعلمه يروى عن أنس إلا من هذا الوجه، ولا نعلم حدّث به عن حميد إلا عبد الله بن عمر، ولا عنه إلا ابنه عبد الرحمن، وعبد الرحمن ليّن الحديث، حدّث بأحاديث لم يتابع عليها"، وقال الهيثمي: "رواه البزار وفيه عبد الرحمن بن عبد الله العمري وهو متروك"، وأخرجه أبو داود الطيالسي (1/81) من حديث أبي أيوب، والطبراني في الكبير (8/227) من حديث أبي أمامة بنحوه.
[5] القصة أخرجها البخاري في الصلاة، باب: رفع الصوت في المساجد (2471)، ومسلم في المساقاة، باب: استحباب الوضع من الدين (1558)، من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه.
[6] كما حصل في قصة اليهودي شاس بن قيس لما مرّ على نفر من الصحابة من الأوس والخزرج وهم في مجلس قد جمهم يتحدثون، فغاظه ما رأى من اجتماعهم، وألفتهم بعد الإسلام، فأمر شاباً من يهود وقال له: اعمد إليهم، وذكّرهم يوم بعاث .. القصة، أخرجها ابن إسحاق كما في السيرة النبوية لابن هشام (2/204) وقال: حدثني الثقة، عن زيد بن أسلم قال: مر شاس ... القصة، وهو مرسل، وفيه رجل مبهم، وأخرجها الطبراني (4/16) من طريق ابن إسحاق.
[7] أخرجه أحمد (2/397)، وأبو داود في: الطلاق، باب: فيمن خبب امرأة على زوجها (2175)، والحاكم (2/214) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: ((ليس منا))، وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه"، وأخرجه أبو يعلى (4/303-2413)، والطبراني في الأوسط (2/223-1803) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال المنذري في الترغيب (3/59): "ورواة أبي يعلى كلهم ثقات"، وقال الهيثمي في المجمع (5/265): "ورجال أبي يعلى ثقات"، وصححه ابن حبان (12/430-556 ـ الإحسان ـ).
[8] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (8/303)، وابن أبي شيبة (4/534) بلفظ: (ردوا الخصوم حتى يصطلحوا)، وضعفه ابن حزم في المحلى (8/164).
[9] أخرجه الترمذي في الفتن، باب: ما جاء في النهي عن سب الرياح (2255) من حديث أنس رضي الله عنه وقال: "هذا حديث حسن صحيح". والحديث أصله في البخاري كتاب المظالم والغصب، باب: أعن أخاك ظالماً أو مظلوماً (2444).
[10] أخرجه البخاري في الصلح ، باب: الكاذب الذي يصلح بين الناس (2692) ، ومسلم في البر ، باب: تحريم الكذب وبيان المباح منه (2605) من حديث أم كلثوم رضي الله عنها.
[11] كلام أم كلثوم هذا قالته بعد روايتها للحديث السابق كما في صحيح مسلم ، وقد جعله بعضهم من كلام الزهري.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، الله جل وعلا يصلح بين المؤمنين يوم القيامة، فيعطي صاحب الحق من الثواب ما تطيب به نفسه، فيعفو عن أخيه الظالم له، يُروى أنه كان جالساً بين أصحابه، فضحك حتى بدت ثناياه، فقال له عمر رضي الله عنه: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: ((اثنان من أمتي جثيا بين يدي الله عز وجل، فقال أحدهما: يا رب ؛ مُر هذا فليرد علي مظلمتي، فيقول الآخر: يا رب وقد ذهبت حسناتي، فيقول المظلوم: يا رب حمّله من سيئاتي، فيقول الله للمظلوم: ارفع رأسك، فيرى مدائن من فضة، وقصراً من ذهب موشحاً باللؤلؤ، فيقول: يا رب لمن ذا؟ ألنبي أم لصديق أم ماذا؟ قال: مَنْ ملك ثمنَه، قال: يا رب وما ثمنه؟ قال: تملكه؟! قال: يا رب وما هو؟ قال: تعفو عمن ظلمك، قال: يا رب عفوت عنه، قال: فأخذ بيده، فأدخل الجنة، فبكى النبي ، وقال: إن الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة، فأصلحوا بين المسلمين في الدنيا))[1]، إن ذلك ثواب المصلحين بين الناس، ثواب من عفا عن مظلمة.
فالإصلاح بين المسلمين مطلوب، فربنا يصلح بين عباده، فإذاً فالمسلم يصلح بين إخوانه المسلمين، ويسعى جاهداً في تحقيق هذا، هكذا النفوس الطيبة، والنفوس الأبية التي تحب الخير، وتسعى إليه، وأما ضدهم فيقول فيهم : ((فشر عباد الله المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الحبة، الباغون للبرآء العنت))[2].
واعلموا رحمكم الله أن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ...
[1] أخرجه الحاكم (4/620) من حديث أنس رضي الله عنه بنحوه وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وقال الذهبي: "عباد ضعيف، وشيخه لا يعرف".
[2] أخرجه أحمد (4/227) من حديث عبد الرحمن بن غنم رضي الله عنه، وحسنه الألباني في غاية المرام (434).
ـــــــــــــــــــ(68/286)
الدعوة الأسرية
...
...
2349
...
الأسرة والمجتمع
...
...
قضايا الأسرة
...
حسين بن غنام الفريدي
...
...
حائل
...
4/5/1418
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- توجه النبي بالدعوة إلى خاصة عشيرته قبل دعوته سائر الناس. 2- ضرورة استثمار الاجتماعات العائلية في النصح والإرشاد. 3- كيف ننجح في استثمار هذه الاجتماعات. 4- إيجاد صناديق للتكافل العائلي. 5- نبذ التعصب للأسرة والقبيلة. 6- أسباب تنجح هذا المشروع الدعوي.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70، 71]، قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
عباد الله، لقد كان الحديث في الجمعة المنصرمة عن صلة الأرحام، وأشرنا في ثنايا الحديث عن ما تقوم به بعض الأسر من اجتماع دوري تتحقق من ورائه ثمرات كثيرة وفوائد كبيرة، وقد وعدت أن أتحدث عن جوانب مهمة في هذا الموضوع، فأقول مستعيناً بالله.
روى البخاري ومسلم في صحيحهما أنه لما نزل قول الله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214]، أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد ثم نادى: ((ياصباحاه)) فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه ورجلٍ يبعث رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني لؤي، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح الجبل تريد أن تغير عليكم، صدقتموني؟)) قالوا: نعم، قال: ((فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد))[1].
فها هو محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث للناس كافة، يوجه نداء خاصاً لأهله وعشيرته، استجابة لأمر الله جل وعلا.
عباد الله، إن دعوة الأقارب والأهل والأرحام من البر والصلة، بل هي والله من أبر البر وأحسن الإحسان.
وقل من تجد له عناية بهذا الموضوع، ومن قام به من الناس تجده يفعله بطريقة عشوائية بدون أدنى تخطيط ومتابعة، ولاشك أن العمل المدروس أكثر ثمرة واستمراراً من العمل غير المنظم.
عباد الله، إن استثمار اجتماع الأقارب الدوري بدعوتهم إلى الله له سمات وميزات، تميزه عن الدعوة في أوساط عامة الناس.
منها أن عدد الأفراد الذين يتم الاتصال بهم في الدعوة العائلية عدد كبير مهما صغرت الأسرة، وأن سهولة اللقاء بهم والوصول إليهم متاح بشكل واسع، فهم يزورونه ويزورهم ويقابلهم في المناسبات.
ودعوتهم إلى الله وسيلة يتوقع لها الاستمرار وعدم الانقطاع إذا طبقت بطريقة جيدة خلاف غيرها من الدعوات.
وهو كذلك سبب في تنشيط الصالحين الخاملين في الأسرة وشحذِ هممهم ليقوموا بدورهم في توجيه الناس وإرشادهم.
ثم إن الدعوة العائلية تؤدي بإذن الله إلى استقامة الأقارب الذين تزورهم أنت وأطفالك ونساؤك، فيكون لذلك المردود الإيجابي في إيجاد وسط مستقيم لا تخشى على أسرتك منه، بخلاف ما لو زرت أقاربك في بيوتهم وفيها من أنواع المنكرات ما يكون سبباً لانحراف أطفالك ونسائك عند زيارتك لهم، فتقع إما في القطيعة بهم أو بفساد أسرتك بسبب زيارتهم والاختلاط بهم.
وكذلك ـ أيها الإخوة ـ الدعوة العائلية تيسر التأثير على النساء اللواتي لا يمكن اللقاء بهن ودعوتهن إلا بهذه الطريقة.
عباد الله، يا من تريدون الخير لأهلكم وذويكم، يا من تحبون لإخوانكم ما تحبون لأنفسكم، يا من تطلبون رضا الله، يا من تتقطع قلوبكم لرؤية المنكرات وتتألم نفوسكم لفشو السيئات، يا من تريدون أن تقوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة، يا من تصورتم حرّ الجحيم وارتعدت فرائصكم من ذكر الزمهرير.
لتعلموا أن العمل الدعوي يحتاج إلى وسائل؛ لتكون سبباً في نجاحه بإذن الله، فوسائل الدعوة العائلية كثيرة ومتنوعة، ومن المعروف أن لكل أسرة ما يناسبها، ثم إن الاستمرار في هذا المجال كفيل في اكتشاف وسائل وأفكار جديدة ومؤثرة.
فمن أهم الوسائل في ذلك التنسيق والتخطيط وتحرير الأهداف مع معرفة الوسائل والطرق.
ويبدأ ذلك بالتنسيق بين مجموعة من الكبار في العائلة وإقناعهم بفكرة الدعوة العائلية ومن ثم الاتفاق على ما يكون سبباً في نجاح اللقاء واستثماره.
ومن وسائل نجاح هذا اللقاء تمثيل القدوة الحسنة في أمور الدين والدنيا، فإن الناس لن يتقبلوا الدعوة من شخص فاشل في حياته العملية أو العلمية أو ممن تميز بقصور ظاهر في التزامه الشرعي، فلا بد لمن يتبنى هذا الموضوع أن يجعل من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم زاداً له لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، وعليه أن يوثق الصلة مع أقاربه ويكسب مودتهم بحسن التعامل معهم، وذلك بتوقير كبيرهم وأصحاب الوجاهة فيهم، ويكون ذلك بعيداً عن المداهنة والابتذال.
ومن سبل نجاح ذلك تجديد موعد للقاء العائلي شهرياً أو سنوياً في مكان مناسب للجميع، وذلك لزيادة الألفة والمحبة وتحقيق صلة الرحم والدعوة إلى الله.
ويمكن استثمار هذه اللقاءات بتوزيع الكتب المفيدة والأشرطة النافعة المأذون بها من جهة الاختصاص.
وكذلك دعوة بعض العلماء أو طلبة العلم لإفادة الحاضرين فيما يهمهم في أمور دينهم ودنياهم، ويتم التركيز على موضوعات تهم الأسرة وإصلاح ما ينشر عندها من أخطاء شرعية أو اجتماعية.
وكذلك إعداد المسابقات في حفظ القرآن والمسابقات الثقافية لجميع فئات الأسرة لاستغلال الوقت بالنافع والمفيد ولرفع المستوى الثقافي لأفراد الأسرة.
ويحرص الداعية على تذكير أقاربه بمجالات الخير، كحضور المحاضرات والندوات وتعريفهم بأماكنها.
ويمكن استثمار بعض الوقت بتبادل الأحاديث النافعة والحرص على ما يناسبهم من سرد القصص الموثقة وسير السلف الصالح التي لها عظيم الأثر في تعديل السلوك وصرفهم عن الأحاديث التي تكون سبباً في إثارة النعرات القبلية والتفاخر في وقائع الجاهلية.
وليعلم أن للإحسان إلى أفراد العائلة ومشاركتهم في الأفراح والأحزان ومساعدتهم فيما يحتاجون إليه وإحياء معالم التكافل، إن لذلك الأثر الكبير في إيجاد الحظوة للداعية عند أقاربه مما يجعل كلمته مسموعة.
فيجب على الداعية أن يُعرف بالمواقف المشرفة في علاج الأزمات، وليس بالوعظ والإرشاد فحسب.
ثم إنه ينبغي عدم إهمال الأطفال والمراهقين، فقد قال أحد الحكماء: "أكرم صغارهم يكرمك كبارهم، وينشأ على محبتك صغارهم".
ويكون ذلك بإعداد أنشطة خاصة بهم، يراعى فيها سنهم وميولهم للخروج بأكبر فائدة من ذلك.
ولتعلموا ـ أيها الدعاة ـ أن زيارتكم لأفراد عائلتكم بين الفينة والأخرى زيادة في المحبة وتعميق للروابط، وهذا للأسف يغفل عنه كثير منا لكثرة الأشغال وعدم التفرغ، حتى تسبب ذلك في إيجاد العراقيل والحواجز بين الداعية وأفراد أسرهم.
أيها الإخوة في الله، ولكي يكون هذا المشروع ناجحاً فلا بُدَّ من الدعم المادي، فينبغي توفيره والسعي لتحصيله بالطرق المناسبة وكونه مستمراً غير منقطع.
وإن من أعظم ما تقوم به الأسر إيجاد صندوق للتكافل العائلي يكون الاشتراك فيه ضمن أسس متفق عليها، وتكون مهمة القائمين على هذا الصندوق متابعة أوضاع العائلة واحتياجاتها، كمن يريد الزواج وهو غير قادر على ذلك، كذلك فقراء العائلة أو من تحمل ديناً ومساعدته بأسلوب يحفظ له كرامته، كذلك مساعدة الطلبة الذين يريدون إكمال دراستهم، وذلك بكفالة أسرهم إن لم يكن لهم عائل، وتوفير ما يحتاجه الطالب من أجل دراسته من سكن ومصاريف ضرورية.
عباد الله، إن بذل الجهد والمساعي الحميدة في إيجاد الترابط بين الأرحام والأخذ بأيديهم إلى طريق النور والاستقامة، إن ذلك من أجلّ الأعمال، قد غفل عنها الكثير منّا وهي من الواجبات التي لا يعذر الشخص بالتخلي عنها، ولو أن كل داعية بذل الجهد في ذلك لتحققت ثمار عظيمة.
فالله الله ـ يا عباد الله ـ وإياكم وتخذيل الشيطان فإنه لكم بالمرصاد، ولكن لتعلموا أن كيد الشيطان كان ضعيفاً.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الارْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ [الأنفال:75].
[1] صحيح ، صحيح البخاري : كتاب تفسير القرآن – باب : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ حديث (4770) ، صحيح مسلم : كتاب الإيمان – باب في قوله تعالى : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ حديث (208).
الخطبة الثانية
أما بعد:
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ وأطيعوه، فلا فلاح ولا عز إلا بطاعة الله وتقواه، جعلني الله وإياكم من المتقين، وأعزنا جميعاً بطاعة رب العالمين.
عباد الله، إن الدعوة الأسرية لا تعني التعصب والتحزب للأسرة والقبيلة، فالمسلمون كلهم أخوة ولكن طاقات الدعاة وطلبة العلم مختلفة، فمنهم من تكون دعوته عالمية، فهذا من الذين لا ينبغي حرمان الناس من خيره ودعوته، ومن الناس من طاقته محدودة وهو قادر على سد بعض الثغرات في نطاقا ضيق، فحري به أن يبدأ مع أسرته وأقاربه، ولا تعارض بين المنهجين، ولكن الإسلام أعطى الأولوية للأقارب والأرحام.
أيها الإخوة، إن هذا العمل الشريف يحتاج إلى بعض الأسباب، لتجعله ناجحاً ومستمراً بإذن الله.
أولاً: الإخلاص وقوة العزيمة وابتعاد الداعية عما نهى عنه والمبادرة إلى ما يأمر به ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ [الصف:2].
ثانياً: دراسة أي نشاط مقترح لمعرفة إمكانية تنفيذه، إذ لا يكفي الإعجاب بالفكرة، بل لابد من معرفة إمكانية التطبيق والاستمرار؛ عملاً بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم حينما سئل أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: ((أدومها وإن قل)) رواه البخاري[1].
لأن التذبذب ووقف النشاط يقلل من استجابة المدعوين، بل ربما أفقدهم الثقة والاحترام للبرنامج الدعوي.
ثالثاً: عدم اليأس أو استعجال النتائج، وضرورة التأني وبعد النظر، فإن من استعجل النتائج واستبطأ استجابة الناس، قد نسي قول الله تعالى: وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً [الإسراء:106].
فيجب على الداعية أن يكون حكيماً، ثم إن ما أَحْدَثَتْهُ وسائل الهدم في عقول الناس وأفكارهم استغرق وقتاً طويلاً فلا يستغرب أن نحتاج إلى وقت مناسب لإعادتهم إلى طريق الهداية.
رابعاً: ينبغي على الداعية في هذه الدعوة أن يركز على بناء العقيدة وتثبيت الإيمان؛ لأنها الأساس والأهم، فيعلمهم التوحيد ومعنى الشهادتين، ويحذرهم مما يضاد ذلك، ويسعى لبناء الحصانة الفكرية ضد ما يثار حول الإسلام من الشبهات، سواء من أعداء الإسلام أو من الفرق الضالة التي تتسمى بالإسلام.
ويكون له عناية فائقة في موضوعات الوعظ والترقيق والترغيب والترهيب.
خامساً: وليحذر من يقوم بهذه المهمة من التعالي والغرور والظهور بمظهر الأستاذية، كي لا يثير المدعوين خصوصاً كبار السن منهم، وليتجنب دائماً إثارة الآخرين ضده مقتدياً بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
سادساً: البعد كل البعد عن التوجيه المباشر إلا إن دعت الحاجة إليه وتأكد نجاحه اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.
سابعاً: على الداعية أن يتميز بالصبر وسعة الصدر واحتمال الأذى؛ لأن من يتصدى للدعوة إلى الله لابد أن يناله أذى وابتلاء من الله، وهذا هو طريق الأنبياء والرسل، وكل من قام بهذه المهمة العظيمة، قال تعالى: وَلَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [الأنعام:34]، وقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يِقُولُ ءامَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِىَ فِى اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاء نَصْرٌ مّن رَّبّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِى صُدُورِ الْعَالَمِينَ [العنكبوت:10]، وقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالاْخِرَةَ ذالِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ [الحج:11].
فيجب على الداعية أن يستوعب ذلك وأن يصبر ويتسم بطول النفس وبعد النظر والحلم على من جهل عليه والعفو عن من ظلمه حتى تتحقق له الغاية المنشودة، فهو لا يريد إلا الله والدار الآخرة.
ثامناً: الانتباه إلى وسائل الهدم في العائلة، سواء أكانت هذه الوسائل أشخاصاً أو أجهزة أو غير ذلك ومن ثم مقاومتها بالحكمة، فإن أهمل ذلك فإن ما يبنيه الداعية في وقت طويل يهدم في لحظات، وليس الذي يبني كمن هو يهدم.
ثم لتعلموا ـ يا من تريدون التصدي لمثل هذا الموضع ـ أن عليكم اختيار من يعينكم بعد الله في مهمتكم ممن تتوسمون فيهم الاستقامة والإخلاص والشجاعة والكرم، كرماً في الأقوال، وكرماً في بذل الأوقات، فمن بخل بوقته أشد ممن يبخل بماله.
عباد الله، إن هذه المهمة ليست يسيرة، وطريقها ليست معبّدة، بل هي وعرة وشائكة، والمعركة على أشُدّها في زمن سادت فيه الشهوات، وانحرفت فيه الأخلاق والعادات، وسيطر على الناس حب الدنيا والولوغ في الملذات حتى أنساهم ذلك ما ألزمهم الله به من الواجبات، ولكن مما يشد العزم ويقوي الهمة للقيام بهذا المشروع استحضارنا لمعية الله الخاصة بالنصرة والتأييد لعباده المؤمنين: وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
وإيماننا أن الثواب على قدر المشقة، وسعادتنا حيثما نشعر أننا تخطينا الصعاب والعقبات.
أسأل الله أن يجعلنا من المصلحين العاملين الموفقين... إنه ولي ذلك والقادر عليه.
[1] صحيح ، صحيح البخاري : كتاب الرقاق – باب القصد والمداومة على العمل ، حديث (6464) ، وأخرجه أيضاً مسلم : كتاب صلاة المسافرين وقصرها – باب فضيلة العمل الدائم... حديث (783).
ـــــــــــــــــــ(68/287)
تربية الأبناء
...
...
2493
...
الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد
...
...
الأبناء, التربية والتزكية
...
سالم بن عبد الكريم الغميز
...
...
حائل
...
...
...
جامع العريمضي
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- الأولاد منحة إلهية واختبار. 2- واجب الأبناء أكبر من تأمين الغذاء والدواء. 3- الأوضاع المؤسفة لأبنائنا. 4- تذكير الآباء بمسئولياتهم تجاه أبنائهم. 5- الابن الصالح من العمل الذي ينتفع فيه الأب بعد موته.
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الأولاد، واعلموا أن هذه النعمة منحة للعبد أو اختبار، فإما منحة تكون قرة عين في الدنيا والآخرة وعون على مكابد الدنيا وصلاح يحدوهم إلى البر في الحياة الدنيا وبعد الممات واجتماع في الدنيا على طاعة الله واجتماع في الآخرة في كرامة الله وَالَّذِينَ ءامَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مّنْ عَمَلِهِم مّن شَىْء كُلُّ امْرِىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ [الطور:21].
وإما أن يكون وبالاً وحسرة في الدنيا والآخرة عياذاً بالله من ذلك.
عباد الله، إن مفهوم التربية اليوم أصابه ما أصاب غيره من المفاهيم الأخرى من التخريب وعدم الفهم الصحيح لمعناه، وكثير من الناس يعتقدون بأن التربية هي توفير الأكل والشرب والملبس فقط دون الالتفات إلى الجانب الديني والأخلاقي في حياة الإنسان وتربية بهذا المعنى إنما هي تربية الحيوانات فقط، أما الإنسان فأهم شيء في حياته وفي تربيته هي تربيته الدينية والأخلاقية، فمن منا يا عباد الله قام بتربية أبنائه تربية دينية وأخلاقية.
لنتفكر في حالنا.. هل قمنا بتربية أبنائنا على الوجه الصحيح؟ أم أننا تركناهم للشارع لكي يربيهم على الأخلاق الدنيئة والألفاظ البذيئة المنحطة.
أم أننا تركناهم لأجهزة اللهو لكي تربيهم على ما يحبّ أعداء الله تربيتهم، تربية بعيدة كل البعد عن دين الله لا تعرف من الدين إلا اسمه، ومن المصحف إلا رسمه فقط.
وإذا كنتم في شلك من ذلك فاسألوا أبناءكم عن دينهم وعن العبادات وعن المصحف تجدونهم لا يعرفون من الصلاة إلا حركات تؤدى ليس فيها خشوع ولا طمأنينة. اسألوهم عن القرآن وعن الأحاديث النبوية، اسألوهم عن تاريخ الإسلام العظيم، اسألوهم عن أسماء بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن المجاهدين في سبيل الله الذين بنوا لهذا الدين المجد والعزة بإذن الله، اسألوهم عن العلماء العاملين المخلصين الذين أراد بهم الله إخراج الضالين من العباد من الضلال إلى الحق المبين، ستجدون أنهم لا يستطيعون أن يجيبوكم على ما سألتموهم لأنكم لم تربوهم على معرفة دين الله ولا على حب الله ولا على الولاء لدين الله وحزبه.
وعلى النقيض من ذلك لو سألتم أبناءكم عن أسماء المغنين الفاسقين أو الممثلين المنحرفين الساقطين أو لاعبي الكرة أو عن أشياء كثيرة من أمور الدنيا التي لا فائدة فيها، لوجدتم إجابة غزيرة مليئة بالمعرفة عنهم وعن أحوالهم الشخصية بالتفصيل، ماذا يعني هذا إلا أنكم ربيتموهم على هذه الأشياء وحببتموها في أنفسهم حتى غدت أهم من دينهم الذي خلقوا من أجله.
وإذا كنتم بعد ذلك تدّعون أنكم ربيتموهم على دين الله!!.
فأين هم من المساجد؟ أين هم من الصلوات ؟ أين هم من صلاة الفجر؟ أين هم من كتاب الله؟
إنك لو أمرت أحد أبنائك بأن يقرأ كتاب الله وهو متخرج من الثانوية لما استطاع أن يقيم آية كاملة من كتاب الله أو يحفظها ولما لبث مع كتاب الله خمس دقائق ثم هو في المقابل يحفظ الأغاني الماجنة، ويجلس الساعات الطوال أمام المجلات السافرة، وماذا يعني هذا أيضاً إلا أنكم ربيتموهم على حبّ كل شيء إلا دين الله.
أيها الآباء، اعلموا أن ضياع الشباب مسئوليتكم أنتم....((كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته)) أنتم المسئولون عن ضياعهم وانحرافهم وعدم تمسكهم بكتاب الله عز وجل، لأنكم تركتموهم أمام الملاهي والمنكرات من أغانٍ وغيرها من أجهزة اللهو المنتشرة في زماننا هذا ولم تنهوهم عن غيهم هذا ولم تأمروهم باتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وبالتالي.. تتركونهم أمام الملاهي والمنكرات من أغانٍ وغيرها من أجهزة اللهو المنتشرة في زماننا هذا.. تتركونهم يتربون على ما يحبه أعداء الله. ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6].
تجد الشاب ينشأ وقدوته لاعب الكرة المشهور لأنه يراه على صفحات الجرائد وشاشات التلفاز، أو قدوته مغنٍ فاسق، أو ممثل منحرف، وذلك لانعدام التوجيه من الآباء لأبنائهم، وكذلك تنشأ الفتاة في المنزل وقدوتها المغنية الفاسقة أو الممثلة المنحرفة، أو ما شابهها، وذلك لانعدام التوجيه من الأمهات والمعلمات والآباء.
بعد ذلك تدّعون أنكم قمتم بواجب التربية.
أما أنكم تتركونهم على هواهم وتقولون بأنكم قمتم بواجب التربية فهذا مغالطة لأنفسكم، ومخالفة للواقع، وفي هذه الحالة أنتم المسئولون أمام الملك العلام مسئولية كبرى، بماذا ستجيبون رب العزة والجلال إذا سألكم عن الأمانة التي ألقاها على أعناقكم وهي تربية أبنائكم، بماذا تجيبونه؟! تفكروا في أنفسكم، واعلموا أنه لن ينجيكم من عذاب الله سبحانه وتعالى إلا طاعته والأخذ بأسباب التربية، وهي أن تحولوا بينهم وبين معاصي الله، امنعوهم من الجلوس إلى الملاهي، انتبهوا لهم ماذا يقرؤون، مع من يجلسون؟ مع من يذهبون؟ حببوا إلى أنفسهم دين الله وكتاب الله وخوفوهم من عقاب الله، ليس بالكلام فقط بل عليكم اتباع أمر الله واجتناب نهيه في أنفسكم أولاً حتى إذا رآكم أبناؤكم على هذه الحالة اقتدوا بكم لأن الابن يقتدي بأبنائه في الغالب.
وقد قال الله تعالى: إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ [الزخرف:23].
إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ [الزخرف:22].
فاتقوا الله أيها الآباء في أبنائكم، فإنهم يقتدون بكم خصوصاً حال صغرهم، واعلموا أن التوفيق من الله سبحانه وتعالى بعد قيامكم بأسباب التربية من نصح وإرشاد وتوجيه ومتابعة.
واعلموا أنه إذا وفقكم الله ووفقكم إلى أسباب تربيتهم الصالحة، أنكم تكونون بذلك حصلتم على نعمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى في هداية أولادكم إلى طريق الحق، ففي الحديث: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له)) فإذا كنتم لا تستطيعون أن تقدموا علماً نافعاً ولا صدقة جارية فاحرصوا على ما في أيديكم بتربية أبنائكم تربية صالحة، لعل أعمالكم تستمر في الخير بعد انقطاعكم من دار العمل ذلك بفضل دعاء الولد الصالح.
اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما تنهى عنه...
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه..
ـــــــــــــــــــ(68/288)
حديث الوالد لولده
...
...
2572
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الوالدان
...
عبد الله الهذيل
...
...
الرياض
...
27/7/1417
...
...
فيحان
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- تذكير الولد بمعاناة والدته حال حمله وعند ولادته. 2- يفرح الجميع بولادته واهتمامه به. 3- ماذا ينتظر من الابن. 4- بر الأنبياء بوالديهم. 5- حث النبي وأمره ببر الوالدين. 6- التحذير من عقوق الوالدين، وذكر بعض مظاهره. 7- دعوة الوالد على ولده. 8- دعوة الآباء إلى تربية أبنائهم وتنشئتهم على الإسلام.
الخطبة الأولى
أيها الأحبة في الله, قد كان لنا حديث في لقاء سابق عن المولود الجديد, جرى فيه الخطاب إلى الأب, تهنئة وبشرى وتبصرة وذكرى بالحقوق التي عليه مراعاتها تجاه ذلك الضيف.
ولا يزال الحديث موصولاً إلى ذلك الأب, وهو يعيش سنين تمضي عليه وعلى ولده, يترعرع فيها ذلك الولد في كنفه, ويعيش في حنوّه ورعايته بعد الله تعالى, ويبلغ من العمر مبلغاً لطالما أمّله, وسنّاً لطالما انتظرها.
وهنا, نعلم كم في نفسه من أحاديث وأشجان, تُبث وتكتم, وتسرّ وتعلن.
لذا, أستأذنك ـ أيها الأب المبارك ـ أن أنطق بلسانك, وأتحدث عما يجول في خاطرك, تجاه فلذَة كبدكَ, وثمرة فؤادك, أرجو فيه ثمرة طيبة بإذن ربي ومولاي عز وجل.
فأيها الولد المبارك, أعود بالحديث معك ـ أولاً ـ إلى تلك الأيام التي لم تخرج فيها بعدُ إلى هذا الوجود, كم كنا على أشد من جمر الغضى انتظاراً لقدومك, وإقبالك علينا.
فجاءتنا البشرى ـ بفضل من الله ومنّه ـ بعلامات مقدمك علينا, فَعَلَتِ الفرحة القلوب والشفاه, وبلغ الانتظار أشده في مقدمك.
وهنا, أذكرك بتلك الأيام, وما لاقت فيها أمك, من آلام الحمل, وشدة الوهَن وأنت في أحشائها.
تتغذى من عصارة دمها في أطوار تكوينك, وهي من كره إلى كره, ومن ألم إلى ألم, كلما اشتد عليها ألم, كان خوفها عليك أكثر من نفسها, ولم تبال ما ينالها في نفسها.
حتى إذا جاءها المخاض, وحان وقت خروجك, جاءتها الزفرات, وتضاعفت آلامها, وخرجت أنّاتها تقطع الأكباد, وربما تعسّر خروجك, فيُشق من أجلك بطنُها, وآلامٌ يقف اللسان قاصراً في وصفها.
ولكن أرأيت تلك الآلام, فإنها تُنسى كلها من أجلك, فما إن تخرج إلى الدنيا تضمك إلى صدرها, وتسقيك من عصارة جسمها لبناً خالصاً, وتنقلب تلك الأنات والزفرات سروراً يملأ القلب, وبسمة تملأ الشفاه.
فنظرة إليك أنْسَتها كل ما لاقت, وفرحة بك أنستها كل فرحة, ريح الشمال ضاعت عند ريحك
ولسان حالها يقول:
يا حبذا ريحُ الولد ريح الخزامى في البلد
أهكذا كل ولد أم لم يلد مثلي أحد
فلا تنسَ يا بُني تلك الأيام, وتلك الآلام, فوالله لئن بذلت العمر برّاً لم توفِ بزفرة من تلك الزفرات.
أيها الولد المبارك, ولم تقف الفرحة ـ بقدومك ـ عند أمك, بل أصبح كل ركن من أركان البيت يتلألأ بك استبشاراً, وأنت من يد إلى يد, ومن عنق إلى عنق.
على الأكتاف تحمل والأيادي وحبك في الضلوع وفي الفؤاد
فأي بشائر حلّت علينا كما حل الربيع على البوادي
لك البسمات ساحرة تغني وتنسيني مرارات البعاد
فنم ولدي بمهدك في هناء وداعب طيف أحلام الرقاد
وإن حل الظلام بِجَانِحَيهِ وأرخى ظله في كل واد
ونام الخلق في أمنٍ جميعاً فقلبي ساهر عند المهاد
أيا بني, تلك الأيام والأيام بعدها, سل العيون كم سهرت عند مرضك!
وسل الفؤاد عن حزنه عند حزنك!
وسل الدموع كم سالت عند فراقك!
وسل الخاطر كم انشغل في غيابك!
وسل الجوارح كم بذلت راحتها في راحتك!
ذلك, ليبقى الجميل مذكوراً لا يُنسى وإلا فلا تحسب أني أعد ذلك عليك عداً, فأنت ثمرة الفؤاد وكذلك ستبقى.
أيها الولد المبارك, وها أنت بلغت مبلغاً من العمر طيباً, قد أمّلتُه وانتظرتُه, فهل أنال منك ما كنت أُؤَمِّلُ؟!
فلطالما أمَّلت أن تكون حياتك في طاعة ربك عز وجل, تلتمس رضاه في كل ما تأتي وتذر.
ولطالما أمّلتُ أن تَقَرَّ بك العين, وأراك من أهل البر بوالديك, تسعى في رضاهما, وتذكر الجميل لهما, وتقول لهما القول الكريم, وتخفض لهما جناح الذل من الرحمة, وتلهج بالدعاء لهما.
وتلك وصية ربك عز وجل: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا [الأسراء:24,23].
وتلك سيرة خير خلق الله تعالى من الأنبياء والمرسلين.
فهذا عيسى عليه السلام يقول الله تعالى عنه: وَبَرّاً بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً شَقِيّاً [مريم:32].
وقال عن يحيى عليه السلام: وَبَرّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً [مريم:14].
وبذلك أوصى نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد سئل صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها)) قيل: ثم أي؟ قال: ((بر الوالدين)) قيل: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله)) متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه[1].
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: ((أحي والداك؟)) قال: نعم، قال: ((ففيهما فجاهد))[2].
وعند أبي داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبويّ يبكيان، فقال: ((ارجع إليها، فأضحكهما كما أبكيتهما))[3].
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الوالد أوسط أبواب الجنة)) رواه ابن ماجه والترمذي وقال: حديث صحيح[4].
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك)) قال: ثم من؟ قال: ((أمك)) قال: ثم من؟ قال: ((أمك)) قال: ثم من؟ قال: ((أبوك))[5].
أرأيت ـ يا بني ـ عظيمٌ ذلك الحق, وعظيمٌ ثوابه, فأين أنت من ذاك ؟! أتحفظ أم تُضيِّع؟ أتذكر أم تنسى؟
أين أنت منه حين يأمرك والداك بأمر فتنفلت منه بحيلتك؟! أو تقضيه على مضض وتتأفف! على حين أنك تُرى في حاجة غيرهما من صديق أسرعَ من الريح المرسلة.
وأين أنت منه يوم يسألك أبوك عن ذهابك وإيابك، وصحبك وجُلاّسك, فإذا الوجه يحمر غضباً، وتظهر الأف بعد الأُف.
يا بني, إني أعيذك أن تكون من أهل العقوق, أولئك الذين اتبعوا ما أسخط ربّهم, ولم يقفوا عند قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد))[6].
أولئك الذين تنكروا للجميل، وأضاعوا على أنفسهم حظاً كبيراً سهل المنال, ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه)) قيل: من يا رسول الله؟ قال: ((من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما لم يدخل الجنة))[7].
أبُنَيَّ, إن العقوق شؤم على صاحبه في دنياه قبل أخراه, يسعى فيه وخطا الشيطان تقوده, ولربما أبلغه فيه شأواً بعيداً.
فما كنا نظن أن أحداً سيقتل أباه بغير حق، حتى كان واقعاً سمعناه.
وما كنا نظن أن سيضيق البيت على سعته بوالد أو والدة حتى يقابل بالمضايقة والتأفف وينتهي الأمر برميه في دور المُسِنِّين والعجزة حتى سمعنا من ذلك وقائع تقشعر لها القلوب والأبدان.
أهكذا يقابل الإحسان؟
أهكذا توفى العهود؟
أهكذا يردّ الجميل؟
يا بني, ومن عجيب ما أُسرّه إليك, أن العاق مهما أبعد في العقوق وتنكّر للجميل ـ وإن كان ذلك ليدمي فؤاد الوالد ويقصم ظهره ـ إلا أن شعوره يأبى إلا أن ينطق بأن ذلك ابنه, فَلذةُ كبده, ثمرة فؤاده, وهو الذي ستبقى الدموع تسال في مصابه, والخاطر ينشغل في غيابه رغم العقوق والبعاد.
قال ائتني بفؤاد أمِّك يا فتى ولك الجواهر والدراهم والدرر
فمضى وأغرز خِنجراً في صدرها والقلب أخرجه وعاد على الأثر
لكنه من فَرطِ سرعته هوى فتدحرج القلب المقطع إذ عثر
ناداه قلب الأم وهو معفرٌ ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر؟
فكأن هذا الصوت رغم حنوِّه غضبٌ على رأس الغلام قد انهمر
فارتد نحو القلب يغسله بما فاضت به عيناه من سيل العبر
ويقول يا قلب انتقم مني ولا تغفر فإن جريمتي لا تُغتفر
واستل خنجره ليطعن قلبه طعناً فيبقى عبرة لمن اعتبر
ناداه قلب الأم كف يداً ولا تقتل فؤادي مرتين على الأثر
ولكن يا بني, قد يتمادى العاق في عقوقه, فترسل عليه الدعوة من والديه, وهناك لا تسل عن هلاك هوى فيه, فتلك دعوة تفتح لك أبواب السماء، وتعجل لها الإجابة.
فعند الترمذي وابن ماجه بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث دعوات لاشك في إجابتهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده))[8].
وأخيراً ـ يا ولدي ـ وبعد انقضاء أيامي وفراقي هذه الدنيا, وأنا موسد في ترابي, مقيم في وحدتي, ليت شعري أتذكرني أم تنساني؟
ألي نصيب في مناجاة الليالي؟
ألي ذكر في سجدات الجباه؟
ألي حظ في الصدقات وأعمال الخير بعدي؟
أم دُفن ذِكرى معي؟ وكأني لم أخلّف من بعدي من أرجو أن ترفع لي بهم درجات في قبري.
ولدي الحبيب.
وتبقى الوصية في حياتنا وبعد مماتنا, وغداً نتلاقى عليها بإذن ربنا سبحانه ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].
[1] صحيح، صحيح البخاري: كتاب مواقيت الصلاة – باب فضل الصلاة لوقتها، حديث (527)، صحيح مسلم: كتاب الإيمان – باب كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، حديث (85).
[2] صحيح، صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير – باب الجهاد بإذن الأبوين، حديث (3004)، صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب – باب بر الوالدين وأنهما أحق به، حديث (85).
[3] صحيح، سنن أبي داود: كتاب الجهاد – باب في الرجل يغزو وأبواه كارهان، حديث (2528)، ولم أجده في سنن الترمذي، ولم يعزه له المنذري في الترغيب (3/216)، وأخرجه أيضاً أحمد (2/160)، والنسائي: كتاب البيعة – باب البيعة على الهجرة، حديث (4163)، وابن ماجه: كتاب الجهاد – باب الرجل يغزو وله أبوان، حديث 2782). وصححه ابن حبان: كتاب البر والإحسان – باب حق الوالدين – ذكر البيان بأن إدخال السرور ... حديث (419)، والحاكم (4/152)، وذكره ابن حجر في الفتح (6/140)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2205).
[4] صحيح، سنن الترمذي: كتاب البر والصلة – باب ما جاء من الفضل في رضا الوالدين، حديث (1900)، وسنن ابن ماجه: كتاب الطلاق – باب الرجل يأمره أبوه بطلاق امرأته، حديث (2089)، وأخرجه أيضاً أحمد (6/445)، وصححه ابن حبان: كتاب البر والإحسان – باب حق الوالدين – ذكر رجاء دخول الجنان ... حديث (425)، والحاكم (2/197) والألباني في السلسلة الصحيحة (914).
[5] صحيح، صحيح البخاري: كتاب الأدب – باب من أحق الناس بحسن الصحبة، حديث (5971)، صحيح مسلم: كتاب البر والصلة ... باب بر الوالدين ... حديث (2548).
[6] صحيح، أخرجه البخاري في (الأدب المفرد): باب قوله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حسناً حديث (2)، والترمذي: كتاب البر والصلة – باب ما جاء من الفضل في رضا الوالدين، حديث (1899)، والبزار، حديث (2394)، وصححه ابن حبان: كتاب والبر والإحسان – باب حق الوالدين، ذكر رجاء تمكن المرء من رضاء الله ... حديث (429)، والحاكم (4/151)، والألباني في السلسلة الصحيحة (516).
[7] صحيح، صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب – باب رغم أنف من أدرك أبويه ... حديث (2551).
[8] حسن، سنن الترمذي: كتاب البر والصلة – باب ما جاء في دعوة الوالدين (1905)، وكتاب الدعوة – باب ما ذكر في دعوة المسافر (3448)، وقال: حديث حسن. وسنن ابن ماجه: كتاب الدعاء – باب دعوة الوالد ودعوة المظلوم، حديث (3862)، وأخرجه أيضاً أحمد (2/258)، وصححه ابن حبان (2699)، وحسّن إسناده العجلوني في كشف الخفا (1/488)، وحسّنه الألباني في السلسلة الصحيحة (566).
الخطبة الثانية
أيها الأحبة في الله, ولابد من عود الحديث إلى الأب, ونحن نراه, يفرح بكل حديث يوجّه ولده إلى بره وطاعته، والتماس رضاه, وتطمئن نفسه بذلك, ولاشك أن هذا أمر تشترك فيه النفوس وهو أمر مطلوب.
ولكن يبقى السؤال بعد ذلك:
ما مدى فرحِك بطاعة ابنك ربَّه والتماسه رضاه؟
تجرّد للإجابة بحق، وتأمل في حقيقة حالك تجاه ذلك.
أتفرح حين يلزم السنة في ظاهره وباطنه؟
أتفرح حين يروح ويغدو مع الأخيار الطيبين؟
أتفرح حين يضرب طرق العلم، ويلتمس رياض الصالحين؟
أتفرح حين يغض عينه عن الحرام، ويصم أذنه عن الحرام، ويحفظ جوفه عن الحرام؟
أيها الآباء, من العجيب, أن نسعى في كل ما يوجّه أبناءنا نحو برّنا وطاعتنا, ثم يبقى أحدنا غاضاً الطرف عن تفريط ولده في حق ربه ومولاه.
بل وأعجب من ذلك, أن يكون للأب يد في ذلك التفريط, فيجلب لنفسه وولده ما يباعدهم عن طاعة ربهم, ويأخذ بهم في البعد كل مأخذ.
ألا فلنستحي من ربنا عز وجل, ولنؤد الأمانة على أحسن وجهها.
ثم ـ أيها الأب ـ أين أنت من ذلك التوجيه، الذي ذكره الله في معرض الثناء والمدح للقمان عليه السلام, فاسمعه، وخُذ به، فإنه والله منهج حياة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يابُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوالِدَيْكَ إِلَىَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ يابُنَىَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى السَّمَاواتِ أَوْ فِى الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ يابُنَىَّ أَقِمِ الصلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاْمُورِ وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِى الأرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الاْصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان:13-19].
ـــــــــــــــــــ(68/289)
تربية الأولاد
...
...
2644
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الأبناء
...
خالد بن محمد الشارخ
...
...
الرياض
...
24/7/1419
...
...
اللحيدان
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- نعمة الأولاد. 2- من حقوق الأبناء اختيار الأم الصالحة لهم. 3- ضرورة تربية الأبناء وتنشئتهم على الدين والصلاح. 4- اهتمام الآباء بدنيا أبنائهم والغفلة عن آخرتهم.
الخطبة الأولى
أما بعد, فيا أيها الناس, اتقوا الله ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].
أيها الإخوة في الله, لو سألتكم معشر الآباء قائلاً: ما هو أغلى ما تملكون في هذه الدنيا بعد دينكم؟ وما هو أحب شيء لكم في حياتكم؟ ومن هؤلاء الذين تفرحون بفرحهم وتحزنون بحزنهم وتغضبون لغضبهم؟ من هم هؤلاء الذين تسعى طيلة نهارك لتحصِّل لهم معيشتهم وتسعدهم في حياتهم؟ من هم هؤلاء الذين هم عصبة حياتك وعنوان سعادتك وسرورك؟ من هم يا ترى؟ إنكم لو تكلمتم لقلتم بلسان واحد: إنهم أبناؤنا. نعم، إنهم الأبناء فلذات الأكباد، وعصب الحياة. فلفرحهم نفرح، ولسعادتهم نسعد، ولشقائهم تسود الدنيا في وجوهنا، إنهم أبناؤنا زينة حياتنا الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحياةِ الدُّنْيَا [الكهف:46].
أيها الإخوة في الله, إن أمانة الأبناء خطيرة وحقهم شديد وعسير، ولقد أولى الإسلام العناية بالأبناء منذ اختيار الأرض التي تبذر فيها، فهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا: ((تخيروا لنطفكم، فإن العرق دساس))، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((تنكح المرأة لأربع: لحسبها وجمالها ومالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)).
وما زال الأنبياء وهم أنبياء معصومون يهتمون بأبنائهم، فهذا الخليل عليه السلام يدعو الله أن يرزقه ولداً صالحاً فيقول: رَبّ هَبْ لِى مِنَ الصَّالِحِينِ [الصافات:100]، ويقول: وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الاْصْنَامَ [إبراهيم:35]، ويقول: رَبّ اجْعَلْنِى مُقِيمَ الصلاةِ وَمِن ذُرّيَتِى [إبراهيم:40]، ويقول هو وإسماعيل عند بناء البيت: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ [البقرة:128]، ويقول زكريا عليه السلام: رَبّ هَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ ذُرّيَّةً طَيّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء [آل عمران:38].
هذا اهتمامٌ من هؤلاء الأنبياء بشأن الذرية قبل وجودها، أما بعد وجودها فكانت تتضاعف جهودهم، ويعظم اهتمامهم بتربيتها وتوجيهها إلى الخير، وإبعادها عن الشر، وأول ما ينصب اهتمامهم إلى إصلاح العقائد، كما قال تعالى: وَوَصَّى بِهَا إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِىَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [البقرة:132].
وهذا لقمان يوجه إلى ابنه وصايا عظيمة، فينهاه عن الشرك وبين له قبحه لينفر منه، ويأمره بإقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على المصائب، وينهاه عن الكبر واحتقار الناس والفخر والخيلاء، إذاً فجميع الأنبياء كانوا يولون قضية تربية الأبناء وتعليمهم أمر دينهم اهتماماً عظيماً.
أيها المسلمون, إن مهمة الآباء مهمة عظيمة يجب على الآباء أن يحسبوا لها حسابها، ويعدوا العدة لمواجهتها خصوصاً في هذا الزمان الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن واشتدت غربة الدين، وكثرت فيه دواعي الفساد حتى صار الأب مع أولاده بمثابة راعي الغنم في أرض السباع الضارية إن غفل عنها أكلتها الذئاب، أو انتهشتها السباع.
وأغرب من ذلك أن ترى بعض الآباء هداهم الله يجلب هذه الفتن والمغريات إلى بيته ويوفرها لأبنائه ثم يقول لهم: يا أبنائي كونوا رجالاً صالحين.
وآخر لا يأمر أبناءه بمعروف ولا ينهاهم عن منكر، بل يتركهم وأنفسهم مع الشيطان، فلا يأمرهم بصلاة ولا ينهاهم عن غي وفساد، ولو ناصحته لقال لك: الله الهادي، وهذه فترة شباب وتزول.
وما أدراك أنها ستزول، ولو فرضنا أنها قد تزول هل تضمن أن يعيش ولدك إلى تلك الساعة الموهومة التي سيتوب فيها ويثوب إلى رشده وعقله.
وأدهى من ذلك وأمرّ أن هناك بعض الآباء الصالحين أو ممن يشار إليهم بالصلاح والهداية ومع ذلك لا يعرف عن أبنائه إلا ما يعرفه عن أبناء الجيران، وكل وظيفته يومياً أن يقول لهم: الصلاة الصلاة، ثم ينطلق إلى المسجد ليلحق بالصفوف الأولى ومع ذلك أبناؤه غارقون في وحل المعصية والضياع.
ألا نتقي الله يا معشر الآباء، ألا نخاف الله، والله إنها أمانة سنسأل عنها، وحق لابد أن نؤديه حيث قال رسول الله : ((كلكم راع, وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته))، فهل أدينا حق أبنائنا من التربية؟ وهل أعذرنا أمام الله ببذل ما نستطيع من جوانب التوجيه والتربية الإسلامية لأبنائنا؟
إنه أيها الإخوة كما أن للأب حقاً على ولده ، فللولد حقٌ على أبيه، قال بعض العلماء: "إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده، وقد قال تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَادِكُمْ [النساء:11]. فوصية الله للآباء بالأولاد سابقة على وصية الأولاد بآبائهم".
فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى, فقد أساء إليه غاية الإساءة.
وأكثر الأولاد إنما جاءهم الفساد بسبب إهمال الآباء وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغاراً فلم ينفعوا أنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً.
عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبت إنك عققتني صغيراً فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً.
أيها الإخوة في الله, يا معشر الآباء, يا معشر الأولياء, إني سائلكم فمشدد عليكم المسألة فلا تجدوا عليَّ، وكل أب يسأل نفسه عن ذلك ويرى نصيبه من ذلك.
أيها الآباء, هل كسبتم أبناءكم كسباً يجعلهم يتقبلون منكم كل نصيحة, أم هو العتاب والسباب والشتائم؟
هل تحببتم لأبنائكم وجعلتم من أنفسكم أصحاباً لهم قبل أن تكونوا رقباء مفتشين؟
اسمح لي أيها الأب فلست أعاتبك تقليلاً من شأنك أو جرأة عليك، كلا وألف كلا، إنما هي حقائق لابد أن نعرفها، وأنا يا إخواني أتكلم لكم من منطلق واقع وليس من نظرة تشائمية أو نظرة مظلمة، إنها حقائق لابد أن يعقلها الجميع، فهل يا أيها الآباء عرفتم أصدقاء أولادكم ومن يجالسون ومع من يتحدثون؟ وهل عرفتم إلى أين يذهبون بسيارتهم أم ألقيت هذه السيارة على ولدك ليخفف عنك كثرة الأشغال وكثرة الطلبات؟
نعم أنا لا أطلب منك أن تكون رقيباً على ولدك بكل حركة وسكنة، كلا، لست أعني هذا، ولكن يكفي أن تتعرف على من يجالسون؟ وما هي ميولهم؟ وما هي اهتماماتهم؟ وما هي سمعتهم وأخبارهم؟
فإذا رأيت ولدك يجالس صديقاً سيئاً نصحته بينك وبينه مع حزم في النصيحة وبينت له إشفاقك عليه مع نصحك له.
أسألكم يا معشر الآباء سؤالاً وأجيبوا بكل صراحة: ماذا تفعل يا تُرى لو وجدت ولدك يوماً من الأيام نائماً ولم يذهب إلى المدرسة أو وجدته يجوب الشوارع ولم يذهب إلى المدرسة, ليت شعري ماذا ستفعل؟
لكن ماذا لو رأيته أوقاتاً بل وأياماً ولا أقول يوماً أو وقتاً نائماً عن الصلاة، أو رأيته يجوب الشوارع ولم يصلِّ الصلاة إلا بعد خروج وقتها أو لم يصلها بالكلية؟
أيها الآباء, هل بذلتم حقيقة في إصلاح أولادكم، الصلاح الذي يريده الله منا حين خلقنا؟
أعني هل ربيته على الدين وعلى التزام الأوامر واجتناب النواهي، أم قلت له بلسان المقال وخالفت ذلك بلسان الحال؟ فهل أبعدت عنه مواضع الفتن والمغريات والشهوات أم وفرتَ له كل شيء فشاشة وفيديو، وأقراص سوداء وبيضاء، وغناء ولهو باطل, ثم تريد منه بعد ذلك أن يكون لك ولداً صالحاً يرفع ذكرك، في الدنيا والآخرة.
ألم تسمع ـ أخي الأب ـ حديث حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث)) وذكر منها ((أو ولد صالح يدعو له)).
أيها الأب الحنون, ألست تسأل ولدك كل يوم عن امتحانه ماذا عمل فيه وبماذا أجاب، وعسى أن يكون الجواب صحيحاً؟ فهل سألته عن أمور دينه يوماً من الدهر؟
ألا يضيق صدرك ويعلو همك حين تعلم أن ابنك قد قصر في الإجابة في الامتحان؟
فهل ضاق صدرك حين قصر في سنن دينه أو واجباته؟
ألست تمنعه من الملاهي التي رَحَّبْتَ بها في بيتك من فيديو أو تلفاز أو صحف أو مجلات ساقطة لئلا تشغله عن المذاكرة والاستعداد للامتحان، فما عساك فاعل ـ أيها الأب الحنون ـ في امتحان ليس له دور ثان ولا إعادة فيه ولا رجعة؟
فيا أيها الآباء, وأنتم تعدّون أبناءكم لامتحانات الدنيا, اتقوا الله فيهم, واعلموا أنتم وعلموهم أن سلعة الله أغلى وأعلى من زخارف الدنيا، وعلموهم أن النجاح الحقيقي هو قصر النفس على ما يرضي الله، علموهم واعلموا أنتم أن السعادة الحقيقية في تقوى الله وطاعته، ثم اعلموا أنتم أيضاً أنه لن ينصرف أحد من الموقف يوم القيامة وله عند أحد مظلمة، سيفرح الأبناء أن يجدوا عند أبيهم مظلمة، تفرح الزوجة أن تجد عند زوجها مظلمة، يأتي الأبناء يوم القيامة يحاجون آباءهم بين يدي الله، قائلين: يا ربنا خذ حقنا من هذا الأب الظالم الذي ضيعنا عن العمل لما يرضيك وربَّانا كالبهائم وأوردنا المهالك، والذي ما من مفسدة إلا وجعلها بين أيدينا، وما من مهلكة إلا وأدخلها علينا، فماذا سيكون الجواب حينئذ أيها الأب الحنون؟
فيا أيها الآباء, اتقوا الله في أبنائكم, وأحسنوا تربيتهم واحفظوهم من الفساد والضياع ما دام الأمر في أيديكم وما دمتم في زمن المهلة قبل أن تندموا وتلوموا أنفسكم في وقت لا تنفع فيه الحسرة ولا الندامة.
أيها الآباء, عذراً إن ندَّت أشارة أو قسَتْ عبارة، فإنها نصيحة مشفق، وعتاب محب، وعذراً عن عتابكم وعفواً على مصارحتكم، فوالله لو عاشرتم الشباب ونظرتم في واقعهم لما لمتمونا ولا أخذتم علينا، ولقلتم: أنتم قد قصرتم في حقنا وواجبنا.
فمَن الشباب إلا ابني وابنك وابن فلان وفلان.
ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا.
اللهم اهد ضال المسلمين وثبت مطيعهم، اللهم أبناؤنا وبناتنا اجعلهم لك من الطائعين وعن نهيك مبتعدين، اللهم اجعلهم هداة مهتدين، اللهم ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه.
أما بعد, فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ, شذ في النار، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة.
وعليكم بسنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ.
ـــــــــــــــــــ(68/290)
الزواج
...
...
2661
...
الأسرة والمجتمع, فقه
...
...
النكاح, قضايا المجتمع
...
عبد الله الهذيل
...
...
الرياض
...
7/3/1418
...
...
فيحان
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- الزواج فطرة وسنة بشرية. 2- حث الإسلام على الزواج. 3- رسالة إلى شاب عجز عن الزواج. 4- من المرأة التي تخطبها. 5- جمال الظاهر والباطن. 6- الشهوة باب من أبواب الأجر. 7- نصائح إلى أولياء الأمور. 8- آداب الخطبة. 9- آداب في جعل الزفاف.
الخطبة الأولى
أيها الأحبة في الله, أرأيتم هذه الحياة وما فيها من شمس وقمر وجبال وشجر ودواب, وما سخّر في برها وبحرها.
ما شأن الناس فيها لو كانوا رجالاً بلا نساء، أو نساء بلا رجال!
هل تستقيم لهم حياة ؟!
وهل تصلح لهم حال ؟!
لذا كان من أعظم النعم التي امتن الله تعالى بها على عباده أن جعلهم أزواجاً يسكن بعضهم إلى بعض، كما قال سبحانه وتعالى: هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189].
وقال عز وجل: وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْواجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لايَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21].
فالزواج من أعظم النعم التي يتنعم بها البشر, وهو أساس في بقاء الحياة، وبناء المجتمعات, والرغبة عنه رغبة عن خيرٍ وهدى، فإن الله تعالى أخبر عن المرسلين فقال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً [الرعد:38].
وقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم أن الزواج من سنته, وذلك حين جاءه الرهط الثلاثة وكان منهم من قال: أنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبداً، فغضب صلى الله عليه وسلم وقال: ((أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) رواه البخاري.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أمته على الزواج ويقول: ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم)) رواه أبو داود والترمذي.
أيها الأحبة في الله, ومن هنا, فلابد من حديث نتدارس به بعض ما يتعلق بهذا الشأن العظيم ـ أعني شأن الزواج ـ
وخاصة أننا في أيام نشهد فيها كثرة الزواج, وهذه نعمة نتحدث بها, ونحمد ربنا سبحانه وتعالى عليها.
فإليكم الحديث, وقفات نصح ومحبة, ورسائل إخاء, أسطر فيها أحرفاً إلى الشباب بعامة وإلى كل واضع قدمه على عتبة الزواج, إلى كل أب، وكل قائم على فتاة بلغت سن الزواج، وإلينا جميعاً في أفراحنا وولائمنا.
وإلى كل عروسين لبناء أسرة مسلمة تحفها أنوار الإيمان من كل جانب.
فالرسالة الأولى:
إلى كل شاب، وقد بلغ سن الزواج, وأراه مع هذا يعرض عنه كثيراً, ويجعل بينه وبينه عوائق مظنونة وحواجز وهمية, فترى سنين زهرة العمر تمضي عليه سريعة وهو في سبات التسويف يوماً بعد يوم.
فإليك أيها الشاب هذا الخطاب, ممن لن تجد من الخلق أرأف بك منه، ولا أنصح لك منه, وهو النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)).
فأجب النداء ما دامت الاستطاعة في يديك, وبخاصة أنك ترى الفتن تسارع في الناس بأنواع شتى, وتمد حبائلها, لتتصيد بها الفُرَانِس.
فاقطع الطريق عليها أن تصل إليك، وتعفف بالحلال الطيب، الذي يرضاه ربك، لتذوق اللذتين، وتعيش الحلاوتين في حياة طيبة في الدارين.
الرسالة الثانية:
إلى ذاك الذي يريد أن يبدأ خطوته الأولى في الزواج.
فإليه أقول: من تخيّرت لتكون رفيقة دربك وسكينة نفسك؟
وبأي ميزان وزنت حالها؟
أبجمالها؟
أم بمالها؟
أم بدينها وخلقها؟
اسمع إلى نبيك صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)).
هذا هو الميزان الحق الذي يجب أن تبدأ به.
فالمرأة الصالحة تعينك على طاعة ربك وترعاك في بيتك، وتحفظك في نفسها، وهي يدٌ أمينة على ذريتك بأن تنشئهم النشأة الطيبة.
قال تعالى: وَالطَّيّبَاتُ لِلطَّيّبِينَ وَالطَّيّبُونَ لِلْطَّيّبَاتِ [النور:26].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة من السعادة، وثلاثة من الشقاء، فمن السعادة: المرأة الصالحة، تراها فتعجبك، وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك)) الحديث أخرجه الحاكم وصححه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة)) أخرجه مسلم والنسائي وأحمد.
وقد قيل في هذا المعنى:
مِنْ خير ما يَتّخِذ الإنسان في دنياه كيما يستقيمَ دينُه
قلب شكور ولسان ذاكر وزوجة صالحة تعينُه
فليكن الصلاح هو ميزانك الأول في اختيار زوجتك.
ثم إني أعلم أن في نفسك مطالبَ ومواصفات ترغبها فيمن تريد زواجها, وهذا مما لا جناح عليك فيه, بل هو من الأمور المعتبرة, ولكن لا يقدّم على الدين والخُلق.
ثم لتكن واقعياً في تلك الرغبات, ولا تُغرق في المواصفات, فتريدها كذا وكذا وكذا, حتى يعيى أهلك أن يجدوا لك مطلبك.
فإن الجمال حقيقة هو جمالُ الدين والخلق والمنطق الحسن, فإنه لا يزيد مع الأيام إلا حسناً.
أما جمال الظاهر, فسرعان ما يتبلد الحسّ بتكراره, وإن اجتمع هذا وهذا, فذاك خيرعلى خير.
ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا لا بارك الله في دنيا بلا دين
وكن كذاك الذي بذلت أمه الجهد أن تجد له ذات الدلال والجمال، فلما وجدتها جاءت تزف إليه البشرى:
جاءته بعد الجهد قائلة له أبشر بنيّ ظفرت بالمتعلمهْ
شقراء أجمل ما رأت عين امرئ وقوامها يا حسنه ما أقومهْ
عينان ضاحكتان ما أحلاهما سبحان من صاغ الجمال وتممهْ
ما أروع الحلي المضاعف حسنها ويزيد سحر الحسن وهي مهندمهْ
أغلى المراكب تستقل وتكتسي أغلى الثياب وفي الثراء مقدَّمتهْ
فلكل ما تبغي تقدم مالها بذلاً ، ودوماً بالنفائس متخمهْ
والأم مذ عرفت مرادي تمتمت وأنا الذي أدري بتلك التمتمهْ
ما لي أراك وأنت تطرق صامتاً هل يرضِيَنَّك أن أظل محطمهْ
أماه, ما يرضيك روحي دونه هيهات قلبك أن أعُق وأظلمَهْ
أماه شوقي لا يحن لزوجة إن همت أو قصّرت كانت ملهمهْ
هي للثراء وفي الثراء وما تريـ ـد سوى بأن تبقى الزمان منعمة
أماه لي أمل وما أملي سوى جيل يعيد لنا حياة المكرُمَهْ
أماه ما أرجو وترجو أمتي ما كان إلا في زواج المؤمنهْ
ثم اعلم أنك في حياتك الزوجية تزيد عليك المسؤولية, فإن قمت بها خير قيام كانت الأجور تأتيك مضاعفة, بل إن في شهوتك التي تقضيها مع زوجتك يكتب لك الأجر، وفي اللقمة تضعها في فم امرأتك يكتب لك فيها الأجر.
وقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((على كل نفس في كل يوم طلعت فيه الشمس صدقة منه على نفسه...)) الحديث وفيه: ((ولك في جماع زوجتك أجر)) قال أبو ذر: كيف يكون لي أجر في شهوتي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرأيت لو كان لك ولد، فأدركَ، ورجوت خيره، فمات، أكنت تحتسب به؟)) قال: نعم.
قال: ((فأنت خلقته؟)) قال: بل الله خلقه.
قال: ((فأنت هديته؟)) قال: بل الله هداه.
قال: ((فأنت ترزقه؟)) قال: بل الله كان يرزقه.
قال: ((كذلك فضعه في حلاله وجنبه حرامه، فإن شاء الله أحياه، وإن شاء أماته ولك أجر)).
الرسالة الثالثة:
إلى كل أب وإلى كل ولي على فتاة بلغت سن الزواج, أن يرعوا تلك الأمانة التي بأيديهم, وأن يقوموا بالحق الذي عليهم تجاهها, ومن ذلك:
أولاً: أن يتخيروا لمن تحت أيديهم الزوج الصالح، وأن يحفظوها من كل من ضيع الخلق والدين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)).
وإن من المؤسف أن تجد بعض الآباء ينظرون إلى كل جانب ماديّ فيمن خطب منهم، ويربطون به القبول أو الردّ.
أما إذا قيل: إنه لا يصلي، أو أنه يتعامل بالربا، وأنه يفعل كذا وكذا, لم يجد ذلك في قلوبهم نفوراً فيزوجونه على هذه الحال.
ثانياً: التيسير في أمر المهور، ليكون ذلك مُنزلاً للبركة في حياة بناتهم.
وإن المغالاة في المهور سنّة سيئة، تجعل أمام الزواج العقبات المتراكمة, حتى يرى الشاب أن أمام زواجه بحراً من الديون لابد أن يركبه، ولا يدري أيقطعه بأن يكون غريق مطالبة فلان وفلان.
ألا فبأي مفخرة يفخر المغالون؟
وبأي سُنة يقتدون؟
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير النكاح أيسره)) أخرجه أبو داود عن عقبة بن عامر.
وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من يمن المرأة: تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمِها)).
ثالثاً: السماح لمن تقدَّم للخطبة وجزم على ذلك أن ينظر إلى المخطوبة, وتلك رخصة رخصها له الشارع, فقد قال صلى الله عليه وسلم لرجل أراد أن يتزوج امرأة: ((هل نظرت إليها؟ قال: لا، قال: انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)).
فلا نُحَكِّم عادات وتقاليد على شرع الله تعالى, فلن نجد أحكم منه أبداً.
أما الرسالة الرابعة:
فإلينا جميعاً في أفراحنا بأن نحيي فيها سنة نبينا صلى الله عليه وسلم في إعلان النكاح, وأن نجعلها ليالي نيّرة بالمحافظة على أمر الله تعالى والوقوف عند حدوده, وأن نصون نقاءها من كل كدر يعكّر صفوها من الغناء الماجن، والتقاليد الغربية العمياء، والسهر المضيع للصلوات، ودخول الرجال على النساء، ونحو ذلك مما يحيلها ليلة كدر وإن ضحك أصحابها.
ولننظر في زواج بنت خير البشر صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها, فقد قال جابر رضي الله عنه: حضرنا عرس فاطمة، فما رأينا عرساً أحسن منه، حشونا الفراش ليفاً، وأتينا بتمر وزبيب فأكلنا وكان فراشها ليلة عرسها إهاباً (أي جلداً).
فماذا يقول بعد هذا أولئك الذين يتفاخرون بالإسراف والبذخ المفرط في أعراسهم؟!
الخطبة الثانية
الرسالة الخامسة:
إلى كل عروسين جمعتهما كلمة الله, بأن يبدآ مسيرة الحياة الزوجية بخطى حثيثة السعي في صراط مستقيم، ونظرة سامية إلى أعلى المطالب, وليَبْنِيا هذه اللبنة في المجتمع على تقوى من الله ورضوان, ويغرسا بذور اجتماعهما بأرض الطاعة والانقياد, ليكون الإثمار أطيبه وأزكاه.
ولله ما أجمل البيوت الزوجية التي تحف بها معاني الإيمان والتقى، وتضيء من جنباتها أنوار الصلاح والإصلاح!
فوالله إنها لحياة, لو يعلم عنها أرباب الأموال والمناصب لجالدوا عليها بالسيوف.
ـــــــــــــــــــ(68/291)
مشاكل الشباب والواجب نحوها (1)
...
...
2885
...
الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد
...
...
الأبناء, التربية والتزكية
...
عبد المجيد بن عبد العزيز الدهيشي
...
...
المجمعة
...
23/1/1421
...
...
الجامع القديم
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- صور من عبث شبابنا وضياعهم. 2- دور الوالد والأسرة في التربية. 3- اللطف في التوجيه. 4- تذكير بأسلوب رسولنا في التوجيه.
الخطبة الأولى
عباد الله، أرأيتم لو علم أحدنا أن هناك لصوصاً وقطاع طرق يتربصون به وبأهل بيته الدوائر ويتحينون عثراتهم وينشدون غفلاتهم، أيقر له قرار وهل يهنأ بغمض أو يستلذ بنوم؟ ولو غض طرفه عنهم وتركهم يعيثون فساداً فما عسى الناس قائلين في حقه؟ وهل يوافقونه على تصرفه هذا أم يعيبونه عليه؟ ثم لو كانت الخسارة متعلقة بشيء من المال لهان الخطب وصغر الأمر، ولكن إذا تعلقت الخسارة بفلذات الأكباد ومُهَج النفوس الذين امتن الله علينا بهم، فهنا الخسارة، فحين يحرص الوالدان على صحة ابنهما البدنية ويهتمان بغذائه وملبسه ويغفلان عن صحته الدينية والخلقية، فهنا الخسارة المركبة والخطأ الجسيم.
عباد الله، هناك مظاهر في مجتمعاتنا تُرى من الشباب والمراهقين، ووقائع تُروى تثير العجب وتستوقف الحريص الغيور، فهناك بعض التجمعات الشبابية في الشوارع وعند بعض المدارس التي لا تخلو من العبث بالسيارات وتعريض النفس والآخرين للخطر، وما يستغرب من التعلق الكبير بالسيارات وقائديها ممن يعرف بالعبث بها أو تكون من السيارات الفارهة التي تخلب الألباب، وما يسمع عن بعض التجمعات في الاستراحات أو الشقق التي يجتمع فيها ثلة من المراهقين والشباب بدون مبرر سوى البعد عن أعين الناس في غفلة من أهاليهم، وفي هذه العزب والشقق يأوي هؤلاء الشباب خلال أوقات الدراسة حين يتخلفون عن مدارسهم وفي أوقات متفرقة.
وربما اختلط فيها الكبير بالغر الصغير الجاهل الذي لا يدرك ما حوله ولا يفهم الهدف من إحضاره، وفيها تشاهد القنوات الفضائية التي تعج بالرذيلة والفجور وتنشر الفحش عبر الأثير، وفيها يتعلم الجميع فنون تناول الدخان والشيشة وما نحا نحوها من الخبائث والنتن، وما ظنكم بثلة مراهقين يختفون عن أعين الناس وفيهم الطيب والخبيث، أتتركهم شياطين الجن والإنس دون توريطهم فيما يشين؟ وقد علمنا يا عباد الله خطورة مرحلة المراهقة، وما يكتنفها من المخاطر، وما يعانيه المراهق من الدوافع التي تدعوه للوقوع فيما حرم الله تعالى من الأفعال القبيحة، حين تحف به الأسباب الميسرة لذلك من ضعف الإيمان والخواء الروحي والتهاون بالواجبات الشرعية وعلى رأسها الصلاة، والفراغِ الذي يجعل الفتى ميالاً إلى ما يلهي ويضيع الوقت فيما لا يجدي، ناهيك عن صاحب السوء الذي يحسن القبيح ويدعو إلى الرذيل من الأفعال بقوله وفعله، وما يعمد إليه بعض الصغار من المبالغة في التجمل والتطيب والتساهل ببعض الحركات المكروهة، والركوب مع من هب ودب، والانصياع لأدنى تهديد أو ترغيب، أضف إلى ذلك كله ما تعج به وسائل الإعلام الوافدة عبر الأثير من مشاهد فاضحة وصور فاتنة تسلب لب العاقل الكبير فضلاً عن المراهق الغرير، وكم من الضحايا الذين سقطوا على أعتاب هذه القنوات أو مواقع الانترنت الخليعة.
كل ذلك يا عباد الله مما يضاعف المسؤولية نحو أبنائنا وإخواننا، ويدعو كل مسؤول إلى أن يتحمل مسؤوليته الملقاة على عاتقه ويبرئ ذمته أمام ربه، إنها مسؤولية جسيمة وواجب أكيد يحمل عبأه الآباء والأولياء والمعلمون ومعهم الدعاة والناصحون والمسؤولون.
وليست هذه المهمة بالسهلة اليسيرة، فالمراهق في أمس الحاجة إلى التربية البناءة واليد الحانية التي ترفق به وتأخذ بيده إلى مواطن الخير وتحذره من مواطن الشر، وتبصره بما يهمه.
فالأب مسؤول عن رعيته التي استرعاه الله إياها، ولو تفقد الأب أبناءه وراعى أحوالهم التي تتقلب من كونهم أطفالاً ثم مراهقين ثم شباباً لاستفاد الابن كثيراً، فهل يعرف الأب جلساء ابنه ومع من يغدو ويروح، وأين يسهر؟ وإلام يذهب أو يسافر، وهل بصّر ابنه بخطورة جلساء السوء وقوة تأثيرهم؟ ألا وإن للبيت أثراً لا ينكر في تنشئة الأولاد، فهل يستوي البيت الذي لا تسمع فيه المنكرات ولا ترى، ولا تدخله وسائل الإفساد والتأثير السلبي مع ذلك البيت الذي يستقبل كل وافد عبر الفضاء من القنوات أو عن طريق المجلات والصور الهابطة، ولا يسمع فيه قرآن ولا ذكر، وربما كان أهله ضعيفين في شأن الصلاة أو الستر والحجاب؟ ومهما بذل المربون والناصحون من الجهود في استصلاح الشباب والمراهقين فإن أثرهم لا يعدل نصف الأثر الذي يتلقاه الابن والبنت من البيت والوالدين.
وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى، فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وتركهم تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً" ، وهناك أدب قرآني أرشد القرآن الكريم إليه، ونحن في حاجة لاستحضاره وتطبيقه وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوالَكُمُ [النساء:5] وقد علم المربون ما تجره وفرة المال بيد المراهق في ظل غفلة الرقيب، وكم يتألم العاقل حين يرى صبياً وبيده سيارة يصول بها ويجول فكم آذى وتعدى وأزعج الناس، وطالما كانت السيارة سبباً في تغير سلوك قائدها الصغير، فلنكن على علم بذلك يا عباد الله، ولنتنبه إليه إن كنا حقاً ننشد صلاح أبنائنا وبناتنا ونطمح في كونهم شباباً صالحين بارين بوالديهم نافعين لمجتمعهم ، ومن الذي لا يحب أن يكون ابنه متفوقاً في دراسته حافظ لكتاب الله تعالى متميزاً في سلوكه وأخلاقه، درة في أسرته وبين أقاربه مسارعاً إلى المسجد حريصاً على العلم والاستفادة؟ إن ذلك كله ليس بعزيز ولا مستحيل، فالهمة العالية للوالدين تصنع الرجال وتخرج أجيالاً.
ومما يشار إليه في تربية الأولاد الحاجة إلى استعمال اللطف واللين وتحسين العلاقة مع الأولاد وجعلها أقرب إلى الصداقة والمودة، فلا بد من ترك الأساليب الجافة في التربية وعلاج المشاكل لدى الأولاد، وقد قيل قديماً في تربية الابن: لاعبه سبعاً، وأدبه سبعاً، وصادقه سبعاً، أي لاعبه في سنيه الأولى، فإذا تم سبعاً من السنين وبلغ سن التمييز، يأتي حينذاك دور التربية والأدب وتلقين المفاهيم والمثل الجميلة، وإذا أتم أربع عشرة سنة وناهز سن التكليف يأتي دور العلاقة الأخوية والصداقة التي تربط الوالد بولده، فيعامل الابن معاملة الرجال شيئاً فشيئاً، ولا يعني ذلك ترك الشدة في وقتها المناسب وبالأسلوب المناسب، فللين أوقاته، وللشدة وقتها، وكل خطأ يعالج بحسبه، وقد قال الشاعر:
فقسا ليزدجروا ومن يك ذا حكمة فليقس أحيانا على من يرحم
ولو تأسينا بنبينا في تعامله مع صغار الصحابة لرأينا الأثر الجميل والأدب الراقي الذي يصنع الرجال.وفي كل ذلك قيام بالواجب الذي أمرنا به اأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً [التحريم:6]، وفي الحديث: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)).
اللهم احفظنا واحفظ أولادنا، اللهم آمن روعاتنا واستر عوراتنا، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً.
أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية
أما بعد، فيا عباد الله، تلك إشارات إلى قضية مهمة لا بد من التعرض لها قياماً بالواجب وتذكيراً بالمسؤولية، وذلك شيء من دور الوالد في علاجها، وللمعلمين والمربين دور آخر في علاجها ومراعاتها، ومن ورائهم دور رجال الحسبة والأمن الذين أنيط بهم حفظ الأمن وستر عورات المسلمين، وإن الحاجة إلى طرح هذه القضية قائمة في جميع مجتمعات المسلمين في عصرنا هذا، فهي بلوى عامة، لا تعني بلداً دون آخر. وأول العلاج معرفة المرض وتلمس أسبابه وبيان المتخصص في علاجه، والله المستعان وعليه التكلان.
ـــــــــــــــــــ(68/292)
استوصوا بالشباب خيراً
...
...
3237
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الأبناء
...
يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه
...
...
القدس
...
11/5/1424
...
...
المسجد الأقصى
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- دعوة لاغتنام الأوقات والأعمال. 2- الوصاة بالشباب وحسن الرفق بهم. 3- مجد الإسلام الذي ضاع بقدر ما ضيعنا من ديننا. 4- التضييق على المسلمين ومنع كثيرين من الصلاة في الأقصى. 5- الهدنة مع اليهود.
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا عباد الله، يقول صلى الله عليه وسلم: ((اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك))[1].
أيها المؤمنون، إن بناء المجتمعات لا يمكن أن يرتفع له لواء، إلا إذا سارت وراء الهدي النبوي، وخير من يوصى به لأهميته في البناء، الشباب الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالشباب خيرا، فإنهم أرق أفئدة))، الشباب الذي لا يجد له في هذه الأيام مرشداً كريماً، ولا موجهاً عظيماً، ولا مربياً رفيعاً، ولا أباً رحيماً إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء شاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (ائذن لي بالزنا يا رسول الله)، كلمة خطيرة تكاد السموات يتفطرن منها، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هداً، إلى من يوجه هذا الكلام؟ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان يجلس حول الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابُه الكرام، يحيطون به كما تحيط النجوم بالقمر، وكما تحيط الجنود بالعَلم.
فثار الصحابة رضي الله عنهم، وثارت دماء الغضب في عروقهم، ولكنه عليه الصلاة والسلام كما عهدناه بحلمه ووقاره وجلاله وسكينته وأدبه وأخلاقه، يجلس في هدوء يرسل الحكمة كما يرسل القمر أضواءه.
أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يهدؤوا، ثم دعا الشاب إليه، فجلس أمام النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هدوء الأستاذ مع التلميذ، وبحكمة الطبيب مع المريض، قال للشاب: ماذا تريد يا فتى، قال: ائذن لي بالزنا يا رسول الله.
وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يرسل هذه الحكمة الرفيعة: ((يا فتى أفترضاه لأمك؟))[2]، كان عليه الصلاة والسلام يداوي الجراح الدامية بتنسم الروحانيات الصافية، ونزلت هذه الكلمة باستفهامها على سمع الفتى، ثم أخذت طريقها إلى قلبه، فصادفت مكاناً خالياً، فتمكنت منه، فقال: لا يا رسول الله.
ويكرر الرسول صلى الله عليه وسلم السؤال: ((أفترضاه لأختك؟ أفترضاه لعمتك؟ أفترضاه لخالتك؟)) وإذا بالشاب يجلس أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وينتفض ويقول: ادع الله لي يا رسول الله، وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يدعو لهذا الفتى، فقال، الدعوة الأولى: ((اللهم حصن فرجه))، ثم قال في الثانية: ((وطهر قلبه))، ثم قال في الثالثة: ((واغفر ذنبه)).
يقول هذا الشاب: فخرجت من عند رسول صلى الله عليه وسلم، وليس على وجه الأرض أحد أحب إلي من رسول الله، هكذا يكون الدواء وهكذا يكون العلاج.
وصدق الله تبارك وتعالى وهو يخاطب نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].
الشباب والصحة نعمتان من أجلّ نعم الله تبارك وتعالى، إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يداوي بالحكمة والموعظة الحسنة، لذلك ربى جيلاً لم تعرف البشرية له مثيلاً، اسمعوا إلى ما قاله عمر رضي الله عنه، وعمر أحد الذين دخلوا الإسلام في سن الشباب، كان عمره يوم أسلم ستاً وعشرين سنة، كان اسمه في سجل المسلمين رقم أربعين، عمر عندما دخل الإسلام ونطق بالشهادتين كان أول كلمة قالها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علام نخفي ديننا يا رسول الله؟ إن الإسلام والإيمان قد تمكنا من قلبه، إن الإسلام قد رسخ في فؤاده، علام نخفي ديننا يا رسول الله؟ لم لا تصدع بما تأمر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لم يأمرني بذلك))[3]، وإذا بالوحي يتنزل على قلب وفؤاد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر:94]، فقال له جميع الجالسين: لا إله إلا الله، والله أكبر.
كل شيء إلى تغير وفناء، كل شيء إلى زوال، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت، فبادروا يا عباد الله بالرجوع إلى الله، بادروا بالصلح مع الله تبارك وتعالى، ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها، كان من دعاء الحبيب صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها))[4].
والرسول صلى الله عليه وسلم مر بالسيدة فاطمة رضي الله عنها بعد صلاة الفجر فرآها قد نامت بعد ما صلت، فقال لها: ((يا فاطمة قومي فاشهدي هذه الساعة التي يقسم الله فيها الأرزاق على العباد))[5].
عباد الله، أمتنا الإسلامية أمة عظيمة، ولا نظير لها، كانت تسيطر على البحر الأبيض كله وعلى ثلثي البحر الأحمر، كانت تنام على بحر من البترول فماذا حدث؟، سلبتهم الدنيا أملاكهم، فالمقاطعات الإسلامية استولى على كثير منها المعسكر الشرقي، وضاعت الأندلس وظاعت صقلية وضاعت فلسطين، وسلبت الجولان واحتل بيت المقدس والضفة الغربية، لماذا؟ لأن الدنيا فتحت علينا، فنسينا الله تبارك وتعالى، نسينا أحكامه، ونسينا كتابه.
كانت الغنائم تأتي لبيت مال المسلمين من المشارق والمغارب في زمن عمر رضي الله عنه، جاءت الغنائم من بلاد فارس، فبكى بكاءً شديداً، فيقول له ابن مسعود رضي الله عنه: أتبكي يا أمير المؤمنين في يوم النصر؟ فيقول أمير المؤمنين: أخشى على المسلمين أن تفتنهم الدنيا، عمر يخشى من فتة الدنيا على المسلمين.
صدقت يا أمير المؤمنين تعال وانظر اليوم إلى أحوال المسلمين.
أمتنا أمة عظيمة، عندما أسلمنا وآمنا، عندما قرأنا القرآن واتخذناه منهجاً وسلوكاً ونظام حياة، عندما عشنا مع القرآن في نومنا وفي يقظتنا وفي أكلنا وشربنا وحياتنا، كانت حياتنا كلها مع القرآن، إذا أصبح مجتمعنا مجتمعاً قرآنياً منهجاً وسلوكاً، فسوف نقود العالم كله إلى شاطئ الأمان، وبغير ذلك كله لن نفلح أبداً، فأخلصوا قلوبكم لله يا عباد الله وافتحوا قلوبكم، واستعينوا بالله واصبروا، لا تنسوا الله تبارك وتعالى وأحسنوا صلتكم بالله، اجعلوا أيامكم كلها لله، قيل للإمام الحسن البصري رضي الله عنه أي الأيام عندك عيد يا إمام؟ فقال: كل يوم لا أعصي الله فيه، فهو يوم عيد.
عباد الله، أمر الله تعالى المؤمنين بالانضباط، فما هو الانضباط في الإسلام كما ورد في شريعة خير الأنام؟
الانضباط في قول الله تبارك وتعالى: وَأَنَّ هَاذَا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذالِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153]، الانضباط الذي أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال له ربه: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112]، فإذا أردنا أن نطبق الانضباط في مجتمعاتنا لا بد ان نأخذ جانبين: جانب الوقاية وجانب العلاج، أما الوقاية فهي إزالة الموانع التي تؤدي بنا إلى غضب الله وارتكاب المعاصي، أيكون هناك انضباط وأبواب الخمارات مفتوحة؟ أيكون هناك انضباط والنساء كاسيات عاريات؟ أيكون هناك انضباط ومعاملاتنا كلها معاملات ربوية؟ أيكون هناك انضباط والنفوس مشحونة بالحقد والحسد والشحناء وسفك الدماء؟
عباد الله، الإسلام ليس صلاة وصياماً وحجاً فقط، الإسلام استسلام لله تبارك وتعالى وتطبيق لمنهجه في كل نواحي الحياة.
عباد الله، اعلموا جيداً أنه لا يجوز بحال من الأحوال أن يمنع المصلون من الدخول إلى المسجد الأقصى المبارك، وذلك لقول الله عز وجل في كتابه العزيز: أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِى خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:114]، فالمساجد هي بيوت الله ويأتي المصلون إليها لأداء الصلوات تطبيقاً لمنهج الله تبارك وتعالى في الأرض، ومن تجرأ على منع المصلين من الدخول إلىالمساجد فقد ارتكب إثماً عظيماً وجُرماً كبيراً سيحاسب عليه حساباً كبيراً من الله الواحد الجبار.
وتذكروا أيها المؤمنون أن من يتجرأُ على بيوت الله ويمنع المصلين من أداء الصلوات فهو عدو لله ومحارب لله، وسوف ينتقم الله تعالى منه.
وفي نفس الوقت يجب على المسلمين أن يحافظوا على مسجدهم، وأن يكون إيمانهم قوياً بالله عز وجل.
وانظروا أيها الإخوة إلى قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ، معناه أنه لا يوجد أحد أظلم من الذي يمنع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، أي أن هذا الظلم هو الظلم العظيم، ويختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله: لَهُمْ فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، أي لن يتركهم الله تبارك وتعالى في الدنيا ولا في الآخرة بل يصيبهم في الدنيا خزي، وهذا مظهر غيرة الله على بيوته، أما في الآخرة فلهم عذاب عظيم، فهل سمعتم على مر الزمان أن قوماً من الأقوام يمنعون الناس من أداء العبادات والشعائر الدينية، وهذا الفعل بذاته مخالف لكل الأعراف الدولية، وصدق الله تبارك وتعالى وهو يقول: أَرَأَيْتَ الَّذِى يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى [العلق:9، 10]، فقد ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت في أبي جهل عليه لعنة الله، والعبرة كما تعلمون بالعموم، وليس بالخصوص، فاتقوا الله يا عباد الله، وحافظوا على مسجدكم، فهو رمز مجدكم وعزكم وكرامتكم.
اللهم حرر المسجد الأقصى، وطهره من رجس الكافرين، واجعلنا فيه من عبادك المرابطين إلى يوم الدين، اللهم اجعله عامراً بالإسلام والمسلمين يا رب العالمين.
عباد الله، ورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بادروا بالأعمال سبعاً هل تنتظرون إلا غنىً مطغياًَ، أو فقراً منسياً، أو مرضاً مفسداً أو هرماً مفنداً أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر))[6].
عباد الله، توجهوا إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء
وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله
[1]أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 306)، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب [3355]، وأخرجه ابن المبارك في الزهد، ومن طريقه البغوي في شرح السنة [4022] عن عمرو بن ميمون مرسلاً، وصحح سنده الحافظ في الفتح (11/234).
[2] أخرجه أحمد (5/256).
[3] أخرجه ابن خثيمة القرشي (ص 128) في جزئه بنحوه.
[4]رواه الترمذي في البيوع (1212)، وأبو داود في الجهاد (2606)، وابن ماجه (2236)، وأحمد (1/153)، وصححه ابن حبان (4754). والألباني في صحيح أبي داود (2270).
[5] في البيهقي وغيره (فاشهدي أضحيتك).
[6] رواه الترمذي في الزهد (2306). وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وضعَّفه الألباني في الضعيفة (1666).
الخطبة الثانية
الحمد لله العزيز الوهاب، أنزل على عبده الكتاب هدى وذكرى لأولي الألباب، ونشهد أن لا إله إلا الله، أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، وجعل أمتنا - ولله الحمد -خير أمة أخرجت للناس، وبعث فينا رسولاً منا يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة، فالصلاة والسلام على سيد الأحباب، النبي الأمي المبعوث بالحق والصواب، الشافع المشفع يوم الحساب، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآب.
أما بعد: أيها المسلمون، إن الحدث الأبرز على الساحة الفلسطينية هو إعلان الهدنة من جانب الفلسطينيين المغلوبين على أمرهم فيما يسمى وقف إطلاق النار مع الجانب الإسرائيلي، وأسئلة عدة تفرض نفسها على الحدث، لأنه يتعلق بصميم وواقع شعبنا الفلسطيني المسلم الذي أعقب اندلاع انتفاضة الأقصى، فالحديث يشمل الفترة الزمنية الحالية من المعاناة، ناهيك عن المأساة المتواصلة على امتداد نصف قرن من الزمان، منذ سقوط فلسطين المسلمة في يد المحتلين، فهل يصمد وقف إطلاق النار الحالي؟ هل تؤدي هذه الهدنة إلى إعادة الهدوء والاستقرار والحياة إلى شعبنا المسلم؟ هل ستزول الحواجز ونقاط التفتيش، حواجز الإهانة والاضطهاد والإذلال؟ هل ستوقف إسرائيل عن تصفية المسلمين على امتداد الوطن؟ هل سيتم انسحاب إسرائيل الكامل وتفكيك جميع المستوطنات؟ هل ستعود مدينة القدس المسلمة لعصمة المسلمين وسيادتهم؟ هل سيعود المهجرون والنازحون والمبعدون إلى ديارهم ووطنهم وأهلهم؟ هل سيتم إطلاق سراح أبناء شعبنا الفلسطيني المسلم من زنازين الاحتلال وأقبية المعتقلات والسجون دون تمييز بينهم؟ هل ستتوقف إسرائيل عن استفزازاتها تجاه المسجد الأقصى المبارك؟
أيها المسلمون، إن المتابع للتجارب المريرة التي خاضها ويخوضها شعبنا قديماً وحديثاً وعلى امتداد عمر المأساة، يجد أن إسرائيل تضرب عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف والمعاهدات.
ولقد أثبتت التجارب والأيام أنه لا يكاد حبر أي اتفاق يجف، حتى تنقض إسرائيل هذا الاتفاق، ومسلسل الأحداث منذ اتفاقات كامب ديفيد وأوسلو وشرم الشيخ والعقبة تدل على ذلك.
كانت هناك وعود منذ العام 1993م بإقامة دولة فلسطينية، وانسحاب إسرائيلي كامل، ولكن ماذا حدث؟ انسحبت إسرائيل فترة زمنية قصيرة من بعض المناطق بعد تقسيمها، ثم ما لبثت أن أعادت احتلالها بعد انتفاضة الأقصى.
إن حجم التضحيات الجسام التي بذلها ويبذلها شعبنا في المال والبنين، تفوق ما قدمه أي شعب من أجل حريته، ثم تأتي الضغوط من القريب والبعيد للقبول، بما يسمى الأمر الواقع.
إن ما يزيد الأمور تعقيداً هو ما يعلنه الأمريكيون إثر زياراتهم للمنطقة واجتماعهم مع زعمائها، من أن وقف إطلاق النار يجب أن يعقبه تفكيك الجماعات المسلحة قبل تفكيك المستوطنات، ويتحدث الأمريكيون أن الفلسطينيين هم عقبة في طريق السلام، وبعكس إسرائيل، فإنها دولة محبة للسلام، غير أنها محاطة بالأعداء.
وأنتم يا أهلنا في أرض فلسطين المباركة، أنتم في رباط إلى يوم القيامة، أنتم أهل الصبر والمصابرة والمرابطة، اجعلوا ثقتكم بالله تنكشف الأمور وتزول الغمة، ولا نريد أن نقول ما قال الشاعر:
صبرنا إلى أن ملّ من صبرنا الصبر وقلنا غداً أو بعده ينجلي الأمر
فكان غد شهراً ولو ومد حبله فقد ينطوي في جوف هذا الغد العمر
وقلنا عسى أن يدرك الحق أهله فصاحت عافاني الله ولا طعمُها مر
سلام على الدنيا سلام على الورى إذا ارتفع العصفور وانخفض النسر
أيها المسلم:
دع المقادير تجري من أعنتها ولا تبيتن إلا خالي البال
ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال
ـــــــــــــــــــ(68/293)
أهمية العلم وفضله
...
...
3270
...
الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد
...
...
العلم الشرعي, قضايا الأسرة, قضايا المجتمع
...
محمد أحمد حسين
...
...
القدس
...
8/7/1424
...
...
المسجد الأقصى
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- فضل العلم وأهله. 2- أهمية العلم. 3- التربية العلمية مسؤولية الجميع. 4- مقومات التربية. 5- التربية وعلاقتها بالأخلاق. 6- معالجة لظاهرة التسرب من المدارس وترك التعليم في سن مبكرة. 7- نصائح عامة.
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، قبل بضعة أيام بدأ العام الدراسي الجديد وقد توجه إلى المدارس ما يزيد على المليون طالب وطالبة من أبناء هذا الشعب الصابر المرابط؛ لينتظم هؤلاء الطلبة في تحصيل العلم والاستزادة من المعرفة التي حث الله على طلبها في أول سورة نزلت من القرآن الكريم على قلب نبينا عليه الصلاة والسلام، فقال تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الَّذِى خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5]، وحسب العلم شرفا أن تكون أول الآيات المنزلة من القرآن الكريم تحث على القراءة والكتابة، وهما من أهم الوسائل الموصلة إلى العلم والثقافة وحفظ المعارف المختلفة.
وترتكز هذه العملية التربوية التعليمية على الإيمان بالله الذي أراده الله لكل بني البشر، فبالعلم والإيمان تستقيم أحوال الإنسان وتصلح المجتمعات الإنسانية، ولعل إهتمام شعبنا بالعلم وطلبه هو من أهم المقومات التي حافظت على تماسك هذا الشعب وإبقاء قضيته حية، على الرغم مما أصابه من نكبات وويلات ولجوء وتشريد وإضطهاد وإحتلال.
أيها المسلمون، أيها المربون، إن عملية التربية والتعليم تحتاج إلى تكافل كل الجهود لإنجاحها وتقدمها وضبطها، فلا تقع المسؤولية على عاتق المعلمين والمربين وحدهم، بل لا بد من مشاركة الأسرة والمجتمع بهذه المسؤولية العظيمة، خاصة في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها عملية التعليم في ظل تقطيع أوصال الوطن وفرض الأطواق والحصار ومنع التجوال، ما يستوجب جهدا مضاعفا من المعلمين والطلاب وأولياء الأمور والمشرفين على العملية التعليمية بالوزارات والجامعات.
رسالة التربية والتعليم رسالة شريفة وغايتها نبيلة، اضطلع بها العظماء من المربين والفضلاء من المعلمين، الذين وهبوا ويهبون حياتهم في سبيل نهضة أمتهم وبعث عزها وحضارتها.
إن الأجيال التي تربت في مدرسة الغزالي والجيلاني وابن تيمية والعز ابن عبد السلام، هي التي قادة الأمة وردة غزو المغول وطهرت البلاد من دنس الصليبيين وأعادة للأمة مجدها المسلوب وحقها المغصوب؛ لأن تلك الأجيال تربت على العقيدة الإسلامية التي تقوم على الإيمان والعلم والعمل والأخلاق، فالنهوض بالعملية التعليمية يحتاج إلى غرس القيم الإيمانية والأخلاقية في نفوس الأبناء، إذ كيف يمكن للمرابط أن يصمد في أرضه ويتابع مسيرة علمه إن لم يكن محصنا بالعلم والأخلاق، فانهيار الأخلاق يؤذن بعواقب وخيمة على الشعب والأرض والأمة، فليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تموت فيه الفضائل لتحيا الرذائل، ويقدم أهل الفجور ويأخر المتقون، ويكذب الصادقون ويصدق الكاذبون، وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يظلم فيه المحق ويحابى المبطل، وتفسد فيه الذمم وتدمر الضمائر.
أيها المسلمون، أيها المرابطون في ديار الإسراء والعراج، إن المجتمع المسلم الذي يقوده أهل العلم والذي تربوا الأمة إلى الوصول إليه، هو مجتمع العلم النافع والتربية الفاضلة، فلا انفصال في المجتمع المسلم بين العلم والأخلاق، ولا بين السياسة والأخلاق، ولا بين السلم والأخلاق ولا بين الحرب والأخلاق، فالمجتمع المسلم هو مجتمع العلم والمعرفة والإيمان والعمل والعدل والإحسان والبر والرحمة والصدق والأمانة، والعزة والتواضع والحياء والعفاف والمروءة والنجدة والغيرة على الحرمات والإستعلاء على الشهوات، وهذا لا يكون إلا بالتربية الفاضلة التي يوجهها العلم النافع الذي يربط الإنسان بربه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الَّذِى خَلَقَ.
وإذا أردنا أن نكون كذلك فلا بد من انتهاج سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالتربية والقدوة، يقول سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه: (كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلمهم السورة من القرآن) ولله در القائل:
إذاً هاتوا المصاحف كي نربي على التقوى لنا طفلا وطفلة
إذاً هاتوا الحديث لكي نربي على الإيمان في الميدان أهله
إذاً هاتوا نقيم الطهر فينا ونضع فوق هذا الطهر دولة
جاء في الحديث الشريف عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فضل العالم على العابد، كفضلي على أدنى رجل من أصحابي))[1]. أو كما قال.
فيا فوز المستغفرين استغفروا الله، وادعوا الله وأنتم موقون بالإجابة.
[1] أخرجه الترمذي في العلم، باب: ما جاء في فضل الفقه على العبادة (2685)، والطبراني في الكبير (8/233)، بلفظ: ((كفضلي على أدناكم)). من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه. قال الترمذي: "حسن غريب صحيح". وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2161).
الخطبة الثانية
الحمد لله الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى أله الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين ومن إقتدى وإهتدى بهم إلى يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله أحب لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم حتى يفوزا بنعم الله وينالوا رضوانه.
وبعد أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسرء والمعراج لنجاح العملية التربوية لا بد من القضاء على الظواهر السلبية التي تتفشى بين الطلبة، ومن هذه الظواهر ظاهرة التسرب من المدارس وترك التعليم في سن مبكرة، ومما يعين على هذه الظاهرة عدم اهتمام الأهل بمتابعة الأبناء وحثهم على طلب العلم، وصحبة السوء التي تقود إلى رذائل الأخلاق كتعاطي المخدرات وانتشارها بين أبناء المدارس، هذه الظاهرة التي اجتاحت أخلاق أبناء هذه المدينة المقدسة، ولم تقتصر على الطلاب بل شملت فئات كثيرة وقعت في براثن المتاجرين والمروجين لهذه السموم التي تفتك بالعلم والأخلاق وبالدين والأجسام، وتؤدي إلى انتشار الفاحشة والوقوع في شَرك الإسقاط والخيانة والعمالة، فهلا أدرك المربون والمعلمون والآباء والأمهات وكل صاحب مسؤولية ما لهذه الآفات من مخاطر على الجيل ومستقبله؟!، وعملوا على محاربة هذه الظواهر وتكاثفت كل الجهود للقضاء عليها.
أيها المسلمون، لقد حرص الإسلام منذ يومه الأول على نشر العلم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع))[1]، وقد جعل الرسول عليه الصلاة والسلام فداء بعض الأسرى بعد معركة بدر قيام الأسير من مشركي مكة بتعليم عشرة أولاد من أبناء المسلمين، حرصا منه عليه الصلاة والسلام على نشر العلم بين جميع المسلمين، وقد كلف أمير المؤمنين الفاروق عمر رضي الله عنه عدداً من أعوانه بتفحص الناس، فمن وجدوه لا يعرف القراءة والكتابة ألزموه بذلك، وفي هذا دلالة على إلزامية التعليم ومجانيته في ظل الدول الإسلامية، وقد عرف عن الوزير نظام الملك أنه كان ينفق الأموال الطائلة على التعليم وعلى إقامة المدارس والجامعات والمكتبات، مما دفع بالحاكم السنجوقي إلى توجيه اللوم والعتاب له لهذه النفقات، فاجابه الوزير بقوله: "لقد أقمت لك جيش يسمى جيش الليل، وهم الطلاب، إذا نامت جيوشك ليلا قامت جيوش الطلاب على أقدامهم صفوفا بين يدي ربهم، فأرسلوا دموعهم وأطلقوا ألسنتهم ومدوا إلى الله أكفهم بالدعاء لك ولجيوشك، فأنت وجيوشك في خسارتهم تعيشون، وبدعائهم تبيتون، وببركاتهم تمطرون وترزقون"، فتأثر الملك بهذه الإجابة وشكر الوزير على عمله ومنجزاته العلمية، وهكذا أخوة الإيمان هو العلم مع الإيمان والعمل.
أيها المسمون، أيها المرابطون، هل عمل ولاة الأمور في هذه الأيام على إعداد الجيل على هذه التنشئة، وأنصفوا القائمين على عملية التربية والتعليم لتهيئة وسائل العيش الكريم لهم حتى يتفرغوا للعلم والعطاء، متحلين بالإخلاص والصبر والصدق فيما يعلمون ويدعون إليه، ويأدونه لهذه الرسالة الجليلة في التربية والتعليم.
إن الأمة تعقد الآمال على هذه الأجيال الصاعدة للخلاص من مرحلة الضعف والهوان، والعودة إلى مراقي العلم والعز والمعرفة في ظلال الإسلام ودولته الراشدة التي تسوس الرعية تحكمها بالعدل والسوية، وتعيد للمسلمين عزهم وللمؤمنين مجدهم، "فلن يصلح أخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها"، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف:21].
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج في الوقت الذي تسمح سلطات الاحتلال بدخول السياح واليهود المتطرفين والمستوطنين إلى المسجد الأقصى بالقوة تمنع هذه السلطات المسلمين من الوصول إلى المسجد الأقصى لأداء الصلاة فيه، متذرعة بحجج الأمن ومنع الإخلال بالنظام وهي حجج واهية، وتحدد أعمار الداخلين إلى المسجد وكأنها فرضت نفسها مكان رب العالمين، والعياذ بالله من هذا العمل الظالم لتكليف الناس عند سن محددة بأداء العبادة، هذا بالإضافة إلى إقامة الحواجز لإعاقة وصول المسملين إلى المسجد الأقصى والتدقيق في هوياتهم، وغير ذلك من الإجراءات التعسفية التي تتعارض مع أبسط الحقوق الإنسانية، التي توفر للإنسان حق العبادة وحرية الوصول إلى أماكنها.
إن المسلمين في هذه الديار المباركة يرفضون هذه الإجراءات ويعتبرونها عدوانا على مقدساتهم وعباداتهم، كما يرفض شعبنا الفلسطيني إقامة جدار الفصل العنصري الذي يمزق أحياء المدينة المقدسة، ويمس حقوق أهلها في أرضهم ومنازلهم وجامعتهم ومدارسهم، لأن جامعة القدس يلتهم جدار الفصل هذا جزءا كبيرا من حرمها الجامعي، وهذا الجدار طال ضرره مساحات واسعة من مدن وقرى وأراضي الضفة الغربية حيث فصل بين الأهل وأبناء الأسرة الواحدة.
يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، إن تعاونكم على نشر الأخلاق وتمسككم بعقيدتكم والمحافظة على وحدة صفكم والتنبه لما يحاك ضدكم من مؤامرات، كل هذا كفيل بمواجهة مخططات الاحتلال وإفشالها، في الوقت الذي يعزز صمودكم وثباتكم في أرضكم الطاهرة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.
[1] أخرجه الترمذي في العلم، باب: فضل طلب العلم (2647)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وقال: "حديث حسن غريب، ورواه بعضهم فلم يرفعه". وحسن إسناده الضياء القدسي في المختارة (6/125)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (2047).
ـــــــــــــــــــ(68/294)
ظاهرة التهاون بالطلاق
...
...
3309
...
الأسرة والمجتمع, فقه
...
...
الطلاق, قضايا الأسرة
...
محمد بن عبد الله السبيل
...
...
مكة المكرمة
...
28/8/1424
...
...
المسجد الحرام
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- نعمة الحياة الزوجية. 2- تفاوت العباد في التدبير والتصرف. 3- السبيل لصلاح البيت. 4- مشكلة التسرع في الطلاق. 5- إرشادات نبوية لعلاج المشكلة. 6- نصائح للزوجين. 7- استقبال رمضان.
الخطبة الأولى
أما بعد: فاتّقوا الله عبادَ الله، اتّقوه حقَّ تقاته ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون، اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].
واعلموا ـ عبادَ الله ـ أنّ الله عزّ وجلّ يمتنُّ علينا بنعمِه، ويذكِّرنا بمِنَنه، ويبيِّن لنا آياتِه الدّالةَ على فضلِه وإحسانه، يقول سبحانه وتعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21].
ففي هذه الآية الكريمةِ ينوِّه الله جلّ وعلا عن نعمةٍ عظيمة امتنَّ بها على عباده، ألا وهي العلاقة بين الزّوجين التي يحصُل بها الأنسُ، ويتمّ بها السّرور، ويحصل بها السّكون والطمأنينة في هذه الحياة، فيجِب على العبدِ أن يرعاها حقَّ رعايتها، ولا يتسبَّب في زوالها وفِصامها بعدَ توكيد عُراها.
عبادَ الله، إنّ اللهَ خلق عبادَه متفاوتين متفاضلِين في التّدبير والتصرُّف في شؤون الحياةِ وفي أسبابِ نيلِ السّعادة في الدّنيا والآخرة، ومِن أجل هذا التّفاوتِ جعل الله الخلقَ بين راعٍ ومرعيّ، فاختار ولاةً للأمور ترعَى شؤونَ أمَمِهم، واسترعَى الرّجل على أهلِ بيته، واسترعى المرأةَ على بيت زوجها، فالبيتُ هو عِماد الحيَاة وقوامُ السّعادة واطمئنانُ النفوسِ واستقرارها، ولا يصلح إلاّ إذا قامَ الرّجل بواجبِه وأصلحَ أمرَ أهلِه وأحسن عشرتَهم، وكذا الحالُ في حقِّ الزّوجة، فعلى المرأةِ المسلمة أن تساهمَ بما يجب عليها لأولادها وزوجِها، فالمنزلُ هو المدرسةُ الأولى للحياة، وهو الأساس الذي يصلِح النّشء بإذن الله، ويربِّيهم التربيةَ الإسلاميّة الصالحة التي تقودهم إلى الحياة الطيّبةِ والسّعادة في الدارين.
عبادَ الله، إنّ ممّا ابتُلي به كثير من الناس اليومَ التهاونَ في أمر الطّلاق وجعلَه أمرًا ميسورًا، فيرمي أحدُهم الطلاقَ على زوجته لأتفهِ الأسباب ناسيًا كلَّ معروف لها، فيظلِمها ويظلم نفسَه وأولادَه، ثمّ يكون منه بعدَ ذلك النّدم والتحسُّرُ على ما فات، وسببُ ذلك غالبًا سرعةُ الغضب والانفعال وسوءُ الخلق، فينهار البَيت، وتتشتّت الأسرة، فعلى الرّجل أن يضبطَ نفسه وأعصابَه ولا تستثيره المرأةُ، وعليه في مثل هذه الحالاتِ التي تنشأ من شدّة الغضب أن يغيِّر حالتَه كما أرشدَ إلى ذلك المعصوم بأن يغيِّر حالتَه في تلك اللحظةِ من قيامٍ إلى جلوس، أو مِن جلوسٍ إلى اضطجاع أو خروج من المنزل، حتى تهدَأ الأمور ويزول الغضبُ ويعودَ إلى صوابه، كما أنَّ عليه أن يتذكّر قولَه ووصيّتَه بحقِّ المرأة كما في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((واستوصوا بالنّساء خيرًا؛ فإنّ المرأةَ خلِقت من ضِلَع، وإنّ أعوجَ شيء في الضِّلَع أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمه كسرتَه، وإن تركتَه لم يزل أعوج، استوصُوا بالنّساء خيرًا))[1]، ويقول : ((لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً ـ أي: لا يبغِض ـ، إن كرِه منها خلُقًا رضيَ منها آخر))[2].
فهذا الإرشادُ النّبويّ الكريم مِن أكبر الأسبابِ والدّواعي لحسنِ الخلُق والعِشرة بالمعروف، فينبغي أن يلحَظَ ما في زوجتِه من الأخلاقِ الحميدة والأمورِ التي تناسبُه، وأن يجعلها في مقابَلة ما كرِه من أخلاقها، فإنّ الزوجَ إذا تأمّل ما في زوجتِه من الأخلاق الطيّبة والمحاسِن التي يحبُّها ونظَر إلى السّبب الذي دعاه إلى التضجُّر منها وسوءِ عشرتها فإن كان منصِفًا غضَّ عن مساوئِها لاضمِحلالها في محاسِنها. وليعلَم العاقل أنّ الكمالَ متعذِّر، ولو لحظ أخلاقَه وتفقّد نفسَه لوجد فيه من العيوب أكثرَ ممّا هو في المرأة أو مثلها، ولا يكاد يصفو مع زوجةٍ ولا غيرها من الأقارب أو الأصدقاء، وليتذكّر قول الله عزّ وجلّ: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19].
عبادَ الله، إنّ العقلَ السليم والفطرةَ النقيّة والضمير المنصِفَ يترفّع عن هضمِ الزّوجة حقَّها، ولا تستسِيغ نفسٌ كريمة ظلمَ امرأةٍ ضعيفة نشأت بعيدةً عنه ثمّ امتزجَت العلاقةُ بينهما وسكنت نفسُ كلٍّ منهما إلى الآخر كما قال سبحانه: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21]، وهي مع هذه المودّة والرّحمة تكون رهينةَ طاعةِ زوجِها والقائمة بأمر بيتِها ومتعة نفسه وموضع حرثِه، وبعد هذا كلّه يتجرّأ على مضارّتها أو مضايقتِها أو نيلِها بإهانة أو هضمٍ أو ضرب ثمّ انفصال وطلاق.
أيّتها المرأة التي امتنّ الله عليها بالعزّة والكرامة والصّيانة والعفّةِ وجعلها مربّيةً وعميدةَ أسرة، حافظي على نعمتِك بتحسين خلُقك ومعاملتك لزوجِك المعاملةَ الحسنة، فإنّ حقَّ الزوج عظيم، واحتسِبي الأجرَ من الله في طاعتِه وخدمتِه والقيام بأمرِه وشأنِه والصبرِ على ما يصدُر منه والتّغاضي عن الأمور التي لا تخلُّ بدينٍ ولا مروءة والبعد عن الظّنون السيِّئة والاتّهامات الوهميّة والعباراتِ المؤذية، وخذِي عبرةً ممّا تسمَعين مِن المشاكلِ الزوجيّة وما ينتُج عنها مِن فُرقة وتشتيتٍ للأولاد.
أيّها الأزواجُ والزّواجات، ليحافِظ كلٌّ منكما على حسنِ الصّحبة، وليتدرّع بالصبر والتحمّل لما قد يصدُر من صاحبِه، وليتَّصِف بحسن الخلُق والمعاشرةِ الحسنة، وإن رأى ما يكرَه من صاحبِه فليقابل ذلك بالحِلم والصّفح حتى يهدأ قبيلُه ويعودَ إلى رشده، فيعترف بالفضلِ لصاحبِه.
وتذكّروا أنَّ لكلّ واحدٍ من الزّوجين حقوقًا على الآخر يجب عليه القيامُ بها كما قال عزّ وجلّ : وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228].
فاتّقوا الله عبادَ الله، وتدرّعوا بالصّبر والحِلم والتّغاضي عن بعضِ الأمور، فإنّ الكمالَ متعذِّر، والصّفح مِن شِيَم الكِرام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19].
نفعني الله وإيّاكم بالذّكر الحكيم وبهدي سيّد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري في النكاح (5186)، ومسلم في الرضاع (1468).
[2] أخرجه مسلم في الرضاع (1469) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانِه، والشّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له الإلهُ الحقّ المبين، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله أفضل الخلقِ أجمعين، اللهمّ صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمّد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتّقوا الله عبادَ الله، اتّقوه حقَّ تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون.
واعلموا أنّ الله سبحانَه وتعالى فضّل بعضَ الأوقات على بعض، وشرّف بعضَ الشّهور والأيّام واللّيالي على غيرها، وجعلها متَّجَرًا لعبادِه المؤمنين. ومن أهمّها وأفضلِها شهرُ رمضان الذي أنزِل فيه القرآن، جعله الله سبحانه وتعالى شهرًا مباركًا وموسِمًا عظيمًا من مواسم الخيرات، يجود فيه الرّبّ سبحانه وتعالى على عبادِه برفعِ الدّرجات وغفران السيّئات، وقد قرُب قدومه عليكم وحلولُه بين أظهرِكم، فاستقبِلوه بالفرَح والاستبشار، فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].
فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، جعل الله صيامَه فريضةً وقيام ليله تطوّعًا، من فطّر فيه صائمًا كان مغفرةً لذنوبه وعتقَ رقبته من النّار وكان له مثلُ أجرِه من غيرِ أن ينقصَ من أجره شيئ، شهر أوّلُه رحمَة وأوسطُه مغفِرة وآخرُه عتقٌ من النّار، مَن أشبَع فيه صائمًا سقاه الله من حوضِ نبيّه شربةً لا يظمأ بعدَها حتّى يدخلَ الجنّة.
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185].
عبادَ الله، إنّ الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه فقال سبحانه وتعالى قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمَّ صلّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمّد أزكى البريّة أجمعين، وارضَ اللهمّ عن الخلفاء الراشدين...
ـــــــــــــــــــ(68/295)
خطورة القدوة السيئة
...
...
3467
...
الأسرة والمجتمع
...
...
قضايا المجتمع
...
ناصر بن محمد الأحمد
...
...
الخبر
...
...
...
النور
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- حال من يسن في الناس سنة سيئة. 2- وجوب التنزه عن القبائح لمن هو في محل القدوة. 3- الحذر من أئمة الضلال. 4- ذم حال الذين يأمرون بالبر وينسون أنفسهم. 5- مصير هؤلاء يوم القيامة.
الخطبة الأولى
أما بعد: إن من أقبح المنكرات، وأرذل الأخلاق، أن يكون الشخص إماماً في الشر، متبوعاً وداعياً وهادياً إلى غير ما يرضي الله عز وجل.
أما إذا كان هو الشرارة الأولى، وهو الذي بدأ بسن هذه الرذيلة أو السيئة، في وسطه، أو أهله، أو مكتبه، أو مجلسه.فهذه ظلمات مركبة، وسنة سيئة، بل ويتحمل وزر من تبعه ويحمل مثل عمله. يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري: ((ليس من نفس تُقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل)).
ويقول : ((ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)) وعن البخاري ومسلم قوله عليه الصلاة والسلام: ((رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار، لأنه أول من سيب السوائب وغير دين إبراهيم)) وكتب لهرقل عظيم الروم: ((أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين)) رواه البخاري ومسلم.
هذا وغيره من النصوص، تبين هذه القضية وخطورة هذا المسلك، وتنبه المسلم ليحرص أن لا يتعلم الناس منه أمراً سيئاً.
وكلما عظم مكانة الإنسان وشرفت، كان موقفه أصعب، وفضيحته أكبر، كأن يكون أباً في أسرة، أو رئيساً في دائرة، أو مديراً في مدرسة، أو أميراً في قبيلة، أو إماماً في مسجد، أو ما أشبه هذه التصورات، التي تجعل من الرجل يحاسب أكثر من غيره، ويتفقد نفسه أكثر من غيره، لأن خطأه ليس كغيره، وزلته وهفوته ليست كغيره.
كم هو عار وفضيحة، وإسقاط لهيبة الشخص وزوال لمكانته من قلوب متبوعيه، لو عُرف عنه، أنه سيء، أو مجرم، أو خائن، أو غاش أو كذاب، أو مزور، أو أية صفة ذميمة لا يرضاها الله ولا عباد الله في عامة الناس ناهيك عن شخص، يتصور مكانة، بين الناس ماذا يكون موقف الأب بين أولاده، لو عُرف عنه، وكشفت أوراقه، بأن له علاقات محرمة مع غير أمهم. مثلاً.
ماذا يكون موقف إمام الحي، لو علم المصلون خلفه أنه يتعاطى الربا، أو يُدخن، أو غيرها من سيء الأخلاق، ومنكرات الأفعال.
ماذا يكون موقف رئيس دائرة أو مصلحة، لو علم موظفوه، أنه يأكل حقوقهم، أو أنه يأخذ أضعاف راتبه الأصلي بطرق غير رسمية. ثم يؤخر رواتبهم بحجة أن المصلحة وضعها المادي ضعيف. هل يُتوقع أن هؤلاء الموظفين سيعملون بإخلاص، ويهمهم أمر هذه المصلحة أو الشركة؟ لا أظن ذلك.
ماذا يكون موقف مدير مدرسة، لو اكتشف الطلاب أن مديرهم، يعطي أسئلة الامتحانات لبعض أقربائه، أو جيرانه.
لا شك أن كل هذه مواقف محرجة، كان الشخص في غنىً عنها، لو حاسب نفسه وراقبها، وأخذها بخطام الشرع.
لكنه الهوى وضعف الدين، وضعف الخوف من رب العالمين. وهذه أمثلة فردية تعد بسيطة لتقريب الصورة ناهيك عن الخيانات التي تكون على مستوى وزارات أو مجتمعات أو دول.
أيها المسلمون، إن الله جل وتعالى اصطفى واجتبى هذه الأمة، للإمامة في الدين، والشهادة على الناس، والأمة من، عندما نقول: الأمة؟الأمة أنا وأنت وأولادي وأولادك وأقربائي وأقرباؤك، لا نريد عندما نقول الأمة، أن ينصرف الذهن إلى أناس غيرنا، فنحن أبناء وأفراد هذه الأمة، ونحن المحاسبون والمسؤولون غداً أمام الله.
فالله جل وعز، اصطفانا وأكرمنا، قد نهانا وحذرنا في المقابل أن نتعاطى ما يجعلنا قادة للشر، أو للسيئة، أو للمخالفة أو حتى المشاركة بأية مشاركة.
يقول الله تعالى في إمام الشر وتلاميذه: إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6]. وقال عز وجل: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود:98]، وقال سبحانه: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [القصص:41]. وقال تبارك وتعالى فيما يؤول إليه أمر الاتباع في الشر والمتبوعين فيه: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الاْسْبَابُ [البقرة:166].
ويزداد الأمر سوءاً بانقلاب ذلك الموقف، حسرة ولعنة من التابعين في الشر والمعاونين فيه، للمتبوعين فيه حين لا ينفع متبوعاً في الشر أو تابعاً فيه نافع: وَقَالُواْ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاْ رَبَّنَا ءاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً [الأحزاب:67، 68].
فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى لا يكن أحدنا قدوة سيئة، في خلق أو فعل أو تصرف، وإذا كان مثل هذا الكلام يوجه لكل الناس، ولكل أفراد المجتمع، أياً كان موقع الشخص، وأياً كان وضعه.
فإنه يوجه وعلى الخصوص للدعاة إلى الله للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، لشباب الإسلام الذين يهمهم أمر الإسلام أكثر من غيرهم، والذين سخروا كل طاقاتهم، خدمة لهذا الدين، نقول لهم، يا دعاة الإسلام، يا من وُجدتم لتكونوا قادة في الخير، وهداة إليه، تتقدمون الناس وتتصدرونهم به في الدنيا، بكلمة أو موعظة أو نصيحة، وتشهدون به عليهم يوم يقوم الأشهاد.
اتقوا الله تعالى، وخافوه في أنفسكم، وفي متبوعيكم، فيما يؤول إليه الأمر في المحيا والممات.
إن الخطأ منكم ليس كغيركم، وإن الهفوة من أمثالكم، ليست كالهفوة من غيركم، إن أنظار الناس ليست مسلطة على غيركم، إن أنظار الناس مسلطة على المستقيم أكثر من غيره. وتتبعهم لسقطاته، أشد من غيره، فاتقوا الله تعالى يا شباب الصحوة، فيما أُلبستم إياه من لباس التقوى، وحليتم به من حلة الدعوة، لا ترخصوه فترخصوا، لا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، فتضلوا وتُضلوا، لا تشتروا العاجل بالآجل، كونوا دعاة خير وهدى، أعواناً على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.
يا من هو على ثغرة من ثغور الإسلام، أياً كانت هذه الثغرة.سواء كان جهداً في مدرسة، أو نشاطاً في مسجد أو حتى جهد الرجل في بيته وبين أهله وأولاده، فالله الله، أن يؤتى الإسلام من هذه الثغرة، والسبب هو أنت، بخلق رديء، أو تصرف غير سديد، فتأثم عند الله عز وجل، وتأخذ إثم من تبعك في ذلك: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ [العنكبوت:13]، وقال تعالى: لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآء مَا يَزِرُونَ [النحل:25].
فنسأل الله جل وتعالى، أن يعصمنا من الفتن، وأن يجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، سلماً لأوليائه، حرباً على أعدائه.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
اللهم إن أردت فتنة بعبادك، فاقبضنا إليك غير مفتونين.
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
أما بعد: يا دعاة الخير والصلاح، إن مما له علاقة بما سبق من الكلام، وهي قضية خطورة أن يكون المرء قدوة سيئة في الوسط الذي يعيش فيه. أقول إن مما له علاقة بهذا الموضوع مسألة مخالفة الفعل للقول.
إن دين الإسلام ـ أيها الأخوة ـ، اعتنى عناية شديدة بتربية شخصية المسلم، وإعدادها إعداداً يليق بمن هو أمين على تطبيق منهج الله في الأرض، وحقيق بجنة الفردوس الأعلى بجوار الله يوم القيامة.
إن دين الإسلام يدعو لإلتقاء مظهر الإنسان بمخبره، ومن هنا كان هناك نهياً شديداً من مخالفة فعل المسلم لقوله.
فمهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم
وكما قلنا في القدوة السيئة، بأنها لا تقبل من عامة الناس بشكل عام، ومِن من هم في الصدارة بشكل خاص، وخصوصاً المتصدرين لهداية الناس والدعوة إلى دين الله. فكذلك مخالفة الفعل للقول.
إنها صفة ذميمة لا تقبل من عامة الناس لأنها من خلق المنافقين، الذين يقولون ما لا يفعلون ويبطنون خلاف ما يظهرون، فكيف إذا صدرت من خواص الناس
يقول تعالى عاتباً على علماء بني إسرائيل ومن شابههم في هذه الصفة من علماء هذه الأمة وقادتها: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [البقرة:44]. ويقول عن منافقي هذه الأمة: وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِى تَقُولُ [النساء:81].
وقد حدث في تاريخ الإسلام إبان نزول القرآن أن تمنى رجال من المؤمنين فريضة الجهاد قبل أن تفرض، فلما نزل القرآن يأمر بالجهاد تقاعس بعض المتمنين فأنزل الله توبيخاً لمن تقاعس، وهدياً وتشريعاً لمن زاد الجهاد إلى يوم القيامة: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ [الصف:2، 3]. إذا كان هذا العتاب وهذا الاستنكار لمن تمنى طاعة الله، فلما أمر بها نكل، فما بالكم بمن يقول للناس: هذا منكر وهذا خطأ، وهذا لا يجوز، وهو يفعل ما ينهي الناس عنه:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإن انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل إن وعظت ويقتدي بالقول منك وينفع التعليم
فيا أيها المسلمون، إن جرم هذا الفعل العظيم وإن خطره لكبير لا سيما على الموجهين، والمربين، ومن هم في مراكز الصدارة والتوجيه، إذا كان مخالفة الفعل للقول، لا يقبل ولا يستساغ من أدنى الناس، فكيف بمن يريد أن يتأثر الناس بكلامه، فكيف بمن حمل مشعل النور والهداية، ويلاحظ متبوعه مخالفات في أقواله لأفعاله.
فاتقوا الله يا دعاة الإسلام إنها لفتنة عمياء، ولَفَتحُ نار تلظى، فقد ورد أن أشد الناس عذاباً يوم القيامة، عالم لم ينفعه علمه، روى الشيخان رحمها الله عن أسامة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار برحاه فيجتمع عليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما شأنك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه)).
وحدّث رسول الله عن بعض ما رأى ليلة أسري به فقال: ((مررت ليلة أسري بي على رجال تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت: يا جبريل من هؤلاء ؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون)).
فاتقوا الله يا حملة رسالة الإسلام، اتقوا الله تعالى، وانهجوا في أمركم ونهيكم ودعوتكم وجميع شأنكم نهج رسل الله وأتباعهم بإحسان الذين كانوا يعلنون لأقوامهم بمثل قول الله تعالى: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود:88].
اللهم وأبرم لهذه الأمة أمر رشد..
اللهم رحمة اهد بها قلوبنا واجمع به شملنا..
ـــــــــــــــــــ(68/296)
خصائص مجتمعنا
...
...
3641
...
الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد
...
...
قضايا المجتمع, محاسن الشريعة
...
فهد بن حسن الغراب
...
...
الرياض
...
22/1/1423
...
...
جامع شيخ الإسلام ابن تيمية
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- قوة الإسلام وبقاؤه على مرّ الأزمان. 2- فضل الإسلام على العرب. 3- مفهوم المجتمع المسلم. 4- الإسلام سبب رخاء الجزيرة. 5- واجب التصدي للدعاوى المغرضة والكتابات المزيفة.
الخطبة الأولى
عباد الله، لا حياة لأمة الإسلام إلا بالإسلام، بقاؤها مرهونٌ بالمحافظة عليه، وفناؤها راجعٌ إلى التفريط فيه، تدوم بدوامه في قلوبها، وتضمحل باضمحلاله من نفوسها. إنه شرعها ونظامها، بل هو عزها وحياتها.
دينٌ كاملٌ في مبناه، واف في معناه، سام في مغزاهُ، لا يقبل الله دينًا سواه، ولا يرضى أن يعبد بغير مقتضاه، لا ينجو المكلف بغير اتباعه، لا ترى فيه عوجًا ولا أمتًا، من آمن به اهتدى، ومن خالفه ضل وغوى وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
أيها المسلمون، لقد بقي الإسلام بأحكامه قرونًا متطاولةً، طوّف في الآفاق، نزل السهول والوديان، واقتحم الصحاري والجبال، وحل بالمدن والأرياف، لاقى مختلف العادات، وتقلب في شتى الظروف والبيئات، عاصر الرخاء والشدة والغنى والفقر، وصاحب الأمن والخوف والقوة والضعف، واجه الأحداث في جميع هذه الأطوار، وحكم وأفتى في كل هذه الأدوار، فكانت له اليد الطولى والسلطان الممدود، لم يعجز عن قضية، ولم يتعثر في نازلةٌ. ما قصر عن حاجة، ولا قعد عن الوفاء بمطلب. لا يغلب فيه قانونٌ على اقتصاد، ولا مادةٌ على أخلاق، ولا دنيا على دين، إنه قضاءٌ واقتصادٌ، وروحٌ وأخلاق، ودين ودنيا.
قال ابن القيم رحمه الله في وصف الشريعة المطهرة: "حسب العقول الراجحة والآراء الفاضلة أن تدرك حسنها وتشهد بفضلها، فما طرق العالم شريعة أكمل ولا أجل ولا أعظم منها، فهي نفسها الشاهد والمشهود له، والحجة والمحتج له، والدعوى والبرهان. أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده، وما أنعم عليهم بنعمة أجل من أن هداهم لها، وجعلهم من أهلها، ارتضاها لهم وارتضاهم لها".
ثم استمعوا إلى قول قتادة رحمه الله وهو يصف حال العرب قبل الرسالة، وهو يتلو قول الله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا [آل عمران:103]، يقول قتادة: "كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلاً، وأشقاه عيشًا، وأبينه ضلالة، و أعراه جلودًا، وأجوعه بطونًا، بين فكّي أسد فارس والروم، لا ـ والله ـ ما في بلادهم يومئذ شيء يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيًا، ومن مات ردي إلى النار، يؤكلون ولا يأكلون. والله ما نعلم قبيلاً يومئذ من حاضر الأرض كانوا فيها أصغر حظًا وأضعف شأنًا منهم، حتى جاء الله عز وجل بالإسلام فورثكم به الكتاب، وأحل لكم به دار الجهاد، ووضع لكم به الأرزاق، وجعلكم به ملوكًا، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم فاشكروا نعمته، فإن ربكم منعم يحب الشاكرين، وإن أهل الشكر في مزيد من الله، فتعالى ربنا وتبارك".
أيها المسلمون، إن الله يأمرنا بأن نأخذ الإسلام جملة وتفصيلاً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208]. إن أول مفاهيم هذه الدعوة أن يستسلم المؤمنون بكلياتهم لله، في ذوات أنفسهم وفي الصغير والكبير، وفي النية والعمل، والرغبة والرهبة، وتتوافق خطرات نفوسهم واتجاهات مشاعرهم مع ما يريد الله بهم، وما يقودهم إليه نبيهم ودينهم. فكان هذا المجتمع العفيف الذي لا تشيع فيه الفاحشة، ولا يتبجح فيه الإغراء، ولا تروج فيه الفتنة، ولا ينتشر فيه التبرج، ولا تتلفت فيه الأعين إلى العورات، ولا ترف فيه الشهوات على الحرمات، هذا المجتمع الذي تحكمه التوجيهات الربانية، تأمن الزوجة على زوجها، ويأمن الزوج على زوجته، ويأمن الأولياء على حرماتهم وأعراضهم، حيث لا تقع العيون على المفاتن، ولا تقود العيون القلوب إلى المحارم. وهو المجتمع الذي لا يخضع البشر فيه للبشر. إنما يخضعون لله ولشريعته، في طمأنينة وثقة ويقين، في مجتمعنا لا تقود المرأة السيارة، ولا تطالب بالبطاقة، في مجتمعنا تغطي المرأة وجهها، في مجتمعنا لا مكان للاختلاط في التعليم، ولا سعي لدمج البنات مع البنين، مجتمع له خصوصيته، خصوصية سما بها من شرع الله، واستمدها من سنة رسول الله، ما شرعت أنظمته عقول المفكرين، ولا سنت قوانينه أفكار الواضعين، ولهذا فلا نرضى بغيره بديلاً، ولا نقبل عنه تحويلاً.
الخطبة الثانية
فقد شع نور التوحيد من هذه الجزيرة، ورضعنا العقيدة من ألبان الأمهات، وتفتقت أنظارنا في مجتمع مسلم موحد، تربينا على محبة الله ومحبة رسوله ، تعلمنا الاعتزاز بالإسلام، تأدبنا بآدابه، ورضينا سلوكه، وانقدنا لتعاليمه، ما أحله أحللناه، وما حرمه حرمناه، وما دعانا إليه قبلناه، وما نهانا عنه تركناه.
الإسلام يقودنا في العبادات، ويحكمنا في المعاملات، ويحدد لنا العلاقات؛ فتدفقت علينا الخيرات، وانفتحت علينا البركات، ولا زلنا في نعم الله نتقلب، آمنين في أسرابنا، معافين في أبداننا، عندنا قوت يومنا، فكأنما حيزت لنا الدنيا بحذافيرها. لكن شرذمة محسوبة من بني جلدتنا، تلقت ثقافتها ممن لا خلاق لهم، أو تأثرت بأفكارهم فصنعت على أيديهم، ودست في صفوف الأمة، ومكنت في أهم المؤثرات، إنه الإعلام.
أخذوا يوجهونه لخدمة أفكارهم، فأفسدوا الأخلاق، وشككوا في العبادات، بل وطعنوا في العقيدة، علموا أن المرأة سلاحهم الفتاك، وإخراجها من بيتها هدفهم المنشود، أن يتولى تعليم المرأة صالح الناس شيء لا يطاق، أن تبقى الهيئات تأمر وتنهى شيء لا يحتمل، فتكالبوا على الطعن والتشكيك في ثوابت الأمة. أرادوا نزع الغيرة وإماتة الحياء، ووأد الفضيلة ونشر الرذيلة، كتابات في الجرائد والمجلات أعِدّ لها وخطط، ماذا يطرحون؟ وبأي لسان يتكلمون؟ يتباكون على المصلحة، ويدندنون حول الاقتصاد، ويتمسكون بأهداب الأخطاء البشرية، ويتغاضون عن أخطاء بني قومهم ولو كانت كالجبال، يقولون: نسعى لحرية الرأي، أحريةٌ للطعن في الدين؟! أحريةٌ لتغيير الثوابت؟! فلماذا لا ينشرون المقالات الهادفة؟! ولماذا لا يسمحون للآراء المخالفة؟! أليس لنا مثلهم حرية، أم أنه تيار لهم مخالف ولزيفهم كاشف؟!
فلا إله إلا الله، كم من معقل للإسلام قد هدموه، وكم من حصن قد خربوه، وكم من علم قد طمسوه، وكم من لواء مرفوع قد وضعوه، وكم ضربوا بمعاول الشبه في أصول غراسه ليقلعوها، وكم غيروا في المصطلحات وشوهوها، وكم عبثوا في المبادئ وتلاعبوا بالقيم، ما أكثرهم ـ لا كثرهم الله ـ وهم الأقلون. وما أعتاهم وهم الأذلون، وما أجهلهم وهم المتعالمون. فالله المستعان على ما يصفون، وعليه التكلان فيما يجترؤون، لكنهم بفضل الله ممقوتون، وللعقلاء مكشوفون، وبأقلامهم مفضوحون.
عباد الله، يجب أن لا تنطلي علينا الحيل فنقول: لنا المنابر ولهم الجرائد، لنا المساجد ولهم المسارح، لنا الدين ولهم الدنيا، بل لنا المنابر والجرائد، والإعلام والتعليم، فنحن لا نرضى بأنصاف الحلول، واطِّراح الدين وتحكيم العقول، وإني من هذا المكان أدعو كل غيور وكل من أوتي بيانًا أو قلمًا سيالاً أن نداهِم الجرائد والمجلات وسائر المشروع من المجالات لطرح قضايانا بميزان الشرع والدليل.
وإنني لأدعو كل من يجري في دمه حب الله وحب رسوله أن نتابع ما يكتب وما يبث في وسائل الإعلام، وكلما وجدنا مخالفة شرعية أو مطاعن عقدية نسارع لإنكار ذلك بنصح الكاتب وتخويفه بالله، والكتابة لرئيس التحرير، والكتابة لولاة الأمر وفقهم الله. لا تتركوهم يعبثون، ولا تدعوهم يتطاولون، فما غرهم إلا سكوتنا، ولا جرأهم إلا حلمنا، وما تطاولوا إلا بتخاذلنا. فهل من انتفاضة تبدد أوهام الكسل؟! وهل من وقفة ترد الجاهل وتكف أذى المتطاول؟!
فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19]، عسى أن يكون في هذا الحدث عبرة وعظة، فيستيقظ النائم ويتنبه الغافل ويتعلم الجاهل، عسى أن يكون فيه دحرًا للأعداء وعزًا الإسلام وثباتًا على المبادئ وكشفًا للمخططات وإحقاقًا للحق وإزهاقًا للباطل، عسى أن يكون بمثابة الشرارة التي تضيء الغيرة في القلوب، عسى أن ترتد على الأعداء السهام، وعسى أن يرجع الكيد إلى النحور.
ـــــــــــــــــــ(68/297)
العِلْم
...
...
3653
...
الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد
...
...
العلم الشرعي, قضايا المجتمع
...
فهد بن عبد الله الصالح
...
...
المجمعة
...
...
...
إبراهيم التويجري
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- الجهل العدو الأكبر للإنسان. 2- فضل العلم. 3- مكانة الأمة الجاهلة بين الأمم. 4- حاجة الأمة الإسلامية للعلماء. 5- من أساليب الدعوة للتنصير. 6- طرق تحصيل العلم. 7- رسالة إلى الشباب وأوليائهم وللمجتمع.
الخطبة الأولى
أيها الإخوة في الله، للإنسان أعداءٌ كثيرون يسعون للقضاء عليه وتهميش دوره في هذا الكون، ويبرز من بين تلكم الأعداء عدوٌ شرس فتك بالأمم وذهب بخيرات بلادها، وجعلها فريسة للأعداء.
هذا العدو اللدود هو الذي جعل الإنسان ينسى خالقه، ويعبد شهوته، هذا العدو اسمه الجهل.
إن الجهل ـ أيها الإخوة ـ ما وصف به شيء إلا شانه، ولا أُضيف إلى شيء إلا أساء إليه, ما غُزيت العقول غزوًا فكريًا ولا تحول العاقل الرشيد إلى بوق يصفق للعدو ويهتف بشعاراته إلا عبر قنوات الجهل والتخلف.
ومن أجل هذه المصائب وغيرها أَمَر الخالق سبحانه عباده بالعلم، وحث على التعلم، وتوالت الرسالات السماوية تدعو إلى العلم وترفع من شأنه: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11].
ولم يأمر الله نبيه بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم، وذلك في قوله مخاطبًا إياه: وَقُل رَّبّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114].
وأقسم الله بالتعلم لما له من عظيم الأثر في محو الأمية، ورفع مستوى الثقافة والمعرفة، بسم الله الرحمن الرحيم: ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ [القلم:1].
وقد كرّمَ الله الإنسان على سائر الحيوان بالعلم، وبقدر ما يحمل الإنسان من العلم يكون فضله ومقداره. فالعلم من خصائص الإنسان، فإذا تخلى عنه فقد تخلى عن إنسانيته، ورسول الله كان قدوةَ الداعين إلى التعلم بأقواله وأفعاله، حتى جعل التعلم فريضة ً لازمةً لكل فرد، وذلك بقوله: ((طلب العلم فريضة ٌ على كل مسلم ومسلمة)). وحرر بعض أسرى بدر على أن يعلموا طائفةً من المسلمين القراءة والكتابة. وسار على هذا النهج السلف الصالح رحمهم الله، كانوا يوجهون النشء إلى التعليم لينشؤوا صالحين لأنفسهم ولأمتهم. يقول عبد الملك بن مروان لبنيه: "يا بني، تعلموا العلم، فإن كنتم سادة فُقتُم، وإن كنتم وسطًا سُدتُم، وإن كنتم سوقةً عِشتم".
أيها المسلمون، إن التسابق اليوم بين قوى الأرض هو في مِضمار العلم. والأمة الجاهلة المتخلفة لا مكان لها بين الأمم، بل إنها الأمة الضعيفة المنهزمة دائمًا العالة على غيرها حتى ولو كان عدوها.
ودول الغرب الكافرة ما وصلت إلى ما وصلت إليه من علو شأنها وقوةِ اقتصادها ونفاذ أمرها إلاَ بسلاح العلم, في الوقت ذاته نجد كثيرًا من ديار الإسلام تعيش حالاتٍ من التخلف والمرض؛ بسبب جهل أبنائها، مما جعل الأعداء يجدون مراتع خصبة لإخراجهم عن ديارهم وإدخالهم في النصرانية الكافرة.
تأتى جيوشٌ من المنصّرين من أوربا وأمريكا إلى بلدانٍ إسلامية في أفريقيا وفي شمال شرق وأواسط آسيا لعلاج مرضى المسلمين، وتعليمهم القراءة والكتابة، يعطونهم العلاج وعليه شعار الصليب، ومكتوب عليه هدية من المسيح، ويعلمونهم مبادئ النصرانية وعقائدها المنحرفة، ويشوهون حقائق الإسلام حتى ينفر الناس منه. ويقولون لهم: نحن إخوانكم وأحبابكم، ولو كان الإسلام دينًا صحيحًا لجاء أتباعه المسلمون لنصرة إخوانهم. وما حدث هذا وغيره إلا بسبب الجهل وقلةِ الوعي الديني وقلة الأطباء والمعلمين من المسلمين.
أيها المسلمون، إن الله تعالى لفت أنظار الناس إلى الكون وما فيه ليتعرفوا على أسراره، ويستخرجوا كنوزه فهو مسخرٌ لهم، وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مّنْهُ [الجاثية:13]. كما أنه أشار إلى تعلم الصناعات وكل ما يتوقف عليه العمران.
فقد خلق الحديد وبيّن أن فيه قوة ً لصد المعتدين ومحاربة الظالمين، وفيه منافع للناس يصنعون منه ما يلائم عصورهم من عجائب المصنوعات ودقيق الآلات، فقال تعالى: وَأَنزْلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [الحديد:25]، ويقول تعالى: وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ [الأنفال:60]. وإعداد القوة يقتضي تعلم صناعة الذخائر الحربية والتدريبات العسكرية التي تلائم كل عصر. كل ذلك من أجل حماية الدين وأعراض المسلمين وأموالهم ودمائهم، ومن أجل إقامة شريعة الجهاد.
أيها المؤمنون، درَج عند البعض تحدثًا أو كتابة وصف العلوم الشرعية كعلوم القرآن والحديث والتفسير والفقه والعقيدة علومًا دينية، هذه التسمية غير صحيحة؛ لأنه يفهم منها أن العلوم الأخرى كالطب والهندسة والكيمياء والرياضيات ونحوها علومٌ غير دينية.
والحق الذي عليه الدليل أن جميع العلوم علومٌ دينية؛ لأن الدين شرعها أو أباحها، بل أمر بها وحث على تعلمها؛ لأنها من ضرورات الحياة ولا تستقيم الحياة البشرية إلاَ بها، والمسلم محتاج لها حتمًا، محتاج للطب والصيدلة والهندسة وغيرها، فإن لم يكن من أهلها كان أسيرًا لعدوه، ولقد نهى الله عن ذلك: وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:141].
أيها الإخوة في الله، إن العلم والمعرفة والثقافة لا تولَد مع الإنسان، بل لا بد من اكتسابها من طرقها المتنوعة، وفي كل عصر تتجدد وسائل طلب العلم.
فأحسن طرق كسب العلم الشرعي ملازمة العلماء وسؤالهم، ومن لم يتيسر له ذلك فعليه بالكليات الشرعية، وتبقى وسيلة القراءة الفردية وحضور المحاضرات والندوات وسماعها عبر الأشرطة المسجلة تبقى في متناول كل إنسان بحسبه.
أيها المسلمون، لن تنهض أمة الإسلام من جمودها ولن ترقى سلم العز والمجد، ولن تحافظ على أعراضها ودمائها إلاَ باعتمادها على ربها، ثم اعتمادها على شبابها، والجميع مسئول عن ذلك.
فالشباب المسلم عليه الجد والاجتهاد، والبعد عن إضاعة الأوقات منذ دخوله المدرسة حتى يتخرج من الثانوية، بهمةٍ عالية وتحصيل مرتفع، وطموح لا نهاية له لنيل الشهادات العالية، والتخصص في علوم الحياة المتنوعة. وولي أمر الولد عليه متابعة ابنه منذ الصغر، وعدم إشغاله وقت الدراسة، والسؤال عنه وتشجيعه على الدراسة، وإبعاده عن قرناء السوء وكل ما يشغله عن طاعة ربه وعن مستقبله.
والمجتمع المسلم مسؤول عن أبنائه في فتح المدارس والجامعات لهم، واختيار النخبة من المعلمين والمسؤولين, وبتضافر الجهود والهمم تبني الأمة مجدها، وتنتقل من مؤخرة الركب إلى قيادة القافلة، وتكون بحق خير أمةٍ أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء، وهو العزيز الرحيم.
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي.
ـــــــــــــــــــ(68/298)
بين شباب اليوم وشباب الأمس
...
...
3818
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
...
...
الأبناء, الفتن
...
حسين بن غنام الفريدي
...
...
حائل
...
15/1/1415
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- أهمية مرحلة الشباب. 2- نماذج مشرقة لهمم الجيل الأول. 3- حال شبابنا اليوم. 4- وصايا عامة في المحافظة على الأهل والأولاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 5- التحذير من الغش في الاختبارات الدراسية.
الخطبة الأولى
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه في فراغكم، واتقوه في شبابكم وفي جميع أحوالكم، اتقوه فالعاقبة للتقوى، وهي أقوم وأبقى.
لقد صح عن المصطفى قوله: ((لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه ما عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟)) أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح من رواية أبي برزة الأسلمي، وأما رواية ابن مسعود فزاد: ((وعن شبابه فيم أبلاه؟)).
معاشر المصلين، إن الشباب قوة وحيوية، والأمة إنما تحمل على أكتاف الشباب، وما قام هذا الدين ـ بعد توفيق الله وتسديده ـ إلا على سواعد شباب وفتيان، ما عرفوا حياة اللهو واللعب والبطالة، أمثال علي وجعفر وأسامة ومصعب وابن عباس وابن عمر وابن رواحة، إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءامَنُواْ بِرَبّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف:13].
فتعالوا بنا لنرى حال شباب الأمس، ثم لنعرج على شباب اليوم، فمن شباب الأمس؟ إنهم:
عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابدٍ دمعُه في الخد أجراه
وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفرًا يشيدون لنا مجدًا أضعناه
هذا عبد الله بن رواحة كان في الثلاثين من عمره، يقبل على المعركة بقلب مؤمن ويقين صادق بموعود الله، يقطع علائقه بالدنيا ليكون من أبناء الآخرة، ويشدّد على نفسه لما حدثته بحديثها فيقول:
أقسمت يا نفس لتنزلنّه طائعة أو لتُكرَهِنَّه
قد أجلب الناس وشدّوا الرّنّه ما لي أراك تكرهين الجنّه
فطالما قد كنت مطمئنّه هل أنت إلا نطفة في شنّه
ثم يقول:
يا نفس إلا تقتَلي تموتي هذا حمام الموت قد صلِيتِ
وما تمنيتِ فقد أعطيتِ إن تفعلي فعلَها هدِيتِ
ويعني بذلك صاحبيه اللذين سبقاه بالشهادة، وهما زيد بن حارثة وجعفر الطيار.
جعفر ذاك الذي أقبل فقطعت يمناه، فأخذ الراية بيسراه فقطعت، فضمها بعضديه حتى تكسرت الرماح في صدره وهو مبتسم، ويقول:
يا حبّذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
علي إن لاقيتُها ضرابها
وذاك أنس بن النضر يخرج مجاهدًا في أحد وهو يقول: (والله، إني لأجد ريح الجنة من دون أحد)، فيضرب بثمانين طعنة، فيموت في سبيل الله، ولم يعرف إلا ببنانه.
مّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً [الأحزاب:23].
وأسامة يقود الجيوش ولم يبلغ السابعة عشر من عمره، ومحمد بن القاسم يفتح بلاد الهند والسند ولم يبلغ العشرين، وبقية بن نافع شاب في الخامسة والعشرين من عمره يفتح إفريقيا، وينتشر فيها الإسلام، ويجوب المغرب حتى وقف على المحيط موحّدًا مصلّيًا، وهو يقول: "والله، لو أعلم أن وراء هذا الماء أرضًا لخضته بفرسي هذا رافعًا لا إله إلا الله". وما علم ـ رحمه الله ـ أن وراء ذلك المحيط دولة أصبحت في عصرنا هذا مصدرًا للفساد والإفساد، ومصدرًا للدعارة والخنا، وحاضنة للعرايا والبغايا، ولم يحمل عقبة راية التوحيد إلى تلك الدولة، بل جاء شبابنا المقدام وحمل راية التوحيد متّجهًا إلى تلك البلاد، ولكن شتان بين الفريقين مشرّق ومغرب، شتان بين العزّة والذلّة، شتان بين الجد واللعب.
ذاك شباب الأمس، وهذا شاب اليوم، وما أدراك ما شباب اليوم.
إن من شباب اليوم من بلغ الثلاثين بل الأربعين وهو لا يعرف هدفه في الحياة، ولا يدري لماذا يعيش، وإذا علم غفل ولها وعمي وتعامى. كل شيء له في حياته ميزان إلا الموت، إلا القبر، إلا الآخرة، إلا الجنة، إلا النار، إذا حدثته بشيء من ذلك لم يأبه لما تقول، ونظر إليك نظرة شفقة، إن حدثته بذلك كأنك تحدثه عن منامات أو تخيلات. أهكذا الإيمان؟! أهذا هو اليقين؟! بأيّ شيء نلقى ربّنا وقد حذّرنا ووعدنا وتوعّدنا وأرسل إلينا من جعلنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك.
عباد الله، إن حال الكثير منا وحال من سبقنا يصدق عليه قوله تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصلاةَ وَاتَّبَعُواْ الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا [مريم:59].
الصلاة عمود الدين من ضيعها فهو لما سواها أضيع، (لا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة)، ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)).
إنّ من شبابنا بل من عقلائنا بل من شيبنا من يتخلف عن الصلاة لا سيما صلاة الفجر، ويعتذر بثقل النوم وصعوبة الاستيقاظ وعدم المعين وأنه لا يملك من أمر نفسه شيئًا، يا ترى ما الذي جعل هؤلاء يستيقظون ليلة الثلاثاء الماضي؟! ما الذي جعلهم يهجرون حلو المنام في ساعة متأخرة من الليل؟! هل كانوا يتهجدون؟! هل كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون، في تلك الساعة التي ينزل بها الجبار إلى سماء الدنيا ليغفر ذنوب العباد وليتوب على من تاب؟!
أيها العقلاء، أنصفونا من أنفسكم، فالعاقل كما يقال خصيم نفسه، هل تلك المباريات أهم من صلاة الفجر؟! هل قال فيها رسول الله : ((من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم)) أخرجه الإمام مسلم؟! هل سيسأل عنها في قبره؟! أم هل سيذكرها عند حشرجة الروح في صدره؟! هل سيذكرها يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه؟! هل سيذكرها يوم يقوم الناس لرب العالمين؟! هل سيذكرها يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها؟! هل سيذكرها يوم ينفخ في الصور؟!
إن من أضاع الصلاة واتخذ المباراة إلهًا له من دون الله حقيق به أن يكون من أولئك الخَلف الذين يَلقَون غيًّا وعذابًا. إنهم قلبوا الموازين، وسمّوا الأشياء بغير اسمها، واستعاظوا بكلّ حسن كلّ قبيح. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ذهب الذين يعاشوا في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب
يا أمة محمد، يا أيها الشباب، يا أحفاد خالد والمثنى، يا أحفادَ عدي بن حاتم وزيد الخير، ما هكذا تورد الإبل، وما هكذا تعرف السّبل، وما هكذا تستعزّ الأمم، تفطّنوا لما يحاك لكم، وتنبهوا قبل أن تغرقوا.
أرى بين الرماد وميض جمر وأخشى أن يكون له اشتعالا
من يرفع راية التوحيد إن تخليتم عنها؟! من ينصر هذا الدين إن توليتم؟!
إنكم من خير بلاد الدنيا، بلاد شعّ منها النور، فأنتم للناس قدوة، وإليكم تهفو الأفئدة، هل تظنون أن من ارتمى في أحضان البغايا سيرفع راية التوحيد؟! وإن رفعها وهو على حاله فهل بذلك عزة وقوة؟! إن كلمة التوحيد بريئة منه ومما يعمل، ولكن إلى الله المشتكى.
عباد الله، إن هذا السعار الذي بلي به شبابنا خلف ما يسمّى بكرة القدم أشغلهم عن عبادة ربهم، وأشغلهم عن رسالتهم في الحياة، وأشغلهم عن أمور دنياهم، وإنه ـ والله ـ لمؤذن بهلاك وضياع، هلاك في الآخرة وضياع في الدنيا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِى ءاتَيْنَاهُ ءايَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَاكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذالِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِايَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف:175، 176].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وانصحوا لأنفسكم ولأولادكم ولإخوانكم، وأصلحوا ما فسد من أحوالكم، وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، وإياكم والازدواجية التي تجمع بين المتناقضات وتؤلّف بين المتضادات، بل أخلصوا لله جميع أعمالكم، وزنوها بميزان الشرع، وامتثلوا قول الله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذالِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162، 163].
وإياكم والتقاعس عن نصح الناس وإن لم يسمعوا ممتثلين بذلك قول الله تعالى: وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف:164]، فلا يحصل لك العذر إلا ببذل النصيحة.
عباد الله، إنني حين أعبُر بكم حجُب الزمان وأحدّثكم عن جيل مضى لا أعني بذلك التسلية ولا بث اليأس في النفوس الطامحين، فتلك الصور ليست ضروبًا من الأساطير ولا هي من نسج الخيال، بل هي واقع خرجته مدرسة محمد .
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح
ولا نأتي بها على سبيل الافتخار المجرد، بل لنسير سيرتهم ونقتفي أثرهم.
لسنا وإن أحسابنا كرمت يومًا على الأحساب نتّكل
نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا
أيها الشباب، يا من قاربكم موسم الحصاد، يا من سهرتم الليالي لطلب المعالي، احذروا من التفريط في أمور دينكم ودنياكم، ثم إياكم والكسل بعد الاجتهاد واللعب بعد التعب، واحذروا متابعة هذه المباريات لئلا تشغلكم عن مصالحكم، فلن تجنوا من الشوك عنبًا.
واحذروا الغشّ في الامتحان، ((من غش فليس منا))، فهو أسلوب الكسالى والبطالين، وخلق يأنف منه الشّهم الكريم، ويترفع عنه صاحب الهمة العالية والمطالب السامية، ومن لجأ إليه فإن فيه خسّة ودناءة، وهو عرضة للفضيحة والندامة.
هذا، واسألوا الله الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد، وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير...
ـــــــــــــــــــ(68/299)
صلة الرحم
...
...
3820
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الأرحام
...
حسين بن غنام الفريدي
...
...
حائل
...
26/4/1418
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- فضل صلة الرحم. 2- آثار صلة الرحم. 3- طرق الصلة. 4- حال كثير من الناس مع أقاربهم. 5- قطع الرحم من أعظم الذنوب.
الخطبة الأولى
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فقد أمركم بذلك المولى سبحانه القائل وهو أصدق القائلين: ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].
أيها المسلمون، لقد أمرنا الله تعالى بصلة الأرحام والإحسان إلى الأقارب؛ توثيقًا للروابط بين أفراد الأسرة لتكون متآلفة متناصرة، قال جل شأنه: وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِى الْقُرْبَى [الأنعام:36].
يا عبد الله، إن صلة الرحم من أجل الأعمال الصالحة التي تضمن لك الجنة مع توحيد الله في العبادة. قال رجل: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال النبي : ((تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم)) رواه البخاري ومسلم.
عباد الله، إن صلة الرحم بركة في الأرزاق وتوفيق في الحياة، يكتب الله بها العزة والمنعة، وتتحلى القلوب بها إجلالاً وهيبة، يفوز صاحبها بحسن الثناء، ويقيه الله بفضله وكرمه ميتة السوء، قال : ((من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه)). ومعنى بسط الرزق: سعته وبركته، ومعنى إنساء الأثر أي: تأخير الأجل، وهو كناية عن زيادة العمر وبركته.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (من اتقى ربه ووصل رحمه نُسئ في أجله، وثري مالُه، وأحبه أهله) رواه البخاري في الأدب المفرد. وعن علي رضي الله عنه مرفوعًا: ((من سره أن يُمد له في عمره ويُوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه)) رواه الإمام عبد الله في الزوائد على المسند.
بصلة الرحم تقوى المودة وتزيد المحبة وتتوثق عرى القرابة وتزول العداوة والشحناء ويحِنّ ذو الرحم إلى أهله، إنهم العدة والسند وهم الأهل والقوة.
أخاك أخاك إن من لا أخا له كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح
وإن ابن عم المرء فاعلم جناحه وهل ينهض البازي بغير جناح
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي تطير به، وبهم تصول وبهم تجول، وهم العدّة عند الشدة، أكرم كريمهم، وعُد سقيهم، وأشركهم في أمورك، ويسر على معسرهم، ولا يكن أهلُك أشقى الخلق بك).
ولتعلموا ـ رحمني الله وإياكم ـ أن صلة الرحم والإحسان إلى الأقربين ذات مجالات واسعة ودروب شتى، فمن بشاشة عند اللقاء ولين في المعاملة، إلى طيب في القول وطلاقة في الوجه، إنها زيارات وصلات وتفقد واستفسارات، مكالمة ومراسلة، إحسان إلى المحتاج وبذل للمعروف، وتبادل في الهدايا، ينضم إلى ذلك غض عن الهفوات وعفو عن الزلات وإقالة للعثرات، عدل وإنصاف واجتهاد في الدعاء بالتوفيق والصلاح.
وأصدق من ذلك وأعظم مداومة الصلة ولو قطعوا، والمبادرة بالمغفرة إذا أخطؤوا، والإحسان إليهم ولو أساؤوا.
إن مقابلة الإحسان بالإحسان مكافأة ومجازاة، ولكن الصلة الواصلة بينة في قول نبينا محمد : ((ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها)) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة.
إن صلة الرحم حق لكل من يمت إليك بصلة نسب أو قرابة، وكلما كان أقرب كان حقه ألزم وأوجب ((أمك وأباك، ثم أدناك أدناك)). وطريق القيام بحق الأقارب والأرحام فشو المودة واتساع الصدور وسلامة القلوب.
فجدير بك ـ يا أخي ـ أن تسارع لصلة أرحامك، فواس بائِسَهم، وسلم على غائبهم، وشاركهم الأفراح، وأظهر السرور لهم، وشاطرهم الأتراح، وخفف آلام الحزن عنهم، وأسرع لقضاء حوائجهم والاجتماع بهم بين حين وآخر.
وإنه مما يثلج الصدر ـ يا عباد الله ـ ويدعو إلى السرور والغبطة ما يفعله بعض الأسر من الاجتماع فيما بينهم في الشهر مرة أو في السنة مرة أو مرتين، ليسلم بعضهم على بعض، ويتدارسوا أحوالهم وينظروا في أمورهم فيما بينهم، فتزداد بذلك الروابط قوة، ويتعرف الصغير على أقاربه وذوي رحمه، ويزداد الكبير معرفة وعطفًا وفرحًا وألفة.
وإن لي مع هذا الموضوع وقفة ـ بإذن الله ـ للحث عليه وبيان مزيته وتوظيفه في الدعوة إلى الله، وضبطه بضوابط الشرع، وإسداء بعض النصائح التي من شأنها أن تجعله ناجحًا ومستمرًا. سأخصص خطبة تتحدث عن هذا الموضوع إن شاء الله، فأسأل الله العون والتوفيق.
عباد الله، إن على من أنعم الله عليه بالمال أو الجاه حقوقًا وواجبات أكثر من غيره، وليحذر من البخل على أقاربه بماله وجاهه، وليسأل الله أن يقيه شح نفسه، فمن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون، والبخيل من بخل بجاهه.
ما أجمل أن يتصف الرجل بالإحسان إلى أقاربه، يتفقد أحوالهم ويسد غيبة غائبهم، ويقضي حوائجهم مهما كانت أخلاقهم وصفاتهم. حتى ولو وصل الحال أن يزور سجينهم بأي جرم كان، يتحبب له ويتودد إليه ويسأله عن حاجته فيقضيها، وعن أهله وعن أولاده وعن حاجتهم ليكسب بذلك محبته واحترامه، ولتكون هذه الأخلاق سبيلاً للتأثير عليه بسلوك طريق الاستقامة.
إن كثيرًا من الناس يلقون على أنفسهم رداء الوقار الكاذب؛ فيترفعون عن أقاربهم إذا ما وقعوا في مثل هذه المصائب خوفًا على جاههم وسمعتهم، وما ذاك من مكارم الأخلاق.
يقول الشاعر الجاهلي المقنع الكندي:
يعاتبني في الدَّين قومي وإنما ديوني في أشياءَ تُكسبهم حمدًا
أسدّ به ما قد أخلّوا وضيّعوا ثغور حقوق ما أطاقوا لها سدّا
ولي جفنة لا يغلق الباب دونها مكلّلة لحمًا مدفقة ثردا
وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدًّا
إذا أكلوا لحمي وفَرتُ لحومهم وإن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدًا
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم وإن هم هووا عني هويت لهم رشدا
وليسوا إلى نصري سراعًا وإن همُ دعوني إلى نصر أتيتهم شدًّا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
لهم جلّ مالي إن تتابع لي غنى وإن قلّ مالي لم أكلفهم رِفدا
ولئن كانت صلة الرحم تعني الإحسان إلى المحتاج ورفع الظلم عن المظلوم والمساعدة على وصول الحق، فليس من صلة الرحم المناصرة على الباطل والعون على الظلم والبغي والعدوان، فما هذا إلا من الحمية الجاهلية الممقوتة، تفشو بها العداوة وينشر بها الفساد وتتقطع بها الأرحام، ولن يكون البغي والعدوان طريقًا إلى الحق أو سبيلاً إلى العدل والخير.
فاعرفوا الحق وميزوه عن الباطل، ولا تأخذكم العزة بالإثم، استقيموا على أمر ربكم، ((أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)).
الخطبة الثانية
أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله، وإياكم وقطيعة الأرحام، فلا تكونوا من الذين ذمهم لله تعالى في قوله: وّالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوء الدَّارِ [الرعد:25].
عباد الله، إن مع كل ما سمعنا من الآيات والأحاديث التي تحث على صلة الأرحام، فإن في الناس من تموت عواطفه ويزيغ عن الرشد فؤاده؛ فلا يلتفت إلى أهل ولا يسأل عن قريب، بل ربما وصل الحال ببعضهم أن يتنكر لأقاربه، ويتعالى عليهم ويترفع أن ينتسب إليهم، فضلاً عن أن يشملهم بمعروفه ويمد لهم يد إحسانه، بل قد يصل به الحال إلى أشد من ذلك، فيقطع إخوانه وأشقاءه من أجل حطام الدنيا.
أما علم هؤلاء أن قطيعة الرحم شؤم وخراب وسبب للعنة وعمى البصر والبصيرة؟! فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ أَوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22، 23]. يقول الحسن البصري رحمه الله: "إذا أظهر الناس العلم وضيعوا العمل وتحابوا بالألسن وتقاطعوا بالأرحام لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم".
إن تقطيع الأرحام من أعظم كبائر الذنوب وعقوبتها معجلة في الدنيا قبل الآخرة. أخرج أبو داود والترمذي وصححه الحاكم عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم))، وروى الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد ـ ورواة أحمد ثقات ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن أعمال بني آدم تعرض كل عشية خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم))، ونقل عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان جالسًا بعد الصبح في حلقة فقال: (أنشد الله قاطع الرحم لما قام عنا، فإنا نريد أن ندعو ربنا، وإن أبواب السماء مرتجة ـ أي: مغلقة ـ دون قاطع الرحم).
عباد الله، إن المسلم المرهف الحسّ المتطلع إلى رضوان الله تعالى لتهزّه هذه النصوص من الأعماق؛ إذا تقرر أن قطيعة الرحم تحجب الرحمة وترد الدعاء وتحبط العمل، وإنه لبلاء كبير يحيق بالمرء أن يدعو فلا يستجاب له ويعمل فلا يرفع له عمل.
معاشر الأحبة، إن أسرع الخير ثوابًا البر وصلة الرحم، وأسرع الشر عقوبة البغي وقطيعة الرحم، ومع هذا ترى في بعض من قلّ نصيبهم من الخير يسارع في قطع صلاته بأقاربه لأدنى سبب، إما لكلمة سمعها أو شيء صغير رآه، وما درى أنه بهذا قد جر على نفسه وأهله العداوة والجفاء والحقد والبغضاء، فيستحقون بذلك اللعنة وزوال النعمة وسوء العاقبة، وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الأرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوء الدَّارِ [الرعد:25].
ولقد أوصى زين العابدين علي بن الحسين ابنه رضي الله عنهم أجمعين فقال: "لا تصاحب قاطع رحم؛ فإني وجدته ملعونًا في كتاب الله في ثلاثة مواضع".
أيها الإخوة في الله، سمعنا عمن يترك صلة أرحامه وزيارتهم بسبب ما عندهم من المنكرات. فيقال له: بل الواجب زيارتهم وصلتهم، ومن الصلة بهم النصح لهم، وله أن يستعمل الهجر معهم أحيانًا كعلاج لهذه الأمراض إن كان نافعًا، أما أن يترك صلتهم وزيارتهم بالكلية، فهذا لا يجوز.
وصلوا ـ رحمكم الله ـ على نبي الرحمة والملحمة...
ـــــــــــــــــــ(68/300)
التقصير في تربية الأولاد
...
...
3589
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الأبناء, قضايا الأسرة, قضايا المجتمع
...
خالد بن عبد الله المصلح
...
...
عنيزة
...
...
...
جامع العليا
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- مسؤولية الآباء تجاه أولادهم. 2- عامة فساد الأبناء من قِبل آبائهم. 3- مظاهر التقصير في تربية الأولاد. 4- ظاهرة الاجتماع في الأحواش والاستراحات على ما يغضب الله.
الخطبة الأولى
أما بعد: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
ألا وإن من تقوى الله جل وعلا أداء الأمانة والقيام بها، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، ألا وإن من أجل الأمانات وأعظمها ـ يا عبد الله ـ ولدك الذي هو بضعة منك.
فيا أيها الذين آمنوا، قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة، وإنما تكون تلك الوقاية بالقيام عليهم وتربيتهم، وحفظهم في دينهم وأخلاقهم ودنياهم, فإن الله حملكم مسؤولية ذلك، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه))[1].
فولدك ـ يا عبد الله ـ نتاج جهدك وبذلك، فإن وجدت خيرًا فاحمد الله، وإن وجدت غير ذلك فلا تلومن إلا نفسك، فعلى نفسها جنت براقش.
عباد الله، إن مما يحزن له القلب ويتفتت له الفؤاد أن ترى كثيرًا من الناس قد أهملوا تربية أولادهم، واستهانوا بها وأضاعوها، فلا حفظوا أولادهم ولا ربوهم على البر والتقوى، بل وللأسف الشديد إن كثيرًا من الآباء ـ أصلح الله أحوالهم ـ يكونون سببًا لشقاء أولادهم وفسادهم.
قال ابن القيم رحمه الله: "وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة؛ بإهماله وترك تأديبه وإعانته على شهواته، وهو بذلك يزعم أنه يكرمه وقد أهانه، ويرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوت على ولده حظه في الدنيا والآخرة"، ثم قال رحمه الله: "وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء" انتهى كلامه رحمه الله، فلله دره ما أعجب كلامه وأصدقه.
أيها المسلمون، إن المسلم الحق يهمه ويكرثه مسلك بنيه نحو ربهم وإخوانهم، وليست وظيفته ومهمته أن يزحم المجتمع بأولاد حبلهم على غاربهم.
وهذا هو هدي الأولين من المؤمنين، فهذا خليل الله إبراهيم عليه السلام يقول: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ [إبراهيم:40]، وهذا نبي الله نوح يدعو ابنه ويلح عليه، فيقول: يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ [هود:42]، وهذا يعقوب يتعهد أولاده في الرمق الأخير كما قص الله تعالى: أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:133]، وهذا ركب المؤمنين الصادقين المتبعين، ركب عباد الرحمن يلهجون قائلين: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74].
فاتقوا الله أيها المؤمنون، وسيروا على هدي أولئك المتقين، أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90].
عباد الله، أيها الآباء الأفاضل، إن من المشكلات الكبرى والنوازل العظمى التي أصيبت بها كثير من المجتمعات الإسلامية تقصير الوالدين في رعاية أولادهما وتربيتهم على البر والتقوى، ومعالم هذا التقصير كثيرة عديدة.
فمن مظاهر التقصير في تربية الأولاد الانشغال عن الأولاد بمشاغل الدنيا الفانية التي لا تعدل عند الله جناح بعوضة، فكم هم الآباء الذين هجروا بيوتهم فلم يجلسوا فيها إلا قليلاً لأكل أو شرب أو نوم، أما سائر أوقاتهم فبين بيع وشراء، وبين جلسات ودوائر، ضاعت بسببها الواجبات وضاعت الحقوق، ولو سمع هذا بصفقة أو تجارة لترك الأصدقاء وقلل اللقاء، أَمَا عَلِم هذا أن خير ما يتركه بعده ولد صالح يدعو له؟!
أيها المؤمنون، إن من صور التقصير الشائعة في تربية الأولاد تهوين الوالدين المعصية على الأولاد، وتجرئتهم على مواقعة الخطايا والسيئات، وذلك بموافقة الوالدين لهذه الخطايا ومجاهرتهم بها، فإن من الآباء من يكون قد ابتلي ببعض الذنوب، فتجده لا يتورع عن الوقوع فيها أمام أولاده، فكم هم الآباء الذين ابتلوا بسماع الأغاني مثلاً أو النظر إلى المحرمات أو غير ذلك من السيئات، وهم يفعلونها أمام أولادهم فيأخذها عنهم أولادهم، فكل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوّده أبوه
أيها المؤمنون، إن من أعظم الخيانة للأولاد تيسير سبل المعصية وأسبابها لهم، وذلك بإدخال المجلات الخليعة التي تظهر فيها صور النساء، أو بإدخال أجهزة الإفساد والتدمير، كالدشوش وما شابهها مما تفسد به القلوب وتخرب الأخلاق وتعمى البصائر ويصد بها عن سبيل الله.
فليتق الله هؤلاء، فإنهم ـ والله ـ ممن أشقى أولاده، وفوت عليهم الخير والاستقامة، فويل له، ويل له، ويل له، وضع في كل غرفة شيطانًا يصد عن سبيل الله ويبغيها عوجًا.
فبالله أيها المؤمنون، أي خيانة أعظم من هذه الخيانة؟! أيظن من سعى في إفساد أولاده أنه ناج من قوله : ((ما من عبد يسترعيه الله رعية فيموت وهو غاش لها إلا لم يجد رائحة الجنة)) رواه البخاري ومسلم[2]؟!
فليتق الله هؤلاء، وليذكروا يومًا يرجعون فيه إلى الله، فيسألهم: ماذا أجبتم المرسلين؟ وماذا فعلتم بقولي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]؟
[1] أخرجه البخاري في الجنائز (1358)، ومسلم في القدر (2658).
[2] أخرجه البخاري في الأحكام (7150)، ومسلم في الإيمان (142) واللفظ له من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه.
الخطبة الثانية
وبعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، فإن من الخيانة لهذه الأمانة العظمى ـ أمانة تربية الأولاد ـ إضاعتهم وإهمالهم، وترك حبلهم على غاربهم، يخرجون في أي وقت يشاؤون، ويصاحبون من يريدون، ويسهرون الليل وينامون النهار، فهذا كله تضييع للأمانة.
ولقد ظهرت في هذه الآونة الأخيرة بسبب هذا التفريط ظاهرة الجلوس في الأحواش والاستراحات، يستأجرها مجموعة من الشباب فيجلسون فيها ساعات طوالاً، يجتمعون في غالب الأحيان على ألوان من الذنوب والمعاصي الصغار والكبار، بعيدًا عن نظر آبائهم وأولياء أمورهم, ولا يشك عالم بما يجري في هذه الأحواش بأن هذه الاجتماعات مخالفة لأمر الله ورسوله, ولو لم يكن فيها إلا مخالفة هدي النبي حيث كان يكره الحديث بعد صلاة العشاء لما يفضي إليه من ضياع الأوقات وتفويت الواجبات ومخالفة ما فطر الله عليه البريات من نوم الليل والقيام في النهار، قال الله تعالى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا [النبأ:10-11]، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا [يونس:67].
هذا كله فيما لو كان السهر على أمر مباح، فكيف يكون الأمر ونحن نعلم أن غالب هذه الاجتماعات يلتقي فيها حدثاء الأسنان وسفهاء العقول والأحلام على سماع الغناء الماجن أو الكلام القبيح، أو يجتمعون على مشاهدة الساقط من المناظر والمرئيات التي لا تقوم لها الجبال، تثير الغرائز، وتبعث الكوامن، وتهيج الشهوات، وتورث القلب البلابل، فيصطلي هؤلاء الأحداث بنار تلك المشاهد ولا يجدون لها مصرفًا إلا عادة قبيحة أو علاقة محرمة، فيتلطّخون بكبائر الذنوب وقبيح الفواحش. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فاتقوا ـ أيها الشباب ـ يومًا ترجعون فيه إلى الله، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذٍ شأنٌ يغنيه. واحذروا ـ أيها الشباب ـ هذه الاجتماعات فهي من الشر الذي لا خير فيه.
واتقوا الله أيها الآباء، فصونوا أولادكم عن مثل هذه الاجتماعات، واحفظوهم منها؛ فإنها من أهم أسباب فسادهم.
أيها المؤمنون، إن الله أمركم بالتعاون على البر والتقوى، فقال: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]. فعلى أصحاب هذه الأحواش والاستراحات أن يتقوا الله ربهم، ولا يؤجروها على من يُظن جلوسه فيها على هذه المنكرات، فإن تأجير هذه الأحواش والاستراحات في هذه الحالة محرم، وأخذ الأجرة على ذلك حرام.
فاتقوا الله عباد الله، وقوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة.
ـــــــــــــــــــ(68/301)
صحبة الأخيار
...
...
3606
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
...
...
الآداب والحقوق العامة, قضايا المجتمع
...
خالد بن عبد الله المصلح
...
...
عنيزة
...
...
...
جامع العليا
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- الحث على مصاحبة الأخيار ومجانبة الأشرار. 2- ثمار صحبة الصالحين. 3- آثار صحبة الأشرار.
الخطبة الأولى
أما بعد: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
واعلموا أن الله تعالى لنافذ قدرته وبالغ حكمته خلق الخلق بتدبيره، وفطرهم بتقديره، فكان من لطيف ما دبَّر وبديع ما قدر أن خلق الإنسان مطبوعًا على الافتقار إلى جنسه، راغبًا في مصاحبة من هم على شاكلته، ميالاً إلى مخالطة أفراد نوعه ومجالسة بني جلدته. وقد جاءت شريعة أحكم الحاكمين ملبية لهذه الحاجة الفطرية التي يصلح بها معاش الناس ومعادهم، ولكنها بينت أنه لا يصلح للصحبة كل إنسان، فحثت على صحبة المتقين الأبرار، ونهت وحذرت عن صحبة أهل المعاصي والأشرار، وذلك لما للأصحاب من أثر على الدين والعقل والخلق، قال النبي : ((المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل))[1].
وقد أدرك العلماء والعقلاء أثر الصاحب على صاحبه، فحثوا على صحبة الأخيار، وحذروا من صحبة الأشرار، قال مالك بن دينار رحمه الله: "إنك أن تنقل الحجارة مع الأبرار خير من أن تأكل الحلوى مع الأشرار"، وقال أبو الدرداء : (لصاحب صالح خير من الوحدة، والوحدة خير من صاحب السوء)، ومن كلام علي رضي الله عنه:
ولا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى حليمًا حين يلقاه
يقاس المرء بالمرء إذا ما هو ماشاه
أيها المؤمنون، الزموا صحبة الأخيار ومودة المتقين الأبرار الذين تزيدكم صحبتهم استقامة وصلاحًا، فإن صحبة هؤلاء تورث الخير في الدنيا والآخرة، ولها ثمرات طيبة وآثار مباركة، ولذا أمر الله سبحانه نبيه بها، فقال جل ذكره: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28].
فمن ثمار صحبة الأخيار ما أخبر به النبي حيث قال: ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكِير، فحامل المسك إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة))[2]، فأنت لا تعدم من جليس صالح خيرًا.
ومن ثمار صحبة الأخيار أن حضور مجالس الخير معهم سبب لمغفرة الذنوب، ففي الصحيحين عن أبي هريرة في الحديث الطويل: قال رسول الله : ((إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ، تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ، قَال:َ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ: مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالُوا: يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ، وَيُكَبِّرُونَكَ، وَيَحْمَدُونَكَ، وَيُمَجِّدُونَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ، قَالَ فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا، قَالَ: يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي؟ قَالَ: يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً، قَالَ: فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ: يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ: فِيهِمْ فُلانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ))[3]. فللَّه ما أعظم صحبة الأخيار، وأطيب عاقبتها.
أيها المؤمنون، إن من ثمار صحبة الأخيار محبتهم، ومحبتهم سبب لمشاركتهم في خير الدنيا ونعيم الآخرة، ففي الصحيحين عن أبي موسى قال: قيل للنبي : الرجل يحب القوم ولمّا يلحق بهم؟ قال: : ((المرء مع من أحب))[4].
ومن ثمار صحبة الأبرار التأثر بهم والاقتداء بسلوكهم وأخلاقهم واستقامتهم، كما قال النبي : ((المرء على دين خليله))[5]. وقد صدق القائل:
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
ومن ثمار صحبة الطيبين أنها تذكره بالله تعالى، فيفيده ذلك في عقله ودينه، قال النبي : ((أولياء الله الذين إذا رُؤوا ذكر الله))[6]، فرؤية الأبرار تذكر بالله، فكيف بمصاحبتهم ومجالستهم؟!
قال بعض السلف: "إن كنت لألقى الرجل من إخواني، فأكون بلقياه عاقلاً أيامًا"، وقال آخر: "كنت أنظر إلى أخ من إخواني، فأعمل على رؤيته شهرًا".
ومن ثمار صحبة هؤلاء ما قاله علي بن أبي طالب : (عليكم بالإخوان؛ فإنهم عدة في الدنيا والآخرة، ألا تسمع إلى قول أهل النار: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء:100، 101]؟!).
ومن فوائد صحبة المؤمنين الأخيار ما حدث به النبي عن المؤمنين بعد اجتيازهم للصراط: ((حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحدٍ بأشدَ مُناشَدَةً لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويُصلون ويحُجون! فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتُحَرَّم صورهم على النار، فيخرجون خلقًا كثيرًا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه))[7].
فالله أكبر ما أعظم الصحبة الطيبة وأحسن عاقبتها، وما أكثر فوائدها وأطيب ثمارها، ولو لم يكن فيها إلا أنها سبب للخروج من النار لكان ذلك كافيًا في الحرص عليها والاستكثار منها.
[1] رواه أحمد في مسنده (8065), وأبو داود في الأدب (4193), والترمذي في الزهد (2300), وسنده لا بأس به.
[2] أخرجه البخاري في الذبائح والصيد (5108), ومسلم في البر والصلة (4762).
[3] أخرجه البخاري في الدعوات (5929).
[4] أخرجه البخاري في الأدب (5704).
[5] رواه أحمد في مسنده (8065), وأبو داود في الأدب (4193), والترمذي في الزهد (2300), وسنده لا بأس به.
[6] رواه البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما كما في مجمع الزوائد (10/78)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2587).
[7] رواه مسلم في الإيمان (302).
الخطبة الثانية
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واحذروا مصاحبة الفساق وأهل المعاصي والأشرار الذين يُزَينون لكم معصية الله تعالى، ويعينونكم على تضييع حقوق الله تعالى بارتكاب المعاصي وترك الواجبات.
احذروا هؤلاء أشد الحذر، فإنهم قطاع طريق الهداية، يصدون عن سبيل الله، ويبغونها عوجًا، فعن المسيب : أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي وعنده أبو جهل، فقال: ((أي عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله))، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، ترغب عن ملة عبد المطلب؟! فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به: على ملة عبد المطلب[1]. نعوذ بالله من الخذلان ومن جلساء السوء. فانظر ـ بارك الله فيك ـ كيف أثر جليسا السوء على هذا، حتى حالا بينه وبين الجنة، وأسلماه إلى النار والعياذ بالله.
فاحذروا ـ أيها المؤمنون ـ جلساء السوء، فإنهم لا يقر لهم قرار، ولا تسكن لهم ساكنة، حتى يوقعوكم في معصية الله تعالى، ويورطوكم في ترك ما فرض الله عليكم.
فصحبة الفساق والأشرار قطعة من النار تعقب الضغائن، وتورث الحسرات، وتجرئ على المعاصي والسيئات، قال الله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:27-29].
فليحذر كل واحد منا ـ صغيرًا أو كبيرًا ـ مصاحبة أهل السوء والريب، فإن الصاحب ساحب، والطبع سراق.
ولا يغرنك من أصحاب السوء وأهل المعاصي طيب معشرهم أو حلاوة ألسنتهم، فالماء قد يصفو منظره وطعمه خبيث، قال الأول:
ألم تر أن الماء يخبث طعمه وإن كان لون الماء أبيض صافيا
قال الشيخ عبد الرحمن السعديُ رحمه الله: "بالجملة فمصاحبة الأشرار مضرة من جميع الوجوه على من صاحبهم، وشر على من خالطهم، فكم هلك بسببهم أقوام، وكم قادوا أصحابهم إلى المهالك من حيث يشعرون، ومن حيث لا يشعرون"ا هـ كلامه رحمه الله.
فاحذروا ـ أيها المؤمنون ـ مصاحبة هؤلاء في أنفسكم، وجنبوا أولادكم وأهليكم مصاحبة أهل الشر البطالين، فإنهم أكبر أسباب ضياعهم وفسادهم.
اللهم إنا نسألك أن تجنبنا الشر وأهله، وأن تحفظنا من المعاصي وأهلها.
[1] أخرجه البخاري في الجنائز (1272).
ـــــــــــــــــــ(68/302)
إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا
...
...
4219
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
...
...
آثار الذنوب والمعاصي, الكبائر والمعاصي, قضايا المجتمع
...
فرج بن حسن البوسيفي
...
...
بنغازي
...
...
...
الأرقم بن أبي الأرقم
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- الحث على تحرّي الرزق الحلال. 2- أثر الرزق الحلال على عمل الإنسان. 3- التغذّي بالحرام من أسباب فساد الأسر. 4- أفضل الصدقة ما كان من أطيب المال. 5- من شروط التوبة ردّ المظالم إلى أهلها.
الخطبة الأولى
أيّها النّاس، قال : ((إنّ اللّه طيّبٌ لا يقبل إلا طيّبًا، وإنّ اللّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم [المؤمنون:51]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172])) ثمّ ذكر [النبي ]: ((الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السّماء: يا ربّ يا ربّ، ومطعمه حرامٌ، ومشربه حرامٌ، وملبسه حرامٌ، وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك؟!)).
إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيبًا طاهرًا من المفسدات كلها كالرياء والعُجب، ولا من الأموال إلا ما كان طيبًا حلالاً، قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ [المائدة:100]، وقد قسم الله تعالى الكلام إلى طيب وخبيث، فقال تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء [إبراهيم:24]، وقال في الكلام الخبيث: وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ [إبراهيم:24]، وقال تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10]، ووصف الله رسوله بأنه يحل الطيبات ويحرم الخبائث، ووصف الله تعالى المؤمنين بأنهم الطيبون، فقال تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ [النحل:32]، وإن الملائكة تقول عند الموت: اخرجي أيتها النفس الطيبة. وقد ورد في الحديث الشريف: ((من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد: أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا)).
المؤمن لسانه طيب رطب من ذكر الله ومن الكلام الحسن، وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا [الإسراء:53]، وعلى جوارحه من الأعمال الصالحة التي هي ثمرة الإيمان. ومن أعظم ما يحصل به طيبة الأعمال للمؤمن من طيب مطعمه وأن يكون من حلال، فبذلك يزكو عمله، وفي هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يقبل العمل ولا يزكو إلا بأكل الحلال، وأن أكل الحرام يفسد العمل ويمنع قبوله، ومن أبشع أكل الحرام الرشوة والربا والسرقة والخيانة، وغيرها من المعاملات المحرمة.
قال ابن عباس: (لا يقبل الله صلاة امرئ في جوفه حرام)، وقال وهب بن الورد: "لو قمت لله مقام هذه السارية ـ أي: مقام العمود ـ لم ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل في بطنك".
وقد قيل: إنه إذا خرج العبد حاجًا بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال. وإذا نادى المحرم وماله حرام: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفتقك حرام، وحجك غير مبرور. وقال : ((لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ))، والغلول هو السرقة من الغنيمة قبل تقسيمها، أي: لا يقبل الله الصدقة من المال الحرام، فلا ينتظر الرحمة مَنْ يظلم ويسرق ويزوّر ويحتال ويكذب.
إن من أسباب فساد الأسر تغذيتهم بالمال الحرام وبأكل مال الأيتام، وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ [البقرة:188].
قال الصحابة لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: لماذا تستجاب دعوتك؟! فقال: (ما رفعت إلى فمي لقمة إلا وأنا عالم من أين مجيئها، ومن أين خرجت). وقال العارف بالله سهل بن عبد الله: "من أكل الحلال أربعين يومًا أجيبت دعوته".
إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبًا، إن الله منزه عن النقائص، ومقدّس عن الآفات والعيوب، ولا يقبل إلا طيبًا، فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا [الكهف:110]، قال سفيان الثوري رضي الله عنه: "من أنفق من الحرام في طاعة الله كان كمن طهّر ثوبه بالبول".
وإذا أنعم الله عليك بالابتعاد عن الحرام وأكله وأردت الصدقة من مالك فأنفق من أفضل أنواعه، قال تعالى: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يتصدق بالسكّر ويقول: (إني أحبه)، وأعتق رضي الله عنه جاريته رميثة وقال: (إني سمعت الله عز وجل يقول في كتابه: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، وإني والله إن كنتُ لأحبكِ في الدنيا، اذهبي فأنت حرة لوجه الله عز وجل).
إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، لا يقبل أيديًا تنجّست بالربا والرشاوي وبالظلم والتزوير وأكل أموال الناس، ولا يقبل أجسامًا غرقت في الحرام، ومن تاب تاب الله عليه، ولن تقبل توبتك حتى ترد الحقّ لأهله، فإن المؤمن طيب، والجنة طيبة، والطيبات للطيبين، والطيبون للطيبات، قال تعالى: وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [النساء:2]، قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:100]، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97]، لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الأنفال:97]، وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ [الأعراف:58].
ـــــــــــــــــــ(68/303)
حماية المجتمع وأخذ الحذر في السلم والحرب
...
...
3638
...
الأسرة والمجتمع
...
...
قضايا المجتمع
...
أحمد بن محمود الديب
...
...
العين
...
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- معنى الحذر في اللغة والاصطلاح. 2- لماذا يجب علينا الحذر؟ وممن نحذر؟ 3- أساليب الأعداء في محاربة الإسلام والمسلمين. 4- من أعداء الإسلام؟ 5- وجوب إعداد العدة لمجابهة أعداء الإسلام في جميع الميادين. 6- الحث على التعاون مع رجال الأمن في حفظ النظام. 7- وجوب الوعي الكامل بمكائد الأعداء وخططهم.
الخطبة الأولى
أيها الإخوة الكرام الأحبة، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تعالى؛ فإن التقوى هي خير زاد وهي خير وصية، ولا يخفى على الجميع ما تمر به أمتنا اليوم من هجمة شرسة من أعدائها، وما تمر به من محن وخلافات وحروب طاحنة في بلاد المسلمين، وهذا يستوجب منا أن نأخذ حذرنا في السلم والحرب؛ لحماية مجتمعنا من كيد أعدائنا؛ فما هو الحذر؟ وممن نحذر؟ ولماذا الحذر؟ وما هو واجبنا أمام ما حذرنا منه؟ هذه أربعة أسئلة نتعرف من خلال الإجابة عليها على مفهوم الحذر في كتاب ربنا وفي سنة نبينا.
فما هو الحذر؟ إن الحذر في اللغة يعني: اليقظة والتأهب، واصطلاحًا: هو أخذ الحيطة للأمر قبل وقوع المكروه، والحذر ثابت بالكتاب والسنة، ثابت بالكتاب فإن الله تعالى أمرنا بأخذ الحذر من أعدائنا فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُواْ جَمِيعًا [النساء:71]. فعلينا أن نأخذ حذرنا امتثالا لأمر ربنا عز وجل.
والحذر ثابت في السنة المطهرة من أفعاله في هجرته وأعماله العسكرية التي واجه بها أعداء الله تعالى.
وممن نحذر؟ علينا أن نحذر من أعدائنا، فأعداء الله تعالى حريصون كل الحرص على زعزعة أمن بلادنا وإثارة الفتن، وهم لا يتحرجون من أن يستخدموا أي أسلوب لتحقيق هدفهم.
لماذا الحذر؟ لا بد من الحذر؛ لأن أعداء الإسلام والمسلمين يريدون القضاء على الإسلام بكل وسيلة، وهذا ما أخبرنا الله تعالى به وبما يدبرونه من مكايد فقال تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ.[الصف:8].
ولقد تنوعت أساليب أعداء المسلمين في محاولات شتى للقضاء على ديننا، ووجهوا إلينا ألوانا من الأسلحة وغزوا المسلمين من كل جهة، وأنا أذكر هنا أنواعًا من أسلحتهم التي غزوا بها المسلمين:
غزوا المسلمين بالسلاح العسكري، غزوهم بالسلاح الفكري، غزوهم بالسلاح الخلقي، غزوهم بالسلاح العاطفي.
غزوا المسلمين بالسلاح العسكري؛ فأعلنوا الحرب على المسلمين وشنوا الغارة عليهم بأقوى الأسلحة التي تمكنهم الفرصة من استعمالها.
وغزوا المسلمين بالسلاح الفكري فأفسدوا أفكاراهم وعقائدهم إلا من رحم الله تعالى، يحاولون تشكيك المسلمين في دينهم، وزعزعة العقيدة من قلوبهم بما ينشرونه من كتب ورسائل، وما يلقونه من خطب ومقالات بالطعن في الإسلام وقادته أحيانا، وبتزيين ما هم عليه من الباطل أحيانا أخرى؛ فإن اعتنق المسلم ما هم عليه من الكفر والضلال فذلك غاية مناهم وتمام رضاهم، قال الله تعالى وهو العالم بما تخفي صدورهم: وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً [النساء:89]، وقال عالم الغيب والشهادة: وَلَنْ تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ [البقرة:120].
وإذا لم يعتنق المسلم ما هم عليه من الكفر والضلال اقتنعوا منه بالشك في دينه والارتياب، وفي ذلك خروجه من الدين؛ فإن الشك في الدين كفر، ولقد صرح بعضهم بذلك فقالوا: "إننا نستبعد من المسلم أن يدخل في ديننا، ولكن يكفينا أن يشك في دينه ثم يخرج منه إلى أي دين شاء" لأنهم يعلمون أن عِزّ الإسلام هو ذلهم.
وغزوا المسلمين بالسلاح الخلقي؛ فنشروا بين المسلمين ما تفسد به أخلاقهم وتسفل به آدابهم وتكسد به قيمهم، نشروا فيهم ما يثير الغرائز والشهوة إما بالأغاني والألحان، وإما بالكلمات الماجنة والقصص الخليعة، وإما بالصور الفاتنة والمجلة الساقطة، حتى يصبح المسلم فريسة لشهوته، يتحلل من كل خلق فاضل، وينزل إلى مستوى البهائم، ولا يكون له هم سوى إشباع غريزته من حلال أو حرام، وبذلك ينسى دينه ويهدر كل فضيلة، وينطلق مع شهواته ولذاته إلى غير حدود شرعية ولا عرفية فيتنكر للشرع والعادة.
وغزوا المسلمين بالسلاح العاطفي: سلاح المحبة والعطف؛ فيتظاهرون بمحبة المسلمين والولاء لهم والعطف عليهم ومراعاة مصالحهم حتى يغتر بهم من يغتر من المسلمين وتنزع من قلوبهم العاطفة الدينية فيميلون إلى هؤلاء الأعداء بالمودة والإخاء والقرب والولاء وينسون قول الله عز وجل: ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ الْحَقِّ [الممتحنة:1]، وقوله: يَـ?أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ منكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ منْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَآ أَسَرُّواْ فِي? أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة:51، 52]، وينسون قول الله تعالى: لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22].
ما هو واجبنا أمام ما حُذِّرنا منه؟ إنه يجب علينا مع هذه التوجيهات الإلهية الصادرة عن علم وحكمة ورحمة أن لا نتجاهل دليلا واقعيا يوجب علينا الحذر من أعدائنا ومن موالاتهم. ولنعلم أن أعداء الإسلام لا ينحصرون في طائفة معينة ولا حزب معين، إن الكافرين كلهم أعداء الإسلام وأولياء بعضهم لبعض، يقول الله تعالى: وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:73]. فالكفر أنواع ولكل نوع منه أمة تدين به ما بين يهود ونصارى ومجوس وصابئين ومشركين ودهريين، وكلهم أولياء بعض لاتفاقهم على الخروج عن طاعة الله تعالى، تشابهت قلوبهم واختلفت عباراتهم وأساليبهم، فقالت اليهود: "عزير ابن الله"، وقالت النصارى: "المسيح ابن الله"، وقالت اليهود: "إن الله فقير ونحن أغنيآء"، وقالت النصارى: "إن الله ثالث ثلاثةٍ"، وقالت اليهود: "يد الله مغلولة"، وقالت النصارى: "إن الله هو المسيح ابن مريم".
إن علينا أن ننتبه وعلينا أن نحذر، وإن علينا أن نعتبر بالأحداث، وإن علينا أن نكون أقوياء في التخطيط والعمل، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف كما ثبت ذلك في مسند أحمد وصحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز)).
إن علينا أن نعد لأعدائنا لكل نوع من هجومهم سلاحه المقابل له حتى نتمكن من صد هجماتهم في كل وجه، وأن نأخذ بالحذر البالغ خصوصا في هذا العصر؛ فإن هذا هو ما أمر الله تعالى به حيث قال: وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَى? أَن تَضَعُو?اْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا [النساء:102]، هكذا يقول الله سبحانه وتعالى في دفاعهم، ويقول في طلبهم: وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَآءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:104].
وعلينا بتقوى الله تعالى، وعلينا بالصدق مع الله تعالى. وخذوا حذركم من عدوكم من اليهود وأعوانهم، وأن نحاسب أنفسنا، وأن نتوب إلى ربنا من كل ما يخالف دين الإسلام من مبادئ وعقائد وأعمال، وأن نصدق في مواطن اللقاء، وأن نؤثر الله تعالى والدار الآخرة، وأن نعلم أن النصر المبين والعاقبة الحميدة ليست للعرب دون العجم، ولا للعجم دون العرب، ولا لأبيض دون أسود، ولا لأسود دون أبيض، ولكن النصر بإذن الله تعالى لمن اتقاه واتبع هداه وجاهد نفسه في الله تعالى، وأعد العدة ما استطاع من القوة كما أمره بذلك مولاه، حيث قال تبارك وتعالى في محكم التنزيل: وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ [الأنفال:60]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ، وقال عز وجل يخاطب رسوله الأمين : وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُو?اْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَى? أَن تَضَعُو?اْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا [النساء:102].
فلنتأمل أمر الله عز وجل لعباده أن يعدوا لعدوهم ما استطاعوا من القوة، ثم لنتأمل أمره لنبيه وللمؤمنين عند مقاتلة الأعداء والقرب منهم أن يقيموا الصلاة ويحملوا السلاح، وكيف كرر الأمر سبحانه في أخذ السلاح والحذر لئلا يهجم عليهم العدو في حال الصلاة، لنعرف بذلك أنه يجب على المجاهدين قادة وجنودًا أن يهتموا بالعدو وأن يحذروا غائلته، وأن يعدوا له ما استطاعوا من قوة وأن يقيموا الصلاة ويحافظوا عليها مع الاستعداد فيها للحرب عند الحاجة إلى ذلك، وفي ذلك جمع بين الأسباب الحسية والمعنوية.
هذا هو الواجب على المجاهدين في كل زمان أن يتصفوا بالأخلاق الإيمانية، وأن يستقيموا على طاعة ربهم، ويؤمنوا بأن النصر بيده لا بيد غيره، هذا هو السبب الأول والأساس المتين والأصل العظيم، وهو قطب رحى النصر وأساس النجاة والفلاح، وهذا هو السبب المعنوي الذي خص الله تعالى به عباده المؤمنين وميزهم به عن غيرهم، ووعدهم عليه بالنصر إذا قاموا به مع السبب الثاني حسب الطاقة وهو إعدادهم لعدوهم ما استطاعوا من القوة، والعناية بشؤون الحرب والقتال والصبر والمصابرة في مواطن اللقاء، مع الحذر من مكائد الأعداء.
وبهذين الأمرين يستحقون النصر من ربهم عز وجل فضلاً منه وكرمًا ورحمة ً وإحسانًا ووفاءً بوعده وتأييدًا لحزبه، كما قال تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم: 47]، وقال تبارك وتعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [ الحج:40].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفي، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحبة، هذا واجب كل مسلم عليه أن يحمي المجتمع من كل خطر، فإذا علم بحادثة في مكان ما عليه أن يبلغ الجهات المعنية للحفاظ على أمن مجتمعه وسلامته، وعليه أيضًا أن يكون متعاونًا مع رجال الشرطة والأمن؛ لأن من مهام رجال الشرطة والأمن الحفاظ على الأعراض من المساس بها أو انتهاكها. وإلى جانب تلك الأعباء والمهام من الحِفاظ على النفس البشرية والعقل والأعراض، فهم يحافظون على أموال الدولة من الضياع والاختلاس والسرقة والتبديد، حتى تستقر الأوضاع بين الأفراد والمجتمع، وتسمو الدولة بتمسكها بشرع ربها.
فالمسلم الحق هو الذي يحترم رجل الشرطة والأمن، ويساعدهما على القيام بواجبهما الوطني. ولا شك في أن أول مظهر من مظاهر التعاون مع رجال الشرطة والأمن هو الالتزام بتقوى الله تعالى والإخلاص في السر والعلن، فمن التزم بتقوى الله تعالى أمنه الناس واستقام سلوكه وحسنت أخلاقه، فلا يؤذي أحدا، يلتزم بالنظام، ويحترم القوانين التي أمر بها ولاة الأمر للحفاظ على المجتمع وسلامته، والمسلم يعرف حدوده فلا يتجاوزها، يكون مجانبا لارتكاب المحرم والفجور والغش والخداع.
وإن الواجب على أبناء الأمة الوعي الكامل والإدراك الشامل بمخاطر الأعداء ومخططاتهم في استهداف عقائد المسلمين، وزعزعة استقرارهم وتهديد مقدراتهم، فكم من أمور غامضة تجري، وتخطيط ضخم يُرتب في الخفاء الله أعلم بما يحوي وعليه ينطوي، فالصهيونية العالمية اليوم تقود العالم إلى الكوارث والمحن، تريد بأمة محمد القلاقل والفتن، والأضرار والإحن. فالحذر الحذر، والحرصَ الحرصَ على هذا الدين.
الواجب على المسلمين أن يدركوا أن الهدف والغاية النهائية من كل تلك المحاولات هو ضرب الأمة في عمقها، والتأثير عليها في أكبر ركيزة من ركائز وجودها، وصدق الله تبارك وتعالى إذ يقول في محكم التنزيل: وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء [النساء:89].
فعلى الأمة الإسلامية أن تدرك مقاصد دينها، وأغراض وأهداف كلام خالقها، وأن تستبصر مبادئ وتعاليم إسلامها، وإلا فستكون ـ لا قدر الله تعالى ـ ضحية تخاذلها، وبعدها عن مشاعل هداية ربها، والله جل وعلا يقول: وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:205].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين
ـــــــــــــــــــ(68/304)
نفقة الزوجة الناشز
...
...
4090
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب, فقه
...
...
النكاح, قضايا الأسرة, مساوئ الأخلاق
...
عبد الكريم بن صنيتان العمري
...
...
المدينة المنورة
...
...
...
جامع الصانع
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- معاني النشوز في القرآن الكريم. 2- تعريف النشوز في اصطلاح الفقهاء. 3- من صور نشوز الزوجة. 4- سقوط النفقة عن الزوجة الناشز.
الخطبة الأولى
ذكر المفسرون أن كلمة (النشوز) في القرآن على أربعة أوجه:
الأول: عصيان المرأة زوجها، ومنه قوله تعالى: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34].
الثاني: ميل الرجل عن امرأته إلى غيرها، ومنه قوله تعالى: وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا [النساء:128].
الثالث: الارتفاع، ومنه قوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا [المجادلة:11].
الرابع: الحياة، ومنه قوله تعالى: وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا [البقرة:259].
وفي اصطلاح الفقهاء: معصية المرأة لزوجها فيما له عليها مما أوجبه له النكاح.
وللنشوز صور عديدة عند الفقهاء، فمنها:
1- إذا منعت زوجها من الاستمتاع بها بالوطء أو مقدماته، أو لم تبت معه في فراشه إذا لم يكن ثمة عذر شرعي يبيح لها الامتناع.
2- إذا خرجت من منزله بلا عذر.
3- إذا سافرت الزوجة بدون إذنه حتى لو كان سفرها للحج تطوعًا، أو امتنعت من السفر معه وكان الطريق مأمونًا.
4- أن تتطوع بصوم نفل دون إذن زوجها، فتمنع نفسها منه.
5- إذا لزمتها عِدَّة من غيره بأن وُطئت بشبهة مطاوعة.
6- إذا امتنعت عن الانتقال معه إلى منزله بغير حق شرعي، وقد دعاها إلى الانتقال وأعَدَّ المسكن إعدادًا لائقًا.
7- إذا كان الزوج يقيم مع زوجته في بيتها بإذنها، ثم منعته من الدخول، ولم تطلب منه الانتقال إلى مسكن آخر، ولم تترك له فرصة البحث.
8- إذا أسلم الزوج وتخلفت المرأة فلا نفقة لها؛ لأنها بامتناعها عن الإسلام تكون ناشزة.
8- إذا كانت المرأة صاحبة حرفة كالتدريس أو التمريض أو غيرهما من المهن، وكانت تشتغل بحرفتها خارج البيت كل النهار أو بعضه ثم تعود إلى البيت ليلاً، أو كانت تشغلها الليل أو بعضه، فلا نفقة لها إذا لم يرض الزوج باحترافها وطلب منها عدم الخروج وعدم الاشتغال بمهنتها ولم تمتثل، أو رضي أول الأمر ثم امتنع.
والزوجة الناشز تسقط نفقتها ولا شيء لها، وهو قول جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ومنهم الأئمة الأربعة؛ لقوله تعالى: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً [النساء:34]. قال الإمام الشافعي رحمه الله : "إذا كان الله سبحانه وتعالى قد أذن للزوج في هجرها في المضجع لخوف نشوزها كان مباحًا له ترك الإنفاق عليها".
فالله تعالى أمر الأزواج أن يمنعوا زوجاتهم النواشز القسمة لهن بقوله: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، ومعروف أن الحظ في الصحبة قاسم مشترك بين الزوجين وأمر متبادل بينهما، وأما النفقة فهي من حقوق الزوجة الخالصة لها، فإذا كان النشوز يسقط الحق المشترك بينهما فإن إسقاطه للحق الخالص للزوجة أولى.
وروى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)) رواه مسلم. فالنبي أوجب على الأزواج نفقة زوجاتهم وكسوتهن مقابل طاعتهن لأزواجهن وعدم الإتيان بالفاحشة أو ما يكرهونه، فدل على أن معصية المرأة لزوجها وعدم طاعتها له يسقط عنها النفقة والكسوة.
وعن عامر الشعبي أنه سئل عن امرأة خرجت من بيتها عاصية لزوجها: ألها نفقة؟ قال: "لا، وإن مكثت عشرين سنة". وعن شعبة قال: سألت حماد بن أبي سليمان عن امرأة خرجت من بيت زوجها عاصية: هل لها نفقة؟ فقال: "ليس لها نفقة"، وعن هارون قال: سألت الحسن عن امرأة خرجت مراغمة لزوجها: ألها نفقة؟ قال: "لها جوالق من تراب"، وقيل لشريح: هل للناشز نفقة؟ فقال: "نعم"، فقيل: كم؟ قال: "جراب من تراب"، معناه: لا نفقة لها.
ـــــــــــــــــــ(68/305)
ضرورة العناية بالنشء
...
...
4329
...
الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد
...
...
الأبناء, التربية والتزكية
...
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
...
...
الرياض
...
13/3/1426
...
...
جامع الإمام تركي بن عبد الله
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- مسؤولية الأبناء والبنات. 2- أمر الأولاد بالصلاة لسبع. 3- ضرب الأولاد على الصلاة لعشر. 4- التفريق بين الأولاد في المضاجع. 5- أهمية تربية النشء على الأخلاق والفضائل. 6- أمر الأولاد بالاستئذان في البيوت. 7- صيانة الإسلام للمرأة. 8- خطورة انغماس المجتمع في الرذائل. 9- استنكار برنامج ستار أكاديمي.
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، الأبناءُ والبنات أمانةٌ في أعناقِ الآباء والأمَّهات، استرعَى الله الأبَوَين على هذا النّشءِ، والله سائلٌ كلَّ راعٍ عمّا استرعاه، أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6].
أيّها المسلم، فعلى الأبِ وعلى الأمِّ واجبٌ كبير نحوَ تربيةِ هذا النشءِ في أوَّل أمرِه؛ لينشَأَ محِبًّا للخَير آلفًا له، ماقتًا للشرِّ كارهًا له.
أيّها المسلم، في السّنَن عنه قال: ((مُروا أولادَكم بالصَّلاة وهم أبناءُ سبع سنين، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عَشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع))[1].
أدبٌ نبويّ وتربيّة صالحة ودعوةٌ صادِقة للفضائلِ والأخلاق القيِّمة. هذا الحديثُ تضمَّن أمرَين:
أوَّلهما: قولُه موجِّهًا الخطابَ إلى الأبوين: ((مُروا أبناءَكم بالصّلاة وهم أبناءُ سبع سنين))، مروهم بالصَّلاة في هذا السّنِّ المبكِّر، يأمر الأب ابنَه أو بنتَه بالصلاة في هذا السن المبكِّر، لماذا هذه المبادَرة؟ أجل، لعِظَم الصلاة، لعَظيم شأنها في الإسلام، لأهمّيَّتها، لكبير قدرِها، إذ هي عمودُ الإسلام والرّكن الثاني من أركانه، بها تقوَى صِلة العبد بربِّه، وبها تزكو أخلاقه وتصلُح أعماله وتستقيمُ أحواله، وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45]. إنَّها الفريضةُ التي يطالَب العبد بها في يومِه وليلتِه خمسَ مرّات، إنها البرهانُ الصادق على الإيمان، إنها البرهان الصادق على أنَّ في القلب إيمانًا بالله ورسولِه.
أيّها الأب، أيّتها الأم، فأمرُ الأطفال بالصلاةِ لسبع سنين من الأمور المهمَّة حتى ينشأَ النشءُ محِبًّا لهذه الصلاة مرتاحًا لها عارفًا كبيرَ شأنها وعظيمَ قدرها في الإسلام.
ثانيًا: ((واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشر))، يُنتقَل من الأمر إلى الضّرب، لماذا وهم لم يبلغوا سنَّ البلوغ والتكليف؟! لكن توطِئَة لأنَّ هذه الصلاةَ يجب أن يحافِظَ عليها العبد إلى أن يلقَى الله، ما دام عقلُه حاضرًا فهو مطالَب بها على أيِّ حالٍ كان لأنَّها التي توقِظ في قلبه ذكرَ الله والتعلُّقَ بالله جلّ وعلا.
ثانيهما: ((وفرِّقوا بينهم في المضاجع)).
أيّها المسلم، كُن معِي قليلاً في هذا الأمرِ الخاصّ، فرِّقوا بينهم في المضاجعِ بعد عشرِ سِنين، فرِّقوا بين الأبناء فلا يكن الابنان في مضجعٍ واحد، ولا الابن ولا البنتُ في مضجعٍ واحد، لماذا؟ السنُّ مبكِّر والغرائِزُ قد لا تكونُ ظاهِرة، والأبناء قد لا يتفكَّرونَ الأشياء، لكن حماية الأعراض حمايةُ الأخلاق حمايةُ المجتمع من الرّذيلة الأخذُ على أيديهم من الصِّغَر تنشئتُهم النشأةَ الصالحة وتربيتُهم على القِيَم والفضائل ممَّا يطالَب به الآباء؛ لأنَّ هذه وظيفتُهم حتى الآن، فليس الأمر متعدِّيًا لهم، بل الأمر هم مختصّون به، يختصّ بذلك الأمّ والأب، فيفرّقونَ بينهم في المضاجع؛ خوفًا من تسرُّب وساوِسِ الشيطان الذي يجرِي من ابنِ آدمَ مجرَى الدم، ولأنَّ الهدف أن تكونَ النشأة نشأةً صالحة صادِقة، ينشأ المسلم في مجتمَعٍ محافِظ، يؤمِن بالفضيلة، ويرفُض الرذيلة، ولا يقرُّها بنفسِه ولا بيتِه ولا مجتمعِه.
أيّها المسلم، هذه التربيةُ للنشء لينشؤوا معظِّمين لحرماتِ الله، معظِّمين لأوامرِ الله، معظِّمين لحرمات الله بالبعدِ عنها، معظِّمين لأوامر الله بفِعلها والتمسّك بها.
أيّها المسلم، إنَّ [النشءَ] إذا رُبِّي على الفضائل والأخلاق نشأَ نشأةً طيّبة، وصار بعد كِبَره ذا خلُق فاضل وعطاءٍ جزيل، يُعوَّل عليه في المهمّات، وتطمئنّ إليه أمّتُه، ويسعد به مجتمعُه، فيصبح ذا خلق ودينٍ وفضائلَ وأخلاق كريمة، همّتُه عليا، نفسُه زكيّة، طَلبُه للفضائل، هكذا ربَّى النبيّ مجتمعَ المسلمين تربيةً طيّبة، فلماذا خرَج الرعيل الأول؟ ليفتَحوا القلوبَ والبلاد، وليكونوا قادةَ البشرية، ذاك بدينهم وأخلاقِهم وقِيَمهم، وإنما تذلُّ الأمم وإنما تسقط كرامتُها وإنما يستخِفّ بها عدوُّها إن هي أهملَت فضائلَها وأهملت أخلاقَها وسمحَت للرّذيلة أن تروجَ في مجتمعِها.
أيّها المسلم، ((فرِّقوا بينهم في المضاجع))، فسبحان الحكيم العليم، هذا التوجيه العظيمُ يدلّ على عنايةِ الإسلام بالأخلاقِ وعنايتِه بالفضائِل ونأيه بمجتَمَعه عن الوقوعِ في الرذائل، ألا ترَى أنّه جلّ وعلا خاطبَ المؤمنين بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النور:58]. فأمَر من لم يبلغِ الحلم بالاستئذان في تلك الأوقاتِ التي يمكن أن يكونَ بين الرجل وامرأته شيء، كلُّ هذا لتربية أخلاقِهم، لإعدادهم الإعدادَ الصحيح، ثم قال: وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النور:59]، وهذا رسولُ الله يقول: ((فرِّقوا بينهم في المضاجع))، دعوةٌ للفضائل، وتربيةُ النشء إلى أن يعظِّموا حرماتِ الله، فيبتعِدوا عنها.
أيّها الشابّ المسلم، أيّتها الفتاةُ المسلمة، أوصِي الجميعَ بتقوى الله والتحلّي بالفضائل والبعدِ عن دعاة الرذيلةِ والفَساد الذين يسعَونَ في الأرض فسادًا؛ لتدمير أخلاقِ الأمّة، لتدمير كيانها، لإفساد أخلاقِها، بإضعاف تمسّكِها بدينها.
أخي المسلم، إنَّ الإسلامَ عندما أمرَ المرأة بالحجاب وحرَّم عليها التبرّجَ ونهاها عن السفرِ وحدها بلا محرم وحرَّم خلوتَها بالأجنبيّ الذي ليس من محارمها ونهاها من الخضوع بالقول خوفًا عليها من طمَعِ مرضى القلب بالشّهوة فيها، كلّ هذا حماية للأخلاقِ والفضيلة، حراسَة للفضيلة مِن أن تتطرّقَ إليها أيدِي العابثين والمفسِدين والمجرمين.
أيّها المسلم، إنّ انغماسَ المجتمع في الرذيلة أمرٌ خطير وأمرٌ مشين، أمرٌ يحمل في طيّاتِه الدمارَ والبلاء.
أخي المسلم، عندما تسمع التوجيهاتِ الإسلامية العاليَة وتسمع أحيانًا من بيئةٍ فاسدة تدعو إلى التقاء الذّكورِ والإناث في أماكنَ محدودة وزمان طويل ما الفائدة منه؟ الفائدةُ يقولون فيما يعلّل به دعاةُ الرذيلة والانحلال من الأخلاق: إنَّ هذا للتّعارُف بين الجنسَين وتحطيمِ الحواجز بين الجنسَين، وحدِّث ما شئتَ عن هذه اللِّقاءات المشبوهة وعن هذه القنوات الرّذيلة وماذا يُعمَل فيها، حقًّا إنها دعوةٌ للفُجور مهما تبرّرَ أهلُه ومهما قالوا، دعوةٌ للفجورِ والفسادِ والانحلال وفُقدان الغَيرة من القُلوب، فإذا فُقِدت غيرةُ العَبدِ على محارِمِ الله فإنَّ تلك مصيبةٌ، ولهذا قال رسول الله في خطبةِ يوم كسوفِ الشمس: ((يا أمّةَ محمد، ما أحد أغيَر من اللهِ أن يزنيَ عبده أو تزنيَ أمَتَه))[2].
أمّةَ الإسلام، إنَّ الدعاةَ إلى هذه الرذيلة والمعينون عليها والمحبِّذون لها والمساعدون لها والمنفِقون عليها والمدافِعون عنها لا شكَّ أنهم أعداءٌ للأمّة، أعداء لدينِها، وأعداء لأخلاقها، وأعداء لفضائلِها، وأعداء لكلِّ خلُقٍ قيِّم فيها، وإنَّ من يحول بين أولئك وبين مرادِهم ويردَعهم عن باطلهم ويحفِزُهم عن إجرامهم ويوقفُهم عند حدِّهم لدليلٌ على ما في قلبِه مِن خيرٍ وغَيرة على الإسلام وأهلِه.
أيّها المسلم، إنَّ المجتمعات المسلمةَ ما ذلَّت إلا لمّا انحرَفت أخلاقها، وما هانت إلاّ لما فسَدَت فضائلها، وما ضعُفت إلاّ لما بعُدت عن دينها، فالدّين والأخلاق هما قوّةُ الأمة وعزُّها وسِلاحها القويّ الذي لا يستطيع قوّةٌ أن تهزِمَه. التمسُّكُ بهذا الدين قولاً وعملاً المحافظةُ على أخلاقه وفضائله أن لا يُسمَح لأيِّ رذيلٍ أن ينشُرَ رذيلتَه بين المجتمع أو يشيعها بين المجتمع المسلم، فعلى الفتَيَات المسلمات تقوَى الله في أنفسِهنّ، وأن لا ينخَدِعن بهذه الأفكارِ السيّئة وهذه الدعاياتِ المضلِّلَة، وأن يكونَ للفتاةِ المسلمة موقف مشرف؛ تمسُّكًا بالدّين والأخلاق وبُعدًا عن هذه الرذائل، وعلَى الشابِّ المسلم أن يتذكَّر ويتدبَّرَ في أمره ويعلَمَ أنَّ أولئك دعاةُ الرذيلة لا يريدون له خيرًا، لا يريدون به خَيرًا، هم دعاةٌ على أبوابِ جهنَّم، من أطاعهم ألقَوه فيها، هم أعداءٌ لك، أعداء لدينك، أعداء لأخلاقك، أعداء لفضائلِك، أعداءٌ لكلِّ خلُق قيِّم تتمسَّك به.
إنها بيئةٌ فاسِدة ومجتمَعات سيِّئة تريدُ أن تنقلَ رَذيلَتَها إلى بلادِ الإسلام، ويأبى الله والمؤمِنون ذلك، فلنتمسَّك بأخلاقنا، ولنُرَبِّ نشأنا تربيةً صالحة، لنجدَهم إن شاءَ الله بعد غدٍ رجالاً في الميدان، ذوي دينٍ وأخلاقٍ وقيادةٍ للمجتمع على أسُسٍ من الفضائل والأعمال.
أسأل الله أن يحفَظَ الجميع بالإسلامِ، وأن يثبِّتَنا وإيّاكم على صراطه المستقيم، وأن لا يزيغَ قلوبَنا بعد إذ هدانا، إنّه ولي ذلك والقادر عليه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور:19].
بارَك الله لي ولَكم في القرآنِ العظيمِ، ونفَعني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذّكر الحكيم، أقولُ قولي هذَا، وأستغفِر اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولِسائر المسلمين مِن كلّ ذنب، فاستَغفروه وتوبوا إِليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه أحمد (2/187)، وأبو داود في الصلاة (495)، والدارقطني (1/230)، والحاكم (1/311)، والبيهقي (2/228، 229) من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه، وصححه الألباني في الإرواء (247).
[2] رواه البخاري في الكسوف (1044)، ومسلم في الكسوف (901) عن عائشة رضي الله عنها.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّم تَسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدّين.
أمّا بعد: فيَا أيّها النّاس، اتَّقوا الله تَعالى حقَّ التّقوَى، وتمسَّكوا بآدابِ الإسلام؛ لتكونوا على المستوى اللائِق بكم، ربُّوا الأبناءَ والبنات التربيَة الصالحة، حذِّروهم من دعاةِ السوء، أبعدوهم عن دعاةِ السوء، بيِّنوا لهم ما في هذه من مفاسدَ وأضرارٍ في الدّين والدنيا، حذِّروهم من الانغماس في الرَّذائل، وأن تتعلَّق القلوب بأولئك الذين لا خلاقَ لهم ولا خيرَ فيهم، تعلُّقُ القلوب بمن لا خلاقَ له ولا خيرَ فيه مصيبةٌ عظيمة، فلتتَعلَّق القلوب بربِّها وبنبيِّها ثم بأخلاقِ دينها وكرامَتِها، لتجدَ العزَّ والتّمكين.
أيّها الشابّ المسلم، فاتَّق الله، وحافظ على دينِك، ولا تكن إمّعةً يقودك أولئك إلى رذائِلِهم وفسادِهم، تمسَّك بدينك، فأنت في عزٍّ وكرامة، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون:8].
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أَحسنَ الحديثِ كِتاب الله، وخيرَ الهَدي هدي محمَّد ، وشرّ الأمورِ محدثاتها، وكلّ بِدعةٍ ضَلالة، وعَليكم بجماعةِ المسلِمين، فإنّ يدَ الله علَى الجمَاعة، ومَن شذَّ شذَّ في النّار.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ علَى عبد الله ورسوله محمّد كما أمركم بذلك ربّكم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللَّهمّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمّد، وارضَ اللَّهمّ عن خلَفائه الرّاشدين...
ـــــــــــــــــــ(68/306)
بروا بآبائكم تبركم أبناؤكم
...
...
2957
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الوالدان
...
داود بن أحمد العلواني
...
...
جدة
...
...
...
الأمير منصور
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- عظم حق الوالدين. 2- حق الوالد المشرك. 3- ثبات سعد بن أبي وقاص. 4- عقوبة عقوق الوالدين. 5- من صور بر الوالدين.
الخطبة الأولى
أما بعد: عباد الله، إن نفوس بني آدم جبلت على حبّ من أحسن إليها، وليس أعظم إحسانًا وتفضلاً بعد الله تبارك وتعالى من الوالدين: الأم والأب، ومن أجل هذا نجد في القرآن الكريم الربط المباشر بين بر الوالدين وعبادة الله جل شأنه، وذلك إعلانًا لقيمة هذا البر وعلو قدره وضخامة عظمه ومكانته عند الله، فقال الله تبارك وتعالى: وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36].
فأمر بالعبادة له وحده دون سواه، وخص الوالدين بالوصية بالإحسان إليهما والبر بهما، وذلك أن رابطة الأبوة والبنوة هي أول رابطة بعد رابطة الإيمان في القوة والرفعة والأهمية والتأدب، فهي وصية قائمة على أساس قول الله تبارك وتعالى: هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ [الرحمن:60]، فصفة الأبوة تقتضي هذا الإحسان بذاتها مطلقة من كل شرط وقيد، حتى في حالة الاختلاف في العقيدة، فإن الأمر بعدم طاعة الوالدين في هذه الحالة لا يسقِط حقَّ الوالدين في المعاملة الطيبة والصحبة الكريمة وبرهما والتودّد إليهما والإحسان إليهما ومعاملتهما بالرفق واللين والملاطفة وخفض جناح الذل من الرحمة لهما وتقديمهما على من سواهما من الأقارب والدعاء لهما، قال الله جل وعلا: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15].
فالصلة في الله جل وعلا هي الصلة الأولى، والرابطة في الله تبارك وتعالى هي العروة الوثقى، فإن كان الوالدان مشركين فلهما الإحسان والدعوة إلى الدخول في الإسلام والرعاية، وأما الطاعة فتنصرف إلى الله صاحب الحق الأول في الطاعة، فقد روى الترمذي عند تفسير قول الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [العنكبوت:8]، فقال: إنها نزلت في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ـ وأمه حمنة بنت أبي سفيان ـ وكان بارًا بأمه، فقالت له: ما هذا الدين الذي أحدثت؟ والله، لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه أو أموت، فتعيَّر بذلك أبد الدهر، يقال: يا قاتل أمه. ثم إنها مكثت يومًا وليلة لم تأكل ولم تشرب، فجاء سعد إليها وقال: يا أماه، لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني، فكلي إن شئت، وإن شئت فلا تأكلي، فلما أيست منه أكلت وشربت، فأنزل الله هذه الآية آمرًا بالبر والإحسان إليهما وعدم طاعتهما في الشرك[1].
هكذا الالتزام بالدين والاعتصام بالله الذي ارتضى لنا هذا الدين، فالمؤمن لا يتنازل ولا يتراجع عن دينه ولا شيء منه مهما كانت الأحوال والظروف ولو مع أمه أو أبيه، اللهم ثبتنا على دينك.
عباد الله، لقد حرم الله عقوق الوالدين، واعتبر ذلك من أكبر الكبائر المهلكة الموصلة إلى النار والعياذ بالله، ففي الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله فقال: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟)) قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله وعقوق الوالدين، ألا وشهادة الزور وقول الزور))، وكان متكئًا وجلس، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت[2]. كفى بالزور من إثم وضعة وخِسة ودناءة وهوان.
فاتقوا الله عباد الله، وأحسنوا إلى الوالدين ما أمكن لكم ذلك بكل صنوف الإحسان، وإياكم أن تظنوا أنكم تستطيعون مكافأتهم مهما أحسنتم أو خدمتم أو بذلتم لهم من المال وحسن الأدب والاحترام والتأدب والتلطف والاحترام والتوقير.
وما عليكم ـ عباد الله ـ إلا أن تذكروا تلك التضحيات الكبار التي بذلها الوالدان من رعاية وعناية ومتابعة حتى أصبحتم في أحسن تقويم، وصرتم إلى ما صرتم عليه الآن من فتوة ونعمة ومال وجاه وسلطان، فقد قضى الحق تبارك وتعالى وأمر ـ وقضاء الله لا رادّ له ولا مفرّ منه ولا محيد عنه ـ بالإحسان إلى الوالدين حتى قرن حقهما بحقه جل وعلا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا [الإسراء:23، 24].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
[1] رواه مسلم في فضائل الصحابة، باب: فضل سعد رضي الله عنه (1748).
[2] رواه البخاري في الأدب، باب: حقوق الوالدين من الكبائر (8/70)، ومسلم في الإيمان، باب: بيان الكبائر وأكبرها (87).
الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد. قابل التوب غافر الذنب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، جاء بالهدى ودين الحق، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى في الوالدين، وقوموا بحقهما، فكما تدين تدان، فإنه يقال: ما من عمل إلا قد يؤجل عقوبته إلا عقوق الوالدين، فإنه يكون في الدنيا والآخرة. نسأل الله السلامة والعافية.
لقد صح من حديث رسول الله أنه قال: ((ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث. وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن للخمر، والمنان بما أعطى))[1].
فاسمعوا ـ يا عباد الله ـ كلام الله وكلام رسوله، وإياكم أن تشغلكم الأموال والزوجات والأولاد عن بر الوالدين، وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون، فإنه من تاب وآمن عمل صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات، فضلاً من الله تعالى ومنّة حسنة وتكرمًا ورحمة.
واعلموا ـ عباد الله ـ أن من بر الوالدين النفقة عليهما؛ إذ ليس من الإحسان ولا من المصاحبة بالمعروف أن يحتاجا إلى مأكل أو مشرب أو ملبس والولد موسر ثم يبخل عليهما أو لا يقوم بذلك لهما.
ومن برهما أيضًا توقيرهما واحترامهما، فلا يدعو الابن والده باسمه، ولا يمشي أمامه، ولا يجلسه خلفه، ولا يقاطعه في حديث، ولا يقدم أحدًا عليه.
ومن برهما دعوتهما إلى الله عز وجل، فهما ألصق الناس وأحق الناس وأقرب الناس إليه، فلا بد أن يحب لهما ما أحب لنفسه من الفوز بالجنة والخلاص من النار، أجارنا الله وعامة المسلمين الموحدين منها.
ومن برهما الاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما بعدهما وقضاء وتسديد دينهما ووفاء نذرهما، لما صح من الأحاديث الكثيرة في ذلك.
ومن بر الوالدين ـ عباد الله ـ صلة أهل ودّهما، ففي الصحيح عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: ((إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي))[2] أي: بعد موته.
جعلني الله وإياكم من البررة، وجنبنا العقوق وسبيل الفجرة، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا.
[1] رواه أحمد (5/148)، والنسائي في الزكاة، باب: المنان بما أعطى (5/80)، والحاكم (4/147) وقال: "هذا حديث صحيح"، ووافقه الذهبي.
[2] رواه مسلم في البر والصلة، باب: فضل صلة أصدقاء الوالد (2552).
ـــــــــــــــــــ(68/307)
صلة الأرحام
...
...
4314
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الأرحام
...
رضا عبد السلامي
...
...
ابن عكنون
...
...
...
عباد الرحمن
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- جزاء الوصل وجزاء القاطع. 2- أهمية صلة الرحم. 3- التحذير من قطع الأرحام. 4- تعجيل ثواب الصلة وعقاب القطيعة. 5- آثار صلة الرحم.
الخطبة الأولى
يقول الله تعالى: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ [الرعد:19-21].
في هذه الآيات يقول الله تعالى مخبرًا عمن اتصف بهذه الصفات الحميدة بأن لهم عقبى الدار، وهي العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة.
ومن هذه الصفات عباد الله: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ أي: من صفات أولي الألباب أولي العقول السليمة الصحيحة صلة الأرحام، يصلون الأرحام لماذا؟ لأن الله أمرهم بذلك فقال: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ.
وقد أعدّ الله لمن اتصف بهذه الصفات الحميدة ـ والتي منها صلة الأرحام ـ عقبى الدار، وقد فسرها الله بقوله: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23، 24].
ثم ذكر الله حال الأشقياء وصفاتهم، وذكر مآلهم في الآخرة ومصيرهم إلى خلاف ما صار إليه المؤمنون؛ لأنهم اتصفوا بخلاف صفاتهم في الدنيا، فقال: وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [الرعد:25]. فهؤلاء الذين استحقوا اللعنة ـ الطرد من رحمة الله ـ وسوء العاقبة والمآل من صفاتهم أنهم يقطعون أرحامهم فلا يصلونها.
ولو تدبرنا كتاب الله عز وجل لوجدنا أن الله كلما ذكر المفسدين في الأرض فإنه يقرنهم بالذين يقطعون أرحامهم كما في هذه الآية، وكما في قوله في سورة البقرة: الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ [البقرة:27]، وكما في قوله في سورة محمد: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ [محمد:22]. فذكر الإفساد في الأرض وقرن معه قطيعة الرحم، وقد توعد هؤلاء باللعنة والخزي في الحياة الدنيا، أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ.
وصلة الأرحام ـ عباد الله ـ واجب أوجبه الله وفرضه علينا، كما قال في أول سورة النساء وهي الآية التي كان يقرؤها في خطبة الحاجة: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1]. قال ابن عباس وغيره: (أي: اتقوا الله واتقوا الأرحامَ أن تقطعوها، خافوا من الله أن تقطعوها، ولكن بروها وصلوها).
وقد جاء هذا التحذير أيضًا من النبي ، فعن عبد الله بن مسعود قال: قال : ((اتقوا الله وصلوا أرحامكم))، وفي حديث آخر يوصي ويؤكد على ذلك كما جاء عن أنس قال: قال : ((أرحامكم أرحامكم))، قال القاضي عياض: "ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطيعتها معصية كبيرة".
ولقد اشتقت هذه الكلمة الرحم من اسم الله الرحمن، فعن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت رسول الله يقول فيما يحكي عن ربه: ((أنا الله، وأنا الرحمن، وهي الرحم، شققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته)).
فاشتقت كلمة الرحم من اسم الله الرحمن للدلالة على عظمها وقربها من الله، بل واعتصامها به، كما جاء ذلك عن أبي هريرة قال: قال : ((خلق الله الخلق فلما فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك))، ثم قال: ((اقرؤوا إن شئتم: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ [محمد:22])).
وفي الحديث فوائد، منها أن الرحم متعلقة بالله ومعتصمة به، فمن وصلها وصله الله بأن يجعله الله من المقربين، ويفتح عليه أبواب الخير والرحمة، ومن يقطعها فسيقطعه الله باللعنة والطرد من رحمته، فعن ابن عباس قال: قال : ((إن الرحم شجنة آخذة بحجزه الرحمن، تصل من وصلها، وتقطع من قطعها))، وفي رواية: ((لها لسان طلق ذلق يوم القيامة)).
وأصل الشجنة عروق الشجر المشتبكة، أي: أن الرحم قرابة مشتبكة كاشتباك العروق، فالرحم شجنة آخذة بحجزة الرحمن، ومعنى الحجزة أي: عرش الرحمن كما يفسره حديث ابن عمرو: ((الرحم شجنة معلقة بالعرش، لها لسان طلق ذلق يوم القيامة)).
ومعنى هذا الكلام أن الرحم تأتي يوم القيامة ولها لسان طلق بليغ واضح وبين، فتتكلم بكلام مفهوم، ولأجل هذا نجد أن النبي الرحيم والرؤوف بنا ـ كما قال تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] ـ نجده يحذرنا كل الحذر من التهاون بصلة الرحم، فعن أبي هريرة قال: قال : ((إياكم وسوء ذات البين، فإنها الحالقة)) أي: اتقوا الله فلا توقعوا العداوة والبغضاء والمخاصمة، فتقطعوا الرحم وتفسدوا بذلك بين الناس فإنها تحلق الدين.
ولذلك جعل الله سبحانه صلة الرحم تعجل بالثواب وقطعها يعجل بالعقوبة، فعن أبي هريرة قال: قال : ((ليس شيء أطيع الله تعالى فيه أعجل ثوابًا من صلة الرحم، وليس شيء أعجل عقابًا من البغي وقطيعة الرحم))، وعن أبي بكرة قال: قال : ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم))، وفي رواية عنه: ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من قطيعة الرحم والخيانة والكذب)).
ففي الأحاديث بيان أن أجر صلة الرحم سريع ومعجل، كما أن عقوبة قطيعة الرحم سريعة ومعجلة، وفيه جمع النبي بين قطيعة الرحم والخيانة والكذب لبيان عظمها والترهيب منها، بل إن العقوبة تصل صاحبها في الدنيا قبل الآخرة، كما جاء ذلك مبينًا عن القاسم بن عبد الرحمن مرسلاً: ((من قطع رحمًا أو حلف على يمين فاجرة رأى وباله قبل أن يموت)) أي: سيظهر ـ والله ـ له عظم ما اقترفه من ذنب في حياته قبل مماته. فهي إذًا من أحب الأعمال عند الله، فعن رجل من خثعم قال: قال : ((أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله، ثم صلة الرحم، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأبغض الأعمال إلى الله الإشراك بالله ثم قطيعة الرحم)).
ومن كمال إيمان العبد صلة الرحم، أي: أن قطع الرحم نقص في الإيمان، فعن أبي هريرة قال: قال : ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه)) أي: من كان يؤمن بالله ومن كمال الإيمان بالله طاعته فيما أمر وترك ما حرمه ونهاه، ومن كمال الإيمان باليوم الآخر الاستعداد ليوم الرحيل، ومن هذه القربات صلة الرحم، والتي بفقدها ـ أي: بفقد هذا الأمر العظيم ـ فإن صاحبه معرض يوم القيامة للخطر، بل قد يحرم من دخول الجنة.
إن لم تصدق هذا أو لم تتيقن منه فاسمع ـ يا عبد الله ـ إلى هذا الحديث الصحيح المتفق على صحته الصريح الرهيب، فعن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله يقول: ((لا يدخل الجنة قاطع، لا يدخل الجنة قاطع))، قال سفيان الثوري: أي: لا يدخل الجنة قاطع رحم. فهو في خطر عظيم. نسأل الله السلامة والعافية.
الخطبة الثانية
وعن ابن عمر قال: قال : ((ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قُطعت رَحِمُهُ وَصَلَهَا)) أي: ليس الواصل الحقيقي الذي يصل من وصله، لكن الواصل الحقيقي هو الذي يصل من قطعه. وهذه هي وصية النبي لعلي قال له: ((صل من قطعك، وأحسن إلى من أساء إليك)).
جاء رجل إلى النبي فقال له: يا رسول الله، إن قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال : ((لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهُمْ الْمَلََََّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)) رواه مسلم.
وهذا هو الذي يستحق الأجر الأعظم والمثوبة الأكثر بصلة الرحم، يصلهم على الرغم من أنهم يتجاهلونه، بل ويسيئون إليه، وهذا الأجر في الدنيا قبل الآخرة، ويا له من أجر وفتح عظيم، فعن عبد الله بن مسعود قال: قال : ((صلة الرحم تزيد في العمر، وصدقة السر تطفئ غضب الرب))، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال : ((صلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمرن الديار ويزِدنَ في الأعمار))، فزادت لنا فائدة أخرى أن صلة الرحم تعمر الديار. وعن أبي هريرة قال: قال : ((من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه))، ومن منا لا يحب أن يبسط له في رزقه ويمد له في أجله، بل إن هذا الأجر في الدنيا يلحق حتى بالفجرة لما لهذا العمل من شأن عظيم عند الله، فعن أبي بكرة قال: قال : ((إن أعجل الطاعة ثوابًا صلة الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونون فجرة فتنمو أموالهم ويكثر عددهم إذا تواصلوا)).
فبادر ـ يا عبد الله ـ بالخير، واحذر الشيطان الرجيم الذي يريد أن يصدك عن الصراط المستقيم، ولقد علم النبي أن بناء مجتمع مترابط قوي يمرّ حتمًا بهذا العمل والذي نتساهل فيه، وفيه من العقوبة والحرمان من الخير ما قد ذكرناه سابقًا.
ومن وصايا النبي لأبي هريرة قال له: ((أطب الكلام وأفش السلام وصل الأرحام وصل بالليل والناس نيام ثم ادخل الجنة بسلام)). ولذلك فإنه حذرنا كل الحذر من ترك هذا العمل وإهماله واحتقاره، فينبغي للمسلم أن يراجع نفسه وأن يحاسبها، فينظر في أقاربه: هل يصلهم أم لا؟ وهل يعرفهم كلهم أم لا؟ عن أبي هريرة قال: قال : ((تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم))، ولا يعتذر بأعذار هي أوهن من بيت العنكبوت
ـــــــــــــــــــ(68/308)
المسارعة في الخيرات
...
...
4420
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد
...
...
المرأة, المسلمون في العالم, فضائل الأعمال
...
إسماعيل الحاج أمين نواهضة
...
...
القدس
...
9/6/1426
...
...
المسجد الأقصى
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- فضائل الحرص على الخير والمسارعة إليه. 2- نماذج من حرص الصحابة على الخير، والسؤال عنه، والمسارعة إليه. 3- الوصية بتربية الأبناء على حب الخير والحرص عليه. 4- وصية خاصة للمرأة المسلمة. 5- الاعتراض والاستنكار على ما قامت به الحكومة الإسرائيلية، بالمصادقة بشكل نهائي على جدار الفصل العنصري في محيط القدس الشرقية، والشجب على استمرار عمليات هدم البيوت في ضواحي القدس وغيرها.
الخطبة الأولى
قال الله تعالى: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:148]. في هذه الآية الكريمة يُبيّن الله تعالى أن وجهات الناس وغاياتهم مختلفة، فمنهم من تتحكّم فيه الشهوات البدنيّة، ومنهم من تتحكّم فيه الشهوات النفسيّة كالجاه والرئاسة، وحبّ المناصِب الرَّفِيعة، والعلو في الأرض بغير الحق. ومن هنا فإن الله تعالى يجعل وجهة المسلم مُتّجهة إلى فعل الخيرات والمسابقة إليه دائمًا، لا يشغلهم عنه شاغل، ومصيرهم إلى الله القادر على جمعهم ومجازاتهم في نهاية المطاف.
إنّ أسمى الغايات وأنبل المقاصد الحرص على الخير والمسارعة إليه، وقد أكثر الله سبحانه وتعالى من الدعوة إلى الخير، وجعله أحد عناصر الفلاح والفوز، فقال الله تعالى: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77].
وأخبر أنه أوحى إلى أنبيائه ورسله فعل الخيرات: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء:73]. ومدح المسارعين إليه، والحريصين عليه فقال: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]. وجعل جزاءه الجنة فقال: وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا [المزمل:20].
أيها المؤمنون، إن للخير بوادر، وإن للشر نهايات، فبوادر الخير توصل إلى الغايات الحميدة والنتائج الحسنة، وأما نهايات الشر ومصائره فإنها تُسبّب الألم، وتُورِث الحسرة والندامة.
وإن من بين بوادر الخير مسلك السلف الصالح في الصدر الأول رضوان الله عليهم، حيث كانوا يتّجهون إلى الرسول وهو بين أظهرهم، يسألونه عن سُبُل الهداية والهدى، ويبحثون عن طريق النجاة والسلامة، ويسترشدون عن أوجه الخير، فوصلوا بذلك إلى الغاية المحمودة، وإلى الهدف النبيل، وكانوا هداة مَهديين، يقول حذيفة بن اليمان : (كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه). ويقول أحد الأنصار : يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك؟ قال له: ((قل آمنت بالله، ثم استقم)). ويقول معاذ بن جبل : يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار؟ قال: ((لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسّره الله عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)). فأرشده في البداية إلى عبادة الله وحده ونفي الشرك عنه؛ لأن العبادة توحيد وإخلاص، ولأن الشرك لا يليق بحقّ الله تعالى.
نعم ـ أيها المؤمنون ـ توحيد يرتفع به العبد المؤمن إلى أعلى درجات القُرَب والرضوان. قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]. أي: الذين أخلصوا توحيدهم لله هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة.
وشرك يَهْوِي بصاحبه إلى الحَضِيض، قال تعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31].
ثم أرشده الرسول إلى بقية أركان الإسلام، وهي جزء لا يتجزّأ؛ من فرّط في جزء منها فقد فرّط في الجميع. ثم أرشده إلى التقرب إلى الله بالنوافل بعد أداء الفرائض، فقال: ((ألا أدلك على أبواب الخير، الصوم جُنّة))، أي: سِتر ووقاية للعبد من النار. يقول رسول الله : ((ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك الصوم وجهه عن النار سبعين خريفًا)). ((والصدقة تُطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل))، ثم تلا قوله تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16، 17]. ثم قال: ((ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟))، قلت: بلى يا رسول الله. قال: ((رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)). ثم قال: ((ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟))، قلت: بلى يا رسول الله. فأخذ بلسانه وقال: ((أمسك عليك هذا))، قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! قال: ((ثَكِلَتْك أمك يا معاذ، وهل يُكَبُّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)). أي: ما تجنيه من الذنوب كالغيبة والنميمة، والوقوع في أعراض الناس، والاستهزاء بآيات الله، والإسراف في التجنّي على الناس بالسخرية واللّمْز، فهذا طويل وذاك قصير وهذا أحمق وذاك أَرْعن، إلى غير ذلك من العبارات المتداولة والتي نسمعها صباحًا ومساءً. وكأنه وُكِل إلى هؤلاء تشريح عباد الله وتجريحهم والنَّيْل منهم، وتتبّع عوراتهم وأكل لحومهم.
أيها المؤمنون، ولكل الناس عورات ومعائب، وزلاّت ومَثَالِب، فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس. ومن وصية رسول الله الطويلة لأبي ذر: ((وليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك)). وأما رمي المسلم بما هو منه بريء فهو أفظع وسائل النَّيل والوقيعة وهو البُهْت؛ لأنه يجمع بين الكذب والغيبة، وكلاهما رَذِيلة وكبيرة من كبائر الذنوب. وإنّ كلّ معصية لله فإنها تجرّ أسوأ العواقب، وحسبنا قول الله تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ [القصص:58].
أيها المؤمنون، والخير الذي نُدِب إليه يشمل كل بِرِّ وكل عمل صالح، وكل عمل ينهض بالفرد، ويرقى بالجماعة فهو خير، والفطر السليمة تهتدي إلى الخير، وتشعر به، وتنجذب إليه، فهو الكمال الذي تطلبه وتسعد به، إلا أن القيام به والنهوض بأعبائه يحتاج إلى ترويض وتعويد، حتى تألفه النفس، ويسهل عليها فعله.
وقد أمر الإسلام أن نربي الأبناء على الفضائل السليمة والأخلاق الحميدة، ونعوّدهم على أداء الواجبات الدينية منذ الصغر، حتى ينشؤوا وقد اصطبغوا بصبغة الإسلام، وانطبعوا به، لا أن نربيهم على مظاهر الفسق والفجور والبعد عن هدي الإسلام.
أيها المؤمنون، وخير الأعمال ما قام به الإنسان وهو في عافية من البدن ووفرة من المال، وأمل في الحياة، فإن ذلك مظهر الوعي الديني.
سئل رسول الله : أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: ((أن تصدّق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان كذا)).
الخطبة الثانية
أيها المؤمنون، ومن الخير الذي دعا إليه الإسلام التمسّك بالفضائل والابتعاد عن الرذائل، ومن الفضيلة محافظة الفتيات والنساء على أعراضهن وأجسادهن، وذلك بارتداء الملابس الشرعية، والابتعاد عن الاختلاط بالرجال الأجانب، وعن التبرّج المحرّم، وعن المشاركة في مهرجانات الفن الساقط الموجه لإفساد الأخلاق، فالمرأة كالزهرة الناضرة البهيجة، تلبث محافظة على نضارتها وبهجتها، ما لم تتناولها الأيدي، أو تعصف بها الرياح.
وهكذا المرأة تستمرّ محافظة على عفافها وصيانة عرضها، وتلبث زهرة ونورًا يشع بالبهجة فيه، ما لم تتبذل، أي تكشف عن مفاتنها، وتخرج عن الحجاب المشروع لها والمفروض عليها، فتمتد إليها النظرات المحرمة، وتعصف بها رياح الفتنة.
أيها المؤمنون، ولقد كان من الأدب الذي أدّب الله به أمهات المؤمنين زوجات رسول الله ونساء الأمة تبع لهن، أمره إياهن بالاستقرار في البيوت وعدم الخروج منها إلا للحاجة أو للصلاة، شريطة أن يخرجن غير متبرجات، أي في ثياب الحشمة الساترة، لا متعطرات يتبخترن في الثياب القصيرة، أو البراقة والشفافة والمجسمة، التي تبدو من خلالها مفاتن المرأة وتكشف عما لا يحل من جسدها وزينتها. قال الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33]. والجاهلية الأولى هي الجاهلية قبل الإسلام، يقابلها الجاهلية الأخرى وهي عمل صنف من النساء في هذا الزمان، كفعل الجاهلية الأولى.
ومصداق ذلك ما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: ((صنفان من الناس لم أرهما))، أي يكون وجودهما في آخر الزمان، وذكر أن أحد الصنفين: ((نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)). والمعنى: أنهن يلبسن ثيابًا شفافة أو قصيرة، وكأنهن غير لابسات. وإن مما يَحُزُّ في نفس كل مسلم غيور على دينه ومحارمه، أن يكون لهذا الصنف من النساء وجود في عصرنا وفي مدننا وقرانا، يخرجن إلى مجامع الرجال في الأسواق وغيرها وإلى حفلات العرس والمهرجانات يكشفن عن أجسامهن ويبدين زينتهن أمام الرجال الأجانب، تلتقط لهن الصور وهن في هذه الحالة، وكل ذلك حرام شرعًا، وإن المسؤولية في ذلك لا تقع على النساء وحدهن، بل تقع أيضًا على الرجال، تقع على الآباء والإخوة والأزواج، وتقع على المجتمع الذي لا يحارب أفراده وعلماؤه والمسؤولون عنه أمثال هذه الرذائل.
أيها المسلمون، كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فاتقوا الله، فخير مناهج السعادة تقوى الله، وخذوا على أيدي النساء واحملوهن على الاحتشام والتأدب بأدب الدين، وحاربوا الرذيلة بكل صورها وأشكالها ومسبباتها بالحكمة والموعظة الحسنة، فشر الخطيئة الاسترسال والتمادي في معصية الله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، قبل بضعة أيام صادقت الحكومة الإسرائيلية بشكل نهائي على مسألة جدار الفصل العنصري في محيط القدس الشرقية، رغم الاعتراضات من قبل الفلسطينيين ومن قبل المجتمع الدولي. وقد تزامنت هذه المصادقة مع الذكرى السنوية الأولى للقرار الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في لاهاي، بعدم قانونية هذا الجدار، وطالب القرار في حينه بوقف العمل فيه، وهدم ما تم بناؤه منه. وهو الموقف نفسه الذي عبرت عنه الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
لكن الحكومة الإسرائيلية قد تجاهلت هذه المطالب بشكل واضح، وضربت بها عرض الحائط، إن هذا الجدار سيترتب على بنائه عزل حوالي مائة ألف مقدسي عن مدينتهم وأهاليهم ومصالحهم، وسيؤدي إلى عزل القدس عن بقية المدن والقرى الفلسطينية، وهذا من شأنه أن يجعل الوصول إليها وإلى الأماكن المقدسة فيها وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك أمرًا في غاية الصعوبة.
وكما هو معلوم فإن المسجد الأقصى جزء لا يتجزأ من عقيدة العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
وقد أدّى بناء هذا الجدار إلى الاستيلاء على مساحات كبيرة من الأرض الفلسطينية، لهذا الغرض ولأجل بناء المستوطنات، وإن الأضرار المرتبة على بنائه يصعب ذكرها.
كما أننا نستنكر الاستمرار بعمليات هدم البيوت في ضواحي القدس وغيرها. ونعلن رفضنا القاطع لكل هذه الإجراءات والممارسات التعسّفية، وفي مقدمتها الاستمرار في منع المصلّين، وإزاء ذلك: فإننا ندعو العالم العربي والعالم الإسلامي والمجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياتهم تجاه ما يحدث في القدس بشكل خاص، وما يحدث في فلسطين بشكل عام. اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.
وفي الوقت ذاته فإنني أدعو أبناء فلسطين إلى الاعتصام بحبل الله جميعًا، والاحتكام إلى شرع الله واستعمال الحكمة والعقلانية في حل ما قد يحدث بينهم من خلافات. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103].
ـــــــــــــــــــ(68/309)
ظاهرة السهر بين الشرع والطب
...
...
4482
...
الأسرة والمجتمع
...
...
قضايا المجتمع
...
لافي بن حمود الصاعدي
...
...
مكة المكرمة
...
...
...
جامع الفتح
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- ظاهرة السهر في الإجازة الصيفية. 2- كراهة النبي للسهر. 3- مفاسد السهر الشرعية. 4- أضرار السهر الصحية.
الخطبة الأولى
عباد الله، من الظواهر التي تبرز مع بداية الإجازة وأصبحت عادة لا تحلو الإجازة إلا بها ظاهرة السهر إلى أوقات متأخرة من الليل أو إلى الفجر، فترى هؤلاء بالليل قيامًا وبالنهار نيامًا، ويفتخرون بذلك ويعدونه تطورًا وتقدمًا، بل إن الذي ينام بعد صلاة العشاء يشبهونه بالدجاج، نسأل الله السلامة والعافية، أصبحت سنة نبينا تشبه بمثل هذا التشبيه السيئ الذي يخشى على قائله إذا لم يتدارك نفسه ويعود إلى رشده.
أيها المسلمون، إن للسهر بالليل آثارًا وأضرارًا نذكر بعضها:
أولاً: السهر يخالف أمر النبي الذي نهى عن الحديث بعد صلاة العشاء كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن رسول الله كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: جدب إلينا النبي السهر بعد العشاء أي: عابه وذمه. أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني، وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله : ((إياك والسهر بعد هدأة الليل، فإنكم لا تدرون ما يأتي الله من خلقه)) أورده الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة.
ثانيًا: من آثار السهر وأضراره إضاعة صلاة الفجر أو تفويتها، وقد جاء الوعيد الشديد للذي ينام عن الصلاة المكتوبة، ففي صحيح البخاري عن النبي في حديث الرؤيا الطويل قال: ((أما الذي يثلغ رأسه ـ أي: يكسر ويشج ـ بالحجر فإنه يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة)). وقد أنكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الذي أحيا الليل بالصلاة ثم غلبته عيناه ونام عن الصلاة المكتوبة، أي: عن صلاة الفجر، وقال عمر له: (لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحب إليّ من أن أقوم ليلة) أخرجه مالك في الموطأ. هذا يقال فيمن قام الليل فكيف بمن أسهر ليله على الأغاني والمعازف؟! كيف بمن أسهر ليله على الأفلام والمسلسلات؟! نسأل الله السلامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
من آثار السهر وأضراره أنه يخالف السنة الكونية الإلهية، فالله قد جعل الليل للنوم والراحة، وجعل النهار للانتشار وطلب الرزق، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا [الفرقان:47].
عباد الله، ومن آثار السهر الصحية، ونريد أن نطيل في هذه النقطة لأن كثيرًا من الناس يهتمون بكلام الأطباء أكثر من غيرهم، وما سنذكره من أضرار السهر على صحة الإنسان إنما هو تفسير وتوضيح لقول النبي : ((إن هذا السهر جهد وثقل)) رواه الدارمي وصححه الألباني.
وإليكم ما قاله الأطباء في أضرار السهر: أضرار السهر على بدن الإنسان متنوعة فمنها:
1– سوء التغذية، يقول الدكتور محمد الفراج: "فمع تغيُّر مواعيد النوم يصحو الإنسان متأخرًا أو مبكرًا، وتتغير مواعيد وجباته الغذائية، خاصة لدى صغار السن والشباب، وهذا بدوره يؤدي إلى البنية الهزيلة وضعف المقاومة، ويعرض الجسم لمختلف الأمراض بسهولة".
2- أضرار نفسية، يقول الدكتور طارق الحبيب: "إذا استمر ـ أي: على السهر ـ وأصبح عادة لديه فقد يصبح ذلك التأثير دائمًا، وتصطبغ به شخصية الفرد وسلوكياته، فيبدو متعكّر المزاج سريع الاستثارة بعض الشيء غير قادر على تحمّل المهام التي تتطلّب الجهد والتركيز"، ويقول الدكتور محمد الصغير: "كثيرًا ما يراجع العيادة النفسية أشخاص لديهم مشكلات نفسية وبدنية ناتجة عن اضطرابات في النوم، وأهم ذلك الكآبة والحزن، تعكر المزاج وسرعة الانفعال، القلق والتوتر، ضعف التركيز، سرعة النسيان، الكسل، الفتور وسرعة الإجهاد"، ويقول الدكتور محمد عاطف: "أما ما يخص الناحية النفسية فإن الإنسان يصاب بالهذيان والتشتت الذهني، وقد سجلت بعض الحالات التي أصيب أصحابها بالجنون من كثرة السهر ليلاً".
3– أضراره على ذاكرة الإنسان والجهاز العصبي، يقول الدكتور فهد الخضيري: "أكدت الدراسات والبحوث أن السهر من أقوى العوامل المؤثرة على الجهاز المناعي والمثبطة لنشاط ذاكرة الجسم المناعية وحركة خلايا الجهاز المناعي، وقد ثبت أيضًا أن السهر يعوق طرفيات الجهاز العصبي وخلايا الإحساس من أداء عملها بشكل فعال، وللسهر تأثير سلبي حاد على الجهاز العصبي والمخ، ويتسبب السهر في فقدان التركيز وضعف الذاكرة وبطء الاستجابة العصبية، وينصح من يريد الإبداع والإنتاج وزيادة القدرة العقلية والجسدية بالنوم مبكرًا بعد العشاء بساعة والاستيقاظ مبكرًا لكي تنتظم حياته وتستقر صحته".
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
فنكمل أضرار السهر الصحية ومنها:
4– أضراره في نمو الإنسان وتكامل بنيته، يقول الدكتور محمد عاطف: "لقد أثبتت الأبحاث العلمية وأوضحت أن الكثير من الهرمونات التي يفرزها الجسم أثناء ساعات النوم ومنها على سبيل المثال لا الحصر هرمون النمو، وهو مسؤول عن إكساب الجسم المزيد من القوة العضلية والقوة الذهنية، ومع طول السهر يحرم الإنسان من إفراز الهرمونات بالصورة الطبيعية، ولوحظ كذلك زيادة إفراز هرمون الميلاتونين أثناء النوم ليلاً، وهو المسؤول عن إعطاء الجسم المزيد من الحيوية والنشاط وإكسابه المزيد من المناعة ضد الإصابة بالأمراض المختلفة بما فيها الأورام الخبيثة، ولذلك نلاحظ أن الذين يدمنون سهر الليالي يعانون من الكسل والهزال وضعف البنية الجسدية". وفي تقرير آخر ذكر أن سهر الأطفال يؤدي إلى التأخير في نموهم أو حتى توقفه، وذلك لعدم إفراز هرمون النمو بكمية كافية، وهذه الهرمونات تنشط البروتينات التي تساعد على بناء خلايا الجسم التي يموت منها عشرات الآلاف يوميًا وتقوي العظام وتعطي الطاقة للعضلات.
كما أن هرمون النوم الذي تقوم بإفرازه الغدة النخامية ينظم نشاط الهرمونات التي تساعد على التئام كسور العظام وتقلل نسبة الكوليسترول في الدم، إضافة إلى أن المعادن التي يحتاج إليها الجسم لا تثبت إلا ليلاً، وثبت علميًا أن النوم مهم لأعضاء الجسم الأخرى.
أما الذين يسهرون في الليل وينامون في النهار فإنهم يفتقدون لتلك العملية الحيوية المهمة للجسم؛ لأن نوم النهار لا يعوض ولا يعتبر بديلاً عن نوم الليل، وذلك بسبب اختلاف الجاذبية وطبيعة السكون وعوامل فيزيائية كثيرة، وصدق الله العظيم حينما قال: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا [النبأ:10، 11]، ولا يمكن تغيير هذه الطبيعة الفيزيائية ولا تغيير طباع الإنسان لكي يتعايش معها، فالليل هو السكن، وهو وقت الراحة، ويقول الدكتور محمد عاطف: "ولا شك أن النوم ليلاً له فوائد، ومن تلك الفوائد إبطاء عمل الجهاز العصبي، وهذا يؤدي بدوره إلى مزيد من الراحة لجميع أجهزة الجسم، وخصوصًا القلب والجهاز التنفسي، وهذه فائدة المحرومون منها المدمنون على سهر الليالي، فيصابون بأمراض القلب المختلفة والتوترات والقلق الدائم".
عباد الله، صلوا وسلموا على أفضل خلق الله محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم..
ـــــــــــــــــــ(68/310)
رسالة المعلم
...
...
4496
...
الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد
...
...
الأبناء, التربية والتزكية
...
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
...
...
الرياض
...
5/8/1426
...
...
جامع الإمام تركي بن عبد الله
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- حلول الدخول المدرسي. 2- ضرورة استشعار المعلمين لعظم الأمانة.3- أهمية العناية بتربية النشء. 4- تعرّض شباب الأمة لحملات تغريبية وأخرى تضليلية. 5- المعلّم قدوة. 6- تحصين الشباب من الأفكار الدخيلة. 7- تحسيس الشباب بنعمة الأمن. 8- الرد على الطاعنين في المناهج. 9- أهمية الدعوة إلى الله تعالى في العملية التعليمية.
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتّقوا الله تعالى حقَّ التّقوَى.
عبادَ الله، غَدًا السّبت السّادِس مِن شهرِ شعبَان لعام ستٍّ وعشرين وأربعمائة وألف، يستقبل أبناؤنا وبناتُنا عامًا دراسيًّا جديدًا، أسأل الله أن يكونَ عام خيرٍ وبركة، وأن يزوِّد الجميع بالتقوى، ويجعل العمل خالصًا لوجهه الكريم، إنّه على كل شيءٍ قدير.
أيّها المسلم، ليس الحديثُ عن العلم وفضلِه وعلوِّ مرتبتِه ومرتبةِ أهله، فذاك أمر مستقرّ في نفس كلّ مسلم، ولكن الحديث اليوم موجّهٌ إلى شريحةٍ من شرائح مجتمعنا، هي شريحة المعلِّمين والمعلّمات، أتحدَّث مع إخواني المعلِّمين ومع أخواتي المعلّمات ابتداءً من الحضانةِ وانتهاءً بالتعليمِ العالي إلى غير ذلك.
هذا الحديث معَهم حديثٌ حمل عليه قولُ النبيّ : ((الدين النصيحة))، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولكتابِه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامَّتهم))[1]، يقول جَرير بن عبد الله رضي الله عنه: بايعتُ رسولَ الله على إقامِ الصّلاة وإيتاءِ الزّكاة والنّصح لكلّ مسلم[2].
أيّها المعلّم، أيّتها المعلمة، أتحدَّث معكم اليومَ في أمورٍ:
أوّلاً: أن يكونَ لدَى كلِّ معلّم ومعلّمة يقين بأنّ الأمانةَ كبيرةٌ والمسؤوليّة جسيمة، كيف لا وهي أمانةُ تربيّةِ النّشء وتعليمهم وتوجيههم؟! هذا النشء الذين هم اليوم صغار غَدًا سيكونون كبارا، وهم اليوم طلاَّب وغدًا معلِّمون وخبراء ومهندِسون وأطبّاء وأهل عِلمٍ وفضل، وهم الذين سَينزلون في ميادينِ العَمل. هذه الفئةُ الكبيرة من أبنائنا وبناتِنا لا بدّ أن يعتنيَ المعلّم وأن تعتنيَ المعلمة بها، فيعتني المعلِّم بتربيةِ أبنائنا تربيةً صالحة.
أيّها المعلّم، أيّتها المعلمة، ليس الهدَف أن نحضرَ مبكِّرًا، وأن نسجِّلَ الحضورَ في الساعة الأولى، وليس المهمّ أن أقضِيَ حصَصَ التعليم ثم أغادِر الفصلَ وأغادر المدرسةَ إلى يومٍ آخر. هذا هدفٌ من الأهداف وغاية من الغاياتِ، ليس الهدف مجرّدَ أن أعتنيَ بالمنهج وأحاولَ إكمالَه أو أخذ معظَمِه، وذاك أيضًا غاية ومقصود، لكن هنا أمرٌ مهمّ فوق هذا كلِّه، فمَطلوبٌ من المعلّم ومطلوب من المعلمة الاعتناء بالوقت، مطلوبٌ الاعتناء بالحصصِ الدّراسيّة، مطلوب العنايةُ بالمناهِج، مطلوب إيصال المعلومةِ إلى أذهان الطلاب والطّالِبات. هذا أمر مهِمّ ومسؤولية مهمّة، ولكن فوقَ هذا كلِّه العنايةُ بالتّربِية، بالسلوك والأخلاق، بالمعتقد والفِكر، أن نعتنيَ بأفكارِ أبنائِنا وبناتنا، ثم نعتني بالأخلاق والسّلوكِ، أن نربِّيَ الجميعَ تربيةً إسلاميّة صالحة، أن نخرجَ جيلاً متربِّيًا على القيَم والفضائل وحبِّ الخير والتمسّك بالإسلام قولاً وعملاً.
أيّها المعلّم، أيّتها المعلّمة، غيرُ خافٍ على الجميع الحملاتُ الشّرِسة على الإسلامِ وأهله، على الإسلام ومبادئه، على قِيَمه وفضائله، على آدابه وأخلاقِه، حملاتٌ انطلَقَت من خلال قنواتٍ فضائيّة متعدِدة متنوِّعةِ المشارب، كثيرٌ مِنهم يسعَون في هدم الإسلام، إمّا مباشرةً أو من وراءِ الستار، فقَنواتٌ توجِّه سِهامَها نحوَ ثوابِتِ الأمّة، نحو عقيدتِها، نحوَ إسلامها؛ لتشكِّك نشأَنا في عقيدَتهم الخالِصةِ وإسلامهم الحقّ. تحارِب الإسلامَ ومبادئه وفضائله وأخلاقَه، تَطعن في الثوابتِ لهذه الأمّة، في توحيدِ الله وفي طاعةِ رسوله ، تريد أن تقطَعَ الصّلةَ بين نشئِنا وبين دينِهم، بينهم وبين ماضيهِم المجيدِ وبين أسلافهم الذين مضَوا على الأخلاقِ والفضائلِ.
قنواتٌ أخرى توجِّه سِهامَها على الأخلاق والفضائل والسّلوك، تريد أن تصبَغَ شبابنا وفتياتِنا بصبغاتٍ خارِجَة عن مبدأ الإسلام وفضائله ومبادئه.
أيّها المعلم، أيّتها المعلمة، إذًا ما الواجب؟ الواجبُ أداءُ الوظيفةِ حقًّا ومحاولةُ توصيل المعلوماتِ إلى الطالب والطالبةِ، ثم مع هذا فلا تنسَ ـ أيّها المعلم ـ ولا تنسي ـ أيتها المعلمة ـ أنَّ المعلِّم إن صدَقت نيتُه فهو داعٍ إلى الله، هو داعٍ إلى الله وإلى دينه، وإن صدقَت نيّة المعلِّمة فهي إذًا داعيَة إلى الله وإلى دينه، وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].
أيّها المعلِّم، أيّتها المعلِّمة، إن النّشءَ ينظرون إلى معلِّمهم وإلى معلِّمَتهم، يتكرَّر عليهم في اليومِ عددٌ من المعلّمين، وعلى الفتَيات عدَد من المعلمات، وإنَّ أفكارَ شبابنا تتوجَّه إلى ذلك المعلّم، وقُلوب الفَتَيات إلى تلك المعلّمة، فأقوال المعلِّم تثبت في القلبِ، وأقوال المعلّمة تثبت في القلب.
إذًا أخي المعلم وأختي المعلّمة، لا بدّ من تصوّرٍ حقيقيّ لهذه المسؤولية الكبيرةِ، أن نحرصَ مع أدائِنا لمنهَجِنا الدراسيّ أن نكونَ دعاةً إلى الخير، نرشِد هذا النشءَ إلى الطريق المستقيم، نحذِّرُهم من سلوكِ الطريق غيرِ السوِيّ، نرشِدهم للقِيَم والفضائل، نحاوِل غَرزَ محبّةِ الإسلام في قلوبِهم، محبّة الله ومحبّة رسولِه، نعرِز في نفوسهم حبَّ الإسلامِ، حبَّ فرائضه وواجباتِه، حبَّ فضائله وآدابِه، حبَّ أخلاقه وقِيَمه، يَرونَ ذلك المعلّمَ وهو إن تكلَّم تكلّمَ بخير، مهذَّبَ اللّسان، لا ينطق إلا بخيرٍ، فليس بالسّبّاب ولا باللَّعّان ولا بالفاحِش ولا بالبذيء، بل خلُقٌ كريم وقَول حسَن وتربِية صَالحة. إن نَظروا إلى مظهَرِه فمَظهَر تمسَّك بالإسلام؛ ذلك المعلّم، فيقتدِي به ذلك النّشء، إن سمِعوا أقوالَه فأقوال حقّةٌ لا باطلَ فيها.
أيّها المعلم، وأيّتها المعلّمة، يعلَم الجميع ماذا يعاني منه بعضُ شبابِنا الذين انخَدَعوا بالأفكارِ الضالّة والآراءِ المنحرِفَة، زيَّن لهم الباطلَ من لا فِقهَ ولا بصيرةَ عنده، وزجّوا بهم في هاوِيَة سحيقةٍ، حسَّنوا لهم الباطلَ، أبعدوهم عن العلم والدّروس، زهَّدوهم في التعليم، قضَوا على قِيَمهم وفضائلهم.
شبابٌ في أوّل أعمارهم، زلَّت بهم القدَم نتيجة لمن لا فِقهَ ولا بصيرةَ عنده، فحذِّروا أبناءَنا وحذِّري ـ أيّتها المعلّمة ـ بناتِنا من تلكم الأفكارِ المنحرفة والآراءِ الضالّة والتصوُّرات الخاطِئة التي أهلَكَت بعضَ شبابنا، فصارت سببًا لوقوعِهم في الشّرِّ، فأساؤوا إلى أنفسِهم وإلى دينِهم وللآبَاء والأمّهات وإلى مجتَمَعهم المسلِمِ الفاضل.
فحذِّروا شبابَنا وفتياتنا من هذه الأفكارِ الغَريبة، متى ما شممتَ ـ أيّها المعلِّم ـ فِكرًا سيِّئًا فحاوِل إقناعَ الشّباب بالرجوع عن تِلكم الأفكارِ، حاول حِوارَهم وإقناعهم؛ عسى أن توفَّق لذلك، فإنَّ هذا النشءَ بحاجةٍ إلى معلِّم فاضل، يحمِل فكرًا صَالحًا وتربيّة حسنة وحبًّا لهذا النشءِ أن تزلَّ قدمُه فيما لا خيرَ فيه.
عِندَما تسمَع منهم اغتِرارًا وانخِداعًا ببعضِ المسلسَلات الهابِطة أو البرامِجِ الفاسِدة فحاول تصحيحَ الوضع، وأرشِدهم إلى الخير، وأبعِدهم عن الشّرّ قدرَ مستطاعِك. عِندَما ترَى من هؤلاء الطلاّب أو ترَى المعلِّمةُ من هؤلاء الطّالبات تخلّفًا عن الدّراسةِ وتسكّعًا في الطرقاتِ وأن يمضي على الشابّ أو الفتاةِ وقتٌ ما حضَرَ الطالب ولا الطالِبة فلا بدّ للمعلِّم مِن موقفٍ، ليسأَل عن ذلك الطالِبِ، ولتَسأَل المعلّمةُ عن تلكم الطالبة: ما الذي أخَّرهم عن الدّراسة؟! حتى نأمَن بتوفيقِ الله على قِيَمهم وأخلاقهم، ونقطَعَ خطَّ الرجعة عن المتربِّصين بأبنائنا وبناتِنا ومَن يحاولون إيقاعَهُم في المهالك والزّجّ بهم في الترهاتِ التي لا خيرَ فيها لدينٍ ولا دُنيا.
أيّها المعلم، إنّك قدوةٌ بأفعالِك، كما أنّك قدوة بأقوالك، فاتَّق الله، وادعُ إلى الخير، ورَبِّ التربيةَ الصالحة، واربِط حاضِرَهم بماضيهم، بما تبثُّه من وعيٍ إسلاميّ بعيدٍ عن الغلوّ والجفاء.
أيّتها المعلّمة، اتَّقي اللهَ في بنات المسلمين، وكوني مثالاً صالحًا وقدوةً لهنّ في الخير؛ في ملبَسك، في مظهَرِك، فيما تقولين وفيما تتصوّرين.
أيّها المعلم، أيّتها المعلمة، كم من أبنائِنا من قَضوا إجازَتهم خارجَ البلاد الإسلاميّة، وقد يرجِع بعضُهم منخدِعًا بفكرٍ أو متصوّرًا لأمرٍ هو خاطئ ضدّ الإسلام؛ لما يسمعه من تلكم الحملاتِ الشّرِسة، فلا بدَّ مِن تصحيحِ الوضع، ولا بدّ من إقامة ما اعوجَّ من الأخلاق، ولا بدّ من ردِّ الشباب والشابّات إلى سبُل الخير وتحذيرِهم من الانخِداع بالباطِل وأهلِه.
أيّها المعلّم، أيّتها المعلمة، بلادُنا ولله الحمدُ تعيش أمنًا واستِقرارًا ورَغَدًا من العيش، فلا بدّ للمعلِّم وللمعلِّمة أن يشعِروا أبناءَنا أنَّ هذه النعمةَ العظيمة التي نعيشها إنما هِي توفيقٍ من الله قبل كلّ شيء سببُها تحكيم هذه الشريعة واجتماع الأمّة بقيادتها على خيرٍ وتعاونٍ فيما يسعِد الأمّةَ في حاضرها ومستقبلها، بيِّنوا لهم فضائلَ الأمن وآثارَه الطيّبة، بيِّنوا لهم فضلَ اجتِماعِ الكلمة واتِّحادِ الصفّ، حذِّروهم من أن تخدَعهم الدعاياتُ المضلِّلة الذينَ الأمّة في أمنِها واستقرارها.
أيّها المعلّم، أيّتها المعلِّمة، أبناؤُنا قد اعتُنِي بتعليمِهم، هيِّئَت لهم المدارس والمعلِّمون، هيِّئ لهم أسبابُ الخير، فأرشِدوهم إلى شكرِ الله على هذه النعمة، أرشِدوهم إلى بِرِّ الأبوين وصلَة الرحم، أرشدوهم إلى التعامُل فيما بينَهم بالأخلاق والسِّيَر الفاضلة، كونوا ـ أيّها المعلم وأيّها الإداريّ ـ عيونًا ساهرةً على أخلاق أبنائِنا، ولتَكن المعلِّمة والإداريّة عَينًا ساهِرَة على أخلاقِ فَتَياتنا؛ لأنَّ الواجبَ على الجميع تحصينُ هذا النشء من أن تتسرَّب إليه المبادئُ والأفكار الضالّة والتصوّرات الخاطِئة والدِّعايات المضلِّلة ضدَّ الإسلام وأهله. وعلى رِجال الصّحافةِ أن يتَّقوا الله فيما يكتُبون، فلا يكتبوا إلاّ خيرًا، ولا يدعوا إلاّ خيرًا.
أيّها المعلّم، أيّتها المعلمة، إنَّ الأمّةَ المسلمة بأمَّسِ الحاجة إلى أن يُربَطَ حاضرُها بماضيها، وأن تُقوَّى الصّلَة بين الماضِي والحاضر، فمن يريد الفَصلَ بين نشئِنا وبين ماضِيه فإنما يريد إفسادَ أخلاقِه وإبعادِه عن الخير.
كَم نسمَع من أفكار سيّئةٍ تجعل مناهجَنا الطيّبة سببًا من أسبابِ الفسادِ والشّرّ، وتريد أن تدمِّرَ مناهجَنا، ويقولون: إنَّ مناهِجَنا انغلاقيّة عن العالم، لماذا؟! لا يريدون لشبابِنَا أن يفهَمَ شيئًا من دينِه، ولا يريدون لشبابِنا أن يتعلّمَ مبادئَ إسلامه. نحن لا نحارب العلمَ، ونحن ندعو إلى العلوم المختلفةِ التي فيها مصالح الأمّةِ مهما تكن العلوم ما لم يصادِم الشرعَ، فكلّ علمٍ نافعٍ للأمّة فإنّا ندعو إليه ونطالِب بِوضعِه في مناهِج تعليمنا، لكن لا على حسابِ مبادِئنا وقِيَمنا، فمناهِجُنا يجب أن تلقِّن نشأَنا من الصّغَر مبادئَ الإسلام وأخلاقَه وفضائلَه وواجباتِه، إضافةً إلى العلومِ المختلفة، والأمّة إنما توزَن بوجودِ العِلم فيها، والعِلم في بلادنا شقَّ طريقَه، فتعدَّدَتِ المدارس والجامعات، نسأل الله أن يكونَ الجميع خالصًا لوجه الكريم، وأن يؤدّيَ كلاًّ مهمَّته على ما يرضِي الله.
رِجالَ الصحافةِ، [أناشِدكم] أن تتَّقوا الله في أنفسكم، ولا تسمَحوا لأيِّ كاتبٍ أن يكتبَ مقالاً يضادّ فيه الأخلاقَ والقِيَم، ويدعو إلى حَربِ المنهاج الطيّبة، لا بدّ أن يَتعاون الجميعُ في سبيل مصالح الأمّة، فالمعلِّمون والمعلماتُ ورجال الصحافة والإعلام لا بدّ من تعاون الجميع فيما يسعِد هذا النشءَ ويرتقي به إلى معالِي الأمورِ؛ لأنّا سنكون غَدًا إن شاء الله نجني ثمارَ علومِ أبنائنا وبناتِنا، ونجِد منهم إن شاءَ الله من يسُدّ الثّغرَ ومن يقوم بالمهمَّة في جميعِ ميادين التعليم، لكن مع هذا كلِّه لا بدّ أن يكونَ لأخلاق الإسلام دورٌ هامّ في مناهجنا؛ حتى يجمَعَ أبناؤنا بين خَيرَيِ الدنيا والآخرة بتوفيقٍ من الله.
فالمناهج الحقّةُ وتعاليم الإسلامِ الحقّة هي سبب تعين نشأَنَا لأَن يتزوَّدوا من العلم؛ لأنَّ دينَنا يدعو إلى العِلم والتزوّدِ من كلّ علمٍ نافع للأمّة على اختلافِ فنونِ العِلم، لكن ينبغي للمسلِمين أن يكونَ بين علومِهم المختلِفة وبين علومِ شريعتهم ارتباط وثيقٌ؛ لأنّ العلمَ الشرعيّ ضرورةٌ للإنسان أعظَم من ضرورتِه للطّعام والشّراب. إنّه العلم الذي يتخَلّص به العبدُ من ظلُماتِ الجهل والضّلالِ، ويدخل إلى نورِ العلم والهدى.
فشبابُنا لا بدّ لهم شرعيّ، وأن تكونَ المناهج كذلك، ولا تنافيَ بين منهجِنا الإسلاميَ وبين العلوم المتعدِّدة، فإنَّ الجمع بين هذا ممكِنٌ؛ أن يكونَ لدى الطالب معرفةٌ ولو يسيرة بعلوم شريعته، بما بَعَث الله به نبيَّه محمّدًا ، أن يغرسَ في قلبِه حبّ الإسلامِ وأهلِه واعتقاد كمالِ هذه الشريعة وتمامِها، ولنحذِّر أبناءَنا من الأفكارِ الغريبَةِ والآراء الضالّة ومن يحمِلون فكرًا سيِّئًا ضدَّ الأمة وضدَّ أمنها وضدَّ اجتماع كلِمتها، لنحذِّرهم من هذا الباطِلِ.
ولا بدَّ أن تربِطَ المدرسةُ العلاقةَ بين أولياءِ الأمور وبين الطالِبات والطلاّب؛ لنضمنَ لأبنائنا الانتظامَ، ونبعِدَهم عمّن يريد إفسادَ عقولهم وأفكَارِهم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
بارَك الله لي ولَكم في القرآنِ العَظيم، ونفعَني وإيّاكم بما فيهِ منَ الآياتِ والذّكر الحكيم، أقول قولي هَذا، وأستَغفر الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
[1] رواه مسلم في كتاب الإيمان (55) من حديث تميم بن أوس الداري رضي الله عنه.
[2] أخرجه البخاري في الإيمان (57)، ومسلم في الإيمان (56).
الخطبة الثانية
الحمدُ لله حمدًا كَثيرًا طيِّبًا مبَاركًا فيهِ كمَا يحبّ رَبّنا ويَرضَى، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وَحدَه لا شريكَ له، وأشهَد أنّ محمّدًا عبده ورَسوله، صلَّى الله علَيه وعلى آله وصحبِه، وسلِّم تسلِيمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فيَا أيّها النّاس، اتَّقوا الله تعالى حقَّ التقوَى.
عبادَ الله، يقول : ((مَن دَعا إلى هدًى كان له من الأجر مثلُ أجور من تبِعَه إلى يوم القيامة لا ينقُص ذلك من أجورِهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الوِزر مثلُ أوزار من تبِعَه إلى يوم القيامة لا ينقُص ذلك من أوزارِهم شيئًا))[1].
فكن ـ أيّها المعلّم ـ داعيًا إلى الله، وكوني ـ أيّتها المعلِّمة ـ داعيةً إلى الله، وكن ـ أيّها المدير وأيّها المفتِّش وأيّها المسؤول ـ داعيًا إلى الله.
إنَّ الدعوةَ إلى الله تكون بالتربيةِ الصالحة، بالقدوة الحسنةِ، بالكلِمات المؤثِّرة، بالنصيحة الهادفة؛ حتى يستقيمَ أبناؤنا. حذِّروا أبناءنا من دعاةِ الضلالِ، حذِّروهم ممّن يدعونهم إلى ترويجِ المخدِّرات والمسكراتِ، حذِّروهم ممّن يدعونهم إلى اجتِماعاتٍ مشبوهة لا يُعلم حقيقتُها، حذِّروهم مِن جلساءِ السّوء ومجالسِ الرّذيلةِ، الذين يحاوِلون الاختلاءَ بشبابنا ليُلقُوا في قلوبهم الشّرَّ والبلاء، يستخدِمونَهم ليروِّجوا المخدِّرات أو المسكرات، يستخدِمونهم ليبثُّوا السّمومَ المختَلِفة، فكونوا رُقَباءَ على أبنائنا وبناتنا.
وأيّها الآباء، وأيّتها الأمهات، لا بدَّ من حفاظٍ على أخلاقِ الأبناءِ والبنات، لا بدّ من الاحتياط دائمًا، والتوفيقُ بيَد الله، لكن من عمل صالحًا وجدَّ واجتهد فالله يعينُه ويوفِّقُه.
أسأل اللهَ أن يجعلَه عامَ خير وبركةٍ، وأن يزوِّد الجميعَ بالتقوى، وأن يحفظَ الجميعَ بالإسلام، إنّه على كل شيءٍ قدير.
واعلَموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسنَ الحديثِ كِتاب الله، وخيرَ الهديِ هدي محمّد ، وشرَّ الأمورِ محدَثاتها، وكلَّ بدعةٍ ضلالَة، وعليكم بجَماعةِ المسلمين، فإنَّ يدَ الله علَى الجماعةِ، ومَن شذَّ شذَّ في النّار.
وصَلّوا ـ رحمَكم الله ـ على نبيِّكم محمّد كمَا أمَركم بذَلِك ربّكم، قال تعَالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبَارِك على عَبدِك ورَسولِك محَمّد، وَارضَ اللَّهمّ عَن خلَفائه الرّاشِدين...
[1] أخرجه مسلم في العلم، باب: من سن سنة حسنة أو سيئة (2674) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ـــــــــــــــــــ(68/311)
...
رحمة الكبار
...
...
4550
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
...
...
الآداب والحقوق العامة, قضايا المجتمع
...
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
...
...
الرياض
...
19/8/1426
...
...
جامع الإمام تركي بن عبد الله
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- الإسلام دين الرحمة. 2- رحمة آخِري هذه الأمة بأوائلها. 3- مراحل الإنسان. 4- نصائح لكبار السن. 5- الحث على رحمة الكبار واحترامهم. 6- عناية الشريعة بكبار السن.
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها النّاس، اتقوا الله تعالى حقَّ التَّقوى.
عِبادَ الله، دينُ الإسلام الذي أكمَله الله وأتمَّ بهِ عَلينا النّعمة ورَضِيَه لنا دينًا هو دِينُ الرّحمة، هوَ دِين الإحسانِ، هو الدّين الّذي عرَف لكلٍّ حَقَّه، ومحَمّد نبيُّ الرّحمةِ، والرَّحمةُ من صفاتِ رَبِّنا جلّ وعلا، وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ [الكهف:58]، وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156]، ومحَمّد رَحمةٌ لِلعالمِين أجمَع، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]. أجَل، رَحمة لِكلِّ العَالمين، فالَّذينَ آمَنوا بهِ وَاتَّبعوه رحِمَهم الله به في الدّنيا والآخرَةِ، والّذين خَضَعوا لأحكامِه وعَاشوا تحتَ ظلِّ عَدالةِ الإسلام رُحِموا؛ فاحتُرِمت حقوقُهم، وحقِنَت دماؤهم، وصِينَت أعراضُهم وأموالُهم.
أيّها المسلِم، جاءَ الإسلامُ بالرّحمة بِكلِّ ما تَعني هذهِ الكلِمةُ، فقَبل كلِّ شَيء ربُّنا وسِعَت رحمتُه كلَّ شيء، في الكتاب الذي كتبَه وهو موضوعٌ عندَه فوقَ عرشِه: ((إنَّ رحمَتي سبَقَت غضَبي))[1]. نَعم، رحمةُ اللهِ سَبقت غضبَه، كَم يعصيهِ الخلقُ وهو يحسِن إِليهم، وكَم يسيئون وَهو يَرحمهم ولا يُعاجِلهم بالعقوبةِ، وإن تَابوا وأنَابوا إليهِ قَبِل توبَتَهم وبدَّل سيِّئاتهم حسناتٍ.
ومحمّد أرحَمُ الخلقِ بالخلقِ في دَعوتِهم إلى الله والإحسانِ إليهم وتعليمِ جاهِلهم والرِّفق بهِم وتحمُّل كلِّ الأذَى في ذاتِ الله، فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
أيّها المسلِم، رحمةٌ يرحَم بها العالم الجاهلَ فيعلِّمُه ويرفُق به، رحمةٌ يرحَم بها الكَبيرُ الصّغيرَ فيَعطِف عليه، رحمةٌ يَرحَم بها الغَنيّ الفقيرَ فيُحسِن إليه ويواسِيهِ، رَحمةٌ يرحَم بها الحاكِم المحكومَ فيسعَى فيما ينفَعُهم ويدفَع عنهم ما يضرّهُم مستَعينًا بالله في كلِّ أحوالِه، رَحمةٌ ترحَم بِها الأمّ ولدَها ويرحَم بهَا الأب الأولادَ، رحمةٌ يرحم بها القريبُ رَحِمَه ويَرحم بها الجار جارَه إلى غير ذلِكَ.
أيّها المسلِم، وإنَّ دينَ الإسلامِ قامَ على الرّحمةِ والإحسانِ والعدلِ في كلِّ الأحوالِ.
أخِي المسلِم، لقد أخبَرَ الله جلّ وعلا عَن تَابعِي هذهِ الأمّة المحمّدية بقوله: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].
نعَم، يرحَم بها الأواخِرُ الأوائِلَ، فيعرِفون لمَن سبقَهم فَضلَه، ويَعرِفون له سَابِقَتَه، ويعرِفون لَه مكانتَه، ويعرِفون له جِهَادَه وجِدّه ونَشاطَه، يَرحَمون أصحَابَ محمّد ، يَعرِفون لهم سَابِقَتَهم وجِهادَهم وتَضحيَتَهم معَ سيّد الأوّلين والآخرين، يَرحمونهم فيَدعونَ لهم دائمًا، ويترحَّمون عليهم، ويعرِفون للصِّدِّيق وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وسائرِ العشَرَة المبشّرين بالجنّة وأهلِ بدرٍ وبيعةِ الرّضوان ومَن أنفقوا قبلَ الفتح وجاهَدوا ومَن أنفَقوا بعدَه وجاهدوا، فيعرِفون لهم حقَّهم، ويتَرضَّون عَنهم، ولا يبحَثون عن مَساوِئِهم، وإن بَلغَهم خطَأٌ عن أحدٍ قالوا: هكَذا البَشَر يخطِئون، لكنّهم يحسِنون الظنَّ بهم وأنَّ مرادَهم الخيرُ. يَعرِفون لعلَماءِ هذه الأمّة السابقين فَضلَهم ومكانتَهم، فيقرؤون لهم، ويَتَرحَّمون عليهم، وإن وجَدوا خطأً قالوا: سنّةُ الله في الخلقِ، وكلُّنا خطّاءٌ، وخير الخطّائين التوّابون، لا يُخفون الحسَناتِ وينشرُون المسَاوِئ، ولكن يَعرِفون لكلٍّ حقَّه، ويعرِفون لكلٍّ فَضلَه. هكَذا المنصِفونَ الصّادِقون الّذين يُريدُون الخيرَ ويقصدونه، قال مالكٌ إمامُ دار الهِجرة النّبويّة: "ما منّا إلاّ رادٌّ ومَردود عليه إلاّ صاحِب هذا القبرِ"[2]، يعني محمّدًا الّذي لا يَنطِق عن الهوَى إن هو إلاّ وحيٌ يُوحى.
أيّها المسلِم، مِن أنواعِ الرّحمةِ رَحمةُ الصغارِ بالكِبار وشَفَقة الصِّغار على الكِبارِ، فكما أنَّ الكبيرَ يَرحَم الصغيرَ فكذلك الصِّغار يَرحمون كبارَهم ويَعرِفون قدرَهم ومكَانَتَهم.
أيّها المسلِم، إنَّ الله جلّ وعلا أخبَرنا عَن مبدَأ أمرِنَا ونهايَتِه فقال: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم:54]، قوَّتُنا بَين ضَعفَين: ضعفٍ في أوَّل الأمرِ وضعفٍ في آخِر الأمر، فبَينَما هو يخرُج من بطنِ أمِّه ضعيفًا خفيفًا تمضِي به السنون والأيّام تِلوَ الأيّامِ حتى يبلُغ أشدَّه ويستكمِل قواه ويتلذَّذ بِلذَّة الشباب وفَترةِ الشباب فيرَاها أحسنَ اللّحَظاتِ وأسعدَ السّاعات، وما هو إلاّ أن تتحوَّل هذه القوّة إلى ضعفٍ ووهن وعجزٍ، فتتحوَّل القوّةُ إلى ضعفٍ والقدرة إلى العجزِ، عند ذلكَ يَضعُف السَّمع ويقِلّ البصَر وتتبَاطأ الحرَكاتُ ويقلّ الممشَى، وربما لزِمَ الفراشَ لهَرمِه وكبَر سنّه.
إذًا أخِي، وقد بَلَغتَ من السنِّ ما بلغتَ وأصبحتَ في المشيبِ بعد الشباب وفي الكِبَر بعد الصّغَر وفي الضّعف والوَهن والعجزِ بعد القوَّة والقدرةِ وسائرِ الأحوال، فماذا يَلزَمك؟ مَاذا تفكِّر فيه؟ اعلَم أنَّ ما مَضَى لن يَعودَ، طُوِيَت صحائفُ الأعمالِ بما أودَعتها من خَيرٍ أو ضِدّه، فما المهمّ؟ المهمّ التّوبةُ إلى الله والإنابةُ إلى الله والاستغفار وأخذُ العدَّة والاحتِياط، ((أعذَرَ الله بعبدٍ بلَّغه السّتّينَ))[3]، يعني: ما جعَل الله له عذرًا بَعدَما بلغ الستين، أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ [فاطر:37]، قيل: الشَّيب، وقيل: الستون سنة، وقيل: مبعث محمد .
أيّها الشَّيخ الكَبير، أقبِل عَلى ربِّك، وتَدارَك ما مضَى مِن سنينِك وأيّامك، وأكثِر مِنَ الاستغفارِ والتّوبة إلى اللهِ، فإنَّ اللهَ يمحو بالتوبةِ ما مضَى منَ الذّنوب، وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:110].
أيّها الشّيخُ الكَبير، جبَر الله كَسرَك وأحسَنَ إليك، ففِي الله عِوَضٌ عن كلّ شيءٍ، وفي رجاءِ الله سلوةٌ عن كلِّ شيءٍ، فقَوِّ ثِقتَكَ بِربّك، وأحسِنِ الظنَّ به، فهو عندَ حسنِ ظنِّ عبدِه بِه، تعرَّف إليه فيما بقِيَ من عمرك بذكرِه ودعائه والالتجاءِ إليه، وسَله حُسنَ الخاتمة والوَفاةَ على الإسلام؛ لتلقاه وهو عَنك راضٍ بتوفيقِه ومنَّتِه وفضلِهِ.
أيّها الشّيخُ الكبير، مَضَى الشبابُ بما مضَى فيه، ومَضت سنون الشبابِ والقُوّة، وجاء دورُ الضّعف والعجزِ، فما عليكَ إلاّ أن تلجأَ إلى ذي الجلالِ والإكرامِ ليرحمَ ضعفَكَ وليُقيلَ عثرتَك وليحسنَ إليك وليشمَلَك بعمومِ فضلِه، أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ [النمل:62].
أيّها الشبابُ المسلم، دِينُكم يدعُوكم إلى احتِرامِ كِبارِكم والإحسانِ إِليهِم.
أيّها الشّابُّ المسلِم، الرّحمةُ بالكبيرِ والإحسانُ إليه أدَبٌ من آدابِ الإسلام وسنّةُ محَمّد سيِّد الأنام صَلَوات الله وسلامه عليه، إِكرامُ الكبارِ سنَّة الأنبياءِ وخُلُق الصالحين الأوفياءِ.
أيّها الشابِّ المسلِم، اعرِف لهذا الشيخِ الكبيرِ مكانتَه، اعرِف له حقوقَه الّتي طالَ ما ضيِّعَت، واعرِف له أَحاسِيسَه ومشاعرَه التي طال ما جُرحَت، واعلَم له حقَّه ومكانتَه.
أيّها الشابّ المسلِم، كم نشاهِدُ من شبابٍ تجاهَلوا الكِبارَ، إن تحدَّثَ الكبير قاطَعَه الصّبيان، وإن أبدى مَشورةً قاطعه السفهاءُ والأرذال، فهوَ يموت كَمدًا مما يرَى من سوءِ المعاملة.
أيّها الشابّ المسلِم، فللكِبارِ حقٌّ عليكَ؛ رَحمتُهم والإحسان إِليهم، ولا سيَّما الوالدين والأرحام؛ فإنَّ الله يقول: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا [الإسراء:23].
أخي المسلم، كَم يعاني الكبيرُ ممّا يعاني من النّشء [من] عدَم الاحترام والتّقديرِ، أصبَح الكبيرُ غريبًا في بَيتِه ثَقيلاً حتّى على أولادِه وأحفادِه، من يؤَنِّسه بالكلام؟! من يرُدّ الصوت عليه؟! من يسأله عن حَاجتِه؟! من يهتمّ بشأنِه؟! إنَّها المصيبةُ العظمَى. كم من شبابٍ ضيَّعوا كبارَهم من آباء أو أمّهاتٍ أو أرحامٍ، مِن أعمامٍ وعمّات وأخوالٍ وخالات، إن جلَس مع الكبيرِ لحظةً استَثقَلها واستطالَها، وإن جلَس مع الأصدقاءِ الليلَ كلَّه فكأنها دقائق وثواني. الأب يئنّ في مرَضٍ، والأمّ تئنّ ممّن يخدمها، فإمّا خادِم لا يرحَم، وإمّا حياةٌ على ملَل، وأنتَ في صحّةٍ وقوّةٍ، فاعرِف لهذا الشيخِ حقَّه، اعرِف لهذه المرأةِ الكبيرةِ الأمِّ حقَّها وفضلَها، اعرِف للقرابَة حقَّهم، والطف بهم، وارحَمهم، وأَحسِن إليهم، في الحديثِ: ((إنَّ من إجلالِ الله إكرامَ ذي الشيبةِ من المسلمين وحَاملِ القرآن غيرِ الغَالي فيهِ والجافي عَنه))[4]. ارحَم الكبيرَ يَرحمك الله، ومَن رحِم كبيرًا في سنِّه هيَّأ الله له مَن يحسِن إليه عندَ كبرِه، والجزاءُ من جنسِ العمل.
أتَى الصّدِّيق رضيَ الله عنه عامَ الفتح بأبيه أبي قُحَافةَ إلى النبيِّ لكَي يبايِع النّبيَّ ويعلنَ إسلامَه، فقالَ النبيّ للصدِّيق: ((ألا تركتَ الشيخَ في بيتِه فنأتيهِ نحن))[5]، فصلوات الله وسلامُه عليه أبدًا دائمًا إلى يومِ الدين. ((ألا تركتَ الشيخ في بيتِه حتى نأتي))، هكذا يعامل رسول الله المسِنِّين، وهَكذا يرحَمهم ويُشفِق عليهم، وهكذا يعلِّم أَصحابَه كيفَ التعاملُ معَ الكِبار. كان إذا تحدَّث الصغير قال: ((كبِّر كبِّر))[6]، فيُقدِّم الكِبارَ ليتَحدّثوا تأدِيبًا للصّغار؛ ليعلَموا حقَّ الكبارِ وفضلَ الكِبار.
أيّها المسلم، وكان يحترِم الكِبار ويقدِّمهم ويَضَعهم في المكانِ المناسبِ لهم، هكَذا هديُ الإسلام، هَكذا الرّحمةُ الإيمانيّة التي يملِيها الإيمانُ الصادقُ والإسلام الحقّ.
أيّها المسلِم، هذِه الخِصالُ عند أهلِ الإسلام خاصّة، الذين يرتَبط بعضُهم ببعضٍ برابطةِ الإيمان، فالكبار يحسِنون، والصّغار يرحَمون، والكِبار يرحمون، فـ((الرّاحمون يرحمُهم الرحمن، ارحَموا مَن في الأرضِ يرحمكم من في السّماء))[7].
أيّها المسلِم، الرّحمةُ مِن أهلِ الإيمانِ رحمةٌ لإخوانِهم المؤمنين، ورحمةٌ حتّى على غيرهم، رحمة بالبهائِم، رحمة بها والإحسان إليها، ((إذا قتَلتُم فأَحسِنوا القِتلة، وليحِدَّ أحدُكم شَفرتَه، وليُرِح ذبيحتَه))[8]، وقائل لِرسول الله : إني أذبَح الشاةَ وأرحمها، قال: ((الشاةُ إن رحمتَها رحِمَك الله))[9].
أيّها الشابّ المسلم، إذا مَررتَ بالمسِنّ الكبيرِ فارحَم ضَعفَه وعَجزَه، وإن احتَاج إليك فَاقضِ حاجتَه، وإن طَلبَ منك أمرًا تَستطيعه فحقِّق الأمرَ، فإنَّ الله سيجعل لك في كبَرك من يعامِلكَ بتلك المعاملةِ الحسنَة، لا يَغرَّنَّك الشبابُ والقوّةُ والمال والجاه، فكأنّك لا تَرَى الناسَ شيئًا، يمرّ بكَ الكَبير وكأن ما مرَّ بك، لا ترحَم كبيرًا، ولا تحنو على صَغير، هذه القوّة التي خدَعَك بها الشباب وغرَّك بها شبابك، فإنّ الأيامَ آتيةٌ، وستعود ضعيفًا بعد قوّتِك وعاجِزًا بعد قدرتِك ووهنًا بعد تحرُّكِك.
فيا شبابَ الإسلامِ، لنتخلَّق بأخلاقِ إِسلامِنا، ولنعرِف لكبارِنا حقَّهم.
أيّها الشيخُ الكبير، أنتَ كبيرٌ في القَلبِ والنّفس والعَين، طالما عَمِلتم وربَّيتم وبذَلتم واجتَهدتم، وستكونونَ قدوةً لصغارِكم في أعمالِكم وأَخلاقكم، وتدارَكوا نَقصَ شبابكم بالتّوبةِ إلى الله والاستغفارِ والنّدَم علَى ما مَضَى، وقولوا دائمًا: اللّهمّ اجعَل خيرَ أعمارِنا أواخِرها، وخيرَ أَعمالِنا خواتيمَها، وخيرَ أيّامِنا يومَ نلقاك فيه.
أيّها المسلِم، إنَّ هذا الأدَبَ الرّفيعَ في الإسلامِ خلُقٌ يتخلَّق بهِ المسلِمون، فتقوَى الرّوابِط بين الأمّة المسلِمة، رابطةُ الإيمان التي تحقِّق لهم مَعانيَ الرّحمة في أسمَى معانِيها وأجلِّها، هذا دِين الإسلامِ.
أيّها الشابّ المسلِم، كم مِن ابنٍ يفرّ من أبِيه، وكم من ابنٍ يفرّ من أمِّه، وكم من ابنٍ يفرّ من عَمِّه وخاله وعمّته وخالتِه، كَم يفرّ الأبناءُ من آبائِهم وأمَّهاتهم، فلو يَستطيعون أن يُلقوهم في البِحار لألقَوهم فيها، يبحَثون عن دارِ المسنِّين ليجعَلوهم فيها حتّى ينسَوهم ولا يعرِفوا حالهم، انتُزِعت الرّحمةُ من قلوبهم، فقُلوبهم قاسِيَة لا تَرحَم أحدًا، أمّا المؤمِن حقًّا فهو بخلافِ ذلك، في القَلبِ رَحمة، في القَلب إحسانٌ، في القَلبِ عَطفٌ، في القلب رِفق بالكبار وإحسان إليهم وتذكُّر حالهم، لا تَرفَعِ الصوت عليهم، ولا تخاطبه بسوءٍ، اعرف له ضعفَه وعجزَه وسوءَ كِبَره وقِلّةَ تحمُّله وصَبرِه، فارحمه يرحمك الله، وأحسِن إليه يحسنِ الله إليك.
أسأل اللهَ أن يوفِّقَني وإيّاكم لصالحِ القولِ والعملِ.
أقول قولي هذَا، وأَستغفِر الله العَظيمَ الكريم الجليلَ، وأسأله جَلّ وعلا أن يشمَلنا برحمته أجمعين، إنّه وليّ ذلك والقادِرُ عليه.
[1] أخرجه البخاري في التوحيد (7404)، ومسلم في التوبة (2751) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] انظر: البداية والنهاية (14/140).
[3] أخرجه البخاري في الرقاق (6419) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه: ((أعذر الله إلى امرئ أخَّر أجلَه حتى بلَّغه ستين سنة)).
[4] أخرجه أبو داود في الأدب (4843)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (8/163) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وحسنه النووي في رياض الصالحين (173)، وابن حجر في التلخيص الحبير (2/118)، والألباني في صحيح الترغيب (98). وقد أخرجه البخاري في الأدب المفرد (357)، وابن أبي شيبة (6/421) عن أبي موسى موقوفا، قال ابن عبد البر في التمهيد (17/430): "وقد روي مرفوعا من وجوه فيها لين".
[5] أخرجه أحمد (6/349)، والطبراني في الكبير (24/88) عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، وصححه ابن حبان (7208)، والحاكم (4363)، وقال الهيثمي في المجمع (6/253): "رجاله ثقات". وجاء من أوجه أخرى: عن أبي بكر، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وعن الزهري مرسلا.
[6] رواه البخاري في الجزية (3173)، ومسلم في القسامة (1669) من حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه.
[7] أخرجه أحمد (2/160)، وأبو داود في الأدب (4941)، والترمذي في البر (1924) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه الحاكم (4/159)، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (925).
[8] أخرجه مسلم في الصيد والذبائح (1955) عن شداد بن أوس رضي الله عنه.
[9] أخرجه أحمد (3/436، 5/34)، وابن أبي شيبة (5/214)، والبخاري في الأدب المفرد (373)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1100)، والطبراني في الكبير (19/22، 23، 24) والأوسط (2736، 3070)، وأبو نعيم في الحلية (6/343)، والبيهقي في الشعب (7/481) عن قرة بن إياس رضي الله عنه، وصححه الحاكم (7562)، وقال الهيثمي في المجمع (4/41): "رجاله ثقات"، وهو في السلسلة الصحيحة (26). وفي الباب عن معقل بن يسار وضرار بن الأزور رضي الله عنهما.
الخطبة الثانية
الحَمدُ لله ربِّ العالمين، حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كَمَا يحبّ ربّنا ويرضَى، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورَسوله، صلّى الله عَليه وعلَى آله وصَحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمّا بَعد: فيا أيّها الناس، اتّقوا الله تعالى حقَّ التّقوى.
عبادَ الله، في سنَّة رَسولِ اللهِ حُقوقٌ لِلكبارِ مَعلومَة من سنَّته :
فَأوّلاً: كانَ يَبدَأ بالكِبار في الكلامِ فيقول للصِّغار: ((كبِّر كبِّر))[1].
ثانِيًا: نجِد في سنّتِه إيصاءً لأئَمَّة المصلِّين أن يرفقوا بالكبار فيقول : ((أيّكم أمَّ النّاسَ فليخفِّف؛ فإنَّ وراءَه الصّغيرَ والكبير والمرِيضَ وذا الحاجةِ))[2]، وقال له رَجل: يا رسولَ الله، إني أترك صلاةَ الفَجر من أجلِ فلانٍ مما يطيل بِنا، قال: فغضِب النّبيّ غضبًا لم يغضَب مثلَه وقال لذلك الإمام: ((أفتّان أنت يا معاذ؟! إنَّ مِنكم منفِّرين، أيّكم أمَّ الناس فليخفِّف، فإنَّ وراءَه الصغيرَ والكَبير والمريضَ وذا الحاجةِ))[3].
وجاءَ الإسلامُ ليجعلَ الكبيرَ الذي ضعُفت قوّته عن الصّيام أن يكتَفيَ بإطعام مدٍّ عَن كلّ يوم، فقال جل جلاله: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]، وهم العاجِزون الذين لا يَطيقونَ الصّومَ أن يُطعَمَ عن الكبير والمريضِ عن كلّ يوم ما يقارِب الكيلو والنِصف أي: خمس وأربعين كيلو من الأرز أو الحبّ عن الشّهرِ كلِّه. وجاءَته امرأةٌ في حجَّة الوَداع فقالت: يا رسولَ الله، إنَّ أبي أدركَته فَريضةُ الله شَيخًا كَبيرًا لا يَستطيع الثبوتَ على الرّاحلة، أفأَحُجّ عنه؟ قال: ((نَعم، أرَأَيتِ لو كَان على أبيكِ دَين أكُنتِ قاضِيَتَه؟! اقضُوا اللهَ، فالله أحقُّ بالقضاء))[4].
مرَّ رَجلٌ بابن عمَر وهو يطوف بالبَيت حاملاً أمَّه علَى كتِفِه يطوف بها، قال: يا عَبدَ الله بن عمر، أتَراني قمتُ بحقِّ أمّي؟ قال: يَا هذا، لاَ والله، ولا طَلقة من طلقاتِ الوِلادةِ، ولكنَّك محسِن والله يثيبك[5].
كان كِبارُهم يحترِمون صِغارَهم، ويشفِقون على كِبارهم، سواء الأقارب أو غير الأقارب، بل الأقارب والأرحام متأكِّد أمرُهم أن يؤدِّب الناسُ بعضهم بعضًا، فيعرِف الصغير للكبير مكانتَه، فيقدِّمه في مجلسِه، ويبدَأ به في الكلامِ، ويرفُق به، ويرحمه، هكذا المؤمنون حقًّا، وكم منَّ الله على بعضِ الفئاتِ منَ الناس فاحتَرم كبيرُهم صغيرَهم، فتستطيع أن تميِّز فارقَ العمر بينهم بتقديم كبيرهم ولو يومًا واحدًا.
هكذا الإسلام دعا إلى هذا الخلُقِ الكريم ورغَّب فيه، فالمطلوبُ منّا تأديبُ صِغارنا وحثُّهم على احترامِ الكِبار وبثّ تلك الروح الطيِّبة فيهم، وأنّ الصغيرَ لا يتقدَّم الكبيرَ لا في الخروجِ ولا في الدّخولِ ولا في الركوب ولا في المجالسِ، حتى يكونَ بين المسلِمين الارتباطُ العظيم الذي جاءَت به شريعةُ الإسلام. رَزقني الله وإيّاكم التأدّبَ بآدابِ الإسلامِ والثباتَ عليه، إنّه وليّ ذلك والقادِر عليه.
أيّها الأبُ الكريم، أبناؤُك على اختلاف مراحِلِ أعمارهم أدِّبهم، وقل للصّغير: لا تجلِس قبلَ الكبير، وقل للصّغير: لا تتقدَّم علَى الكبير، وقل للصّغير: لا تأخُذ أشياء قبلَ الكبير، فإذا بدأنا بأنفسِنا في بيوتِنا وبَين أبنائِنا ثم أقاربِنا ثم المسلِمين ولزِمنا هذا الأدَبَ وكانَ الصغير يتأخَّر ولَو هو أعلَى مرتَبة ومكانةً لكن لإظهارِ الأدَبِ الإسلاميّ كما يكون ذلك بين مَن منَّ الله عليهم بهذا الخلُقِ الكريم فالتزَموه.
واعلَموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أَحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهَديِ هديُ محمَّد ، وشَرَّ الأمورِ محدَثاتها، وكلّ بِدعَةٍ ضَلالة، وعَليكم بجَماعَةِ المسلِمين، فإنّ يدَ اللهِ علَى الجمَاعةِ، ومَن شَذّ شذَّ في النّارِ.
وصلّوا على نبيكم محمّد كما أمَركم بذلك ربّكم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على عبدِك ورسولِك محمّد، وارضَ اللهمّ عن خلَفائه الرّاشدين...
[1] تقدم تخريجه.
[2] أخرجه البخاري في الأذان (703)، ومسلم في الصلاة (467، 468) عن أبي هريرة رضي الله عنه نحوه.
[3] أخرجه البخاري في الأذان (702، 704)، ومسلم في الصلاة (466) عن أبي مسعود رضي الله عنه نحوه، وليس فيه: ((أفتان أنت يا معاذ؟!)).
[4] أخرجه البخاري في الحج (1852) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي فقالت: إن أمي نذرت أن تحجّ فلم تحجّ حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: ((نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمّك دين أكنت قاضيته؟! اقضوا الله فالله أحق بالوفاء)).
[5] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1/18)، البيهقي في الشعب (6/209)، وهو في صحيح الأدب المفرد (11).
ـــــــــــــــــــ(68/312)
رعاية البنات
...
...
4580
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الأبناء
...
عبد الله الهذيل
...
...
الرياض
...
...
...
فيحان
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- موقف أهل الجاهلية من البنت. 2- تكريم الإسلام للمرأة. 3- وصايا هامة لمن رزق ببنت. 4- مكر وخبث أدعياء الحرية وحقوق المرأة. 5- الحياء أشرف خلُق في المرأة.
الخطبة الأولى
أيها الأحبة في الله، بعد طول انتظار لثمرة خرجت من صلب وأودعت مستودعًا تحوطه ظلمات ثلاث ها هو الأب يعيش تلك اللحظات الأخيرة لذلك الانتظار، فتراه يذهب ويجيء، ويقوم ويقعد، متهّلِفَ الفؤاد، غاية في إصغاء السمع لأدنى همسة بشرى تسعى إليه، فبينما هو كذلك إذ تأتيه البشرى أنك قد رزقت بأنثى. وهنا إن عبس الوجه وضاق الفؤاد فتلك سيرة الجاهلية الأولى، حيث يضيق الواحد منهم ذرعًا حين يبشر بالأنثى، كما أخبر الله تعالى عنهم: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [النحل:58، 59].
فقد بلغ الاستياء والبغض لتلك البشرى أن يدفن تلك الأنثى في التراب وأنفاسها تتردد في هذه الحياة، بل قد تبلغ الوحشية في أحدهم إلى أن يتردد في وأدها في بداية الأمر، ولكن يظل هذا الأمر يراوده بين الفينة والأخرى حتى إذا بلغت الأنثى أشدها زال ذلك التردد في نفسه، وأصبح عزيمة لا يدفعه عنها شيء، فسار بابنته مخادعًا لها، وهي في أمان وهل ستشعر بخوف مع أبيها؟! فإذا بالأب يلقيها في بئر أو حفرة أعدها مدَّعيًا أنه تخلَّص من العار أو مِن ثقَل النفقة.
تلك حالٌ سوداء مظلِمة في واقع الجاهلية الأولى، حتى إن أحدهم أنشد يومَ أن تكاثر الخطّاب على ابنته فقال:
إني وإن سيق إليّ المهر ألفٌ وعُبدانُ وذَودُ عشر
أحبّ أصهاري إليّ القبر
ولقد كان من مأثور قول بعضهم للتهنئة بالأنثى: "آمنكم الله عارها، وكفاكم مؤنتها، وصاهرتم القبر".
فتلك السيرة أيّ نفس ترضى بها؟! فعلام يظل البعض راضيًا أن يصاب بشيء من غبارها، فيعبس الوجه ويُظهر السّخْطَ حين تأتيه البشرى بالأنثى؟!
أيها الأحبة في الله، ونعود إلى ذاك الذي طال انتظاره فجاءته البشرى بالأنثى، وظننا به أن يطرح كل وساوس الجاهلية، فتستنير صفحات وجهه بتلك الهبة العظمى التي أسبغها عليه ربه عز وجل، فهي عظيمة القدر، رفيعة الشأن في ديننا، وقد سماها الله تعالى من أول خروجها إلى هذه الدنيا هبة، امتن سبحانه بها، فقد قال عز من قائل: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ [الشورى:49].
وقد جاء الفضل العظيم في الإسلام لمن رعى البنات وأحسن تربيتهن، ففي صحيح مسلم عن أنس أن النبي قال: ((من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا)) وضم أصابعه.
فإليك يا من رزقت بالأنثى، إليك البشرى بتلك الهبة التي سيقت إليك، والتي تستوجب عليك جميل الحمد والشكر لربك عز وجل. وإليك أيضًا حديثًا تبصره وذكرى وتعاونًا على البر والتقوى.
وإليك حديثًا أبدؤه معك من يوم أن بدأت تتردّد تلك الأنفاس الطيبة في هذه الحياة، ويمضي في مسيرتها في هذه الحياة أملاً أن تكون نبتة صالحًا ونسمة مباركة على نفسها وعلى أهلها وعلى مجتمعها.
هو حديث حق أن يطول لامتداد سنين تلك الحياة، ولكن سأسابق سنينه ليكون أمارات وإشارات تلوح معالمها على رؤوس تلك السنين رغبة في الاختصار، وكما قيل: والحر تكفيه الإشارة.
فعليك ـ وقد جاءتك البشرى بتلك الأنثى ـ أن تدرك يقينًا أنها مسؤولية عظمى وأمانة كبرى قد حُمّلتها، فلتبدأ نظراتك الأولى إليها يحدوها العزم الصادق أن تسير بها أحسن سيرة، وتربيها جميل التربية، وتحفظها من كل ما يسوؤها في دنياها وآخرتها.
ومع تلك البدايات لتستكمل لها ما رغب الشرع فيه من الأذان بأذنها والعقّ عنها واختيار الاسم الحسن لها، ونحو ذلك. ثم لتمض في تربيتها على أحسن الوجوه، ولتعلم أنها ثمرة فؤادك، فلا تسلمها إلى خادمة تطبع على فؤادها بصماتٍ مشؤومة، بل أنت وزوجك أحق من يقوم برعايتها، ولئن تعذرت بشغل هنا أو هناك فلتعلم أنها من أهم أشغالك وواجباتك.
وفي سيرك في تعاهد تلك الغرسة لترسم أمامها معالم الأسوة الحسنة التي تكون منارات هدى تهتدي بها في طريقها، ففي خديجة وعائشة وفاطمة وحفصة وسائر الصالحات القانتات الأسوة الحسنة لكل فتاة، فأنعم بتلك الفتاة التي تسير سيرتهن وتقتفي آثارهن، وأنعم بمجتمع تحفّه بركات أمثال تلك الفتاة، إذ ستغذيه بالرجال الأماجد الذين يسدون ثغور الأمة وينشرون أنوار الرسالة.
فاجعل نبتتك ممتدة البصر والفؤاد إلى تلك السيرة الحسنة والقدوات الفذة، ولا تكن مفتاح شر لها، فتفتح لها أبواب التقليد الأعمى للكاسيات العاريات والكافرات العاهرات، فإن الحملة الجائرة التي يتولى كبرها أدعياء التقدم والحضارة لتلوح بالأيادي السود جاهدة أن تأخذ بها كل مصونة لتراها غريقة في أوحال الانحلال.
فاحفظ من حمّلت أمانتها من تلك الدعاوى الزائفة، فإن البنت ضعيفة سرعان ما تخدعها أباريق الدعاوي المنمقة، فإن لم تجد يدًا حانية تصونها عن تلك الأوحال فإنها قد تمشي إليها خطوة خطوة، إلى أن تقع في فخ لا تملك منه خلاصًا، وكما قيل:
خدعوها بقولهم: حسناء والغوانِي يغرهن الثناء
أتراها تناسب اسْمي لَها كثرت في مرادها الأسماء
نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء
فكن لابنتك حصنًا حصينًا من تلك الهجمات التي يزين لها القول باسم حقوق المرأة وإعطائها حريتها ومواكبتها للحضارة، وهم في حقيقة الأمر يريدوها أن تكون ألعوبة تتقلّب من عين إلى عين ومن يد إلى يد، يريدونها أن تخرج من بيتها التي عزّت فيه؛ لتكون سلعة تعرض في المجلات، بل وفي قطع السيارات، ولتخرج تزاحم الرجال حتى لا تبقى لها حرمة، ولا يراعى في حقها حياء.
وتلك أحوال الأمم التي يصفق لها الأدعياء شاهدة بسوء الحال التي وصلت إليها المرأة، فما عادت هي الأم التي تلتف حولها أبناؤها، ولا الزوجة التي يرعى لها زوجها حقوقها، ولا الأخت التي يصلها أخوها، ولا البنت التي يتكفل الأب بجميع احتياجاتها حتى يسلمها إلى يد زوجها، بل إنه يمن عليها في أيام صغرها ثم يرسلها إلى حيث شاء، إلى أيادي الخلان أو إلى حتفها، فلا عليه بعد ذلك.
فعليك ـ أيها الأب المبارك ـ أن تحفظ تلك الأمانة، تحفظ سمعها وبصرها وفؤادها من تلك السموم الموجهة، والتي يبثها أصحابها كمواقع القطر عبر قنوات الشر المشؤومة.
فإنك إن فرطت وسُقط في يديك بعد هذا فستعضّ الأيادي ندمًا وحسرة في أيامك العاجلة، وغدًا فما الحيلة إلا أن يرتفع النداء: رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99، 100]، حين يكون مما تركتَ بنتٌ فتحتَ لها أبواب الشرّ، فصارت شُؤمًا تتقصّد فتنةَ كلّ رائح وغادي. فحافظ على الزهرة وهي في تصرّفك قبل أن تذبل ويسقط في يديك.
أيّها الأب المبارك، وإنّ الحياء هو أمارَة المرأة الصالحة، وهو أسمى صفاتها، ولئن فقدته فقد فقدت خيرًا كثيرًا. فلتكن على تنبّه شديد من تلك الصّفة في زَهرتك، فإنه في زمن مضى قريب كانت المرأة لا تخرج من بيتها إلا لحاجة، وإن خرجت فلا تمشي متوسّطة الطريق، بل تراها في كامل حشمتها، ومع ذلك تختار طرف الطريق حتى أن عباءتها لتمتلئ من تربة الجدار من شدة الحياء. وفي زماننا رأينا نساءً يمشين بين الرجال بالعباءة المتلاعب بها، وكأن لم يكن ثمّ أحد، بل وتنطلق بلسانها لمحادثة هذا وذاك، وكأنها تحادث إحدى زميلاتها، فتلك حال تحتاج إلى كثير من المراجعات لتعود فينا السيرة القريبة المحمودة.
أيها الأب المبارك، وأنت إلى هنا قد رأيت تلك الهبة التي بشّرتَ بها من سنين قد بلغت أشدها، وقد نالت منك حسنَ الرعاية والتربية، فكتاب الله تعالى ملأ صدرها وجوارحها، وسنة نبيها سبيلها في هذه الحياة.
فما أيمن اليد التي أخذَت بها إلى هذه الحال الطيبة، فحقّ لها أن تشكر ويرسل إليها الثناء، والفضل لله تعالى أولاً وآخرًا. وحين بلغت زهرتك هذا المبلغ فإنه لا بد من يد أخرى تشاركك الأمانة وتسعى في إكمال مسيرتها، ولا بد أن تتخير تلك اليد لتكون مباركة، تأخذ بها إلى أحسن أحوالها، ذلك أمر الزواج واختيار الزوج الصالح.
ـــــــــــــــــــ(68/313)
الحرص على تربية الأولاد
...
...
4670
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الأبناء
...
بدر بن ناصر الرميضي
...
...
مبارك الكبير
...
1/1/1423
...
...
جامع محمد الحماد العازمي
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- أهمية تربية الأولاد. 2- منشأ الخلل في تربية الأولاد. 3- سبل تعين على صلاح الذرية. 4- عقوق الآباء أبنائهم.
الخطبة الأولى
عن أنس قال: قال رسول الله : ((إن الله سائل كل راع عما استرعاه: أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته)) رواه النسائي وابن حبان.
أيها الإخوة المسلمون، شباب اليوم هم رجال الغد وأمل المستقبل، وهم ثروة البلاد، وهم عدتها وعتادها وجنودها ورجالها. وإذا أردنا أن يكون أولادنا قرة لعيوننا وبهجة لقلوبنا فلا بد أن نرعاهم رعاية خاصة ونعطيهم كل اهتمامنا ونجعلهم أكبر همنا، فهم اليوم أمانة في أعناقنا، وغدا نسأل عنهم يوم القيامة؛ ولذلك نجد أن أمنية عباد الرحمن هي أن يرزقهم الله بذرية طيبة، يقول الله جل وعلا: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74].
ولا يمكن للولد أن يكون قرة عين لأبيه إلا حينما ينشِّئه على الدين، ويحافظ عليه، ويحسن تربيته، ويتابعه في كل مرحلة من مراحل حياته، لا يتخلى عنه بأي حال من الأحوال. فالطفل يولد على الفطرة السليمة كما أخبرنا المصطفى عليه السلام، ولكن قد يأتيه الخلل من داخل البيت أو من خارجه، فيتحول الطفل من الفطرة السليمة إلى الانحراف المدمر.
نعم قد يبدأ انحراف الأولاد من البيت؛ لأن بعض البيوت ـ وللأسف ـ تدمر أخلاق الطفل؛ لأن بعض الآباء والأمهات جعلوا أولادهم آخر ما يفكرون فيه، فالأب مشغول والأم لاهية والبيت تدخل فيه المنكرات ولا أحد يدري, الخدم يعبثون في البيوت ويقومون بأعمال مشينة أمام الأولاد، فتنغرس هذه الأخلاق السيئة في ذهن الطفل الصغير الذي لا يميز، فتصبح جزء من سلوكه وأخلاقه. فنحن حينما نرى صبيّا يتسكع في الشوارع أو يدخن أو يأتي المنكرات أو يجهل دينه فلا تتعجبوا من الطفل، بل تعجبوا من ولي الأمر الذي وصلت به الغفلة والإهمال إلى هذا الحد وهو لا يدري عن ولده شيئا.
إهمال الأولاد ـ أيها الإخوة ـ يعرضهم إلى الضياع والانحراف, وأسوأ أنواع الإهمال حينما يعتمد الوالدان على الخدم في تربية أولادهم, فالخادمة هي التي ترضع الولد، وهي التي تطعمه، وهي التي تحمله وتحتضنه، وهي التي تنام معه، وهي التي تغسله وتنظفه، وهي التي تصنع له كل شيء إلى درجة أنه لم يبق للأم دور في حياة ولدها. هنا تتحطم نفسية الطفل؛ لأنه فقد أهم شيء بالنسبة له وهو حنان الأم وعطفها.
فترة الطفولة هي من أهم مراحل التربية والتعليم، ومع ذلك ضاعت حياة الطفل؛ لأنه قضى طفولته وهو يتنقل من خادمة إلى خادمة؛ ولذلك إذا أردنا أولادًا صالحين يكونون رحمة لنا في الدنيا ويشفعون لنا في الآخرة علينا أن نحرص على تربيتهم منذ الصغر. وأول شيء نبدأ به هو أن نعتمد على الله، ندعوه ونتوسل إليه بأن يرزقنا أولادًا صالحين، يقول الله سبحانه: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38].
ومن الأشياء التي تعين على صلاح الأبناء أن يجلس ولي الأمر مع أولاده يسمع منهم، ويكلمهم ويتقرب إليهم ويرشدهم إلى ما فيه الخير، ويحذرهم من الشر، ويشعرهم بعطفه واهتمامه، ويفتح لهم صدره، أما أن ينشغل الأب عن أبنائه فلا يراهم ولا يرونه فهذا خطأ كبير.
ومن الأمور المهمة أن يغرس الوالدان الإيمان في نفوس أولادهم، الإيمان بالله واليوم الآخر، والإيمان بالرسل واحترامهم، والإيمان بالقرآن والعمل به، وهكذا يتعلم أصول الدين.
وأيضا لا بد وأن نعوّده على الصلاة منذ الصغر، ندعوه إلى الصلاة بالحكمة واللين، ونرغبه بالصلاة ونشجعه عليها، ونتابعه في صلاته كما نتابعه في دراسته بل وأكثر من ذلك، فالنبي أرشدنا إلى ذلك، فعن عبد الله بن عمرو قال: قال النبي : ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع)) رواه أحمد وأبو داود والحاكم.
ومن الأشياء المهمة في التربية أن يكون الوالدان قدوة حسنة لأولادهما؛ لأن الطفل أول ما ينظر ينظر إلى والديه، فعليهم أن لا يظهروا أمام أولادهم إلا بما يليق، ولا يأمر الوالد أولاده بشيء ويخالفه، ولا ينهى عن شيء ويأتيه. ولا بد للوالدين أن يغرسا في أولادهم الأخلاق الحميدة، كالصدق والوفاء والكرم والعفة واحترام المواعيد، فالصدق أساس الأخلاق وهو يهدي إلى البر، والكذب أساس الفجور وهو يهدي إلى النار.
ومن الأمور المهمة أن يتعرف الوالدان على أصدقاء أولادهم، فالطيور على أشكالها تقع، فمن صاحب الأخيار كان منهم، ومن صاحب الأشرار صار منهم. فعلينا أن نشجع أولادنا على مصاحبة الأخيار، ونحذرهم من رفقة السوء، عن أبي هريرة قال: قال النبي : ((الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)) رواه أبو داود والترمذي، وعن أبي هريرة قال: قال النبي : ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) رواه البخاري في الأدب المفرد ومسلم.
الخطبة الثانية
إخوة الإسلام، ومن لم يتعب في تربية أبنائه وهم صغار سوف يتعب معهم إذا كبروا وانحرفوا، ومن زرع في البداية خيرا سوف يحصد خيرا في النهاية.
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يشكو إليه عقوق ولده، فأمر عمر بإحضار الولد، وأنّبَ عمر الولد لعقوقه لأبيه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟! قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب ـ أي:القرآن ـ، قال الولد: يا أمير المؤمنين، إن أبي لم يفعل شيئا من ذلك؛ أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلا، ولم يعلمني من الكتاب حرفا واحدا، فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت تشكو عقوق ابنك وقد عققته من قبل أن يعقَّك، وأسأت إليه من قبل أن يسيء إليك.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
ـــــــــــــــــــ(68/314)
الكبير: ما له وما عليه
...
...
4772
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
...
...
الآداب والحقوق العامة, قضايا المجتمع
...
أحمد بن عبد العزيز المنصور
...
...
الرياض
...
19/8/1426
...
...
جامع عبد الرحمن الراجحي
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- غريزة حب الدنيا. 2- عناية الإسلام بالمسنين. 3- حقوق الكبير. 4- ضرورة التزود للآخرة. 5- أهمية التفرغ للعبادة في آخر العمر. 6- محاسبة النفس.
الخطبة الأولى
عباد الله، الإنسان مفطور على حب الحياة، بل يحب أن يطول في هذه الحياة عمره، ويتمنى أن يخلد فيها، ولكن هيهات هيهات أن يخلد أحد في هذا الدنيا، فقد حكم الله عز وجل لهذه الدّار بالفناء، وكل مخلوق مآله إلى الموت والانتقال إلى دار القرار، والسعيد هو من اغتنم هذه الحياة وعمَرَها بطاعة الله تبارك وتعالى، وليست العبرة في طول العمر، وإنما العبرة والشأن كلّ الشأن في الاستفادة من السنين والأيام التي يعيشها العبد في هذه الحياة، فطول العمر نعمة إذا استخدم في طاعة الله وعمل الخير والبعد عن المحرمات، سئل الرسول : من خير الناس؟ وفي رواية: أي الناس أفضل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((من طال عمره وحسن عمله)) رواه الترمذي.
ولذلكم اهتمّ الإسلام بالكبير، وجعل له حقا على من دونه، فأوجب احترامه وتوقيره، قال رسول الله : ((ما أكرم شابّ شيخًا من أجل سنّه إلا قيّض الله له عند سنه من يكرمه)) رواه الترمذي، وقال : ((إن من إجلال الله إكرامَ ذي الشيبة المسلم)) رواه أبو داوود والبيهقي، وقال : ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا)) الحديث رواه الترمذي.
فالكبير له حقّ الاحترام والتقدير، كيف لا وهو قد سبق من دونه لعمل الصالحات وتعلم العلوم وممارسة أعباء هذه الحياة، وهو المكافح، فهو الأستاذ لمن بعده والمعلم والمربي، فكل ما يتمتّع به الشباب هو من نتاج الكبار، والمثل الشعبي السائد يقول: "أكبر منك يومًا أعرف منك سنة". نعم، الأيام مدارس، فمن ولجها قَبلَك أصبح لك أستاذًا فيها، الشيوخ قد جربوا كثيرا، عرفوا الأيام، وعاشوا تقلبات الأحوال، فأصابوا الحكمة، ونفعتهم الخبرة، ملكوا العقل الراجح والفكر الرزين، يقدرون الواقع، وينظرون بواقعية نحو المستقبل، يرون الحسنات كما يرونَ المحاذير، إنَّ لهم من طول التعامل والمراس ذخرا من الحكمة ورصيدا من الرزانة تجعلهم أصحاب رويّة وتثبّت، أولئك هم الشيوخ، تاج الوقار، ومنابع الأخبار، إذا رأوك في قبيح صدّوك، وإن أبصروك على جميل أيّدوك وأمدّوك، وقد قيل: "عليكم بآراء الشيوخ؛ فإنهم إن فقدوا ذكاءَ الطبع فقد مرّت عليهم تجارب الحياة"، جاء في منثور الحكم: "من طال عمره نقصت قوّة بدنه وزادت قوة عقله". والأيام لا تدع جاهلا إلا أدّبته، فكفى بالتجارب مؤدّبا، وبتقلب الأيام واعظا، وكفى عبرا لأولي الألباب ما جربوا.
فينبغي على الشباب أن يوقروا الشيوخ، ويستنيروا بآرائهم، ويستفيدوا من خبراتهم. نظرَ إبراهيم عليه السلام في المرآة فرأى شيبة بيضاء، وكان أول مرة يرى إبراهيم الشيب، فقال: يا رب، ما هذا البياض؟! قال: هذا وقار يا إبراهيم، قال: اللهم زدني وقارًا.
عباد الله، جاء في الحديث أن الرسول يقول: ((إن الله يستحي أن يعذّب شيخًا في الإسلام))؛ وذلك لأن الكبير في الغالب يكون أكثر إقبالا على الله وحبّا للخير، فيستحي من الله أن يراه على معصية أو مقصّرا في طاعة، فيستحي الله منه. أما إذا لم يستح من الله فإنّ عذابه عند الله أشدّ وأنكى، كما في الحديث الصحيح أن الرسول قال: ((ثلاثة لا ينظر الله إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم)) وفي لفظ: ((ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم)) منهم: ((أشيمطٌ زانٍ))، شيخ كبير في السن زانٍ، هذا ليس له عند الله قبول، ولا يكلمه الله يوم العرض الأكبر، ولا ينظر إليه، ولا يزكيه، وله عذاب أليم، فشيخ أخذ في عمره ما أخذ ثم أتى إلى الله فختم صحيفته بالزنا لا قبول له عند الله. ((وملك كذاب))، ملك ويكذب؛ لأنه لا داعي له، لأن الإنسان إنما يكذب خوفًا أو رغبة أو رهبة، والملك ليس عنده لا رغبة ولا رهبة. والثالث: ((عائل مستكبر))، رجل يلصق بطنه بالثرى وينام على التراب وليس عنده درهم ولا دينار ويتكبّر على عباد الله. يقول شيخ الإسلام في كلام ما معناه: "ملوم الغنيّ إذا تكبر وغير الملك إذا كذب والشاب إذا زنى، لكن هؤلاء لقلّة دواعي هذه الأمور فيهم كان عذابهم أشدّ وأنكى عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى".
عباد الله، إن مَن مَنَّ الله عليه بطول العمر ولم يستفد منه لعمل الآحرة أو ضيّع أيامه ولياليه في الغفلة أو انهمك في جمع حطام الدنيا الفاني وألهته دنياه عن عمل أخراه ولم يزدَد من عمل الصالحات في آخر حياته فإنه سيندم حين ينتقل من هذه الدار إلى دار القرار، ولات ساعة مندم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن المفرطين: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى عنهم: يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا، قال أهل العلم في هذه الآية: "يقولون: يا ويلتنا على ما ضيّعنا في حياتنا من الأوقات الثمينة".
وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: ((من طال عمره وحسن عمله))، قال: فأي الناس شر؟ قال: ((من طال عمره وساء عمله))، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((ألا أخبركم بخياركم؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((أطولكم أعمارا وأحسنكم أعمالا)) رواه البيهقي، وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ قال: (ستين سنة)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال: ((إذا كان يوم القيامة قيل: أين أبناء الستين؟ وهو العمر الذي قال الله: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ))، وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((أعذر الله إلى امرئ أخّر عمره حتى بلغ ستين سنة))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((من عمره الله ستين سنة أعذر إليه في العمر)) يريد أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك)) رواه الترمذي وغيره، وجاء عن قتادة رضي الله عنه قوله في الآية: (اعلموا أن طول العمر حجّة، فنعوذ بالله أن نعيّر بطول العمر).
أيها الشيخ الكبير، لقد تعبت في هذه الحياة كثيرا حتى احدودب منك الظهر وتقاربت الخطى وضعف البصر وتساقطت الأسنان، أليس من حق نفسك عليك أن تريحها بقيّة عمرك من أعباء هذه الحياة ومشاكلها، وتقنع بما أعطاك مولاك وجمعته أثناء شبابك، وتتّجه إلى راحة بدنِك بالإقبال على الطاعات والتزوّد من عمل الصالحات من قراءة للقرآن وصدقة وصيام وتبكير إلى صلاة الجمعة والجماعات؟! واعلم أن ذلك مما يكفّر الله به الخطيئات ويرفع به الدرجات، يقول الرسول : ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((كثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)).
عباد الله، على الإنسان أن يحرص على الإكثار من طاعة الله تبارك وتعالى خاصة في آخر عمره، وأن يكثر من الاستغفار والحمد، كما قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد : إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ الآية، فكان بعد نزول هذه الآية يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)) كما روت ذلك عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ حيث إنه علم أن نزول هذه السورة علامة على قرب أجله.
اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، وقنّعنا بما أعطيتنا، واجعلنا هداة مهتدين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
عباد الله، أوقات الإنسان محدودة وأنفاسه معدودة، وسوف يسأل عنها ويحاسب عليها، ويجزى على ما عمل فيها من خير أو شر، قال الرسول : ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه)). فليعدّ الإنسان لنفسه جوابا صحيحا على هذه الأسئلة، فيحاسب نفسه فيما قال أو فعل أو سمع أو نظر أو تكلم أو مشى، يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36]، وقال تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92، 93]. فينبغي للمسلم أن يغتنم أوقاته فيما يقربه إلى ربه، فهنيئا لمن وفقه الله لطاعته وطاعة رسوله .
وصلوا وسلموا ـ عباد الله ـ على نبيكم الهادي البشير.
اللهم هب لنا عملاً صالحًا يقربنا إليك، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردّنا...
ـــــــــــــــــــ(68/315)
الشقاق بين الزوجين: أسبابه وآثاره وعلاجه
...
...
4786
...
الأسرة والمجتمع, فقه
...
...
الطلاق, قضايا الأسرة
...
عبد الله بن فهد الواكد
...
...
حائل
...
18/5/1424
...
...
جامع الواكد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- حرص الإسلام على تماسك الأسرة. 2- الخلافات بين الزوجين أمر طبيعي. 3- أسباب الخلاف. 4- مآل الخلاف ونتائجه. 5- توسع دائرة الخلاف بين الزوجين. 6- تضرر الأولاد بالخلافات الزوجية. 7- الطريقة الشرعية لحل المشكلات الزوجية. 8- كلمة للأب.
الخطبة الأولى
لقد حرص هذا الشرع المطهر على تماسك الأسرة المسلمة واستئصال شأفة الشقاق والنزاع من كنف البيت المسلم، في ضوابط وأحكام شرعها الحكيم الخبير، نقف وإياكم اليوم على شقاق الزوجين: أسبابه وآثاره وطرق علاجه.
أيها الأحبة المسلمون، طبيعي أن تكون الخلافات بين الزوجين، وما سلمت من ذلك بيوت الأنبياء والمرسلين. مطالب الحياة.
ومعترك النفوس في غاياتها، والتعثّر دون المقاصد، والتباين في الرغبات، وغياب الإيثار، وتضارب الأهواء، والتقصير في الواجبات، وهضم الحقوق الزوجيّة، كل أولائك طلائع زوابع وصفارات إنذار لحدوث عاصفة زوجيّة، تهبّ من ناحية المرأة، فيبدأ النشوز من قِبَلها، فتظهر الكراهية للزوج، وتعلن العصيانَ، وتجنح للتمرّد على القوامَة، فتنتهج أسلوبَ التنغيص والتكدير، تحت حمأة لا يهدأ لهيبها، قاصدةً بذلك استدرار غيظه وكراهيته، واجتذابه من طور الهدوء إلى حال المشاقة والمنابذة، فيبدأ بذلك النزاع، فيحيف الزوج عليها ببخس الحقوق وغليظ القول وقبيح الفعل وسيئ العشرة وقوارع اللفظ وقوارس الكلام والضرب والشتم، حتى تنفر منه وتبغِضَه.
وهنالك ـ أيها الأحبة ـ تنطمس نجوم الألفة، وتنكدر كواكب المودّة والرحمة، ويبدأ الشقاق يشقّ طريقه إلى حياة الزوجية، فتبدأ الآثار النفسيّة على حياة الزوجين، وتطفح المكنونات على السطح الأسري، فيعود سالب ذلك على الأسرة من الدّاخل، بل ويتعدّى الأمر إلى علاقة الزوجين بالأهل والأصدقاء، وتنقلب روح المودة والوئام إلى شقاق ونزاع وخصام، حتى يصبح البيت ومع تطاول الزمن قناةً لجلب المشكلات وموئلا لنشوء المعضلات، وهنالك يبحث كلا الزوجين إلى سبيل الخلاص من صاحبه، موضِّحا للآخرين كماله وسلامة موقفه، فيتعرّى البيت، وتنهتك أسرار الأسرة، وتنفتح خزائِنها واحدة تلوَ الأخرى، فيعمد كلا الزوجين إلى بعثرة حفائظ الأسرار، علَّه يظفر في ركامها بمثلب يعيب به صاحبه أو تقصير يرمي به شريك حياته، كل ذلك والملأ من حولهم ينظرون، ولك أن تتصور عظيمَ النتائج المزعجة في هذا المسلك المهلك، إلى أن يحتدم الأمر فيَعْلَقِمّ، فتنهتك الكرامه، وتنهدر الشهامة، وتهراق المودّة في بقاع النزاع.
ثم لا وربك، لا تقف آثار الشقاق عند هذي فحسب، بل تنال اللأواء أولادا أبرياء، ليس لهم في ذلك داء ولا دواء، تتأزّم حالتهم النفسية، وتقشعر عواطفهم الحسية؛ إذ يشاهدون وما عساهم يشاهدون؟! بل يا لقسوة ما يشاهدون، خفقت قلوبهم، وانجرحت أحاسيسهم، وانكدرت أفئدتهم، يرون أعزّ من لديهم وأغلى من نظرت أعينهم، يرون من غرقوا بدمعها، ومن غاصوا في حنانها، يرون الأم والحضن والحنان في خصام مع من؟! مع أعز إنسان، يرون من وَضَع الريال في جيوبهم وزرع الأسوة في قلوبهم، يرون ذلك الطودَ العظيم، ذلك الجبل الأصمّ الأشمّ، يرون ذلك البيت الذي كان ملكا يترامون في آفاقه، يرون ذلك البناء الشامخ الذي رضعوا فيه، وانفطموا فيه، وذرعوه وباعوه، وظنّوا أن الأرض تنخسف وذلك البيت شامخ لا يتزعزع، يرونه يتصدّع أمام أعينهم، ويتأرجح عيانا، فلا يشكّون بسقوطه، يرونَ أباهم، يرون أمّهم، يختصمان، يتعالجان، فيغرقون في تطلّعات تمجّ في المستقبل دماء جروح داخلية، وتنظر في مقبِل الأيام نظرات أشبعت بعقد نفسيّة.
يغيب عن الزوجين في وطيس الشقاق أن لهم أبناء وبنات يراقبون بأسى وحسرة معركة أسرية، الرابح فيها خاسر ولو كان سبعا كاسرا، يصاب الأولاد بالتشنّج والانطواء، ينظرون لما حولهم نظرة تضجر وسخط، تتضارب مشاعرهم، وتضطرب عواطفهم، بين فرح وترح، وحيرة وغيرة، فلا يجدون متنفسا إلا بما شذ من القول والفعل، فتكون التأزّمات النفسية والاختلالات التربوية، ثم إذا كان الفصال صار هؤلاء الأولاد المساكين محطة نزاع ومادة خلاف بين أم تطالب بالحضانة وأب يطالب بالرعاية، ليغيض كل منهما الآخر، ويكويان بعضهما بأولادهما، ويطرفان أعينهما بأيديهما. ثم إذا اتسعت دائرة الخلاف بين الزوجين وتجاوزت حدود البيت والأولاد وصعدت المشكلة إلى خارج الأسوار وخرجت من البيت والدار فلا تسل بعد ذلك عنها، إذ لا يخفى أمرها على أحد، فتقع في أيدي المحتسبين من الأهل والأقارب والجيران المشفقين، هذا يتقدم بالنصيحه، وذاك يسعى بالصلح، وذلك يبذل المال سعيا وراء تقويم مسار الحياة الزوجية ودرءِ مصابها ورتق فتقها، وقلَّمَا تفلح الجهود إذا تفاقمت المشكلة، فتتسع دائرة الخلاف، حتى يهوي في خضَمّها عائلتا الزوجين، فتبدأ القطيعة وتتعمّق جذور الخصام، ويصعب الحلّ مع هذا التمدّد، وتنعدم جدوى الصلح مع تبعثر المشكلة وتزايد أطرافها وأفرادها، ثم تستمر في أطوارها النهائية، حتى تصل إلى المحاكم والقضاء، وبعد ذلك تتعثر الخطى في الرجوع إلى الوراء، فتصبح الأسرة كجنّة أصابها إعصار فيه نار فاحترقت.
أيها الأحبة المسلمون، لننظر كيف جاء الشرع بحلّ هذه المشكلات، وكيف أرشدنا ربنا إلى معالجة ذلك الشقاق والنشوز، فهناك إجراءات مرتبة ومدرَّجة نصّ عليها الرب سبحانه وتعالى: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً [النساء:34].
أتدرون ـ أيها الأحبة ـ أن معدل حالات الطلاق في المملكة بلغ ثلاثين حالة طلاق في اليوم؟! كل ذلك سببه عدم الانضباط بمنهج الشرع، وعدم التدرج في معالجة الأمور. إن خطوات معالجة النشوز ينبغي أن تكون مرتّبة حسب ما أمرنا بذلك ربّ العالمين.
فأولها الموعظة، وهي أول خطوة لكسر النشوز ونبذِه وطرح جموح المرأة، والوعظ فنّ يحتاج إلى صاحب عقل وحكمة، ويختلف باختلاف حال المرأة، فمن النساء من يؤثر فيها التخويف بالله والترغيب في ثوابه، ومنهن من يؤثر فيها تذكيرها بسوء العاقبه وشماتة الأعداء وبقائها بدون زوج، ومنهن من يؤثّر فيها التهديد بمنعها من الرغائب الدنيويه كالثياب والزينة، فالزوج اللبيب هو الذي يختار الموعظة التي تتناسب وحالة زوجته، موضِّحا لها المحاسن والعواقب، حتى تتنازل عن كبريائها ونشوزها.
فإن لم يجد إلى ذلك سبيلا عمد إلى الطريقة التي تليها، وهي الهجر، قال تعالى: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، والمضاجع هي المراقد، فينبغي للزوج في هذه المرحلة أن يولّيها ظهره في المنام، وأن لا يجامعها، فالهجر حركة استعلاء من الرجل على المرأة، يبين لها فيه أنه غنيّ عن إغرائها، وليس محبوسا على ما عندها، والهجر إيماءة على أن منزلتها عنده بدأت تهتزّ، وقيمتها آيلة للسقوط، فالهجر مناورَة نفسيّة تجعل المرأة وهي في الفراش تتظاهر بالنّوم، وتبدو وكأن الأمر لم يؤثّر فيها، وهي في الحقيقة في حساب دقيق مع نفسِها، على أن يكونَ الهجر في البيت وفي الغرفة لقوله : ((لا تهجروا إلا في البيت))؛ ذلك لأن بعض الأزواج ـ هداهم الله ـ إذا صار بينه وبين زوجته شقاق ظن أنّ الهجر أن ينام في البر أو في الاستراحة أو في المجلس، وهذا كلّه سوء فهم لمقاصد الشريعة، ويجب أن لا يشعر أحدٌ بذلك من الأولاد والغرباء، لكي لا تشعر الزوجة بالثورَة لكرامتها، فتزداد بذلك نشوزا ومشاقّة؛ إذ المقصود من الهجر هو الإصلاح وليس الإفساد، وله أن يهجر زوجته بالكلام إذا رأى في ذلك مصلحة، شريطة أن لا يزيد ذلك على ثلاثة أيام لعموم النهي عن ذلك.
ثم إذا لم ير جدوى من الهجر يعمد إلى المرحلة التي تليها، وهي الضرب لقوله تعالى: وَاضْرِبُوهُنَّ، على أن يمارس الضغوط التي هي دون الضرب، فمتى ما قام الإيهام مقامَ الفعل عدل إلى الإيهام بدل الفعل للقاعدة الشرعية، ولما يسببه الضرب من النفرة وإفساد حسن المعاشرة، وقد نهى النبي عن ضرب النساء فقال: ((لا تضربو إماء الله))، فجاء عمر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، ذئرت النساء على أزواجهن، فرخص رسول الله في ضربهن.
والضرب له شروط: أن يكون ضربا غير مبرح، فهو ضرب تأديب وليس تعذيبا، ولا يضرب الوجه لعموم النهي عن ذلك، وأن يكون عشَرة أسواط فأقلّ لقوله : ((لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حدّ من حدود الله)).
هكذا ـ أيها الأحبة ـ علمنا شرعنا كيف تحسم الخلافات الزوجية، فسلوا من تفرّقوا وسلوا من تطلقوا وسلوا من غرّبوا و شرّقوا حينما احتدم الخلاف بينهم: هل عبروا هذه القنوات الربانية والتعاليم القرآنية لحلّ مشكلاتهم؟ هل طبقوا هذه الخطوات حسب ترتيبها؟ فلا ضرب قبل الهجر، ولا هجر قبل الوعظ، بل إن الشقاق والفراق والطلاق جاء نتائج زوبعة اختلط حابلها بنابلها، وتشنج أعصابها ببذيء ألفاظها؛ حتى كان الطلاق والانفصال وتشتّت البنات والعيال.
اللهم إنا نسألك جمع الشمل ولمّ الشعث.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا [النساء:35].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين، وتاب عليّ وعليكم، إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
كم من الأبناء والبنات والفتيان والفتيات، كم من فلذة كبد يتقطع ألما وحسرة، ويتجرع مرارة الحياة، في التنقل بين أمه وأبيه، لا يدري أي بيت هو بيته، وأي كنف هو كنفه، بسبب انفصال الأبوين عن بعضهما.
أيها الأب الفاضل، يا من فرقت بينك وبين زوجتك نزوة سابحة وثورة جامحة، أما آن لك أن تكسر حواجز الشموخ والكبرياء؟! فإن الشيطان دلَّى أبويك بغرور، فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة.
إن لك أطفالا وزوجة ينتظرونك على أحرّ من الجمر، لو أن صاحب سيارة تعطّلت سيارته في الطريق وعليها أغراضه ومتاعه، ثم ساح في الأرض وتركها ولم يعد إليها ويصلحها، ماذا تقول عنه أنت؟ ألست تتهم عقله؟! فكيف بك أنت تترك عائلتك وأطفالك، ولم تحاول أن تصلح ما فسد وترتق ما انفتق؟!
أيها الأب الكريم، عد إلى عقلك، وثب إلى رشدك، وفّقك الله وهداك، واعلم أن المسلم هيّن ليّن، وتنازلك عن حقوقك الشخصية في سبيل قلوب تتفطّر وأفئدة تتقطّع في سبيل أولادك لهو غاية الفخر ومنتهى التضحية، لا يقف الشيطان بينك وبين الإصلاح، فهو خير النجوى، قال ربكم سبحانه وتعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، فإن من فعل ذلك فهو كمن يجبر الكسور ويضمد الجروح، فهو يسعى في جروح جسد الأمة حتى تلتئم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين.
ـــــــــــــــــــ(68/316)
إصلاح ذات البين
...
...
4762
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
...
...
أمراض القلوب, فضائل الأعمال, قضايا المجتمع
...
خالد بن عبد الله الجبير
...
...
المجمعة
...
30/10/1426
...
...
إبراهيم التويجري
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- فضل جيل الصحابة رضي الله عنهم. 2- أضرار آفة الحسد والبغضاء. 3- من أسباب انتشار المحبة بين الناس. 4- فضل إصلاح ذات البين. 5- مراتب إصلاح ذات البين.
الخطبة الأولى
وبعد: عباد الله، أوصيكم ونفسي بوصية الله أن اتقوا الله وأطيعوه، احفظوا حدوده، وتقيدوا بأوامره ونواهيه، ففي ذلك راحة النفس وتيسّر أسباب الرزق وارتفاع المنازل في جنات عدن إلى مقاعد الصدق عند المليك المقتدر، تذكروا في كل شأنكم قوله جل وعلا: وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:52-55]. فكل شيء مسجّل ومثبت، والمتقون هم وحدهم الناجون الفائزون، فلنعمل ـ وفقني الله وإياكم ـ للفوز بالنجاة من النار وبالمنازل العالية في جنات عدن.
عباد الله، يحدثنا التاريخ بكل فخر عن خير جيل عرفته البشرية، جيل تربى على يد خير البشرية محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، فكان جيلا تميز بكرامة الخلق وسخاء النفس، وبالترفع عن كل دنية، وبالنظر دوما لمعالي الأمور، وبالبحث عما ينقي النفوس من الضغائن ويجمع القلوب ويوحد الكلمة. هذا الجيل هو الجيل الفاضل من بين أجيال البشرية جميعا، ويستبعد تكراره مرة أخرى، وهذا الجيل الذي بلغ عالي المنزلة ورفيع الدرجة، وبُشر أكثرهم بالجنة وبرضا الرحمن، يخاطبهم مربيهم ونبيهم بخطاب فيه التحذير وفيه التنبيه على أمر مكروه نزل بهم ووصل إلى بعضهم وهم الفضلاء، وفيه توجيه نحو الخلاص مما حل ونزل، ولأنه كان نزل بهم وهم الفضلاء فلأن ينزل بمن بعدهم أولى، ولأن تخاطب الأجيال من بعدهم بهذا الخطاب أولى وأجدر، ووقفتنا اليوم مع هذا الخطاب وما فيه من تحذير وتوجيه.
روى الأئمة الترمذي وأحمد وأبو داود ومالك عن الزُّبَيْرِ بْن الْعَوَّامِ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: ((دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا. أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ)).
فلنتعرف لداء الأمم، ولماذا لم يقل عليه الصلاة والسلام: داء الأفراد، أو لم يقل: الداء وسكت. لقد أراد أن يبين أن مصيبة الأمم وتفرق جمعها وزوال أثرها إنما هو بهذا الداء، وإذا زالت الأمة فأين سيكون موقع الأفراد؟! فالفرد بلا جماعة إنما هو كالشاة الضعيفة المستسلمة بين أيدي الذئاب، تنهشها وتمزقها ولا يحق لها سوى صراخ الألم؛ لذا كان التنبيه على أن الداء الذي بدأ يدب إنما هو داء يفتك بالأمة ومن فيها، إنه الحسد والبغضاء، وهما داءان مقترنان متفقان، مقترنان في النشوء والظهور، ومتفقان في الهدف والنتيجة؛ فالحسد كراهية للخير الذي ينزل بالآخرين، والبغضاء كراهية للآخرين أنفسهم.
وتأمل قوله عليه الصلاة والسلام: ((وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ)). إن البغض والكراهية إن استفحلا في النفوس وسيطرا على العقول والقلوب أزالا الدين من النفوس؛ لأنها ستدفع ـ أي: الكراهية والبغضاء ـ ستدفع صاحبها إلى كل محرم أمكن فعله تجاه المكروه والمبغض، فلا توّرعَ معهما عن غيبة ولا نميمة، ولا توّرع عن كذب ولا افتراء، ومعهما تهويل للخطأ وحكم على النوايا وعزم على حجب كل فضيلة وحسنة لدى ذلك المبغَض والمكروه. وأي دين يبقى لمن كانت هذه صفاته وأخلاقه؟! وأي مجتمع يبقى قويا متماسكا وبعضه يشتم بعضا ويلعن بعضه بعضا؟!
النتيجة الحتمية للحسد والبغضاء هي الفرقة والتنافر والعداء والسعي للإضرار بالبعض، وهكذا تتفكك الأمم وتنتحر الشعوب، ومن هنا يظهر الشيطان وحزبه ليحكموا سيطرتهم على كل شؤون الحياة، وإذا سيطر الشيطان وحزبه فهل سيبقى من يحمي الدين وينافح عن أحكامه؟! وهل سينادى بتطبيق أسسه ومبادئه؟! روى الأئمة مسلم وأحمد والترمذي وغيرهم عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ))، وفي رواية عند مسلم وأحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ رَضِيَ مِنْكُمْ بِمَا تَحْقِرُونَ)). هذه هي خطوات الشيطان لنشر داء الأمم بين أمتنا، يحرش بين الناس ويثير الفتن ويهول الأمور، حتى يجعل عظيما ما ليس بعظيم، ويرضى بما نحتقر من العمل كغيبة ونشر خبر أو حكاية مدسوسة بدون تثبت وبدون إدراك للعواقب، فتكون النتيجة حلقا للدين وضياعا لأحكامه ومبادئه واقترانا مع الشيطان وحزبه في الدنيا والآخرة عياذا بالله تعالى.
ولعل فيما يكتب وينشر في مواقع الإنترنت من أحاديث وتُهَم حول أشخاص وقضايا بلا حساب ولا معرفة للناقل لدليلا على أن داء الأمم قد نزل بالمجتمع، ودليلا على أن بوادره قد بدأت بالظهور، فهذا يشتم ويتهم ثم يفتح الباب لغيره ليشتم آخر بعيد عن القضية المتحدث بها، ويتَّهَم بالباطل أناس كذبا وزورا، ثم يتهافت الناس لتناقل التهم ونشر فضائح رجال كانت مستترة، فتختلف القلوب عليهم وتتغير ناحيتهم، فيتفرق المجتمع ويتحزب الناس، وتكال التهم وتحاك الخطط للإضرار بالآخرين، وهنا تكون البغضاء قد حالت بين المسلمين وبين جنة ربهم؛ لأن سبيل الجنة قد انقطع ألا وهو المحبة، قال : ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا)). وهل غايتنا إلا دخول الجنة؟! وهل لنا مطمع من حياتنا هذه أكبر من الجنة؟! فلماذا نقطع أسبابها؟! ولماذا نحول بيننا وبين التمتع بها؟! لنعمد لما يزيل البغضاء، ولنعمد لما يحقق المحبة والإخاء في النفوس، قال : ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ)).
هنا توجيه نبوي كريم لقطع الطريق على انتشار البغضاء ولفتح الطرق موسعة نحو المحبة والإخاء، إفشاء السلام هو السبيل الميسر الموسع السهل الذي لا يمتنع، وفي الأمر بإفشاء السلام إشارة إلى وجوب اللقاء والحوار بين المتخاصمين. كم من ضغينة وكراهية تولدت في النفوس زالت بمجرد اللقاء والسلام، وهنا ندرك مراد النبي حينما قَالَ: ((لا تَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ)). نسمع كلمة عابرة قد تكون مقصودة أو غير مقصودة فنحوّر مراد صاحبها وفق ما تمليه علينا ظنوننا وتصوراتنا، فتسيطر النفس الأمارة بالسوء لتكبر الكراهية والبغضاء في النفوس، فما يلبث اللقاء وتبادل الأحاديث الودية أن يصفي النفوس ويزيل الشوائب، حتى ولو كان الحديث في غير القضية المعنية، وإن كان الحوار حول قضية الخلاف فهو أجدر وأولى بتصفية القلوب وتنقية السرائر.
ومن الخطأ في مفهوم الحوار أن يظن كل طرف أن الحوار معناه اقتناع ورضا الآخر بالقرار والموقف الذي حدث، وهذا لن يكون أبدا. إن المراد من الحوار هو بالدرجة الأولى تفهم كلّ لوجهة نظر ودوافع صاحبه، فإذا فهمت وجهة النظر زالت دوافع البغضاء وانتشرت المحبة والإخاء، وقوي المجتمع وحُكِّم الدين في كل الشأن، فعز المسلمون ونصر الإسلام، وفتحت أبواب الجنان للجميع يتسابقون إليها ويتنافسون فيها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه، وسائر من اهتدى بهديه واقتفى أثره وسلم تسليما كثيرا.
وبعد: عباد الله، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ؟)) قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ((صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ))، وفي رواية قَالَ: ((هِيَ الْحَالِقَةُ، لا أَقُولُ: تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ)).
وليس المقصود بصلاح ذات البين الإصلاح بين المتخاصمين كما قد يفهم، بل هذا منزلة تلي المنزلة المقصودة، إذ صلاح ذات البين يراد به صلاح النفس وسلامتها تجاه إخوانها، روى أحمد عن أَنَسُ بْن مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: ((يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ))، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لاحَيْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنْ لا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاثَ فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ، حَتَّى يَقُومَ لِصَلاةِ الْفَجْرِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلاّ خَيْرًا، فَلَمَّا مَضَتْ الثَّلاثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلا هَجْرٌ ثَمَّ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ لَكَ ثَلاثَ مِرَارٍ: ((يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ))، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ؟! فَقَالَ: مَا هُوَ إِلاّ مَا رَأَيْتَ. قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي فَقَالَ: مَا هُوَ إِلاّ مَا رَأَيْتَ غَيْرَ أَنِّي لا أَجِدُ فِي نَفْسِي لأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتِي لا نُطِيقُ.
تأمل فهذا صلاح ذات البين، وهذا خير وأفضل من كثير من نوافل الصلاة والصيام والصدقة، إنها فقط أن لا تجد في نفسك على أحد من المسلمين شيئا، وأن لا تحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه. ما نزع عنك من مسؤوليات فافرح به ولا تغضب لأجله، فهو أمانة رفعَت عنك، قد تتألم يوما ما لأجل تحمّلها، وإن تحقق ذلك في نفسك فأنت خير من كثير من المسلمين.
والمنزلة الفاضلة التي تلي هذه المنزلة هي السعي للإصلاح بين المسلمين، إذ هو عمل عظيم جليل، لأجله أباح الله ارتكاب خُلقٍ ذميم يكرهه سبحانه ألا وهو الكذب، عن أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْت عُقْبَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ((لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا)).
والإصلاح بين المتخاصمين هو هم وخلق النبي ، وبهذا تواترت الأحاديث عنه عليه الصلاة والسلام وعن صحابته الغر الميامين، وهي أشهر من أن تذكر، فجميل بالمسلم أن يكون له شيء من هذا الخلق وهذا الهم، وأما إن احتد الخلاف وتعذر الإصلاح فقد روى الإمام أحمد عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي اخْتِلافٌ أَوْ أَمْرٌ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ السِّلْمَ فَافْعَلْ)). ولنتذكر دوما قوله : ((تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاّ رَجُلا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا)) رواه مالك.
وأيضا لنتذكر دوما إن كنا نريد الحفاظ على ديننا وأملنا في الوصول إلى جنة ربنا، لنتذكر قوله عليه الصلاة والسلام: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ رَضِيَ مِنْكُمْ بِمَا تَحْقِرُونَ)). فلا تحتقر غيبة ولا نميمة، ولا تتهاون في شتيمة ولا نقيصة، ولن يضرك من ضلّ إذا اهتديت. وأيضا اعلم أنك لست على حق مطلقا، وليس مخالفوك على باطل مطلقا، بل لكل وجهة نظر ومنطلق شرعي يحكم أقواله وأفعاله.
حمانا الله وإياكم من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، ورزقنا وإياكم صلاح ذات البين، ووفقنا جميع للإصلاح وجمع القلوب على الحق، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ثم صلوا وسلموا على خير البرية..
ـــــــــــــــــــ(68/317)
أهمية الوقت
...
...
4764
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب, موضوعات عامة
...
...
اغتنام الأوقات, الأبناء, السياحة والسفر
...
صالح الجبري
...
...
الطائف
...
...
...
جامع الحمودي
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- أهمية الوقت. 2- وصية للذين يقتلون أوقاتهم. 3- مسؤولية الآباء في رعاية الأبناء. 4- حكم السفر إلى بلاد الكفار. 5- مضار السفر لبلاد الكفار. 6- اقتراحات تفيد في اغتنام الوقت في العطلة الصيفية.
الخطبة الأولى
عباد الله، إن الوقت هو الحياة، وبما أنه هو الحياة فمعرفة أهميته يعنى معرفة قيمة الحياة، ومن لم يعرف أهمية الوقت عاش ميتًا وأن كان يتنفس على وجه الأرض، وهذا سر قول المجرمين عند سؤالهم: قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ [المؤمنون:112، 113]. والملاحظ أن إجابتهم هنا توحي بأنهم لم يعيشوا إلا يوما أو بعض يوم، ولكن لأنهم لم يعرفوا أهمية وقتهم ولم يغتنموه فيما ينفع ويفيد فلذلك لم يبارك الله في حياتهم رغم أنهم عاشوا في حقيقة الأمر أربعين أو ستين أو ثمانين أو أكثر أو أقل.
وقد بين الله سبحانه وتعالى أهمية الوقت في القرآن في أكثر من موضع، منها قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62]، أي: جعل الليل يخلف النهار والنهار يخلف الليل، فمن فاته عمل في أحدهما حاول أن يتداركه في الوقت الأخر.
ولأهمية الوقت أقسم الله تعالى بأجزاء عديدة منه مثل الليل والنهار، فقال تعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى [الليل:1، 2]، وقال: وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:1، 2]، وقال: وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:1، 2]. ومن المعروف أن الله إذا أقسم بشيء من خلقه فذلك ليلفت أنظار الناس إليه وإلى أهميته.
أما في السنة فقد بين أهمية الوقت عندما قال لرجل وهو يعظه: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك)) رواه أحمد والنسائي عن عمرو بن ميمون، وهو في صحيح الجامع.
أيها المسلمون، الوقت سريع الانقضاء، فهو يمر مر السحاب، وما مضى فإنه لا يعود أبدًا، وهذا ما عبر عنه الحسن البصري بقوله: "ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا بن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة"؛ لهذا كان واجبًا على كل مسلم أن يحافظ على وقته، وأن يحرص على الاستفادة منه فيما ينفعه في دنياه وأخراه.
وقد كان سلفنا الصالح أحرص ما يكونون على أوقاتهم لمعرفتهم بأهميتها، قال ابن مسعود : (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلى ولم يزد فيه عملي)، وقال أحد السلف: "من أمضى يومًا من عمره في غير حق قضاه أو فرض أداه أو مجد ورثه أو حمد حصله أو خير أسسه أو علم اقتبسه فقد عق يومه وظلم نفسه".
هكذا كان حرصهم على الوقت، وليس كما نحن الآن من إضاعة للأوقات إلى حد التبذير والإسراف، وحتى صرنا نرى الكثير من الناس رجالا أو نساء يقضون الساعات الطويلة في الليل والنهار في اللهو واللعب حرامًا كان أو حلالاً، غير مبالين، لاهين عن ذكر الله وعن الصلاة وعن واجبات الدين والدنيا، ولو سألتهم عن حالهم قالوا لك سريعًا: نريد أن نقتل الوقت. وما درى هؤلاء أن من قتل وقته فقد قتل في الحقيقة نفسه، ولكن الكثير في غفلة وشرود.
عباد الله، ونستطيع أن نتبين هذا من أوضاع الناس خاصة في هذه الأيام التي بدأت فيها العطلة الصيفية، فالكثير يقضى العطلة في اللهو واللعب وترك الواجبات وفعل المحرمات المنكرات، وخاصة الشباب والأولاد؛ فما أن تبدأ العطلة حتى تراهم في كل وادي يهيمون، وبدون أي مراقبة أو محاسبة. والذي يستغرب له هو هذه البلادة واللامبالاة من جانب الآباء والأمهات، فلا ندرى ما يفعل تجاه أبنائهم لما يرونهم طوال اليوم في الشوارع والأزقة، يسمعونهم وهم يسبون الدين ويلعنون الآباء والأمهات والعورات فلا يتحركون! يعرفون أو لا يعرفون بأنهم لا يدخلون منازلهم إلا في أنصاف الليالي فلا يهتمون، يرونهم نائمين غافلين عن الصلاة والعبادة فلا يكترثون، بل لا يعلمون إلى أين يذهبون ومن يصاحبون ومن يصادقون، وإذا تنبهوا لهم فإنهم يتسلطون عليهم في منعهم من اللعب والانطلاق، فيأمرون بأن يلزموا المنازل ويتركونهم للأم المسكينة، فهم حولها طوال النهار يخربون ويكسرون، فتضطر الأم مع غضبها عليهم إلى دفعهم إلى الشارع، فيجتمعون فيه مع أولاد الجيران، فيصيحون ويتضاربون ويزعجون المرضى ويوقظون النائم، ثم لا يعودون إلى المنزل إلا بثياب قذرة ومقطعة، وربما عاد أحدهم إلى منزله مجروحا من حجر طائر أو مكسورا من سيارة مسرعة أو ضحية لتفحيط شرير من الأشرار، ثم إذا حدثت الكارثة ووقع الشاب وانحرف من كثرة وجوده بالشارع واحتكاكه مع الأشرار ترى الوالد والوالدة يصيحون: نحن لم نقصر في حقه، نحن وفرنا له الغذاء والكساء وكل متطلبات الحياة، لقد أفسده أولاد فلان. أولاد فلان ـ والله ـ ما أفسده إلا أنتم، هل تظنون أنكم إذا وفرتم لهم بعض الملابس والمأكولات والمشروبات، هل تظنون أنكم قمتم بحقهم؟! ماذا قدمتم لعقولهم ولأرواحهم؟! هل أمرتموهم بمعروف؟! هل نهيتموهم عن منكر؟! هل علمتوهم صلاة الجماعة وفضائل الأخلاق؟! أين أنتم من حديث الرسول : ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها)) أخرجه البخاري؟!
لكن كثيرا من الآباء والأمهات في هذا الزمن لا يعرفون معنى التربية الحقيقية للأولاد ويجهلونها، لذا كثرت الانحرافات بين الأولاد، وصار أكثرهم بين ضائع وجاهل، ولن يصلح حالهم إلا إذا عرف الآباء المسؤولية وقاموا بدورهم كما أمرهم الله.
وهناك من يستغل فرصة العطلة للسفر للخارج، وهذه من أخطر الأمور التي تواجه الناس اليوم، وكم حذر المصلحون وكم صرخوا، ولكن لم يستجب إلا القليل.
إن السفر ـ يا إخوة الإسلام ـ إذا لم يكن لضرورة كطلب علم أو تجارة أو علاج أو دعوة فهو لا يجوز أبدًا، وخاصة إذا كان السفر لبلاد الكفر؛ وذلك لأن الرسول قال: ((أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين)) أخرجه أبو داود والترمذي. ثم إن الملاحظ أن غالبية الذين يسافرون إلى الخارج لا يذهبون إلا من أجل الشهوة فقط، وادعاء البعض أنهم إنما يسافرون لرؤية الطبيعة الخلابة وزيارة المتاحف والآثار إنما مبرر ألقاه الشيطان في نفوسهم لتبرير تصرفاتهم المخجلة، والتي لا يقصدون منها إلا قضاء الشهوة فقط، ومن أجل هذه الشهوة يتنازلون عن دينهم وشرفهم ومالهم، ويرتكبون الذنوب بحق أنفسهم، ويدعمون بمالهم أهل الدعارة والفجور، حتى إن مجلة الدعوة السعودية ذكرت أن عدد المسافرين إلى الخارج يصل في العام إلى مليون مسافر. إذا كان معدل الصرف لكل منهم هو 10 آلاف ريال مثلاً مع أن البعض منهم قد يصرف مائة ألف ريال في ليلة واحدة ولا يبالي، فإن معنى ذلك أن السفر يتسبب في ضياع 10 آلاف مليون ريال سنويًا. فهل هذه تصرفات أناس عقلاء؟! لو كان أمثال هؤلاء يفقهون قول النبي : ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع)) وذكر منها: ((وعن ماله: من أين أكتسبه؟ وفيم أنفقه؟)). لو كانوا يفقهون هذا الكلام هل كانوا يتصرفون بهذا الشكل؟! ثم أتراهم يعلمون بأن تصرفاتهم أثناء سفرهم قد شوهت الإسلام في نظر العالم، وأنه بسببهم فقد أخذ العالم صورة سيئة عن الإسلام، وأنهم قد أسكتوا الجميع عن تقديم أي اعتذار أو تبرير لتصرفاتهم المخجلة؟!
ذكر أحد الدعاة أنه في إحدى سفرياته للدعوة رأى نفرًا يقيمون في أحد الفنادق، يقول: وخيل إلي من ملامحهم أنهم أجانب، لكني عرفت بعد زمان أن هذا مسلم وهذا نصراني وهذا شيوعي. ويقول: ما يوجد شيء يميز أحدهم عن الآخر، ولو بقوا سنين ما عرفت إلى أين ينتمون. إن الملحد يتعصب لمبدئه ويتحدث عن الألوهية بسوء، ومن هنا عرفت أنه ملحد. وأما النصراني فهو يحترم الأحد ويشرب الخمر ويرقص في عيد الميلاد، وبذلك عرفت أنه نصراني. أما المسلم المزعوم فهو كالدابة المستأجرة؛ تارة مع هذا وتارة مع هذا، ولا يدري عن أوامر دينه شيئًا، وحاله كقوله : ((مثل المنافقين كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة، لا تدري أيهما تتبع)) أخرجه مسلم. فهل يحسب هذا المخلوق من المسلمين؟!
إخوة الإسلام، إن هذا وأمثاله هم الذين شوّهوا الإسلام في نظر العالم، لماذا؟ لأن علاقتهم بالإسلام علاقة مذبذبة؛ فهم قد يصلون هنا ولكنهم في الخارج يتركون الصلاة، وقد يحجّبون نساءهم هنا ولكنهم في الخارج بلا حجاب وبلا أدب وبلا حياء، وكما قال تعالى: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ [النساء:143].
إن على هؤلاء أن يعلموا أنهم لن يفلتوا من عقاب الله إلا إذا تابوا وأصلحوا؛ لهذا نقول لهم: يا من تضيع دينك ووقتك ومالك في السفر وارتكاب المحرمات، ستسأل عن كل ريال صرفته. أولادك الذين تركتهم سيتعلّقون برقبتك يوم القيامة، ويطلبون من الله أن ينتقم لهم منك. زوجتك الشريفة الطاهرة التي تركتها هنا وذهبت هناك لتجري وراء البغايا والمومسات، زوجتك هذه ستأخذ حقها منك يوم القيامة، وسترى ماذا ستقول لها. وتذكَّر أن لذة المعصية قد ذهبت ولكن بقي عقابها، وإن كنت نسيت هذا فالله يحصى كل شيء كما قال تعالى: أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة:6].
عبد الله، تذكّر أنك مسؤول عمّن لاقيته وتعاملتَ معه من غير المسلمين، العاملون في الفندق الذي تسكن فيه، المومس التي يحضرها إليك، حتى سائق التاكسي الذي ينتقل بك بين البارات والملاهي، كل هؤلاء سيتعلقون بك يوم القيامة ويقولون: يا رب، هذا كان يدّعي الإسلام ولكن ما عرفناه إلاّ سكيرا وعربيدا وزانيا وكاذبا، فظننا أن هذا الإسلام. وسيقولون: هذا وأمثاله هم الذين دخلنا بسببهم النار، ولن نرضى حتى يدخلوا معنا. ووقتها كيف سيكون جوابك؟! وكيف سترد عليهم؟! وماذا ستقول لرب العزة والجلال بعد أن قضيت حياتك في ارتكاب المحرمات والمعاصي؟! ماذا ستقول؟! لا حول ولا قوة إلا بالله، وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ [الأحقاف:20].
اللهم إنّا نعوذ بك من حال أهل النار أو نكون منهم.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، قد يقول قائل: أنت ذكرتَ لنا المشاكل، ولكن ماذا عن الحلول؟ ماذا عن الحلّ؟
فنقول: إن الإسلام دين واقعي، وهو لا يعامل الناس على أنهم ملائكة، لكنه يعاملهم كبشر يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ولكنه في نفس الوقت وضح لهم أهمية الانتفاع بالوقت، وأتاح لهم مجالات عديدة ليستفيدوا من هذا الوقت في دنياهم وأخراهم، وإذا أردنا الدخول في التفاصيل فنقول:
أولاً: بالنسبة للأولاد المفروض أن يشتغلوا بالأعمال المفيدة، وأن يتعودوا على اكتساب المال. في الخارج مثلاً يدرّبون الطلبة في الصيف على أعمال كثيرة تصِل إلى بيع الصحف. وللعلم فإن نسبة كبيرة من ألعاب الأطفال القادمة من جنوب شرق آسيا هي مصنوعة بأيدي أطفال يستغلون في أوقات فراغهم، ولا يرون في ذلك عيبًا كما نراه نحن الآن.
ثانيًا: على الأب أن يفكر، فإذا كان ولده قد أخفق في الامتحان وعليه إعادة فأول ما يجب عليه أن يجعله يراجع دروسه ويستعدّ لامتحانه، وإذا حرم العطلة فهذا ذنبه وعليه أن يتحمل مسؤولية خطئه.
ثالثًا: فإذا كان ناحجًا فإن عليه أن يعلمه البيع والشراء إن كان لديه دكان، أو يعمل له بسطة صغيرة، أو يحضر له بعض الألعاب داخل المنزل إذا كان فيه فناء، وإذا عدم الفناء فعلى الأب أن يخصص غرفة لذلك فهذا مهم جدا. وإذا استطاع أن يحضر له الجهاز المسمى بالكمبيوتر؛ لأنه جهاز المستقبل وسيستخدم في كل شيء، وفيه فوائد للأولاد والبنات.
رابعًا: فإذا لم يتمكن فعلى الأب أن يسجل أولاده بأحد المراكز الصيفية المنتشرة في أنحاء المملكة، وهي موضوعة ـ والحمد لله ـ تحت إشراف مجموعة من خيرة الرجال، فيتعلم فيها الأولاد كل شيء مفيد، فإذا كان لديهم هواية في النجارة أو الكهرباء أو الرسم أو غير ذلك فسيتمكنون من تنمية هواياتهم في هذه المراكز. أيضا فيها الأنشطة الثقافية من دروس ومحاضرات ومواعظ، وفيها الأنشطة الرياضية، وفيها الرحلات والمعسكرات.
خامسًا: ويتبقى للوالد أن يسجّل الولد في جمعيات تحفيظ القرآن طوال أيام السنة، فهذه من أفضل الأمور التي تعين على إصلاح الأولاد واستقامتهم، مصداقًا لقوله : ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) أخرجه البخاري.
عباد الله، هذه بعض حلول يمكننا الاستفادة منها في قضاء الوقت، وأرجو أن تكون واضحة لديكم جميعا. ولا يفوتني أن أكرر عليكم أن تحفظوا أوقاتكم عامة وعطلتكم هذه خاصة، وإذا أردتم السفر فيمكن لكم أن تسافروا داخل المملكة، خاصة وأن الكثير من الناس لم يسبق لهم زيارة الكثير من المدن والقرى في المملكة، بينما يجولون بلاد الكفر طولا وعرضا.
وعليكم بملاحظة أولادكم، الله الله في أولادكم، وتذكروا أنهم أمانة في أعناقكم، ويجب عليكم الوفاء بحق هذه الأمانة حتى تكونوا من الذين حكى الله عنهم فقال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:32]، وتذكروا قوله : ((والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته))، واحذروا أن تكونوا من المفرطين، وإذا فرط الرجل في هذه الرعية فهو داخل في قوله : ((ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة)). فهل ننتبه ونستيقظ؟! نرجو ذلك ونتمناه، وفقنا الله لما يحبه ويرضاه.
ـــــــــــــــــــ(68/318)
أين الأخوة الإيمانية؟!
...
...
4806
...
الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد
...
...
المسلمون في العالم, قضايا المجتمع
...
عكرمة بن سعيد صبري
...
...
القدس
...
7/4/1427
...
...
المسجد الأقصى
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- المفهوم الصحيح للأخوة الإسلامية. 2- وقفات مع حديث النبي : ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره)) 3- وصية لملاك المنازل ومستأجريها. 4- وقفات مع الشأن والواقع الفلسطيني.
الخطبة الأولى
أما بعد: فيقول رسولنا الأكرم محمد في حديث مطول: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هنا ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه)).
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، ليست الأخوة في الإسلام شعارات استهلاكية، ولا نظريات خيالية، ولا عبارات كلامية، وإنما هي أخوة إسلامية تقوم على الإيمان والعمل، فتكون الأخوة صادقةً وعميقة وصافية بمقدار صدق الإيمان وعمقه وصفائه، وتنتفي هذه الأخوة أو تضعف بانتفاء الإيمان أو ضعفه، كما أن الأخوة تقوم على العمل.
إن تطبيق هذه الأخوة يتبلور بالتعامل فيما بين الناس، وبخاصة حين الشدائد والأزمات، كما هو الوضع الحالي لشعبنا الفلسطيني المرابط، والذي يحاصَر الآن من قبل أعداء الإسلام والمسلمين. فأين المسلمون في أركان المعمورة؟! وأين المصارف والبنوك العربية والمحليّة والتي تزعم أنها تساهم في دعم الاقتصاد الوطني؟!
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إن الشدائد والأزمات تكشف المعادن وتفضح المستور، وتميز الطيب من الخبيث والصادق من الكاذب. أين الذين يرجحون المصالح العامة على المصالح الخاصة؟! ما بال الأحزاب والفصائل لا تتكلم إزاء محاصرة أمريكا وأوروبا وإسرائيل للشعب الفلسطيني؟! ثم هل يجوز للمسلم أن يشتم أخاه المسلم؟! الله سبحانه وتعالى يقول: أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [التوبة:13]. فالإيمان هو الضابط لخشية الله، وهذا يعني أن الذي يخشى الدول الكبرى أو يرضخ لمطالبهم الظالمة التعسّفية أو يكون مسرورا لهذه المطالب ولا يخشى الله عز وجل لا يكون مؤمنا حقا. وحينما نذكر الأخوة إنما نعني الأخوة الإيمانية أي: التي تقوم على الإيمان.
أيها المسلمون، يا أهل الإيمان في كل مكان، في هذا الحديث النبوي الشريف يعلن فيه رسولنا الأكرم محمد دون لبس أو غموض بأن المسلم أخو المسلم أحبَّ أم كره، وجاء النص عامًّا لتشمل الأخوة جميع المسلمين في جميع أرجاء المعمورة، وفي جميع الأوقات حتى قيام الساعة. وأشار الحديث النبوي الشريف بأن من مستلزمات الأخوة أن لا يحصل بينهم ظلم ولا خذلان ولا تحقير، فنهى عليه الصلاة والسلام عن هذه الأمور.
((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره))، فظلم المسلم لأخيه المسلم لا يجوز شرعا بأي حال من الأحوال، وهذا هو الأصل، كما أن خذلان المسلم لأخيه المسلم لا يجوز شرعًا بأي حال من الأحوال. فكيف يتخلى المسلم عن نصرة أخيه؟! فهل يكون مسلما؟! كما أن تحقير المسلم لأخيه المسلم لا يجوز شرعا بأي حال من الأحوال.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، ماذا نرى في مجتمعنا؟ نرى صورا وأشكالا لظلم بعضنا بعضًا، بالإضافة إلى ظلم الاحتلال لنا، ورحم الله الشاعر بقوله:
كلما أنبت الزمان قناة ركب المرء في القناة سِنانا
أي: يزيد ظلما على ظلم وعدوانا على عدوان.
وأكتفي هنا بالتعرض إلى صورة واحدة فقط بشأن إيجارات البيوت والعلاقة بين المستأجر والمؤجر، والتي هي الآن علاقات متوترة واستفزازية وابتزازية؛ بحجة وجود أزمة في البيوت، أو لتزايد عدد المواطنين، ولعودة معظمهم من ضواحي القدس للسكن في حدود مدينة القدس، ولعدم منح رخص بناء من قبل سلطات الاحتلال، كل ذلك أدى إلى ارتفاع في أجرة البيوت، ثم إن صاحب البيت يرفض أن يؤجر عائلة فيها أولاد، وإنما يشترط على المستأجر أن يكون عريسا دون أولاد، كما يشترط دفع الأجرة المالية بالدولار، هذه الأجرة التي توازي راتب الموظف الغلبان أو تزيد عن راتبه أحيانا، فكيف يعيش هذا الإنسان؟! ومن أين يؤمّن قوت عياله ومعالجة أطفاله؟! وحينما يخرجه صاحب البيت أين سيذهب؟! إنه لا يجد أحدا يؤجر له؛ لأن المستأجر الذي كان عريسا أصبح له أولاد، ومعنى هذا أنه سيقذف به وعائلته وأطفاله إلى الشارع. أليس هذا عين الظلم يا مسلمون؟! فأين الرحمة؟! وأين التكاتف؟! وأين التكافل؟! وأين التضامن الذي دعا إليه ديننا الإسلامي العظيم؟! ألم تسمع ـ أيها المالك ـ بقول رسولنا الأكرم محمد : ((ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة))؟! معنى هذا أن من يفضح أخاه المسلم زورا وبهتانا فإن الله يفضحه في الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون، لا بد من الإشارة إلى أن الإجارات القديمة للبيوت والدكاكين هي زهيدة جدا، وأن المالك مظلوم فيها من قبل المستأجر، فكما أننا نطالب المالك في الإجارات الجديدة أن يرحم المستأجر، فإننا نطالب المستأجر أن يرحم المالك في الإجارات القديمة، والراحمون يرحمهم الرحمن.
لا يجوز أن يقع الظلم فيما بيننا، سواء من المالك أو من المستأجر. وإن الغرفة التجارية في القدس قد شكلت لجنة للنظر في أي إشكال يمكن أن يقع بين المؤجر والمستأجر؛ ليكون الحل بالتراضي والمحبة دون اللجوء إلى المحاكم. وتحية إكبار واحترام للمالكين الذين يبدون تعاطفا وتراحما مع المستأجرين، وجزاهم الله خيرا.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، ألقي على مسامعكم آيات كريمة تثني على المهاجرين والأنصار، فيقول عز وجل في سورة الأنفال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:74]. نعم، إن المهاجرين والأنصار هم المؤمنون حقا. ويقول سبحانه وتعالى في سورة الحشر: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:8، 9]. فقد وصف الله عز وجل في هاتين الآيتين المهاجرين بالصدق، ووصف سبحانه الأنصار بالفلاحة في الدنيا والآخرة، فأين نحن من إيمان المهاجرين والأنصار؟! وأين نحن من أخلاقهم السامية والرفيعة؟!
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، أيها الشعب الفلسطيني المرابط، أيها الشعب الفلسطيني خارج وطنه، من على منبر المسجد الأقصى المبارك أوجه لكم ندائي هذا بأن تحافظوا على إيمانكم، وأن تتمسكوا بوحدتكم التي عهدناها فيكم، وأن تشدّوا على البطون لتتحدوا الحصار ولتكسروه، فالنصر صبر ساعة، ولتثبتوا للقاصي والداني وللعالم أجمع أنكم شعب له كرامته وعزته، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8]. وإنكم ـ يا إخوتي ـ مرابطون، لا ركوع إلا لله العزيز القهار، ولا استسلام إلا لحكم الله رب العالمين العالي المتعال، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ [الزمر:21]، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37]، وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55]، فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى [الأعلى:9]. صدق الله العظيم.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، أيها المصلون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، خلال هذا الأسبوع أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي أمرا بإغلاق جميع المنافذ حول مدينة القدس بالأسلاك الشائكة ريثما يتم استكمال بناء الجدار العنصري حول هذه المدينة التي يطلقون عليها مدينة السلام؛ بحيث تعزل مدينة القدس عن سائر المناطق وتحاصر اقتصاديًا وصحيًا وعلميًا واجتماعيًا وعائليًا وإنسانيًا.
أيها المسلمون، مما لا يخفى أن هذه الإجراءات التعسفية تهدف إلى تهويد المدينة من حيث محاصرتها وعزلها، بالإضافة إلى التخطيط من الناحية السكانية الديمغرافية بزيادة عدد اليهود في مدينة القدس، وبالمقابل تقليل عدد العرب فيها، ثم بعد ذلك يرفعون شعار السلام لخداع العالم! وأي سلام بعد تمزيق البلاد وتشتيت العباد؟! وأي سلام حينما لا تعود مدينة القدس إلى أصحابها الشرعيين؟!
إن الهدف من هذه الإجراءات هو فرض تسويات ظالمة والاستسلام للأمر الواقع المرير، ثم على أي شيء سيتم التفاوض؟! وأين ذهبت ما تسمى خارطة الطريق وقد تاهت فيها الطريق؟! فهل بقيت أراض في الضفة الغربية حتى تجري بشأنها المفاوضات؟! لقد نهبت واغتصبت مئات الآلاف من الدونمات من أجل إقامة المستعمرات وشق الطرق الالتفافية وبناء الجدار العنصري العازل عليها.
أيها المسلمون، علينا أن نكون صرحاء مع أنفسنا ولا نسير خلف سراب خادع، علينا أن نفهم حقيقة الأمور ولا نضيع أوقاتنا بالتمنيات وبالأوهام وبالمماطلات، فلا بد من التأكيد للمرة تلو المرة على أن الإجراءات الإسرائيلية على مدينة القدس المحتلة وسائر الناطق المحتلة الأخرى هي إجراءات غير شرعية، تمت قسرًا وجبرًا عن أهل فلسطين، دون رضاهم ودون موافقتهم، بالإضافة إلى أن هذه الإجراءات مخالفة أيضا للقوانين الدولية.
أيها المرابطون في أرض الإسراء والمعراج، نذكركم بالبشارة التي زفها لكم رسولنا الأكرم محمد بقوله: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم ولا من أصابهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك))، قيل: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ((ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)). فكونوا عند حسن ظن رسول الله بكم، فأنتم المرابطون، وأنتم أصحاب الحق الشرعيون، فحافظوا على أراضيكم وبيوتكم وعقاراتكم، وينبغي عليكم إشغالها وعدم هجرها.
واعلموا أن الدنيا خلقت لكم، ولكنكم أنتم خلقتم للآخرة، ولم يعطيها لكم لتركنوا إليها. واعلموا أنكم بين يدي الله موقوفون، وبأعمالكم تحاسبون، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227].
ـــــــــــــــــــ(68/319)
وسط الاختبارات
...
...
4813
...
الأسرة والمجتمع
...
...
قضايا المجتمع
...
مرسال بن عبد الله المحمادي
...
...
جدة
...
...
...
جامع ابن تيمية
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- الدنيا دار ابتلاء واختبار. 2- رسالة إلى الطلاب والطالبات بمناسبة الامتحانات. 3- رسالة إلى المعلمين والمعلمات.
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، هذه الدار دار الدنيا هي دار امتحان واختبار وابتلاء، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2]. وهذا الاختبار نهايته تكون بالموت، ونتيجته يوم القيامة، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].
ونحن في هذا الاختبار مراقَبون، وكل حركاتنا مرصودة، قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12]. وكل قول نتلفظ به فإنه مسجل علينا، قال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].
أيها المسلمون، هذه الدنيا دار ابتلاء، فلنحذر أن تلهينا عما خلِقنا له، فمَثَل طالب الدنيا كمثل شارب ماء البحر، كلّما ازداد شربًا ازداد عطشًا حتى يقتله. وقيل: إن عيسى عليه السلام رأى الدنيا في صورة عجوز هتماء عليها من كلّ زينة، فقال لها: كم تزوجت؟ قالت: لا أحفظهم، قال: فكم مات عنك أم كلّهم طلقك؟ قالت: بل كلهم قتلتُ، فقال عيسى عليه السلام: بؤسًا لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين؟! كيف تهلكينهم واحدًا بعد واحد ولا يكونون منك على حذر؟! وقال عليه الصلاة والسلام كما جاء في البخاري: ((ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بم ترجع)).
أيها المسلمون، ها هم أبناؤنا في هذه الأيام يعيشون همّ الاختبارات، ومن هنا فإني أوجه بعض الرسائل للطلاب والطالبات والمعلمين والمعلمات.
أيها الطلاب والطالبات، العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور، ولما جلس الإمام الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فهمه، فقال: "إني أرى أن الله قد ألقى في قلبك نورًا، فلا تطفئه بظلمة المعصية"، وقال الشافعي:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال: اعلم بأن العلم فضل وفضل الله لا يؤتاه عاصي
فترك الصلاة أو جمعها أو تأخيرها بالنوم عنها بحجّة الإرهاق والتعب مع الاختبارات أو التخلف عنها في الجماعة، كل ذلك من الآثام والمعاصي التي تطفئ نور العلم الذي في قلبك.
أيها الطلاب والطالبات، حافظوا على الصلوات الخمس في أوقاتها، وستجدون العون والتوفيق من الله تعالى.
أيضًا في هذه الأيام نلاحظ أن بعضًا من أبنائنا قد انشغل بتناول المنبهات والمسكرات، والتي ينشط مروِّجوها في هذه الأيام في صفوف البنين والبنات، فهذه معصية حذّر الشرع منها وعاقب عليها، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90]. والخمر وإن سميت بغير اسمها فهي أم الخبائث، ومن شربها لا تقبل صلاته أربعين يومًا، وإن مات وهي في بطنه مات ميتة جاهلية كما جاء في الحديث الصحيح، وقال النبي : ((ومن سقاه صغيرًا لا يعرف حلاله من حرامه كان حقًا على الله أن يسقيه من طينة الخبال)) وهي صديد أهل النار. فاحذروا معصية المسكر والمخدّر؛ لأنها تطفئ نور العلم وتفسد الجسم وتمرضه.
أيها الطلاب، في أيام الاختبارات تكثر التجمعات الطلابية خارج المدارس، وتزداد جلسات الأنس على الأرصفة والمطاعم الشعبيّة والبوفيات وعلى شاطئ البحر وغير ذلك، وهذه فرصة ثمينة يستغلها ضعفاء النفوس للتغرير بأبنائنا ودعوتهم إلى سيئ الأخلاق، ودعوتهم إلى التعرف على بعض أصدقاء السوء، ودعوتهم على تعاطي الدخان وغيره، بل هذه فرصة أيضًا لاستعراض المهارات والعضلات من خلال التفحيط والعبث بالسيارات، أو التجوال حول مدارس البنات. ورجال الهيئة ورجال الأمن ـ وفقهم الله ـ يشتكون من كثرة المصائب والحوادث والمعاصي في هذه الأيام القليلة، بل إني قرأت في إحدى الصحف المحلّية أن الطالبات كذلك يجدن الفرصة في هذه الأيام للتجوّل في الأسواق والأماكن العامة.
فيا أيها الطلاب والطالبات، احذروا رفقاء السوء، وعليكم بالعودة للبيوت والخلود للراحة، ولا تطفئوا نور العلم بهذه المعاصي.
أيها الطلاب والطالبات، إنّ حرص المسلم على مستقبله أمر مهم، والمؤمن كيس فطن، والمؤمن يحرص على ما ينفعه ويترك ما يضره. ولعلكم تلاحظون جميعًا في هذه الأيام ومع الاختبارات تعرض المباريات التي تشغل أبناءنا عن دراستهم، فيستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، والملاحظ أن درجات الطلاب ومستوياتهم متدنية بشكل واضح وكبير، وبالذات لطلاب الثانوية العامة الذين سيتخرجون في هذا العام بإذن الله، ولن يلاحظ هذا إلا من كان مشاركًا في لجان التصحيح للثانوية العامة، ولعل لهذه المباريات دورا في تدني المستوى.
فيا أيها الأبناء، احرصوا على مستقبلكم، أنتم الآن في وضع يتطلب منكم الجد والاجتهاد، فلا تفرح وتأنس بدقائق يتبعها الندم والحسرة بقية العمر.
أيها المسلمون، في هذه الأيام تظهر معصية محرمة، ألا وهي ظاهرة الغش من الطلاب والطالبات، ومباركة بعض الآباء والأمهات، أو من قبل فزعة بعض المعلمين والمعلمات، وذلك بإتاحة الفرصة للطلاب والطالبات أثناء الاختبارات بمزاولة الغش وغض الطرف عنهم، والرسول قال: ((من غشنا فليس منا)). والغش له نتائج سيئة على المجتمع؛ فتخيل طبيبًا نجح بالغش فكيف سيكون ناصحًا للمرضى؟! ولماذا في هذه الأيام نسمع كثيرًا عن الأخطاء الطبية حتى ذهبت أنفس بريئة؟! لعله من الأسباب ظهور بعض الأطباء وبعض المهندسين وبعض الإداريين وبعض الفنيين وبعض المختصين الذين درسوا وتخرجوا ولكنهم بالغش، فغضّ المجتمع بأكمله حتى وجدنا النتيجة فيما نقرؤه في الصحف وفيما نسمعه في الإذاعات، وصدق رسول الله : ((من غشنا فليس منا)).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
وبعد: كلمة أخيرة أقدمها للمعلمين والمعلمات:
أيها المعلمون والمعلمات، اتقوا الله تعالى واحذروا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا دعوة المظلوم، وإياكم والانتقام للنفس والتشفي لها وتصفية الحسابات مع من أساء إليكم، اعفوا واصفحوا، فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:22]. وارحموا هؤلاء الطلاب؛ فالراحمون يرحمهم الله. ثم اغتنموا ساعات الملاحظة بذكر الله تعالى والاستغفار والصلاة على النبي ، وفي الحديث: ((ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله))، وتدبر في قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].
عباد الله، صلوا وسلموا على نبيكم محمد...
ـــــــــــــــــــ(68/320)
الإجازة الصيفية
...
...
4829
...
الأسرة والمجتمع, موضوعات عامة
...
...
الترفيه والرياضة, السياحة والسفر, قضايا المجتمع
...
ناصر بن عمر العمر
...
...
المدينة المنورة
...
17/5/1426
...
...
جامع جابر الأحمدي
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- ضرورة العناية بمعالجة الظواهر الخاطئة في المجتمع. 2- آفة السهر. 3- قضية السفر. 4- منكرات الأفراح. 5- مشكلة الفراغ.
الخطبة الأولى
أما بعد: أيها المسلمون، مما يجدر بالداعية والناصح الغيور أن يبيّن للناس ما هم عليه وفيه وقت الحاجة، فهذا نبي الله شعيب قاوم بكل ما أوتي من قوة في مشكلة ظهرت في مجتمعه ألا وهي الغشّ والتطفيف في الميزان، وهذا نبي الله لوط حارب مشكلة اللواط في مجتمعه، وهذا نبينا محمد كان له مع كلّ مشكلة تظهر موقف وبيان وتعليم، والموفَّق من وفّقه الله لسماع القول فيتبع أحسنه.
ومن هذا المنطلق ـ عباد الله ـ ونحن في أول أيام الإجازة الصيفية وفّق الله الجميع فيها لكل خير ومتعهم فيها متاعًا حسنًا، فحسبي أن أنبّه ـ أيها المسلمون ـ على بعض الأمور المهمّة التي يجدر التذكير بها، وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55]، لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272].
الأمر الأول ـ أيها المسلمون ـ هو قضية السّهر، فمن المعلوم شرعًا وطبعًا وطبًّا أنّ الله قد خلق الناس وخلق الليل والنهار، فجعل الليل لباسًا وسباتًا، فهو للنوم والهدوء وراحة للأبدان بعد تعب وكدّ النهار، قال تعالى: وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا [النبأ:9، 10]، هذه هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها، يشذّ عن هذه القاعدة من كانوا في شغل لا بد منه كأصحاب الوظائف الليلية التي لا بد منها.
أما أن يتحول الليل للسّهر غير المبرَّر وإلى وقت للتهريب وفعل الفواحش والتخريب ووقتًا لاقتراف الكبائر والجرائم ومسرَحًا للأعمال الخبيثة والأفعال القبيحة ومجمعًا للرذائل وإيذاء الجار وسهر على مطاعم ومشارب وأفلام خبيثة وخلوات محرّمة ومخدرات مضرّة فكل هذا من السهر المحرم، وإنما معهم الشيطان يؤزّهم أزًّا، يعِدهم الشيطان ويمنيهم بالأنس والانبساط، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا.
ومما يساعد على السهر في هذه الأيام طول النهار وقصر الليل وتأخّر حفلات الزواج، فحري بالقائمين على حفلات الأعراس أن يتّقوا الله في الناس، ولا يتأخروا في تقديم العشاء لهم، فالناس قد تكلّفوا الحضور إكرامًا للداعين، فحريّ بالداعين أن يخفّفوا على الناس انصرافهم إلى بيوتهم.
كان نبيكم يكره السهر بعد العشاء والحديث بعدها، وكان من هديه النوم في أول الليل، وكان إذا أوى إلى فراشه يجمَع كفيه ويقرأ فيهما: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ [سورة الإخلاص] والمعوذتين، فينفث فيهما في كفيه ثم يمسح ما استطاع من جسده، يفعل ذلك ثلاثًا، كان إذا رقد وضع يده اليمنى تحت خده ثم يقول: ((اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك))، وكان يقول: ((باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكتَ نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين))، وكان من هديه أن يقوم فيصلّي بالليل كما أمره ربه: قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً [المزمل:2، 3].
أيها الناس، لقد علم من السنة الصحيحة الصريحة الثابتة أن الثلث الأخير من الليل هو أشرف الأوقات ووقت نزول الرحمات واستجابة الدعوات، ذلك لأنه وقت ينزل الله العلي نزولاً يليق بجلاله وعظمته، وذلك كلَّ ليلة، فينادي عباده وهو الغني عنهم: هل من مستغفر فأغفر له، هل من تائب فأتوب عليه، هل من سائل فأعطيه سؤله.
فينبغي أن يتذكر الساهر في الليل ويتنبه إلى فضيلة هذا الوقت المبارك، بل على بعض الناس أن يستحوا من الله حقّ الحياء، فالله جل وعلا يناديهم وهم على معصية من المعاصي قد اختفوا عن أنظار الناس، ولكن تحت نظر ورقابة من لا يخفي عليه خافية.
أيها المسلمون، والقضية الثانية هي قضية السفر، ويدعو الناس إليها وجود الإجازة وشدّة الحر وتوفّر نعمة المال عند من يسافر، ولست هنا اليوم لأقول للناس: لا تسافروا ولا ترتحلوا، فالسفر كما قيل: فيه سبعة فوائد، ولكن حسبي أن أنبه على أمور في السفر:
ما الوجهة التي يقصدها المسافر والغاية من هذا السفر؟ فالسفر إلى بلاد غير المسلمين أو إلى بلاد مسلمة يظهر فيها العري والخمور ويكثر فيها الزنا، فتلك بلاد لا ينبغي السفر إليها، وللمسافر أماكنُ كثيرة نظيفة غنية عن تلك الأماكن، والغاية من السفر إن كانت للأمور المحرّمة كشرب الخمور والرقص في المراقص الليلية ومعاشرة العاهرات والجلوس على شواطئ التبرّج والعري فذلك سفر ومقصد خبيث.
ألا وإني أنصح وأذكّر كلّ من كان هذا قصده وغايته أن يتّقي الله في نفسه، وليعلم أن تلك الأرض التي سوف يذهب إليها هي من أرض الله وخلق الله، وستأتي يوم القيامة تشهَد لك أو عليك، تلك الخطوات والأميال التي قطعت، كلّها والله ستكتب وسوف يشهد عليك يوم القيامة الشهود، ولن ينفعك والله ما متعت به نفسك من متَع زائلة تزول في وقتها ويبقى عليك رجسها.
والمسافر جرت السنة له بقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين رخصة من الله، وليس هناك تحديد لأيام محددة، بل طالما أنه مسافر عرفًا فيجوز له القصر، يستثنى من ذلك من كانت إقامته طويلة جدًا تقارب أن يكون استيطانًا وليس سفرًا، أما من سافر لقضاء حاجة أو نزهة فالسنة في حقه قصر الرباعية ولو تجاوزت مدة سفره أربعة أيام أو عشرة أيام أو شهر، وهذا القول الذي أفتى به شيخ الإسلام ابن تيميه والشيخ العثيمين رحمهما الله.
كما أنه لا يجوز للمسافر سفر معصية قد عزم الأمر على المعصية والعياذ بالله وأسرّها في نفسه والله مطلع على مكنون صدره وما هو عازم عليه ونيته، فمثل هذا لا يجوز له الترخص برخص السفر، ذلك أن الشريعة أتت للتيسير، فلا يمكن بحال القول بالتيسير على المسافر للمعصية فكأن الشريعة تساعد مثل هذا، هذا أمر صعب ومستبعد، والمسافر للمعصية لا يرخص له برخص السفر التي يتمتع بها المسافر السفر المباح الذي لا معصية فيه.
وأما الجمع بين الصلاتين فإن المسافر يجمع ما بين الظهر والعصر أو المغرب والعشاء، ولا يجوز الجمع في غير ذلك، فلا يجوز جمع الفجر مع الظهر، ولا العصر مع المغرب، ولا العشاء مع الفجر. ويستحب الجمع إذا كان يحتاج إلى ذلك، فإن كان هناك مسجد وجماعة فالأولى المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد.
ومن هدي النبي في السفر أنه كان يودع المسافر ويقول: ((أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك)). وكان النبي يكره أن يسافر المسلم لوحده وقال: ((الراكب شيطان، والراكبان شيطانان))، فالمستحب للمسلم أن يسافر مع رفقة ما استطاع إلى ذلك سبيلا. ونهى النبي عن سفر المرأة بلا محرم.
وكان النبي يحب السفر يوم الخميس، وكان إذا سافر سافر في أول النهار، وكان إذا ابتدأ سفر وركب دابته كبر ثلاثًا ثم قال: ((سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل)).
وكان يكبر إذا علا أو هبط، وكان يصلي وهو على دابته صلاة التطوع في السفر يومي إيماءً، وكان إذا نزل منزلا استعاذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.
وأمر النبي بسرعة الرجوع من السفر إذا قضى الإنسان حاجته، وقال: ((السفر قطعة من العذاب، فإذا قضى مهمته فليرحل إلى أهله)). وكره النبي أن يرجع الرجل إلى داره ليلاً فجأة. وكان من هديه صلاة ركعتين في المسجد قبل أن يبادر إلى بيته.
والنصيحة الثالثة في الصيف هي عن حفلات الزواج في هذه الأيام، نسأل الله أن يبارك لكل عروسين وأن يجمع بينهما خير.
لكن يا عباد الله، حفلات الزفاف في هذه الأيام فيها الكثير مما يغضب الله ولا يرضاه، فقضية الإسراف اليوم هي أم القضايا وأسّها، فلم تعد هناك مشكلة كبيرة في المهور عند أكثر البيوت, ولكن المشكلة في حفلة الزفاف التي أصبحت تحت وطأة مسايرة الناس والمشي على ما مشى عليه الناس، أصبحت تكلف الكثير من المال، ونحن اليوم ـ أيها العقلاء ـ يُستأجر مكان الاحتفال لمدة تقارب ست ساعات ويصرف من أجل هذه الساعات الستمائه ألف ريال أو أكثر ما بين إجار لمكان غالي الثمن وعشاء سببه كثرة المدعوِّين بدون سبَب وجيه واستئجار مغنّية وأشياء أخرى، فهل يعقل أن يصرف الشاب أو أبوه هذا المبلغ الكبير على ست ساعات؟! هذا أمر يصعب جدًا القبول به، وعلى العقلاء من الرجال تدارك هذا السفَه في الاحتفالات.
ومن مخالفات الأفراح عندنا اليوم دخول الأزواج على النساء، وهو مخالفة صريحة للشرع المطهر، وفيه إنقاص من الرّجولة، خاصّة إذا صاحب هذا الدخول رقص وأشياء أخرى يستحى من ذكرها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد ورسوله، اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون، وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281].
والقضية الرابعة في هذه الإجازة هي قضية الفراغ الذي يعاني منه الشباب والفتيات. الفراغ في الأصل نعمة إذا أحسن استغلالها، ولكن هذه النعمة تنقلب إلى نقمة وشرّ إذا ترك المسلم نفسه بلا شيء مفيد يشغله، تكثر في الإجازة التجاوزات والتعدّيات والأخطاء بسبب الفراغ الكبير الذي يعاني منه الشاب.
وعلى الشباب اغتنام هذه الإجازة بقضاء جزء من أوقاتها في ما ينفع ويفيد. وعلى الآباء مساعدة أبنائهم على شغل أوقاتهم بالمفيد من تعلم مهارات ورياضات مفيدة، إلى تطوير المواهب والقدرات في اللغات وعلوم الحاسب أو المهارات المهنية المفيدة.
ألا إن خير ما تصرف فيه الأوقات والقدرات هو تعلّم العلوم الشرعية، فهي خير العلوم وأزكاها وأبهاها وأحلاها وأدومها نفعًا وصلاحًا، وفيها فوز وسعادة وفلاح.
ثم صلوا وسلموا على خير البرية وهادي البشرية...
ـــــــــــــــــــ(68/321)
رسالة إلى شباب الأمة
...
...
4851
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الأبناء, قضايا المجتمع
...
عبد الرحمن بن علوش مدخلي
...
...
أبو عريش
...
24/5/1426
...
...
جامع التقوى
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- أهمية الشباب في الأمة. 2- السؤال عن مرحلة الشباب. 3- الحث على الزواج والعفاف. 4- التحذير من خطط الأعداء. 5- مقصد العبودية لله تعالى. 6- التأسي بالقدوات الصالحة. 7- خطورة الفراغ.
الخطبة الأولى
أما بعد: أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70، 71].
عباد الله، أيها المؤمنون، لا شكّ أن الشباب في كلّ أمة هم عمادها وأساس نهضتها، وهم قوّتها في وجه الأعداء. إذا بليت الأمة في شبابها فقل: على هذه الأمة السلام؛ ولذا نجد الإسلام قد أولى الشبابَ عناية عظيمة فائقة في آيات وأحاديث ومواقف، وهل كان أصحاب النبي الذين نشروا هذا الدين ودافعو عن حياضه في مشارق الأرض ومغاربها إلا شبابا رضي الله عنهم وأرضاهم؟! من الذي حمل الراية؟! ومن الذي دافع عن هذا الدين؟! ومن الذي جاهد في الله ونشَر الدين في المشرق والمغرب إلا الشباب من أصحاب النبي والتابعون لهم بإحسان؟!
شباب ذلَّلوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام دينا
ولم تشهدهم الأقداح يوما وقد ملؤوا نواديهم مجونا
وما عرفوا الْخلاعة في بنات وما عرفوا التخنّث في بنينا
كذلك أخرج الإسلام قومي شبابا مخلصا حرا أمينا
وعلّمه الكرامة كيف تبنى فيأبى أن يذلّ أو يهونا
هؤلاء هم الشباب الذين حث الإسلام على أن نقتدي بهم، إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف:13]؛ ولذا يبين النبي فضل الشاب الذي ينشأ في طاعة ربه عز وجل ويطلِّق الهوى والنفس الأمارة بالسوء ويعرف مكائد الشيطان وحبائله وإغواءاته، ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي قال: ((سبعة يظلهم الله تعالى تحت ظلّ عرشه يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله)) رواه البخاري ومسلم.
تأمل ـ يا رعاك الله ـ كيف كانت منزلة الشاب الذي نشأ في طاعة الله بعد الإمام العادل مباشرة قبل السبعة الأصناف؛ ليبين لنا النبي بما لا يدع مجالاً للشك أنّ الشاب الذي ينشأ في طاعة الله رجل عظيم، رجل ذو همة عالية، طلَّق الدنيا، وطلق الهوى والشيطان والشهوات والشبهات، وأقبل على ربه عز وجل، ولذا رُوي في الحديث الذي أخرجه أحمد والطبراني: ((إن الله ليعجب من الشابّ الذي ليس له صبوة)) وضعفه الألباني، أي: ليس له ميل إلى المعاصي والمنكرات والشبهات والشهوات. وفي الحديث الذي رواه الترمذي وغيره بإسناد حسن أن النبي قال: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك)) رواه الترمذي والحاكم وصححه الألباني.
فالشباب ـ يا عباد الله ـ هو القوه التي يستطيع الإنسان فيها أن يعبد ربه، أن يصلي، أن يصوم، أن يتنفل، أن يتصدق، أن يجاهد، أن يعمل الخير ولا يجد تعبا ولا نصبا؛ ولذلك كان من ضمن الأمور التي يسأل عنها العبد يوم القيامة هو الشباب، ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟)) رواه الترمذي وحسنه الألباني. ألم يكن الشباب من ضمن مراحل العمر؟! لكنه خصِّص له سؤال مستقل لبيان أهمّيته، لبيان مكانته، لبيان أهمية الشباب.
فإليكم أيها الشباب، يا شباب الإسلام، يا شباب محمد ، يا من نشأتم في هذا الدين العظيم، إليكم هذه العظة وهذه العبرة وهذه الموعظة وهذه الذكرى؛ لكي تعرفوا قيمة الشباب الذي أنتم فيه، ولكي تعرفوا أهمّية الشباب الذي سرعانَ ما يزول.
قالت حفصة بنت سيرين رحمها الله تعالى: "يا معشر الشباب، اعملوا؛ فإن فترة العمل في الشباب"، وقالت: "ما شبّهت مرحلة الشباب إلا بشيء كان في كمي ثم سقط"، قالت: "اعملوا؛ فإن مرحلة العمل في الشباب"، وأكثر الموتى من الشباب، وآية ذلك أن الشيوخ قليل.
الشاب هو من تكتمل قوته، من يصل إلى مرحلة الرشد، من لا يجد تعبًا ولا نصبًا في العبادة والذكر والصلاة والصيام وغير ذلك من الأمور.
لنعلم ـ يا عباد الله ـ أن أصحاب محمد كانوا شبابًا، ونشروا الدين، وذادوا عن حياضه، ورسموا لنا أوضح القدوات في التاريخ. من منا ينسى عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن عوف وسمرة بن جندب ورافع بن خديج وغيرهم وغيرهم من أصحاب النبي الذين لم يكن يتجاوز عمر أحدهم عشرين عاما، وكانوا قدوات في دينهم وفي عبادتهم وفي جهادهم وفي صلاتهم وفي ذكرهم وفي دفاعهم عن محمد ؟!
ولذا حثنا الإسلام على أن نحافظ على الشباب؛ بأن نسلك جميع الوسائل التي تؤدّي بالشاب إلى أن ينشأ في طاعة ربّه عز وجل، ومن ذلك الزواج بقصد العفاف والطهر، قال النبي : ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) رواه الجماعة من حديث ابن مسعود. فحثنا النبي على الزواج، وحث الشباب على الزواج حتى لا يقعوا في حبائل الشيطان؛ ولذا لأهمية هذا الموضوع ولأهمية مرحلة الشباب نرى يا عباد الله وهذا الأمر ليس سرّا، نرى أعداء الإسلام في الشرق أو الغرب يوجّهون كل سهامهم لتحطيم شبابِ الأمة؛ لأنهم يعلمون علم اليقين أنه إذا ضاع شباب الأمة فقل: على الأمة السلام.
شباب خنع لا خير فيهم وبورك في الشباب الطامحينا
لما أراد الصليبيون في آخر أيام حكم المسلمين للأندلس أن يغزوا مدينة قرطبة وقصر الحمراء آخر معقل للمسلمين في بلاد الأندلس أرسلوا جاسوسا لهم لينظر إلى شباب المسلمين؛ ما هو تفكيرهم؟ ما هي هممهم؟ ما هي طموحاتهم؟ فنظر ذلك الجاسوس وتجوّل في بلاد المسلمين، فبينما هو يتجوّل ذات يوم إذ به يجد شابًا من شباب الأمة في أحَد الوديان يبكي متحسّرًا نادمًا، قال له: ما بالك يا بني؟! قال: إني أتعلّم الرمي وقد رميت بعشرين سهمًا فأصبت في ثمانية عشر وأخطأت في سهمين، فأنا أبكي متحسرًا على ذلك، لو هجم علينا الأعداء فلن أدافع عن بلاد الإسلام؛ لأني قد أخطئ الرمي، فرجع ذلك الجاسوس إلى الصليبيين إلى قومه فقال: لا طريق لكم لغزو بلاد المسلمين.
ويدور الزمان وتتغيّر الأمور ويغرق شباب الأمة في اللهو والعبث والخنا والمجون والحبّ والغرام، فيعود جاسوس آخر بعد سنوات عدة لينظر هل الوضع ملائم لغزو بلاد المسلمين، فيجد شابًا يبكي فيقول له/ ما يبكيك يا بني؟! فيقول: أبكي على حبيبتي، فرجع ذلك الجاسوس وقال لقومه: لقد آن الأوان لغزو بلاد المسلمين.
إن الأعداء يعلمون أنه إذا كانت همم الشباب في العبادة والذكر وفي معالي الأمور وفي معرفة ما يدبّره لهم الأعداء فإنهم لن يستطيعوا أن يصلوا إلى بلاد المسلمين؛ ولذلك نجد الهجمات قويّة لتحطيم شباب الأمة عبر القنوات والمسارح والتمثيليات والمجلات والغانيات وغير ذلك ممّا تعرفون ولا تنكرون، كل ذلك من أجل الشباب، لا يريد الأعداء من هذه القنوات من شاخَ وشاب ولا من أصبح عمره فوق السبعين أو الثمانين، يريدونكم أنتم أيها الشباب، يريدون شباب الأمة ليستطيعوا بعد ذلك أن يحطموا أمة الإسلام، وأن يغزوها في فكرها وفي قناعاتها وفي قوتها وفي شبابها، فيسيطرون عليها فكريًا قبل أن يسيطروا عليها عسكريًا.
إذا علمنا ذلك فلا بد للمسلم أن يعلم ما الذي ينبغي عليه أن يقوم به لمواجهة هذا الغزو.
يا عباد الله، لا بدّ أن نعلم أن هذا الغزو أقوى ألف مرة من غزو السيف والمدفع والدبابة، الغزو الفكري عن طريق الشهوات عن طريق تحطيم القيم والمعتقدات عن طريق تحطيم المبادئ أعظم ألف مرة من تحطيم الشباب بالقتل أو غير ذلك؛ لأنه إذا حطم المسلم من الداخل فسيكون تبعًا للغرب، مسلم باسمه ولكنه غربي بفكره غربي بقناعاته غربي بأهوائه غربي بشهواته وشبهاته. هذه قضية مهمة.
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر المولى العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وسلّم تَسليمًا كثيرًا، ورضي عن أصحابه وأتباعه وإخوانه إلى يوم الدين.
أما بعد: يا عباد الله، أيها المؤمنون، أيها الشباب، يا ذخر الأمة، يا مستقبلها المشرق، يا من تنتظركم أمة الإسلام، ينبغي عليكم أن تعلموا أمورا عدة:
أولاً: أن يعلم الشاب لماذا خلق، وما هي الغاية من وجوده، وأن يستشعر هذا الأمر دائمًا وأبدًا؛ فإن الله تعالى خلقنا لعبادته، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58]، لا بد أن يعلم الشاب المسلم لماذا خلق، وما هو القصد من ذلك، والله أمرنا بالعبادة لنستفيد نحن، والله هو الغني ونحن الفقراء.
ومن ذلك أن يتصوّر الشاب الأخطار التي تحدق به وتحدق بأمته والمؤامرات التي يدبرها له أعداء الإسلام في الشرق أو الغرب، وأن لا يستغفل، وأن يعلم أن ما يكاد له الآن عبر القنوات والمجلات ومواقع الإنترنت وغير ذلك ما هو إلا جيش صليبي جديد بأسلوب معاصر مختلف عن الأسلوب السابق، وهو أقوى وأشدّ وأخطر من السلاح الأبيض ومن الجيش الذي يغزونا جهارًا عيانًا، إنه جيش لتدمير القيم والمبادئ والقناعات وقوة الأمة التي تدافع عن حياضها.
كما ينبغي للشباب أن يتأسّى بالقدوات من أصحاب النبي والتابعين لهم بإحسان.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
فالمرء مع من أحب يوم القيامة، والمرء يحشر مع من أحبّ، ومن تشبه بقوم حشر معهم، لنعلم ذلك يا عباد الله.
تأمل يا رعاك الله، تأمل وعُد إلى نفسك وتخيّل أن القيامة قد قامت، وأن الأولين والآخرين قد قاموا في صعيد واحد، وأنت تعلم أن النبي قد قال: ((المرء مع من أحب يوم القيامة)) رواه الترمذي وأبو داود وصححه الألباني، وقال: ((ولا يحب رجل قومًا إلا حشر معهم)) رواه الطبراني في الصغير والأوسط وصححه الألباني، تأمّل وتخيل نفسك عندما يحشر الناس مع الصحابة والتابعين وخيار الأمة وأنت تحشر مع الممثّل الأمريكي أو اللاعب الأرجنتيني أو المطرب الهولندي أو غيرهم ممن لا خلاق لهم ولا دين من العرب الذين ساروا في فلكهم وساروا في أطروحاتهم وأفكارهم، وأصبح أحدهم مسلمًا بالاسم ولكنه غربي بالفكر، كيف سيكون موقفك عندما تحشر مع اليهود والنصارى أيها المسلم؟! تأمل ذلك قويًا، وعد إلى نفسك بالحساب، ولا تنتظر من أحد أن يجرّك، فكن أنت الذي تجرّ نفسك، كل امرئ مسؤول عن نفسه يوم القيامة، كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38].
ولننتبه يا عباد الله، يا أيها الشباب، لتنتبهوا من عدّة قضايا، من الفراغ فإنه مهلكة.
إن الفراغ والشباب والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
كما ينبغي أن ننتبه من رفقاء السوء، وما أكثرهم في هذا الزمان، الذين يزينون للإنسان المعاصي والمنكرات، وهو يريد أن يجترك إليها من حيث لا تشعر، فأشغل نفسك بذكر الله، وأشغل نفسك بمعالي الأمور، وما أكثر الأماكن التي يشغل الشاب المسلم فيها وقته عبر المراكز وحلقات الذكر والدورات العلمية وغيرها وحلقات التحفيظ ومجالس الذكر والمحاضرات وزيارة العلماء وطلبة العلم وغيرها وغيرها من أعمال الخير التي لا تخفى عليكم.
كما ينبغي ـ يا عباد الله ـ أن ننتبه من هذه الملهيات ومن هذه المغريات التي غزتنا في هذا الزمان، لننتبه يا عباد الله، ولنعلم أنه جيش جديد يريد أن يجتثنا من أصولنا، وأن يقضي علينا، وأن نكون تبعًا لأعداء الإسلام من الشرق أو الغرب.
ألا وصلوا وسلموا على خير الخلق محمد بن عبد الله عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم..
ـــــــــــــــــــ(68/322)
هدي الإسلام في مناسبات الأفراح
...
...
4852
...
الأسرة والمجتمع, فقه
...
...
النكاح, قضايا المجتمع
...
ناصر بن محمد الغامدي
...
...
مكة المكرمة
...
27/6/1425
...
...
جامع الخضراء
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- نعمة الزواج. 2- فوائد الزواج. 3- حسن الاختيار. 4- تيسير الإسلام لأمور الزواج. 5- عقبات في طريق الزواج. 6- منكرات الأفراح.
الخطبة الأولى
أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ وَرَاقِِبُوهُ، وَأَطِيعُوهُ وَلاَ تَعْصُوهُ، فَبِتَقْوَاهُ سُبْحَانَهُ تَزْكُو النُّفُوسُ، وَتَصْلُحُ الأَعْمَالُ، وَتُقَالُ العَثَرَاتُ، وَتُرْفَعُ الدَّرَجَاتُ، حَاسِبُوا أَنْفُسَكُم، وَزِنُوا أَعْمَالَكُم، وَتَزَيَّنُوا للعَرْضِ الأَكْبَرِ عَلَى اللهِ، وَتَزَوَّدُوا مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقْوَى، وَاتَّقُوا اللهَ الذِي إِلَيهِ تُحْشَرُونَ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، الزَّوَاجُ مِنَ الأُمُورِ الفِطْرِيَّةِ الجِبِلِيَّةِ التي لاَ غِنَى لِكَائِنٍ حَيٍّ عَنْهَا إِذَا أَرَادَ الحَيَاةَ الكَرِيمَةَ الهَادِئَةَ المُطْمَئِنَّةَ لِنَفْسِهِ وَمُجْتَمَعِهِ، وَهُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ تَعَالَى البَاهِرَةِ، ونِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِهِ العَظِيمَةِ، تَحْصُلُ بِهِ المَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ، والأُنْسُ وَالسَّكَنُ، وَالرَّاَحَةُ والطُّمَأْنِينَةُ؛ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21].
لَقَدْ شَرَعَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الزَّوَاجَ لِمَصَالِحَ عَظِيمَةٍ، وَمَنَافِعَ جَلِيلَةٍ، وَحِكَمٍ كَثِيرَةٍ لاَ تُحْصَى، إِذْ بِهِ تُبْنَى الحَيَاةُ البَشَرِيَّةُ، وَيُحْفَظُ الجِنْسُ البَشَرِيُّ مِنَ الزَّوَالِ وَالانْقِرَاضِ، بَلِ الكَائِنَاتُ بأَسْرِهَا، وَتَعُمُّ السَّعَادَةُ اِلإنْسَانِيَّةَ، بِهِِ تُصَانُ الأَنْسَابُ عَنِ الاخْتِلاَطِ وَالضَّيَاعِ، والأَنْظَارُ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الحَرَامِ، والفُرُوجُ عَنِ الوُقُوعِ فِيمَا لاَ يَحِلُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ قَاَل: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ فَقَالَ: ((يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)) متفق عليه.
فَالزَّوَاجُ ـ عِبَادَ اللهِ ـ أَعْظَمُ وَسِيلَةٍ لِصِيَانَةِ البَشَرِ عَنِ الوُقُوعِ فِي المُحَرَّمَاتِ مِنْ زِنًا وَغَيرِهِ؛ لاَ سِيَّمَا وَنَحْنُ نَعِيشُ في هَذَا العَصْرِ الذِي كَثُرَتْ فِيهِ الفِتَنُ، وَتَنَوَّعَتِ الشُّبُهَاتُ وَالشَّهَوَاتُ، وَكَثُرَ فِيهِ دُعَاةُ الرَّذِيلَةِ والفَاحِشَةِ والفَسَادِ، وَتَعَدَّدَتْ وَسَائِلُهُم وَجُهُودُهُم في سَبِيلِ نَشْرِ الفَاحِشَةِ في المُجْتَمَعَاتِ، وعَلَى الأَخَصِّ في الذِينَ آَمَنُوا.
فِي الزَّوَاجِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الذُّرِيَّةِ الصَّالِحَةِ التي يَنْفَعُ اللهُ تَعَالَى بِهَا الزَّوْجَينِ وَالمُجْتَمَعَ والأُمَّةَ بأَسْرِهَا؛ وَقَدْ قَالَ : ((تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأُمَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ)) رواه النسائيُّ وأبو داود.
إِلَى مَا فِيهِ مِنْ كَفَالَةِ المَرْأَةِ، وَالقِيَامِ بِنَفَقَتِهَا، وَصِيَانَتِهَا وَإِعْفَافِهَا وَرِفْعَتِهَا عَنِ التَّبَذُّلِ، وَإعْزَازِهَا مِنَ المَهَانَةِ وَالذِّلَّةِ وَالعُنُوسَةِ في بَيتِ أَهْلِهَا، وَالقِيَامِ بِحَاجِيَّاتِ الرَّجُلِ وَخِدْمَتِهِ، وَإِغْنَائِهِ عَنِ الحَرَامِ.
عِبَادَ اللهِ، لَقَدْ شَرَعَ الإِسْلاَمُ الزَّوَاجَ، وَرَغَّبَ فِيهِ، وَدَعَا إِلَيهِ، وَبَيَّنَ فَضْلَهُ وَمَكَانَتَهُ، وَشُرُوطَهُ وآَدَابَهُ وَأَحْكَامَهُ، وأَوْصَافَ المَرْأَةِ التي يُسْعَى لَهَا، وَالشَّابِ الذِي يُرْغَبُ فِيهِ، وَمِنْ أَعْظَمِ مَا رَكَّزَ عَلَيهِ الإِسْلاَمُ في هَذَا الجَانِبِ الدِّينُ وَالخُلُقُ؛ يَقُولُ : ((تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)) متفق عليه، وَيَقُولُ : ((إِذَا خَطَبَ إِلَيكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)) رواه الترمذيُّ وابن ماجه.
وَسَعَى الإِسْلاَمُ بِشَتَّى الوَسَائِلِ إِلَى تَذْلِيلِ العَقَبَاتِ وَإِزَالَةِ العَرَاقِيلِ في طَرِيقِ الزَّوَاجِ، وَنَهَى عَنْ عَضْلِ النِّسَاءِ عَنِ الزَّوَاجِ؛ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:232].
وَإِنَّهُ مَعَ فُشُوِّ الجَهْلِ في المُجْتَمَعَاتِ الإِسْلاَمِيَّةِ وَطُغْيَانِ النَّظْرَةِ المَادِيَّةِ البَحْتَةِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ وَالتَقْلِيدِ الصِّرْفِِ للآخَرِينَ وَتَلْبِيَةِ مَطَالِبِ ضِعَافِ العُقُولِ وَالسُّفَهَاءِ أَصْبَحَ الزَّوَاجُ في بَعْضِ المُجْتَمَعَاتِ وَالأُسَرِ مِنْ أَصْعَبِ الصَّعْبِ وَأَنْوَاعِ المُسْتَحِيلاَتِ، بَلْ جَعَلَهُ بَعْضُهُم صَفْقَةً تِجَارِيَّةً، كُلٌّ يَسْعَى للتَّكَسُّبِ مِنْ وَرَائِهَا، مِمَّا أَدَّى إِلَى وَضْعِ العَرَاقِيلِ الشَّاقَّةِ وَالعَقَبَاتِ الكَأْدَاءِ في طَرِيقِ الزَّوَاجِ، وَعُزُوفِ الشَّبَابِ وَالشَّابَاتِ والرَّاغِبِينَ في الزَّوَاجِ عَنِْهُ.
وَتَعَدَّدَتْ تِلْكَ العَرَاقِيلُ وَالعَقَبَاتُ والتَّكَالِيفُ التي مَا أَنْزَلَ اللهِ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ، حَتَّى أَلِفَهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَجَعَلُوهَا مِنْ ضَرُورَاتِ الزَّوَاجِ التِي لاَ يَتِمُّ إِلاَّ بِهَا، وَهِي مُبَايِنَةٌ لِشَرْعِ اللهِ تَعَالَى، وَمُخَالِفَةٌ لِِهَدْي رَسُولِهِ الكَرِيمِ ، وَِهَدْي سَلَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ رَحِمَهُم اللهُ، أَزْكَى الأُمَّةِ وَأَبَرِّهَا وأَقْرَبِهَا إِلَى كِتَابِ رَبِّهَا وَسُنَّةِ رَسُولِهَا وَأَبْعَدِهَا عَنِ التَّكَلُّفِ وَالتَّعَمُّقِ وَالإِسْرَافِ.
وَقَدْ صَاحَبَ تِلْكَ العَرَاقِيلَ وَالعَقَبَاتِ مُنْكَرَاتٌ قَبِيحَةٌ وَمُخَالَفَاتٌ عَظِيمَةٌ، زَادَتِ الأَمْرَ سُوْءًا وَتَعْقِيدًا، وَأْحْدَثَتْ مِنَ الفَسَادِ في حَيَاةِ النَّاسِ وَمُجْتَمَعَاتِهِم مَا لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللهُ تَعَالَى.
عِبَادَ اللهِ، وَمِنْ هَذِهِ العَرَاقِيلِ التي وُضِعَتْ في طَرِيقِ الزَّوَاجِ العَقبَةُ الكَأْدَاءُ المُتَمَثِّلَةُ في التَّكَالِيفِ البَاهِظَةِ للزَّوَاجِ؛ مِنِ ارْتِفَاعِ المُهُورِ وَالمُبَاهَاةِ بِهَا، حَتَّى بَلَغَتْ حَدًّا لاَ يُطَاقُ، وَكَأَنَّ الشَّبَابَ يَنْحِتُونَ الدَّرَاهِمَ مِنْ عُرْضِ الجِبَالِ، وَصَارَتِ الفَتَاةُ عِنْدَ بَعْضِ الأُسَرِ وَكَأَنَّهَا سِلْعَةٌ تِجَارِيَّةٌ في يَدِ وَلِيِّهَا، يُسَاوِمُ عَلَيهَا النَّاسَ في سُوقِ الحَرَاجِ، عَلَّهُ يَظْفَرُ بِمَنْ يَزِيدُ في مَهْرِهَا عَمَّا أُعْطِيَ مِنْ قَبْلُ دُوْنَ خَجَلٍ أَو حَيَاءٍ. وَكَمْ عُضِلَ بَعْضُهُنَّ عَنِ الزَّوَاجِ بِسَبَبِ الطَّمَعِ في وَظيفَتِهَا وَمُرَّتَّبِهَا. نَاهِيكَ عَمَّا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ المُبَاهَاةِ في إِقَامَةِ الحَفَلاَتِ والمُنَاسَبَاتِ، وَاسْتِئْجَارِ القُصُورِ وَالاسْتِرَاحَاتِ وَالفَنَادِقِ وَالقَاعَاتِ بَأَغْلَى الأَثْمَانِ، وَالإِسْرَافِ في وَلاَئِمِ الأَفْرَاحِ، وَتَجْهِيزِ العَرُوسِ بأَغْلَى الأَلبِسَة وَالمُجَوْهَرَاتِ، مِمَّا لاَ مُبَرِّرَ لَهُ، إِلاَّ السَّعْيُ لإِرْضَاءِ السُّفَهَاءِ وَالنِّسَاءِ وَنَاقِصِي العُقُولِ، وَمُجَارَاةُ المُبَذِّرِينَ وَالشَّيَاطِينَ، حَتَّى زَادَ الأَمْرُ الآنَ؛ فأَصْبَحَ العَقْدُ الذِي هُوَ مُجَرَّدُ إِيجَابٍ وَقَبُولٍ في الأَصْلِ يُقَامُ في قُصُورِ الأَفْرَاحِ وَالاسْتِرَاحَاتِ، وَكَأَنَّهُ زَوَاجٌ حَقِيقِيٌّ.
وَيَتَبَاهَى بَعْضُهُم بِكَثْرَةِ المَدْعُوِّينَ وَالحَاضِرِينَ الذِينَ تَضِيقُ بِهِم قُصُورُ الأَفْرَاحِ وَقَاعَاتُ المُنَاسَبَاتِ عَلَى كِبَرِهَا وَسَعَتِهَا، وَكَانَ بِإمكَانِ الإِنْسَانِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَقَارِبِهِ وَجِيرَانِهِ مِمَّنْ يَحْصُلُ بِهِم إِعْلاَنُ النِّكَاحِ وَتَمَامُ الفَرْحَةِ، عَلَى وَلِيمَةٍ مُخْتَصَرَةٍ في بَيتِهِ، أَو بَيتِ نَسِيبِهِ، فَيُرِيحُ وَيَسْتَرِيحُ، وَيَسْتَنُّ بِهَدْيِ الإِسْلاَمِ وَهَدْي سَلَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ.
لَقَدْ نَهَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ اِلإسْرَافِ وَجَعَلَهُ مِنَ الكَبَائِرِ وأَعْمَالِ الشَّيَاطِينِ وإِخْوَانِهِم؛ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء:26، 27]، وَقَالَ : ((أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيسَرُهُنَّ مَئُونَةً)) رواه أحمد، وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ : ((عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا؟)) قَالَ: عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ غَاضِبًا مُسْتَنْكِرًا: ((عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ! كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ، مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ)) رواه مسلم في صحيحه، وَقَالَ الفَارُوقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (أَلاَ لاَ تُغَالُوا فِي صُدُقِ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ الله كَانَ أَوْلاَكُمْ بِهَا رَسُولُ اللهِ ؛ مَا أَصْدَقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلاَ أُصْدِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ فَوْقَ اثْنَتَي عَشْرَةَ أُوقِيَّةً، أَلاَ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيُغَالِي بِصَدَاقِ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَبْقَى لَهَا فِي نَفْسِهِ عَدَاوَةٌ، حَتَّى يَقُولَ: كَلِفْتُ إِلَيكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ أَوْ عَرَقَ الْقِرْبَةِ) رواه أهلُ السُّنن.
اللهُ أَكْبَرُ يا عِبَادَ اللهِ، أَينَ هَذَا المَهْرُ وَالتَّكَالِيفُ لأَفْضَلِ نِسَاءِ الأُمَّةِ عَلَى الإِطْلاَقِ؛ زَوْجَاتِ النبيِّ وَبَنَاتِهِ مِنْ مَبَالِغِ المُهُورِ وَتَكَالِيفِهَا التي تَعْلَمُونَهَا اليَوْمَ، والتِي أَثْقَلَتْ كَاهِلَ الشَّبَابِ، بَلِ الأُمَّةِ بأَسْرِهَا، وَأَلْصَقَتْهَا بالدُّيُونِ، مِمَّا أَدَّى إِلَى العُزُوفِ عَنِ الزَّوَاجِ، وَالبَحْثِ عَنِ الطُّرُقِ المُحَرَّمَةِ، وَالسُّبُلِ المُلْتَوِيَةِ لإشْبَاعِ الشَّهَوَاتِ البَشَرِيَّةَ الفِطْرِيَّةَ.
وَيَا سُبْحَانَ اللهِ! مَا الذِي يُرِيدُهُ الإِنْسَانُ إِلاَّ سَعَادَةَ بِنْتِهِ أَوْ أُخْتِهِ؟! فَكَيفَ تَكُونُ هَذِهِ السَّعَادَةُ إِذَا أَثْقَلَ كَاهِلَ زَوْجِهَا بالتَّكَالِيفِ وَالدُّيُونِ التي تَقُودُهُ إِلَى الفَقْرِ والإِفْلاَسِ في مُسْتَقْبَلِ حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ؟!
وَإِنْ اَنْتَهَتْ عَقَبَةُ المَهْرِ بِسَلاَمٍ وَلاَ تَكَادُ فَلَنْ يَسْلَمَ الزَّوْجُ مِنَ التَّكَالِيفِ الأُخْرَى المُتَمَثِّلَةِ في السَّكَنِ وَالفَرْشِ واَلتَّأْثِيثِ وَالمَلاَبِسِ وَالذَّهَبِ وَالمُجَوْهَرَاتِ التي يَكْفِي بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ، وَالتِي قَدْ تَكْفِي أَحْيَانًا لِتَجْهِيزِ العَشَرَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، فَاللهُ المُسْتَعَانُ.
نَاهِيكُمْ ـ عِبَادَ اللهِ ـ عَمَّا يُحْدِثُهُ بَعْضُ الفَتَيَاتِ في لَيلَةِ الزَّوَاجِ مِنْ تَغْيِيرٍ لِخَلْقِ اللهِِ تَعَالَى بالأَصْبَاغِ وَالأَلْوَانِ والنُّقُوشِ عَلَى الذِّرَاعَينِ وَالقَدَمَينِ، بَلْ حَتَّى العَوْرَاتِ أَحْيَانًا، وَالمَلاَبِسِ المُخْتَلِفَةِ التي تُشْرَى أَوْ تُسْتَأْجَرُ بآَلاَفِ الرِّيَالاَتِ لِلَيلَةٍ وَاحِدِةٍ فَقَطْ، وَالَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ الفَتَاةُ وَحْدَهَا أَنْ تَمْشِيَ بِهَا إلاَّ بِفَتَيَاتٍ أُخْرَيَاتٍ مِنْ صِغَارِ السِّنِّ يَحْمِلْنَ زَوَائِدَهَا وَمُلْحَقَاتِهَا خَلْفَهُنَّ، وَحَتَّى إِنَّ بَعْضَ أَقَارِبِهِنَّ لاَ يَعْرِفُهُنَّ تِلْكَ اللَّيلَةِ؛ لِمَا أَحْدَثنَ في أُنْفُسِهِنَّ مِنْ تَغْيِيرٍ وَأَصْبَاغٍ وَأَلْوَانٍ، نَاهِيكُم عَنِ الذَّهَابِ للكوَافِيرَاتِ وَالنَّقَّاشَاِتِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَاتٍ شَرْعِيَّةٍ، وَقَدْ تَمْكُثُ الفَتَاةُ وَحْدَهَا عِنْدَ بَعْضِهِنَّ نِصْفَ النَّهَارِ أَوْ أَكْثَرَ، وَاللهُ وَحْدَهُ أَعْلَمُ بِمَا يَجْرِي لَهَا، وَمَا تَتَعَرَّضُ لَهُ بَعْضُهُنَّ مِنِ انْتِهَاكَاتٍ للأَعْرَاضِ، أَو الْتِقَاطِ الصُّورِ وَهِي لاَ تَشْعُرُ، وَكَمْ في عَالَمِ الوَاقِعِ مِنَ القصَصِ المُبْكِي المُحْزِنِ، يَجْرِي كُلُّ ذَلِكَ تَقْلِيدًا للغَيرِ، أَوْ بِحُجَّةِ أَنَّ هَذِهِ لَيلَةُ العُمِرِ، وَنَحْو ذَلِكَ مِنَ المُبَرِّرَاتِ اللاَّمَقْبُولَة شَرْعًا وَلاَ عَقْلاً.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ، وَمِنَ المُنْكَرَاتِ المُحَرَّمَةِ في الأَفْرَاحِ وَالتِي تُصَاحِبُ لَيلَةَ الزَّوَاجِ مَا يَحْدُثُ في قُصُورِ الأَفْرَاحِ مِنَ الغنَاءِ وَالطَّرَبِ وَاللَّهُوِ وَإِحْضَارِ الفِرَقِ الغِنَائِيَّةِ، يَزْعُمُونَ أَنَّهَا تُحْيِي الفَرَحَ، وَهِي في الحَقِيقَةِ تُمِيتُهُ وَتَجْعَلُهُ مَأْوى للشَّيَاطِينِ؛ وَبَعْضُهُم يُحْضِرُ شُعَرَاءَ العَرْضَةِ ـ كَمَا يُسَمُّونَهُم ـ أَتْبَاعِ الشَّيَاطِينِ، الذِينَ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ، وَيَسُبُّونَ وَيَشْتُمُونَ، وَقَدْ يَتَعَرَّضُونَ لِغَيرِهِم أَو لِبَعْضِهِم بِفَاحِشِ القَوْلِ، ثُمَّ حَدّثْ بَعْدَ ذَلِكَ عَمَّا تُحْدِثُهُ تِلْكَ اللَّيَالِي مِنَ الإِحَنِ وَالبَغْضَاءِ والعَدَاوَاتِ وَالتَّهْدِيدَاتِ وَالتَّوَعُّدَاتِ.
وَهَذِهِ في الغَالِبِ لَيسَتْ بالمَجَّانِ، فَإِنَّ هَؤُلاَءِ المُطْرِبِينَ وَالرَّاقِصِينَ وَالمُغَنِّينَ لاَ يَحْضُرُونَ هَذِهِ المُنَاسَبَاتِ إِلاَّ بأَغْلَى الأَسْعَارِ، وَهَذِهِ عَقَبَةٌ مِنْ عَقَبَاتِ الزَّوَاجِ، وَسِلْسلَةٌ مِنَ العَرَاقِيلِ المَوْضُوعَةِ في طَرِيقَهِ؛ لإِرْضَاءِ النَّاسِ وَمُجَارَاتِهِم، وَقَدْ يَسْتَدِينُ بَعْضُهُم للوَفَاءِ بِهَا.
وَمَنْ لَمْ يُحْضِرْ شَيئًا مِنْ ذَلِكَ جَلَبَ أَشْرِطَةَ الغِنَاءِ وأَجْهِزَةَ التَّسْجِيلِ وَمُكَبِّرَاتِ الصَّوْتِ، وَفَتَحَهَا عَلَى مِصْرَاعَيهَا، إِلَى أَوْقَاتٍ مُتَأَخِّرَةٍ مِنَ اللَّيلِ، وَقَلِيلَةٌ هِي الزَّوَاجَاتُ التي تَخْلُو مِنْ هَذِهِ المُنْكَرَاتِ، وَتُسْتَغَلُّ في ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَالدَّعْوَةِ إِلَيهِ.
وَإِنَّ المَرْءَ لَيَتَسَاءَلُ في تَعَجُّبٍ لاَ يَنْقَطِعُ: مَا الدَّاعِي لِكُلِّ هَذِهِ المُنْكَرَاتِ وَالمُخَالَفَاتِ؟! وَلِمَاذَا يَتَحَمَّلُ الإِنْسَانُ مِنَ الدُّيُونِ مَا لاَ يُطَاقُ، وَيُبَذِّرُ أَمْوَالَهُ التي سَيُسْأَلُ عَنْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ في المُحَرَّمَاتِ مِنْ أَجْلِ إِرْضَاءِ النَّاس الذينَ إِرْضَاؤُهُم مِنَ الغَايَاتِ التي لاَ تُدْرَكُ؟! وَلِمَاذَا يَسْتَنْكِفُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ هَدي الإِسْلاَمِ وَشِرْعَتِهِ في أَمْرٍ خَطِيرٍ كأَمْرِ الزَّوَاجِ، الذِي يُعَدُّ فَاتِحَةً وَنَواةً للأُسْرَةِ المُسْلِمَةِ؟!
رَوَى مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ [الإسراء:64] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: (صَوْتُ الشَّيطَانِ هُوَ الغِنَاءُ وَالمَزَامِيرُ وَاللَّهُو). وَقَدْ حَلَفَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ عِنْدَ قَوْلِِ اللهِ تَعَالَى: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [لقمان:6]، حَلَفَ باللهِ الذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنَّ لَهْوَ الحَدِيثِ هُوَ الغِنَاءُ. وَقَدْ قَالَ : ((لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ)) رواه البخاريُّ.
فَانْظُرْ ـ أَخِي بَارَكَ اللهُ فِيكَ ـ كَيفَ قَرَنَ النبيُّ هَذِهِ المُحَرَّمَاتِ العَظِيمَةِ ـ الزِّنَا وَلبْسَ الحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ وَشُرْبَ الخَمْرَ ـ بالمَعَازِفِ، وَبَيَّنَ أَنَّهَا سَتُسْتَحَلُّ آَخرَ الزَّمَانِ، كَمَا هُو وَاقِعٌ هَذِهِ الأَيَّامِ، وَاللهُ المُسْتَعَانُ.
وَهَذَا دَلِيلٌ عَظِيمٌ عَلَى شِدَّةِ تَحْرِيمِ الغِنَاءِ وَآلاَتِ اللَّهْوِ وَالمَعَازِفِ بِشَتَّى أَلْوَانِهَا وأَشْكَالِهَا، وَهِي مُحَرَّمَةٌ في كُلِّ وَقْتٍ، وَفِي الزَّوَاجِ أَوْلَى؛ لأَنَّ الزَّوَاجَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللهِ الجَلِيلَةِ التي تَسْتَحِقُّ الشُّكْرَ، فَكَيفَ تُقَابَلُ بالمَعْصِيَةِ وَالنُّكْرَانِ؟! وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].
إِنَّ الذِي أَبَاحَهُ الإِسْلاَمُ في الزَّوَاجِ هُوَ الضَّرْبُ بالدُّفِّ للنِّسَاءِ فَقَطْ، مَعَ الغِنَاءِ المُعْتَادِ الحَسَنِ الذِي لَيسَ فِيهِ دَعْوَةٌ إِلَى مُحَرَّمٍ، وَلاَ مَدْحٌ لِمُحَرَّمٍ، وَلا مُصَاحِبَةٌ لآلاَتِ اللَّهْوِ المُحَرَّمَةِ، في وَقْتٍ مِنَ اللَّيلِ؛ لإِعْلاَنِ النِّكَاحِ، وَالتَّفْرِيقِ بَينَهُ وَبَينَ السِّفَاحِ، كَمَا صَحَّ بِذَلِكَ الخَبَرُ عَنِ النبيِّ ، وَذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِشُرُوطٍ شَرْعِيَّةٍ؛ أَهَمُّهَا أَنْ يَكُونَ بَينَ النِّسَاءِ خَاصَّةً، وأَنْ يَكُنَّ في مَعْزِلٍ عَنِ الرِّجَالِ، وأَنْ لاَ تَكُونَ أَصْوَاتُهُنَّ عَالِيَةً؛ لِمَا في ذَلِكَ مِنَ الفِتْنَةِ بِصَوْتِ المَرْأَةِ.
عِبَادَ اللهِ، وَمِنْ تِلْكَ المُحَرَّمَاتِ التِي تُصَاحِبُ الزَّوَاجَ بِكَثْرَةٍ خُصُوصًا في قُصُورِ الأَفْرَاحِ خُرُوجُ النِّسَاءِ مِنْ بُيُوتِهِنَّ مُتَطَيِّبَاتٍ مُتَبَرِّجَاتٍ وَهُنَّ في أَكْمَلِ زِينَتِهِنَّ وأَبْهَى حِلْيَتِهِنَّ، وَمُرُورُهُنَّ عَلَى الرِّجَالِ الأَجَانِبِ عَنْهُنَّ، بَلْ خُلُوهُنَّ أَحْيَانًا مَعَ السَّائِقِينَ الأَجَانِبِ عَنْهُنَّ أَدْهَى مِنْ ذَلِكَ وأَمَرُّ؛ وَقَدْ قَالَ المُصْطَفَى : ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ)) رواه النسائيُّ وأحمدُ والدَّارِمِيُّ.
فَتَأَمَّلْ أَخِي ـ رَعَاكَ اللهُ وَحَمَاكَ ـ كَيفَ شَبَّهَ النبيُّ فِعْلَ المَرْأَةِ ذَلِكَ بالزِّنَا؛ لِشَنَاعَتِهِ وَقُبْحِهِ؛ لأَنَّهَا هَيَّجَتِ بالتَّعَطُّرِ شَهَوَاتِ الرِّجَالِ، وَفَتَحَتْ عُيُونَهُم التي هِي بَرِيدُ الزِّنَا.
لَقَدِ انْتَشَرَ بَينَ النِّسَاءِ ـ عِبَادَ اللهِ ـ في مُنَاسَبَاتِ الأَفْرَاحِ أَنْوَاعٌ مِنَ الأَلْبِسَةِ العَارِيَةِ وَشِبْهِ العَارِيَةِ، التِي تُبْدِي الأَيدِي كَامِلَةً والصُّدُورَ والظُّهُورَ، وَالضَّيِّقَةِ المُحَدِّدَةِ للأَجْسَامِ وَالعَوْرَاتِ، والمَفْتَوحَةِ مِنَ الصَّدْرِ أَو الظَّهْرِ، وَالمَشْقُوقَةِ مِنَ الأَسْفَلِ إِلَى الرُّكْبَةِ أَو أَبْعَدَ مِنْهَا، وَالرَّقِيقَةِ التي تَصِفُ البَشَرَةَ، وَالأَدْهَى مِنْ ذَلِكَ والأَمَرُّ البِنْطَالُ والجِنْزُ بأَشْكَالِهِ المَمْقُوتَةِ الخَطِيرَةِ، ومَا فِيهَا مِنْ تَشَبُّه بالكَافِرَاتِ وَالسَّافِلاَتِ.
بَلْ إِنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ ـ عِبَادَ اللهِ ـ إِذَا أَرَادَتِ الخُرُوجَ مِنْ بَيتِهَا لِمِثْلِ هَذِهِ المُنَاسَبَاتِ تَصَنَّعَتْ وَتَطَيَّبَتْ، وَلَبِسَتْ أَجْمَلَ مَلاَبِسِهَا وَكَأَنَّهَا هِي العَرُوسُ، في حِينِ إِنَّهَا في بَيتِ زَوْجِهَا لاَ تَلْبَسُ إِلاَّ أَرْدَى الثِّيَابِ، ولاَ تَبْدُو إِلاَّ بأَقْبَحِ هَيئَةٍ وَمَظْهَرٍ، وَهَذَا مِنِ انْتِكَاسِ المَفَاهِيمِ، وَنُقْصَانِ العَقْلِ وَالدِينِ الذِي أَخْبَرَ عَنْهُ المُصْطَفَى كَمَا في الصَّحِيحِ؛ لأَنَّ زَوْجَهَا أَوْلَى بِحُسْنِ تَجَمُّلِهَا وأَحَقُّ، وَلَكِنَّ العَجَبَ أَنَّهُنَّ لاَ يَجِدْنَ مَنْ يُنْكِرُ عَلَيهِنَّ في ذَلِكَ، لاَ مِنَ الأَزْوَاجِ وَلاَ مِنَ الأَقْرِبَاءِ.(68/323)
لَقَدْ شَكَا بَعْضُ النِّسَاءِ الصَّالِحَاتِ مَا يُوَاجِهْنَهُ في حَفَلاَتِ الزَّوَاجِ مِنْ لِحُومٍ عَارِيَةٍ وأَجْسَادٍ مَكْشُوفَةٍ بَادِيَةٍ وَعْوَراتٍ ظَاهِرَةٍ وَمَوْضَاتٍ فَاضِحَةٍ، بِحُجَّةِ أَنَّ لُبْسَهَا إِنَّمَا هُوَ بَينَ النِّسَاءِ فَقَطْ، وَهَذِهِ حُجَّةٌ أَقْبَحُ مِنْ ذَنْبٍ، فَإِنَّ فَتَاوَى العُلَمَاءِ الأَجِلاَّءِ في بَيَانِ ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ مَعْلَومَةٌ مُنْتَشِرَةٌ، وَقَدْ تَوَعَّدَ النبيُّ أَمْثَالَ هَؤُلاَءِ النِّسَاءِ بِقَوْلِهِ: ((صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ، رُؤوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)) رواه مسلمٌ وأحمدُ، واللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ ذَلِكَ يَقُولُ: وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بُخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31].
وَكَمْ يَحْدُثُ في انْصِرَافِ النِّسَاءِ مِنْ تِلْكَ القُصُورِ مِنْ مُنْكَرَاتٍ تَتَفَطَّرُ لَهَا الأَكْبَادُ، وَتَرْتَعِدُ لَهَا الفَرَائِصُ مِنْ هَوْلِ مَا تَرَى؛ حِينَ تَخْرُجُ المَرْأَةُ حَاسِرَةً ذِرَاعَيهَا، مُبْدِيَةً لِعَينَيهَا، أَو كَاشِفَةً لِوَجْهِهَا، أَو تَخْرُجُ بِتِلْكَ العَبَاءَاتِ المُطَرَّزَةِ المُزَرْكَشَةِ المَفْتُوحَةِ، وَرَائِحَةُ العُطُوُرِ تَعُجُّ مِنْهَا، أَمَامَ مَرْأَى الرِّجَالِ وَمَسْمَعِهِم الذِينَ يَنْتَظِرُونَ نِسَاءَهُم عَلَى أَبْوَابِ القَصْرِ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، وَمِنْ أَخْطَرِ مُنْكَرَاتِ الأَفْرَاحِ مَا يَحْدُثُ في كَثِيرٍ مِنَ الزِّيجَاتِ وَالأَعْرَاسِ مِنَ الاخْتِلاَطِ بَينَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، أَو دُخُولِ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَمَامَ النِّسَاءِ وَالنَّصَّةِ القَبِيحَةِ أَمَامَهُنَّ، وَفِي ذَلِكَ مِنَ الفِتْنَةِ مَا لاَ يَخْفَى؛ حَيثُ يَرَى الزَّوْجُ في لَيلَةِ فَرَحِهِ كَثِيرًا مِنَ النِّسَاءِ وَهُنَّ مُتَزَيِّنَاتٍ مُتَبَرِّجَاتٍ، وَقَدْ يَكُونُ بَينَهُنَّ وَلاَ شَكَّ مَنْ هِي أَفْضَلُ وأَجْمَلُ مِنْ زَوْجَتِهِ وَأَحْسَنُ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى ضَعْفِ مَكَانَتِهَا في نَفْسِهِ وَتَلاعُبِ الشَّيطَانِ بِقَلْبِهِ وَعَقْلِهِ، وَمِنَ الجَانِبِ الآَخَرِ يَرَى هَؤُلاَءِ النِّسْوَةُ الزَّوْجَ وَهُوَ في أَبْهَى زِينَتِهِ وَجَمَالِهِ، وَقَدْ يَكُونُ أَجْمَلَ مِنْ أَزْوَاجِ بَعْضِهِنَّ، فَتَقَعُ الفِتْنَةُ وَالعِيَاذُ باللهِ، نَاهِيكَ عَمَّا يَحْدُثُ في بَعْضِ قُصُورِ الأَفْرَاحِ مِنْ دُخُولِ الخَدَمِ الذِينَ لاُ يُؤْبَهُ بِهِم عَلَى النِّسَاءِ.
لَقَدْ حَرَّمَ الإِسْلاَمُ الاخْتِلاَطَ بَينَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى المُسْلِمِينَ بِغَضِّ أَبْصَارِهِم رِجَالاً وَنِسَاءً؛ لِيَحْفَظَ لِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجِ والزَّوْجَةِ مَكَانَتَهُ عِنْدَ صَاحِبِهِ، وَلِتَسْلَمَ المُجْتَمَعَاتُ مِنَ الفَسَادِ وَالفُحْشِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَزْكَى للقُلُوبِ وأَطْهَرُ للنُفُوسِ.
أَسْأَلُ اللهَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يَحْفَظَنَا جَمِيعًا مِنَ الوُقُوعِ في الفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَاْن يُجَنِّبَنَا المُوْبِقَاتِ، وأَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَنَا مِنْ أَدْرَان المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، وأَنْ لاَ يُؤَاخِذَنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا، إِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرٌ، وَبالإِجَابَةِ جَدِيرٌ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي ولَكُم ولِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وخَطِيئَةٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وتُوبُوا إِلَيهِ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ، وَالصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى أَشْرَفِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَاشْكُرُوهُ، وَرَاقِبُوهُ وَلاَ تَعْصُوهُ.
ثُمَّ اعْلَمُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ أَنَّ مِنَ المُنْكَرَاتِ وَالمُخَالَفَاتِ المُصَاحِبَةِ لِكَثِيرٍ مِنَ الأَفْرَاحِ السَّهَرُ إِلَى هَزِيعٍ مُتَأَخِّرٍ مِنَ اللَّيلِ، بَلِ إِلَى طُلُوعِ الفَجْرِ أَحْيَانًا، سِيَّمَا النِّسَاءُ، فَتَضِيعُ صَلاَةُ العِشَاءِ وَالفَجْرِ أو تُؤَخَّرُ عَنْ مَوْعِدِهَا، مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنِ انْتِكَاسِ الفِطَرِ؛ حَيثُ السَّهَرُ فِيمَا لاَ ضَرُورَةَ إِلَيهِ، وَلاَ فَائِدَةَ مِنْهُ. وَمِمَّا يَزِيدُ الأَمْرَ سُوْءًا أَنَّ هَذَا السَّهَرَ إِنَّمَا هُوَ للنِّسَاءِ فَقَطْ، أَمَّا الرِّجَالُ فَيَنْصَرِفُونَ قَبْلَ مُنْتَصَفِ اللَّيلِ، فَيَذْهَبُ أَحَدُهُم، وَيَتْرُكُ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ في قُصُورِ الأَفْرَاحِ إِلَى الفَجْرِ، لاَ يَدْرِي مَا يَفْعَلْنَهُ إِلَى آخِرِ اللَّيلِ، وَلاَ مَا يَعْرِضُ لَهُنَّ هُنَاكَ، وَقَدْ تَعُودُ مَعَ السَّائِقِ الخَاصِّ، أَو مَعَ سَيَّارَاتِ الأُجْرَةِ، وَكَمْ حَصَلَ بِسَبِبِ ذَلِكَ مِنْ مَفَاسِدَ لاَ تَخْفَى.
عبَادَ اللهِ، وَمِنَ المُنْكَرَاتِ الشَّنِيعَةِ التي بَدَأَتْ تَحْدُثُ في كَثِيرٍ مِنْ مُنَاسَبَاتِ الزَّوَاجِ وَتَجَمُّعِ النِِّسَاءِ التَّصْوِيرُ؛ حَيثُ يَتِمُّ الْتِقَاطُ صُوَرِ النِّسَاءِ وَهُنَّ في أَبْهَى جَمَالِهِنَّ وَحِلْيَتِهِنَّ، وبَعْضُهُنَّ عَارٍ بِتِلْكَ المَلاَبِسِ المَفْضُوحَةٍ العَارِيَةِ الفَاتِنَةِ، وَبْعضُهُنَّ يَتَمَايَلْنَ وَيَرْقُصْنَ طَرَبًا، لاَ يَعْلَمْنَ بِذَلِكَ التَّصْوِيرِ. ثُمَّ تَنْتَقِلُ هَذِه الصُّوَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَرْبَابِ الفَسَادِ وَدُعَاةِ الرَّذِيلَةِ، الذِينَ لاَ يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إِلاً وَلاَ ذِِمَّةً، يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ في الذِينَ آمَنُوا، فَيَسْتَخْدِمُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ في أَغْرَاضِهِمِ الدَّنِيئَةِ، وَيَسْتَغِلُّونَهَا للتَّشَفِّي مِنْ بَعْضِ مَنْ يَكْرَهُونَهُم، وَيَنْشُرُونَهَا في مَوَاقِعِ الإِبَاحِيَّةِ والفَسَادِ، كَمَا حَدَثَ مِِمَّا سَمِعْتُمْ بَعْضَهُ وَمَا خَفِي كَانَ أَعْظَمُ، بَعْدَ أَنْ يَتَفَنَّنُوا في تَغْيِيرِهَا وَتَبْدِيلِهَا لِتُوَافِقَ رَغَبَاتِهِم ومَقَاصِدِهِم القَبِيحَةِ.
وَفِي هَذَا ـ عِبَادَ اللهِ ـ أَخْطَارٌ عَظِيمَةٌ تُهَدِّدُ الأُسَرَ وَالبُيُوتَ، وَتُؤْذِنُ بِفَتْحِ أَبْوَابِ الفَسَادِ والخَرَابِ الأُسَرِيِّ عَلَى مَصَارِيعِهَا، فَمَا هُوَ شُعُورُكَ ـ أَيُّهَا الأَبُّ أَو الزَّوجُ أَو الأَخُ ـ إِذَا الْتَقَطَ هَؤُلاَءِ السُّفَهَاءُ الذِينَ يَحْمِلُونَ آلاتِ التَّصْوِيرِ صُورَةً لِبِنْتِكَ أَو زَوْجَتِكَ أَو أُمِّكَ أَو أُخْتِكَ أَو إِحْدَى قَرِيبَاتِكَ لاَ سَمَحَ اللهُ، فَنُشِرَتْ وَتَلاقَفَتْهَا الأَيدِي، فَأَصْبَحَتْ مَثَارًا للفِتْنَةِ وَالعِيَاذُ باللهِ.
اللهُ أَكْبَرُ يَا عِبَادَ اللهِ، كَمْ حَصَلَ بِهَذا المُنْكَرِ مِنْ فَضَائِحَ وَمَفَاسِدَ، وَكَمْ تَهَدَّمَتْ بِهِ مِنْ أُسَرٍ، وَكمْ تَفَرَّقَ بِهِ مِنْ أَزْوَاجٍ، وَكَمْ سُفِكَ بِهِ مِنْ دِمَاءٍ، وَاغْتِيلَ بِهِ مَنْ كَرَامَاتٍ، وَظُلِمَ بِسَبَبِهِ مِنْ نِسَاءٍ مُؤْمِنَاتٍ غَافِلاَتٍ عَمَّا يُرَادُ بِهِنَّ وَمَا يُحَاكُ ضِدَّهُنَّ مِنْ أَرْبَابِ الفَسَادِ.
لَقَدْ تَفَنَّنَ أَعْدَاءُ الأُمَّةِ المَغْضُوبُ عَلَيهِم وَالضَّالُِّونَ في تَطْوِيرٍ أَجْهِزَةِ التَّصْوِيرِ وآلاتِه وَوَسَائِلِهِ، كَيفًا وَكَمًّا وَنَوْعًا وَحَجْمًا، في صُورَةِ أَقْلاَمٍ صَغِيرَةٍ وأَجْهِزَةٍ لاَ تُرَى بِسُهُولَةٍ، وَفِي أَجْهِزَةِ الجَوَّالاَتِ التي أَصْبَحَتْ في مُتَنَاوَلِ أَيدِي النِّسَاءِ وَالأَطْفَالِ وَالخَدَمِ وأَشْبَاهِهِمْ، وفي السَّاعَاتِ وَغَيرِهَا، وَبعْضُهَا يُسَجِّلُ أَفْلاَمَ الفِيدْيُو، وَلاَ حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.
وَقَدْ سُجِّلَتْ مِنْ بَعْضِ الأَعْرَاسِ وَالحَفَلاَتِ والأَفْرَاحِ أَفْلاَمُ رَقْصٍ وَغِنَاءٍ وَسَهَرَاتٍ، وَالْتُقِطَتْ صُوَرٌ لِنِسَاءٍ عَارِيَاتٍ، وَبِيعَتْ بَأغْلَى الأَثْمَانِ، وَتَنَافَسَ المُفْسِدُونَ الذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ في الذِين آمَنُوا في بَيعِهَا وَنَسْخِهَا وَتَوْزِيعِهَا وَنَشْرِهَا عَلَى شَبَكَاتِ الإِنْتَرْنِتْ وَغَيرِهَا مِنْ وَسَائِلِ الإِعْلاَمِ، فَصَارَتْ أَعْرَاضُ المُسْلِمِينَ فُرْجَةً وَفَاكِهَةً لِمَجَالِسِ السُّوْءِ، وَالضَّحِيَّةُ الأُوْلَى والأَخِيرَةُ هِي المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ الغَافِلَةُ المُحَارَبَةُ مِنْ دُعَاةِ الفَسَادِ وأَرْبَابِ الرَّذِيلَةِ.
وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى لَهُم بالمِرْصَادِ، وَلَعَذَابُ الآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ؛ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور:19].
أَلاَ فَلْتَعْلَمُوا ـ رَعَاكُمُ اللهُ ـ أَنَّ الزَّوَاجَاتِ والأَعْرَاسَ وَالمُنَاسَبَاتِ المُشْتَمِلَةَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ المُنْكَرَاتِ لاَ يَجُوزُ للإِنْسَانِ أَنْ يَحْضُرَهَا وَلاَ أَنْ يُجِيبَ الدَّعْوَةَ فِيهَا وَلَوْ كَانَتْ لأَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيهِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى إِزَالَةِ المُنْكَرِ المَوْجُودِ بِهَا، أَمَّا إِذَا كَانَ عَنْ ذَلِكَ عَاجِزًا فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ الذَّهَابُ إِلَيهَا، وَلاَ أَنْ يَأْذَنَ لِنِسَائِهِ بِحُضُورِهَا؛ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعَاصٍ وَمُنْكَرَاتٍ، وَمَا يُخْشَى عَلَيهِ مِنَ الفَسَادِ وَالفِتْنَةِ وَالإِثْمِ وَالوزْرِ.
كَمَا أَنَّ الوَاجِبَِ عَلَينَا جَمِيعًا ـ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ ـ أَنْ نَعُودَ بِحَفَلاَتِ الزَّوَاجِ وَمُنَاسَبَاتِ الأَفْرَاحِ إِلَى هَدْي الإِسْلاَمِ وآدَابِهِ العَظِيمَةِ؛ فَنَقْتَصد فِيهَا، وَنَحْذَر مِنَ الإِسْرَافِ وَتَوَابِعِهِ، يَقْتَصِرُ الإِنْسَانُ عَلَى دَعْوَةِ أَقَارِبِهِ الخَاصِّينَ المَوْثُوقِ بِهِم، وَيَجْعَلُهَا في بَيتِهِ، وَيَمْنَعُ نِسَاءَهُ وَقَرِيبَاتِهِ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى قُصُورِ الأَفْرَاحِ، وَيُلْزِمُهُنَّ ـ إِنْ ذَهَبَنْ إِلَيهَا ضَرُوْرَةً ـ بالحِجَابِ وَالحِشْمَةِ واللِّبَاسِ السَّاتِرِ المُحْتَشِمِ، والإِنْكَارِ عَلَى المُخَالَفَاتِ والمُنْكَرَاتِ المُتَفَشِّيَةِ فِيهَا أَو الخُرُوجِ مِنْهَا.
إِنَّ الأَمْرَ خَطِيرُ جِدُّ خَطِيرٍ، يَتَعَلَّقُ بأَعْرَاضِكُم وَنِسَائِكُم وَأُسَرِكُمْ وَبُيُوتِكُمْ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، فَإِمَّا أَنْ تَتَضافَرَ جُهُودُنَا يَدًا بِيَدٍ للقَضَاءِ عَلَى هَذِهِ الظَّاهِرَةِ الخَطِيرَةِ وَمُحَارَبَتِهَا وَإِنْكَارِهَا بِشَتَّى الوَسَائِلِ قَبْلِ انْتِشَارِهَا وَعُمُومِ فَسَادِهَا، وَإِمَّا الخِزْيُ وَالعَارُ وَالفَضِيحَةُ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ أَجَارَكُمُ اللهُ وَحَمَاكُمْ.
كَمْ يَفْرَحُ الإِنْسَانُ ـ أَيُّهَا الإِخْوَةُ ـ وَهُوَ يَرَى كَثْرَةَ مُنَاسَبَاتِ الزَّوَاجِ سِيَّمَا في الإِجَازَاتِ الصَّيفِيَّةِ، مِمَّا يَعُودُ بِإِعْفَافِ الشَّبَابِ وَتَحْصِينِ الفَتَيَاتِ وَتَكْثِيرِ الأُمَّةِ، لَكِنَّ الفَرْحَةَ مَا تَلْبَثُ أَنْ تُصَابَ بالكَدَرِ وَهُوَ يَرَى غَالِبَ هَذِهِ المُنَاسَبَاتِ تُحَاطُ بِكَثِيرٍ مِنَ المُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ والمُنْكَرَاتِ المُحَرَّمَةِ وَالتَّكَالِيفِ البَاهِضَةِ، والتِي تَزِيدُ عَامًا بَعْدَ عَامٍ، وَتَتَنَوَّعُ في أَشْكَالِهَا وأَلْوَانِهَا، مِمَّا يَقُودُ إِلَى الطَّلاَقِ وانْتِشَارِ الخِلاَفَاتِ الزَّوْجِيَّةِ وَتَهْدِيمِ البُيُوتِ والأُسَرِ؛ لأَنَّ هَذِهِ المُنَاسَبَاتِ لَمْ تُبْنَ عَلَى القَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَمْ تُحَطْ بِطَاعَةِ اللهِ وَشُكْرِهِ وَالاعْتِرَافِ بِفَضْلِهِ وَالبُعْدِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ؛ وَصَدَقَ اللهُ العَظِيمُ إِذْ يَقُولُ: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:109].
أََلاَ فَاتَّقُوا اللهَ رَحِمَكُمُ اللهُ، والْزَمُوا صِرَاطَهُ المُسْتَقِيمَ، وَاسْتَنُّوا بِسُنَّةِ رَسُولهِِ الكَرِيمِ، تَفُوزُوا وَتُفْلِحُوا.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيهِ في قَوْله عَزَّ مِنْ قَائلٍ عَلِيمٍ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [ الأحزاب:56]، وقَالَ : ((مَنْ صَلَّى عَليَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّىَ اللهُ عَلَيهِ بِهَا عَشْرًا)) رواه مسلم.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِِكَ وَرَسُولِِكَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِِ اللهِِ، وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ...
ـــــــــــــــــــ(68/324)
التبرج
...
...
4853
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
...
...
الفتن, المرأة, قضايا المجتمع
...
سعيد بن سالم سعيد
...
...
الشارقة
...
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- سدّ أبواب الفساد. 2- أمر النساء بالحجاب. 3- تحريم التبرج. 4- شروط الحجاب الشرعي. 5- تحذير النساء من دعاة الفساد.
الخطبة الأولى
جماعة المسلمين، اعلموا ـ رحمني الله وإياكم ـ أن الإسلام قد سدّ كل باب يفضي إلى الفتنة في المجتمع وبين الناس، فحرم الله عز وجل الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. وقد استعاذ نبينا من الفتن في الدنيا فقال: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ)). وأخبر بظهور الفتن قبل قيام الساعة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ ـ وَهُوَ الْقَتْلُ ـ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ)) رواه البخاري. كما حذر من كثير من الفتن بعينها، ومن ذلك فتنة النساء، فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: ((مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ)).
ولسد هذه الفتنة ومنعها أمر الله النساء بالحجاب الشرعي، ونهاهن عن التبرج صيانة للمرأة وحفظا لها وللمجتمع من بعدها، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا. فأمر الله نبيه أن يأمر النساء عموما ويبدأ بزوجاته وبناته لأنهن آكد من غيرهن أن يدنين عليهن من جلابيبهن، والجلباب هو ما تلتحف به المرأة فوق ثيابها، وهو يستعمل عادة إذا خرجت المرأة من دارها.
ومن ثمّ حرم الإسلام على المرأة التبرج، وهو إظهار الزينة، قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا. فالتبرج ـ وهو أن تبدي المرأة من زينتها وما يجب عليها ستره ـ مما تستدعي به شهوة الرجل.
ولقد بالغ الإسلام في التحذير من التبرج إلى درجة أنه قرنه بالشرك والزنا والسرقة وغيرها من المحرمات، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَتْ أُمَيْمَةُ بِنْتُ رُقَيْقَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ تُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلامِ فَقَالَ: ((أُبَايِعُكِ عَلَى أَنْ لا تُشْرِكِي بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا تَسْرِقِي وَلا تَزْنِي وَلا تَقْتُلِي وَلَدَكِ وَلا تَأْتِي بِبُهْتَانٍ تَفْتَرِينَهُ بَيْنَ يَدَيْكِ وَرِجْلَيْكِ وَلا تَنُوحِي وَلا تَبَرَّجِي تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)).
فحرم الإسلام التبرج، ووضع شروطا للحجاب، وأوجب على كل امراة منهن أن تلتزم بها، ومن ذلك أن يكون الحجاب شاملا لجسم المرأة كلّه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا. فالواجب على المرأة أن تستر جميع بدنها إذا أرادت الخروج، ولا يظهر من زينتها شيء للرجال الجانب.
والشرط الثاني: أن لا يكون لباس المرأة زينةً في نفسه، عليه من الألوان والزخارف والأشكال ما يلفت أنظار الرجال.
والشرط الثالث: أن يكون غليظا لا يشفّ ما تحته من جسد المرأة، وفي ذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ رُؤوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)).
فالمرأة تلبس ثيابا ولكنها في الحقيقة هي عارية؛ لأنها تبين شيئا من جسدها وشعرها وساقيها، فهذا الصنف من النساء مع كونها لابسة للثياب إلا إنها عارية ملعونة لعنها النبي وطردها من رحمة الله.
الشرط الرابع: أن يكون حجاب المرأة وسيعا غير ضيّق فيبيّن أعضاء جسم المرأة؛ لأن الغرض من الثوب إنما هو رفع الفتنة، ولا يحصل ذلك إلا بالفضفاض الواسع، وأما الضيّق فإنه وإن ستر لونَ البشرة فإنه يصف حجم جسم المرأة، عَنِ ابْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ أَبَاهُ أُسَامَةَ قَالَ: كَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً كَانَتْ مِمَّا أَهْدَاهَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ : ((مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسِ الْقُبْطِيَّةَ؟)) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ : ((مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلالَةً؛ إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا)).
الشرط الخامس: أن لا يكون مبخَّرا معطرا، وذلك لأحاديث كثيرة وردت عن النبي تنهى النساء عن الخروج متعطِّرات، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة مرت به تعصف ريحها، فقال: يا أمة الجبار، المسجد تريدين؟ قالت: نعم، قال: وله تطيّبتِ؟ قالت: نعم، قال: فارجعي فاغتسلي، فإني سمعت رسول الله يقول: ((ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فيقبل الله منها صلاة حتى ترجع إلى بيتها فتغتسل)).
الشرط السادس: أن لا يشبه لباس المرأة لباس الرجل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ. فيعلم بذلك أنه لا يجوز أن يكون زيّ المرأة مشابها لزيّ الرجل، فلا يحل لها أن تلبس رداءه ولا إزاره ولا ما يلبسه الرجال مطلقا وإلا دخلت في لعن النبي .
الشرط السابع: أن لا يشبه لباس المرأة لباس الكافرات، لما تقرّر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين رجالا ونساء التشبّه بالكفار، سواء في عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)). فلا يجوز للنساء المسلمات أن يلبسنَ ما يعرض في دور الأزياء الغربيّة من العبايات والفساتين والثياب التي يلبسها الكفار.
الشرط الثامن: أن لا يكون لباسَ شهرة، وهو كلّ ثوب يقصد به الاشتهار بين الناس وهو غير معروف لديهم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ((مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ أَلْهَبَ فِيهِ نَارًا)).
فالواجب على كل مسلم أن يحقّق كل هذه الشروط في لباس زوجته وبناته لقوله : ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته))، وقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ.
الخطبة الثانية
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: ((يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ؛ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ))، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: ((تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ)).
فإذا علمت النساء أنهن أكثر أهل النار يوم القيامة فلا بدّ أن يتّقين الله عز وجل في دينهن، ولكن نجد أن غالب النساء في هذا الوقت لا تهتمّ بأمور الدين، بل يَرَين الحجاب قيدًا وتشدّدًا وتزمّتا، ووقعن فريسة للغزو المنحلّ الذي يشاهدنَه من خلال الفضائيات من صور الممثلات ومن حياة الغرب الكافر، وما يسمعنه من دعاة الضلال الذين يتحدثون باسم الإسلام عن الحجاب ثم هو يدسّ السم في العسل، فيغري النساء بحجاب هو أقرب إلى لباس الفاسقات، ثم يطلقون عليه الحجاب الشرعيّ، والسبب في ذلك بُعد الرجال والنساء عن تعلم شرع الله، وضعف قوامة الرجل المسلم على أهله؛ حيث صار الأمر والنهي بيد النساء لا بيد الرجل، فالله المستعان على تغير الفطر.
وهناك مخالفات تقع فيها النساء يوميّا وربما مرات عديدة وهي تعلم أو لا تعلم أن ما تفعله مخالف للشرع، ومن ذلك خروج النساء متعطِّرات وبكامل زينتها إلى خارج المنزل، سواء للزيارات العائلية أو الأسواق، وهذا من دواعي نشر الفتنة بين الناس، فتشدّه رائحة العطر وشكل الزينة فينته للمرأة، وربما يقع ما لا يحمد عقباه، وربما تساهلت المرأة بالخروج متعطرة أو بزينتها أو قد رمت بشيء من حجابها أمام ابن عمها أو ابن خالها أو أخ زوجها، وزجت أختها بحجة أنهم من العائلة، وهذا لا يجوز أبدا، قال تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء، وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ((إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ))، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: ((الْحَمْوُ الْمَوْتُ)).
وربما ـ عباد الله ـ أن الزوجة تهمل في التزيّن لزوجها في بيتها، وتكثر من الزينة للخروج من المنزل، وهذا محرّم، فالزينة كما وردت في الآيات هي بالأصل للزوج وليس لغيره، كما أن كثيرا من النساء إذا ذهبن لزيارة أقاربهن من النساء فقبل الخروج والذهاب يقوم أهل البيت بتبخير وتعطير الضيوف من النساء، وهذا منكر عظيم.
ـــــــــــــــــــ(68/325)
كأس العالم
...
...
4862
...
الأسرة والمجتمع, موضوعات عامة
...
...
الترفيه والرياضة, قضايا المجتمع
...
علي بن عبد الرحمن الهوني
...
...
غير محددة
...
13/5/1427
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- اقتراب حلول ضيف ثقيل. 2- نعمة الفراغ. 3- الترويح في الإسلام. 4- الحرص على الطاعات. 5- تضييع الصلوات المكتوبة. 6- ذم الغضب. 7- التحذير من البغضاء والشحناء. 8- تضييع حقوق الوالدين والأهل. 9- الفرح إنما هو بفضل الله. 10- الفرح المذموم. 11- أدب المسلم في الكلام. 12- عظم أمر اليمين. 13- حرمة الرهان الرياضي. 14- الحب مع الله تعالى.
الخطبة الأولى
عباد الله، خطبتنا في هذا اليوم المبارك الأغر عن قضية هامة قلما يتنبه لها الناس ويتفطنون لخطورتها، حيث سيشهد العالم بعد أيام معدودة حدثا رياضيا معروفا، له كرَّةٌ وفرَّة كل أربع سنوات، فينشغل به الصغير والكبير والرجال والنساء، فتتعطل في موسمه الأعمال، وتضطرب منه البيوت والأحوال. سيحلّ بعد أيام قليلة ضيف ثقيل علينا، يدوم شهرا أو أكثر من ذلك، له تاريخ طويل في زياراته، إنه منافسات كأس العالم لكرة القدم.
ولنا مع هذه التصفيات وقفات وجب التأمل فيها والمراجعة قبل أن يقع الكثير منا فريسة شباكها، فتنال من دينه قبل أن تنال من دنياه:
الوقفة الأولى: يقول رسول الله : ((نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحّة والفراغ)) رواه البخاري.
عبادَ الله، إنّ قضيّةَ إشغال الفراغ باللّهو واللّعب والمرح والفرح لهيَ قضيّة لها صِبغة واقعيّة على مضمار الحياة اليوميّة، لا يمكن تجاهلُها لدى كثيرٍ من المجتمعات، بل قد يشتدُّ الأمر ويزداد عند وجودِ موجبات الفراغ كالعُطَل وهذه التصفيات ونحوِها.
والتّرويح والتّرفيه ـ عبادَ الله ـ لا بأس به، وهو من قبيل إدخال السّرور على النفس والتنفيس عنها وتجديد نشاطِها وزمّها عن السّآمة والمَلل، وواقعُ النبيّ إبَّانَ حياتِه يؤكِّد أحقِّية هذا الجانب في حياة الإنسان، يقول سماك بن حَرب: قلتُ لجابر بن سمرة: أكنتَ تجالس رسول الله ؟ قال: نعم، كان طويلَ الصّمت، وكان أصحابه يتناشَدون الشعرَ عنده، ويذكرون أشياء من أمر الجاهليّة، ويضحكون فيبتسمُ معهم إذا ضحكوا. رواه مسلم. وأخرج البخاريّ في الأدب المفرد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: لم يكن أصحاب رسول الله منحرفين ولا متماوتِين، وكانوا يتناشدون الأشعارَ في مجالسهم ويذكرون أمرَ جاهليتهم، فإذا أريد أحدُهم على شيءٍ من دينه دارَت حماليق عينيه. وذكر ابن عبد البر رحمه الله عن أبي الدرداء أنّه قال: (إنّي لأستجمّ نفسي بالشيء من اللّهو غيرِ المحرّم، فيكون أقوى لها على الحقّ). يقول ابن الجوزيّ: "ولقد رأيت الإنسانَ قد حُمّل من التكاليف أمورًا صَعبة، ومِن أثقل ما حُمّل مداراةُ نفسِه وتكليفها الصبرَ عمَّا تحبّ وعلى ما تكرَه، فرأيتُ الصّوابَ قطعَ طريق الصّبر بالتسلية والتلطّف للنّفس". غيرَ أنّنا نودّ أن نبيّن هنا وجهَ الهوّة بَين مفهوم الإسلام للتّرويح والتّسلية وبين ما يخالط اللّهو والمرَح في عصرنا الحاضر من أخطاء ومحرمات.
واعلموا أنّ شريعةَ الإسلام شريعة غرّاء، جاءت بالتّكامل والتّوازن والتّوسُّط، ففي حين أنّ فيها إعطاءَ النّفس حقَّها مِن التّرويح والتسلية، فإنّ فيها كذلك ما يدلّ على أنّ منه النافعَ ومنه دون ذلك. فقد صحَّ عند النسائي وغيره أنّ النبيّ قال: ((كلّ لهوٍ باطل غيرَ تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بسهمه)) الحديث.
الوقفة الثانية: الحرص على الطاعات والثبات عليها، فإن الأعمال الصالحة بِعَامَّة لا تأخذ من الناس وقتًا طويلاً ما لم يُشَرِّع الناس لأنفسهم ما لم يأذن به الله، فيشقوا على أنفسهم ويرهقوها عُسرًا.
فاعلم ـ أيها المسلم ـ أنك في ميدان سباق، والأوقات تُنْتَهَب، وإياك إياك والخلود إلى الكسل، ولا نال من نال إلا بالجد والعزم، وثمرة الأمرين أنَّ تعب المحصل للفضائل راحة في المعنى، وراحة المقصر في طلبها تعب وشَين، إن كان ثَمَّ فَهْمٌ لديك يا رعاك الله.
والدنيا كلها إنما تراد لِتُعْبَر لا لِتُعْمَر، وما يناله أهل النقص بسبب فضولها والانشغال بها عما هو خير منها فإنه يؤذي قلوب معاشريها حتى تنحط، ومِن ثَمَّ يأسف أمثال هؤلاء على فَقْدِ ما وجوده أصلح لهم، في حين إن تأسفهم ربما يكون شبه عقوبة عاجلة على تفريطهم.
فيا أخي، إن كنت من أهل الطاعات والقربات فلا تدع للشيطان عليك سبيلا فيتركك عن فعل ما اعتدت عليه من خير وبر وصلة رحم، ولا تقل: لا أستطيع أن أفوّت مشاهدة هذه الهجمة، فإن هجمة الشيطان على قلبك هي التي تحول دون عملك للخير والمبادرة إليه، فزيّن الشيطان لك الاشتغال بالمشاهدة والإفراط فيها حتى ينغمس فيها عقلك وقلبك، فيثقل ويركن إليها فيبرد، ولذلك كان نهج السلف واضحًا في الإقلال من المباحات الملهية والتي يأنس لها القلب فتقعده عن قُربة مستحبة أو فرصة سانحة، ولذلك قال الإمام أحمد رحمه الله: "إني لأدع ما لا بأس فيه خشيه الوقوع مما فيه بأس".
الوقفة الثالثة: إن خلال مشاهدة هذه المباريات على الشاة المرئية الصغيرة يضيّع الكثير من المسلمين صلواتهم المكتوبة فضلا عن النافلة، يضيعونها عن أوقاتها، وفي هذا خطر كبير على إيمان المسلم وطاعته لمولاه، ولقد روي عن رسول الله أنها عمود الدين حيث قال: ((رأس الأمرِ الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)). هذه الصلاة التي فرضها الله على رسوله وعلى أمته: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا [النساء:103]، كِتَابًا أي: فريضة، مَوْقُوتًا: موقوتا بوقت، لكلّ صلاة وقتها التي لا تصح إلا فيه إلا أن يكون ثَمَّ عذر. ومن عجبٍ أن يجهل قوم من المسلمين قدر هذه الصلوات أو يتجاهلوه ويتغافلوا عنه حتى كانت الصلاة في أعينهم من أزهد الأعمال قدرا، وصاروا لا يقيمون لها وزنا في حساب أعمالهم، ولا يبذلون لها وقتا من ساعات أعمارهم.
فأي دين ـ يا عباد الله ـ لهذا؟! أي دين ـ يا عباد الله ـ لشخص يدع هذا العمل، يدع الصلاة بسبب مشاهدة مباراة مع يسر عملها ووقتها وكثرة ثوابها وعظم مصالحها ومنافعها على القلب والبدن والفرد والجماعة والقول والعمل؟! وأخبر النبي أنّ من لم يحافظ على هذه الصلوات فليس له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة، ويحشر مع أئمة الكفر: فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف.
فأي دين لشخص يدع الصلاة بسبب مباراة، فلا يصليها في المسجد، وإذا ما انتصف وقت المباراة بين الشوطين نقرها نقر الديك حتى لا تفوته التعقيبات على أحداثها؟! هذا إذا ما صلاها بعد خروج وقتها، فهل يؤمِن هذا بالوعيد على مضيعها في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله على من تهاون بها أو تغافل عنها؟! قال الله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا [مريم:59، 60]. وهذه الآية ظاهرة في أن من أضاع الصلاة واتبع الشهوات فليس بمؤمن؛ لأن الله تعالى قال: إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ، ومما لا شكّ فيه أن مشاهدة هذه التصفيات لا تتعدى كونها من الشهوات، وقال سبحانه: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4، 5].
فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على صلواتكم في كل حين، فماذا يبقى من دينكم إذا ضيعتموها بسبب كرة، فإنّ آخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، قال الإمام أحمد: "كل شيء ذهب آخره لم يبق منه شيء".
الوقفة الرابعة: الغضب بسبب هفوة أو سقطة أو ضياع فرصة في المباراة، وهذا الغضب في غير محلّه، بل والتصرف أحيانا بعد الغضب بما يخالف الشرع، فإنه من الخصال المذمومة، ومن سمات أهل الجهل والحمق والخرق، وهو من أخطر الذنوب، ومن أسباب موت القلوب وفوات المطلوب وتشوه الصورة ونقص الخلق، وموجبات الندم والإصابة بالصرع، وموجبات فساد الطبع.
فاتقوا هذا الغضب واحذوره، وإذا ابتليتم به فداووه وعالجوه، فقد جاء الشرع بما يقضي على الغضب وينجي من العطب. ومن ذلك الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان، وتذكر ما توعد الله به أهل البغي والعدوان. وأرشد من غضب وهو قائم أن يجلس، فإن ذهب عنه وإلا فليضطجع، وقال : ((إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ))، وروي عنه أنه قال لرجل: ((لا تغضب ولك الجنة)). إن الغضب شعبة من شعب الجنون، إنه يغير الإنسان؛ ولذا النبي يقول: ((ألا تنظرون إلى احمرار عينيه وانتفاخ أوداجه))، فإن الغضب يحول بين العبد وبين التصرف في الأمور، فربما يحمله الغضب على أن يفعل أفعالاً يندم عليها إذا فاء من غضبه، فمن عباد الله لا يتماسك عندما يغضب، يقول ما يتمنى أنه ما قاله، ويفعل أمرًا يندم على فعله بعد ذلك. كيف تجعل قطعة جلد ممتلِئة بالهواء تفسد عليك دينك ودنياك؟!
الوقفة الخامسة: الخلاف والشقاق والشحناء بين المشاهدين المشجعين، فهذا ينتصر لهذا الفريق، وذاك ينتصر لذاك الفريق، فيحدث بينهم الفرقة والنزاع، فيجافي بعضهم بعضا، روي أن رسول الله بلغه أن ناسًا من أصحابه تنازعوا فقال قائل منهم: يا للمهاجرين، وقال قائل منهم: يا للأنصار، فخرج سيدنا رسول الله من بيته غاضبًا يجر ردائه فقال: ((أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟! دعوها فإنها منتنة)).
لقد بعث سيدنا المصطفى للقضاء على العنصريات الجاهلية المنتنة مهما كان نوعها ولأيّ كان انتسابها، وليقيم بدلاً منها صرح الإيمان الذي يجتمع تحت لوائه جميع المؤمنين إخوانًا متحابين، تربط بينهم رابطة واحدة وشيجة واحدة وهي رابطة الإيمان ووشجية الإسلام، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118].
ولنقرأ معًا هذا الحديث النبوي المتفق عليه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا. المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى ها هنا ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه)).
الوقفة السادسة: ضياع حقوق الوالدين بالبر والزوجة والأبناء بأداء واجب الأمانة فيهم خلال مشاهدة المباريات، بأن يكون حال المشاهد متعلقا بالمباراة، فلا يطيع والديه إذا طلباه في أمر ما، ويضيع حقوق زوجه وأبنائه، والنبي يقول: ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته)). وعقوق الوالدين ـ أيها الإخوة ـ من أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله، وكيف لا يكون كذلك وقد قرن الله برهما بالتوحيد فقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، وقال تعالى: قُلْ تَعَالَوا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الأنعام:151].
بل هي من المواثيق التي أخذت على أهل الكتاب من قبلنا، وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83]. وها نحن نسمع بين الحين والآخر ـ وللأسف ـ من أبناء الإسلام من يزجر أمه وأباه لمجرد أن طلبا منه أمرا أثناء مشاهدة ومتابعة المباراة، وقد ينهرهما أو يسبّهما، وهذه جريمة كبيرة.
أيها الإخوة، من أبشع الجرائم، ليست في الإسلام فحسب، بل في عرف جميع بني آدم، أقول: إن انتشارها نذير شؤم وعلامة خذلان للأمة، قال الهيثمي عند قوله تعالى: وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا أي: اللين اللطيف المشتمل على العطف والاستمالة وموافقة مرادهما وميلهما ومطلوبهما ما أمكن، لا سيما عند الكبر، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ثم أمر تعالى بعد القول الكريم بأن يخفض لهما جناح الذل من القول، بأن لا يُكلَّما إلا مع الاستكانة والذل والخضوع، وإظهار ذلك لهما، واحتمال ما يصدر منهما، ويريهما أنه في غاية التقصير في حقهما وبرهما.
وها هو رسول الله يجعل حقّ الوالدين مقدمًا على الجهاد في سبيل الله، ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها))، قلت: ثم أي؟ قال: ((ثم بر الوالدين))، قلت: ثم أي؟ قال: ((ثم الجهاد في سبيل الله)). وعنه أيضًا أن النبي قال: ((رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد)) رواه الترمذي وصححه ابن حبان.
وبر الوالدين من أعظم القربات وأجلّ الطاعات، وببرهما تتنزّل الرحمات وتكشف الكربات.
أما الأبناء والزوجة فحدث ولا حرج، هذه المسكينة تتعطّل كل متطلباتها البيتيّة ولوازم الأسرة لمجرد بداية صفارة الانطلاق التي يصفّر معها الشيطان، فينذر كل من حوله بعدم الحراك والكلام، والويل كل الويل لمن يعبر أمام الشاشة أو يشوّش، والويل لمن يطلب حاجة أو يسأل معروفا، وما أدراك ما ينتج عن ذلك من المشكلات العائلية والفتن الاجتماعية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الوقفة السابعة: بم يفرح المؤمنون؟ هل بفوز هذا الفريق وانتصاره على خصمه؟! لا، إنما يفرح المؤمنون بفضل الله ورحمته. افرحوا ـ أيها الناس ـ بفضل الله، أي: الإسلام ورحمته، أي: القرآن، فإنهما أعظم نعمة ومنّة تفضل الله بها عليكم، ليست نعمةً دنيويّة تنسي فضل الله ومنته، بل هي نعمة عظيمة إسلامية قرآنية دينية تقرّب إلى الله تبارك وتعالى، وتشعر بالفرح والسرور بهذه المنة الربانية الكريمة، ذلك خير من كل ما يجمعه الناس من زينة الدنيا وزهرتها ومتاعها المضمحلّ عن قريب، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].
وأما الفرح المذموم فهو الفرح المطلق الذي يَخرج ويُخرج عن السيطرة، فتلتهب به المشاعر، وتنفعل معه الجوارح، قفز وهزّ وطرب ومجون ومطاردات بالسيارات وزغاريد وشماتات، فرح لمجرد فوز هذا أو خسارة ذاك، فرح بغرور الدنيا ولعبها وباطلها ولهوها وزينتها، ويفتخرون بذلك ويتباهون، ويلهو بذلك ويلعب الشيطان بعقله ويذهب كل مذهب بسبب هذا الإفراط في الفرح، وبهذه الطريقة يكون الفرح مذموما وباطلا ومنهيا عنه في شرع الله وسنة رسول الله . ويقابل ذلك الحزن الشديد والهمّ والغمّ لمجرد خسارة الفريق، فتجد الكآبة تعمّ البيت والصمت والوجوم والغم والحداد، فلا طعام، ولا شراب، ولا نوم، ولا أحباب، دموع ونحيب، وجوه خاشعة عاملة ناصبة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فيا أيها الإخوة الكرام، نسأل الله تعالى أن لا يجعل قلوبنا تهشّ أو تبش أو تفرح أو تحزن إلا بما يرضي الله تعالى، آمين.
بارك الله لي ولكم في فهم القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما في السنة من نهج كريم...
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد: فيا عباد الله، فأما الوقفة الثامنة: فمع أخلاق المسلم في الكلام، الكلام الطيب، الكلام الحسن، الكلام النافع الذي يحقّق الخير ويهدف للخير، فلسان المسلم مهذب، لا يتفوّه إلا بكلام طيب ينفع ويفيد، قال الله تعالى آمرًا عباده المؤمنين بذلك فقال: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83]، وقال جل جلاله: وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ الَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا [الإسراء:53]، وفي الحديث: ((ليس المسلم بالسباب ولا باللعان، ولا بالفاحش ولا بالبذيء)).
فيا أخي المشاهد لهذه المباريات والتصفيات، حذار من الاتصاف بأخلاق أهل النار؛ السباب بينهم، ولعن بعضهم لبعض يوم القيامة، المؤمنون بخلاف ذلك، وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر:47].
نعم أيها المسلمون، إن المسلم مسؤول عن كل تصرفاته وألفاظه وأفعاله، فلا ينجرّ للسب والشتم واللعن على اللاعبين والفِرَق، فلن يشفع له هذا الفريق أو ذاك إذا ما سبّ لاعبا أو مدرّبا أو فريقا أو مشاهدا أو حكما يوم القيامة، لذا وجب علينا ـ أيها المسلمون ـ أن نحاسب أنفسنا وأن نحسب لتصرفاتنا ألف حساب.
أيها المسلمون، لقد أصبح كثير من المسلمين اليوم لا يبالون بتصرفاتهم وما يصدر عنهم من أقوال، وقد يكون في هذه الأقوال ما فيه خسارة دينهم ودنياهم، روى الإمام الترمذي والنسائي وغيره من حديث بلال بن الحارث أن رسول قال: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة))، فكان علقمة أحد رواة هذا الحديث يقول: كم من كلام منعَنيه حديث بلال بن الحارث.
عباد الله، ولقد أصبح اللعن والقذف عادة عند كثير من الناس في هذا الزمان؛ حتى أصبح وكأنه تحية عند البعض، مع أن اللعن كبيرة من كبائر الذنوب، ذلك أن اللعن معناه الطرد والإبعاد عن رحمة الله عز وجل، فما بالك فيمن يكون هذا دأبه مع أبنائه وإخوانه؟! قال رسول الله : ((ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش والبذيء)) رواه الإمام الترمذي. بل إن اللعانين يحرمون في الآخرة من الشفاعة لغيرهم، روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه: ((إن اللعانين لا يكونون يوم القيامة شفعاء ولا شهداء)).
أيها المسلمون، ثم هناك مسألة مهمة تكثر حين مشاهدة هذه المباريات، وهي الحلف، وإن شأن اليمين عند الله عظيم، وخطر التساهل بها جسيم، فليست اليمين مجرّد كلمة تمر على اللسان، ولكنها عند الله عهد وميثاق، يجب على المسلم أن يقف عند حده ويوفيه حق قدره، فقد قال: ((من حلف بالله فليصدق، ومن حلِف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله))، قال الله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ، قال ابن عباس: (يريد: لا تحلفوا)، فيكون معنى الآية هو النهي عن الحلف. فلا ينبغي للمسلم أن يكون متسرعًا في اليمين إلا عند الحاجة؛ فإن كثرة الحلف تدلّ على الاستخفاف بالمحلوف به وعدم تعظيمه وتوقيره.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن كثرة الحلف من صفات الكفار والمنافقين، قال تعالى في صفات الكفار: وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ. فنهى سبحانه عن طاعة الحلاف، وهو من يكثر الحلف، وقال عن المنافقين: وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [المجادلة:14] وقال عنهم: اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المنافقون:2]، أي: جعلوا الحلف وقاية يتوقون بها ما يكرهون، ويخدعون بها المؤمنين. ومن قبلهم حلف إبليس اللعين لآدم وزوجه ليخدعهما باليمين، قال تعالى عن إبليس: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ [الأعراف:21، 22]، أي: أقسم لهما إنه يريد لهما النصح والمصلحة، فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ أي: خدعهما بذلك القسم وأوقعهما في المعصية.
الوقفة التاسعة والتي قد يقع فيها بعض الناس: المراهنة بحيث يتراهن شخصان أو مجموعتان على أنّه إذا فاز الفريق المعيّن فإنه يقوم مشجّع الفريق المهزوم بتقديم مبلغ مالي أو وجبة عشاء لصاحبه بعد انتهاء المباراة، وهذا الرهان باطل، فإن ألزم الخاسر بالإطعام فالأكل منه حرام، وإن استضافهم بطيب نفسه فهو حلال، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:90، 91].
وعمدة هذا الباب حديث واحد هو قوله : ((لا سبَق إلا في خف أو حافرٍ أو نَصْل)) أخرجه أبو داود وغيره. والسَبقُ هو ما يُدْفع عند الفوز بالرهان. والخف: إشارة إلى سباق الإبل. والحافر: إشارة إلى سباق الخيل. والنصل: إشارة إلى السباق برمي السهم. فهذه الأمور الثلاثة قد أجاز الإسلام المراهنة فيها لمن يقوم بها بنفسه لا من يتفرّج عليها بنص الحديث.(68/326)
الوقفة العاشرة: وجعلتها الوقفةَ الأخيرة لأنها مهمة وأهم ما يجب أن نختم به، فهي تدخل في اعتقاد المسلم، وهي المحبّة المفرطة للاعبين بحيث يقدّم حبهم على حب الله ورسوله بالتعلّق المفرط الذي يوصل للشرك، بحيث تصبح كالمحبة المختصة محبة العبودية، وهي المذكورة في قوله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ، فأخبر تعالى أن من أحبّ من دون الله شيئا كما يحبّ الله تعالى فهو ممن اتخذ من دون الله أندادا فى الحب والتعظيم؛ لأن الله توعد من قدم هذه المحبة على محبة الله، قال تعالى : قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْناؤكمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ، فتوعد سبحانه من قدم هذه المحبوبات الثمانية على محبة الله ورسوله والأعمال التي يحبها ولم يتوعد على مجرد حب هذه الأشياء؛ لأن هذا شيء جبِل عليه الإنسان، ليس اختياريا، وإنما توعد من قدم محبتها على محبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه الله ورسوله، ويلاحظ أثره على سلوكه وأخلاقه ظاهرا وباطنا، فلا بد من إيثار ما أحبه الله من عبده وأراده على ما يحبه العبد ويريده .
وعَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ عَنْ السَّاعَةِ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: ((وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟)) قَالَ: لا شَيْءَ، إِلا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، فَقَالَ: ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ))، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ : ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ))، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ. وفي رواية: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ : مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟)) قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاةٍ وَلا صَوْمٍ وَلا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أحببت)).
فتذكر ـ يا أخي الشاب ـ مصير أحبابك يوم القيامة، فإن كانوا من أهل الجنة والنعيم كنت معهم، وإن كانوا من أهل النار والسعير فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فاتقوا الله عباد الله، وتوبوا إليه، ولا تقعوا في المعاصي وكثرة الذنوب، قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الداء والدواء: "ومن عقوبات المعاصي أنها تزيل النعم وتحل النقم، فما زالت عن العبد إلا بذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب"، وقال أحد السلف رحمه الله تعالى: "ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة"، وقال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ [الشورى:30]. ولقد أحسن القائل:
إذا كنت فِي نعمة فارعها فإن الْمعاصي تزيل النعم
وحُطها بطاعة رب العباد فربّ العباد سريع النقم
وإياك والظلم مهمااستطعت فظلم العباد شديد الوخم
وسافر بقلبك بين الورى لتبصر آثار من قد ظلم
فتلك مساكنهم بعدهم شهود عليهم ولا تتهم
وما كان شيء عليهم أضر من الظلم وهو الذي قد قصم
صلوا بالجحيم وفات النعيم وكان الذي نالهم كالحلم
جنبني الله وإياكم أسباب سخطه وعقابه، وجعلنا جميعًا من أهل محبته ورضوانه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:42-45].
ألا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]...
ـــــــــــــــــــ(68/327)
الشباب في الإسلام
...
...
4860
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الأبناء
...
سعيد بن سالم سعيد
...
...
الشارقة
...
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- أهمية الشباب. 2- أهمية مرحلة الشباب. 3- واجبات الشباب اليوم. 4- مسؤولية الأسرة في حمايةِ الشباب من الانحراف.
الخطبة الأولى
جماعة المسلمين، اعلموا ـ رحمني الله وإياكم ـ أن الأمم والمجتمعات لا تستطيع المحافظة على استمرار وجودها وتقدمها ورقيها إلا بفضل إعداد أجيالها المتعاقبة الإعداد السليم المتكامل، وبقدر ما تحافظ الأمم والشعوب على تربية هذه الأجيال على التمسك بدينها ومعتقداتها وأخلاقها بقدر ما تحافظ على بقائها وعلو شأنها؛ لذلك وجهنا الإسلام إلى الاهتمام والعناية بالشباب وتنشئتهم تنشئة صالحة.
فالشبابُ يُعتَبر ثروةَ الأمّة الغاليةَ وذخرَها الثمين، يكون خيرًا ونعمةً حين يُستَثمر في الخير والفضيلةِ والبناء، ويغدو ضررًا مستطيرًا وشرًّا وبيلاً حين يفترسه الشرُّ والفساد.
الانحرافُ في مرحلة الشّباب خطيرٌ ومخوِّف، فمنحرفُ اليوم هو مجرمُ الغدِ ما لم تتداركه عنايةُ الله، وعلى قَدرِ الرعاية بالشبابِ والعنايةِ بشؤونهم يتحدَّد مصيرُ الأمّة والمجتمع.
ولذلك ـ إخواني في الله ـ حث نبينا على اغتنام مرحلة الشباب قبل المشيب، قال النبي لرجل وهو يعظه: ((اِغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْل خَمْس: شَبَابك قَبْل هَرَمك, وَصِحَّتك قَبْل سَقَمك, وَغِنَاك قَبْل فَقْرك, وَفَرَاغك قَبْل شُغْلك, وَحَيَاتك قَبْل مَوْتك)). والغنيمة لا تكون إلا لشيء يخشى فواته وضياعه إن لم يتداك ويستغل.
ومما لا شك فيه أن الواجب في هذه الأمة مشترك بين المسلمين جميعا، شبابا وشيوخا، ولكن خص الشباب بالذكر لأنها مرحلة مهمة جدا في حياة المسلم نفسه، وفي حياة مجتمعه المسلم، فهم الذين يقومون بواجبهم بعد رحيل الجيل الذي سبقهم.
ومن أجل هذا المطلب أرشدنا نبينا إلى سلوك الطريق النبوي في تربية هذا النشء، بدءا من اختيارك لزوجتك الصالحة المؤمنة التي تعتبر بحق هي المدرسة الأولى لتربية النشء، إلى أن يكبر النشء من الأولاد والفتيات ليقوموا بدورهم من جديد. ولقد رسم النبي فيما رسم منهجًا واضحًا للآباء والمربين لتربية شباب الأمة المحمدية، ممثلاً في ابن عمه الغلام عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، حيث قال: ((يَا غُلامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)).
إن أول لبنة في بناء الشباب لبنة العقيدة السليمة وقوة الإيمان وصدق التعلق بالله وحده، إن أولها حفظ الله بحفظ حقوقه وحدوده وحفظ أمره ونهيه، ومن ثم الاستعانة به وحده في الأمور كلها والتوكل عليه واليقين الجازم بأنه بيده سبحانه الضر والنفع، يأتي كل ذلك ـ أيها الإخوة ـ ليكون دافعًا للشاب وهو في فورته وطموحه وتكامل قوته ليكون قوي العزيمة عالي الهمة.
ثم ها هو نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه ينادي شباب أمته جميعا؛ ليوجههم إلى حفظ شهواتهم وغرائزهم حتى لا يسقطوا في وحل الإثم والمعصية، قال رسول الله : ((يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)).
ومن المنهج النبوي في تربية الشباب ذكورًا كانوا أو إناثًا قول الرسول : ((مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ)). فالبرغم من أن ابن السابعة ليس مكلفًا بالواجبات، ولكنه يؤمر بالصلاة لأجل أن يعتادها ويألفها فتنطبع في ذهنه؛ وذلك لأن الصلاة فيها سر عظيم في تربية النشء على الإسلام الصحيح، قال تعالى في ذلك: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45]، وقال عز وجل: وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:45، 46].
وقوله : ((وفرقوا بينهم في المضاجع)) أي: لا تتركوهم ينامون تحت غطاء واحد أو على فراش واحد؛ خشية أن يطلع بعضهم على عورات بعض، فتقع الفتنة التي لا تحمد عاقبتها.
ثم اعلم ـ أيها المربي وأنت أيها الشاب ـ أن تنشئة الولد أو البنت على طاعة الله ورسوله فيها الأجر العظيم عند الله، وذلك حتى قبل أن يدخل الجنة، فروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي قال: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ..)). قال ابن حجر رحمه الله: "خص الشاب لكونه مظنَّة غلبة الشَّهوة لما فيه من قُوَّة الباعث على متابعة الهوى، فإنَّ ملازمة العبادة مع ذلك أشَدُّ وأَدلّ على غلبة التَّقْوَى".
أيها المسلمون، روى الترمذي عن ابن مسعود عن النبي قال: ((لا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاه؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاهُ؟ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ؟))، فالشاهد من الحديث هو قوله : ((وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاهُ؟)). فأنت ـ أيها المسلم ـ مسؤول أمام الله يوم القيامة عن هذا الشباب، وهو المرحلة التي يكون الإنسان فيها قويًا فتيًا، ماذا عمل فيه؟ وبماذا استغله؟
ألا فليقف كل واحد منا في هذا المسجد وقفة محاسبة مع النفس، ماذا قدمت لنفسك عند الله غدا؟ هل أديت الواجبات والفروض التي طلبها الله منك، أم أنت مقصر فيها ومضيع؟ ثم هل استكملت ذلك بالمستحبات والنوافل؟ قال رسول الله : ((إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ)) رواه البخاري.
الخطبة الثانية
أما بعد: إن مرحلة الشباب مرحلة مهمة جدا في حياة المرء المسلم، فبها ينجو من الخسران، قال تعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [سورة العصر]. فجنس الإنسان في خسارة إلا من اتصف بالإيمان والعمل به، ثم الدعوة إليه، وأخيرًا الصبر على الأذى فيه.
فما واجبات الشباب اليوم، إنها كثيرة ومن أهمها:
أولا: يجب على الشباب المسلم أن يعتني بتعلم العلم الشرعي بالقدر الذي يستقيم به دينهم وتصح به عبادتهم، فيجب عليهم أن يتعلموا التوحيد والعقيدة الصحيحة وما يخالفها من العقائد الفاسدة، كما يجب عليهم تعلم أحكام الصلاة والصيام والزكاة والحج وأركان الإيمان الستة ومعرفة نواقض الإيمان، وذلك حتى يقيموا دينهم على أساس صحيح. وإن الواقع لأليم يا أولياء الأمور، إننا نرى شبابا قد بلغ السابعة عشر من العمر وهو على وشك أن ينتهي من دراسته الثانوية، وللأسف لا يعرف كيف يقرأ كتاب الله عز وجل، بل جلهم لا يعرف كيف يقرأ الفاتحة بصورة صحيحة. فالله المستعان على هذه الصورة المخزية من صور التربية الفاشلة
ثانيًا: على شباب المسلمين أن يرتبطوا بعلماء المسلمين من أهل السنة والجماعة، وأن يرتبطوا بكبارهم، فالناس لا يزالون بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، فإن أخذوه عن أصاغرهم هلكوا، والأصاغر هم علماء السوء من أهل البدع والضلالات. وإذا ما انفصل الشباب عن العلماء الربانيين وارتبطوا بعلماء السوء وعلماء الفضائيات تلقفتهم التيارات المنحرفة من خلال الجرائد أو الفضائيات أو الإنترنت، فأصبحوا لقمة سائغة لأصحاب الأغراض السيئة.
ثالثًا: على الشباب ـ وفقهم الله ـ أن يجتنبوا أصدقاء السوء؛ لأنهم سبب لشقاء الشاب في دينه ودنياه، والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
وأخيرًا: يا أولياء الأمور، يا معاشر الآباء والأمهات، يا معاشر المعلمين، اتقوا الله في شباب الإسلام، نشئوهم على طاعة الله ورسوله، كونوا لهم قدوة حسنة.
فالأسرةُ تفقد دورَها وتضيِّع رسالتها إذا انصرَف الآباءُ عن أُسَرهم، وكان همُّهم الأكبر توفيرَ مادّة الكسب مع ترك الحبلِ على الغارب للأولادِ والتقصيرِ في تربيتهم وعدم تخصيص وقتٍ لهم يمارسون فيه التوجيه والرعاية. فكثير من الآباء والأمهات يعتقد أن تربية الأولاد مقتصرة على توفير حاجاتِ الأولاد من أكلٍ وشُرب وكِسوةٍ وترفيه، أما تربيةُ الأخلاق وتهذيبُ السلوك وبناءُ الشخصية فليس بذي أهمية، وهذا خطأ بين واضح، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، وقال : ((والرجل راعٍ في أهله، وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولةٌ عن رعيتها)). الأسرةُ في الإسلامِ مسؤولةٌ عن حمايةِ الشباب من الانحرافِ.
راقبوا أبناءكم مع من يسيرون، ومتى إلى البيت يرجعون، تعاونوا مع المدارس في متابعتهم والسؤال عنهم وعن مستواهم الدراسي، لا تترك الإنترنت عند ولدك أو بنتك في غرفته الخاصة أبدًا، بل راقبه واجعله في مكان يراه كل أفراد الأسرة. وإن كنت غير محتاج إليه فمن الواجب عليك أن تخرجه من بيتك؛ لأنه وسيلة دمار على الشباب أكثر من كونه وسيلة تعلم واستفادة.
أيها الأب، لا تسرف على ولدك بالأموال بحجة أنه كبر ومصاريفه قد زادت، فالأموال سبب لفساد الأبناء، بل انظر ما يحتاجه واشتره له.
وهناك أمور كثيرة يجب على الوالدين مراعاتها عند تربيتهم لأبنائهم لا يتسع المقام للتنبيه عليها.
ـــــــــــــــــــ(68/328)
الشباب بين الأمس واليوم
...
...
4854
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الأبناء
...
عبيد بن عساف الطوياوي
...
...
حائل
...
18/11/1426
...
...
جامع الخلف
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- تحذير الشباب من الانحراف والضياع. 2- أسباب فساد الشباب وضياعهم. 3- نماذج رائعة من شباب سلف الأمة. 4- الوصية بالاهتمام بالشباب وبيان بعض الأخطاء في تربيتهم.
الخطبة الأولى
أما بعد: عباد الله، اتقوا الله عز وجل القائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
واعلموا ـ يا عباد الله ـ أن انحراف الشباب وفسادهم وسوء أخلاقهم من المخاطر العظيمة التي تهدّد أمن المجتمع، وتسبّب ضياع الأمة. إذا كان المجتمع ـ أيها الإخوة ـ يعاني من تبعات البطالة وآثار المخدرات ونتائج التكفير فإن انحراف الشباب لا يقلّ خطورة عن ذلك؛ لأن الشباب هم رجال المستقبل، وهم رصيد الأمة، فإذا فسد الرجال وضاع الرصيد فعلى الأمة السلام.
أيها الإخوة المؤمنون، لقد اهتمّ الدين بالشباب، وأمر بالاعتناء بهم، وحذر من إهمال تربيتهم، ففي يوم القيامة يحاسب الإنسان عن عمره فيما أفناه، ثم يحاسب عن شبابه فيما أبلاه، وفي هذا دليل على أهمية مرحلة الشباب وخطورتها، فالإنسان يسأل ابتداء عن عمره جملة واحدة، ثم يسأل ويحاسب عن أيام شبابه، ((وعن شبابه فيم أبلاه؟)).
فمرحلة الشباب مرحلة خطيرة، مرحلة مهمة، وهي المرحلة التي يتشكل فيها منهج الإنسان، ومن شب على شيء شاب عليه، ومما يزيد الأمر خطورة وسائل الفساد في هذه الأيام، التي أثرت في كثير من شبابنا، وأفسدت فطرهم السليمة. انظروا ماذا يفعلون بسياراتهم، تصفحوا رسائل جوالاتهم، زوروا المواقع التي تنال إعجابهم، تأملوا اهتماماتهم وهواياتهم، والنتيجة ها هي بين أيديكم:
هجروا المساجد والصلاة وطلّقوا سنن الرسول ومنهج القرآن
أما التلاوة فالغناء لديهم لعب البلوت وجلست الدخان
والله ـ أيها الإخوة ـ إن القلب ليتقطع حسرة وألما ويذوب كمدا مما عليه بعض شبابنا من فساد وانحراف وغير ذلك، ولا شك ـ أيها الإخوة ـ أن هذا نتيجة من نتائج إهمال الآباء لأبنائهم، انشغل بعضهم عن تربية أبنائه بمنصبه أو بمتجره أو بمزرعته أو بوظيفته أو بغير ذلك من أمور الدنيا.
ومن رعى غنما في أرض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد
اهتمّ بعضهم بتوفير ما لذ من المآكل وما زان من اللباس لأبنائه، وترك تربيتهم للقنوات الفضائية ورفقاء السوء والشوارع ومواقع الإنترنت، وإن شئت قل: البنات للسائق والبنون للخادمة.
أيها الإخوة المؤمنون، إن شباب اليوم أو أكثرهم إذا لم ينتبهوا من غفلتهم ويستيقظوا من رقدتهم ويعودوا إلى دين ربهم فإنهم سوف يُكوِّنوا مجتمعًا فاشلاً ضائعًا فاسدًا، لا تسأل عن حاله ومآله، فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ [غافر:44].
أيها الإخوة المؤمنون، ولكي ندرك بوضوح وجلاء سوء حال بعض شبابنا نتأمل كيف كان شباب سلفنا الصالح الذين تربوا على كتاب الله عز وجل وعلى سنة نبيه ، ولا مقارنه.
خرج المسلمون إلى أحد للقاء المشركين، فلما اصطفّ الجيش قام النبي يستعرضه، فهو القائد، فرأى في الجيش صغارا لم يبلغوا الحلم حشروا أنفسهم مع الرجال، يريدون الجهاد في سبيل الله تعالى، يريدون إعلاء كلمة الله، لم يصطفوا للتفحيط أو تبادل الرسائل عبر الجوال، إنما اصطفوا للجهاد وللشهادة، فأشفق عليهم النبي ، أشفق عليهم الرحيم بأمته، فرد من استصغر منهم، وكان فيمن رده عليه الصلاة والسلام رافع بن خديج وسمرة بن جندب، ثم أجاز رافعا لما قيل: إنه رام يحسن الرماية، فبكى سمرة وقال لزوج أمه: أجاز رسول الله رافعا وردني مع أني أصرعه، فبلغ رسول الله الخبر فأمرهما بالمصارعة فكان الغالب سمرة، فأجازه عليه الصلاة والسلام.
نموذج آخر: في غزوة بدر يقول سعد بن أبي وقاص : رأيت أخي عمير قبل أن يعرضنا رسول الله يوم بدر يتوارى ـ أي: يختبئ في الجيش ـ، فقلت: ما لك يا أخي؟! قال: إني أخاف أن يراني رسول الله فيردني، وأنا أحب الخروج لعل الله يرزقني الشهادة. يريد الشهادة! تدرون كم عمره؟ ستة عشر عاما، ماذا يفعل بعض الأبناء اليوم في هذه السن؟ الله المستعان.
قال سعد : فعرض عمير على رسول الله فرده لصغره، فلما رده بكى فأجازه ، فكان سعد يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره ـ طفل صغير ـ، فقتل وهو ابن ست عشرة سنة . نال الشهادة في سبيل الله تعالى، لم يمت تحت عجلات سيارته لأنه يفحّط، ولم يمت كالذين يموتون في دورات المياه بالإبر المخدرة، إنما مات شهيدًا رضي الله عنه وأرضاه.
انظروا ـ إخوتي في الله ـ على ماذا يتنافس القوم، ومن أجل ماذا تسيل دموعهم، إنهم يتسابقون على الشهادة في سبيل الله، فهم حقًا محط الفخر والاعتزاز. ولو أردنا أن نفتخر بشباب اليوم، بالله عليكم ماذا عسانا أن نقول؟ أنصفوني من أنفسكم. نعم، قد نقول: إن أحدهم لا يجارى في تسريحته ولا يشابه في لبسته ومشيته وميوعته، وليس له مثيل في لعبه بكرته وتفحيطه في سيارته. هل هناك غير هذا؟ كلا إلا من رحم الله.
أيها الإخوة المؤمنون، نموذج آخر: كان لعمر بن عبد العزيز ولد صغير، فرآه عمر في يوم العيد وعليه ثوب خلق قديم متمزق، فدمعت عيناه، تدمع عيناه وهو أمير المؤمنين؛ لأنه لا يستطيع أن يكسو ابنه ثوبا جديدًا للعيد، فلما دمعت عيناه رآه ولده فقال: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟! يسأل الولد أباه، قال: يا بني، أخشى أن ينكسر قلبك إذا رآك الصبيان بهذا الثوب الخلِق، قال: يا أمير المؤمنين، إنما ينكسر قلب من أعدمه الله رضاه أو عق أمه وأباه، وإني لأرجو أن يكون الله راضيا عني برضاك. لا إله إلا الله، ما أجمل هذه التربية، وما أحلى هذه التنشئة:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
إنها تربية عمر بن عبد العزيز، التربية الإيمانية المستمدة من مدرسة النبوة.
نموذج آخر: دخل على عمر أيضا ـ عمر بن عبد العزيز ـ دخل عليه في أول خلافته وفود المهنئين من كل جهة، فتقدم من وفد الحجازيين للكلام غلامٌ صغير لم تبلغ سنه إحدى عشرة سنة، فقال له عمر: ارجع أنت أيها الغلام، وليتقدّم من هو أسن منك، فقال الغلام: أيّد الله أمير المؤمنين، المرء بأصغَريه: قلبه ولسانه، فإذا منح الله العبد لسانًا لافظًا وقلبا حافظًا فقد استحقّ الكلام، ولو أن الأمر ـ يا أمير المؤمنين ـ بالسن لكان في الأمة من هو أحقّ منك بمجلسك هذا، فتعجّب الخليفة من كلامه.
أيها الإخوة المؤمنون، نماذج والله لا تُمَلّ، فالله الله، أدركوا خطر انحراف شبابنا، واهتموا بأبنائكم، فسوف تسألون عنهم، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
أسأل الله عز وجل أن يصلح لي ولكم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها المسلمون، اتقوا الله عز وجل، واعملوا على تربية أبنائكم تربية صحيحة، أدبوهم على حب الله وحب رسوله وحب القرآن والدين، اجعلوا شباب السلف هم قدواتهم، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يقول أحدهم: كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله كما نعلمهم السورة من القرآن.
واحذروا ـ يا عباد الله ـ إهمال تربيتهم، وإياكم والمبالغة في تزكيتهم، فبعض الناس مبالغته في تزكيته لأولاده صارت سببا لانحرافهم وفسادهم. لقد وجد ـ أيها الإخوة ـ من يدعي صلاح أولاده وهو لا يعرف شيئا عنهم؛ لأنه لا يشاهدهم إلا عند النوم أو عند الطعام، وعندما يلام على انحراف أولاده لا يكاد يصدق ذلك، بل تجده يدافع عنهم، بل يلوم ويوبخ من يقدم له النصيحة.
أيها الإخوة المؤمنون، فنشئوا أولادكم على العبادة، ليعتادوا أدائها والقيام بها منذ نعومة أظفارهم، يقول النبي : ((مروا أولاكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع)). عوّدوهم على الصيام، وأدبوهم على حفظ القرآن وتلاوته واستماعه والعمل به. علموهم سنة النبي ، ولقنوهم سيرته ومغازيه. اربطوهم بذكر الله عز وجل، وربوهم على مراقبة الله جل جلاله، ورغبوهم بالجنة وحذروهم من النار. امنعوهم ـ يا عباد الله ـ من مخالطة الأشرار صغارًا وكبارًا.
أسأله عز وجل أن يصلح ذرياتنا، اللهم هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا. اللهم أصلح شباب المسلمين ذكورًا وإناثًا. اللهم اجعلهم هداة مهتدين، بالقرآن عاملين وبسنة النبي متمسكين. اللهم جنّبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم ربنا أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا...
ـــــــــــــــــــ(68/329)
تأمين مستقبل الأبناء
...
...
4897
...
الأسرة والمجتمع
...
...
الأبناء
...
سعيد بن عبد الباري بن عوض
...
...
جدة
...
...
...
سعد بن أبي وقاص
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- من سنة الله تفضيل بعض الناس على بعض. 2- الحكمة في تفضيل بعض الناس على بعض. 3- السبل والوسائل الموصلة لتأمين حياة كريمة لذريتنا من بعدنا.
الخطبة الأولى
لقد خلق الله الأرض وقدر فيها أقواتها، وخلق الخلق وقدر لها أرزاقها، وكل ميسّر لما خلق له. وفي هذه الحياة يوجد الغني المفرط الذي رزقه الله مالاً بغير حساب، وآتاه الله من الأموال ما شاء، ذهبٌ وفضة وعقار وأنعام رزقًا من عند الله. ويوجد أيضًا الفقير المدقع الذي لا يجد ما يسد رمقه، فهو يعيش على حسنات الناس، بل ربما وجدت يومًا من مات جوعًا لشدة فقره.
وبين هذين الشخصين درجات متفاوتة ممن آتاهم الله شيئًا من هذه الدنيا أو حرمهم. وهذه إرادة الله وحكمته، يقول جل وعلا: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف:32].
فهذه حكمة الله، فقد فضل بعض الناس على بعض لحكمة أرادها، فيها مصالح الناس، وهي سبب لاستمرار الحياة، ولولا ذلك لفسدت الحياة ولم تعمر، ولما تسخر الناس بعضهم لبعض. ولو تساوى الناس لم يحتج أحد لأحد، ولم يعمل أحد لأحد، وذلك هو فساد الأرض ومن عليها.
وعندما يفقه المؤمن ذلك تتورث لديه قناعة وطمأنينة ورضا بما قسم الله له، لكن البلاء كل البلاء والمصائب والدمار إنما تنشأ عندما لا يرضى الإنسان بما قسمه الله له وقدَّره له، فيسعى ليحصل على ما لم يُقدَّر له من رزق أو يُكتب له، ويكون هذا السعي بوسائل محرمة؛ وكل ذلك تأمينًا لمستقبله ومستقبل أسرته كما يزعم، وما درى هذا المسكين أنّ الحرام ما كان يومًا أمانًا لأحد، بل إنما ينشئ الخوف والدمار والضياع للإنسان ومن يعوله بسبب أكل الحرام أو التعامل به، وعند الترمذي من حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله : ((إنه لا يربو لحم نبَت من سحت إلا كانت النار أولى به)).
أمة محمد، أيتها الأمة المباركة المرحومة، وفي ظلّ زيادة تعقيدات الحياة المعاصرة وزيادة الفتن، يزداد المرء منا خوفًا على أسرته في حال غيابه عنهم بموت أو غيره، فيزداد عندنا الشعور بأهمية تأمين حياة كريمة لذريته من بعده. وهذا أمر طبعي فطري لا يُنْكَرُ على أحد، لكن السؤال الذي يطرح نفسه في مثل هذه الحال: ما هي الحياة الكريمة التي يمكن أن نؤمنها لذريتنا من بعدنا؟ وينبني عليه سؤال آخر لا يقلّ أهمية عنه وهو: كيف يكون تأمين هذه الحياة الكريمة؟ وما هي السبل والوسائل الموصلة إلى هذا المقصود العظيم؟
أخي الكريم، وقبل أن نجيب على السؤال الأول يجب أن نعي جيدًا أننا في أيامنا هذه قد اختلّت عندنا كثير من الموازيين وانقلبت كثير من المفاهيم، حتى إن بعض الناس أصبح يرى المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، وبناء عليه فإن إجابة السؤالين السابقين عند الكثير من الناس لن تكون صحيحة، إلا إذا كانت الخلفية الفكرية لمن يحاول الإجابة مبنية على أسس شرعية من كتاب الله وسنة رسوله . وحيث إن عصرنا هو عصر الماديات البحت، عصر يربط كل شيء بالمال والمنفعة الدنيوية والمصالح الشخصية، وما عدا ذلك فلا قيمة له ولا وزن؛ فإن الإجابة على السؤالين السابقين لن تكون صحيحة عند من انصبغ بصبغة هذا العصر وانطبع بطابعه، وأما من وفقه الله فكان بعيد النظر عالي الهمة وكان ممن قد أوتي الإيمان واليقين بالله فإنه سيوفَّق لإجابة صحيحة على ذينك السؤالين.
إخوة الإيمان، وبحثًا عن إجابة السؤالين فلننظر في كتاب الله عز وجل، ولنقف قليلاً مع قصة ذكرها الله في سورة الكهف في قصة موسى مع الخضر عليهما السلام، عندما طلب الخضر من أهل القرية أن يضيّفوهما فأبوا، ثم قام الخضر عليه السلام ببناء جدار كاد أن يتهدّم في تلك القرية، فتعجّب موسى عليه السلام من فعل الخضر وقال له: لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا [الكهف:77]، ثم لما أخبره بعد ذلك بالسبب قال: وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [الكهف:82].
فها هو الخضر هو وموسى عليهما السلام يطلبان من أهل القرية التي نزلا بها أن يضيفوهما، فيرفض أهل القرية استضافتهما أو إعطاءهما أي شيء، فبقيا جائعين بلا طعام، ويرى الخضر عليه السلام جدارا قديما متهالكا فيقوّم ببنائه، فيتعجب موسى عليه السلام من فعل الخضر عليه السلام، ويقول له بأن هؤلاء القوم لا يستحقون بناء الجدار لهم؛ فهم لم يقوموا بضيافتنا، فيبين له الخضر عليه السلام أنه إنما أعاد بناء الجدار لأنه ليَتِيمين، وكان تحت هذا الجدار كنز مخبّأ لهما، فأراد الله أن يكبر اليتيمان حتى يستخرجا كنزهما، وإنما حفظ الله لهما هذا الكنز لأن أباهما كان رجلا صالحا.
فتأمل ـ يا عبد الله ـ في القصة تجد إجابة السؤالين:
أما الأول: وهو الحياة الكريمة التي ينشدها كثير من الناس، ما هي؟! إنها ـ عباد الله ـ تقوى الله والعمل بطاعته وإصلاح النفس ظاهرًا وباطنًا، يقول تعالى: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13، 14]. قال بعض أهل العلم: "النعيم للأبرار ليس في الآخرة فقط، بل هو في الدنيا والآخرة. والجحيم الذي هو للفجار في الدنيا والآخرة".
وأما السؤال الثاني: كيف يكون هذا التأمين للحياة الكريمة؟! والجواب: إنه يكون بتربية الأبناء على الخير والصلاح، وربطهم بربهم جلّ وعلا، وعدم ربط قلوبهم بالدنيا فقط. وهكذا يحفظ لنا أبناؤنا، وتحفظ ذرياتنا من بعدنا. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة؛ بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقر عينه بهم".
واليوم ـ معاشر المؤمنين ـ أصبح الكثير من المسلمين يربي أبناءه تربية مادية دنيوية محضة، فالأبناء يغرس فيهم حب الدنيا من خلال معاملة الوالدين، فتجد أن بعض الآباء والأمهات يحرصون أشدّ الحرص على التحاق أبنائهم بالمدارس، وإتمام الدراسة والوصول إلى الجامعات، ويتعبون في سبيل ذلك أشد التعب، ويجاهدون من أجله جهادا عظيما، ويغضب الوالدان على الابن إذا لم يفلح في دراسته أو إذا رفض مواصلة الدراسة، ويبينان له أن هذا مستقبله الذي لا يمكنه العيش بدونه، ويحرص الكثير من الآباء والأمهات على أن يكون أبناؤهم من المتفوقين الأوائل، وفي المقابل تجد أن الآباء والأمهات لا يُولُون اهتماما مماثلا ـ فضلا عن أن يكون زائدًا ـ لمستقبل الأبناء الأخروي؛ فقد يكون الابن لا يصلي أو أنه يكذب ويغش أو يرتكب معاصي أخرى، فتجد أنه لا يوجد ذلك الاهتمام بالقضية، وإذا نبهوا ونصحوا هزُّوا رؤوسهم وقالوا: نسأل الله أن يهديهم. وهذا كل ما يمكن أن يفعله أب أو أم لابنهما التارك للصلاة مثلا، أما لو تعلق الأمر بالدراسة فإن الابن سوف يتعرض لشتى أنواع العقوبات من الوالدين.
إننا ـ عباد الله ـ نوقظ أبناءنا للذهاب للمدارس في كلّ صباح، في موعد محدد دائما ولا نتخلف عنه إلا لظروف قاهرة، بينما لا نفعل الشيء ذاته مع صلاة الفجر، نرحمه من الاستيقاظ للصلاة؛ لأنه مسكين متعب قد أجهد من كثرة المذاكرة، وبعدها بساعة واحدة أو أقل أحيانا نوقظه للمدرسة بلا رحمة.
إننا ـ عباد الله ـ نضرب الأمثلة لأبنائنا بقدوات في أمور الدنيا كالطبيب المشهور فلان والمهندس فلان والكاتب فلان، أما أن نضرب أمثلة لقدوات من علماء الأمة علماء الشريعة ونقول: ليتك مثل الشيخ فلان أو الداعية الفلاني فهذا ما لا يسمعه الأبناء منا إلا من رحم الله.
معاشر المؤمنين، تلك تربية كثير منا اليوم لأبنائه وذريته، وذلك مفهومنا للمستقبل والحرص على المستقبل، ما هي إلاّ نظرة دنيوية محضة، نظنّ الحياة الكريمة في الوظيفة والمال والجاه والمنصب، وتنحصر عندنا في ذلك فقط، فهل عقلنا ما نقرؤه في كتاب ربنا؟!
إنها قضية تحتاج إلى مراجعة ومحاسبة، وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.
الخطبة الثانية
معاشر الآباء والأمهات، يا من يريد تحسين المعيشة لنفسه وأبنائه فيقع في الحرام بسبب ذلك، يقول تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124]. قال القرطبي في تفسيره: "ومعنى ذلك أن الله عز وجل جعل مع الدين التسليم والقناعة والتوكل عليه وعلى قسمته، فصاحبه ينفق مما رزقه الله عز وجل بسماح وسهولة ويعيش عيشا رافعا، كما قال الله تعالى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97]. والمعرض عن الدّين مستولٍ عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى الازدياد من الدنيا، مسلط عليه الشح الذي يقبض يده عن الإنفاق، فعيشه ضنك، وحاله مظلمة، كما قال بعضهم: لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته، وتشوش عليه رزقه، وكان في عيشه ضنك" انتهى كلامه رحمه الله.
فإن كنا نريد تأمين الحياة الكريمة لأنفسنا ولذرياتنا فعلينا بطاعة ربنا وذِكر ربنا، وإلا فإننا لن نجنِيَ في حال مخالفة ذلك إلا ضنَك العيش في الدّنيا والعمَى يوم القيامة، عافانا الله وإياكم من ذلك.
أيّها المؤمن، إنّه ليس بعذر عند الله أن تتعامل بالربا فتقترض على أن تردّ بزيادة بنسبة معينة لأجل أن تشتري بيتا أو قطعة أرض تأمينا لمستقبل الذرية كما تظن، وليس بعذر عند الله أن نترك الصلاة بحجة الانشغال بطلب الرزق، وليس بعذر عند الله أن نقصّر في حق والدينا فلا ننفق عليهما بحجة ادخار المال للأبناء، وليس بعذر عند الله أن نفرّط في أوامر الله و نقع فيما حرم الله بحجج مشابهة لتلك التي ذكرت فيما سبق. ألا فليعقل ذلك كل مسلم حتى يفتح الله علينا ويبسط لنا من بركاته، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96].
فهلموا ـ عباد الله ـ إلى الحياة الكريمة والعيش الرغيد في رحاب الطاعة وروضة الإيمان، يقول سبحانه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:134]. يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: "أي: يا من ليس همه إلا الدنيا، اعلم أن عند الله ثواب الدنيا والآخرة، وإذا سألته من هذه وهذه أعطاك وأغناك وأقناك" انتهى كلامه.
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك...
ـــــــــــــــــــ(68/330)
التفحيط والامتحان
...
...
4919
...
الأسرة والمجتمع, موضوعات عامة
...
...
جرائم وحوادث, قضايا المجتمع
...
صالح بن عبد العزيز التويجري
...
...
بريدة
...
25/4/1427
...
...
جامع الرواف
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- أخطر المخالفات المرورية. 2- أضرار التفحيط. 3- ظواهر الخلل أثناء الامتحانات. 4- خطورة مرحلة المراهقة. 5- حلول لظاهرة التفحيط.
الخطبة الأولى
عباد الله، كانت التحولات الاجتماعية بطيئة الإيقاع عصية الانقطاع، وما هي إلا لحظات غفلة عقلاء وسطوة شهوة سفهاء حتى نما فيها الورم الخبيث وتسرطن الدماغ، فشلت القوى العقلية عن تدبير العضلات أو غرق الرقيب في بحر شلة، فتولى سرحان رعي القطيع يعصف بها في أودية الهلاك أو كهوف الزواحف أو مستنقعات النتن. جاء الامتحان وهو موسم لذكريات مزعجة: شلل، بداية تجربة في المخدرات، الوقوع تحت عبث الوغدنة وسمسرة الفاحشة، ومسلسل الهبوط أسرع من سلّم الصعود، فيا وَيح من بِناؤه هش أو لأسرته غشّ.
التفحيط والسرعة الزائدة وقطع الإشارة ضمن ثلاثة من أخطر المخالفات المرورية التي تؤدّي إلى خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، ونظرًا لخطورته حرّمته اللجنة الدائمة.
عباد الله، عن ماذا نتحدث؟ هل نتحدث عن الضحايا البشرية، أم الخسائر الأخلاقية، أم الانتكاسات النفسية؟ أربعةُ آلاف ومائتا حالة وفاة، وألف ومئتا إعاقةٍ دائمة، وثمانية آلاف إعاقةٍ مؤقتةٍ سنويًا. لقد ازدادت الحوادث المروية في المملكة خلال عشر سنوات فقط بنسبة أربعمائة بالمائة. وخلال ثلاث وعشرين سنة بلغ عدد المصابين في حوادث المرور بالمملكة أكثرَ من نصف مليون مصاب. توفي منهم ستون ألفَ إنسان. ظاهرة التفحيط ظاهرة مرعبة؛ لكنها عند كثير من الشباب مجرد لعبة، ولكنها لعبة الموت.
هذا التزامن بين الامتحان وظواهر الخلَل السلوكي غاية في التناقض بين العلم والعمل، فالطالب في ذروة التواصل مع المادة العلمية، وبالمقابل في ذروة الفوضى والعبثية، فمن المسؤول؟!
المادة العلمية المكثفة في الجوانب الأخلاقية والتي يتلقاها أبناؤنا أين تأثيرها؟! وإلى متى ستبقى مظاهر الغش في الامتحانات والهيشات في انصراف الطلاب والإخلال بحقوق المارة؟! والطالب لا زال للتّو قد أمضى ساعات في صرح من صروح العلم والمعرفة، والذي كان يرجى أن يُرى منه أدب العلم والتعلم ظاهرًا على سلوكه وتعامله وكلامه وتصرفاته.
عباد الله، التفحيط شكل من أشكال إيذاء الناس غير المبرّر، ودلالة على عدم الاكتراث بسلامة وممتلكات الآخرين، ومناف لما جاءت به الشريعة، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي قال: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)) متفق عليه، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت النبي : أي العمل أفضل؟ قال: ((إيمان بالله وجهاد في سبيله))، قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: ((أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها))، قلت: فإن لم أفعل؟ قال: ((تعين صانعا أو تصنع لأخرق))، قلت: فإن لم أفعل؟ قال: ((تدع الناس من الشر؛ فإنها صدقة تصدق بها على نفسك)).
مرحلة المراهقة وبداية الشباب مرحلة تتميز بالميول النفسية تجاه ترسيخ الهوية وإثبات الذات، وفي هذا السبيل يلجأ المراهق إلى وسائل عديدة تتضمن المغامرة وركوب المخاطر ومواجهة الصعاب؛ ليثبت للآخرين أنه الأقوى والأفضل والأحسن. حب الظهور والشهرة والفراغ ومحاكاة رفقة السوء والتحدي الذي يقع بين الشباب وضعف رقابة الأسرة وأثر وسائل الإعلام والألعاب الإلكترونية كأفلام المطاردات ومسلسلات العنف والترف وعدم تقدير النعم ومحاولة بعض الشباب لفت انتباه الأحداث والمردان واستدراجهم لعلاقات شاذة، كل ذلك من أسباب تفاقم هذه الظاهرة الخطرة كما تحكيه الدراسات العلمية. سلوك اللامبالاة أحد أهمّ سمات المفحطين، وكلما انخفض العمر والمستوى التعليمي برزت سلوكيات خطرة تعرض أصحابها والآخرين للمخاطر الشديدة.
التفحيط ليس جرمًا مقتصرًا على صورته، بل مفتاح لجرائم متعددة من قتل الأرواح البريئة وإتلاف وسرقة الأموال المحترمة وترويع الآمنين وباب من أبواب ارتكاب الأفعال اللاأخلاقية وأرض خصبة لتهافت الشباب على المسكرات وترويج المخدرات.
عباد الله، من يتولى التجمعات الشبابية بعد الامتحانات حول المدارس وفلولَ الطلاب الذين تأخّر عنهم الأولياء؟ وقد أصبحت هذه التجمعات لا تقل خطرًا عن مشكلة التفحيط إذ هي المغذي الأكبر لجذب المفحطين واستعراض مهاراتهم، وهم الضحية الأولى عند حصول خطأ ما في ميدان التفحيط.
إننا سنظل ننادي: أين الأنظمة؟! ومسؤولية من هذه الشطحات؟! وكيف نحقّق المنظومة الأدبية الأخلاقية في مجتمع نسبة التناغم الاجتماعي فيه عالية؟!
الخسائر البشرية جراء الحوادث من وفيات وإصابات سنويا أكبر من خسائر كثير من البلدان التي تجتاحها حروب أو زلازل مدمرة, في حين لا تزال جهود الجهات المختصة محدودة في حصر نطاق هذه الحوادث والتقليل منها.
هناك أخطاء دون أخطاء، فالخطأ المنهجي والنظامي فادحة كبرى لا تجدي معها الصيحات. ودون ذلك الخطأ في التطبيق وفهم النظام. وحتى لا يكون جهادنا تلاوما فلا بد من تحمّل التبعة ودفع الضريبة لتستقر الكرة في مرمى المفرطين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
عباد الله، وبرغم الجهود المبذولة والمشاركات الإعلامية والتوعوية المشكورة ستظلّ دون حجم المأساة، فإن مشكلة التفحيط لم يعد يكفي فيها حجز المفحّط خمسة أيام والإطلاق بكفالة، أو حجز السيارة أو مصادرتها فحسب؛ بل أصبحت بالحجم الذي يجب على الجهات المعنية أمنيا وتربويا إعادة النظر فيها وتوسيع الدراسات العلمية حولها بشيء من الإفاضة، والوقوف على الأسباب الحقيقية التي تدفع بعض المراهقين إلى ممارستها. ولا تزال البحوث العلمية عزيزة في هذا الجانب عدا مقالات صحفية أو كتابات على الشبكة العنكبوتية.
من الحلول المقترحة للتخفيف من هذه المشكلة الاجتماعية إضافة بند في مخالفات التفحيط المرورية يشرك آباء أو أولياء أمور القصَّر والمراهقين من المفحّطين في المسؤولية والعقوبة والتغريم عن الأضرار الناتجة عن التفحيط. ومنها تخصيص برامج إذاعية وتلفزيونية وصحفية تعنى بهذه القضية. ومنها إعداد حملة توعوية تحث الآباء وأولياء الأمور ولا سيما أولئك الذين لديهم مراهقون ممن لديهم سيارات على مراقبة أبنائهم.
إن عدم وجود البديل المناسب لإبراز مهارات الشباب وحبّهم للمنافسة والظهور يدفعهم لمثل هذا التهوّر، فهل ثمة مانع من إعداد أماكن أو ساحات متخصّصة خارج النطاق العمراني يشرف عليها محترفون متخصصون في رياضة سياقة السيارات على غرار رياضات سباق السيارات؟! وذلك على مسؤولية المنظمين، وربما تحت أنظار إدارة المرور، أو لجان فنية وصحية تتوفّر فيها أسس السلامة والتقنين والتنظيم. وهل تتاح الفرصة للقطاع الخاص بممارسة هذا الدور؟!
ومن الحلول التي تخفّف من هذه المشكلة المطبّات الاصطناعية في المناطق التي لا يتواجد فيها رجال الأمن، مع دراسة الأسس الفنية والهندسية لإعداد هذه المطبّات بحيث تعيق المفحطين، ولا تزعج سائقي المركبات العاديين.
عباد الله، وثمة رافد أساسي لتفعيل الأنظمة، فهي لا تكفي وحدها إذا لم نجد استجابة وتفاعلاً من المجتمع كل بحسبه، فأولياء الأمور والجهات ذات العلاقة ولو بشكل جزئي ورجل الشارع يستطيع تأدية دوره، ولكل رافد نصيب في نهر جار من العطاء الأخلاقي للأمّة، فالحياء والمروءة وحسن الخلق وحقوق الآخرين سدّ يحمي الحمى، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله : ((من أخرج من طريق المسلمين شيئًا يؤذيهم كتب الله له به حسنة، ومن كتب له عنده حسنة أدخله بِها الجنة)) رواه الطبراني (32) وحسنه الألباني.
أيها الأب الحنون، ليس الشأن أن تجد مالاً تحقّق به مرادات أبنائك، ولكن عقلاً ومسؤولية تدبّر فيها شؤون رعيتك.
عباد الله، قد لا نستطيع القوامة بكل أشكالها، أو تكون المسؤولة عن البيت امرأة كما هي حالات أزعجت مخرجاتها المجتمع. عندها من الممكن أن يستعان بعناصر أخرى من الأقارب أو أعيان الحيّ أو الاتصال على أجهزة الدولة لتساعد في الأخذ على يد السفيه.
إن كثيرًا من الأولياء يخلط بين الحبّ والعاطفة والنصح والتربية، فالتربية شغف وإبداع لا عاطفة رخوة أو سوط فاتك؛ بل مناخ ملائم وهمٌّ دائم، تفاعل فكري وحضاري ترتقي بالسلوك وتحصّن من الانفلات. والقسوة قد يحتاجها الأب أحيانًا يدفعها الحب والعطف.
فقسا ليزدجروا ومن يك حازمًا فليقسُ أحيانا على من يرحم
وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد، وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار، اللهم ارزقنا اتّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفنا على ملته، واحشرنا في زمرته، وأدخلنا في شفاعته، واسقنا من حوضه، واجمعنا به في جنات النعيم...
ـــــــــــــــــــ(68/331)
تدنيس القرآن وقيادة المرأة للسيارات
...
...
586
...
الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد, موضوعات عامة
...
...
الإعلام, المرأة, جرائم وحوادث
...
عاصم بن لقمان يونس الحكيم
...
...
جدة
...
3/5/1426
...
...
جامع جعفر الطيار
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- فضل القرآن الكريم. 2- وقفات مع جريمة تدنيس المصحف الشريف. 3- محاولة بعض الكتاب إسقاط هيبة العلماء. 4- تغريب المرأة المسلمة.
الخطبة الأولى
عباد الله، سنتكلم اليومَ عن بعض ما تداولته وسائل الإعلام مؤخَّرا، جاء عن ابن مسعود أنَّ النبي قال: ((القرآن شافع مشفّع، وماحل مُصَدَّق ـ أي: خصم عادل ـ، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار)).
إن القرآن بلا شكّ ولا ريب هو أعظم كتاب لدى المسلمين، فهو كلام الله تعالى الذي أنزله على أفضل رسله ، ولقد تواترت الأنباء عن قيام أعداء الله بتدنيس القرآن في معسكرات الاعتقال في جوانتاناموا وفي فلسطين المحتلّة، كنوع من الضغط على إخواننا الأسرى، نسأل الله تعالى أن يفرّج كربهم، ولنا مع هذا الحدث وقفات:
فأما الوقفة الأولى: فهي مع أعداء الله الذين وصفَهم الله تعالى بقوله: لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاً وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة:8]، فليس بعد الكفر ذنب، ولا يعتقد مسلم أن الكفار يحبّوننا أو يحترِموننا وقد قال تعالى عنهم: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ، وهنا يمتحن كلّ مسلم إيمانه بأن يراجع عقيدة الولاء والبراء في قلبه، وينظر إن كان لا يزال يحبّ أعداء الله ومَن دنّس كتاب ربنا عز وجل.
الوقفة الثانية: مع قول الله تعالى تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ، فالذين دنسوا القرآن هم من اليهود والنصارى، كما فعل ذلك الهندوس من قبل عندما هدموا مسجد البابري، وكما فعل أولئك الإرهابيون الذين فخّخوا كتاب الله في مكّة؛ مما يدلنا على أن القاسم المشترك بينهم بغض دين الله وكلامه عز وجل. وإن تعذّر رفع علم الجهاد وقتالهم لضعف المسلمين فإن جهادهم لا يكون بتسيير المظاهرات والتخريب كما حصل في بعض البلاد الإسلامية، بل بالدعوة إلى القرآن ومدارسته والعمل به، ولو فعلنا ذلك لكان ذلك أكبر نكسة لأولئك الكفرة ولأعوانهم المنافقين.
وأما الوقفة الثالثة: فإن إعراض المسلمين عن قراءة القرآن واشتغالهم بما هو دونه من أخبار وصحف وأغاني ورياضة ولهو هو ما جرأ الكفار على تدنيس مصاحفنا، وقد قال الله تعالى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30]، فنحن الذين هجرنا قراءته، وهجرنا العمل به، وهجرنا تدبر آياته والانتفاع بها لنعلم ما يريده منا ربّنا، ونحن الذين هجرنا التداوي به لشفاء أمراض قلوبنا وأجسادنا، ونحن الذين تركنا التحاكم إليه؛ لذا أذلنا الله تعالى، وجعلنا في آخر الأمم وأضعفها، ويظهر ذلك الضعف جليا في مظاهر شبابنا ولباسهم وتصرفاتهم، ولو قارناهم بشباب تحفيظ القرآن الكريم لرأينا فرقا عظيما وبونا شاسعا، وما ذلك إلا لإعراض الناس عن كتاب ربهم، حتى إن منا من لا يعرف الفرق بين آية وحديث لبعده عن القرآن.
والعجيب أن قلة من الكتاب والمثقفين كتَب يستنكر هذه الجريمة العظيمة، بينما أقاموا الدنيا ولم يقعدوها على قيادة المرأة للسيارة والانتخابات البلدية، مما يدلّنا على خُبث طويّتهم وحقيقة نواياهم.
وأما الوقفة الرابعة والأخيرة: فهي مع حال طلابنا في موسم الاختبارات، إن ما يفعله بعض الجهلة من تمزيق الكتب الدراسية بعد الاختبارات بما فيها كتب التوحيد والتفسير والفقه ورميه في الطرقات ودهسه بالأرجل والسيارات لهو من جنس تدنيس كتاب الله تعالى؛ لأنه ما من كتاب إلا ويحتوي على آيات أو أحاديث أو على أقل تقدير فإنها تشتمل على لفظ الجلالة، ولا يمكن أن يصدر هذا الفعل من طلاب التحفيظ المستقيمين، ولا من المحافظين على الصلوات الخمس في المساجد، ولا ممن أحسن آباؤهم تربيتهم وتنشئتهم؛ إذ لا يصدر هذا الفعل إلا ممن نشأ في بيت جهل وبُعد عن الله، فلا يعرف للقرآن حقه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: إن الله تعالى يقول: وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلا.
إن وظيفة العلماء تبيين الأحكام للعامّة وتبصيرهم بما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم؛ لأنهم ورثة الأنبياء كما جاء في الحديث، إلا أن الملاحظ أن الكثير من الصحف والمجلات تحاول النيل من العلماء وإسقاط هيبتهم من قلوب الناس، كي يخلو لهم الجو في طرح أفكارهم المشبوهة وعقائدهم التالفة، ولا شك أن المسلمين عامة وكل من يعمل في مجال الإعلام خاصّة مسؤولون يوم القيامة كما قال تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً. والعجيب أنك لا تكاد تجد داعية أو قاضيا أو عالما يكتب عامودا يوميا؛ لأنهم لا يريدونهم أن يكشفوا للناس عوارهم وعيوبهم، بينما يفسحون المجال للكتاب من فئة المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة لتلويث أفكار الناس كما يشاؤون، وهم يتهمون الدعاة والأئمة وكل من خالفهم الرأي بالإرهاب والإقصاء والتطرف.
إنّ أهدافهم الظاهرة أن يخرجوا المرأة من خدرها بدعوتها إلى الاختلاط بالرجال وإبراز عينات شاذة لنساء أعمال وإداريات وطبيبات بشرط أن يكُنّ متبرجات مظهرات لشعورهن ونحورهن ويختلطن بالرجال، كي يكن قدوات لنساء المسلمين، وما دعواتهم لاختلاط الأطفال في المراحل الابتدائية ودعوتهم لقيادة المرأة للسيارة على الرغم من أقوال كبار العلماء في هذه المسألة وما مطالبة أحدهم بمسارعة اشتراك المملكة بفرق نسائية رياضية دولية كي لا نُحرم من المشاركة في مباريات كرة القدم على المستوى العالمي إلا أنموذج لضحالة التفكير وضعف الدين وقلة العلم عند من تصدروا الكتابة، إذًا هم لا يريدون للمرأة أن تقود السيارة فحسب، بل يريدونها أن تشارك في الأولمبياد، وبذلك نكون أهلا لنيل رضا اليهود والنصارى الذين لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم.
لقد وصفت كاتبة في مقالة بالأمس الذين يطالبون بالمقاطعة الاقتصادية للدول الكافرة بأنهم يتسكعون في مقاهي الدول الغربية، وأنهم يرتادون خمارات المطارات مودّعينها قبل أن يعودوا في هيئة الناسك المتعبد إلى هذه البلاد فيَعِظون الناس من على المنابر، فقذفت بذلك كل أئمة المساجد والدعاة من على وسيلة إعلامية يقرؤها مئات الآلاف، ولو أن إماما تجاوز حدّه ووصف أحدهم بأنه عميل للغرب أو علماني أو شيء من هذا القبيل لأجلبوا عليه بخيلهم ورجلهم، ولطالبوا بدمه وصلبه، على الرغم من أنه ما خطب إلا في مئات معدودة.
فاتقوا الله عباد الله، واقرؤوا بقلوبكم وعقولكم، صنّفوا أولئك الكُتّاب، واعرفوا لهم مواقفهم، وحذّروا الناس من شرورهم، أنكِروا على تلك الصحف بالهاتف والفاكس والزيارة، وارفعوا للجهات المسؤولة في وزارة الإعلام والمحاكم الشرعية محتسبين بذلك الأجر عند الله والدفاع عن الدين؛ كي لا يكتسح طوفان التغريب والعلمنة بلاد الحرمين، وقد قال الله تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم...
ـــــــــــــــــــ(68/332)
الأموال والأولاد
...
...
590
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
...
...
الأبناء, الفتن
...
عاصم بن لقمان يونس الحكيم
...
...
جدة
...
8/7/1424
...
...
جامع جعفر الطيار
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- الابتلاء يكون في الخير والشر. 2- المال يكون نقمة وابتلاء. 3- الأولاد نعمة وشقاء.
الخطبة الأولى
أما بعد: إن الدنيا دار عمل وابتلاء، والآخرة دارُ محاسبة وجزاء، ففي الدنيا بحسب أعمالنا يتحدد فريق كل منا، ففريق في الجنة وفريق في السعير، والابتلاء والامتحان والاختبار كلها كلمات بمعنى متقارب، والابتلاء قد اقترن في أذهان أكثر المسلمين بالأمور السيئة على النفس، كالمرض والفقر والعذاب، لكنه حقيقة يكون أيضا بالأمور المحببة والتي تعجب النفس، كالصحة والعافية والمال، يقول الله تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35].
فقد يبتلي الله عبدا بالفقر أو المرض، فيصبر ذلك العبد ليكفر عن سيئاته في الدنيا وليرفع من درجاته في الآخرة، كما قال النبي : ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة)). وقد يبتلي الله تعالى عبدا بالمال والولد، يقول تعالى: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15].
فالمؤمن ـ عباد الله ـ ينجح بتوفيق الله له في هذا الاختبار الذي يرسب فيه كثير من الناس، ذلك أن الله تعالى إذا ابتلاه ورزقه المال شكر اللهَ تعالى أن وسع له في رزقه وصان وجهه عن سؤال الناس، فتراه ينفق شُكْرًا وامتنانًا وعِرفانًا في مرضاة الله، ويتجنب إنفاق المال فيما يُغضب الله. وأما إذا رزقه الولد فإنه يشكر الله تعالى ويستعين به عز وجل في تربية ذلك الولد، لينشأ عالمًا أو داعيةً إلى الله أو مجاهدًا في سبيله، أو على أقل تقدير عضوا نافعًا في مجتمعه، ويجعل هم وفكر أولاده من ذكور وإناث منصبا على خدمة الإسلام والمسلمين وإعلاء كلمة الدين.
عباد الله، إن فتنة المال والولد فتنة عظيمة، والواقع يشهد أن أكثر المسلمين قد فشلوا في هذا الاختبار نسأل الله العافية.
إن الله تعالى قد وصف الكفار والمنافقين في كتابه الكريم بأنهم أهل الدنيا والنعيم، فقال: ذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ [المزمل:11]، وقال تعالى عن المكذبين أصحاب الشمال: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ [الواقعة:45]، ووصف الله تعالى الإنسان بأنه يطغى إذا كثر ماله وحلاله فقال: كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6، 7].
فالغالب أن المال يكون نقمة وابتلاء، وسببا للطغيان إن لم يتحلّ العبد بتقوى الله ومخافته، وإن لم يؤد حق الله في تلك النعمة، فأنت ترى بعض من أنعم الله عليهم بالمال لا ينفقونه في الغالب في مرضاته، فمنهم من ينفق عشرات الآلاف في سفر إلى الخارج ليعود هو وأبناؤه بآثام كثيرة وتأثُّر وإعجاب بالغرب الكافر، ومنهم من ينفق المبلغ نفسه أو أكثر منه في فرح فاجر، يستجلب إليه المغنين والمغنيات الفاسقين والفاسقات، ليُغْضِب الله تعالى وهو لا يبالي، ويدعو إلى فرحه وجهاء القوم ويترك الفقراء والمساكين من قرابته ومعارفه للفروق الاجتماعية التي بين الفريقين، وصدق النبي إذ يقول: ((شر الطعام طعام الوليمة؛ يمنعها من يأتيها، ويدعى إليها من يأباها)). ومنهم من ينفق مئات الألوف على سيارة أو ساعة، ورحم الله عمر بن عبد العزيز عندما علم أن ابنا له اشترى خاتما بألف درهم فكتب له: "قد بلغني أنك اشتريت فصا بألف درهم، فإذا بلغك كتابي فبع الفصّ وأشبع به ألف جائع، واشتر خاتما بدرهمين، واجعل نقشه: رحم الله امرؤا عرف قدر نفسه". فأين عمر رحمه الله ممن يشتري ساعة بستين ألف أو يفصل ثوبا بألفي ريال؟! أما ما ينفقه الناس في تعمير بيوتهم والبذخ الذي يصرفونه في المظاهر الكاذبة من أجل إرضاء الناس ولكي يحوزوا على إعجابهم وانبهارهم فالحديث عنه يطول ويدمي القلوب، ورحم الله امرؤا عرف قدر نفسه فأنزلها منزلها.
وأستغفر الله.
الخطبة الثانية
أما بعد: إن الولد ـ عباد الله ـ أيضا من الفتنة والابتلاء والاختبار الذي فشل فيه الكثيرون، فنحن نعلمهم في أحسن المدارس الدنيوية، ونلبسهم أفخر الثياب وأغلاها، ونطعمهم أجود الطعام، ونقتني لهم الألعاب الإلكترونية الغالية، وربما أرسلناهم في الإجازات إلى الخارج ليكتسبوا لغة أجنبية أو ليتعلموا ثقافات جديدة، ولكننا للأسف الشديد أهملنا أهم الأمور وهو ما أمرنا الله تعالى به إذ يقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، فكثير من أولاد المسلمين اليوم مِن أردأ الناس خُلُقا ودينا، تراهم في كلّ شارع وسوق، لا يوقّرون كبيرا، ولا يعرفون لجار حقّه، ولا تكاد تراهم في بيت من بيوت الله تعالى. يُروى أن هشام بن عبد الملك افتقَد ابنا له في صلاة الجمعة ذات يوم، فأرسل إليه فقال الولد معتذرا: إن بغلتي استعصت عليّ، فقال له: أما استطعت أن تأتي ماشيا؟! فحرمه من الركوب إلى الجمعة شهرا كاملا. فأين أنتم يا أولياء الأمور من هذا؟! وهلا حرمتم أبناءكم من الأمور التي تحجزهم وتؤخرهم عن صلاة الجماعة؟!
إن أكثر شباب اليوم حسن الملبس والمظهر الخارجي، قد ينظر الجاهل إليهم فينبهر من غناهم ويسرّ لمنظرهم، فيقول كما قال السابقون: يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [القصص:79]، أما المؤمنون فيقولون: وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ [القصص:80].
فاتق الله ـ يا عبد الله ـ في مالك وولدك؛ لأن الله تعالى قادر على أن يعذبك بها في الدنيا، وذلك بأن يكون المال والولد لك مصدر قلق وهم وإزعاج، فلا تدري كيف تحافظ على ما عندك من مال وكيف تنميه، ولا تدري متى يعود ابنك إلى البيت إن خرج مع رفاقه، وهل يعود يا ترى سالما، وكم من مهمل مفرّط تخرج ابنته مع صويحباتها، فلا يعرف مع من ولا إلى أين، اتصلت به هيئة الأمر بالمعروف لاستلام ابنته والعياذ بالله، وصدق الله تعالى إذ يقول عن المنافقين وأشباههم: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:55]. لقد خسر وخاب من جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده، لقد خسر وخاب لأنه يُسأل عن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ ويُسأل عن أبنائه وبناته: على أي دين وملة رباهم وأنشأهم؟
فاتقوا الله عباد الله، فإن لكم ربا أنتم ملاقوه، وسيسألكم عن كل صغيرة وكبيرة، أحصاه الله ونسوه.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم...
ـــــــــــــــــــ(68/333)
زيارة المريض
...
...
5073
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
...
...
الآداب والحقوق العامة, فضائل الأعمال, قضايا المجتمع
...
عاصم بن لقمان يونس الحكيم
...
...
جدة
...
16/10/1426
...
...
جامع جعفر الطيار
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- فضل رد السلام. 2- فضل الصلاة على الجنازة واتباعها. 3- فضل عيادة المريض. 4- بعض الآداب المشروعة عند زيارة المريض.
الخطبة الأولى
أما بعد: جاء في صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال النبي : ((حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس)).
عباد الله، إن هذه الحقوق التي فرط فيها المسلمون يترتب عليها الأجر الكبير عند الله وحصول النفع العظيم بين العباد، فإلقاء السلام ورده سبب للمحبة والمودة الموجبة لدخول الجنة، كما قال النبي : ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)).
ولا يخفى على أحد ما يتبع السلام من تحية وبشاشة توجب التآلف والرحمة، وتزيل الوحشة والتقاطع، وللأسف فإن من المسلمين من أعرض عن تحية الإسلام، فإما أن يحييك بتحية لا تمت للإسلام بصلةكقوله: صباح الخير، وإما أن لا يرد عليك السلام إذا ألقيته عليه، بل يكتفي بقوله: مرحبا أو نحو ذلك، وإما أن لا يسلم إلا على من يعرف وهذا فعل المتكبرين، وقد قال عليه الصلاة والسلام لمن سأله عن أي الإسلام خير: ((تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)).
وأما اتباع الجنائز فيقول النبي : ((من تبع جَنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا وكان معها حتى يُصلِّي عليها ويُفرغ من دفنها فإنه يرجع بقيراطين من الأجر، كل قيراط مثل أُحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تُدفن فإنه يرجع بقيراط من الأجر)). ومع عظم هذا الأجر إلا أنه قلة من المسلمين اليوم من يتحرى الذهاب إلى المقابر لزيارتها والاعتبار بحال أهلها والبحث عن جنازة ليصلي عليها ويشهد دفنها.
وأما إجابة الدعوة فلا يخفى على أحد ما فيها من جبر خاطر المسلم الذي خصك بدعوته وأكرمك، لذلك يجب عليك إجابة دعوته إلا لعذر، كوجود منكر أو كون الدعوة في منتصف الليل أو بعده.
وأما تشميت العاطس فهو مشروط بقول العاطس: الحمد لله، فقد جاء في صحيح البخاري أن النبي قال: ((إن الله يحب العطاس، فإذا عطس أحدكم فحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله)). ولعل سبب حب الله تعالى للعطاس لما فيه من حمد الله ودعاء الرحمة ومن ثم دعاء بالهداية وصلاح البال.
وأما عيادة المريض فهذه عبادة قد هجرها الكثيرون منا ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقول النبي : ((إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في مَخْرَفَةِ الجنة حتى يرجع))، بمعنى أنه ما يزال يجني من ثمار الجنة ونعيمها حتى يعود من تلك الزيارة، وفي رواية أخرى: ((فإذا جلس غمرته الرحمة، فإن كان غدوةً صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن كان عشيا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يُصبح)). إذًا عيادة المريض فيها أجر عظيم، وفيها أيضا تطييبٌ لقلب المريض وإدخالٌ للسرور عليه، كما أن فيها عظة وعبرة للزائر.
وينبغي للمسلم أن يُنفس عن المريض ما هو فيه، بتبشيره بالعافية والصحة العاجلة، وأن الله يغفر له بمرضه ويطهره من ذنوبه. ويُسن للمسلم أن يدعو بدعاء أمر به النبي بقوله: ((إذا عاد أحدكم مريضا فليقل: اللهم اشف عبدك، ينكأ لك عدوا أو يمشي لك إلى صلاة)). فالمسلم يدعو الله أن يشفي مريضه كي يقهر ويؤذي أعداء الله، أو ليذهب إلى المسجد لأداء الفروض الخمسة كما أوجبها الله.
فاحرص ـ يا عبد الله ـ أن تكون متمسكًا بدينك معتزًا بإسلامك، قاهرًا لأعدائك محافظًا على صلاتك.
أقول قولي هذا وأستغفر الله.
الخطبة الثانية
أما بعد: يشرع للزائر أن يحمد الله على العافية التي هو فيها، قال النبي : ((من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا لم يصبه ذلك البلاء)).
عباد الله، لقد كان أصحاب النبي يعودونه إذا مرض، وكان هو يعود أصحابه إن مرضوا، فلقد عاد سعد بن معاذ عندما أُصيب في غزوة الخندق، وعاد سعد بن أبي وقاص عندما مرض وأوشك على الهلاك في حديث الوصية المعروف، والأحاديث في عيادته لأصحابه كثيرة.
وينبغي للمسلم ـ عباد الله ـ أن يغتنم زيارته للمريض بالدعوة إلى الله، كأن يضع عنده كتيبات وأشرطة إسلامية تنفعه وتنفع من يجلس عنده، عوضًا عن إهدائه باقات الورد إذ تلك عادة دخيلة وليست هي من عادات المسلمين. ولقد عاد النبي صبيًا يهوديًا فدعاه إلى الإسلام فأسلم، ولنا في رسول الله أسوة حسنة.
وينبغي على المسلم أن يغض بصره إذا دخل المستشفيات، خاصة أن التبرج فيها هو السمة الغالبة، وليت الأمر اقتصر على الكافرات كما كان من قبل، لكنه انتشر وعمت به البلوى حتى أصبحنا نرى المواطنات المسلمات ـ اللاتي كن يصدرن العفة والحجاب إلى بلاد الإسلام الأخرى ـ سافرات ومتبرجات، وما ذلك إلا بكسب أيدينا، فإن المنكر إذا رضي به المسلمون وسكتوا عن إنكاره ولو بالمقاطعة عظُم وكبُر وانتقل إلى منكر أكبر منه، وهكذا حتى تصبح بلادنا كالبلاد التي نحذر دائما من السفر إليها، أما إذا أنكروه في بدايته ومهده زال وانمحى أو على الأقل صغر واضمحل.
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ في نسائكم، وكونوا رجالا ذوي غيرة، فإن الذي يرضى بالمنكر في أهله كما نرى في الشوارع والأسواق والمستشفيات سوف يعض أصابع الندم والحسرة بعد الفضيحة، ولا ينفع آنذاك الندم.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم...
ـــــــــــــــــــ(68/334)
الحرب على الطهر والعفاف
...
...
5148
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
...
...
الأبناء, الفتن, الكبائر والمعاصي
...
عكرمة بن سعيد صبري
...
...
القدس
...
23/12/1427
...
...
المسجد الأقصى
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- التحذير في انتشار الأفلام الهابطة والفاضحة بين الشباب. 2- دور الآباء والأمهات في معالجة هذا الأمر الخطير. 3- حرمة الزنا وبشاعته في الشريعة الإسلامية. 4- أضرار الزنا. 5- عقوبة الزاني. 6- رسالة وصرخة للإخوة في فتح وحماس.
الخطبة الأولى
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور: 19].
أيها المسلمون، تجتاح مدينتنا الطاهرة المقدسة أفلام الجنس الهابطة والفاضحة، وتسريبها من خلال أجهزة الكمبيوتر والإنترنت والأجهزة النقالة (أي: جهاز الموبايلات)، وبخاصة لدى الجيل الصاعد من المراهقين والمراهقات، دون رقيب ولا حسيب من الآباء والأمهات؟!
أيها المسلمون، إنكم تتوقعون أن نتحدث عن القضايا السياسية الصاخبة والفاشلة على الساحة الفلسطينية بخاصة، وعلى الساحة العربية والإسلامية بعامة، ولكن إخوة شبابا غيورين على الأخلاق وعلى الأعراض تحدثوا لنا في فضائح تحدث في مجتمعنا ونحن غافلون عنها وملهيون في الأحداث الدامية الواقعة في بلادنا، إنها قضايا لا أخلاقية تمس الأعراض، وتقوض المجتمع، وتنتشر عبر أجهزة الكمبيوتر والهواتف النقالة بين الشباب والشابات، يقوم بترويجها تجار نفعيون لا يهمهم صون الأعراض والأخلاق، وإنما يهمهم الربح ولو على حساب الرذيلة وهتك الأعراض.
أيها المسلمون، كنا سابقا نحارب دور السينما التي كانت تعرض أفلام الجنس والمعروفة بأفلام السكس، ونجح العلماء والدعاة ورجال الإصلاح وقتئذ بوقفها، أما الآن فإن أساليب الهدم والرذيلة تدخل إلى البيوت بسهولة من خلال أجهزة التلفاز والفيديو، ومن خلال أجهزة الكمبيوتر والهواتف النقالة، فما دور الآباء والأمهات في معالجة هذا الأمر الخطير الذي يهدد الأسرة والمجتمع؟
أيها المسلمون، لا يخفى عليكم أن معظم الأفلام الجنسية التي هي من إخراج الدول الأجنبية لا تعرض على شعوب بلادهم، وإنما ترسل إلى شعوب العالم الإسلامي؛ لهدم قيمه الخلقية، ولإلهاء الجيل الصاعد عن القضايا المصيرية، ولإفساد شبابنا أخلاقيا؛ ليسهل على الغرب فرض سيطرته على العالم العربي والإسلامي النائم، وهذا ما حصل فعلا.
وكلما توجه شبابنا إلى الإسلام اشتدت الحملة المسعورة لهدم الأخلاق ونشر الرذيلة وإشاعة الفاحشة، بهدف عرقلة حركة الإصلاح في المجتمع، وذلك من خلال البرامج الهدامة، ومن خلال توزيع الأشرطة الفاضحة، فالصراع واضح بين الحق والباطل وبين الإصلاح والفساد.
أيها الآباء والأمهات، إنه من الواجب عليكم التحكم في استعمال التلفاز وجهاز الفيديو، بحيث تلغى القنوات الهدامة الفاضحة من جهاز التلفاز، وأن يقتصر على قنوات محددة تعود بالفائدة على المجتمع بشكل عام، كما يتوجب على الآباء والأمهات مراقبة الأشرطة التي في حوزة الأبناء والبنات، والتي تستعمل في جهاز الفيديو، وكذلك مراقبة الهواتف النقالة، وكذلك يتوجب العناية بتربية الأبناء والبنات منذ الصغر.
يقول سبحانه وتعالى في سورة التحريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6]، ويقول رسولنا الأكرم محمد : ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته))، ويقول عليه السلام في حديث آخر: ((إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه: حفظه أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته))، ويقول في حديث شريف ثالث: ((أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم)).
أيها المسلمون، هناك ظاهرة خطيرة برزت وطفت على السطح في هذه الأيام؛ وهي أن بعض أصحاب المحلات التي تبيع الأجهزة النقالة يخزنون صورا عارية وفاضحة في هذه الأجهزة؛ لتسويقها للمراهقين والمراهقات، وأن بعض العملاء يحاولون إسقاط الشباب والشابات من خلال هذه الأجهزة، بأن يصوروا لقطات لفتيات غرر بهن، وأن ينشروا هذه الصور من خلال أجهزة الهواتف النقالة بين الناس، بهدف نشر الفضيحة والرذيلة والتجسس.
أيها المسلمون، إن هؤلاء المجرمين الذين يحاولون فضح الأعراض لا يدرون أن الله سيفضح أعراضهم؛ لقول رسولنا الأكرم محمد : ((لا تؤذوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف رحله)). ويقول الإمام الشافعي في هذا المجال:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتَجنبوا ما لا يليق بمسلم
إن الزنا دين فإن اقترضته كان الوفا من آل بيتك فاعلم
أيها المسلمون، إن الزنا من أفظع الجرائم خطرًا وأشدها ضررًا على الأعراض والأنساب والأخلاق، وعلى الأسرة والمجتمع، لذا وصف الله رب العالمين الزنا بأنه فاحشة وبئس الطريق، بقوله في سورة الإسراء: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء: 32]. وما تفشى الزنا في أمة من الأمم إلا ضاع مجدها وذهب سلطانها، وتفشت فيها الإمراض والأوبئة، وما كان ديننا الإسلامي العظيم ليحرم على الناس أمرًا من الأمور إلا لما يترتب عليه من المضار والمفاسد، فقد نهانا الله عن الزنا وما يقود إلى الزنا لأنه إثم كبير وضرره خطير، وينشر الفوضى في الأسرة وفي المجتمع، ويساعد على جريمة القتل وفساد الأخلاق.
أيها المسلمون، إن الزنا جناية على الأعراض، وهو أشد خطرًا من سرقة الأموال، فقد يفرط المؤمن في ماله ولكنه لن يفرط في عرضه، بل قد يبذل كل ماله في سبيل المحافظة على العرض والشرف، وقد يهون على المؤمن الموت في سبيل صون عرضه من الاعتداء عليه، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد.
أما الذي يرتكب جريمة الزنا فقد توعده الله سبحانه وتعالى بأشد العذاب في الدنيا والآخرة، وحسبه أنه يفقد إيمانه حين ارتكابه جريمة الزنا، فقد روى البخاري ومسلم أن رسول الله قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)). فإذا فعل ذلك فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، فما بال الزناة لا يقدرون خطورة أمرهم؟! وما بالهم يعيشون في الدنيا كالأنعام دون إدراك أو تمييز؟! وصدق الله العظيم: أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ [الأعراف: 179]، وجاء في الحديث الشريف: ((إذا رأى الناس المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه)).
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة...
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، نحتسب عند الله عالمًا فاضلاً وفقيهًا متمكنًا وإنسانًا متواضعًا، إنه المرحوم ـ بأذن الله ـ صاحب الفضيلة الشيخ عطية صقر. والشيخ عطية صقر من علماء مصر، ويعد فقيد العالم الإسلامي؛ فهو يمثل الرعيل الأول من العلماء العاملين، رحمه الله رحمة واسعة.
أيها المسلمون، أيها الإخوة المتنازعون، إن الاقتتال بين الإخوة قد أدمى قلوبنا جميعا، وبخاصة أيام عيد الأضحى المبارك، وأيام الشهر الحرام الذي حرم الله فيه القتال، ونقول للمتصارعين: إن فلسطين قضيةً وأرضا وشعبا يمثلون رموز مضيئة في العالم، فلا تسقطوا الصورة الجميلة العظيمة في أعين القريب والبعيد ولدى العدو والصديق في العالم، فقد قدم شعبنا المرابط المجاهد مئات الآلاف من الشهداء منذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917م، وحتى يومنا هذا؛ وذلك من أجل حماية الأرض والمقدسات، ومن أجل إحباط المؤامرات، وعليه فإن فلسطين ليست معروضة للبيع ولا للمساومات.
أيها المسلمون، أيها الإخوة المختلفون، تذكروا دائما أننا جميعًا تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، ولا تميز لما يسمى مناطق (أ) أو (ب) أو (ج)، وأن الاحتلال لم يعد ملتزما بما يسمى اتفاقية أوسلو، وعليه يتوجب على أهل فلسطين جميعًا بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم وأحزابهم أن يقفوا في خندق واحد في مواجهة الاحتلال لإنهائه، فلا مجال ولا مبرر للاختلاف بل للحوار البناء.
أيها المسلمون، أيها الإخوة المتنافرون، ألا ترون أن الأعداء والعملاء يتكاثرون من حولنا ويريدون الهلاك لنا؟! فلا نعمل على إضعاف أنفسنا بأنفسنا خدمة لهم، والكل يشعر أن الصراعات والاختلافات تصب في مصلحة الأعداء، ولا تخدم إلا الأعداء. يكفينا ما يفعله بنا الاحتلال من ماسي يومية، ألا يكفينا من وضع ما يزيد عن أربعمائة حاجز عسكري تمزق البلاد وتشتت العباد؟! ألا يكفي أهلنا في فلسطين الاجتياحات اليومية مع ما يرافقها من قتل واعتقال وتجريف للأراضي وتدمير للبيوت وقلع للأشجار؟!
أيها المسلمون، لنتساءل: على أي شيء نختلف؟ هل نختلف على المستعمرات والمستوطنات السرطانية التي نهبت البلاد وشتت العباد؟! هل نختلف على الطرق الالتفافية التي حاصرت المدن والقرى والمخيمات وضيعت الأراضي والبيوتات؟! هل نختلف على الجدار العنصري اللعين الذي عزلنا عن بعضنا وجعلنا كانتونات؟! وهل نختلف على الكرامة المهدورة التي تتعرض يوميا للإهانات؟!
أيها المسلمون، أيها الإخوة، تذكروا دائما أن لغة السلاح لن تكون لغة تفاهم وتحاور، ولن نصل إلى نتيجة، فاتفقوا على الحد الأدنى من القواسم المشتركة بينكم، ألا يكفي أن عقيدة الإسلام تجمعنا وأننا نتوجه إلى قبلة واحدة في صلاتنا؟! ألا يكفي أن فلسطين المقدسة تظللنا وأن الأقصى المبارك تاج رؤوسنا وأن الله العلي القدير يوم القيامة يفصل بيننا؟! فارحمونا أيها الإخوة، وارحموا أنفسكم، وانتصروا لله العلي القدير لينتصر لنا وليأخذ بأيدينا، وصدق الله العظيم: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج: 40].
ـــــــــــــــــــ(68/335)
الاختبارات
...
...
5149
...
الأسرة والمجتمع, الإيمان
...
...
اليوم الآخر, قضايا المجتمع
...
عبد المجيد بن غيث الغيث
...
...
الرياض
...
...
...
جامع الدرعية
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- السقوط في الامتحانات واعتذار الطلاب. 2- الشريعة بنيت على اليسر والتسهيل. 3- الامتحانات وذكرى الحساب والآخرة. 4- وصايا للطلاب. 5- الاهتمام بامتحان الآخرة أولى وأحرى من الاهتمام بامتحان الدنيا.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون، نعيش في هذه الأيام مع الاختبارات، وفيها من الطلاب الباذل والمقتصد والكسول، ولن يضيع الله جهد من أحسن عملا، فنسأل الله أن يعينهم ويسددهم ويرشد خطاهم ويحقق مأمولهم.
ولكن بعد خروج النتائج نجد أن أعذار الطلاب المخفقين لا تتجاوز ثلاثة أعذار، من خلال تلك الأعذار يبرئون أنفسهم ولا يتهمونها بالتقصير، فمن الطلاب من يرجع سبب إخفاقه إلى المنهج الدراسي، فيرميه بأوصاف عدة، منها أنه غير واضح أو أنه أكبر من مرحلتنا أو أنه طويل وشاق، ومنهم من يجعل التبعة والخلل في أسئلة الامتحانات النهائية فيقولون: إنها من نمط جديد أو: إنها صعبة الفهم، أو: إنها من خارج المنهج إلى غير ذلك، وهذا هو العذر الثاني. وأما العذر الثالث الذي يلقيه الطلاب المخفقين حتى لا يلومهم أحد بسبب إخفاقهم فيصبّون جامّ غضبهم على المعلم وأستاذ المادة، فيقولون: إنه لم يقم بدوره كما يجب؛ فلم يشرح لنا الدرس وأهمل في عمله، أو: إن المدرس لم تكن لديه تلك الأهلية التي تجعله يقوم بواجبه كما ينبغي، إلى غير ذلك من تلك التبريرات التي لا تقدم في الأمر شيئا بل قد تؤخره.
ولكن هل يستطيع أحد أن يعتذر بمثل هذه الأعذار يوم القيامة عندما يفوز طائفة وتخسر طائفة، فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ، أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ.
فمن يستطيع يوم القيامة أن يعتذر لنفسه ويلقي اللائمة على المنهج الدراسي وهو الدين والشريعة ويقول: إنها ـ أي: الشريعة ـ غير مفهومة، أو إنها صعبة التطبيق، أو إنها شاقة وعسيرة، لا سيما أن من قواعد الشريعة أن المشقة تجلب التيسير، ولم يكلفنا الشرع بما لا نطيق، وبل جعل لكل مسلم ما يناسبه إذا كان له خصوصيته، لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ، وعن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ قال: كانت بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النبي عن الصَّلاةِ؟ فقال: ((صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لم تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لم تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ)) رواه البخاري، وقال سبحانه عن الصيام: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ. والشريعة في منتهى الوضوح وسهلة التطبيق، والنجاح فيها في متناول اليد بعد توفيق الله، فعن جابر أن رجلا سأل رسول الله فقال: أرأيت إن صليت المكتوبات وصمت رمضان وأحللت الحلال وحرمت الحرام ولم أزد على ذلك شيئا أأدخل الجنة؟ قال: ((( نعم ))، قال: والله، لا أزيد على ذلك شيئا. رواه مسلم.
ومن يستطيع أن يقول يوم القيامة بمثل ما يعتذر به الطلاب في الدنيا، ويلقي اللائمة على المدرس وهو الرسول الذي قال في ذلك: ((وايم اللَّهِ، لقد تَرَكْتُكُمْ على مِثْلِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ)). ولما انتهت صلاة الكسوف قام النبي فحمد الله وأثنى عليه، وشهد أن لا إله إلا الله وشهد أنه عبده ورسوله، ثم قال: ((يا أيها الناس، إنما أنا بشر ورسول الله، فأذكركم الله، إن كنتم تعلمون إني قصرت عن شيء من تبليغ رسالات ربي لما أخبرتموني حتى أبلغ رسالات ربي كما ينبغي لها أن تُبَلَّغ، وإن كنتم تعلمون أني قد بلغت رسالات ربي لما أخبرتموني))، فقام الناس فقالوا: نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك وقضيت الذي عليك. وقد شهد بنصح رسول الله حجاج بيت الله الذين حجوا معه ، ففي صحيح مسلم أن النبي في حجة الوداع في يوم عرفة قال لصحابته الحجاج: ((وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فما أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟)) قالوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قد بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فقال : ((اللهم اشْهَدْ، اللهم اشْهَدْ)) ثَلاثَ مَرَّاتٍ. فمن يستطيع إذًا إن يتهم محمدا بالتقصير؟! والله شاهد على نصحه لأمته وتبليغه لرسالته.
وأما العذر الثالث الذي يعتذر به الطلاب وهو عن أسئلة الامتحان، وأما عن أسئلة امتحان الآخرة فالحق أننا لا نستطيع أن نقول: إنها سهلة أو إنها قصيرة، بل هي كما يقال: أسئلة متسرّبة معروفة، نشرها محمد تسهيلا لأمته حتى لا يفاجَأ أحد بها، ولا يقول أحد: إنها من خارج المنهج، بل وذكر عليه الصلاة والسلام تفصيلات دقيقة عن تلك الأسئلة نصحًا لأمته، فقد ذكر لنا أنها سبعة أسئلة: ثلاثة في الفترة الأولى، وأربعة في الفترة الثانية، أخرج البخاري عن أنس بن مالِكٍ قال: قال رسُولُ اللّهِ : ((يتْبعُ الْميِّت ثلاثةٌ، فيرْجِعُ اثْنانِ ويبْقى معهُ واحِدٌ، يتْبعُهُ أهْلُهُ ومالُهُ وعملُهُ، فيرْجِعُ أهْلُهُ ومالُهُ، ويبْقى عملُهُ))، وعن الْبَرَاءِ عن النبي في قَوْلِ اللَّهِ: يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وفي الآخِرَةِ قال: ((في الْقَبْرِ إذا قِيلَ له: من رَبُّكَ؟ وما دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟)) فهذه أسئلة الفترة الأولى.
أما الأسئلة التي في الفترة الثانية ـ الآخرة ـ فهي كما صح عنه عليه الصلاة والسلام من قوله: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ وماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟)).
أيها المسلمون، إذا كانت هذه الأعذار مردودة مرفوضة فهلا قدمنا ما يشفع لنا عند مليكنا؟! وهلا قدمنا ما يكون سببا لنجاتنا؟! وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.
بل قطع الله عنا سبيل الأعذار، ففي صحيح البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي قال: ((أَعْذَرَ الله إلى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حتى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً)) أي: لا عذر عند الله لمن بلغ وتجاوز الستين عامًا، فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ، يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
أيها الطلاب، الوصية بتقوى الله عز وجل، فمن اتقى الله جعل له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن اتقى الله جعل له من أمره يسرًا، وجعل له العسير يسيرًا، وآتاه خيرًا كثيرًا.
خذوا بأسباب النجاح وأسباب الصلاح والتوفيق والفلاح، استذكروا واجتهدوا، فإن تعبتم اليوم فغدًا راحة كبيرة، عندما يحزن الكسلاء لكسلهم، ويفرح حينها الفائزون بفوزهم، عندها وكأنه لم يكن هناك تعب ولا نصب. واعلموا أننا في زمن لا يحترم الضعفاء ولا يلتفت إلى الكسالى، بل نحن في عصر يقول للرجل المتوسط: وداعًا.
ألا واعلموا أن أفضل أسباب النجاح وأجمعها وأصلحها أن تعلموا علم اليقين أنه لا حول ولا قوة للعبد إلا بالله رب العالمين، ثم التوكل على الله وتفويض الأمور كلها له سبحانه، فلا تعتمدوا على الذكاء والحفظ ولا على النبوغ والفهم فقط، بل فوضوا مع ذلك أموركم لله، والتجئوا إليه، واعلموا أن الذكي لا غنى له عن ربه، وأن الذكاء وحده ليس سببًا للنجاح، بل إرادة الله وتوفيقه أولاً، ولقد أوصى النبي ابنته فاطمة أن تقول: ((يَا حَيّ يَا قَيُّوم، بِرَحْمَتِك أَسْتَغِيث، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلّه، وَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَة عَيْن)).
يا معاشر الطلاب، إياكم والغش والتزوير فإنه خيانة، ومن كانت حياته على الغش سلبه الله الخير في دنياه وأخراه، قال حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (من خادع الله يخدعه الله).
أيها المسلمون، إنه من الملاحظ أنه ما تكاد تقترب الامتحانات حتى يتأهب الناس ويسود القلق والتوتر، وتغدو هذه الامتحانات هم الناس وشاغلهم، فعنها يتحدثون، وعن أخبارها يسألون، وتجد الأب والأم يُلزِمان أبناءهما بالمذاكرة، ويشددان عليهم في ذلك، وتضبط الساعات حتى لا تأخذ الطالب نومة فيفوته الامتحان فتكون الطامة. وهذا كله حسن لا بأس به، ولكن أين مثل هذا الاهتمام بامتحان الآخرة؟!
ألا تستحق صلاة الفجر ـ مثلا ـ أن نضبط لها الساعة ونتواصى بالاستيقاظ لها؟! ألا تستحق العبادات والطاعات أن يهتم بها الأبوان ويربيا أبناءهما عليها؟! ألا تستحق الآخرة أن تشغل نصيبا من اهتمامنا وحيزا من تفكيرنا؟! ألا يستحق امتحان الآخرة أن يهتم له بأكثر من امتحان الدنيا؟! لماذا نقدم هم الدنيا على هم الآخرة؟!
عباد الله، صلوا وسلموا على البشير النذير وعلى السراج المنير.
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وخص منهم الخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، وأعلِ راية الحق والدين...
ـــــــــــــــــــ(68/336)
التقصير في تربية الأبناء
...
...
5197
...
الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد
...
...
الأبناء, التربية والتزكية
...
محمد الرزقي الورتاني
...
...
بنزرت الجنوبية
...
...
...
جامع الهداية
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- مثل المربي مثل صاحب البستان. 2- ظاهرة التهاون في تربية الأولاد. 3- كيفية وقاية الأهل من عذاب النار. 4- مفاسد إهمال تربية الأولاد. 5- مظاهر التقصير في تربية الأطفال. 6- التحذير من الدعاء على الأولاد. 7- أنواع التربية. 8- الإشادة بالأبناء الذين يحضرون المساجد مع آبائهم.
الخطبة الأولى
أيها الأحبة في الله، لنتصوّر أنّ رجلا يملك بستانا له، بستانا فيه رياحين وأزهار وأشجار وثمار، وهو يتعهّد ذلك البستان، يتعهّده بالرعاية والسقي والعناية التامّة، يرعى ذلك البستان ويحميه ويصونه، يصونه طبعا من عبث العابثين وإفساد الفاسدين المفسدين، وقد كثروا بيننا نسأل الله العافية، فماذا يحدث؟! وماذا تكون النتيجة؟! لا شك أنه سينمو ويعطي أحسنَ الثمار وأروع الأزهار وستسرّ بالنظر فيه، سيسرّ كل من رآه، كل من رآه، ما نظر فيه أحد وفيما فيه من خيرات إلا وقال: تبارك الله ما شاء الله.
ولكن لو جعل هذا البستان نسيًا منسيّا، لا يتعاهده، ولا يرعاه، ولا يسقي أشجاره، ولا يحفظه، ويتركه عرضة للعبث والفساد، فماذا سيكون مصير هذا البستان؟! هل تكون فيه ثمار؟! هل تكون فيه أزهار؟! هل تكون فيه رياحين؟! هل تكون فيه أشجار؟! الأكيد أنّ الإجابة عندنا جميعا وهي مما نتّفق عليه في دون منازع أنه لا يبقى منه شيء ذلك البستان، بل أنّ اسمه كبستان سيندثر وينمحي ولا يبقى منه شيء.
هذا مثال أسوقه إليكم ـ يا أحبتي في الله ـ على وضعنا في العناية بأبنائنا، وخاصة الذكور من أبنائنا، إننا نعيش فاجعة كبرى لا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى إلى ما ستَنتَهي بنا، فإنّك بين الحين والآخر ترى من السلوك ما لا يصدقه العقل.
إن المرض والداء الذي أصِبنا به في تربية أبنائنا لخطير وخطير جدا، وإننا لنشاهد نتائجه بين أيدينا، وتأخذنا الدّهشة بهاتِه النتائج، ونرفع أصواتنا في أننا مقصّرون، وأن تلكم النتائج إنما مردّها ومأتاها هو تقصيرنا في تربية أبنائنا، وتكاد تكون هاته نقطة نلتَقي عندها جميعا، فيقول الواحد منّا ونقول جميعا: إننا مقصّرون في تربية أبنائنا، ولكن هل حركنا ساكنا في سبيل إصلاح هذا الوضع؟! فلا وألف لا، ونحن نعيش فترة حسّاسة جدّا في مرحلة التعليم التي هي الثلاثيّ الأخير من السنة الدراسية، وما هي إلا أيام قلائل نعيش بعدها نتائج أبنائنا في دراساتهم وفي امتحاناتهم، فعلينا أن نراجع أنفسنا في هذا الصدد، يقول الحق سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم: 6]، ويقول سيد الخلق: ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته))، ويقول في حديث آخر: ((ما نحل والد ولدَه خيرا من أدب حسن يؤدّبه به)) أخرجه الإمام أحمد والترمذي.
فكيف تكون الوقاية؟! وكيف يكون العلاج؟! وكيف يقع تحمل المسؤولية في هذا الصدد؟! فهي بكل بساطة بالقيام على التربية أحسن قيام، وهذه التربية إنما تكون بحفظهم في دينهم وفي دنياهم، فالوقاية هي القيام عليهم بتربيتهم وحفظهم في دينهم وفي أخلاقهم وفي دنياهم، فإن الله جل وعلا حمّلكم مسؤولية ذلك، وسيسألكم عن ذلك يوم الوقوف بين يديه، ففي الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي : ((إن كل مولود يولد على الفطرة، وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) أخرجه البخاري.
فيا أيها المؤمن، إن ولدك هو تاج جهدك، هو ثمرة جهدك في التربية والعناية والرعاية والوقاية، فإن وجدت خيرا من هذا الجهد فاحمد الله عليه، وإن وجدت غير ذلك فلا تلومنّ إلا نفسك.
أحبتي في الله، إنه مما يحزن القلب ويتفتّت له الفؤاد أن نرى الكثير من الناس قد أهملوا تربية أبنائهم، واستهانوا بها، وأضاعوها بالجملة، فلا حفظوا أولادهم، ولا ربوهم على البر والتقوى، بل وللأسف الشديد أن الكثير من الآباء ـ أصلح الله شأنهم ـ يساهمون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فيما أصبح عليه وضع أبنائهم. يقول ابن القيم رحمه الله: "كم من والد أشقى ولده ـ أي: كان سببا في شقاء ولده ـ وفلذة كبده، وذلك بإهماله وترك تربيته والعناية به، بل وترك تأديبه، وذلك بإعانته على شهواته، وهو يظن أنه بتدليله وبتلبية شهواته إنما يكرِمه، بينما في الواقع قد أهانه، يظنّ أنه رحمه وهو قد ظلَمه، ففاته الانتفاع بولده، وفوَّت على ولده حظَّه في الدنيا وفي الآخرة".
وإذا نظرت فيما عليه أبناؤنا من انحلال وفساد وجدت أن وراء ذلك الآباء أو بالإهمال المفرط أو بالتدليل المفرط. إنَّ كثيرا من الآباء كان سببا مباشرا أو غير مباشر في شقاء أبنائهم.
أيها الآباء الأفاضل، إنَّ من المشكلات الكبرى والنوازل العظمى التي أصيبت بها الكثير من المجتمعات الإسلامية على الخصوص تقصير الوالدين في رعاية أولادهم وتربيتهم على البر والتقوى، ومعالم وأنواع هذا التقصير كثيرة وعديدة، فمنها على الخصوص الانشغال بمشاغل الدنيا الفانية الخالية التي لا تعدل ولا تساوي عند الله جناح بعوضة، فكم من هؤلاء الآباء الذين هجروا بيوتهم فلا يجلسون فيها إلا قليلا للأكل أو للشرب أو للنوم، أما باقي الوقت فهي بين اللهو واللعب بدعوى الترفيه عن النفس أو إضاعة الوقت، ونسي أن ذلك الوقت المضاع المهدر سوف يسأل عنه كما سيسأل عن تربية أبنائه يوم القيامة، أعمال كثيرة ما فيها إلا إضاعة الوقت والتقصير في الواجبات.
ولكم أن تسألوا أنفسكم: كم منكم رافق ابنه أو ابنته للمدرسة؟ وكم منكم كان واقفا أمام المدرسة ينتظر خروج ابنه أو ابنته ليكون برفقته إلى البيت وليعيش معه على الأقل فترة دخوله المدرسة أو خروجه منها؟ إنه عمل بسيط في حدّ ذاته، ولكنه عظيم الفائدة والقيمة، فمن خلاله من خلال هذا العمل البسيط المتواضع المتمثّل في مرافقة ابنك أو بنتك أو حفيدك أو حفيدتك للمدرسة أو انتظار خروجه منها يشعر الابن أو البنت بالرعاية والعناية والمواكبة والمراقبة. وإني أتوجَّه بالسؤال إلى البعض من الآباء، سؤال بسيط يمكن لكلّ أب أن يقوم بتجربته، وليرى نتائجه: ترى ماذا لو وقف أب يسأل ابنه وقد عاد إلى المنزل متأخرا، يسأله: أين كنت؟ وفي اليوم التالي يسأله نفس السؤال ولكن بشيء من الحدّة، فسوف يرى بأمّ عينيه سلوك الابن في تلك العودة المتأخرة إلى الدار، وهذه العودة المتأخرة هي سبب كل البلايا، والأب هو الأب، ينبغي أن يستشعر ذلك، فلا يظنّ أن كبر الابن يمنعه من أن يسأله عن سبب عودته متأخرا إلى المنزل، فإنه إن تخلّى عن هذا الدور كأب يكون بذلك قد فتَح المجال أمام الابن ليفعلَ ما يشاء، وعندئذ سوف لن يكونَ الأمر متعلِّقا بالعودة المتأخرة للدار، بل ستكون هناك أشياء أخرى، وهو ما أصبحنا نعيشه ونراه بأم أعيننا.
هذه عينة بسيطة من التقصير في حقّ الأبناء، يأتي ما هو أخطر منها وهو تهوين وتصغير الفعلة القبيحة، عندما يرتكب الابن الفعلة القبيحة المعصية، فيهوّنان عليه، إما بغض النظر عنها أو باعتبارها شيئا عاديا، إنّ هذا خيانة، خيانة عظمى في تربية الأبناء، خيانة للأبناء في تربيتهم، خيانة للمجتمع في أن تقدِّم له من النسل ما ينفعه، خيانة للأمانة التي حمّلك الله إياها، خيانة لنفسك في تربية أبنائك، والمصطفى يخبرنا: ((إنه من ما عبد يسترعيه ربه رعية فيموت وهو غاش لها إلا لم يجد رائحة الجنة)) رواه البخاري ومسلم من حديث معقل بن يسار، ويقول الحق سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم: 6]، والوقاية هنا هي الحماية والوقاية من كلّ قبيح وتجنب كل تقصير، والآية الكريمة تتعلّق بوقاية النفس والأهل، الوقاية من النار وليست نار اليوم، إنها نار يوم القيامة التي وقودها الناس والحجارة.
إن حسن التربيَة هو أمانة كبيرة وعظيمة، هذه الأمانة العظمى أمانة تربية الأبناء الكثير منا تخلى عنها بالكلية، وأحلّ محلها واستبدل مكانها الإضاعة والإهمال، فنتج عن ذلك أن الأبناء أبناءَنا أصبحوا في حلٍّ، يخرجون في أيّ وقت شاؤوا، ويعودون متى شاؤوا، ويصاحبون ويخالطون من شاؤوا، ويسهرون الليل وينامون النهار، ولم يقتصر الأمر على جلوس أبنائنا في المقاهي معنا حيث نسمع منهم ويسمعون منا الخير والبركة.
أحبتي في الله، إنّ هِبة الولد الصالح هي من أجلّ النعم من الحق سبحانه وتعالى، كيف لا وابن آدم إذا مات انقطع من الدنيا إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له، كما أخرجه مسلم في صحيحه. ومن الأمانة أن تحفظ الوصية في الأهل وفي الولد، وذلك بأن تخلص لهم في الدعاء، فتنال بذلك أجر الدعاء لهم بالصلاح والسداد، فتنعم في الدنيا وتؤجر عن ذلك في الآخرة، وأن تجتنبوا الدعاء عليهم بالشرّ ولو في حال السخط، ونحن نرى الأمهات وقد تعوَّدن تلك العادة السيئة التي هي الدعاء بالمكروه على الأبناء، من ذلك ما تجده عند كلّ الأمهات عندما يخطئ الطفل أيَّ خطأ فأول ما تبادِره به الأم هو الدعاء عليه بأخطر الدعاء، فهي تبادره بقولها: "يفسد رأيك"، وما علمت المسكينة أنّ من أعظم المصائب مصائب الأبناء والآباء في الوقت ذاته هو فساد الرأي، ونحن إنما نعاني اليوم من فساد الرأي عند أبنائنا وحتى عند كبارنا؛ لأنهم هم أيضا نالوا نصيبهم من هذا الدعاء الخطير عندما كانوا صغارا.
صحيح أن التربية عمل شاقّ وجهد كبير يحتاج إلى وقت وصبر وثبات، ولها جوانب مختلفة، هاته التربية تأتي في طليعتها التربية الإيمانية، تربية الطفل على الإيمان. من منا اهتم بتربية ابنه تربية إيمانية؟! لا تجيبوا فاسألوا أنفسكم وأنا معكم، فكلنا نعرف الجواب، وهو الجواب الذي يجده الإنسان عندما يسأل نفسه؛ لأن الجواب الذي يأتي من قرارة نفس المؤمن غير الجواب الذي يأتي من الغير. ثم هناك التربية الأخلاقية والخلقية، وهناك التربية الجسمية، وهناك التربية العقلية، وهناك التربية النفسية، وهناك التربية الاجتماعية، وأنواع أخرى من التربية قائمتها تطول، ولكننا لا نهتم بها إطلاقا.
وقد أكون مبالغا وقاسيا في هذا الحكم، فيقول البعض: لا يا شيخ، فنحن نربي أبناءنا، إنما هناك عوامل واردة علينا غلبت وتغلّبت علينا، وأقول: إن هذا صحيح إلى حدّ ما، ولكن هناك أمور أخرى قد تفوت من اجتهد في التربية، هاته الأمور منها أن يهتم بأمور وينسَى أمورا أخرى، فنحن نهتمّ بالنتائج في الدراسة، ربما من خلال مطالعاتنا لدفاتر أبنائنا، هذا شيء مهم وممتاز، علينا أن نحافظ عليها، ولكن هناك أمور أخرى هي خطيرة، وهي أن نقصر المتابعة والتربية على جانب أو بعض الجوانب ونهمل جوانب أخرى وهي هامّة، فذلك مما قد يفضي إلى عدم التوازن في التربية.
لنأخذ على ذلك مثلا بسيطا، لنتصور أنك اهتممت بابنك فوصل مراتب من العلم وحصل على شهادات، وقد كثرت بيننا الشهادات العديمة الفائدة والجدوى، فحصل على شهادات عليا، ولكنك أهملت تربيَتَه الأخلاقية، فنشأ عديم الأخلاق، لا أخلاق له, والأمثلة كثيرة، فهل يستفيد ممّا وصل وحصّل عليه من شهادات ومن زاد علمي؟!
أختم هذا الموضوع ـ أحبتي في الله ـ بجانب أحبّه كثيرا وأنتشي به، وهو أن نرى أبناءنا وفلذات أكبادنا معنا جنبًا إلى جنب عامرين بيوتَ الله، فهذا مما ينبغي أن نثمِّنه ونتحدث به في جلساتنا وفي ديارنا، ونحدّث به أبناءنا ونساءنا، فإنّ الطفل يتأثر بما يسمَع، ويتصرف بدافع حبّ الاطلاع، وعندما يرى قرينه يسلك المسلك المرضيّ الذي يجرّ له الاهتمام يتبعه في سلوكه، وهذا السلوك الحسن هو الذي من خلاله نبدأ المصالحة مع تربية أبنائنا.
اللهم يسّر علينا العناية بأبنائنا وفلذات أكبادنا، وباعد وأبعد عنهم الفواحش والمحن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اجعل لنا قرة عين في أزواجنا وفي ذرياتنا، وبارك لنا فيهم يا رب العالمين.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولوالديّ ولوالديكم من كلّ ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ـــــــــــــــــــ(68/337)
أحكام فقهية مهمة لمن رزق الولد
عبدالرحمن بن محمد الدخيل
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 260
(753 كلمة)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. وبعد:
فهذه مسائل مهمة يجدر أن يعرفها المرء قبل وبعد أن يرزق بمولود، واقتصرت فيها على ذكر المسألة وحكمها مع بيان الدليل من كتاب الله وسنة نبيه ، أسال الله العلي العظيم أن ينفع بها عموم المسلمين، والله ولي التوفيق.
حكم طلب الولد:
مستحب، والدليل قوله : { تزوجوا الودود الولود؛ فإني مُكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة } [رواه أحمد].
ومما يرغب في الولد قوله : { إن العبد لترفع له الدرجة فيقول: أي ربِّ أنى لي هذا؟ فيقول: باستغفار ولدك لك من بعدك } [رواه أحمد].
حكم التسخط من البنات:
مكروه، وهو من أخلاق الجاهلية التي نهى الله تعالى عنها وإذا بُشّر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم... [النحل:58].
بل رغّب في حفظ البنات، قال : { من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا } وضم إصبعيه [رواه مسلم في صحيحه]. وقال : { من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن، كنَّ له ستراً من النار } [رواه البخاري في صحيحه].
لكن إن تضمن التسخط من البنات اعتراضاً على القدر سواء كان هذا الاعتراض على القدر بالفعل أو القول أو القلب، فهو نقص في التوحيد والعياذ بالله.
حكم بشارة من وُلد له ولد وتهنئته:
مستحبة، لعموم قوله تعالى: وبشروه بغلام عليم [الذاريات:28].
والتهنئة ثابتة في كل أمر يسُر؛ لما ثبت في قصة توبة كعب بن مالك وصاحبيه، حيث هُنِّئوا بتوبة الله عليهم والقصة ثابتة في الصحيحين.
والتهنئة تكون بقولك: بورك لك في الموهوب، وشكرت الواهب، وبلغ رشده ورزقت بره.
حكم الأذان في أذن المولود اليمنى والإقامة في اليسرى:
التأذين في أذن المولود مستحب؛ لما روى أبو رافع قال: ( رأيت النبي أذّن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة ) [رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن].
وأما الإقامة في اليسرى فليس له أثر صحيح يستند إليه.
حكم تحنيك المولود:
مستحب، والدليل ما رُوي في الصحيحين عن أبي موسى قال: ( وُلد لي غلام، فأتيت النبي فسمَّاه، إبراهيم وحنَّكه بتمرة )، زاد البخاري: ( ودعا له بالبركة ودفعه إليَّ، وكان أكبر ولد أبي موسى ).
أحكام في العقيقة:
حكمها: مستحبة، والدليل قوله : { مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى } [خرّجاه في الصحيحين].
وقتها: تستحب في يومه السابع، والدليل حديث سمرة قال: قال رسول الله : { كل غلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويسمى فيه، ويحلق رأسه } [رواه أهل السنن، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح].
تفاضل الذكر والأنثى: عقيقة الغلام شاتان وعقيقة الأنثى شاة، والدليل: حديث عائشة قالت: ( أُمرنا أن نعق عن الغلام شاتين، وعن الجارية شاة ) [رواه الإمام أحمد، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح].
صفتها: تكون العقيقة خالية من العيوب المؤثرة بالأضاحي، فلا تجزئ العوراء ولا العجفاء ولا مكسورة ولا مريضة، والأفضل أن تكون شاة أو شاتين للخبر السابق، وذكر بعض أهل العلم أن يمكن أنه يعق بكل ما يجزئ في الأضحية والنسك من الإبل والبقر، والأولى ما جاء بالنص من الشاء.
الاشتراك فيها: لا يصح الاشتراك فيها، كسبعة مواليد يشتركون في بدنة، بل يُراق عن كل واحد منهم دم.
في مصارفها: روي عن الإمام أحمد أنه قال في العقيقة يأكل ويطعم جيرانه.
حكم حلق رأسه والتصدق بوزن شعره:
قال حنبل: سمعت أبا عبدالله يقول: ( لا بأس أن يتصدق بوزن شعر الصبي ).
متى يسمى المولود؟
تسميته في أي وقت جائزة، فقد سبق أن تسميته تكون يوم سابعه، وقد ثبت عنه أن قال: { ولد لي الليلة غلام، فسميته باسم أبي إبراهيم... } الحديث، [رواه مسلم في صحيحه].
حكم الختان:
واجب في حق الذكور؛ لقوله لرجل أسلم: { ألق عنك شعر الكفر واختتن } [رواه أبو داود] ولعموم قوله تعالى: ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا [النحل،123]، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : { اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم }. ومستحب للنساء، والدليل قوله : { الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء } [رواه الإمام أحمد].
حكم بول الغلام والجارية قبل أن يأكلا الطعام:
ينضح على بول الغلام ويغسل من بول الجارية؛ والدليل حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( أتي رسول الله بصبي يحنكه، فبال عليه، فأتبعه الماء ) [رواه البخاري ومسلم، وزاد مسلم: ولم يغسله].
وما رواه أهل السنن والحاكم بأنه جيء بالحسن والحسين رضي الله عنهما، فبالا على صدره فأرادوا أن يغسلوه، فقال: { رشوه رشاً، فإنه يغسل بول الجارية ويرش بول الغلام } [صححه الحاكم ووافقه الذهبي].
هذا ما تيسر من أحكام فقهية تتعلق بالمولود، أسأل الله أن ينفع بها، والله ولي التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ(68/338)
قصص للعفيفات
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 945
(1356 كلمة)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبئ بعده.. أما بعد:
أختي المسلمة: هذه مجموعة من القصص ذات العبر والعظات وهي في مجملها تدور حول صنفين من النساء:
الصنف الأول: من تمسكت بحيائها وعفافها وطهرها في مواطن الفتنة ولم تستسلم لداعي الشهوات والغرائز فأصبحت مثالاً للشرف والعفاف والفضيلة وهذه المرأة ينبغي على النساء والفتيات الاقتداء بها والتعلم منها والنهل من معين طهرها وعفافها.
الصنف الثاني: من سقطت عند أول بارقة من فتنة فباعت حياءها وشرفها وعفتها بشهوة ساعة فندمت حيث لا ينفع الندم وزلت بها القدم وأصبحت مثالاً للمرأة السوء التي لا أمانة عندها ولا شرف وهي من نحذر نساءنا وفتياتنا من سلوك سبيلها والسقوط في مستنقعها.
أختي المسلمة الطاهرة العفيفة لست وحدك في الميدان بل إن هناك آلافاً غيرك اخترن الطريق نفسه وفضلن حياة العفة والطهر على حياة العبث والشهوات وتجارة الأعراض..
ومن هؤلاء نساء غربيات ولدن في مجتمع يرى الانحلال والمجون والعري وحضارة ومدنية وحرية شخصية وعلى الرغم من ذلك فقد واجه هؤلاء الأخوات هذا الواقع المرير وتصدين له بكل قوة وحسم وأبين إلا ارتداء ملابس الطهر والعفاف وسلوك سبيل المؤمنات الصالحات وتحملن في سبيل ذلك نظرات السخرية والاستهزاء وكل ألوان الأذى والاضطهاد..
فابشري أختاه وأمّلي خيراً وتابعي مسيرتك الطاهرة وجهادك المبارك والتزمي بحجابك وحيائك وعفافك..
صدق الزوج:
تسلط على هاتف منزلي شخص يتصف بالنذالة والخسة كان يتمنى أن أقيم معه علاقة آثمة ولكني كنت أنهره وأسبه وأحياناً كنت أغلق السماعة في وجه دون أن أكلمه..
لما يئس منّي تعمد إفساد حياتي الزوجية وتدميرها فكان يتصل في حال وجود زوجي بالمنزل وبمجرد رفع زوجي للسماعة يغلق الخط فوراً.
هاجمت زوجي الشكوك والظنون وتحولت حياتنا بسبب ذلك إلى نفور ثم قطيعة، وأصعب شيء على المرأة أن تحس بأن زوجها لا يثق بها.
استشار زوجي أحد أصدقائه المخلصين في شأني وكان جرئياً في كذبه وباطله فقال له لقد سمعنا كثيراً عن علاقات زوجتك المشبوهة ولكننا لم نخبرك بذلك حرصاً على حياتك الزوجية وأملاً في رجوعها إلى طريق الاستقامة بعد ذلك وصلت حياتنا الزوجية إلى جحيم لا يطاق ذهبت إلى زوجي وفي لحظات ساكنة أقسمت له أنني بريئة من هذا الكلام وأن صديقه كاذب ومفتر بدأ الشك يدب في قلب زوجي تجاه كلام صديقه فقرر الكشف عن رقم هذا الذئب وذلك عن طريق الاشتراك في خدمة كاشف الرقم ولكنه لم يخبر أحداً وكانت المفاجأة المذهلة فلم يكن هذا المعاكس سوى صديقه الذي استشاره في أمري وهو الذي يحاول الاعتداء على حرمات بيته وانتهاك عرضه ويحاول إفساد حياتنا الزوجية وهدم بيتنا الذي بنيناه بالحب ولإخلاص.
قمة الطهر والعفاف:
يقول أحد الدعاة كنت في رحلة دعوية إلى بنجلاديش مع فريق طبي أقام مخيماً لعلاج أمراض العيون فتقدم إلى الطبيب شيخ وقور ومعه زوجته بتردد وارتباك ولما أراد الطبيب المعالج أن يقترب منها فإذا بها تبكي وترتجف من الخوف فظن الطبيب أنها تتألم من المرض فسأل زوجها ذلك فقال وهو يغالب دموعه إنها لا تبكي من الألم بل تبكي لأنها سنضطر لكشف وجهها لرجل أجنبي لم تنم ليلة البارحة من القلق والارتباك وكانت تعاتبني كثيراً أو ترضي لي أن أكشف وجهي؟ وما قبلت أن تأتي للعلاج إلا بعد أن أقسمت لها أيماناً بأن الله تعالى أباح لها ذلك للاضطرار والله تعالى يقول: فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه [البقرة:173].
درس من أمريكية:
قدم ذاك الشاب العربي إلى ولاية أوهايو الأمريكية وكان بصحبته زوجته المحتشمة بالحجاب ولكن لم تمض الأيام حتى انصهرت هذه المرأة في نمط الحياة الغربي وأعجبت وانبهرت بحرية الفتاة الغربية المزعومة فألقت غطاء وجهها اولاً ثم انتهى بها الأمر بخلع الحجاب كاملاً تبع ذلك حرصها على لبس بنطال الجنينز والقمصان فاقعة اللون لقد صارت عربيه الدم غربية الشكل.
وفي أحد الأيام دخلت هذه المرأة أحد الأسواق وبينما هي في محل تجاري إذا بها ترى امرأة متحجبة حجاباً كاملاً فأرادت أن تسخر منها وتزدري تمسكها بالحجاب في بلاد الحرية كما يزعمون فقالت بلهجة متهكمة حجاب هنا دعينا من هذا التخلف فالتفتت إليها تلك المرأة المتحجبة ولم ترد عليها فكررت سخريتها ولم تجبها تلك المرأة بشيء إلا أنها قالت باللغة الإنجليزية عفواً لا أعرف اللغة التي تتكلمين بها أنا أمريكية فتعجبت المرأة العربية من لبسها الحجاب فقالت تلك المرأة الأمريكية المسلمة بلهجة واثقة اسمعي أنا أمريكية عشت العري والخلاعة أصالة وأعرف تماماً ماذا جلب لنا العري من بلاء ولكن أحمد الله أن هداني للإسلام وشرع لي الحجاب لقد صار لأجسادنا وذواتنا قيمة بعد أن كنا ألعوبة للغادين والرائحين افهمي يا مسكينة هذا الكلام جيداً وانتبهي لنفسك ولا تكوني صورة سيئة عن مسلمات العرب وانهالت عليها بالنصائح حتى ذهلت تلك المرأة المتبرجة وبدأت تبكي قال قريبون منها ظلت أسبوعاً كاملاً لا تخرج من دارها ثم رأيناها تخرج محتشمة بحجابها معتزة بإسلامها.
عاقبة التساهل:
لم تكن حاسمة في الرد على هذا الذئب المعاكس فمع تكرار الاتصالات عليها أبدت التجاوب معه وكثرت المكالمات بينهما وتطور ذلك إلى أن طلب مقابلتها وبعد إلحاح منه وافقت بشرط ألا تزيد المقابلة عن خمس دقائق فقط ويكون ذلك داخل السيارة تقابلا بالفعل وتركها الذئب أول مرة فأحست من جانبه بالأمان فتكرر اللقاء بينهما وصارت تخرج معه وتركب بجانبه في سيارة فكان إذا أنزلها والدها أو السائق إلى الجامعة انتظرت ولم تدخل فيأتي هذا الذئب وتذهب معه ثم تعود إلى الجامعة قبل موعد الخروج ثم تذهب إلى بيتها وفي يوم من الأيام أدخلها بيتاً زعم أنه بيت أخته التي تعمل في الصباح ثم خدعها بإعطائها حبة مخدرة فلم تفق تلك الفتاة إلا وقد سلبها هذا المجرم اغلى ما تملك وتظل بعد ذلك ألعوبة في يده وتتكرر المأساة مرات ومرات طمعاً في أن يعطف عليها ويتزوجها ولكن هيهات هيهات فبعد أن أخذ منها كل ما يريد قطع عنها أخباره ولم تعد تستطيع لقاء فعرفت بعد فوات الأوان أنها خدعت ولكن دون فائدة فقد وقعت الكارثة وضاع الشرف وذبح العفاف ووئدت الفضيلة.
دع ذلك ليوم التغابن:
قال رجل عشقت امرأة من الحي فكنت أتبعها إذا خرجت فكثر تتبعي لها فشعرت بتتبعي لها وفي ذات مرة بينما كنت أمشي وراءها إذا وقفت والتفتت إلي فقالت ألك حاجة قلت نعم قالت وما هي قلت مودتك فقالت دع ذلك ليوم التغابن قال فأبكتني والله فما عدت إلى ذلك.
الله أكبر ما أجمل العفاف وما أجمل الحياء وما أجمل النصح وما أجمل الشرف والفضيلة وما أجمل مراقبة الله عز وجل وما أجمل الهمة علو والتسامي فوق الشهوات نعم دع ذلك ليوم التغابن إنها نصيحة غالية بل هي بحق منهج حياة وليت شبابنا وفتياتنا يقتدون بهذه النماذج الرائعة من تاريخنا الإسلامي المجيد بدلاً من الاقتداء بأهل الفساد..
مأساة فتاة:
لم يكن يدور بخلدها أن الأمر سيؤول بها إلى ذلك فقد كان مجرد عبث بسيط بعيد عن أعين الأهل كانت مطمئنة تماماً إلى أن أمرها لا يعلم به أحد حتى حانت ساعة الصفر ووقعت الكارثة زهرة صغيرة ساذجة يبتسم المستقبل أمامها وهي تقطع الطريق جيئة وذهاباً من وإلى المدرسة فكانت تترك لحجابها العنان يذهب مع الهواء كيفما اتفق ولنقابها الحرية في إظهار العينين والوجنتين وجزء من الوجه وبالطبع لم تكن في منأى عن أعين الذئاب البشرية التي تجوب الشوارع لاصطياد الظباء الساذجة الشاردة لم يطل الوقت طويلاً حتى سقط رقم هاتف أحدهم أمامها فلم تتردد أبداً في التقاطه ثم تعرفت عليه فإذا هو شاب أعزب قد نأت به الديار بعيداً عن أهله رمى حول صيده الثمين شباكه وأخذ يغريها بكلامه المعسول وبدأت العلاقة الآثمة تنمو وتكبر بينهما ولم لا والفتاة لا رقيب عليها ألح عليها أن يراها وبعد طول تردد وافقت المسكينة وليتها لم توافق فقد سقطت فريسة سهلة في المصيدة بعد أن استدرجها الذئب إلى منزله لم يتوان لحظة واحدة في ذبح عفتها بسكين الغدر وافتراسها ومضت الأيام وهي حبلى بثمرة المعصية تنتظر ساعة المخاض لتلد جنيا ً مشوهاً ملوثاً بدم العار لا حياة فيه ولا فرح بقدومه وتكشف الأم عار ابنتها فتصرخ من هول المفاجأة فكيف لا بنتها العذراء ذات الأربعة عشر ربيعاً أن تحمل وتلد؟!!
أسرعت إلى الأب لتخبره ليتدارك الأمر ولكن هيهات...
فالحمامة قد ذبحت وسال دمها والنتيجة إيداع الذئب السجن والفتاة إحدى دور الرعاية الاجتماعية لحين الفصل في أمرهما البداية كانت الحجاب الفاضح والنهاية !!!
بقي باب لم تغلقه:
ذكر القاضي التنوخي أن رجلاً من الجند خطف امرأة من الطريق وأراد اغتصابها فعرض له بعض الجيران وأرادوا منعه فقاتلهم هو وغلمانه حتى تفرقوا وأخذ المرأة بقوة وأدخلها داره وغلق الأبواب ثم راودها عن نفسها فا منعت فأكرهها فقاومته وقالت له الموت أهون عندي مما تريد فأصر على ما يريد ولحقها منه عناء وشدة فانهارت في نهاية وخارت قواها فلما أراد أن يجلس منها مجلس الرجل من امرأته قالت له يا هذا ! أصبر حتى تغلق الباب التي نسيت أن تغلق قال أي باب هو قالت الباب التي بينك وبين الله إنه الآن يراك فتأثر الرجل بهذه الكلمات وقام عنها وقال اذهبي قد فرج الله عنك فخرجت ولم يتعرض لها...
ـــــــــــــــــــ(68/339)
العائدات إلى الله
محمد بن عبدالعزيز المسند
دار ابن خزيمة ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 4767
(2320 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فهذه قصص بعض التائبات من نساء شهيرات وغير شهيرات كتبتها لكل فتاة تريد الحياة.. تريد السعادة.. ترجو النجاة.. قبل الممات وبعد الممات راجياً أن تكون مفتاحاً للتوبة ومجدافاً لقارب الأوبة..
توبة الداعية سوزي مظهر على يد امرأة فرنسية
لا تزال قوافل التائبين والتائبات ماضية لا يضرها نكوص الناكصين، ولا نباح النابحين.. ولسان حالها يقول:
إذا الكلب لا يؤذيك إلا بنبحه *** فدعه إلى يوم القيامة ينبح
ومن أواخر من التحق بركب الإيمان الفنانة سوزي مظهر التي صار لها أكثر من عشرين عاماً في مجال الدعوة إلى الله، ارتبط اسمها بالفنانات التائبات وكان لها دور دعوي بينهن.. روت قصة توبتها فقالت:
تخرجت من مدارس (الماردي ديبيه) ثم في قسم الصحافة بكلية الآداب، عشت مع جدتي والدة الفنان أحمد مظهر فهو عمي.. كنت أجوب طرقات حي الزمالك، وأرتاد النوادي وكأنني أستعرض جمالي أمام العيون الحيوانية بلا حرمة تحت مسميات التحرر والتمدن.
وكانت جدتي العجوز لا تقوى عليّ، بل حتى أبي وأمي، فأولاد الذوات هكذا يعيشون، كالأنعام، بل أضل سبيلاً، إلا من رحم الله عز وجل.
حقيقة كنت في غيبوبة عن الإسلام سوى حروف كلماته، لكنني برغم المال والجاه كنت أخاف من شيء ما.. أخاف من مصادر الغاز والكهرباء، وأظن أن الله سيحرقني جزاء ما أنا فيه من معصية، وكنت أقول في نفسي إذا كانت جدتي مريضة وهي تصلي، فكيف أنجو من عذاب الله غداً، فأهرب بسرعة من تأنيب ضميري بالاستغراق في النوم أو الذهاب إلى النادي.
وعندما تزوجت، ذهبت مع زوجي إلى فرنسا لقضاء ما يسمى بشهر العسل، وكان مما لفت نظري هناك، أنني عندما ذهبت للفاتيكان في روما وأردت دخول المتحف البابوي أجبروني على ارتداء البالطو أو الجلد الأسود على الباب.. هكذا يحترمون دياناتهم المحرفة.. وهنا تساءلت بصوت خافت: فما بالنا نحن لا نحترم ديننا؟؟!
وفي أوج سعادتي الدنيوية المزيفة قلت لزوجي أريد أن أصلي شكراً لله على نعمته، فأجابني: افعلي ما تريدين، فهذه حرية شخصية (!!!).
وأحضرت معي ذات مرة ملابس طويلة وغطاء للرأس ودخلت المسجد الكبير بباريس فأديت الصلاة، وعلى درب المسجد أزحت غطاء الرأس، وخلعت الملابس الطويلة، وهممت أن أضعها في الحقيبة، وهنا كانت المفاجأة.. اقتربت مني فتاة فرنسية ذات عيون زرقاء لن أنساها طول عمري، ترتدي الحجاب.. أمسكت يدي برفق وربتت على كتفي، وقالت بصوت منخفض: لماذا تخلعين الحجاب؟! ألا تعلمين أنه أمر الله!!.. كنت أستمع لها في ذهول، والتمست مني أن أدخل معها المسجد بضع دقائق، حاولت أن أفلت منها لكن أدبها الجم، وحوارها اللطيف أجبراني على الدخول.
سألتني: أتشهدين أن لا إله إلا الله؟.. أتفهمين معناها؟.. إنها ليست كلمات تُقال باللسان، بل لا بد من التصديق والعمل بها..
لقد علمتني هذه الفتاة أقسى درس في الحياة.. اهتز قلبي، وخضعت مشاعري لكلماتها، ثم صافحتني قائلة: انصري يا أختي هذا الدين.
خرجت من المسجد وأنا غارقة في التفكير لا أحس بمن حولي، ثم صادف هذا اليوم أن صحبني زوجي في سهرة إلى (كبارية..)، وهو مكان إباحي يتراقص فيه الرجال مع النساء شبه عراياً، ويفعلون كالحيوانات، بل إن الحيوانات لتترفع من أن تفعل مثلهم.. كرهتهم، وكرهت نفسي الغارقة في الضلال.. لم أنظر إليهم، ولم أحس بمن حولي، وطلبت من زوجي أن نخرج حتى أستطيع أن أتنفس.. ثم عدت فوراً إلى القاهرة، وبدأت أولى خطواتي للتعرف على الإسلام.
وعلى الرغم مما كنت فيه من زخرف الحياة الدنيا إلا أنني لم أعرف الطمأنينة والسكينة، ولكني أقترب إليها كلما صليت وقرأت القرآن.
واعتزلت الحياة الجاهلية من حولي، وعكفت على قراءة القرآن ليلاً ونهاراً.. وأحضرت كتب ابن كثير وسيد قطب وغيرهما.. كنت أنفق الساعات الطويلة في حجرتي للقراءة بشوق وشغف.. قرأت كثيراً، وهجرت حياة النوادي وسهرات الضلال.. وبدأت أتعرف على أخوات مسلمات.
ورفض زوجي في بداية الأمر بشدة حجابي واعتزالي لحياتهم الجاهلية، لم أعد أختلط بالرجال من الأقارب وغيرهم، ولم أعد أصافح الذكور، وكان امتحاناً من الله، لكن أولى خطوات الإيمان هي الإستسلام لله، وأن يكون الله ورسوله أحب إليّ مما سواهما، وحدثت مشاكل كادت تفرق بيني وبين زوجي.. ولكن، الحمد لله فرض الإسلام وجوده على بيتنا الصغير، وهدى الله زوجي إلى الإسلام، وأصبح الآن خيراً مني، داعية مخلصاً لدينه، أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحداً.
وبرغم المرض والحوادث الدنيوية، والإبتلاءات التي تعرضنا لها فنحن سعداء ما دامت مصيبتنا في دنيانا وليست في ديننا.
توبة أشهر عارضة أزياء فرنسية
(فابيان) عارضة الأزياء الفرنسية، فتاة في الثامنة والعشرين من عمرها، جائتها لحظة الهداية وهي غارقة في عالم الشهرة والإغراء والضوضاء.. انسحبت في صمت.. تركت هذا العالم بما فيه، وذهبت إلى أفغانستان! لتعمل في تمريض جرحى المجاهدين الأفغان! وسط ظروف قاسية وحياة صعبة!
تقول فابيان: ( لولا فضل الله عليّ ورحمته بي لضاعت حياتي في عالم ينحدر فيه الإنسان ليصبح مجرد حيوان كل همه إشباع رغباته وغرائزه بلا قيم ولا مبادئ ).
ثم تروي قصتها فتقول: ( منذ طفولتي كنت أحلم أن أكون ممرضة متطوعة، أعمل على تخفيف الآلام للأطفال المرضى، ومع الأيام كبرت، ولفتُّ الأنظار بجمالي ورشاقتي، وحرضني الجميع - بما فيهم أهلي – على التخلي عن حلم طفولتي، واستغلال جمالي في عمل يدر عليَّ بالربح المادي الكثير، والشهرة والأضواء، وكل ما يمكن أن تحلم فيه أية مراهقة، وتفعل المستحيل من أجل الوصول إليه.
وكان الطريق أمامي سهلاً - أو هكذا بدا لي - فسرعان ما عرفت طعم الشهرة، وغمرتني الهدايا الثمينة التي لم أكن أحلم باقتنائها.
ولكن كان الثمن غالياً... فكان يجب عليَّ أن أتجرد من إنسانيتي، وكان شرط النجاح والتألق أن أفقد حساسيتي وشعوري، وأتخلى عن حياتي التي تربيت عليها، وأفقد ذكائي، ولا أحاول فهم أي شيء غير حركات جسدي، و إيقاعات الموسيقى، كما كان عليً أن أحرم من جميع المأكولات اللذيذة، وأعيش على الفيتامينات الكيميائية والمقويات والمنشطات، وقبل كل ذلك أن أفقد مشاعري تجاه البشر.. لا أكره.. لا أحب.. لا أرفض أي شيء.
إن بيوت الأزياء جعلت مني مجرد صنم متحرك مهمته العبث بالقلوب والعقول.. فقد تعلمت كيف أكون باردة قاسية مغرورة فارغة من الداخل لا أكون سوى إطار يرتدي الملابس، فكنت جماداً يتحرك ويبتسم ولكنه لا يشعر، ولم أكن وحدي المطالبة بذلك، بل كلما تألقت العارضة في تجردها من بشريتها وآدميتها زاد قدرها في هذا العالم البارد.. أما إذا خالفت أياً من تعاليم الأزياء فتعرض نفسها لألوان العقوبات التي يدخل فيها الأذى النفسي والجسماني أيضاً!
وعشت أتجول في العالم عارضة لأحدث خطوط الموضة بكل ما فيها من تبرج وغرور ومجاراة لرغبات الشيطان في إبراز مفاتن المرأة دون خجل أو حياء ).
وتواصل (فابيان) حديثها فتقول: ( لم أكن أشعر بجمال الأزياء فوق جسدي المفرغ - إلا من الهواء والقسوة - بينما كنت أشعر بمهانة النظرات واحتقارهم لي شخصياً واحترامهم لما أرتديه.
كما كنت أسير وأتحرك.. وفي كل إيقاعاتي كانت تصاحبني كلمة ( لو ).. وقد علمت بعد إسلامي أن ( لو.. ) تفتح عمل الشيطان.. وقد كان ذلك صحيحاً، فكنا نحيا في عالم الرذيلة بكل أبعادها، والويل لمن تعترض عليها وتحاول الاكتفاء بعملها فقط ).
وعن تحولها المفاجئ من حياة لاهية عابثة إلى أخرى جادة تقول: ( كان ذلك أثناء رحلة لنا في بيروت المحطمة، حيث رأيت كيف يبني الناس هناك الفنادق والمنازل تحت قسوة المدافع، وشاهدت بعيني انهيار مستشفى للأطفال في بيروت ولم أكن وحدي، بل كان معي زميلاتي من أصنام البشر، وقد اكتفين بالنظر بلا مبالاة كعادتهن.
ولم أتمكن من مجاراتهن في ذلك.. فقد انقشعت عيني في تلك اللحظة غلالة الشهرة والمجد والحياة الزائفة التي كنت أعيشها، واندفعت نحو أشلاء الأطفال في محاولة لإنقاذ من بقي منهم على قيد الحياة.
ولم أعد إلى رفاقي في الفندق حيث تنتظرني الأضواء، وبدأت رحلتي نحو الإنسانية حتى وصلت إلى طريق النور وهو الإسلام.
وتركت بيروت وذهبت إلى باكستان، وعند الحدود الأفغانية عشت الحياة الحقيقية، وتعلمت كيف أكون إنسانة.
وقد مضى على وجودي هنا ثمانية أشهر قمت فيها بالمعاونة في رعاية الأسر التي تعاني من دمار الحروب، وأحببت الحياة معهم، فأحسنوا معاملتي.
وزاد اقتناعي بالإسلام ديناً ودستوراً للحياة من خلال معايشتي له، وحياتي مع الأسر الأفغانية والباكستانية، وأسلوبهم الملتزم في حياتهم اليومية، ثم بدأت في تعلم اللغة العربية، فهي لغة القرآن، وقد أحرزت في ذلك تقدماً ملموساً.
وبعد أن كنت أستمد نظام حياتي من صانعي الموضة في العالم أصبحت حياتي تسير تبعاً لمبادئ الإسلام وروحانياته ).
وتصف (فابيان) موقف بيوت الأزياء العالمية منها بعد هدايتها، وتؤكد أنها تتعرض لضغوط دنيوية مكثفة، فقد أرسلوا عروضاً بمضاعفة دخلها الشهري إلى ثلاثة أضعافه، فرفضت بإصرار.. فما كان منهم إلا أن أرسلوا إليها هدايا ثمينة لعلها تعود عن موقفها وترتد عن الإسلام..
وتمضي قائلة: ( ثم توقفوا عن إغرائي بالرجوع.. ولجأوا إلى محاولة تشويه صورتي أمام الأسر الأفغانية، فقاموا بنشر أغلفة المجلات التي كانت تتصدرها صوري السابقة أثناء عملي كعارضة للأزياء، وعلقوها في الطرقات كأنهم ينتقمون من توبتي، وحاولوا بذلك الوقيعة بيني وبين أهلي الجدد، ولكن خاب ظنهم والحمد لله ).
وتنظر (فابيان) إلى يديها وتقول: ( لم أكن أتوقع يوماً أن يدي المرفهة التي كنت أقضي وقتاً طويلاً في المحافظة على نعومتها سأقوم بتعريضها لهذه الأعمال الشاقة وسط الجبال، ولكن هذه المشقة زادت من نصاعة وطهارة يدي، وسيكون لها حسن الجزاء عند الله سبحانه وتعالى إن شاء الله ).
توبة الراقصة هالة الصافي
روت الفنانة الراقصة، المعروفة، هالة الصافي، قصة اعتزالها الفن وتوبتها والراحة النفسية التي وجدتها عندما عادت إلى بيتها وحياتها، وقالت بأسلوب مؤثر عبر لقاء صحفي معها:
( في أحد الأيام كنت أؤدي رقصة في أحد فنادق القاهرة المشهورة، شعرت وأنا أرقص بأنني عبارة عن جثة، دمية تتحرك بلا معنى، ولأول مرة أشعر بالخجل وأنا شبه عارية، أرقص أمام الرجال ووسط الكؤوس.
تركت المكان وأسرعت في هستريا حتى وصلت إلى حجرتي وارتديت ملابسي.
انتابني شعور لم أحسه طيلة حياتي مع الرقص الذي بدأته منذ كان عمري 15 سنة، فأسرعت لأتوضأ، وصليت، وساعتها شعرت لأول مرة بالسعادة والأمان، ومن ذلك اليوم ارتديت الحجاب على الرغم من كثرة العروض، وسخرية البعض.
أديت فريضة الحج، وقفت أبكي لعل الله يغفر لي الأيام السوداء.. ).
وتختم قصتها المؤثرة قائلة: ( هالة الصافي ماتت ودفن معها ماضيها، أما أنا فاسمي سهير عابدين، أم كريم، ربة بيت، أعيش مع ابني وزوجي، ترافقني دموع الندم على أيام قضيتها من عمري بعيداً عن خالقي الذي أعطاني كل شيء.
إنني الآن مولودة جديدة، أشعر بالراحة والأمان بعد أن كان القلق والحزن صديقي، بالرغم من الثراء والسهر واللهو ).
وتضيف: ( قضيت كل السنين الماضية صديقة للشيطان، لا أعرف سوى اللهو والرقص، كنت أعيش حياة كريهة حقيرة، كنت دائماً عصبية، والآن أشعر أنني مولودة جديدة، أشعر أنني في يد أمينة تحنو علي وتباركني، يد الله سبحانه وتعالى ).
توبة فتاة في روضة القرآن
أنا طالبة في المرحلة الثانوية، وكنت مغرمة بمشاهد (التلفزيون).. كنت لا أفارقه لحظة.. لا أترك مسلسلاً ولا برنامج أطفال ولا أغنية ولا تمثيلية إلا وأشاهدها، فإذا ما جاء برنامج ثقافي أو ديني فسرعان ما أغلق الجهاز، فتسألني أختي: لم فعلت ذلك؟! فأجيبها بخبث محتجة بكثرة الواجبات المدرسية والمنزلية، فتقول لي: الآن تذكرت الواجبات؟! أين كنت عند مشاهدتك لتلك المسلسلات والأغاني والبرامج التافهة؟! فلا أرد عليها.
أختي هذه كانت بعكسي تماماً.. منذ أن علمتها أمي الصلاة لم تتركها إلا لعذر، أما أنا فلا أحافظ عليها، بل لا أكاد أصليها إلا في الأسبوع مرة أو مرتين.
لقد كانت أختي تتجنب التلفاز بقدر الإمكان، وقد أحاطت نفسها بصديقات صالحات يساعدنها على فعل الخير، وقد بلغ من صلاحها أن خالتي لما أسقطت طفلها وهي في المستشفى وكانت في غيبوبة، رأت أختي وهي تلبس ملابس بيضاء جميلة وهي تطمئنها، فاستيقظت خالتي وهي سعيدة مطمئنة القلب.
كانت دائماً تذكرني بالله وتعظني، فلا أزداد إلا استكباراً وعناداً، بل كانت ساعات جلوسي أمام التلفاز تزداد يوماً بعد يوم، والتلفاز يتفنن في عرض أنواع المسلسلات التافهة والأفلام الهابطة، والأغاني الماجنة التي لم أدرك خطورتها إلا بعد أن هداني الله عز وجل، فله الحمد والشكر.
كنت أفعل ذلك كله وأنا في قرارة نفسي على يقين تام من أن ذلك حرام، وأن طريق الهداية واضح لمن أراد أن يسلكه، فكانت نفسي كثيراً ما تلومني، وضميري يعذبني بشدة، لا سيما وأن الأمر لم يكن مقتصراً على ارتكاب المعاصي بل تعداه إلى ترك الفرائض.. لذا، كنت دائماً أتجنب الجلوس بمفردي، حتى عندما أخلد إلى النوم والراحة فإني أحاول أن أشغل نفسي يكتاب أو مجلة حتى لا أدع مجالاً لتوبيخ النفس أو تأنيب الضمير.
وظللت على هذه الحال مدة خمس سنوات حتى كان ذلك اليوم الذي اختار الله لي فيه طريق الهداية.
كنا في إجازة نصف السنة، وأرادت أختي أن تلتحق بدورة في تحفيظ القرآن الكريم بإحدى الجمعيات الإسلامية، فعرضت عليَّ أن أذهب معها، فوافقت أمي ولكني رفضت.. بل رفضت بشدة، وأقمت الدنيا وأقعدتها، وقلت بأعلى صوتي: لا أريد الذهاب.. وكنت في قرارة نفسي عازمة على العكوف أمام ذلك الجهاز الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتي العابثة.. فما لي ولحلقات تحفيظ القرآن..
حب الكتاب وحب ألحان الغناء *** في قلب عبدٍ ليس يجتمعان
وحضر أبي.. فشكوت له ما حدث، فقال: دعوها، ولا تجبروها على الذهاب واتركوها على راحتها.
وكانت لي عند أبي معزة خاصة لأني ابنته الوسطى فليس لي سوى أختي الكبرى، وأخي الذي يصغرني بكثير، وقد قال ذلك وهو يظن أني محافظة على صلاتي، ولم يكن يعلم بأن الأمر مختلف جداً.. صحيح أنني لم أكن أكذب عليه حينما يسألني (أصليت؟) فأقول: نعم.. فقد استطاعت أختي أن تخلصني من داء الكذب، ولكن كنت أقوم فأصلي أمامه عندما يكون موجوداً، فإذا ذهب إلى عمله تركت الصلاة، وكان أبي يمكث في عمله من 3 - 4 أيام.
وذات يوم، طلب مني أبي بلطف أن أرافق أختي ولو مرة واحدة، فإن أعجبني الحال وإلا فلتكن المرة الأولى والأخيرة، فوافقت لأني أحب أبي ولا أرد له طلباً.
وانطلقت إلى روضة القرآن...
وهناك.. رأيت وجوهاً متوضئة مشرقة بنور الإيمان، وأعيناً باكية لم تدمن النظر إلى الحرام مثل ما كنت أفعل؛ فتمالكني شعور فياض لا أستطيع له وصفاً.. شعور بالسعادة والرهبة، يخالطه إحساس بالندم والتوبة، وأحسست بأني قريبة من الله عز وجل، فرق قلبي، وانهمرت دموعي ندماً لعى الأوقات التي ضيعتها في غير مرضاة الله.. أمام شاشة التلفاز، أو في مجالس اللغو مع رفيقات السوء اللاتي لا هم لهن إلا القيل والقال.
كم كنت غافلة عن مثل هذه المجالس التي تحفها ملائكة الرحمن، وتتنزل على أهلها السكينة والرحمة والإيمان.
( لقد منّ الله عليّ بالحياة في ظلال القرآن فترة من الزمن، ذقت فيها من نعمته ما لم أذق قط في حياتي.. عشت في ظلال القرآن هادئة النفس، مطمئنة السريرة، قريرة الضمير، وانتهيت إلى يقين جازم حاسم أنه لا صلاح لهذه الأرض، ولا راحة لهذه البشرية، ولا طمأنينة لهذا الإنسان، ولا رفعة ولا بركة ولا طهارة.. إلا بالرجوع إلى الله.
إن الحياة في ظلال القرآن نعمة. نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه ). فما أروع العيش في ظلال القرآن.
نعم.. لقد هداني الله عز وجل، وقد كنت أبارزه بالعصيان، وأقدم ما يرضي نفسي على ما يرضيه سبحانه، وما يأمرني به الشيطان على ما يأمرني به الواحد الديان.
باختصار؛ لقد كنت غافلة فأيقظني القرآن.. إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيراً [الإسراء:9].
واليوم أتساءل:
كيف كنت سأقابل ربي لو لم يهدني.. حقاً إنني خجلة من نفسي، وقبل ذلك من ربي، وصدق القائل:
فيا عجباً كيف يعصى الإله *** أم كيف يجحده الجاحدُ
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحدُ
أتوب إليك ربي، وأستغفرك، إنك أنت التواب الرحيم.
أختي الحبيبة: حلقات تحفيظ القرآن بانتظارك فلا تترددي في الالتحاق بها..
والله يحفظك ويرعاك.
ـــــــــــــــــــ(68/340)
القرار
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 3065
(4426 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن الله تعالى العليم الحكيم أمر المرأة بأمر عظيم فيه حياتها وعفتها وكرامتها وصيانتها فقال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33]، قال ابن كثير رحمه الله: ( أي إلزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة ومن الحواثج الشرعية الصلاة في المسجد ) اهـ. وذكر ابن عطية في تفسيره قال: ( ذكر الثعلبي وغيره أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا قرأت هذه الآية تبكي حتى تبل خمارها. وبكاء عاثشة إنما كان بسبب سفرها أيام الجمل وحينئذ قال لها عمار بن ياسر: إن الله أمرك أن تقري في بيتك. وقيل لسودة رضي الله عنها: لم لا تحجين: ولا تعتمرين؟ فقالت: قد حججت واعتمرت وأمرني الله تعالى أن أقر في بيتي. قال الراوي: فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى خرجت جنازتها ) اهـ.
وعملها هذا أخذاً منها لظاهر الآية ولقول الرسول فيما أخرجه أحمد في مسنده قال: حدثنا حجاج ويزيد بن هارون وإسحاق بن سليمان كلهم عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال لنسائه عام حجة الوداع: { هذه ثم ظهور الحصر }، قال: فكن - كلهن - يحججن إلا زينب بنت جحش وسودة بنت زمعة وكانتا تقولان: ( والله لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا ذلك من النبي .
قوله تعالى: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33] والتبرج هو إظهار الزينة والتصنع بها، ومنه البروج لظهورها وانكشافها للعيون، وقال مجاهد وقتادة: ( التبرج هو التكسر والتغنج ). وقال ابن أبي نجيح: ( هو التبختر وقيل هو إظهار الزينة وإبراز المحاسن للرجال ).
ولم يكن يعرف التبرج من النساء والخروج من البيوت عند سلفنا الصالح وإنما تسرب إلينا على هذه الصفة في هذا العصر للإختلاط بأهل الكفر ومن شابههم من أذنابهم وهذا سبب فتح الباب لهن باسم التربية والتعليم والمصحات وغيرها، فإلى الله المشتكى.
بل أمر الله نساء نبيه وهن في البيوت بعدم المخاطبة إلا من وراء حجاب، قال تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، قال البغوي في تفسيره: ( أي من وراء ستر، فبعد آية الحجاب لم يكن لأحد أن ينظر إلى امرأة من نساء رسول الله متنقبة كانت أو غير متنقبة ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن من الريب ).
بل حتى في هذا السؤال والخطاب لا يكون فيه خضوع، قال تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيتُنَّ فَلاَ تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولاً مَّعرُوفاً [الأحزاب:32]. قال ابن عباس: ( أي ترخصن بالقول ولا تخضعن بالكلام ) كما نقل ذلك ابن جرير الطبري في تفسيره بإسناد إلى ابن عباس.
قوله تعالى: فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32] قال ابن جرير: ( الذي يطمع في قلبه ضعف لضعف إيمانه في قلبه. إما شاك في الإسلام منافق فهو لذلك من أمره يستخف بحدود الله وإما تهاون بإتيان الفواحش ).
قوله تعالى: وَقُلنَ قَولاً مَعرُوفاً قال ابن زيد: ( قولاً جميلاً حسناً معروفاً في الخير ). قال ابن كثير: ( ومعنى هذا أنها تخاطب المرأة الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم، أي لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها ).
إذاً هذا هو سبيل النجاة للمرأة وهو القرار في البيت وأن السؤال من وراء حجاب وأن ذلك بدون خضوع للقول، وقد أخبر النبي الشفيق بأمته الرحيم بها كما جاء ذلك في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: { كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الأعظم الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته }. وقد بوّب عليه البخاري باب المرأة راعية في بيت زوجها. فهذا الحديث يبين أن المرأة لها مكان ترعاه وهو بيت زوجها فإذا خرجت من هذا الباب ضيعت ما استرعاها الله عليه والله سائلها عن ذلك فما جوابها، وإن صلاح المرأة ودينها وشرفها في داخل بيتها، قال تعالى: وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللهِ وَالحِكمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً [الأحزاب:34].
أخرج ابن خزيمة في كتاب التوحيد قال: ( حدثنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبدالله قال: إذا لبست المرأة ثيابها ثم خرجت قيل: أين تذهبين؟ فتقول: أعود مريضاً أو أصلي على جنازة أو أصلي في مسجد، فقيل: وما تريدين بذلك؟ فتقول: وجه الله، والذي لا إله غيره ما التمست المرأة وجه الله بمثل أن تقر في بيتها وتعبد ربها ).
وجاء قريب من هذا اللفظ عند عبد الرزاق قال حدثنا الثوري عن أبيه عن أبي عمرو الشيباني قال: ( جاء رجل فقال: كان يقال: صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في دارها، فقال له أبو عمر: ولم تطول؟ سمعت رب هذه الدار ( يعني ابن مسعود ) يحلف فيبلغ في اليمين، ما مصلى لامرأة خير من بيتها إلا في حج أو عمرة، إلا امرأة قد يئست من البعولة فهي في منقليها، قيل: ما منقليها؟ قال أبوبكر: امرأة عجوز قد تقارب خطوها ).
والمرأة إذا خرجت تلاعب بها الشيطان واستشرفها بل يكون خروجها بصورة شيطان في إقبالها وإدبارها، أخرج مسلم في صحيحه عن جابر أن رسول الله رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها، فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال: { إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه }.
معناه الإشارة إلى الهوى والدعوى إلى الفتنة بحالها وما جعل الله في طباع الرجال من الميل إليها.
فإذا كانت تقبل بصورة شيطان وتدبر بصورة شيطان فهي فتنة للناظر وهي في ذلك الزمان، فكيف بهذا الزمان الذي خلعت فيه النساء جلباب الحياء واستهترت بالتبرج والسفور؟ فمن أقبح المنكرات وأقبح البلايا وأعظم الفتن وسبب سقوط الملك والدول أن تتبرج المرأة وتظهر زينتها للرجال الأجانب في الطرقات والأسواق وأماكن التجارة، بل في المساجد وأعظم ذلك في المسجد الحرام، بل في الطواف بالبيت.
نراها في كل ساعة يزداد تبرجها وسفورها فخلعت عنها ثيابها وأصبحت بادية النهود والأرداف حاسرة الرأس أو تكون كاسية كالعارية بلباس الزينة والتشبه بلباس الإفرنج كالبنطال ونحوه ورائحة الأطياب تبدو منها من بعد، فلا دين يمنعها ولا حياء يردعها ولا ولي يحافظ عليها وعلى كرامتها فيوقفها عند حدها، والله المستعان.
أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : { صنفان من أهل النار لم أرهما ! نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا }.
وأخرج البخاري في صحيحه عن أم سلمة قالت: استيقظ النبي من الليل وهو يقول: { لا إله إلا الله ! ماذا أنزل الليلة من الفتن؟ ماذا أنزل من الخزائن؟ من يوقظ صواحب الحجرات؟ كم من كاسية في الدنيا عاريه يوم القيامة }. فهل يرضى أحد لموليته أن تكون من أهل النار، أو أن تكون عارية يوم القيامة، أو هل ترضى ذلك المرأة لنفسها؟ وأخرج النسائي قال: أخبرنا إسماعبل بن مسعود حدثنا خالد بن الحارث حدثنا ثابت بن عمارة عن غنيم بن قيس عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: قال رسول الله : { أيما امرأة استعطرت فمرّت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية } [وهو إسناد صحيح].
وقد حذر رسول الله من فتنة النساء وأخبر بأنه من أعظم ما يتضرر به الرجال، ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي قال: { ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء }. بل ما فتنت الأمم السابقة بمثل الفتنة بالنساء، وجاء الأمر: بالوقاية من فتنتها كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي قال: { إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء }.
فانظر إلى النبي كيف حذر من فتنة النساء، وانظر إلى الواقع المؤسف 6 أما يكفي هذا زاجراً ورادعاً؟ وكل يوم تزيد الفتنة بالنساء إذا رأيتها في الأسواق تتمطى في مشيتها عجباً وتيهاً وتتلون إختيالاً وزهواً، بتدليل وتكسر وتظرف. بل أعظم من دلك تجده في الأسواق وغيرها تتساءل أهذه بلاد الإسلام! وصل بها الأمر إلى هذا الحد؟ كيف ترون ذلك وتصبرون؟ أما تغارون؟ أما تخافون العذاب من رب العباد؟ أما تخجلون؟ فالمرأة مأمورة بالاحتشام والحياء والبقاء في قعر البيت لئلا تفتن وتفتتن فتتنغص عليها حياتها وسعادتها ويخدش عرضها وتهان كرامتها وتنطلق إليها النظرات الوقحة الجريئة.
أيتها المرأة المسلمة! انطري لأي شيء خُلقت، خُلقتِ لعبادة ربك وعدم تعدي حدوده وانتهاك محارمه فالله تعالى أمرك فقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:59].
قال ابن عباس: ( أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة ).
وقال ابن سيرين: ( سألت عبيدة السلماني عن هذه الآية قال: فقال: بثوبه وغطى رأسه ووجهه وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه ).
وقال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31،30]. أخرج البخاري في صحيحه أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول لما نزلت هذه الآية: ( شققن مروطهن فاختمرن بها ) أين هذا من واقعنا؟ واقعهم الاستجابة لأمر الله وواقعنا ونساءنا إلا من رحم الله الاستجابة لكل نابح وناعق وزنديق وفاجر مخنث عاهر.
ثم ختم الله هذه الآية بقوله: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ قال ابن كثير: ( أي افعلوا ما أمركم به من هذه الصفات الجميلة والأخلاق الجليلة واتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والصفات الرذيلة، فإن الفلاح كل الفلاح في فعل ما أمر الله به ورسوله وترك ما نهينا عنه ).
وأخرج أحمد في المسند حدثنا أبو عامر حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله محمد بن عقيل عن ابن أسامة بن زيد أن أباه أسامة قال: كساني رسول الله قبطية كثيفة كانت مما أهداها دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال لي رسول الله : { ملك لا تلبس القبطية؟ } قلت: يا رسول الله! كسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله : { مرها فلتجعل تحتها غلالة إني أخاف أن تصف حجم عظامها }. قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: ( كسوة المرأة في الحقيقة هو ما سترها كاملاً بحيث يكون كثيفاً فلا يبدي جسمها ولا يصف لون بشرتها لرقته وصفائه، ويكون واسعأ فلا يبدي حجم أعضائها ولا تقاطيع بدنها لضيقه ) اهـ. وروى مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها قالت: ( دخلت حفصه بنت عبد الرحمن على عائشة أم المؤمنين وعلى حفصة خمار رقيق فشقته عائشة وكستها خماراً كثيفاً ).
وأخرج النسائي قال أخبرنا محمد بن عبدالأعلى حدثنا النضر أخبرنا معتمر حدثنا عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة قالت: سئل رسول الله : ( كم تجر المرأة من ذيلها؟ ) قال: { شبراً } قالت: ( إذاً ينكشف عنها )، قال: { ذراع لا تزيد عليها }.
فهذا لباس المرأة وكسوتها، بل أمرت أن تغطي رأسها قي الصلاة وهي في بيتها حيث لا يراها أحد، أخرج أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا حجاج بن المنهال حدثنا حماد عن قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة رضي الله عنها عن النبي أنه قال: { لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار } رواه أحمد والترمذي وقال الترمذي: ( حديث عائشة حديث حسن، والعمل عليه عند أهل العلم أن المرأة إذا أدركت فصلت وشيء من شعرها مكشوف لا تجوز صلاتها ). بل عندما حصل شيء من التغير بعد موت الرسول من ناحية النساء ولباسهن وتوسعهن قالت عائشة رضي الله عنها: ( لو أدرك رسول الله ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل ) أخرجه البخاري ومسلم، هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم قالت: ( لو أن رسول الله رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل ). انظر ماذا تقول عائشة أم المؤمنين حينما حصل من بعض النساء التغير مع أن النبي قال: { إذا استأذنت امرأة أحدكم فلا يمنعها } [ أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن عمر ] وكما أخرج البخاري عن ابن عمر قال: ( كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد فقيل لها: لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ قالت: وما يمنعه أن ينهاني، قال: يمنعه قول رسول الله : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ).
وقد اشترط أهل العلم شروطاً لجواز خروج النساء إلى المساجد، قال النووي عند شرحه في مسلم: ( وهذه الشروط ألا تكون متطيبة ولا متزينة ولا ذات خلاخل يسمع صوتها ولا ثياب فاخرة ولا مختلطة بالرجال ولا شابة ونحوها ممن يفتتن بها وألا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوها ).
ويلحق في ذلك النقاب الفاتن ولبس البنطال أو الجلباب المزخرف أو ما فيه من التشبه بالكفار أو التشبه بالرجال. وهذا كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : { أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة } وعن زينب الثقفية امرأة عبدالله بن مسعود قالت: قال لنا رسول الله : { إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً } فلذا تجد هيئة النساء إذا خرجن في زمن النبي كما ذكرت ذلك عائشة رضي الله عنها قالت: ( إن نساء المؤمنات كن يصلين الصبح مع النبي ثم يرجعن ملفعات بمروطهن لا يعرفهن أحداً ).
بل أمرهن النبي أن يخرجن تفلات؛ أخرج أحمد وأبو داود من طريق محمد بن عمر وعن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال: { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات } هذا لفظ أبي داود وإسناده لا بأس به. وقد بيّن النبي بأن صلاتها في بيتها خيرٌ لها، أخرج أبو داود قال حدثنا ابن المثنى أن عمرو بن عاصم حدثهم قال حدثنا همام عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي قال: { صلاة المرأة قي بيتها أفضل من صلاتها فى حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها }، قال البيهقي رحمه الله: ( وفيه دلالة على أن الأمر بأن لا يمنعن أمر ندب واستحباب لا أمر فرض وإيجاب وهو قول العامة من أهل العلم ) اهـ.
وقد كره بعض أهل العلم الصلاة في المسجد كما قالت ذلك عائشة وابن مسعود فيما أخرج أبن أبي شيبة قال حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي قرة الهمداني عن أبي عمرو الشيباني قال: ( رأيت ابن مسعود يحصب النساء يخرجهن من المسجد يوم الجمعة ) وجاء عن عبدالله ابن مسعود أيضاً عن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أيي الأحوص قال: قال عبدالله بن مسعود: ( المرأة عورة وأقرب ما تكون من ربها إذا كانت في قعر بيتها فإذا خرجت استشرفها الشيطان ) بوّب على ذلك ابن حبان فقال: ذكر الأمر للمرأة بلزوم قعر بيتها لأن ذلك خير لها عند الله عز وجل. وجاء عن إبراهيم النخعي أن له ثلاث نسوة فلم يكن يدعهن يخرجن إلى جمعة ولا جماعة. وجاء عن أبي حنيفة: ( لا يخرجن إلا للعيد خاصة ). وقال أحمد: ( أكره خروجهن في هذا الزمان لأنهن فتنة ). ومنهم من رخص فيه للعجائز دون الشواب وهو قول مالك في رواية والشافعي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وطائفة من الحنابلة. هذا من كلام ابن رجب في فتح الباري. وهذا إذا صار فيه شيء من الفتنة في خروجها أما إذا أمنت الفتنة فإنه لا كلام لأحد عند السنة التي سنها رسول الله الناهية عن منع النساء عند الخروج إلى المسجد.
فانظر رحمك الله أقوال الأئمة لوجود بعض من الفتن وهي خارجة تتعبد الله في المسجد فكيف بخروجها للأسواق وأماكن الرقص والحفلات والأماكن المشبوهة؟ فيجب الغيرة على المحارم والقيام بحق القوامة التي ذكر الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:34]. قال ابن كثير رحمه الله: ( أي الرجل قيم على المرأة وهو رئيسها وكبيرها الحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت لأن الرجال أفضل من النساء والرجل خير من المرأة ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم وكذا منصب القضاء وغير ذلك، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والإفضال فناسب أن يكون قيماً عليها ) اهـ.
اعرفوا أيها الرجال هذا الفضل وقوموا بحقه، لا تبخسوا أنفسكم حقها وتنسوا الفضل، لا تغلبنكم النساء على رجولتكم ولا يلهينكم الشيطان عن رعاية أهليكم ولا تشتغلوا بأموالكم عن قيمكم وأخلاقكم والحفاظ على عوراتكم وشرفكم.
ويجب على الرجال أن يغاروا على محارمهم وهذه من صفات أهل الإيمان، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { إن الله يغار وإن المؤمن يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه } بل الغيرة لا تكون إلا عند الرجال العظماء أما الذي لا يغار فهو ديوث فعن أبي هريرة قال: قال سعد بن عبادة: يا رسول الله! لو وجدت مع أهلي رجلاً لم أمسه حتى آتي بأربعة شهداء! قال رسول الله : { نعم } قال: كلا، والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك، قال رسول الله : { اسمعوا لما يقول سيدكم إنه لغيور وأنا أغير منه والله أغير مني }. وعن المغيرة بن شعبة قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلاً مع أمرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك النبي فقال: { أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني } هؤلاء الرجال الذين رباهم محمد .
وهذه قصة شاب يذكرها أبو سعيد الخدري قال: كان فتى منا حديث عهد بعرس قال: فخرجنا مع رسول الله إلى الخندق فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يوماً فقال له رسول الله : { خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة } فأخذ الرجل سلاحه ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها الرمح ليطعنها به وأصابته غيرة فقالت له: اكفف رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني، فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه فما يدري أيهما كان أسرع موتاً الحية أم الفتى، قال: فجئنا إلى رسول الله فذكرنا ذلك وقلنا له: ادع الله يحييه لنا فقال: { استغفروا لصاحبكم }.
بل المرأة تعظم الرجل الغيور وترفع من شأنه بل تعرف أن وراءها رجلاً فيه رجولة وغيرة فهذه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: ( كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ. فجئت يوماً والنوى على رأسي فلقيت رسول الله ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال: { أخ، أخ } ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وكيرته وكان أكير الناس، فعرت رسولى الله أني قد استحييت فمضى ).
بل الرجال أهل الغيرة يعرفون حتى في الرؤيا فعن أبي هريرة قال: بينما نحن عند رسول الله إذ قال: { بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت: لمن هذا القصر؟ فقال: لعمر بن الخطاب؟ فذكرت غيرته فوليت مدبراًَ }، فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟.
قال القحطاني في نونيته:
إن الرجال الناظرين إلى النسا *** مثل الكلاب تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها *** أكلت بلا عوض ولا أثمان
بل انظر للخليفة الراشد أبي تراب علي بن أبي طالب ماذا يقول، قال أحمد في المسند: حدثنا هناد ابن السري حدثنا شريك وحدثنا علي بن حكيم الأودي أنبأنا شريك عن أبي إسحاق عن هبيرة عن علي قال: ( أما تغارون أن يخرج نساؤكم فإني بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج ) ، رحماك يا رب ، كيف لو رأى علي أو أحد رجال ذاك الزمان وواقع نسائنا تخرج هي التي تزاحم الرجال في الأسواق، وانظر إليها وهي خارجة من مدرستها والعلوج عن يمينها ويسارها وأمامها، انظر إليها وهي في الحفلات والمسلسلات والأفلام والمسرحيات ومقاهي الانترنت والمطاعم العائلية، كيف لو أبصروا المرأة في هذا الزمان وقد صورت الصور في البطائق والوثائق؟ كيف لو رأوها وهي تطالب بقيادة السيارة وتنادي بفتح أماكن للعب كرة القدم والسلة والطائرة وغير ذلك.(68/341)
معاشر المسلمين: اقضوا على أسباب الشر قبل أن يقضي عليكم، وسدوا أبواب الفساد قبل أن تنهار عليكم. والله ثم والله لبطن الأرض خير من ظهرها عائذاً بالله من الفتن عائذاً بالله من الفتن. إنك لا تستغرب هذا الأمر من الدعاة على أبواب جهنم لكن المصيبة العظمى والكسر الذي لا يتجبر رضا بعض من يُرى عليهم أثر الصلاح؛ يرضون لنسائهم ذلك بل يطالبون بأن يكون هناك نساء في مكاتب الدعوة وفي المحاكم بل بعض منهم يرضى أن تسافر المرأة مسافة ثلاثمائة كيلو متر يومياً ويفتي بعضهم بجواز ذلك بدون محرم ويقول بأن هذا ليس سفراً. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : { لا تسافر المرأة إلا مع محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم } وقال أبو داود: حدثنا يوسف بن موسى عن جريد عن سهيل عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { لا تسافر المرأة إلا معها ذو محرم } كيف تسافر بدون محرم ولم يأذن الشارع لنساء النبي بأن يخرجن إلا لقضاء حوائجهن بعد أن كان عمر ينكر عليهن خروجهن للبراز، فعن عائشة أن أزواج النبي كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح، فكان عمر يقول للنبي : احجب نساءك، فلم يكن رسول الله يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة، حرصاً على أن ينزل الحجاب فأنزل الله آية الحجاب، قالت عائشة: قال النبي : { قد أذن أن تخرجن في حاجتكن } يعني البراز.
ولذا نهى عن الدخول على النساء فعن عقبة بن عامر أن رسول الله قال: { إياكم والدخول على النساء } فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: { الحمو الموت } أتظن أن الرسول ينهى عن ذلك ويرضى للمرأة أن تسافر بدون محرم أو أن تركب مع السائقين في البلد، بل جعل النبي أن وجود الرجل مع امرأته لا بد أن يبريء ساحته، فعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: كان النبي معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت فقام معي ليقلبني وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي أسرعا فقال النبي : { على رسلكما إنها صفية بنت حيي } فقالا: سبحان الله يا رسول الله، قال : { إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً } أو قال { شيئاً } هذا لفظ مسلم. إذاً ماذا يريد دعاة تحرير المرأة اليوم، نعم إنهم دعاة تحرير المرأة من شرع ربها وسنة نبيه وعبوديتها لربها إلى عبوديتها للشيطان، وأن يسترقوها وتكون سلعة رخيصة ومُضغة في أفواه المجرمين وإلا ماذا يريدون؟ ألم يجعل الله القرار لها في البيت وعملها فيه من أشرف الأعمال ويدل على شرف عملها في البيت قيام سيد ولد آدم في مهنة أهله، عن الأسود بن يزيد قال: سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي يصنع في البيت؟ قالت: ( كان يكون في مهنة أهله فإذا سمع الأذان خرج ).
بل أخبر أن الجنة تحت قدم الأم، روى أحمد قال حدثنا روح أخبرنا ابن جريج أخبرني محمد بن طلحة بن عبدالله بن عبدالرحمن عن أبيه طلحة بن عبدالله عن معاوية بن جاهمة أن جاهمة جاء إلى رسول الله قال: يا رسول الله أردت الغزو وجئتك أستشيرك فقال: { هل لك من أم؟ } قال: نعم فقال: { الزمها فإن الجنة عند رجلها ثم الثانية ثم الثالثة في مقاعد شتى كمثل هذا القول }. وإن الأم مقدمة في البر وحسن الصحبة من الأب، فعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: { أمك } قال: ثم من؟ قال: { ثم أمك } قال: ثم من؟ قال: { ثم أمك } قال: ثم من؟ قال: { ثم أبوك }.
وقد أوصى النبي بالنساء خيراً في أعظم المواقف وأعظم جمع وهو موقف عرفة في خطبة عرفة فقال : { فأتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فأضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف }. وأخرج أحمد حدثنا ابن إدريس سمعت محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخيارهم خيارهم لنسائهم }. اسمعوا هذه النصوص يا دعاة الاختلاط، يا دعاة الرذيلة يا دعاة المجون والخنا ويا من يحب الفاحشة في الصورة أو المجلة أو الإعلام المسموع أو المرئي أو المقروء لدعوة حرية المرأة - دعوة المساواة بين المرأة والرجل في جميع الشؤون، يقولون ذلك بأفواههم وكتابة أقلامهم في الهرم في الوسائل، ويخترقون سد الذرائع إلى الرذائل، ويتقحمون الفضائح ويهونون من شأنها ويعيبونها وأهلها، كل ذلك يفعلونه وأشد، وبأنهم قوم يزعمون التباكي على المرأة والانتصار لها ولحقوقها، ذئاب جائرة وكلاب نائحة.
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُواْ لَهُم عَذَابُ أَلِيمٌ فِي الدُّنيَا والآَخِرَةِ وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ [ النور: 19]. وقال تعالى: وَدُّواْ لَو تَكفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاءً [ النساء: 89 ] وصدق فيهم قوله تعالى: وَاللهُ أَن يَتوبَ عَلَيكُم وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيلاً عَظِيماً ، [ النساء 27]. نقل جرير في تفسيره عن ابن زيد في تفسيره هذه الآية قال: ( يريد أهل الباطل وأهل الشهوات في دينهم أن تميلوا في دينكم ميلاً عظيماً تتبعون أمر دينهم وتتركون أمر الله وأمر دينكم ) وقال مجاهد: ( هم الزناة يريدون أن تميلوا عن الحق فتزنون كما يزنون ).
وألصق وصف للدعاة على أبواب جهنم الذين من ضمنهم دعاة الاختلاط والحرية ومساواة المرأة بالرجل قوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُم لاَ تُفسِدُواْ فِي الأَرضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحنُ مُصلِحُونَ (11) أَلاَ إِنَّهُم هُمُ المُفسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشعُرُونَ [البقرة:12].
ـــــــــــــــــــ(68/342)
خطر التبرج والسفور على الفرد والمجتمع
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 3556
(2516 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى على كل من له معرفة ما عمّت به البلوى في كثير من البلدان من تبرج الكثير من النساء وسفورهن وعدم تحجبهن من الرجال، وإبداء الكثير من زينتهن التي حرّم الله عليهن إبداءها، ولا شك أن ذلك من المنكرات العظيمة والمعاصي الظاهرة، ومن أعظم أسباب حلول العقوبات ونزول النقمات لما يترتب على التبرج والسفور من ظهور الفواحش وارتكاب الجرائم وقلة الحياء وعموم الفساد.
فاتقوا الله أيها المسلمون وخذوا على أيدي سفهائكم، وامنعوا نساءكم مما حرم الله عليهن، وألزموهن التحجب والتستر، واحذروا غضب الله سبحانه، وعظيم عقوبته، فقد صح عن النبي أنه قال: { إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه }.
وقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79].
وفي المسند وغيره عن ابن مسعود أن النبي تلا هذه الآية ثم قال: { والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم } وصحّ عن النبي أنه قال: { من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان }.
وقد أمر الله سبحانه في كتابه الكريم بتحجب النساء ولزومهن البيوت، وحذر من التبرج والخضوع بالقول للرجال صيانةً لهن عن الفساد وتحذيراً لهن من أسباب الفتنة.
فقال سبحانه وتعالى: يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33،32].
نهى سبحانه في هذه الآية نساء النبي الكريم أمهات المؤمنين ـ وهن من خير النساء وأطهرهن ـ عن الخضوع بالقول للرجال وهو تليين القول وترقيقه، لئلا يطمع فيهن من في قلبه مرض شهوة الزنا، ويظن أنهن يوافقنه على ذلك، وأمر بلزومهن البيوت ونهاهن عن تبرج الجاهلية، وهو إظهار الزينة والمحاسن كالرأس والوجه والعنق والصدر والذراع والساق ونحو ذلك من الزينة لما في ذلك من الفساد العظيم والفتنة الكبيرة وتحريك قلوب الرجال إلى تعاطي أسباب الزنا، وإذا كان الله سبحانه يحذر أمهات المؤمنين من هذه الأشياء المنكرة مع صلاحهن وإيمانهن وطهارتهن، فغيرهن أولى، وأولى بالتحذير والإنكار والخوف عليهن من أسباب الفتنة، ويدل على عموم الحكم لهن ولغيرهن قوله سبحانه في هذه الآية: وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33] فإن هذه الأوامر أحكام عامة لنساء النبي وغيرهن.
وقال عز وجل: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] فهذه الآية الكريمة نص واضح في وجوب تحجب النساء عن الرجال وتسترهن منهم، وقد أوضح الله سبحانه في هذه الآية أن التحجب أطهر لقلوب الرجال والنساء وأبعد عن الفاحشة وأسبابها، وأشار سبحانه إلى أن السفور وعدم التحجب خبث ونجاسة، وأن التحجب طهارة وسلامة.
فيا معشر المسلمين، تأدبوا بتأديب الله، وامتثلوا أمر الله. وألزموا نساءكم بالتحجب الذي هو سبب الطهارة ووسيلة النجاة.
وقال سبحانه وتعلى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:59]. والجلابيب: جمع جلباب وهو ما تضعه المرأة على رأسها وبدنها فوق الثياب للتحجب والتستر به، أمر الله سبحانه جميع نساء المؤمنين بإدناء جلابيبهن على محاسنهن من الشعور والوجه وغير ذلك حتى يُعرفن بالعفة فلا يفتتن ولا يفتن غيرهن فيؤذيهن، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ( أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عيناً واحدة )، وقال محمد بن سيرين: ( سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى ). ثم أخبر الله سبحانه أنه غفور رحيم عما سلف من التقصير في ذلك قبل النهي والتحذير منه سبحانه.
وقال عز وجل: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور:60].
يخبر سبحانه أن القواعد من النساء، ومن العجائز اللاتي لا يرجون نكاحاً، لا جناح عليهن أن يضعن ثيابهن عن وجوهن وأيديهن إذا كنّ غير متبرجات بزينة، فعلم بذلك أن المتبرجة بزينة ليس لها أن تضع ثوبها عن وجهها ويديها وغير ذلك من زينتها، وأن عليها جناحاً في ذلك ولو كانت عجوزاً، لأن كل ساقطة لها لاقطة، ولأن التبرج يفضي إلى الفتنة بالمتبرجة ولو كانت عجوزاً، لا شك أن إثمها أعظم، والجناح عليها أشد، والفتنة بها أكبر.
وشرط سبحانه في حق العجوز أن لا تكون ممن يرجو النكاح، وما ذلك ـ والله أعلم ـ إلا أن رجاءها النكاح يدعوها إلى التجمّل والتبرج بالزينة طمعاً في الأزواج، فنهيت عن وضع ثيابها عن محاسنها صيانةً لها ولغيرها من الفتنة.
ثم ختم الآية سبحانه بتحريض القواعد على الاستعفاف، وأوضح أنه خير لهن وإن لم يتبرجن، فظهر بذلك فضل التحجب والتستر بالثياب ولو من العجائز، وأنه خير لهن من وضع الثياب، فوجب أن يكون التحجب والاستعفاف عن إظهار الزينة خيراً للشابات من باب أولى، وأبعد لهن عن أسباب الفتنة.
وقال سبحانه: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31،30].
أمر سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار، وحفظ الفروج، وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنا وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلمين، ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة، وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك، ولهذا قال سبحانه: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]. فغض البصر وحفظ الفرج أزكى للمؤمنين في الدنيا والآخرة، وإطلاق البصر والفرج من أعظم أسباب العطب والعذاب في الدنيا والآخرة. نسأل الله العافية من ذلك.
وأخبر عز وجل أنه خبير بما صنعه الناس، وأنه لا يخفى عليه خافية، وفي ذلك تحذير للمؤمنين من ركوب ما حرّم الله عليه، والإعراض عما شرع الله له، وتذكير له بأن الله سبحانه يراه ويعلم أفعاله الطيبة وغيرها، كما قال تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]. وقال تعالى: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ [يونس:61]، فالواجب على العبد أن يحذر ربه، وأن يستحي منه أن يراه على معصيته، أو يفقده من طاعته التي يستحيي عليه.
ثم قال سبحانه: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:31] فأمر المؤمنات بغض البصر، وحفظ الفرج ـ كما أمر المؤمنين بذلك ـ صيانةً لهن من أسباب الفتنة، وتحريضاً لهن على أسباب العفة والسلامة، ثم قال سبحانه: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قال ابن مسعود رضي الله عنه:( مَا ظَهَرَ مِنْهَا يعني بذلك ما ظهر من اللباس، فإن ذلك معفو عنه )، ومراده بذلك الملابس التي ليس فيها تبرج وفتنة، وأما ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسر مَا ظَهَرَ مِنْهَا بالوجه والكفين فهو محمول على حالة النساء قبل نزول آية الحجاب، وأما بعد ذلك فقد أوجب الله عليهن ستر الجميع، كما سبق في الآيات الكريمات من سورة الأحزاب وغيرها، ويدل على أن ابن عباس أراد ذلك، ما رواه عنه علي ابن أبي طلحة أنه قال: ( أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة ). وقد نبّه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم والتحقيق وهو الحق الذي لا ريب فيه.
ومعلوم ما يترتب على ظهور الوجه والكفين من الفساد والفتنة، وقد تقدم قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ [الأحزاب:53] ولم يستثن شيئاً، وهي آية محكمة فوجب الأخذ بها والتعويل عليها، وحمل ما سواها عليها. والحكم فيها عام في نساء النبي وغيرهن من نساء المؤمنين، وتقدم من سورة النور ما يرشدك إلى ذلك، وهو ما ذكره الله سبحانه في حق القواعد وتحريم وضعهن الثياب إلا بشرطين، أحدهما: كونهن لا يرجون النكاح، والثاني عدم التبرج بالزينة، وسبق الكلام على ذلك، وأن الآية المذكورة حجة ظاهرة، وبرهان قاطع على تحريم سفور النساء وتبرجهن بالزينة.
ويدل على ذلك أيضاً ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك أنها خمرت وجهها لما سمعت صوت صفوان بن المعطل السلمي وقالت إنه كان يعرفها قبل الحجاب، فدل ذلك على أن النساء بعد نزول آية الحجاب لا يُعرفن بسبب تخميرهن وجوههن، ولا يخفى ما وقع فيه النساء اليوم من التوسع في التبرج وإبداء المحاسن، فوجب سد الذرائع وحسم الوسائل المفضية إلى الفساد وظهور الفواحش.
ومن أعظم أسباب الفساد خلوة الرجال بالنساء، وسفرهم بهن من دون محرم، وقد صحّ عن النبي أنه قال: { لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم، ولا يخلون رجل بإمرأة إلا ومعها ذو محرم }، وقال : { لا يخلون رجل بإمرأة، فإن الشيطان ثالثهما } وقال : { لا يبيتن رجل عند امرأة إلا أن يكون زوجاً لها أو ذا محرم } [رواه مسلم في صحيحه].
فاتقوا الله أيها المسلمون، وخذوا على أيدي نسائكم، وامنعوهن مما حرم الله عليهن من السفور والتبرج وإظهار المحاسن والتشبه بأعداء الله من النصارى ومن تشبه بهم، واعلموا أن السكوت عنهن مشاركة لهن في الإثم وتعرض لغضب الله وعموم عقابه، عافانا الله وإياكم من شر ذلك.
ومن أعظم الواجبات تحذير الرجال من الخلوة بالنساء والدخول عليهن والسفر بهن بدون محرم لأن ذلك من وسائل الفتنة والفساد، وقد صحّ عن النبي أنه قال: { ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء } وقال : { إن الدنيا حُلوةٌ خَضِرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائل كانت في النساء } وقال عليه الصلاة والسلام: { ربّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة }، وقال : { صنفان من أهل النار لم أرهما: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، ورجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس }، وهذا تحذير شديد من التبرج والسفور، ولبس الرقيق والقصير من الثياب، والميل عن الحق والعفة، وإمالة الناس إلى الفاحشة والباطل، وتحذير شديد من ظلم الناس والتعدي عليهم، ووعيد لمن فعل ذلك بحرمان دخول الجنة، نسأل الله العافية من ذلك.
ومن أعظم الفساد: تشبه الكثير من النساء بنساء الكفار من النصارى وأشباههم في لبس القصير من الثياب، وإبداء الشعور المحاسن، ومشط الشعور على طريقة أهل الكفر والفسق، ووصل الشعر، ولبس الرؤوس الصناعية المسامة ( الباروكة). وقال : { من تشبّه بقوم فهو منهم } ومعلوم ما يترتب على هذا التشبه، وهذه الملابس القصيرة التي تجعل المرأة شبه عارية من الفساد والفتنة ورقة الدين وقلة الحياء. فالواجب الحذر من ذلك غاية الحذر، ومنع النساء منه، والشدة في ذلك، لأن عاقبته وخيمة، وفساده عظيم، ولا يجوز التساهل في ذلك مع البنات الصغار، لأن تربيتهن عليه يفضي إلى اعتيادهن له، وكراهيتهن لما سواه إذا كبرن، فيقع بذلك الفساد المحذور والفتنة المخوفة التي وقع فيها الكبيرات من النساء.
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا ما حرم الله عليكم، وتعاونوا على البر والتقوى، وتواصوا بالحق والصبر عليه، واعلموا أن الله سبحانه سائلكم عن ذلك، ومجازيكم عن أعمالكم، وهو سبحانه مع الصابرين، ومع المتقين والمحسنين، فاصبروا وصابروا واتقوا الله، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين.
ولا ريب أن الواجب على ولاة الأمور من الأمراء والقضاة والعلماء والرؤوساء وأعضاء الهيئات أكبر من الواجب على غيرهم، والخطر عليهم أشد، والفتنة في سكوت من سكت منهم عظيمة، ليس إنكار المنكر خاصاً بهم، بل الواجب على جميع المسلمين ـ ولا سيما أعيانهم وكبارهم وبالأخص أولياء النساء وأزواجهن ـ إنكار هذا المنكر، والغلظة فيه، والشدة على من تساهل في ذلك، لعل الله سبحانه يرفع عنا ما نزل من البلاء ويهدينا ونساءنا إلى سواء السبيل.
وصح عن النبي أنه قال: { ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تختلف من بعدهم خُلُوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل } وأسأل الله أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يصلح ولاة أمرنا، ويقمع بهم الفساد، وينصر بهم الحق، ويصلح لهم البطانة، وأن يوفقنا وإياكم وإياهم وسائر المسلمين لما فيه من صلاح العباد والبلاد، في المعاش والمعاد، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وآله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أهـ
سؤال: في أوقات سفرنا خارج المملكة هل يجوز أن أكشف وجهي وأرمي الحجاب لأننا بعدنا عن بلدنا ولا أحد يعرفنا لأن والدتي تعمل المستحيل وتحرض والدي على أن يجبرني على كشف وجهي لأنهم يعتبرونني عندما أغطي وجهي أنني ألفت النظر إليهم؟
الجواب: لا يجوز لك ولا لغيرك من النساء السفور في بلاد الكفار، كما لا يجوز ذلك في بلاد المسلمين بل يجب الحجاب عن الرجال الأجانب سواء كانوا مسلمين أو كفار بل وجوبه عن الكفار أشد لأنه لا إيمان بحجزهم عما حرم الله، ولا يجوز لك ولا لغيرك طاعة الوالدين ولا غيرهما في فعل ما حرم الله ورسوله، والله سبحانه يقول في كتابه المبين في سورة الأحزاب: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ [الأحزاب:53]، فبين سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن تحجب النساء عن الرجال غير المحارم أطهر لقلوب الجميع، وقال سبحانه في سورة النور: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:31].
سؤال: ما حكم مقابلة الخدم والسائقين، وهل يعتبرون في حكم الأجانب، علماً أن والدتي تطلب مني الخروج أمام الخدم وأن أضع على رأسي ( إشارب) فهل يجوز هذا في ديننا الحنيف الذي أمرنا بعدم معصية أوامر الله عز وجل؟
الجواب: السائق والخادم حكمهما حكم بقية الرجال يجب التحجب عنهما إذا كانا ليسا من المحارم، ولا يجوز السفور لهما ولا الخلوة بكل واحد منهما لقول النبي : { لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما } ولعموم الأدلة في وجوب الحجاب وتحريم التبرج والسفور لغير المحارم، ولا تجوز طاعة الوالدة ولا غيرها في شيء من معاصي الله.
سؤال: ما هو حكم من يستهزئ بمن ترتدي الحجاب الشرعي وتغطي وجهها وكفيها؟
الجواب: من يستهزئ بالمسلمة أو المسلم من أجل تمسكه بالشريعة الإسلامية فهو كافر سواء كان ذلك في احتجاب المسلمة احتجاباً شرعياً أم في غيره، لما رواه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأيت مثل قرآئنا هؤلاء، أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عن اللقاء. فقال رجل: كذبت ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله فبلغ ذلك رسول الله ونزل القرآن، فقال عبدالله بن عمر: وأنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة رسول الله تنكبه الحجارة وهو يقول: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ [التوبة:66،65]. فجعل استهزاءه بالمؤمنين استهزاء بالله وآياته ورسوله. وبالله التوفيق.
وصلى الله عل نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ(68/343)
أخطار تهدد كيان الأسرة
عبدالباري الثبيتي
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 5380
(1364 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله الذي خلقنا في أحسن تقويم، وربانا على موائد بره وخيره العميم، أحمده سبحانه وأشكره، وهو الحكيم العليم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين: أما بعد:
حين نتجول في أُسر السلف الصالح تتلألأ هذه النماذج:
يقول القاسم بن راشد الشيباني: ( كان رفعة بن صالح نازلاً عندنا، وكان له أهل وبنات، وكان يقوم فيصلي ليلاً طويلاً، فإن كان السحر نادى بأعلى صوته.. قال فيتواثبون: من هنا باك، ومن هاهنا داع، ومن هاهنا قارىء، ومن هاهنا متوضيء، فإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته: عند الصباح يحمد القوم السرى ).
وانتبهت امرأة حبيب العجمي بن محمد ليلة وهو نائم، فنبهته في السحر وقالت له: ( قم يا رجل، فقد ذهب الليل وجاء النهار، وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل، وقوافل الصالحين قد سارت ونحن قد بقينا ).
وكان للحسن بن صالح جارية فباعها من قوم، فلما كان جوف الليل قامت الجارية فقالت: يا أهل الدار الصلاة )، فقالوا: أصبحنا؟ أطلع الفجر؟ فقالت: وما تصلون إلا المكتوبة؟ قالوا: نعم، فرجعت إلى الحسن فقالت: يا مولاي، بعتني من قوم لا يصلون إلا المكتوبة، ردني، فردها.
وعن إبراهيم بن وكيع قال: كان أبي يصلي فلا يبقى في دارنا أحد يصلي إلا صلى، حتى جارية لنا سوداء.
وعن ابن عثمان النهدي قال: كان أبو هريرة وامرأته وخادمه يتعقبون الليل أثلاثاً، يُصلي هذا، ثم يُوقظ هذا، ويصلي هذا، ثم يُوقظ هذا.
هذه الأُسر بمنهجها هذا، تمثل قلعة من قلاع الدين، إنها أُسر مؤمنة في سيرتها، متماسكة من داخلها، حصينة في ذاتها، مثلها الأعلى أُسوةً وقُدوةً رسول الله ، أُسر قائمة على الاستمساك بشرع الله المطهر، الصدق والاخلاص، والحب والتعاون، والاستقامة والتسامح، والخلق الزكي.
والحديث عن الأسرة له أهميته، فهي حجر الزاوية في بناء المجتمع، والقاعدة التي يقوم عليها بناء الأمة، ألا ترى أولئك النابغين من التابعين كيف ملؤوا التاريخ بطولةً ومثلاً وقيماً؟
لقد كانت الأسرة في حياتهم تُمثل أهم عناصر النبوغ، وزرع الهمة العالية منذ نعومة أظفارهم، وهذا ما قد يفسر لنا سر اتصال سلسلة النابغين من أبناء أسر معينة كآل تيمية مثلاً.
وهل يمكن لأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أن يقوم بواجبه في تجديد الدين، ويتهيأ له، لولا البيئة الصالحة والأسرة الكريمة التي وجهته إلى المعالي، وبذرت الهمة العالية في قلبه منذ الطفولة.؟
لهذا عُني الاسلام ببناء الأسرة وأحكامها من بدء الخطبة إلى عقد الزواج، وبيّن واجبات الزوجين، والأبناء، والأقربين، شرع النفقات والطلاق، والميراث. أحاط الأسرة بالرعاية والحماية، وأمن لها الاستقرار والمودة، خطب المغيرة بن شعبة امرأة فقال النبي : { أُنظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما } [رواه الترمذي]. أي أجدر أن تتآلفها، وتجتمعا وتتفقا.
لحفظ الأسرة بيّن الإسلام أسباب الألفة ووسائل حسن المعاشرة، شيَّد صرح المحبة بين أفرادها بتأسيس حقوق معلومة حذر الإسلام من هدم الأسرة، وحث على تماسكها، ونفر من زعزعة أركانها، وانفصام عراها.
واذا اشتدت الأزمات شرع الطلاق في أجواء هادئة، بمعزل عن أحوال الغضب الهوجاء.
واعتبر ايقاع الطلاق الثلاث دفعة واحدة سلوكاً طائشاً ولعباً بكتاب الله عز وجل.
إن الكيان الأسري ليس امرأة فقط، وليس رجلاً أيضاً، إنما هو كيان متكامل، للمرأة وظيفة أنثوية، وللرجل وظيفته المكملة، ولو تعاضدا وتشاورا وأدى كلٌ منهما رسالته في التربية والبناء لما أصيب السواد الأعظم من الأسر بالخور، والفشل، والضعف، والهلاك.
وإنك لتحزن لذلك الدفق الهائل من السموم عبر الفضائيات لمسخ الأسرة المسلمة، وهدم نظامها بالدعوة إلى تحرير المرأة والتمرد على قوامة الرجل، ورفض بل نزع الحجاب، والنكوص على الأعقاب بتزيين العري والاختلاط، ومحاربة القيم، وتعدد الزوجات، ناهيك عن الدعوة إلى تأخير الزواج،، حيث يصورونه أغلالاً، وقيوداً تُكبل الحرية، وتحجز عن الانطلاق، ثم لوثوا العقول، وأفسدوا القلوب بعلاقات مشينة سموها صداقة، وزمالة، ومخادنة!.
ومما يُؤسف له أن هذه الأسر المغزوة من قبل أعدائها، مُهددة من قبل أصحابها المسؤولين عنها.
حين تنشأ الأسرة على قاعدة هشة من الجهل بمقاصد الزواج السامية، والحقوق الشرعية المتبادلة، وفن التعامل، بحيث يكون الزوجان لم يُهيآ ويتهيأ لتحمل مسؤولية الحياة وتبعاتها، وجِد العيش وتكاليفه، فيكون السقوط السريع والمريع عند أول عقبة في دروب الحياة.
ذلك أنهم يظنون أنها حياة تمتُع دائم لا ينقطع، وسرور لا يُنغص، وبهجة لا تنطفىء، مع أحلام وردية، وأمانٍ ساحرة.
لهذا نرى هذا السيل الجارف المحزن من حالات الطلاق بلا أسباب مقنعة أو خلافات جوهرية، بل تذهل لسماع قذائف من ألفاظ تحمل في طياتها طلاقاً بائناً، لا تُراعى فيه ضوابط الشرع، وهكذا يُكسر هذا الكيان الصغير الجميل، والبيت الذي كانت تظلله سحائب المحبة والوئام، يكسر بمعاول الجهل والغرور، والمكابرة والعناد وهوج التفكير، وخطله.
وما أفظعها من خاتمة مروعة موجعة، هي قرة عين الشيطان، فعن جابر عن النبي قال: { إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئاً قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت، فيلتزمه } [أخرجه مسلم].
والشيطان حين يفلح في فك روابط الأسرة، لا يهدم بيتاً واحداً، ولا يضع شراً محدوداً، إنما يوقع الأمة جمعاء في شر بعيد المدى، ذلك أن الأمة التي يقوم بناؤها على لبنات ضعيفة، من أُسر مخلخلة وأفراد مُشَردين، وأبناء يتامى لن تحقق نصراً، ولن تبلغ عزاً، بل تتداعى عليها الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعة الطعام.
أيها الأزواج:
إن شراب الحياة الهنيئة قد يتخلله رشفات مرة، والحياة الأسرية لا تخلو من مكدرات ومتاعب، ثم لا تلبث أن تنقشع. غيومها وتتذلل عقباتها ويذوب جليدها بالصبر والحكمة، وضبط النفس، والفطنة، فمن من البشر لا يخطىء؟ مَنْ من الناس بلا عيوب؟ ومَنْ منهم لا يغضب أو يجهل؟.
وما أعقل وأحكم أبا الدرداء وهو يخاطب زوجته: ( إذا رأيتني غاضباً فرضيني، وإذا رأيتك غضبى رضيتك، وإلا لم نصطحب ).
ومن الأخطار المحيطة بالأسرة تأرجح مفهوم القوامة بين الإفراط والتفريط، فهي عند فريق من الناس قسوة من الزوج تنتشر في أرجاء الدار، وعواصف من الرهبة والفزع، وعبوس لا استعطاف معه ولا حوار، في جو قهري يتمثل في التنفيذ دون مناقشة ولا تردد، وهي عند فريق آخر تتمثل في ميوعة يفقد البيت فيها قوامة الرجل، وفي فوضى مروعة في إدارة شؤون الأسرة.
والأدهى أن يكون رب الأسرة حاضراً جسداً مفقوداً تربيةً وقيادةً، فتشق سفينة الأسرة طريقها في الحياة، فتتمايل بها الأهواء، وتتجاذبها العواصف دون أن يكون لها قائد يضبط حركتها، وقيَّمٌ يوجه سيرها.
إن قيَّم الأسرة حاضرٌ جسداً ومادةً، لكنه غائبٌ اصلاحاً وتوجيهاً، إنه لا يتأخر في سبيل شهواته وملذاته، لكنه يغفل من متطلبات التربية والبناء.
لقد سلم دفة قيادة الأسرة لجلساء وأصدقاء، قد تكون أحوالهم مجهولة، ولتلك الشاشة الفضية التي تغرس بفضائيتها مباديء الرذيلة، والانحراف، وتهدم أخلاق الأسرة، وقيمها الإسلامية.
وقد تتشرب الأسرة مع الزمن تلك المبادىء الهزيلة، ثم لا تلبث أن تسير في ركابها فتحاكيها فكراً، وتسايرها خلقاً، وتقلدها لباساً، فتكون العاقبة ندماً، والثمرة مكروهاً.
قيَّمُ الأسرة
أين قيَّمُ الأسرة؟ أين قائدها؟ إنه في الصباح يكدُ في عمله، وفي الظهيرة مستلقٍ على فراشه، ثم ينطلق مساء في لهوٍ أو دنيا، ولا يعود إلا مكدود الجسم، مهدود الفكر، وبهذا يفقد القدرة على تربية الأولاد، ويزداد الخطب حين تخرج المرأة للعمل، فيصبح البيت حديقة مهجورة، على بعض أشجارها طيور يتيمة محرومة من الأب والأم، وأصبحت بعض البيوت محطة استراحة للزوجين، أما الأبناء فعلاقتهم بالآباء علاقة حسن الجوار.
القوامة الفعالة
إن القوامة الفعالة تعني القدوة في الإيمان والاستقامة.
إن القوامة ليست مجرد توفير طعام وشراب، وملبس ومسكن، إنها مسؤولية الاضطلاع بشؤون أسرة كاملة، تبدأ من الاهتمام بشؤون شريكة الحياة. الزوجة، أخلاقها وسلوكها، ثم لا تلبث أن تشمل الأبناء والبنات، إنها مسؤولية صنع أبناء الأمة وبناتها، وإعطاء الأمة انتماءها بالحفاظ على كيان الأسرة.
القوامة ليست لهواً وعبثاً، ونوماً متواصلاً، إنما هي عمل، وتخطيط، وجهد متواصل في مملكة البيت للمحافظة على أمنه واستقراره.
إن واجب قيَّم الأسرة، أن يغرس في نفوس أفراد أسرته الدين والمثل السامية، وأن يُنمي فيهم حب الله، وحب رسوله ، وحتى يكون الله ورسولُه أحب إليهم مما سواهما، ينمي فيهم مخافة الله والرغبة فيما عنده من ثواب.
قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].
لو تأملنا بعض آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول لوجدنا أن أهم مقاصد تكوين الأسرة هي:
أولاً: إقامة حدود الله وتحقيق شرعه ومرضاته، وإقامة البيت المسلم الذي يبني حياته على تحقيق عبادة الله.
ثانياً: تحقيق السكون النفسي والطمأنينة. قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189].
ثالثاً: تحقيق أمر رسول الله بإنجاب النسل المؤمن الصالح.
رابعاً: إرواء الحاجة إلى المحبة عند الأطفال.
خامساً: صون فطرة الطفل عن الرذائل والانحراف.
ذلك أن الطفل يولد صافي السريرة، سليم القلب فعلينا - معشر المسلمين - تعليم أُسرِنا عقيدتها، وأن نُسلحها بسلاح التقوى؛ لتحقيق مجتمع أسمى وأمة أقوى.
اللهم ظلل على بيوت الموحدين الأمن، والإيمان، والمحبة، والإخلاص.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ(68/344)
النقاب النقاب
عبدالرحمن الوهيبي
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 6825
(1624 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله وبعد: بالرغم من وضوح أمر النقاب والبرقع وحكم لبسه بأشكاله المختلفة التي تفننت في صناعتها أيد فاجرة ماكرة، أو متاجرة جاهلة ما أرادت بنسائنا الخير ولا لهن الستر، كما تفننت في لبسها نساءٌ لا يخفى عليهن ما في لباسها من فتنة للرجال، وتعرض للإيذاء وفتح باب شر على المجتمع، إلا أن ذلك كله لم يمنع كثير من النساء من متابعة هذه الموضة أو الإصرار عليها لأن من لبسن النقاب والبرقع لم يسألن أصلاً عن حكم لبسه بتلك الأشكال ولم يفكرن جيداً في فساده وأضراره على لابسته وعلى الرجال أيضاً، بل اعتبرن وجوده في الأسواق ولبس الجاهلات له فرصة لا تعوّض للتخلص من الحجاب الكامل ( غطاء الوجه ).
وكان الواجب على المسلمة أن تسأل عن حكم ما يستجد من أمور لم تكن معروفة في مجتمعها سواءُ ما يتعلق بالعقائد أو المعاملات أو العبادات ومنها ( الحجاب والنقاب والبرقع ) وأن تستدل ( تطلب الدليل ) على لباسها هذا قبل أن تقتنع بأنه حق للمرأة، وقبل أن تعتبر تواجده وانتشاره مبرراً كافياً ودليلاً شرعياً على جواز لبسه بتلك الأشكال المختلفة.
يقول فضيلة الشيخ / محمد بن عثيمين عضو هيئة كبار العلماء في كتابة ( الحجاب ): ( قال العلماء، وينبغي أن يستدل قبل أن يعتقد ليكون اعتقاده تابعاً للدليل لا متبوعاً، لأنه من اعتقد قبل أن يستدل قد يحمله اعتقاده على رد النصوص المخالفة لاعتقاده أو تحريفها إذا لم يمكنة ردّها ) إلخ.
لذا أصبح ذلك النقاب ينتشر بين الصالحات العاقلات فضلاً عن الغافلات السفيهات، وبين نساء العقلاء المحافظين على نسائهم فضلاً عن نساء الجهال المفرّطين في ولايتهم، وبين بعض من يُسمين ( بنات الحمايل ) فضلاً عَمّن دونهن. وللعلم فلم يعد الناس عموماً ولا النساء خصوصاً يحسبون حساباً لكون أحدهم من آل فلان أو هذه بنت فلان، فالنساء إما مسلمة محتشمة معتزة بحجابها، أو أخرى ساذجة مقلّدة مستجيبة لكل موضة جديدة!!
فهذه أم فلان تقبع خلف السائق بنقابها ! ! تلتفت يمينة ويسرة عند الإشارات وغيرها وكأنها تقول: انظروا إلى عينيّ ! عبر نقابي الجميل، لقد ولّى زمن الإنقياد لأوامر الشرع والوقوف عند حدود الله، وسؤال أهل العلم ( العلماء ) عن شروط الحجاب وحكم النقاب العصري فضلاً عن الإلتزام بفتاواهم فنحن في زمن الموضة التي خفّفت عنا كثيراً من الأوامر الربانية والتكاليف الشرعية !؟
وكأني بذلك السائق ( الذي يخلو مما في الرجال من غرائز !؟ ) المؤتمن على هؤلاء النسوة اللاتي انشغل أزواجهن أو إخوانهن في مشاريعهم ومؤسساتها وتجاراتهم عن الذهاب بهن للسوق أو المستوصف أو الجامعة أو المدرسة - كأني بذلك السائق - يقول وهو ينظر لتلك العينين: أما لنا حَقٌ في التمتع بعيون محارم الكفيل !؟ فأقول: بلى.. لقد هيأ لك هو ذلك ! بسماحه لها بالركوب معك بتلك الهيئة، وسهّلت هي مهمتك بالنظر إليك !! لحاجة ولغير حاجة ومخاطبتك وعيناها في عينيك، فالشعور متبادل غالباً ! فمن ينكر ذلك وهل من شهم يغار.
ذهب الرجال المُقتدى بفعالهم *** والمنكرون لكل أمر منكر
وبقيتُ في خلف يُزكّي بعضُهم *** بعضاً ليدفع معورّ عن معورِ
فطنّ لكل مصيبة في ماله *** وإذا أصيب بعرضه لا يشعر
وهذه بنت فلان ( المعروف بغيرته ) بجواره أو خلفه وقد أظهرت عينيها من خلال نقابها الفاتن لتنهشها العيون الجائعة التي لم تكن تحلم - قبل زمن النقاب العصري - برؤية عين واحدة من عيون العفيفات فضلاً عن عينين مكحّلتين ! ولم تكُن تُصدّق أنها ستظفر بتخفيف ما فوق العينين من خمار فضلاً عن إبعاده تماماً إلى غير رجعه !! ( إلا أن يشاء الله ).
وهذه زوجة فلان ( المعروف بحيائه ومحافظة أهله على الستر ) تجلس بجواره في السيارة أو تمشي معه في السوق بنقابها الواسع وعيون المارة ( شباباً وشيباً ) تحدّق بها وهو ينظر ويرى العيون متّجهةً صوب زوجتة فلا يحرّك ساكناً ولا يمنع ناظراً! وهنا أشك في رضاه بذلك؛ لأن الغيرة مما فُطر عليها الرجل.. ويبقى الاحتمال الثاني وهو مجاملته لها أو عجزه عن منعها، أو جهله بمعنى القوامة وانفلات زمامها من يده ولو أراد عدم إيذائها بنظرات الذئاب البشرية والكلاب الإنسية لألزمها بقول الله تعالى: يَأَيّهَا النّبِىُ قُل لأزواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤمِنينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَ مِن جَلابِيبِهِنَ ذَلِكَ أدنَى أن يُعرَفنَ فَلايُؤذَينَ وَكَانَ اللّه غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب:59].
وحق هؤلاء الأزواج علينا أن ندعو لهم فنقول: اللهم زد إيمانهم وحرّك دماء الغيرة في قلوبهم وأعنهم على ستر نسائهم وأصلح نساءنا ونساءهم وحبّب إليهن الستر والحشمة.
فيا أيها الرجال: هاهي الفتاوى بين أيديكم ومن آخرها فتوى فضيلة الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان المرفق معها (8) نماذج للنقاب والبرقع، تلك الفتوى التي تبين لكم ولنسائكم عدم جواز لبس تلك الأشكال من النقاب والبرقع، وتوجب عليكم منع نسائكم من لبسها، وتحرم بيعها والمتاجرة بها.. فماذا أنتم قائلون.. وماذا أنتم فاعلون.. حفظكم الله وزادكم علماً وهدىً وتوفيقاً..
فقد عُرضت بعض الأشكال لأنواع النقاب والبراقع على فضيلة الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء وسُئل عنها فكانت الإجابة التالية:
فقد سبق أن أجبت غير مرة بتحريم لبس المرأة للنقاب المتعارف عليه اليوم بين النساء بجميع أشكاله، لأنه تحول من الحجاب الشرعي إلى حجاب شكلي، فهو تدرج للسفور، وربما يكون مغرياً بالنظر للمرأة والافتتان بها، وإذا كان كذلك فلا يجوز إقرار النساء على لبسة ولا يجوز بيعة وتداولة.
وقد أُعلن في بعض الصحف أن وزارة التجارة منعت من صناعته وبيعه في الأسواق بناء على فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء. وهذا إجراء سليم نسأل الله أن يُحقُقه ويتمُه ليستريح المسلمون من هذه الفتنة وأضرارها.
وفق الله ولاة أمورنا لما فيه خير الأمة وصالحها وفلاحها، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم/ صالح بن فوزان الفوزان.
ولأهمية الأمر فقد أرفقت هذه النماذج من أنواع النقاب والبراقع التي انتشرت في الأسواق والتي تلبسها النساء وسُئل عنها فضيلة الشيخ/ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين مجموعة من الأسئلة فكانت الإجابات التالية:
هذه من المحدثات في الألبسة
السؤال: ما حكم لبس هذا الأشكال وسبب ذلك؟
الجواب:هذه النماذج من المحدثات في الأزياء والألبسة التي تجددت وكثر من يتعاطاها من النساء إما تقليداً لبعض الجاهلات بالأحكام، وإما إظهاراً لشعار جديد وموضة طارئة فلذلك مُنع لبسها وذلك لأنها تلفت الأنظار وتثير الإنتباه وفيها فتنة حيث تبدو من المرأة العينان والوجنتان والحاجبان والأنف والأجفان والأهداب مع أن إحداهن قد تكتحل وتسوّد حاجبيها حتى تكون محل تكرار النظر وذلك من أسباب الفتنة...
أرى منع المتاجرة بها لهذه الأسباب
السؤال: حكم بيع تلك النماذج من البراقع والنقاب والمتاجرة بها؟
الجواب: أرى منع إصلاحها والمتاجرة فيها؛ لأن ذلك من إشاعة المنكر والتمكين من إظهاره، ومن التعاون على الإثم والعدوان.
إنة آثم قلبة
السؤال: هل يأثم ولي المرأة إذا أمرها أو سمح لها بلبس أحد هذه الأنواع؟
الجواب: لا شك إن تساهل مع موليته ورخّص لها في هذه الألبسة ومكّنها من الخروج إلى الأسواق فإنه آثم قلبة وقد يدخل فيمن يقر المنكر أو يسبب وجوده في محارمه.
غيرتهم على محارمهم... تدفعهم لذلك
السؤال: ما نصيحتكم لأولياء أمور النساء اللاتي تفنَنّ في لبس ما يفتن الرجال كهذه الأنواع المرفقة وغيرها مما يجلب انتباه الرجال؟
الجواب: أنصح أولياء الأمور بأن يغاروا على محارمهم وتحملهم الغيرة على أن يحجبوا مولياتهم ويمنعوهن من هذا اللباس الذي تفتن فيه الكثير من نساء المسلمين وأصبحت موضع الخوض في المجالس ونتج عن ذلك مفاسد وارتكاب فواحش، فعلى ولي أمر المرأة أن لا يتمادى معها في طلباتها التى توقع في الفتنة ولو كان ذا ثقة منها ولو عُرفت بالتحفّظ والاحتشام، لكثرة المفسدين والعابثين بالأعراض.
المتسترة تحفظ نفسها
السؤال: كثير من النساء تلبس تلك الأشكال تقليداً أو تخففاً من غطاء الوجه فما نصيحتكم لهن لا سيما وفيهن خير كثير؟
الجواب: ننصح الأخوات المسلمات عن هذا التقليد الأعمى الذي يوقع في محاكاة المتبرجات السفيهات، فعلى المرأة الصالحة أن تترفع عن هذا التقليد ولو تعللت بأنة تخفيف لغطاء الوجه، فإن المرأة متى خرجت في المجتمعات وهي محتشمة متسترة لم تمتد إليها الأنظار وعُرفت بنزاهتها فحفظت نفسها، أما إن ظهرت بهذا المظهر الفاتن فإنها لا تأمن أن تفتن بعض الناس.
لبس هذا النقاب تحصل به الفتنة
السؤال: ما نصيحتكم لمن تزعم أن لبس أحد تلك الأنواع أخف ضرراً من كشف الوجه كاملاً أو ترقيق الحجاب !؟
الجواب: قد علم أن كشف المرأة وجهها أمام الرجال مُحرّم وكذا تخفيف الغطاء عليه وأنه إظهار للزينة التي أمر الله بسترها إلا عن المحارم بقوله تعالى: وَلاَ يُبدِينَ زِينَتَهُنَ إلاّ لِبُعُولَتِهِنَ [النور:341]. ومع ذلك فإن لبس هذا النقاب يحصل به من الفتنة ما الله به عليم، فننصح الأخوات المتعففات أن يبعدن عن أسباب الفتنة ومنها هذه الأنواع من النقاب حيث إن وجه المرأة عورة وكذا عيناها وما اتصل بهما، وعلى المسلمة أن لا تتعلل بهذه التعليلات التي توقعها في التقليد الأعمى، وأن تتمسك بما عليه النساء المؤمنات من الصحابة ومن بعدهم.
خير لها أن لا ترى الرجال ولا يروها
السؤال: لقد بات من المشاهد أن ذوات النقاب يُتابعن الرجال والشباب بعيونهن في الأسواق وعند الإشارات، لأنهنّ يرينهم بوضوح بعد لبسهن لتلك الأنواع من النقابات والبرقع.. فهل من نصيحة لهن حتى لا يفتتنّ ( هُنّ) بالرجال؟
الجواب: قد أمر الله النساء بغض البصر في قوله تعالى: وَقُل لِّلمُؤمِنَاتِ يَغَُضضنَ مِن أَبصَرِهِنّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنّ [النور:31].
وذلك لأن المرأة ضعيفة الصبر وقد ركّب الله فيها شهوة كالرجل، فمتى تابعت نظرها للرجال وحدّقت في الوجوه لم تأمن أن يعلق بقلبها شيء من الشهوة التي تميل بها إلى اقتراف الفاحشة، فلذلك نقول ستر المرأة لوجهها وتغطيتها لعينها من تمام تعفّفها وحفظها لنفسها وبُعدها عن النظر إلى الأجانب، فإن خير ما للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يراها الرجال.
ارجعن إلى ما كانت عليه المرأة المسلمة
السؤال: نرجو تذكير النساء اللاتي استبدلن غطاء الوجه بهذه الأنواع من النقاب العصري الفاتن؟
الجواب: نذكّر الأخوات المسلمات أن يرجعن إلى ما كانت عليه المرأة المسلمة من عهد الصحابيات إلى العهد القريب بما عليه أمهاتهن وجداتهن من ستر الوجه كاملاً وعدم إبداء شيء من الزينة، فقد قال تعالى: وَليضَرِبنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَى جُيُوبِهِنّ [النور:31].
فالخمار يوضع على الرأس ثم تدليه على وجهها حتى يستر جيبها، مع أن فتنة الجيب أخف من فتنة الوجه.
على التجار أن يتورعوا عن بيع واستيراد هذه الأنواع من النقاب
السؤال: ما نصيحتكم لمن ساهم بانتشار تلك الأنواع، والتوسّع في بيعها من التجار وغيرهم بحجة أن النساء يقبلن عليها بكثرة؟
الجواب: نصيحتنا للتجار أن يتورعوا عن بيع هذه الأكسية وعن استيرادها وعن التعامل مع مَن يصلحها ولو كان فيها ربح وفوائد كثيرة ولو أقبل عليها الكثير من النساء؛ فإن ذلك من إشاعة المنكر ومن التعاون على الإثم والعدوان، ليقتصروا على بيع المباح الحلال ولو كان ربحه قليلاً، ففي الحلال القليل خير كثير، ومن ترك شيئاً لله تعالى عوضه الله خيراً منه.
الشيخ/ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين.
والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ(68/345)
تمهل وتأمل قبل أن تطلق
عبدالملك القاسم
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 2938
(1525 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
أخي الكريم: أعرف أنك اليوم تحمل هموماً كثيرة، ولديك غموماً متوالية، أحياناً قد تحجبك عن السير في الإتجاه الصحيح.
دعنا نتعاون معاً في إنهاء هذه المعضلة التي نزلت بك، ونرفع سوياً المعاناة التي ألمت بك فإن أمر الطلاق عظيم، وقد يكون له مضاعفات على الزوجة مع فراق الأبناء وغير ذلك.
وقبل أن نبدأ المسير؛ انطلق بنا نطل على بيت النبوة، حال وقوع مشكلة أسرية وكيف هو موقفه منها.. نسير في وقفتين سريعتين مع خير الأخيار وسيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، لنرى موقفاً جرى له مع زوجاته أمهات المؤمنين.. فقد ذكر تلك القصة ابن سعد في الطبقات الكبرى [8/137]:
الموقف الأول: عن أم ذرة عن أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها قالت: ( خرج رسول الله ذات ليلة من عندي، فأغلقت دونه الباب، فجاء يستفتح الباب فأبيت أن أفتح له، فقال: { أقسمت إلا فتحته } فقلت له: تذهب لأزواجك في ليلتي هذه، قال: { ما فعلت ولكن وجدت حقناً من بولي } ).
نبي هذه الأمة عليه الصلاة وقائدها ومعلمها يخرج لحاجته فيغلق دونه الباب، في الليل المظلم ويستفتح الباب فترفض زوجته.. فيقسم عليها أن تفتح له الباب، ويوضح لها ويشرح لها بكلمات حانية رقيقة لماذا ذهب؟! عندها ترضى أم المؤمنين رضي الله عنها. وتفتح له الباب وينتهي الأمر!! ولم يكن لينتهي لولا سعة حلمه، ونبل صفاته !!
أما الموقف الثاني: فهو موقف يقع أحياناً بين الضرات، فكيف حال الزوج، حين يقع بينهن أمر يكدر الخاطر، وكيف يتصرف حين تشتد الأمور وتظهر علامات القطيعة؟
روى النسائي عن أم سلمة رضي الله عنها: ( أنها أتت بطعام في صفحة لها إلى رسول الله وأصحابه فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر - حجر - ففلقت به الصفحة، فجمع النبي بين فلقتي الصفحة ويقول: { كلو، غارت أمكم } مرتين، ثم أخذ رسول الله صفحة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة، وأعطى صفحة أم سلمة عائشة ) وهكذا أنهى النبي المشكلة بتصرف حكيم!.
أوردت هاتين القصتين بين يدي الأخ الكريم حتى يعرف أن للصفح مكاناً وأن الإحسان أولى وأتم، كما قال تعالى في مدح المؤمنين: الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] فهذه منازل تجعل المؤمن يتنازل عن حقوق له ويعفو عمن أساء إليه، لتدوم المحبة وتبقى الألفة. بل وتحسن إلى من أساء إليك، وهذا يتحقق لمن منحه الله عز وجل مرتبة عالية في حسن المعاملة وطيب المنبت..
أخي الكريم: أطرح بين يديك علاجاً شافياً بإذن الله عز وجل لما ألمّ بك، وجلاءٌ لما أصابك، ومن ذلك:
أولاً: عدم العجلة في الأمر: فإن العجلة مذمومة في كل شيء إلا في عمل الخير، وأراك ذلك الرجل الفطن الذي تدقق وتراجع، وتقدم وتؤخر في شراء سياؤة مثلاً، وما أنت فيه اليوم أولى وأحق بذلك، ثم إن التأخير لا يضرك شيئاً، وإن لم ينفعك فلن تندم بإذن الله، كم من رجل ندم على العجلة والطيش ولم يندم على التأخير مطلقاً، والقرار بيدك اليوم أو غداً فلم العجلة؟
ثانياً: من عادة عقلاء الناس إرجاع الأمور إلى أهلها واستشارتهم، فها أنت تستشير في شراء قطعة أرض أصحاب العقار والمهتمين بذلك، فمن باب أولى أن تقصد طلبة العلم والعلماء وتشرح لهم ما أنت فيه، فإن الحق ضالة المؤمن. وأنت بإخوانك عزيز الرأي ثاقب الفكر.
ثالثاً: ما نزل بك من الهموم والغموم والمشاكل إنما هو من أنواع الابتلاءات التي يجب الصبر عليها واحتساب الأجر فيها، قال : { ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة، يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه } [متفق عليه] وأكثر من الإسترجاع.. قال : { ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول أمر الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها، إلا أخلف لله خيراً منها } [رواه مسلم].
رابعاً: طهر قلبك من الحقد والكراهية: فإن هذه الأمور تجعل على عينيك غشاوة تجعل فكرك مشلولاً، والشيطان يفرح بذلك النصيب منك، فاحذر أن تبني مصير حياة زوجية على حقد أو كراهية أو انتصار للنفس، والنبي يقول: { اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة } [رواه النسائي].
خامساً: قال الله تعالى: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ [الأنعام:152] وقال في شأن الأعداء والخصماء: وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8]. ومن العدل ذكر حسنات الزوجة طوال الشهور والسنوات التي مضت، واعلم أخي الكريم أن تصيد الهفوات والزلات ليس من ديدن وطريقة كرام القوم، وأراك تصفح عن زميلك وصاحبك في زلات كثيرة، فما بالك اليوم تجانب المسامحة والصفح في أمر من قال الله عنها: وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ [النساء:36]. وقال تعالى: وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237].
سادساً: لا تنس أن في بقاء الزوجة مع محاولة إصلاحها، إعفاف لبصرك، وسمعك وفرجك، من نزعات الشيطان. والإنسان ضعيف يتصدى للفتن بما أحل الله عز وجل وشرع.
سابعاً: إن كان لك أبناء فإنهم قد يعانون من سرعة إتخاذك للقرار، وقد تحرمهم حنان الأم أو حنان الأب، واعلم أن جزءاً من سعادتك هي رؤية صغارك من حولك، وأنت الآن على مفترق طرق فلا تتعجل الأمر، وإن كان عليك مشقة في البقاء مع الزوجة، إلا أن رجاء صلاح صغارك يجعلك تتحمل ذلك، فكم تحملت من التعب والحزن لأجلهم.
ثامناً: ابتعد عن الكبر والتسلط والانتصار للنفس، فإن النبي كان رأس المتواضعين وهو أشرف الخلق. وتجنب إيقاع الطلاق بدون سبب شرعي، ولا يكن فعلك حال الطلاق أو بعده الرغبة في الانتقام بإيذاء المسلمة أو أهلها فإن هذا من الظلم.
تاسعاً: اقرأ سيرة رجال كرام كان لهم أدوار عظيمة في قيام الأمة من الصحابة والتابعين وكيف هو حالهم مع زوجاتهم، بل واقرأ النماذج الحية من حال النبي مع زوجاته!.
عاشراً: توجه إلى الله عز وجل بالدعاء والاستغفار والصدقة لعل الله أن يصلح ما فسد وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2].
الحادي عشر: هناك اختلاف في الطبائع والعادات والرغبات الشخصية والمستويات الفكرية بين الزوجين، فكل منهم عاش وتربى في منزل وفي بيئة أسرية مختلفة سنين طويلة طبّعته فيها الأسرة بعاداتها وطبائعها، وأنت الآن تريد أن تغير ما كان في لحظات، ولهذا لا بد من التنازل عن بعض الحقوق والتغاضي عن الهفوات، وغالباً تنشأ المودة والمحبة بعد حين من الزمن، وتقوى بعد إنجاب الأبناء ومعرفة طباع كل زوج لزوجه. وليس من شروط الزواج الناجح أن تتوافق جميع الرغبات، وتتطابق الأفكار.
الثاني عشر: لهذه الزوجة أعمال كثيرة وخدمات جليلة تقدمها لك ومنها: إعفافك وصيانة حاجاتك النفسية والعاطفية، وتقديم أكلك وشربك، ونظافة ملبسك، وتربية أبنائك، والنبي يقول: { لا يفرك مؤمن من مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر - أو قال - غيره } [رواه مسلم].
وقد يجد الرجل زوجة؛ لكنها صعبة المراس فيعجبه دينها وعفافها، وآخر قد يجد بعض الصفات وتنقص أخرى، وهكذا أنت أيضاً توجد فيك بعض الصفات وتنقصك أخرى، فلا تنشد الكمال في غيرك دون النظر إلى حالك. وتأمل في حديث النبي وحسن التشبيه: { المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها، وإلا استمتعت بها وفيها عوج } [متفق عليه].
وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب يشكو خلق امراته، فوقف ببابه ينتظر خروجه، فسمع امرأته تستطيل عليه بلسانها وهو ساكت يحير جواباً، فانصرف الرجل قائلاً: إذا كان هذا أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي؟ فخرج عمر فرآه مولياً. فقال: يا هذا ما حاجتك؟ فقص عليه الرجل ما كان، فقال له عمر ناصحاً: ( يا هذا، إني أحتملها لحقوق لها عليّ، إنها طباخة لطعامي، خبازة لخبزي، مرضعة لولدي، وسكن بها قلبي عن الحرام )، فقال الرجل: وكذلك زوجتي يا أمير المؤمنين، فقال عمر رضي الله عنه: ( إذاً فاحتملها ). ولهذا فإن عدم المواجهة، أحياناً تكون من الفطنة والنباهة وليس في ذلك أدنى نقص.
الثالث عشر: أول من يفرح ويسر بأمر الخلاف بين الزوجين هم الأعداء والحاقدون والحاسدون وأولهم إبليس.. قال : { إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا فيقول: ما صنعت شيئاً قال: ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال: فيدنيه منه ويقول نعم أنت }. قال الأعمش أراه قال: { فيلتزمه } [رواه مسلمٍ].
ولهذا قال لا بد أن يكون هناك مبرر قوي للطلاق، بعد استنفاد محاولات العلاج الأخرى من التوجيه والهجر وغيرها.
الرابع عشر: لا تظن أن بيوت غيرك خالية من الخلافات الزوجية، ولو سلم أحد من ذلك لسلم بيت النبوة، وكما قيل: ( البيوت معمورة والأحوال مستورة )، ولكنهم صبروا وعفوا وشاوروا، فسارت ركابهم ونمت دوحتهم، وأنت انتقدت وخاصمت فوقف بك المسير، ووصلت إلى هذا القرار، فهلا تأملت ووازنت بين الحسنات والسيئات.
الخامس عشر: ينقسم الطلاق إلى سني وبدعي وهناك قيود يجب على المسلم الإلتزام بها، ومنها أن يكون الطلاق في حالة طهر لم يجامعها فيه، فلو طلق الزوج زوجته في حال الحيض أو طلقها في حال الطهر الذي جامعها فيه، كان طلاقه محرماً ومخالفاً لأصول الشريعة. كما أن على المطلق ألا يزيد في الطلاق على واحدة، فلو طلق أكثر من طلقة واحدة كأن طلقها بالثلاث بلفظ واحد أو ألفاظ متفرقة فإن طلاقه بالثلاث بلفظ واحد أو ألفاظ متفرقة فإن طلاقه مخالفاً للمشروع في إيقاع الطلاق.
أخي المسلم:
استعن بالله عز وجل في جميع أمورك، وتوكل عليه وتقرب إليه بترك المعاصي والمنكرات فإنها سبب المصائب { فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة }، وأكثر من الدعاء، وشاور أهل الرأى والعلم والحكمة.
وفقك الله لما يحب ويرضى وأعانك، وجعل حياتك حياة طيبة آمنة، ورزقك الذرية الصالحة التي تقر بها عينك في الدنيا والآخرة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ(68/346)
إليك يا أبتي
دار ابن خزيمة ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 3940
(1844 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
أبتي! هذه رسالتي إليك.. أبث فيها أشجاني.. وهمومي وأحزاني.. باذلاً ما أراه واجباً عليّ من النصح.. على سبيل التذكير والتحذير.. لعلك تنال به خير ما يناله أب من ابنه.. فإن الإبن الصالح ذخر للمؤمن في الدنيا والآخرة.
قال رسول الله : { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وعلم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له }.
وكل أب كانت لديه في صلاح ابنه يد فإنه ينال بصلاحه أجر التربية.. ثم يلحقه دعاؤه الصالح.. أما إذا كان الأب سبباً في فتنة ولده، فإنه يأثم على ذلك إثماً عظيماً.. ويسأل عن ذلك يوم القيامة.
ولو كنت اعتنيت بي صغيراً.. لكنت تجاوزت محناً خطيرة.. ولكن قدّر الله وما شاء فعل، فأفضل ما تكون التربية الصالحة.. حالة الصغر.. فإنها أسهل وأيسر.
قد ينفع الأدب الأحداثَ في صغر *** وليس ينفعهم في بعده الأدبُ
إن الغصونَ إذا عدّلتها اعتدلت *** ولا يلينُ إذا قوّمتَهُ الحطبُ
وإليك يا أبتي نص الرسالة:
لولدك عليك حق!
أجل يا أبي! وحقه أن تحسن تربيته وتأديبه.. ليكون لك ذخراً وثواباً عند الله، ولكي ترفع عن نفسك مغبة السؤال!
قال رسول الله : { إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، [ ولولدك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه } [رواه مسلم].
وقال النبي في بيان مسؤولية التربية: { كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، ومسؤول عن رعيته } [رواه البخاري ومسلم].
وقد حمّل رسول الله من فرط في تلك الأمانة إثماً عظيماً فقال: { ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة } [رواه البخاري].
وقال : { كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت }.
يقول ابن القيّم رحمه الله: ( وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة، بإهماله، وترك تأديبه وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء ) [تحفة المودود بأحكام المولود].
وفي هذا المعنى قال رسول الله : { كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه }.
أبي.. تذكر!
ليس اليتيم من انتهى أبواه *** من همّ الحياة وخلّفاه ذليلاً
إن اليتيم هو الذي تلقى له *** أمّا تخلّت أو أباً مشغولاً
لا يا أبتي!
لا يا أبتي.. فما أراك بنيت بيتنا على أساس صلب من التقوى والإيمان والطاعة.. بل مكنت فيه للشيطان.. ومن وسائل تمكينه:
الغناء: ذلك الشر المستطير الذي كان يؤزني إلى المنكرات أزاً.. ويدعوني إلى المخالفات.. بما ينطوي عليه من المجون.. والمعاني السافرة.. وتذيبه في مضاميها كما يذوب الملح في الماء!
ألم تدرك يا أبتي أن الغناء ينبت النفاق في القلوب.. وأنه رقية الزنى.. فلا ترى غالب أهله إلا قد جانبوا الحياء ووقعوا في المحظور.. وقد حرمه الله تعالى بنص قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ [لقمان:6].
الفضائيات: فما يبقى من الحياء نهاراً.. كانت الفضائيات في بيتنا تجهز عليه.. بما فيها من سفول الغناء.. وأفلام مشينة.. ومسلسلات ذميمة تتنافس على قتل العفة والحياء فيها مئات المحطات.. بل ومنها من يهدف إلى إيقاع الشباب في المنكرات كالزنى وشرب الخمر، والمخدرات والجريمة المنظمة.. وكل ذلك كان يؤثر في شخصيتي بشكل كبير.. ويجعل مني شخصية ممتلئة إلا من الحياء والعفة والطاعة..
قلة الالتزام في البيت: فبالإضافة إلى الغناء الذي يجمع في البيت حشوش الشياطين.. فهناك الاختلاط الذي تنتهك به الحرم.. وقد نهى عنه رسول الله فقال: { إياكم والدخول على النساء! }قالوا: أفرأيت الحمو؟ قال: { الحمو الموت }.
وكم دمر هذا الاختلاط من بيوت.. وكم أفقدها العفة.. وقطع الأرحام والمودة والألفة..
يا أبتي! فلا تتبع خطوات الشيطان.. وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ [النور:21].
وجنّب بيتك المعاصي والمخالفات.. فإن ذلك من أسباب البركة في البيوت وفي الذرية.. وفي الألفة.. قال تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124،123].
عدم التحريض على الطاعة والالتزام: وقد علمت يا أبتي أن الله جل وعلا قد أمرك بتحريض أهلك وأبنائك وقرابتك على طاعة الله جلّ وعلا فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6].
( وجلي من هذه النصوص وجوب تربية الأولاد على الإسلام، وأنها أمانة في أعناق أوليائهم، وأنها من حق الأولاد على أولياؤهم من الآباء والأوصياء، وغيرهم، وأنها من صالح الأعمال التي يتقرب بها الوالدان إلى ربهم، ويستمر ثوابها كاستمرار الصدقة الجارية.
وقد ثبت عن النبي أنه قال: { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية }، وأن المفرط في هذه الأمانة آثم عاص لله تعالى. يحمل وزر معصيته أمام ربه، ثم أمام عباده! ) [حراسة الفضيلة:128].
أبتي! وتذكّر أن نشر الطاعة والالتزام في بيتك هو مفتاح البركة فيه قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ [الأعراف:96].
كما أنه مفتاح السعادة والسكينة قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل:97].
أبتي: لا تغفل عنا.. فبغيابك عن البيت تغيب الرعاية.. ويسود الفراغ.. وتنحدر هيبة البيت في هوة سحيقة! فأنت في البيت عزه وهيبته.. بك نقتدي.. وإياك نستشير.. وبنصائحك نسترشد.. ولتوجيهاتك نطمئن.. فإذا تركتني وإخوتي لأجل كماليات تافهة.. أو تجارات لا تقف بك عند حد.. أو أسفار للمتعة، فاعلم أن بيتك آيل لا محالة إلى الخراب والسقوط..
وكما أن لنفسك عليك حقاً.. فإن لولدك وأهلك عليك حقاً.. وحقهم أكبر من مجرد كسرة خبز.. وشراب ومأوى!
فأنت كل ما يريدون لو تعلم!
لمَ لمْ تأمرني بالصلاة؟
أبتي: هذا نبي الله يخاطبه ربه ويأمره بأن يحض أهله على الصلاة.. وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].
وامتدح الله سبحانه نبياً من أنبيائه بالحرص على الصلاة فقال: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ [مريم:55].
أبتي ومع أني بلغت سن السابعة لم أرك تحمسني وتشجعني على الصلاة... بل وحتى لما بلغت سن العاشرة لم تنهرني ولو مرة واحدة على تركي للصلاة... وكم من المرات نهرتني على أشياء أخرى أقل شأناً كنظافة ثيابي مثلاً ألم تسمع حديث رسول الله، وهو يقول: { علموا أبناءكم الصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع } [رواه أبو داود]؟
أبتي ليتك غرست في نفسي حب المسجد في الصغر... وليتك عودتني على الذهاب إليه... وأذقتني حلاوة الصلاة والعبادة!
وهذا - طبعاً - ليس عذراً لي.. أو مسوغاً لي كي أترك الصلاة بعدما صرت شاباً يافعاً.. لكنني أتقطع أسفاً على أن حرمت لذة الصلاة يوماً من دهري.. وكنت لا أحظى بأجر النشأة على الهداية والصلاة على يديك يا أبتي!
فالصلاة نور وضياء ورفعة وسناء.. وهي عهد الإسلام الذي إذا تركه العبد كفر، كما قال رسول الله : { العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر } [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].
وقال أيضاً: { من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة يوم القيامة، وكان يوم القيامة مع فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف } [رواه أحمد].
لم لم تسل عن رفقتي؟
أبتي رافقت الأشرار.. وتلاعبت بي أفكارهم.. واستهوتني شهواتهم.. وأضلتني شبهاتهم.. فلم أدر بحالي إلا وأنا أتمرغ في ألوان من الرذائل الهالكة، والمعاصي القاتلة فلم تركتني بين أيديهم!
تعلمت من بعضهم ترك الصلاة.. وجاريت بعضهم في فعل المنكرات.. فهذا يحثني على المعاكسات.. وذاك يشجعني على الأفلام والمسلسلات.. وآخر يرغبني في الرذائل والسيئات.. وكلهم أعوان لي على المعصية.. يجتالون الضحية كما تنفرد السباع بالفريسة.. فلم سمحت لي بمصاحبتهم!
لقد تركتني في بحر الحياة وحيداً.. تتقاذف بي الأمواج في دربها الوعر.. بينما كنت تدرك أنني أضعف من أن أقود مركب حياتي وحدي!
ومن ركب الأمواج العاتية من غير أن يتقن فن الإبحار.. غرق! وها أنا غريق بين رفقاء السوء.. أتجرع سمومهم في صمت سحيق!
أبتي أنت عيني التي أرى بها الصالح من الفاسد.. لا سيما وأنا في مرحلة الرشد وما بعدها.. وقد قال رسول الله : { المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل }.
فهذا توجيه نبوي كريم إلى كل مصاحب أن ينظر قبل مرافقته في دينه وخلقه، فإن وجده ديناً على خلق حسن رافقه وصاحبه، وإن لم يجده كذلك تركه ولم يرافقه حتى لا يتأذى بأخلاقه.
أبتي ولا شك أنني أقصر نظراً من أن أميز الصالح من الأصدقاء من الفاسد.. وأحوج ما أكون في مطلع شبابي إليك لتدفع عني رفقاء السوء.. وتتابع أحوالي.. وتسأل عن أخلاقي وأصحابي.. وتوجهني إلى الطرق المرضية لاختيار الرفيق الصالح.
فالناس يا أبتي.. كالمفاتيح.. فمنهم مفاتيح للخير، ومنهم مفاتيح للشر كما قال رسول الله : { إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر } [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني في الصحيحة:1332].
فإن تركتني أرافق الناس مع فقداني لأهلية النظر.. فكأنما تركتني أدخل الشر من أوسع أبوابه..
فليتك ترى كم من شاب بريء أوقعه رفقاء السوء في التدخين.. بل في المخدرات والمسكرات!
وليتك تدري كم لعب رفقاء السوء بعقول الأبرياء حتى أوقعوهم في المخالفات والجنايات.
وليتك تدري ما لرفقة السوء من تأثير على المرء في دراسته وإيمانه وخلقه!
ويكفي لبيان ضررها البالغ تشبيه رسول الله لها بأقبح الأمثلة حيث قال : { مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة } [رواه البخاري].
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم *** ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
فلله در أب لم تشغله نفسه ولا ماله.. ولا كمالياته عن تتبع أحوال ابنه.. يسأل عن حاله مع الله.. وحاله مع الدراسة.. وحاله مع أصحابه.. وحاله في البيت فإن وجد في أحواله خللاً سده.. وإن وجد خيراً حمد الله حمداً كثيراً.. وكان لابنه أباً صالحاً.. وصاحباً وفياً.. وصار له قدوة يحاكيها في الأخلاق والمعاملات..
أين حظي من تعلم القرآن؟
أبتي وكم يتحسر قلبي.. وتعتصر نفسي إذا رأيت شاباً في سني قد حفظ القرآن الكريم أو أوشك من ذلك.. وليست تلك الحسرة حسداً لذاك الشاب.. وإنما هي حسرة على حالي، إذ لم أجد من يحرضني على الجلوس في حلقات التحفيظ.. ولم أجد من يأخذ بيدي لتلك المجالس الطيبة لأتشرف بتلاوة وحفظ القرآن.. وأتلذذ بقرآته وتجويده.
أبتي لقد كان المسجد على بعد خطوات من بيتنا.. وكنت أتمنى أن ألتحق بالحلقات الإيمانية حلقات التحفيظ.. لكن - هداك الله - كنت تتجاوز المسجد بمسافات لتأتيني بالأفلام.. وأشرطة الغناء.. واللهو والمرح.. ولم أجدك لي معيناً ولا محفزاً على الالتزام بتلك الحلقات!
أين أنت من الوقوف على فضائل حفظ القرآن وتلاوته.. كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من عزيز حميد.. من قال به صدق.. ومن حكم به عدل.. ومن استعصم به عصم..
قال رسول الله : { إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين } [رواه مسلم].
وهذه الرفعة - يا أبتي - تشمل الآباء والأبناء ما حضوا على القرآن وعلموه وعملوا به.. وكان لينالك منها حظ عظيم لو أنك بذلت وسعك في تنشئتي على كتاب الله..
فإن الدال على الخير كفاعله.. ثم إن التحريض على حفظ القرآن وتلاوته يجعل من ابنك فتى صالحاً وولداً طيباً، ذكره في الأرض وفي السماء ندي، فيصيبك الخير به.. وترزق به.. وتحفظ به.. وتنالك دعواته الصالحة في حياتك ومماتك.
فعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله : { مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأُترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو } [متفق عليه].
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ(68/347)
رسالة نصح وعتاب إلى كل فتاة تتهاون بالحجاب
محمد مصطفى عبدالله الخطيب
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 8321
(1324 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه. وبعد:
فإن غيرة المسلم على أخته المسلمة لا تقل شأناً عن غيرته على عرضه ومحارمه إنطلاقاً من تعاليم ديننا الحنيف.. وليست هذه الغيرة من باب الفضول، وإنما هي جانب إيجابي في قلب كل مؤمن عرف برسوخ العقيدة وصدق اليقين.
وهذه الرسالة هي من باب الغيرة على المرأة المسلمة خشية أن تضل سواء السبيل أو ينزغ الشيطان بينها وبين عقيدتها فتحاول أن تجد لنفسها عذراً يبرر سفورها وتهاونها بحجابها وإبداء بعض مفاتنها بدعوى مسايرة العصر أو التحرر مما أسمته قيوداً - في الوقت الذي تعتبر هذه القيود دروع حصانة للمرأة المسلمة تحفظها من كل أذى.
وعلى كل فتاة مسلمة أن تعلم أن وجهها الحسن وقوامها الرشيق وشعرها الجميل وغير هذا، كل ذلك نعمٌ عظيمة من لدن رب كريم خلق الإنسان ذكراً وأنثى في أحسن تقويم... وقد نهى الله عز وجل عن إبداء الزينة وإظهارها للناس، إلا للأزواج والمحارم حيث قال: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ... الآية [النور:31].
ويعتبر الإفراط في هذه الزينة والتفريط بها بحيث يراها مَنْ لا يحقُّ له رؤيتها كفراناً بهذه النعم وخروجاً عن جادة الصواب.
وثمة أمر مشين إذا وُزن بميزان الشرع وهو شفافية العباءة وكيفية لبسها وزركشة غطاء الرأس وكيفية وضعه بحيث تبدو العباءة والغطاء في هذه الحالة مصدر فتنة وإغراء بدلاً من ستر الجسم والشعر بما يكف أعين الناظرين من شياطين الإنس.
وصدق من قال:
وعباءةٍ شفافةٍ قد صَوَّرَتْ *** جسمَ الفتاة بقالب الإغراءِ
وغطاءُ شعر الرأس ليس بساتر*** فكلاهما وزرُ بلا استثناءِ
والضابط الشَّرْعي لذلك كلّه *** صدق العقيدة مُفْعَمٌ بحياءِ
ولو أن الفتاة المتبرجة التي لا تقيم للحجاب الشرعي وزناً فكرت في فوائد الحجاب وأهميته تفكيراً سليماً بعيداً عن نوازع النفس ووساوس الشيطان لعلمت - بادئ ذي بدء - أن الله سبحانه الذي خلق الذكر والأنثى هو أعلم بما يصلح حالهما، ولو لم يكن في الحجاب فوائد للمرأة ما فرضه الله سبحانه، وليس بوسعي أن أحصي فوائد الحجاب عدداً لأقدمها هدية لكل فتاة تتهاون بالحجاب محتسباً عند الله عز وجل الأجر والثواب، ولكن أوضح لها أهمها وهي:
1 - الحجاب ستر للمرأة من أعين الحاسدين وخصوصاً إذا وهبها الله جمالاً في وجهها وقوامها وشعرها، وصدق الله العظيم حيث أمرنا أن نستعيذ من الحاسد ذكراً كان أو أنثى فقال: وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:5].
2 - الحجاب عون للمرأة على تنفيذ أمر ربها حيث نهاها عن إبداء زينتها إلا لبعلها أو محارمها فقال: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ... الآية [النور:31].
3 - الحجاب تكريم للمرأة بحيث لا يراها إلا من استحل نكاحها بكلمة الله، فهي ليست بضاعة مبتذلة للناظرين.
4 - الحجاب سمو بالمرأة إلى مراتب الحور العين من حيث الصفات، حيث قال تعالى في وصفهن: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَم يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56].
وقد جاء في تفسير هذه الآية: أنهن يقصرن طروفهن على أزواجهن فلا يطمحن إلى غيرهم. والعيون تتفاوت من حيث قوة التأثير، وهي مصدر فتنة وإغراء، والحجاب حاجز دون ذلك.
ومن المعلوم أن العين ترسل سهاماً غير مرئية تنفذ إلى القلب فتحرك فيه كوامن الشهوة الخفية حيث يندفع صاحبها وراء صاحبة تلك العين أو ينشغل باله وتفكيره بها، وهنا تظهر الحكمة - والله أعلم - في أمر الله عز وجل بغض البصر للمؤمنين والمؤمنات.
ورجعة أخرى إلى الحور العين - قاصرات الطرف - لعل نساء اليوم يكنّ مثل أولئك الحور؛ لأن المرأة مظنة الشهوة وهي التي ترمي الرجل بسهام نظرتها، ولو قصرت طرفها وبقيت نظرة الرجل وحده فلا يؤثر ذلك شيئاً لوجود خط واحد حيث لا تحدث الشرارة إلا بالسالب والموجب، والذي يساعد أخواتنا وبنات جلدتنا نساء اليوم في أن يكن قاصرات الطرف هو الحياء الذي هو شعبة من شعب الإيمان، والحجاب عون لها على ذلك.
ونحن بهذا لا نبرئ الرجل من الآثار السلبية لنظراته المتعددة، ونأمره بما أمر الله عز وجل به المؤمنين بقوله: قُل لِلْمُؤمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوُجَهُمْ [النور:30].
ولكن أكثر الرجال يلقون باللائمة على المرأة التي تبرجت وأظهرت زينتها وتنازلت عن حيائها.
وإنني أسأل الله أن يهديها سواء السبيل لكي تلتزم بالحجاب الشرعي بعد أن عرفت فوائده، وأن تصون عفافها بهذا الحجاب، وأن تتوب إلى الله عما سلف، وصدق الله العظيم حيث قال: وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82].
كما آمل أن تتقبل مني هذه الأبيات الشعرية التي تحوي مزيداً من فوائد الحجاب الشرعي:
إن الحجاب مزيَّةٌ وحصانةٌ *** تزدانُ فيه المؤمناتُ من النساء
وأراه درعَ وقايةٍ لنسائنا *** من أسهْمِ الفُسَّاق أربابِ البغاء
صوني جمالَك بالحجاب فإنه *** نوعٌ من التقوى ورمزٌ للحياء
وعليك بالتقوى فإن لباسَها *** سترٌ وإن دثارَها خير غِطاء
5 - الحجاب حصن حصين للمرأة عن ذئاب البشر من الرجال الذين يتصيدون عورات أخواتهم المسلمات، وهو صفعة في وجه الرجل الفاسق الذي يحاول اختلاس النظرات لمعرفة جمال صاحبة الحجاب ليوقع بها في شباكه وينال من عفافها وشرفها، وهو ستر للعين التي تنطلق منها سهام النظرة الموصوفة بالسهم كما ورد في الخبر: ( النظر سهم من سهام إبليس مسموم ).
6 - وهو أيضاً أشبه بسحابة سوداء مظلمة فيها الخير والمطر، فإذا انقشعت فلا خير ولا مطر.
7 - والحجاب يعطي صاحبته حرية الابتسامة إذا دعتها الحاجة إليها أثناء حديثها مع امرأة أخرى، ويحجب تلك الابتسامة عن أنظار الآخرين.
8 - وهو ترجمان للناظرين ينبئهم عن حقيقة صاحبة الحجاب أنها عفيفة طاهرة نزيهة.
9 - وهو يدرأ عن صاحبته الفتنة والوقوع في شباك الشياطين والتعثر في مهاوي الزلل.
10 - وهو ساتر للزينة المصطنعة التي تضعها بعض النساء من مكياج ومساحيق، كما أنه وسيلة دفاع عن حق الرجل في زوجته، فلا يشاركه رؤية زينتها أحدٌ من غير المحارم.
11 - وهو أشبه بباب موصد لا يجرؤ أحدٌ أن يقتحمه لاسيما وقد أسدل طاعة لرب العالمين القائل: يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابيِبِهنَّ ذّلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلا يُؤذَينَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:59].
12 - والحجاب حاجز للمرأة المصونة التي أخطأت كما أخطأ زوجها وأذن لها أن تركب مع السائق لقضاء بعض الحاجات.
13 - والحجاب أمر شرعي لا خيار للمرأة في رفضه، ولا يحقُّ للرجل أن يأمرها بنزعه، ولا يحق لها طاعته في ذلك حيث { لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق } [رواه أحمد والحاكم].
14 - وهو ثورة على الواقع المؤسف في حياة بعض الشعوب التي تدعي الإسلام، وتنادي بتحرير المرأة حسب زعمهم لتخرج سافرة أو كاسية عارية..
قال : { صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها... } [رواه مسلم].
15 - والحجاب بريء من البرقع والنقاب؛ لأنهما لا يستران العينين، ومعلوم أن العيون تتفاوت من حيث الجمال وقوة التأثير ولكنهما بشكل عام مصدر فتنة وإغراء، لذلك وصف الله الحور العين في الجنة بقوله: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرفِ والفتاة التي خلعت الحجاب عندما تنظر للرجل فإن نظراتها ترسل سهاماً غير مرئية تنفذ إلى القلب، وتحرك كوامن الشهوة فيندفع وراء صاحبة تلك النظرة. والمرأة مثل الرجل تتأثر بنظرته إليها، والشرارة لا تحدث إلا من سالب وموجب.
16 - والحجاب كلمة عذبة تسرّ السامعين من المؤمنين والمؤمنات؛ لأنه حماية للمرأة وحفظ لها، ودليل على حشمتها وعفافها، وهو أيضاً جمال وأمان والتزام بأوامر الشرع الحنيف قال تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الجاثية:18].
وبعد ما تقدم ذكره أسأل الله عز وجل أن يهدي كل فتاة تتهاون بالحجاب إلى سواء الصراط، وأن تحصل لديها القناعة بالحجاب؛ لأنه نوع من ألبسة التقوى، والله يقول: وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيرٌ [الأعراف:26].
وفي نهاية المطاف أهدي كل فتاة تتظاهر بالحجاب هذه الأبيات الشعرية لعل فيها تذكرة وعبرة:
أوَّاهُ يا بنتَ الكرام تمهَّلي *** ما لي أراك بفتنة وتَجَمُّلِ
النظرةُ الأولى بحقٍّ ترجمتْ *** وصفًّا يندّدُ بالسفور المُخجلِ
هذي العباءةُ من حريرٍ ناعمٍ *** أضفتْ على الكتفين بعض ترهّلِ
كذبٌ وزورٌ أن تُسمى عباءة *** والجسمُ للرائينَ يبدو وينجلِ
وغطاءُ رأسك فاتنٌ ومزركشٌ *** ينسابُ فوق الشعرِ دون تسدُّلِ
هذا الجمالُ بضاعةٌ معروضةٌ *** ومآلُها نحو الكسادِ المُذهلِ
إن الشباب وإن تفاوت طيشهُمْ *** يتريَّثون لزوجة المستقبلِ
والأكثرونَ يحددون صفاتِها *** ديناً وأخلاقاً وصدْق تبتُّلِ
صوني عفافَك بالحجابِ حقيقة *** واستغفري عما مضى وتوسّلِ
ولباسُ تقوى الله أغلى ثمناً *** من كلّ أنواع الجواهر والحُلي
وفي الختام أسأل الله سبحانه أن ينير بصيرتك لرؤية الحق والالتزام بالحجاب الشرعي طاعةً لله عز وجل وامتثالاً لأمره سبحانه حيث قال: يَا أَيُّهَا اْلنَّبِىُّ قُل لأّزوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلا يُؤذّينَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:59].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ(68/348)
تفقدي إيمانك
أسماء بنت عبدالرحمن الباني
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 4443
(1252 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله سبحانه.. عدد ما سبّحت له الرمال.. وسجدت له الظلال، وتدكدكت من هيبته الجبال.. عدد كل لمحة وطرفَة ونَفَس... والصلاة والسلام على سفيره بينه وبين خلقه.. رحمته للعالمين.. وحجته على العابدين.. صلاةً وسلاماً دائمين حتى يجمعنا الله به، وبعد:
فعلى كل مؤمنة في طريقها الطويل إلى الله.. أن تعنى بتفقد إيمانها بين الآونة والأخرى.. فإن الإيمان يزيد وينقص.. يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.. وينعدم ببعض ما حذر منه ربك.. ونهاك عنه نبيك .. وما أجدرنا في هذا الزمان الذي يصبح فيه الرجل مؤمناً ويمسي كافراً.. أن نتدبر ونحذر.. ونتفقد إيماننا بين الفينة والفينة.. إذ لم ييأس الشيطان من الدخول على كل مؤمن من مداخل قد تخفى لإفساد دينه ونزع تقواه.. ومما يزيد المؤمنة التقية الورعة خوفاً.. أن تسمع حديث نبيها كما جاء في صحيح مسلم حيث يقول : { إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكنه لم ييأس من التحريش بينهم }.
لقد أعد الشيطان أيتها المؤمنة هذه المصيدة الخاصة لأهل الايمان في جزيرة العرب، ليصل إلى إفساد قلوبهم وإيمانهم.. فإياك أن تكوني ممن اشتغل بالصلاة والصيام وغفل عن قلبه وتنقيته مما به من فساد أو غش لأحد من المسلمين.. فقد نادى نبيك بأن هذه هي الكارثة التي تودي بالدين إلى غير رجعة.. استمعي اليه حيث يقول: { ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ } قالوا: بلى: قال: { إصلاح ذات البين.. فإن فساد ذات البين هي الحالقة.. لا أقول تحلق الشعر.. ولكن تحلق الدين } [رواه الترمذي].
أرأيت أيتها المؤمنة.. تحلق الدين، أي: تزيله. فعليك أيتها المؤمنة بنداء ربك: فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [الأنفال:1].
وعليك أيتها المؤمنة بالدعاء.. فاتجهي إلى ربك دوماً أن يمسح من قلبك الغل على أي من أخواتك في الإيمان.. واجعلي لسانك رطباً بهذه الدعوة التي دعا بها المؤمنون قبلك رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر:10].
أيتها المؤمنة: إنه لمما يدمي قلب كل مؤمن.. أن يرى إخوانه المسلمين في أي مكان.. متباغضين متنافرين متعادين، مع أن نبيهم أوصاهم فقال: { المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً } [رواه البخاري]، فانقلبوا كأنهم سمعوها المؤمن للمؤمن كالثعبان يلدغ بعضه بعضاً..!! فترى الدسائس والفتن.. والغيبة والنميمة قد استشرت فيهم.. غافلين عما وصفهم به نبيهم فقال: { مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد.. إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى } [رواه البخاري]..
فإياك أن تُخرجي نفسك من دائرة المؤمنين.. واملئي قلبك منذ الساعة لكل من آخاك في هذا الايمان، وداً وتعاطفاً ورحمة.. ولا تحملي في قلبك سوى ذلك لأي من أخواتك في الله.
أيتها المؤمنة: لقد جاء عن نبيك حديث يجب أن نتوقف عنده طويلاً.. روى البخاري في صحيحه عن النبي أنه قال: { من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيء فليتحلله منه اليوم.. من قبل ألا يكون دينار ولا درهم.. إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته.. وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فَحُمل عليه }.
انظري ايتها المؤمنة.. إلى قوله : { من عرْض أو من شيء } إن كلمة { شيء } هذه تشمل أي شيء وكل شيء سواء كان حركة أو لفتة أو لمزة أو غمزة فيها تعريض بأي مسلم.. فتصبح له مظلمة عندك يطالبك بها يوم القيامة..
فإياك أيتها المؤمنة فان الثمن باهظ حقاً.. وإنها لنهاية مؤلمة حقاً.. فرب كلمة آذت أختاً لك في الله.. كانت عندك هينة.. ولكنها عند الله عظيمة.. ورب حركة أسأت بها لأخت لك مؤمنة.. كان ثمنها ما أجهدت نفسك فيه من الحسنات.. توزعينها على أصحاب المظالم والحقوق في يوم أنت أحوجُ ما تكونين إليها.. ثم ماذا؟ ثم إلى النار.. وما أخال مؤمنةً تود ذلك المصير الأليم...
أيتها المؤمنة: ها أنت تحترزين من الربا قليله وكثيره.. سمعاً وطاعةً للجليل المتعال.. وهرباً من حرب يشنها الله ورسوله على آكل الربا.. ولكن ما موقفك من أفظع أنواع الربا وأعظمها.. أتدرين ما هي؟ استمعي إلى نبيك في الحديث الصحيح يقول: { أتدرون ما أربى الربا عند الله؟ } قالوا: الله ورسوله أعلم.. قال: { فان أربى الربا عند الله استحلال عرض امرىء مسلم }..
إن استحلال الحديث عن أي فرد في أي جانب من جوانب شخصيته، والانتقاص من شأنه سواء بالغيبة أو النميمة أو الاستهزاء أو غيرها مما يسيء إليه ولو كان فيه حقاً، كل هذا أعظم عند الله من الربا والعياذ بالله.
فالحذر.. الحذر أيتها المؤمنة.. فإن استحلال عرض مسلم بما فيه قد يجر إلى الهول العظيم.. والعقاب الأليم.. وذلك ما لا تطيقينه.. ومن يطيق الحبس في النار..
استمعي إلى نبيك ماذا يقول: { من ذَكَرَ امرأً بشيء ليس فيه ليعيبه به.. حبسه الله في نار جهنم حتى يأتي بنفاد ما قال فيه } [رواه ابو يعلى].. ولذلك حرم الله الجنة على النمام الذي ينقل الكلام على سبيل الافساد، فقال : { لا يدخل الجنة نمام } [رواه البخاري].. ولئن حمل هذه النميمة نمامٌ.. بسبب حسد يأكل قلبَه فبلغها إلى من يثير بها غضبه ويستفزه.. فقد جمع هذا النمام بين مصيبتين، وأحرق إيمانه بناريين:
الأولى: نارُ الحسد وقد جاء عن الصادق المصدوق: { الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب }.
والثانية: النميمة، ومصيبتها أعظم من الأولى، إذ تحرم صاحبها من دخول الجنة.. فماذا تفعلُ أيتها المؤمنة من أَكَلَ حسناتها الحسدُ.. وحرَمتْها النميمةُ من دخول الجنة؟ إنها والله هي الكارثة...
فاحذري أيتها المؤمنة من الحسد، وتذكري أنه لا يجتمع الإيمان والحسد أبداً. قال : { لا يجتمع في جوف عبد الإيمانُ والحسد.. } [رواه البيهقي].
وها هي وقفتي الأخيرة معك...
لقد نهى النبي عن أربعة أشياء نهياً أكيداً، وحذرنا من الارتداد في حمأتها دون أن نشعر. فقال: { لا تقاطعوا.. ولا تدابروا.. ولا تحاسدوا.. ولا تباغضوا.. وكونوا عباد الله إخواناً } [رواه البخاري]..
فاياك من مقاطعة أخت لك في الله مهما كانت الأسباب.. وإياك من مدابرة أخت لك في الله مهما سولت لك النفس الأمارة بالسوء من مبررات.. وإياك من التباغض فإن ذلك وسيلة إلى غضب الله ومقته..
ولقد ختم النبي حديثه السابق الذي رواه البخاري في صحيحه بقوله: { التقوى هاهنا }.. ويشير إلى صدره ثلاث مرات.. مبيناً أن التقوى كما جاء في أحاديث أخرى ليست بكثرة صلاة ولا بطول قيام.. ولكن بتقوى القلب ومخافته من الله ومراقبته له وبعدم الإساءة إلى المسلمين.
وقد يستعين البعض بالمقاطعة.. وقد تُقدم على ذلك المسلمة جاهلةً أن ذلك قد يكون سبباً في ألا تُقبل صلاتها.. بل ترد عليها فلا ترفع أبداً.. أتعجبين؟.. هذا حديث نبيك فاستمعي: { ثلاثة لا تُرفع صلاتهم فوق رؤسهم شبراً: رجل أَم قوماً وهم له كارهون.. وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط.. وأخوان متصارمان ( أي متقاطعان ) }.. فإياك أن تكون بينك وبين إحدى المؤمنات خصومة أو شحناء أو خلاف.. ولا تتهاوني في ذلك وسارعي بالصلح والتسامح.. لئلا تُحرمي من مغفرة الله سبحانه وتجاوزه عن عباده. فقد جاء عن نبيك : { تُعرَضُ الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرىء لا يشرك بالله شيئاً.. إلا امرأً كانت بينه وبين أخيه شحناء.. فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا } [رواه مسلم].. وإياك أن يمنعك الكبر والغرور من الصلح فتظلي طوال حياتك محرومة من مغفرة الله.. لا تُرفع صلاتك أبداً...
وعليك أيتها المؤمنة بحسن الخلق.. ضعيه نصب عينيك.. واكتبيه بماء الذهب في سويداء قلبك.. واخلعيه على حركاتك.. وسكناتك.. ونظراتك ولفتاتك.. مع كل من حولك.. مع جيرانك ومع زوجك.. ومع أبنائك وأقربائك.. ومع أخواتك وزميلاتك.. لعل الله أن يمن عليك بكمال الإيمان، فإن نبيك يقول: { أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً } [رواه الطبراني]..
فالله.. الله أيتها المؤمنة.. عليك بكمال الإيمان فالزميه.. والله يغفر لي ولك، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ(68/349)
توجيهات وفتاوى مهمة لنساء الأمة
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 4530
(2043 كلمة)
صورة المطوية
توجيه قرآني للنساء
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ [النور:31] كانت المرأة الجاهلية إذا كانت تمشي في الطريق وفي رجلها خلخال صامتٌ لا يعلم صوته ضربت برجلها الأرض فيسمع الرجال طنينه فنهى الله المؤمنات عن مثل ذلك، وكذلك إذا كان شيء من زينتها مستوراً فتحركت بحركة لتظهر ما هو خفي دخل في هذا النهي لقوله تعالى: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ [النور:31] إلى آخره، ومن ذلك أنها تنتهي عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها فيشم الرجال طيبها فقد ورد عن أبي موسى عن النبي أنه قال: { كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا } يعني زانية. وورد عن ميمونة بنت سعد أن رسول الله قال: { الرافلة في الزينة في غير أهلها كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها } ومن ذلك أيضاً أنهن ينهين عن المشي في وسط الطريق لما فيه من التبرج فعن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه أنه سمع النبي وهو خارج المسجد، وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله للنساء: { استأخرن فإنه ليس لكنَّ أن تحتضن الطريق، عليكن بحافات الطريق } فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. وقال تعالى: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33]. قال الإمام مجاهد: ( كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال فذلك تبرج الجاهلية ) انتهى.
فيا أيتها المسلمة الكريمة العفيفة إذا خرجتِ من بيتك فتذكري هذه الآيات والتوجيهات الربانية واحذري كل الحذر التبرج والسفور ومخالطة الرجال فإن هذه من عادات أهل الجاهلية التي حذر الإسلام منها.
هذا هو الحجاب الشرعي
كَثُرَ بين بعض الفتيات، حجاب إسلامي - على حد زعمهن - مكوَّن من طرحة سوداء مزخرفة في جوانبها يضعنها على رؤوسهن مخمَّرات بها وجوههن، ولكن، وللأسف فإن العينين باديتان والوجه مجسد، ثم أن ما ينذر بالخطر من وراء هذا الحجاب الجديد إن أولئك الفتيات أخذن يوسَّعن فتحات الأعين شيئاً فشيئاً بحجة الرؤية.
ونظراً لسعة انتشار هذا الحجاب، فإن اللاتي لا يلبسنه منبوذات بين صويحباتهن، موصوفات بالتزمت، والتشدد، والرجعية، بحجة أن الصحابيات كن يفعلنه على عهد الرسول .
السؤال: هل يجوز لبس مثل هذا الحجاب؟ مع بيان صفة الحجاب الذي أمر الإسلام به.
فأجاب فضيلة الشيخ محمد العثيمين بقوله: ( أقول: إن الاستعمار الفكري لا يألو جهداً في صدِّ الناس عن دينهم عقيدة وخلقاً وعبادة ومعاملة بقدر ما يستطيع، ولكن المؤمن يكون عنده منعة في إيمانه تحول بينه وبين قصد هؤلاء المفسدين، وذلك بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله كما هو الواجب على كل مؤمن عند التنازع أن يكون مرجعه كتاب الله وسنة رسوله لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59].
ونحن إذا رجعنا إلى الكتاب والسنة في هذه المسألة، وجدنا أن الحجاب الإسلامي لابد فيه من تغطية الوجه عن الرجال الأجانب. وأدلة ذلك مذكورة في الكتب المؤلفة في هذا، ولا يتسع المقام لسياقها. والنظر الصحيح يقتضي ذلك، لأن الوجه هو جمال المرأة ومحط الرغبة، وهو الذي يقصده الرجال من المرأة فيمن يقصدون الجمال الخَلقي، وإذا كان كذلك، فإن الفتنة تكون فيه أعظم إذا كان مكشوفاً يشاهده كل إنسان ويكون هو أولى بالحجاب من غيره، وأولى بالحجاب من القدمين ومن الكفين، لأن الفتنة فيه أعظم.
وما ذكره السائل من هذا الحجاب.. فإنه مناف لما تقتضيه الأدلة الشرعية، وذلك أن هذا الحجاب كما ذكره السائل يتضمن التبرج بالزينة لما طرِّز به من وشي ونقش وقد قال الله تبارك وتعالى في القواعد من النساء: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ [النور:60].
هذا في القواعد اللاتي لا يرجون نكاحاً، فكيف بالشابات اللاتي يرجون النكاح واللاتي تتعلق رغبات الرجال بهن، كيف يتبرجن بالزينة بخمرهن.
ثم إن الفتحة للعين - أي النقاب - إذا توسع النساء فيها حتى صرن يبدين الحواجب والوجنتين، فإن ذلك مخالف لما كان عليه نساء الصحابة في عهد النبي . ونحن نعلم حسب التتبع والاستقراء أن مثل هذه الأمور تتغير فيها الأحوال بسرعة، وأن النساء ربما استعملن هذا الشيء على وجه قريب مما كان عليه نساء الصحابة ثم لا يلبثن إلا يسيراً حتى يتسع الخرق على الراقع.
ومن القواعد المقررة عند أهل العلم، سد الذرائع، أي سد ما يكون ذريعة إلى محرم. وهذا لا شك إذا كان على الوجه الذي ذكره السائل فهو محرم في ذاته، وذريعة لما هو أعظم وأعظم ونصيحتي لنساء المؤمنين أن يتقين الله في أنفسهن وألا يكُنَّ ممن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فيلحقهن وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. وليسألن من يكبرهن سناً ومن هنّ محتشمات ومتحجبات بالحجاب الشرعي الذي يغطي سائر الوجه، هل ضرهن هذا الحجاب، وهل كان سبباً في نقصان دينهن وهل كان سبباً في التفريط بواجباتهن وغيرها، وهل كان سبباً لتخلفهن دينياً أو فكرياً أو خلقياً، أو اجتماعياً؟ وكل هذا لم يكن فليسعهن ما وسع أمهاتهن، بل ما وسع نساء الصحابة رضي الله عنهم ) [فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: مجلة الدعوة، عدد 1320].
اللباس
السؤال: فضيلة الشيخ.. يلبس بعض النساء ملابس مشقوقة من الأسفل أو مفتوحة على الصدر أو تبين شيئاً من الذراعين فما حكم ذلك؟ وما حكم لبس بعض الملابس المشقوقة من الأسفل إلى الركبة أو أعلى قليلاً وقد يكون الثوب مشقوقاً من الخلف على الظهر ويبين ما بين الكتفين وتقول من تفعل ذلك إنها بين النساء وليس في ذلك شيئاً...!
الجواب: ( لا يجوز هذا اللباس بهذه الصفة لأنه تقليد ولباس مستورد عن الغرب ولأنه يبدي شيئاً من البشرة كالساقين والصدر والثديين والذراعين مع أن المرأة كلها عورة لا يجوز أن تبدي شيئاً من جسدها أمام الرجال وإذا اعتادت مثل هذا اللباس ولو مع النساء أو المحارم أصبحت قدوة شر لزميلاتها وقد تأْلَف هذا اللباس وتخرج به في الطرق والأسواق وهو مما يلفت نحوها الأنظار ويسبب الفتنة وهكذا لا يجوز اللباس الذي شق من الأسفل إلى الركبة أو فوقها أو تحتها وكذا إذا كان مشقوقاً من الخلف على الظهر لأنه يخرج منه ما بين الكتفين ولو كانت بين النساء أو المحارم لما في اعتياد ذلك من الدعاية إلى اللباس المشقوق ومن الاقتداء بها ومن صيرورة ذلك ديدناً لها لا تقدر على مخالفته، فعلى المرأة أن تلبس لباسها المعتاد ولباس نسائها فهو زينة وجمال وستر كامل وبعيد عن التشبه بالغرب. والله أعلم ) [عضو الإفتاء، الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين].
حال بعض النساء في الآخرة
أختي المسلمة:
لقد جاء فيما أخبر به النبي ، عن حال النساء المتبرجات يوم القيامة، أنهن يؤخرن ويبعدن عن دخول الجنة. فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { صنفان من أهل النار لم أرهما } وذكر منهما: { نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا }.
ولا ريب أن تبرج المرأة من كبائر الذنوب، إذ قد جاء فيه الوعيد الشديد والتهديد الأكيد ويخشى أن تكون المتبرجة من أهل النار بسبب تبرجها.
ففي الحديث الصحيح عن النبي ، أنه قال: { رُبَّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة } [رواه البخاري وغيره].
وقد فُسِّر قوله : { كاسية في الدنيا عارية في الآخرة } على أوجه منها:
1 - أن تكون المرأة كاسية في الدنيا لغناها وكثر ثيابها، عارية في الآخرة من الثواب لعدم العمل الصالح في الدنيا.
2 - أن تكون المرأة كاسية بالثياب، ولكنها شفَّافة أو ضيقة أو قصيرة لا تستر عورتها، فتعاقب في الآخرة بالعُريّ جزاءً على ذلك.
3 - أن تكون المرأة كاسية من نعم الله عارية من الشكر الذي تظهر ثمرته في الآخرة بالثواب.
4 - أن تكون المرأة كاسية جسدها، لكنها تشد خمارها من ورائها فيبدو صدرها، وثنايا جسمها، فتصير عارية، فتعاقب في الآخرة.
5 - أن تكون المرأة كاسية بتزوجها في الدنيا بالرجل الصالح فلا ينفعها صلاح زوجها كما قال تعالى: فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ [المؤمنون:101].
ونحو هذا أن تكون في الدنيا كاسية بالشرف والمنصب ولكنها عارية في الآخرة في النار.
أو أن تكون من أولئك النساء اللاتي يلبسن البرقع أو النقاب وقد جعلته على هيئة تبرج وإغراء وفتنة حيث أبدت من وجهها ما يجب عليها ستره.
فلتتأمل المرأة العاقلة هذا الموقف العظيم وذاك المآل الفظيع الذي سيجره عليها تبرجها.
ولتتأمل ذلك، تلك التي أحالت العباءة والخمار من وسيلة للحجاب إلى سبب إغراء وفتنة.
لتتأمل ذلك، تلك التي جعلت من نفسها سبب فتنة للمؤمنين والمؤمنات، فأغوتهم وأزلت أقدامهم عن سلوك سبيل الجنات.
ولتتذكر أن ملك الموت قد تخطَّاها إلى غيرها وسيتخطى غيرها إليها، والسعيدة من استعدت للقاء ربها.
نقاب المرأة
المكرم سماحة العلامة الشيخ عبدالله بن جبرين حفظه الله؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد...
السؤال: لقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة بين بعض النساء وهي لبس النقاب بشكل واسع يظهر العينان وما حولهما كالجبهة وجزء كبير من الأنف والخد لذلك يرجى من سماحتكم توضيح حكم ذلك الأمر الذي قد يسبب الفتنة ونصيحة النساء وغيرهن وجزاكم الله خيراً.
الجواب: ( وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد؛ لا شك أن المرأة فتنة لكل مفتون وقد قال النبي : { اتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل في النساء } وقال أيضاً: { ما تركت فتنة هي أضر على الرجال من النساء } ولذلك أمر الله تعالى نساء النبي بقوله: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33] مع نزاهتهن وبعدهن عن التبرج والأمر لنساء المؤمنين كقوله تعالى: قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] والجلباب هو الرداء الذي يستر بدنها كله ولا شك أنها مأمورة بالتستر بحيث لا تكون محل مد الأنظار وتقليب الأحداق ومعلوم أنها متى لبست هذا النقاب وظهر جزء من وجهها كالجبين والأنف والوجنة والحاجب فذلك أدعى أن تلفت الأنظار نحوها مما يستدعي متابعتها وإساءة الظن بها فعلى المرأة أن تخشى الله وتبتعد عن مظنة السوء وعن الشرور والمنكرات وتحفظ نفسها وتصون عرضها وتحذر من العقوبة بسبب هذا الفعل وعلى الأولياء أن تحملهم الغيرة على محارمهم بأن يحموهم ويحفظوهم عن مواضع التهم حتى لا يكونوا من أهل الدياثة وإقرار الخناء في أهليهم. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد ) [عضو الإفتاء، عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين].
هذا ما يحصل في مناسبات الزواج
السؤال: لقد شوهد أخيراً في مناسبات الزواج قيام بعض النساء بلبس الثياب التي خرجن بها عن المألوف في مجتمعنا، معللات بأن لبسها إنما يكون بين النساء فقط وهذه الثياب فيها ما هو ضيق تتحدد من خلالها مفاتن الجسم، ومنها ما يكون مفتوحاً من الأعلى بدرجة يظهر من خلالها جزء من الصدر أو الظهر، ومنها ما يكون مشقوقاً من الأسفل إلى الركبة أو قريب منها. أفتونا عن الحكم الشرعي في لبسها، وماذا على الولي في ذلك؟
الجواب: ( ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس. ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا } فقوله : { كاسيات عاريات } يعني أن عليهن كسوة لا تفي بالستر الواجب إما لقصرها أو خفتها أو ضيقها ولهذا روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد فيه لين عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: كساني رسول الله قبطية (نوع الثياب) فكسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله : { مالك لم تلبس القبطية }، قلت: يا رسول الله كسوتها امرأتي، فقال رسول الله : { مرها فلتجعل تحتها غلالة إني أخاف أن تصف حجم عظامها }.
ومن ذلك فتح أعلى الصدر فإنه خلاف أمر الله تعالى حيث قال: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31]. قال القرطبي في تفسيره: ( وهيئة ذلك أن تضرب المرأة بخمارها على جيبها لتستر صدرها، ثم ذكر أثراً عن عائشة أن حفصة بنت أخيها عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما دخلت عليها بشيء يشفُّ عن عنقها وما هنالك، فشقته عليها وقالت: إنما يُضرب بالكثيف الذي يستر ).
ومن ذلك ما يكون مشقوقاً من الأسفل إذا لم يكن تحته ساتر فإن كان تحته شيء ساتر فلا بأس إلا أن يكون على شكل ما يلبسه الرجال فيحرم من أجل التشبه بالرجال.
وعلى ولي المرأة أن يمنعها من كل لباس محرم ومن الخروج متبرجة أو متطيبة لأنه وليها فهو مسؤول عنها يوم القيامة، في يوم لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا تقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ) [الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: كتاب دليل الطالبة المؤمنة].
شروط اللباس:
1 - أن يستوعب اللباس جميع البدن.
2 - أن لا يكون ضيقاً يصف الجسم.
3 - أن لا يُشبه لباس الرجال.
4 - أن لا يُشبه لباس الكافرات.
5 - أن لا يكون زينة في نفسه.
6 - أن لا يكون خفيفاً يصف ما تحته.
7 - أن لا يكون لباس شهرة
ـــــــــــــــــــ(68/350)
أختاه اقرئي وعي كي لا تخدعي
هناء الكندري
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 4248
(2550 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله الكريم الرحمن، ذي العطايا الجزيلة والإحسان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الهادي إلى أعظم الشرائع والأديان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى سبل الخير والرضوان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان. أما بعد:
اعلمي يا أختاه رحمني الله وإياك: أن دين الإسلام هو آخر الأديان السماوية، وهو الدين الذي ارتضاه الله لعباده، قال تعالى: اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعْمَتِي وَرَضيتُ لَكُمُ اْلإِسْلامَ دِيناً [المائدة:3]، والدين هو الذي يبين للناس حدوداً ما يسيرون عليه وما يلتزمون به في عقائدهم وما يحل لهم وما يحرم عليهم، ولا سلطان على الدين لعرف أو عادة أو توارث أو عقل، لأن مصدره الله اللطيف الخبير، قال تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ اْلأَمْرِ فَاْتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ الله شَيْئاً وَإنَّ اْلظَّالِمِينَ بَعْضُهَمْ أَولِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ المُتَّقِينَ [الجاثية:19،18].
وإن مما شرعه الله تعالى لعباده المسلمين الأعياد والمناسبات، لتعود بخيرها وفضلها على الأفراد والمجتمعات، وفضّل سبحانه بعض الأيام على بعض حسبما اقتضته حكمته البالغة، وربط العيد بالعباده ليسعد المسلم بالتزامها وإتمامها، فعيد الفطر جاء عقب إتمام صوم رمضان، وعيد الأضحى جاء عقب الوقوف على صعيد عرفة الذي به تتم فريضة الحج. وقد شرع الله عز وجل لنا إحياء هذين العيدين ولم يجعل لهما ثالثاً، إلا أن عدو الله إبليس - لعنه الله - قد آلى على نفسه أن يصد عباد الله عن سواء السبيل، وأن يقعد لهم بكل صراط مستقيم، ليحول بذلك بينهم وبين رحمة الله ورضاه، ويقذف بهم في درك الشقاء والحرمان، فعمد إلى أوقات وأيام اتخذها الناس - كاليهود والنصارى - أعياداً فزينها لهم، وجعلها ميادين للملذات والمنكرات، ورسم لهم فيها من ضروب الشهوة والشبهة والغواية ما استمال به قلوبهم وصرفهم عن سبيل الحق والهدى ودلهم على طريق الضلال والهوى.
ولقد كان المدخل الذي استطاع منه عدوالله أن يخترق عقول وقلوب المسلمين هو الافتتان ببريق الحضارة الغربية، وما هم عليه من التقدم، وأعماهم عدو الله وعدوهم عن قول الله عز وجل: يَعْلَمُونَ ظَهِراً مِنَ الْحَيَاةِ اْلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7]. وصحب ذلك الافتتان تمرير لبعض الصور الشركية والطقوس البدعية والتي أودت بشبابنا وفتياتنا إلى مدارك الانهزامية الفكرية والخلقية، ولا يزال هذا الافتتان ينمو ويتزايد على ممر الأيام وتعاقب الأزمنة، حتى أصبح التقليد الأعمى والانسياق الضال للغرب بشتى صوره من مستلزمات الحياة الحضارية المزعومة، وأصبح أولو العقول الضعيفة إلى الاستجابة للغرب مسارعين، وفي القبول منهم راغبين، وما ذلك إلا جهلاً منهم بسوء العاقبة وعظم الخطب وجسامته، وأصبحنا لا نرى الغرب سلكوا مسلكاً إلا وقد أجفل المخدوعون المغرورون إليه إجفالاً، وما دخلوا جحراً خرباً إلا أتوا إليه أرسالاً، تؤزهم إليه شياطين الإنس والجن أزاً، فضلوا بذلك وأضلوا كثيراً، وضلوا عن سواء السبيل. وظهر بذلك مصداق قول رسولنا الكريم : { لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم }. قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: { فمن! } [أخرجه البخاري ومسلم].
وكان آخر ما ابتلي به المسلمون من هذه الجحور هو الجحر ( الفالنتايني ) والذي أسموه بـ: عيد الحب؟ اسم فسوق و بِئْسَ اْلاِسْمُ اْلْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ [الحجرات:11]. الذي يوجب غضب الديان، ويعقب عيش الذل والهوان، لقد عمدوا إلى أحسن الأسماء وهو الحب فأطلقوه على هذا العيد، ولفقوا له المعاني المزخرفة الأنيقة، وكسوة حلة الألفاظ الجميلة والعبارة الرشيقة، وهو في حقيقة أمره عيد ظاهره المحبة والعشق، وباطنه المجون والفسق، عيد يدعو إلى وأد الفضيلة وطمسها، وبعث الرذيلة ونشرها.
ولقد سارعت كثير من أخواتنا المسلمات إلى الإحتفاء بهذه الظاهرة الدخيلة لمجرد اعتقادهن أنها ذكرى جميلة، أو أنها نوع من التسلية والترفيه، والأدهى من ذلك والأمرُّ من تدَّعي أنها من مظاهر الحضارة ومن لوازم المدنية، والله يعلم إني لم أجازف في نسبة ذلك إليهن، بل هو حقيقة قولهن، فيا حسرة الفؤاد، ويا أسفا على أخواتنا اللاتي ما علمن أنهن بحجة التسلية والركض وراء الحضارة المزعومة والمدنية الزائفة قد عرضن إيمانهن واعتقادهن - الذي هو أغلى ما يملكن - للخسارة والضياع ! أَوَمَا وجدت أولئك الأخوات شيئاً يتسلين به سوى ما هو شعار للكفر والطغيان، الذي يُحِلُّ غضب الرحمن، ويرضى به الشيطان؟
إن تعجبي فاعجبي من حال أخواتنا المسلمات اللاتي هداهن الله وشرح صدورهن للإسلام كيف يقفن من هذا العيد ! فقد أخبرتني إحدى أخواتي البريطانيات اللاتي منَّ الله عليها بالإسلام عن دهشتها وأنها تستغرب من حال أخواتها المسلمات اللاتي يشاركن في هذا العيد، مع أن أخواتهن في بريطانيا يستنكرن ذلك، ويستنكفن من المشاركة فيه، فيا لله العجب من حال أخواتنا هناك ! كيف فررن من المشاركة في هذا العيد فرار الطيور إلى الأوكار، ومن حال أخواتنا هنا كيف تهافتن على المشاركة فيه تهافت الفراش على النار!
من يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرح يميت إيلام
فيا ليت شعري هلا بحثت أختنا المسلمة عن حقيقة هذا العيد وما ينطوي عليه من السوء قبل أن تقدم على المشاركة؟ وهل عَلِمَتْ قصة ذلك الرجل الذي يدعى: ( فالنتاين ) كي تقِفَ على حقيقته؟ وإني أعظ كل رهينة لشهوتها، أسيرة لملذتها بموعظة واحدة، أن تقوم بتدبر قصة ذلك المجهول ثم تُحكّم نفسها وتتفكر في مشروعية إحياء هذا العيد في بلادنا الإسلامية؟ والله الموعد، وإليه التحاكم، وبين يديه التخاصم.
وقصة ( فالنتاين ) تتلخص في: أن الرومان كانوا يحتفلون في (14) فبراير بملكة آلهة الرومانيين ( جونو )، وكانت تتفسخ وتنحل أثناء احتفالهم بهذا العيد، فتقوم الفتيات بكتابة أسمائهن في أوراق ثم تضعهن في زجاجات فارغة، ثم يأتي كل شاب فيختار بالقرعة اسم عشيقته ليحتفل بها في هذا العيد، واستمر الحال على ذلك حتى القرن الثالث الميلادي الذي كان يحكم الرومان فيه الإمبراطور كلاوديس الثاني، والذي قام بعدة حملات حربية باءت بالهزيمة والفشل، فأدرك أن سبب ذلك هو صعوبة جمع رجال الجيش بسبب ارتباطهم بزوجاتهم وعشيقاتهم، مما حدى به إلى إصدار أمر يمنع القساوسة فيه أن يتموا للجنود عقود الزواج، فاضطر القساوسة جميعهم للإستجابة لأمره إلا قسيساً كان يدعى: ( فالنتاين ) فقد أبى الانصياع لأمره، وكان يتم عقود الزواج سراً، لكن سرعان ما افتضح سره، وبان أمره، فتم اعتقاله وإدانته بمخالفة الإمبراطور وحُكِم عليه بالإعدام، وأثناء إقامته في السجن تعرف على ابنة السجان، والتي كانت تزوره متخفية، مصطحبة معها وردة حمراء لإهدائها له، فوقع في حبائل حبها وغرامها، وخرج عن تعاليم شريعته النصرانية التي تُحرِّم على القساوسة الزواج أو عقد العلاقات العاطفية، ثم إن الإمبراطور قد دعاه إلى عبادة آلهة الرومان مقابل العفو عنه، ولكنه رفض ذلك وثبت على نصرانيته فنُفِذ فيه حكم الإعدام في يوم ( 14 ) فبراير عام ( 207م ) ومن حينها أطلق عليه النصارى لقب قديس لأنه فدى النصرانية بروحه، وشفعوا له خطيئة وقوعه في الحب بسبب ثباته على دينه، وقاموا بإحياء ذكراه في هذا اليوم من كل عام، وأصبح عشاقهم يتبادلون في هذا اليوم الهدايا والورود الحمراء وبطاقات تحمل صورة ( كيوبد ) - الطفل المجنح الذي يحمل قوساً ونشاباً - والذي يمثل إله الحب لدى الرومان، ومن ذلك التاريخ وإلى هذا اليوم والنصارى يحيون هذه الذكرى ويسمونها ب: ( عيد الحب ).
أختاه: لعلًّك بعد هذه الخلفية التاريخية لعيد الحب هذا، وبعد أن تجلَّت لك الحقائق وانكشفت لك الستور أن تتساءلي: ما دخلنا - نحن المسلمين - بعيد اشتركت فيه الوثنية والنصرانية؟ وما علاقة تخليد النصارى لقديسهم ( فالنتاين ) بديننا وعقيدتنا؟ إن المسألة ليست بالهيّنة، فلو لم يكن في هذا العيد إلا مشابهة النصارى في أعيادهم لكان في العقل أعظم زاجر وأكبر ناه عن المشاركة فيه، كيف وهو مما تتفق العقول السليمة والفطر المستقيمة على استحالة شرعه وامتناع جوازه !!
ونحن لم نر أحداً من غير المسلمين يشاركنا فرحتنا بعيدي الفطر والأضحى، بل يلاحظ أنهم لا يأبون بنا ولا بأعيادنا وربما سخروا من حفاوتنا بهذين العيدين، بل إنهم بالفعل قد تجرؤوا على الاعتراض على الشعائر التي نحييها في أعيادنا، فقامت جمعيات الرفق بالحيوان بالصراخ والعويل على ما يفعله المسلمون في عيد الأضحى المبارك من نحر الأضاحي والهدي بحجة القسوة والوحشية على تلك الذبائح، فيا له من أمر يضحك عجباً، ويبكي حزناً، ويثير حمية للدين وغضباً، كيف يعترضون على أعيادنا مع جمال مقصدها وكمال غايتها وجلالة أهدافها وبعدها عن الانحراف وسافل الأمور، ونحن نتهافت على أعيادهم ومعتقداتهم الفاسدة مع انحطاط مقاصدها وخسة غاياتها ودناءة أهدافها؟ فهذا والله لما يزيد القلب أسى وحسرة وألماً، ولكنّ الجائحة عامة، والجنون فنون، فاسألي يا أختاه مثبت القلوب أن يثبت قلبك على دينه، وأن لا يوقعك في ظلمة من هذه الظلمات.
أختاه: ألست تقرئين في كتاب الله عز وجل وصف أمتنا بأنها: خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَت لِلنَّاسِ [آل عمران:11]، فما بال كثير من أخواتنا المسلمات اللاتي أعزهن الله بهذا الدين، وشرفهن بحمل أمانته يعرضن عن هذه الخيرية ويُقبلن على مظاهر الغرب الزائفة؟ أما علمهن أنه لا عز لهن إلا بالإسلام ولا نجاة لهن إلا بالتمسك بمبادئه وقيمه وأخلاقه، وَلِلَهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤِمِنينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ [المنافقون:8]. لقد غفلن عن تذكر يوم تبلى فيه السرائر، وتظهر ما أخفته القلوب والضمائر؟ ونَسِينَ يوماً يبعث فيه مَنْ في القبور، ويحصَّل فيه ما في الصدور، هنالك سيتبين لهن حقيقة الحال، ويتضح لهن الهدى من الضلال، فَأَدْعُو كل أخت مسلمة، ترجو الله والدار الآخرة أن تقبل على استدراك ما فات، وإحياء ما مات، وأُحَذِّرُ كل ناصحة لنفسها موقنة بلقاء ربها أشد الحذر من الإقتراب إلى ما نصبه لها أعداؤها من الأشراك، وأن تتقي أشد الوقاية من الوقوع فيما زينوه لها من الفخاخ والشباك، فإنها إذا وقعت في حبائل ذلك العيد فقد خالفت نصوصاً عدة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله والتي جاءت بالنهي الأكيد والوعيد الشديد في مشابهة الكفار، فقد قال تعالى: وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ اْلزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغوِ مَرُّواْ كِرَاماً [الفرقان:72]. قال بعض السلف: ( هو أعياد المشركين ). وقد تضمنت الآية الكريمة الثناء والمدح لمن اعتزل شهود تلك الأعياد وتَرَك حضورها لأنها جمعت بين الشبهات والشهوات.
وأما الأحاديث النبوية فكثيرة، منها قول رسول الله : { من تشبه بقوم فهو منهم } [أخرجه أحمد وأبو داود]. وهذا نص صريح موجب لتحريم التشبه بالكفار وإن لم يقصد ما قصدوا.
فإن قال قائل: إنما نأتي بعضاً من أفعالهم الظاهرة ونخالفهم في معتقداتهم. قيل له: إن موافقتهم في أمر من الأمور قد يكون ذريعة إلى موافقتهم في غيره، فالمشاركة في الظاهر تورث المشابهة في الباطن، ومن حام حول الحمى أوشك أن يواقعه، ولقد كان من هدي رسولنا الكريم مخالفة أهل الكتاب في جميع شؤونهم وأحوالهم، حتى قالت اليهود: ( ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه ) [أخرجه مسلم].
والأعياد من جملة الشرائع والمناسك التي قال الله سبحانه عنها: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلنَا مَنسَكاً هُم نَاسِكُوهُ [الحج:67]، وهي من أخص ما تتميز به الشرائع، والموافقة عليها موافقة على الكفر ورضى به، فعياذاً بِكَ اللهم من مخالفة أمرك وارتكاب نهيك.
فإن قال قائل: لم نقصد بهذه الأعياد مشابهة الكفار البتة. قيل له: إن رسول الله قال: { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } [أخرجه البخاري ومسلم]. وهذا بيّنٌ في أن المسلمين إذا أحدثوا في دينهم ما لم يشرعه الله تعالى ولا رسوله كان الأمر قبيحاً مردوداً، فكيف إذا كان هذا الأمر من محدثات أعداء الله ورسوله والمؤمنين؟ وهذه المحدثات توجب مشاكلة ومشابهة في بواطن أصحابها وظواهرهم ولابد، وهذا أمر ظاهر وإن لم يشهدوا به على أنفسهم، فالله يشهد به عليهم، ويعلمه كامناً في صدورهم.
وقد قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية. فقال: { إن قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الفطر ويوم النحر } [اخرجه أحمد وأبو داود]. وهذا يقتضي ترك الجمع بين أعياد الإسلام وأعياد الجاهلية.
وهذه الأحاديث التي أَوْرَدتُها غيض من فيض، فلا ينبغي لمن نَصَحَتْ نفسها ورَامَتْ سلامتها أن تتعامى عنها، فإن ذلك من أعظم الغبن وأقبح الجهل، وما أدري ما العذر أمام الله عز وجل للأخت المسلمة التي طرقت سمعها هذه النصوص الشرعية ثم قابلتها بالإعراض والنكوص على العقبين.
واعلمي - رعاك الله - أنه لم يكن على عهد سلف الأمة ومن سار على نهجهم من يشارك أهل الكتاب في أعيادهم، بل كانوا أحرص الناس على البعد عنها واجتنابها، حتى إنهم كانوا إذا فتحوا بلداً من بلادهم أخذوا العهد على أهل الذمة أن لا يظهروا شيئاً من أعيادهم في بلاد المسلمين، فكيف يسوغ لمن جاء بعدهم من هذه الأمة أن يشاركوهم في أعيادهم؟
فعليك يا أختاه باقتفاء آثار رسول الله واتباع هديه، والزمي سبيل سلف الأمة الصالحين، وإياك ثم إياك أن تشاققي رسول الله في أمر من أموره وتتبعي غير سبيل المؤمنين حذراً من عقاب الله وسخطه، قال تعالى: وَمَن يُشَاٌقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعدِ مَا تَبَيَّن لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِع غَيرَ سَبِيل المُؤمِِنينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَت مَصِيراً [النساء:115]، ولا تغتري يا أختاه بالجاهلين الواقعين في هذه المصيبة وإن كثروا، وعليك بلزوم سبيل عباد الله الصالحين وإن قَلُّوا، قال الفضيل بن عياض رحمه الله: ( عليك بطريق الهدى وإن قل السالكون، واجتنب طريق الردى وإن كثر الهالكون ).
وكما لا يحل لنا المشاركة في تلك الأعياد فإنه لا يحل لنا الإعانة على إقامتها، فلا يجوز قبول أي دعوة أو هدية خاصة بهذا العيد بل ينهى عن ذلك ويزجر.
ولتعلمي يا أختاه أن تعبيرنا عن مشاعر الحب وعواطف الود من آكد الأمور التي حث عليها ديننا العظيم، إلا أن شريعتنا السمحاء جاءت بحدها بضوابط شرعية كي تبقى هذه المحبة طاهرة نقية لا تحيد إلى معان لا رقي فيها ولا سمو، وقد رتب الله عز وجل على المحبة بين المتحابين إذا كانت في الله ولله الأجر الكريم والثواب العظيم، حيث جعلها سبباً موجباً لمحبته، وبهذه المحبة يُظل الله المتحابين فيه بظله يوم لا ظل إلا ظله، قال رسول الله : { إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي } [أخرجه مسلم]. وقال : { قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء } [أخرجه الترمذي]، فما أعظم وأسمح وأسمى ديننا الإسلامي، حتى مشاعر الحب لا تذهب هباء بل يجزينا المولى الكريم عليها خير الجزاء وأوفره، وهذا بخلاف المحبة التي يقوم سوقها على متاع الدنيا، فهذه محبة كسحاب صيف أو خيال طيف سرعان ما تنقضي وتزول، وكما قيل:
أحلام نور أو كظل زائل *** إن اللبيب بمثلها لا يخدع
والمحبة متى كانت لغير وجه الله فهي في الدنيا وهم وزيف وخداع، وفي الآخرة بغض وعداوة وضياع، قال تعالى: الأَخِلاَّءُ يَومَئِذٍ بَعضُهُم لِبَعضٍ عَدُوُّ إِلاَّ المُتَّقِنَ [الزخرف:67].
ولعلك تشعرين بالمحبة والمودة، ويمكنك رؤيتها عياناً في كل يوم وهي تتدفق في كل لحظة من لحظات الحياة بين الآباء والأبناء والأصحاب والأحباب دون أن يكون لها يوم ( فالنتايني ) محدد. ولعل ثمة سؤال يدور في خلدك يا أختاه: ماسبب تهافت كثير من المسلمين على المشاركة في هذا العيد، والمحبة تعمر قلوبهم في كل يوم بل وفي كل لحظة؟ وجواب ذلك: أن كثيراً من هؤلاء قد افتقد معاني الحب الصادق فحاول استبدال المحبة الصادقة المنشودة بالمحبة الزائفة المفقودة.
ولقد حرص ديننا على إظهار المحبة بين المسلمين، فدلهم على الأسباب الجالبة لها مثل إفشاء السلام، فقال رسول الله : { لا تدخلو الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم } [أخرجه مسلم]، كما أرشدنا إلى أمر يثبت الود في قلب من نحبه، فقال : { إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبه } [أخرجه أحمد وأبو داود].
وشريعتنا السمحاء قد حثتنا ورغبتنا في التهادي، نظراً لما للهدية من أثر بالغ على القلوب، فقال رسول الله : { تهادوا تحابوا } [أخرجه أبو يعلى]، فلم تحدد لنا يوماً واحداً للمحبة والإهداء، ولم تحدد لنا نوع الهدية أو لونها، بل جعلته في كل وقت وحين.
هذه نصيحة أهديها لك يا أختاه، وقد أحببت من خلالها أن أذكر نفسي وإياك بخطورة أمر التشبه بالكفار ووعورة مسلكه، وما ذكرته لك قطرة من بحر، ولعلك أن تتنبهي بها على ما وراءها من كلمات وتستنيري، وَمَن لَّم يَجعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ [النور:40].
وختاماً: أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلني وإياك وسائر أخواتنا المسلمات ممن آثر حبه على هواه، وابتغى بذلك قربه ورضاه، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــ(68/351)
فتاوى الحجاب واللباس والزينة
دار ابن خزيمة ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 11255
(2860 كلمة)
صورة المطوية
الحجاب الشرعي
س: ماهو الحجاب الشرعي؟
ج: الحجاب الشرعي هو حجب المرأة ما يحرم عليها إظهاره، أي سترها ما يجب ستره، وأولى ذلك وأوله ستر الوجه، لأنه محل الفتنة ومحل الرغبة، فالواجب على المرأة أن تستر وجهها عمن ليسوا بمحارمها، وأما من زعم أن الحجاب الشرعي هو ستر الرأس والعنق والنحر والقدم والساق والذراع، وأباح للمرأة أن تخرج وجهها وكفيها، فإن هذا من أعجب ما يكون من الأقوال؛ لأنه من المعلوم أن الرغبة ومحل الفتنة هو الوجه، وكيف يمكن أن يقال: أن الشريعة تمنع كشف القدم من المرأة وتبيح لها أن تخرج الوجه؟! هذا لا يمكن أن يكون واقعاً في الشريعة العظيمة الحكيمة المطهرة من التناقض، وكل إنسان يعرف أن الفتنة في كشف الوجه أعظم بكثير من الفتنة في كشف القدم، وكل إنسان يعرف أن محل رغبة الرجال في النساء، إنما هي الوجوه، ولهذا لو قيل للخاطب: إن مخطوبتك قبيحة الوجه لكنها جميلة القدم، ما أقدم على خطبتها، ولو قيل له: إنها جميلة الوجه لكن في يديها أوفي كفيها أو في قدميها أو في ساقيها نزول عن الجمال لكان يقدم عليها، فعُلم بهذا أن الوجه أولى ما يجب حجابه، وهناك أدلة من كتاب الله وسنة رسوله ، وأقوال الصحابة وأقوال أئمة الإسلام، وعلماء الإسلام، تدل على وجوب احتجاب المرأة في جميع بدنها عمن ليسوا بمحارمها، وتدل على أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عمن ليسوا بمحارمها، وليس هذا موضع ذكر ذلك، والله أعلم [الشيخ ابن عثيمين].
حكم لبس النقاب والبرقع واللثام
س: في الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة بين أوساط النساء بشكل مُلفت للنظر وهي ما يسمى بالنقاب، والغريب في هذه الظاهرة ليس النقاب، إنما طريقة لبس النقاب لدى النساء، ففي بداية الأمر كان لا يظهر من الوجه إلا العينان فقط ثم بدأ النقاب بالاتساع شيئاً فشيئاً فأصبح يظهر مع العينين جزء من الوجه مما يجلب الفتنة ولا سيما أن كثيراً من النساء يكتحلن عند لبسه، وهي أي النساء إذا نوقشن في هذا الأمر احتججن بأن فضيلتكم قد أفتى بأن الأصل فيه الجواز، فنرجو توضيح هذه المسألة بشكل مفصّل وجزاكم الله خيراً؟
ج: لا شك أن النقاب كان معروفاً في عهد النبي وأن النساء كن يفعلنه كما يفيده قوله في المرأة إذا أحرمت: { لا تتنقب } فإن هذا يدل على أن من عادتهن لبس النقاب، ولكن في وقتنا هذا لا نفتي بجوازه، بل نرى منعه، وذلك لأنه ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز، وهذا أمر كما قاله السائل مشاهد. ولهذا لم نفت امرأة من النساء - لا قريبة ولا بعيدة - بجواز النقاب أو البرقع في أوقاتنا هذه - بل نرى أنه يمنع منعاً باتاً، وأن على المرأة أن تتقي ربها في هذا الأمر وألا تتنقب، لأن ذلك يفتح باب شر لا يمكن إغلاقه فيما بعد [الشيخ ابن عثيمين].
حكم لبس العباءة على الكتفين وتغطية الرأس؟
س: إنه انتشرت بين نساء المسلمين ظاهرة خطيرة وهي لبس بعض النساء العباءة على الكتفين وتغطية الرأس بالطرح والتي تكون زينة في نفسها وهذه العباءة تلتصق بالجسم وتصف الصدر وحجم العظام ويلبسن هذا اللباس موضة أوشهرة. ما حكم هذا اللباس؟ وهل هو حجاب شرعي؟ وهل ينطبق عليهن حديث النبي : { صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما... } أفتونا مأجورين وجزاكم الله خير الجزاء.
ج: وبعد فقد أمر الله النساء المؤمنات بالتستر والتحجب الكامل فقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] والجلباب: هو الرداء الذي تلتف به المرأة ويستر رأسها وجميع بدنها ومثله المشلح والعباءة المعروفة، والأصل أنها تلبس على الرأس حتى تستر جميع البدن فلبس المرأة للعباءة هو من باب التستر والاحتجاب الذي يقصد منه منع الغير عن التطلع ومد النظر. قال تعالى: ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59] ولا شك أن بروز رأسها ومنكبيها مما يلفت الأنظار نحوها. فإذا لبست العباءة على الكتفين كان ذلك تشبهاً بالرجال وكان فيه إبراز رأسها وعنقها وحجم المنكبين وبيان بعض تفاصيل الجسم كالصدر والظهر ونحوه مما يكون سبباً للفتنة وامتداد الأعين نحوها وقرب أهل الأذى منها ولو كانت عفيفة.
وعلى هذا فلا يجوز للمرأة لبس العباءة فوق المنكبين لما فيه من المحذور ويخاف دخوله في الحديث المذكور وهو قوله : { صنفان من أمتي من أهل النار } إلى قوله: { ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها... } إلخ، والله أعلم [الشيخ ابن جبرين].
حكم لبس العباءة المطرزة
س: ما حكم لبس العباءة التي في أطرفها، أو أكمامها قيطان أو غرة؟
ج: محرم حيث أنه يؤدي إلى الفتنة.
فيا أختي المسلمة حكّمي عقلك وفكّري ومعَّني في لبسك للعباءة فهل يعقل أن تستري الزينة بزينة أخرى، وهل شرع الحجاب إلا لإخفاء تلك الزينة؟! فلنكن على بينة من أمرنا ولنعلم أن أعداء الإسلام يحيكون ضدنا مؤامرة على الحجاب. فيا أيتها المسلمة أنذي نفسك فإن متاع الدنيا قليل والآخر خير لمن اتقى،فلا تغتري بمالك ولا جمالك فإن ذلك لا يغني عنك من الله شيئاً!! وإني أنذرك وأحذرك بأن النبي قد عرضت عليه النار ورأى أكثر أهلها من النساء، وأنذرك بأن النبي قال في النساء وأنت إحداهن: { اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء } وأنقذي نفسسك من النار، واعلمي أنك أعجز من أن تطيقي عذاب النار، فإن الجبال لو سيّرت في النار لذابت فأين أنت من الجبال الراسيات والصم الشامخات، أنقذي نفسك من النار واستجيبي لمنادي الحق واعلمي أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. وأن الآخرة هي مسعانا وإن طالت الآمال في الدنيا، فماذا تريدين من هذه العباءة المزركشة التي تشترينها بالمئات وأنت تضعين في القبر في كفن من أرخص الأقمشة فهل تنفعك هذه العباءة في ظلمة القبر؟ فتذكري نفسك وأنت في هذا الموضع [الشيخ ابن عثيمين:فتاوي المرأة].
حد عورة الحرة
س: ما حد عورة الحُرَّة مع خالها وعمها وإخوانها في المنزل؟
ج: لها أن تكشف لمحارمها عن الوجه والرأس والرقبة والكفين والذراعين والقدمين والساقين وتستر ما سوى ذلك [فتاوى الشيخ ابن عثيمين].
حكم لبس الملابس الضيقة عند النساء
س: ما حكم الملابس الضيقة عند النساء وعند المحارم؟
ج: لبس الملابس الضيقة التي تبين مفاتن المرأة وتبرز مافيه الفتنة محرم، لأن النبي قال: { صنفان من أهل النار لم أرهما بعد رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس - يعني ظلماً وعدواناً - ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات } فقد فسر قوله كاسيات عاريات بأنهن يلبسن ألبسة قصيرة لا تستر ما يجب ستره من العورة وفسر بأنهن يلبسن ألبسة خفيفة لا تمنع من رؤية ما وراءها من بشرة المرأة، وفسرت بإن يلبسن ملابس ضيقة ساترة عن الرؤية لكنها مبدية لمفاتن المرأة وعلى هذا لا يجوز للمرأة أن تلبس هذه الملابس الضيقة إلا لمن يجوز لها إبداء عورتها عنده وهو الزوج، فإنه ليس بين الزوج وزوجته عورة لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:6،5] وقالت عائشة: { كنت أغتسل أنا والنبي يعني من الجنابة من إناء واحد تختلف أيدينا فيه } فالإنسان بينه وبين زوجته لاعورة، والضيق لا يجوز عند المحارم ولا عند النساء إذا كان ضيقاً شديداً يبين مفاتن المرأة [فتاوي الشيخ ابن عثيمين].
حكم كشف وجه زوجة الأخ
س: أخوان متزوجان ويسكنان في شقة واحدة،فهل يجوز كشف الزوجتان لوجوههن أمام بعضهما البعض علماً بأنهما مستقيمان؟
ج: العائلة إذا سكنت جميعاً فالواجب أن تحتجب المرأة على من ليس بمحرم لها، فزوجة الأخ لا يجوز أن تكشف لأخيه، لأن أخاه بمنزلة رجل الشارع بالنسبة للنظر والمحرمية، ولا يجوز أيضاً أن يخلو أخوه بها إذا خرج أخوه من البيت، وهذه مشكلة يعاني منها كثير من الناس مثل أن يكون هناك أخوان في بيت واحد أحدهما متزوج، فلا يجوز لهذا المتزوج أن يبقي زوجته عند أخيه إذا خرج للعمل أو للدراسة، لأن النبي قال: { لايخلو رجل بامرأة } وقال: { إياكم والدخول على النساء } قالوا يا رسول الله: أرأيت الحمو - والحمو أقارب الزوج - قال: { الحمو الموت } [فتاوى الشيخ ابن عثيمين].
حكم الجلوس مع أقارب الزوج بالحجاب
س: هل يجوز للمرأة أن تجلس مع أقارب زوجها وهي محجبة حجاب السنة؟
ج: يجوز للمرأة أن تجلس مع إخوة زوجها أو بني عمها أو نحوهم إذا كانت محجبة الحجاب الشرعي وذلك بستر وجهها وشعرها وبقية بدنها، لأنها عورة وفتنة إذا كان الجلوس المذكور ليس فيه ريبة... أما الجلوس الذي فيه تهمة لها بالشر فلا يجوز.. وهكذا الجلوس معهم لسماع الغناء وآلات اللهو ونحو ذلك.. و لا يجوز لها الخلوة بواحد منهم أو غيرهم ممن ليس محرماً، لقول النبي : { لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم } [متفق على صحته] وقوله : { لايخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما } [أخرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه] [الشيخ ابن باز].
معنى كاسيات عاريات
س: ما معنى قوله :{ كاسيات عاريات }؟
ج: معنى { كاسيات عاريات } أن هؤلاء النسوة عليهن كسوة، ولكنها لا تفيد في ستر المرأة.
قال العلماء أن تكون الكسوة هذه خفيفة يرى من ورائها الجلد، فهذه كاسية ولكنها عارية، ومثل أن تكون الثياب التي عليها ثياب ثخينة لكنها قصيرة، فهذه أيضاً كاسية عارية، مثل أن تكون الثياب ضيقة بحيث تلصق على الجلد وتبدو المرأة وكأنه لا ثياب عليها فهذه أيضاُ كاسية عارية، وهذا بناء على المراد بالكسوة والعرى المعنى الحسي.
أما إذا أريد به المعنى المعنوي، فإن المراد بالكاسيات اللاتي يظهرن العفاف والحياء، والعاريات اللاتي يخفين الفجور ولا يبين أمرهن للناس، فهن كاسيات من وجه وعاريات من وجه [الشيخ ابن عثيمين].
حكم كشف المرأة الكبيرة سناً وجهها
س: هل يجوز للمرأة الكبيرة في السن مثل أم 70 أو 90 عاماً أن تكشف وجهها لأقاربها غير المحارم؟
ج: قال الله تعالى: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور:60] والقواعد هن العجائز اللاتي لا يرغبن في النكاح ولا يتبرجن بالزينة،فلا جناح عليهن أن يسفرن عن وجوههن لغير محارمهن، لكن تحجبهن أفضل وأحوط لقوله تعالى: وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ولأن بعضهن قد تحصل برؤيتها فتنة من أجل جمال صورتها وإن كانت عجوزاً غير متبرجة بزينة أما مع التبرج فلا يجوز لها ترك الحجاب ومن التبرج تحسين الوجه بالكحل ونحوه [الشيخ ابن باز].
حكم لبس البنطلون
س: ما حكم لبس البنطلون عند غير أزواجهن؟
ج: لا يجوز للمرأة عند غير زوجها مثل هذا اللباس، لأنه يبين تفاصيل جسمها، والمرأة مأمورة أن تلبس ما يستر جميع بدنها، لأنها فتنة وكل شيء يبين من جسمها يحرم إبداؤه عند الرجال أو النساء والمحارم وغيرهم إلا الزوج الذي يحل له النظر إلى جميع بدن زوجته فلابأس أن تلبس عنده الرقيق أو الضيق ونحوه والله أعلم [ابن جبرين: النخبة من الفتاوى النسائية].
حكم تقصير شعر الرأس للمرأة
س: أرجو إفادتي عن تقصير شعر رأسي من الأمام وهو ما يسمونه (الحفُة) التي أحياناً تصل إلى فوق الحاجب للمرأة المسلمة هل هو جائز أم لا؟
ج: قص شعر المرأة لا نعلم فيه شيئاً، المنهي عنه الحلق،فليس لك أن تحلقي شعر رأسك لكن أن تقصي من طوله أو من كثرته فلا نعلم فيه بأساً، لكن ينبغي أن يكوم ذلك على الطريقة الحسنة التي ترضينها أنت وزوجك، بحيث تتفقين معه عليها من غير أن يكون في القص تشبة بامرأة كافرة. ولأنه في بقائه طويلاً فيه كلفة بالغسل والمشط، فإذا كان كثيراً وقصت منه المرأة بعض الشيء لطوله أو لكثرته فلا يضر ذلك، أو لأن في قص بعضه جمالاً ترضاه ويرضاه زوجها فلا نعلم فيه شيئاً أما حلقه بالكلية فلا يجوز إلا من علة ومرض [الشيخ ابن باز].
حكم لبس الباروكة
س: ما حكم لبس المرأة ما يسمى بالباروكة لتتزين بها لزوجها؟
ج: ينبغي لكل من الزوجين أن يتجمل للآخر بما يُحببه فيه ويقوي العلاقة بينهما، لكن في حدود ما أباحته شريعة الإسلام دون ما حرمته، ولبس ما يسمى بالباروكة بدأفي غير المسلمات واشتهرن بلبسه والتزين به حتى صار من شيمتهن، فلبس المرأة المسلمة إياها وتزينها بها ولو لزوجها تشبه بالكافرات وقد نهى النبي عن ذلك بقوله: { من تشبه بقوم فهو منهم } ولأنه في حكم وصل الشعر، بل أشد منه، وقد نهى النبي عن ذلك ولعن فاعله [اللجنة الدائمة].
حكم تخفيف الحاجب وتطويل الأظافر ووضع المناكير
س: 1 - ما حكم تخفيف الشعر الزائد من الحاجب؟
ج: 1- لا يجوز أخذ شعر الحاجبين، ولا التخفيف منهما، لما ثبت عن النبي أنه لعن النامصة والمتنمصة. وقد بيّن أهل العلم أن أخذ شعر الحاجبين من النمص [الشيخ ابن باز].
س: 2 - ما حكم تطويل الأظافر ووضع مناكير عليها مع العلم بأنني أتوضأ قبل وضعه ويجلس 24 ساعة ثم أزيله؟
ج: 2 - تطويل الأظافر خلاف السنة وقد ثبت عن النبي أنه قال: { الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقصّ الشارب، ونتف الإبط، وقلم الأظافر }.
ولا يجوز أن تُترك أكثر من أربعين ليلة لما ثبت عن أنس قال: { وقّت لنا رسول الله في قصّ الشارب وقلم الظفر ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك شيئاً من ذلك أكثر من أربعين ليلة } ولأن تطويلها فيه تشبه بالبهائم وبعض الكفرة.
أما المناكير فتركها أولى، وتجب إزالتها عند الوضوء لأنها تمنع وصول الماء إلى الظفر [الشيخ ابن باز].
س: 3 - هل يجوز للمرأة أن تتحجب من دون أن تغطي وجهها إذا سافرت للخارج؟
ج: 3 - يجب على المرأة أن تتحجب عن الأجانب في الداخل والخارج، لقوله سبحانه: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]. وهذه الآية الكريمة تعم الوجه وغيره، والوجه هوعنوان المرأة وأعظم زينتها وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:59] وقال سبحانه: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ الآية [النور:31].
وهذه الآيات تدل على وجوب الحجاب في الداخل والخارج، وعن المسلمين والكفار، ولا يجوز لأي امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تتساهل في هذا الأمر لما في ذلك من المعصية لله ولرسوله، ولأن ذلك يُفضي إلى الفتنة بها في الداخل والخارج [الشيخ ابن باز].
حكم خروج المرأة متعطرة ومتزينة
س: ما حكم تعطر المرأة وتزينها وخروجها من بيتها إلى مدرستها مباشرة هل لها أن تفعل هذا الفعل وما هي الزينة التي تحرم على المرأة عند النساء يعني ما هي الزينة التي لا يجوز إبداءها للنساء؟
ج: خروج المرأة متطيبة إلى السوق محرّّّّم لما في ذلك من الفتنة أما إذا كانت المرأة ستركب في السيارة ولا يظهر ريحها إلا لمن يحل له أن تظهر الريح عنده وستنزل فوراً بدون أن يكون هناك رجال حول المدرسة فهذا لا بأس به لأنه ليس في هذا محذور فهي في سيارتها كأنها في بيتها ولهذا لا يحل للإنسان أن يمكن امرأته أو من له ولاية عليها أن تركب وحدها مع السائق لأن هذه خلوة، أما إذا كانت ستمر إلى جانب الرجال فإنه لا يحل لها أن تتطيب وبهذه المناسبة أود أن أُذكِّر النساء بأن بعضهن في أيام رمضان تأتي بالطيب معها وتعطيه النساء فتخرج النساء من المسجد وهن متطيبات بالبخوروقد قال النبي : { أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا صلاة العشاء } ولكن لا بأس أن تأتي بالبخور لتطييب المسجد أما بالنسبة للزينة التي تظهرها للنساء فإن كل ما اعتيد بين النساء من الزينة المباحة فهي حلال وأما التي لا تحل كما لو كان الثوب خفيفاً يصف البشرة أو كان ضيقاً جداً يبين مفاتن المرأة فإن ذلك لا يجوز لدخوله في قول النبي : { صنفان من أهل النار لم أرهما بعد... وذكر: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها } [فتاوي الشيخ ابن عثيمين].
حكم لبس الجوارب والقفازين عند الخروج
س: فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:هل يجب على المرأة لبس الجوارب والقفازين عند الخروج من البيت أم ذلك من السنة فقط؟
ج: الواجب عليها عند الخروج من البيت ستر كفيها وقدميها ووجهها بأي ساتر كان لكن الأفضل لبس قفازين كما هو عادة نساء الصحابة رضي الله عنهن عند الخروج ودليل ذلك قوله في المرأة { إذا أحرمت لا تلبس القفازين } وهذا يدل على أن من عادتهن لبس ذلك [دليل الطالبة المؤمنة].
حكم عمليات التجميل
س: ما الحكم في إجراء عمليات التجميل؟ وما حكم تعلم علم التجميل؟
ج: التجميل نوعان: تجميل لإزلة العيب الناتج عن حادث أو غيره.. وهذا لا بأس به ولا حرج فيه لأن النبي : { أذن لرجل قطعت أنفه في الحرب أن يتخذ أنفاً من ذهب.. }.
والنوع الثاني: هو التجميل الزائد وهو ليس من أجل إزالة العيب بل لزيادة الحسن.. وهو محرم ولا يجوز، لأن الرسول : { لعن النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة } لما في ذلك من إحداث التجميل الكمالي الذي ليس لإزالة العيب. أما بالنسبة للطالب الذي يقرر علم جراحة التجميل ضمن مناهج دراسته فلا حرج عليه أن يتعلمه ولكن لا ينفذه في الحالات المحرمة.. بل ينصح من يطلب ذلك بتجنبه لأنه حرام وربما لو جاءت النصيحة على لسان طبيب كانت أوقع في أنفس الناس [فتاوي الشيخ ابن عثيمين].
حكم شراء مجلات الأزياء
س: ما حكم شراء مجلات عرض الأزياء للإستفادة منها في بعض موديلات ملابس النساء الجديدة والمتنوعة؟ وما حكم اقتنائها بعد الإستفادة منها وهي مليئة بصور النساء؟
ج: لا شك أن شراء المجلات التي ليس بها إلا صور محرم، لأن اقتناء الصور حرام لقول الرسول : { لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة } [متفق عليه]. ولأنه لما شاهد الصورة في النمرقة عند عائشة وقف ولم يدخل، وعُرفت الكراهية في وجهه، وهذه المجلات التي تعرض الأزياء يجب أن ينظر فيها، فما كل زيّ يكون حلالاً، قد يكون هذا الزي متضمناً لظهور العورة، إما لضيقه أو لغير ذلك، وقد يكون هذا الزي من ملابس الكفار التي يختصون بها. والتشبه بالكفار محرم لقول الرسول : { من تشبه بقوم فهو منهم }. فالذي أنصح به إخواننا المسلمين عامة ونساء المسلمين خاصة أن يتجنبن هذه الأزياء، لأن منها ما يكون تشبهاً بغير المسلمين، ومنها ما يكون مشتملاً على ظهور العورة، ثم إن تطلع النساء إلى كل زي جديد يستلزم في الغالب أن تنتقل عادتنا التي منبعها ديننا إلى عادات أخرى متلقاة من غير المسلمين.
ـــــــــــــــــــ(68/352)
ويبقى الحوار مفتوحاً
عبدالله بن عبدالرحمن العياده
دار ابن خزيمة ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 2760
(731 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
رزقني الله جمالاً ورزقني ذكاءً، وفوق ذلك أنني من أسرة غنية وفرّت لي كل ما أريد فتوهمت أني أنا التي أمتلك كل شيء، كان والدي يحثني على الدراسة لأنال شهادة عالية ليفتخر بها إلا أنه لم يستطع أن يوفر لدي الرغبة في الدراسة.
في المرحلة الثانوية تعرفت على مجموعة من الزميلات يشاركنّي نفس الرغبة وهي عدم الرغبة في الدراسة والتعب خلف المذاكرة، صار الإهمال سجيتنا، وتبادل أخبار الموضة والفساتين والحصول عليها هوايتنا، نجحت من الصف الثالث بشق الأنفس، انقطعت عن الدراسة زمناً، ألح عليّ والدي بأن أكمل دراستي الجامعية، قبلت في الكلية بصعوبة لأن معدلي كان ضعيفاً ولم أستغرب ذلك فهو أمر طبيعي لفتاة مثلي.
هذا هو اليوم الأول لي في الكلية وفي المحاضرة الثالثة كانت المفاجأة المذهلة التي قلبت كياني وشلّت تفكيري وبعثرت أوراقي فلم أصدق عيني، نظرت إليها تفحصتها معقول هي؟ لا.. لا.. ليست هي، قطع حبل تفكيري صوتها الهادئ الذي لا زلت أذكره وهي تقدم لنا نفسه قائلة: أختكم رقية..،..، ماجيستير في الشريعة، فغبت عن الوعي وعدت بالذاكرة إلى الوراء يوم كنا في الثانوية كانت هي الوحيدة الجادة والمثابرة في الفصول وكنا بكل غرور وسخف نلمزها بفقرها فقد كانت لا تغيّر المريول والشنطة خلال العام، وكانت لا تكترث بنا، وأذكر أيضاً أني تعلمت منها درساً قاسياً لن أنساه فقد حفر في ذاكرتي، ففي يوم من الأيام وبغروري وبما أملك أردت أن أحرجها، فقلت لها وبدون مقدمات وبسؤال مباغت.
هل أنت سعيدة؟
ردّت بهدوء.. وما هو مقياس السعادة في نظرك؟
قلت بثقة كل يفهم السعادة حسب هواه ومزاجه.
ردّت قائلة: وضّحي أكثر.
فأجبت بلغة واثقة: إذا تحققت رغبات النفس وجدت السعادة.
باغتتني قائلة: وما هي رغبات النفس؟
أجبت وأنا أخفي ارتباكي: الأكل والشرب واللبس والمال والتمتع بالحياة هذه هي مظان السعادة.
اعتدلت في جلستها قائلة: كم هم الذين يأكلون ويشربون ويتمتعون ولديهم المال الوفير وهم غير سعداء؟
قلت بارتباك أكثر: لا أعرف عددهم فهم كثير جداً.
ابتسمت قائلة: إذاً السعادة في غير هذا الإتجاه.
فقلت: وأنا آخذ نفساً عميقاً: صحيح صحيح هي في غير هذا الإتجاه.
ونتيجة لهذا الحرج الذي وقعت فيه أردت أن أنقذ نفسي، غيّرت دفة الحديث.
فقلت لها: تحضرين للمدرسة مع الباص كل يوم؟
فرمقتني بطرفها كأنما فهمت ماذا أريد وردت بثقة، وأنت تحضرين مع السائق الأجنبي الخاص بكم؟
فأعدت الحديث إلى الباص هروباً قائلةً: ألا تتضايقين من كثرة الزحام؟ فابتسمت قائلة: وأنت ألا تتضايقين من نظرات السائق؟ ثم أكملت، وأنا في الباص أجد متعة عندما أحس بمعاناة الآخرين.
هدوئها يستفزني، فنقلت الحديث إلى شاطئ آخر قائلة: ألا زلتم تسكنون في الريف؟
قالت:في الريف نبتعد عن الفضول والصخب ونتمتع بالهواء النقي.
فأكملت السؤال بسرعة، أظن منزلكم لا زال من الطين؟
فابتسمت قائلة: منزلنا فيه استقلاليتنا ولا يشاركنا فيه أحد، ويسترنا عن عيون الأغراب، مع العلم أن البيوت قد تغيرت الآن.
فأظهرت لها أني مداعبةً لها، فرفعت حقيبتها وقلت: ما أجمل حقيبتك، لذلك لم تغيريها منذ مدة؟!
فأخذتها وضمتها إلى صدرها وهي تقول رفيقة دربي الدراسي ويكفيني أنها لم تمل مني وتحمل كتبي دون تعب أو تضجر مثل بعضهم.
بدأ الضيق يتسرب إلى نفسي من هدوئها فقلت لها بعد نظرة إلى قسمات وجهها، ألا تتضايقين من اسمك يا رقية؟
أجبات بثقة حيرتني لا أحد يختار اسمه ولم يضر رقية بنت محمد وزوجة عثمان رضي الله عنه.
فأيقنت أني لن أستطيع أن أهز تماسكها وثقتها بنفسها فصرفت الحديث إلى طريق آخر، فقلت: هل يوجد في بيتكم وسائل ترفيه؟
ربت بابتسامة أخرى، أحياناً أتمنى بقية وقت لهذه الأشياء، والنفس كالطفل تشب على ما تعودت عليه.
فقلت بسرعة والموضة هل لها نصيب أيضاً؟
فردّت بثقة، أتعامل مع كل جديد وساتر.
حاصرتها مباغتة، متى تستعملين المكياج يا رقية؟
وضعت ذقنها على راحت يدها قائلة: انظري في وجهي هل ترين فيه عيوب؟
فقلت لها: لا، وأنا أسحب من حقيبتي مجلة متظاهرة بعدم الإحراج من إجابتها، هل تقرئين المجلات؟
فقالت: وأنت لماذا تقرئين هذه المجلات؟ فتظاهرت أني أبحث عن موضوع في المجلة قائلةً: أقرؤها للثقافة والمعرفة، فهمّت بالقيام كأنها تريد أن تلقي عليّ مفاجأة قائلة: لم أرى الثقافة غيّرت فيك شيئاً؟! فخجلت وتصبّب العرق مني فلم أجد ما أجيبها فيه وأردفت قائلة بعدما اعتدلت قائمة، هل تقرئين شيئاً من القرآن في وقت الفراغ؟
سؤال مباغت ولم أحسب حسابه مزّق أوراقي، إلا أن صوت الجرس أنقذني من الإجابة.
فحملت حقيبتي الغالية الثمن وانطلقت مسرعة: وصدى صوتها وسؤالها يتردد في أذني هل تقرئين شيئاً من القرآن؟!
فعدت إلى وعيي فأغمضت عيني بعدما انسابت منها دمعة وإذا بيدها الدافئة على كتفي وهي تقول لي أنت فلانة؟ فترددت في الإجابة: وقلت بيني وبين نفسي لله درك من طموحة وصابرة ولم ينفعني أنا كل ما كنت أملك.
صوت آذان الظهر يخترق السكون فهربت منها وأنا أخفي خجلي وأسأل نفسي هل الطموح ملك لأحد؟ هل يباع الطموح ويشترى؟.. أخيراً ويبقى السؤال مطروحاً والحوار مفتوحاً هل للطموح هوية.. فمن يجيب؟.
ـــــــــــــــــــ(68/353)
التنبيهات للأخوات المصليات
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 4774
(2542 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد جمعت هذه التوجيهات للأخوات المسلمات المصليات في بيوت الله عز وجل؛ بياناً للأخطاء التي تقع منهن وتذكيراً لهن عما يغفلن عنه من الأمور، رزقنا الله وإياهن حسن العمل وقبوله.
1 - حجاب المرأة المسلمة:
المرأة كلها عورة خارج الصلاة فلا يحل لها أن تبدي شيئاً من جسمها لغير محارمها، فيجب عليها أن تستر وجهها ويديها وقدميها وجميع أجزاء بدنها وهذا هو الحجاب الذي أمرت به، قال تعالى: يَأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لأَزوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلا يُؤذَينَ [الأحزاب:59] وهو كرامة المرأة وحصنها من كل شيطان.
ويتأكد ستر المرأة إذا خرجت من المسجد، فمن النساء من تظهر يديها أو قدميها وربما وجهها أثناء ذلك وهذا فيه مخالفة لأمر الله ورسوله قالت عائشة رضي الله عنها: ( كان النساء يصلين مع رسول الله ثم ينصرفن متلفعات بمروطهن ما يُعرفن من الغلس ) [متفق عليه].
2 - عورة المرأة داخل الصلاة:
( كل المرأة عورة إلا وجهها في الصلاة ) وفي كفيها وقدميها خلاف، وذلك كله حيث يراها رجل غير محرم لها فإن كان يراها رجل غير محرم لها وجب عليها سترها كما يجب عليها سترها خارج الصلاة.
قال رسول الله : { لا يقبل الله صلاة حائض - أي من بلغت المحيض - إلا بخمار } [رواه الخمسة].
وقد سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين عن حكم ظهور القدمين والكفين للمرأة في الصلاة مع العلم أنها ليست أمام الرجال ولكن في البيت؟ فأجاب بقوله: ( المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله أن المرأة البالغة الحرة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها، وعلى هذا فلا يحل لها أن تكشف كفيها وقدميها، وذهب كثير من أهل العلم إلى جواز كشف المرأة كفيها وقدميها، والاحتياط أن تتحرز المرأة من ذلك لكن لو فرض أن امرأة فعلت ثم جاءت تستفتي فإن الإنسان لا يجرؤ أن يأمرها بالإعادة ).
3 - تحريم استعمال الطيب للمرأة المصلية في المسجد:
يجب على المرأة أن تجتنب الطيب إذا خرجت إلى المسجد لقوله : { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات } [رواه أحمد وأبو داود]. ومعنى { تفلات } أي غير متطيبات.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة } [رواه مسلم وأبو داود والنسائي]، وروى مسلم من حديث زينب امرأة ابن مسعود: { إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً }.
قال الإمام الشوكاني: ( فيه دليل على أن خروج النساء إلى المساجد إنما يجوز إذا لم يصحب ذلك ما فيه فتنة وما هو في تحريك الفتنة نحو البخور )، وقال: ( قد حصل من الأحاديث أن الإذن للنساء من الرجال إلى المساجد إذا لم يكن في خروجهن ما يدعو إلى الفتنة من طيب أو حلي أو زينة ).
وقال الشيخ صالح الفوزان وفقه الله: ( وبهذه المناسبة أود أن أنبه لأمر يتعلق ببعض النساء اللاتي يحضرن إلى المساجد خلال شهر رمضان حيث يحضرن معهن مبخرة وعوداً ويتبخرن بها وهن في المسجد فتعلق الرائحة بهن فإذا خرجن للسوق وجد بهن أثر الطيب وهذا خلاف المشروع في حقهن ).
واقرئي أختي المسلمة هذا الحديث من عبدالرحمن بن الحارث بن أبي عبيد عن جده قال: ( خرجت مع أبي هريرة من المسجد ضحى فلقيتنا امرأة بها من العطر شيء لم أجد بأنفي مثله قط )، فقال لها أبو هريرة: ( عليك السلام )، فقالت: ( وعليك )، قال: ( فأين تريدين؟ ) قالت: ( المسجد )، قال: ( ولأي شيء تطيبت بهذا الطيب؟ ) قالت: ( للمسجد )، قال: ( آلله؟ ) قالت: ( آلله )، قال: ( آلله؟ ) قالت: ( آلله )، قال: ( فإن حبي أبا القاسم أخبرني أنه لا تقبل لامرأة صلاة تطيبت بطيب لغير زوجها، حتى تغتسل غسلها من الجنابة، فاذهبي فاغتسلي منه، ثم ارجعي فصلي ) [رواه النسائي].
4 - ترك الزينة والحلي:
على المرأة ألا تخرج متزينة بالثياب والحلي. قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ( لو أن رسول الله رأى من النساء ما رأينا لمنعهن من المسجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها ) [متفق عليه].
قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار على قول عائشة: ( لو رأى ما رأينا ): يعني من حسن الملابس والطيب والزينة والتبرج. وإنما كان النساء يخرجن في المرط والأكسية والشعلات الغلاظ.
وقال الإمام الجوزي رحمه الله: ( ينبغي للمرأة أن تحذر من الخروج مهما أمكنها إن سلمت في نفسها لم يسلم الناس منها، فإذا اضطرت إلى الخروج خرجت بإذن زوجها في هيئة رثة وجعلت طريقها في المواضع الخالية دون الشوارع والأسواق، واحترزت من سماع صوتها ومشت في جانب الطريق لا في وسطه ).
5 - صفوف النساء:
إن كانت المرأة وحدها صفت وحدها خلف الرجال لحديث أنس حين صلى بهم رسول الله قال: { قمت أنا واليتيم وراءه وقامت العجوز من ورائنا } [رواه الجماعة إلا ابن ماجة]. وعنه: { صليت أنا واليتيم في بيتنا خلف النبي وأمي خلفنا - أم سليم - } [رواه البخاري].
وإن كان الحضور من النساء أكثر من واحدة فإنهن يقمن صفاً أو صفوفاً خلف الرجال لأنه كان يجعل الرجال في أول الصفوف والغلمان خلفهم والنساء خلف الغلمان [رواه أحمد].
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها } [رواه الجماعة إلا البخاري].
ففي الحديثين دليل على أن النساء يكن صفوفاً خلف الرجال ولا يصلين متفرقات إذا صلين خلف الرجال سواء كانت صلاة فريضة أو صلاة تراويح. ومما يلاحظ على الأخوات المصليات أن المرأة تصلي في صف وحدها أو معها أخرى فقط، قال الشيخ محمد الصالح العثيمين: ( مما يجب التنبيه له أن بعض النسوة إذا خرجن للصلاة في المساجد مع الجماعة فإن البعض منهن يصلين منفردات خلف الصف وهذا خلاف السنة لقوله : { خير صفوف النساء آخرها..... } فتبين بذلك أن النساء يكن صفوفاً كما قال عليه الصلاة والسلام: { لا صلاة لمنفرد خلف الصف } ).
6 - الصف الأفضل للمرأة:
قال رسول الله : { خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها } [رواه الجماعة إلا البخاري]. حمل العلماء رحمهم الله هذا الحديث على ما إذا عدم الفاصل بين الرجال والنساء، أما إذا وجد ساتر وفاصل فإن الأفضلية تكون للصف الأول في حقهن، وهو اختيار الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله.
وسئل الشيخ عبدالله بن الجبرين عن هذه المسألة فقال وفقه الله: ( يظهر أن السبب في كون خير صفوف النساء آخرها هو بعده عن الرجال فإن المرأة كلما كانت أبعد عنهم كان ذلك أصين لها وأحفظ لعرضها وأبعد لها عن الميل إلى الفاحشة، لكن إذا كان مصلى النساء بعيداً عن الرجال ومفصولاً بحاجز من جدار أو سترة منيعة وإنما يعتمدن في متابعة الإمام على المكبر فإن الراجح فضل الصف الأول لتقدمه وقربه من القبلة ).
7 - تسوية الصفوف:
بعض النساء لا تهتم بتسوية الصف فقد روى البخاري ومسلم عن أنس أن النبي قال: { سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة } فاحرصي أختي المسلمة على تسوية الصف.
8 - عدم إتمام النساء لصلاة الفرض:
بعض النساء إذا دخلت مع الإمام وقد فاتها من الصلاة ركعة أو ركعتان، فإنها تسلم مع الإمام ولا تقضي ما فاتها.
وهذا غالباً ما يكون في رمضان إذا جاءت صلاة التراويح، والصواب في ذلك أن تتم ما فاتها مع الإمام لقول النبي : { وما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا } وفي رواية { فاقضوا }. وهذا عام في الرجال والنساء.
فعلى المرأة إذا دخلت وقد فاتتها ركعة من الصلاة أو أكثر، أن تنتظر حتى يتم الإمام سلامه ثم تقوم فتقضي ما فاتها وبهذا تتم لها صلاتها.
وهذا ناتج عن الجهل بالأحكام الشرعية أو الجهل كذلك بكيفية القضاء.
9 - كيف تقضي المرأة الصلاة الفائنة؟:
إذا أدركت المرأة مع الإمام ثلاث ركعات فإنها تقوم وتأتي برابعة ثم تسلم، وإذا أدركت مع الإمام ركعتين فإنها تقوم وتأتي بركعتين - ثالثة ورابعة - وتسلم، وإذا أدركت مع الإمام ركعة واحدة فإنها تقوم فتأتي بأخرى ثم تجلس للتشهد ثم تقوم وتأتي بركعتين ثم تجلس للتشهد وتسلم وبهذا تتم صلاتها، أما إذا لم تدرك مع الإمام ركعة فإنها تصلي بعد سلام الإمام أربع ركعات... ولتعلم الأخت المسلمة أن الركعة لا تدرك إلا بإدراك الركوع.
10 - المضايقة والزحام في الصلاة:
تضايق بعض النساء بعضاً بحجة تحقيق التراص وسد الفرج مما يضايق بعض المصليات، وقد سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله عن الأصح في تسوية الصفوف.. هل هو مساواة الأقدام برؤوس الأصابع فقط أم بمحاذاة الكعبين؟ وهل من السنة إلصاق القدم بقدم المجاور في الصف؟ فأجاب بقوله: ( الصحيح أن المعتمد في تسوية الصف محاذاة الكعبين بعضها بعضاً لا رؤوس الأصابع، وذلك لأن البدن مركب على الكعب، والأصابع تختلف الأقدام فيها، فقدم طويل وآخر صغير، فلا يمكن ضبط التساوي إلا بالكعبين، وأما إلصاق الكعبين بعضها ببعض فلا شك أنه وارد عن الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم كانوا يسوون الصفوف بإلصاق الكعبين بعضها ببعض، أي أن كل واحد يلصق كعبه بكعب صاحبه لتحقيق المساواة فقط، وليس معنى ذلك أنه يلازم هذا الإلصاق ويبقى ملاصقاً له في جميع الصلاة ).
ومن الغلو في هذه المسألة ما يفعله بعض الناس: تجده يلصق كعبه بكعب صاحبه، ويفتح قدميه فيما بينهما حتى يكون بينه وبين جاره في المناكب فرجة؛ فيخالف السنة في ذلك، والمقصود أن المناكب والأكعب تتساوى.
11 - رفع الصوت بالقراءة والتسبيح:
المشروع في حق المأموم الإسرار بالقراءة وبالتكبير والتسبيح والأدعية والأذكار، ومما يلاحظ على بعض الأخوات رفع أصواتهن بقراءة الفاتحة وبالتسبيح وهذا خلاف المشروع.
12 - أحاديث النساء في المسجد:
بعض الأخوات لا يطيب لهن التحدث إلا داخل المسجد وخاصة بين ركعات التراويح، فيتحدثن عن أنواع الطبخات، وعددها، وعن الألبسة التي اشترينها، وعن أولادهن، وغير ذلك، فيحدثن تشويشاً على المصلين والمصليات، وهذا يتنافى مع الواجب الذي يمليه عليهن رمضان.
هل جئن لصلاة التراويح، ولإراحة النفس من هموم اليوم ومشكلات البيت، أم حضرن للتحدث في أحوالهن؟!
احذرن أخواتي الفاضلات من هذا العمل لأنه يتنافى مع آداب المسجد، وآداب شهر رمضان، ومع روح العبادة. علماً بأن إيذاء المصلي والتشويش عليه بقراءة القرآن منهي عنه فكيف بالكلام الذي لا فائدة منه؟ بل إن بعض أهل العلم كره الكلام المباح في المسجد. فلتكوني أختي المسلمة على علم بهذا الأمر.
13 - إحضار الأطفال إلى المسجد:
تأتي بعض الأخوات بأطفالهن إلى المسجد فيكونون مصدر إزعاج للمصلين والمصليات أو مصدر إيذاء وتلويث للمسجد، فعدم الإتيان بهم أولى وأسلم. وأما ما يُشعر من الأحاديث على أنه في زمن رسول الله كانت النساء تأتي بأطفالهن، فلا يصح الاستدلال به على دخول الأطفال المسجد كما صرح ابن حجر وغيره من أهل العلم رحمهم الله، لكن إن أمن إزعاج الطفل وإيذاؤه وكان لابد من إحضاره فلا بأس في حضوره مع شدة ملاحظته وتعويده، على شعائر الإسلام.
أما إذا اضطرت المرأة إلى إحضار طفلها ولم تأمن إزعاجه وإيذاءه، للمُصلين فلا يجوز لها الحضور لأنها بذلك تكسب الإثم والوزر لا كما جاءت طلباً للمغفرة والأجر، بل الأفضل لها في جميع الأحوال - ولا سيما في هذه الحال - البقاء في البيت، روى الإمام أحمد في المسند قوله : { خير مساجد النساء قعر بيوتهن } وأجمع الناس على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد.
14 - نظافة المسجد:
بعض الأخوات المسلمات المصليات لا يعتنين بنظافة المسجد، فيا أختي المسلمة حافظي على نظافة المسجد وكوني ممن ينظف المسجد فقد ثبت في ذلك الأجر العظيم. عن أنس قال: قال رسول الله : { عُرضت عليّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد } [رواه أبو داود والترمذي]، قال ابن سلامة: ( في الحديث ترغيب في تنظيف المساجد مما يحصل فيها من القمامات القليلة ).
15 - صلاة الجنازة بالنسبة للمرأة:
بعض النساء إذا صُلي على جنازة بالمسجد لا تصلي عليها ظناً منها أن الصلاة محرمة مثل الزيارة للقبور، وهذا ليس صحيح، فإذا صُلي على جنازة فبادري بالصلاة عليها ولا يفوتك الأجر وهو القيراط - مثل جبل أحد من الأجر - كما ورد بذلك الحديث عن رسول الله أنه قال: { من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان }، قيل: وما القيراطان؟ قال: { مثل الجبلين العظيمين } [متفق عليه من حديث أبي هريرة].
16 - ماذا تفعل المرأة إذا سها الإمام؟:
المشروع للمرأة في هذه الحالة هو التصفيق ببطن كفها على الأخرى لقوله : { إذا نابكم في صلاتكم شيء فليسبح الرجال وليصفق النساء } [متفق عليه من حديث سهل بن سعد].
17 - خروج النساء بعد صلاة التراويح:
بعض الأخوات اللاتي يحضرن إلى صلاة التراويح، لا ينتظرن حتى يخرج الرجال من المسجد، فتراهن يسرعن بالخروج مع الرجال، مما يؤدي إلى الاختلاط والزحام عند أبواب المسجد، فترى المرأة تتقدم بين الرجال لتبحث عن محرمها، أو عن سائقها الذي جاء بها. فينبغي للنساء أن يكن بعيدات عن الرجال، حتى لا يعرضن أنفسهن للفتنة، وأن تتأخر المرأة داخل المسجد حتى يخرج الرجال أو على العكس فتخرج المرأة قبل الرجال لما روت أم سلمة قالت: ( إن النساء كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله قام الرجال ) [رواه البخاري] قال الزهري: ( فنرى ذلك والله أعلم لكي ينفذ من ينصرف من النساء ).
فينبغي على الإمام أن يأخذ بأحد هذين الأمرين وينبه المصلين والمصليات حتى يكون أبعد عن اختلاط النساء بالرجال.
18 - الخلوة مع السائق:
إن من الظواهر الخطيرة، والفتن العظيمة، التي ظهر خطرها وعظم ضررها، ما ابتُلي به بعض الناس في هذا الزمن من استقدام السائقين الأجانب لهذه البلاد، لغرض الخدمة في البيوت وقيادة السيارات وغيرها مما أدى إلى خلوة المرأة مع السائق، وهذا العمل محرم لما ورد عن ابن عباس قال: سمعت النبي يخطب يقول: { لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم } فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجَّة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: { انطلق فحج مع امرأتك }.
ومما يلاحظ في رمضان أن بعض النساء - هداهن الله - يحضرن إلى المسجد مع السائق لأداء صلاة التراويح مع الجماعة، ابتغاء الأجر من الله تعالى، وربما ركبت إحداهن في مقدمة السيارة مع السائق، وهذا له مخاطره العظمى.
فعلى المرأة أن تصلي في بيتها إذا لم يكن لديها محرم يأتي بها إلى المسجد، حيث إن صلاة المرأة في بيتها خير لها من أن تخرج مع السائق لأداء الصلاة في المسجد.
19 - ماذا لو حرمت عليك الصلاة وحرم عليك الصيام؟:
بعض النساء يكن على حالة حسنة في رمضان من الاجتهاد في الطاعة فإذا ما أتتها عادتها فترت وكسلت وتركت ما كانت عليه من نشاط، وهذا خطأ واضح؛ فطرق الخير كثيرة ولله الحمد: فالدعاء عبادة، والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والصلاة على النبي والاستغفار والصدقة وخدمة الصائمين وقراءة القرآن عن ظهر قلب - على الصحيح من أقوال أهل العلم - كل هذا من أنواع العبادة.
قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: ( يجوز للحائض والنفساء قراءة القرآن في أصح قولي العلماء لعدم ثبوت ما يدل على النهي عن ذلك، لكن بدون مس المصحف، ولهما أن يمسكاه بحائل كثوب طاهر وشبهه، وهكذا الورقة التي كتب فيها القرآن عند الحاجة لذلك ).
20 - خروج النساء إلى الأسواق:
في العشر الأواخر من رمضان - خاصة - تمتلىء الأسواق بأفواج النساء وتكتظ الساحات العامة في الأسواق الرئيسة وسط زحام شديد.
تخرج النساء وقد انخدعن بالموضات والموديلات، فتخشى المرأة أن يخرج نوع من القماش في شهر رمضان، ولا تستطيع شراءه، أو يخرج موديل أو موضة معينة، ولم تأخذ بها. وهذا إسراف لا مبرر له وتبذير بلا تعقل وبلا تفكر، بالإضافة إلى ما يحدث من اختلاط لا مبرر له في الأسواق، ومحلات الاستهلاك، وسط أضواء الفتنة حيث السفور والاحتكاك المباشر بين الجنسين.
فآخر الشهر هو لشد المئزر لطاعة الله تعالى، لأن الأجر إنما يأخذه صاحبه عند نهاية عمله. فينبغي للأخت المسلمة أن تحرص في آخر الشهر على طاعة الله وقراءة القرآن، لا على الأسواق.
نسأل الله لنا ولهن التوفيق والسداد في دين الله، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ(68/354)
لا تحزني
دار ابن خزيمة ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 5599
(1431 كلمة)
صورة المطوية
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله... أما بعد:
أختاه.. يا من تملّك الحزن قلبها.. وكتم الهمّ نفسها.. وضيّق صدرها.. فتكدرت بها الأحوال.. وأظلمت أمامها الآمال.. فضاقت عليها الحياة على سعتها.. وضاقت بها نفسها وأيامها.. وساعتها وأنفاسها !
لا تحزني.. فما الحزن للأكدار علاج.. لا تيأسي فاليأس يعكر المزاج.. والأمل قد لاح من كل فج بل فجاج !
لا تحزني.. فالبلوى تمحيص.. والمصيبة بإذن الله اختبار.. والنازلة امتحان.. وعند الامتحان يعز المرء أو يهان !
فالله ينعم بالبلوى يمحصنا *** من منا يرضى أو يضطربُ
ماذا عساه أن يكون سبب حزنك؟ ! إن يكن سببه مرض.. فهو لك خير.. وعاقبته الشفاء.. قال : { من يرد الله به خيراً يصب منه }، وقال الله جل وعلا: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:80].
وإن يكن سبب حزنك ذنب اقترفته أو خطيئة فتأملي خطاب مولاك الذي هو أرحم بك من نفسك: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53].
وإن يكن سبب حزنك ظلم حلّ بك من زوج أو قريب أو بعيد، فقد وعدك الله بالنصر ووعد ظالمك بالخذلان والذل. فقال تعالى: وَاللّهُ لاً يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [آل عمران:140]، وقال تعالى في الحديث القدسي للمظلوم: { وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين }.
وقال سبحانه: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة:1].
وإن يكن سبب حزنك الفقر والحاجة، فاصبري وأبشري.. قال الله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155].
وإن يكن سبب حزنك انعدام أو قلة الولد، فلست أول من يعدم الولد، ولست مسؤولة عن خلقه.
قال تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً [الشورى:50،49].
فهل أنت من شاء العقم؟ أم الله الذي جعلك بمشيئته كذلك ! وهل لك لأن تعترضي على حكم الله ومشيئته ! أو هل لزوجك أو سواه أن يلومك على ذلك.. إنه إن فعل كان معترضاً على الله لا عليك ومغالباً لحكم الله ومعقباً عليه..
فعلام الحزن إذن والأمر كله لله !
لا تحزني.. مهما بلغ بك البلاء ! وتذكري أن ما يجري لك أقدار وقضاء يسري.. وأن الليل وإن طال فلا بد من الفجر !
وإليك أختي المسلمة.. كلمات نيرة تدفعين بها الهموم.. انتقيتها لك من مشكاة النبوة لننير لك الطريق.. وتكشف عنك بإذن الله الأحزان.
أولاً: كوني إبنة يومك
اجعلي شعارك في الحياة:
ما مضى فات والمؤمل غيبُ *** ولك الساعة التي أنت فيها
وأحسن منه وأجمل قول ابن عمر رضي الله عنه: ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك ) [رواه البخاري].
إنسي الماضي مهما كان أمره، انسيه بأحزانه وأتراحه، فتذكره لا يفيد في علاج الأوجاع شيئاً وإنما ينكد على يومك، ويزيدك هموماً على همومك. تصوري دائمك أنك وسط بين زمنين:
الأول: ماض وهو وقت فات بكل مفرداته وحلوه ومره، وفواته يعني بالتحديد عدمه فلم يعد له وجود في الواقع وإنما وجوده منحصر في ذهنك.. ذهنك فقط ! وما دام ليس له وجود.. فهو لا يستحق أن يكون في قاموس الهموم.. لأنه انتهى وانقضى.. وتولى ومضى !
والثاني: مستقبل وهو غيب مجهول لا تحكمه قوانين الفكر ولا تخمينات العقل.. وإنما هو غيب موغل في الغموض والسرية بحيث لا يدرك كنهه أحد.. قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34].
إذاً فالماضي عدم.. والمستقبل غيب !
فلا تحطمي فؤادك بأحزان ولّت.. ولا تتشاءمي بأفكار ما أحلت ! وعيشي حياتك لحظة.. لحظة.. وساعة ساعة.. ويوماً بيوم !
تجاهلي الماضي.. وارمِ ما وقع فيه في سراب النسيان.. وامسحي من صفات ذكرياتك الهموم والأحزان.. ثم تجاهلي ما يخبئه الغد.. وتفائلي فيه بالأفراح.. ولا تعبري جسراً حتى تقفي عليه.
تأملي كيف استعاذ النبي من الهم والحزن إذ قال: { اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وقهر الدين وغلبة الرجال } [رواه البخاري ومسلم].
فالحزن يكون على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها.. والهم يكون بسبب الخوف من المستقبل والتشاؤم فيه.
أختي المسلمة.. يومك يومك تسعدي.. أشغلي فيه نفسك بالأعمال النافعة.. واجتهدي في لحظاته بالصلاح والإصلاح.. استثمري فيه لحظاتك في الصلاة.. في ذكر الله.. في قراءة القرآن.. في طلب العلم.. في التشاغل بالخير.. في معروف تجدينه يوم العرض على الله.. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً [آل عمران:30].
ثانياً: تعبدي الله بالرضى
لا تحزني.. اجعلي شعارك عند وقوع البلاء: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها.. اهتفي بهذه الكلمات عند أول صدمة.. تنقلب في حقك البلية.. مزية.. والمحنة منحة.. والهلكة عطاء وبركة !
تأملي في أدب البلاء في هذه الآية: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157].
استرجعي عند الجوع والفقر.. وعند الحاجة والفاقة.. وعند المرض والمصيبة.. وأبشري بالرحمة من الله وحده !
ثالثاً: افقهي سر البلاء
لا تحزني.. فالبلاء جزء لا يتجزء من الحياة.. لا يخلو منه.. غني ولا فقير.. ولا ملك ولا مملوك.. ولا نبي مرسل.. ولا عظيم مبجل.. فالناس مشتركون في وقوعه.. ومختلفون في كيفياته ودرجاته.. لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد:4].
طبعت على كدر وأنت تريدها *** خالية من الأنكاد والأكدار
هكذا الحياة خلقت مجالاً للبلاء.. الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2].. وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ [محمد:31].. إذن فسر البلاء هو التمحيص ليعلم المجاهد فيأجر.. والصابر فيثاب !
لا تحزني.. واستشعري في كل بلاء أنك رشحت لامتحان من الله !.. تثبتي وتأملي وتمالكي وهدئي الأعصاب.. وكأن منادياً يقول لك في خفاء هامساً ومذكراً: أنت الآن في إمتحان جديد.. فاحذري الفشل.
تأملي قوله : { من يرد الله به خيراً يفقه في الدين } [رواه البخاري]، ثم قوله : { من يرد الله به خيراً يصب منه } [رواه البخاري].
فطالب العلم.. والمبتلي بالمصائب يشتركان في خير أراده الله لهما.. وهذا أمر في غاية الأهمية فقهه !
فكما أن العلم شرف.. يريده الله لمن يحب من عباده ! فكذلك البلاء شرف يريده الله لمن يحب من عباده ! يغفر به ذنباً.. ويفرج به كرباً.. ويمحي به عيباً.. ويحدث بعده أمراً لم يكن في الحسبان.
لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً [الطلاق:1]، وفي الحديث: { إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط } [رواه البخاري].
رابعاً: لا تقلقي
المريض سيشفى.. والغائب سيعود.. والمحزون سيفرح.. والكرب سيرفع.. والضائقة ستزول.. وهذا وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد.. فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:6،5].
لا تحزني.. فإنما كرر الله اليُسْر في الآية.. ليطمئن قلبك.. وينشرح صدرك.. وقال : { لن يغلب عُسر يُسرين }.. العسِير يعقبة اليُسر.. كما الليل يعقبة الفجر..
ولرب ضائقة يضيق بها الفتى *** وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فُرجت وكنت أظنها لا تُفرج
خامساً: اجعلي همك في الله
أُخية.. إذا اشتدت عليك هموم الأرض.. فاجعلي همك في السماء.. ففي الحديث: { من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد، كفاه الله سائر همومه، ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك } [صحيح الجامع: 6189].
لا تحزني.. فرزقك مقسوم.. وقدرك محسوم.. وأحوال الدنيا لا تستحق الهموم.. لأنها كلها إلى زوال.. وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد20].
إذا آوى إليك الهم.. فأوي به إلى الله.. والهجي بذكره: ( الله الله ربي لا أشرك به أحداً )، ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث )، ( رب إني مغلوب فانتصر )، فكلها أورد شرعية يُغفر بها الذنب ويَنفرج بها الكرب.
اطلبي السكينة في كثرة الإستغفار.. استغفري بصدق مرة ومرتين ومائة ومائتين وألف.. دون تحديد متلذذة بحلاوة الاستغفار.. ونشوة التوبة والإنابة.. إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222].
اطلبي الطمأنينة في الأذكار بالتسبيح، والتهليل، والصلاة على النبي الأمين ، وتلاوة القرآن، أَلاً بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].. وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82]..
لا تحزني.. وافزعي إلى الله بالدعاء.. لا تعجزي ففي الحديث { أعجز الناس من عجز عن الدعاء } تضرعي إلى الله في ظلم الليالي.. وأدبار الصلوات.. اختلي بنفسك في قعر بيتك شاكيةً إليه.. باكيةً لديه.. سائلةً فَرَجُه ونَصره وفتحه.. وألحِّي عليه.. مرة واثنتين وعشراً فهو يحب المُلحين في الدعاء.. وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186].
لا تحزني ولا تيأسي.. إِنَّهُ لاً يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87].
ستنجلي الظلمة.. وتولِّ الغمة.. وتعود البسمة.. فافرشي لها فراش الصبر.. وهاتفيها بالدعاء والذكر.. وظني بالله خيراً.. يكن عند حسن ظنك..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ(68/355)
25 فتوى للنساء في رمضان
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 4329
(1949 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين... أما بعد:
فبين يديك أختي المسلمة مجموعة من الفتاوى الشرعية تتعلق بالصيام، نهديها إليك بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك، نسأل الله أن ينفع بها كل من قرأتها من أخواتنا المؤمنات، وأن تكون عوناً لهن على طاعة الله تعالى والفوز برضوانه ومغفرته في هذا الشهر العظيم.
وجوب الصيام
سؤال: متى يجب الصيام على الفتاة؟
الجواب: يجب الصيام على الفتاة متى بلغت سن التكليف، ويحصل البلوغ بتمام خمس عشرة سنة، أو بإنبات الشعر الخشن حول الفرج، أو بإنزال المني المعروف، أو بالحيض، أو بالحمل. فمتى حصل بعض هذه الأشياء لزمها الصيام ولو كانت بنت عشر سنين. فإن الكثير من الإناث قد تحيض في العاشرة أو الحادية عشرة من عمرها؛ فيتساهل أهلها ويظنونها صغيرة، فلا يلزمونها بالصيام، وهذا خطأ؛ فإن الفتاة إذا حاضت فقد بلغت مبلغ النساء، وجرى عليها قلم التكليف، والله أعلم [ابن جبرين: فتاوى إسلامية].
سؤال: فتاة بلغ عمرها اثني عشر أو ثلاثة عشر عاماً، ومر عليها شهر رمضان المبارك ولم تصمه، فهل عليها شيء أو على أهلها؟ وهل تصوم؟ وإذا ما صامت فهل عليها شيء؟
الجواب: المرأة تكون مكلفة بشروط: الإسلام والعقل والبلوغ، ويحصل البلوغ بالحيض أو الاحتلام أو نبات شعر خشن حول القبل، أو بلوغ خمسة عشر عاماً. فهذه الفتاة إذا كانت قد توافرت فيها شروط التكليف فالصيام واجب عليها، ويجب عليها قضاء ما تركته من الصيام في وقت تكليفها. وإذا اختل شرط من الشروط فليست مكلفة ولا شيء عليها [اللجنة الدائمة: فتاوى إسلامية].
سؤال: هل تأثم المرأة إذا صامت حياء من أهلها وعليها الدورة الشهرية؟
الجواب: لا شك أن فعلها خطأ، ولا يجوز الحياء في مثل هذا، والحيض أمر كتبه الله على بنات آدم، وقد منعت الحائض من الصوم والصلاة، فهذه التي صامت وهي حائض حياء من أهلها عليها قضاء تلك الأيام التي صامتها حال الحيض، ولا تعود لمثلها، والله أعلم [ابن جبرين: اللؤلؤ المكين].
سؤال: امرأة بلغت ودخل عليها رمضان ولم تصم خجلاً، وبعد سنة دخل عليها رمضان وهي لم تقضِ، فما الحكم؟
الجواب: يلزمها قضاء ذلك الشهر الذي أفطرته بعد بلوغها ولو متفرقاً، وعليها مع القضاء صدقة عن كل يوم مسكين، لقوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184] وذلك نحو نصف صاع عن كل يوم؛ وذلك لأن الواجب أن تصومه في وقته، حيث إن البلوغ من علاماته الحيض، فمتى حاضت الجارية وجب عليها الصيام ولو كانت صغيرة السن [ابن جبرين: اللؤلؤ المكين].
سؤال: أنا فتاة أبلغ من العمر 25 سنة، ولكن منذ صغري إلى أن بلغ عمري 21 سنة لم أصم ولم أصلِّ تكاسلاً، ووالديّ ينصحاني ولكن لم أبالي؛ فما الذي يجب أن أفعله بعد أن هداني الله؟
الجواب: التوبة تهدم ما قبلها؛ فعليك بالندم والعزم والصدق في العبادة والإكثار من النوافل، من صلاة الليل والنهار وصوم تطوع وذكر وقرآءة قرآن ودعاء، والله يقبل التوبة من عباده، ويعفو عن السيئات [ابن باز].
سؤال: تتعمد بعض النساء أخذ حبوب في رمضان لمنع الدورة الشهرية -الحيض- حتى لا تقضي فيما بعد، فهل هذا جائز؟ وهل في ذلك قيود حتى لا تعمل بها هؤلاء النساء؟
الجواب: الذي أراه في هذه المسألة ألا تفعله المرأة، وتبقى على ما قدره الله عز وجل وكتبه على بنات آدم، فإن هذه الدورة الشهرية لله تعالى حكمة في إيجادها، هذه الحكمة تناسب طبيعة المرأة، فإذا منعت هذه العادة فإنه لا شك يحدث منها رد فعل ضار على جسم المرأة، وقد قال النبي : { لا ضرر ولا ضرار } هذا بقطع النظر عما تسببه هذه الحبوب من أضرار على الرحم كما ذكر ذلك الأطباء.
فالذي أرى في هذه المسألة أن النساء لا يستعملن هذه الحبوب، والحمد لله على قدرته وعلى حكمته. وإذا أتاها الحيض تمسك عن الصوم والصلاة، وإذا طهرت تستأنف الصيام والصلاة، وإذا انتهى رمضان تقضي ما فاتها من الصوم [ابن عثيمين: فتاوى إسلامية].
سؤال: هل يجوز لي أن آخذ حبوب منع العادة الشهرية في أواخر شهر رمضان المبارك لكي أكمل بقية الصيام؟
الجواب: يجوز أخذ دواء لمنع الحيض إذا كان القصد هو العمل الصالح، فإذا قصدت فعل الصيام في زمنه، والصلاة مع الجماعة كقيام رمضان، والاستكثار من قرآءة القرآن وقت الفضيلة، فلا بأس بأخذ الحبوب لهذا القصد، وإن كان القصد مجرد الصيام حتى لا يبقى ديناً فلا أراه حسناً، وإن كان مجزئاً للصوم بكل حال.[ابن جبرين: فتاوى الصيام].
صيام الحائض والنفساء
سؤال: هل للمرأة إذا حاضت أن تفطر في رمضان، وتصوم أياماً مكان الأيام التي أفطرتها؟
الجواب: لا يصح صوم الحائض، ولا يجوز لها فعله، فإذا حاضت أفطرت وصامت أياماً مكان الأيام التى أفطرتها بعد طهرها [اللجنة الدائمة: فتاوى إسلامية].
سؤال: إذا طهرت المرأة في رمضان قبل أذان الفجر فهل يجب عليها الصوم؟
الجواب: إذا انقطع الدم عن المرأة في آخر الليل من رمضان يصح لها أن تتسحر وتنوي الصيام، وذلك لأنها في هذه الحال طاهرة ينعقد صومها، ولا تصح الصلاة حتى تغتسل، ولا يصح أيضاً وطؤها حتى تغتسل؛ لقوله تعالى: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ [البقرة:222] [ابن جبرين: فتاوى الصيام].
سؤال: إذا طهرت المرأة بعد الفجر مباشرة هل تمسك وتصوم هذا اليوم، ويعتبر يوماً لها أم يجب عليها قضاء ذلك اليوم؟
الجواب: إذا انقطع الدم منها وقت طلوع الفجر أو قبله بقليل صح صومها، وأجزأ عن الفرض ولو لم تغتسل إلا بعد أن أصبح الصبح. أما إذا لم ينقطع إلا بعد أن تبين الصبح فإنها تمسك ذلك اليوم، ولا يجزئها، بل تقضيه بعد رمضان، والله أعلم [ابن جبرين: فتاوى الصيام].
سؤال: إذا طهرت الحائض في أثناء النهار من الحيض فهل تمسك بقية اليوم؟
الجواب: إذا طهرت المرأة في أثناء النهار من الحيض أو من النفاس تمسك بقية ذلك اليوم وتقضيه، فإمساكها لحرمة الزمان، وقضاؤها لأنها لم تكمل الصيام، وفرضها صيام الشهر كله؛ وأن الذي يصوم نصف النهار لا يعد صائماً [ابن جبرين: فتاوى الصيام].
سؤال: عادتي الشهرية تتراوح ما بين سبعة إلى ثمانية أيام؛ وفي بعض الأحيان في اليوم السابع لا أرى دماً ولا أرى الطهر، فما الحكم من حيث الصلاة والصيام والجماع؟
الجواب: لا تعجلي حتى تري القصة البيضاء التى يعرفها النساء، وهي علامة الطهر، فتوقف الدم ليس هو الطهر، وإنما ذلك برؤية علامة الطهر وانقضاء المدة المعتادة [ابن باز].
سؤال: ما حكم الدم الذي يخرج في غير أيام الدورة الشهرية؟ فأنا عادتي في كل شهر من الدورة هي سبعة أيام، ولكن في بعض الأشهر يأتي دم خارج أيام الدورة، وتستمر معي هذه الحالة لمدة يوم أو يومين، فهل تجب علىّ الصلاة والصيام أثناء ذلك أم القضاء؟
الجواب: هذا الدم الزائد عن العادة هو دم عرق لا يحسب من العادة، فالمرأة التي تعرف عادتها تبقى زمن العادة لا تصلى، ولا تصوم، ولا تمس المصحف، ولا يأتيها زوجها في الفرج. فإذا طهرت وانقطعت أيام عادتها واغتسلت في حكم الطاهرات، ولو رأت شيئاً من دم أو صفرة أو كدرة فذلك استحاضة لا تردها عن الصلاة ونحوها [ابن باز].
سؤال: إذا وضعت قبل رمضان بأسبوع مثلاً، وطهرت قبل أن أكمل الأربعين، فهل يجب عليّ الصيام؟
الجواب: نعم، متى طهرت النفساء وظهر منها ما تعرفه علامة على الطهر وهي القصة البيضاء أو النقاء الكامل، فإنها تصوم وتصلي ولو بعد الولادة بيوم أو أسبوع، فإنه لا حدّ لأقل النفاس، فمن النساء من لا ترى الدم بعد الولادة أصلاً، وليس بلوغ الأربعين شرطاً، وإذا زاد الدم على الأربعين ولم يتغير فإنه يعتبر دم نفاس، تترك لأجله الصوم والصلاة، والله أعلم [ابن جبرين: فتاوى الصيام].
سؤال: إذا طهرت النفساء قبل الأربعين هل تصوم وتصلي أم لا؟ وإذا جاءها الحيض بعد ذلك هل تفطر؟ وإذا طهرت مرة ثانية هل تصوم وتصلي أم لا؟
الجواب: إذا طهرت النفساء قبل تمام الأربعين وجب عليها الغسل والصلاة وصوم رمضان وحلت لزوجها، فإن عاد إليها الدم في الأربعين وجب عليها ترك الصلاة والصوم، وحرمت على زوجها في أصح قولي العلماء، وصارت في حكم النفساء حتى تطهر أو تكمل الأربعين، فإذا طهرت قبل الأربعين أو على رأس الأربعين اغتسلت وصلت وصامت وحلت لزوجها، وإن استمر معها الدم بعد الأربعين فهو دم فاسد لا تدع من أجله الصلاة ولا الصوم، بل تصلي وتصوم في رمضان وتحل لزوجها كالمستحاضة، وعليها أن تستنجي وتتحفظ بما يخفف عنها الدم من القطن أو نحوه، وتتوضأ لوقت كل صلاة؛ لأن النبي أمر المستحاضة بذلك إلا إذا جاءتها الدورة الشهرية - أعني الحيض - فإنها تترك الصلاة [ابن باز].
سؤال: امرأة جاءها دم أثناء الحمل قبل نفاسها بخمسة أيام في شهر رمضان، هل يكون دم حيض أو نفاس، وماذا يجب عليها؟
الجواب: إذا كان الأمر كما ذكر من رؤيتها الدم وهي حامل قبل الولادة بخمسة أيام، فإن لم تر علامة على قرب الوضع كالمخاض وهو الطلق فليس بدم حيض ولا نفاس، بل دم فساد على الصحيح، وعلى ذلك لا تترك العبادات بل تصوم وتصلى. وإن كان مع هذا الدم أمارة من أمارات قرب وضع الحمل من الطلق ونحوه فهو دم نفاس، تدع من أجله الصلاة والصوم، ثم إذا طهرت منه بعد الولادة قضت الصوم دون الصلاة [اللجنة الدائمة].
سؤال: ما حكم خروج الصفار أثناء النفاس وطوال الأربعين يوماً، هل أصلى وأصوم؟
الجواب: ما يخرج من المرأة بعد الولادة حكمه كدم النفاس سواء كان دماً عادياً أو صفرة أو كدرة؛ لأنه في وقت العادة حتى تتم الأربعين. فما بعدها إن كان دماً عادياً ولم يتخلله انقطاع فهو دم نفاس، وإلا فهو دم استحاضة أو نحوه [ابن باز].
صيام الحامل والمرضع
سؤال: ماذا عن الحامل أو المرضع إذا أفطرتا في رمضان؟
الجواب: لا يحل للحامل أو المرضع أن تفطر في نهار رمضان إلا للعذر، فإن أفطرتا للعذر وجب عليهما قضاء الصوم؛ لقوله تعالى في المريض: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] وهما بمعنى المريض.
وإن كان عذرهما الخوف على المولود فعليهما مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم، من البر أو الرز أو التمر أو غيرهما من قوت الآدميين. وقال بعض العلماء: ليس عليهما سوى القضاء على كل حال؛ لأنه ليس في إيجاب الإطعام دليل من الكتاب والسنة. والأصل براءة الذمة حتى يقوم الدليل على شغلها، وهذا مذهب أبي حنيفة، وهو قوي [ابن عثيمين: فتاوى إسلامية].
سؤال: الحامل أو المرضع إذا خافت على نفسها أو على الولد في شهر رمضان وأفطرت، فما عليها؟ هل تفطر وتطعم وتقضي، أو تفطر وتقضي ولا تطعم، أو تفطر وتطعم ولا تقضي، ما الصواب من هذه الثلاثة؟
الجواب: إن خافت الحامل على نفسها أو جنينها من صوم رمضان أفطرت، وعليها القضاء فقط، شأنها في ذلك شأن الذي لا يقوى على الصوم أو يخشى منه على نفسه مضرة، قال الله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184].
وكذا المرضع إذا خافت على نفسها إن أرضعت ولدها في رمضان، أو خافت على ولدها إن صامت ولم ترضعه، أفطرت وعليها القضاء فقط، وبالله التوفيق [اللجنة الدائمة: فتاوى إسلامية].
سؤال: امرأة وضعت في رمضان ولم تقض بعد رمضان لخوفها على رضيعها، ثم حملت وأنجبت في رمضان القادم، هل يجوز لها أن توزع نقوداً بدل الصوم؟
الجواب: الواجب على هذه المرأة أن تصوم بدل الأيام التي أفطرتها ولو بعد رمضان الثاني؛ لأنها إنما تركت القضاء بين الأول والثاني للعذر، ولا أدري هل يشق عليها أن تقضي في زمن الشتاء يوماً بعد يوم وإن كانت ترضع، فإن الله يقويها ولا يؤثر ذلك عليها ولا على لبنها، فلتحرص ما استطاعت على أن تقضي رمضان الذي مضى قبل أن يأتي رمضان الثاني، فإن لم يحصل لها فلا حرج عليها أن تؤخره إلى رمضان الثاني [ابن عثيمين: فتاوى إسلامية].
قضاء رمضان
سؤال: ما حكم تأخير قضاء الصوم إلى ما بعد رمضان القادم؟
الجواب: من أفطر في رمضان لسفر أو مرض أو نحو ذلك فعليه أن يقضي قبل رمضان القادم، ما بين الرمضانين محل سعة من ربنا عز وجل، فإن أخره إلى ما بد رمضان القادم فإنه يجب عليه القضاء، ويلزمه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم، حيث أفتى به جماعة من أصحاب النبي . والإطعام نصف صاع من قوت البلد، وهو كيلو ونصف الكيلو تقريباً من تمر أو أرز أو غير ذلك. أما إن قضى قبل رمضان القادم فلا إطعام عليه [ابن باز].
سؤال: أنا فتاة أجبرتني الظروف على إفطار ستة أيام من شهر رمضان عمداً، والسبب ظروف الامتحانات؛ لأنها بدأت في شهر رمضان.. والمواد صعبة.. ولولا إفطاري هذه الأيام لم أتمكن من دراسة المواد نظراً لصعوبتها، فارجو إفادتي ماذا أفعل كي يغفر الله لي، جزاكم الله خيراً؟
الجواب: عليك التوبة من ذلك وقضاء الأيام التي أفطرتيها، والله يتوب على من تاب، وحقيقة التوبة التى يمحو الله بها الخطايا الإقلاع عن الذنب وتركه تعظيماً لله سبحانه، وخوفاً من عقابه، والندم على ما مضى منه، والعزم الصادق على ألا يعود إليه، وإن كانت المعصية ظلماً للعباد فتمام التوبة تحللهم من حقوقهم، قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعاً أَيُّها المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ [النور: 31].
ـــــــــــــــــــ(68/356)
أسئلة مهمة تخص نساء الأمة
محمد بن صالح العثيمين
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 4967
(1617 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في حكمه، ولا أفعاله، شرع للناس دين الحق، وهداهم إليه، ويسر لهم تشريعاته، ولم يكلفهم بما لا طاقة لهم به: لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفساً إِلا وُسعَهَا [البقرة:286]. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه، أرسله الله للناس كافة، فهدى به الله من الضلالة، وبصر به من العمى، ودل الأمة على كل ما فيه من خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وحذرهم من كل شر وضرر عليهم في الدنيا والآخرة، حتى ترك أمته على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين. أما بعد:
س(1): ما هو الحجاب الشرعي؟
ج (1): الحجاب الشرعي: هو حجب المرأة ما يحرم عليها إضهاره، أي سترها ما يجب عليها ستره، وأولى ذلك وأوله ستر الوجه، لأنه محل الفتنة ومحل الرغبة، فالواجب على المرأة أن تستر وجهها عن من ليسوا بمحارمها، وأما من زعم أن الحجاب الشرعي هو ستر الرأس والعنق والنحر والقدم والساق والذراع، وأباح للمرأة أن تخرج وجهها وكفيها فإن هذا من أعجب ما يكون من الأقوال؛ لأنه من المعلوم أن الرغبة ومحل الفتنة هو الوجه، وكيف يمكن أن يقال: إن الشريعة تمنع كشف القدم من المرأة وتبيح لها أن تخرج الوجه، هذا لا يمكن أن يكون واقعاً في الشريعة العظيمة الحكيمة المطهرة من التناقض، وكل إنسان يعرف أن الفتنة في كشف الوجه أعظم بكثير من الفتنة بكشف القدم، وكل إنسان يعرف أن محل رغبة الرجال في النساء إنما هي الوجوه، ولهذا لو قيل للخاطب: إن مخطوبتك قبيحة الوجه ولكنها جميلة القدم، ما أقدم على خطبتها، ولو قيل له: أنها جميلة الوجه ولكن يديها أو كفيها أو في قدميها أو في ساقيها نزول عن الجمال لكان يقدم عليها، فعُلم بهذا أن الوجه أولى ما يجب حجابه، وهناك أدلة من كتاب الله وسنة نبيه وأقوال الصحابة وأقوال أئمة الإسلام وعلماء الإسلام تدل على وجوب احتجاب المرأة في جميع بدنها عمن ليسوا بمحارمها وتدل على أنه يجب على المراة أن تستر وجهها عمن ليسوا بمحارمها وليس هذا موضع ذكر ذلك، والله أعلم.
س (2): ما حكم قص شعر الفتاة إلى كتفها للتجميل سواء كانت متزوجة، أو غير متزوجة؟ وما حكم لبس النعال المرتفعة قليلاً أو كثيراً؟ وما حكم استعمال أدوات التجميل المعروفة للتجمل لزوجها؟
ج (2): قص المرأة لشعرها؛ إما أن يكون على وجه يشبه شعر الرجال فهذا محرم ومن كبائر الذنوب؛ لأن النبي لعن المتشبهات من النساء بالرجال، وإما أن يكون على وجه لا يصل به إلى التشبه بالرجال فقد اختلف أهل العلم بذلك على ثلاثة أقوال: منهم من قال: إنه جائز لا بأس به، ومنهم من قال: إنه محرم، ومنهم من قال: إنه كروه. والمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه مكروه، وفي الحقيقة أنه لا ينبغي لنا أن نتلقى كل ما ورد علينا من عادات غيرنا، فنحن قبل زمن غير بعيد نرى النساء يتباهين بكثرة شعور رؤوسهن وطول شعورهن، فما بالهن يذهبن إلى هذا العمل الذي أتانا من غير بلادنا؟ وأنا لست أنكر كل شيء جديد ولكنني أنكر كل شيء يؤدي إلى أن ينتقل المجتمع إلى عادات متلقاة من غير المسلمين.
وأما النعال المرتفعة فلا تجوز إذا خرجت عن العادة، وأدت إلى التبرج وظهور المرأة ولفت النظر إليها، لأن الله يقول: وَلا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيةِ الأُولَى [الأخزاب:33] فكل شيء يكون به تبرج المرأة وظهورها وتميزها من بين النساء على وجه فيه التجمل فإنه محرم، ولا يجوز لها.
وأما استعمال أدوات التجمل كتحمير الشفاة لا بأس به، وكذلك تحمير الخدود فلا بأس به لا سيما للمتزوجة، وأما التجميل الذي يفعله بعض النساء من النمص: وهو نتف شعر الحواجب وترقيقها فحرام؛ لأن النبي لعن النامصة والمتنمصة، وكذلك وشر المرأة أسنانها للتجمل محرم ملعون فاعله.
س(3): هناك عادة منتشرة وهي رفض الفتاة أو والدها الزواج ممن يخطبها لأجل أن تكمل تعليمها الثانوي أو الجامعي أو حتى لأجل أن تدرس لعدة سنوات فما حكم ذلك؟ وما نصيحتك لمن يفعله فربما بلغ بعض الفتيات من الثلاثين أو أكثر بدون زواج؟
ج(3): حكم ذلك أنه خلاف أمر النبي ، فإن النبي قال: { إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه } [أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن] وقال : { يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج } [رواه البخاري ومسلم]. وفي الامتناع عن الزواج تفويت لمصالح الزواج فالذي أنصح به إخواني المسلمين من أولياء النساء وأخواتي المسلمات من النساء ألا يمتنعن من الزواج من أجل تكميل الدراسة أو التدريس، وبإمكان المرأة أن تشترط على الزوج أن تبقى في الدراسة حتى تنتهي دراستها، وكذلك أن تبقى مدرسة لمدة سنة أو سنتين ما دامت غير مشغولة بأولادها، وهذا لا بأس به على أن كون المرأة تترقى في العلوم الجامعية مما ليس لنا به حاجة أمر يحتاج إلى نظر فالذي أراه أن المرأة إذا أنهت المرحلة الابتدائية وصارت تعرف القراءة والكتابة بحيث تنتفع بعلم هذا في قراءة كتاب الله وتفسيره وقراءة أحاديث النبي ، وشرحها فإن ذلك كاف اللهم إلا أن تترقى لعلوم لابد للناس كعلم الطب وما أشبه إذا لم يكن في دراسته شيء محذور من اختلاط أو غيره.
س(4): هل خروج المرأة في الأسواق من غير محرم جائز أم لا؟ ومتى يجوز؟ ومتى يحرم؟
ج(4): خروج المرأة إلى السوق في الأصل جائز لا يشترط أن يكون معها محرم إلا أن تخشى الفتنة فإنه يجب عليها ألا تخرج إلا بمحرم يحميها، ويصونها، ويحفظها، ويشترط لجواز خروجها إلى الأسواق أن تخرج غير متبرجة ولا متطيبة فإن خرجت متبرجة أو متطيبة فإنه لا يحل لها ذلك، لقول النبي : { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرج تفلات } [رواه أحمد، وأبو داود]، تفلات: غير متطيبات ولا متجملات.
ولأن في خروجهن متبرجات أو متطيبات فتنة بهن ومنهن فإذا أمنت الفتنة وخرجت المرأة على الوجه المطلوب منها غير متبرجة ولا متطيبة فإنه لا حرج عليها في الخروج.
وقد كان النساء في عهد النبي يخرجن للأسواق من غير محرم.
س(5): ما حكم استماع الموسيقى والأغاني؟ وما حكم مشاهدة المسلسلات التي يتبرج بها النساء؟
ج(5): استماع الموسيقى والأغاني حرام، ولا شك في تحريمه، وقد جاء عن السلف من الصحابة والتابعين أن الغناء ينبت النفاق في القلب، واستماع الغناء من لهو الحديث والركون إليه، وقد قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يشتَرِى لَهوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ بِغَيرِ عِلمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ مُّهِينٌ [لقمان:6].
قال ابن مسعود في تفسير الآية: ( والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء )، وتفسير الصحابي حجة وهو في المرتبة الثالثة في التفسير؛ لأن التفسير له ثلاث مراتب: تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنة، وتفسير القرآن بأقوال الصحابة، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى أن تفسير الصحابي له حكم الرفع ولكن الصحيح أنه ليس له حكم الرفع، وإنما هو أقرب الأقوال إلى الصواب.
ثم إن الاستماع إلى الأغاني والموسيقى وقوع فيما حذر منه النبي بقوله: { ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر، والحرير، والخمر والمعازف } [رواه البخاري وغيره]، يعني يستحلون الزنا والخمر والحرير - وهم رجال لا يجوز لهم لبس الحرير - والمعازف هي آلة اللهو. رواه البخاري من حديث أبي مالك الأشعري أو أبي عامر الأشعري. وعلى هذا فإنني أوجه النصيحة إلى إخواني المسلمين بالحذر من استماع الأغاني والموسيقى، وألا يغتروا بقول من قال من أهل العلم بإباحة المعازف؛ لأن الأدلة على تحريمه واضحة وصريحة.
وأما مشاهدة المسلسلات التي بها النساء فإنها حرام ما دامت تؤدي إلى الفتنة والتعلق بالمرأة، والمسلسلات كلها غالبها ضارة حتى وإن لم يشاهد فيها الرجل المرأة أو تشاهد المرأة الرجل، لأن أهدافها في الغالب ضرر على المجتمع في سلوكه وأخلاقه. أسأل الله تعالى أن يقي المسلمين شرها وأن يصلح ولاة أمور المسلمين لما فيه إصلاح المسلمين، والله أعلم.
س(6): ما حكم شراء مجلات عرض الأزياء ( البردة ) للاستفادة منها في بعض موديلات ملابس النساء الجديدة والمتنوعة؟ وما حكم اقتنائها بعد الاستفادة منها وهي مليئة بصور النساء؟
ج(6): لا شك أن شراء المجلات التي ليس بها إلا صور محرم؛ لأن اقتناء الصور حرام، لقول الرسول : { لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة } [رواه البخاري ومسلم]، ولأنه لما شاهد الصورة في النمرقة عند عائشة وقف، ولم يدخل، وعرفت الكراهية في وجهه، وهذه المجلات التي تعرض الأزياء يجب أن ينظر فيها، فما كل زي يكون حلالاً، قد يكون هذا الزي متضمناً لظهور العورة إما لضيقه أو لغير ذلك، وقد يكون هذا الزي من ملابس الكفار التي يختصون بها والتشبه بالكفار محرم لقول الرسول : { من تشبه بقوم فهو منهم } [رواه أحمد وأبو داود وإسناده حسن]، فالذي أنصح به إخواننا المسلمين عامة ونساء المسلمين خاصة أن يتجنبن هذه الأزياء؛ لأن منها ما يكون تشبهاً بغير المسلمين، ومنها ما يكون مشتملاً على ظهور العورة، ثم إن تطلع النساء إلى كل جديد يستلزم في الغالب أن تنتقل عاداتنا التي منيعها ديننا إلى عادات أخرى متلقاة من غير المسلمين.
س(7): ما حكم الاستهزاء بالملتزمين بأوامر الله ورسوله؟
ج(7): الاستهزاء بالملتزمين بأوامر الله ورسوله لكونهم التزموا بذلك محرمٌ وخطيرٌ جداً على المرء، لأنه يخشى أن تكون كراهته لهم لكراهة ما هم عليه من الاستقامة على دين الله، وحينئذ يكون استهزاؤه بهم استهزاء بطريقهم الذي هم عليه فيشبهون من قال الله عنه: وَلَئِن سَأَلتَهُم لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلعَبُ قُل أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُم تَستَهزِءُونَ (65) لا تَعتَذِرُواْ قَد كَفَرتُم بَعدَ إِيمَانِكُم [التوبة:65، 66]، فإنها نزلت في قوم من المنافقين قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء - يعنون رسول الله وأصحابه - أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء، فأنزل الله فيهم هذه الآية، فليحذر الذين يسخرون من أهل الحق لكونهم من أهل الدين، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: إِنَّ الَّذِينَ أَجرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ يَضحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّواْ بِهِم يَتَغَامَزُونَ (30) وَإذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوهُم قَالُواْ إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرسِلُواْ عَلَيهِم حَافِظِينَ (33) فَاليَومَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الكُفَّارِ يَضحَكُونَ (34) عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (35) هَل ثُوِبَ الكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفعَلُونَ [المطففين:29-36].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله، وصحبه.
ـــــــــــــــــــ(68/357)
يا فتاة خذيها مني صريحة
عبدالرحمن الوهيبي
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 5685
(2139 كلمة)
صورة المطوية
كندية تغطي وجهها.. وأمريكية سترت حتى قدميها!!
رسالة إلى من تعتز بدينها وتحترم عقلها
لقد رأى في المنام زوجته تشتعل ناراً!!
لابسة البنطال لم تستطيع التفاهم مع ملك الموت!!
تابت إلى الله بسبب قول: تستري!!
لماذا قالت: موتوا بغيظكم؟
أُختاه: قفي.. اقرئي.. تفكري.. ثم أجيبي.. إلى متى؟؟
الحمد لله وبعد:
أيتها الأخت المسلمة؛ سلام الله عليك ورحمته وبركاته.
أحمدُ الله الذي هدانا وإياك للإسلام وجعلنا من خير أمةٍ أُخرجت للناس، أرسل إلينا خاتم رسله، وأنزل عليه أفضل كتبه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أختاه: ها أنذا أكتب لك هذه الرسالة مذكراً لا معلماً يدفعني قول الله تبارك وتعالى: فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى [الأعلى:9-11] وأحسب أنكِ ممن قلوبهن تخشى الله، بل ويحدوني توجيه نبينا محمد في الحديث المتفق عليه { لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } ووالله إننا نحب الخير لكل مسلم ومسلمة، وأي خير أعظم من الدلالة على الهُدى والبر والتقوى.
أختاه: لولا ثقتي باعتزازك بدينك واحترامك لعقلك واستجابتك لأمر نبيك عليه الصلاة والسلام لما خاطبتُكِ، بل ولولا قناعتي باستجابتك للذكرى وقبولك لهذه الدعوة الصادقة لما اقتطعت جزءاً من وقتكِ لقراءة هذه الرسالة.
تابت إلى الله بسبب قول تستري
أختاه: تحدثت فتاة كانت غافلة عن سبب هدايتها فقالت: كنتُ في أحد الأسواق أتجول بملابس هي آخر ما أنتجته بيوت الأزياء! وعباءة تحكي أحدث صرعات الموضة! وخمار يوحي بنجاح جهود سنوات طويلة من التغريب للعقول، والتغيير للحجاب! وإذا أنا بشاب - أدركت فيما بعد أن قلبه يتقطع ألماً لما يرى من حال أخواته المسلمات، وتتحسَّر نفسُهُ حزناً على ضحايا كيد الشيطان ومثيري الشهوات - وإذ به يقول لي بلسان المشفق الناصح والواعظ الصادق: ( تستري، الله يستر عليك في الدنيا والآخرة! ) الله أكبر... لقد هزت هذه الدعوة كياني وخفق منها جنابي واستفاق بسببها عقلي فتساءلتُ في نفسي: أيعرفُني هذا الناصح؟ لا.. فلا شيء يميزُني عن الكثيرات أمثالي، إذاً كيف يدعو لي بالستر؟ ليس في الدنيا فحسب بل وفي الآخرة أيضاً، إنه والله يريد لي الخير والستر، ويخشى عليَّ من عذاب القبر وعقوبة النار، وبعد تفكير عميق تُبتُ لربي والتزمتُ بحجابي، فعزَّت نفسي وسعدت روحي بترك زبالات أفكار مصممي الأزياء وتُجار الموضة بعد أن زالت غشاوة الحضارة المزيَّفة عن عيني وبريق العصرية الكاذب واتضحت لي حقيقة العبودية لله والانتماء للإسلام.
أختاه: إن الطبيب المخلص في عمله الناصح لمراجعيه هو الذي يخبر المريض بمرضه وحقيقة شكواه ويصدق معه في وصف الدواء النافع بإذن الله، وإن ما أراه عليك يا فتاة الإسلام من لباس هو أقرب للتبرج وإظهار الزينة منه للستر والحشمة.
نعم فلا تظني أيتها العفيفة أن مجرد كون اللباس أسود اللون يكفي ليُسمى ستراً وحجاباً، لا بل ليس المقصود بالتبرج إظهار شيء من الجسد للرجال الأجانب فحسب، فالتبرج معناه التزين، وتبرجت السماء أي تزينت بالكواكب [المعجم الوسيط]. قال فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: ( التبرج أن تتزين المرأة للرجال باللباس، والزينة، والقول، والمشية، ونحوذلك مما تُظهِر به نفسها للرجال وتُوجِبُ لفت النظر إليها ).
فاحذري - هداك الله - من عقوبة لبس الملابس التي تُظهِرُ زينتك للرجال الأجانب، فقد صح الخبر عن نبينا أنه قال: { صنفان من أهل النار لم أرهما } وذكر منهما: { نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة }. [رواه مسلم].
وفي صحيح البخاري قال عليه الصلاة والسلام: { رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة } كاسية بثوبٍ ضيقٍ أو شفافٍ أو قصيرٍ أو فاتنٍ للرجال.
أختاه: إن امرأة شرَّفها الله بالإسلام ورفع قدرها بالإيمان وحدَّد لها صفة لباسها وسياج زينتها يجب ألا تتنازل عن ذلك أو ترفضه بحجة الحرية والعصرية! وفي نفس الوقت تقبل بل وتتفاخر بألبسة صنعتها أيد غربية كافرة أو علمانية فاجرة بحجة الموضة والتمدن والحضارة!! لا وألف لا، فالحضارة والعصرية التي تتعارض مع الدين مرفوضة لدى المسلمة الصادقة في إسلامها.
ناشدتُكِ الله أُختي المسلمة... هل الحضارة معناها ترك الدِّين؟ لا، بل يجب أن تتحطم أمواج الموضة ورياح الأزياء المتبرجة على صخرة إيمانك الراسخ وقناعتك التامة بفرضية حجابك الساتر وأنه جزءٌ من دينك الذي تنتمين إليه.
أختاه: إن مصمِّمي الأزياء وتُجار هذه الألبسة يريدونك بألبستهم المتبرجة كسلعة معروضة، ومائدة مكشوفة تنهشها العيون الجائعة وتتغزَّل في وصفها الألسنة الفاجرة، قال تعالى: وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيكُم وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيلاً عَظِيماَ [النساء:27]. واسمعي ثمرة الميل عن الحق ورفض الستر، قال النبي : { وشرُ نسائكم المتبرجات المتخيِّلات وهنَّ المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم } [حديث صحيح]، والأعصم من الغربان نادر الوجود، وعلى هذا فهذا الصنف من النساء نادر الدخول للجنة، أعاذكِ الله من ذلك وأعزكِ بدينكِ وستركِ بحجابك. ولله در القائل:
وكم فتاة زهت بالطهر صادقة *** إذ لقنت بيتها القرآن والسُننا
وكم فتاة هوت من أوج منزلها *** بالانحراف وراحت تدفع الثمنا
لابسة البنطال لم تستطع التفاهم مع ملك الموت
أختاه: إن من النصح لكِ والخوف عليك أن أسألك: لماذا هذا العبث بالحجاب؟ أما علمتِ أنه شرفُ المسلمة وعزُ المؤمنة؟ إلى متى وفتياتنا يجعلن من أجسادهن هياكل يعرض عليه الغرب زبالات أفكارهم وأصناماً متحركة تُعلق عليها أزياؤهم الفاضحة، وكتلاً من اللحوم المتمايلة مُهِمَّتُها العبث بقلوب الرجال وتحريك كوامن الشباب؟ أجيبي أيتها المسلمة إلى متى.. إلى متى؟؟ أما سمعت عن تلك الفتاة المسكينة التي ظنت أن الموت لن يأتيها إلا عندما تُصبحُ عجوزاً لا تُشتهى ومسنةً لا تستطيع مجاراة خطوط الموضة وصرعات الأزياء.. فخرجت إلى السوق ببنطالها الضيق وبلوزتها المفتوحة وعباءتها الشفافة المطرزة التي لا تستر جسداً ولا تنم عن رغبة في حشمة.. فرأتها إحدى الصالحات، فأدركت أنها ضحية من ضحايا الغزو الفكري - الذي زعم مروجوه أن لا دخل للدين في صفة ملابس المرأة فهي تلبس منها ما شاءت بلا ضوابط بزعم الحرية - فاقتربت منها مشفقة فذكرتها بأدب وناصحتها بحكمة.. وختمت نصيحتها بقولها: ماذا لو جاءك ملك الموت وأنتِ بهذه الهيئة؟ فردت ساخرة: إذا جاء ملكُ الموت سأتفاهمُ معه!! الله أكبر... ما أعظمها من جُرأة وما أكبرَها من كلمة!!
تقول الأخت الناصحة: بعد انصرافها مِنِّي بدقائق رأيتُ جمعاً من الناس قريباً مِنِّي اجتمعوا على شيء فلمَّا نظرتُ إلى ما اجتمعوا عليه وإذا بها صاحبة البنطال قد سقطت عباءتها وظهر بنطالها وانكشف ما بقي من سترها وهي مجندلة لا حراك بها.. فاللهم حسن الخاتمة.. إن الله الذي خلقها وأنعم عليها بهذه النعم ( صحةً وشباباً ومالاً ) أرسل إليها ملك الموت ليتوفاها كما قال تعالى: قُل يَتَوَفَّاكُم مَّلكُ المَوتِ الَّذِى وُكّلَ بِكُم ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم تُرجَعُونَ [السجدة:11] فجاءها ملك الموت بعد قولها ذلك بدقائق فلم تستطع التفاهم معه!!!
كندية مسلمة تغطي وجهها
يا بنت الإسلام: أما سمعت بتلك المرأة الكندية التي تعتز بحجابها الذي غطى جميع جسدها حتى وجهها فتقول: أنا كندية مسلمة، دخلتُ الإسلام منذ سنة ونصف ومن حينها وأنا أرتدي حجابي، وأسير وعزتي وفخري بديني الجديد يسيران معي.
أختاه: لماذا إبداء المفاتن التي أمر الله بسترها: وَلا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهنَّ [النور:31]. أما تعلمين أن المفسدين لما عجزوا عن إقناعك بنزع الحجاب وإبداء المفاتن دفعة واحدة لجؤوا إلى حيل شيطانية أوحى بها إليهم إبليس الذي حذرنا منه ربنا فقال: يَا بَنِى ءَادَمَ لا يَفتِنَنَّكُمُ الشَّيَطَانُ كَمَا أَخرَجَ أَبَوَيكُم مِّنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوءَتِهِمَا [الأعراف:27]، وحيلهم تتمثل بصنع ألبسة بديلة للحجاب الساتر للمفاتن، وهي ( هذه الألبسة ) كفيلةٌ بنزع الستر خطوة خطوة ومرحلة مرحلة، خدعوكِ بأقوال ماكرة ودعايات متتابعة قالوا: هذه أزياء المرأة الأنيقة، وتلك ملابس السيدة العصرية، هذه ملابس العروس الجميلة، وتلك بنطلونات الأذواق الرفيعة! لجمالكِ! لسهرتكِ!! لمناسباتكِ السعيدة!! يا الله... إنها لونٌ من ألوان إبراز المفاتن وذهاب الحياء.. تفاصيل جسد المرأة بادية وأيديها حاسرة وأكتافها بارزة وعباءتُها ناعمة وخمارها مزركش مزخرف!! سبحان الله!! أين العبودية لله أين محبة الله؟ وأين استشعار معنى الإسلام؟ أم أن الإسلام لا علاقة له بلباس المسلمة كما يزعم العلمانيون؟
موتوا بغيظكم
أختي المسلمة: أما آن لكِ أيتها الشريفة أن تصرخي في وجوه دعاة التغريب وزاعمي التحرير كما صرخت بهم أختكِ من هذا البلد المبارك قائلة: ( موتوا بغيظكم.. فحسبي عن إغراءاتكم الساقطة وسفاسفكم البينة كتاب ربي وهدي ورسولي عليه الصلاة والسلام، ولي منهما تشريعٌ عظيم هو لي أنا المسلمة حصنٌ حصين، هو حجابي ثم حجابي، فموتوا بغيظكم أيتها الذئاب المسعورة ).
وارفضي إظهار الزينة وإبداء المفاتن ولو كانت يسيرة. فهذه امرأة أمريكية مسلمة ترفض النزول للسوق لأنها نسيت جوارب قدميها!! وتقول: كيف أخرج ويتكشفني الناس وأخالف أوامر الله ورسوله ؟!
أما أنا فأنقل لكِ ما حدثني به رجل أعرفه وأثق به حيث قال لي بعد وفاة زوجته: لقد رأيتها في المنام وكل ما كان يظهرُ من جسدها للرجال يشتعل ناراً.. أجاركِ الله من النار.
أختاه: لن أنقل لك فتاوى العلماء في حكم لبس النقاب المُشاهد على كثير من فتياتنا أو اللثام الذي يظهر نصف الوجه فهي لا تخفى عليكِ، ولكن أسألك بالله: أيجوزُ للمسلمة أن تُظهر للرجال عينين مكحلتين ووجنتين مصبوغتين، وهي تتابعُ الشباب بنظرات فاتنة من خلال فتحةٍ مستطيلةٍ في خمارها تسميها نقاباً؟!
أما قال ربكِ تبارك وتعالى: وَإِذَا سَألتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَسئَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُم أَطهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53].
فاحجبي عينيكِ عن الرجال لتسلمي من عقوبة فتنتكِ لهم أو عاقبة افتتانِكِ بهم، واعلمي أن في ستر عينيك طهارة لقلبك وحماية لغريزتك وطمأنينة لنفسك. حفظكِ اللهُ بحفظه وحرسك بعنايته وحبب إليك الستر والحياء.
وأما وضعك للعباءة على الكتف فلا شك أنكِ ترين ذلك أجمل مما لو كانت على الرأس! أليس كذلك؟ ستقولين نعم إلا أن تُكابري، وهذا سبب منع ذلك شرعاً وإفتاء العلماء بعدم جوازه فهي للستر لا للتجمل والزينة وقد أفتى العلماء بعدم جواز لبسها على الكتف وعلى رأسهم مفتي عام المملكة سابقاً سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله لأن في ذلك تشبهاً بالرجال، وإبراز للأكتاف، وانكشاف شكل الرأس، والعنق، وتسريحة الشعر..
تقول إحدى التائبات من لبس العباءة على الكتف: رأيت تطبيقاً عملياً لتغسيل الميتة فوجدتها أكثر ستراً مني وهي تُحملُ على النعش ولا يمكن لأحد أن ينظر لها بشهوة، فكيف بنا نحنُ الأحياء؟ أنتفنن في وضع العباءة وندفع أغلى الأسعار وكأن ليس وراءنا عقاب ولا حساب؟!
أختاه: أما كان ربكِ يحفظك وأنتِ في بطن أمكِ؟ فلم لا تحفظين أوامره بعد خروجك لهذه الدنيا ولم لا تلزمين حدوده وتعرفين حقوقه عليكِ؟ أما كان ربك يرعاك وأنتِ في رحم أمكِ بالغذاء والحماية والدفء؟ أفلا ترعين دينه وتلزمين أوامره؟ لقد خرجتِ من بطن أمكِ بلا ثياب وستجردين عند الموت من الثياب لتلبسي كفناً متعدد اللفائف ليس فيه زخرفة ولا تطريز ولا زركشة! فاحذري من أن تكتسي في حياتك بما يغضبُ خالقك من عدم، وكاسيك من عُري.
جاء في الأثر أن الله تعالى يقول: { إنني والجن والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري وأرزق ويُشكر غيري } ألا تعلمين يا فتاة أن عبادته بطاعته سبحانه وتعالى وطاعة رسوله وسؤال العلماء عما تجهلين من أحكام؟ قال تعالى: فَسئَلُوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمُونَ [النحل:43] فهلا استجبت لفتاوى العلماء في حكم البنطلون، والشفاف، والضيق، والكعب، وعباءات الموضة ( الشبح، الليزر، لكزس.. ) وغيرها من أنواع العباءات المتبرجة التي استُخفت بها عقول المسلمات وزُهدت بسببها في الستر والحشمة العفيفات، بل وبسببها تعرضن للمضايقة، فقد أجرت محررة صفحات أسرتي بمجلة الدعوة عدد (1577 ) تحقيقاً مع ( 312 ) امرأة ممن يلبسن تلك الأنواع من العباءات المتبرجة أنقل لكِ بعض إجاباتهن وأهمها:
1 - 86% قُلن: نتعرضُ للمضايقة بسبب لبسها!! وصدق الله: يَأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لأَزوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلا يُؤذَينَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:59] والواقع يثبت أن لابسة العباءة الساترة غير اللافتة للنظر لا تُضايق ولا تعاكس، والعكس صحيح.
2 - 60% قلن أيضاً: نلبسها مسايرةً للموضة فقط!!
3 - 61% قلن: لا نشعر بتأنيب الضمير على اتباع الموضة الجديدة في العباءة!!
وهذه نسبة عالية تدلُّ على استحسان ما لا يرضي الله تعالى. واستحسان القبيح ليس من صفات المؤمنين، قال تعالى: أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَناً [فاطر:8]. وقال عليه الصلاة والسلام: { إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن } فمن لم تسؤه سيئته فليس بمؤمن.
ألا تعلمين أيتها المسلمة أن من شكر الله أن لا تسخري نعمهُ في معصيته، قال تعالى: يَابَنِى ءَادَمَ قَد أَنزَلنَا عَلَيكُم لِبَاساً يُوارِى سَوءاتِكُم وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقوَى ذَلِكَ خَيرٌ [الأعراف:26] ولا تنسى قول الله تعالى: يَومَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلا مَن أَتَى اللهَ بِقَلبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:89،88]. سليم من الشبهة التي تورث الشك في دين الله، ومن الشهوة التي تورث تقديم الهوى على طاعة الله، ومن الغضب الذي يورث العدوان على خلق الله، جعلكِ الله ذات قلب سليم، ووفقك لصراطه المستقيم.
خذيها مني صريحة
يا فتاة الإسلام: خذيها مني صريحة، إنكِ تواجهين حرباً تغريبية مسعورة لا هوادة فيها وفتناً شيطانية لا مهادنة فيها.. إنكِ تواجهين تحدياً لدينكِ.. لأخلاقكِ.. لعفافكِ.. بل لكل مظاهر الخير والحياء لديكِ.. فهل تُدركين ذلك؟ إنها حربٌ مكشوفة وإفسادٌ مُعلن، هيؤوا لكِ كل مُغرٍ وجديد، وحجبوا عنكِ الحق وكل نافع ومفيد!
فهل تصمدين يا فتاة الإسلام أمام رياح الباطل وإغراءات الشيطان؟ هل تقفين مستمسكة بعقيدتك، معتزة بدينك محافظة على ستركِ وحيائكِ أمام هذا السيل الجارف من الفتن والمغريات، أم تُطوح بك رياح الباطل في مهاوي الرذيلة ومواضع الفساد، وتقذف بك الأمواج العاتية في مستنقعات الموضةِ الفاجرة والأزياء المتبرجة؟ فإن كانت الأولى ( اعتزازاً بالدِّين وتشرفاً بالحجاب وصدقاً في الاستقامة وثباتاً على الحق ) فهنيئاً للأمة بكِ وبأمثالكِ، ولا أخالكِ إلا قائلةً: نعم. وإن كانت الثانية ( مجاراةً للموضة، وتقليداً للأزياء، ومتابعةٌ للقنوات، وإعراضاً عن الآيات البينات، وغفلةً عن القبر والحساب والممات ) فيا لشقاءِ الأمةِ بكِ وبجيل اليوم من أمثالكِ..
وأحسبُكِ قائلةً: لا لزمن الغفلات ونعم لعمل الصالحات.. والتوبة التوبة لرب الأرض والسموات، اللهم أسألك الثبات.
وأُبشرك بقول الله تعالى: مَن عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُو مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُواْ يَعمَلُونَ [النحل:97].
ختاماً: جعلنا الله وإياكِ من المؤمنين المهتدين، وأعاذنا من طريق الفاسقين المُعرِضين، ورزقنا الثبات على دينه والإخلاص في القول والعمل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـــــــــــــــــــ(68/358)
أحكام في زينة المرأة
صالح بن فوزان الفوزان
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 8250
(1334 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، وبعد:
يطلب من المرأة أن تفعل من خصال الفطرة ما يختص بها ويليق بها من قص الأظافر وتعاهدها، لأن تقليم الأظافر سنة بإجماع أهل العلم لأنه من خصال الفطرة الواردة في الحديث ولما في إزالتها من النظافة والحُسن. وما في بقائها طويلة من التشويه والتشبه بالسباع وتراكم الأوساخ تحتها ومنع وصول ماء الوضوء إلى ما تحتها. وبعض المسلمات قد ابتلين بتطويل الأظافر تقليداً للكافرات وجهلاً بالسنة.
ويطلب من المسلمة توفير شعر رأسها ويحرم عليها حلقه إلا من ضرورة. قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في مجموع الفتاوى: ( وأما شعر روؤس النساء فلا يجوز حلقه لما رواه النسائي في سُننه بسنده عن علي رضي الله عنه، ورواه البزار بسنده في مسنده عن عثمان رضي الله عنه، ورواه ابن جرير بسنده عن عكرمة قالوا: ( نهى رسول الله أن تحلق المرأة رأسها ). والنهي إذا جاء عن النبي فإنه يقتضي التحريم ما لم يرد له معارض. قال ملا علي قاري في المرقاة شرح المشكاة: ( قوله: "أن تحلق المرأة رأسها" وذلك لأن الذوائب للنساء كاللحى للرجال في الهيئة والجمال ).
وأما قص المرأة شعر رأسها فإن كان لحاجة غير الزينة - كأن تعجز عن مؤنته أو يطول كثيراً ويشق عليها - فلا بأس بقصه بقدر الحاجة. كما كان بعض أزواج النبي يفعلنه بعد وفاته لتركهن التزين بعد وفاته واستغنائهن عن تطويل الشعر.
وأما إن كان قصد المرأة من قص شعرها هو التشبه بالكافرات والفاسقات أو التشبه بالرجال فهذا محرم بلا شك للنهي عن التشبه بالكفار عموماً وعن تشبه المرأة بالرجال.
وإن كان القصد منه التزين فالذي يظهر لي أنه لا يجوز.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: ( إن من العرف الذي صار جارياً في كثير من البلاد بقطع المرأة شعر رأسها إلى قرب أصوله سنة إفرنجية مخالفة لما كان عليه نساء المسلمين ونساء العرب قبل الإسلام. فهو من جملة الانحرافات التي عمت البلوى بها في الدين والخلق والسمت وغير ذلك ).
ثم أجاب عن حديث: ( أن أزواج النبي يأخذن من رؤوسهن حتى تكون كالوفرة. بأن أزواج النبي إنما يقصرن رؤوسهن بعد وفاته لأنهن كُن يتجملن في حياته ومن أجمل زينتهن شعورهن، أما بعد وفاته فلهن حكم خاص بهن لا تشاركهن فيه امرأة واحدة من نساء جميع أهل الأرض وهو انقطاع أملهن انقطاعاً كلياً من التزويج ويأسهن منه اليأس الذي لا يمكن أن يخالطه طمع. فهن كالمعتدات المحبوسات بسببه إلى الموت، قال تعالى: وَمَا كَانَ لَكُم أَن تُؤذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَن تَنكِحُواْ أَزوَاجَهُ مِن بَعدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُم كَانَ عِندَ اللهِ عَظِيماً [الأحزاب:53 ] واليأس من الرجال بالكلية قد يكون سبباً للترخيص في الإخلال بأشياء من الزينة لا تحل لغير ذلك السبب. كما لا يجوز للمرأة أن تطيع زوجها إذا أمرها بذلك لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ).
فعلى المرأة أن تحتفظ بشعر رأسها وتعتني به وتجعله ضفائر، ولا يجوز لها جمعه فوق الرأس أو من ناحية القفا. قال الشيخ محمد بن إبراهيم: ( وأما ما يفعله بعض نساء المسلمين في هذا الزمن من فرق شعر الرأس من جانب وجمعه من ناحية القفا أو جعله فوق الرأس كما تفعله نساء الإفرنج - فهذا لا يجوز لما فيه من التشبه بنساء الكفار ).
وعن أبي هريرة في حديث طويل قال: قال رسول الله : { صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات. رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها. وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا } [رواه مسلم]. وقد فسر بعض العلماء قوله: { مائلات مميلات } بأنهن يتمشطن المشطة الميلا، ويمشطن غيرهن تلك المشطة. وهذه مشطة نساء الإفرنج ومن يحذو حذوهن من نساء المسلمين.
وكما تمنع المرأة المسلمة من حلق رأسها أو قصه من غير حاجة فإنها تمنع من وصله والزيادة عليه بشعر آخر، لما في الصحيحين: ( لعن رسول الله الواصلة والمستوصلة )، والواصلة: هي التي تصل شعرها بشعر غيرها، والمستوصلة: هي التي يعمل بها ذلك، لما في ذلك من التزوير.
ومن الوصل المحرّم لبس الباروكة المعروفة في هذا الزمان. روى البخاري ومسلم وغيرهما: أن معاوية خطب لما قدم المدينة وأخرج كبة من شعره فقال: ما بال نسائكم يجعلن في رؤوسهن مثل هذا؟! سمعت رسول الله يقول: { ما من امرأة تجعل في رأسها شعراً من شعر غيرها إلا كان زوراً }. والباروكة شعر صناعي يشبه شعر الرأس، وفي لبسها تزوير.
ويحرم على المرأة المسلمة إزالة شعر الحاجبين أو إزالة بعضه بأي وسيلة من الحلق أو القص أو استعمال المادة المزيلة له أو لبعضه، لأن هذا هو النمص الذي لعن النبي من فعلته، فقد لعن النبي النامصة والمتنمصة. والنامصة: هي التي تزيل شعر حاجبيها أو بعضه للزينة - في زعمها - والمتنمصة: هي التي يفعل بها ذلك. وهذا من تغيير خلق الله الذي تعهد الشيطان أن يأمر به بني آدم حيث قال كما حكاه الله تعالى عنه: وَلأمُرَنَّهُم فَلَيُغَيِرُنَّ خَلقَ اللهِ [النساء: 119].
وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: ( لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحُسن المغيرات خلق الله عز وجل ). ثم قال: ( ألا ألعن من لعن رسول الله وهو في كتاب الله عز وجل؟! ) يعني قوله: وَمَآءَاتَكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُواْ [الحشر:7]. ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره.
وقد ابتلى بهذه الآفة الخطيرة التي هي كبيرة من كبائر الذنوب كثير من النساء اليوم حتى أصبح النمص كأنه من الضروريات اليومية. ولا يجوز لها أن تطيع زوجها إذا أمرها بذلك لأنه معصية.
ويحرم على المرأة المسلمة تفليج أسنانها للحُسن بأن تبردها بالمبرد حتى تحدث بينها فرجاً يسيرة رغبة في التحسين، أما إذا كانت الأسنان فيها تشويه وتحتاج إلى عملية تعديل لإزالة هذا التشويه، أو فيها تسوس واحتاجت إلى إصلاحها من أجل إزالة ذلك فلا بأس، لأن هذا من باب العلاج وإزالة التشويه ويكون ذلك على يد طبيبة مختصة.
ويحرم على المرأة عمل الوشم في جسمها، لأن النبي لعن الواشمة والمستوشمة، والواشمة: هي التي تغرز اليد أو الوجه بالإبر ثم تحشو ذلك المكان بالكحل أو المداد، والمستوشمة: هي التي يفعل بها ذلك. وهذا عمل محرم وكبيرة من كبائر الذنوب، لأن النبي لعن من فعلته أو فعل بها، واللعن لا يكون إلا على كبيرة من الكبائر.
أما حكم الخضاب للنساء وصبغ الشعر فقد قال الإمام النووي في المجموع: ( أما خضاب اليدين والرجلين بالحناء فمستحب للمتزوجة من النساء للأحاديث المشهورة فيه ).
يشير إلى ما رواه أبو داود: أن امرأة سألت عائشة رضي الله عنها عن خضاب الحناء فقالت: ( لا بأس به ولكني أكرهه فإن حبّي رسول الله كان يكره ريحه ) [رواه النسائي]. وعنها رضي الله عنها قالت: أومأت امرأة من وراء ستر بيدها كتاب إلى رسول الله فقبض النبي يده وقال: { ما أدري أيد رجل أو يد امرأة؟! } قالت: بل يد امرأة، قال: { لو كنت امرأة لغيرت أظفارك } يعني بالحناء [أخرجه أبو داود والنسائي] لكن لا تصبغ أظفارها بما يتجمد عليها ويمنع الطهارة كالصبغة المسماة " بالمنوكير ".
وأما صبغ المرأة شعر رأسها فإن كان شيباً فإنها تصبغه بغير السواد لعموم نهيه عن الصبغ بالسواد. قال الإمام النووي في رياض الصالحين: باب نهي الرجل والمرأة عن خضاب شعرهما بالسواد. وقال في المجموع: ( ولا فرق في المنع من الخضاب بالسواد بين الرجل والمرأة، هذا مذهبنا ). أما صبغ المرأة لشعر رأسها الأسود ليتحول إلى لون آخر فالذي أرى أن هذا لا يجوز لأنه لا داعي إليه لأن السواد بالنسبة للشعر جمال وليس تشويهاً يحتاج إلى تغيير، ولأن في ذلك تشبهاً بالكافرات.
ويباح للمرأة أن تتحلى من الذهب والفضة بما جرت به العادة وهذا بإجماع العلماء، لكن لا يجوز لها أن تظهر حليها للرجال غير المحارم بل تستره خصوصاً عند الخروج من البيت والتعرض لنظر الرجال إليها لأن ذلك فتنة، وقد نهيت أن تسمع الرجال صوت حليها الذي في رجلها تحت الثياب فكيف بالحلي الظاهر؟ قال تعالى: وَلا يَضرِبنَ بِأَرجُلِهِنَّ لِيُعلَمَ مَا يُخفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ [النور:31]، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ(68/359)
أحكام الحيض والإستحاضة والنفاس والإحداد
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 6208
(1011 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحيض
هو دم يحدث للأنثى بمقتضى الطبيعة بدون سبب في أوقات معلومة.
1 - ليس للحيض سن معين فمتى رأت المرأة دم الحيض فهي حائض وإن كانت دون تسع سنين أو فوق خمسين سنة.
2 - لا حد لأقل الحيض ولا لأكثره فكل ما رأته المرأة من دم طبيعي ليس له سبب من جرح ونحوه فهو دم حيض من غير تقدير بزمن إلا إذا كان مستمراً لا ينقطع أو ينقطع مدة يسيرة فيكون استحاضة.
3 - إذا رأت الحامل الدم فلها حالان:
الحالة الأولى: إن كان قبل الوضع بزمن يسير كاليومين ومعه طلق فهو نفاس.
الحالة الثانية: إن كان قبل الوضع بزمن يسير وليس معه طلق أو كان قبل الوضع بزمن كثير فليس بنفاس وإنما يكون حيضاً إن كان على الوجه المعتاد في حيضها فإن لم يكن على الوجه المعتاد في حيضها فهو دم فساد لا حكم له.
4 - يطرأ على الحيض خمسة طوارئ:
الحالة الأولى: زيادة أو نقص في مدة الحيض.
الحالة الثانية: تقدم أو تأخر في وقت مجيء الحيض، حكمهما أنها متى رأت الدم فهي حائض ومتى طهرت منه فهي طاهر سواء زادت عن عادتها أم نقصت وسواء تقدمت أو تأخرت.
الحالة الثالثة: صفرة أو كدرة وهذا إن كان في أثناء الحيض أو متصلاً به قبل الطهر فهو حيض تثبت له أحكام الحيض وإن كان بعد الطهر فليس بحيض إلا إذا كان في آخر الطهر ومعه مقدمات الحيض من وجع ونحوه فهو حيض.
الحالة الرابعة: تقطع في الحيض بحيث ترى يوم دم ويوم نقاء فهذا له حالان:
1) إن كان هذا مع المرأة دائماً كل وقتها فهذا دم استحاضة يثبت لمن تراه حكم المستحاضة.
2) ألا يكون مستمراً مع المرأة يأتيها بعض الوقت وهذا إن كان انقطاع الدم ينقص عن اليوم فليس بطهر إلا أن ترى ما يدل على أنه طهر مثل أن يكون انقطاعه في آخر العادة أو ترى القصة البيضاء.
الحالة الخامسة: جفاف الدم بحيث ترى المرأة مجرد رطوبة فهذا إن كان في أثناء الحيض أو متصلاً به قبل الطهر فهذا حيض وإن كان بعد الطهر فليس بحيض.
5 - ينتهي الحيض بخروج القصة البيضاء وهو سائل أبيض يخرج في نهاية الحيض إلا إن كانت من عادتها ألا تخرج القصة البيضاء فتطهر عند جفاف الدم.
6 - إذا خرج من المرأة نقط قليلة جداً فلها حالان: إن كانت في زمن الحيض وهي تعتبره من الحيض الذي تعرفه فهو حيض وإن كانت في غير زمن الحيض ولا تعتبره من الحيض الذي تعرفه فليس بشيء لأنه من العروق.
7 - إذا كان ينزل من الحامل دم أثناء الحمل فلها حالان:
الحالة الأولى: إن كان يأتيها الدم مطرداً لم ينقطع عنها منذ حملت فهذا حيض.
الحالة الثانية: أن ينقطع عنها الدم ثم صارت بعد ذلك ترى دماً ليس هو الدم المعتاد فهذا ليس بحيض.
الاستحاضة
هي استمرار الدم على المرأة بحيث لا ينقطع عنها أبداً أو ينقطع عنها مدة يسيرة كاليومين أو الثلاثة.
1 - المستحاضة لها ثلاث أحوال:
الحالة الأولى: أن يكون لها حيض معلوم قبل الاستحاضة فهذه ترجع إلى مدة حيضها المعلوم فتجلس فيه ويثبت لها أحكام الحيض وما عداها استحاضة.
الحالة الثانية: أن لا يكون لها حيض معلوم قبل الاستحاضة بأن تكون الاستحاضة مستمرة معها من أول ما رأت الدم من أول أمرها فهذه تعمل بالتمييز فيكون حيضها ما تميز بسواد أو غلضة أو رائحة وما عداه استحاضة.
الحالة الثالثة: ألا يكون لها حيض معلوم ولا تمييز صالح بأن تكون الاستحاضة مستمرة من أول أمرها ودمها على صفة واحدة أو على صفات مضطربة لا يمكن أن تكون حيضاً فهذه تعمل بعادة غالب النساء فيكون حيضها ستة أيام أو سبعة من كل شهر تبتدئ من أول يوم رأت فيه الدم وما عداه استحاضة فإن نسيت أول يوم أتاها الحيض فيه فتبتدأ من أول الشهر الهلالي.
2 - يجب على المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها وإذا أرادت الوضوء فتغسل أثر الدم وتعصب على فرجها خرقة على قطن ليستمسك الدم.
3 - السائل الأبيض الذي يخرج من الرحم لا من المثانة طاهر وحكمه أنه إن كان مستمراً فإنه لا ينقض الوضوء ولكن تتوضأ للصلاة إذا دخل وقتها وتصلي فروضاً ونوافل وإن كان ينقطع أحياناً ينقض الوضوء فتؤخر الصلاة إلى الوقت الذي ينقطع فيه ما لم تخش خروج الوقت فإن خشيت خروج الوقت فإنها تتوضأ وتتحفظ وتصلي.
النفاس
هو دم يرخيه الرحم بسبب الولادة إما معها أو بعدها أو قبله بيومين أو ثلاثة مع الطلق.
1 - أكثر مدة النفاس ستون يوماً إذا كان مستمراً على وتيرة واحدة فلا تتجاوز المرأة الستون يوماً ولو وجدت الدم فتغتسل وتصلي إلا إن وافق عادتها فتبقى عادتها ثم تغتسل وتصلي فإن لم يوافق عادتها فدم فساد لا حكم له فتغسل أثره وتتوضأ بعد دخول الوقت وتصلي.
2 - إذا طهرت النفساء ثم عاودها الدم بلونه ورائحته وكل أحواله ويمكن أن يكون نفاس فهو دم نفاس وإلا فهو حيض فإن استمر عليها فيكون استحاضة.
3 - إذا سقط الحمل بعد واحد وثمانون يوماً فيجب التثبت هل هو مخلق أو غير مخلق فإن كان مخلقاً فالدم دم نفاس والغالب أن ما تم له تسعون يوماً فهو مخلق وإذا سقط لأقل من ثمانين يوماً فلا نفاس والدم دم عرق لاحكم له فتكون مستحاضة تغسل أثر الدم وتتوضأ للصلاة بعد دخول وقتها.
4 - لا يكره وطء النفساء إذا طهرت قبل الأربعين يوماً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بيان ما يلزم المحدة على زوجها من الأحكام
أولاً: تلزم بيتها الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه، ولا تخرج منه إلا لحاجة أو ضرورة؛ كمراجعة المستشفى عند المرض، وشراء حاجتها من السوق كالخبز ونحوه إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك، إلى أن تضع حملها إن كانت حاملاً، أو تكمل أربعة أشهر وعشراً إن كانت غير حامل.
ثانياً: تجتنب الملابس الجميلة وتلبس ما سواها.
ثالثاً: تجتنب أنواع الطيب إلا إذا طهرت من حيضها أو نفاسها، فلا بأس أن تتبخر بالبخور أو بغيره من الطيب.
رابعاً: تجتنب الحلي من الذهب والفضة والألماس وغيرها من أنواع الحلي، سواء كان ذلك قلائد أو أسورة أو غير ذلك.
خامساً: تجتنب الحناء والكحل؛ لأن الرسول نهى المحدة عن هذه الأمور كلها.
ولها أن تغتسل بالماء والصابون والسدر متى شاءت.
ولها أن تكلم من شاءت من أقاربها وغيرهم.
ولها أن تجلس مع محارمها، وتقدم لهم القهوة والطعام ونحو ذلك.
ولها أن تعمل في بيتها وحديقة بيتها وأسطحة بيتها ليلاً ونهاراً في جميع أعمالها البيتية؛ كالطبخ والخياطة وكنس البيت وغسل الملابس وحلب البهائم، ونحو ذلك مما تفعله غير المحدة.
ولها المشي في القمر سافرة كغيرها من النساء.
ولها طرح الخمار على رأسها إذا لم يكن عندها غير محرم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.
ـــــــــــــــــــ(68/360)
قيادة المرأة للسيارة
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 5788
(1689 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
فقد ذكرت صحيفة الشرق الأوسط الصادرة في يوم الاثنين 5/3/1419هـ: ( أن إدارة مرور في إحدى الدول المجاورة سنت قانوناً يمنع النساء المنقبات من قيادة السيارات وقالت الصحيفة: أن الإدارة العامة للمرور التابعة لوزارة الداخلية سنت القانون الجديد بقصد تجنب تخفي البعض من النساء أو الرجال تحت النقاب للقيام بأعمال مخالفة للقانون ومنهم فئة صغار السن من الشباب غير المسموح لهم باستصدار رخص قيادة السيارات حيث يتخفون في زي المنقبات ويقومون بقيادة السيارات مما يؤدي إلى أضرار بالغير في الشارع.
وهذا الإجراء ليس بمستغرب، لأنه يمثل سياسة الخطوة خطوة المتدرجة نحو إخراج المرأة من سترها وحشمتها والقاء عباءتها وغطاء وجهها. إلا أننا نلاحظ رغم ذلك أن البعض يسير في موجات متتالية نحو النظر إلى قيادة المرأة للسيارة نظرة قبول، وقد أصدر العلماء الأجلاء في هذه البلاد فتاوى كثيرة في منع قيادة المرأة للسيارة منعاً للفتنة وسداً للذرائع وإغلاقاً لباب الخطوات المتتالية التي توقع المرأة المسلمة في تدرج مهين حتى تخلع غطاء وجهها! وتفقد حياءها وحشمتها... ولسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز كلمات حول هذا الأمر حيث يقول رحمه الله:
فقد كثرت الأسئلة عن حكم قيادة المرأة للسيارة. والجواب:
لا شك أن ذلك لا يجوز لأن قيادتها للسيارة تؤدي إلى مفاسد كثيرة وعواقب وخيمة، منها الخلوة المحرمة بالمرأة، ومنها السفور، ومنها الإختلاط بالرجال بدون حذر، ومنها ارتكاب المحظور الذي من أجله حرمت هذه الأمور. والشرع المطهر منع الوسائل المؤدية إلى المحرم واعتبرها محرمة. وقد أمر الله جل وعلا نساء النبي ونساء المؤمنين بالإستقرار في البيوت، والحجاب، وتجنب إظهار الزينة لغير محارمهن لما يؤدي إليه ذلك كله من الإباحية التي تقضي على المجتمع، قال تعالى: وَقرنَ فِي بُيُوتِكُنَ وَلاَ تَبَرَجنَ تَبَرُجَ الجاهِلِيَةِ الأُولَى وَأقِمنَ الصَلاةَ وَءَاتِينَ الزَكاةَ وَأطِعنَا اللّه وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33] الآية. وقال تعالى: يَاأيُهَا النّبِيُ قُل لأِزواجكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيِهن مِن جَلابِيِبِهِنَ ذَلِكَ أدنَى أن يُعرَفنَ فَلا يُؤذَينَ [الأحزاب:59]، وقال تعالى: وَقُل لِلمُؤمِناتِ يَغضُضنَ مِن أبصَارِهِنَ وَيَحفَظنَ فُرُجَهُنَ وَلاَيُبدِينَ زِينَتَهُن إلا ما ظَهَرَ مِنهَا وَلِيَضرِبنننَ بِخُمُرِهِنَ عَلَى جُيُوبِهِنَ وَلاَ يُبدِينَ زِينَتَهُنَ إلا لِبُعُولَتِهِنَ أوءَابآئِهِنَ أو ءَابآءِ بُعُولَتِهِنَ أوأبنَآئِهِنَ أو أبنَآءِ بُعُولَتِهِنَ أو إخوانِهِن أوبَنيِِِِ إخوَانِهِنَ أو بَني أخَوَاتِهِنَ أونِسَآئِهِنَ أو مَا مَلَكَت أيمَنُهُنَ أوِ التّبِعِينَ غَيرِ أول] الإربَةِ مِنَ الرِجَالِ أوِالطِفِل الّذِينَ لَم يَظهَرُوا عَلَى عَوراتِ النِسَآءِ وَلاَ يَضرِبنَ بِأرجُلِهِنّ لِيُعلَمَ مَا يُخفِينَ مِن زِينَتِهِنّ وَتُوبُوا إلى اللّه جَمِيعاً أيُهَ المُؤمِنُونَ لَعَلكُم تُفِلِحُونَ [النور:31].
وقال النبي : { ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما } فالشرع المطهر منع جميع الأسباب المؤدية إلى الرذيلة بما في ذلك رمي المحصنات الغافلات بالفاحشة وجعل عقوبته من أشد العقوبات صيانة للمجتمع من نشر أسباب الرذيلة. وقيادة المرأة من الأسباب المؤدية إلى ذلك. وهذا لا يخفى، ولكن الجهل بالأحكام الشرعية وبالعواقب السيئة التي يفضي إليها التساهل بالوسائل المفضية إلى المنكرات مع ما يبتلى به الكثير من مرضى القلوب ومحبة الإباحية والتمتع بالنظر إلى الأجنبيات، كل هذا بسبب الخوض في هذا الأمر وأشباهه بغير علم وبغير مبالاة بما وراء ذلك من الأخطار، وقال تعالى: قل إنَمَا حَرَمَ رَبِي الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنَهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثمَ وَالبَغيَ بِغَيرِ الحَقِ وَأن تُشرِكُوا بِاللّه مَا لَم يُنَزِل بِهِ سُلطَناً وَأن تَقُولُوا عَلَى اللّهِ مَالاَتّعلَمُونَ [الأعراف:33] وقال سبحانه: وَلاَ تَتَبِعُوا خُطُوَاتِ الشَيطَانِ إنّهُ لَكُم عَدُوٌ مُبِين (168) إنَمَا يَأمُرُكُم بِالسُوِِءِ وَالفَحشَاءِ وَأن تَقُولُوا عَلَى اللّهِ مَالاَ تَعلمُونَ [البقرة:169،168]، وقال : { ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء } وعن حذيفة بن اليمان قال: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاء الله بهذا الخير، فهل بعده من شر؟ قال: { نعم }، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: { نعم وفيه دخن }، قلت: وما دخنه؟ قال: { قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر }. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: { نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها }. قلت: يا رسول الله صفهم لنا؟ قال: { هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا }، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: { تلزم جماعة المسلمين وإمامهم }. قلت: فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة؟ قال: { فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك } [متفق عليه].
وإني أدعوا كل مسلم أن يتق الله في قوله وفي عمله وأن يحذر الفتن والداعين إليها وأن يبتعد عن كل ما يسخط الله جل وعلا أو يفضي إلى ذلك، وأن يحذر كل الحذر أن يكون من هؤلاء الدعاة الذين أخبر عنهم النبي في هذا الحديث الشريف. وقانا الله شر الفتن وأهلها وحفظ لهذه الأمة دينها وكفاها شر دعاة السوء ووفق كتاب صحفنا وسائر المسلمين لما فيه رضاه وصلاح أمر المسلمين ونجاتهم في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه.. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
كما سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين السؤال التالي:
أرجوا توضيح حكم قيادة المرأة للسيارة، وما رأيكم بالقول: ( إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضرراً من ركوبها مع السائق الأجنبي؟ )
الجواب على هذا السؤال ينبني على قاعدتين مشهورتين بين علماء المسلمين:
القاعدة الأولى: أن ما أفضى إلى المحرم فهو محرم.
القاعدة الثانية: أن درء المفاسد - إذا كانت مكافئة للمصالح أو أعظم - مقدم على جلب المصالح.
القاعدة الأولى: قوله تعالى: وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108] فنهى الله تعالى عن سب آلهة المشركين - مع أنه مصلحة - لأنه يفضي إلى سب الله تعالى.
ودليل القاعدة الثانية: قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا [البقرة:219] وقد حرم الله الخمر والميسر مع ما فيهما من المنافع درءًا للمفسدة الحاصلة بتناولهما. وبناء على هاتين القاعدتين يتبين حكم قيادة المرأة للسيارة. فإن قيادة المرأة للسيارة تتضمن مفاسد كثيرة، فمن مفاسدها:
نزع الحجاب: لأن قيادة السيارة سيكون بها كشف الوجه الذي هو محل الفتنة ومحط أنظار الرجال. ولا تعتبر المرأة جميلة أو قبيحة على الإطلاق إلا بوجهها، أي أنه إذا قيل جميلة أو قبيحة لم ينصرف الذهن إلا إلى الوجه، وإذا قصد غيره فلا بد من التقيد، فيقال جميلة اليدين، جميلة الشعر، جميلة القدمين، وبهذا عرف أن الوجه مدار القصد.
وربما يقول قائل: إنه يمكن أن تقود المرأة السيارة بدون نزع الحجاب بأن تتلثم المرأة وتلبس في عينيها نظارتين سوداوين.
والجواب على ذلك أن يقال: هذا خلاف الواقع من عاشقات قيادة السيارة، واسأل من شاهدهن في البلاد الأخرى، وعلى فرض أنه يمكن تطبيقه في ابتداء الأمر فلن يدوم طويلاً، بل سيتحول - في المدى القريب - إلى ما عليه النساء في البلاد الأخرى كما هي سنة التطور المتدهور في أمور بدأت هينة مقبوله بعض الشيء ثم تدهورت منحدرة إلى محاذير مرفوضة.
ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة: نزع الحياء منها، والحياء من الإيمان - كما صح ذلك عن النبي ، والحياء هو الخلق الكريم الذي تقتضيه طبيعة المرأة وتحتمي به من التعرض للفتنة، ولهذا كانت مضرب المثل فيه فيقال: ( أحيا من العذراء في خدرها ) وإذا نزع الحياء من المرأة فلا تسأل عنها.
ومن مفاسدها: أنها سبب لكثرة خروج المرأة من البيت ( والبيت خير لها ) - كما قال ذلك أعلم الخلق بالخلق محمد - لأن عاشقي القيادة يرون فيها متعة، ولهذا تجدهم يتجولون في سياراتهم هنا وهناك بدون حاجة؟ لما يحصل لهم من المتعة بالقيادة.
ومن مفاسدها: أن المرأة تكون طليقة تذهب إلى ما شاءت ومتى شاءت وحيث شاءت إلى ما شاءت من أي غرض تريده، لأنها وحدها في سيارتها. متى شاءت في أي ساعة ليل أو نهار وربما تبقى إلى ساعة متأخرة من الليل، وإذا كان الناس يعانون من هذا في بعض الشباب فما بالك بالشابات؟؟! حيث شاءت يميناً وشمالاً في عرض البلد وطوله، وربما خارجه أيضاً.
ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة: أنها سبب لتمرد المرأة على أهلها وزوجها، فلأدنى سبب يثيرها في البيت تخرج منه وتذهب في سيارتها إلى حيث ترى أنها تروح عن نفسها فيه، كما يحصل ذلك من بعض الشباب وهو أقوى تحملاً من المرأة.
ومن مفاسدها: أنها سبب للفتنة في مواقف عديدة:
في الوقوف عند إشارات الطريق.
في الوقوف عند محطات البنزين.
في الوقوف عند نقطة التفتيش.
في الوقوف عند رجال المرور عند التحقيق في مخالفة أو حادث.
في الوقوف لملء إطار السيارة بالهواء ( البنشر ).
في الوقوف عند خلل يقع في السيارة في أثناء الطريق فتحتاج المرأة إلى إسعافها، فماذا تكون حالتها حينئذ؟ ربما تصادف رجلاً سافلاً يساومها على عرضها في تخليصها من محنتها، لا سيما إذا عظمت حاجتها حتى بلغت حد الضرورة.
ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة: كثرة إزدحام الشوارع أو حرمان بعض الشباب من قيادة السيارات وهو أحق بذلك من المرأة واجدر.
ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة: كثرة الحوادث؛ لأن المرأة بمقتضى طبيعتها أقل من الرجل حزماً. وأقصر نظراً وأعجز قدرة، فإذا داهمها الخطر عجزت عن التصرف.
ومن مفاسدها: أنها سبب للإرهاق في النفقة؛ فإن المرأة - بطبيعتها - تحب أن تكمل نفسها مما يتعلق بها من لباس وغيره، ألا ترى إلى تعلقها بالأزياء كلما ظهر زي رمت بما عندها وبادرت إلى الجديد، وإن كان أسوأ مما عندها - ألا ترى إلى غرفتها ماذا تعلق على جدرانها من الزخرفة. ألا ترى إلى ( ما صتها ) وإلى غيرها من أدوات حاجتها. وعلى قياس ذلك - بل لعله أولى منه - السيارة التي تقودها، فكلما ظهر ( موديل ) جديد فسوف تترك الأول إلى هذا الجديد.
وأما قول السائل: وما رأيكم بالقول: ( إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضرراً من ركوبها مع السائق الأجنبي؟ ) فالذي أرى أن كل واحد منهما فيه ضرر، وأحدهما أضر من الثاني من وجه، ولكن ليس هناك ضرورة توجب إرتكاب أحدهما.
واعلم أنني بسطت القول في هذا الجواب لما حصل من المعمعة والضجة حول قيادة المرأة للسيارة والضغط المكثف على المجتمع السعودي المحافظ على دينة وأخلاقة ليستمري - قيادة المرأة للسيارة ويستسيغها. وهذا ليس بعجيب لو وقع من عدو متربص بهذا البلد الذي هو آخر معقل للإسلام يريد أعداء الإسلام أن يقضوا عليه، ولكن هذا من أعجب العجب إذا وقع من قوم من مواطنينا ومن أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، ويستظلون برايتنا، قوم انبهروا بما عليه دول الكفر من تقدم مادي دنيوي فأعجبوا بما هم عليه من أخلاق تحرروا بها من قيود الفضيلة إلى قيود الرذيلة وصاروا كما قال ابن القيم في نونيته:
هربوا من الرق الذي خلقوا له *** وبلو برق النفس والشيطان
وظن هؤلاء أن دول الكفر وصلوا إلى ما وصلوا إليه من تقدم مادي بسبب تحررهم هذا التحرر؛ وما ذلك إلا لجهلهم أو جهل الكثير منهم بأحكام الشريعة وأدلتها الأثرية والنظرية، وما تنطوي عليه من حكم وأسرار تتضمن مصالح الخلق في معاشهم ومعادهم ودفع المفاسد. فنسأل الله تعالى لنا ولهم الهداية والتوفيق لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخر
ـــــــــــــــــــ(68/361)
الحجاب الشرعي وحجاب النفاق
صالح بن فوزان الفوزان
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 10010
(1340 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
يجب أن يكون لباس المرأة المسلمة ضافياً، يستر جميع جسمها عن الرجال الذين ليسوا محارمها، ولا تكشف لمحارمها إلا ما جرت العادة بكشفه من وجهها وخفيها وقدميها.
وأن يكون ساتراً لما وراءه فلا يكون شفافاً يرى من ورائه لون بشرتها.
وألا يكون ضيقاً يبين حجم أعضائها.. في صحيح مسلم عن النبي أنه قال: { صنفان من أهل النار لم أرهما: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، ورؤوسهن مثل أسنمة البخت، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، ورجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها عباد الله }.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: ( قد فسر قوله { كاسيات عاريات } بأن تكتسي ما لا يسترها. فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية. مثل تكتسي الثوب الرقيق يصف بشرتها أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها، وإنما كسوة المرأة ما يسترها فلا يبدي جسمها ولا حجم أعضائها لكونه كثيفاً واسعاً ). انتهى.
وألا تتشبه بالرجال في لباسها. فقد لعن النبي المتشبهات من النساء بالرجال. ولعن المترجلات من النساء. وتشبهها بالرجل في لباسه أن تلبس ما يختص به نوعاً وصفه في عرف كل مجتمع بحسبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: ( فالفارق بين لباس الرجال والنساء يعود إلى ما يصلح للرجال وما يصلح للنساء، وهو ما يناسب ما يؤمر به الرجال وما تؤمر به النساء، فالنساء مأمورات بالاستتار والاحتجاب دون التبرج والظهور. ولهذا لم يشرع للمرأة رفع الصوت في الأذان، ولا التلبية، ولا الصعود إلى الصفا والمروة، ولا التجرد في الإحرام كما يتجرد الرجل. فإن الرجل مأمور يكشف رأسه وألا يلبس الثياب المعتادة، وهي التي تصنع على قدر أعضائه فلا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا الخف، إلى أن قال: وأما المرأة فإنها لم تنه عن شيء من اللباس لأنها مأمورة بالاستتار والاحتجاب، فلا يشرع لها ضد ذلك. لكن مُنعت أن تتنقب وأن تلبس القفازين، لأن ذلك لباس مصنوع على قدر العضو ولا حاجة بها إليه. ثم ذكر أنه تغطي وجهها بغيرهما عن الرجال، إلى أن قال في النهاية: وإذا تبين أنه لابد من أن يكون بين لباس الرجال والنساء، وأن يكون لباس النساء فيه الاستتار والاحتجاب ما يحصل مقصود ذلك ظهر أصل هذا الباب وتبين أن اللباس إذا كان غالبه لبس الرجال نهيت عنه المرأة إلى أن قال: فإذا اجتمع في اللباس قلة الستر والمشابهة نهي من الوجهين. والله أعلم ). انتهى.
وألا يكون فيه زينة تلفت الأنظار عند خروجها من المنزل: لئلا تكون من المتبرجات بالزينة.
والحجاب معناه أن تستر المرأة جميع بدنها عن الرجال الذين ليسوا من محارمها كما قال تعالى: وَلا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَو آبَائِهِنَّ أَو آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو أَبنَائِهِنَّ أَو أَبنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو إِخوَانِهِنَّ [النور:31]، وقال تعالى: وَإِذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَسئَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53].
والمراد بالحجاب ما يستر المرأة من جدار أو باب أو لباس. لفظ الآية وإن كان وارداً في أزواج النبي فإن حكمه عام لجميع المؤمنات، لأنه علل ذلك بقوله تعالى: ذَلِكُم أَطهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، وهذه علة. فعموم علته دليل على عموم حكمه. وقال تعالى: يَا أيها النبِي قُل لأِزوَاجِكَ وَبَنَاتَكَ وَنِسَآءِ المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنّ مِن جَلآبِيبِهِنّ [الأحزاب:59].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: ( والجلباب هو الملاءة، وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره الرداء ويسمية العامة الإزار. وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها فلا تظهر إلا عينها ومن جنبه النقاب ) انتهى.
ومن أدلة السنة النبوية على وجوب تغطية المرأة وجهها من غير محارمها حديث عائشة رضي الله عنها قالت: { كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزنا كشفناه } [رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه].
وأدلة وجوب ستر وجه المرأة عن غير محارمها من الكتاب والسنة كثيرة، وإني أحيلك أيتها الأخت المسلمة في ذلك على:
- رسالة الحجاب واللباس في الصلاة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
- ورسالة الحجاب للشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز رحمة الله.
- ورسالة الصارم المشهور على المفتونين بالسفور للشيخ حمد بن عبدالله التويجري.
- ورسالة الحجاب للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
فقد تضمنت هذه الرسائل ما يكفي.
واعلمي أيتها الأخت المسلمة أن الذين أباحوا لك كشف الوجه من العلماء ـ مع كون قولهم مرجوحاً - قيدوه بالأمن من الفتنة. والفتنة غير مأمونة خصوصاً في هذا الزمان الذي قل فيه الوازع الديني في الرجال والنساء، وقل الحياء، وكثر فيه دعاة الفتنة، وتفننت النساء بوضع أنواع الزينة على وجوههن مما يدعو إلى الفتنة، فاحذري من ذلك أيتها المسلمة، والزمي الحجاب الواقي من الفتنة بإذن الله، ولا أحد من علماء المسلمين المعتبرين قديماً وحديثاً يبيح لهؤلاء المفتونات ما وقعن فيه.
ومن النساء المسلمات من يستعملن النفاق في الحجاب فإذا كن في مجتمع لا يلتزم بالحجاب لم يحتجبن. ومنهن من تحتجب إذا كانت في مكان عام وإذا دخلت محلاً تجارياً، أو مستشفى، أو كانت تكلم أحد صاغة الحلي، أو أحد خياطي الملابس النسائية كشفت وجهها وذراعيها كأنها عند زوجها أو أحد من محارمها.. فاتقين الله يا من تفعلن ذلك.
ولقد شاهدنا بعض النساء القادمات في الطائرات من الخارج لا يحتجبن إلا عند هبوط الطائرة في أحد مطارات هذه البلاد، وكأن الحجاب صار من العادات لا من المشروعات الدينية.
أيتها المسلمة: إن الحجاب يصونك ويحفظك من النظرات المسمومة الصادرة من مرضى القلوب وكلاب البشر، ويقطع عنك الأطماع المسعورة، فالزمية، وتمسكي به، ولا تلتفتي للدعايات المغرضة التي تحارب الحجاب أو تقلل من شأنه؛ فإنها تريد لك الشر كما قال الله تعالى: يُرِيدُ الّذينَ يَتَبِعُونَ الشّهَوَاتِ أَن ّ تَمِيلُوا مَيلاً عَظِيماً [النساء:27].
وإذا خرجت المرأة إلى المسجد للصلاة فلا بد من مراعاة الآداب:
تكون متسترة بالثياب والحجاب الكامل، قالت عائشة رضي الله عنها: ( كان النساء يصلين مع رسول الله ثم ينصرفن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس ) [ متفق عليه].
وأن تخرج غير متطيبة لقوله : { لا تمنعوا إماء الله، مساجد الله وليخرجن تفلات } [رواه أحمد وأبو داود] معنى { تفلات }: أي غير متطيبات.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { أيما إمرأة أصابت بخوراً فلا تشهدن معنا العشاء الآخرة } [رواه مسلم وأبوداود والنسائي].
ولا تخرج متزينة بالثياب والطيب، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: { لو أن رسول الله رأى النساء ما رأينا لمنعهن من المسجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها } [متفق عليه].
وإن كانت المرأة واحدة صفت وحدها خلف الرجال لحديث أنس حين صلى بهم رسول الله قال: { قمت أنا واليتيم وراءه وقامت العجوز من ورائنا } [رواه الجماعة إلا ابن ماجه].
وعنه: { صليت أنا واليتيم في بيتنا خلف النبي وأمي خلفنا ـ أم سليم ـ } [رواه البخاري].
وإن كان الحضور من النساء أكثر من واحدة فإنهن يقمن صفاً أو صفوفاً خلف الرجال، لأنه { كان يجعل الرجال قدام الغلمان، والغلمان خلفهم، والنساء خلف الغلمان } [رواه أحمد].
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها } [رواه الجماعة إلا البخاري].
ففي الحديثين دليل على أن النساء يكن صفوفاً خلف الرجال، ولا يصلين متفرقات إذا صلين خلف الرجال، سواء كانت صلاة فريضة أو صلاة تراويح أو كسوف أو صلاة عيد أو صلاة جنازة.
وإذا سها الإمام في الصلاة فإن المرأة تنبه بالتصفيق ببطن كفها على الأخرى ولقوله : { إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال ولتصفق النساء } وهذا إذن إباحة لهن في التصفيق في الصلاة عند نائبة تنوب ومنها سهو الإمام. وذلك لأن صوت المرأة فيه فتنة للرجال فأمرت بالتصفيق ولا تتكلم.
وإذا سلم الإمام بادرت النساء بالخروج من المسجد، وبقى الرجال جالسين، لئلا يدركوا من انصرف منهن لما روت أم سلمة قالت: ( إن النساء كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله قام الرجال ).
قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: ( ويخالف النساء الرجال في صلاة الجماعة في أشياء:
أحدها: لا تتأكد في حقهن كتأكدها في الرجال.
الثاني: تقف إمامتهن وسطهن.
الثالث: تقف واحدتهن خلف الرجال لا بجنبه بخلاف الرجل.
الرابع: إذا صلين صفوفاً مع الرجال فآخر صفوفهن أفضل من أولها ) إنتهى.
ومما سبق يعلم تحريم الإختلاط بين الرجال والنساء وإذا كان الإختلاط ممنوعاً في موضع العبادة فغيره من باب أولى.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ـــــــــــــــــــ(68/362)
أيها المعاكس.. قف
دار الوطن ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 5133
(1827 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن من الأخطار التي تهدد كثيراً من البيوت سوء إستخدام الهاتف، وعدم مبالاة أولياء الأمور. مع من يتحدث أبناؤهم، ومع من تتحدث بناتهم، حتى وصل الأمر إلى وقوع حوادث وخيمة عن طريق المعاكسات الهاتفية، التي عمت بها البلوى في كثير من مجتمعات المسلمين.
لقد حذر ونهى الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم النساء من الخضوع بالقول للرجال صيانة لهن عن الفساد وتحذيراً لهن عن أسباب الإنحراف والقتنة، قال تعالى: يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا [الأحزاب:32].
ولأهمية هذا الموضوع وخطورته أحببت أن أكتب هذه الرسالة المختصرة مبيناً أسباب المعاكسات الهاتفية وموضحاً أخطارها للتذكير والإتعاظ. أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الجهد، وأن يكتبه في موازين أعمالنا، وأن يحفظ علينا أبنائنا وبناتنا، إنه سميع قريب مجيب وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
أسباب المعاكسات الهاتفية
أولاً: ضعف الإيمان:
يقول تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]، فمن صفات المؤمنين والمؤمنات، أنهم يطيعون الله ورسوله ، أما إذا ضعف الإيمان وأصبح العبد غارقاً في المعاصي تاركاً طاعة الله ورسوله، فإنه لا يبالي عندما يستخدم سماعة الهاتف لينتهك أعراض المسلمين.
ثانياً: سوء التربية:
إن إهمال الطفل وعدم تربيته التربية الصالحة المستمدة من الكتاب والسنة منذ نعومة أظفاره لها أثر سيئ على سلوكه، حيث إن الطفل الذي لم يتلق تربية صالحة فإنه في الغالب عندما يكبر ويشب يقع في المحرمات والموبقات.
يقول الإمام الغزالي: الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوّد الخير وعُلّمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة أبواه، وكل معلم ومؤدب، وإن عُوّد الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيّم عليه والولي له، يقول الرسول : { كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه }.
وإذا كان للمنزل كل هذا الأثر في حياة الطفل وجب تحقيقاً للغاية السابقة أن يحاط بكل ما يغرس في نفسه روح الدين والفضيلة.
ثالثاً: رفقاء السوء:
إن قرناء السوء من الجنسين هم أولئك الذين يريدون لأصحابهم الدمار والضياع، ويريدون بهم التعاسة والشقاء، والغرق في بحر المعاصي والمنكرات.
ولقد حذرنا الله عز وجل من الرفيق السيئ فقال تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا [الفرقان:27-29].
فكم من فتاة أو امرأة أرادت أن تسير في طريق الله تعالى، ولكن لم تفلت من براثن الرفقة السيئة التي تجرها إلى المعصية وتحببها إليها.
وكم من شاب أراد التوبة وندم على ما فرط في جنب الله ولكن رفقاء السوء لم يتركوه بل أقنعوه بما هم عليه من ضلال وانحراف.
فاحذر أيها الأب من أن يصاحب أولادك تاركاً للصلاة أو بذئ اللسان أو مستهزئاً بالدين، أو منحرفاً ضالاً بعيداً عن الله.
واحذر من أن تصحب بناتك من تكون متبرجة نازعة لجلباب الحياء، التي تبحث عن الموضة وآخر الموديلات ولا حول ولا قوة إلا بالله.
رابعاً: الإعلام المدمر:
والإعلام الآن له دور مؤثر في إفساد الشباب والفتيات أعني الإعلام بكل أنواعه المرئي والمقروء والمسموع وخاصةً ما سمي (بالدش) والذي ينقل لنا جميع القنوات الفضائية من أنحاء العالم، والتي تحمل الشر والفساد والفجور والرذيلة.
إن أعظم جرم يرتكبه الأب بحق أسرته هو إدخال هذه الأجهزة الفتاكة المدمرة إلى بيته. فبدلاً من أن يربي أبناءه وبناته على الطهر والعفاف، فإنه يربيهم على رؤية الفاسقين والفاسقات ورؤية المجون والخلاعة.
والنتيجة: إنحراف الأبناء وخسارة الشرف وقبل ذلك ضياع الدين.
أيتها الكريمة: إن الحل هو أن تبتعدي عن تلك الروائح المنتنة ليبقى الحياء والعفاف.
ويا أيها الآباء والأمهات: أخرجوا هذه الأجهزة من بيوتكم لتقوم تلك البيوت على الفضيلة.
هذه بعض الأسباب المهمة، وهناك أسباب كثيرة ولكن اقتصرت على أبرزها وأهمها، والتي لو عمل بها أولياء الأمور لخرّجوا لنا جيلاً مؤمناً صالحاً يبني ولا يهدم.
أخطار المعاكسات الهاتفية
لا شك أن للمعاكسات الهاتفية مثالب وأخطار كثيرة، يجب معرفتها وتبصير الناس بها وتحذيرهم منها. فمعرفة الخطر جزء من العلاج، لأن من عرف خطر الشئ ربما دفعه إلى تركه، ومن أهم أخطار المعاكسات الهاتفية ما يلي:
أولاً: إثارة الغرائز وانتشار الزنا: وهذه هي أشدها وأخطرها وهي غاية ما يريد المعاكس من الفتاة، وبداية المعاكسة تكون بالخضوع بالقول، ثم العشق والحب والغرام، ثم المواعيد... وهكذا. وكما قيل: نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامٌ فكلامٌ فموعدٌ فلقاءٌ. تبدأ الجريمة بالاتصال ثم تعطيه الفتاة رقمها ثم تواعده ليراها، ثم يخلوا بها وما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما، ثم تحدث الجريمة.
ثانياً: انهيار الأسرة و ضياع الأولاد: وهذه نتيجة من أخطر نتائج المعاكسات الهاتفية لأن الفتاة التي تمارس هذه الجريمة تكون أسيرة تهديد شاب لا يخاف الله، أعطته في يوم من الأيام صورتها أو أخذت صورة معه. إضافة إلى المكالمة الهاتفية التي تم تسجيلها عن طريق هذا الذئب الغدار، وقد امتلأ الشريط بعبارات الحب والعشق والغرام وبألفاظ الخنا والفسق وغير ذلك. وتحت هذا التهديد ربما باعت عرضها خوفاً من أن يعرف عنها والدها أو أسرتها شيئاً.
فتأملي أختي ما يمكن أن تقعين فيه من الغم والهم والفضيحة وضياع أبنائك وأسرتك بأكملها بسبب مكالمة هاتفية ربما كانت في نظرك شيئاً تافهاً.
والأخطار كثيرة ولعل هذه أهمها والله المستعان.
طريق العلاج
إن طريق العلاج من هذه الآفة العظيمة سهل يسير لمن سهله الله عليه، إنه يحتاج إلى نية صادقة وعزيمة قوية، ومعاهدة النفس ومحاسبتها ومجاهدتها للتخلص من هذا العبث المدمر، ومن وسائل العلاج ما يلي:
أولاً: الخوف من الله: اعلم أيها الأخ الحبيب وأيتها الأخت المؤمنة أن الخوف من الله عز وجل هو العلاج الناجح لأي تفريط يقع فيه الإنسان، لأن الخوف من الله يثمر تقوى الله عز وجل، والتقوى هي فعل المأمورات واجتناب المنهيات، والرجل أو المرأة اللذان يرجوان الله والدار الآخرة يدفعهما ذلك إلى مراقبة الله تعالى والخوف منه.
إذا ما خلوت بريبةٍ في ظلمة *** والنفسُ داعيةٌ إلى الطغيان
فاستحْي من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني
وقال آخر:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوت ولكن قل عليّ رقيبُ
و لا تحسبن الله يغفل ساعةً *** ولا أن ما تخفي عليه يغيبُ
وقال آخر ينصح معاكسة:
هتف بهاتفها الخبيثُ يقولُ *** هل للتعارفِ واللقاء سبيلُ؟
إني رأيتك مرة بجوارنا *** وأصابني فيما رأيت ذهولُ
وودت أن يجري التعارفُ بيننا *** والقول في حُلْو الكلام يطولُ
قلت: اسمعي يا أختُ إني مسلم *** والداء في لغو الكلام وبيلُ
كفي عن القول المعيب فإن ما *** يأتي من النبع الكريم أصيلُ
قالت أراك مطالباً لي بالعلا *** فانصح وإنك بالصلاح كفيلُ
فأجبتها أخت الكرام تجمَّلي *** بالدين تاجاً، والحيا الكليل
قد أفسد الغرب المريض نسائنا *** وأصابنا بعد الشروق أفول
ثانياً: معرفة الغاية التي خلق الإنسان من أجلها: قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ [الذاريات:57،56]، وهذه هي الغاية الحقيقة للإنسان في الحياة وهي عبادة الله وحده سبحانه وتعالى العبادة الحقيقة بمعناها الشامل الكامل، فيأتمر الإنسان بأوامر الله، وينتهي عن نواهيه، ولا يتعدي حدود الله في كل صغيرة وكبيرة، حينئذ يكون العبد قد علم الغاية التي خلق من أجلها وحققها قولاً وعملاً.
ثالثاً: تربية الأبناء تربية إسلامية: وهذا الطريق من أهم طرق العلاج وذلك أن الطفل إذا نشأ وتربى على الأخلاق الإسلامية وتربى على التوحيد والعقيدة الصحيحة فإنه سيصبح فرداً صالحاً في المجتمع وعضواً نافعاً في هذه الحياة.
فعلى الآباء تربية أولادهم منذ نعومة أظفارهم على أصول الإيمان وأركان الإسلام، ثم تربيتهم على الأخلاق الإسلامية العظيمة كالتحذير من التشبه والتقليد الأعمى، وتحذيرهم من الاستماع إلى الموسيقى والغناء، وتحذيرهم من التخنث والتشبه بالنساء، وتحذيرهم من السفور والتبرج والاختلاط والنظر إلى المحرمات وغير ذلك من الأخلاق المخالفة لتعاليم الإسلام ومبادئ ديننا الحنيف.
رابعاً: الرفقة الصالحة: وهذا من أهم واجبات الوالدين وذلك بمتابعة أبنائهم والنظر فيمن يصاحبون، ثم يقومان باختيار الرفيق الصالح الطيب المعروف بالطهر والفضيلة والأخلاق والوعي الإسلامي، لأن الرفقة الصالحة تؤصل في نفوس الأبناء روح الإيمان والطاعة لله، والانقياد للإسلام في كل أوامره ونواهيه. والصحبة الصالحة لها آثار طيبة على الفرد والمجتمع منها: الحماية من الانحراف، واكتساب الأخلاق الحميدة، والحماس لفعل الطاعات، والتخلص من المعاصي، وحفظ الوقت من الإهدار، وبركة المجالس التي ينالها بسبب صحبتهم وغير ذلك من الآثار الطيبة.
خامساً: الزواج: يقول النبي : { يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء } [متفق عليه].
والتبكير بالزواج يكسر حدة الشهوة عند الشباب والفتيات، لذا يجب على أولياء الأمور أن يزيلوا المعوقات التي من شأنها أن تصرف الرجال عن الزواج أو تؤخر سن الزواج.
والزواج فيه مصالح اجتماعية كثيرة تعود على الفرد والمجتمع منها: المحافظة على الإنسان، وافتخار الأولاد بانتسابهم إلى آبائهم، وسلامة المجتمع من الانحلال الخلقي، وكذلك سلامة المجتمع من الأمراض الفتاكة التي تنتشر بسبب الزنى. وأخيراً فإن الزواج سكن روحي ونفساني بما يحدثه من المودة والألفة والمحبة بين الزوجين.
اسمعي! هذه القصة
لم يكن يدور بخلدها أن الأمر سيؤول بها إلى هذا الحد، فقد كان الأمر مجرد عبث بسيط بعيد عن أعين الأهل... كانت مطمئنة تماماً إلى أن أمرها لا يعلم به أحد !! حتى ساعة الصفر ووقعت الكارثة !! زهرة صغيرة ساذجة يبتسم المستقبل أمامها، وهي تقطع الطريق جيئةً وذهاباً من وإلى المدرسة، كانت تترك لحجابها العنان يذهب مع الهواء كيفما اتفق، ولنقابها الحرية في إظهار العينين، وبالطبع لم تكن في منأى عن أعين الذئاب البشرية التي تجوب الشوارع لاصطياد الظباء الساذجة الشاردة.
لم يطل الوقت طويلاً حتى سقط رقم هاتف أحدهم أمامها، فلم تتردد أبداً في التقاطه ! تعرفت عليه فإذا هو شاب أعزب قد نأت به الديار بعيداً عن أهله، ويسكن وحده في الحي ! رمى حول صيده الثمين شباكه، وأخذ يغريها بالكلام المعسول، وبدأت العلاقة الآثمة تنمو وتكبر بينهما، ولم لا والفتاة لا رقيب عليها، فهي من أسرة قد شتت شملها أبغض الحلال عند الله، وهدم أركانها الخلاف الدائم، فأصبحت الخيمة بلا عمود يحملها، وسقطت حبالها، فلا مودة ولا حنان يربطها.
ألح عليها أن يراها، وبعد طول تردد وافقت المسكينة وليتها لم توافق، فقد سقطت الفريسة سهلة في المصيدة بعد أن استدرجها الذئب إلى منزله ولم يتوان لحظة واحدة في ذبح عفتها بسكين الغدر وافتراسها !!
ومضت الأيام وهي حبلى بثمرة المعصية، تنتظر ساعة المخاض لتلد جنيناً مشوهاً ملوناً بدم العار، لا حياة فيه ولا روح !! وتكتشف الأم الأمر فتصرخ من هول المفاجأة، فكيف لابنتها العذراء ذات الأربعة عشر ربيعاً أن تحمل وتلد !! أسرعت إلى الأب لتخبره وليتداركا الأمر ولكن هيهات، فالحمامة قد ذبحت ودمها قد سال !! والنتيجة إيداع الذئب السجن والفتاة إحدى دور الرعاية الاجتماعية... البداية كانت الحجاب الفاضح والنهاية.. !!!
وأخيراً... أختي المسلمة:
ماذا يريد منك المعاكس؟ وهو يستدرجك إلى اللقاء، ويزين لك حلاوة اللقاء، ويغريك بالزواج، إنه يريد أن يقضي منك حاجته ثم يرميك كما يُرمى العلك بعد حلاوته، ثم لا يبالي هو في أي واد تهلكين.
أختي الشابة: ليست الفتاة كالفتى إذا انكسرت القارورة، فلا سبيل إلى إعادتها، والمجتمع لا يرحم، والناس كلهم أعين وألسن.
أختي الشابة: قال الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ [النور:33].
أختاه تعففي حتى يغنيك الله بالزوج الصالح، ولا تستعجلي قضاء الشهوة، فإن من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه.
إن المعاكس ذئبٌ *** يغري الفتاة بحيلة
يقول هيا تعالي *** إلى الحياة الجميلة
قالت أخاف العار والإغراق *** في درب الرذيلة
والأهل والإخوان والجيران *** بل كل القبيلة
قال الخبيث بمكر *** لا تقلقي يا كحيلة
إنا إذا ما التقينا *** أمامنا ألف حيلة
إنما التشديد والتعقيد *** أغلالٌ ثقيلة
ألا ترين فلانة؟ *** ألا ترين الزميلة؟
وإن أردت سبيلاً *** فالعرس خير وسيلة
وانقادت الشاةُ للذئب *** على نفس ذليلة
فيا لفحش أتته *** ويا فعال وبيلة
حتى إذا الوغد أروى *** من الفتاة غليلة
قال اللئيم وداعاً *** ففي البنات بديلة
ـــــــــــــــــــ(68/363)
حكم حضور النساء إلى المساجد
صالح بن فوزان الفوزان
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 2981
(734 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن ديننا كامل وشامل لمصالحنا في الدنيا والآخرة، جاء بالخير للمسلمين رجالاً ونساءً: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل:97]؛ فهو قد اهتم بشأن المرأة، ووضعها موضع الإِكرام والاحترام، إن هي تمسكت بهديه، وتحلَّت بفضائله.
ومن ذلك أنه سمح لها بالحضور إلى المساجد للمشاركة في الخير من صلاة الجماعة، وحضور مجالس الذكر، مع الاحتشام، والتزام الاحتياطات التي تبعدها عن الفتنة، وتحفظ لها كرامتها.
فإذا استأَذنت إلى المسجد، كره منعها، قال النبي : { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن، وليخرجن تفلات } أي: غير متزينات ولا متطيبات [رواه أحمد وأبو داود]، وذلك لأن أداء الصلاة المكتوبة في جماعة فيها فضل كبير للرجال والنساء، وكذلك المشي إلى المسجد، وفي الصحيحين وغيرهما: { إذا استأذنت نساؤكم بالليل إلى المسجد، فأذنوا لهن }، ووجه كونها تستأذن الزوج في ذلك؛ لأن ملازمة البيت حق الزوج، وخروجها للمسجد في تلك الحال مباح؛ فلا تترك الواجب لأجل مباح، فإذا أذن الزوج؛ فقد أسقط حقه، وقوله : { وبيوتهنَّ خير لهن }؛ أي: خير لهن من الصلاة في المسجد، وذلك لأمن الفتنة بملازمتهن البيوت.
وقوله : { وليخرجن تفلات }؛ أي: غير متطيبات، وإنما أمرن بذلك؛ لئلا يفتن الرجال بطيبهن، ويصرفوا أنظارهم إليهن، فيحصل بذلك الافتتان بهن، ويلحق بالطيب ما كان بمعناه كحسن الملبس، وإظهار الحلي، فإن تطيبت أو لبست ثياب زينة؛ حرم عليها ذلك، ووجب منعها من الخروج، وفي صحيح مسلم وغيره: { أيما امرأة أصابت بخوراً؛ فلا تشهدن معنا العشاء الأخير }.
وكذلك إذا خرجت المرأة إلى المسجد؛ فلتبتعد عن مزاحمة الرجال.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ( يجب على ولي الأمر أن يمنع من اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق ومجامع الرجال، وهو مسؤول عن ذلك، والفتنة به عظيمة، كما قال النبي : { ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء..} ) إلى أن قال: ( يجب عليه منعهن متزينات متجملات، ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات كالثياب الواسعة الرقاق، ومنعهن من حديث الرجال؛ أي: التحدث إليهم في الطرقات، ومنع الرجال من ذلك ) انتهى.
فإذا تمسكت المرأة بآداب الإسلام من لزوم الحياء، والتستر، وترك الزينة والطيب، والابتعاد عن مخالطة الرجال؛ أبيح لها الخروج إلى المسجد لحضور الصلاة والاستماع للتذكير، وبقاؤها في بيتها خير لها من الصلاة في المسجد؛ ابتعاداً عن الفتنة، وتغليباً لجانب السلامة، وحسماً لمادة الشر.
أما إذا لم تلتزم بآداب الإسلام، ولم تجتنب ما نهى عنه الرسول من استعمالها الزينة، والطيب للخروج، فخروجها للمسجد حينئذ حرام، ويجب على وليها وذوي السلطة منعها منه.
وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: ( لو رأى [تعني: الرسول ] ما رأينا؛ لمنعهن من المسجد كما مُنعت بنو إسرائيل )؛ فخروج المرأة إلى المساجد مراعى فيه المصلحة واندفاع المفسدة، فإذا كان جانب المفسدة أعظم؛ مُنعت.
وإذا كان هذا الشأن في خروجها للمسجد؛ فخروجها لغير المسجد من باب أولى، أن تراعى في الحيطة والإبتعاد عن مواطن الفتنة.
وإذا كان هناك اليوم قوم ينادون بخروج المرأة لمزاولة الأعمال الوظيفية، كما هو شأنها في الغرب، ومن هم على شاكلة الغرب؛ فإن هؤلاء يدعون إلى الفتنة، ويقودون المرأة إلى شقائها وسلب كرامتها.. فالواجب إيقاف هؤلاء عند حدهم، وكف ألسنتهم وأقلامهم عن هذه الدعوة الجاهلية، وكفى ما وقعت فيه المرأة في بلاد الغرب، ومن حذا حذوها من ويلات، وتورطت فيه من واقع مؤلم، تئن له مجتمعاتهم، وليكن لنا فيهم عبرة؛ فالسعيد من وعظ بغيره.
وليس لهؤلاء من حجة يبررون بها دعوتهم؛ إلا قولهم: إن نصف المجتمع معطل عن العمل، وبهذا يريدون أن تشارك المرأة الرجل في عمله وتزاحمه فيه جنباً إلى جنب، ونسوا أو تناسوا أو تجاهلوا ما تقوم به المرأة من عمل جليل داخل بيتها، وما تؤديه للمجتمع من خدمة عظيمة، لا يقوم بها غيرها، تناسب خلقتها، وتتمشّى مع فطرتها؛ فهي الزوجة التي يسكن إليها زوجها، وهي الأَم والحامل والمرضع، وهي المربية لللأَولاد، وهي القائمة بعمل البيت، فلو أنها أُخرجت من البيت، وشاركت الرجال في أَعمالهم؛ من ذا سيقوم بهذه الأعمال؟! إنها ستتعطل، ويومها سيفقد المجتمع نصفه الثاني؛ فماذا يغنيه النصف الباقي؟! سيختل بنيانه، وتتداعى أركانه.
إننا نقول لهؤلاء الدعاة: ثوبوا إلى رشدكم، ولا تكونوا ممن بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار، كونوا دعاة بناء، ولا تكونوا دعاة هدم.
أيتها المرأة المسلمة: تمسكي بتعاليم دينك، ولا تغرنك دعايات المضللين الذين يريدون سلب كرامتك التي بوأك منزلتها دين الإسلام، وليس غير الإسلام وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلاَمِ دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فيِ الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ [آل عمران:85]، وفقنا الله جميعاً لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة
ـــــــــــــــــــ(68/364)
فلذات الأكباد وحفظ كتاب الله
عبدالملك القاسم
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 3694
(2112 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
فإن الله عز وجل أنعم علينا بنعم عظيمة وآلاء جسيمة؛ من أعظمها نعمة الأبناء الذين تقر بهم الأعين، وتهنأ بهم النفوس، وهم يتراوحون بين قول الله تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الكهف:46]، وبين قوله تعالى: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ [الأنفال:28]، وبين قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27].
ومن فضل الله علينا أن يسر حفظ القرآن العظيم في مدارس تحفيظ القرآن النظامية، أو عبر حلقات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد للأبناء، وفي دور تحفيظ القرآن المسائية للنساء. وقد قامت الحُجة وتيسّرت السبل ليكون أبناؤنا وبناتنا من حملة كتاب الله عز وجل، فهنيئاً لك أيها الأب أن يكون فلذة كبدك غداً إماماً للمسجد الحرام أو للمسجد النبوي أو لمسجد من المساجد، فما خرج هؤلاء الأئمة إلا من هذه الحلق المباركة التي نفع الله بها.
قال خباب بن الأرت لرجل: ( تقرب إلى الله ما استطعت واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه ) [رواه الحاكم].
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ( من أحي القرآن فهو يحب الله ورسوله ) [رواه الطبراني].
قال الحافظ السيوطي: ( تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام به ينشأ على الفطرة ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكن الأهواء منها وسوادها بأكدار المعصية والضلال ).
وقال بن تيمية رحمه الله: ( وأما طلب حفظ القرآن فهو مقدم على كثير مما تسميه الناس علماً وهو إما باطل أو قليل النفع ).
وحتى تكتمل فرحة الآباء بما لأبنائهم في طَرْقِ هذا الباب العظيم، فإن الله عز وجل تكفل ووعد لحفظة كتابه بثمرات كثيرة منها:
1 - الرفعة في الدنيا والآخرة لقول النبي صلى الله عيه وسلم: { إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين } [رواه مسلم]، فهنيئاً لك أن يكون ابنك أو ابنتك ممن يرفعهم هذا القرآن العظيم ويعلي شأنهم.
2 - إرادة الله عز وجل بأبنائك الخير لقول النبي : { من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين } [رواه البخاري] وأعظم الفقه في الدين قراءة وحفظ كتاب الله عز وجل حيث هو مصدر التشريع الأول.
3 - أنهم من أهل الله وخاصته لقول النبي : { إن لله تعالى أهلين من الناس، أهل القرآن هم أهل الله وخاصته } [رواه أحمد والنسائي].
4 - أن إجلالهم من إجلال الله عز وجل لقول النبي : { إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه } [رواه أبو داود].
5 - تقديمه في الإمامة للصلاة لقول النبي : { يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله تعالى } [رواه مسلم].
6 - تقديمه في القبر، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، ثم يقول: { أيهما أكثر أخذاً للقرآن } " فإن أشير إلى أحدهما قدّمه في اللحد " [رواه البخاري].
7 - أن أولادك ذكوراً وإناثاً في حرز من الشيطان وكيده، قال : { إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة } [رواه مسلم].
8 - أنهم في مأمن من فتنة الدجال قال : { من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال } [رواه مسلم].
9 - أما منازل ذريتك في الآخرة فهي أعظم المنازل وأرفعها، قال : { يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها } [رواه أبو داود والترمذي].
10 - يلبس حلة الكرامة قال : { يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يارب حَلِّه، فيُلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يارب زده، فيُلبس حُلة الكرامة، ثم يقول يارب أرضىََ عنه، فيرضى عنه، فيقال: اقرأ وارقَ ويزاد بكل آية حسنة } [رواه الترمذي].
11 - القرآن شفيع لمن تحب يوم الفزع الأكبر، قال : { اقرؤا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه } [رواه مسلم].
12 - يُلبس تاجاً من نور يوم القيامة: قال : { من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به ألبس يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس } [صحيح الحاكم].
13 - القرآن حجة يوم القيامة، قال : { يؤتى يوم القيامة بالقرآن، وأهله الذين يعملون به، تقدمهم سورة البقرة وآل عمران، تحاجان عن صاحبهما } [رواه مسلم].
14 - أن ابنك من خيار هذه الأمة وكفى بها منزلة قال : { خيركم من تعلم القرآن وعلمه } [رواه البخاري].
15 - بلوغ منزلة السفرة الكرام البررة قال : { الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة.. } [رواه مسلم].
16 - أن ابنك يعيش وينشأ في مجالس ذكر عظيمة قال : { وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده } [رواه مسلم].
17 - رجاء الثواب العظيم: قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ [فاطر:29].
18 - كثرة الثواب على قلة العمل: قال : { من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ( ألم ) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف } [رواه الترمذي].
19 - أن ذريتك من المغبونين بهذا العمل العظيم، قال : { لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به أناء الليل وأناء النهار... } [متفق عليه].
20 - السلامة والنجاة من النار قال : { لو جُمع القرآن في إهاب ما أحرقه الله بالنار } [رواه البيهقي في الشُعب وحسّنه الألباني].
21 - سلامة قلبه من الخراب قال : { إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب } [رواه الترمذي].
22 - أن له بكل غدوة أجر حجة تامة لقوله : { من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلّم خيراً أو يُعلّمه، كان له كأجر حاج تاماً حجته } [رواه الطبراني وصححه الألباني].
23 - أن ابنك يتأدب بآداب حملة القرآن، قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وبورعه إذ الناس يخلطون، وبتواضعه إذ الناس يختالون، وبحزنه إذ الناس يفرحون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبصمته إذ الناس يخوضون ) فأنعم بها من محاسن الأخلاق ومكارمه. ويكفي ابنك وابنتك فخراً أنهم يحملون في صدورهم كلام رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، في زمن امتلأت فيه صدور الشباب والفتيات بما هو تافه محرم.
24 - أن ابنك من حملة راية هذا الدين. قال الفضيل بن عياض رحمه الله: ( حامل القرآن حامل راية الإسلام.. ).
أما أنت أيها الأب وأنتِ أيتها الأم فلكم من الأجر والمثوبة الشيء الكثير ومن ذلك:
1 - تلبس يوم القيامة حلتين. قال : { من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به، أُلبس يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل الشمس، ويُكسى والديه حُلتين لا يقوم بهما الدنيا، فيقولان، بم كسينا؛ فيقال بأخذ ولدكما القرآن } [صححه الحاكم ووافقه الذهبي].
2 - لكما أجر الدلالة على الخير: { الدال على الخير كفاعله } [رواه مسلم].
3 - استمرار ثواب غرس الإسلام في قلوبهم ومحبة هذا الدين وكتاب الله، قال : { من دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً.. } [رواه مسلم].
4 - اقامة معالم الإسلام وسننه في الأهل والجيران والمعارف، فإن الناس يتبعون بعضهم بعضاً، قال : { من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده.. } الحديث.
5 - تنشئة الابن على الخير والصلاح ليكون لكما ذخراً بعد موتكما، فإن النبي اشترط الصلاح في الولد فقال : { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث } وذكر منها { أو ولد صالح يدعو له } [رواه مسلم].
6 - إبعاد الابن عن مواطن الفتن والشبه ووقايته من النار يقول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6].
7 - تقرُّ عينك وأنت تسمع وترى اهتمامات ابنك وابنتك وكلها منصبة في حفظ القرآن وكم حفظ، وإلى أي آية قرأ؟ وهم بهذا ينشأون في طرق الخير بعيداً عن الانحراف ودواعيه، وهذه نعمة عظيمة.
8 - الأجر العظيم الذي تناله من الله عز وجل على الصبر على حسن التربية والتنشئة قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69].
9 - براءة الذمة من عدم التفريط في التربية قال : { كلكم راع ومسئول عن رعيته... والرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته } [متفق عليه].
10 - نفع الأمة والإسهام في تقديم جيل صالح حافظ لكتاب الله ليكونوا صالحين مُصلحين.
وبعض الآباء يتعذر بأن ملَكَات ابنه ضعيفة، أو أن مواهبه قليلة، وهو ضعيف الحفظ، قليل الفهم، ولهذا الأب بعض النقاط التي توضح ما غاب من أمره ومنها:
1 - يكفي ابنك أن يحضر كل يوم حلق التحفيظ وهي مجالس ذكر عظيمة تغشاها الرحمة وتتنزل فيها الملائكة ويذكرهم الله عز وجل فيمن عنده.
2 - الملائكة تستغفر لابنك، والله عز وجل يُسهِّل له أمر هذا الطريق قال : { من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاء بما يطلب، وإن العالم ليستغفر له من في السموات والأرض حتى الحيتان في الماء.. } [رواه أحمد].
3 - ابنك ممن يحملون ميراث النبوة قال : { وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر } [رواه أحمد].
4 - إنه في عبادة عظيمة قال مخاطباً أبا ذر: { يا أبا ذر لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة.. } [رواه ابن ماجة بإسناد حسن].
5 - تعويدهم على ارتياد أماكن العبادة وربطهم بها، وحتى لا يكون بينهم وبين المساجد وحشة إذا كبروا وشبّوا، ولتكون قلوبهم منذ الصغر معلقة بالمساجد وأهلها.
6 - الصحبة الطيبة التي يجدونها في طلبة حِلَقِ التحفيظ فهم من صفوة الصغار الذين نراهم وهؤلاء هم زملاؤه وصحبته إذا كبر.
7 - إن هذا القرآن ميسر قراءته وحفظه للكبير والصغير قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ [القمر:40] وهناك رجال ونساء كبار في السن يحفظون القرآن الكريم كاملاً بالرغم من أنهم لا يعرفون القراءة والكتابة، إنما حفظوا عن طريق السماع.
8 - في بقائهم بعد صلاة العصر مثلاً حفظ لهم من المؤثرات الخارجية: كالشارع والشاشة والصحبة السيئة، وفي ذلك حفظٌ لأوقاتهم وعقولهم واستثمارها فيما ينفع.
9 - لا يشترط في التحاق ابنك لحلق التحفيظ أن يحفظ القرآن كاملاً، بل دعه يسير مع الركب ولا تحرمه أجر المشاركة ويكفي أن يحفظ ما تيسر ففي هذا فضل عظيم.
10 - بعض الآباء يتعذر بأن حفظ أولاده للقرآن الكريم يقلل من تحصيلهم العلمي، والتجربة أكبر برهان على عكس ذلك ولك أن تسأل عن الطلاب النابغين في إدارات التعليم لترى أنهم من حفظة كتاب الله عز وجل.
11 - فترة الطفولة والشباب فرصة ذهبية لحفظ القرآن بعيداً عن المشاغل وكثرة الأعمال مع ثبوت الحفظ في هذه السن. ومن قرأ القرآن في صغره حسنت لغته وتعرف على شواهد القرآن وبلاغته وسَلِمَ من اللحن.
12 - أن ابنك الذي يجد مشقة في القراءة والحفظ له أجر عظيم لقول النبي : {.. والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق له أجران } [رواه مسلم].
أيها الأب المبارك: إن فاتك أمر حفظك لكتاب الله عز وجل فلا تحرم أبناءك وبناتك من ذلك، واحرص على أن يكون لك سهم من سهام الخير بدعم هذه الحلق والمدارس المباركة بما تراه من طيِّب مالك فهم أحق وأولى بالدعم، وليكن لجماعات تحفيظ القرآن جزء من أوقافك فإنها من أكثر المصارف نفعاً وأعظمها أجراً، وأسهم بإسداء الرأي والتوجيه للرفع من مستوى الحلق، فإن ذلك من التعاون على البر والتقوى وفيه إعانة لهم على الاستمرار.
أيها الأب الموفق: أما وقد انشرح صدرك لهذا الأمر العظيم وسمت همتك للعلياء لا يفوتك الحرص على اختيار الحلق الجيدة حتى يستفيد أبناؤكم الفائدة المرجوة، وذلك عن طريق السؤال عن حسن تعامل القائمين على الحلق، ومدى انضباط الأبناء في الحضور والانصراف، ومعرفة وقت بدء الحلقة ونهايتها، ومقدار الحفظ والمراجعة، وابذل لهم الجوائز وكن خير مشجع ومساند لهم.
يا أمة محمد :
اجعلوا بيوتكم دوحات إيمانية ولتكن شجرة أسرتكم أوراقاً خضراء مورقة، فأنتم تحفظون كتاب الله عز وجل وأبناؤكم يسعون في حلقات التحفيظ، وأما أزواجكم وبناتكم فهن في رياض الجنة يتقلبن ويغدين إلى دور التحفيظ النسائية المسائية يحفظن كتاب الله عز وجل.. إنها أسر مباركة. فلا تحرموا أنفسكم من هذا الخير..
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( إن هذا القرآن مأدبة الله فخذوا منه ما استطعتم، فإني لا أعلم شيئاً أصغر من بيت ليس فيه من كتاب الله شيء، وإن القلب الذي ليس فيه من كتاب الله شيء خرب كحجرات البيت الذي لا سكن له ) [رواه الدارمي].
قال تعالى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [الفرقان:30] قال ابن كثير رحمه الله: ( فتركُ تصديقه من هجرانه، وترك تدبره وفهمه من هجرانه وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجه من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء من هجرانه.. ).
أصلح الله لنا الذرية وجعلهم ممن يحملون راية هذا الدين، وجعلنا ممن يستعمله في طاعته ومرضاته.
ـــــــــــــــــــ(68/365)
كيف تأمرين بالمعروف وتنهين عن المنكر
يحيى بن إبراهيم أبو شريفة
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 3945
(1924 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله الذي جعلنا من خير أمةٍ أخرجت للناس، والصلاة والسلام على خير آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فإلى كل مسلمة، إلى الأمهات، إلى المعلمات، إلى كل مؤمنة غيورة على الدين، إلى كل من تنتمي إلى هذه الأمة التي قال عنها خالقها جل في علاه: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ [آل عمران:110].
أيتها المسلمة:
إن كنت تريدين أن تكوني من خير الناس للناس، ومن خير أمة أخرجت للناس، فعليك بتحقيق شرط الخيرية ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنني لأعلم أنه يوجد في قلب كل غيورة على هذا الدين من الحُرقة والألم لما يحصل من تقصير في أوامر الله وانتهاك لمحارم الله ولكن هذا صداق قوله تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103].
يا أخية:
ما الدور الذي يجب أن نقوم به مع وجود هذا التقصير وهذا النقص؟ والأهم منهما أن لا نتعرض لوعيد النبي بقوله: { والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، فتدعونه فلا يستجيب لكم } [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
فكيف الخروج يا أختاه من هذا الوعيد الشديد؟... إنه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فما دام - أيتها الحبيبة - أن ترك هذا الأمر خطير إلى هذا الحد، فهذه دعوةٌ من أعماق قلبي إلى الاهتمام بهذه الشعيرة العظيمة، فأنت يا أختي الأم والمحضن الصالح لأجيال الأمة، وأنت المعلمة والقدوة الصالحة على يديك تسقط رايات الجهل والأميّة، فإليك أختي العزيزة هذه النبذة اليسيرة عن هذه الشعيرة من الآداب والصفات والبشارات لمن قامت بهذه الشعيرة.
أولاً: صفات الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر:
أختي الفاضلة: إن الكثير من الناس يدّعون أنهم يأمرون وينهون، ولكن القليل هم الذين يتحلون بصفات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر التي دعا إليها الإسلام ومن هذه الصفات:
1 - الإخلاص:
الإخلاص هو إفراد الله سبحانه بالقصد في الطاعة والإخلاص هو روح كل عمل، والأعمال التي يستعظمها الناس لا وزن لها عند الله عز وجل إذا فقدت هذه الروح قال تعالى: وَمَا أُمِرواْ إِلا لِيَعبُدواْ اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5].
فلينتبه لهذا الشرط الذي عليه مدار قبول العمل وبالتالي النفع به.
2 - العلم:
من أهم ما يحسن بالآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر أن تتحلى به صفة العلم، فإن العلم زينة لها، ووسيلة صحيحة للعمل، ومرافق دائم في مجال الدعوة والأمر والنهي.
قال تعالى: قُل هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ [الزمر:9]، إن جهالة من تأمر وتنهي فيما تدعو إليه أو تنهى عنه، قد يوقعها في حماقات كثيرة، وإشكالات عديدة، بل ربما حدثت بسبب ذلك مفاسد متعددة، أو تعطلت مصالح راجحة.
3 - القدوة الحسنة:
من السمات الحسنة المؤثرة التي ينبغي أن تتحلى بها الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، أن تكون قدوة حسنة للآخرين؛ لأن التأثير بالاقتداء والتقليد له قيمة كبيرة في نفوس المدعوات، ولذلك كان رسول الله أسوة حسنة، وقدوة صالحة ليحتذي الناس بأقواله وأفعاله ، فمن أسرتها نفسها، وأصبحت عبدة لهواها، فلا يمكن أن تُنكر على الآخرين.
4 - الرحمة بمن تفعل المنكر والخوف عليها من عذاب الله:
ينبغي أن تستشعر الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر هذه الصفة وهذا الأدب، وأن تنظر إلى الواقعة في المنكر نظرة الرحمة، والشفقة، والرغبة في الإحسان إليها؛ لكونها تتنازع مع الشيطان ومع هواها ومع نفسها الأمّارة بالسوء ولذا ينبغي عدم إعانة هؤلاء الأعداء عليها، بل الوقوف معها وفي صفّها حتى تتخلص من هذا الداء الذي ألمّ بها فقد جاء في الحديث عن النبي أنه قال: { لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } [رواه البخاري].
5 - الرفق:
وهو لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل وهو ضد العنف.
وقد سلك نبينا محمد جانب الرفق في عملية التغيير والبناء مع كل مدعويه، وأولئك الذين كان يحتسب عليهم سواء كانوا من اليهود، أم من المشركين، أم من المسلمين.
ولقد حث النبي الكريم المسلمين عامة ويدخل في ذلك الدعاة والمحتسبون من باب أولى بالرفق في جميع أمورهم، ومن ذلك جاء في الحديث أن النبي قال: { إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لايعطي على العنف، وما لا يعطي سواه } [رواه مسلم]. وقال عليه الصلاة والسلام: { من يحرم الرفق يحرم الخير } [رواه مسلم].
6 - الصبر:
قال ابن القيم: ( الصبر خلق فاضل من أخلاق النفس، يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها، وقوام أمرها ).
وإذا كان الصبر ضرورياً لكل مسلم، فإنه لمن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر أشد ضرورة؛ لأنها تعمل في ميدان استصلاح نفسها، وفي ميدان استصلاح غيرها، فإن المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من ذلكم المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم.
ولقد أدرك هذه الحقيقة - التحلي بالصبر - لقمان الحكيم حينما أوصى ابنه بوصايا متعددة ضمّنها التحلي بالصبر. قال تعالى: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأمُر بِالمَعرُوفِ وَانهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصبِر عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ [لقمان:7].
الأوساط النسائية التي يتأكد فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
صالات الأفراح:
ولا يخفى عليك أختي المسلمة ما يحصل في هذه القصور من التقصير في أداء حقوق الله تعالى من الستر والحشمة للنساء اللاتي قلّ حياءهن والعياذ بالله، فالدور عليك أختي المسلمة إنكار هذه المنكرات، والترهيب من لبس هذه الألبسة التي لا تليق بالمرأة المسلمة، هذا ومع العلم أنه لا يجوز لك أختي المسلمة الحضور في الأماكن التي يعلم وجود المنكرات فيها إلا إذا كنت قادرة على التغيير لهذه المنكرات.
المدارس:
ويكون الإنكار فيها على شقين أحدهما: الأمر والنهي للمعلمات اللاتي يقصرن في الحجاب واللباس، وتذكيرهن أنهن قدوات في هذا المقام مع عدم جواز ذلك، والإنكار على المعلمات يكون من مديرة المدرسة أو أخواتها المعلمات. الثاني: الأمر والنهي للطالبات من تقصيرهن في الحجاب والصلوات، والترهيب من فعل هذه المنكرات مع توزيع الأشرطة والكتيبات المناسبة لهذا الموضوع.
الأماكن العامة كالحدائق والأسواق:
لا يصدنّك أختي المسلمة خوف الناس، أو الحياء من تغيير المنكر إذا رأيتيه من إحدى النساء في الحدائق والأسواق والمجتمعات العامة إما بالوعظ اللطيف، أو بإهداء شريط أو مطوية تناسب الحال. وأما في المستشفيات فتغيير المنكر إن وجد أيسر، لأن المرضى والعاملين سريعو التأثر والاستجابة والتقبل للنصح أو للشريط الذي يُهدى لهم.
مجالس النساء كاجتماع نساء الحي وهذا منتشر، أو اجتماع الأقارب وغالب هذه المجالس لا تخلو من منكر إما غيبة، أو نميمة، أو فحش في الألفاظ إلا من رحم الله، فالواجب في هذه المجالس لمن رأت المنكر أن تغير بحسب القدرة، إما بتغيير الموضوع، أو الحديث عن سيرة بعض الصالحين، فإن لم تقدر فلا أقلّ من الانصراف عن هذا المجلس وهجره وهجر أهله.
ملاحظة: يجب أن تعرفي أختي المسلمة أن التغيير للمنكر من عدمه يختلف بحسب تفاوت السن، فليست المرأة الكبيرة كالطفلة، وليست الأم كالبنت في التغيير فليُعلم ذلك.
تنبيهات:
إن الناظرة في هذه الصفات، وهذه المهام تجد أن أمامها عقبة لا تستطيع أن تجوزها، فأقول لها: أربعي على نفسك، وضعي يدك على قلبك، فالأمر يسير لمن يسره الله عليه، ومع معرفة ما يأتي من التنبيهات يهون الأمر بإذن الله.
1 - إن استكمال هذه الصفات أمر عزيز، ولا شك في ذلك ولو كانت كل واحدة تنتظر استكمال هذه الصفات لطال الزمان، ولتعطل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن حسبك بالواجب من هذه الصفات كالإخلاص والعلم والقدرة على التغيير، وما يبقى من هذه الفضائل يأتي مع الصبر والدعاء والممارسة، وهذا أمر مجرب.
2 - إن الإنكار في جميع الأماكن في بداية الأمر يبدو صعباً، ولا تستطيعه كل واحدة، ولا شك أن الإنكار في بعض الأماكن أسهل من البعض الآخر، فالإنكار في البيت ليس كالإنكار في صالات الأفراح مثلاً ولا بد من الصبر والدعاء.
3 - إن الآمرة والناهية لابد وأن تتعرض لبعض المواقف، التي ربما تجعلها ترجع عن القيام بهذا الواجب، فأقول لا بد وأن تعرفي أن طريق الأنبياء المرسلين ليس طريقاً ممهداً بالورود والرياحين، وأن الجنة محفوفة بالمكاره والمخاطر، ولنا في نبينا عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة.
4 - إن الصحبة الصالحة من أهم الأمور المعينة على القيام بهذه الشعيرة العظيمة، فاحذري أختي المسلمة أن تصحبي ضعيفات الهمة والخاملات، فإنك إن صحبتيهن فلن تفلحي أبداً:
يقول الشاعر:
قد هيؤك لأمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
مراتب التغيير:
أختي الكريمة إن من رحمة الله سبحانه وتعالى أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها، وهذه قاعدة متينة من قواعد هذا الدين العظيم، وتصوري أختي العزيزة لو كان الأمر بالإنكار لكل الناس باليد لحصل من الشر والبلاء والتطاحن بين الخلق ما لا يحصى شره إلا الله وحده... ولهذا قال النبي : { من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان } [رواه مسلم]. فهذا توجيه نبوي بإنكار المنكرات ولكن كلٌ على حسبه كما يلي:
المرتبة الأولى: الإنكار باليد وهو مشروط بالقدرة، وعدم ترتب مفسدة أكبر من جرّائه، وليس لكل أحد الإنكار باليد، فإذا رأيت أنك لا تتمكنين من تغييره بيدك إما لعدم قدرتك على ذلك، أو خشيتي ترتب مفسدة أكبر من المصلحة المرجوة، فإنك تنتقلين بعد ذلك إلى:
المرتبة الثانية: وهو الإنكار باللسان وإنما تنتقلين إلى هذه المرتبة إذا عجزت عن التي قبلها، وهذه المرتبة أيسر ولا شك، والذي ينبغي في هذه المرتبة هو التغيير بحسب قول الله تعالى: ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ [النحل:125] فإذا عجزت عن الإنكار باللسان فإنك تنتقلين إلى:
المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب وهي أدناها ولا شك، ولا رخصة لأحد في تركه أبداً، وضابطة هو الإيمان بأن هذا منك، وكراهته والاستمرار في كرهه وبغضه، فإذا لم يكن الإنكار بالقلب فهذا دليل على عدم الإيمان، ودليل على موت القلب والعياذ بالله؛ لأن الإنكار بالقلب هو آخر حدود الإيمان.
مبشرات:
أختي المسلمة: إن القائمة بهذه الشعيرة والتي حملت على عاتقها الهمّ الأعظم، ألا وهو همُّ الدين ومرضاة رب العالمين فأقول إنها، قد انتظمت في سلك الفالحين، وسلكت طريق الأنبياء والمرسلين، واعلمي أختي المسلمة أن الله لم يأمرنا بما فيه مضرة محضة، وإن كان ظاهر هذه الشعيرة غير هذه الحقيقة، فمن كان همتها ورغبتها متعلقة بالعرش، وترغب في مرضات ربها، فلتعلم أن الراحة الأبدية في جنات الخُلد، لا في هذه الدنيا فإليك يا أختي هذه البشارات والمحفزات لعل الله أن ينفع بها:
التشبه بالرسل، والقيام بدعوتهم، والسير في طريقهم.
النجاة من العذاب الدنيوي والأخروي، وحينما يحل العذاب بقوم ظالمين، فإن الله ينجّي الذين ينهون عن السوء. كما قال تعالى: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيناَ الذَّيِنَ يَنهَونَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذنَا الذَّيِنَ ظَلَمُواْ بِعَذَابِ بَئِس بِمَا كَانُواْ يَفسُقُونَ [الأعراف:165].
الخروج من عهدة التكليف، ولذا قال الذين حذروا المعتدين في السبت من بني إسرائيل، لما قيل لهم لِمَ تَعِظُونَ قَوماً اللهُ مُهلِكُهُم أَو مُعَذِّبُهُم عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعذِرةً إِلَى رَبِّكُم [الأعراف:164] فالساكتة عن الحق مؤاخذة، ومتوعدة بالعقوبة، كما أنها شيطان أخرس.
إقامة حجة الله على خلقه قال الله تعالى: رُّسُلاً مّثبَشِّرينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةُ بَعدَ الرُّسُلِ [النساء:165].
أداء بعض حق الله عليك من شكر النعم التي أسداها لك، من صحة البدن، وسلامة الأعضاء، يقول النبي : { يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة..... وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة } [رواه مسلم].
هذا بالإضافة إلى الكثير من الفضائل والفوائد التي لا يحصى عددها إلا الله، والتي تعود بالنفع للفرد والمجتمع كرجاء استقامة الأفراد، ورفع العقوبات العامة عن المجتمع.
[مقدمة الشيخ سعد بن سعيد الحجري]
الحمد لله الذي جعل الدين النصيحة، واختار له أهل الأقوال المليحة والألسنة الفصيحة، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الذي أيّده الله بالآيات الصريحة، والسنة الصحيحة، وعلى آله وصحبه ومن سار على طريقه إلى يوم الدين أما بعد:
فإن من عوامل الحفظ للإنسان والحفظ للأمم والشعوب وحمايتها من الهلاك القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قدمه الله تعالى على الإيمان في قوله تعالى: كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعُروفِ وَتَنهوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ [آل عمران:110] وجعله أمناً من العذاب في قوله: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرَى بِظُلمٍ وَأهلُهَا مَصلِحُونَ [هود:117] وجعله الربح الدائم في الدنيا والآخرة في قوله تعالى: وَالعَصرِ (1) إِنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسرٍ (2) إِلاَّ الَّذِيِنَ آمَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَواْ بِالحَقِ وَتَوَاصَواْ بِالصَّبرِ [العصر:1-3] ولأهميته فقد كتب الأخ الفاضل/ يحي بن إبراهيم أبو شريفه هذه الرسالة المتواضعة التي تحث بنات حواء المؤمنات الغيورات على القيام بهذا الأمر الجلل.
أسأل الله أن ينفعه بها، وأن يجعل العمل خالصاً لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ(68/366)
الحجاب والجلباب
صالح بن عبدالله بن حميد
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 5419
(1399 كلمة)
صورة المطوية
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونؤمن به، ونتوكلُ عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده اللهُ فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أنَّ محمداً عبدهُ ورسولهُ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أمَّا بعد:
لقد بعث الله نبيَّه محمداً بالهدى ودينِ الحقَّ، ما ترك خيراً إلا دلَّ الأمةَ عليه، ولا شراً إلا حذرها منه، فشمل دينه أحكاماً ووصايا، وأوامرَ وتوجيهات في نظام متكامل مربوط برباطِ الفضيلة، بجميع أنواعها وشتى كمالاتها ووسائلها.
وإنَّ من أعظم مقاصد هذا الدين إقامةُ مجتمع طاهر، الخلقُ سياجه، والعفةُ طابعةُ، والحشمةُ شعارهُ، والوقار دثارُه، مجتمعٌ لا تهاجُ فيه الشهواتُ، ولا تثارُ فيه عواملُ الفتنةِ، تضيق فيه فرصُ الغواية، وتقطع فيه أسبابُ التَّهييج والإثارةِ. ولقد خُصَّت المؤمناتُ بتوجيهاتٍ في هذا ظاهرةٍ، ووصايا جليلة.
فعفَّةُ المؤمنة نابعةٌ من دينها، ظاهرةٌ في سلوكها، ومن هنا كانت التربية تفرضُ الانضباطَ في اللباس سُترةً واحتشاماً، ورفضاً للسيرة المتهتكة والعبث الماجن.
فشُرع الحجاب؛ ليحفظ هذه العفَّة ويحافظ عليها. شُرعَ؛ ليصونها من أن تخدشها أبصار الذين في قلوبهم مرضٌ.
وأحكام الحجاب في كتاب الله، وفي سنة رسوله صريحةٌ في دعوتها، واضحةٌ في دلالتها، ليست مقصورة على عصر، ولا مخصوصة بفئة دون فئة.
يَا أَيُّهاَ النَّبِيُّ قُل لأزوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابِيبِهنَّ ذَلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلاَ يُؤذَينَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيماً [الأحزاب:59].
تقول أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما: { لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية } [أخرجه أبو داود].
والجلباب: كلُّ سائر من أعلى الرأس إلى أسفل القدم، من ملاءة وعباءة، وكلُّ ما تلتحف به المرأة فوق درعِها وخمارها.
وإدناء الجلباب يعني: سدلَه وإرخاءَه على جميع بدنها، بما في ذلك وجهها. وفي تفسير ابن عباس رضي الله عنهما: هو تغطية الوجه من فوقِ رأسِها، فلا يبدو إلا عينٌ واحدةٌ.
وما خوطب به أمهاتُ المؤمنين أزواج النبيِّ مطالبٌ به جميع نساء المؤمنين.
يَا نِساءَ النَّبِيِ لَستُنَّ كَأحَدٍ مِّنَ النِسَاءِ إِنِ اتَّقَيتُنَّ فَلاَ تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولاً مَّعرُوفاً (32) وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33،32].
فنهى عن الخضوع بالقول، والتَّبرج تبرج الجاهلية الأولى، وأمر بالمعروف من القول، ولزوم القرار في البيوت.
نساء المؤمنين في ذلك كنساء النبي ، بل هو في حقِّ نساء المؤمنين آكد وأولى كما لا يخفى.
وما قوله سبحانه: لَستُنَّ كأحَدٍ مِنَ النِساءِ [الأحزاب:32] إلا تأكيداً لهذا، إذ المقصود بيان: أنَّهن محلُّ الأسوةِ والامتثالِ الأول، ومَن بعدهن متأسيات بهن.
وفي هذا يقول أبوبكر الجصاصُ: ( وهذا الحكم وإن نزل خاصاً في النبي وأزواجه، فالمعنى فيه عامٌ وفي غيره ).
وفي مقام آخر - أيها المؤمنون والمؤمنات - يقول الله عز وجل: وَقُل لِّلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنهَا وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوآبَائِهِنَّ أَو آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31].
ولقد ذكر في الآية زينتان:
إحداهما: لا يمكن إخفاؤها وَلاَ يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَر مِنهَا [النور:31]. ولم يقل إلا ما أظهرن منها. فعلم بهذا: أنَّ المراد بالزينة الأولى زينة الثياب.
أما الزينة الثانية: فزينةٌ باطنة يباح إظهارها لمن ذكرتهم الآية: إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَو آبَائِهِنَّ أَو آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31] إلخ الآية.
وأنت خبيرٌ أيها المؤمن، وخبيرةٌ أَّيتُها المؤمنة بأن ممن رخص في إبداء الزينة أمامهم: الأطفال، وغير أولي الإربة من الرجال. والوجه مجمع الحسن ومحطُّ الفتنة، فهل يُرخَّص كشفه للبالغين وأولي الإربة من الرجال. الأمر في هذا جليِّ ظاهرٌ.
وفي نفس الآية الكريمة: وَلا يَضرِبنَ بِأرجُلهِنَّ لِيُعلَمَ مَا يُخفِين مِن زِينَتهِن [النور:13].
وهوما يُتحلَّى به في الأرجل من خلخالٍ وغيره، فإذا كان صوتُ الخلخال بريداً إلى فتنة، فكيف بالوجه الذي يحكي الجمال، والشباب، والنضارة، وصوتُ الخلخال يصدرُ من فتاة وعجوز ومن الجميلة والدميمة.
أما الوجه فلا يحتمل إلا صورةً واحدةً.
يقول صاحب الدر المختار فقه أبي حنيفة رحمه الله: ( وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال؛ لخوف الفتنة كمسِّه، وإن أمن الفتنة ). ويقول عليه الشارح ابن عابدين رحمه الله: ( المعنى أنَّها تمنع من الكشف؛ لخوف أن يرى الرجالُ وجهها فتقع الفتنة؛ لأنه مع الكشف قد يقع النَّظر إليها بشهوة، وأمَّا قوله: ( كمسه ) أي: كما يمنع من مسِّ وجهها وكفيها، وإن أمن الشهوة؛ لأَّنه سبيلٌ إلى الشهوة والفتنة فكذلك يغطى الوجه؛ لأَّنه طريقٌ إلى الفتنة ).
وقبله قال أبوبكر بن الجصاص: ( والمرأة الشابة مأمورة بستر وجهها، وإظهار الستر والعفاف عند الخروج؛ لئلا يطمع فيها أهلُ الريبِ ).
وفي السنة أُّيها المؤمنون والمؤمنات أُبِيح للخاطب النَّظر من أجل الخطبة، فغيرُ الخاطب ممنوعٌ من النظر. والمقصود الأعظم من النظر هو الوجه؛ ففيه يتمثل جمال الصورة.
وحينما قال عليه الصلاة والسلام: { من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة } قالت أم سلمة رضي الله عنها: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ أي: الأطراف السفلى من الجلباب والرداء. قال: { يرخين شبراً } قالت: إذاً تنكشف أقدامهن. قال: { فيرخينه ذراعاً، ولا يزدن عليه } [رواه البخاري ومسلم].
فإذا كان هذا في القدم فالوجه أكثر فتنةً، فلا يعدو أن يكون تنبيهاً بالأدنى على الأعلى. والحكمةُ والنظرُ تأبيان ستر ما هو أقلُّ فتنةً، والترخيص في كشف ما هو أعظم فتنةً.
ومهما قيل في الحجاب، في كيفيته وصفته، فما كان يوماً ما عثرة تمنع من واجب، أو تحول دون الوصول إلى حقِّ، بل لقد كان ولا يزال سبيلاً قويماً يمكِّنُ المرأة من أداء وظيفتها بعفةٍ وحشمة، وطهر، ونزاهة على خير وجه وأتمِّ حالٍ.
وتاريخ الأمة شاهد صدق لنساء فُضليات جمعن في الإسلام أدباً، وحشمة، وستراً، ووقاراً، وعملاً مبروراً، دون أن يتعثرن بفضول حجابهن، أو سابغ ثيابهن.
وإنَّ في شواهد عصرنا من فتياتنا المؤمنات، متحجبات بحجاب الإسلام، متمسكات بهدي السُّنَّة والكتاب قائمات بمسؤولياتهن، خيرٌ ثم خير من قريناتٍ لهنَّ، شاردات كاسيات عاريات، مائلات مميلاتٍ، لا يدخلن الجنَّة، ولا يجدن ريحها، متبرِّجات بزينتهن تبرُّج الجاهلية الأولى.
وليعلم دعاةُ السفور، ومَن وراءهم أنَّ التقدمُّ والتخلُّف له عواملُه وأسبابه، وإقحام السِّتر، والاحشام، والخلق، والالتزام عاملاً من عوامل التخلَّف، خدعةٌ مكشوفةٌ، لا تنطلي إلا على غافلٍ ساذجٍ، في فكرة دخلٌ، أو في قلبه مرضٌ.
ودعاة السفور ليسوا قدوةً كريمةً في الدين والأخلاق، وليسوا أسوةً في الترفُّع عن دروب الفتن، ومواقع الريب إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ [المائدة:56،55].
أيُّها الاخوة:
إن وظيفة المرأة الكبرى، ومهمتها العُظمى في بيتها وأسرتها وأولادها، وكلُّ ما تتحلَّى به من علم ووعي يجبُ أن يكونَ موجهاً لهذه المهمة، وتأهيلاً لهذه الوظيفة.
الرجلُ هو الكادح في الأسواق، والمسؤول عن الإنفاق، والمرأة هي المربي الحاني، والظلُّ الوارف للحياة كلّما اشتدَّ لفحُها، وقسا هجيرهُا.
وإنَّ انسلاخَ أحد الجنسين عن فطرته من أجل أن يلحق بجنس ليس منه تمردٌ على سنة الله، واعوجاجٌ عن الطريق المستقيم. ولن يفيد العالم من ذلك إلا الخلل والاضطراب، ثم الفسادُ والدمارُ. وما لعن المتشبهون من الرجال بالنسِّاء ولا المتشبهات من النسِّاء بالرجال، إلا من أجل هذا.
وسوف تحيقُ اللعنةُ، ويتحقق الإبعاد عن مواقع الرحمة في كلِّ من خالف أمر الله، وتمرَّد على فطرة الله.
أيها المؤمنون:
كما أُمرت المؤمنة بلزوم الحجاب عند خروجها ومقابلة غير المحارم فقد أمرت أن تقرَّ في بيتها، فبيتُها خيرٌ لها، ووظيفتها من أشرف الوظائف في الوجود، وما يُحسنها ولا يتأهل لها إلا من استكمل أزكى الأخلاق، وأنقى الأفكار.
إنَّ من الخطأ في الرأي والفساد في التصوُّر، الزَّعم بأنَّ المرأة في بيتها قعيدةٌ لا عمل لها، فما هذا إلا جهلٌ مركبٌ، وسوء فهم غليظ، سوءُ فهم بمعنى الأسرة، وجهل بطبيعة المجتمع الإنساني، والتركيب البشريِّ.
والأشد والأنكى الظنُّ بأن هذه الوظيفة قاصرةٌ على الطهي والخدمة، إنها تربية الأجيال والقيامُ عليها؛ حتى تنبت نباتاً حسناً، ذكوراً وإناثاً، إنَّها في الإسلام تعدل شهود الجُمَعِ والجماعات في حقِّ الرجال، وتعدل حج التطوع والجهاد.
جاءت أسماء بنت السكن الأنصارية الأشهلية - رضي الله عنها - الملقبة بخطيبة النِّساء. جاءت إلى رسول الله فقالت: ( يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، إنَّ الله بعثك للرجال والنَّساء كافة فآمنا بك وبإلهك، وإنّا معشر النسِّاء محصوراتٌ، ومقصورات مخدورات، قواعد بيوتكم، وحاملاتُ أولادكم، وإنَّكم معشر الرجال فُضِّلتم علينا بالجمع والجماعات، وفُضلتم علينا بشهود الجنائز، وعيادة المرضى، فُضِّلتم علينا بالحج بعد الحج، وأعظم من ذلك الجهادُ في سبيل الله. وإنَّ الرجل منكم إذا خرج لحجِّ أو عمرةٍ أو جهاد؛ جلسنا في بيوتكم نحفظ أموالكم، ونربي أولادكم، ونغزلُ ثيابكم، فهل نشارككم فيما أعطاكم الله من الخير والأجر؟ ) فالتفت النبي بجملته - يعني جسده - وقال: { هل تعلمون امرأة أحسن سؤالاً عن أمور دينها من هذه المرأة؟ } قالوا: يا رسول الله، ما ضنَّنا أنَّ امرأة تسأل سؤالها، فقال النبي : { يا أسماء، افهمي عني، أخبري من وراءك من النَّساء أنَّ حسن تبعُّل المرأة لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتباعها لرغباته يعدلُ ذلك كلَّه } فأدبرت المرأة تهلل وتكبرُ وتردد: يعدلُ ذلك كلَّه، يعدل ذلك كلَّه} [أخرجه البيهقي في شعب الإيمان].
فهل يفقه هذا نساء المؤمنين؟؟
ـــــــــــــــــــ(68/367)
يا أبتاه لا تكن عوناً للشيطان علي.. إنني ابنتك
عبدالعزيز السدحان ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 4138
(1669 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا الأمين محمد بن عبدالله صلى اللّه عليه وسلم الذي أوصانا بالنساء خيراً وقال { رفقاً بالقوارير } وقال: { إستوصوا بالنساء خيراً }، وبعد:
أحبابنا في اللّه:
إن دين الإسلام شامل لجميع مصالح البشريه حسيها ومعنويها. فتح أبواب الخيرات ورغب فيها ورتب على ذلك الأجر والثواب. وغلّق أبواب الشر وحذّر منها ورتب على ذلك الوزر والعقاب.
وإن من الأمور العظام التي أولاها الإسلام إهتماماً عظيماً أمر المسئولية. مسئولية المسلم عن نفسه وأهل بيته ومن يعول.
أحبابنا في اللّه:
إن أمر المسئولية عظيم والتفريط فيها نذير شر وفتنة، فكم انقلبت سعادة إلى شقاء، وكم تفرقت من بيوت، وكم تقطعت من أواصر بسبب التفريط في شأن المسئولية.
ولقد كثرت النصوص المنوهة بشأن المسؤولية. فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم:{ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته } [أخرجه الشيخان].
وإن من أعظم المسؤوليات العناية بشأن الأولاد عامة والبنات بخاصة. ذلكم أن صلاحهن وفسادهن مربوط في الغالب بصلاح الأبوين أو عدمه.
ويزداد أمر المسؤولية بهن في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن والمنكرات وتفنن شياطين الإنس والجن في إغوائهن بشتى الوسائل والطرق.
من أسباب إنزلاق بعض النساء في الفتن
وأسباب إنزلاق بعض النساء في الفتن واتباع الشهوات في هذا الزمن كثيرة، ومن لازم المسؤولية أن يعرف الولي تلك الوسائل ليزداد إجتناباً عنها إن كان معافى منها. ومن أعظم أسباب إنحراف النساء ما يلي:
1 - كثرة تغيب الولي عن البيت
وبخاصة السهر خارج البيت إلى وقت متأخر بصورة معتادة.
وهذا أمر قد بُلي به بعض الأولياء.
يخرج أحدهم من بيته عند آخر النهار ثم لا يعرف البيت إلا آخر الليل. فإذا كان هذا يقضي نهاره في أداء وظيفته وليله خارج الدار فكم يبقى لبيته من الوقت؟ وماذا عن حال أهله وأولاده؟
فيا من بُلي بهذا اتق الله تعالى في وقتك. اتق الله في التفريط في صلاة الفجر.
ألم تعلم هداك الله أنك بفعلك هذا تجرئ شياطين الإنس والجن على إفساد بيتك وعرضك.
قل لي بربك. ماذا يقرأ أولادك؟ وماذا يشاهدون؟ وماذا يسمعون؟ ومع من يذهبون؟ وإلى أين يذهبون؟. كيف تعرف ذلك وأنت بعيد عنهم ببدنك ومتابعتك فاحذر من التفريط واستشعر ما حملك الله من المسؤولية.
2 - عدم إهتمام بعض النساء بأداء الصلاة في وقتها
ومما أعان الشيطان عليها عدمُ المتابعة والسؤال من والدها، حتى وصل الحالُ ببعض النساء أنها لا تصلي الفجر إلا قبيل الذهاب إلى مدرستها أو جامعتها وبعضهن تجمع الظهر مع العصر، ولا يخفى عليكم معاشر الآباء أن التهاون بأداء الصلاة يجر صاحبه إلى أبواب الشر فإذا ضعف الوازع قلّت الغيرة وأصبحت المسكنية أسيرة لشهواتها وشبهاتها.
فاتق الله أيها الولي واحذر من سخط الله عليك فتابع نساءك في أمر الصلاة وتفقد ذلك معهن ورغّبهن في الخير وفعله وبخاصة في فرائض الله ترى منهن البر والصلاح وما تقرّ به عينك.
3 - تفريط بعض الأولياء وتعجله في الموافقة على من تقدم لخطبة ابنته
دون حرصٍ على السؤال عنه وعن خلقه وأمانته فكم سمع الكثبر عن أسر تم عقد الزواج والترابط بينهم ثم لا تلبث الأيام اليسيرة أو الأشهر حتى يحل ذلك العقد وينقلب الترابط إلى تفرّق فترجع الفتاة إلى بيت أبيها كسرة حزينة. بما صدمت به من واقع ذلك الزوج الذي ضيع زوجه. ومما ينبغي ذكره في هذا المقام أن بعض الآباء إذا تقدم الخطاب إلى ابنته أصم أذنيه وأغمض عينيه عن كل أحد إلا عن قريب له كائناً ما كان صالحاً أو طالحاً شقياً أو تقياً لايهمه ذلك كله. إنما همه أن يكون المتقدم ثرياً في المال أو ذا شهادة مرموقة، وهذا والله من الظلم والتفريط فكيف يجعل ابنته وقفاً على قريب له بغض النظر عن صلاحه وحسن سيرته. فيا أيها الولي إتق الله تعالى في نفسك. إتق الله تعالى في ابنتك. فكم من شر وبلاء حصل بين الزوج وزوجته وكان من أسباب ذلك جناية الوالد على ابنته في كونه إختار لها زوجاً لم يرع فيه صفات الصلاح من غيرها.
فاتقوا الله تعالى معاشر الآباء و الأولياء. واجعلوا نصب أعينكم قول النبي : { إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه. إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير }.
4 - عدم إهتمام بعض الآباء بالسؤال عن أمر بناته إلا فيما يخص صحتهن و دراستهن
فعند مرض إحدى البنات ترى ذلك الوالد مهموماً مغموماً حزيناً يسارع في الذهاب بها إلى الطبيب ولا يسأل بل ولا يهتم بما ينفق من مئات بل آلاف الريالات في سبيل تحصيل علاج يجعله الله سبباً في علاج ولده أو بنته وقل مثل هذا في إهتمام ذلك الوالد على بناته عند الإمتحانات المدرسة. فتراه شاحذاً لهمتهن متابعاً لمذاكرتهن واعداً لهم بالجوائز والرحلات في حال نجاحهن وتفوقهن. وهذا غاية مبلغ بعض الآباء مراعاة صحتهن و دراستهن، أما ما سوى ذلك فلا مبالاة ولا إهتمام و كأنّ مسؤوليته قضيت عند هذا الحد.
فيامن كان هذا شأنه.. إتق الله تعالى في نفسك واعلم هداك الله أن حرصك على صحتهن و نجاحهن جزء من المسؤولية لكن حرصك على إستقامتهن وحمايتهن من أسباب الشر هو المسؤولية الحقة والأمانة الكبرى في عنقك فبادر هداك الله وسدد خطاك وتفطن إلى مواضع التقصير وعاجل بالتخلص منها ترى من بناتك ما يشرح صدرك وتقر به عينك. فضلاًمن الله ونعمة.
5 - تساهل بعض الآباء والأولياء في ذهاب بناتهم ونسائهم إلى حفلات تتضمن أموراً تنافي الفضيلة وتخل بالديانة
ولذا ترى بعض الأولياء لا يتردد مطلقاً عندما تطلب نساؤه من بنات وزوجات الذهاب بهن إلى أي دعوة توجه إليهن. ولم يكلف ذلك الولي نفسه بالسؤال عن طبيعة تلك الدعوة وما سيحصل فيها. من أسباب انحراف النساء.
6 - كثرة تردد النساء على الأسواق
حتى أن بعض النساء أصبح الذهاب إلى السوق عندها أمراً ضرورياً لا تستطيع الصبر عنه والفكاك منه.
حتى وصل الأمر ببعض النساء أنها تصر على الذهاب إلى السوق لأتفه الأسباب كذهابها لشراء سلعة يستطيع ولدها أو زوجها الإتيان بها بكل سهولة. لكن كثرة ترددها على السوق تتشرب في قلبها حتى أصبح ملازماً لها. وكان الأولى بك أيها الولي أن تحاول جاهداً، أن تخفف من ذهابهن إلى الأسواق ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. وذلك بعدم لين الجانب دائماً أو السماح بهن مطلقاً كلما أردن الذهاب إلى السوق والأماكن التي يكثر إختلاط الرجال فيها بالنساء وكذلك قيامك أنت بما تستطيع من إحضار ما تحتاجه الزوجة أو الإبنة من السلع التي يمكن الإتيان بها دون الحاجة إلى ذهابهن بأنفسهن. فكثرة تردد المرأة على الأسواق يفتح عليها أبواباً من الشر.
ومن أسباب الإنزلاق أيضاً:
7 - بعض الآباء والأولياء يقوم بجلب المجلات الهابطة التي تتضمنن صوراً تخدش الحياء وتظهر الفحش في صور متنوعة
ناهيك عن ما تحويه من المقالات التي تفوح برائحة الفحش والرذيلة شاهد المقال: إن بعض الأولياء يُبتلى بمطالعة تلك المجلات الهابطة ولا يكتفي بذلك فحسب بل يجلبها إلى بيته ثم لا يبالي بها بعد إشباع نهمته من مطالعتها فيلقيها في ركن من أركان المنزل. فيتلقفها أبناؤه وبناته. يقلبون النظر فيها وقد يحتفظون بها في غرفهم الخاصة ويعيدون النظر فيها مرات وكرات. حتى يدمنوا على متابعة أعدادها والتشوق إلى موعد صدورها بشغف وشوق. حتى وصل الحال عند النساء أنها تشتريها بنفسها أو توصي والدها بشراءها في حالة عدم إحضار الوالد لها من تلقاء نفسه. والمصيبة هنا أن ذلك الوالد الذي فرط في مسؤوليته يذهب مختاراً لجلب ذلك الخبث إلى بناته يا سبحان الله! كيف ترضى أيها الوالد لنفسك بهذه الدونية ألا تخشى من عقوبة ربك فاتق الله في نفسك.
8 - خروج النساء بكثرة إلى المنتزهات
أو إلى تلك الزيارات المتلاحقة، التي تعادل جلوس المرأة في البيت أو تزيد.
فاحذر رعاك الله من التفريط في ذلك وكن أهلاً للمسؤولية. وقبل ذلك ومعه وبعده سل ربك التوفيق والرشاد، واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن بعد العسر يسراً.
9 - جلب القنوات الفضائية عن طريق الأطباق الهوائية وهذا الأمر من أعظم الشرور
تلك الأطباق التي أصبحت كالرايات على الكثير من البيوت تشكك في العقيدة وتنشر الرذيلة، تحارب الفضيلة، توالي التبرج والسفور تعادي الحشمة والحياء، تتفنن في إظهار الفحش صوتاً وصورة.
يا عجباً منك أيها الوالد. يا عجباً منك يا من تحافظ على الجمعة والجماعة! يا عجباً من أمرك! أبلغ منك أمر المسؤولية إلى هذا الحد. أين الحشمة والوقار؟ بل أين الحياء؟ أما تتقي الله تعالى في نفسك؟ ألم تعلم أن سهام الرذيلة الفحشاء تسلط على نفسك وذريتك صباح مساء. كيف ترضى لنفسك أن ترى زوجتك وبناتك يقلبون النظر في مشاهد بذيئة؟ مسكين أنت! بل مخدوع أنت!
أبلغ التفريط إلى هذا المبلغ! أين غيرتك؟ أين حقيقة مسؤوليتك؟
أما تخشى أن ترى عقوبة الله فيك أو في بناتك اللاتي أعنت الشيطان على إغوائهن، بشرائك لتلك القنوات. ألم تعلم أن من نتائج تلك القنوات عقوقاً من الأولاد وضياعاً للأوقات ومالا تحمد عقباه من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء ألا تخشى أن يقع أولادك أو بناتك في الحرام. وإن قُلت لم فعلت هذا قال لك فعلت ما تعلمته من القنوات الفضائية التي إشتريتها أنت يا أبي. فما هو جوابك حينها ! نسأل الله لنا ولك السلامة.
فيا هداك الله ويا رعاك الله تفطن لهذا وبادر إلى توبة نصوح وتخلص من ذلك الخبث والخبائث وسترى من ربك ما يسرك ومن ذريتك ما تقر به عينك.
10 - عدم الرقابة على إستعمال الهاتف وبخاصة إذا كان الهاتف مشغولاً لفترات طويلة
وليس هذا من باب الإتهام. فالأصل البراءة. لكن مقام الحذر لا بد منه. فقد تبتلي بعض النساء ببعض السفهاء الذين يتصيدون بنات المسلمين عن طريق المكالمات الهاتفيه. وقد تقع المسكينة ضحية لأولئك السفهاء الذين يتفنون في التحيل في طريق الكلام لإيقاع النساء في شراكهم وكم أسقطت تلك المكالمات في شراكها من بنات المسلمين. وكم تم الإتفاق ثم اللقاء ثم الركوب معه أحياناً بسبب تلك المكالمات المشبوهة. وعلى ذلك فينبغي عدم الغفلة عن هذا الأمر لأن الحرص على التفقد يحصن الفتاة ويدفع عنها الشر بإذن الله تعالى.
11 - إرتداء الملابس المخلة بالحياء
والمبدية لبعض مفاتن المرأة أو لأكثر جسدها. ويزيد الأمر سوءاً وشراً عدم مبالاة الولي بذلك. وهنا يعظم الخطب فكلما رأت الفتاة سكوت وليها عن ذلك وعدم مبالاته بلباسها. زاد تشبثها بذلك بل وزاد إخراج المفاتن وحينها نخشى أن يحل بنا ما حل بكثير ممن حولنا من التساهل في إظهار المفاتن و كشف العورات، حتى يكون ذلك عادة لها يصعب عليها أن تنفك عنه أو تتخلص منه. فلنحرص جميعاً معاشر الآباء والأزواج فالمسؤولية جسيمة وإذا استعان العبد بربه وبذل جهده. أعانه الله وسدد أمره.
اللهم أعنا على مسؤولياتنا وبارك لنا في ذرياتنا. اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واحفظ نسائنا، اللهم احفظ نساءنا من شر الأشرار وكيد الفجّار، اللهم من أراد بحكامنا فتنة وبمجتمعنا فساداًً ونسائنا سفوراً. اللهم رد كيده في نحره، واجعل اللهم تدبيره تدميراً عليه وعلى من شايعه ونصره والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
ـــــــــــــــــــ(68/368)
إحذري أيتها المسلمة
مصطفى لطفي المنفلوطي
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 3737
(728 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فلن تجد المرأة المسلمة يهودياً أو نصرانياً يهدي إليها النصيحة ويحذرها من الفتن! ولا تستكثر المرأة المسلمة أن تكتب لها صفحات توضح لها الطريق وتبين لها المسير! ويبقى بعد القراءة العمل وتوقي الحذر!
إحذري أيتها المسلمة، وبالغي في الحذر، واجعلي أخص طباعك الحذر وحده.
إحذري تمدُّنَ أوربا أن يجعل فضيلتك ثوباً يوسع ويضيق، فلبس الفضيلة على ذلك هو لبسها وخلعها...
إحذري فنَّهُمُ الإجتماعي الخبيث الذي يفرض على النساء في مجالس الرجال أن تؤدي أجسامهن ضريبة الفن...
إحذري تلك الأنوثة الإجتماعية الظريفة؛ إنها انتهاء المرأة بغاية الظرف والرقة إلى... إلى الفضيحة.
إحذري تلك النسائية الغزلية؛ إنها في جملتها ترخيص إجتماعي للحرة أن... أن تشارك البغي في نصف عملها.
إحذري وأنت النجم الذي أضاء منذ النبوة، أن تقلدي هذه الشمعة التي أضاءت منذ قليل.
إن المرأة المسلمة هي إستمرار متصل لآداب دينها الإنساني العظيم.
هي دائماً شديدة الحفاظ حارسة لحوزتها؛ فإن قانون حياتها دائماً هو قانون الأمومة المقدس.
هي الطهر والعفة، هي الوفاء والأنفة، هي الصبر والعزيمة، هي كل فضائل الأم.
فما هو طريقها الجديد في الحياة الفاضلة، إلا طريقها القديم بعينه؟
أيتها المسلمة إحذري إحذري!
إحذري - ويحك - تقليد الأوروبية التي تعيش في دُنيا أعصابها محمومة بقانون أحلامها...
لم تعد أنوثتها حالة طبيعية نفسية فقط، بل حالة عقلية أيضاً تشك وتجادل...
أنوثة تفلسف، فرأت الزواج نصف الكلمة فقط... والأم نصف المرأة فقط...
ويا ويل المرأة حين تنفجر أنوثتها بالمبالغة، فتنفجر بالدواهي على الفضيلة...
إنها بذلك حرة مساوية للرجل، ولكنها بذلك ليست الأنثى المحدودة بفضيلتها...
أيتها المسلمة إحذري إحذري!
إحذري خجل الأوروبية المترجلة من الإقرار بأنوثتها.
إن خجل الأنثى يجعل فضيلتها تخجل منها...
إنه يسقط حياءها، ويكسو معانيها رجولة غير طبيعية.
إن هذه الأنثى المترجلة تنظر إلى الرجل نظرة رجل إلى أنثى...
والمرأة تعلو بالزواج درجة إنسانية، ولكن هذه المكذوبة تنحط درجة إنسانية بالزواج.
أيتها المسلمة إحذري إحذري!
إحذري تهوس الأوروبية في طلب المساواة بالرجل.
لقد ساوته في الذهاب إلى الحلاق، ولكن الحلاق لم يجد في وجهها اللحية...
إنها خُلقت لتحبيب الدنيا إلى الرجل، فكانت بمساواتها مادة تبغيض.
العجيب أن سر الحياة يأبى أبداً أن تتساوى المرأة بالرجل إلا إذا خسرته.
والأعجب أنها حين تخضع، يرفعها هذا السر ذاته عن المساواة بالرجل إلى السيادة عليه.
أيتها المسلمة إحذري إحذري!
إحذري أن تخسري الطباع التي هي الأليق بأم أنجبت الأنبياء في الشرق.
أمٌ عليها طابع النفس الجميلة، تنشر في كل موضع جو نفسها العالية.
فلو صارت الحياة غيماً ورغداً وبرقاً، لكانت هي فيها الشمس الطالعة.
ولو صارت الحياة قيظاً وحروراً واختناقاً، لكانت هي فيها النسيم يتخطر.
أمٌ لا تبالي إلا أخلاق البطولة وعزائمها، لأن جداتها ولدن الأبطال.
أيتها المسلمة إحذري إحذري!
إحذري هؤلاء الشبان المتمدنين بأكثر من التمدن...
يُبالغ الخبيث في زينته، وما يدري أن زينته مُعلنة، أنه إنسان من الظاهر...
ويُبالغ في عرض رجولته على الفتيات، يحاول إيقاظ المرأة الراقدة في العذراء المسكينة!
ليس لإمرأة فاضلة إلا رجلها الواحد؛ فالرجال جميعاً مصائبها إلا واحداً.
وإن هي خالطت الرجال، فالطبيعي أنها تُخالط شهوات، ويجب أن تحذر وتُبالغ.
أيتها المسلمة إحذري إحذري!
إحذري فإن في كل إمرأة طبائع شريفة متهورة؛ وفي الرجال طبائع خسيسة متهورة.
وحقيقة الحجاب أنه الفصل بين الشرف فيه الميل إلى النزول، وبين الخسة فيه الميل إلى الصعود.
فيك طبائع الحب، والحنان، والإيثار، والإخلاص، كلما كبرت كبرت.
طبائع خطرة، إن عملت في غير موضعها... جاءت بعكس ما تعمله في موضعها.
فيها كل الشرف ما لم تنخدع، فإذا انخدعت فليس فيها إلا كل العار.
أيتها المسلمة إحذري إحذري!
إحذري كلمة شيطانية تسمعينها، هي فتية الجمال أو فتية الأنوثة.
وافهميها أنت هكذا، واجبات الأنوثة وواجبات الجمال.
بكلمة يكون الإحساس فاسداً، وبكلمة يكون شريفاً.
ولا يتسقط الرجل امرأة إلا في كلمات مُزينة مثلها...
يجب أن تتسلح المرأة مع نظرتها، بنظرة غضب ونظرة إحتقار.
أيتها المسلمة إحذري إحذري!
إحذري أن تخدعي عن نفسك! إن المرأة أشد إفتقاراً إلى الشرف منها إلى الحياة.
إن الكلمة الخادعة إذ تقال لك، هي أخت الكلمة التي تقال ساعة إنفاذ الحكم للمحكوم عليه بالشنق...
يغترونك بكلمات الحب، والزواج، والمال، كما يقال للصاعد إلى الشناقة ماذا تشتهي؟ ماذا تريد؟.
الحب؟ الزواج؟ المال؟ هذه صلاة الثعلب حين يتظاهر بالتقوى أمام الدجاجة...
الحب؟ الزواج؟ المال؟ يا لحم الدجاجة، بعض كلمات الثعلب هي أنياب الثعلب...
أيتها المسلمة إحذري إحذري!
إحذري السقوط؛ إن سقوط المرأة لهوله وشدته ثلاث مصائب في مصيبة، سقوطها هي، وسقوط من أوجدها، وسقوط من توجدهم! نوائب الأسرة كلها قد يسترها البيت، إلا عار المرأة.
فيد العار تقلب الحيطان كما تقلب اليد الثوب، فتجعل ما لا يرى هو ما يرى.
والعار حكم ينفذه المجتمع كله، فهو نفي من الإحترام الإنساني.
أيتها المسلمة إحذري إحذري!
لو كان العار في بئر عميقة نقلها الشيطان مئذنة، ووقف يؤذن عليها.
يفرح اللعين بفضيحة المرأة خاصة، كما يفرح أب غني بمولود جديد في بيته...
واللص، والقاتل، والسكير، والفاسق، كل هؤلاء على ظاهر الإنسانية كالحر والبرد.
أما المرأة حين تسقط فهذه من تحت الإنسانية هي الزلزلة.
ليس أفظع من الزلزلة المرتجة تشق الأرض، إلا عار المرأة حين يشق الأسرة.
أيتها المسلمة إحذري إحذري!
[من كتاب " العبرات " للأديب مصطفى صادق الرفاعي]
ـــــــــــــــــــ(68/369)
10 فرص ثمينة للمرأة المسلمة
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 6574
(986 كلمة)
صورة المطوية
إن الحمد للّه نحمده، ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
أختي المسلمة:
أسألك سؤالاً بسيطاً وعليك الإجابة بصراحة متناهية:
س: هل يقوى جسدك على النار؟ ج: لقد أحسنت يا أختاه، بالطبع لا، والله لا يقوى!!
إذاً لماذا لا تتقين النار التي حرارتها أضعاف أضعاف نار الدنيا حرارة ولهيباً. وما بالك تتقين حرارة الدنيا التي سرعان ما تزول وتندمل وتشفين منها - حتى و لو كان ذلك حرقاً بسيطاً - ولا تتقين حرارة الآخرة والعياذ بالله منها. كأنني أراك إذا وضعت يدك على قدر النار ترجعينها و تقينها بقطعة قماش، فلتعتبري يا أخية ( الأعمال الصالحة ) هي بمثابة قطعة القماش تلك لتتقين بها حرارة نار يوم القيامة.
نعوذ بالله من عذاب النار، ونسأله الجنة مع الأبرار.
وإليك يا أخية عشر نصائح ولنتفق على تسميتها ( فرص ثمينة ):
الأولى:
احرصي على أداء الصلاة في وقتها - وفقك الله - وبإتقان وحرص على أدائها بخضوع وتدبر وعدم السهو عنها، قال الله تعالى: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:5،4]. فلم يقل الذين لا يصلون. بل يصلون وهم ساهون عنها، متى ما فرغوا من أشغالهم وأهوائهم أدوها ساهون عنها... والويل: واد من أودية جهنم نعوذ بالله منه.
فأنت مسئولة عن صلاتك يوم القيامة فإن صلحت صلح عملك كله، وإن فسدت فسد سائر العمل، فلماذا تضيعين جهدك هباء منثوراً؟ واغتنمي أربعاً قبل أربع: حياتك قبل مماتك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، قال الرسول : { لاتزول قدم ابن آدم يوم القيامة حتى يُسئل عن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن عمره فيما أفناه }.
الثانية:
احرصي على صلاة الفجر ووقتي المنبه ( الساعة ) كما توقيتها عند حاجتك الدنيوية، أيقظي من حولك، وخاصة زوجك وأبناؤك وجميع محارمك، لكي تأخذي أجرهم، اصبري ولا تتهاوني، وثابري واحتسبي الأجر والثواب من الله عز وجل.
الثالثة:
احرصي - وفقك الله - على أداء السنن الرواتب فهي لا تأخذ منك كثيراً، واحتسبي الأجر من الله عز وجل، وقومي بركعتين قبل صلاة الفجر، وركعتين ثم ركعتين قبل صلاة الظهر، وبعدها كذلك ركعتين لقوله : { من صلى قبل الظهر أربعاً وبعدها أربعاً حرم الله وجهه عن النار } [رواه أحمد والترمذي]، وبعد صلاة المغرب ركعتين، وبعد العشاء ركعتين، فتصبح مجموع ركعات السنن الرواتب ( 12 ) ركعة لقوله صلى اللّه عليه وسلم: { مامن عبد يصلي لله تعالى كل يوم إثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة } {أو بُنى له بيت في الجنة } [رواه مسلم].
و من النوافل الكثير والكثير كصلاة الوتر، وأقله ثلاث ركعات قبل منامك ركعتين، ثم ركعة واحدة،اطلبي من الله عز و جل كل ما ترجينه في الدنيا و الآخرة. ولا تنسي صلاة الضحى فإنها فضيلة وفي وسعك أن تصلي من ركعتين إلى ما شاء الله. فهذه الصلوات تزيد درجاتك، و تثقل ميزانك يوم القيامة، و تكفر عنك سيئاتك يوم لا ينفع مال و لا بنون.
قال الله تعالى: فََمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيراً يََرَهُ (7) وَََمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَهُ [الزلزلة:8،7].
السنن والرواتب:
وقت صلاة السنة
قبل الفجر ركعتين، وقبل الظهر أربع ركعات، وبعد الظهر ركعتين، وبعد المغرب ركعتين، وبعد العشاء ركعتين.
الرابعة:
احرصي على الأذكار المأثورة عن النبي في كل وقت، والدعاء واللجؤ إلى الله كلما ضاق بك أمر، ولا تلجئي لأي مخلوق،والجئي لرب العباد وحده القادر على أجابتك، وعليك تحري أوقات الإجابة، فمنها ثلث الليل الأخير، فإن الله تعالى ينزل في الثلث الأخير و يقول { هل من داع فأستجب له، هل من سائل فأعطيه }. وكذلك ساعة الإجابة في يوم الجمعة وتحريها حتى وقت الغروب، وبعد كل أذان وعند كل صلاة.فلماذا تضيعين تلك الفرص من بين يديك وفقك الله ورعاك؟
الخامسة:
احرصي بارك الله فيك على الصيام لتنالي الأجر والمثوبة من الله، وطهري نفسك من الذنوب، وابتعدي عن الصيام المحرم.
الصيام المستحب:
1 - صيام يوم الإثنين والخميس.
2 - صيام أيام البيض من كل شهر 15،14،13.
3 - صيام يوم عاشوراء 10 محرم.
4 - صيام يوم عرفة 9 ذو الحجة لغير الحاج.
5 - صيام ستة أيام من شوال.
الصيام المحرم:
1 - صيام يوم الجمعة منفرداً أو يوم السبت منفرداً.
2 - صيام يوم الشك ( قبل دخول رمضان ).
3 - صيام يوم العيد ( الفطر، الأضحى ).
4 - صيام أيام التشريق 11، 12، 13من ذي الحجة.
السادسة:
احرصي على أداء واجباتك على أكمل وجه فإنك مسؤلة عنها وأدي واجباتك نحو والديك وزوجك وأبنائك وبيتك، قال الرسول : { كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته } [رواه البخاري ومسلم].
السابعة:
احرصي على الستر، وتستري - سترك اللّّه بالإيمان - عند خروجك من منزلك بعباءتك فاجعليها ساترة من رأسك وحتى أخمص قدميك، وقاطعي كل عباءة جديدة تُخرج المرأة من عفتها وحجابها، واستري وجهك بغطاء ثقيل بحيث ترين ولا يراك أحد، ومن اتقى اللّه أعانه.
ولا تلبسي القصير والضيق والبنطال وابتعدي عن التشبه بالرجال ونساء الكفار، ولا تفسخي الحياء فإن الرسول صلى اللّه عليه وسلم كان أشد حياء من العذراء في خدرها، كما وأنك أيتها الأم مسؤولة عن بناتك عند خروجهن بالقصير أو البنطلون وقد تجاوزن مرحلة الطفولة، ولا تعوديهن ذلك في مرحلة الطفولة لأن من شب على شيء شاب عليه، وصعب التخلص منه حال الكبر.
الثامنة:
ابتعدي عن التعطر عند خروجك من المنزل فقد ورد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: { أيما امرأة خرجت من بيتها متعطرة، ومرت بالرجال لعنتها الملائكة }. فاتقي الله وفقك الله ورعاك، فمن اتقى الله كفاه ووفاه.
التاسعة:
ابتعدي - طهرك الله - عن سماع الغناء، ولا تغرسي ذلك في أبنائك، فإن عذابه شديد ولا يجتمع غناء وقرآن، فالغناء من الشيطان والقرآن من الله، وقد روي أنه لما أسري بالرسول صلى اللّه عليه وسلم: { رأى أناساً يعذبون ويصب في آذانهم الرصاص الساخن } فسأل ما بالهم؟ فقالوا: { هؤلاء سامعي المزمار } ( أي أهل الغناء ) فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، نسأل الله من فضله.
العاشرة:
تذكري أختاه أننا في هذه الدنيا عابرون فهي دار ممر وليست بدار مقر، وعندما تذكرين ذلك وتتذكرين أننا كلنا إليه راجعون وميتون.. فذلك يجعلك أكثر حرصاً على تقواه وطاعته، فأين الأحباب والأقارب والأصحاب؟! هم السابقون ونحن اللاحقون جمعنا الله وإياكم في جناته. هذا والله أعلم، ونسأل الله القبول.
أختك في اللّه
ـــــــــــــــــــ(68/370)
إلى كل فتاة
هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 7796
(400 كلمة)
صورة المطوية
فتى الأحلام..
قالت وهي تذرف دموع الندم، كانت البداية مكالمة هاتفية عفوية، تطورت إلى قصة ( حب ) وهمية أوهمني أنه يحبني وسيتقدم لخطبتي طلب رؤيتي.. رفضت.. هددني بالهجر " بقطع العلاقة " ضعفت.. أرسلت له صورتي مع رسالة وردية معطرة.. توالت الرسائل.. طلب مني أن أخرج معه.. رفضت بشدة.. هددني بالصور. بالرسائل المعطرة بصوتي في الهاتف.. وقد كان يسجله.. خرجت معه على أن أعود في أسرع وقت ممكن.. لقد عدت ولكن. عدت وأنا أحمل العار.. قلت له: الزواج.. الفضيحة.. قال لي بكل إحتقار وسخرية؛ إني لا أتزوج فاجرة..
أختي الكريمة.. إن كنتي عاقلة فاستمعي إلى هذه النصائح:
لا تصدقي...
لا تصدقي.. أن زواجاً سوف يتم عن طريق مكالمات هاتفية عابثة، ولو تم فإن مصيره إلى الضياع والفشل والشك والندم.
لا تصدقي.. إن شاباً - مهما تظاهر بالصدق والإخلاص - يحترم فتاة تخون أهلها وتحادثه عبر الهاتف أو تتصل به أو تخرج معه مهما أظهر لها من الحب وألان لها من القول، فهو إنما يفعل ذلك لأغراض دنيئة لا تخفى على عاقل.
لا تصدقي.. ما يردده أدعياء التقدم وما يسمى بتحرير المرأة من أنه لابد من الحب قبل الزواج، فالحب الحقيقي لا يكون إلا بعد الزواج وما سواه فهو في الغالب حب مزيف، مؤسس على أوهام وأكاذيب لمجرد الإستمتاع وقضاء الوطر ثم لا يلبث أن ينهار فتنكشف الحقائق ويظهر المستور.
إحذري...
إحذري.. المكالمات الهاتفية، فإنها تسجل عند الله تعالى، ويسجلها شياطين الإنس ( أدعياء الحب ) فيستخدمونها سلاحاً للضغط عليك أو للنيل من سمعتك وعرضك.
إحذري.. التصوير بشتى أنواعه، فإنه علاوة على تحريمه ولعن صاحبه فهو من أخطر الأسلحة التي يستخدمها ذئاب البشر لإرغام الضحية وتهديدها وإفتراسها.
إحذري.. كتابة الرسائل الغرامية فهي أيضاً من وسائلهم في التهديد والضغط.
إحذري.. المجلات والروايات الهابطة فإنها تحمل بين صفحاتها الملونة وأوراقها المصقولة السم الزعاف.
إحذري.. المسلسلات والأفلام الهابطة المضللة التي تقتل الحياء وتقضي على الفضيلة وتسعى إلى هدم الأخلاق والقيم.
إحذري.. التبرج والسفور وكثرة الخروج إلى الأسواق وغيرها من غير حاجة مما يعرضك لغضب الله وعذابه.
إحذري.. الركوب مع السائق الأجنبي منفردة فإن ذلك من الخلوة المحرمة التي حذر منها الشرع الحكيم وإياك أن تحتجي بالضرورة فمن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب.
إحذري.. رفيقات السوء الضالّات المُضلات، فإنهن يعدين كما يعدي المريض الصحيح.
إحذري.. جميع المعاصي والذنوب فإنها سبب للشقاء والتعاسة وزوال النعم وحلول النقم ونزول المصائب.
وأخيراً...
إحذري.. ملك الموت إذا جاء لقبض روحك بالاستعداد للآخرة بالتوبة النصوح والأعمال الصالحة فإنك لا تدرين متى يهجم عليك.
وبعد هذه النصائح إعلمي وفقك الله أن باب التوبة مفتوح للتائبين، فإن كنت قد ألممتي بشىء من الذنوب فبادري بالتوبة النصوح قبل أن يغلق الباب ويعلوك التراب فلا ينفع الندم حينئذ
ـــــــــــــــــــ(68/371)
أبناؤنا والصلاة
عبدالملك القاسم
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 3948
(1627 كلمة)
صورة المطوية
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن الأولاد هم زهرة الحياة الدنيا وفي صلاحهم قرّة عين للوالدين. وإن من المؤسف خلو مساجدنا من أبناء المسلمين، فقلّ أن تجد بين المصلين من هم في ريعان الشباب! وهذا والله ينذر بشر مستطير وفساد في التربية وضعف لأمة الإسلام إذا شبّ هؤلاء المتخلفون عن الطوق، وإذا لم يصلوا اليوم فمتى إذاً يقيموا الصلاة مع جماعة المسلمين؟!
ولما كان الإثم الأكبر والمسؤولية العظمى على الوالدين، فإني أذكر نفسي وأرباب الأسر ممن حملوا الأمانة بحديث الرسول : { كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته.. } [متفق عليه].
والله عز وجل يقول في محكم التنزيل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، وقوله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].
وفي حديث صريح واضح من نبي هذه الأمة للآباء والأمهات: { مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين } [رواه أحمد].
وفي هذا التوجيه النبوي الكريم من حسن التدرج واللطف بالصغير الشي الكثير، فهو يُدعى إلى الصلاة وهو ابن سبع سنين ولايضرب عليها إلا عند العاشرة من عمره، ويكون خلال فترة الثلاث سنوات هذه قد نودي إلى الصلاة وحُببت إليه أكثر من خمسة آلاف مرة ! فمن واظب عليها خلال ثلاث سنوات بشكل متواصل هل يحتاج بعد خمسة آلاف صلاة أن يضرب !؟ قلَّ أن تجد من الآباء من طبق هذا الحديث واحتاج إلى الضرب بعد العاشرة. فإن مجموع الصلوات كبير واعتياد الصغير للصلاة وللمسجد جرى في دمه وأصبح جزءاً من جدوله ومن أعظم أعماله !
والكثير اليوم يضرب الإبن لكن على أمور تافهة لاترقى إلى أهمية الصلاة ومن تأمل حال صلاة الفجر ومن يحضرها من الأولاد ليحزن على أمة الإسلام ! وندر أن تجد في المساجد هؤلاء الفتية الذين كان لأمثالهم شأن في صدر الأمة !
فأين الآباء وأين الأمهات من إيقاظ أبنائهم للصلاة وحرصهم على ذلك؟!
ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( بتُّ عند خالتي ميمونة، فجاء رسول الله بعدما أمسى فقال: { أصلى الغلام؟ } قالوا: نعم ) [رواه أبوداود].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( يُعلّم الصبي الصلاة إذا عرف يمينه من شماله )، وكان السلف الصالح يلاحظون أبناءهم في الصلاة ويسألونهم عنها... عن مجاهد قال: ( سمعت رجلاً من أصحاب النبي قال: لا أعلمه إلا ممن شهد بدراً - قال لابنه: أأدركت الصلاة معنا؟ أأدركت التكبيرة الأولى؟ قال: لا، قال: لَمَا فاتك منها خير من مائة ناقة، كلها سود العين ).
وذكر الذهبي في السير: عن يعقوب عن أبيه، أن عبدالعزيز بن مروان بعث ابنه عمر إلى المدينة يتأدب بها، و كتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده، وكان يلزمه الصلوات، فأبطأ يوماً عن الصلاة، فقال: ما حبسك؟ قال: كانت مرجلتي تسكن شعري. فقال: بلغ من تسكن شعرك أن تؤثره على الصلاة، وكتب بذلك إلى والده، فبعث عبدالعزيز رسولاً إليه، فما كلمه حتى حلق شعره.
ومن أعظم ما يسديه الأب الموفق لابنه اصطحابه للصلاة معه وجعله بجواره ليتعلم منه وليحافظ عليه من كثرة اللغط والعبث.
أيها الأب وأيتها الأم.. لا يخرج من تحت أيديكم غداً من لا يُصلي فتأثمان بإخراجه إلى أمة الإسلام كافراً من أبوين مسلمين وذلك بالتفريط والرحمة المنكوسة. فتخافان عليه من البرد ولا توقظانه لصلاة الفجر، وتخافان عليه من شدة الحر ولا يذهب ليصلي العصر! قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُون [التوبة:81].
يقول ابن القيم رحمه الله: ( فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسنُنه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً ).
أيها الأب ويا أيتها الأم.. إن في الحرص على إقامة صلاة الأبناء في المسجد فوائد عظيمة منها:
1 - براءة ذممكم أمام الله عزوجل والخروج من الاثم بعد تحبيبه للصلاة وأمره بها، قال ابن تيمية رحمه الله: ( ومن كان عنده صغير مملوك أو يتيم أو ولد فلم يأمره بالصلاة، فإنه يُعاقب الكبير إذا لم يأمر الصغير، ويُعَزَّر الكبير على ذلك تعزيراً بليغاً لأنه عصى الله ورسوله ).
2 - احتساب أجر تعويده على العبادة قال : { من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالَة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً } [رواه مسلم].
3 - استشعار أن الابن في حفظ الله عزوجل ورعايته طوال ذلك اليوم، قال : { من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله } [رواه ابن ماجه].
4 - خروج الابن إذا شب وكبر عن دائرة الكفار والمنافقين كما قال : { العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر } [رواه أحمد]، وكما قال عليه الصلاة والسلام: { ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولَو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً } [رواه البخاري].
5 - تنشئة الابن على الخير والصلاح ليكون لكما ذخراً بعد موتكما فإن النبي اشترط الصلاح في الابن كما في الحديث: { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له } [رواه مسلم].
ومن الأسباب المعينة على ذلك:
1 - أن تكون لهم أيها الأب قدوة صالحة في المحافظة على الصلاة والحرص عليها، فإذا بلغوا سبعاً وعقلوا شُرع أمرُهم بالصلاة والذهاب بهم إلى المسجد؛ فإن الصغير ينشأ على ما كان عوَّده أبوه.
2 - تقديم أمر الآخرة على أمر الدنيا في كل شيء، وتنشئة الصغار على ذلك وغرسه في نفوسهم، فلا تكون الامتحانات الدراسية أهم من الصلاة، ولا تكون المذاكرة أهم من الذهاب للمسجد، وليس من الفخر أن يكون ابنك مسئولاً كبيراً وهو من المنافقين الذين لا يشهدون الصلاة، أو من الكفار الذين لا يصلون، ويكفيك عزاً وفخراً أن يأكل من كسب يده ويشهد جماعة المسلمين. وإن جمع الأمرين فَبِها ونعمت.
3 - الصبر والمثابرة وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132] فالأمر فيه مشقة ونصب، وأبشر فإن الله عزوجل قال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
4 - توفير الأسباب المعينة على القيام، ومن ذلك عدم السهر، وجعل ساعة منبهة عند الأذان أو قبله. وليكونوا في مقدمة الصفوف.
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - السؤال التالي في الجزء 12 من فتاواه: السؤال: بعض الأولاد يبكرون يوم الجمعة ويأتي أناس أكبر منهم ويقيمونَهم ويجلسون مكانَهم ويحتجون بقوله : { ليلني منكم أولو الأحلام والنهى } فهل هذا جائز؟
الجواب: ( هذا يقوله بعض أهل العلم، ويرى أن الأولى بالصبيان أن يصفوا وراء الرجال، ولكن هذا القول فيه نظر، والأصح أنهم إذا تقدموا لا يجوز تأخيرهم، فإذا سبقوا إلى الصف الأول أو إِلى الصف الثاني فلا يقيمهم من جاء بعدهم؛ لأنهم سبقوا إلى حق لم يسبق إليه غيرهم فلم يجز تأخيرهم لعموم الأحاديث في ذلك؛ لأن في تأخيرهم تنفيراً لهم من الصلاة، ومن المسابقة إليها فلا يليق ذلك.
لكن لو اجتمع الناس بأن جاءوا مجتمعين في سفر أو لسبب فإنه يصف الرجال أولاً، ثم الصبيان ثانياً، ثم النساء بعدهم إذا صادف ذلك وهم مجتمعون، أما أن يؤخذوا من الصفوف ويزالوا ويصف مكانهم الكبار الذين جاءوا بعدهم فلا يجوز ذلك لِمَا ذكرنا، وأما قوله : { ليلني منكم أولو الأحلام والنهى } فالمراد به التحريض على المسارعة إلى الصلاة من ذوي الأحلام والنهى وأن يكونوا في مقدم الناس، وليس معناه تأخير من سبقهم من أجلهم؛ لأن ذلك مخالف للأدلة الشرعية التي ذكرنا ).
5 - بث في أبنائك أحاديث الصلاة وحكم تاركها وعقوبته في الدنيا والآخرة، ورغبهم في الأجر العظيم لمن حافظ عليها، ولا تقل إنّهم صغار لا يعون، فهم يدركون ويحفظون ويحتاجون إلى ذلك لتقوية عزائمهم.
6 - اجعلْ لهم الحوافز والجوائز حتى يحافظوا على الصلاة، وأَذْكُرُ أنَّ أحد الآباء كان يجعل لأبنائه الصغار ريالاً كل يوم عن صلاة الفجر، وكانت الثمرة المبكرة أن كان أحد هؤلاء الصغار من كبار الأئمة المعروفين. وأذكرُ أَيْضاً امرأة أرملة وتحتها يتيم صغير فكانت تخرج به لصلاة الفجر كل يوم وأكرمها الله عزوجل بِهذا الابن فحفظ كتاب الله عزوجل، وهو أحد أئمة المساجد الآن ومن أبر الناس بأمِّه.
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: { حافظوا على أبنائكم في الصلاة، وعودوهم الخير فإن الخير عادة } [رواه الطبراني].
7 - الدعاء لهم في كل وقت واجعلهم أحياناً يسمعون دعاءك لهم بالصلاح والهداية والتوفيق والسداد، ومن دعاء الأنبياء والصالحين رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ [إبراهيم:40].
8 - اربطهم بصحبة طيبة ممن يحفظون القرآن ويحافظون على الصلاة مع الجماعة وشجع أولئك الصغار بالهدايا والحوافز فهم أبناء المسلمين.
9 - ادْعُ لهم عند إيقاظهم واتلُ عليهم بعض الآيات والأحاديث يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ [لقمان:17]، ودعهم يسمعون الأجر العظيم على لسان نبيهم { بشِّر المشَّائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة } [رواه أبو داود].
10 - لترى منك والدتُهم أنك حريص على أمر صلاتِهم وإيقاظهم فإن ذلك يعينها على الاستمرار والحرص والتأكيد عليهم واشكر لها جهودها وشجعها على ذلك وهم يسمعون.
11 - كما أنك أيها الأب إذا أردت شراء منْزل تفكر في قرب الخدمات من سكنك، فكر قبل ذلك بالمسجد ومدى قربه إلى منْزلك لأن في ذلك إعانة على الطاعة وتيسيراً لأمر الصلاة خاصة على الصغار مع مظنة حفظهم ومتابعتهم إذا كانت المسافة قصيرة.
12 - استشعر أن ابنك الذي تحب قد يكون حطباً لجهنم إذا لم يُصلِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
13 - ليكن بينك وبين إمام المسجد تعاون في تشجيع أطفالك من قِبَلهِ وتقديم الجوائز لهم لمحافظتِهم على الصلاة - بما فيها صلاة الفجر - ولا يمنع أن يتحدث الإمام حاثاً الآباء على إحضار أبنائهم للصلاة، ثم يشكر الآباء الذين يحضرون أبناءهم ويسمي الصغار بأسمائهم.
أيها الأب: يقول الله عزوجل: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132] وأبشر وأمل فأنت في خير طريق وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
أصلح الله أزواجنا وذرياتنا وجعلهم قرة عين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ(68/372)
أختاه هل تريدين السعادة
علي بن عبدالخالق القرني
مكتب الدعوة والإرشاد بالسلي ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 5298
(1209 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.. أما بعد:
أختي المسلمة:
هل تريدين السعادة؟ هل تريدين السكينة؟ هل تريدين الراحة والطمأنينة؟ هل تريدين الأمن والاستقرار؟ هل تريدين ذلك كله في الدنيا والآخرة؟ إن السعادة أختي المسلمة كلها في طاعة الله والسعادة كلها في السير على منهج الله وعلى طريقة رسول الله ، قال تعالى: وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:71] والشقاوة كلها في معصية الله والتعاسة كلها في غير منهج الله وغير منهج رسوله ، قال تعالى: وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً [الأحزاب:36].
أختي المسلمة:
بصوت المحب المشفق وكلام الناصح المنذر أدعوك إلى تقوى الله عز وجل، ثم إني أدعوك مرة أخرى إلى أن تحمدي الله عز وجل الذي أنعم عليك بنعمة الإيمان ونعمة القرآن. فكرّمك وطهّرك ورفع منزلتك أي رفعة، لم تُرفع منزلة المرأة تحت أي مظلة مثلما رُفعت تحت مظلة الإسلام، ليس هذا فحسب بل خصّك بأحكام عديدة في كتابه الكريم في حين كانت المرأة قبل هذا الدين سلعة رخيصة ممتهنة كسقط المتاع، عار على وليّها وعار على أهلها وعار على مجتمعها الذي تعيش فيه، ولذلك تُعامل أحياناً كالبهيمة بل قد تفضل البهائم عليها. إنك أختي المسلمة لم تنالي عزك إلا في وسط هذا الدين فاستمسكي به واسمعي إلى قول الله عز وجل يوم يحكي ماضياً لابد أن تتذكريه دائماً لتحمدي الله أولا وآخراً وظاهراً وباطناً على ما أنت فيه من نعمة وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ [النحل:59،58].
إنه ليئدها ويقتلها ويدفنها حيّة أحياناً، ألا فاحمدي الله يا أخت الإسلام الذي هداك لهذا الدين وشرَّفك وأكرمك ورفع قدرك بهذا الدين يوم ضل غيرك من نساء العالمين، ثم استمسكي بحبل الله المتين فإنه الركن إن خانتك أركان، واعلمي أنك عُرضة لعذاب الله إن لم تخضعي لأوامر الله وتقفي عند حدوده وتجتنبي نواهيه.
أختي المسلمة:
إن أعداءك كُثُر وإن من يريد استغلالك لهدم الدين والحياء والفضيلة كُثُر كُثُر وقد يكونون من بني جلدتنا، يقول أحدهم لا تستقيم حالة الشرق إلا إذا رفعت الفتاة حجابها وغَطَّت به القرآن الكريم..! إنهم يريدون بذلك إخراجك إلى الشقاء والتعاسة، يدعونك إلى جهنم فإن أجبتهم قذفوك بها، يريدون منك الخطوة الأولى وهي أصعب خطوة ومسافة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، يريدون أن تكوني فاجرة عاهرة سافرة، حاشاك ذلك، ينتظرون منك بفارغ الصبر أن تُلقي العباءة وتتخلصي من الحجاب ومن مستلزماته من الإيمان والحياء والطُهر ثم تتركي باقي الواجبات الأخرى ويومها تقرُّ أعينهم فيلعبون بك لعب الأطفال بالكرة، ويعبثون بك عبث الكلاب بالجِيَف، حفظك الله منهم.. فما موقفك يا أمة الله من هؤلاء؟ إن الموقف المنتظر منك هو الاعتصام بدين الله والوقوف عند حدوده وعدم الاستجابة لهم، فأغيظيهم بعدم الالتفات إليهم والسماع لهم، اقتليهم حسرة بتمسكك بدينك وبتوفير حياءك وملازمة حجابك.
أختي المسلمة:
إن بعض النساء تتصور أن السفور هو كشف الوجه فقط، لا.. ليس هذا فقط، إن من السفور لبس الضيِّق، إن من السفور لبس العباءة الخفيفة الجذابة في منظرها أو لبسها على الكتف، إن من السفور لبس القصير والخفيف من الملابس، إن من السفور لبس النقاب أو اللثام الواسع الذي يُظهر العينين وجزء كبير من الوجه، إن من السفور التعطر عند الخروج إلى الأماكن التي فيها الرجال، إن من السفور لبس البنطلون، ألم تسمعي قول النبي { صنفان من أهل النار لم أرهما - وذكر- ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البُخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا و كذا } [رواه مسلم]... قال أهل العلم: معنى كاسيات عاريات أنهن يلبسن ملابس لكنها قد تكون ضيِّقة أو شفافة أو غير ساترة لجميع الجسم. ألا هل ترضين أن تكوني من أهل النار؟ هل ترضين أن تعرضي نفسك كما تُعرض السلع ليتعلق بك كل سافل وحقير؟ لا. يا فتاة الإسلام لا أضنك ترضين ولن ترضي بذلك وهذا هو المأمول منك.
أختي المسلمة:
حصنك الحصين دينك العظيم يحافظ على عفَّتك وعلى حياءك وعلى فضيلتك، يأمرك بالحجاب والاحتشام، متى ماتركت هذا الأمر كنت عُرضة لعذاب الله في الآخرة، وفي الدنيا عرضة للذئاب البشرية التي تريد عفافك الذي به تشرفين، تريد أن تفجعك بعفافك لتتجرعي الغُصص مدى الحياة، ولكن بعض الأخوات هداهن الله يسمعن لنداء الذئاب ويسعين لهم حالهن كقول الشاعر:
قطيع يساق إلى حتفه * * * ويمشي ويهتف للجازرين
أختي المسلمة:
يا من آمنت بالله ويا من سجدت لله ويا من استترت بستر الله. حذارِ حذارِ من السقوط فإن السقوط إلى النار وبئس القرار، وحذارِ من التشبه بالكافرات فإن من تشبه بقوم فهو منهم... أنت أختي المسلمة قمة وأنت فضيلة وأنت طُهر، قمة بالقرآن وفضيلة بالإيمان وطُهر بتمسكك بهذا الدين، فكيف تَتشبّه القمّة بالسافلة وكيف تتشبه الفضيلة بالرذيلة وكيف يتشبه الطُهر بالنجس.
أختي المسلمة:
إننا والله لنعجب من أذن تسمع قول رسول الله { صنفان من أهل النار.. الحديث }، ثم لا نزال نرى في بعض المسلمات هداهن الله، من تلبس الضيِّق وتلبس الشفاف وتكشف الوجه وبعض المفاتن، وبعضهن تجمع الحشف وسوء الكيل فتلبس القصير والضيِّق والشفاف.
فيا أيتها المسلمة المُصلِّية الساجدة يا من خضع رأسك للحي القيوم وخشع له سمعك وبصرك ألا يكفيك زاجراً حديث رسول الله المذكور آنفاً { صنفان من أهل النار.. الحديث } والله إنه وعيد شديد وزجرُ أليم لو صُب على الجبال الراسيات لأذابها، فأي شيء أعظم من الحرمان من الخلود في جنات النعيم والبقاء في دركات الجحيم.
أختي المسلمة:
راقبي الله وقومي بما أوجب عليك من تكاليف وإذا قسى قلبك فتذكري كرباً بيد سواك لا تدرين متى يغشاك إنه الموت الذي لابد منه كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].
تذكري يا أمة الله يوم توضعين في قبرك في تلك الحفرة الضيّقة في تلك الحفرة المظلمة الموحشة، وتذكري إذا نُفخ في الصور وجُمعتي مع الخلائق حافية عارية ذاهلة قد دنت الشمس منك قدر ميل، ونوديتي باسمك من بين الخلائق للحساب، ماحالك عندها يا أمة الله؟ أين عُدتك أيتها الغافلة؟ كم في كتابك من زلل وكم في عملك من خلل؟ هل ستنفع حينئذ الأزياء والموديلات؟ هل ستنفع الأغاني والمسلسلات؟ والأفلام والمجلات؟ هل ستنفع الجواهر والمجوهرات؟ لا والله لن ينفع شيئاً من ذلك أبداً إنما الذي سينفع في هذا الموقف هو الحسنات والأعمال الصالحات بعد رحمة رب الأرض والسماوات.
ألا فاتقي الله يا ابنة الإسلام، اتقي الله يا من تخرجين إلى الأسواق متبرجة سافرة، اتقي الله يا من تلبسين العباءة للزينة لا للستر والعفاف، اتقي الله وصوني نفسك من أن تكوني ألعوبة في أيدي ضعاف الإيمان، اتقي الله يا من تخالطين الرجال، اتقي الله يا من تخرجين مع الرجل الذي ليس بمحرم لك كالسائق وغيره، اتقي الله يا من تختلين بغير محرم، { ما خلى رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما } اتقي الله يا من تُربين أبناءك تربية البهائم فلا تُذكّريهم بالله ولا تعظيهم ولا تدليهم على ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، اتقي الله وارجعي إلى الهدى قبل يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار واعلمي أن عذاب الله شديد وإنك والله لأعجز من أن تُطيقي عذاب النار، إن الجبال لو سُيّرت بالنار لذابت من شدة حرّها فأين أنت أيتها الضعيفة من الجبال الشم الراسيات، إنك تصبرين على الجوع والعطش. وتصبرين على الضُرّ وعلى التكاليف لكن والله الذي لا إله إلا هو لا صبر لك على النار.. ألا فأنقذي نفسك من النار قبل فوات الأوان، واعلمي أن الدنيا ممر والآخرة هي المقر وأن الفضيحة أمام الأولين والآخرين عظيمة فاتقي الله ثم اتقي الله يا أمة الله، وفقك الله لما يحب ويرضى ونفعك بما تسمعين وتقرأين وجعله حجة لك لا حجة عليك.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
ـــــــــــــــــــ(68/373)
تذكير الأخوات بحكم النمص
محمد بن عبدالله الهبدان
مكتب الدعوة والإرشاد بالربوة ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 6964
(1044 كلمة)
صورة المطوية
هي كلمة
أوجهها إليكِ أختي المسلمة ونداءات أسطرها لك، وحديثاً أُحدثك به، أسكب روحي في كلماته. وأُمزق نفسي في عباراته، إنه أُخيّه حديث القلب إلى القلب.
حديث الروح للأرواح يسري *** وتدركه القلوب بلا عناء
إن هذه الكلمات خرجت من قلب يخاف عليكِ عقوبة الله وناره وجحيمه وأغلاله.. من قلب يطمع في بعدك عما حرم الله.. من قلب يحترق كمداً، ويعتصر ألماً.. إن هو علم أنك على خطأ فلم يرشدك ولم يوجهك، هذه رسالة من أخ أحب لك الفوز برضوان الله.. وأحب لك السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة، كتبتها وأنا على ثقة بإذن الله أنها ستلقى منكِ أذناً واعيةً، وبصيرةً ثاقبةً، ونفساً أمارةً بالخير.
حذاري أن تتشبهي
إن مما يحز في النفوس ويدمي القلوب ما انتشر في مثل هذه الأيام وفي زمن الفتن الذي نعاين فيه تشبه كثير من فتيات المسلمين بنساء اليهود والنصارى الكافرات، فلا تكاد امرأة ـ إلا من رحم الله ـ إلا وقد وقعت في التشبه بهن، سواء في بعض صورة أو في كل صورة، وقد حذر الإسلام من هذه المشابهة باسمها ورسمها.
صور من ذلك
عندما أظهرت بعض النساء ـ هداهن الله ـ المحادّة لله ولرسوله ولهثن وراء الموضة وتقليد الكافرات، وانتشر النمص ( الذي هو إزالة شعر الحاجبين لترفيعهما أو تسويتهما ) بين الفتيات في الجامعات والمدارس والكليات مع أنه كبيرة من كبائر الذنوب كما قال أهل العلم.
فتوى
قال العلامة محمد بن عثيمين ـ رحمه الله: ( حكم هذا - أي النمص - أنه من كبائر الذنوب، لأن ذلك نمص، وقد ثبت عن النبي أنه لعن النامصة والمتنمصة، ويدل هذا الفعل على قلة الدين، وعلى ضعف العقل أيضاً وإلا فما الفائدة أن تقلع الشعر ثم تضع بدله خطاً أسوداً تلوث به جلدةَ وجهها مع كونه مشوهاً للوجه أيضاً ). روى البخاري عن عبدالله بن مسعود قال: { لعن رسول الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى }. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: { كان النبي ينهى عن الواشمة والواصلة والمتواصلة والنامصة والمتنمصة } [رواه أحمد].
من حكم التشريع
أختي المسلمة: إن تشريعات الإسلام إنما هي منبعثة عن حكمة جليلة قد يدركها العقل البشري أحياناً وأحياناً لا يدركها ومن هذه التشريعات تحريم النمص فقد أثبت الطب الحديث أضرار ذلك وخطورته على المرأة مما يؤكد لك أن الإسلام لا يحرم شيئاً إلا لما فيه مضرة يقول الدكتور وهبة أحمد حسن: ( إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة، ثم استخدام أقلام الحواجب وغيرها من مكياجات الجلد لها تأثيرها الضار، فهي مصنوعة من مركبات معادن ثقيلة مثل الرصاص والزئبق، تذاب في مركبات دهنية مثل زيت الكاكاو، كما أن كل المواد الملونة تدخل فيها بعض المشتقات البترولية، وكلها أكسيدات مختلفة تضر بالجلد، وإن امتصاص المسام الجلدية لهذه المواد يحدث إلتهابات وحساسية، وأما لو استمر إستخدام هذه المكياجات، فإن له تأثيراً ضاراً على الأنسجة المكونة للدم والكبد والكلى فهذه المواد الداخلة في تركيب المكياجات لها خاصية الترسب المتكامل، فلا يتخلص منها الجسم بسرعة، إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة ينشط الحلمات الجلدية، فتتكاثر خلايا الجلد، وفي حالة توقف الإزالة ينمو شعر الحواجب بكثافة ملحوظة، وإن كنا نلاحظ أن الحواجب الطبيعية تلائم الشعر والجبهة واستدارة الوجه ).
لماذا النمص؟
والسؤال الذي يطرح نفسه بعد هذا البيان لماذا تتنمص الفتاة؟
والجواب أن كثيراً من هؤلاء الفتيات يعتقدن أنهن يصبحن أكثر جمالا ًوفتنةً مع أن شكل الحواجب المنتوفة لا يتناسب مع شكل الوجه الذي خلق الله أجزاءه بتناسب ودقة وإحكام، مما يجعل من نتفها إخلالاً بهذا التناسق البديع في خلقة الله، قال تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4] ولو تأملنا في وجه المرأة المتنمصة قبل وبعد النمص، لوجدنا أن وجهها قبل النمص أجمل وأقرب للنفس منه بعد النمص حيث تبدو عندما تتنمص أكبر من عمرها بالإضافة إلى ظهورها بمظهر النساء الفاسقات الماجنات، ولكن من تصدق ما أقول والشيطان سول لكثير من النساء وزين لهن هذا الفعل القبيح.
الجمال الحقيقي
ولتعلمي يا رعاك الله أن الجمال شيء نسبي لا يمكن أن تضع له مقاييس وتحد له حدوداً، وإنه لمن الجهل أن نحكم على إنسان ما بالقبح المطلق، فقد يجد هذا القبيح الشكل من الناس من يعجب به ويرى فيه ميزات ليست موجودة في غيره، وإن جمال الشكل إلى زوال بينما يبقى جمال النفس والخلق، ولله در القائل:
ليس الجمال بمئزر فاعلمْ وإن رُدَّيت برداً *** إن الجمالَ معادنٌ ومناقبٌ أورثن حمداً
فلتعتبر المتنمصات فالجمال الحقيقي يكمن في الجوهر النقي لا القشور المزينة المزيفة.
وقفة تأمل
ولننظر هل وفّر التنمص وغيره من وسائل تغيير خلق الله حياة سعيدة رغيدة للمغيرات خلق الله؟
بالطبع لم يحدث ذلك، فلماذا إذاً تخسر المرأة رضا الله وجنته من أجل تلك الأمور التي لم تنفعها ديناً ودنيا بل ضرتها و أورثتها الخسران المبين.
وقفة محاسبة
أختي المسلمة: وبعد هذا العرض، هل استشعرت عظم الذنب وفداحة الخطيئة، فعزمت على التوبة بعد المعصية والإنابة بعد الغواية: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] أما آن لقلبك أن يخشع لذكر الله وما نزل من الحق؟ أما آن لك أن تنتهي عما أنت فيه من الحرام؟ أما تذكرت وقوفك في عرصات يوم القيامة بين يدي الملك الجبار؟ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30] أما تذكرت يوم يقول العاصي والمذنب أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ [الزمر:56] أما تذكرت عندما يأتيك هادم اللذات ومفرق الجماعات فتتذكري عندها ما سلف وكان وتقولي رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100] فأنتِ الآن في وقت المهلة فاستعدي قبل النقلة فنحن في دار عمل وغداً جزاء ولا عمل.
حكم حف الحواجب وتشقيرها
سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن جبرين - حفظه الله - السؤال التالي:
س: ما حكم حفّ الحواجب؟ أو صبغها بألوان أخرى؟
فأجاب: بالنسبة للحواجب الأصل إعفاؤها وعدم نتفها لأنها زينة، وشعرها هكذا جاء ونبت في حال الصغر ونتفها محرم { لعن الله النامصات والمتنمصات } سواءً أكان النمص بالنتف أو الحلق أو بقص شيء منها، كل ذلك داخل في هذا الوعيد، والواجب على المرأة أن تعتبر هذا شيئاً خلقه الله ولا تغيّر من خلق الله شيئاً، ولأنها إذا نتفت أو قصّت أو حلقت فإن الشعر يعود بعد حين ويرجع إلى ما كان عليه مما يستدعي قصه مرة ثانية وثالثة... وهكذا، فالواجب أن تتوب إلى الله وتبتعد عمّا يستوجب اللعن والوعيد الشديد. وهكذا التشقير الذي هو صبغ شعر الحاجبين بشيءٍ ملون وهذا أيضاً محرم داخل في قول الله تعالى: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119] والحديث الذي فيه لعن المغيّرات خلق الله فلا يجوز لها ذلك
ـــــــــــــــــــ(68/374)
المرأة الداعية كيف تنجح في دعوتها
دار القاسم ... أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
إضافة مرجع إضافة مرجع
تصحيح خطأ إملائي تصحيح خطأ
عدد القرّاء عدد القرّاء: 4462
(1274 كلمة)
صورة المطوية
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
ففي عصور الإسلام الفاضلة اشتهرت صحابيات وتابعيات ونساء فقيهات عالمات وأديبات وشاعرات حملن لواء الدعوة والعلم وانطلقن ينشرنه في أرجاء المعمورة فانتفع بعلمهن الكثير، فكانوا أقماراً وشموساً في سماء الإسلام الساطعة. واستكمالاً للمسيرة الدعوية، نقدم للأخت المسلمة الداعية لمحات يسيرة فيما يجب أن تكون عليه لتنجح دعوتها إلى الله.
1 - الداعية الناجحة: تأتلف مع البعيدة وتربي القريبة وتداوي القلوب، قال الشاعر:
احرص على حفظ القلوب من الأذى *** فرجوعها بعد التنافر يصعب
إن القلوب إذا تنافر ودها *** مثل الزجاجة كسرها لا يشعب
2 - الداعية الناجحة: تظن كل واحدة من أخواتها بأنها أحب أخت لديها عند لقائها بها، قال تعالى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه:39].
3 - الداعية الناجحة: عرفت الحق فعرفت أهله، وإن لم تصورهم الأفلام، أو تمدحهم الأقلام، قال تعالى: تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح:29].
4 - الداعية الناجحة: إذا قرعت فقيرةٌ بابها ذكرتها بفقرها إلى الله عز وجل، فأحسنت إليها، قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15].
5 - الداعية الناجحة: تعلم أنها بأخواتها، فإن لم تكن بهن فلن تكون بغيرهن، قال تعالى: سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا [القصص:35].
6 - الداعية الناجحة: لا تنتظر المدح في عملها من أحد؛ إنما تنظر هل يصلح للآخرة أم لا يصلح؟
7 - الداعية الناجحة: إذا رأت أختاً مفتونة لا تسخر منها، فإن للقدر كرات قال تعالى: وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا [الإسراء:79]، وليكن شعارك: ( يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك ).
8 - الداعية الناجحة: ترعى بنات الدعاة الكبار الذين أوقفوا وقتهم كله للدعوة، والجهاد في سبيل الله، بعيداً عن الأهل والبيت قال تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [آل عمران:121] وفي الحديث: { من خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا }.
9 - الداعية الناجحة: تجعل من بيتها مشغلاً صغيراً تنفع به الدعوة، والمحتاجين، كأم المساكين ( زينب ) رضي الله عنها.
10 - الداعية الناجحة: تعطي حق زوجها، كما لا تنسى حق دعوتها حتى تكون من صويحبات خديجة رضي الله عنها، قال عنها النبي : { صدقتني إذ كذبني الناس، وآوتني إذ طردني الناس، وواستني بنفسها ومالها، ورزقني الله منها الولد، ولم يبدلني الله خيراً منها }.
11 - الداعية الناجحة: مصباح خير وهدى في دروب التائهين.. تحرق نفسها في سبيل الله... { لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم }.
12 - الداعية الناجحة: تعلم أن مناهجها على ورق إن لم تحيها بروحها وحسها وضميرها وصدقها وسلوكها وجهدها المتواصل.13 - الداعية الناجحة: لا تهدأ من التفكير في مشاريع الخير التي تنفع المسلمين في الداخل والخارج.. أعمالها تظل إخوانها في كل مكان يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77].
14 - الداعية الناجحة: تنقل الأخوات من الكون إلى مكونه، فلا تكون كبندول الساعة، المكان الذي انطلق منه عاد فيه.. بل تشعر دائماً أنها وأخواتها في تقدم إلى الله لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ [المدثر:37].
15 - الداعية الناجحة: تشارك بقلمها في الجرائد والمجلات الإسلامية والمنتديات، تشترك فيها وتقوم على إهدائها للأخوات وإرشادهن إلى أهم الموضوعات. والمقال القصير المقروء خير من الطويل الذي لا يقرأ { أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ }.
16 - الداعية الناجحة: تحقق العلم على أرض الواقع، كان خلق الرسول الكريم القرآن، فهي تعلم أن العلم بلا عمل كالشجر بلا ثمر.
17 - الداعية الناجحة: تبحث عن الوسائل الجديدة والمشوقة في تبليغ دعوتها، ولكن في حدود الشرع وسيأتي الزمن الذي تسود فيه التقنية والمرئيات على الكتب والمؤلفات في اكتساب المعلومات وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [النحل:8].
18 - الداعية الناجحة: لها مفكرة تدون فيها ما يعرض لها من فوائد في كل زمان ومكان { كل علم ليس في قرطاس ضاع }.
19 - الداعية الناجحة: تعرف في أخواتها النشاط وأوقات الفترة فتعطي كل وقت حقه، فللنشاط إقبال تستغل، وللفترة إدبار تترفق بهن ( لكل عمل شرة ولكل شرة فترة ).
20 - الداعية الناجحة: غنية بالدعوة فلا تصرح ولا تلمح بأنها محتاجة لأحد لقوله تعالى: يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273].
21 - الداعية الناجحة: تعلم أن المال قوة فلا تسرف طلباتها لكماليات المنزل قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67]، وتسخر المال في خدمة الإسلام والمسلمين.
22 - الداعية الناجحة: تمارس الدعاء للناس، وليس الدعاء عليهم، لأن القلوب الكبيرة قليلة كما في قوله : { اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون }، وقد قال تعالى: قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ(26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ [يس:27،26].
23 - الداعية الناجحة: إذا نامت أغلب رؤياها في الدعوة إلى الله فإذا استيقظت جعلت رؤياها حقائق. قال تعالى: هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا [يوسف:100].
24 - الداعية الناجحة: تطيب حياتها بالإيمان والعمل الصالح، لا بزخارف الدنيا قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].
25 - الداعية الناجحة: عرفت الله فقرّت عينها بالله، فقرّت بها كل عين، وأحبتها كل نفس طيبة، فقدمت إلى الناس ميراث الأنبياء.
26 - الداعية الناجحة: لا تعتذر للباطل من أجل عملها للحق، وهل يأسف من يعمل في سبيل الله؟ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ [طه:72].27 - الداعية الناجحة: تكون دائماً على التأهب للقاء الله، وإن نامت على الحرير والذهب !! وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:223].
28 - الداعية الناجحة: لا تأسف على ما فات ولا تفرح بما هو آت من متاع الدنيا ولو أعطيت ملك سليمان، لم يشغلها عن دعوة الله طرفة عين، قال تعالى: لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد:23].
29 - الداعية الناجحة: لا تفكر في نفسها فقط، بل تفكر في مشاريع تخدم المسلمين والمسلمات، قال الله تعالى: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77].
30 - الداعية الناجحة: تسأل الله دائماً الثبات على الإيمان، وتسأله زيادته، قال : { اسئلوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم }.
31 - الداعية الناجحة: لا ترجو غير الله ولا تخاف إلا الله. متوكلة على الله، وراضية بقضاء الله.
32 - الداعية الناجحة: قرة عينها في الصلاة، قال : { وجعلت قرة عيني في الصلاة }.
33 - الداعية الناجحة: يجتمع فيها حسن الخلق، فهي ودودة كريمة جوادة.
34 - الداعية الناجحة: تتحمل الأذى من كل من يسيء إليها، وتحسن إليهم.
35 - الداعية الناجحة: العلم عندها العلم الشرعي لا الدنيوي.
36 - الداعية الناجحة: أولادها مؤدبون، دعاة، قدوة، تربوا في بيت دين وعلم، لا يولدون للآخرين الإزعاج.
37 - الداعية الناجحة: منارة تحتاط لنفسها في مجال النسوة، وفي غاية الأدب والتحفظ، وهي صادقة في أخلاقها.
38 - الداعية الناجحة: منضبطة تعرف متى تزور ومتى تُزار، حريصة على وقتها ليست بخيلة بزمانها، وليست ثقيلة فتُمل، ولا خفيفة فيستخف بها.
39 - الداعية الناجحة: لا تنس الفقراء وهي تلبس، ولا تنسى المساكين وهي تطبخ، ولا تنسى الأرامل وهي تشتري حاجياتها، ولا تنسى اليتامى وهي تكسو عيالها، قال تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92].
40 - الداعية الناجحة: تسعى على تزويج أخواتها في الله، لأنها تعلمت من حديث النبي : { أن المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا }، فلا تترك أخواتها للهم والوحدة والأحزان، ولا تهدأ الأخت حتى يتم لأختها الخير والسعادة.
41 - الداعية الناجحة: إن وقع عليها بلاء كغضب زوج، أو إيذاء جار، تعلم أن ذلك وقع لذنب سبق فعليها التوبة والاستغفار.
42 - الداعية الناجحة: تصبر على الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتصبر على إصلاح عيوب أخواتها، ولا تتعجل ولا تظن بأحد الكمال، بل تنصح بلطف وتتابع باهتمام ولا تهمل.
فنسأل الله أن يوجد في أخواتنا وبناتنا مثل هذه الداعية الدرة الثمينة. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.
ـــــــــــــــــــ(68/375)