فلا يجوز لزوجة أبيك إبداء شيء من عورتها -ومنها الوجه والكفان- أمام زوجك، إذ ليس هو محرماً لها بمجرد أنها زوجة أبيك، فالمحرمة عليه شرعاً هي أم زوجته لا زوجة أبي زوجته، فبمجرد أن يموت أبوك أو يطلق هذه الزوجة يجوز لزوجك أن يتزوجها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم نكاح زوجة ابن الأخ بعد وفاة زوجها
تاريخ الفتوى : ... 22 صفر 1423 / 05-05-2002
السؤال
هل يجوز أن يتزوج خال الزوج من زوجة ابن أخته بعد وفاة الزوج؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله على آله وصحبه أما بعد:
فيجوز للرجل أن يتزوج بزوجة ابن أخته أو ابن أخيه إذا طلقها ابن الأخ أو مات عنها، فمجرد كونها زوجة ابن الأخ أو الأخت لا يجعلها محرمة، لا خلاف في هذا بين أهل العلم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم التزوج ببنت زوجة الأب
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
العلماء الأجلاء:
هل يجوز شرعا أن أتزوج بنت زوجة أبي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا مانع شرعاً من أن تتزوج ابنة زوجة أبيك، ما لم تكن محرما لك، كأن ترضعك أنت وهي امرأة أخرى، أو نحو ذلك، ومجرد كون أمها زوجة لأبيك لا يجعلها محرمة عليك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم الجمع بين المرأة وابنة أختها
تاريخ الفتوى : ... 15 ذو القعدة 1422 / 29-01-2002
السؤال
هل يجوز الجمع بين الزوجة وابنة أختها؟
الفتوى(63/31)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الجمع بين المرأة وابنة أختها محرم بإجماع الأمة، وبنص الأحاديث الصحيحة، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها".
والعلة في المنع من الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، ومن في حكمهما من كل محرمتي الجمع، هي الاحتراز من قطع الرحم بين الأقارب، فإن الجمع بين النساء يولد عادة التحاسد، ويجر إلى البغضاء.
وبالتالي يقع ما لا يرضي الله تعالى من التقاطع، والتدابر بين الأقارب، فالطرفان قلما تسكن عواصف الغيرة بينهما.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم الجمع بين المرأة وزوجة أبيها
تاريخ الفتوى : ... 25 رمضان 1422 / 11-12-2001
السؤال
هل يجوز الجمع بين المرأة و زوجة أبيها
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز للرجل أن يجمع بين المرأة وزوجة أبيها. قال الإمام البخاري رحمه الله: (جمع عبد الله بن جعفر بين ابنة علي وامرأة علي) وحكى البخاري أيضاً عن ابن سيرين أنه قال: (لا بأس به) يعني الجمع بين زوجة الرجل وبنته من غيرها
ولا دليل على الكراهة، فالرجح هو القول الأول.
ولا يتعارض هذا مع الضابط المشهور في تحريم الجمع بين المرأتين وهو(أنه متى قُدِّرَ أحدهما ذكرا والآخر أنثى حرم الجمع بينهما) لأن المقصود التحريم من الجهتين، وهنا التحريم من جهة واحدة، إذ لو قدر أن امرأة الأب رجل لما حرم عليه نكاح هذه البنت، إذ هي أجنبية عنه ضرورة.
وقد قال بعض الفقهاء:
وجمع زوجةِ وأمِّ البعل وبنته أو رقِّها ذو حِلِّ
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
متى يباح الزواج بأخت الزوجة
تاريخ الفتوى : ... 22 جمادي الثانية 1422 / 11-09-2001
السؤال
متى يحق للرجل الزواج من أخت زوجته؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(63/32)
فيحرم على الرجل أن يتزوج بامرأة ما دامت أختها في عصمته، وكذا إن كانت مطلقة منه، ولا تزال في عدتها إن كان طلاقها رجعياً، وهذا لا خلاف فيه، فإن كان الطلاق بائناً أو فسخاً، فاختلف أهل العلم في ذلك، فمنهم من قال: يحرم عليه الزواج بأختها أثناء العدة، وهو قول سعيد بن المسيب ومجاهد والنخعي والثوري وأحمد والحنفية، وهو مروي عن علي وابن عباس وزيد بن ثابت، وقال القاسم بن محمد وعروة وابن أبي ليلى ومالك والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر: له نكاحها. قالوا: إن المحرم الجمع بينهما في النكاح، والبائن ليست في نكاحه، ولأنها بائنة فأشبهت المطلقة قبل الدخول، وهذا القول هو الراجح، فلا ينبغي العدول عنه.
أما إذا توفيت المرأة، فيجوز له الزواج بأختها من حين الوفاة بلا خلاف في ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها حرام
تاريخ الفتوى : ... 06 جمادي الأولى 1422 / 27-07-2001
السؤال
السلام عليكم هل يجوز الجمع بين الفتاه وخالتها أو الفتاة وعمتها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز الجمع بين المرأة وعمتها، وإن علت، ولا بين المرأة وخالتها، وإن علت، ولا يجوز نكاح المرأة على بنت أختها، ولا على بنت أخيها، وإن سفلت.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها".
قال ابن عبد البر: وهو حديث مجمع على صحته، وعلى القول بظاهره، وما في معناه، وهو أن كل امرأتين: لو كانت أحداهما رجلاً لم يحلَّ له نكاح الأخرى، لم يحل له الجمع بينهما، ولا خلاف في هذا بين العلماء.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
زوجة الخال بعد طلاقها أو موت زوجها ليست محرمة عليك
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
لدي سؤال : هل يصح زواج الرجل من مطلقة خاله أو أرملته ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: ليس هناك ما يمنع شرعا من الزواج بمطلقة خال الرجل أو أرملته، لأن زوجة الخال بعد طلاقها أو موت زوجها ليست من المحرمات لا بنسب ولا مصاهرة قال الله جل وعلا :"حرمت عليكم(63/33)
أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت ... الآية (النساء:23)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
سفر المرأة مع ابن جارتها أو زوج بنت زوجها
سؤال:
امرأة تريد أن تذهب لأداء الحج مع أنها قامت بهذه الفريضة من قبل وسوف تذهب معها ربيبتها ، وزوج ربيبتها هل يعتبر محرما لها وهل يجوز لها السفر معه ؟
وهناك حالة أخرى : وهى امرأة ستذهب مع ابنها وتريد أن تذهب معهم جارتها ، هل يجوز ذلك علما أن الجارة ليست محرمة على ابن جارتها ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يشترط لوجوب الحج على المرأة وجود محرم يرافقها في سفرها ؛ لما روى البخاري (1862) ومسلم (1341) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ . فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ . فَقَالَ : اخْرُجْ مَعَهَا ) .
ورخص بعض أهل العلم أن تسافر المرأة في حج الفريضة مع نسوة ثقات أو رفقة مأمونة ، وهو قول مرجوح . والراجح أنه لا بد من محرم ، سواء كان ذلك في حج الفريضة أو النافلة .
انظر السؤال (316) ، (47029) .
ثانيا :
لعل السائل يقصد بالربيبة هنا بنت زوج المرأة المسئول عنها .
والجواب أن هذا الزوج ليس محرما لتلك المرأة ، فلا يجوز لها أن تسافر معه .
وأما الربيبة الواردة في قوله تعالى : ( وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) النساء /23 . فالمراد بها : " بنت امرأة الرجل من غيره ، سميت بذلك لأنه يربيها في حجره ، ... واتفق الفقهاء على أن الربيبة تحرم على زوج أمها إذا دخل بالأم وإن لم تكن الربيبة في حجره " تفسير القرطبي" (5/101) .
ثالثا :
ليس للمرأة أن تسافر مع جارتها ، بدون محرم . وابن جارتها ليس محرما لها .
سئلت الجنة الدائمة للإفتاء :
هل يحق للمرأة المسلمة أن تؤدي فريضة الحج مع نسوة ثقات ، إذا تعذر عليها اصطحاب أحد أفراد عائلتها معها ، أو أن والدها متوفى ؟ فهل يحق لوالدتها اصطحابها لتأدية الفريضة أو خالتها أو عمتها أو أي شخص تختار ليكون معها محرماً في حجها ؟(63/34)
فأجابت :
" الصحيح أنها لا يجوز لها أن تسافر للحج إلا مع زوجها أو محرم لها من الرجال ، فلا يجوز لها أن تسافر مع نسوة ثقات أو رجال ثقات غير محارم ، أو مع عمتها أو خالتها أو أمها ، بل لا بد من أن تكون مع زوجها أو محرم لها من الرجال ، فإن لم تجد من يصحبها منهما فلا يجب عليها الحج ما دامت كذلك ؛ لفقد شرط الاستطاعة الشرعية ، وقد قال تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ) " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/91) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
هل ابن بنت زوجها يعتبر محرماً لها ؟
سؤال:
هل يجوز لامرأة فوق الستين أن لا تتحجب أمام ابن ابنة زوجها الذي لا يتجاوز الخامسة عشر عاما ؟ والذي هو بمثابة حفيدها وهل يجوز لها مصافحته باليد أو تقبيله مع ملاحظة أن زوجها الذي هو جد هذا الولد متوفى ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الابن المسئول عنه يعتبر محرماً لهذه المرأة ، فلها أن تصافحه ، وتكشف أمامه ما تكشفه لمحارمها ، ولا يؤثر على ذلك كون جده متوفى .
ووجه كونه من المحارم أنها زوجة جده من جهة أمه . ويحرم على الإنسان تحريما مؤبدا : زوجة أبيه ، وزوجة جده وإن علا ، سواء كان الجد من جهة أبيه أو من جهة أمه ؛ لقوله تعالى : ( وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلا ) النساء/22
قال في "زاد المستقنع" : " ويحرم بالعقد زوجة أبيه وكلِّ جد "
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه : " والمراد بالعقد : العقد الصحيح ، فيحرم به زوجة أبيه وإن علا . فكل امرأة تزوجها أبوه وإن طلقها فهي حرام عليه إلى الأبد . وكل امرأة تزوجها جده من قِبَلِ الأب ، أو من قِبَلِ الأم فهي حرام عليه إلى الأبد . الدليل قوله تعالى : ( وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلا ) فلو تزوجها فهو أعظم من الزنا ؛ لأنه قال في الزنا : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا ) وأما هذا فقال : ( إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلا ) فنكاح ذوات المحارم أعظم والعياذ بالله من الزنا ، ولهذا ذهب كثير من أهل العلم إلى أن من زنى بأحد من محارمه ولو لم يكن محصنا فإنه يجب قتله ، وفي هذا حديث في السنن . إذاً يحرم زوجة أبيه وإن علا ، من قِبل الأب أو من قبل الأم ، ولم يشترط الله سبحانه وتعالى لا دخولا ولا غيره ، بل بمجرد العقد الصحيح يثبت هذا الحكم " انتهى من "الشرح الممتع" (5/198) .(63/35)
وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم ، قال ابن قدامة رحمه الله في الكلام على تحريم زوجة الأب : " وسواء في هذا امرأة أبيه ، أو امرأة جده لأبيه ، وجده لأمه ، قرُب أم بعُد . وليس في هذا بين أهل العلم خلاف علمناه ، والحمد لله " انتهى من "المغني" (9/518، 524).
ثانياً :
وأما التقبيل ؛ فلها أن تقبله عند أمن الفتنة ، والأولى أن يكون على الجبهة أو الرأس .
سئل الإمام أحمد رحمه الله : يُقَبِّلُ الرَّجُلُ ذَاتَ مَحْرَمٍ مِنْهُ ؟ فقَالَ : إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ وَلَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ . . وَلَكِنْ لا يَفْعَلُهُ عَلَى الْفَمِ أَبَدًا , الْجَبْهَةِ أَوْ الرَّأْسِ .
الآداب الشرعية لابن مفلح (2/266)
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : عن تقبيل المحارم ، فقال :
" تقبيل المحارم إذا كان لشهوة أو خاف الإنسان على نفسه من ثوران الشهوة فهو حرام بلا شك ، وإذا كان لا يخاف فإن تقبيل الرأس والجبهة لا بأس به ، وأما تقبيل الخد أو الشفتين فينبغي تجنبه إلا بالنسبة للوالد مع ابنته مثلاً أو للأم مع ابنها ، فإن هذا أمره أسهل ، لأن أبا بكر رضي الله عنه دخل على عائشة رضي الله عنها وهي مريضة فقبلها على خدها ، وقال : كيف أنت يا بنية ؟ " انتهى من "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 691) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
هل لزوجته الكشف أمام عمه المسنّ ؟
سؤال:
هل تستطيع زوجتي مواجهة عم والدي علما بأن عمره حوالي 70 سنة ؟.
الجواب:
الحمد لله
عم والدك يعتبر عمًّا لك ، وعم الزوج ليس محرما للزوجة ، فلا يجوز لها أن تكشف وجهها أمامه ، ولا أن يخلو بها ، ولو كان كبيرا في السن ؛ لعموم الأدلة الآمرة بالحجاب ، دون تفريق بين شاب وشيخ ، كقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الأحزاب/59 ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إِيَّاكُمْ وَالدُّخولَ عَلَى النِّسَاءِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ الله ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟ قَالَ : الْحَمْوُ الْمَوْتُ ) رواه البخاري (5232) ومسلم (2172) قال الليث بن سعد : الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج ، ابن العم ونحوه .
وقد أفتى علماء اللجنة الدائمة بأنه لا يجوز أن تكشف المرأة لعم زوجها ولو كان شيخا كبيرا غلبه الشيب ؛ لأنه ليس من محارمها . "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/424) .(63/36)
لكن لزوجتك أن تخاطب عمك وتكلمه وتسأل عن حاله ، دون مصافحة أو كشف وجه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
خال المرأة محرم لها يجوز له أن ينفرد بها
سؤال:
ما حكم زيارة خال الزوجة على الزوجة وهي تكون وحيدة في فترة عمل الزوج ؟ حيث تكرر الموضوع أكثر من مرة .
الجواب:
الحمد لله
الخال محرم لجميع بنات أخواته وبناتهن ، لقوله تعالى في بيان المحرمات في سورة النساء : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ ) النساء/23 .
فلا حرج في زيارته لبنت أخته وخلوته بها ، وسفره معها ، ما لم تكن هناك ريبة ، كما لو كان فاسقاً غيرَ مأمونٍ على بنت أخته ، فإن وجدت ريبة ، مُنع من الخلوة بها وزيارتها في غياب زوجها .
وراجع للفائدة السؤال رقم (21953) .
وقد ذهب بعض السلف – كعكرمة والشعبي - إلى أن الخال والعم وإن كان يحرم عليه أن يتزوج بابنة أخته ، وابنة أخيه إلا أنه لا يجوز لها أن تبدي زينتها أمامه ، ويلزمها الحجاب معه ، واستدلوا على ذلك بدليلين :
1- أن الخال والعم لم يُذكرا في آية سورة الأحزاب التي تبيح للمرأة أن تبدي زينتها أمام المحارم ، قال الله تعالى : ( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً ) الأحزاب/55 . فلم يذكر الله تعالى العم والخال .
2- قالوا : ولأن الخال والعم قد يصفان المرأة لأبنائهم .
وذهب عامة أهل العلم إلى أن الخال والعم من المحارم الذين يجوز للمرأة أن تبدي زينتها أمامهم ، وأجابوا عن عدم ذكر الخال والعم في الآية :
1- بأنهما لم يُذكرا لأنهما بمنزلة الوالدين ، ولذلك سمى الله تعالى العم أباً في قوله : ( أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) البقرة/13 . وإسماعيل عم ليعقوب ، عليهما الصلاة والسلام .
2- أو لم يُذكرا اكتفاء بذكر ابن الأخ وابن الأخت ، فالعم والخال أولى منهما بهذا الحكم .
قال السعدي رحمه الله (ص 788) :(63/37)
" ( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ ) أي في عدم الاحتجاب عنهم ، ولم يذكر فيها الأعمام والأخوال لأنهن إذا لم يحتجبن عَمَّن هُنَّ عماته وخالاته من أبناء الإخوة والأخوات مع رفعتهن عليهم ، فعدم احتجابهم عن عمهن وخالهن من باب أولى " انتهى .
وأما ما ذكروه من التعليل وهو قولهم : ( لأن الخال والعم قد يصفان المرأة لأبنائهم ) فأجاب الجمهور عن هذا التعليل بأنه ضعيف ، لأنه لو قيل بهذا ، لكان لازم ذلك أنه لا يجوز للمرأة أن تبدي زينتها أمام أي امرأة لأنها قد تصفها لأبنائها !
ومما يدل على صحة ما ذهب إليه الجمهور من جواز إظهار المرأة زينتها لعمها وخالها ، وجواز دخولهما عليها والخلوة بها ، ما رواه البخاري (4796) ومسلم (1445) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ ، فَقُلْتُ : لا آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ فِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّ أَخَاهُ أَبَا الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي ، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَكَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا مَنَعَكِ أَنْ تَأْذَنِي ؟ عَمُّكِ ! قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ ! فَقَالَ : ائْذَنِي لَهُ ، فَإِنَّهُ عَمُّكِ ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ.
فإذا كان العم من الرضاعة يجوز له الدخول على المرأة والخلوة بها ، فالعم من النسب أولى ، والخال مثله .
انظر : تفسير القاسمي (13/298)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
تحريم بنت الأخت من الرضاعة
سؤال:
أم زوجتي أرضعت ولد ولدها ( أي ولد أخي زوجتي ) أكثر من خمس رضعات ، حسب كلام أم زوجتي (المرضعة وهي جدته) هل هذا الولد يصير أخاً لزوجتي من الرضاعة ؟
وهل يصير محرماً لابنتي ؟ ويجوز أن تكشف عليه ؟.
الجواب:
الحمد لله
نعم ، هذا الولد أصبح أخاً لزوجتك من الرضاعة ، ويكون خالاً من الرضاعة لأولادك من هذه الزوجة ، فيجوز لابنتك – من هذه الزوجة وليس من زوجة أخرى - أن تظهر له ما تظهر لمحارمها .
ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ ) . رواه البخاري (2645) ومسلم (1447) .
وبنت الأخت من النسب محرمة ، لقوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ ) النساء/23 .
فتكون بنت الأخت من الرضاعة محرمة كذلك .(63/38)
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (21/116) :
" الرضاع المحرم ما كان خمس رضعات فأكثر في الحولين ، فإذا كان رضاع الأخوين كذلك فهما أخوان من الرضاعة ، وأولاد كل منهما أولاد أخيه من الرضاعة ، سواء كان اللبن من الأب والأم معا ، أم من الأم فقط ، أو الأب فقط ، ولا يحل لأحدهما الزواج من بنات الآخر ؛ لأنهن بنات أخيه من الرضاعة " انتهى .
وانظر سؤال رقم (45819) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
رضع أخوها من زوجة خالها ، فهل يكون أولاد خالها محارماً لها؟
سؤال:
أخي الذي يصغرني بعامين رضع من زوجة خالي مع ابنها ، فهل يجوز لي أن أكشف أمام أولاد خالي ، أي لا أحتجب أمامهم ، وما حكم أخواتي اللاتي يصغرن أخي الذي رضع من زوجة خالي ؟.
الجواب:
الحمد لله
" إذا ثبت الرضاع المذكور وكان خمس رضعات أو أكثر حال كون الرضيع في الحولين ، صار أخوك المرتضع ابنا لخالك من الرضاعة وابنا لزوجته المرضعة من الرضاعة ، وصار أولادهما إخوة له وصار إخوان خالك أعماما له وأخواته عمات له ، وصار إخوان المرضعة أخوالا له وأخواتها خالات له ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) متفق على صحته .
أما أنت فلا تعلق لك بالرضاع المذكور ، ولا يجوز لك ولا لأخواتك أن تكشفن لأبناء خالكن بسبب رضاعة أخيكن من زوجة خالكن لأنهم بالنسبة إليكن ليسوا محارم لكُنَّ .
وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه " اهـ .
فتاوى الشيخ ابن باز .
ــــــــــــــ
هل يجوز لأخي الزوج أن يذهب بزوجة أخيه إلى الدكتور؟
سؤال:
هل يجوز لأخي الزوج أن يذهب بزوجة أخيه للدكتور ، إذا كان أخوه غير موجود ، أو اعتذر وهو موجود ، والمستشفى داخل البلد ؟.
الجواب:
الحمد لله
" لا يجوز للزوجة أن تركب في السيارة وحدها مع أخي زوجها ، لأن ذلك من الخلوة التي حذر منها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قال : ( إياكم والدخول(63/39)
على النساء . قالوا : يا رسول الله أرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت ) رواه البخاري ومسلم .
ماذا تفهمون يا عباد الله من هذه الكلمات التحذير أو الإباحة ؟ لا شك أن المفهوم التحذير لا الإباحة ، فلا يجوز للرجل أن يخلو بزوجة أخيه ، لا في السيارة ولا في البيت ، وأنكر من ذلك ما يفعله بعض الناس يأتيه الضيف وهو في عمله ، وليس في البيت إلا زوجته ، ثم تفتح له الباب فيدخل ينتظر صاحب البيت ، والمهم أنه لا يجوز لأي امرأة أن تخلو مع أحد من الرجال (الأجانب عنها) ، ولو كان من أقارب زوجها ، أو من أقاربها ، أو من جيرانها، إلا أن يكون معها محرم ، سواء في البلد أو في السفر ، مع أن السفر يحرم أن تسافر ولو بدون خلوة إذا لم يكن معها محرم ، لما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب يقول : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ) .
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين "مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة" ص(46-47).
ــــــــــــــ
هل أخت الزوجة تعتبر من المحارم؟
سؤال:
هل أخت الزوجة تعتبر من المحارم ؟.
الجواب:
الحمد لله
أخت الزوجة تعدُّ أجنبيّة عن زوج أختها ، فلا يحل له النظر إليها ، ولا الخلوة بها ، ولا مصافحتها .
ويظن بعض الناس بسبب تحريمها على الزوج أنه يجوز أن ينظر إليها ويخلو بها ويصافحها ، وهذا خطأ ، فالتحريم هنا معناه أنه لا يجوز له أن يجمع بينها وبين أختها ، وهي في ذلك مثل عمة الزوجة وخالتها ، فقد جاء النهي في القرآن عن الجمع بين المرأة وأختها ، فقد ذكر الله تعالى في المحرمات من النساء ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ ) النساء/23 ، وجاء في السنة الصحيحة النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها ، رواه البخاري (4821) ومسلم (1408) .
إذاً فالمحرَّم هو الجمع بين الأختين وليست أخت الزوجة محرماً على زوج أختها تحريماً مؤبداً .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة تسكن مع أختها المتزوجة ولا تحتجب من زوج أختها ، وتقول : إنه بالنسبة لها محرم مؤقت ، فما هو جوابكم على هذا ؟
فأجاب :
هذه المرأة عندها شبهة وهي : أنه لا يجوز لزوج أختها أن يتزوجها ما دامت أختها معه ، فهي محرمة عليه تحريماً إلى أمد لا تحريماً مؤبداً ، ولكن فهمها خطأ فإن المحرمات إلى أمد لسن محارم .
المحارم هن : المحرمات إلى الأبد بنسب أو سبب مباح ، والنسب هو القرابة ، والسبب المباح : أي الصهر والرضاع ، وهذه المحرمات ، قال تعالى : ( وَلا(63/40)
تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً *حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً ) النساء/22-23 ، ولم يقل عز وجل ( وأخوات نسائكم ) فالمحرم هو الجمع بين الأختين .
وبناء على هذا فنقول للأخت السائلة التي تقول إن أختها تتكلم وتتحدث مع زوج أختها ولا تحتجب منه ، وتقول إن بينها وبينه تحريماً مؤقتاً ، نقول لها : إن هذا قول خطأ وليس بصواب ، وهذا التحريم ليس تحريماً مؤقتاً ، لأن المحرم هو االجمع بين الأختين ، كما قال تعالى : ( وأن تجمعوا بين الأختين ) وليس أخت الزوجة كما فهمت السائلة . فتاوى ابن عثيمين (2/877).
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
زواج موقوف ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 20107 ...
رقم الفتوى
... 17/08/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
من السيد / م أ ك بطلبه المتضمن أن السائل يريد الجواب عن السؤال الآتى هل ينعقد زواج امرأة بالغ ثيب شرعا وهى غائبة عن مجلس العقد ببلد بعيد ويقبض مهرها من وكيل وقع الوثيقة وقبض المهر دون وكالة بالعقد أو القبض عنها .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى هذا الموضوع .
نص الفتوى
عقد الزواج المسئول عنه هو نوع من أنواع الزواج الموقوف وهو الذى يباشره من ليست له ولاية شرعية ينفذ بها عقده ويترتب بها الآثار عليه وإن كانت له الأهلية إلى يصح بها العقد .
وجاء فى فقه الحنفية إن من يعقد لغيره من غير ولاية تامة ولا وكالة عنه كان فضوليا ويتوقف عقده على اجازة المعقود عليه - والعقد الموقوف قبل اجازته لا يترتب عليه شىء من آثار الزوجية فلا يحل فيه الدخول بالزوجة ولا يقع فيه طلاق وإذا مات أحد الزوجين فى هذه الحالة لا يرث الآخر - فإذا اجازه من له الاجازة(63/41)
نفذ وثبتت له جميع الأحكام - وعلى هذا فيكون عقد الزواج المسئول عنه هو عقد صحيح شرعا إلا أنه غير نافذ ولا يترتب عليه شىء من آثار الزوجية .
فإذا اجازته المرأة أو وكيلها المفوض عنه نفذ وترتبت عليه آثاره وإن لم تجزه هى أو وكيلها بطل ، هذا هو حكم الزواج الذى يجريه من ليس بوكيل ( الفضولى ) شرعا أما موضوع توقيع شخص على الوثيقة كوكيل وهو ليس بوكيل فهذا إن صح يرجع فيه إلى جهة القضائية المختصة .
ومن هذا يعلم الجواب عما جاء بالسؤال والله سبحانه وتعالى أعلم .
الموضوع(3334) أثر الردة على عقد الزواج .
المفتى : فضيلة الشيخ محمد خاطر .
29 صفر سنة 1395هجرية - 12 مارس سنة 1975م .
المبادئ :
1- إذا ارتد الزوج عن الإسلام انفسخ عقد الزواج فى الحال دون توقف على القضاء .
2- المقرر شرعا أن المسيحى إذا أسلم اعتبر مسلما من تاريخ اشهار إسلامه .
فإذا ما ارتد اعتبر مرتدا من تاريخ ردته .
3- إذا عاد الزوج بعد ردته وأراد العودة لزوجته لزمه أن يعقد عليها من جديد سواء أكانت فى عدته أم خرجت منها ما لم تحرم عليه تحريما مؤقتا أو مؤبدا بسبب آخر .
سئل :
من / ك .
جورجى بطلبه المتضمن أن شخصا مسيحيا أشهر اسلامه رسميا فى سنة 1962 ثم وثق زواجه بمسيحية فى سنة 1963 - ثم عاد تحت ظروف خاصة إلى المسيحية وتزوج بنفس السيدة المسيحية أمام الكنيسة المسيحية بتاريخ 4/7/1964 وقد ورد فى عقد الزواج الكنسى المذكور أنه انضم للديانة المسيحية فى 6/5/1964 وقد ولد له طفل من زوجته هذه قيد فى سجل المواليد فى سنة 1970 باعتباره مسيحيا - ثم عاد الشخص المذكور وقام بعمل اقرار واشهار توبة أمام الموثق فى 5/12/1970 وأقر أن العقد الكنسى السابق اجراؤه يعد باطلا وأنه متمسك بالدين الإسلامى وبعقد زواجه السابق اجراؤه أمام الموثق - وان انضمامه للدين المسيحى يعد باطلا وأنه مسلم من تاريخ اشهار اسلامه وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى الأمور الآتية : 1- هل يعتبر هذا الشخص مسلما من تاريخ اشهار اسلامه وحتى الآن أم لا .
2- هل يعتبر زواجه من السيدة المسيحية أمام الموثق قائما حتى الآن على الرغم من الزواج الكنسى أم أنه يجب أن يعقد عليها من جديد بعد أن تاب وعاد إلى الإسلام ليكون زواجه صحيحا فى ظل الشريعة الاسلامية .
3- ما هو وضع الطفل الذى قيد مسيحيا بعد أن تاب والده وعاد إلى الإسلام .
وهل أصبح مسلما بالتبعية أم يجب عمل اقرار بذلك أمام الموثق .
أجاب :(63/42)
المقرر فى فقه الحنفية أنه إذا ارتد الزوج عن الإسلام انفسخ عقد النكاح فى الحال غير متوقف على القضاء .
وتعتبر الفرقة فسخا . وأن المقرر شرعا أن المسيحى إذا أسلم اعتبر مسلما من تاريخ اشهار اسلامه .
فإذا ما ارتد اعتبر مرتدا من تاريخ ردته .
فإذا ما تاب وعاد إلى الإسلام اعتبر مسلما من تاريخ توبته وعودته الى الإسلام وأن الولد يتبع خير الأبوين دينا وفى الحادثة موضوع السؤال يكون الشخص المسئول عنه مسلما من تاريخ اشهار اسلامه إلى تاريخ ردته .
ويكون مرتدا من تاريخ ردته حتى تاريخ توبته وعودته إلى الإسلام .
ويكون مسلما من تاريخ توبته وعودته الىالإسلام وحتى الان ما دام مصمما على توبته ومتمسكا باسلامه .
أما زواج هذا الشخص من السيدة المسيحية أمام الموثق فقد انفسخ بردته على الوجه الذى شرحناه قبلا - وعليه إذا أراد عودة الحياة الزوجية مع هذه الزوجة من جديد بعد التوبة والعودة إلى الإسلام أن يعقد عليها من جديد سواء أكانت لا تزال فى عدته أم خرجت من العدة ما لم تحرم عليه مؤقتا أو مؤبدا بسبب آخر .
أما الطفل الذى ولد له وهو مرتد فيعتبر الآن مسلما تبعا لاسلام والده بعد أن تاب والده وعاد إلى الإسلام لأن الولد كما قررنا سابقا يتبع خير الأبوين دينا .
وههنا الأم مسيحية والأب مسلم .
وهذا إذا كان الحال كما ذكرنا بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم .
ــــــــــــــ
حكم وطء المطلقة ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 11225 ...
رقم الفتوى
... 03/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
رجل يطأ أخت زوجته منذ مدة طويلة حتى تبين حملها. والسؤال هو: هل تبقى زوجته بذمته؟ وما مصير المولود ولمن ينسب؟ وما الحد الشرعي على هذا الرجل والمرأة علماً أن هذه المرأة مطلقة؟
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:(63/43)
هذا جرم كبير حيث إنه زنا وإنه مع من يحرم عليه نكاحها وإن كان مؤقتاً، وعلى هذا فإذا اعترف بالزنا وأن الحمل منه فعليه الرجم بالحجارة حتى يموت، وكذا على المرأة التي مكنته من نفسها وهي ثيّب ولم تكن مكرهة عليها الرجم، ولا يتسامح معها لبشاعة فعل الفاحشة، ولا ترجم المرأة حتى تلد ويوجد من يحضن الولد، وينسب الولد لأمه ولو اعترف به الزاني أو أولاده فإنه لا يلحق بالزاني ولا كرامة، وعليه قبل الرجم اجتناب زوجته حتى تلد أختها لئلا يجتمع ماؤه في رحم أختين، وكذا يبتعد عن زوجته إن ادَّعى شبهة وقامت قرينة به والمرجع في ذلك إلى القاضي الشرعي وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــ
المحرمات من النساء ... العنوان
من هن المحرمات من النساء اللاتى لا يجوز للرجل التزوج بهن؟
... السؤال
28/04/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
تمهيد :
الإسلام يقوم على أساس تنظيمي يحفظ لكلٍّ حقوقه وواجباته ، ويحفظ الودّ، وينأى بالإنسان عن المواقف النفسية غير السوية ، وفطر الله تعالى الناس على قانونٍ من نأى عنه وقع في المهالك ، وعكّر تلك الفطرة .
ومن هنا كانت العلاقات الأسرية والقوانين الشرعية التي تحكمها قوانين جديَّة ، بمعنى أن لها حدوداً صارمة ، من تعدّاها فقد تعدّى على حدود الله .
والقوانين الأسرية تقوم على علاقات مقدسة ، والأبوة والبنوة والأخوة والجدودة والخؤولة والعمومة، سواء كانت تلك العلاقات بالنسب أم بالرضاع، هذه العلاقات تتصف بالديمومة والثبات ، ولا يجوز بحال من الأحوال تحويلها إلىعلاقات زوجية ، فرباطها مقدّس ، وحرمتها واجبة .
كما أن تلك العلاقات لا يمكن تحويلها إلى "زوجية" ، كذلك لا يمكن تحويل "الزوجية" إلى علاقة "أمومة" وهو ما يسمى " الظّهار " ( إن أمهاتهم إلا اللائي وَلَدنهم ) المجادلة:2 .
المحرمات من النساء :
قال الله تعالى : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشةً ومقتاً وساء سبيلاً ، حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيماً . والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم) النساء:22-24(63/44)
وتنقسم المحرمات من النساء تحريماً مؤبداً بالنظر إلى سبب هذه الحرمة إلى ثلاثة أصناف :
أولاً: المحرمات تحريماًً مؤبداًً بسبب القرابة : وهن سبع :
1- الأم : مثلها الجدة ، وإن علت من قبل الأب أو الأم .
2- البنت : ومثلها بنت الابن ، أو بنت البنت ، وإن نزلن .
3- الأخت : شقيقة كانت ، أم لأب ، أو لأم .
4- العمة ( أخت الأب ): شقيقة أو لأب أو لأم ومثلها عمة الأب وعمة الأم.
5- الخالة (أخت الأم): شقيقة أو لأب أو لأم ، ومثلها خالة الأب وخالة الأم.
6- بنت الأخ : ومثلها بنت بنته ، أو بنت ابنه وإن نزلن .
7- بنت الأخت: ومثلها بنت بنتها ، أو بنت ابنها وإن نزلن .
ثانياً: المحرمات تحريماً مؤبداً بسبب المصاهرة : وهن أربع :
1- أم الزوجة : وهي تحرم بمجرد العقد على ابنتها ولو لم يدخل بها ، وكذلك جدة الزوجة من جهة أمها أو أبيها ، وإن علت .
2- بنت الزوجة المدخول بها : وتسمى ( الربيبة ) فإن لم يكن دخل بالأم فلا جناح عليه أن يتزوج بالبنت ، وكذلك بنت بنت الزوجة ، أو بنت ابنها وإن نزلن من المحرمات .
3- زوجة الابن : أو زوجة ابن الابن ، أو زوجة ابن البنت ، وإن تزل .
4- زوجة الأب : ومثلها زوجة الجد ، سواء من جهة الأب أو الأم وإن علا .
ثالثاً: المحرمات تحريماًً مؤبداًً بسبب الرضاع :
ويحرم بسبب الرضاع من النساء ما يحرم من النسب ، وهن سبع :
1-الأم من الرضاعة (وإن علت): وهي المرأة التي أرضعتك ، بشرط أن يكون هذا الرضاع قبل تمام السنتين للرضيع، وألا يقل عدد الرضعات عن خمس رضعات
2ـ البنت من الرضاعة (وإن نزلت) : وهي التي رضعت من زوجتك فتكون أنت أباها من الرضاع .
3- الأخت من الرضاعة : وهي التي رضعت من أمك ، أو رضَعت أنت من أمها ، أو رضعت أنت وهي من امرأة واحدة .
4- بنت الأخ من الرضاع وإن نزلت .
5- بنت الأخت من الرضاع وإن نزلت .
6- العمة من الرضاع : وهي التي رضعت مع أبيك .
7- الخالة من الرضاع : وهي التي رضعت مع أمك .
وفي هؤلاء المحرمات من الرضاع يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن الرضاعة تحرِّم ما يَحرم من الولادة ] رواه البخاري ومسلم . و جاء في سورة النساء قوله سبحانه : ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ) . النساء:23 .
وكذلك يحرم بالمصاهرة من الرضاع :
1- أم الزوجة من الرضاع : وهي التي أرضعت زوجتك .(63/45)
2- بنت الزوجة من الرضاع : وهي التي رضعت من زوجتك ، لكن من زوج غيرك .
3- زوجة الأب من الرضاع : وهي زوجة الأب الذي رضعت أنت من زوجته الثانية.
4- زوجة الابن من الرضاع : وهي زوجة من رضع من زوجتك .
القسم الثاني : المحرمات من النساء تحريماً مؤقتاً :
وهن النساء اللائي حرُمن على الإنسان لسبب من الأسباب ، فإذا زال هذا السبب زالت الحرمة وعاد الحِلُّ ، فإذا عقد على واحدة منهن قبل زوال سبب الحرمة كان العقد باطلا ً. وهن أخت الزوجة وعمتها وخالتها ، وزوجة الغير ومعتدته ، والكافرات ، والخامسة للمتزوج أربعاً ، والأمة .
وينبغي أن يُعلم أن هؤلاء النسوة لا يكون الرجل محرماً لها في سفر ، ولا يحل له الخلوة بها ؛ لأنه من هذه الجهة أجنبي عنها .
(انتهى ـ من الشبكة الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف القطرية)
والله أعلم.
ــــــــــــــ
ولاية الأب الكافر وعدالة الشهود ... العنوان
مسلم تزوج امرأة روسية أسلمت، وتم عقد الزواج بحضور من كان سبباً في إسلامها، وكان هو الولي، وهو نفسه الشاهد الأول، وتبين أنه شاهد غير ثقة، والشاهد الثاني تبين أنه لم يكن يصلي وليس ملتزماً ولكنه الآن ملتزم والحمد لله، ولقد مر على الزواج خمس سنوات، فهل هذا الزواج صحيح، علماً بأن والد المرأة كافر، ولو علم فلن يوافق على زواجها؟ ... السؤال
17/09/2006 ... التاريخ
أ.د. عجيل النشمي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
لا يجوز أن يكون الكافر وليا للمسلمة ولو كان أباها، وذلك لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، ويجوز للمرأة على مذهب الأحناف أن توكل من ترى ليزوجها ما دام وليها الأصلي كافرا؛ لا يجوز أن يتولى زواجها.
وبالنسبة للشهود فعدالتهم وإن كانت شرطا إلا أن انعدامها لا يؤثر على صحة الزواج.
يقول الأستاذ الدكتور عجيل النشمي أستاذ الشريعة بالكويت:</<B>
أولا بالنسبة للولي، فالأصل أن يكون والدها، لكن لما كان الولي كافراً فإنه لا يصلح أن يكون ولياً على ابنته المسلمة، لأن شرط الولي في عقد الزواج في الولاية على النفس أن يتحد في الدين مع من هو ولي عليه، فلا ولاية لغير المسلم على المسلم، كما أنه لا ولاية للمسلم على غيره، ولأن عقد الزواج عقد شرعي ديني، فوجب أن يكون من يتولى إبرامه في الإيجاب والقبول على دين من هو عليه ولي؛ ولأن(63/46)
الولاية في الزواج تتبع التوريث بالتعصيب، ولا توجد ولاية ميراث بين المسلم وغيره.
وأما الشهود، فإذا كانوا فسقة، أو ليسوا ثقة بتعبير السؤال، فهذا لا يؤثر في صحة عقد الزواج، فشرطا صحة عقد الزواج هما:
حضور الشاهدين وأن تكون المرأة محلاً للعقد، وذلك بأن تكون غير محرمة على الرجل حرمة مؤقتة أو مؤبدة، وأن يكون الشاهدان حرين بالغين عاقلين، وأن يسمعا كلام العاقدين ويفهماه، وأما العدالة فإن أبا حنيفة لا يشترطها في شهود عقد النكاح، واشترطها الشافعي وأحمد في رواية عنه.
وقد استدل أبو حنيفة لرأيه: بأن الغرض من الشهادة هو الإعلان، وهو يتحقق بحضور الشاهدين ولو فاسقين، مثلما يتحقق بحضور العدول، كما أن الفاسق أهل لإنشاء عقد الزواج لنفسه، ولمن هو في ولايته، فمن باب أولى أن يشهد على عقد الزواج.
واستدل من اشترط العدالة بأدلة:
أولها: </<B> قوله صلى الله عليه وسلم : "لا نكاح إلا بولي مرشد، وشاهدي عدل"، فالعدالة شرط بالنص.
ثانيها:</<B> أن الشهادة في عقد النكاح من باب الكرامة لأهمية هذا العقد، ولا كرامة أو تكريم للفاسق.
وبناءً على تجويز العقد بالشهود الفسقة غير العدول في مذهب الإمام أبي حنيفة، فالعقد صحيح من هذا الجانب، ويلاحظ هنا أن المرأة وكلت شخصاً وكان هو الشاهد وإذا كان الولي هو أحد الشهود، فيكون نصاب الشهادة واحداً، ويمكن أن يتم العقد باعتبار أن حضور الزوجة يرفع الإشكال، فحضور المرأة يجعلها كالمباشرة، لعقد الزواج، ومن وكلته شاهد مع الشاهد الآخر، فيصح العقد على رأي الحنفية، وهذا كما لو حضر الولي بعد أن وكل شخصاً بعقد الزواج، فيعتبر الولي هو المنشئ لعقد الزواج، والوكيل شاهداً مع الآخر، فالعقد قد توافر فيه شاهدان فيكون صحيحاً.أ.هـ
ولاية الكتابي على ابنته في زواجها من المسلم
والله أعلم.
ــــــــــــــ
الخلوة بأخت الزوجة ... العنوان
ما حكم الخلوة بأخت الزوجة؟ وهل يجوز لزوج أختي أن يصطحبني في سفري للحج باعتبار أنه من محارمي؟ جزاكم الله عنا كل خير ... السؤال
23/08/2003 ... التاريخ
د.حسام الدين بن موسى عفانة ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..(63/47)
فالمحرمات من النساء نوعان، محرمات على التأبيد ويجوز الخلوة بهن والسفر معهن، أما المحرمات على التأقيت مثل أخت الزوجة وعمتها وخالتها فهن مثل الأجنبيات يحرم مصافحتهن، والخلوة بهن، والسفر معهن كل ما في الأمر أنه يحرم الزواج بهن ما دامت الزوجية قائمة، وما عدا ذلك فهن أجنبيات عن الزوج، ويحل الزواج بهن إذا انتهت العلاقة الزوجية بالطلاق أو الوفاة، وعلى هذا فلا يجوز للمرأة السفر مع زوج أختها للحج أو لغيره.
وهذا ما أفتى به فضيلة الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله- بجامعة القدس بفلسطين فيقول فضيلته:
إن زوج الأخت لا يعتبر محرماً للمرأة في سفرها للحج أو لغيره وزوج الأخت يعتبر أجنبياً عن المرأة لا يجوز لها أن تتكشف أمامه . ولا يجوز أن يخلو بها ولا يثبت له من الأحكام التي تثبت للمحارم وكونها محرمة عليه من حيث الزواج لا يعني سوى ذلك . وتلك الحرمة حرمة مؤقتة فإذا ماتت زوجته أو طلقها فيجوز له أن يتزوج أختها .
والمرأة لا تجد محرماً للحج فلا يجب عليها الحج؛ لأن من ضمن الاستطاعة في حق المرأة أن يكون للمرأة محرم فإن لم يوجد فلا يجب عليها الحج .
ولا بأس من التذكير بمحارم المرأة (والتي يجوز للمرأة الخلوة بهم والسفر معهم ومصافحتهم) وهم:
1. الآباء والأجداد سواء من جهة الأب أو من جهة الأم .
2. الأبناء وأبناء الأبناء وأبناء البنات .
3. الأخوة مطلقاً .
4. الأعمام ويدخل في ذلك عم الأب وعم الأم .
5. الأخوال ويدخل في ذلك خال الأب وخال الأم .
6. أبناء الإخوة وأبناء أبنائهم وأبناء بناتهم.
7. أبناء الأخوات وأبناء أبنائهم وأبناء بناتهن . المحارم
المحرمات على التأبيد بسبب المصاهرة:
1. أبناء زوج المرأة وأبناء أبنائه وأبناء بناته.
2. أبناء زوج المرأة وأجداده من جهة الأب ومن جهة الأم.
3. أزواج بنات المرأة وأزواج بنات أبنائها وأزواج بنات بناتها .
والله أعلم.
ــــــــــــــ
الرحم المؤجرة ... العنوان
ما رأي الدِّين فيما يُطلق عليه الآن اسم " الرَّحم المؤجَّر"؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... لا شك أن الزِّنا محرًّم في جميع الشرائع السماوية، وله في الإسلام عقوبة شديدة. ولإقامة الحدِّ على الزَّاني والزَّانية وضعت شروط شديدة ودقيقة يُدرأ بها الحدُّ عند قيام الشبهة في تحقُّقها.(63/48)
غير أن هناك صورًا يتحقَّق بها ما يتحقَّق بالزِّنا أو تُقارِبه إلى حدٍّ كبير منها إدخال المرأة ماء رجل أجنبي عنها في فرْجها، فقد يَحصل منه حمل تختلط به الأنساب ويثور النزاع، وتضيع الحقوق والواجبات، ولذلك حرَّم العلماء هذه الصورة كما حرَّموا غيرها.
وإذا كان إدْخال الماء الأجنبي ـ وهو أحد المادتين اللتين يحصُل منهما الحمل ـ حرامًا حتى لو لم يتم به حمل، فكيف بإدخال المادتين معًا مع تحقُّق الحمل منهما؟ إن الحُرمة أشد وتكون الحرمة ـ كما قال العلماء ـ من باب أولى.
ولذلك يمكن أن يعاد النَّظر فيما قاله الفقهاء قديمًا من أن هذه الصورة وإن كانت محرَّمة لا توجب عقوبة الزنا بالحدِّ، لعدم تحقُّق اللقاء الجنسي على الصورة المعهودة.
أرى أن يُعاد النظر فيما قالوه ويُحكم بالحدِّ على هذه الصورة؛ لأن آثارها إن لم تكن هي تمامًا آثار الزِّنا فإنَّها تُشبهها إلى حدٍّ كبير؛ لأن من أهم أسباب تحْريمه هو اختلاط الأنساب إن حصَل حمْل.
هذا، وقدْ جاء في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي التَّابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي الذي انْعقد في الأردن في أكتوبر 1986 م ـ جاء تحريم هذه الصورة التي يُطلق عليها اسم " الرَّحم المؤجَّر ".
وفي محكمة " نيوجرسي " القريبة من نيويورك قضية من هذا النوع، عقدت صفقتها في مارس 1985 م، ووَلَدَت الأم التي حملت البويضة الملقَّحة بنتًا بعد تسعة أشهر، تنازعتْها مع أصحاب هذه البويضة، لشعورها القوي بأنها جزء منها، على الرغم من أنها أم لطفلين غيرها.
وجاء في أهرام 25 / 1 / 1987 م أن القضية لم يُفصل فيها بعد. وجاء في أهرام 2 / 10 / 1987 م أن أمًّا حملت بويضة بنتها وأنجبت ثلاثة توائم في أحد المستشفيات " جوهانسبرج".
أرى أن البويضة الملقَّحة حين وُضعت في رحم غير رحم صاحبة البويضة هي غريبة عنها، وليست منها أبدًا ولا دخل لزوجها فيها فهي ملقَّحة من ماء غير مائه، وليس لصاحبة الرَّحم المؤجَّر إلا فضْل التنمية والتغذية كإرضاع الطفل الأجنبي، فهل تُقاس تغذية الجنين بدمها على تغذية الرضيع بلبنها فيكون ولدها من هذه الناحية، ويُعطَي حكم الرضيع فقط في أحكامه الخاصة، أو يُنْسب إليها بولادته منها كما يُنسب كل المولودين؟ ويا تُرى إذا نُسب إليها بالولادة هل تكون نسبةَ ولد زنا وهو لم يتخلَّق منها أصلًا لا بالبويضة ولا بالماء، وقد سمَّينا غيره ولد زنا إذا كانت البويضة منها والماء من رجل أجنبي، أو لا يُنسب إليها أصلاً، لا كالرضاع ولا كالزِّنا وتعد هي كأنها حاضِنة وإنما يُنسب إلى أبويه صاحِبَيِ النطفة والبويْضة؟ نحن في انتظار نتائج بحث الفقهاء، وحسْبي أنني أثَرْت هذه التساؤلات المفصَّلة، وإن كان الأشبه عندي ـ بصفة مؤقتة ـ أن يُعطَي الولد حكم الرضيع فقط ويُعطَي حكم اللَّقيط بالنسبة إلى أبويه، وحكم التلقيح بالنسبة إلى زوجها، على أن يكون وضع البوَيضة في رحمها حرامًا، لِماَ يَنْجُم عنه من التنازع والاختلاف والآثار الأخ
ــــــــــــــ(63/49)
سكن المطلق مع مطلقته ... العنوان
: رجل طلَّق زوجته طلاقًا بائنًا ولم يجد مسكنًا لأولاده حيث ستكون هي حاضنة لهم، إلا السكن الذي هو فيه، فهل يجوز أن يسكنَ هو في هذا البيت أم لابد من الفصل بينه وبينها بمسكن آخر؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... إذا حدث الطلاق صارت المرأة أجنبيّة عن زوجها في بعض الأحكام. وإذا كان الطلاق بائِنًا بينونة صغرى أو كبرى فلا يحل له أن يتمتع بها بأي نوع من أنواع التمتّع بل يحرم عليه أنْ يَختلِيَ بها أو ينظرَ إلى غير وجهها وكفيها، أما إذا كان الطلاق رجِعيًّا فله كل ذلك مادامت في العدة، لأنها في حكم الزوجة.
ومن المقرَّر شرعًا أن المطلقة طلاقًا بائنًا لها الحق في حضانة أولادها الصغار ما لم تزوّج، ونفقتهم ونفقة حضانتها على أبيهم، ومن النفقة إعداد المسكن اللائق لذلك، وهو مسكن لها ولا صلة للمطلق به، فإن لم يجد لها مسكنًا أو لم يجد هو لنفسه مسكنًا يستقل فيه بعيدًا عن مسكنها فلولي الأمر تمكينه من البقاء في مسكن الزوجيّة السابقة، وذلك بصفة مؤقتة ـ نظرًا لأزمة المساكن في بعض البلاد ـ حتى يجعل الله له من بعد عسر يسرًا، على شرط أن يكون وجوده في هذا المسكن المشترك كالرجل الغريب تمامًا عنها، وذلك من حيث حرمة النظر والخلوة والملامسة وغيرها. فلكل منهما غرفة أو جزء من المسكن مستقل، كأنّهما نازلان في فندق، وإن كان الالتزام بذلك صعبًا جدًّا.
وهذا ـ كما قلت ـ إجراء مؤقت حتى يستقلّ كل منهما بمسكن ، وللضرورة أحكام ولا تظهر هذه الصعوبة إلا إذا كان هناك أولاد يحق لها حضانتهم، التي قد تستمر سنواتٍ طِوالاً، أما إذا لم يوجد أولاد للحضانة فالأمر سهل، وهذا إجراء يجب أن يعطينا درسًا في التفكير أكثر من مرة عند الزواج وعند الطلاق. " انظر فتوى الشيخ أحمد هريدي سنة 1965 في الفتاوى الإسلامية ـ المجلد السادس ص2200 " .
ــــــــــــــــــــــــــــ(63/50)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
المرأة الداعية
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
فاطمة أبو جعفر: حققنا نجاحاً دعوياً في قطاع طالبات الجامعة
بشار دراغمة 15/1/1428
03/02/2007
فاطمة أبو جعفر الداعية الفلسطينية حاصلة على البكالوريوس في الشريعة الإسلامية والمهتمة بالعمل الدعوي النسوي في فلسطين، عملت لعشر سنوات داعية في وزارة الأوقاف الفلسطينية. شبكة (الإسلام اليوم) التقت الداعية، ودار الحديث معها في حوار شامل حول واقع الدعوة النسوية في فلسطين، ومعوقاته وأساليبه، وهذا نص الحوار:
إلى أي حد يكون وجود الداعية مهماً في المجتمع الفلسطيني؟
إن وجود المرأة الداعية في المجتمع مهم، لا سيما أن "المرأة تعتبر نصف المجتمع، وتقوم بتربية النصف الآخر، لذلك فهي بحاجة لمن يوعيها بأمور حياتها الخاصة والعامة، والداعية المرأة هي الأكثر معرفة بتفاصيل الحياة النسائية والأسرية، فتتفهم الداعية أو الواعظة احتياجاتها ومتطلبات حياتها أكثر من الرجل".
وتضيف: "هناك العديد من الموضوعات التي قد لا يتجرأ أي شخص في طرحها، لا سيما ما يخص ذات المرأة، وهذه جزئية مهمة أيضاً".
ماذا يميز هذه الدعوة في فلسطين؟
فلسطين تتميز عن باقي المجتمعات الأخرى، كونها محتلة، "وهو ما يجعل الكل مطالباً بلعب دور فاعل في تنمية وبناء المجتمع، والسنوات الماضية كفيلة بإثبات الدور الكبير الذي يجب أن تقوم به المرأة".
ما هو الدور الأساس التي تقوم به الداعية أو الواعظة؟
الدور الأساس التي تقوم به الداعية "حض الناس على القرب من الله تعالى، وتقوية الإيمان لتخطي المرحلة الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني، والارتقاء بالحالة النفسية للمجتمع، والدعوة إلى الصبر وبث الأمل في النفوس، والعمل على بث روح التكافل الاجتماعي للخروج من الأزمة".
و تضيف :"نحن واعظات نركز على نقاط إيمانية، وعلى فضل الرباط على أرض فلسطين، وربط الواقع بالتاريخ، فتاريخ المسلمين هو عصر النور، عصر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا ما عدنا إلى ديننا فسيرجع عصر النور".
وتشير إلى أن هناك تجاوباً كبيراً من النساء اللواتي يحضرن الدروس الدينية والمواعظ التي نلقيها، فمثلاً دعونا إلى مشروع السلة الغذائية لتقديم المساعدات إلى الأسر المحتاجة فقد لاقى تجاوباً كبيراً مع شريحة عالية من المجتمع.
الدور الأساس التي تقوم به الداعية "حض الناس على القرب من الله تعالى، وتقوية الإيمان لتخطي المرحلة الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني، والارتقاء بالحالة النفسية للمجتمع، والدعوة إلى الصبر وبث الأمل في النفوس، والعمل على بث روح التكافل الاجتماعي للخروج من الأزمة".
و تضيف :"نحن واعظات نركز على نقاط إيمانية، وعلى فضل الرباط على أرض فلسطين، وربط الواقع بالتاريخ، فتاريخ المسلمين هو عصر النور، عصر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا ما عدنا إلى ديننا فسيرجع عصر النور".
وتشير إلى أن هناك تجاوباً كبيراً من النساء اللواتي يحضرن الدروس الدينية والمواعظ التي نلقيها، فمثلاً دعونا إلى مشروع السلة الغذائية لتقديم المساعدات إلى الأسر المحتاجة فقد لاقى تجاوباً كبيراً مع شريحة عالية من المجتمع.
الداعية الفلسطيني كبقية أبناء شعبه لم يسلم من أذى الاحتلال وغطرسته، فأصبحت مهمته شاقة وصعبة بسب مضايقات الاحتلال، وممارساته اليومية لقتل روح العلم والدين والدعوة، ناهيك عن الجو العام الذي يعيشه بنفسه وبأسرته. كما أن جزءاً منهم يجد نفسه في وقت ما داخل العمل السياسي الذي في طبيعته يحتاج لوقت كبير هو الآخر".
وبذلك أخذت الداعيات الفلسطينيات على أنفسهن "واجب المشاركة بالدعوة، وبدأن في بيوتهن فأوجدن حرية ومساواة داخل المنزل واهتمام بتربية الأبناء، وتحفيظ القرآن الكريم لهم وتربيتهم على هذا النهج الصحيح، وجلب الثقة لنفوس الأبناء بان الأمة فيها الخير الكثير"، كما تقول أبو غضيب.
ما هي الأساليب التي تتميز بها الداعية الفلسطينية عن غيرها؟
دور الواعظة لا يقتصر اليوم على إعطاء الدروس المتعلقة بالفقه والشريعة كما في السابق، وإن كانت هذه المواعظ والدروس الدينية مهمة لفهم ديننا وحياتنا، فهي اليوم تطرح قضايا اجتماعية تلامس حاجات الحضور من النساء، بحيث تساهم كثيراً في تحسين التوجيه السلوكي والتربوي في المجتمع".
وتوضح أن الواعظات لا يكتفين بالدور الفردي لهن، بل يقمن بالاشتراك مع عدد من مؤسسات المجتمع المحلي؛ إذ شاركت في العديد من الحملات التي نظمها المركز الوطني للطب البشري، والتنمية الاجتماعية في 'المشروع الوطني لحماية الأسرة'، والتقت بمن يتعاملون مباشرة مع حالات التشرد، والعنف الأسري ومشاكل الأزواج.
بماذا تتميز الداعية عن الرجل الداعي؟
إن الداعيات الفلسطينيات يتميزن عن الرجال في أساليب الدعوة ؛ لأن مجال الدعوة عند الرجل محدود أكثر من النساء؛ فالأماكن التي يمكن أن يقدم فيها ما عنده من علم محصورة بالمساجد من دروس وخطب الجمعة، وبعض الأماكن والمناسبات، أما المرأة فتجد مجالات أوسع ومتعددة للعمل الدعوي، فمثلاً تستطيع الواعظات أن يدخلن إلى البيوت لإعطاء الدروس الوعظية.
وتضيف: كما أنهن يقمن بزيارة بيوت العزاء أو حتى الأفراح؛ ففي هذه المناسبات يوجد إقبال كبير من النساء لحضور الدرس الديني واغتنام هذه الفرصة حتى إن البعض بدأ يبادر بالاتصال بالواعظة والطلب منها الحضور لإلقاء موعظة في مثل هذه المناسبات.
وحول الخطاب الذي يستخدمنه تقول إنه يختلف عن الخطاب الذي يستخدمه الرجال؛ فالمرأة لها طبيعتها الخاصة التي تفضل أن تخاطب فيه بأسلوب فيه شيء من العاطفة والقصص المؤثرة التي تحمل في طياتها العبر المفيدة لها في حياتها.
هل من نشاطات أخرى تقوم بها المرأة الداعية؟
في الحقيقة الدعوة النسائية عمدت إلى الاحتكاك مع طالبات الجامعات، ونرى أن الدعوة الفردية في الجامعات من أنجح الأساليب الدعوية، وذلك عن طريق الاحتكاك المباشر مع طالبات الجامعة، والتعرف عليهن عن قرب.
وتضيف: "ولطبيعة الجامعة التي تختلف عن المجتمع الخارجي والدعوة خارج أسوار الجامعة، فإن لنا أساليبنا الخاصة في الدعوة، فنحن مثلاً نرى في كل مناسبة خاصة بالطالبات مجالاً واسعاً للدعوة وتقديم النصح والتعرف على الطالبات عن قرب، فمع بداية كل عام دراسي نعمل على تقديم المساعدة للطالبات الجدد، وإرشادهن وتوجيههن على مرافق الجامعة، وتعريفهن بالحياة الجامعية وطبيعتها، وتقديم النصائح لهن".
وتتابع القول: "كما أن هناك أساليب دعوية نتبعها في الجامعة كتوفير شقق سكنية للطالبات، ومن خلال هذه السكنات نستطيع أن نوصل دعوتنا وفكرتنا لهن من خلال الدروس الوعظية التي تقدمها طالبات داعيات من الجامعة".
ولا يقتصر الأمر على ذلك؛ إذ اتضح أنهن "يحاولن استغلال أوقات الفراغ للطالبات داخل الجامعة لتنظيم العديد من الدورات المختلفة داخل مسجد الجامعة، كدورات التجويد وحفظ القرآن، والخط العربي ودورات أخرى تساعد الطالبة على تخطي الحياة الجامعية، مع صحبة صالحة تساعدها في أمور دينها ودنياها".
إضافة إلى ذلك يتم: "إقامة معارض دعوية، كمعرض الحجاب السنوي الذي نلاحظ الإقبال الكبير عليه من الطالبات، وإقامة الحفلات والأمسيات الفنية الخاصة بالطالبات في المناسبات المختلفة، كشهر رمضان الكريم، كما ننظم طوال العام الدراسي قوافل دعوية تتجول في ساحات الجامعة ومرافقها للتعرف على الطالبات وإقامة علاقات أخوية معهن".
وتضيف: "نلاحظ الإقبال الكبير من طالبات الجامعة على النشاطات الدعوية التي نقيمها داخل الجامعة، حتى على مستوى النشاطات البسيطة التي تُقام في الكليات كتوزيع النشرات أو كرت الاثنين الدعوي الذي يُوزع كل أسبوع في الجامعة، والمسابقات التي تُقام من فترة لأخرى، ونحن نرى إعجاب وإقبال الطالبات على مثل هذه الأمور".
ـــــــــــــــــــ(64/1)
عبدالحميد أبوسليمان: أعلى معدلات للعنف ضد النساء في الغرب
حوار: علي عليوه 20/12/1427
10/01/2007
دعا الدكتور عبد الحميد أبو سليمان رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي في واشنطن إلى ضرورة التصدي للهجمة الغربية الشرسة على نظام الأسرة في المجتمعات الإسلامية، ومحاولة الغرب فرض رؤيته للعلاقة بين الرجل والمرأة .. تلك الرؤية التي تنطلق من نظرة ترى أن الرجل والمرأة متماثلان تمام التماثل، ولا يعترف حتى بالفروق النفسية والبيولوجية، وترتكز على مفهوم للحرية المطلقة المنفلتة من أي قيود دينية أو خلقية.
وشدد في مقابلة صحفية مع شبكة (الإسلام اليوم) على أهمية طرح رؤية بديلة تجسد المنظور الإسلامي للعلاقة بين الرجل والمرأة التي تقوم على التكامل وليس التماثل؛ لننقذ بها أنفسنا والآخرين بعد أن جلب المفهوم الغربي لتحرير المرأة المزيد من الظلم والمعاناة للمرأة الغربية، وأدى إلى تفكك مؤسسة الأسرة؛ مما يُعدّ مؤشرًا على قرب انهيار الغرب ذاته.
وفيما يلي تفاصيل المقابلة ..
المعهد العالمي للفكر الإسلامي له مشروع بحثي مهم لتأصيل العلوم الاجتماعية والإنسانية من المنظور الإسلامي.. فما هي أهم الأسس التي يقوم عليها هذا المشروع؟
كل شيء في الوجود مبني على نسق ومنظومة معينة، وكذلك لكل ثقافة وحضارة منظومتها والنسق الخاص بها، ومن هنا لا يمكن التعامل مع الحقائق العلمية والإمكانيات المادية بعيدًا عن تلك المنظومة وذلك النسق، وهذا ينطبق أيضًا على الإسلام ونظرته المتميزة للخالق والكون والحياة.
وقد وقع المسلمون في خطأ وهم يظنون أنهم على صواب حين أخذوا من الحضارات الأخرى الغث والسمين دون فرز وتحديد المفيد لهم في دينهم ودنياهم، ويكون في ذات الوقت موافقًا لعقيدتهم، وحين التحم المسلمون بالحضارة اليونانية في العصر العباسي وهي حضارة ذات منظومة ونسق خاص يتميز بالصورية والأسطورية انتهى بهم الأمر إلى الوقوع في الفتن، من أمثال قضية خلق القرآن وتعارض العقل مع النقل، مع أن الصحيح هو المقارنة بين الوحي والفطرة، والعقل هو الوسيلة للإدراك، وهنا لا يصير خلاف بين العقل والنقل.
مهمتنا هي كيفية استعادة الرؤية الحضارية الإسلامية، ونعي طبيعة المنظومة الخاصة بتلك الرؤية ونفهم منظومة الطرف الآخر ويكون بيننا وبينه حوار وتلاقح إيجابي يفيدنا ويفيدهم، ومن هنا يأتي مفهوم إسلامية المعرفة ليس كما يروّج أعداء هذا المفهوم بأنه سيكون هناك حساب إسلامي أو كيمياء إسلامية وكيمياء أخرى مسيحية؛ فإسلامية المعرفة تعني السعي للتوصل إلى الحقائق في إطار المنظومة والنسق الخاص بكل حضارة.
وفي العلوم الاجتماعية والإنسانية ينبغي أن ننطلق من إطار الفطرة التي فطر الله الناس عليها، أي من منظور الوحي وكل ما يتعارض مع هذا الوحي لا ينبغي أن نعتبره علمًا انطلاقًا من أن حقائق العلم والوحي لا يمكن أن يتعارضا؛ لأن مصدرهما واحد وهو الخالق سبحانه وتعالى.
ومن هنا لا يمكننا أن نقبل بعض النتائج التي توصلت إليها العلوم الاجتماعية والإنسانية الغربية من تاريخ وعلم نفس ونظريات سلوكية وتربوية وغيرها؛ لأنها انطلقت من رؤية ونسق خاص بالغرب وحضارته المادية العلمانية التي تخالف النسق والرؤية الإسلامية للخالق والكون والحياة، صحيح قد يكون هناك مناطق التقاء في الفروع والجزئيات، وهو ما يسمى بالمشترك الإنساني العام، ولكن الأصول والجذور والمنطلقات تظل مختلفة بيننا وبينهم.
من هنا فإن إسلامية المعرفة تعني تفعيل الرؤية التوحيدية في مناهج البحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية لتحقيق مقاصد الحضارة الإسلامية، وهذه الرؤية تقوم على عدد من الأسس، وهي التوافق والتكامل والأخلاقية والتناسق والغائية، وهذه كلها هي ملامح الفطرة السوية؛ وليس العشوائية والمادية والعرقية والتظالم والحيوانية، وهي الأسس التي تقوم عليها الرؤية الغربية.
كما أن إسلامية المعرفة والجهود فيها تستهدف إعادة بناء المنظور الإسلامي والبحث في كيفية تطوير النظر والرؤى في الحياة الاجتماعية والعلمية وسواها؛ انطلاقًا من هذا المنظور بهدف تحقيق التوافق والتناسق والاستجابة للفطرة وترشيدها للوصول إلى مرضاة الله وإعمار الأرض وفق منهج الله تعالى.
لماذا يعطي المعهد العالمي للفكر الإسلامي للقضايا المتعلقة بالمرأة والأسرة اهتمامًا خاصًا في خططه البحثية ودراساته؟
نحن مهتمون بقضايا المرأة والأسرة؛ لأنهما المدخل الذي يدخل منه أعداء الإسلام في محاولتهم تشويه الإسلام عقيدة وشريعة، ودفع المرأة المسلمة للتمرد على دينها ومجتمعها، إلى جانب أن القضية الوجدانية وعلاقتها بالإرادة الإنسانية وتعديل السلوك البشري واكتساب القيم لها علاقة مباشرة بالناحية التربوية التي هي الدور المحوري للأسرة.
فالعلماء يؤكدون أن تحويل أي معرفة ذهنية إلى فعل يعتمد على الناحية الوجدانية، فإذا كانت المعرفة الذهنية غير متفقة مع الناحية الوجدانية فسيحدث عدم التوافق، فنجد الإنسان يعرف الصواب ولا يفعله، ويعرف الخطأ ويفعله، لذلك من المهم جدًا أن يكون الاثنان على نفس الموجة والاتجاه، وهذا ما يتم داخل الأسرة، التي استطاعت أن تحمي المجتمعات الإسلامية، على الرغم من هذا الكم الكبير من الانحرافات والخلافات العرقية والمذهبية والاهتراء العام في أوضاع المسلمين، وأبقت على مفهوم الأمة الإسلامية من خلال الحفاظ على القيم والعقيدة الإسلامية وأخلاقياتها وتنشئة الأبناء عليها جيلاً بعد جيل.
ولكن هناك العديد من الدراسات تشير إلى تراجع الدور التربوي للأسرة بسبب انشغال الأم والأب بالعمل خارج البيت وتزايد معدلات الطلاق؛ مما يهدد تماسك الأسرة واستمرارها. فما رأيكم؟
نظام الأسرة في المجتمعات الإسلامية يواجه حاليًا نوعين من التحدي:
أولهما: كيفية إحداث النقلة للأحكام والمقاصد الشرعية المتعلقة بالأسرة التي وجدت في الأزمنة السابقة إلى العصر الحالي الذي لا شك أنه يختلف تمامًا عن تلك الأزمنة، وتتلخص تلك المقاصد في قاعدة أوجزها القرآن الكريم في (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [سورة البقرة: من الآية 229]، وما خالف العشرة الحسنة أو التفريق الذي لا يحفظ حقوق كل من الطرفين فليس من مقاصد الشريعة، ومن هنا فان إحداث النقلة المطلوبة للتطبيقات التاريخية إلى تطبيقات معاصرة هو التحدي الأول .
أما التحدي الثاني فيتمثل في الهجمة الغربية الشرسة على نظام الأسرة في المجتمعات الإسلامية ومحاولته فرض رؤيته للعلاقة بين الرجل والمرأة، تلك الرؤية التي تنطلق من نظرة ترى أن الرجل والمرأة متماثلان تمام التماثل.. ولا يعترف حتى بالفروق النفسية والبيولوجية، وهذا ضد الواقع والطبيعة، لذلك فالمرأة هناك صارت تعاني من الظلم الناجم عن تحميلها أعباء العمل المنزلي إلى جانب العمل خارج البيت، والحرية المطلقة المنفلتة من أي قيود دينية أو خلقية.
وهذا الوضع أدى إلى حدوث تشققات كبيرة في مؤسسة الأسرة في الغرب، ومن مظاهر ذلك بروز ظاهرة الأطفال الذين يولدون سفاحًا، والأطفال اليتامى الذين يعيشون مع أمهاتهم بسبب انفصال الآباء عن هؤلاء الأمهات، وتزايد معدلات الطلاق والعنف الأسري والعلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج.
ما أهم خصائص الرؤية البديلة للعلاقة بين الرجل والمرأة المطلوبة لإنقاذ مؤسسة الأسرة؟
الرؤية البديلة هي الرؤية الإسلامية التي تنطلق من مبدأ التكامل بين الرجل والمرأة، وليس التماثل كما هو الحال في الغرب، وتعطي الفروق بينهما قيمتها ومعناها، و تعكس تلك الفروق في ترتيب المهام والوظائف التي يقوم بها كل منهما والتي خُلق من أجلها، ومن المعلوم أن المرأة تمر بمرحلتين في حياتها مرحلة الخصوبة والحمل والإرضاع والتربية، وتمتد هذه المرحلة إلى حوالي الخامسة والأربعين أو تزيد قليلاً، وبعدها تنتهي وظيفة الإنجاب.. فالمفروض في النظام البديل الذي نسعى إليه أن تكون للأمومة الأولوية في فترة الخصوبة والحمل والإرضاع؛ لأنه لا أحد يستطيع القيام بتلك المهمة غير المرأة.
والسؤال المهم هو كيف نجعل المرأة في النصف الآخر من حياتها الذي يحدث لها فيه تغيرات عديدة، حتى هرموناتها الأنثوية يلحقها هذا التغيير، تدخل باب العمل في ذلك الوقت، وتعتبر في الواقع قادرة عليه، ولا يشغلها عنه شيء وتصبح متفرغة لمن حولها.
وعلينا أن نقدم الرؤية البديلة التي تحقق للرجل والمرأة كليهما طبيعته وفطرته والتكامل فيما بينهما، ونضع تشريعات تنصف الطرفين، وتجعل كلاً منهما يحقق رسالته في الحياة، وبهذا لا ينهار نظام الأسرة، ونستعيد النظام العام والرؤية الجماعية؛ لأن انهيار نظام الأسرة في المجتمعات العربية والإسلامية من شأنه مضاعفة مآسي المسلمين.
وما الدور المطلوب من المجتمع لتفعيل تلك الرؤية من وجهة نظركم؟
ينبغي على المجتمع أن يوفر للمرأة في المرحلة الثانية من حياتها فرص العمل وبرامج التأهيل الوظيفي، وأن نرد لها الجميل لما بذلته من جهد كبير في الحمل والإرضاع والتربية وإدارة البيت بإعطائها ميزات وظيفية، منها على سبيل المثال أن تحتسب فترة وجودها في البيت لتربية أطفالها أقدمية في الوظيفة، وبالتالي لا تُعامل مثل الخريجة الجديدة.
ولكن هناك إشكالية تواجه الأسرة في بداية تكوينها، وهي أن الزوجة التي تترك العمل للتفرغ للبيت يكون دخل الزوج ضعيفًا، ولا يكفي متطلبات المعيشة، وهنا فإن الدولة عليها أن توفر للأسرة دعمًا إضافياً بإعطاء الزوجة التي تتفرغ للبيت جزءًا من راتبها الذي كانت تتقاضاه، وهذه إشكالية اقتصادية ينبغي أن يتم معالجتها في مجال الاقتصاد الذي هو مسؤولية الدولة، وليس على حساب الأسرة التي يجب أن نوفر لها كل أسباب الاستقرار والنجاح، وما يُنفق من موارد الدولة في هذا المجال هو تقوية للمجتمع وللدولة في نفس الوقت.
وينبغي الاهتمام بطرح هذه الرؤية البديلة وتوصيلها للعالم لننقذ بها أنفسنا والآخرين أيضًا؛ انطلاقًا من أن الإسلام هو سفينة الإنقاذ للحضارة الإنسانية المعاصرة، ولابد من العناية بالتربية الوالدية، وإعادة ترتيب أوضاعنا وفق منهج الإسلام وتعاليمه حتى لا تلقى الأسرة المسلمة مصير الأسرة الغربية.
وعلينا أن نبين للناس أن تحرير المرأة في الغرب أضر بالمرأة فهي تعمل دوام كامل، ثم تعود متعبة إلى البيت لتقوم بأعباء التربية وإطعام أسرتها وسائر الأعمال المنزلية، ثم هي تساهم أيضًا في نفقة البيت والرجل يجلس مستريحًا بعد العمل، وقد يتقاعس عن القيام بالإنفاق من راتبه، ويلقي بتلك المسؤولية على كاهل الزوجة، فتصبح هي الأم والأب معًا، وهذا ظلم فادح لها.
هناك محاولة لضرب مفهوم "قوامة الرجل" داخل الأسرة بزعم أن تلك القوامة هي نوع من الاستعباد للمرأة. فما رأيكم بهذا الزعم؟
هذا الفهم الخاطئ للقوامة يرجع إلى تبني المنظور الغربي للأسرة والعلاقة بين الرجل والمرأة والنظرة إليهما على أنهما كائنان متماثلان وليسا متكاملين، ولو أنهم انطلقوا من منطلق التكامل لأدركوا أن مؤسسة الأسرة بطبيعتها تختلف عن بقية المؤسسات الاجتماعية؛ فعلى سبيل المثال هم يريدون من الرجل أن يعمل وينفق على أولاده وزوجته ويوفر لهما أكبر قدر من الإمكانيات، وليس له حقوق على أسرته ولا يثق في انتماء الأسرة إليه.. فلماذا يبقى؟ لذلك هو يترك البيت، وتُفاجَأ المرأة الغربية في الصباح بأن الزوج قد ترك البيت، واختفي مع امرأة أخرى، ونفس الشيء ينطبق كذلك على المرأة.
أما الأسرة في الإسلام فللرجل مكانته وللمرأة مكانتها، وأي مؤسسة لابد لها من رئيس واحد؛ لأن تعدد الرئاسات يجعل الأمور فوضى، لذلك أُعطيت الرئاسة للرجل في حدود الضوابط الإسلامية، وهي (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) [سورة الشورى: من الآية 38]، فلا تسلُّط ولا استبداد ولا تعسف؛ لأن الرجل بطبيعته له قدرات يتميز بها عن المرأة تؤهله لهذه القوامة، منها القوة البدنية التي تمنحه القدرة على العمل والكدح والحماية، والعقلانية في اتخاذ القرارات، على العكس من المرأة التي يغلب عليها العاطفة والانفعال، وتأتيها الدورة الشهرية فتجعلها شبه مريضة أياماً عديدة كل شهر.
ولكنّ إخفاقنا في توضيح المعنى الصحيح للقوامة للآخرين أعطى الغربيين الفرصة لمهاجمة وتشويه تلك القوامة التي تعني القيام على الشيء بما يصلحه، وهي تلقي بمسؤوليات كبيرة على كاهل الرجل؛ من حيث الإنفاق ورعاية شؤون الأسرة والسهر على حمايتها، وكما يُقال في الأمثال المصرية: "هو في الليل خفير وفي النهار أجير" .. أي أن القوامة تلقي على الرجل المزيد من المسؤوليات والأعباء والتكاليف، وهي لمصلحة المرأة والأبناء، ولصالح الأسرة.. وهل يضر المرأة أن يكون هناك من يسهر على رعايتها، ويحقق لها مصالحها هي وأولادها؟
البعض يحاول دفع المرأة المسلمة إلى التمرد على نظام الأسرة بحجة أن الإسلام يعطي الرجل الحق في ضرب زوجته. فما هو ردكم على هذا الطرح؟
أنا لي كتاب حول قضية الضرب؛ بينت فيه أن المقصود بالضرب لغة هو العظة وضرب الأمثال والزجر، وليس الضرب بمعنى الإيذاء البدني عندما تكون الزوجة ناشزًا، أي التي لا تطيع زوجها، وللأسف فنحن لا زلنا نتمسك برؤى فقهية تمتّ لعصور سابقة، لها ظروفها الزمانية والمكانية والمجتمعية التي تختلف عن ظروفنا في عصرنا الحالي، وبالتالي لابد أن تكون هناك اجتهادات تأخذ هذه الظروف في الاعتبار خاصة أنه لم يثبت أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ضرب امرأةً قط.
ومن الثابت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يفعله خياركم".. أي الضرب والإيذاء البدني.. كما أن الفقهاء وضعوا شروطًا لهذا الضرب؛ بألاّ يكون مبرحًا وألاّ يكسر عظمًا ولا يسيل دمًا، وأن يكون بما يشبه السواك، وهذه الشروط تجعل الضرب أشبه بالتأنيب لا التعذيب الذي تعيشه المرأة الغربية على يد الزوج أو العشيق، ويصل إلى حد القتل وإحداث العاهات.
ولكن العلمانيين يرون أن حركة تحرير المرأة في الغرب جعلت أوضاع المرأة الغربية أفضل حالاً من المرأة العربية والمسلمة؟
هذه المقولة غير صحيحة تمامًا، ومما يؤكد ذلك تلك الدراسة التي قامت بها إحدى الباحثات في حقوق المرأة، وهي سمر الزين، التي أكدت فيها من واقع المصادر الغربية بؤس أحوال المرأة الغربية؛ فعلى سبيل المثال تشير الدراسة إلى أن الشرطة الفيدرالية الأمريكية أصدرت تقارير عن العنف ضد المرأة الأمريكية تشير إلى أن 79% من الرجال في أمريكا يضربون زوجاتهم ضربًا يؤدي إلى عاهة، وأن 17% منهن تستدعي حالاتهن العناية المركزة، وهناك زوجة يضربها زوجها كل (18) ثانية في أمريكا، إلى جانب ذلك فإنه يتم اغتصاب (1900) فتاة يوميًا في أمريكا!
ـــــــــــــــــــ(64/2)
صافي ناز كاظم: الحج أهم رحلة في حياتي
حوار: د. ليلى بيومي 5/12/1427
26/12/2006
يظل الحج بالنسبة لكل مسلم أمنية غالية يتمنى أن يعيشها حية على أرض الواقع، وكيف لا والحج إكمال للدين، وغفران للذنب، وتطهير للنفس؟!
بل إن الكثير من المسلمين يعتبرون الحج ختاماً لرحلة حياتهم الشاقة الطويلة.
هكذا هو الحج بالنسبة لمن لم يحج، أما من حج فإن قلبه يزداد التصاقاً بالمكان والشعيرة والرحلة، وتصبح ذكريات رحلة الحج من أعز الذكريات على قلب المسلم.
وفي هذه السطور تحدثنا الكاتبة والصحفية والناقدة صافي ناز كاظم عن ذكرياتها عن هذه الرحلة المباركة.
متى أديت فريضة الحج لأول مرة في حياتك؟
أديت فريضة الحج لأول مرة، أو بمعنى أصح المرة الوحيدة، ما بين ديسمبر 1971م ويناير 1972م، وكانت هذه الرحلة بالنسبة لي بمثابة إعادة تأهيل.
وقتها لم يكن قد خطر على بالي أداء فريضة الحج، وكنت أعيش أزمة منعي من النشر، مع ما تسببه هذه الأزمة للكاتب والصحفي من مشاكل تفقده الصلة بجمهوره وقرائه، وتمنعه من أداء ما يتقنه من عمل، وفي ذلك قمة الظلم والتعسف والانحراف بالإدارة عن هدفها الحقيقي، خصوصاً إذا كان المنع مرتبطاً بالحجر على الكاتب بسبب رأيه وموقفه السياسي.
كان شقيقي في هذه الأوقات يعمل أستاذاً في كلية الطب بألمانيا الغربية، وكانت إحدى أخواتي في هولندا، فسافرت أنا وأمي إلى ألمانيا وهولندا لزيارة أخي وأختي، ومن بروكسل حصلنا على تأشيرة الحج.
في ذلك الوقت لم أكن أرتدي الزي الإسلامي الشرعي، لكنني كنت أعتقد أنني مسلمة ملتزمة بديني ولا ينقصني شيء في التزامي بالأصول والقواعد الشرعية؛ فأنا أصوم وأصلي، ولا أرتكب أية معصية، وبالتالي فعندما أؤدي فريضة الحج سأكون قد أقمت أركان الإسلام بكاملها.
كيف كان استعدادك لهذه الرحلة المباركة؟
وقبل أن تبدأ رحلة الحج بدأت أقرأ في المناسك وكيفية أدائها، وكنت أذاكر ذلك باستمرار كي أستطيع أداء الشعائر على أكمل وجه.
كما حشدت مجموعة من الكتب الإسلامية، وخاصة في السيرة النبوية، وأداء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للمناسك، والأماكن التي ارتبط بها في سيرته العطرة، وأردت من ذلك أن أشحن ذهني الإسلامي، وأن أستحضر الزمان والمكان، حتى أستمتع بالشعائر وأتفاعل معها، وأؤديها أداءً حياً.
حدثينا عن معايشتك في أدائك لشعائر الحج؟
بدأت الشعائر مع أمي رحمها الله بالعمرة، وكنت في غاية السعادة خاصة عندما قمنا بقص الشعر.
وكنت حينما أمر على طريق فيه بيع وشراء وبضائع جميلة أخاف أن يلفت ذلك انتباهي عن حالة الاستغراق التي كنت أعيش فيها، سواء باستشعار المغزى من أداء الشعيرة، وارتباط ذلك بشخص المصطفى صلى الله عليه وسلم، أو في التفكير في قضايا الأمة الإسلامية، وخصوصاً القضية الفلسطينية، كما كنت كارهة للظلم الذي وقع عليّ، وعلى الظلم والاستبداد في المناخ العام.
في هذه الأثناء استحضرت معنى أن الحج مؤتمر عام لمناقشة قضايا الأمة كلها.
وكنت أسند رأسي على مقام إبراهيم وأبكي، وأثناء الوقوف في عرفات استحضر يوم الحشر، وكنت أتساءل من أنا وفي داخلي عدم قناعة بالزي الذي أرتديه وأنه زي غير شرعي.
وأثناء رمي الجمرات استحضر صورة إبليس ومعه شياطين الإنس الذين يوقعون الظلم بالمسلمين.
ما هي أجمل لحظات رحلتك للحج؟
أجمل منسك ما زلت استحضره هو السعي بين الصفا والمروة، وأنا أستحضر صورة سيدنا إسماعيل وأمه هاجر، وكيف أن تلك المسافة ما بين الصفا والمروة كم هي شاقة وكم كانت تلك السيدة عظيمة.
وكان رجم الشيطان يعني لي رفض ونبذ المواقف والأفكار والممارسات والأفعال غير الشرعية.
كيف كان الحج مؤثراً على مجريات حياتك بعد ذلك؟
لقد كنت طوال الرحلة وأثناء تأدية الشعائر أعاهد الله على الالتزام بكل ما أمر به، وأن يكون لهذا الحج تأثير حقيقي في حياتي، والحمد لله فقد كان الحج أهم رحلة في حياتي، على الرغم من رحلاتي المتعددة، وكان له أكبر تأثير في حياتي أيضاً، وهذا ما ترجمته فورا أثناء عودتي وأنا في الطائرة، وأنا أرتدي ملابس الإحرام بخماري وجلبابي الأبيض، ولم أخلع هذا الزى الشرعي الذي بدلته بزي الإحرام حثي الآن، وبدأت أقرأ في آيات القرآن الكريم التي تضع الضوابط، وتفسر ما هو زي المرأة المسلمة.
ألم تفكري في الحج أو العمرة مرة أخرى؟
منذ عام 1972م لم أذهب إلى مكة والمدينة ولكن في مايو 2004م وفقني الله مع ابنتي نواره لأداء مناسك العمرة؛ إذ تبدلت الأدوار فكنت مع أمي في الحج، وجاءت ابنتي وأنا معها في العمرة.
بحكم عملك الصحفي، حضرت مئات المؤتمرات في الداخل والخارج، كيف كان إحساسك بمؤتمر الحج؟
الحج مؤتمر عظيم وفريد، يمكن أن يتحقق من ورائه فوائد ومنافع لا تُحصى للأمة الإسلامية إذا ما انتبه قادة الأمة وعلماؤها إليه.
ومؤتمر الحج ينعقد بصورة دورية منذ أكثر من (1500) سنة، والأمة بكامل تكويناتها ممثلة فيه بفئات من حكامها وعلمائها وعوامها وقوادها وجنودها ورجالها ونسائها وشيبها وشبابها، فهل يمكن أن يكون هذا المؤتمر بهذه الصفة لا نفع فيه ولا أثر له؟
إن كل حاج قطع مسافات شاسعة، وتجاوز حدوداً كثيرة، وبعض الحجاج جاء من بلاد الكفر، أو من بلاد اضطهاد وقهر، والجميع يبذل ويعاني لكي يصل ويشارك، وهو يعلن من خلال قفزه لكل الحواجز، وتغلبه على كل المصاعب أن استعلاء الإيمان أعظم، وأن الأخوة الإسلامية شيء لا يمكن تعويضه.
إن الحاج يخلع ملابسه وزينته ويتجرد لله، وهو بذلك يعلن أن الدنيا في يده لا في قلبه، وأن قيمته في الجوهر لا في المظهر، وأنه إذا دعا داعي الله وسمع النداء فلن تقف الدنيا بزينتها عائقاً في طريقه، بل هو مستعد لخلعها في سبيل الله، وهذا تذكير للأمة أن تتعالى على كل العوائق التي مزقتها.
وهذا المؤتمر الرباني مناسبة لمناقشة القضايا العامة للأمة، وإعداد الخطط المستقبلية الكفيلة بتوحيد الأمة
ـــــــــــــــــــ(64/3)
د. إلهام السمري: الإعلام العربي غير أمين مع قضايا المرأة
د. ليلى بيومي 19/11/1427
10/12/2006
د. إلهام السمري داعية إسلامية، وحاصلة على الدكتوراه في الفلسفة، ومهتمة بقضايا المرأة على الأرضية الإسلامية، وهي تنتقد معظم الرؤى السائدة عن المرأة في وسائل الإعلام العربية، وكذلك في المنابر الثقافية العربية.
وفي هذه السطور تحدثنا د. إلهام السمري عن رؤيتها لواقع المرأة المسلمة المعاصرة، وكيف يمكن تطوير هذا الواقع.
كيف تنظرين إلى الهم النسائي الإسلامي، وما هي القضايا الأساسية التي تركزين عليها بالنسبة للمرأة؟
لا شك أن هناك إنجازات كثيرة تحققت لتطوير أوضاع المرأة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. وإذا كان أول من اهتم بقضايا تطوير أوضاع المرأة، أمثال رفاعة الطهطاوي ثم قاسم أمين (مع الفارق بينهما في الدرجة والحدة) وقد اهتموا بها أولاً من واقع انبهارهم بالغرب وهزيمتهم النفسية أمامه، ثم أخذ هذا التوجه بعد ذلك المنحى العلماني، أي الانطلاق من أن تطوير أوضاع المرأة يجب أن يتم على أرضية غير إسلامية، فإن المحصلة في جانب منها كانت إيجابية، فزادت نسبة تعليم الإناث في مختلف المستويات، وكذا مشاركتهن المعقولة في كافة أمور مجتمعاتهن.
لكن في جانب آخر كان للخيار العلماني الذي غلب على التعليم والثقافة في مجتمعاتنا تأثير سلبي على قضايا المرأة، ما زلنا نكتوي بناره حتى الآن.
وإذا كانت الصحوة الإسلامية قد أصبحت واقعًا لا يمكن تجاهله، وأثرت على مجتمعاتنا العربية، بل والعالم كله، فإنها لم تبذل الجهد الكافي والمنتظر منها لتطوير واقع المرأة داخل هذه التكوينات، على المستوى الثقافي والفكري والمهني، وعلى مستوى إدماجها بصورة أكبر في مجتمعها، وتقديمها لهذا المجتمع على أنها النموذج الذي ينبغي أن يُحتذى. وبالتالي تقل وتخفت حدة الانتقادات العلمانية حينما ترى اهتمام التيارات الإسلامية بالمرأة.
هل أنت راضية عن تناول الإعلام العربي لقضايا المرأة؟
الإعلام العربي، في عمومه، لا يعالج قضايا المرأة من المنظور الإسلامي، لأنه إعلام علماني حساس جدًا من الدين، والإسلام على وجه الخصوص. كما أنه يناقش قضايا المرأة بطريقة غير واقعية وغير منطقية، فهو يخاطب نساء الصالونات والطبقة العالية، على مستوى البرامج والأفكار، حتى في برامج الموضة والملابس، فإنه يعرض ملابس غير واقعية، ويقدم عروض أزياء مرفوضة لا يمكن أن تناسب مجتمعاتنا. وإذا قدم برامج عن المطبخ والوجبات يقدمها بطريقة لا يمكن للطبقات الكادحة، التي هي أساس المجتمع، أن تنفذها.
إنني يمكنني بكل بساطة أن أقرر أن الإعلام العربي غير أمين في التعامل مع قضايا المرأة، فهو يطمس وجه الحقيقة فيها، وينحاز لكل ما هو علماني ضد كل ما هو إسلامي، ويهتم بالشكل أكثر من المضمون، ويقدم نماذج نسائية لا تصلح لبيئاتنا، وهو أيضًا إعلام مهزوم أمام الغرب وثقافته وحضارته (مع وجود استثناءات قليلة).
ومن ناحية أخرى فإن الإعلام يستغل جسد الأنثى في الأعمال التجارية، وتسويق المنتجات، والأسوأ من ذلك أن الفيديو كليب يستخدم هذه الأنوثة في نشر الرذيلة والفاحشة؛ إذ يركز تصوير الفيديو كليب على أماكن الإثارة والإغراء في جسد الأنثى، كما يصورها غالبًا في دور العاشقة التي تتدلل على حبيبها.
أما المسلسلات والأعمال الدرامية، فكثير منها يصور الأنثى على أنها كائن يعاني من مشكلات سببها دائمًا - أنها أم وزوجة - ومعنى ذلك أن دوري المرأة الأساسيين هما سبب تعاستها، ويكمن حل هذه المشكلات في هذه الأعمال الدرامية في أن تتمرد الأنثى على هذين الدورين ومسؤولياتها.
كما يُلاحظ أن كثيرًا من الأعمال الدرامية تدعو المرأة إلى التمرد، وتقلل من قيمة ربة البيت.
إن نموذج الأنثى الذي تقدمه وسائل الإعلام يصعب الاقتداء به، بل إنه يؤدي إلى زيادة التفكك الأسري، فعندما تعرض وسائل الإعلام الأنثى دائمًا بصورة مبهجة ومظهر أنيق، وفى أبهى زينة وأجمل ثياب، وهو ما يتحقق في الواقع بين الإناث بنسبة ضئيلة، فهذا يؤدي إلى زهد الأزواج في زوجاتهم اللاتي قد لا تستطيع الكثيرات منهن الوصول إلى ذات الدرجة من جمال إناث الإعلام، ومن هنا تحدث المشكلات بين الأزواج، ويشعر الزوج بأنه غير راض عن مستوى جمال زوجته.
الإعلام العربي، في عمومه، لا يعالج قضايا المرأة من المنظور الإسلامي، لأنه إعلام علماني حساس جدًا من الدين، والإسلام على وجه الخصوص. كما أنه يناقش قضايا المرأة بطريقة غير واقعية وغير منطقية، فهو يخاطب نساء الصالونات والطبقة العالية، على مستوى البرامج والأفكار، حتى في برامج الموضة والملابس، فإنه يعرض ملابس غير واقعية، ويقدم عروض أزياء مرفوضة لا يمكن أن تناسب مجتمعاتنا. وإذا قدم برامج عن المطبخ والوجبات يقدمها بطريقة لا يمكن للطبقات الكادحة، التي هي أساس المجتمع، أن تنفذها.
إنني يمكنني بكل بساطة أن أقرر أن الإعلام العربي غير أمين في التعامل مع قضايا المرأة، فهو يطمس وجه الحقيقة فيها، وينحاز لكل ما هو علماني ضد كل ما هو إسلامي، ويهتم بالشكل أكثر من المضمون، ويقدم نماذج نسائية لا تصلح لبيئاتنا، وهو أيضًا إعلام مهزوم أمام الغرب وثقافته وحضارته (مع وجود استثناءات قليلة).
ومن ناحية أخرى فإن الإعلام يستغل جسد الأنثى في الأعمال التجارية، وتسويق المنتجات، والأسوأ من ذلك أن الفيديو كليب يستخدم هذه الأنوثة في نشر الرذيلة والفاحشة؛ إذ يركز تصوير الفيديو كليب على أماكن الإثارة والإغراء في جسد الأنثى، كما يصورها غالبًا في دور العاشقة التي تتدلل على حبيبها.
أما المسلسلات والأعمال الدرامية، فكثير منها يصور الأنثى على أنها كائن يعاني من مشكلات سببها دائمًا - أنها أم وزوجة - ومعنى ذلك أن دوري المرأة الأساسيين هما سبب تعاستها، ويكمن حل هذه المشكلات في هذه الأعمال الدرامية في أن تتمرد الأنثى على هذين الدورين ومسؤولياتها.
كما يُلاحظ أن كثيرًا من الأعمال الدرامية تدعو المرأة إلى التمرد، وتقلل من قيمة ربة البيت.
إن نموذج الأنثى الذي تقدمه وسائل الإعلام يصعب الاقتداء به، بل إنه يؤدي إلى زيادة التفكك الأسري، فعندما تعرض وسائل الإعلام الأنثى دائمًا بصورة مبهجة ومظهر أنيق، وفى أبهى زينة وأجمل ثياب، وهو ما يتحقق في الواقع بين الإناث بنسبة ضئيلة، فهذا يؤدي إلى زهد الأزواج في زوجاتهم اللاتي قد لا تستطيع الكثيرات منهن الوصول إلى ذات الدرجة من جمال إناث الإعلام، ومن هنا تحدث المشكلات بين الأزواج، ويشعر الزوج بأنه غير راض عن مستوى جمال زوجته.
نلاحظ الآن انتشار ظاهرة الطلاق بعد الزواج بشهور أو سنوات قليلة، فنجد كثيرًا من الفتيات في العشرينات أو بداية الثلاثينات وقد أصبحن مطلقات. كيف ترين سبب هذه الظاهرة؟
هذه الظاهرة هي محصلة الثقافة الاجتماعية السائدة الآن، سواء من قبل الأمهات أو الفتيات الصغيرات، وهي التدليل والحرية الزائدة بدون تحمل للمسؤولية.
ومن ناحية أخرى فقد تزامن هذا الوضع مع ظاهرتين هامتين جداً، وهما الزواج العرفي والخلع. فبعض الفتيات اللواتي خضن تجربة الزواج العرفي استسهلن هذا الأمر، أو كن مقبلات على الزواج الرسمي للخروج فقط من مأزق الزواج العرفي، ومن ناحية أخرى فإن الخلع أيضاً ساهم في تزايد تلك الظاهرة، وخصوصاً أن المرآة عاطفية وانفعالاتها سريعة؛ فتحت أي ضغط لا تستطيع أن تتحمل المسؤولية وتقدم على هذه الخطوة المتهورة.
وأنا هنا أشير إلى أن الشاب الآن يقع عليه نفس المسؤولية بل أكثر؛ لأنه على الرغم من بنيانه الشكلي بأنه رجل إلاّ أنني ألاحظ أن شباب العشرين والخامسة والعشرين معظمهم مازالوا يعيشون مراهقة؛ لأن الآباء والأمهات تحمّلوا عنهم المسؤولية وخصوصاً بين أبناء الطبقات الغنية.
ما هي الثقافة التي ترين أنها غائبة عن نسائنا وبناتنا لتجنب الطلاق المبكر؟
لابد أن نهتم بثقافة إعداد الزوجة الناجحة، إن هناك معاهد لإعداد القادة، وجامعات في شتى العلوم الإنسانية لإعداد الكوادر في مختلف المجالات، لكن أهم مؤسسة تربوية في المجتمع هي إعداد الفتاة للزوجية، ويجب أن تتكاتف الجهود سواء من البيت أو المدرسة أو الجامعة لإعداد وتربية الفتاة على تحمل مسؤولية الأسرة، فنجاح أي مجتمع قائم على استقراره الأسري.
والفتاة يجب أن تُربّى منذ الصغر على كيفية تحمل مسؤولية البيت وطاعة الزوج؛ فالزواج ليس مجرد عرس وفستان، لكنه تربية أجيال، فالزوجة يجب أن تكون مدرسة، راعية لزوجها ولأولادها.
وأولويات الزوجة الناجحة هي طاعة الزوج بالكلمة الطيبة وحفظ أسراره وحفظه في غيابه وفي حضوره وحسن التدبير في المنزل، وهذه الأمور أكثر أهمية من إعداد الأطباق والأواني والأثاث والأجهزة الكهربائية. فهذه الأمور المادية يمكن التغلب عليها وتعويضها، لكن إعداد الزوجة الصالحة مسؤولية كبيرة يجب أن تهيأ لها الفتاة منذ الصغر.
ومن ناحية أخرى فإن إعداد الفتاة لكي تكون زوجة صالحة ومسؤولة عن أسرة يستلزم القدوة الحية وتلك هي لب القضية، أما التغير الذي لحق بالفتاة اليوم فسببه الأساسي التحولات الاقتصادية، وما لحق بها من تغيرات اجتماعية أدّت إلى تراجع القيم الأسرية المحافظة، وتقدم قيم جديدة لا تأخذ في الاعتبار التربية .. ومن العوامل المؤثرة سلبًا في المرأة والأسرة غياب التدين الحقيقي المترجم في سلوك عام.
كيف ترين اهتمام قطاع عريض من النساء بالأحلام وتفسيرها، ومجاراة القنوات الفضائية للظاهرة، وتخصيص برامج عديدة لها؟
النساء أكثر اهتمامًا بالأحلام؛ لأن عواطفهن تتغلب على تفكيرهم العقلي، ومن ناحية أخرى فإن انتشار تلك الظاهرة بين الناس وخدمة الإعلام لها مؤشر سلبي، لأننا أولاً لا نبني أحكامنا ولا مسيرة حياتنا من خلال الأحلام، حتى إننا نطلق على من يتصور أشياء أو يتوهمها أو يأمل في أن تتحقق له أمنيات مستحيلة أن هذه تعتبر أحلام يقظة.
فالأحلام هي نقيض الواقع، ونحن نريد أن نكون شعوباً واقعية أكثر مما نجري وراء الأحلام. ومن يقومون بتدعيم مثل هذه الأشياء اعتبرهم مثل الذين يفتحون المندل ويضربون الودع. ومعظم ما يدور في خلد الإنسان، وهو نائم أضغاث أحلام، وكذلك ما يحدث به نفسه أو يتمناه. أما الرؤى والبشارات فهذه قد تحدث لأناس على درجة كبيرة من التعبد والطاعات، وهم أيضاً لا يبنون عليها أحكاماً ولا يجب أن يتباهوا بها، فهي قد تكون منحة من الله وتثبيت لأمر يعلمه المولى سبحانه وتعالى، أما أن نكوّن من خلالها مواقف أو نبرمج عليها حياتنا فهذا خطأ، ويجب على المرآة أن تهتم أكثر بواقعها ومشاكلها بدلاً من الجري وراء الأوهام.
كثير من الزوجات أصبحن لا يولين المطبخ أية أهمية، ويستبدلن الوجبات المعدة في المنزل بوجبات المطاعم السريعة، ما هي خطورة هذه الظاهرة؟
خطورة هذا النمط الغذائي مؤكدة من النواحي الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
فمن الناحية الصحية يدفع مرتادو تلك المطاعم ضريبة باهظة غير مرئية، فالسرعة لها ضريبة؛ لأن تحضير الطعام بشكل سريع يستدعي استخدام مواد مضافة، وكيماويات ما يعلم كنهها إلاّ الله تعالى، ومع السرعة، فليس هناك وقت كافٍ لمراقبة الجودة ومتابعة السلامة في المواد المستخدمة وطريقة الطهي.
ومن الناحية الاجتماعية ساهمت في تفكيك الأسرة، فأصبحت الأسرة لا تجتمع على المائدة، ولا يدور بينها الحوار الذي يؤدي إلى تعميق العلاقة، وأصبحت الأسرة لا تجتمع إلاّ عند النوم.
ومن الناحية الاقتصادية أدخلت هذه الوجبات السريعة على ميزانيات الأسرة بنودًا جديدة، وحمّلتها بأعباء إضافية، الأسرة في غنى عنها.
يلاحظ الجميع أن مجتمعاتنا أصبحت تعاني من ظاهرة العنف، سواء السياسي أو الاجتماعي أو حتى على مستوى الأسرة. ما هي أسباب هذه الظاهرة؟ وكيف يمكن التغلب عليها؟
الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية غير المواتية التي تمر بها العديد من الدول العربية، في ظل ارتفاع الأسعار وانخفاض مستوى الأجور وزيادة معدلات البطالة، وإغلاق الأبواب أمام المشاركة السياسية الفعالة، كل ذلك أدى إلى إيجاد نوع من التوتر بين الأفراد، ودفع البعض منهم إلى اللجوء للعنف.
وكلما زادت حدة الضغوط أصبح رد فعل المواطن أكثر عنفاً، وأمام اتباع الحكومات العربية لأساليب البطش والشدة لقمع المواطنين، كانت النتيجة تحولاً في سلوك المواطن العربي ليصبح أكثر عدوانية.
كيف ترين دور المرأة في المجتمع المسلم، وكيف يمكن تطوير هذا الدور؟
المرأة ركن أساسي من أركان المجتمع المسلم في مجاليه العام والخاص في حاضره ومستقبله. فالمرأة هي أداة رئيسة لإعادة إنتاج القيم والمبادئ الأساسية للمجتمع المسلم؛ سواء من خلال دورها كأم أو من خلال أدوارها العامة كدورها البارز في العملية التعليمية. والمرأة بحكم قيامها على عملية التنشئة الاجتماعية الأولى ودورها الكبير في البناء الأسرى والاجتماعي هي مدخل عظيم الأهمية للتغيير والإصلاح لا يزال مهدرًا حتى اليوم، وطاقة عقلية وعملية هائلة وكامنة يمكن أن تساهم بدور عظيم في عملية البناء المادي والحضاري للمجتمعات المسلمة التي تواجه كلها دون استثناء في هذه اللحظة التاريخية مأزق التخلف المادي والحضاري.
وتفعيل هذا الدور يتطلب عملية تطوير وإصلاح معقدة، ولهذا الإصلاح شقان: مادي ومعنوي أو فكري. فالمادي مرتبط بتوسيع قاعدة الإنتاج وتنمية الموارد البشرية، بحيث تتسع للمرأة كمكون أصيل وليس طارئًا أو متطفلاً. والبعد المعنوي - وهو لا يقل أهمية- يتطلب إزالة كل ما لحق بالمرأة من غبن تاريخي واجتماعي أُلصق ظلماً بالدين، وتنقية ثقافة المجتمع من كل ما أُلحق بهذا الجنس البشري الذي كرّمه الله من الدونية والهوان.
ـــــــــــــــــــ(64/4)
م. جليلة عبد الواحد: العمل الإسلامي يفجر الطاقات الإبداعية للمرأة
د . ليلى بيومي 17/9/1427
10/10/2006
في تجربة العمل الدعوي النسائي بمصر تجارب شتى متنوعة، تتنوع بخصوصية التجربة الإسلامية المصرية، وقد كان موضوع الأمومة، ورعاية البيت، وتربية الأبناء محور انشغال هذا العمل حتى وقت متأخر؛ إذ بدأت مرحلة جديدة بدأ فيه العمل الدعوي النسائي يتحدث عن الحجاب، والدور الرسالي للمرأة، ومشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية: سواء بالعمل الدعوي، أو العمل الخيري التطوعي.
والداعية الإسلامية المهندسة جليلة عبد الواحد يعرفها حقل العمل الدعوي الإسلامي بمنطقة الهرم بمحافظة الجيزة بمصر، ونحن نتوقف معها في هذه السطور لتحكي جانبًا من رحلتها.
كيف كان اختيارك لطريق العمل الدعوي الإسلامي؟
بدأت البدايات الأولى لهذا العمل في المرحلة الجامعية؛ إذ كانت جامعة القاهرة في الثمانينيات، وما زالت مجالاً خصبًا للعمل الإسلامي، وكلية الهندسة جامعة القاهرة قلعة عريقة وشامخة لتخريج أجيال متجددة من الصحوة الإسلامية، وليس أدل على ذلك من الكوادر الكثيرة التي احتوتها نقابة المهندسين.
ولكن تجربة العمل الإسلامي الحقيقي لم تبدأ إلاّ بعد أن تخرّجت وتزوّجت من زوجي المهندس أيضًا، الذي نجح في تأسيس شركة صغيرة، ما لبثت أن كبرت تدريجيًا، وكنت حريصة على أن أعمل معه في الشركة، حتى بعد أن أنجبت، صحيح أن ساعات عملي تقلّصت، ولكني لا بد أن أذهب إلى عملي كل صباح، وأنجز مهامي الموكولة إليّ، ثم أنتقل إلى عملي الدعوي والإسلامي.
ولماذا تصرّين على العمل طالما أنك لست في حاجة له؟
القضية هي أنني أنطلق من منطلق فكري واقتناع من أن المرأة ليست كيانًا مهملاً، أنا أعمل في اليوم (10) ساعات بفضل الله، (4) ساعات في شركة زوجي أدير فيها العمل، وأشرف على أحد الأقسام، حتى أطمئن على أن العمل يسير بكفاءة دون تعطل، ثم أنصرف إلى العمل الدعوي التطوعي في بعض المساجد، وأكمل العمل من المنزل، فأجري المكالمات الهاتفية، وأقضي حوائج السيدات من المنزل.
وشعوري أنني امرأة ناجحة ومنتجة يسعدني، ويدفعني للمزيد من النجاح. وأنا لا أدعو إلى عمل المرأة على أي صورة، ولكن كل بحسب ظروفه؛ فحرام أن نحرم المجتمع من الطبيبات والممرضات والمهندسات (إذا كانت ظروف العمل معقولة) ومن المعلمات وأستاذات الجامعة.. الخ.
ما هي الأرضية الفكرية التي تنطلقين منها في عملك الدعوي؟
أنطلق من التجربة التي أسستها الداعية الكبيرة زينب الغزالي (رحمها الله)، والتي كانت نموذجًا للمرأة الحركية الداعية، ومصدر إلهام للكثيرات من بنات ونساء جيلي، وكانت الأرضية الإخوانية هي المنطلق الدعوي المنفتح ذي التجربة الكبيرة، والتي شكّلت أمامي النموذج والبديل.
لقد كان المشهد الثقافي المصري يعيش على إيقاع الهيمنة الفكرية للتيار الماركسي والليبرالي، فقد طُبع العمل الدعوي النسائي بالنزعة الدفاعية التي تنطلق من التصدي للتهم الاستشراقية، والهجومات اليسارية، خاصة الموضوعات ذات الصلة بالمرأة في القرآن ونصوص السنة، أو علاقة الرسول -صلى الله عليه وسلم-بالمرأة، أو المرأة في التجربة التاريخية الإسلامية.
وبانفتاح المرأة الحركية المصرية على فكر الشيخ المودودي، خاصة كتابه "الحجاب" و "تفسير سورة النور" بدأ العمل النسائي في مصر يتشكل وفق رؤية تولي اهتمامًا بالموضوع، بقدر ما تولي الاهتمام بالمنهج.
هل ترين أن العمل الإسلامي المنطلق من هذا الإطار الثقافي، هو العمل الأمثل؟
أنا لا أقول ذلك، ولكني أراه منطلقًا فعالاً وقويًا ومنطقيًا، ويستوعب عمل المرأة بلا تقييد؛ فهو يتيح لها مساحة ممتدة من مجرد العمل الاجتماعي البسيط، إلى العمل الدعوي، إلى العمل السياسي؛ ولأني في نفس الوقت لا أعيب، ولا أهاجم المنطلقات الأخرى، بل أراها كلها متكاملة، هدفها خدمة الإسلام والمسلمين، ولي صداقات عديدة مع نساء من مختلف الأطياف الفكرية الإسلامية، وأتعاون معهن.
كثير من نساء وفتيات الحركة الإسلامية يفسرن الآية الكريمة (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) على أنها دعوة لانكماش المرأة وعدم عملها، كيف كان تفسيرك للآية الكريمة؟ ثم ألا تعتقدين أنه في الكثير من الأحيان يكون اعتكاف المرأة في المنزل أفضل من الدعوة إلى الله، خاصة إذا كانت الدعوة يشوبها بعض المحرمات كالاختلاط وغيره؟
أنا أنطلق من أن الآية الكريمة خاصة بأمهات المؤمنين، ومع أنهن قدوتنا فإنهن شاركن في مفاصل كثيرة من مراحل الدعوة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الحكمة في تعدد زوجاته -صلى الله عليه وسلم- فوق الأربعة هو زيادة القائمات بأمر الدعوة.
ورب العالمين نادى المؤمنات بقوله:(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ). وإيجاد الأمة الصالحة والمجتمع الصالح لا يكون إلاّ بمشاركة المرأة إلى جانب أخيها الرجل في الدعوة إلى الخير وإصلاح المجتمع. بل إن الله تعالى جعل الدعوة إلى سبيله من أجلّ الأعمال وأشرفها، فقال جل وعلا: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
وعلى الرغم من ذلك فأنا أعتقد أن هذه هي قناعتي في فهم الآية الكريمة، ولا أدعو غيري لنفس الفهم، فديننا عظيم يسع المختلفين، المهم أن تتوافر النية الطيبة والحرص الشديد على خدمة هذا الدين.
وقد ينطبق حكم الاعتكاف في المنزل على بعض النساء، ولا ينطبق على شريحة امتنّ عليها الله بالقدرة على الدعوة إلى سبيل الله، فليست كل النساء عندها الطاقة والإمكانية. وعلى الرغم من ذلك، فلا يجوز حتى الأخت الداعية أن تتخلى عن واجبها الأول، وهو حسن رعاية زوجها وأبنائها؛ لأنها تُسأل عنهم أولاً.
وأنا لا أوافق على أن العمل عندما يستوجب اختلاطًا ضمن الضوابط الشرعية محرّم، وإلاّ نترك الساحة لغير الملتزمات كي يؤثرن على بناتنا وأخواتنا في المجتمع.
والطاقات الإبداعية للمرأة لا يمكن أن تظهر إلاّ من خلال الاعتماد على النفس والاستقلالية في القرار .. حينها تزداد الثقة، وتظهر الإبداعات. والتبعية تحدّ من طاقة المرأة وعطائها. والتكامل بين الإخوة والأخوات هو الشكل الأفضل للعمل الدعوي، مع إتاحة الفرص للمرأة في ابتكار الوسائل الناجعة في محيطها النسائي؛ لأن المرأة أقدر على فهم أختها واستيعابها.
هل استطعتِ أن توفقي بين مهام بيتك وعملك المهني وعملك الدعوي؟
نعم استطعت بفضل الله أن أحدث هذا التوفيق، بتنظيم الوقت، والالتزام بجداول معينة، ثم بتعاون زوجي معي، فحينما أشعر أن هموم العمل الدعوي والخيري كثيرة أفرغ نفسي يومًا كاملاً، ولا أداوم في الشركة، ويقوم زوجي مقامي ويعاونني.
ومن ناحية أخرى فهو ميسور الحال، لذلك يعطيني الكثير من التبرعات التي تنفعني في عملي الخيري. أما في المنزل فلديّ من تعاونني في الأعمال المنزلية، لكنني أنا المشرفة وأتدخل في كل شيء، وأتابع مذاكرة أبنائي، وأرتب ملابس زوجي، وأهتم بكل أموره، لكنه لا يثقل عليّ ويتسامح في تقصيري إذا حدث.
كيف تستطيع الزوجة- خاصة إذا كانت داعية- أن تجعل البيت كلّه في طاعة الله، وأن تنشّط المقصرين وتدعمهم في العمل إلى الأمام؟
المنطلق الأساسي لذلك أن تكون الأم هي القدوة الحسنة لأبنائها، فمهما أعطت جرعات أخلاقية وإيمانية لأبنائها، وخالف سلوكها قولها، فإن عملها لن يجدي نفعًا.
وتصحيح العقيدة والحض على الأخلاق هو زراعة منزلية من خلال ما تبثه الأم من معاني الخوف من الله وحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحرص على الصدق والأمانة في تعاملها وفيما تلقّنه لأبنائها.
ثم تأتي مرحلة اختيار المدرسة التي تساعد على تقوية الوازع الديني، بحيث لا يُصاب الطفل بانفصام بين ما تلقّاه في البيت وما يراه في المدرسة.
وكذلك على الأم حسن اختيار الصحبة لأبنائها؛ لأن ما تبنيه في بيتها يمكن أن يدمّره صاحب السوء.
كيف يمكن أن تكون المرأة المسلمة الملتزمة بدينها عنصرًا للتغيير الإيجابي للمجتمع؟
التزام المرأة المسلمة بدينها هو أبلغ دعوة توجهها إلى الناس؛ فهي بأخلاقها وسلوكها والتزامها الإسلامي تشكل جذبًا لدينها، حتى لو لم تتكلم وتشارك في الدعوة؛ لأنها مَثل حيّ يترجم تعاليم الإسلام لتجتمع القلوب على محبتها والاقتداء بها.
وما لم تشحن المرأة روحها بالعبادات، وتغذي عقلها بالعلم والثقافة العامة.. فإن تأثيرها يكون ضعيفًا في غيرها؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والقلب المظلم لا يستطيع إنارة ظلام قلوب الآخرين.
والدعوة إلى الله تتنوع أساليبها تبعًا لموهبة المرأة ومؤهلاتها وطاقتها؛ فمن لم تؤتَ طلاقة في اللسان، وسحرًا في البيان، وقوة في الشخصية.. فإن الله لم يكلفها ما لا تستطع، ويمكنها مباشرة العمل الفردي، وهو من أسهل الأعمال وأكثرها ثباتًا؛ لأن متابعة الفرد والتواصل الدائم معه يعمل على تثبيته، ويمكن للفتاة ممارسة الدعوة الفردية مع قريباتها وزميلاتها في الجامعة أو العمل، ثم بعد ذلك يكثر العدد شيئًا فشيئًا إذا استعانت بتحضير الكلام، وحفظه حتى تُؤتى القدرة على التوجيه والمواجهة.
ما هي العقبات التي يمكن أن تقف حجر عثرة في طريق المرأة وتحد من قدرتها على العمل الدعوي؟
العقبات كثيرة، ومنها على سبيل المثال الأعباء المنزلية، خاصة عندما تتكاثر هذه الأعباء حتى تحيط بالمرأة تمامًا، وعندما لا تستطيع المرأة تنظيم وقتها وواجباتها، وعندما يصيبها الكسل والاستسلام. وعلى المرأة بذل المزيد من الجهود للخروج من هذه الدائرة، ولا ننسى أن المرأة ممكن أن تقوم بالعمل الخيري من المنزل، ويمكنها جعل العمل الدعوي في نطاق ضيق حسب وقتها، فيمكنها توفير ثلاث ساعات مرتين أسبوعيًا -على الأقل- للعمل الدعوي، على أن تكون هذه الساعات في آخر اليوم بعد أن تكون قد انتهت من أعباء المنزل.
لكن المشكلة الكبرى هي عندما يكون العائق هو رب الأسرة، سواء كان أخًا أو زوجًا يمنع المرأة من العمل الدعوي، لعدم اقتناعه بمسؤولية المرأة الدعوية، فكثيرون هم أولئك الرجال الذين يهمّشون دور المرأة، ولا يرون أنها أهل لأي عمل، علاوة على أن يكون عملاً دعويًا
ـــــــــــــــــــ(64/5)
الناشطة الإسلامية أمل شوقي تروي رحلتها مع العمل الخيري
د. ليلى بيومي 8/9/1427
01/10/2006
تعاني الكثير من مجتمعاتنا العربية والإسلامية من الكثير من المشكلات الاقتصادية التي يكون لها انعكاسات سلبية على أسرنا وعلى أوضاعنا الاجتماعية.
فتأثير الفقر والحرمان مدمر على نفسية الطفل والمرأة والرجل والشاب والفتاة على السواء. ولكن لأن الإسلام الحنيف دين ديناميكي وفعّال يحقق المعجزات في أسوأ الظروف، ويدفع أتباعه إلى التضحية والبذل والإيثار، فإن تأثيرات الفقر تكون غير حادة، ويتم التخفيف منها بشكل إيجابي نتيجة جهود مجموعات من المسلمين فرّغوا أنفسهم لمساعدة الفقراء.
وفي هذه السطور نصحب الداعية الإسلامية أمل شوقي التي تعيش في حي المعادي بالقاهرة، والتي وهبت نفسها للعمل الخيري التطوعي لتحدثنا عن تجربتها الدعوية والاجتماعية.
كيف كانت بدايتك الدعوية؟
أثناء دراستي الجامعية في أواخر السبعينيات، عشت أجواء الصحوة الإسلامية والعمل الإسلامي، ولم أكن أعرف الإسلام بهذه الأبعاد الجديدة التي عرفتها في الجامعة، فعشت الأيام الإسلامية، ومعارض الكتاب الإسلامي، والمحاضرات التي يستضيف الطلبة فيها كبار الدعاة. فبدأت أحافظ على الصلاة، وارتديت الحجاب، وانهمكت في القراءات الإسلامية المتنوعة في مختلف النواحي السياسية والاجتماعية والثقافية.
واستطعت تكوين مكتبة جيدة ظللت حتى الآن أغذيها بالجديد والمفيد من كتب المعرفة المختلفة حتى أصبحت الآن ثروة كبيرة بفضل الله.
وبعد انتهاء المرحلة الجامعية مارست العمل الوظيفي الحكومي لمدة سنتين، ووجدته في النهاية مضيعة للوقت، وإرهاقًا في المواصلات العامة، فاستقلت، وساعدني على ذلك أنني تزوجت في هذه الأثناء.
وهل حدّ الزواج من قدرتك على العمل الدعوي والخيري؟
في هذه الفترة كنت أمارس العمل الدعوي فقط من خلال الاشتراك في أنشطة بعض المساجد، والتعرّف على الداعيات، وإلقاء الدروس الدينية البسيطة على النساء والفتيات في المساجد، والاهتمام بجلسات حفظ وتجويد القرآن. وهذه الأمور لم تكن تعيقني على الإطلاق، خاصة أن الله سبحانه وتعالى رزقني بزوج متدين يحثني على المزيد من العمل الدعوي والديني والخيري، بل إنه يساعدني فيه، وأحيانًا يقوم مقامي. وأثناء انتظامي في هذه الأنشطة كنت أشارك السيدات الداعيات في المساجد بعض الأعمال الخيرية: كعمل سجلات للفقراء، وعمل بعض البحوث الاجتماعية للأسر، للتأكد من أن الأسرة التي تطلب مساعدة في حاجة لهذه المساعدة بالفعل.
ونتيجة لذلك تطوّرت درايتي بالعمل الخيري، وقرّرت أن أبدأ مرحلة جديدة في هذا الشأن.
ما هي ملامح التطور الذي حدث في عملك الخيري والاجتماعي؟
كانت الجهات التي تمدنا بالمساعدات في المساجد قليلة والتبرعات محدودة، ولا تكفي حجم الحاجات الفعلية. وبمزيد من الانغماس في الواقع تجمّعت لديّ خطوط كثيرة شديدة الخطورة عن حجم مشكلة الفقر في مجتمعنا، وتأكّدت أن غالبية الناس فقراء وفي حاجة للمساعدة.
وللتدليل على ذلك، ففي إحدى المرات ذهبت إلى محافظة بني سويف لتوصيل بعض المساعدات لعدة أسر في إحدى قرى هذه المحافظة. وقد هالني ما رأيت؛ فالقرية بائسة إلى أبعد درجة، لا توجد شبكة للمياه، ولا توجد حمامات، وكثير من رجال ونساء القرية مصابون بالعمى، وكانت المساعدات التي أحملها لأسر معينة قمت بتدوين أسمائها، وحينما علم الناس أن هذه مساعدات هجموا على السيارة يختطفون ما بها، ولولا أن ساعدني رجل قوي البنية على توصيل ما تبقى من هذا الهجوم لما استطعت توصيل المساعدات للأسر التي تم إعداد المساعدات من أجلها .
هذه الحالة جعلتني أفكر بجدية بأن أتصل بنفسي بالميسورين من أصحاب المصانع والشركات ومن رجال الأعمال، لكي أؤسس قناة جديدة تخفف الضغط عن القنوات الموجودة فعلاً.
هل يتعاون الأثرياء وأصحاب الأموال معكم بالشكل المطلوب؟
الموضوع يتعلق بأمور دقيقة، فيجب أولاً أن يحدث القبول في نفس المتبرّع تجاه المتطوّع، وهذا رزق من الله، فهناك مخلصون كثيرون لا يحدث لهم هذا القبول. ولا بد أيضًا أن يقتنع الثري بأن من يقوم بهذا العمل الخيري إنسان صادق وأمين، ولا يبغي تحقيق أغراض شخصية، وهذا الأمر يستغرق وقتًا طويلاً حتى تتحقق هذه الثقة. ويجب على من يتصدى للعمل الخيري أن يثبت للمتبرعين أين تذهب أموالهم، وأن يطلعهم على الواقع بما يقوم به من أعمال، فإن كانت هذه الأعمال مساعدة أسر معوزة، فعليه أن يسلم المتبرع كشوفًا بأسماء وعناوين المحتاجين وقيمة المساعدة التي تصلهم حتى يمكنه التأكد بطريقته الخاصة.
وقد هداني الله أن أفعل ذلك مع أول متبرع كبير أقابله، وقام الرجل بإرسال بعض العاملين في شركته للتأكد من صحة المعلومات التي قدمتها له، ولما تأكد الرجل، ولما نقل إليه مساعدوه ما رأوه من فقر مدقع للعديد من الأسر، ومنها على سبيل المثال أسرة فقدت عائلها ومعاشها منه ثمانون جنيهًا مصريًا (حوالي 15 دولارًا)، وعدد أفراد الأسرة أربعة، تعولهم أمهم عن طريق العمل على ماكينة خياطة بالية، ويسكنون في غرفة فوق السطوح.
حينما علم الرجل بذلك طلب مني أن أضاعف عدد الأسر التي أرعاها، وفي نفس الوقت أضاعف المساعدة الشهرية لهم.
وعن طريق هذا الرجل الطيب تعرّفت على تاجر كبير يساعدني بما يستطيع، كما تعرفت على سيدة فاضلة، وهي أستاذة جامعية من أسرة ثرية وتحب فعل الخير.
ثم زادت دائرة ما أعرفهم من أهل الخير حتى وصلت إلى حجم كبير مكّنني من مضاعفة نشاطي وتوسيعه.
في مواجهة هذا النشاط المتزايد، ألم تفكري في عمل مؤسسي للإشراف على ما تقومين به من عمل وتنظيمه؟
فكّرت ونصحني بعض المعارف والأصدقاء بإنشاء جمعية خيرية تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية حتى تكون أعمالنا في النور وخاضعة للإشراف وتتمتع بالشفافية، وحتى نتجنب التأثيرات الأمنية والسياسية، خاصة وأنه مع توسع أعمالي استدعتني أجهزة الأمن أكثر غير مرة لتسألني عن مصدر المساعدات التي تصلني.
وعلى إثر ذلك قمت بتأسيس جمعية خيرية لها حسابات معلنة ومدون فيها كل كبيرة وصغيرة، ولها محاسب.
بعد التعرض للهموم الكثيرة وصور الفقر المتعددة وضعف الإمكانات أمام الواقع المعقد، ألا يوهن ذلك من عزيمتك؟
أحيانًا تسيطر عليّ فعلاً مشاعر العجز، وخاصة حينما تكون مشاهد الفقر والمشكلات شديدة الوطأة، وأذكر أنه في إحدى المرات اللاحقة التي زرت فيها قرى بني سويف، لتفقد أحوال القرية البائسة التي تحدثنا عنها، اكتشفت أنها مجرد قرية ضمن حزام قرى أُقيمت في الجبل وكلها على هذا الحال من الفقر.
تحدثت مع كثير من العاملين في المجال الخيري عن هذه القرى، وأصبحت هناك مساعدات كثيرة تتوجه إليهم، ولكن الواقع أكثر مرارة، فمهما فعلنا فلن نستطيع إنهاء المشكلة التي لا يمكن حلها إلاّ بتدخل حكومي يمهد الطرق، ويمد شبكات المياه، ويقيم منازل من غرفتين، ويقيم مشروعات إنتاجية بسيطة للناس، وهذا يتكلف ملايين الجنيهات، ولا تستطيع القيام به إلاّ حكومة!!
هل تعتقدين أن العمل الخيري المنطلق من أرضية إسلامية يدعم الدعوة الإسلامية؟
أنا أعتقد أنه جزء مكمل للعمل الدعويّ، وحبذا لو دخل المسلم المسجد فوجد خطبة الجمعة الشيقة، والدرس الديني المفيد، والبرامج الثقافية والتعليمية للأبناء كي تخفف عنه هموم الدروس الخصوصية، وبعد ذلك يجد المستوصف الملحق بالمسجد الذي يقدم له الخدمة الطبية بأسعار رمزية، ثم لا يحرم من لجنة مساعدات تقدم له المساعدة في حال تأكدها من تعرضه لظروف صعبة.
إننا يجب ألاّ نترك أهلنا الفقراء والمحرومين عرضة للجهات المشبوهة التي تقدم لهم المساعدات ولكن لأغراض خبيثة.
وبحكم احتكاكي بالكثير من الأماكن الشعبية الفقيرة في ميادين القاهرة، وجدت أنه في مناطق منشأة ناصر، ومقابر اليهود، ومصر القديمة، والبساتين، والدويقة، وجبل المقطم، تعمل العديد من المؤسسات التنصيرية منها مؤسسة بيلان ودير مريم. وهذه مؤسسات تنصيرية تقليدية قديمة تقدم المعونات واحتفاليات الأحد، وتشجع الصداقة بين الشباب والفتيات من سن (11 ـ 15) سنة من مصر والبلاد الأوروبية.
أما الجديد -والذي فوجئت به- فهو أن مؤسسة تُدعى جمعية حماية البيئة ولها العديد من الفروع في تلك المناطق الشعبية وفي شتى أنحاء مصر، وتلك المؤسسة مقامة على آلاف الأمتار في منشأة ناصر كمجمع متكامل، وقد التقيت بالعديد من السيدات العاملات هناك، ورأيت بنفسي خطابات من متبرعات غربيات، والمجمع يضم العديد من الورش، ويتم تدريب شباب وفتيات من كافة الأعمار على الأشغال اليدوية، هذا إلى جانب دور الحضانة والمدارس. وإنتاج تلك الجمعيات يتم بيعه للأجانب وبالتنسيق مع السفارات وخاصة السفارة الأمريكية التي تساهم في إعداد معارض محلية ودولية لتلك المنتجات، وهي غالبًا منتجات متواضعة، فهي تتمحور حول لعب الأطفال وتدوير الورق وعمل كروت ومشغولات ورقية وفنية وكذلك تدوير البلاستيك والقماش وعمل سجاد وكليم.
وقد لاحظت وجود أطفال رُضّع مع الأمهات العاملات، وقد ذكرت لي إحداهن أنه مسموح لهن اصطحاب الأطفال الرضع حتى سن (3) شهور، ومنذ (6) شهور ينضمون لدور حضانة خاصة بهم نظير مبلغ زهيد وهو جنيهين في الشهر؛ هذا إلى جانب المدارس الداخلية أيضًا التي ترحب بكل أطفال المنطقة. إنها مؤسسات متكاملة تنطلق وتتشعب وتنتشر بين الطبقات الشعبية لتوجد عالمًا جديدًا ينتمي إلى الغرب، أو على أسوأ الظروف يتخلى عن الإسلام وقيمه تحت ستار حماية البيئة، وهي في الحقيقة مؤسسات تنصيرية تعمل على رعايتها كنائس أوروبا وأمريكا وتغدق عليها أموالاً طائلة.
ما الذي ترغبين إضافته وتطويره في العمل الخيري الاجتماعي؟
مجتمعاتنا العربية تتطور بشكل كبير، وهي مجتمعات منفتحة على العالم، وبالتالي فهذه المجتمعات تواكب ما يحدث في العالم، والعمل الاجتماعي بدوره حدث له تطور في مفهومه ووسائله والمنطلقات التي ينطلق منها، وذلك بفعل التغيرات التي تحدث في الاحتياجات الاجتماعية، فبعد أن كان الهدف الأساسي هو تقديم الرعاية والخدمة للمجتمع وفئاته أصبح الهدف الآن تغيير وتنمية المجتمع، وبالطبع يتوقف نجاح تحقيق الهدف على صدق وجديّة العمل الاجتماعي، وعلى رغبة المجتمع في إحداث التغيير والتنمية. ومن الأمور التي تسعد العاملين في الحقل الخيري التطوعي هو أن العلماء أصبحوا يعدون العمل الاجتماعي أحد الركائز الأساسية لتحقيق التقدّم الاجتماعي والتنمية، ومعيارًا لقياس مستوى الرقي الاجتماعي للأفراد.
وأنا على مستواي الشخصي أحلم بإنشاء مؤسسة ضخمة في إحدى المناطق الفقيرة، يمكنها تشغيل مئات الشباب، وخدمة آلاف الأسر، وتغيير واقع البيئة المحيطة من خلال برامج إنتاجية كبيرة، وورش، ومن خلال منْح القروض، ومن خلال الارتقاء بالبيئة ثقافيًا وتعليميًا. ويكون هدف هذه المؤسسة هو تعزيز انتماء ومشاركة الشباب في مجتمعهم، وتنمية قدرات الشباب ومهاراتهم الشخصية والعلمية والعملية، وتمكين الشباب من التعرّف على الثغرات التي تشوب نظام الخدمات في المجتمع، وإتاحة الفرصة أمامهم للتعبير عن آرائهم وأفكارهم في القضايا العامة التي تهم المجتمع، وتوفير الفرصة أمامهم لتأدية الخدمات بأنفسهم وحل المشاكل بجهدهم الشخصي، وكذلك توفير الفرصة أمامهم للمشاركة في تحديد الأولويات التي يحتاجها المجتمع، والمشاركة في اتخاذ القرارات.
هل أنت سعيدة بما تقومين به من عمل اجتماعي تطوعي؟
لست سعيدة فقط وإنما سعيدة جدًا، فعلى الرغم من المشكلات الكثيرة إلاّ أننا نساعد أسرًا كثيرة، ونخفف آلامهم ونمسح دموعهم. ثم إن الأمر له بعد ديني وإيماني؛ فديننا الإسلامي يحثنا على العمل التطوعي، ويثني على من يسخّر نفسه لخدمه الآخرين، ويرسم الابتسامة على وجوههم، ويأخذ بأيديهم نحو طريق الصلاح والسداد. وهو ظاهرة اجتماعية صحية تحقق الترابط والتاَلف والتآخي بين أفراد المجتمع حتى يكون كما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم (كالجسد الواحد)، والعمل التطوعي من أهم الأعمال التي يجب أن نعتني بها كما دلت على ذلك النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها تدعو إلى عمل الخير والبذل في سبيل الله سواء بالمال أو الجهد أو القول أو العمل.
ـــــــــــــــــــ(64/6)
أمُّ مالك وما تتمنّى
فوز الغربي 30/7/1427
24/08/2006
لو طُلب إليَّ أن أصفها باختصار شديد لقلتُ: (جدٌّ كلها)، لقد أخذت الحياة بجد، وكأنما كُشِف لها من الغيب ستر رقيق عرفت منه قصر عمرها؛ فكانت تسابق في أيامها اللحظات أن يفرط منها شيء قبل أن تنجز أعمالها، وتصل إلى أهدافها.
كانت في مرحلة الدراسة الثانوية، حين نضح عقلها، وتحدّدت رؤيتها، واتّضح لها طريق حياتها، فتجاوزت تفوقها الدراسي، متوجهة بها لحفظ القرآن، فأتمت حفظه في هذه المرحلة بجهدها الذاتي، فحفظته حفظًا متقنًا، وكنت أعجب لقوة حفظها حينما كنت أتدارس معها القرآن في شهر رمضان، فكانت تقرأ من حفظها، وكأن المصحف منشور أمام عينيها.
ثم عرفت السبب فزال العجب، عرفت أنها حفظت القرآن لتعيش معه وتعيش به، حفظت القرآن فتشرّبته روحها، فكانت تديم التلاوة مع وردها من قيام الليل الذي لا تخلّ به، وكثيرًا ما تختم القرآن في ثلاث لخفته عليها وحفظها لوقتها به.
ولما دخلت المرحلة الجامعية لم يشغلها تخصصها العلمي (الأحياء) عن التشوّف لطلب العلم الشرعي وبجهدها الذاتي أيضًا، ولكن مع الارتباط بعلم العلماء، فكانت تستمع لأشرطة الدروس العلمية، وتفرغ منها الفوائد، وتتابع الجديد، حتى كأنما كانت تدرس على الشيوخ في حلقهم، حتى قادتها إلى التوسع المتدرج في كتب العلم الكبار، ولذا تكوّنت مكتبتها بشكل تدريجي مدروس، فلم تكن مكتظة، ولكن فيها الكتب الجوامع والمراجع التي يصدر عنها طلبة العلم، وكانت نظرة سريعة إلى كتبها تدل على أنها قد ارتشفت ما فيها ومرت على سطورها، ولا يزال منظر نسختها من فتح الباري، وقد تراخت أوراقها، وتباعدت أغلفتها يعلن كم أدمنت النظر بين سطورها.
وفي عام 1425هـ أتمت حفظ الجمع بين الصحيحين.
عاشت مع العلم شغوفة به مستغرقة في تطلبه، ولكنها كانت بعيدة البعد كله عن التمظهر بالعلم والإدلال به، فلم يكن يعلم بحفظها القرآن إلا القلة القليلة من أخواتها اللاتي كن يتدارسنه معها.
ولم يكن يعلم برسوخها العلمي إلاّ من يتذاكر معها أو من تجيبه إذا سألها. لقد رأيت كثيرات يحاولن لفت النظر إلى مزاياهن بانتقاد من ليس مثلهن ليقلن بطريقة ملتوية، ولكننا لسنا كذلك، أمّا هي فقد رأيت من حفاوتها بالجوانب الإيجابية ونظرتها إلى مساحة المباح الواسعة التي يتمتع بها الناس مدخلاً للقرب منهم ورفع مستواهم، ولقد زرت المدرسة التي تدرس فيها، وهي في قرية نائية تبعد عن مدينة حائل (180) كيلاً، فرأيت أثرها في الطالبات واضحًا ليس في مظاهرهن، ولكن في الارتقاء باهتماماتهن وتفكيرهن.
لقد كان علمها هو ذاك العلم الرباني المؤثر الذي يتشربه القلب، ويظهر أثره في السلوك والمعاملة والتعبد، فكانت صلاتها الصلاة الخاشعة إذا رأيناها رأينا كيف يكون الإقبال على الصلاة والاستغراق فيها، وإذا قرأت القرآن استمعنا إلى قراءة التدبر والخشوع، وكانت شديدة المحافظة على الورد القرآني والأذكار مع مظاهر الإخلاص والتخفي بالعمل الصالح وعدم التظاهر به.
لا أنسى يومًا دعتني للذهاب إلى مدرستها في قريتها النائية لمشاركتها في منشط للطالبات، وكان المسير بعد صلاة الفجر مباشرة وطوال الطريق كانت تقرأ في ملازم معها أو تراجع حفظها، وكان ظني أن بكور النهار ووفرة النشاط يساعدان على ذلك، ولكني عجبت عند عودتنا بعد استنفاد الطاقة وبلوغ الجهد، وإذا هي على نفس الطريقة، ثم زاد عجبي عندما علمت من رفيقاتها في الطريق أن هذا هو دأبها كل يوم.
إنه الجد المتناهي ومسابقة ساعات العمر. أما نشاطاتها في المنطقة فقد كانت دلالة أخرى على الجد، وعلى البذل والتفاني.
فهي مشاركة في المعهد الشرعي التابع لدار البيان لتحفيظ القرآن الكريم.
ولها محاضرات في الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
ولها مشاركات في الإنترنت.
وفي النادي الأدبي كانت تلقي بعض المحاضرات.
وشاركت في مركز دار الحافظات.. وأخيراً تولت إدارة مركز جمعية الملك عبدالعزيز الخيرية لهذا العام.
وقد تعدّى نشاطها المنطقة وتجاوز الحدود فكانت تجمع عناوين المراسلات المنشرة في المجلات، ثم تراسل الفتيات بأسلوب دعوي مميز ومؤثر، ولديّ بعض الرسائل التي وصلتها وتأثّرت بدعوتها، والمتبع لبرنامجها اليومي يتساءل: كم ساعات يومها، بحيث يستوعب يومها كل هذا العمل؟
تعرّفتُ عليها منذ سنين، فكانت الأقرب إليّ، والأثيرة لديّ لا تنقطع اتصالاتنا، ولا رسائلنا، وما زادتني معرفتي وقربي إلاّ إعجابًا بها وحباً لها، وكانت آخر مكالمة منها إليّ قبل سفرها إلى العمرة، وكان مما قالت فيها: "أبشرك بأني قد وجدت ما أسعى إليه طوال حياتي، وهو العيش مع الله والقرب منه.. وأنا الآن أعيش روحانية عجيبة لم أشعر بها من قبل...".
ومن آخر رسائلها والتي لا تزال محفوظة في هاتفي (القرآن يهب القلب قوة لا نظير لها).
كانت لها أمانٍ في الحياة وفي الممات تحققت كثير من أماني حياتها، ومن أمانيها في الممات أن تكون وفاتها بعد عمرة تكفّر ما قبلها، وأن يصلي عليها أحد كبار العلماء الصالحين، فكان ذلك، حيث توفيت في حادث مروري وهي عائدة من العمرة، وكان ذلك في يوم السبت 11/7/1427هـ، وصلى بالناس عليها وشيعها الإمام عبد الله بن جبرين الذي توافق وجوده لإقامة دورته العلمية بحائل.
وكان يومًا مشهودًا وجنازة حاشدة وذكرًا طيبًا استنطق الله فيه ألسنة شهوده في أرضه بالدعاء والثناء، وإني لأرجو الرب الذي حقق لها ما تمنته في الدنيا أن ينيلها ما سألته في الآخرة.
وأن يجمعنا بها في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وسلام الله ورحماته وبركاته على "أم مالك ابتسام العيد" في الآخري
ـــــــــــــــــــ(64/7)
إيمان العقيل: الإنترنت أبان عن مستوى راقٍ من النضج الثقافيّ
حوار: هناء الحمراني 4/7/1427
29/07/2006
قالت الأستاذة إيمان العقيل بأن المارد الإنترنتي بدأ يسحب البساط -وبسرعة مذهلة- من تحت عرش وسائل الإعلام التقليديّة (التلفاز والإذاعة والمطبوعات).. وبات جمهوره في تزايد هائل لم تشهده أي وسيلة اتصال سابقة.. فضلاً عما تتميّز به هذه الوسيلة عن غيرها، من انفتاحها بلا قيود – سوى الرقابة الذاتية - على ما تقول وتكتب..
جاء ذلك في الحوار الذي أجريناه مع الأستاذة إيمان العقيل مديرة تحرير مجلة (حياة)، والذي رأت فيه بأن قضية المرأة أصبحت لعبة يتلهّى بها بعض الكتاب بعيداً عن قضاياالأمة المصيرية.. وبات أي إنسان يروم الشهرة وإثارة الجلبة حول اسمه.. يسلك سبيل مخالفة المجتمع، ويرفع عقيرته زاعماً الدفاع عن المرأة.
في البداية .. من هي الأستاذة إيمان العقيل .. ؟
إيمان بنت عبد الله العقيل. حاصلة على دبلوم حاسب آلي، ودبلوم صحافة، ربة أسرة وأم لخمسة أبناء. مديرة تحرير مجلة (حياة) للفتيات. ومعدّة برنامج منتدى المرأة في قناة (المجد) الفضائية. كما أنني محرّرة زاوية أسبوعية في ملحق الرسالة، جريدة المدينة.
قبل ولادة مجلة (حياة).. هل كانت لديك أعمال سابقة؟
اهتمامي بالعمل الاجتماعي والإعلامي.. كان سابقاً على انخراطي بمجلة (حياة)، وكان وجودي إلى جانب زوجي في أمريكا وتوفر مساحات واسعة للنشاط والعمل الاجتماعي فرصة لاكتشاف طاقاتي وقدراتي وتفهم واقع الثقافات المختلفة، ففي مدينة (بولمن) الأمريكية كانت بدايات نشاطي في اللجنة النسائية، وقد امتزجت في جو إيماني حميم مع مجموعة نسائية من مختلف أصقاع المعمورة، وانطلقنا بحماس لنقدم خدماتنا للجالية المسلمة والمجتمع الأمريكي.. قمنا بإعداد البرامج لتعزيز رابطة الإخاء وحفظ هوية أبناء وبنات المجتمع المسلم هناك من خلال مدرسة الأحد والدروس الأسبوعية واللقاءات الدورية.. كما حرصت الأخوات على إيجاد قنوات الاتصال والتفاهم مع شرائح المجتمع الأمريكي من خلال تنظيم اللقاءات والندوات وإيصال كلمة الحق للآخرين.. وبحمد الله شهدنا إسلام العديد من الأخوات إبان تلك الفترة الحيوية.. كما أتاحت لي فترة التواجد في أمريكا فرصة تطوير قدراتي الإدارية والتنظيمية من خلال المشاركة الفاعلة في تنظيم الملتقيات على مستوى الولاية الواحدة، أو التنسيق للمؤتمرات القارية والتي يحضرها عشرات الألوف من المسلمين، وتمتاز بحسن التنظيم والإعداد، ونستضيف فيها قيادات نسائية من شتى أنحاء العالم.. وفي كنف تلك اللقاءات تتلاقح الأفكار، ويتبادل الجميع الخبرات، إضافة إلى ما يمثله هذا التجمع من تلاقٍ لمختلف الأجناس والأفراد من أجل رفعة كلمة الحق.. وهو ما يجسد قول المولى عز وجل: (إنما المؤمنون إخوة).. ولا أنسى تجربتي إبّان عودتي إلى أرض الوطن من خلال انضمامي للجنة النسائية للحملات الإعلامية التي شكّلتها الهيئة العليا لمسلمي البوسنة والهرسك.. كما كان لي شرف عضوية اللجنة النسائية بالندوة العالمية للشباب الإسلامي لفترة محدودة.. وفي تلك الفترة كنت أحرص على المشاركة في الحراك الاجتماعي والمساهمة في العطاءات الإعلامية المختلفة.
كيف ظهرت فكرة مجلة (حياة)؟
فكرة العمل الإعلامي كانت تعتمل في نفسي منذ فترة، وربما كان لمشاركاتي في المطبوعات إبان الغربة دور في تعزيز هذا الاتجاه وتنمية الوعي بأهميته.. ومن محاسن الصدف أن تلاقت اهتماماتي وتوجّهاتي برغبة بعض المتخصصين بالشأن الإعلامي والمهتمين بإيجاد البديل المناسب للفتاة الخليجية من خلال مجلة بناتية تلمس احتياجات البنت، وتتطرق لهمومها وتطلعاتها.. بالطبع لم يكن الاختيار ابتداء للشريحة البناتية، بل كان إيجاد بديل محافظ في الساحة الإعلامية.. ولكن دراسة السوق ومعرفة واقع المجلات المتوفرة بالساحة.. أدى إلى التوصل لقرار إصدار مجلة خاصة بالفتيات.. وقد كنت مهيأة لهذه الانطلاقة المباركة..
هل حققت المجلة النجاح المطلوب في رأيكم؟
لقد كان يملؤني التفاؤل منذ انطلاقة المشروع.. ولم يخالجني شك في نجاحه، خصوصاً وأنا أشهد الأعداد الضخمة مما تقذف به المطابع من مجلات ومطبوعات تستهدف بناتنا.. ومعظمها –للأسف- تكرر نفس الموضوعات بل ونفس الأغلفة، على الرغم من ذلك تجد من يشتريها ويقرؤها.. ومجتمعاتنا الخليجية معروفة بتمسكها بأصالتها وحفاظها على هويتها، وهذا ما نشهده في سلوك الأغلبية الساحقة، لذلك فإن المنطقي هو وجود نوعية تلبي حاجة هذه الشريحة الضخمة.. وبذلك نكون قد قدمنا لهن فرصة الاختيار بين ما هو معروض.. ولم يعدْ لون واحد هو ما يُعرض عليهن عندها كانت الاستجابة لهذه المجلة الوليدة بمستوى طيب.. وهذا ما يدعونا دوما كأسرة تحرير إلى العمل الدؤوب والمستمر على تطوير المادة المقدمة بشكل دوري بما يتلائم مع الجديد والمفيد للقارئات..
ما الرسالة التي توجهها مجلة (حياة) لفتياتنا؟
مجلة (حياة) كمطبوعة بناتية، تسعى إلى جانب المطبوعات المحافظة إلى تقديم إعلام نقي يربط الفتاة بأسرتها ومجتمعها، ويقدم لها مادة رشيقة متجددة، بقالب ينفذ إلى عقلها وقلبها.. ولعلي أوجز رسالة المجلة بكُليمات: (حياة) مطبوعة تساهم في صياغة فتاة مؤمنة بربها معتزة بهويتها ومنفتحة على واقعها بإيجابية..
كمشرفة لمنتدى برنامج منتدى المرأة في منتديات الصفوة لقناة (المجد) الفضائية..حدثينا عن تجربة الإشراف في هذا المنتدى.. ما الأشياء التي استطعت تحقيقها فيه؟
أحب خوض التجارب الجديدة.. والإشراف على موقع يُعدّ -بالنسبة إليّ- تجربة تثري خبراتي لهذا المارد الإنترنتي الذي بدأ يسحب البساط وبسرعة مذهلة من تحت عرش وسائل الإعلام التقليدية (التلفاز والإذاعة والمطبوعات).. وبات جمهوره في تزايد هائل لم تشهده أي وسيلة سابقة.. فضلاً عما تتميز به هذه الوسيلة عن غيرها، من انفتاحها بلا قيود على ما تقول وتكتب سوى مراقبة الله وضمير الإنسان الواعي.. وهنا تستمع إلى الأصوات الحقيقية بكل حرية تعبر عن آرائها. وما شهدته أثناء تجربتي في أجواء الحوار والنقاش.. في عمومها أظنها شكّلت إضافة نوعية للبرنامج، وأبانت عن مستوى راقٍ للمشاركات في المنتدى، وهو مؤشر للنضج والثقافة الذي تتمتع به كثير من الأخوات ومن شتى المستويات العمرية..خاصة عندما تُعطى لهن الثقة والحرية. وهذا بلا شك أضاف إليّ الكثير من الفهم المتعمق للجمهور، وهذه فرصة لدعوة القارئات لزيارة الموقع وإفادتنا بكل ما يفيد.
هل ترين أنه بالفعل تم تطوير البرنامج من خلال هذا المنتدى؟
الكثير من أفكار البرامج التي أطرحها أو نواة الفكرة هي من بُنيّات أفكار رواد المنتدى.. ولذلك حاولت تثبيت موضوع منذ بداية إشرافي على المنتدى أسميته "موضوعات تقترحينها".. وتركت لرواد المنتدى حرية طرح الموضوعات والأفكار التي يودّون تناولها في حلقات البرنامج.. والزائر للمنتدى يلحظ زخم المطروحات وتنوعها في هذا الموضوع؛ إذ عبّر المشاركون عن تطلعاتهم نحو الموضوعات التي تلحّ عليهم ويرون ضرورة تناولها في المنتدى...
ما الأشياء التي تأملين الوصول إليها لتطوير منتدى المرأة في قناة (المجد) الفضائية؟
يظل برنامج منتدى المرأة هو البرنامج الأول الذي يتوجه للمرأة على قناة المجد الفضائية.. وقد بلغ عدد الضيفات ما يزيد عن (300) من نخب العالم الإسلامي.. ومثّلت هذه الكوكبة شرائح مختلفة من المجتمع، وعبّرت عن همومها وتطلّعاتها.. ولا نزال -ونحن في بداية المشوار- نتطلع لمزيد من التطور، وفي هذا الصدد رفعت للإدراة الكريمة رؤية تجاه البرنامج، وما يمكن أن يساهم في تعزيز تواصله مع الجمهور النسائي، ولا أودّ أن أحرق الأوراق، ولعلنا في الدورة البرامجية القادمة نشهد لمسات تطويرية تخدم المشاهدة.
المرأة (اللعبة الإعلامية) كما أسميتِها في أحد مقالاتك.. تعبر في داخلك عن آلام وتطلعات ومخاوف تحيط بالمرأة السعودية.. ما الجهود التي تبذلينها دفاعاً عن حقوق المرأة ضد تيار "التحرّر والسفور"؟
للأسف.. أصبحت قضية المرأة لعبة يتلهى بها البعض بعيداً عن قضايا الأمة المصيرية.. وبات أي إنسان يروم الشهرة وإثارة الجلبة حول اسمه.. يسلك سبيل مخالفة المجتمع، ويرفع عقيرته زاعماً الدفاع عن المرأة، وفي ذلك يصدق قول شاعرنا:
وكلٌّ يدّعي وصلاً بليلى ... ...
وليلى لا تقرُّ لهم بذاكا
فالمرأة وقضاياها الحقيقية في واد والمزايدون عليها في واد آخر.. نعم هناك معاناة حقيقية وقضايا صادقة للمرأة، ولكن الأسلوب الانتقائي والاستعراضي الذي يجرّنا إلى موضوعات بعيدة عن واقعنا أدّى لمثل هذا الخلط.. بل وجعل الإحباط يسود قطاعات المرأة من أولئك المزايدين باسمها والأوصياء عليها دون تفويض.. أقول نعم هناك قضايا حقيقية مثل معاناة الفقر التي تمر به المرأة، خاصة المعيلة.. وهناك بعض التقاليد الاجتماعية التي حرمت المرأة من حقوقها مثل: العضل، ومنع المطلقات من أخذ حقوقهن كالنفقة وحضانة الأبناء، وعدم توفير العمل المناسب الذي يحفظ للمرأة كرامتها وعفتها، ناهيك عن عدم موائمة الأنظمة للتغيرات الكبيرة التي حدثت للمجتمع، وما أفرزت من أضرار كبيرة على المرأة.. إن أما على صعيد كتاب العدل والمحاكم فالكثير من النساء تضيع حقوقهن القانونية، ويتعرضن للاضطهاد من آبائهن أو أزواجهن.. دون أن يجدن لهنّ نصيراً.. ومن هنا أطالب بتفعيل الأنظمة، ووجود الأخيار الأمناء لتولي هذه الأمانة العظيمة، والدفاع عن واقع المظلومات، وإيجاد القنوات الميسرة للوقوف على واقعهنّ بعيداً عن التضخيم أو التحجيم.
ما الجهود التي يمكن لنا أن نقوم بها.. كنساء واعيات لهذه المسؤولية العظيمة؟
هناك الكثير والكثير مما يمكن أن يقمن به أخواتنا الواعيات والمثقفات.. فنحن في هذا البلد المبارك نملك أعداداً ضخمة من الكفاءات النسائية والقدرات الكفؤة في جامعاتنا ومؤسساتنا.. ولكن لم يتم استثمارهن وتوظيف قدراتهن في خدمة الشريحة النسائية بالشكل المطلوب، ولهذا أسباب ليس هذا مكان شرحها.. ومن تلك الجهود القيام بتشكيل مجموعات عمل تتولى مناقشة أبرز القضايا التي تتعرض لها المرأة، ولا ينصرف الذهن للبعد الفكري فقط.. بل أتمنى أن نقرأ واقعنا الاقتصادي والإعلامي والاجتماعي والتنموي بعناية والخروج بتوصيات عملية تعالج التحديات الحقيقية، وتوضع خطوات تنفيذية للنهوض بواقع المرأة.. وأخشى ما أخشاه أن تضيع الجهود النسائية المخلصة في فرقعات إعلامية هنا وهناك تستهلك الطاقات، وتستنفد الجهود في معارك وهمية بل أحياناً في تكريس التخلف وتخدير الجمهور بعيداً عن تحديات التنمية التي يواجهها المجتمع بكل أطيافه.
عملك في مجلة (حياة).. علّمك الكثير.. أيمكنك أن تخبرينا ببعض الدروس التي تعلّمتِها؟
يصعب أن يحدد الإنسان في هذه العجالة ما تعلمه من مسيرة إعلامية خاضها على مدار سبع سنوات.. ولكن لعلي أختزل أبرز تلك الدروس..
الحاجة إلى الانفتاح على المجتمع والنزول إلى واقع الناس، والتعرف على همومهم.. ولعلي أخص شريحة غالية على نفوسنا وهن الفتيات، فهؤلاء منسيات في كثير من البيوت، ويعانين من الجفاف العاطفي داخل أسرهن، فعلينا إيجاد قنوات أمينة للتواصل معهن ودعمهن معنوياً.. أيضاً، تعلّمت البعد عن الخطاب "الأبوي" التوجيهي المباشر.. فالجمهور لا يستسيغ هذا الخطاب ويصدّ عنه.. كما أشهد أن المرأة هي منجم من عاطفة تتدفق ونهر عطاء متى آمنت بفكرة أو مشروع تجدها متفانية في تقديم كل ما تملكه من إمكانات. أيضاً، وجدت طاقات مبدعة بين البنات، ولديهن الرغبة في تقديم أعمال مبدعة، فقط ينتظرن القنوات التي تستوعب تلك الطاقات، وترشدها إلى ميادين الإبداع..
حقوق الأسرة.. وحقوق العمل.. كيف يمكن لنا أن نجعل لكل حقه.. دون أن نحمل أوراق العمل معنا إلى منازلنا.. أو أن نحمل هموم المنزل إلى مكاتبنا؟
هذه معادلة صعبة، وخاصة لمن هي في بلاط صاحبة الجلالة، وتخوض مهنة المتاعب (الصحافة).. وعانيت في بداية انطلاق مشواري الإعلامي من ضغوط هائلة، خاصة وأن تجربتي كانت في بداياتها، فالبيت له مطالب، والأبناء والزوج وهكذا دواليك.. لذا كان لزاماً عليّ لاستمرار العطاء أن أعيد النظر في هذه المعادلة بما يحقق التوازن العادل بين حقوق البيت وحق المجتمع والعمل.. وهذا ما تحقق إلى حد كبير.. ولله الحمد.. ولذلك أدين بالشكر لعائلتي على صبرهم وتحمّلهم ودعمي المعنوي.. ولولا تقديرهم لكنت تركت الميدان الإعلامي مبكراً..
وأخيراً:
ربما يوجد لديك شيء تودّين قوله..
شكراً لموقع (الإسلام اليوم) على استضافته لشخصي المتواضع ولجميع العاملين في
ـــــــــــــــــــ(64/8)
أ. نورة القحطاني: الكتب النفسية ليست مرجعاً للحلول
حوار: هناء الحمراني 9/5/1427
05/06/2006
مجال التربية والاستشارات مجال يملؤه الأشواك ويتطلب من مرتاديه الحذر الشديد لما له من التصاق بخصوصيات الأسرة والمجتمع، خاصة إذا ما كان الأمر يتعلق بالقطاع الخاص، حول دور الموجه الاستشاري والتربوي ورسالة مراكز التوجيه والإرشاد كان للإسلام اليوم هذا اللقاء مع مشرفة برنامج توجيه السلوك بمدرسة (نور الفرقان) الأهلية، ومسؤولية قسم الاستشارة التربوية والأسرية في جدة الأستاذة نورة مسفر القحطاني.
ما الذي شدّك إلى مجال التربية والاستشارات؟
أمرنا الإسلام بأداء الأمانة، وإن أعظم أمانة لدى المرأة هي أسرتها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".
وحبًا في القيام بهذه الأمانة -كما يرضي ربي سبحانه وتعالى- بدأت اهتماماتي بشؤون الأسرة بعد عقد قراني مباشرة؛ إذ بدأت أقرأ كل ما يتعلق بالأسرة، وبالذات من الناحية الإيمانية، واستفدت أيضًا من دراستي في هذا المجال.
ما هي أهداف مركز الاستشارة لديكم؟
أهداف مركز الاستشارة هي: تقديم الإرشاد والتوجيه للأخوات الكريمات وللإخوة الأفاضل فيما يخص حياتهم النفسية والأسرية والتربوية.
وما هي الصعوبات التي تواجهكم؟
من أهم الصعوبات التي تواجه مركز الاستشارة الخيرية النسائية هي عدم وجود عدد كاف من الأخوات القائمات على هذه الثغرة المهمة من الحياة الاجتماعية في عصرنا الحاضر.
متى تشعرين بالنجاح في عملك؟
إذا شعرت أن فيه مرضاة لله عز وجل.
برأيك..أتحتاج جميع مشاكلنا إلى حلول أم أن التأقلم والتعايش مع بعضها هو الأفضل؟
هناك طرق مختلفة للتعامل مع المشكلة، وهي مرتبة على النحو التالي:
1- الاستثمار: إذا واجهتني مشكلة هل استطيع استثمارها لتتحول المحنة إلى منحة, مثال: رجل مسرف هل أستطيع أن أوجهه للبذل في وجوه الخير.
2- الحل: هل أستطيع أن أجد حلاً يقضي على هذه المشكلة أو يخفف من أثرها.
3- التعايش: إذا لم تُحلّ هذه المشكلة هل أستطيع التعايش معها.
4- التغافل: وهو محاولة عدم التركيز على المشكلة بل التغافل عنها لتخفيف أثرها على النفس, ولكن ليس كل المشكلات يصلح الإهمال للتعامل معها.
كثرت الكتب التي تتحدث عن تربية الأبناء وتنمية الذات وتطويرها ووصفات تدعي أنها نهاية المشاكل..سؤالنا هنا هو: هل نحن فعلاً بحاجة إلى مثل هذه الكتب؟ ألا يستطيع الفرد منا حل مشكلاته دون اللجوء إليها؟
أول ما نحتاجه كمسلمين هو فهمنا للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والتي فيه علاج لمشكلاتنا, وعند اعتمادنا على ماورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة فإن الاطلاع على هذه الكتب يكون من باب الثقافة، أما أن تكون هي المرجع لنا فهذا مما لا يليق بمسلم.
سؤالنا الثاني: إلى أي مدى نتقبل ما هو موجود في هذه الكتب، خاصة وأنها من أشخاص غير مسلمين يتحدثون عن مجتمعاتهم الكافرة ومشكلاتها؟
في الأساس المرجع هو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والكتب الإسلامية؛ فهذه أصول نستقي منها، وقد نجد في بعض الكتب المترجمة طرقاً عملية للتنفيذ لا تتعارض مع شيء مما ورد في ديننا؛ فهذه لا بأس من الاستفادة منها.
هل تكفي الاستشارة وإعطاء النصيحة لحل المشكلات أم أن هناك خطوات أخرى مهمة لحلها؟
دور المستشار هو التوجيه واقتراح الحلول فقط، وهناك أساليب علمية للتعامل مع المشكلة ابتداءً من تحديدها تحديدًا دقيقًا إلى دراسة أسبابها، ثم وضع فرضيات مختلفة لعلاجها، مع دراسة كل فرضية على حدة؛ للكشف عن الجوانب السلبية والإيجابية فيها, ثم اختيار الحل الملائم والذي يكون أكثر الفرضيات إيجابية وأقلها سلبية، مع التفكير في أثر من بديل عند عدم نجاح الحل الذي تم اختياره.
وأخيرًا: فإن أكثر الحلول فائدة هو الذي تلازمه الاستخارة؛ لأن فيه اعتماد على الله عز وجل.
من أصعب المشاكل ما تحتاجون فيه لمخاطبة الطرف الآخر لحل المشكلة..والذي ربما لا يكون ذا روح رياضية تشجّع على التفاهم معه..؟
في الاستشارات التي أقدمها أحاول دائمًا أن أقدم لطالبة الاستشارة الأسلوب الأمثل الذي تخاطب به الآخرين للحصول على حقها أو حل مشكلة تواجهها معهم أكثر من التدخل بين الطرفين.
هل مررتم بمثل هذه التجربة؟
نعم ..
في إحدى المرات أصر والد إحدى الفتيات أن نخاطب والدة زوج ابنته بشأن: هل هو يريد زوجته أم يريد طلاقها؛ إذ إن هذا الزوج بعد شهرين من الزواج أتى بالفتاة لزيارة أهلها، ثم تركها، ولم يعد، وقد حاول والدها أن يصل إلى هذا الزوج أو أحد أقاربه، ولكن كانوا لا يردون على اتصالاته, ثم فكّر والد هذه الفتاة أن يرسل فاكس إلى مركز الاستشارة يشرح فيه الموضوع مزودًا بأرقام هواتف والدة الزوج مع إصراره على التحدث معها.
وعلى الرغم من عدم قناعتي بهذه الطريقة إلا أنني اتصلت بأم الزوج التي فهمت من خلال كلماتها أنهم فعلوا ذلك بتلك الفتاة التي لا تناسبهم حتى تطلب الطلاق ويستردّون المهر. وأنهم الآن يبحثون لابنهم عن فتاة أخرى، وقد كانت تلك الأم متمسكة بفكرتها لدرجة شديدة, وتم إبلاغ أهل الزوجة المتضررة بقرارهم، مع إعطائها فكرة عن حقوقها، وكيفية الحصول عليها من خلال القضاء.
ما هي أكثر المشاكل التربوية التي تكررت لديكم؟ وكيف تعاملتم معها؟
أكثر المشكلات هي مشكلات الطفولة المبكرة، وخصوصًا العناد عند الأبناء, وكذلك مشكلات مرحلة المراهقة، وطرق التعامل مع المراهق.
أما كيفية التعامل معها:
فهي من خلال شرح خصائص النمو لكل مرحلة، مع الإرشاد لمراجع تعين على فهم تلك المراحل العمرية، وتقدم أساليب جيدة للتعامل معها.
مثل: كتاب "خمس خطوات لتعديل سلوك ابنك" للدكتور عادل رشاد تميم في الطفولة المبكرة, وكتاب "المراهقون: دراسة نفسية" للدكتور عبد العزيز النغيمشي.
أتوقع أن لديكم تجربة أسرية رائعة مرت بكم لحل مشكلة ما في حياة أحد الأشخاص.. بودنا لو تحكي لنا هذه التجربة.
من أكثر التجارب التي أثّرت في نفسي تجربة لأم كان ابنها عاقاً جدًا أو مسيئاً لها بدرجة كبيرة، وهذه الأم لها ظروف صعبة؛ إذ إنها مطلقة، وهو يعيش مع أبيه, وحينما أتت إلى مكتب الاستشارة، وحكت قصتها المحزنة، وبعد الاستماع إليها كتبت رسالة لهذا الابن على لسان أمه، وبعد مدة اتصلت هذه الأم، وبشّرتني أن ابنها الجامعي أصبح بارًا بها بعد تلك الرسالة, وهذا بفضل الله عز وجل أولاً وأخيراً
ـــــــــــــــــــ(64/9)
إيمان الخطيب: الكتابة للأطفال أصعب من الكتابة للكبار
حوار/منال الدغيم 7/12/1426
07/01/2006
يتفق التربويون أن أكبر مورد لتنوع ثقافة الطفل وسعة آفاقه وابتكاره وخياله هو الكتاب والقصة بشكل أخص، حتى وإن تألق سحر الإلكترونيات والفيديو والقنوات الفضائية!
ومرحلة الطفولة هي المرحلة الحاسمة في تكوين ذهنية الطفل, واعتياده في هذه المرحلة على أي نشاط ذهني كفيل بتنمية مواهبه العقلية إلى أقصى حدودها؛ مما يعود عليه بنتائج مبهرة في مستقبل أيامه.
والكتابة للأطفال وشحذ عقولهم هو نوع من الفن يحتاج إلى مهارات دقيقة لكنها في ذات الوقت - أي الكتابة للأطفال- عملية ممتعة لمن يمارسها ويجيدها، وهو ما تحاول أن تؤكده هنا الأستاذة إيمان الخطيب في حوارها مع (الإسلام اليوم) فالطفل -كما تقول- لا يحب الوعظ أو النصح المباشر؛ لكنه قد يقرأ قصة أو اثنتين، ثم تراه يتحرك في فضاء هذه الحكايات بما فيها من متعة وقيم أدخلها القاص في حنايا حكايته بكل سلاسة وذكاء ...
كيف بدأت تجربتك في الكتابة للطفل؟ وما أبرز القيم الموجهة إلى الطفل عبر ما تكتبين؟
بدأ مشواري في الكتابة للأطفال منذ زمن بعيد، حين كان أبنائي صغارًا وكنت أقرأ أحياناً لهم، وأحياناً أخرى كنت أقوم بتأليف قصص لهم من خيالي، وأدخل فيها ما أريد إيصاله عبر الأحداث أو مواقف أمر فيها معهم في تعاملاتهم اليومية وآمالهم، فوجدتهم يحبون أن أكرّر لهم قصصي التي ألّفتها، وبالطبع قد أنسى بعض ما قلته فيذكّرونني؛ فقررت أن أبدأ بكتابة تلك القصص.
مرت تلك الأيام ولم أتمكن من كتابة سوى عشر قصص أو نحوها. ثم انشغلت، ولكن استمرت الفكرة تراودني بأن أطبع القصص على بساطتها لتبقى لأبنائي وأحفادي، وبعد بضع سنين رأيت إعلاناً لدبلوم في كتابة قصص الأطفال والناشئة، أيضاً تردّدت، ولكني تقدمت لاختبار تقييم المستوى والاستعداد، واجتزته -بفضل الله-؛ فقرّرت أن ألتحق بذلك البرنامج، والذي أنهيته وأشعر أنه أعطاني الثقة بالنفس، والرؤية لأنماط الكتابة لهذه الفئة العمرية، والأطفال والناشئة.
وكيف استطعتِ الجمع بين الفكرة النافعة والأسلوب السهل الذي يفهمه الطفل؟
الكتابة للطفل ممتعة لمن يحب الاقتراب من الأطفال، فهناك من يكتب للأطفال؛ لأن لديه نصائح يود توصيلها، وهنالك من يكتب لأنه يعتقد أنها أبسط أنماط الكتابة، والآخرون يكتبون بهدف الكسب المادي، وغيرهم وغيرهم، لكني أعتقد أن قصة الطفل يجب أن تحمل رسالة، وأن تُقدّم بأسلوب غير مباشر، فالأطفال يقرؤون؛ لأن الكتاب يأخذهم إلى عالم الخيال، عالم ينسى فيه الطفل نفسه، ويترك أسلحته الدفاعية أو الهجومية. يحب الطفل القصة التي يعيش فيها، ومن خلال بطلها حياة فيها المغامرة والصدق، ويحب أن ينتصر فيها الحق على الباطل، يحب القوي، ويعطف على الضعيف؛ لأنه يربط نفسه بالبطل -وأقصد بالبطل من يصوره الكاتب بالبطل- نرى أنه يمكنه أن يتأثر به ويتعلم منه، والطفل أيضاً يحب التكرار، ويتعلم عن طريق التكرار، ويحب المفاجآت، فلا يريد أن يقرأ الخاتمة من أول القصة، يحب أن يعيش معاناة البطل، وأن يفاجئه الكاتب في الخاتمة.
كيف تتم عملية اختيار الأبطال في قصص الأطفال؟
ينبغي أن يختار الكاتب بطلاً لقصته من نفس الفئة العمرية للطفل الذي كُتبت له القصة، وأن يحدث نموًّا ذاتيًّا للبطل من خلال أحداث القصة، دون أن يملي الكاتب على القارئ الصغير دروسًا، فأُحسِن حبك فكرة القصة وأحداثها وأسلوب وصول البطل إلى حل المشكلة بجهده- لا بأس من مساعدة بعض الأطراف الآخرين من أصدقاء ووالدين أو غيرهم- ولكن دون أن يكون الطفل عنصرًا سلبيًّا لا يدير أموره؛ بل يعطى الدور الإيجابي الفعّال لحل مشاكله، بهذا الأسلوب نحن نعلِّم القارئ الصغير تحمّل المسؤولية بطريقة غير مباشرة، بالإضافة إلى نوع النضج الذي يحدث للبطل من خلال أحداث القصة.
والملاحظة الهامة هنا أن الطفل لا يحب الوعظ المباشر؛ فهو قد يقرأ قصة أو اثنتين ثم ينتقل إلى قصص مثل (ميكي)؛ لأنها تنتزعه من عالمه حيث تكثر فيه نصائح الكبار في الغالب.
هل مازال كتاب الأطفال قويًّا أمام تحدي الإلكترونيات بتشويقها وإثارتها؟
الكتاب الشائق ذو الألوان والصور الجميلة والقصة الممتعة لم ولن يفقد سحره؛ لأن الأطفال يحبون قراءته وقت النوم بمفردهم أو مع أحد والديهم، المهم أن يتعلم الطفل حب القراءة بأسلوب جيد. وأشبّه هذا بمن يقول: هل للحلوى مكان أمام تحديات المأكولات السريعة بالنسبة للطفل؟
كما ذكرت سابقاً، الطفل يحب أن يعيش عالم الخيال مع القصة، ولا أقصد بالخيال السحر وعالم الفضاء؛ بل قد تكون القصص عن طفل من نفس بيئته، ولكن البيت والأب والأم والجيران والأصدقاء غير الذين يعرفهم، وللطفل دور فعّال في هذا المجتمع؛ فهو يحل ويربط، وله رأي في الأشياء، ومن أهم الأشياء التي يجب تلافيها هو عدم الكتابة التحتية للطفل، كأن نفترض فيه الغباء وأننا نحن (الكبار) الذين نملي عليه الدروس والنصائح أو أن تنتهي القصة بالدروس المستفادة؛ بل تُنسج بطريقة تجعل الطفل يصل إليها بطريق غير مباشر.
لذلك نرى أن الطفل يميل إلى القصص المترجمة الملونة ذات الرسوم الجذّابة، والتي لا تكتظ بالنصائح.
هل لك إنتاج قصصي جديد؟
لي الآن قصة واحدة تطبعها جمعية الإصلاح بالكويت، وقد قاموا بإعادة طباعتها عدة مرات، وهي: "صور من حياة الحسن البصري"، والآن أنا بصدد طباعة ثلاث سلاسل لأعمار من (4-10) سنوات. سلسلة للمبتدئين في القراءة "أحمد فرحان"، وسلسلتين للعمر من (6-10) سنوات: "مزرعة الأصدقاء"، و "أسامة يتعلم" إلا أني أبحث الأسلوب الأمثل لطباعتها وتوزيعها.
ـــــــــــــــــــ(64/10)
شهيرة ابنة القسيس التي أصبحت داعية
حوار: د. ليلى بيومي 22/11/1426
24/12/2005
كانت نصرانية.. نشأت وترعرعت وتعلمت وتخرجت في الجامعة، وهي مسيحية في بيت مسيحيّ ملتزم بالنصرانية فأبوها قس في الكنيسة.
لكنها الآن أصبحت مسلمة.. ليست مسلمة عادية.. بل داعية إسلامية شهيرة، تعرفها الأوساط الإسلامية في حي المهندسين بالقاهرة؛ لأنها داعية إسلامية يُشار إليها بالبنان، وتعمل في مجال العمل الخيري التطوّعي حسبة لله ودعوة للدين الحنيف. في هذه السطور نتعرف على الداعية الإسلامية "شهيرة صلاح الدين" وعلى تجربتها المتميزة..
كيف كانت نشأتك الأولى؟
نشأت في أسرة ثرية ألحقتني بمدارس اللغات الراقية، وكان والدي قسيساً في الكنيسة، وأعمامي من رجال الأعمال المعروفين. وكان والدي حريصاً على أن أذهب إلى الكنيسة كثيراً وأن أكون مسيحية ملتزمة.. وقد حدث ذلك بالفعل إلى حد كبير .. وقد قرأت كتباً كثيرة في المسيحية، وآمنت بما فيها، وكان لديّ اعتزاز بالمسيحية.. ولم أفكر ولم يخطر على بالي في يوم من الأيام أنني سأصبح مسلمة.
كيف كانت علاقتك بالإسلام في هذه الفترة من عمرك؟
كان الشحن الديني من والدي ومن الكنيسة كبيراً.. وكان ذلك يدعمني إلى حد كبير.. وكوني تربيت في مدارس فرنسية فهذا ساعدني في عدم الاحتكاك بالدين الإسلامي في المناهج الدراسية.. لذلك فقد كنت أكره الإسلام، وأنظر إليه على أنه شيء بربري همجي إجرامي غير إنساني.. وعلى أنه ليس ديناً سماوياً لكنه من وضع أحد العرب في الجزيرة العربية.
كيف بدأت قصتك في التعرف على الإسلام ؟
في إحدى الحفلات (حفلة زفاف صديقة مسلمة) التقيت بشاب مسلم.. وتحدثنا سوياً في أمور كثيرة، وقد جذبني بعقليته الواعية وأخلاقه وعائلته الكبيرة المثقفة وبشخصيته المتوازنة... فأُعجبت به، وكذلك أُعجب هو بي.. أي أن الإعجاب كان مشتركاً. وقررنا الزواج.
وذهبت إلى أمي (وهي سيدة أعمال)، وفاتحتها في الأمر، فانزعجت بشدة ورفضت رفضاً تاماً.
فجمعت ملابسي وذهبت أنا وزوجي إلى المأذون وعقدنا القِران، وأقمنا في أحد الفنادق لبعض الوقت.. وأرسل هو إلى أسرته ليخبرهم بالأمر، وكذلك فعلت أنا .. إذ أرسلت رسالة لأسرتي أخبرهم بزواجي وأرجوهم أن يباركوه.
يعني أنكما تزوجتما وأنت ما زلت على النصرانية؟
نعم تزوجت زوجي وأنا مسيحية.. وقبل الزواج ذهبت إلى والدته، وتعرفت عليها.. وقد تقبلتني هذه السيدة دون أن تعرف أنني مسيحية.
وبعد الزواج أرسل والد زوجي إلى أبي وسيطاً يطلب منه مباركة الزواج والموافقة حتى يمكن أن نقيم زفافاً علنياً يحضره كل الأهل والأقارب، لكن أسرتي رفضت رفضاً قاطعاً.
وقد عشت مع أهل زوجي.. وكان اتفاقي مع زوجي أن أظل على مسيحيتي. وأهم من أثّر فيّ هي حماتي التي قابلتني بمودة وطيبة شديدة واحترمتني وعاملتني مثل أمي بل أفضل.. واستمرت إقامتي في بيت حماتي لمدة خمس سنوات عوملت فيها أفضل معاملة.
وكنت على اتصال مستمر مع أمي التي كانت تسألني: هل ما زلت على مسيحيتك؟ وكنت أؤكد لها أنني على العهد، وأنني على مسيحيتي. وكانت أمي ترسل شقيقتي لتزورني ولتطمئن على أخباري.. ولتعرف إذا كان هناك قهر وتضييق عليّ أم لا.. وكانت حماتي تحسن استقبال شقيقتي. وكان أهل زوجي يتعاملون معي بود وترحاب وتسامح على الرغم من أنني كنت أرتدي الصليب.. وأتناول طعامي في رمضان أمامهم وهم صائمون.. وكان تسامحهم معي يجعلني أشعر في داخلي بالدونية رغم تمسكي بالصليب.
كيف كانت حالتك النفسية خلال تلك الفترة؟
بدأ يحدث في داخلي صراع وقلق .. وكنت أناجي القديسين، وأسأل عن كثير من الأشياء الغامضة فلا أجد إجابة تريحني.. وكانت صورة العذراء صامتة أمامي لا تنطق، ولا تستطيع أن تخرجني من حيرتي.
وعندما ذهبت مع زوجي في رحلة إلى أمريكا، ثم زرنا بعض الدول الأسيوية.. رأيت صورة المسيح والعذراء مختلفة حسب المكان الذي أذهب إليه، فالصورة تأخذ رؤية كل بلد وملامح هذا البلد.. ولم يكن هناك شيء موحّد بل أشكال متعددة، وأسئلة تبحث عن إجابات، ولكن لا أجد هذه الإجابات.
وذات مرة سألت زوجي: ماذا تفعل عندما تريد أن تناجي ربك.. بأي وسيلة؟ ومن خلال من؟
فقال لي: أناجيه مباشرة.. وكانت هذه الكلمة هي البداية .. فجلست عدة أيام أناجي ربي وحدي دون وساطة القديسين أو العذراء. وسألته الهداية.
ألم يبذل زوجك جهداً معك للدعوة إلى الإسلام؟
لم يكن زوجي لديه ثقافة إسلامية عميقة.. ولكن كان له شقيق في الولايات المتحدة الأمريكية مثقف وعميق التدين.. فأرسل له كتباً وأشياء جميلة.. وبدأ زوجي يعلم نفسه ويعلمني.
وقد كان من تعصبي للمسيحية أنني قلت لزوجي: إنني عندما أنجب سأصطحب أبني معي للكنيسة.. فقال لي: "ربنا يسهل".. وكان هذا دافعاً له ليتصل بشقيقه وليبدأ رحلة التدين والثقافة الإسلامية.
لكن ما هو الموقف الفاصل الذي قادك إلى الإسلام؟
حينما بدأت أناجي ربي مباشرة دون وساطة، رأيت السيدة العذراء في منامي تقف فوق بناية شاهقة وتحتها الإنجيل وهو يحترق. ومرة أخرى رأيت في منامي جدتي المسيحية، وهي تقول لأمي: اتركي شهيرة على دين الإسلام لكي تدخل الجنة.
ساعتها قلت لزوجي قل لي: كيف أصلي؟ فعلمني الصلاة.. ومن يومها وأنا مسلمة ولم أقطع الصلاة أبداً.
ماذا كان ردّ فعل أسرتك؟
كانت والدتي دائمة الاتصال بي .. وكذلك كانت ترسل شقيقتي لتزورني، وكانت أمي خائفة وتسألني كل مرة: هل ما زلت مسيحية أم لا؟ وعندما قلت لها أنني أصلي الآن صلاة المسلمين.. قاطعتني وامتنعت عن مكالمتي في الهاتف.. وكذلك امتنعت شقيقتي عن زيارتي.. وجاهدت نفسي، وحاولت أن أصل أمي وأهلي ولكن دون فائدة.
كيف كانت رحلتك بعد ذلك مع القرآن ومع الثقافة الإسلامية؟
حينما هداني ربي، ودخلت الإسلام كان أهم شيء عندي هو قراءة القرآن، وكنت متعطشة له.. فالتحقت بمعاهد الدعوة.. وحفظت القرآن الكريم مجوداً والحمد لله..وبدأت رحلتي مع الدعوة إلى الله، وخلالها شعرت بالسعادة وقيمة الحياة
ـــــــــــــــــــ(64/11)
د. مكارم: نسعى لإصلاح عام تشارك فيه المرأة
حوار: رضا عبد الودود 19/10/1426
21/11/2005
الدكتورة مكارم محمود نصر الدين الديري أستاذة الأدب والنقد بجامعة الأزهر مرشحة الإخوان المسلمين في انتخابات مجلس الشعب المصري، من مواليد 1951 بمحافظة بني سويف، وهي أرملة إبراهيم شرف أحد رجال الرعيل الأول من الإخوان المسلمين، وقد اعتقل عدة مرات في العهد الناصري، وفي العهد الحالي، وتوفي عام 2000.
وهي أم لستة من الأبناء، كلهم متزوجون عدا الأصغر طالب بكلية الهندسة، وهي جدة لخمسة أحفاد.
بدأت مسارها العلمي بعد حصولها على الثانوية العامة؛ إذ التحقت بكلية الدراسات الإسلامية – جامعة الأزهر عام 1969، وحصلت على ليسانس الدراسات الإسلامية – قسم اللغة العربية عام 1973، ثم حصلت على درجة الماجستير في الأدب العربي عام 1981 عن رسالتها: (أثر البادية في الشعر الجاهلي)، و نالت درجة الدكتوراه عام 1987 عن رسالتها: (الإسلاميات في شعر حافظ وشوقي).
وقدمت الديري للمكتبة العلمية العديد من الأبحاث والمؤلفات منها: الروافد الأدبية في عصر صدر الإسلام، التيارات الأخلاقية في النقد عند العرب، ديوان رسائل إلى شهيد.... رؤية نقدية إسلامية، منهج الآمدي في شرح شواهد الموازنة، الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق، أدب المرأة المعاصرة.... رؤية نقدية إسلامية، الأدب الجاهلي، دراسة في مقالات وحي القلم للرافعي، دراسة نقدية بين ميثاق الطفل في الإسلام والمواثيق الدولية.
وترأس قسم البحوث باللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل، أحد فروع المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة.
وفي إطار تقصي مسار الحركة الإسلامية في مصر وفعالياتها المجتمعية، وتطور دور المرأة في فكر الحركة الإسلامية كان لنا هذا الحوار مع الدكتورة مكارم الديري مرشحة الإخوان المسلمين في القاهرة.
لماذا قررت خوض المعركة الانتخابية القادمة، مع أنك سيدة أكاديمية بعيدة عن السياسة؟ وهل قرار المشاركة في الانتخابات النيابية قرار شخصي أم مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين؟
في الحقيقة جماعة الإخوان عرضت عليّ الترشح، ودرست الأمر وكان لي حق القبول أو الرفض وقررت المشاركة. وفي الحقيقة كان لديّ طموحات في أن يكون لي دور إصلاحي داخل مجتمعي من واقع تفاعلي وتربيتي داخل الإخوان المسلمين وتفاعلي المستمر مع أفكار الإخوان منذ الستينيات.
لكن البعض يقول: إن نزولك المعترك الانتخابي ما هو إلا ديكور تزيِّن به الحركة الإسلامية نفسها أمام العالم الذي يتّهمها بتهميش المرأة ... ما تعليقك؟
هذا اتهام باطل؛ فالمرأة في الفكر الإسلامي شريك أساس في بناء المجتمع، ودورها مماثل لدور الرجل ليس بمقياس عددي أو موازنة حسابية بل دور حيوي مكافئ وخطير في المجتمعات الإسلامية، وترى الحركة الإسلامية أن مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية إثراء حيوي؛ إن المرأة خير من تعبر عن مشكلات المرأة مهما ارتقى الرجال في علمهم حول الأسرة أو شؤون المرأة.
ومثال ذلك ما تقوم به المرأة في الحركة الإسلامية من دور هام لا يقوم به غيرها من مقاومة مخططات الأمم المتحدة ودعاوى الجندر، وبرامج الأسر التي تروّج لها المنظمات الماسونية والتغريبية من أجل هدم الأسرة التي افتقد الغرب دورها في حياته وانهار أخلاقيًا، فيريد تعميم الأمر على مجتمعاتنا الإسلامية، عبر الترويج لنشر الثقافة الإنجابية للفتيات دون سن الزواج، والدعوة إلى نشر الاختلاط في المدارس المتوسطة، ودمج المرأة في العمل لمحاولة زحزحتها عن دورها الحقيقي.
وكيف تنظرين لأوضاع المرأة في الدول العربية؟
المرأة لابد أن تتساوى مع الرجل في الفرص، ولا يعني ضرورة أن تعمل المرأة أو ندعو للمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة كما يقول المشروع التغريبي؛ لأن ذلك مخالف لفطرة الله التي حبت كل نوع صفات تتناسب مع أدواره؛ فالمرأة تمتلك الحب الوفير لأسرتها وأبنائها، كما أن الرجل يمتاز بقدرته الكبيرة على بذل المجهود والعمل كي ينفق على أسرته .. كل مُيَسَّر لما خُلِق له.
هل أنت من أنصار عودة المرأة إلى البيت؟
أنا فقط أريد أن ألفت النظر إلى الجيل الذي وُجد في ظل غياب الأسرة ورقابتها بعدما خرجت المرأة إلى العمل، نجد فيه كثيراً من الخلل والأمراض الاجتماعية التي تهدد نقاء مجتمعاتنا الإسلامية، لذا أدعو إلى أن يُرشّد ممارسة عمل المرأة خارج البيت، وألاّ تنسى المرأة دورها الأساس في تربية أبنائها، ولا يعني ذلك أيضًا ألاّ يشارك الرجل المرأة في ذلك الدور.
وكيف ترى د. مكارم مستقبل دور المرأة في المجتمعات الإسلامية؟
المرأة في حاجة إلى وعي كبير لإدراك أهمية مشاركتها في اختيار من ينوب عنها، كما أنها مطالبة بالمشاركة في كافة المناشط، وذلك انطلاقا من أن كثيرًا من السياسات والبرامج الخاصة بالمرأة تُصاغ في غيبتها، وتؤثر سلبًا على أوضاع المرأة المسلمة في ظل تبني وفرض مقررات المؤتمرات الدولية على كثير من الدول الإسلامية، لذا فنحن في حاجة لعدد من النساء لشرح ظروفهن وتبني ما يصلحهن من قضايا وبرامج، وأدعو إلى حراك سياسي قوي من النساء والرجال معاً للمشاركة في عملية التغيير والإصلاح في المجتمع، كما أطالب القائمين بالعمل العام بتحفيز المرأة نحو المشاركة الإيجابية خاصة وأن التحديات كثيرة أمامها من كثرة حالات الطلاق والبطالة والعنوسة وسوء الأحوال الاقتصادية، وما نجم عنها من ضعف الوازع الديني وسوء استخدام حقوق القوامة من قبل الرجال بالرغم من أنها تكليف من الله للرجل للقيام بمهامه، وليست استبدادية أو تعسفية ضد الزوجة والأطفال .. ولنا في رسول الله قدوة حسنة.
التعليم والإعلام بؤرة الاهتمام
د.مكارم في حال فوزك ما أول مشاركة تودين أن تبدئي بها حياتك البرلمانية؟
أول قضية سينصبُّ اهتمامي عليها هي قضية تطوير التعليم، وإلى أين تتجه عملية التطوير؟ هل لتشكيل قناعات النشء وثقافتهم وفق مقتضيات الحضارة الغربية أم نحو تعزيز القيم الإسلامية في المجتمع. وسأركز أساساً على واقع المناهج التعليمية التي باتت تهمش التربية الإسلامية والتاريخ والحضارة الإسلامية، بل أصبح الكتاب المدرسي يهمش القيم الوطنية والتاريخ في سبيل نشر ثقافة السلام والذوقيات.
كما سينصب تركيزي على تطوير دور الإعلام الذي بات يشوّه حاضرنا وتاريخنا الإسلامي، ويصور المجتمعات بصورة غير واقعية من ثراء فاحش واحتفاليات فارهة دون التعرض لقضايا الفقراء والمعدمين الذين يواجهون الموت جوعًا يوميًّا، كما أن الإعلام يمارس دورًا، ولا يحضُّ على الفضيلة ومكارم الأخلاق التي هي الواقي لشبابنا من الانحراف.
ـــــــــــــــــــ(64/12)
أ. جميلة الشنطي: العبرة بالمقاومة وليس بوجود جيش نظامي
حوار: إبراهيم الزعيم 20/8/1426
24/09/2005
يُعدّ المؤتمر الصحفي الذي عقدته القيادة النسائية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وأعلنت فيه موقفها من الانسحاب الصهيوني، ونيتها خوض الانتخابات التشريعية المزمع عقدها في يناير المقبل- خطوة جريئة قد يكون لها ما بعدها، للاطلاع أكثر كان لنا هذا الحوار مع الأستاذة جميلة الشنطي القيادية في الحركة.
بعد الانتصار الذي حققته المقاومة الفلسطينية كيف تقيمين مشاركة المرأة الفلسطينية في الجهاد والمقاومة؟
الحمد لله الذي مَنّ علينا بالنصر وجعله ثمرة جهاد طويل، وهو خطوة أولى ضمن خطوات تحتاج إلى صبر طويل، فنحن نضع القدم الأولى لمواصلة الطريق، ولن نقف عند حدود غزة، وفيما يخص المرأة الفلسطينية فقد كان لها باع طويل في الجهاد والمقاومة فقد قدمت زوجها وشقيقها وابنها، حمل السلاح ليس المعركة الوحيدة، فهناك معارك أخرى متعددة، وهي: معركة التربية، المعركة الاجتماعية، المعركة الأمنية، معركة المقاطعة، وإذا كان الرجل قد خاض معارك حمل السلاح فإن المرأة قد خاضت كافة المعارك. فعلى الصعيد الأمني كانت المرأة مستهدفة أمنياً لإسقاطها، ولكن -وبفضل الله- فإن الإحصائيات تؤكد أن المرأة حافظت على هذا المنفذ، ولم يسقط من النساء إلا القليل، وهذا الأمر حافظ على تماسك الجبهة الداخلية. أما على الصعيد الاقتصادي فقد استطاعت المرأة تغطيته حتى في ظل غياب الزوج، وذلك من خلال التكيّف مع الظروف القائمة، فقد كانت تستغل ما يُتاح لها ويقع تحت يدها، سواء كان مساعدات أوغيرها؛ فلم تخضع للقهر الاقتصادي لأن ذلك سيؤثر على المقاومة. وعلى صعيد مقاطعة البضائع، فقد أصبح لديها حس الاختيار، فباتت تختار الصناعات البعيدة عن الاحتلال الصهيوني ما لم تكن مجبرة عليها؛ لأن الاستيراد يتم من خلال الاحتلال، فإذا وُجد البديل قدمته على المنتج الصهيوني سواء كان جيداً أو رديئاً.
أما على الصعيد الاجتماعي فقد بقي البيت الفلسطيني بيتاً حصيناً، فمازال ديننا بخير، ومازالت عاداتنا وتقاليدنا هي السائدة، وبيوتنا سلمت من الانحراف، وهذا عنصر أساس من عناصر وحدة وتماسك المجتمع الفلسطيني رغم تعدد التوجهات السياسية في المجتمع.
وعلى الصعيد التربوي فإن نسبة التعليم للمرأة الفلسطينية 100 %، وهذا -بفضل الله- جانب قوي وفعّال يحمي المرأة بإذن الله من الوقوع فريسة للعدو الصهيوني، كما أن نسبة الجامعيات والحاصلات على الماجستير والدكتوراة ارتفعت، وهو ما منح المرأة قوة في هذا الجانب هذه العوامل ساهمت في أن تكون للمرأة اليد الطولى في اندحار العدو عن قطاع غزة .
ومع ذلك لم تكتف المرأة الفلسطينية بهذا الزخم الكبير الذي أمدت المقاومة به؛ إذ حمل عدد من النسوة السلاح وقاتلن الاحتلال ، كيف تفسرون ذلك؟
في مرحلة المقاومة ما خلا بيت من سلاح، ونظن أن كل امرأة تتوق للجهاد والاستشهاد والدفاع عن بيتها وزوجها وأبنائها وأسرتها حال اجتياح الاحتلال للقرى والمدن، ولذلك فقد تدربت الكثير من النساء على السلاح من خلال أزواجهن وأبنائهن وإخوانهن، وقد جاءت مشاركة بعض النساء في المقاومة دفاعاً عن النفس، فكل امرأة كان الاحتلال يقترب من بيتها كانت تستعد لمواجهته بالعصا أو الحجر، المهم إن إرادة القتال موجودة لديها، مما جعل منها إنسانة مقاومة، وليس العبرة في أن يكون هناك جيش نظامي.
نشرت صحيفة (الرسالة) الأسبوعية حواراً مع نساء يحملن السلاح، وقد ظهرن ملثمات، وقيل: إنهن مجندات في صفوف القسام، ما مدى صحة ذلك؟
هذا اجتهاد شخصي من قبل مجموعة من النساء، ولا يمنع أن يكون هناك نساء مدربات وأن يقاتلن العدو.
قيادة "حماس" النسائية أعلنت أنها ستشارك في الانتخابات التشريعية القادمة، ما البرنامج الذي ستخضن الانتخابات على أساسه والذي ستقنعن المرأة الفلسطينية به؟
لقد شاركنا في مراحل البناء وكلها كانت من خلال نشاط فردي؛ إذ لم نعمل ضمن خطط مؤسساتية رسمية، وليس لنا قيادات نسائية في السلطة، ولكننا نعمل عبر مؤسساتنا الخاصة، ولذلك نطمح من خلال خوض الانتخابات التشريعية كما سبق وخضنا الانتخابات البلدية في المساهمة بفعالية في مرحلة البناء، نحن نساهم بقدر كبير الآن في تطوير البلديات والارتقاء بالمرأة والطفل، ومعظم المناطق تشهد على ذلك، أما في التشريعي فطموحنا أكبر، ونحن الآن نجهز برنامجاً متكاملاً: اجتماعياً، قانونياً، تربوياً، بحيث يكون برنامج عمل لنا حال فوزنا في الانتخابات التشريعية.
إذن سيكون الاهتمام بالمرأة من ذوي الشهداء والأسرى والجرحى أكبر من ذي قبل؟
عملنا مع هذه الأسر متواصل من خلال مؤسساتنا ومن خلال المساجد، وللأسف لم تتح لنا الفرصة إعلامياً؛ لأن الإعلام مسخر للسلطة، وليس أمامنا من منافذ إلا منافذ بسيطة لإظهار برنامجنا، ولكن في المرحلة القادمة ومن خلال تواجدنا بصفة رسمية في مؤسسات السلطة سنكون عوامل فاعلة فيها، وسيشهد العالم تغييراً على أيدينا بتوفيق من الله سبحانه وتعالى، وسيكون هذا التغيير لصالح المرأة المسلمة، بحيث تتم إعادة إصلاح القوانين الفاسدة الكثيرة التي أقرت في المجلس التشريعي، وإعادة صياغتها صياغة إسلامية تتناسب مع كافة شؤون المرأة والطفل، إلى جانب العمل السياسي والإداري، وقد جهزنا برنامجاً للعمل في كافة مؤسسات السلطة.
هل الاهتمام سينصب على المرأة والطفل فقط، أم أنكن ستتابعن قضايا الرجل أيضاً؟
الإسلام شامل، وقضايا المرأة لا تنفصل عن قضايا الرجل، إلا في بعض القضايا البسيطة، ولا مانع من متابعة المرأة لشؤون الرجل، والعكس صحيح. من خلال تواجدنا في مؤسسات السلطة سنعطي النظرة الشاملة للإسلام، ولو لم تدخل المرأة في المجلس فإن الإخوة في قيادة الحركة سيعملون على إيجاد كل ما يريح المرأة.
في حال خضتن الانتخابات التشريعية وفزتن بها، هل سيكون الطريق أمامكن مفروشاً بالورود، أم انه ستواجهكن معوقات كثيرة؟
ندرك صعوبة المرحلة القادمة، ولكن في حال فوزنا نكون قد حزنا على ثقة شعبنا الفلسطيني بالدرجة الأولى، وهذا انتصار، وهو التحدي الأول، مما يحملنا مسؤولية تجاهه، وهناك التحدي الثاني وهو على العالم العربي والإسلامي حال فوزنا أن يواصل دعمه لنا؛ لأن فلسطين بحاجة إلى هذا الدعم. ما يخيفنا هو أن تُمارس -حال فوزنا- ضغوط على الدول العربية والإسلامية من الاحتلال الصهيوني وأمريكا لإيقاف التعامل معنا، وتجفيف منابع الدعم، لكن يظل اعتمادنا على الله أولاً، ثم على الشعوب العربية والإسلامية، لأنها لن تتخلى عنا، فالجانب المادي بيد الله، والتحدي الكبير هو في التصدي العالمي الذي تقوده أمريكا للوقوف في وجه كل حركة إسلامية، ولكنها مع ذلك تقرأ الواقع جيداً ، وتعلم جيداً من هي "حماس"، لذلك تحاول أن تتعامل معنا بذكاء، ولا أتوقع أن تقف خصماً لنا على الأقل في المرحلة القادمة.
هل تتوقعن النجاح في مرحلة البناء كما نجحتنّ في مرحلة المقاومة؟
إن من عوامل انحلال السلطة الفلسطينية هو الفساد والرشاوى والمحسوبية والتبذير في المال العام، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: (إن خير من استأجرت القوي الأمين)، انطلاقاً من ذلك فإذا وجد من يقوم على كل شيء بحقه فإن الله سيوفقه، ونحن عامل مهم في البناء والتعمير، ولاشك بأن هناك معوّقات في مرحلة البناء؛ لأنها مرحلة صعبة.
ما هي رسالتك للمرأة الفلسطينية؟
أقول لها: عليك أن تقرئي الواقع جيداً، فأنت تستطيعين أن تعرفي الآن الجيد من الرديء، ولا أحد يستطيع أن يجبر المرأة على اختيار معين، وهذا ما لمسناه في الانتخابات البلدية؛ إذ إن كثيراً من النساء في بيوت ذات مسميات كثيرة كن يخترن الإسلام، ولهذا نقول للمرأة الفلسطينية: أمامك مشوار طويل في البناء والتعمير، لا تخافي فالمستقبل أمامك، وواصلي خدمة هذا الوطن الحبيب على قلوبنا.
ما هي رسالتك للمرأة العربية والمسلمة؟
نخاطب كل أخواتنا في العالم: نشعر أن كل واحدة منكن تقف إلى جانبنا وتؤازرنا؛ لأن قضيتنا مزروعة في القلوب، ولكن نريد تجاوز القلب إلى العقل، فنحن نريد أن نشاهد مسيرات نسائية تؤازرنا وتهنئنا بالنصر، ومؤتمرات نسائية عالمية كالذي حدث في السودان بالأمس، نبارك لأخواتنا هذا المؤتمر، فقد شعرنا بأن هناك أخوات يقفن إلى جانبنا، لابد من هذه المؤتمرات العلمية التي توضح دور المرأة المسلمة في فلسطين، وتبين ما ينقصها وما تحتاجه، نريد دوراً من الجمعيات الأهلية النسائية في أنحاء الوطن العربي والإسلامي، وأن يكون هناك توأمة بين هذه الجمعيات والجمعيات الفلسطينية؛ لأن الله وحده يعلم كيف نسيّر هذه الجمعيات، نسيرها بالزهيد حتى نحافظ على مواصلة رعاية المرأة، وتعليمها، وكفالتها، والوقوف إلى جانبها في الشدائد، فلا مانع من أن يرسلوا للاستقصاء عن هذه الجمعيات والتعرّف على أحوالها، وأن يكون لهم وقفة معها حتى تظل قائمة.
ـــــــــــــــــــ(64/13)
أيام من حياة زينب الغزالي
د. محمد الشواف 6/7/1426
11/08/2005
محنة تحوّلت إلى منحة، عندما أراد الله لزينب الغزالي - رحمها الله- أن تغيّر مسيرة حياتها، وتتوجه إلى الله بكليّتها؛ وتدعو إليه على بصيرة لمدة ثلاثة وخمسين عاماً، فقد تعرضت لحادث حريق في منزلها، كادت تفقد حياتها بسببه، ونذرت -إن عافاها الله من الحروق- أن تعمل لدينه، وتسعى لما فيه خير المرأة المسلمة، وتترك الاتحاد النسائي، وتتوجه إلى الدعوة الإسلامية، وأكرمها الله بالشفاء، وبدأت مرحلة جديدة في مسيرتها الدعويّة.
إن من يتعمق بدراسة مراحل حياة الداعية زينب الغزالي، يدرك أنه أمام امرأة عظيمة، عمَر الإيمانُ قلبها، فقرّرت أن تسير في طريق الحق، دون الالتفات لزينة الحياة الدنيا، وبهرجها الخادع، رائدها الإخلاص، وأمنيتها أن تفوز برضا الله تعالى، وتطمع أن تحظى في الآخرة بجنّته.
كما أنه لايمكن لهذه الشخصية العظيمة أن تتشكل لولا عوامل تضافرت مجتمعة، فجعلتها نسيج وحدها؛ فهي بنت أسرة كريمة، اجتمع لها أصل عريق يمتد إلى الخليفة عمربن الخطاب رضي الله عنه، من جهة أبيها، وإلى الحسن بن علي - رضي الله عنهما- من جهة أمها.
وكان أبوها من علماء الأزهر، وأولاها من العناية وحسن التربية والتشجيع ما أسهم في تكوّن شخصيتها، فقد كانت تتمتع بشخصية متميزة، تتطلع دائماً لمعالي الأمور.
بعد قراءتي لكتابها (أيام من حياتي) كانت تتملكني الحيرة، ويأخذني العجب العجاب، وعشت صراعاً عنيفاً مع نفسي أقارن بين نظرتي لقصص أغرب من الخيال، عن سجون رئيس كانت جماهير الأمة العربية تتوهم أنه سيكون رائد الوحدة العربية، التي ستكون نواة الوحدة الإسلامية، وبين نبرة الصدق التي ألمسها في كل كلمة من كلمات الداعية الممتحنة زينب الغزالي في كتابها.
كانت أمنيتي أن أجتمع بمن يعرفها عن قرب لأستوثق من كثير مما جاء في الكتاب، ويشاء الله أن ألتلقي زينب ذاتها، خلال عملي في مكتب رابطة العالم الإسلامي في باكستان في الثمانينيات من القرن الماضي، وكنت لا أزال أحسّ أنني بحاجة إلى التعرّف أكثر على هذه المرأة العظيمة، التي صبرت على محنة السجن، وذاقت ويلاتها، وحاول السجّانون المساس بشرفها.
كانت زينب الغزالي قد جاءت للاطلاع على أحوال المهاجرين الأفغان، ومساعدتهم بما تستطيع، و طلب مني الشيخ عبد الله عزام -رحمه الله- مرافقته للقائها. كان لقاء مباركاً، ضم ثلاثة من قادة الجهاد الأفغاني ضدّ الاتحاد السوفييتي آنذاك، وتكلّمت زينب الغزالي بموضوعات مهمة ومختصرة، وأوصتهم بالاتحاد، ووحدة الصف، ونقلت إليهم أخبار تعاطف جماهير المسلمين معهم، ومع قضيتهم العادلة، ثم سلمت كل واحد منهم ظرفاً فيه تبرعات من الأخوات المسلمات في الدول العربية.
وفي تلك الزيارة لباكستان، قابلتْ زينب الغزالي الرئيس الباكستاني – آنذاك- ضياء الحق، وكان مقرراً للمقابلة حوالي عشرين دقيقة، ولدى الرئيس مواعيد مسبقة وبرنامج محدد، ولعله لأول مرة ينسف كل المواعيد، ويؤجلها، ليسمع حديثاً عجباً من زينب الغزالي عن معاناة المسلمين في بعض الدول العربية، وما تتعرض له المرأة المسلمة من السجن والتعذيب، مما يندى له الجبين، وضياء الحق يصغي إليها ويبكي، ويستمر اللقاء ساعتين ونصف.
تذكرت هذه الحادثة لما أصرّت أمريكا على التخلّص من ضياء الحق، مع التضحية بسفيرها؛ لأن المرحلة تطلّبت من هو أسوأ منه؛ فطواغيت الأرض الكبار، لا يرحبّون بمن يخدمهم على مضض، وكأنه يأكل الميتة، ولم يعد للمتأولين سوق لديهم، ولا يقبلون مَن يأكل الخنزير مضطراً، بل يريدون من يأكله متلذّذاً، ومعبّراً بكل حواسه عن ذلك السرور!!
مما يؤسف له أنني علمت أن ما نُشر في كتاب (أيام من حياتي) كان جزءًا من الحقيقة، ولم يكن الحقيقيةَ كاملةً؛ لأن الحقيقة كانت أسوأ وأعنف، وأدمى لقلب المؤمن، مما ذُكر في الكتاب.
كُرِّمت زينب الغزالي من الاتحاد الإسلامي الأوروبي، وكُرِّمت من نقابة أطباء الإسكندرية، وهي تكرم لأنها رائدة في هذا المجال، وصاحبة تاريخ طويل، وعريض في الدفاع عن الإسلام، وزارت كثيراً من الدول العربية والأجنبية.
كم نحن مقصرون بحق دعاتنا، وعظمائنا!! أليس من المحزن أن تعيش هذا العمر الطويل الحافل، في الدعوة، وخدمة الإسلام ثم لا تأخذ حقها من التكريم؟! نعم هي تطمع بما عند الله من الثواب، لكن هذا لا يعفينا من أداء واجبنا نحوها.
وأتمنى أن نرى قريباً دوراً لتحفيظ القرآن الكريم تحمل اسمها، وكذلك مؤسسات ثقافية، ومراكز دعوية نسائية.
كثير من الدروس والعبر نتعلمها من مسيرة حافلة بالعطاء لداعية عاشت (88) عاماً، أمضت أكثرها في الدعوة إلى الله سبحانه، وصبرت على المحن التي تعرّضت لها، ولعل من أشدها بعد حادثة السجن، أن يجبروا زوجها على طلاقها، ويحضروا لها وثيقة الطلاق إلى السجن!
رحم الله الداعية المجاهدة زينب الغزالي، وغفر لها، وأسكنها الفردوس الأعلى، إنه ولي ذلك والقادر عليه سبحانه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــ(64/14)
الداعية منى صلاح: العمل الاجتماعي غائب عن خريطة الدعوة الإسلاميّة
حوار: ليلى بيومي 21/6/1426
27/07/2005
الصورة الرائجة للدعوة الإسلاميّة هي إما دعوة دينيّة البحتة أو دعوة دينيّة مقترنة بخطاب سياسي قد يقل فيكون مقبولاً أو يزيد فتختفي معه الدعوة الدينية أو تكاد؛ إذ يعتمد العمل السياسي على الإكثار من الكلام غير المقترن بالعمل، وفي مقابل هذه الصورة نجد الفاعليّة في الجمعيّات الإسلاميّة التي اختارت الدعوة الإسلاميّة المقترنة بالعمل الاجتماعي.
وفي هذه السطور نقدم نموذجاً حياً للفاعليّة الإسلاميّة التي اختارت العطاء في المجال الاجتماعي .. إنها الداعية المسلمة السيدة منى صلاح الدين الباحثة الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعيّة المصريّة.. فقد بدأت العمل حينما تفوّقت بل وبرعت في تجويد القرآن الكريم، ونالت عدة جوائز في هذا المجال فصارت تتردّد على عدة مساجد لتعليم الفتيات والسيدات أحكام التجويد .. ثم تطور الأمر فبدأت في توصيل المساعدات الاجتماعيّة إلى المحتاجين من الأيتام والمعوقين والفقراء.. حتى عرفها الأغنياء فوثقوا فيها، وأعطوها زكاة أموالهم وصدقاتهم لتوزيعها على المحتاجين.. فمع السيدة منى صلاح الدين كان لنا هذا الحوار ..
خدمة الإسلام بالأفعال
لماذا كان اختيارك لطريق العمل الدعوي المقترن بالعمل الاجتماعي؟
وجدت في نفسي منذ الصغر زهداً في الشهرة والكلام الكثير.. ووجدت نفسي مشدودة نحو العمل .. وخدمة الإسلام ليست بكثرة الكلام ولكن بالفعل الإيجابي، وتحبيب الناس البسطاء في الإسلام، وفي الالتزام بما فيه فالبسطاء يعانون من مشكلات كثيرة قد تزعزع إيمانهم بالله، وقد تجعلهم يستجيبون للمنصّرين، ويتركون الإسلام كلية كما يحدث في إندونيسيا وماليزيا ومجتمعنا العربي مليء بالأغنياء ولكن الصلة مقطوعة بين الطرفين لأسباب كثيرة، والمفترض أن تقوم مؤسسات المجتمع بهذا العمل التكافلي الكبير، ولكنها قاصرة عن هذا الدور لأسباب عدة، والعمل التطوعي الأهلي أكثر نجاحاً في هذا الخصوص، إن هناك مساحات غائبة عن خريطة الدعوة الإسلاميّة هذه الأيام، وأنا اخترت حيزاً بسيطاً لأعمل من خلاله .. وقد كان ذلك بفضل الله ثم بتوجيه من والدي وهو خبير في التربية والتعليم .. فقد كان له دائماً دور في تقويم منطلقاتي الفكرية وحمايتي من الشطط والدخول في خلافات فقهية، ولذا فإنني على محورين، المحور الأول إعطاء دروس التجويد وتعليم النساء كيفية ترتيل القرآن ونطقه صحيحاً بعد أن درسته في المعاهد المتخصصة .. فالكثيرون يعتقدون أنهم طالما يأخذون ثواباً على التعتعة فلا داعي للحرص على القراءة الصحيحة، رغم أن الله يأمرنا أن نرتل القرآن ترتيلاً؛ لأن ذلك يجعلنا أقدر على فهم آياته فهماً مستقيماً، أما الجانب العملي في الدعوة فهو أن كثيراً من الأثرياء والمقتدرين فيهم من الخير الكثير، ولكنهم لا يجدون من يستحث نوازع الخير في نفوسهم، كما أنهم لا يجتهدون في تتبع أحوال ونوعيات المحتاجين.. ومن خلال عملي كباحثة اجتماعية أحاول أن أجد طريقاً أوصل من خلاله القادر بالمحتاج؛ فكثير من التجمعات الفقيرة منفصلة تماماً عن التجمعات الغنية .. مع أن الطرفين في حاجة إلى بعضها؛ فالغني في حاجة إلى الفقير كي يطهر ماله ويمنحه الحق المعلوم الذي أوجبه الله تعالى للسائل والمحروم، والدور الذي أقوم به هو إيجاد قنوات الاتصال والتلاحم بين المجتمع المسلم عملاًً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "
من الفقراء إلى الأغنياء
ما هي المجهودات الاجتماعية التي تقومين بها؟
• في البداية ركزت عملي على الملاجئ ودور الأيتام، فأذهب إليهم لأتعرف على ما يحتاجونه من ملابس وأدوات وأجهزة – الخ، وأنتقل بين المصانع التي تنتج الأجهزة التعويضية للمعاقين، وكذلك مصانع الملابس، وأستحث فيهم جوانب الخير؛ فمنهم من يعطيني ومنهم من يردني، ولم أيأس وكنت أصبر وأعتمد على الله طالما أنني لا أريد شيئاً لنفسي؛ فأنا والحمد لله ميسورة الحال وحينما لا يطلب الإنسان شيئاً لنفسه، ويخلص لله ويمشي في قضاء حوائج الناس فإن الله يفتح له القلوب المغلقة، وشيئاً فشيئاً عرفني هؤلاء الناس ووثقوا فيَّ وأصبحوا يعطونني كل ما أطلبه منهم؛ لأنهم متأكدون أنه سيصل للمحتاجين ثم تطور الأمر بعد ذلك .. فمن خلال تردّدي على المساجد لإعطاء دروس التجويد تعرّفت على كثير من السيدات، ومنهم الكثير من الثريات اللاتي أحببن عمل الخير، ولما عرفنني وجدن فيّ ضالتهن وصرن يعطينني من أموالهنّ لأوزعها على الفقراء والمحتاجين .. وأصبح لديّ كشوف كاملة بها أسماء وعناوين وأرقام هواتف الأثرياء والفقراء فنأخذ من هذا لنغطي ذاك .. وهناك كثير من أهل الخير تخصصوا مثلاً في علاج المرضى الفقراء الذين لا يستطيعون تحمل نفقات العلاج وإجراء العمليات الجراحية ودوري أن استوثق عن مدى هذه الحاجة، ثم نوصل هذا الفقير المريض بأحد هؤلاء الكرام .. كما أصبحنا نعطي قروضاً للمحتاجين يسددونها وقتما تسمح لهم الظروف، ومن لا يستطع السداد نسقط عنه جزءاً من القرض، وأحياناً يطلب منا صيادلة طيبون تذاكر العلاج المرتفعة الثمن والتي لا يستطيع الفقراء شراؤها ويقومون بتوفير هذه الأدوية مجاناً.
التنصير والعمل الاجتماعي
هل استفدت شيئاً من أساليب المنصرات اللواتي يعملن في المجتمعات الفقيرة؟
الانتشار الكبير الذي حققته المنظمات التنصيرية المتعددة المذاهب على مستوى العالم وبالذات في البلاد النامية، كان دائماً مرتبطاً بإنشاء مؤسسات اجتماعية شاملة تقدم مجموعة واسعة ومتنوعة من الخدمات التعليمية والصحية والمادية للمحتاجين فالجامعات ومعاهد التعليم الكاثوليكية منتشرة من الفلبين إلى أمريكا الجنوبية، والمستشفيات البروتستانتية موجودة في بلدان إفريقية الوسطى والجنوبية، وكذلك معاهد تخريج الحرفيين وعيادات رعاية الأمومة وورش صناعة الأطراف التعويضية والمصانع الزراعية كل هذه المنشآت من الأساليب التي تتبعها الكنائس الغربية والشرقية في العديد من البلدان النامية، ويستخدم المنصرون المرأة في تقديم الخدمات العلاجية والاجتماعية للنساء الفقيرات في هذه البلدان، وقد نتج عن هذا الأسلوب نجاح كبير في نشر دعوة وأفكار وعقيدة التنصير، ومن هنا أدركت أنني لابد أن أستفيد من التجربة ، وأدركت أيضاً أهمية العمل الاجتماعي في الدعوة.
المرأة تحتاج إلى تشجيع
تشتهر المرأة الغربية بتميزها في مجال العمل التطوعي والاجتماعي. هل تعتقدين أن المرأة العربية تقل عن نساء الغرب في هذا الشأن؟
يجب أن نقرر أولاً أن الظروف هي التي توجد العمل النسائي التطوعي تشجعه .. ثم تتراكم بعد ذلك الخبرة .. وهناك تجارب عملية للعديد من الجمعيات النسائية العربية على مستوى بعض البلدان، ولها خبرات تاريخية في هذه البلاد مثل: فلسطين ولبنان والكويت والسودان، والنساء في هذه البلدان ينطلقن من مبدأ عقائدي في الأساس، ثم من خلال المحن العامة تتبلور أدوارهن في العمل الاجتماعي والخدمة الطبية؛ فالمحن والكوارث تعمل على إيجاد مجموعات ميدانية مدربة بين هذه الجمعيات على مستوى كافة البلدان العربية والإسلاميّة.
أننا لا نقل بدرجة أو أخرى عن الجمعيات التطوعيّة الأوروبيّة، ولكن المرأة عندنا تحتاج إلى بعض الجرأة والثقة بالنفس، والتشجيع من المجتمع والاعتراف بنشاطها ثم تدريبها.
ما هي السلبية الرئيسة التي تعتقدين أنها سائدة في مجال الدعوة الإسلاميّة؟
العمل الدعوي كلما اعتمد على مفاهيم لفظية فقط فإنه يفقد فاعليته ومستقبله ويصبح كلاماً في كلام؛ فالمسلم البسيط مطحون في مشكلاته اليومية، ودخله لا يكاد يكفي مصروفات التعليم والعلاج والملبس والمسكن، وهو في هذه الحالة غير مؤهل لاستقبال الرسالة الدعوية الكلامية، أما إذا وصلنا إليه وقدّمنا له خدمة تخفّف من مشكلاته كأن نعالجه ونعالج أبناءه أو نقدم له مصروفات التعليم أو جزءاً منها ساعتها سيشعر بدفء اليد التي تمتد إليه، وستزيد ثقته في دينه حينما يرى أن الذين يمدون له يد المساعدة إخوة له في الدين.
لكننا نلاحظ أن العكس هو الذي يحدث في هذه الأيام؛ فكثير ممن يتصدون للدعوة يخاطبون الناس بأسلوب متشدد، ويصعّبون عليهم أمر هذا الدين السهل البسيط بل قد يفسقونهم ويكفرونهم، وهكذا أصبحوا عبئاً على الدولة بدلاً من أن يصبحوا خدماً لها. إن كثيراً من هؤلاء يخاطبون الناس بحدة وعنف وتختفي معهم المودة والكلمة الطيبة، أما العطف على الصغير ومد يد المساعدة للكبير والانخراط في همومه ودعوته بالحسنى وتقديم النموذج العملي للدعوة .. كل ذلك غائب عن خريطة اهتمام الكثيرين؛ فالكلام والسهر على حل مشكلاتهم أمر صعب .. والله سبحانه وتعالى لا يوفق إلى هذا الأمر إلا المخلصين من عباده.
من خلال خبرتك العملية .. ماذا تتمنين لمستقبل العمل الإسلامي الاجتماعي التطوعي؟
• أتمنى الكثير .. أريد أن أرى مؤسسات أهلية كبيرة، كل منها يخدم منطقته فيجب أن نرى في كل حي مؤسسة اجتماعية يشرف عليها أناس على تقوى وإخلاص ويثق فيهم الناس .. ثم يكون لديهم إلمام كامل بأحوال الفقراء في مناطقهم .. ثم يتصلون بالأغنياء فيقدمون العلاج للمريض والراتب الشهري للمحتاج حتى تزول حاجته، ويتكفلون باليتيم حتى ينهي تعليمه أو يتعلم صنعة ويصبح قادراً على الكسب. لو أن في كل حي مجموعة متخصصة على هذا النحو فسوف تكون النتيجة مبهرة، فما بالنا لو قامت الدولة نفسها بجمع الزكاة، وأنشأت لذلك وزارة مستقلة لرعاية هذه الفئات المحتاجة لو تحقق ذلك لاختفت مشكلة الفقر من مجتمعاتنا الإسلاميّة أو على أقل تقدير لأمكننا التخفيف منها إلى أبعد حد.
ـــــــــــــــــــ(64/15)
لؤلؤة المجتمع
زينب نور 9/2/1426
19/03/2005
إنها فتاة في سن الزهور، ولكنها ليست ككل الفتيات من بنات جنسها ... أحلامها أمنياتها طموحاتها اهتماماتها مختلفة تماماً عن اهتمام الفتيات في هذا الزمان؛ تؤمن بأهمية دورها كامرأة في المجتمع، تمضي حاملة على عاتقها حمل همّ الدعوة إلى الله، متميّزة في تفكيرها ونظرتها لشتى القضايا، بداخلها همّة وطموح يناطح السحاب، إنها صورة مشرقة للفتاة الداعية الملتزمة المحبة للدين في زمن ضاعت فيه تلك الصور، قيمها أصيلة، مبادئها عظيمة .. تحترق شوقاً لخدمة دينها بكل ما تملك من طاقات .. عقل مفكّر وذهن واعٍ مثقف .. تمضي في طريقها حاملة بذور الخير والعطاء بداخلها، تبحث عن أرض خصبة تزرع فيها كل ما تملك من بذور الخير، شعارها العطاء ثم العطاء، وكلما سمعت عن مجال خير طارت سعادة وساهمت فيه، تعطي بحب دون كلل ولا ملل .. تعتزّ وتفخر بهويّتها كمسلمة .. في زمن فقدت فيه بنات جنسها الإحساس بقيمة الدين وعظمته .. فيا فقر الأمة للؤلؤة مثلها!! ولكنها للأسف أسيرة في مجتمع غفل أو تغافل عنها، أمامها المعوقات الكثيرة، وتعاني من إهمال أسري واجتماعي؛ فهي وحيدة غريبة بين أسرة لا تقدرها، ولا تعترف بذاتها بل تعتبر كل ما تقدمه ترّهات لا قيمة لها .. هي غريبة .. عن الفتيات اللاتي في مثل عمرها: منهجها وتفكيرها وتوجّهاتها مختلفة تماماً عن توجّهاتهن.
صحيح أن هذا الصنف من الفتيات قليل في المجتمع ولكنه موجود.. فأين أصحاب الفكر والدين والعلم والعقول عنها؟ وأين وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة عن قضاياها؟ لماذا لا يُنمّى حبّ الخير الذي بداخلها بكلمات تشجيعيّة تحفزها للتقدم والرقي؟ لماذا لا تُخصّص الأشرطة للحديث عن همتها وطموحها لتكون قدوة لغيرها؟ لماذا هي مهملة منسية، لا قيمة لها في المجتمع؟ أما آن لكل صاحب قلم أن يذكر الصور المشرقة والإيجابية في حياة الفتيات؟ أين العقول الواعية التي تزيد من همّتها، هل ستظل أسيرة أحلامها، هل ستظل تعيش على هامش المجتمع..
ألن يأتي اليوم الذي تبرز فيه طاقاتها وإبداعها وعطاءها؟ ألن يأتي اليوم الذي يُسمع فيه صوتها.. وتظهر للمجتمع بتميزها ورونقها ؟!
أتمنى أن تصل كلماتي لكل عاقل محب للخير، وينظر إلى قضيتها نظرة جادّة.. ولا تذهب كلماتي أدراج الرياح .
ـــــــــــــــــــ(64/16)
د. آمنة: أحوال المرأة تسوء رغم المؤتمرات!
د. ليلى بيومي 29/1/1426
10/03/2005
تعاني الساحة الإسلامية من نقص في الكوادر النسائية .. فقليلات هن النساء العالمات الداعيات ذوات الباع الطويل في علوم الشريعة.
ود. آمنة نصير أستاذ الفلسفة الإسلامية والعقيدة وعميدة كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، واحدة من هذه القلة الواعية المثقفة ... فحول الكثير من القضايا النسائية والقضايا العامة كان لنا معها هذا الحوار.
ما هو تعليقك عن التقرير الدولي الصادر مؤخراً عن أوضاع المرأة في العالم والذي أكد أن أحوال النساء ساءت أكثر منذ مؤتمر بكين؟
لعلك تقصدين الاجتماع الذي عقد في الأمم المتحدة بقصد تقييم مدى تحسن أوضاع المرأة في مجالات مثل التنمية الاقتصادية وإنهاء التمييز وفقاً للجنس منذ مؤتمر بكين ومؤتمر متابعة عقد بعده بخمس سنوات.
هذا المؤتمر أكد أن الأحوال المعيشية لكثير من النساء في العالم أصبحت أكثر قسوة خلال السنوات العشر الماضية منذ وافق مؤتمر الأمم المتحدة للمرأة والسكان الذي عقد في بكين على العمل من أجل المساواة والتنمية الاقتصادية.
وأنحى التقرير باللائمة على الحكومات بسبب تقاعسها عن الوفاء بتعهدات لتحسين ظروف النساء تضمنتها الوثيقة النهائية لمؤتمر بكين.
إن ما يحدث ببساطة هو حرب إعلامية وحرب أفكار لفرض سياسات العولمة الاجتماعية وتصوراتها الثقافية. فهناك نساء كثيرات في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية في حاجة لإنفاق آلاف الملايين من الدولارات عليهن لتعليمهن وعلاجهن وتحسين ظروف حياتهن، لكن الذي يحدث في المؤتمرات هو فرض رؤية الغرب والولايات المتحدة، وليس تنفيذ برامج واقعية والارتقاء فعلاً بالمرأة. إن أمريكا والغرب يخوضون المعركة على المستوى الثقافي والفكري، ولكنهم يتنصلون من المسؤولية إذا كانت ستحملهم أعباء مالية ويحملونها للدول الفقيرة.
ما هي في رأيك أسباب الهجوم الغربي على الإسلام؟.
الحرب ضد الإسلام قضية قديمة حديثة وتأخذ ألواناً وأشكالاً على ضوء ظروف العصر، فمنذ أن ظهر الإسلام وبدأ الصراع في هذه المناطق رغم أن الإسلام بدأ بالرسل والمكاتبات والكلمات الجميلة تعالوا إلى كلمة سواء وهي ألا نعبد إلاالله، ولم يقل الإسلام تعالوا نأخذ أموالكم أو نستولي على أرضكم وإنما كان رصيد الإسلام في كلمة تعالوا إلى كلمة سواء ألا نعبد إلا الله، فكل أمرها محصور فى الدعوة إلى الله، أما الحرب ضد الإسلام والمسلمين فهى حرب استعباد فهم يريدون أن يستعبدوا الأرض ومن عليها يستعبدوا البشر ومقدراتهم ومستقبلهم والدليل نراه في العراق وما يحدث من نهب ثروات دولة، فهناك تدليس وخلط في المفاهيم الثقافية وللأسف نحن تجاوبنا معهم لأننا ضعفاء فأصبحنا نقول سمعاً وطاعة لكل ما يصدر لنا. قالوا لنا إن العولمة ارتقاء بالبشرية وضحكوا علينا بها مع أن الهدف هو استلاب ثقافتنا العربية والإسلامية.
إن أي عقيدة سواء كانت مسيحية أو يهودية أو بوذية أو كونفوشيوسية لا يناصبها الغرب العداء لأنه يرى أن لها حدوداً وإنما هم يركزون على الإسلام، وهذا أعتبره من عظمة الإسلام لأنهم يدركون أنه دين ليس بالأمر السهل لأنه دين سماوي وتقود هذا العداء الصهيونية العالمية لأن اليهود يدركون تماماً أن الإسلام دين سماوي ديناميكي بعض الناس يعتقدون أن هذه سُبة لا تصح وأنا أقول إنه دين متحرك وفي باطنه بناء حيوي للإنسانية حتى وإن كنا نحن كمسلمين لا نعلو إلى هذا المستوى من الديناميكية الإسلامية فالغرب عرف الإسلام أكثر مما تخلقنا به نحن وتمسكنا، هم يخشونه على أنفسهم والدليل على ذلك أن الإسلام أصبح في فرنسا الدين الثاني. هذا يحدث في أوروبا التي حاربتنا أربعمائة عام في الحروب الصليبية وصارعتنا بالإرساليات التنصيرية والاستشراق والتغريب فهذه كلها محطات صراع مع الغرب ومع هذا نجد ثمرة ومحصلة هذه الكراهية، أن الإسلام أقوى الأديان بعد المسيحية في الغرب ولهذا هم يكرهون الإسلام والمسلمين وجعلوا منه العدو البديل بعد سقوط الشيوعية وأسموه بالعدو الأخضر.
معوقات اجتماعية
الغرب والعلمانيون يتحدثون دائماً عن قضية المرأة، ويستخدمونها للهجوم على الإسلام... كيف تنظرين إلى هذه القضية؟
أمام عنف الهجمة وإرهابها تقف المرأة المسلمة اليوم ... تقف لتبدأ تاريخاً جديداً، بمرحلة جديدة تماماً، فقد تقدمت مجتمعاتنا مدنياً إلى درجة لا بأس بها، ونشأت ظروف جديدة حول المرأة، وأصبح واضحاً في مجتمعاتنا ما كان مقصوداً من قضية المرأة، وبروزها بعنف كجزء من الهجمة الغربية، لقد خرجت المرأة إلى المدارس، وأتيح لها من فرص العمل الكثير، فلماذا يصحب ذلك العري وانهيار القيم، وضياع الحس الإسلامي، والأصالة المجتمعية التي دامت أربعة عشر قرناً؟!
لم تعد قضية الزي هي الإشكال، فنحن نعود لأصالتنا التاريخية، وإلى حجابنا الإسلامي، بدون أن يعطل ذلك فينا أي شيء، بل إنه يضيف إلينا الكرامة الإنسانية، والأنوثة الحقيقية وستنتهي (بدون شك) تلك الأساطير المقامة حول أوثان دور الأزياء الحديثة، لتبقى العبودية لله وحده.
ولم تعد قضية التعليم هي الإشكال، فنحن نذهب إلى المدارس، والجامعات بوعي عميق بكل ما هو غير إسلامي، من أساليب، ومناهج تعليمية، ونحن في معاهدنا لا نقف موقف المتلقي العاجز، وإنما موقف الناقد البصير. انتهت تلك الإشكالية المضحكة عن مساواة المرأة للرجل، فلكل مجاله، وتخصصه، وإمكانياته، والإسلام وحده هو الذي يقدم الفرصة المناسبة المتكافئة لكل منهم، ونحن اليوم نختار مجال العمل المقبول إسلامياً، الذي يشبع رغباتنا الإسلامية في إثبات الذات، والذي يخدم مستقبل حركتنا الإسلامية.
هموم الأمة
كيف ترين هموم ومشاكل العالم الإسلامي ؟
لابد أن ندرس التاريخ وخاصة تاريخ بني إسرائيل بالذات من عهد موسى عليه السلام حتى عهد يشوع بن نون إلى عهد رسول الله محمد إلى عهد مناحم بيجن ورابين ونتنياهو وشارون.. لابد أن ندرس هذا التاريخ ونتأمله سياسياً وسيكولوجياً واجتماعياً؟. وألا نكون سذجاً .. فإن كثيراً من العرب تصوروا أن العرب واليهود أبناء عمومة وسيأتي اليوم الذي ستنمى فيه المنطقة اقتصادياً وتقوم فيها المشاركة والنسب .. وأنا أقول هيهات هيهات .. فلو كان ذلك حقاً لنجح فيه رسول الله قبلنا .. فاليهود كما هم اليهود الذين كان يناديهم المسيح "يا الأولاد الأفاعي".
كما أنني أتأسف لأن العالم الإسلامي لم يستطع أن يجعل من صلة العقيدة وشيجة للقربى وتذويب الفوراق والاختلافا
ـــــــــــــــــــ(64/17)
المذيعة كامليا العربي..قصة نجاح وهداية
ليلى بيومي 10/1/1426
19/02/2005
تصاعدت ظاهرة الحجاب في الوطن العربي في العقود الأخيرة ويمكن إرجاع ذلك إلى كثير من العوامل الثقافية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية.
وعلى الرغم من تعدد أنماط الحجاب، من الحجاب الأنيق عند نساء الطبقات الميسورة والوسطى أو الحجاب المعتاد «غطاء الرأس الذي يخفي الشعر» عند الطبقات الشعبية أو على الصورة التي عرفت بالخمار أو بالأخرى التي عرفت بالنقاب إلا أنه يشير إلى تأثر نسبة كبيرة من النساء بالمناخ الذي أصبح سائداً وهو ما أسماه البعض بحالة الأسلمة.
وبصرف النظر عن أسباب سيادة هذا المناخ سواء كانت في نفاذ دعاية التيار الإسلامي أو في مزايدة البعض في سباق الهوية الإسلامية أو في الفراغ الناجم عن سقوط المشروع القومي بطموحاته العلمانية الكبرى، أو في اللجوء إلى شكل من أشكال التحصن بالذات في مواجهة التغيرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي تدور حولهن بسرعة رهيبة، إلا أنه أصبح سائداً وفقاً لإجماع كثير من المحللين وفي كل الأحوال يمكن أن نتوقع في هذا المناخ زيادة اتجاه من لديهن الاستعداد للانخراط في العمل الأهلي ـ وخاصة من الطبقات الميسورة ـ إلى الجمعيات الإسلامية.
هذا المناخ كان مناسباً لانتشار ما سمي بتوبة الفنانات أو حجاب الفنانات، وتوجد نماذج كثيرة من هؤلاء الفنانات قد تفرغن بعد اعتزال العمل الفني إلى إنشاء جمعيات أهلية نسائية إسلامية أو التحقن بجمعيات موجودة فقدمن لها الدعم المالي والأدبي والإعلامي، ومن الأمثلة على هذا النشاط دار الرعاية للأيتام في المعادي والذي تعمل فيه السيدة كاميليا العربي المذيعة السابقة بالتليفزيون المصري، وتعتبر كاميليا العربي من أوائل العاملين في حقل الإعلام اللاتي اعتنقن هذا الاتجاه وقد رفض المسئولون بالتيلفزيون ظهورها على المشاهدين في زي الحجاب الشئ الذي أدى بها إلى تقديم استقالتها، وهي تقول إنها بعد استقالتها كان لها نشاط كبير خارج المنزل في المساجد حتى هداها الله إلى دار رعاية الأيتام الإسلامية، وأصبحت لأيتام الدار بمثابة الأم.
قصة هداية
تقول كاميليا العربي إنها عاشت منذ صغرها تحلم بالعمل كمذيعة للتليفزيون.. وعندما تحقق الحلم اختارت برامج الأطفال.. وتصورت أنها أسعد إنسانة في العالم.. تقول إنني كنت أشعر دائماً أن هناك شيئاً في صدري وعندما اعتزلت زوجة شقيقي هناء ثروت الفن وارتدت الحجاب تأثرت كثيراً ولكن الشيطان اللعين ظل يطاردني وأبعدت فكرة الحجاب وفي أول أيام شهر رمضان الكريم ذهبت إلى الكوافير كعادتي واتفقت معه على اختيار التسريحة والمكياج المناسبين ثم عدت إلى منزلي وفتحت الدولاب لاختيار الملابس وفجأة شعرت بحالة من الضيق والأرق فتوضأت وصليت ركعتين وأنا أدعو الله عز وجل وجدت نفسي أبكي بشدة ثم نظرت لنفسي في المرآة وبكيت كما لم أبك من قبل وأمسكت بكتاب الله وقرأت سورة النور وارتديت الزي الإسلامي ولا تتصوري مدى السعادة التي قابلتني بها الأسرة بعد ارتدائي الخمار وفي اليوم التالي ذهبت إلى مبنى التليفزيون وللأسف وجدت المسؤولين يمنعونني من الظهور في البرامج وحاولت إقناع رئيس التليفزيون في ذلك الوقت أن الحجاب لن يؤثر على تقديمي للبرامج وخاصة أنني أعددت أفكاراً لتنفيذ برامج دينية للأطفال وما إن أعلنت موقفي حتى أُعلنت الحرب عليّ حيث وجدت مذيعات التليفزيون يسخرن مني كما رددن بعض الألفاظ الجارحة ولكني لم أستمع لأحد ولم يكن أمامي سوى تقديم استقالتي.
وحاولت كثيراً العودة لبرامج التليفزيون مرة أخرى وفي كل مرة يقولون اخلعي الحجاب حتى تستطيعي تقديم البرامج التي تحلمين بها ولكنني رفضت بشدة وقلت لهم اتقوا الله في أنفسكم لا أريد التليفزيون.
جمعية أحباب الله
تقول كاميليا العربي عن جمعية عباد الرحمن التي أنشأتها في ضاحية المعاي بأنها جمعية علم وعمل .. رحمة وتراحم .. عطاء وفداء .. سألنا الله العون فكان لنا خير معين .. وكان لنا السلوى من آلام السنين .. جمعية أحباب الله " نور على نور" شعارنا فيها من هنا نبدأ وفي الجنة نلتقي بإذن الله .
وتتنوع أنشطة الجمعية حتى تشمل كل أنواع الخير والبر من كفالة اليتيم وتقديم المساعدات المالية والعينية للفقراء لأكثر من 1500 أسرة، بالإضافة إلى المساعدات الموسمية والشهرية ، وتسهيل عملية الحج والعمرة لغير القادرين وتقديم المساعدات المالية لطلبة وطالبات المدارس والجامعات الغير قادرين ورعاية المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة ، مساعدة الأرامل وتحفيظ القرآن وإقامة الندوات الثقافية والدينية هذا بالإضافة إلى الكثير والكثير، فهيا بنا نقلب الصفحات عبر ما حققته جمعيتنا.
وتدخل ضمن الجمعية دار أحباب الله وهي تضم أكثر من 300 طفل يتيم يتوفر لذلك الطفل كل مقومات الحياة ليعيش كطفل طبيعي يخرج غداً للمجتمع سوي يعطي أكثر مما يأخذ ولقد وفرت الجمعية كلاً من المسكن والمأكل والمشرب والمدارس الرفيعة المستوى التى ألحقت بهم أطفالها . كما تنظم الجمعية رحلات ترفيهية . هذا وقد أمنت الجمعية مستقبل هؤلاء الأطفال ففتحت لكل طفل دفتر توفير بنكي، حتى إذا ما شب الطفل وجد ما يعينه على مواجهة الحياة بل تقف الجمعية بجانب أولادها بتوفير مسكن لكل منهم لتكون بيت الزوجية المقبل.
ويدخل ضمن الجمعية بيت الحب الأصيل وهو أول بيت يضم كبار السن من النساء فقط حيث المكان معد خصيصاً" لاستقبال جميع الحالات لأمهاتنا وجداتنا حيث يجدن الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية. المكان يعتبر فندق خمس نجوم الخدمة متميزة والغرف مجهزة بحيث تنقسم إلى ثلاث أقسام فهناك الغرف الفردية والمزدوجة والثلاثية، والإقامة بالبيت بالوجبات الثلاثة ،
كما يقدم البيت للنزيلات المسابقات والرحلات والندوات الثقافية والدينية وحفلات السمر كما زود المكان بالعيادات المختلفة لخدمة أمهاتنا كما أنه يوجد أيضاً مركز صحي يضم الجيمانزيوم والأيروبكس والطب الطبيعي.
ويوجد أيضاً مركز أحباب الله الطبي التخصصي ويضم المركز جميع التخصصات ويشرف عليه أطباء على أعلى مستوى ، وبالمركز عيادات الباطنة والأطفال والرمد إلى جانب الأسنان والنساء والتوليد أما الاستقبال فهو يعمل طوال الأربع والعشرين ساعة فى استقبال جميع الحالات السريعة والحرجة كما يوجد في نفس المكان صيدلية تعمل على راحة أهالي المنطقة والنزيلات الكريمات لتوفير العلاج المناسب في الوقت المناسب وبالسعر المناسب لجميع الحالات.
من الصفر للمليون جنيه
بدأت تجربة كاميليا العربي بكفالة 5 أيتام في حجرة صغيرة، وتقول كاميليا: في هذا الموضوع قصة غريبة؛ إذ خرجت مع أحد السماسرة للبحث عن الحجرة؛ حيث الأسعار المرتفعة في حي المعادي بمصر، وفي أثناء البحث يقول لها السمسار على سبيل الدعابة: هذه فيلا تباع بمليون جنيه، هل تستطيعين شراءها؟! فأجابته: ولكن المشاهدة مجاناً. وأخذت تتجول في الفيلا وترسم بها أحلامها، وقابلت مالك الفيلا وتحدثت معه، وسألته عن الثمن، وقال لها: مليون جنيه، فقالت له: وإن كانت لأيتام؟ فأجاب: أيضاً بمليون جنيه.
وتقول كاميليا: عند خروجي من الفيلا أحسست أنني سأشتريها، فأقسمت له إنني سأشتريها، فقال لي مالكها: "ما دام لديك هذا الإصرار، فأنا موافق، وسأتبرع لكي بـ 100 ألف جنيه سواء اشتريتها أم لا، ولكننا سنكتب عقداً لتدفعي مبلغاً، وفي خلال شهر تكملين المليون جنيه".
وتقول: "طرقت كل الأبواب وسافرت المحافظات، وجمعت المليون جنيه في شهر وثلاثة أيام، كنت أحلم بثلاثة أطفال، ورزقني الله بـ 300 طفل" .
أسابيع وكانت المعجزة والبداية الضخمة لهذا العمل الضخم؛ فإشهار جمعية ليس بالعمل السهل -كما قالت- ولم تنكر السيدة كاميليا أن عملها السابق بالتلفزيون وتاريخ أسرتها ساعدها في هذا الجهاد الكبير، وتقول: "إن مصر بلد به كثير جداً من أهل الخير الذين ساعدوها حتى أكملت هذا العمل العظيم".
تشجيع أهل الخير
وتقول كاميليا العربي إن تمويل الدار يتطلب مبلغاً ضخماً شهرياً؛ حيث يصل عدد الأطفال إلى 300 طفل، وهناك (300) عامل، وهو ما يستدعي توفير تكاليف الطعام والشراب والملابس والدراسة للأطفال، بالإضافة إلى المرتبات للعاملين.
وهذا كله يعود تحملُّه على أهل الخير؛ ففي البداية كنا نعتمد عليهم اعتماداً كلياً، ولكن بعد مرور سنتين من إنشاء الدار كانت هناك ضرورة لإنشاء الحضانة، ثم إنشاء المدرسة، ثم أنشأنا مشغلاً لملابس الأطفال والمدرسات والعاملات وبيعها خارج الدار؛ وذلك حتى نساهم في تمويلنا الذاتي، ولكن هذا لم يكفِ، ففكرت في إنشاء دار للمسنين، وبالفعل تم ذلك، ولكنها أيضاً لا تكفي؛ فهناك أشخاص بها غير قادرين على تحمل المصروفات، ولكننا نحاول أن نساعد في تمويلنا إلى جانب أهل الخير، وهم جميعًا من المصريين.
وتضيف أن هناك نظاماً لكفالة الطفل، وهو حوالي 250 جنيهاً شهرياً، وهناك نظام للمساعدة في الكفالة بأي مبلغ، وتؤكد أن هذا كله ساعدها على السيطرة على هذا العدد الهائل داخل الدار، بالإضافة لما تتحمله الدار من كفالة بعض الأسرة الخارجية، وتقوم بدفع مصروفات الأطفال غير القادرين في المدارس وملابس الفتيات الجامعيات وشراء الكتب لهن، وشراء الأدوية، وخروج الإعانات العينية من مواد غذائية وملابس لغير المحتاجين، والمساعدة في العمليات، فهناك مستشفى تابع للجمعية.
ـــــــــــــــــــ(64/18)
أيّتها الداعِية.. منزلك يُناديك!
منال الدغيم 27/12/1425
07/02/2005
صورة..
أختنا "سميرة" داعية قديرة، فهي في الصباح معلمة مخلصة متقنة، تلقي الدروس مطعّمة بثقافة واسعة ونصح مُشفِق، ولها أنشطة شائقة في المصلّى طوال اليوم، ثم تفتح قلبها في آخر الدوام لكل طالبة يقضّ مضجعها هم أو تشغل بالها مشكلة؛ فخير الناس أنفعهم للناس.
ومنذ أول العصر، تخرج "سميرة" إلى الدار القريبة، تعلّم القرآن والتجويد والفقه، وتقيم المسابقات والبرامج، ولحديثها قبول في نفوس الكثير من مرتادات الدار؛ وخيركم من تعلم القرآن وعلمه.
وبعد العشاء، تحرص سميرة على حضور المحاضرات للداعيات مهما بعدت عليها المسافة؛ فالنفس بحاجة إلى الموعظة والتذكير والتربية، والغفلة عن مجالس الذكر سبب لقسوة القلب وإدبار الهمة!
وماذا بعد؟
هل ترون أختنا "سميرة"، نموذجاً صالحاً للمرأة المسلمة، التي تُعقد عليها الآمال في بناء الأمة وتربية الأجيال، والوقوف بشموخ في قمة الأمجاد؟
وهل ترون أن جهودها ستسفر عن أبناء صالحين ومنزل قائم على طاعة الله، وزوج راضٍ يحمد الله أنْ وفّقه لزوجة متفانية من أجل الدعوة وطلب العلم ونفع الناس؟
حقا إنّ التعليم والدعوة، وثني الركب في مجالس العلم والذكر مكانة سامية، ولكن "سميرة" ستدرك بعد مدة – طالت أم قصرت – كم كانت مفرطة مخطئة في صنيعها هذا.
حقيقة المبادئ!
هل نعلم حقاً، حقيقة المبادئ التي نتشرف بالانتماء إليها والدعوة لها والعمل بها؟
إن مبادئ الإسلام كل لا يتجزأ، وحين نتحدث عن فضل العلم والدعوة والتعليم ومجالس الذكر، يجب ألاّ نغفل عن أهمية القرار في البيت والقيام بشؤونه وتربية النشء والقيام بحقوق الزوج، فالمرأة راعية في بيتها مسؤولة عن رعيّتها.
ولتعلم المرأة، أن حسن تبعّلها لزوجها وتربية أبنائها يعدل الجهاد في سبيل الله، والمنزل أكرم وأجلّ وأعزّ مكانة للمرأة، وهو ميدان إصلاحها الحقيقي، وساحة جهادها للعمل والإنتاج الفعّال.
وعلى العاقلة أن توازن، بين خروجها المتكرر للمنزل بحجة العلم والدعوة، ما لهذا من إيجابيات وما عليها من سلبيات نتيجة الانشغال عن البيت والصغار، وأي أثر رائع سيضفيه وجودها في المنزل، راحة وهدوءاً وسعادة، وتربية للأطفال وإصلاح لهم، والقيام بحقوق الزوج العظيمة.
فمنزلك بحاجة لك أيتها الداعية القديرة، صغارك بحاجة إلى نسمات الحنان والدفء والعناية، والتوجيه والنصيحة، وهم أولى الناس بجهدك وعلمك ووقتك، وزوجك بحاجة إلى اهتمامك ورعايتك لشؤونه، والمنزل بحاجة إلى إشرافك على أقل تقدير ولمساتك الصادقة الجميلة!
لا نقول دعيهن!
حقاً إن بنات جنسك بحاجة ماسّة إلى كل معلمة ناصحة وداعية مشفقة، والحال في المجتمع لا يسر فعلاً، والناس متلهّفون للمزيد من جهود الإصلاح والنصيحة.
لكن ما ننبّه له هو الآثار السلبية المترتبة على تركك لواجبك الأَوْلى، وكيف أن الخروج الطويل المتكرّر عن المنزل إهمال للرعية ومخالفة صريحة لمبدأ القرار الفاضل، وهذا ما تعلمين – بعلمك ودعوتك – أن الإسلام الذي نحتجّ به حين خروجنا للتعليم والدعوة يرفضه وينهى عنه، ولا يمكن لعاقل أن يُفني وقته في أمور تدور بين المُباح والمندوب وفروض الكفاية، حتى يصل إلى المحظور في إهماله للواجب المؤكد المطلوب.
وربما خُشِي على تلك الأخت، التي تدع بيتها وصغارها وتضيع حق زوجها، وربما تفرّط كذلك في حقوق واجبة كصلة للأرحام والجيران، من أجل الدعوة والعلم، ربما خُشِي عليها من حظوظ للنفس تدفعها إلى اتباع الهوى ونبذ المسؤوليات.. فتفكري!
داعية نافعة في المنزل..
وحين تكتفي عالية الهمة بخروج معقول كمرة أو مرتين في الأسبوع، فإنها تبادر إلى النفع والعطاء طوال الأيام وفي كل وقت وحين، فيمكن أن تقيم حلقة قرآن في منزلها لصغارها، تعلمهم وتربّيهم وتصلحهم، كما كانت نساء السلف الصالح في بيوتهن. فهل فكّرت يوماً أن يختم صغارك القرآن حفظاً وتفسيراً وعملاً؟!
كما يمكن أن تنفع بما وهبها الله من القلم فصيح البيان قويّ الحجة، فتساهم به في الصحف والمجلات ووسائل الإعلام، إحقاقاً للحق وإزهاقا للباطل، فتبني بذلك المجتمع بيد دون أن تهدم بيتها بالأخرى.
ويمكن أيضاً أن تربّي نفسها بالاستماع إلى الأشرطة العلمية، أو قراءة الكتب النافعة، وإعداد المسابقات والبرامج الشائقة للعائلة، وأفكار أخرى كثيرة لمن ترغب في النفع حقاً وتفكر بهمة وحماس، وتتمسك بمبادئ الفضيلة والقرار قبل كل شيء
كلمات.. جميلة..
ونختم بكلمات جميلة للأخت زبيدة الأنصاري، في كتابها "نسمات ونبضات"، علاقة المسلمة ببيتها وأطفالها:
البيت هو الأصل في حياة المسلمة.. هو المقر.. ما عداه استثناء طارئ.. لا تثقل فيه ولا تستقر.. إنما هي الحاجة تُقضى وبقدرها.. بيتها هو المكان الذي تجد فيه نفسها على حقيقتها.. كما أرادها الله تعالى.. غير مشوّهة ولا منحرفة، ولا مكدودة في غير وظيفتها التي هيّأها الله –تعالى- لها بالفطرة، فيتاح لها من الوقت والجهد وهدوء البال ما تشرف به على فراخها الزغب، وما تهيّئ به لمقرها وبيتها نظامه وعطره وبشاشته، إنها تدرك أن الأم المكدودة بالخروج عن المنزل المرهقة بمقتضياته المقيّدة بمواعيده، المستغرقة الطاقة فيه، لا يمكن أن تهب للبيت جوّه وعطره، ولا يمكن أن تهب الطفولة النابتة فيه حقها ورعايتها... إنها لن تنشر في البيت إلا شدّ الأعصاب والإرهاق والضنك
ـــــــــــــــــــ(64/19)
كريمان حمزة : عمل المرأة المحجبة صراع مرير
حوار: ليلى بيومي وطه عبد الرحمن 15/12/1425
26/01/2005
الإعلامية المسلمة كريمان حمزة وجه محبوب في الإعلام العربي لخبرتها الطويلة التي تزيد عن الثلاثين عاماً، ولتميّزها والتزامها الإسلامي، وهي واحدة من المذيعات اللواتي يتمتعن بثقافة في تقديمها للبرامج الدينية. وهي ترى في عملها هذا دعوة إلى الله.
والمذيعة كريمان من مواليد 8 فبراير 1942، وحاصلة على ليسانس آداب قسم الصحافة كما حصلت على تمهيدي ماجستير.
ومنذ تخرجها في كلية الآداب، وهي تعمل بالدعوة الإسلامية، سواء في التلفاز أو الصحافة أو في مجالات تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات والمشاركة في الندوات، ولها عدة مؤلفات أبرزها "رحلتي من السفور إلى الحجاب"، والذي عبّرت فيه عن تجربتها ومرحلة التزامها بالحجاب.
وفي حوارها تتحدث كريمان حمزة عن قضايا إعلامية ذات صبغة إسلامية جاءت في الحديث التالي:
تدني حريّة الإعلام المحلّي
هل القنوات الفضائية في رأيك أثرت على جمهور القنوات المحلية العربية؟
القنوات الفضائية أكلت الإعلام المحلي، وسحبت السّجادة من تحته وسبب التفوق هو تدني مساحة الحرية في الإعلام المحلي. كذلك هناك حجر على الآراء الحرة وتحجيم للشخصيات.. إلى جانب أن هناك شخصيات معينة، وهي التي تظهر دائمًا، ولابد أن يكون مرضياً عنها.. ناهيك عن الرقابة الأمنيّة.. فالقنوات المحلية في رأيي ميتة.
لماذا اختارت كريمان حمزة العمل بالتلفاز في البرامج الدينية؟ وما هي نقطة البداية؟
نقطة البداية ذكرتها في كتابي: رحلتي من السفور إلى الحجاب. أنا عشقت القرآن الكريم، وأنا في التاسعة عشرة من عمري، وبدأت شبابي بالاستماع للقرآن الكريم، وأدمنت استماعه في المنزل، وأنا أربى أولادي؛ لأنني تزوجت وأنا في سن الخامسة عشرة، وكنت لا أسمع إلا إذاعة القرآن الكريم، وكنت أشعر أن كلمات القرآن الكريم موجّهة إلي شخصياً. هذا ما ألقاه الله في روعي؛ عندئذ بدأت مرحلة التفكير وتدبر معاني القرآن الكريم ووجدتها جميلة جداً فعشقت القرآن والمبادئ القيمة التي ينادي بها، وتمنيت من الله أن أقوم بتوصيل هذه المعاني للناس بعد أن شغلتهم الدنيا.
كانت أمنيتي أن أقدم برامج دينية للمرأة والطفل، وهذا ما حدث بفضل الله.
من المعروف أن هناك معوقات تحول بين المحجبات والعمل في التلفاز. مَن شجعك على العمل (التلفزيوني) ؟
هناك معوقات لعمل المذيعات المحجبات وهناك تضييق، لكن نحن نجاهد ونصبر ونحتسب في سبيل الدعوة إلى الله من خلال البرامج الإسلامية الهادفة التي نعدها ونقدمها للجمهور العربي، والحق يُقال: الإعلامي المعروف أحمد فراج له فضل كبير علي في العمل بالتلفاز وكانت المرة الأولى التي دخلت التلفاز، وأنا طفلة، دخلت كضيفة في برنامج نور على نور الذي كان يقدمه أحمد فراج، ومن المذيعات اللاتي شجّعْنني ليلى رستم -رحمها الله-.
ما البرنامج (التلفزيوني) الذي يعجبك؟
البرنامج الذي له قيمة، ويخدم المجتمع، ويحاول أن يجعل المجتمع يتجه نحو الأفضل؛ فنحن في الدول العربية دول نامية، والبرامج المملوءة باللغو لا يمكن أن تكون وسيلتنا للدخول إلى عالم الفضائيات، ولابد من البرامج التي تحمل قيماً ومضموناً اجتماعياً هادفاً.
ما رأيك في البرامج الدينية التي تُقدّم حالياً في (التلفزيونات) العربية كماً وكيفاً؟
لابد أن يهتم المسؤولون العرب بالبرامج الدينية؛ فهذا الاهتمام غير موجود، فلم نسمع عن قيام أحد المسؤولين في (التليفزيون) بالاجتماع بالعاملين في البرامج الدينية قبل شهر رمضان وناقش معهم مضمون البرامج الدينية، وإذا أراد شخص ما أن يقدم برنامجاً دينياً ذا مضمون فإن عليه أن يكافح كثيراً من أجل هذا الهدف. أما من حيث الكيف فأنا أرجو الله قبل أن أموت أن أرى برنامجاً دينياً شائقاً يُقدم إخراجياً على مستوى عالٍ، ويُقدّم فنياً على مستوى أعلى، ويقدم بشكل جميل ومبهج ومرغوب؛ فكل البرامج تتطور، وعندما اهتم التليفزيون بالإعلانات أعطاها فرصة لتطوّر نفسها حتى أصبحت في صورة مبهجة جداً والمطلوب رصد إمكانيات للبرامج الدينية لكي تُقدّم في شكل جميل من حيث الإخراج، وأنا أذكر أنني قدمت برنامجاً من هذا القبيل تحت اسم "أبناء الإسلام" مع فضيلة الشيخ محمد محمود الصواف -رحمه الله-وحصل على جوائز عديدة، وكان يتضمن سبع فقرات منوعة للأطفال، وقد أنفق الشيخ على البرنامج من جيبه الخاص.وأتمنى أن أرى القائمين على البرامج الدينية في القنوات الفضائية العربية والإسلامية التي تتنافس مع القنوات الأوربية والأمريكية- يخططون لعملهم ويؤدونه بشكل متقن مبهر؛ فلن تستطيع هذه القنوات أن تقدم أغاني مبهرة كما تقدم القنوات الهندية، ولا أفلاماً مثلما تقدمها القنوات الأوربية، ولا عنفاً وجريمة كما تفعل القنوات الأمريكية، الشيء الوحيد الذي تملكه القنوات العربية والإسلامية هو الجانب الروحي، ولابد أن نقدمه بإبهار وإخراج جيد من خلال تقديم العرب والمسلمين بشكل صحيح للعالم الذي يرفض العرب ويحتقر المسلمين، ولابد أن تثبت برامجنا الدينية أننا نقدر الفن والجمال، لكن يبدو أن الساحة خالية من سياسة تهدف إلى تقديم الصورة الصحيحة للإسلام للخارج.
ومن خلال متابعتي لما تنقله شبكة (الإنترنت) من القنوات الفضائية دهشت تماماً عندما وجدت دراسات تطالب القنوات الفضائية بالبعد عن برامج الرأي والتركيز على البرامج المسلية الناجحة ،وأنا أرد على ذلك بالقول: إن الغرب يطالبنا بالبعد عن برامج الرأي حتى لا يكون لدى العرب رأي في وقت يفرض فيه الغرب رأيه وأسلوبه علينا بالقهر، وما زال اللوبي الصهيوني يملي وجهة نظره على الإعلام الغربي، ولا يوجد لدى الغرب دراية بوجهة النظر العربية والإسلامية، وحقيقة العرب والمسلمين، ولابد من وجود برامج رأى حتى نحسن تقديم أنفسنا للعالم.
فالغرب قدموا أنفسهم على صعيد التكنولوجيا والعلم ونحن نملك الجانب الروحي الذي يتعطش له العالم ويحتاج إليه ونحن حتى الآن لا نملك سياسة واضحة لتقديم الإسلام على الوجه الصحيح .
شروط العمل (التليفزيوني)
ما المطلوب من المرأة عندما تمارس الدعوة الإسلامية عن طريق التلفاز؟
الدعوة الإسلامية من خلال التلفاز دور وعمل ليس سهلاً على الإطلاق لكنه أجل الأدوار قاطبة؛ ذلك لأن الإنسان يعمل ليلاً ونهاراً من أجل الله –تعالى- لا ينتظر جزاء ولا شكوراً من أحد بل قد ينتظر التحجيم والتهميش والتهديد. كل هذا نواجهه ونحن نعمل لوجه الله بسعادة بالغة.
وقد رصدت الصعوبات التي واجهت عمل الدعوة في التلفاز في (17) مؤلفاً لي شخصياً.
هل ساهمتِ في بناء جيل من المذيعات يسير على نفس طريقك؟
أنا لا أستطيع أن أؤكد ذلك لكن العمل في التلفاز كان صراعاً مريراً؛ إذ كان هناك خوف من الإسلام وهو خوف غير مبرر، ووارد إلينا من الخارج؛ لأن اليهود يقومون بتخويف الناس من الإسلام، وليس هناك أروع من الإسلام، وأتمنى أن أرى جيلاً كاملاً من المذيعات اللاتي يرتدين الحجاب، ولا تترك إحداهنّ عملها بمجرد أن ترى معارضة؛ فتترك الساحة بكاملها وتعتزل العمل وتعود إلى البيت .. بل عليها أن تصبر وتصارع من أجل الهدف الأسمى وهو الدعوة إلى الله.
حصاد التجربة
ما هو حصاد تجربتك مع برامج الأطفال ؟
في التلفاز المصري قدمت برنامج " قرآن ربي" وكان برنامجاً جميلاً أعتز به، ولم يستغرق سوى ثلاثة أشهر، وبعدها مُنع البرنامج منعاً بصورة قاسية وبدون مبررات؛ حتى لا يوجد جيل يعرف القرآن؛ بدعوى أن ذلك يخلق جيلاً إرهابياً لكنني قدمت (60) حلقة في القنوات الفضائية العربية، ونجحت نجاحاً باهراً؛ لأن الإمكانيات المادية وضعت تحت تصرفي من خلال استعمال المخرجين والاستعانة بعناصر الإبهار المادي.
تحدّيات العصر
ما رأيك في التحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية والواقع العربي الراهن سياسياً واقتصادياً وثقافياً؟
الرد عندي قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما معناه إن الشيطان قد يئس أن يُعبد في بلاد المسلمين ولكن في التحريش بينهم.
أي الإيقاع بينهم وإفساد ذات البين التي وصفها الرسول "بالحالقة" التي تحلق الدين، ومأساة الأمة الإسلامية هي عدم اجتماع قلوبهم ووجهتهم والفرقة والتنازع التي تجعلنا في أسوأ وضع؛ فلابد من الوحدة والتضامن والأُخُوة الحقيقية، وهذا لن يتحقق إلا بالقضاء على الفتن والخلافات العربية، وجعل شعار المسلمين(إنما المؤمنون اخوة...).
ما رأيك في ظاهرة الإرهاب ومحاولة الغرب إلصاقها بالإسلام؟
الإرهاب والإرهابيون هم اليهود، هم يصدرون لنا الإرهاب سياسياً، ولا علاقة للإسلام بالإرهاب الذي يعتبره الإسلام جريمة.
ولابد من أن يستفيق العرب والمسلمون، وهذه الاستفاقة تستلزم فهم الدين الإسلامي جيداً، وأن نستقي منه معالم سياستنا الإعلامية والتعليمية والحربية والاقتصادية والسياسية، ولابد من العودة إلى الله والتضامن اقتصادياً من خلال إيجاد مؤسسات مالية إسلامية توضع فيها أموال المسلمين، ولا توضع في بنوك أوروبا وأمريكا ولابد أن نسترد بضاعتنا من الغرب.
ولابد من إيجاد تكامل اقتصادي بين الدول العربية والإسلامية من خلال إنشاء سوق عربية وإسلامية مشتركة، ولا بد أن تنهض الدول الغنية بالدول الضعيفة، ونتكامل مع بعضنا البعض لنكون وحدة من الخير للعرب والمسلمين، وللعالم فنحن إذا تكتّلنا سنكون عنصر خير.
الدول الغربية عندما تتكتل تفكر في التهام الدول الصغرى، لكننا كمسلمين عندما نتكتل سنفكر في نشر الخير في العالم. نحن نؤمن بكل الأنبياء، وكافة الأديان كجزء من ديننا، نحن خير محصّن، ولكننا لا ندرك حقيقتنا ولا نعرف قيمتنا الحقيقية بسبب التبعية للغرب، والاستماع لنصائح الأوربيين، وعدم الاستماع إلى "صوت السماء"!
ما أمنيتك ورؤيتك الخاصة للإعلام الفضائي الجيد؟
أمنيتي أن تكثر الفضائيات، وأن تتطور الرسالة الإعلامية لتخاطب غير المسلمين والأجانب، وأن تكون هناك ترجمة بعدة لغات موجهة للغرب لكي يتعرفوا على الإسلام الصحيح.
والحمد لله قدمت من خلال قناة (اقرأ) "الأربعين النووية" ... وفيها الإسلام كله... وقد قدمتها لقناعتي بخطورتها وأهميتها لغير المسلمين؛ لأنها تجمع الإسلام كله وهي في طريقها للترجمة.
وأهمية الفضائيات من وجهة نظري أننا يمكن من خلالها أن نعرض الإسلام على الكرة الأرضية.. فإذا كان للبيت رب يحميه، والله نزل الذكر، وتكفل بحفظه وحفظ الإسلام، وأنا أرى أن الإسلام في تقدّم إلى يوم الدين، وهو دين رائع، وأنتظر له الانتصار.. وقد يأتي هذا النصر من المسلمين الجدد في البلاد التي حاربتنا واستعمرتنا... أراه جيدًا في مسلمي أميركا وإنجلترا وألمانيا؛ فالإسلام والعلم يلتقيان... المهم أن نعرض عرضًا صحيحًا، وبلغة جيدة.. وهذا الدور الذي أتمنى أن أساهم به في المرحلة القادمة.
ـــــــــــــــــــ(64/20)
د. جيهان محسن : المرأة العربية عاجزة عن بلورة مواقفها الفكرية
حوار: د. ليلى بيومي 1/12/1425
12/01/2005
د. جيهان محسن أستاذة الفلسفة بجامعة القاهرة شخصية مثقفة وأكاديمية متزنة الفكر... تقلبت في تجربتها الثقافية حتى عادت إلى هويتها العربية والإسلامية على أرض صلبة. وهي تناصر القضايا الإسلامية وتحاور الآخرين من الأرضية الثقافية الإسلامية.
التقيناها لتحدثنا عن رؤيتها في قضايا المرأة العديدة وعن هجوم الغرب على الحجاب الإسلامي.
كيف ترين مشاركة المرأة الاجتماعية والدعوية في العالم العربي؟
لم يعد الحديث عن دور ومشاركة المرأة في الحياة العامة حالة من الترف الفكري والثقافي تمارسه نخب معينة، بقدر ما أصبح حاجة اجتماعية إنسانية تنشغل فيها العديد من المجتمعات، بغض النظر عن مستواها الاقتصادي والاجتماعي، أو مستوى تقدمها التكنولوجي.
فقد أصبحت المرأة من أهم القضايا التي تأخذ أولوية في الكثير من المجتمعات كونها تشكل نصف أي مجتمع، وعندما يشار إليها كذلك يعني نصف المجتمع من الناحية الإنسانية، وكذلك نصف التكوين الاجتماعي، ونصف القوى البشرية لأي مجتمع. فلا يمكن الحديث عن الحريات وحقوق الإنسان بمعزل عن حقوق ودور المرأة. وكذلك لا يمكن الحديث عن تنمية بكافة جوانبها دون استنفار الطاقة المذهلة التي تشكلها النساء في أي مجتمع من حيث قدرتهن على المساهمة بشكل فاعل وهام، إلى جانب الرجل في عملية التنمية والتطوير.
هل المرأة المسلمة محرومة من حقوقها في المجتمعات العربية؟ وهل هي مضطهدة؟ وهل هناك تمييز ضدها في التشريع الإسلامي؟
الواقع يقول إن المرأة المسلمة في بعض الأحيان قد تحرم من ميراثها ومن حقها في التصرف في أموالها بتقييد هذا التصرف من خلال إجراءات إدارية هي (القيود) لتلك الذمة المالية التي منحها الله سبحانه وتعالى ، وقد تُحرم من طلبها (الطلاق) إذا ما انطبقت شروطه لمجرد أن القاضي أخذ بما يطلق عليه (الاستئناس)، وهناك من تحرم من الحصول على (مهرها) وهو حق شرعي لها في بعض مجتمعاتنا العربية ليأخذه الأب، وقد يتزوج الأب نفسه بهذا المهر.
وفي الوقت نفسه هناك مجتمعات إسلامية تحرم المرأة من حقها الشرعي في (الحجاب). وأخيراً في إحدى الدول العربية مُنعت النساء من حضور صلاة الجمعة في المساجد، وتم ذلك باسم الدين؛ فقد تم تجميع عدد من الأحاديث كي تسوِّغ هذا القرار خصوصاً بعد أن أصبح ملحوظاً أن النساء في ذلك المجتمع قد التزمن الحجاب الشرعي. إذًا هناك إجراءات مجتمعاتية وممارسات مؤسساتية تزيد من حرمان النساء من هذه الحقوق المكفولة لهن شرعاً.
ولهذا فإذا كان الخلل من سوء التطبيق وعدم مساندة مؤسسات المجتمع الثقافية والاقتصادية لما يحقق التشريع الرباني ليس لقضايا النساء المعزولة عن (الأسرة)، ولكن لجميع قضايا الأفراد رجالاً ونساء وفق دائرة الأسرة ثم المجتمع. والإصلاح لا بد أن ينطلق من مصدر الخلل، وليس محاكمة المصدر التشريعي، واعتساف تطبيقه على الواقع.
التحرر من الأمية
كيف تعاملت المرأة المسلمة مع التحديات العلمية والثقافية؟
لقد غرقت المرأة المسلمة في أمواج من التحديات يصعب حصرها، وساهم عدم مواجهتها في تأخر النساء وضعف أدوارهن وعدم تواجدهن بالشكل الفعال والقيادي داخل المجتمعات، وذلك يعود أساساً إلى ضعف المستوى العلمي والثقافي لدى المرأة المسلمة، حيث تصنف كثير من الدول الإسلامية -مع بالغ الأسف - ضمن قائمة الدول الأكثر أمية، بينما احتفلت كثير من الدول بتوديع آخر أمي فيها منذ زمن؛ مما أدى إلى خسران المرأة لقرون طويلة من عمرها دون أن يسجل قلم التاريخ لها إلا إنجازات يسيرة، نظراً لغياب أعمالها. وكأن المجتمع لم يلتفت إلى عمق الرحمة الإلهية التي أكدت على أهمية العلم للرجل والمرأة على حد سواء؛ لكونه مفتاح خير وسعادة الدنيا والآخرة.
المرأة حاولت جاهدة في القرون المتأخرة أن تتحرر من أميتها ومن قيود الجهل فارتفعت نسبة المتعلمات من كل المستويات وبخاصة الحاصلات على الشهادة الجامعية. وهذا مكسب إيجابي دون شك، إلا أن حقيقة المعضلة تتمثل في أن المرأة وإن حملت بعض الشهادات، إلا أنها ظلت مكبلة بقيود قديمة تحجبها عن الانتقال إلى مستويات أكبر وأرقى في عالم العلم والمعرفة؛ لأنها تشكو من نوع آخر من المشاكل الثقافية يتمثل - حسب منظمة اليونسكو- في العجز عن التفكير العلمي، وعن تعلم ما هو جديد، بحيث لا زالت فئة ضخمة من المتعلمات في حاجة ماسة إلى تجاوز هذه المرحلة الصعبة، للوصول إلى التفكير العلمي المنطقي الجاد والطموح لتعلم الجديد.
هذه الحالة السلبية نشأت عند المرأة المسلمة المعاصرة بسبب عدة أمور، منها عدم نضج نظرة المرأة أو تصوراتها الذهنية تجاه العالم المحيط بها حيث أصبحت عاجزة عن بلورة مواقفها الفكرية. وهذا يشمل السواد الأعظم من النساء، أما حالات الاستثناء التي تمثل النخبة الناضجة من النساء، فلا يخلو منها زمن ولا وطن. هذا إضافة إلى تشابك عواطف المرأة وتميزها بالمشاعر الفياضة... كل ذلك أثّر على توجهاتها وقراراتها بسبب افتقادها لأقوى الأسلحة ألا وهو العلم وارتقاء المستوى الثقافي.
الحجاب فريضة ربانية ورمز للمقاومة
كيف تنظرين إلى الحجاب ومدى أثره على تطور المرأة وتخلفها؟
إذا كانت الحداثة تعني السفور والملابس العصرية والاختلاط الحر مع الجنس الآخر واللقاء الرومانسي بين الجنسين، ففي هذه الحالة يمثل الفتيات المحجبات نكسة لقضية الحداثة؛ أما إذا كانت الحداثة من ناحية أخرى تعني اكتساب العلوم الحديثة والتكنولوجيا والإنسانيات، وإذا كانت تعني أيضاً الالتزام، ففي هذه الحالة تعدّ الفتيات المحجبات حديثات بكل المعاني.
إنّ هؤلاء الفتيات يؤكدن على واحد أو أكثر من المعاني التالية: هوية أصيلة في مواجهة تقليد أساليب الحياة الغربية, اعتراض على ما يبدو أمامهنَّ سلوكاً منحرفاً أو فاسداً في المجتمع، ثم التخفيف من الآثار الباهظة الناجمة عن ارتفاع معدلات التضخم وذلك بتجنب ارتداء الملابس الغالية والحرص على السمعة الأخلاقية.
كما أنّ هؤلاء الفتيات هنّ استجابة معقدة لعالم معقد من حولهنَّ. عالم لا يستطعنَ السيطرة عليه من قريب أو بعيد، ويشمل سيلاً متدفقاً من السلع الاستهلاكية الغالية والتضخم المرتفع، فضلاً عن أساليب الحضارة الغربية.
كذلك فإن هؤلاء الفتيات المحجبات يتعلقنَ بميراث يبدو وكأنه يستعيد إحساسهن بالجدارة ويحميهنَّ من المجهول. إنهنَّ بكل بساطة ينتقينَ من محتويات حقيبة الحداثة، ويأخذنَ من الحداثة ما تحتويه من علم وتكنولوجيا، ومن التزام بمستقبل مهني، ثم يتركنَ بقية هذه المحتويات، يحدوهنَّ شعور وقناعة عميقة بأنَّ ما اخترنه من هذه الحقيبة إنما يتسق مع تراثهنَّ ومع تعاليم الدين الحنيف، ومع الأصالة.
هذا هو سبيلهنَّ لكي يفرضنَ بعض النظام على عالم يبدو لهنَّ مفعماً بالفوضى والاضطراب.
ما رأيك في نظرة الغرب لحجاب المرأة المسلمة؟
ظاهرة الحجاب في العالم الإسلامي بدأت تثير انتباه علماء الاجتماع الغربيين، وخاصة أولئك المهتمين بقضايا العالم الإسلامي خصوصاً، أو المهتمين بالظواهر الاجتماعية المختلفة عموماً.
مثار الاستغراب يعود لكون الحجاب كان لقرون عدة يرمز إلى "اضطهاد" المرأة العربية المسلمة، وإلى المركز "المتدني" الذي كانت تحتله في المجتمع، وفق النظرة الغربية السطحية.
خاصة وأن الغرب لا يُعنى بالنساء المسلمات إلا بوصفهنَّ موضوعات جنسية، كما يرى أن أسباب وصف الأوربيين للمرأة المحجبة بالتخلف والبؤس إنما هو نتاج للمركزية العنصرية والإيمان بتفوق العنصر الأوربي.
وفق هذه الرؤية كثيراً ما يدرس علم الاجتماع الغربي هذه الظاهرة بناء على نظرة سطحية هشة. فضلاً عن كونها، مقطوعة الصلة بظروفها وأبعادها ومضامينها الحقيقية.
كيف تنظرين إلى محاربة الحجاب في الدول الأوروبية؟
الذي يدعو للتساؤل والحيرة هو: ماذا يضير هؤلاء القوم إذا تسترت المرأة بالعفاف ما دام أنها لا تؤذي أحداً بقول ولا فعل ولا رائحة؟
إن ما تعانيه تلك البلاد السافرة من فساد وتفكك أسري وانحلال أخلاقي هو بسبب بعدهم عن الحياء والعفاف والحجاب! ثم أين الديمقراطية والحرية والشخصية والعدالة الاجتماعية التي يدعونها؟
إن الأمر لا يتعدى كونه حقداً من هؤلاء القوم على أهل الإيمان والقرآن، قال تعالى: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء)، وقال سبحانه وتعالى: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) سورة البقرة.
إن نهاية المطاف عندهم، أن يرتد المسلم عن تعاليم دينه شيئاً فشيئاً حتى ينسلخ منه بالكلية، فلا يبقى له من إسلامه إلا الاسم والانتماء، كما هو الحال عند كثير من مسلمي أوروبا، فيصبح المسلم ذا شخصية ممسوخة لا هو مسلم في الحقيقة ولا هو بكافر صراحة، فيكون مضطرباً ضعيف العزيمة والشخصية يسهل الهوان عليه، وهذا هو ما يخطط له أعداؤنا منذ أمد بعيد.
كيف تنظرين إلى مستقبل المرأة المسلمة؟
أرى ذلك المستقبل مرتبطاً بمدى التنمية والتطوير في بلادنا، فكلما قطعنا شوطاً طيباً في مجال التطوير السياسي والعلمي والتعليمي والاقتصادي والاجتماعي، فسوف ينعكس ذلك إيجابياً على وضع المرأة ليصبح أفضل كثيراً من وضعها في الغرب.
ـــــــــــــــــــ(64/21)
أُم دعاء : حبُّنا للناس سيُيسِّر علينا دعوتهم
حوار: إبراهيم الزعيم 16/11/1425
28/12/2004
بعد أن طلبنا منها إجراء حوار لصالح شبكة (الإسلام اليوم) رحّبت بنا على الرغم من انشغالها بعملها وبيتها ودعوتها، وطلبت منّا زيارتها في منزلها، بعد أن التقيت بها - والذي لم يكن اللقاء الأول- تساءلت كثيراً عن السبب الذي جعلني أُجِلّها وأحترمها! لعل السبب يكمن في كلماتها الصادقة العذبة، أو في ابتسامتها الدائمة، أو في حبها للناس جميعاً، أو لعلّه ذلك كلّه، إننا ندعو قراءنا الكرام إلى هذا الحوار مع الداعية الاسلامية "أُم دعاء" عمّار المصريّة الأصل التي أحبّت فلسطين فأعطتها كل ما تملك.
بداية نرحب بك من خلال شبكة ( الإسلام اليوم )؟
أهلاً ومرحباً بكم، وأسأل العلي القدير أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يجمعنا بكم في مستقر رحمته.
"أم دعاء" نرجو أن تعطينا فكرة عن الأسرة التي ترعرعتِ فيها ؟
لقد كانت أسرة بسيطة، تضم الأب والأم والأبناء، لكن -وبفضل الله سبحانه وتعالى- كان والدي محبوباً من الناس جميعاً، حتى إنهم كانوا يتردّدون عليه دوماً ليحل لهم مشاكلهم، لقد كان والدي يجمعنا دائماً حوله منذ صغرنا، ويقص علينا قصص الأنبياء والصالحين، وينتهز المناسبات الدينية المختلفة ليحدثنا عنها، كما أنه إذا لاحظ فعلاً غير صحيح من قبل بعض أفراد المجتمع كان يبين لنا الحكم الشرعي في ذلك، على الرغم من أنه لم يكن داعية، إلا أنه كان مسلماً بطبيعته، أما والدتي فقد كانت مولعة بالدروس والندوات، وكانت تعلمنا الأدعية ونحن نردّد خلفها.
ما هي أهم محطّات حياتك؟
كنت أرغب في دخول كلية دار العلوم في مصر، لكن كان من الصعب الوصول إليها؛ حيث إنها بعيدة عن مكان سكني، فدرست في كلية التجارة في إحدى الجامعات، إلا أن بغضي للربا جعلني أترك الدراسة، ثم بعد أن تزوجت ذهبت مع زوجي إلى اليمن، فدرست اللغة العربية، لأنه لم يتيسر لي أيضا الدراسة في كلية شرعية، وذلك لأن إقبال الطلبة اليمنيين الكبير على هذه الكليات لم يترك متسعاً لغيرهم لدخولها، فكانت الدراسة الشرعية من خلال الحياة، فتلقيت الفقه عن عدد من المشايخ، وقد كنت أستغل فترات غياب زوجي عن المنزل لأيام كثيرة قد تصل إلى عشرين يوما بحكم عمله في الاطلاع، فكنت أحدّد لكل فترة من هذه الفترات ما أريد أن أتعلمه فيها، فمرة أبدأ بحفظ أجزاء من القرآن الكريم، ومرة أدرس السيرة، ومرة أدرس الفقه، ومرة أبدأ بالمراجعة لذلك كله، وقد أتاح لي ذلك دراسة السيرة مثلاً من أكثر من كتاب مثل السيرة النبوية، والمنهج الحركي للسيرة، والرحيق المختوم، وقد كانت أصعب محطات حياتي اختيار الزوج، إلا أن الله هوّن ذلك الاختيار عليّ، وقد أكرمني الله - سبحانه وتعالى- بالزوج الذي يعينني على طاعة الله، وقد تحقّق لي ما كنت أتمنى، وهو أن يمنّ الله عليّ ببيت يُؤسّس على طاعة الله ورضوانه، فزوجي دائماً ما يذكّرني وكريماتي بطاعة الله، والإخلاص في كل عمل نؤديه لله، وتجديد النية باستمرار.
نرجو أن تحدّثينا عن طبيعة حياتك وأسرتك؟
في البداية تمّ عقد قراني في المسجد، وكان الاتفاق بيني وبين زوجي من البداية على أساسيات العلاقة بيننا، واتفقنا أن يكون مرجعنا عند الاختلاف كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم نجد نرجح الأفضل، وقد رزقنا الله بأربع بنات، فكنا حريصين على تربيتهن تربية إسلامية، لقد كان حديثنا لهن دائماً "هذا يرضي الله ورسوله وهذا يغضبهما"، بهذه الكلمات أنشأناهن النشأة الإسلامية التي تقوم على العقيدة الصحيحة، وبفضل الله ثلاثة منهن أتممن حفظ كتاب الله كاملاً، أما عن دراستهن فقد درست أكبرهن في قسم الصحافة والإعلام، والأخرى درست الشريعة، ومازالت ابنتي الثالثة تدرس في الجامعة في قسم الأشعة، أما عن الرابعة والتي تحفظ ثمانية أجزاء فمازالت في المرحلة الثانوية.
متى وكيف بدأت رحلتك مع الدعوة إلى الله؟
كان ذلك من الصغر، فقد كنت عندما أسمع القصة أنقلها إلى من هو أصغر مني أثناء اللعب، وقد أعطي الدروس والندوات وأنا في الخامسة عشرة من عمري.
هل كان للأسرة والدراسة دور في صقل شخصيتك الدعويّة؟
طبعا ، لقد كان للوازع الديني الموجود عند والدي ووالدتي الأثر البالغ في تكوين شخصيتي، ومع أن الإخوة على نفس القدر من العلم، إلا أن حب الدين غُرِس في قلوبنا، وحتى إن نسيَ الإنسان أو ابتعد قليلاً عن الطريق الصحيح فسرعان ما يعود إليه.
هل تأثرت بعالم أو داعية معين؟ ومن هو؟
في فترة الستينيات كان الالتزام قليلاً بالدين، لذلك كان الإنسان يسعى إلى الاستزادة من العلم لينشر دعوة الله بأفضل السبل وأيسرها، وقد مَنّ الله علينا في تلك الفترة بدعاة كبار تربّينا على أيديهم وتعلمنا منهم الكثير، ومن ضمن من تأثّرت بهم في حياتي شاب ذو خلق رفيع، فقبل عام 1975م أصبت بمرض الزائدة الدودية، وكان لابد من إجراء عملية جراحية لي، وكان معي أخواتي في الله، وقد شعرت حينها بالخجل الشديد لأني شعرت بأني أثقلت على الشاب الذي أجرى لي العملية، وخاصة أنه كان ينوي الذهاب لأهله وخطيبته لقضاء الإجازة معهم، فأحسست أنه لاحظ شعوري هذا، فقال لي كلمة أثرت فيّ ولا يزال تأثيرها في نفسي إلى الآن، لقد حدثني عن البخل، ثم وصفني بالبخل، وقال: إنه يستغرب هذا مني، فسألته عن الذي يقصده بقوله، فقال لي: بخل الثواب، ثم قال لي: " لماذا تريدين أن تحرميني هذا الأجر؟" ، ثم قال لي: " إن أردت أن تقدمي خدمة لإنسان فافعلي ذلك لوجه الله"، وقد وعدته أن أفعل الخير ماحييت، ومن يومها إلى الآن لا أعمل عملاً إلا وأذكر هذا الشخص بالدعاء، كما أن موقفاً للشيخ عمر التلمساني أثّر فيّ كثيراً، حيث كنا نحضر له ندوة، فأراد أن ينهي هذه الندوة، فطلبنا منه أن يبقى معنا؛ لأن حديثه يصل إلى القلوب، فأخبرنا بأنه يريد أن يذهب إلى منزله؛ لأن زوجته التي صبرت عليه وأعانته على الدعوة مريضة، ولا يوجد عندها أحد، وأنه يريد أن يكون العلاج الذي تتناوله قبل نومها من يده، فتعلمت منه أن الداعية مهما كان مشغولاً في دعوته فلا يمكن أن يفرط في بيته وأسرته؛ لأن أسرته هي التي تعينه على الخير، كما أنني تأثّرت بالشيخ مصطفى مشهور والذي أخبرنا أنه أثناء فترة اعتقاله، وعندما كانت زوجته تحضر لزيارته كان يحدّد معها الكيفية التي ستتبعها في تربية أبنائهما إلى أن يأتي موعد الزيارة القادمة، وهكذا في كل زيارة، وهذا يؤكد أن الداعية إن لم يعتن ببيته من الداخل فإنه لن ينجح في الخارج، وقد توفي هؤلاء الدعاة ومازالت أسرهم مستمرة في البذل والعطاء، إنني أتمنى أن نقتدي بهؤلاء الذين طبقوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".
نعلم أن كريماتك هن من الحافظات والمعلمات للقرآن الكريم. كيف غرستِ ذلك الحب لكتاب الله في نفوسهن؟
الرحلة تبدأ من قبل الزواج، حيث يتم اختيار الزوج بما يرضي الله، ثم تأتي بعد ذلك فترة الحمل، والتي كنت فيها أتذكر قول أم مريم: (إذ قالت امرأة عمران ربِّ إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم)[آل عمران:35]، فكنت في كل حمل أنذر مولودي لله، وأكون في ذكر وطاعة، ثم بعد ذلك يأتي دور التربية بعد الولادة، فقد كنت أخصص لكل طفلة أرزق بها سورة معينة أردّدها لها دائما، فابنتي الثانية لاتنام إلا على سورة الرحمن، حتى إن ابنتي الكبيرة دعاء كانت تقرأ لدميتها سورة الرحمن، حتى حفظتها وعمرها عامان ونصف العام، وعندما يكبرون كنت أسمعهم القرآن والأناشيد الإسلامية من خلال الأشرطة، وهم يردّدون ما يسمعون، كما أني كنت أحفظهم القرآن على حسب المناسبات، ففي رمضان كنت أحفظهم آيات الصيام، وفي الحج كنت أحفظهم الآيات التي تتحدث عن الحج، وهكذا، ثم أكملت كل واحدة منهن باقي السور والأجزاء إلى أن أتموا حفظ القرآن الكريم كاملاً، وضمن تربيتي لهن لم أكن أقيم لهن حفلات بمناسبات معينة، فكنا نستبدلها بحفلات إسلامية أقيمها لهن ولغيرهن من الأطفال بالتعاون مع أخواتي في الله، فكان يُتلى فيها القرآن وتُقدّم فيها الأناشيد، وكنا نحضر للأولاد لباس الصلاة ( وهو الثوب ) ونحضر للبنات الحجاب، ونقدم لهم الهدايا، وفي العام القادم ننظر من ثبت على طاعة الله منهم ومن تأخر، وبعد أن يكبروا قليلاً يأتي دور الصحبة، حتى إنها لو لم تتوفر داخل العائلة نحاول إيجادها لهن من خلال الأُخوة في الله، لقد يسّر الله لهن من يشجعهنّ على الحفظ إلى أن أتموه، ثم بعد ذلك جاءت مرحلة تثبيت الحفظ، والتي تُعدّ أصعب من مرحلة الحفظ.
ـــــــــــــــــــ(64/22)
أم المعتصم: ليلة زفافي عسكرية!
دعاء عمار 6/11/1425
18/12/2004
عندما تضرب المرأة أروع الأمثلة في الحياة، وتظل ترقى وتسمو لتصبح هي بذاتها مثلا يُضرب للأجيال بحكمتها، وقوة شخصيتها، برقتها وحنوها، بجرأتها وجسارتها وفوق كل ذلك بتدينها والتزامها.
منذ الصغر في وقت كان فيه التدين جهلاً، والحجاب عادة لا عبادة تلتزم به العجائز دون الصبايا.
هي امرأة مسلمة، فلسطينية حتى النخاع، إن أردت داعية و جدتها، أو عابدة لم تفقدها أو مجاهدة ذكّرتك بخولة وأسماء، نحسبها كذلك، ولا نزكي على الله أحداً.. إنها "أم المعتصم" صفاء نصار زوجة الشهيد وائل نصار، في حياتها قصة جميلة تصلح نموذجاً لكل فتاة اختارت الهداية طريقاً، والدعوة وسيلة، والجنة هدفاً وغاية.
نشأت صفاء فتاة وحيدة بين عدد من الإخوة الذكور في أسرة غزّية بسيطة ملتزمة فطرياً بالدين، فبدأت بتقليد والدتها في زيها والتزامها فتقول:" كنت أرى والدتي محجبة وترتدي ملابس طويلة فأحببت تقليدها، فلم أخرج إلا أسبوعاً واحداً للمدرسة بغير الحجاب ثم التزمت به من الصف الأول رغم أني كنت الفتاة الوحيدة المحجبة في تلك المرحلة"، وتكمل صفاء قولها: " بعد ذلك صرت أحب لبس الملابس الطويلة، فصارت والدتي تخيط لي زياً طويلاً يناسب عمري كطفلة وفي نفس الوقت يلبي رغبتي في الاحتشام".
رغم صغر سنها وقلة خبرتها بالدين إلا أن صفاء حباها الله تعالى منذ نعومة أظفارها بقوة في تمسكها بمبادئها، وإصراراً يزيد لديها كلما زادت الضغوط والإغراءات، فلأن الحجاب لم يكن منتشراً في فترة السبعينيات كما هو الآن خاصة بين التلميذات الصغيرات، فقد واجهت صفاء من معظم مدرساتها إما ضغطاً أو إغراءً لها كي تخلعه لكنها رفضت بشدة حيث تقول:" كنت متميزة ومتفوقة جداً في المدرسة، ولديّ شخصية لفتت انتباه الجميع إليّ، وأحصل على المركز الأول بين التلاميذ، ولكن الحجاب كان يثير بعض المدرسات لدرجة حرماني من التكريم مع الأوائل كنوع من الضغط عليّ لكني تمسكت به وزدت إصراراً عليه".
ولأن الحق – دوماً - قوي آسِرٌ؛ فقد صارت صفاء مثالاً يُحتذى بين الطالبات، ولم تمض فترة طويلة حتى بدأت زميلاتها بتقليدها و احدة بعد الأخرى.
في مسيرة الإنسان الملتزم لا بد ممن يشجعه ويعينه على المُضِيّ في طريقه؛ لذا حرصت صفاء على حضور الدروس الدينية وحلقات العلم في المسجد، ومع تقدمها في الدراسة عاماً بعد عام اكتسبت شخصيتها قوة أكثر، وتميزاً أهّلها لتصبح مسؤولة عن مجموعة من الأطفال، وهي لا تزال في الصف الثالث الإعدادي، فتقول:" كان أسلوبي أكبر من عمري، وكنت صاحبة شخصية قيادية مبادرة؛ فأصبحت مشرفة على مجموعة، وأعطي الفتيات دروساً حتى في المدرسة، صحيح أني في البداية واجهت معارضة وصعوبة لكن مع الوقت تمكنت من إقامة مسجد ومكتبة داخل المدرسة، لدرجة أن المدرسات إن غابت إحداهن جعلوني أسدّ الفراغ بدلاً عنها".
هكذا بدأت صفاء تكبر وتتطور شخصيتها أكثر حتى ذاع صيتها بين قريناتها بل وبين أسرهن أيضا كذلك، وسمع الجميع عن نشاطاتها وفعاليتها في مجال الدعوة.
في تلك الفترة وهي في بداية المرحلة الثانوية كان شقيقها أسيراً لدى قوات الاحتلال الإسرائيلية، وكانت تزوره بين فترة وأخرى، فسمع عنها أسير آخر كان معه اسمه وائل نصار حيث ألقى الله –تعالى- حبّها في قلبه، فطلب من شقيقته أن تتعرف عليها وتوثق علاقتها بها، وأخفى في نفسه أمراً إلى حين خروجه من المعتقل.
بعد عام أو أكثر قليلاً وتحديداً في عام 1992م كانت صفاء لا تزال في الخامسة عشرة من عمرها، وكان وائل ابن العشرين بعد تحرّره، فأعلن بين شباب الحارة أن صفاء له ولن يخطبها غيره بعدما حكت له شقيقته عنها الكثير، حيث لم يكن قد رآها من قبل.
ومن كثرة حديثه عنها وصل الخبر لوالدتها التي تصايحت معه، لكنه أبدى لها رغبته في خطبة ابنتها، وبالفعل تمّ له ما أراد. كانت فترة الخطبة مرحلة جديدة في حياتها فلم تعد تقتصر على الدعوة فقط بل بدأ وائل يؤهلها لمرحلة أكثر تعقيداً، وتتطلب منها استجماع كل ما تعلمته خلال الفترة الماضية؛ حيث إنها الآن ستبدأ دور المرأة المجاهدة التي تشارك زوجها حياته الجهادية خطوة بخطوة، بأهمية لا تقل عن أهمية خطواته نفسها، فتقول:" أولاني وائل اهتماماً كبيراً، وشاركني في مسؤولياته، وأهلتني قوة شخصيتي ليصارحني بما يقوم به من عمل، و ليبادلني الرأي في أعماله ومهماته، مما أكسبني ثقة من حوله حتى من الشباب المجاهدين معه، فقد كان بيتي مأوى للعديد منهم، وشهد الكثير من التجهيزات والإعدادات الجهادية".
وفي فترة الخطبة أيضا كانت تخرج مع وائل في عدد من المهمات كنوع من التمويه والتخفي حيث يظهر أنه في نزهة شخصية بينما هو يقوم ببعض المهمات، وتذكر صفاء إحدى تلك المرات فتقول:" مرة خرجت معه، وكنا ذاهبين إلى جنوب القطاع ولا بد لنا من المرور بحاجز نتساريم، فعبرنا ولكن في طريق العودة نصب اليهود لنا كميناً فلم نشعر إلا ونحن محاصرون بعدد كبير من الجنود الذين ظنوا أني شاب متخفٍّ في زي امرأة للقيام بعمل ما، وكادوا يطلقون النار علينا لولا أن كشفت وجهي سريعاً فأبعدهم الله عنّا وعما كان معنا في السيارة، ونجوْنا بأعجوبة منهم".
وقد أبدى وائل ارتياحه لما قامت به؛ فلولا سرعة بديهتها وكشْفها عن وجهها لكان الجنود قد قاموا بتفتيش السيارة واحتجازهم؛مما سيُفسِد جهداً كبيراً، ويُضِيع عملَ أيام طويلة...
مرّت فترة الخطبة بعدما تأهّلت فيها جيداً للمرحلة الجديدة التي بدأت من ليلة الزفاف حيث تصفها صفاء" كانت ليلة عسكرية"، فبعد أن صلّيا ركعتين وشربا اللبن حسب السنة جلس وائل يعلمها كيفية فكّ وتركيب السلاح.لم يكن أبو المعتصم أقل نشاطاً وحيوية من زوجته، فقد كان رائداً في العمل الجهادي، لذا كانت حياته حافلة بالمضايقات والاعتقالات من اليهود ومن جانب السلطة أيضاً.
وفي إحدى فترات اعتقاله بعد عام من الزواج حيث كان المعتصم لا يزال في أشهره الأولى برز لأم المعتصم دورٌ في حياة زوجها فتقول: "تم اعتقال أبو المعتصم خمس سنوات كانت بالنسبة لي مرحلة كبْت وقهر لم يخفّفها عليّ إلا الذّكر والتسبيح والصلاة، وفي ذلك الوقت زاد نشاطي في العمل الإسلامي وخدمة الجمعيات الخيرية وزيارة أسر الشهداء والمعتقلين حيث وجدت في مواساتهم مواساة لي أيضاً".
ورغم ما مرّت به من ظروف نفسية صعبة إلا أنها لم تعكس ذلك على زوجها خلال أسره بل عمدت إلى التخفيف عنه بوسائل شتى، حيث كانت تجهّز المعتصم وتعطره وتعلمه بعض الآيات والأحاديث بل والألعاب أيضاً ليسلي عن والده في اللّحظات التي يزوره فيها فكان الشباب الذين مع زوجها يقولون لزوجاتهم: " تعلموا من أم المعتصم".
ولأنها لا تزال في شبابها وقوتها فقد عرض عليها وائل الانفصال عنه علّها تتزوج بآخر يشاركها حياة هادئة، إلا أنها رفضت وظلّت متمسكة به وقالت له:" لو صرت عجوزاً على عكاز لن أفرّط فيك" وأعقبت قولها بقوله تعالى:" والآخرة خير وأبقى".
وعند اشتداد الكرب لا يبقى للإنسان إلا قرّة العين، وكذلك فعلت صفاء فتقول:" بعد فترة من اعتقاله ضاقت بي الحياة، فقمت وصلّيت ودعوت الله تعالى أن يفرّج الكرب فلم يمض وقت طويل حتى فكّ الله أسره".
الصلاة دوماً هي مفتاح الفرج، ووسيلة القرب من الله –تعالى- لاستجابة الدعاء، ولها دوماً أثر في الحياة فكثيراً ما تكون صفاء قد أنهت وردها اليومي وذهبت لتنام أثناء غياب أبو المعتصم ليلاً في عمليات جهادية، لكنه يعود وما زال بعض الشباب يقومون بعملهم فتشعر بحاجته لمن يقف معه في الصلاة، ويدعو الله معه أن يسدّد رمي المجاهدين فتقوم معه من جديد.
هكذا هي حياة أم المعتصم سواء مع نفسها أم مع زوجها الذي اقترب من الشهادة مرات عديدة، لكن الله كان يكتب له الحياة حتى أنجب عبد الحكيم وزاهر وأخيراً رُبا التي لم تتجاوز عامها الأول بعد، ولكن عندما اقتربت لحظة الشهادة كانت أم المعتصم من بشّرته بها؛ ففي ليلة صلّت القيام، وذهبت للنوم، فرأت في رؤياها أنه شهيد، فاستبشر بذلك كثيراً.
تلك باختصار قصة فتاة نشأت في طاعة الله –تعالى- وعلى عبادته، فأهّلتها تلك العبادة لتتحمل ما في حياتها من مصاعب مع زوجها حتى لحظة استشهاده، وستعينها -بإذن الله- لتحمّل ما بعد ذلك؛ فما زال الأطفال صغاراً، وما زال الطريق طويلاً، كل ذلك مرّ وعمرها لم يتجاوز الثلاثين بعد، بينما هناك الكثيرات يعشن وَهْم الحياة وترفها، ولكن ما يهوّن تلك المصاعب إدراك الإنسان أن هذه الحياة ما هي إلا سجن المؤمن، وخَلاصُه منها لا يكون إلا بالصبر عليها حتى يلقى الله –تعالى- على ذلك وصدق القائل: الله يعلم ما يكون .. والأمر في كافٍ ونون، فلا تهبْ ريْب المنون.. واذكر يُوفّى الصابرون
ـــــــــــــــــــ(64/23)
سكينة الصميدعي: لا أثق حالياً بأي قرار في العراق!
حوار: ضحى الحداد 29/10/1425
12/12/2004
في ظل أجواء من الحرية والديمقراطية -كما تدّعي الحكومة العراقية المؤقتة حالياً- تُقام العديد من المؤتمرات والندوات وفي مختلف المجالات، والتي كان آخرها المؤتمر الذي عُقد مؤخراً تحت عنوان (المؤتمر الأول للمرآة العراقية), حيث دعا هذا المؤتمر إلى إلغاء قوانين وصفها بالمجحفة، ومنها إلغاء قانوني غسل العار والسفر مع محرم, إضافة إلى العديد من الأمور والتي توحي في ظاهرها بأن هذا المؤتمر هو لإنصاف المرأة، إلا أنه يحمل ما لا يلاحظه القارئ العابر، فإذا أمعن النظر فيه فسيجد في طيّا ته ما هو أكبر من ذلك..
حول هذا القرار، ورأي الشريعة فيه, وهل سيطبق فعلاً في العراق أم لا؟ سنحاول معرفة ذلك من خلال حوار (الإسلام اليوم) مع الداعية الإسلامية العراقية (سكينة الصميدعي) *
بداية ما تعليقكم على هذا المؤتمر؟
يتكلم هذا القانون في ظاهره عن توظيف برامج للمرأة والاهتمام بها وحمايتها، وهم يحاولون بهذا دس السّم في العسل, فيطالبون بأشياء وضعها الإسلام أصلا ومنذ القدم للمرأة، وغرضهم بذلك هو دسّ سمّهم عبر تطبيق قرارات ليس المقصود منها إلا تشويه صورة الإسلام من خلال سن هذين القانونين لإلغاء قوامة الرجل، والدعوة إلى المساواة، ولتحرير المرأة من ظلم الرجل كما يدعون، والمطالبة بإعطائها حريتها في السفر بمفردها، والتخلص من قيود الشريعة، وهم بذلك يذلون المرأة؛ فالإسلام وضّح هذين المعنيين بشكل جليّ، فإذا جئنا إلى قرار السفر مع محرم فالأصل هو ألاّ يجوز للمرأة السفر بدوم محرم، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر المرأة لمدة ثلاثة أيام ألا بمحرم"؛ لأن المحرم وهو إما الزوج أو الأب أو الأخ يعينها في سفرها، ويكون لها سنداً يدافع عن عرضها, ويقيها شر الطريق، ويكون بقربها إذا احتاجت إلى معونة, وهذا على عكس ما يعتقدون؛ فالإسلام أكرم المرأة وحافظ عليها وصانها وعزّزها, ولم يحدّ من حريتها فإذا اضطرت المرأة أن تسافر لحاجة ملحة فلها أن تسافر بدون محرم بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "سيأتي زمان على أمتي تسير فيه الظعينة من صنعاء إلى حضرموت لا تخاف على نفسها إلا الذئب"، أما إلغاء قانون غسل العار فنحن نطالب بإلغاء الحماقة في هذا القانون، والمتمثلة بالقتل بمجرد الشك، فقد سمعت شخصياً عن قصص للعديد من النساء اللواتي قتلن لمجرد الشك وبدون تيقن, وأما الصحيح في ذلك فهو أن تقتل الزانية المتزوجة وبشهادة أربعة شهود مع التيقن التام, أما غير المتزوجة أو البكر فحكمها أن تُجلد. لكنّ تنفيذ هذه الأحكام الشرعية لم يعد موجوداً في زماننا هذا بسبب التطورات التي حصلت، اللهم إلا في القرى والأرياف، ولم نسمع مؤخراً حوادث تذكر, لكن هذا لا يمنع تطبيق حكم الشريعة، أما وصفه بالمجحف بحق المرأة فكأنه من وجهة نظري تشجيع على الزنا وبدون حساب، وهذا الحكم الشريف ما هو إلا تكريم للمرأة وحفاظ عليها, وهنالك جملة من الاتهامات وُجهت للرجل، منها زواجه من أخرى وقِوامته عليها، هذا من ضمن ما دسّه الغرب لتشويه صورة العربي، وهذا القرار برأيي خطير جداً.
كيف تستطيع المرأة العراقية المسلمة تجنب هذه المكائد وما الذي يجب عليها فعله؟
المفروض على المرأة العراقية أن تتسلح بسلاح العلم والمعرفة وأن تترك المشاهدة فقط؛ لأن القرآن الكريم عندما نزل علينا لم يقلْ: شاهدْ بل قال: اقرأ؛ فالقراءة والتثقيف من الأمور المهمة للمرأة خاصة وهي تواجه هذه التيارات المختلفة، والتي تحاول النيل منها ومن كرامتها, وأن تنظم حياتها ابتداء بالاهتمام بالوقت لأنه عنصر مهم جدا؛ً فكل دقيقة سيُحاسَب عليها الإنسان ماذا فعل بها، ويجب أن تكون في طاعة الله سبحانه وتعالى, إضافة إلى التثقيف بشكل عام كالتعرّف على الديانات الأخرى ودراسة التاريخ وغيرها؛ فلا تكون محجمة إحجاماً تاماً عن الثقافات الأخرى، وأن تتجه إلى المساجد ودور العلم، وألاّ تقتصر في ذلك على قراءة القرآن فقط بل تقرأ تفسيره وتدرك ما جاء فيه, فما مرّ علينا من حصار فكري ليس بالهيّن؛ إذ أدّى ذلك إلى تجمّد الكثير من العقول التي رجعت الآن -وبفضل من الله- إلى الطريق الصحيح، وكما نرى فالناس الآن -هنا مثلاً- أصبحوا يفرقون ما بين (السنة والبدعة ) بعد أن كان البعض يجهل الكثير من هذه الأمور.
ما رأي السيدة سكينة بمشاركة المرأة السياسية حالياً في العراق؟ وهل تعتقدين أنها مشاركة فاعلة؟
على الرغم من أن موضوع دخول المرأة مجال السياسة هو موضوع حيوي، وقد تكون فيه الفائدة كبيرة, إلا أني لا أثق حالياً بأي قرار في العراق, وحتى إذا كانت هناك انتخابات فهي خاضعة للتزوير ولسلطة الاحتلال؛ فمشاركة المرأة حالياً في البرلمان العراقي قد لا يكون لها جدوى بسبب أن القرارات تُملى عليها وهي لا تملي على أحد , فكم من مؤتمرات عُقدت ومُسّ فيها الإسلام بصورة أو بأخرى، ولم يجد من ينصفه! فيجب عليها أن تقعد لهم بالمرصاد.
كيف ذلك؟ هل ممكن التوضيح أكثر؟
بمعنى أن تكون لديها البذرة الإسلامية الصحيحة، وذلك من خلال أن تكون ذات ثقافة عالية وإدراك بكل ما يدور حولها, وأن تشارك ولو بجزء بسيط في القرارات لكي لا تُملى عليها، وهي ساكتة تنفذ ,والمسلمة العراقية حالياً أراها تخرج إلى المساجد والجمعيات الإسلامية، و تتوجه توجيهاً صحيحاً, وعلى الرغم من أن أمامها الكثير، لكنها وصلت إلى مستوى نحمد الله عليه.
يبقى ذهن المرأة العراقية حاضراً ومتفتحاً وفي كل المجالات, خاصة والأيادي الشيطانية تمتد إلى العراق محاولة قلع كل بذرة مؤمنة، وبكل الوسائل التي يدخلون بها تحت غطاء الحرية والسلام, لكنها مؤمنة بقول الله تعالى: ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)[العنكبوت:2].*هي سكينة عبد المالك الصميدعي, تخرجت في كلية الشريعة جامعة بغداد سنة (1972م) سافرت إلى بريطانيا ثم رجعت إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث حصلت على الماجستير هناك من (جامعة لاهور باكستان ) ودرست التربية الإسلامية للمرحلة الثانوية هناك, ومن ثم عاشت الجزء الكبير من حياتها في السعودية، وكانت لديها العديد من النشاطات مثل محاضرات في علوم الحديث النبوي ألقتها في الندوة العالمية للشباب الإسلامي. تكتب في العديد من المجلات كمجلة التربية الإسلامية في العراق، ومجلة الإصلاح الإماراتية. لديها كتابات عن الطفل والتربية، وهي حالياً في طور إنشاء رابطة جديدة تحمل اسم (رابطة الأم العراقية)
ـــــــــــــــــــ(64/24)
إنعام حلس: المرأة تملك كنوزاً بحاجة إلى اكتشاف
حوار: إبراهيم الزعيم 15/10/1425
28/11/2004
في حي الشجاعية بمدينة غزة ، في حي تسوده القبلية ، والذي يتمتع بكثير من الإيجابيات ، إلا أنه يقع في بعض الأخطاء ومنها حرمان المرأة من حضور الندوات أو الدورات الدينية والفكرية ، شأنه شأن الكثير من المناطق العربية. في ذلك الحي أسست مجموعة من النسوة الفاعلات جمعية " زاخر لتنمية قدرات المرأة الفلسطينية " ، فنجحن في تغيير هذه النظرة واستقطاب عدد كبير من النساء لحفظ القرآن الكريم وتعلم أحكامه ، وحضور العديد من الدورات والندوات ، وقد كان لنا مع إنعام حلس رئيسة الجمعية هذا الحوار.
كيف جاءت فكرة إنشاء جمعية زاخر؟
بداية تأسيس الجمعية كانت فكرة رائدة من مجموعة من النساء في منطقة الشجاعية للحاجة الموجودة للمرأة ، وهذه المنطقة بعيدة كل البعد عن أنظار المسؤولين ، ولا أحد يفكر في المرأة في منطقة تحكمها العشائرية والقبلية ، المرأة من الصعب أن تخرج إلى أي مكان خارج المنطقة سواء لدورة أو نشاط ، حتى أن معظمهن من الصعب أن يذهبن إلى جامعات ، فكانت الأهمية لتأسيس هذه الجمعية لكي نستطيع أن نؤثر على المجتمع المحلي ونقنعهم بأن المرأة لها دور كبير في هذا المجتمع ، يجب أن تشارك في الفعاليات المتعددة ، يجب أن تتلقى الدورات ، يجب أن تذهب إلى الجامعة ، حتى تتمكن من إدارة بيتها وحياتها وأسرتها .
كيف خرجت الفكرة إلى أرض الواقع؟
الفكرة كانت مني أنا في البداية ، لأني كنت في دولة الإمارات العربية المتحدة وعندما عدت إلى بلدي الحبيب لاحظت أن المرأة لا تمارس دورها في المجتمع بشكل صحيح ، لاحظت أنها من الممكن أن تخرج من بيتها ولكن دون وجود هدف تسعى لتحقيقه ليعود عليها وعلى أسرتها ومجتمعها بالنفع ، فكنت غاضبة على انقضاء وقت كثيرٍ من النساء بشكل روتيني دون استغلاله الاستغلال الأمثل ، وقد كنت عضو الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في الإمارات ، وعندما عدت إلى غزة عام 2000 جددت العضوية وكنت ريادية لهذه المنطقة، وعملت تجمع نسوي وبدأ يزداد شيئاً فشيئاً ، وقد عملنا من خلال إحدى المؤسسات نادياً نسوياً أسميناه " نادي خنساء الشجاعية " فكان يلبي احتياجات بعض النساء ، ولكن كان عدد النساء يزداد ، والطلبات تزداد ، فشعرنا أنه لا فائدة لأننا لم نكن نستطيع عمل أي شيء إلا من خلال تلك المؤسسة ، ونحن نريد أن نتحرك لوحدنا ، نريد عمل دورات وندوات تفيد المرأة ، فكوّنا من نساء الجمعية مجموعة من النساء وكونا هيئة إدارية وحصلنا على ترخيص وغيرنا الاسم من نادي خنساء الشجاعة إلى جمعية " زاخر لتنمية قدرات المرأة الفلسطينية " في 22 / 9 / 2003 م.
لماذا اخترتن اسم " زاخر " بالتحديد؟
كلمة " زاخر " من العطاء المكنون لدى الفرد ، وإذا انتقلنا إلى المرأة وجدنا أنها تملك كنوزاً مكنونة بحاجة إلى اكتشاف ، ومن خلال ترتيب الأفكار نستطيع إخراج هذه الأمور المكنونة حتى ترى النور ، فتخدم بذلك نفسها ومجتمعها .
كيف بدأتن نشاطاتكم وكيف تطورت؟
منذ أن نجحت في إيجاد تجمع نسوي وأنا أحاول عقد دورات تثقيفية، وأهم شيء عندي هو تثقيف المرأة حتى آخذ بيدها إلى بر الأمان، أحاول إخراجها من الروتين الذي تعيشه ، كنت أهدف إلى إيجاد المرأة المؤثرة التي تستطيع إيصال صوتها للمجتمع وتدير حياتها بشكل سليم ، لذلك كنت أسعى إلى عقد هذه الدورات من خلال الاتفاق مع المؤسسات التي من الممكن أن تساعدنا في هذا المجال بشكل شخصي وقبل أن يكون لدينا ترخيص ، وأسعى جاهدة أن يحضر هذه الدورات أكبر عدد من النساء .
ماهي طبيعة النشاطات التي تقدمنها؟
من ضمن النشاطات التثقيفية قدمنا دورة إسعافات أولية ، وتخرج فيها عدد من النساء ، وحصلن على شهادات بذلك ، قدمنا دورات " العنف الأسري " ، والتي تتطرق إلى قمع المرأة والإساءة إليها ، مع عدة مؤسسات ، بالإضافة إلى تحفيظ القرآن الكريم ودورات الأحكام ، وبعد أن أكرمنا الله افتتحنا مركزين آخرين في منطقة الشعف والزيتون ، وفيها أيضاً حلقات تحفيظ قرآن ودورات أحكام (تلاوة وتجويد) ، وتشرف على هذه المراكز الثلاثة دار علوم القرآن الكريم التابعة لجمعية التوحيد ، إشرافاً كاملاً حيث تشرف على المُحفظات والخريجات وإصدار الشهادات وتوزيع شهادات التقدير والهدايا للمحفظات والخريجات.
بجانب الأنشطة الثقافية هل هناك نشاطات أخرى، تعليمية ، مهنية..؟
لدينا دورات السيراميك والعمل الغزي وهي التطريز الفلاحي، ودورات تنسيق الزهور ، بالإضافة إلى العديد من الدورات التي تفيد المرأة، مثل كيفية تصنيع الغذاء، والتي تشمل عمل المخللات والجبنة واللبنة، وكيف تحفظ الثوم، كما أنه إذا رغبت المرأة في عمل مشروع مدر للدخل فيما بعد من الممكن أن تعمل مشروعاً وخاصة في وضعنا الراهن حتى تساعد زوجها.
كيف تقبلت النساء في حي الشجاعية وجود جمعية تقدم مثل هذه النشاطات؟
بالنسبة للمرأة كان إقبالها كبيراً جداً وأحببن هذا المكان ، ولكن شعرت أن هناك تعقيدات من الأهل ، من الزوج والحماة ، حيث يحاولون منع المرأة من الخروج من بيتها بحجة أن عليها روتين الحياة ، والمتمثل في إعداد الطعام وتنظيف الملابس وانتظار الزوج والأبناء ، كانت هناك صعوبة على المرأة أن تكسر هذا الروتين ، وتخرج للمشاركة في نشاطات غريبة بعض الشيء على المجتمع ، فوجود جمعية نسائية لم يتعودوا عليها كان من الصعب إقناعهم بها ، فكان الإقناع من إدارة الجمعية ومن المرأة ، فكنا نحاول إقناع مجموعة من النساء فنذهب إلى أهل البيت ونحاول إقناع الزوج أو الحماة بأن هذا المكان مهم جداً لها ، من خلال تقديم صورة واضحة عن الجمعية بجهد مجموعة من صديقات عمري ، لقد كان عملاً شاقاً ، لكن الحمد لله كسبنا المجتمع المحلي ، وأصبح هناك سهولة في خروج المرأة إلى جمعية " زاخر " ، ولكن ليس بنسبة كبيرة ، ولكننا مازلنا نحاول .
ماذا بخصوص النشاطات الصيفية؟
حصلنا على مخيمين مخيم من اليونسيف ومخيم من رفيد؛ واحد منهما لمنطقة التركمان والآخر لمنطقة الشعف ، وهما بدعم من تلك المؤسستين، وتم فيها نشاطات لمئة طفل وطفلة ترفيهية وتثقيفية وبيئية ، وفي المخيم الصيفي المدعوم من اليونسيف تم تكوين ناد بيئي تابع لبلدية غزة للصحة والبيئة ، وعدد الأطفال فيه 40 طفلاً وطفلة ، وهو مستمر وتتم متابعته من الصحة والبيئة ، وقد أخذوا أثناء المخيم دورة بيئية عن صحة البيئة وحصلوا على شهادات تقديرية.
كيف تقيمين علاقات الجمعية مع المؤسسات الأخرى في المجتمع الفلسطيني؟
علاقتنا جيدة بكثير من المؤسسات الأهلية والحكومية في المجتمع الفلسطيني ولنا اتصالات دائمة معهم.
بعد عام من عملكم ماهي أبرز ملامح التغيير التي لاحظتي وجود بوادرها في المجتمع المحلي بجوار مراكزكم؟
أنا أشعر الآن أن النساء يتكلمن بشكل مرتب ومنسق والبنات والنساء مقبلات على الدين ، جميل عندما ترى مجموعة بدأت معها كن لايعرفن شيئاً عن الصلاة أو الوضوء ، الآن يعرفن كل ذلك ، ويتكلمن مع أزواجهن بشكل جيد ، وأزواجهم لاحظوا ذلك ، هذا أعتبره إنجازاً بالنسبة للجمعية ، أما بالنسبة جمعية زاخر فإن كثيراً من البنات اللواتي كن محرومات من التعليم الإلزامي أو الجامعي حاولت الجمعية إعادتهن للتعليم ، فكثير من الفتيات اللواتي كن يردن دخول الجامعة بعد أن جلسن في البيوت عامين أو ثلاثة بعد الثانوية العامة ، أو اللواتي أنهين الثانوية العامة وحملن مادة أو مادتين ، ذهبنا إلى أهاليهن وأقنعناهم بالسماح لهن بإكمال دراستهن ، وقد تم ذلك فعلاً.
ماهي أهم المشاكل التي واجهتها الجمعية؟
أكثر شيء هي الفكرة السائدة عن خروج المرأة ، وألاحظ أن نساء المتعلمين محجوبات عن الجمعية ، الذين يدّعون أنهم مثقفون، أنا ألاحظ أنه لا يوجد إنسان متعلم ويعتبر نفسه كذلك وحاجب لزوجته ، إن الذي يسمح لزوجته بحضور دورة أو ندوة دينية أو ثقافية هو المتعلم والمثقف والسائد في هذا المجتمع ، إنني أتضايق كثيراً عندما أجد كثيراً من النساء لايفقهن كثيراً من الأمور ، مع العلم أنهن زوجات لرجال متعلمين ولهم مراكز في المجتمع ، أنا بنظري أن التي تحفظ القران الكريم أو تأخذ دورة أحكام أو تحضر ندوة دينية تستطيع إدارة منزلها ، لأنها إذا فعلت ذلك تعرف كيف تتعامل مع أبنائها وزوجها وأقاربها ومجتمعها ، لذلك أتمنى أن تلجأ جميع النساء إلى القرآن الكريم وإلى هذه الأماكن التي تعلم القرآن ، وخاصة النساء اللواتي لهن أسر؛ حتى يتمكن من إدارة منازلهن لتصل المرأة ببيتها وأبنائها وزوجها إلى بر الأمان ، لأنه وراء كل أسرة عظيمة لها دور في المجتمع امراة عظيمة ، بالإضافة إلى بعد المكان عن كثير من النساء ، فالجمعية في منطقة يصعب على المواطنين والمؤسسات الوصول إليها ، لأن الشوارع غير مرصوفة وليس فيها بنية تحتية، كما أننا إلى الآن لم نحصل على دعم مادي لمشاريع المؤسسات ، لقد زارتنا كثير من المؤسسات ولكن بحجة أننا قائمين فعلياً منذ عام فلا نتلقى دعماً منها ، مع العلم أننا قائمين بشكل طوعي منذ أربعة أعوام ، فهذه المؤسسات لاتقدم دعماً لأي مؤسسة إلا إذا كان لها خبرة عامين على الأقل .
ماهي تطلعاتكم المستقبلية؟
نتمنى أن نتمكن من الحصول على أسرة قوية تعتمد على الأم القوية التي تستطيع أن تؤسس المجتمعات الكبيرة. مجتمعنا الفلسطيني بحاجة إلى هذه المرأة ، بحاجة إلى سيدة تكوّن هذا المجتمع الكبير. إنه من الممكن إدارة الدول ، لكن أصعب إدارة هي إدارة الأسرة ، ونحن قائمات على هذه الأسرة وسنأخذ بيدها إلى بر الأمان ، كما نأمل أن يكون لدينا مجمع نسوي ، بحيث يقدم للمرأة جميع الأنشطة النسوية : صحية ، إدارية ، نفسية ، اجتماعية ، رياضية ؛ يكون قريباً من كل سيدة ، ومن السهل الوصول له، هذا المجمع هدف كبير أتمنى أن يتحقق للمرأة في منطقتنا.
ـــــــــــــــــــ(64/25)
صافي ناز كاظم: الصيام ساعدني في المعتقل
حوار: د. ليلى بيومي 6/9/1425
20/10/2004
- صافي ناز كاظم كاتبة إسلاميّة وصحفيّة متميزة.. لكتاباتها وآرائها قيمة عالية - في الوسط الصحفي والثقافي، وهي حالة نسائية متفرّدة بخبرتها وخصوصيّتها..لذلك فالحوار معها له مذاق خاص وقيمة خاصة.
هل تحبين الكتابة في رمضان؟
الكتابة بالنسبة لي رزق وفتح من الله سبحانه وتعالى، يأتي في أي وقت ولا أفعل شيئًا سوى شكر الله وحمده.
هل تحبين الاحتفال بالأعياد والمواسم؟
عفواً نظراً لظروفي لا أخرج لصلاة العيد... تؤمّني ابنتي نوارة، وأصلي مع جارتي جماعة؛ لأن الخروج مشكلة بالنسبة لي، والشوارع في القاهرة متوحشة.
جديد العيد
الكاتبة الصحفية صافي ناز كاظم اعتُقِلت عدة مرات..فهل سُجِنت في رمضان؟
لم أُسجن في رمضان، ولكن سُجنت أثناء عيد الأضحى.. وكنت حاملاً في السجن.. وأذكر أنني نزلت من التحقيق عام 1975م وكان معي ضابط والسائق عسكري.. وطلبت من السائق أن يوقف السيارة، ويشتري لي حاجة جديدة للعيد..فأنا أحب الجديد في العيد، حتى وإن كان شيئاً صغيراً. ولم يكن معي نقود.. والضابط لا يمكن أن أنساه لأنه كان إنسانًا. توقف بالسيارة عند أحد المحلات، واشترى لي جوربًا فرحت به جدًا... لأنني أفرح بأي شيء جديد في العيد. حتى لو أفرش ملاءة جديدة للسرير. فطقوس العيد منذ طفولتي مع أمي تحمل في طياتها هذه الأشياء.. منذ أيام احتضاني للحذاء الجديد.
ومن هنا أحرص على إسعاد الأطفال بما هو جديد... أتذكر أنني كنت أعرج في الأعياد والمناسبات؛ لأنني كنت أرتدي الحذاء الجديد.
ما هي ذكرياتك عن السجن في الصيام ؟
بالنسبة للمعتقل أنا صمت كثيرًا فيه.. وآخر مرة كنت مسجونة عام 1981م صمت من ذي القعدة وذي الحجة (28) يومًا. في المعتقل الصيام يساعدني على الصبر.. ويعطيني فرحة وبهجة وانتعاشًا.
القرآن خير أنيس
ما هو برنامجك اليومي في رمضان؟
أرجو ألا يكون هذا السؤال دعاية لي، وأن يكون في ميزان حسناتي.
فأنا في رمضان أحب القيام والتهجد.. وآخر ركعة في القيام أقول دائمًا "اللهم ارزقني صلاة الفجر حاضرة" قبل الفجر شربة ماء تكفيني، وأجدّد النية وأقرأ القرآن.. والأعمال المنزليّة تكون خفيفة في رمضان. وأنا أحب القطط وأسعدها وأكرمها في المناسبات وفي رمضان؛ فالرسول الكريم مثل الريح المرسلة في رمضان. وبعد الفجر أنام لبعض الوقت ثم أتفرغ للعبادة طول الوقت.. أكبح نفسي وغيظي، وأجتهد في أن أبتعد عن اللهو والخطأ، ولا أظلم نفسي... وأكون طول الوقت متوضّئة.
ورمضان بالنسبة لي شحن للبطاريات.. الصيام.. القيام.. لحظة الإفطار جزء من العبادة.. رمضان شهر الصوم يشحذ الهمم والطاقات.. وأنا أشحن بطاريتي بالطاعات للمقاومة والصمود طوال العام. والحمد لله فأنا تهيأت للدخول في رمضان من خلال صيام أكثر من خمسة عشر يومًا من شعبان. رمضان بالنسبة لي كتلة من الصيام الجماعي.. وأكون جزءًا من كتلة عالمية في صيام واحد وإفطار واحد. وأنا ضدّ فكرة توحيد البدايات؛ لأن هناك اختلافًا في الزمن والتوقيت.. قد تصل إلى سبع ساعات بين بعض الدول.... فما دام هناك زمن وشمس وقمر.. فلا بد أن يكون هناك اختلاف.
في رمضان أنا لا أدعو إلا صديقة عزيزة بحيث لا نزيد عن أربعة. نحب الطعام المختصر أي لونًا واحدًا من الطعام يشكل وحدة متكاملة مع ملحقاته.
لا أحب كثرة الأشكال والألوان في الطعام لأن هذا جشع.. فكما قال الرسول الكريم (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع).
جرعة الماء في الإفطار تمثّل لي فرحة.. والدّعاء يمثل فرحة أخرى.. ولحظة الإفطار تمثل فرحة ثالثة.
أهم الطقوس الخاصة بي أن أكون متوضّئة قبل الإفطار... وعمومًا أنا لا أحب الصّخب.. وهذا لا يعني أن التجمّعات في رمضان شيء غير مهم... ولكنني لا أفضل الانشغال في الولائم.
وأتذكر أن أدعو لكل المسلمين... وأتذكر أسماء معينة.. فأدعو لأبي وأمي وأجدادي، والأستاذ سيد قطب ومحمد جلال كشك وفتحي الشقاقي، وكل الشهداء والمجاهدين وكل المرابطين على ثغور الإسلام، وأدعو أن يربط الله على قلوبهم.. وأدعو بحرقة أن يزلزل الله الأرض من تحت أعدائهم.
وأنا أحب إذاعة القرآن الكريم خاصة، ويزداد حبي لها، وتعلقي بها في رمضان.. ولا أستمع ولا أشاهد غيرها.. فهذه الإذاعة تقدم خدمة جليلة.. وهي خير أنيس طوال النهار. فالمذيعون كلهم لغتهم جيدة، وليس لديهم أمراض الإعلاميين الأخرى من الحذلقة والفذلكة، وضيوفهم من كبار العلماء.
وأحب الاستماع إلى د. محمد أحمد المسير، ود. أحمد شوقي إبراهيم ، ود. عبد العظيم المطعني، ود. القوصي، ود. عبد الفتاح عاشور، وغيرهم من العلماء الأجلاء بتواضعهم وأدبهم، وعلمهم ليس فيه جرأة.
ـــــــــــــــــــ(64/26)
أم نضال: أبكي على أبنائي و حبِّي لله أكبر
حوار: إبراهيم الزعيم 21/8/1425
05/10/2004
مريم محمد فرحات " أم نضال " نذرت أبناءها لله، فقالت لهم ذات يوم: محمد... نضال... وسام... أرضكم مدنسة وأنتم تنظرون، أريدكم منتصرين أو على الأعناق محمولين!
استجابوا للنداء على الفور؛ لأنهم بكتاب ربهم مؤمنون، وبسنة نبيهم متمسكون، وسام -هو الآن- في ظلمة السجون بعد أن ضاق به المحتلون، أما محمد ونضال فقالا: " إنّا لفلسطين منتقمون "، فكان جزاؤهما أنهما في حواصل طير خضر يسرحون ويمرحون إن شاء الله.
موقع (الإسلام اليوم) زار " أم نضال " في بيتها، وأجرى معها هذا الحوار بعد أن أنهت دورة في أحكام التلاوة بنجاح.
أم نضال كيف تنظرين إلى طبيعة دور المرأة الفلسطينيّة على أرض فلسطين؟
دور المرأة هامٌّ جداً وله تأثير كبير، وما يزيده أهمية وجودها في الأرض المحتلة فإذا كان دورها في أي مكان في العالم هامّا، فإنه يزيد أهمية هنا في هذه الأرض المباركة؛ حيث إن لها ميداناً تجاهد فيه مثل جهاد الرجال، فهي التي تتفقد أحوال الرجل سواء أكان زوجاً أم ابناً أم أخاً، بالإضافة إلى مساعدتها له في مجالات الحياة، فإنها تؤازره في أعباء الجهاد، وهو ما يتطلب معاناة كبيرة جداً، إن وجود المرأة إلى جانب الرجل يعطي الرجل دافعيّة للعطاء والتضحية، لم تعد أحوالنا مثل السابق فالواقع جعل منها امرأة أخرى، فحياة المرأة الفلسطينية تختلف عن باقي نساء العالم، إذ إنها تتميّز بالواقع الجهاديّ الذي تعيش فيه، ونحن في هذا البيت لنا شرف الجهاد في سبيل الله والشهادة والأسر والمطاردة.
كانت الأم في فلسطين سابقاً تحاول منع ابنها من مقاومة الاحتلال خشية عليه، أما الآن فهي تدفعه لذلك. كيف تنظرين إلى هذا التحوّل؟
إنه تحوّل واضح في حياة المرأة؛ فالابن غالٍ جداً عند كل الناس، لكن ما نعيشه اليوم فرض علينا هذا الشيء، فالنهضة الفكريّة الإسلاميّة هي التي ساعدت المرأة أن تتقبل هذا الأمر وتدفعه إلى الجهاد، العاطفة كانت مسيطرة عليها في البداية، لكن عندما أدركت عظمة وفضل الجهاد في سبيل الله تغيّرت كثيراً، ففي السبعينيّات –مثلاً- لم يكن إيماننا مثل ما هو عليه في هذه الأيام، فاليوم –بفضل الله ثم بركة الانتفاضة- تبلورت في نفوس النساء الرغبة في الجهاد؛ مما شجع المرأة على مؤازرة الرجل، فعندما يأتي إليها ولدها شهيداً تقابل ذلك بشكر الله والزغاريد، على العكس من السابق، من خلال نظرتي واختلاطي بالناس أرى أن المرأة كلما زاد إيمانها زاد صبرها واحتسابها، هذا لا يعني أن العاطفة قد خبت عند المرأة الفلسطينية، لكنها أدركت أن حبها لله ورسوله يجب أن يفوق حب أي شيء آخر.
تنفيذ الشباب لعمليات استشهادية أمر غير مستغرب، لكن الذي قد يكون مستغرباً تنفيذ الفتيات لهذه العمليّات، برأيك على ماذا يدلّ ذلك؟
الذل والقهر الذي يمارسه جيش الاحتلال على الشعب الفلسطيني يزيد الوعي الديني، ويقوّي الإيمان عند المرأة ويفجّر الغضب، والعنف يولد عنفاً مضاداً له؛ فالفتاة ترى أن كل شيء اقترفه الاحتلال، ولم يتبق إلا الكرامة، ولأنها كالشاب تماماً تغار على دينها ومقدساتها، ولهذا فإنها لا تتردّد في التضحية بحياتها لتكون كلمة الله - سبحانه وتعالى- هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، ولا عجب فأول شهيدة في الإسلام هي سُميّة _ رضي الله عنها _.
ما هو الشعور الذي كان انتابك عندما ودعت "محمد" ومن بعده "نضال"؟
إنه شعور بالفخر والاعتزاز؛ فأنا قبل بدء الانتفاضة المباركة وُلدت عندي فكرة الشهادة في سبيل الله، فقد قلت لأبنائي مراراً: إذا نادى منادي الجهاد فلا تتأخروا عن نصرة دين الله، وفي بداية هذه الانتفاضة أخذنا على عاتقنا - مع أن أولادي كانوا صغاراً - أن نكون فداء للدين، لذلك لا أشغل نفسي بكم سيعيش ولدي، ومتى سيموت، ولكن سؤالي وهمّي دائماً هو: كيف يخدم أبنائي هذا الدين العظيم؟ وهذا يجب أن يكون شعور كل مسلمة.
فراق الأحبة أمر صعب للغاية، كيف تغلّبْتِ عليه؟
كلما تألمت أكثر سعِدت أكثر لأن في ذلك أجراً، فالعذاب من أجل الله جميل، والفراق والألم لم يحنِ رأسي، ولم يجعلني أتراجع يوماً، بل يزيدني قوة وصلابة، حتى إن بعض الناس يقولون لي: " كفى ماقدمتيه من تضحيات"، صحيح إن هناك عواطف ومشاعر لا أغفلها، ولكن أليس لنا دور على هذه الأرض، وهو تحقيق رضا الله - عز وجل -، لذلك علينا أن نرتقي بهذه المشاعر، ونسمو بها، ونجعلها في ذات الله خدمةً لهذا الدين، فالألم لا بد منه في هذه الدنيا، ولن تكون الراحة إلا في الآخرة، عندما يمنّ الله علينا برضاه ويرزقنا جناته جنات النعيم، وذلك ما ينشده كل مسلم، فإذا ما نظرنا إلى الدنيا وتعلقنا بها فإننا لن نفعل شيئًا، لكننا لو تعلقنا بالآخرة، وبما عند الله فإنه سيهون علينا كل شيء في سبيل ذلك، الأم موجودة والدموع موجودة، إنني أبكي على أبنائي وعلى غيرهم من أبناء شعبي، ولكن حبي لله أكبر من حبي لهم، ولو جاء ابني أمامي شهيداً وقيل لي: إن هناك عملية فسأرسل ابني الآخر لتنفيذها، فمن منا لا يتمنى الشهادة في سبيل الله، إنني أسأل الله - سبحانه وتعالى- أن يبلغني إياها مقبلة غير مدبرة.
كيف تستقبل زوجة أو أم الشهيد شهر رمضان المبارك؟
في رمضان قد يزيد الألم، فرحمة الله على زوجي أبو نضال وأبنائي الشهداء والشهداء جميعاً، الألم موجود، ولكن نحاول أن نتغلب عليه لنواصل الطريق، لقد وضعت مبدأً لنفسي لن أحيد عنه أبداً؛ لأنه من عقيدتنا، وهو أن "كلّ شيء لله"، " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين "..
هل هناك نشاطات تقوم بها أمهات وزوجات الشهداء؟
لي علاقات طيبة -ولله الحمد- بزوجات وأمهات الشهداء، ونحن على تواصل دائم، ونقدم الخدمة لكل أخت نشعر أنها بحاجة إلى المساعدة، كما نساعد في حل المشاكل التي قد تطرأ عندهن، بالإضافة إلى دورات الأحكام التي نعقدها في بيت إحدى الأخوات في الله، وأتمنّى من الله أن يمُنّ عليّ بالصحة لأقدّم الخدمة لكافة هذه العائلات.
كلمة أخيرة توجهينها عبر موقع (الإسلام اليوم)؟
أوجه كلمتي للنساء عامة، ولنساء شعبي خاصة ألاّ يتخلفوا عن الجهاد في سبيل الله، فقد أنعم الله علينا به، إنها نعمة عظيمة علينا أن نشكر الله عليها، ونسير في هذا الطريق إلى النهاية مهما بلغت التضحيات، هناك شعوب قدمت التضحيات، ومن الممكن ألاّ يكون في سبيل الله، أما نحن فإننا نقدم هذه التضحيات ابتغاء مرضات الله، ولإعلاء كلمة الله، ولهذا لا يجوز أن نبخل على إسلامنا بأي شيء، ولو كان ذلك أرواحنا، علينا أن نواجه مشاعرنا، ولنعلم أن العاقبة لنا -بإذن الله- قد يظن البعض أن ما نقدمه عبارة عن خسائر، وأنا أقول: إنه مكسب عظيم ندّخره عند الله - عز وجل-، وأقول لكل امرأة تحب ولدها: إذا كنت –حقاً- تحبينه فيجب أن توجّهيه للجهاد في سبيل الله، فإذا كنت تحبين له الخير كيف تمنعينه من هذا الخير العظيم، إن التضحية بأبنائنا لإعلاء كلمة الله ومقارعة أعدائه هي قمّة الرحمة بهم، ويوم نلقاهم في جنات النعيم -بإذن الله- عند رب رحيم راضٍ عنا سنتأكد أنّ كل ما قدمناه كان قليلاً وسنتمنى أن نعود إلى الدنيا لنقدّم أكثر
ـــــــــــــــــــ(64/27)
المرأة الداعية .. والشهرة .. والمجد!
إكرام الزيد 14/4/1425
02/06/2004
هل تريدين أن تكوني داعية؟
أم تتمنين أن تكون لك بصمتك المتميزة في مسيرة الإصلاح؟!
إنّ أصل هذه المقالة هو عرض لمشكلة إحدى الأخوات، إذ أقرّت باهتمامها بأمر الدعوة ورجائها طرقه والدخول فيه، لكنها تواجه مشكلة في خشيتها من الظهور، وربما كانت محبة للمدح، وتتمنى المناسبات حتى تشارك فيها .. فتجنبت حتى لا تقع في الرياء!
قبل أن ندخل في العلاج علينا أن نحدد المشكلة بالضبط ..
هل المشكلة هي في الظهور نفسه.. إذ ترين أنّه خطأ؟
أم أنّ الظهور هو وسيلتكِ لحصول المدح والشهرة.. إذ هما غايتاك؟
أمّ أنّ الظهور أصلاً قد صار بالنسبة لكِ غاية لا وسيلة؟.
أسئلة تبدو أمام ناظرنا كأطياف .. تلحّ طالبة الدواء الشافي .. فهيا لنركب جوار التعاون المنشآت، نمخر بها عباب الجواب..
أولاً .. تأكدي أنّه الظهور بحدِّ ذاته ليس مشكلة !
فالظهور غالباً ما يكون لوجود شيء متميز فيكِ، وهنا عليكِ أن تفرحي وتحمدي الله على ما أتاكِ من فضله، ثم عليكِ استشعار وطأة العبء الملقى على عاتقكِ، والتكليف الذي أنيط بك حينما وهبكِ الله نعمة سيسألكِ عنها، وهل استعملتِها في طاعته، وهل جنّدتِها في سبيل نصرة دينه؟
مثلاً في الأدب الإسلامي، نحن نحتاج إلى وجود أدب إسلامي يكتسح ساحة الأدب العامة بقوة ويثبت وجوده، ودعيني أحدثكِ من تجربة شخصية، ولا ينبئك مثل خبير ..
فأنا هاوية صغيرة أكتبُ الشعر والمقالة والقصة، بخطوات ما زالت تتعثر، وقد عرفتُ بهذا عند الكثير من معارفي، لكنني أحتاج من يمسك بيدي، ويشد عليها، ويرشدني، ويقوم اعوجاجي، ويوجه أفكاري نحو أدبٍ سليم يسمو عن غثاء الأدب الذي صار " قلة أدب ".. أرأيتِ؟
أنا أحتاج أشياء كثيرة الآن، ولو أغلقتُ فمي، وتقوقعت على نفسي لما تعلمتُ شيئاً، لكنني لم أفعل، فبدأتُ أشق طريقي في الجامعة، وذهلتُ حينما وجدتُ فرصاً رائعة من أستاذاتي في جميع الكليات وليس فقط كليتي .. حتى سعيت إلى استغلال هذه الفرص .. وشاركت في المسابقات، ونشرتُ قليلاً، بمتابعة جميلة جداً منهن..
فهل سيأتي شخص الآن ليقول لي: يجب أن تتمني أن لا تفوزي في المسابقة وأن تتمني ألاّ تنشر مشاركتكِ وعليكِ الصمت والانغلاق على نفسكِ؟
هل يُقبل هذا المنطق؟
بالطبع لا .. وإلا كيف أتعلم؟
وإذا تعلمتُ .. فلمن نترك الساحة ؟!
وتأكدي أنّ الأمر ينطبق عليكِ تماماً، سواء كنتِ خطيبة مفوهة، أو منشدة عذبة الصوت، مؤثرة الأداء، أو شاعرة متألقة، أو منظمة محنكة، أو محاورة بارزة أو غير ذلك .. فهل من خطأ إذا طورتِ قدراتكِ .. وخضتِ لجج المناسبات لتكتسبي تجارباً قيمة تضيفينها إلى خبراتكِ في هذه الحياة القصيرة؟
هل هناك خطأ في هذا الظهور يا أختاه؟
ثانياً .. تأكدي .. تأكدي .. لا يمكن أن يكون الظهور بحدّ ذاته غاية !!
فلا يوجد إنسان يظهر حتى يظهر، بل لا بد من وجود دافع له، إمّا سبب صالح ( دعوة، إرشاد، إدخال سرور، تعليم، تذكير، دعم الحق، تحقيق مصالح سامية للنفس أو للغير)، وإمّا غير ذلك ( طلب المدح، الشهرة ونحوه).
إذًا .. حددي هدفكِ .. هل هو فعلاً ( المدح ) كما تقولين؟
إن كان كذلك.. فكلّ الناس يحبّ أن يُثنى عليه لا أن ُيذم، والناس شهداء الله في أرضه، ولعلكِ تعرفين حديث الجنازة التي مرت عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأثنوا عليها خيراً فقال: وجبت، والأخرى التي أثنوا عليها شراً فقال: وجبت.. أما رأيته حين أجاب عمرَ -رضي الله عنه- حينما سأله: يا رسول الله، ما وجبت؟ فقال له: ( هذا أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً وجبت له النار).. ثم قال: ( أنتم شهداء الله في الأرض) .
لكن ..!!
أن يكون ذلك هماً وشغلاً شاغلاً وهدفاً يدفع الإنسان إلى أن يبحث عنه بحثاً، ويجري وراءه لهثاً، وتقصر من دون همته لأجل المدح همم الأشاوس !!
هنا يا عزيزتي .. سيحتاج الأمر إلى مراجعة مع نفسكِ ..
وانظري .. هل تشعرين بنقص في جانب معين تريدين جبره بسماع المديح؟
لا .. لا يا صاحبتي .. فحري بمثلكِ ممن أوتيتَ شيئاً من تميز ساعد في إبرازها وإظهارها، أن تنسب الفضل لأهله: ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)، وأن تعلمي أنَّكِ بما أوتيتِ من لدن الرازق الوهاب أرفع من مجرد كلمتين يقولها الناس أمامكِ، فربما صدقوا وربما نافقوا، وربما أعطوكِ من طرف اللسان حلاوة، وهم بين جنبيهم قلوب تستعر حسداً يأكل حسناتهم، المسألة يا أختي أعظم من " ثرثرة " لا تضيف لكِ شيئاً سوى عجبٍ يكون بداية لتردّيكِ!!
ثم دعي قبس النبوة يفجر الأنوار تجلو ظلمات الدرب: ( احثوا في وجع المداحين التراب ) !
وهكذا .. فالتميز له ضريبة، والظهور له ضريبة، وكلّ شيء بثمنه، ولا تستطيع استشعار ذلك العبء بصدق إلا من حملتْ الهمّ وارتقتْ في درجات الإيمان ونبذت الرياء والعجب، واستغفرت من خفّي الذنب، ومستور الزلل، وسألت الله أن يرزقها هدى وتقى وإخلاصاً .. نسأل الله أن نكون ذلك .. وأن يغفر لنا ..
ثالثاً.. نصيحة يا أختي وإني لناصحة أمينة!!
لا تتمني المناسبات..!
فالمناسبات موجودة دائماً .. ومهما كثر ظهوركِ فيها؛ فهو لن يكون شيئاً مهماً ما لم يكن لكِ أثر فاعل فيها، يشعّ بنور السلامة وصفاء العقيدة وصحة المنهج..
واعلمي أنّ الأمر يرجع إلى النية دائماً، وبما أنّ الأعمال بالنيات، فلا أحد من الناس له شأن بنيتك، المهم هو نوع العطاء الذي تقدمينه، بمعنى أوضح .. المفترض أن يكون في ظهوركِ إضافة حقيقية نافعة (لكِ، للناس) .. واعلمي أنّ من صدق مع الله صدق الله معه، وأنّ أمراً ابتدأ بالإخلاص فإنّ منتهاه القبول، ووالله لتجدين في نفسكِ بعد حين انصرافاً عن الظهور؛ فلا تلبث الدنيا إلا أن تأتيك راغمة، ولا تدرين بنفسكِ إلا وأنتِ تساقين سوقاً إلى مواقف وأحداث يتوهج فيها نجمكِ دون أن تسعي نحوها أو تبحثي عنها أو حتى تفكري بها .. وإنّ في ذلك لعبرة لأولي الألباب
ـــــــــــــــــــ(64/28)
أ. رقية الحجري: رؤيتي لأي إعلامية!
حوار: عبد الفتاح الشهاري 9/3/1425
28/04/2004
يعتبر الإعلام اليوم هو المرجع الأول والرئيس والذي يعول عليه الإسهام إما في تعميق معاني الأخلاق والقيم الحميدة، أو الهدم وتفكيك المجتمع.. ومازالت الساحة الإعلامية النسائية في الوطن العربي بشكل عام وفي اليمن خاصة بحاجة إلى مزيدٍ من الكوادر النسائية الإعلامية المؤهلة، كما هو لزامًا أيضًا أن تكون هناك المؤسسات التي ترعى هذا التوجه الإعلامي..
وحول المرأة وتفاعلها مع قطاع الإعلام، كان لموقع (الإسلام اليوم) هذا الحوار الذي أجراه مع الأستاذة رقية عبدالله الحجري، الموجهة بوزارة التربية والتعليم بدرجة وكيل مساعد، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الرحمة للتنمية الإنسانية..
- مازالت نظرة المجتمع للمرأة نظرة تحتاج إلى دراسة وتحليل..
- لا يوجد إعلام يخص العالم العربي وطرح همومه ومعاناته.
- الإعلام لم يكن صحافة فقط؛ بل هو أوجه مختلفة، والتغيير يتم حتى ولو بالكلمة..
يلاحظ بداية انتشار جيد للصحف والمجلات النسائية، كيف تقيمون هذا المستوى الذي وصلت إليه الصحافة النسائية؟
الظاهرة في حد ذاتها إيجابية وتدل على مبادرة فعالة للمرأة في المجال الإعلامي وتكون إيجابية إذا اتخذت مسارها الصحيح.
ما الذي ينقص المرأة كصحفية أو إعلامية في تعاطيها مع المادة الإعلامية؟
قد تكون الإعلامية إعلامية تجيد النقد اللاذع الغير بناء، وقد تكون كاتبة بليغة تستغل بلاغتها وطرح مواضيعها في صحف لا تجد لها رواجًا ولم تأخذ مكانها في المجتمع، وقد تكون في مستوى إعلامي متدن لكنها تبذل قصارى جهدها في التطوير والذي تحتاجه كل إعلامية هو:
1ـ الخبرة؛ لأن الوقت يكسبها خبرات فالاستمرار عملية لابد من المثابرة فيها والصبر عليها حتى تحقق ما تصبو إليه.
2ـ دورات في مجالات الصحافة و الإعلام.
3ـ مزيد من التواصل مع الاتجاهات وأصحاب الاتجاهات المختلفة من الإعلاميات ومحاولة جمع شتاتهن أو إيجاد أية قناة للتواصل فيما بينهن.
4ـ محاولة تطوير نفسها في مجالات عديدة منها: قيادة الذات، وفن التعامل، وأدب الحوار، وإدارة الوقت، وغيرها من الأمور التي تطور الشخصية سواء عن طريق الدورات أو التأسي بالقدوات سواء من تاريخنا العريق أو سيرة أسلافنا أو الشخصيات المثالية من عصرنا الحاضر.
هل تشترط الدراسة الجامعية لممارسة المرأة العمل الصحفي أم أن المجال موقوف للاستعداد الشخصي؟
يحبذ أن تواصل الإعلامية دراستها الجامعية لاسيما أمام نظرة المجتمعات الحالية لأصحاب المؤهلات وكيفية التعامل معها، لكن الإعلامية التي حال بينها وبين مواصلة تعليمها أسباب قاهرة؛ فإن هذه الأسباب ليست معيقة لها من مزاولة عملها كإعلامية.
هل استطاعت الصحافة النسائية أن تلامس ما تحتاجه المرأة؟
إلى حد ما مقارنةً بما كانت تعانيه وما وصلت إلية.
لماذا تعمق المرأة عبر صحافتها فكرة انعزالها عن المجتمع وذلك باهتمامها فقط بالجوانب النسائية البحتة دون فتح نوافذ لمعالجة القضايا السياسية، وبهذا تكون قدمت إعلامًا منافسًا بقيادات نسائية مئة بالمئة؟
مازالت نظرة المجتمع للمرأة نظرة تحتاج إلى دراسة وتحليل ومعالجة من جميع الجوانب؛ إلا أنها تناضل رغم الصعوبات، ودخول المرأة في الصراعات السياسية قد يحجبها عن نافذة الصحافة تمامًا؛ إلا أننا لا ننكر مساهمتها في القضايا السياسية وتلك هي الخطوة التي ستنتهي إلى الألف ميل.
ما هي معوقات الإعلام النسائي؟
معوقات الإعلام النسائي كثيرة أهمها إجابة السؤال السابق.
ما هو دور الصحافة النسائية الملتزمة اليوم أمام الغزو الثقافي الغربي المنحل الذي يسيطر على الفضائيات؟ ومن خلال خبرتك كرئيس تحرير سابق لأول مجلة نسائية إسلامية يمنية ما المشروع الذي ترينه للتصدي ومواجهة هذا الغزو؟
الإعلام لم يكن صحافة فقط؛ بل هو أوجه مختلفة كلنا يعرفها، وأنا أعتقد أن لكل شي دورًا في التغيير حتى ولو كانت كلمة؛ فالكلمة القوية كفيلة بأن تظهر الحق وتزهق الباطل؛ لكن كيف نوجد هذه الكلمة؟ ومن ثم كيف نجعلها قوية؟!.
ما الذي يعاب علي الإعلام العربي اليوم؟
لا يوجد إعلام يخص العالم العربي وطرح همومه ومعاناته، ولا يوجد إعلام أيضًا يختص بأمة الإسلام وطرح همومها ومحاولة رفع مستواها؛ والذي أعنيه هو الفضائيات، أما الإعلام المقروء وغيره؛ فهناك بعض الوجود له إلا أنه ضعيف جدًا أمام الهجمة الشرسة.
بعيدًا عن الإعلام.. كيف تنظرون إلى تأثير الاتجاه السياسي في أي مجتمع على ثقافة المرأة سلبًا وإيجابًا؟
بالنسبة للتأثير الإيجابي؛ فشخصية المرأة هي التي تعكس هذا التأثير، وكلما كانت شخصية فذه وصاحبة كلمة حق وتمتلك الحكمة والبصيرة؛ كلما استطاعت أن تحطم العراقيل وأن تقف أمامها وقفة جادة وقوية.
أين مكان الفتاه اليوم أمام مراكز البحث العلمي؟
أعيب على من يخص المرأة بهذا السؤال؛ لأننا كأمه يجب أن نطرح السؤال على الجميع ولا نخص به المرأة وجامعاتنا ومراكزنا البحثية ومدارسنا تشهد على تفوق الإناث على الذكور في أغلب المجالات.
هل يمكن أن تقدم مقاهي الإنترنت خدمة إيجابية للشباب وخصوصًا الفتيات؟
كما أمكنها تقديم خدمة للفتيان يمكنها أيضًا أن تقدمها للفتيات؛ إلا أن الخدمات الإيجابية لا تتناسب أبدًا مع السلبيات التي تعصف بشبابنا، لاسيما من كانوا منهم في سن المراهقة.
كلمة أخيرة؟
أسأل المولى عز وجل أن يسدد الخطى وأن ينير الدرب وأن يوفق الجميع إلى مافية الخير والصواب.
ـــــــــــــــــــ(64/29)
المرأة والعمل السياسي
هبة زكريا 16/1/1425
07/03/2004
جيهان الحلفاوي :
- تربية الأبناء وخدمة الزوج عمل دعوي للمرأة المسلمة .
- استفتيتُ العلماء والمفكرين قبل ترشيحي للبرلمان .
- الشيوعيون حاربوني .. والسفارات الغربية رصدت كل جولاتي.
جيهان الحلفاوي .. سيدة في الأربعينات من عمرها خريجة كلية التجارة جامعة الإسكندرية زوجة إبراهيم الزعفراني أمين صندوق نقابة أطباء الإسكندرية وأحد قادة التيار الإسلامي بمصر ..وهي أم لثلاث متزوجات وولدين ما زالا في مراحل التعليم .. مسلمة ملتزمة تعمل بالدعوة منذ كانت طالبة بالجامعة، تعر ض زوجها للاعتقال أكثر من مرة بسبب نشاطه الدعوى وكذلك للمحاكمة العسكرية عام 1995وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات طبقا لقانون الطوارئ ..
هذه السيدة لم يكن أحد يسمع بها حتى فاجأت العالم كله منذ أربعة أعوام بترشيح نفسها تحت شعار "الإسلام هو الحل" في انتخابات مجلس الشعب 2000 .. مما أثار معارضة ونقاشًا حادًا بين الأوساط الإسلامية في الوطن العربي حول شرعية ترشيح المرأة للبرلمان والخوض في غمار السياسة لذلك كان من الضروري أن نلتقي بالسيدة جيهان الحلفاوي لنتعرف على دعواتها وأفكارها ..
تنظيم الوقت وترتيب الأولويات
جيهان الحلفاوي أبرز الداعيات المسلمات في الإسكندرية ..هل ترين أن هناك ظروفًا مناسبة يمكن للمرأة الملتزمة أن تمارس فيها الدعوة والعمل الإسلامي بحيث تحقق التوازن بين مسئوولياتها كأم وزوجة وداعية لدين الله ؟
المرأة المسلمة التي اختارت العمل بالدعوة لدين الله تعمل تحت شعار أنها سهم في كنانة هذا الدين أينما وضعت لصالح الإسلام فهي تعمل من أجل أن تنال رضا ربها، ومن ثم فإننا لا نسعى لمجد شخصي، ولا لإرضاء أهوائنا أو تحقيق ذواتنا كما تنادي الأخريات، ونرى أن العمل مع الأبناء والزوج هو عمل دعوي لا يقل أهمية عن العمل العام إن لم يكن يزيد من حيث كونه عمل المرأة الأساسي الذي لن يقوم به أحد سواها إن قصرت فيه بعكس العمل الدعوي ومن هنا نرى أنه إذا أرادت الأخت الملتزمة القيام بدور في العمل الإسلامي فعليها تحري عدة أشياء :
1 – التوكل على الله والاستعانة به .
2 – الإخلاص .
3 – تنظيم الوقت ووضع خطة لأولوياتها وأعمالها .
وتبعًا لمبدأ تنظيم الوقت وترتيب الأولويات أرى أن هناك أوقات معينة في حياة المرأة المسلمة يصعب أن تجمع فيها بين العمل العام ورعاية بيتها مثل فترة بداية الزواج وعندما يكون الأبناء لا يزالون صغارًا يحتاجونها إلى جوارهم ، وأؤكد أنه ليس كل العمل الإسلامي يصعب تحقيق التوازن معه فنحن نعمل في جميع مراحل حياتنا ولكن تختلف نوعية هذا العمل من حلقة في المسجد إلى تربية الزهرات والفتيات إلى عمل المعارض الخيرية وعليها أن تختار دائما ما يتلاءم مع ظروفها فلا تتوقف عن دعوتها ولا تقصر في حق بيتها وأسرتها وخاصة الزوج فهو يحتاج رعاية خاصة إذا وجدها سيتغاضى كثيرًا عما قد يحدث من تقصير أحيانًا في أمور أخرى .
وأؤكد أخيرًا أننا لا نخرج من بيوتنا لأننا نحب ذلك بل لأننا نرى أن ذلك في صالح ديننا فإن وجدت المرأة في وقت ما أن بقاءها خير لدينها وأولى فهي أدرى بذلك .
أثار خوضكم الانتخابات الماضية للبرلمان المصري جدلاً واسعًا بين مؤيد ومعارض؛ فهل كان الموقف الشرعي منها محل تساؤل واستقصاء ؟
إذا كنا نعمل من أجل رفعة ديننا ونهضة مجتمعنا فلا يكفينا النية الصالحة فلابد أن يكون العمل أيضا صالحًا ومن ثم فإن موقف الشرع من هذه الخطوة كان أول شيء استوثقنا منه واستفتينا في ذلك عددًا من علماء الإسلام ومفكريه على رأسهم د. يوسف القرضاوي الذي جلست معه لفترة طويلة أسأله عن كل شيء بالتفصيل، وكذلك الشيخ أحمد المحلاوي، والمفتي السابق د. نصر فريد واصل، والعالم الفقيه عبد رب النبي توفيق، و د. طارق البشري، والداعية وجدي غنيم، وغيرهم كثير وكل هؤلاء قد أجمعوا – ليس فقط على جواز الأمر – بل على أنه دور قد تأخر القيام به كثيرًا ومن أمثلة الصحابيات اللاتي ضربن مثلاً على ترشيح المرأة في البرلمان نموذج السيدة أم عمار عندما تحدثت إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وسط جمع من الصحابة في سقيفة بنى ساعدة التي تعد أول برلمان إسلامي ولم يمنعها الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من ذلك بل قال: "ما رأيت امرأة قالت في حق بنات جنسها أفضل مما قالت هذه المرأة".
ولقد وزعنا مع الدعاية الانتخابية كتيب به هذه الفتاوى .
معارضة إخوان الكويت
إذا كان الأمر كذلك بين جماعة الإخوان المسلمين فلماذا عارض إخوان الكويت ترشيحك للبرلمان ؟
إن موقف الإخوان بالكويت ليس موقفًا شرعيًا من ترشيح المرأة ولكنه موقف بيئي واجتماعي يقدر ظروف المجتمع !! لأن ذلك سيلاقى عوائق اجتماعية من حيث الموقف تجاه ترشيح المرأة .. ففي الكويت أوفي أي مكان آخر يراعى فيه واقع المجتمع وكمية الحقوق التي نالتها المرأة وتصور المجتمع ووضعها فيه وهذه هي سنة التدرج والواقعية في الإسلام .
والدليل على أن الموقف في الكويت ليس موقفًا شرعيًا هو أنه عند انتقادي لهذا الموقف في أحد الحوارات استنكر إخوان الكويت واعتبروا هذا تدخلاً في شؤونهم الداخلية فأوضحت موقفي بأنه دفاع وحرص على صورة المرأة المسلمة فانتهى الموقف على ذلك ولم يكن ردهم عليّ بأن ما أفعله حرامًا أو مخالفًا للشرع .
وما هي جدوى ترشيح الإسلاميات في البرلمان ؟
مثل جدوى وجود الرجل الملتزم في العمل السياسي العام تمامًا؛ بأن يوضح رأيه في القوانين الموجودة ومحاولة تطبيق الشريعة، ويزيد على ذلك أن وجود مسلمة ملتزمة بمظهرها وسلوكها الشرعي في البرلمان سيمحو في لحظة واحدة ما رسبته وسائل الإعلام وغيرها من موقف الإسلام من المرأة سواء في الغرب أو الشرق وادعاءاتهم المغرضة باضطهاده لها واستغلالهم لما يحدث في الجزائر وأفغانستان وتضخيمه وتشويهه.
أضف إلى هذا أن المرأة تستطيع أكثر من غيرها الإحساس بما تعانيه بنات جنسها، وهي الأقدر على المطالبة بحقوقهن في إطار لا يتنافى مع الشرع والدليل على ذلك أنه أثناء الدعاية الانتخابية لم يكن يستطيع الإخوة المرشحين دخول بيوت أهل الدائرة والاختلاط بأهل البيت لما في ذلك من حرج، ولكني كامرأة كان ذلك ميسورًا خاصة في المناطق الشعبية والقرى فاختلط بالناس في بيوتهم، وكان الحديث مفتوحًا بيننا أكثر، ومن ثم عاينت مشاكلهم بصورة أكبر وهذا هو الدور الاجتماعي الذي إن لم نؤده وفقًا للضوابط الشرعية سيقوم به غيرنا ولكن لأهداف مختلفة تمامًا .
مشاكسات البرلمان
هل ترين أن ما يحدث في جلسات البرلمان من مشاكسات ومقاطعة للمتحدثين وإحراج لهم أحيانا أمر يتناسب مع سمت الأخت الملتزمة ؟!
بالقطع هو شيء صعب يجعل الرجال الملتزمين أنفسهم يقعون في الحرج، خاصة وأن لنا أخلاقيات معينة تنأى بنا عن مثل هذه المواقف ولكنني أرى أن المرأة المسلمة بأخلاقياتها وسمتها وهدوء أعصابها مهما حاول الآخرون استفزازها، وتمكنها من الموضوع الذي تتحدث فيه؛ كل ذلك سيجبر الآخرين على معاملتها بنفس الأسلوب .
الشيوعيون..والأمن
لكنك دخلت في صراع شديد مع القوى السياسية أثناء خوضكم لهذه التجربة ؟
من أطرف ما واجهنا هي الفتاوى التي راح الشيوعيون ورجال الأمن يوزعونها حول شرعية خروج المرأة ومشاركتها في العمل العام، والغرض منها ليس بيان وإظهار الحق بل عرقلة مسيرتي الانتخابية .
وهناك أيضا ما أثير حولي أنا وزوجي من شائعات مثل أنه لدى أربع شقق ثمنهم 5 مليون جنيه، وأن زوجي ابتز النقابة وتعدى على رجال الشرطة وهذه هي أبسط العقبات فضلاً عن القبض على مدير الحملة الانتخابية واللجنة الإعلامية للدائرة ومنازلهم وإلقاء القبض على من يسيرون معنا من الإخوة أو العامة أثناء الجولات الانتخابية ، وقبل الانتخابات بيومين رفضت مكاتب الشهر العقاري إصدار توكيلات للمندوبين ورفعنا قضية حكم فيها لصالحنا في نفس اليوم، وبعد أن استلم المندوبون التوكيلات ألقي القبض عليهم جميعًا وصار لدينا 25 لجنة بدون مندوبين فرفعنا قضية لإيقاف الانتخابات وحكم لنا فيها، فرفع الأمن قضية ليلة الانتخابات باستمرار الانتخابات وبالفعل تمت الانتخابات وبعد الفرز حصلنا على أكثر من 50 % من الأصوات فسحب رجال الأمن ثلاثة صناديق وتم الإعادة بيننا وبين مرشحين آخرين وفي يوم الإعادة أعلن الأمن إلغاء الانتخابات السابقة استنادًا للقرار الذي اتخذته المحكمة لصالحنا وألغوه هم بحكم آخر وهكذا ظلت الانتخابات متوقفة عامين حتى حدثت مهزلة 27 / 6 / 2002 التي تم فيها حصار الإسكندرية بأكثر من 85 ألف جندي أمن مركزي ولم يستطع أحد الدخول أو الخروج حتى المرشحين أنفسهم تم الاعتداء عليهم ومنعوا من دخول اللجان وألقى القبض على النساء وأكثر من 200 رجل ليسوا جميعًا من الإخوان .
من الواضح أنها عقبات وضغوط كثيرة لكنك ربة أسرة فكيف كان موقف أسرتك من كل هذا ؟
لابد أن يكون جميع أفراد الأسرة متفهمين للأمر وأنه في صالح دعوتنا وديننا وهو ما وهبناه حياتنا كلها وأن علينا جميعًا التعاون لتحقيق هذا الهدف وإبراز دور المرأة المسلمة في المجتمع دون التخلي عن الضوابط الشرعية وبفضل الله ومع الفهم الجيد لدى أبنائي لم يكن هناك أي أثر سلبي على الأسرة بل كان هناك صمود وثبات على ما نراه حق .
أنه في إحدى الجولات الانتخابية كان معي زوجي وولدي وبناتي الثلاث وأزواجهن فقط وفي أحد الميادين وقف ابني يلصق ملصق الدعاية فإذا بسيارة شرطة تهجم عليه ويريدون اصطحابه معهم فذهب أبيه ليخلصه من أيديهم فتركوا الولد وألقوا القبض على زوجي فذهبت لأرى ما يحدث فضربني أحدهم بكعب المسدس على رأسي من الخلف وجذب آخر الكاميرا من يد ابنتي حتى كاد يقطعها .. وكل هذه الضغوط لم تزحزحنا عن موقفنا قيد أنملة.
تردد الحديث حول اتصال السفارة الأمريكية بك فما قصة هذا الاتصال ؟
في انتخابات 2000 اتصلت السفارة الأمريكية وأخبروني أن هناك شخصية في السفارة ( سكرتير أول السفارة ) يعد تقريرا حول الانتخابات ويريدون إجراء حوار معي أنا وزوجي فوافقنا فنحن ليس لدينا ما نخفيه ونجهر بدعوتنا أمام الجميع وبالفعل تم اللقاء وكانت هناك بعض الأسئلة ذات أهداف معينة على طريقة ( قياس النبض ) و ( تحديد القوة ) وكذلك فعلت السفارة البريطانية والألمانية ووكالات الأنباء والتليفزيونات المختلفة كالتليفزيون الصيني والياباني .
وفي رأيي أن هذا إن دل على شيء فإنه يدل على مدى تخوف البعض من الإسلام وقوته وعودته من جديد، ومن واجبنا أن نحرص على تعريفهم بديننا ومبادئه.
ـــــــــــــــــــ(64/30)
البحث عن الحقيقة
هناء الحمراني 6/1/1425
26/02/2004
مدخل:
(أُدخلتْ المستشفى.. عليها البقاء فيها لبضعة أيام لتلقي العلاج اللازم) تقرير روتيني، لا تهمنا تفاصيله، ولا حتى المرض الذي أصابها، ولكن لنذهب إلى تفاصيل أخرى، ولنشترك معًا في تأملها.
كانت مستلقية على ظهرها في حالة تعب شديد، الممرضة تقيس درجة الحرارة، النبض، الضغط. تلتفت إليها صاحبتنا مبتسمة وبلغة إنجليزية بسيطة تحاول التماسك قالت لها: (أأنت مسلمة؟) قطبت الممرضة حاجبيها وقالت منهية الموضوع بغضب:(لا..أنا مسيحية) ولملمت أغراضها إلى مريضة أخرى، وتركتها خلفها تفكر في الخطوة التالية من حوارها المبتور.
لم تكن الممرضة الوحيدة التي تلقت مثل هذا السؤال، أو الوحيدة التي أجابت بتلك الإجابة، وليست المحاولة الأولى والأخيرة التي تقوم فيها صاحبتنا بدعوتهن إلى الإسلام برغم ما تعانيه من صعوبة التكلم بالإنجليزية.تحدثت معهن. أعطتهن الكتب ، تعاملت بأفضل ما يمكن أن يظهرها مثالاً للمرأة المسلمة أمامهن. لم تجد استجابة واضحة، لم يعنِ ذلك يأسها من ردة فعل إيجابية ولو بعد حين، فالأمر بيد الله سبحانه.
لكن في نفسها -كما في نفس أي مؤمن يشفق على البشرية- رغبة جارفة كي تكون سبب الهداية، لا بد من ترك أثر في حياتهن قبل خروجها من المستشفى، فكرتْ، استشارتْ، ثم كتبتْ لهن رسالة وضعتها في برواز على طاولتهن وذهبت:
(ابحثي عن الحقيقة بنفسك، لماذا نعيش؟ وما مصيرنا بعد الموت؟ ابحثي بصدق وستجدين الإجابة..دعواتي معك).
هنا انتهت قصة صاحبتنا، تخيلوا اللوحة، وتأملوا الكلمات، لنبحر في ذلك الزمن الحميم قبل عدة قرون، ننظر إلى ذلك الهارب من دين المجوسية في بلاد فارس، مكابدًا التعذيب والآلام، خاسرًا مكانته بين أهله، انتقل إلى الشام فاعتنق النصرانية، بحثًا عن الدين الصحيح، فأصبح عبدًا مملوكًا في المدينة، هناك يلتقي بسيد البشر، وخير من وطأت رجله الثرى، حبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
من الذي ألهم سلمان الفارسي؟ من الذي جعله يحطم القيود الحديدية ويهرب؟ ومن الذي وفقه ليواصل مسيرة البحث حتى وصل؟ إنه الله سبحانه وتعالى الذي أعانه إذ بحث عن الهداية.وهو الله جل شأنه من يسر لأبي ذر الغفاري الطريق إلى الإسلام أيضا. وعلى امتداد السنين، وتقلب الأحوال، يظهر لنا في كل زمن شخص ما يبحث عن الحقيقة فيجدها.
نعم..هناك من قد بحث عن العالم الجديد، عن مناجم الذهب، وآبار البترول.هناك من لم يصل وهناك من قد وصل على أكتاف علم من لم يصل.
إلا أن القضية هنا أسمى وأغلى وأهم، لأنها تعني النجاة من النار، والعيش في سعادة أبدية وخلود لذيذ.
أيتها الداعية: فلتكوني أنت النور في طريق هؤلاء التائهين. سليهم من تدعون؛ فإن قالوا: الله، فقولي لهم أن يسألوه الطريق القويم، ولا أحد يشك في ربوبيته سبحانه، فليكن ذلك مدخلك إلى قلوبهم، احكي لهم قصص هؤلاء الأبطال (رضي الله عنهم)، ابحثي عن قصص أخرى، وإن كنت مخلصة في ذلك، فقد تجدين الدموع منحدرة من عيني من يسمعك، وقد لا تلبث أن تقول (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله) وليس هم فحسب؛ بل حتى الغافلين من المسلمين، لنوقظ فيهم الهمم، ولنشعرهم بأن لهم ربًّا رحيمًا يأخذ بيد التائهين، ويوصلهم إلى بر الأمان
ـــــــــــــــــــ(64/31)
زينب الغزالي.. ونصف قرن من الدعوة
هدي سيد 27/12/1424
18/02/2004
كأن روحها تشربت حب الله ورسوله فوهبت نفسها للدعوة، وأفنت حياتها في خدمة الإسلام والمسلمين حتى أمضت أكثر من نصف قرن في العمل الدعوي، وأفنت عمرها بين الدراسة والعلم والتأليف والقراءة وتفسير القرآن الكريم، ولم يكن يمنعها أي شيء أو ظروف من أن تقوم بدورها في خدمة الإسلام حتى في أصعب لحظات حياتها، سواء المرض أو المحنة الشديدة.. إنها خواطر كثير ة تداعت إلى ذهني عن السيدة المجاهدة زينب الغزالي وأنا في طريقي إلى بيتها..
وكنت قد استأذنت في زيارتها فأذنت لي ابنة أختها الحاجة عائشة والتي تتولى رعايتها الآن، وكم تملكني من الإعجاب بجمال الأثاث والفرش في بيتها وحسن تناسق الألوان وازداد إعجابي بالزهور والورود الجميلة المنتشرة في كل ركن من أركان المنزل وفي حجرتها الخاصة كذلك.
ودهشت من المكتبة الضخمة التي تحوي آلاف الكتب والمجلدات، والتي تضم كتبًا تراثية يزيد عمرها على مئة عام.
لكني للأسف لم أستطع التحدث إلى زينب الغزالي نظرا لحالتها الصحية وأمراض الشيخوخة وضعف الذاكرة الذي أصابها منذ فترة.
لكني كنت أتوق لمعرفة الحكاية المشوقة حكاية هذه السيدة المجاهدة المناضلة التي عاشتها كلها لله -عز وجل- وحده، والتي لاقت فيها من التعذيب خلال فترة عمرها وتحملت وصبرت ولم تجزع خوفًا من التهديد والوعيد، إذ لم تترك عملها الدعوي، بل كانت دائمًا قوية ثابتة عنيدة في إظهار الحق والدفاع عنه، وكانت تؤمن دائمًا أن هذا الطريق وإن كان طويلاً ممتلئاً بالأشواك؛ إلا أنه الطريق الوحيد الذي سيصل بها إلى إرضاء الله -عز وجل- وإلى تحقيق العزة والسيادة للمسلمين.
فكيف كانت البداية وما هي فصول هذه الحكاية تعالوا نقرأها سويًّا..
الداعية المجاهدة
ولدت السيدة زينب الغزالي في الثاني من يناير سنة 1919م الموافق الثامن من ربيع أول سنة 1335هـ وكان والدها من علماء الأزهر الشريف، ولكنه كان أيضًا تاجرًا للقطن، ووالدتها من عائلة كبيرة في قرية (ميت يعيش) مركز (ميت غمر) محافظة (الدقهلية)، توفي والدها في سن مبكرة سنة 1928 م، وكان عمرها آنذاك حوالي أحد عشر عامًا. ترسخ في نفسها الكثير من الصفات التي كان والدها يحرص على أن يغرسها فيها لتكون داعية إسلامية، حيث كان يأخذها والدها لصلاة الفجر ويحثها على أداء الصلوات في أوقاتها، ويقول لها: لا تلعبي مع أقرانك فأنت السيدة زينب، وذلك رغم سنها الصغير؛ فنشأت على هذه المعاني وتطلعت أن تكون بالفعل عند حسن ظن أبيها، وتفوقت في مرحلة التعليم الأساسي، وظهرت موهبتها المبكرة في الخطابة والتواجد وسط التجمعات لإلقاء الكلمات، حتى إنها حاولت أن تتصل بالاتحاد النسائي الذي ترأسه (هدى شعراوي) وأعجبت بها (هدي شعراوي) بدرجة كبيرة حيث اختارتها لتكون عضوًا لمجلس إدارة الاتحاد النسائي رغم أنها كانت في السابعة عشرة من عمرها، مما أثار حفيظة الكثيرات لأن الاتحاد النسائي في ذلك الوقت كان يتكون من سيدات المجتمع ومن علية القوم؛ فكيف لهذه الآنسة الصغيرة أن تكون عضوًا؟ لكن (هدى شعراوي) كانت ترى فيها ما لا تراه الأخريات، وبعد فترة شعرت (زينب الغزالي) أن عملها في الاتحاد النسائي لا يشبع طموحها ولا يحقق ما كانت ترجوه لنفسها من عمل إسلامي، وفي هذه الأثناء تعرضت لحادث إنساني أثَّر عليها فيما بعد، فمن المعروف أنها لم تكن تجيد شؤون البيت والمطبخ وغيرها حيث حرص والدها ألا تشغل نفسها إلا بالعمل الدعوي فقط، لكن والدتها حاولت أن تدربها على أعمال المنزل، فدخلت المطبخ وأشعلت الموقد بشكل خاطئ أدى إلى اشتعال النار فيها وإصابتها بحروق شديدة تركت أثارًا واضحة عليها.
وبعد هذا الحادث أسست جمعية إسلامية هي أول جمعية إسلامية نسائية ربما في مصر والمشرق العربي كله وهي جمعية "السيدات المسلمات"، وكان عمرها في ذلك الوقت حوالي عشرون عامًا، وقد أسستها في ربيع أول سنة 1355هـ الموافق لسنة 1937م وانطلقت من خلالها في مجال الدعوة إلى الله عز وجل.
في تلك الفترة اقتربت من العلماء والدعاة ومن مشايخ الأزهر وأساتذة الشريعة وعلماء الفقه وتتلمذت على أيديهم، وبدأت تدرس العلوم الشرعية في المساجد الشهيرة في القاهرة آنذاك منها: مسجد أحمد بن طولون، ومسجد الإمام الشافعي، والجامع الأزهر، ومسجد السلطان حسن، وغير ذلك من المساجد الشهيرة، وبدأت الجمعية بعد ذلك يكون لها نشاطات مميزة في مجالات مختلفة؛ فأقامت معهدًا للوعظ تتخرج فيه الداعية بعد ستة أشهر وتدرس فيه الفقه والسيرة والحديث وما إلى ذلك من العلوم الشرعية حتى تستطيع أن تعظ في المساجد وبالفعل كانت هناك جهود مثمرة في هذا المجال وأقامت أيضًا دار لليتيمات لرعايتهن ومراعاة شؤونهن، لكن سرعان ما تبدل الحال عندما دخلت جمعية السيدات المسلمات التي ترأسها زينب الغزالي في أزمة مع ثورة يوليو 1952 حيث ضيق عليها وحلت جمعيتها، وأيضًا أغلقت المجلة التي كانت تصدر باسم الجمعية وهي مجلة أسبوعية باسم "مجلة السيدات المسلمات"، وقد أغلقها عبد الناصر وأغلقت الجمعية تمامًا سنة 1964م؛ بل قدمت بعدها للمحاكمة باعتبارها مناهضة للثورة، وحكم بإعدامها سنة 1965 لكن خفف الحكم للأشغال الشاقة المؤبدة قضت منها ست سنوات ثم كتبت كتابها الشهير "أيام من حياتي" حيث سطرت فيه ما لاقته من صنوف التعذيب الشديد الذي لم تعذبه امرأة من قبل.
ثم خرجت بعد ذلك بعفو من الرئيس السادات سنة 1971، وانطلقت في العمل الإسلامي كاتبة ومتحدثة وداعية ومؤلفة، ثم تحركت في الجامعات والمؤتمرات الإسلامية بالخارج وزارت العديد من الدول العربية والإسلامية والغربية، وقد ألفت زينب الغزالي العديد من الكتب بالإضافة إلى كتاب " أيام من حياتي" منها: كتاب(نحو بعث جديد) وكتاب (إلى ابنتي) جزءان وكتاب (مشكلات الشباب والفتيات في مرحلة المراهقة) أيضا جزءان، وهناك كتاب (الأربعين النبوية) وهو شرح لأحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكتاب (ذكريات زينب الغزالي في الدين والحياة)، وهناك مجلدين لتفسير القرآن الكريم صدر الجزء الأول منه والثاني قيد الإعداد، وهو كتاب مع الله وهو أقرب المؤلفات إلى قلبها؛ لأنه يتناول شرح وتفسير آيات القرءان الكريم وتوضيح معانيه.
التمسك بالمنهج
كانت أهدافها في الدعوة واضحة ومحددة وكانت تتوجه للرجل والمرأة معًا، وكانت تطالب الرجل المسلم والمرأة المسلمة بإعادة قراءة القرآن من جديد وإعادة دارسة السنة النبوية من جديد حتى نتفهم المقاصد الأساسية للشرع الحنيف، وتعود الأمة مرة أخرى لسابق عزتها وسيادتها وكانت دائما تحث المجتمع شبابًا وشيوخًا ورجالاً ونساءً على العودة إلى الله سبحانه وتعالى.
وهي تتمتع بشخصية قوية وعنيدة، وعندما توقن أنه الحق من عند الله -عز وجل- لا تفرط فيه أبدًا وتواجه به مهما كان الأثر لذلك، ربما تعرضت لكثير من المتاعب في حياتها لأنها كانت تتمسك بالحق ولأنها لو ضعفت أو حاولت أن تساير المجتمع؛ لربما عاشت حياة مختلفة تمامًا لكنها كانت مقتنعة تمامًا بأن هذا الطريق هو الوحيد الذي يصلها إلى إرضاء الله، وهي قد رأت من قبل رؤيا وهي في السجن فكانت هذه الرؤية بمثابة الزاد الذي يدعمها فقد جاءها من يقول لها أنت على قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فاعتبرت أن هذه تزكية للطريق الذي تسير فيه، وبالتالي واصلت فيه إلى الآن.
وكانت ترى زينب الغزالي أن المرأة المسلمة استردت الكثير من وعيها وأنها الآن أقرب إلى طاعة الله في مجملها، وأن العمل الإسلامي النسائي الآن أصبح أفضل بكثير منه في نصف القرن الأخير، وبالتالي كانت تؤمل في أن تخرج داعيات متحدثات ومذكرات بالله -عز وجل-، وكانت ترى أن هذه الجهود التي بذلت لم تضع هباء فحمل هذه الدعوة آلاف مؤلفة من السيدات والفتيات والجامعيات اللائي أصبحن علامة ظاهرة في المجتمع المصري.
وفي رؤيتها للعمل الدعوي للمرأة وكيف توازن بين مسؤولية البيت والعمل الإسلامي اختلفت ظروف السيدة زينب الغزالي في هذه الجزئية لأنها لم تنجب وتوفي زوجها بعد دخولها السجن؛ فلم تكن لديها أعباء أسريّة ، لكنها كانت تدرك أن المرأة تستطيع في كل مرحلة من مراحل حياتها أن تكيف أداءها وفق ظروفها، بمعنى أن المرأة التي لا تجد وقتًا للخروج والدعوة إلى الله في المساجد ربما يتاح لها أن تكتب، وربما يتاح لها أن تربي أبناءها، وربما يتاح لها أن تزور المرضى أن تدور في محيط جاراتها حتى يتهيأ لها الوقت والظروف المناسبين لأداء دورها؛ لأنه ليس كل امرأة تصلح أن تكون متحدثة وخطيبة، لكن قد يكون لديها بعض الصفات التي تشجع على القرب من الله سبحانه وتعالى.
مكتبتها الخاصة
الداعية (زينب الغزالي) تعد مكتبتها من أضخم المكتبات التي يحتويها بيت عالم وفقيه؛ فكانت تملك من كتب التفسير والفقه الكثير، إضافة إلى العلوم الحديثة والكتب الدعوية والحركية. وهناك كتب في المكتبة تزيد عمرها على مئة عام من المؤلفات القديمة.
وكانت تطمح أن تكون أول امرأة تكتب تفسير القرآن، وبالفعل نجحت في ذلك وظهر المجلد الأول منذ أكثر من عشر سنوات واستقبل استقبالاً حسنًا، وكتبت عنه الصحف والمجلات باعتبارها خادمة القرآن الكريم وقدم لها الكثير من الكتاب تعريفات قريبة من هذا المعنى.
البيت الجميل
يقول الأستاذ بدر محمد بدر- سكرتير زينب الغزالي مدة 15 عامًا-: الحاجة زينب الغزالي كانت تحرص على الجمال في بيتها؛ فتجد الورود والعطور والمكان الذي يريح النفس؛ فكانت تعتبر أن الداعية يجب أن يكون جميلاً وما حوله يساعده على أداء هذا الدور، وبالتالي كان الصحفيون والصحفيات الغربيين الذين كانوا يذهبون إليها يدهشون من جمال بيتها وجمال الفرش الموجود مع البساطة الواضحة فيه، وبالتالي فهي تعيش في هذا البيت مع الجو المريح للنفس وحول فراشها تنتشر الورود الجميلة.
عاطفة جياشة
وكان بيت الداعية زينب الغزالي لا يخلو مطلقًا من الضيوف ومن المحبين الذين يسألونها، وكانت دائمًا لا تتناول غذاءها بمفردها، إذ لابد وأن يكون هناك ضيوف من أماكن متعددة فكان بيتها كأنه واحة يستظل بها الكثيرون وأيضا من صفاتها أن كل ما يتعلق بالإسلام تسعى للعمل فيه مهما كانت مريضة أو متعبة لا تقصر فيه مطلقا فتجد هذه المريضة الضعيفة وكأنها أصح ما يكون وتنسى ما بها من مرض، فإذا ما وجدت نفسها مدعوة لنصرة الإسلام تنسى مرضها وتنطلق لخدمة الدعوة .
والآن وحتى وإن كانت ذاكرتها قد ضعفت في بعض الأمور إلا أنها في أمور الدين وما يتعلق بالعقيدة تجد الآيات الصحيحة والأحاديث الصحيحة والذكر الصحيح هو الأصل حتى المعاني وحتى الدعاء مازال قويا عندها.
ولم تكن تشغل ذهنها أبدا بالأمور المادية وكانت تنفق على الكثيرين وعلى الأقارب والمرتادين فكانت تنفق بسخاء متأسية بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام عليه الصلاة والسلام أنه كان ينفق ولا يخشى الفقر.
وعن مرضها الأخير فقد تعرضت خلال السنوات الأخيرة لضعف في الإبصار فأجرت عملية جراحية ولكن يبدو أن هذه العملية قد أثرت على صحتها وأصابتها بشيء من النسيان وضعف الذاكرة وبالتالي توقف عملها الحركي وعكفت على الطاعة والعبادة في بيتها وقللت من لقاءها بجمهورها ومشاركتها في الحياة العامة.
العمل لله فقط
ويختتم الأستاذ بدر محمد بدر حديثة عن الداعية زينب الغزالي؛ فيقول: لقد كان حب الله وحب الرسول وحب الإسلام هو النفس الذي تتنفسه وهو الدم الذي يجري في عروقها، وأشعر أن مصر والعالم الإسلامي ما زال لا يعرف قدر هذه السيدة التي اجتهدت من الصفر وبدأت حياتها دون أن يكون هناك سابقات تقتدي بهم في مجال الدعوة والعمل الإسلامي إلا الصحابيات -رضوان الله عليهن-، لكنها في العصر الحالي هي التي بدأت وهي التي انتشرت دعوتها، وهذا هو ثمرة من ثمار الإخلاص فهو الذي يعطي هذا الدين يعطيه حبًّا في قلوب الناس ويتربع على عرش هذه القلوب المحبة للإسلام.
ولم تعمل لنفسها يومًا قط؛ بل كانت تعمل لله دائما ولذلك أطال الله عمرها وبارك في جهادها الذي استمر أكثر من ستين عامًا في خدمة الإسلام ونفع المسلمين؛ فكانت نعم القدوة للداعية الإسلامية في عصرنا هذا وفي كل العصور
ـــــــــــــــــــ(64/32)
وليس عليّ إدراك النجاح!
شيخة العبد الكريم 1/11/1424
24/12/2003
كل ناصحة وموجهة وكل داعية ومربية، تريد أن تعرف نتائج جهودها ومدى تأثر الآخرين بها بلا شك، ولعل هدفها من ذلك التقدم نحو الأفضل، والرغبة في التغيير الإيجابي العملي لمن حولها، كما كان عليه سلفنا الصالح رضوان الله عليهم.
فهذا محمد بن المنكدر -رحمه الله- كان إذا تكلم بكى فأبكى، وكان غيره يقول: "ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة"، ومن الصالحين من نُفي إلى حصن، فأصلح الله أهل هذا الحصن، لما ملكه من صدق التأثير عليهم وحسن البصيرة في دعوتهم.
لكن، هل الداعية مطالبة بتحقيق النتائج الإيجابية والتأثير الفعلي على الآخرين؟! أم شعارها "وعليّ أن أسعى.. وليس عليّ إدراك النجاح"؟! .. هل تأثر الآخرين بالجهود دليل على التوفيق، وإعراضهم دليل الفشل؟! كيف أكون مؤثرة؟! وكيف أعرف بعد عملي أنني أثّرت على من حولي؟!.
مطالبون بالتبليغ
تقول الأستاذة ليلى السابر -عضو هيئة التدريس في كلية أصول الدين.. قسم السُّنة-: "إن المؤمن صاحب همة عالية، همته تعانق السحاب ولا يرضى بالدون، وهو حين يدعو؛ فإنه يطمح وينتظر الاستجابة إليه، لا لأجل إرضاء ذاته أو نصرة له، إنما لنصرة دين الإسلام وإعلاء كلمة الله في الأرض.
ولكن، أن ينتظر التأثير فور دعوته، هذا يحتاج منا إلى عودة إلى دعوة الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم، هل طولبوا وكلفوا باستجابة الناس لهم؟ لقد مكث بعضهم مئات السنين يدعو إلى الله، لكن الله -عز وجل- يقول مواسيًا نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين).
كما وضع لنا ربنا -جل وعلا- قاعدة دعوية هامة حيث قال: (فهل على الرسول إلا البلاغ المبين). إذًا علينا البلاغ والله -عز وجل- يتولى هداية خلقه.
ونجد في مواضع كثيرة من كتاب الله، مواساة الله عز وجل لنبيه لكثرة أذى قومه له وإعراضهم عن دعوته، بل لقد طرده أخواله وهم من أقرب الناس إليه، فأنزل الله تعالى: (ولا تك في ضيق مما يمكرون).
وقال النووي -رحمه الله- في قوله تعالى: (فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر): لا يسقط عن المكلف واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
وها هو القرآن يحدثنا عن قصة أصحاب السبت، حيث استمر الصالحون في نهي العصاة ولم يتركوا النصح بسبب عدم قبولهم، قال تعالى: (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون).
قال ابن العربي في تفسير الآية: لما فعلوا هذا نهاهم كبراؤهم ووعظهم أحبارهم فلم يتقبلوا منهم؛ فاستمروا في نهيهم ولم يمنع من التمادي على الوعظ والنهي عدم قبولهم لأنه فرض قبلوا أو لم يقبلوا، حتى قال بعضهم: "لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا؟!" قال لهم الناهون: "معذرة إلى ربكم"، أي نقوم بفرضنا ليثبت عذرنا عند ربنا.
كما أن العمل مع استعجال النتيجة الإيجابية قد يصيب المرء بالإحباط ويقعده عن العمل، إنما عليه أن يبذل الجهد مع تفاؤل بالقبول، وأن النصر لهذا الدين.
وتشير الداعية أمل الشثري – معلمة – إلى واجب الداعية إلى الله، فإن عليه السعي للتأثير بدعوته قدر ما يملك، فلئن يهدي به الله رجلاً واحدًا خير له من حمر النعم، فإن دعا واجتهد ولم يجد أثرًا لدعوته واستجابة
له؛ فقد قام بما عليه وزالت عنه الحجة، فهو ليس مطالبًا بتحصيل النتائج إنما بالدعوة إليها معذرة إلى ربه.
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي: إن المقصود الأعظم من إنكار المنكر هو أن يكون معذرة وإقامة للحجة على المأمور المنهي، ولعل الله أن يهديه فيعمل بمقتضى ذلك الأمر أو النهي.
وتوافق الأخت مشاعل الحسين – خريجة جامعية – ما سبقها من الآراء فتقول: بالطبع لسنا مطالبين بتحصيل النتائج مع طموحنا إليها، فالله -عز وجل- أوحى إلى أنبيائه بالتبليغ ولم يطالبهم بالنتائج، لكن إذا كان الداعية سببًا في هداية الناس فهذا من فضل الله عليه، وإلا فما على الرسول إلا البلاغ.
وفي آيات أخرى، يوجه الله تعالى الداعية لئلا يشغل نفسه بنتائج دعوته، (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات)، ويكفي الداعية همًّا وجهدًا وبذلاً أن يشتغل بواجب سبل التبليغ، عن أن ينتظر نتائج دعوته في حياته!.
نجاح أم فشل؟
يتساءل البعض، هل التأثير دليل على القبول والعكس دليل على الفشل؟
تجيب أ.أمل القحيز -الأستاذة في قسم أصول الفقه في كلية الشريعة- على ذلك: إلى حد ما، التأثير دليل على القبول والنجاح، فالشخص حينما يدعو إلى أمر ما سواء كان دينًا أو خلقًا أو محاولة لتغيير من حوله أو إقناعهم بفكره، ووجد في المدعو تأثرًا بما يقول أو يعمل أو يدعو إليه، فإنه يشعر بشيء من قبول ا لآخرين له وبنجاحه معهم.
ولكن ليس بالضرورة أن يكون عدم التأثير دليلاً على الفشل والإخفاق، والتوفيق بيد الله، ولقد وجد دعاة عاملون للدين لم يكتب لهم أي استجابة من أقوامهم جميعًا رغم نجاحهم في التبليغ، فعدم الوصول إلى غاية الجهود لا يعني الفشل أبدًا، بل للنظر إلى جوانب الربح من زيادة الخبرات وتطوير القدرات، وتلافي جوانب التقصير، فالداعية إذا اتخذ أسباب التبليغ على بصيرة، فإن جهدها لن يضيع بإذن الله؛ بل هو في موازين حسناته وأمله بالله قوي بأن يظهر الأثر ولو بعد حين.
وتطرح الأخت مشاعل الحسين احتمالاً في هذا الجانب؛ فتقول: ربما خيل إليه بتأثير ما أنه قد نجح، ثم لم يلبث أن اكتشف مدى وقتية ذلك التأثير، فالنجاح الحق استمرار التأثير ولو بعد حين.
كيف أكون مؤثرة؟!
وسائل التأثير كثيرة ومتعددة كما تذكر ذلك أ.أمل القحيز، وتبين شيئًا منها فتقول: منها: الإحسان إلى الآخرين وأسر قلوبهم بذلك، والإيمان بمبدأ الوفرة لا التوفير، بمعنى أن يعطي الإنسان أكثر مما يأخذ، ومن أجود أنواع العطاء التفضل على المسيء، والله سبحانه وتعالى لا يزال يتفضل على عباده بالنعم مع عصيانهم له، فلا هو منعهم بكفرانهم، ولا صرمهم بعصيانهم، والداعية إذا تخلق بخصلة العطاء الوافر حري إن تكلم أن يسمع له، وإن دعا أن يستجاب لدعوته.
ومن وسائل التأثير الاهتمام بهموم الآخرين ومشاكلهم وحسن الإنصات لهم حال حديثهم، على أن يكون ذلك نابعًا من مشاعر صادقة ودودة، ولعل من أكثر أسباب الاختلاف في وجهات النظر عدم الإصغاء إلى الآخرين جيدًا.
ولا تفوتني الإشارة إلى أن كل إنسان لا بد وأن تكون نقطة ضعف فيه يدخل عليها منها، فيكون أدعى للتأثير عليه، وقد تكون هذه النقطة في ميوله أو همومه أو غيرها، فربما ملك الإنسان التأثير الفعال على شخص واحد، فإذا خلصت نيته وصحت أفعاله وهبه المولى القدرة على التأثير على الجماعات والحشود.
وتشير الأخت أمل الشثري إلى بعض وسائل التأثير فتقول: لا يخفى على الجميع ما للكلمة الطيبة إذا خرجت بلسان صادق ونبرة مؤثرة وخاطبت القلوب من غير تشدق ولا تكلف، وقبل ذلك بإخلاص نقي، لأنه ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة، فللإخلاص أثر يهز القلوب ويملك المشاعر. وهناك أمر مهم للغاية، وهو الحصيلة العلمية الوافرة لدى الداعية لتكون أقرب للتأثير، فلا تكون ضحلة المادة، ويجب أن يوافق قولها عملها بلسان فصيح، وتراعي جودة حديثها وتغير نبرات الصوت تبعًا للموقف، ترهب أحيانًا وترغب أخرى، وتعرض المشوق من القصص والأمثال.
وختامًا، توجه أ. أمل القحيز كل من سارت في درب الدعوة، لتكون كفاها مرتفعتان دومًا إلى السماء، بطلب الهداية للناس والصلاح لهم، فالدعاء لمن تدعينه يا أختاه على مسمع منه يجعله يدرك مدى نصحك له وحرصك عليه، فيتولد في قلبه شعور بالود والدفء، ويكون أكثر تهيؤًا للتأثير وأقرب للاستجابة.
نسأل الله جل وعلا، أن يهبنا حسن القول والعمل، وأن يجعلنا دعاة هداة مهتدين عاملين، وأن يبارك في جهودنا وينفعنا وينفع بنا ويتقبل منا، ويجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر مباركين أينما كنا.
ـــــــــــــــــــ(64/33)
كن متفائلاً لتحقق النجاح
هيام فؤاد ضمرة 16/10/1424
10/12/2003
ليس ثمة إنسان أجدر بالرثاء من ذلك الذي يجعل من آلامه الشخصية ونوازل حياته وقضاياه الخاصة محوراً لحياته، فيرى نفسه مستهدفاً ويعيش في بؤرة الظلم ويكرر شكواه أينما حلّ وفي كل مناسبة متاحة.. واجترار الألم وكثرة الشكوى توقع صاحبها فريسة سهلة لأنياب الهم والغم، والتمرغ في ظلمة مهيضة والتعثر في أبسط خطوات الحياة.
فالإنسان بطبعه يؤثر كثرة الشكوى ويظن بذلك العمل أنه حالة تنفيسية تخفف عليه عملية إفراز الأدرينالين.. والحقيقة أنه لا يدري أن بتصرفه ذلك إنما يركن إلى حالة قصر النظر إلى أقصى حد؛ فهو لا يرى سوى السلبيات ولا يسمع إلا كل أمر مزعج، لأن تفكيره تمحور ضمن دائرة ضيقة أحكم طرفاها على رؤية الغم ومشاعر الهموم.
ولمثل هذا النحو من التفكير تأثير مهيض على شخصية الفرد وعلى مشاعره وأحاسيسه، فاستغراق المرء بالرثاء لنفسه يجعله يميل إلى إفساد نفسه من الداخل وإتلاف الجماليات في روحه، فيخنقها بسوداويته وتشاؤمه المتواصل إلى أن يمتلكه في النهاية جملة من المشاعر السلبية ضد الغير، فيصبح حقوداً، حسوداً، يستسهل الإقدام على إيذاء الغير ويتلذذ بذلك.
فهو قد بدأ فعلاً بإيذاء نفسه عندما أخذ بإغراق نفسه في مستنقع التشاؤم، وبتلذذه بالشكوى إنما هو يعمد إلى بسط مظلة الكآبة على أقرب الناس إليه، فهو لم يعد يشعر إلا بالقضايا الخاصة به، ولذلك يزاول أنانيته بإشراك الجميع بقضاياه.
وليس ذلك فحسب فكثير الشكوى من الناس يضحى إنساناً مستسلماً للفشل.. تتعثر حياته بكل خطواتها؛ لأنه يسقط عند أول صعوبة تواجهه، فيتقوقع ضمن شكواه مما يعيق عليه التفكير في إيجاد طريقة للخروج من أزمته، وبالتالي يجلس في زاويته مهموماً محسوراً، يندب حظه العاثر وقدره المستهدف.
وعلى النقيض تماماً؛ فإن الإنسان القوي الذي لا تقهره النوازل ولا يطويه النوى، يظل صامداً مثابراً، صابراً، مجتهداً لحياته، متفائلاً لأيامه، هو بالغالب إنسان ناجح بكل المقاييس، محبوب ترتاح إليه النفوس.
وكم من أفراد استطاعوا تجاوز عثراتهم وتغلبوا على محنهم أو أمراضهم القاسية بقوة إرادتهم الذاتية، وفاعلية نفوسهم الصحية، وإيمانهم المطلق بالله الخالق الراحم الشافي العظيم الذي رحمته تسع كل شيء، وهناك شخصيات كثيرة ضربت مثالاً رائعاً في الصبر وقوة الإرادة وتجاوز المحن أو الإعاقات، كمثل الكاتب المصري (طه حسين) الذي تغلب على صعاب فقد النظر منذ طفولته نتيجة جهل والديه ولم يستسلم للإعاقة، فأنهى دراسته في زمن الصعوبات البالغة في تلقي العلم والسعي نحو مدارجه ونال الشهادات الجامعية التي أهلته لارتقاء المناصب الوزارية، إضافة إلى ما قدمه من فكر أدبي منشور.
وهناك الروائي المعروف (روبرت لويس ستيفنسون) كان مصاباً بمرض صدري شاق ورغم ذلك تميز في أدبه وأعطى ساحة الثقافة كنزاً من أعماله المتفوقة، وأيضاً (هيلين كيلر) المرأة المعاقة التي أضحت واحدة من شهيرات العالم، والأب (داميان) مريض الجذام، أقسى أبشع الأمراض، ظل مواصلاً عمله التطوعي الإنساني في خدمة مرضى الجذام إلى آخر رمق في حياته، والحياة ملأى بقصص الذين تجاوزوا صعوبات حياتهم ومعوقاتهم وأصبحوا شخصيات شهيرة أو ثرية أو ناجحة، وأصبحت سيرتهم الذاتية مع تجربتهم في الحياة قدوة يُقتدى بها.
وليس هناك من قدوة كقدوتنا الأولى سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي تجاوز يتمه من ناحية الأم والأب، وتمثل الخلق السامي في وقت طغت فيه أخلاق الجاهلية بما تضمنته من تخلف وعصبية وانتهاكات، فكان قدوة بشرية بأكملها هو صانع خلقها بتبليغه رسالة السماء التي وضعت نهج حياة المسلمين كافة.
وكثير من الأمهات الصغيرات وربما كن أميات لا يدركن علم الكتابة والقراءة واجهن المسؤولية بقوة الإرادة وتحملن رسالة تنشئة أبنائهن بجداره بعد الترمل، فلعبن دور المعيل والمربي، جاعلين من حياتهن ملحمة للصبر والصمود رائعة المعالم، بما تضمنته من تضحية ومثابرة دون تذمر.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- ترك لنا إرثاً لا يندثر في مسألة التفاؤل كمثل (لا تمارضوا فتمرضوا فتموتوا) ( تفاءلوا بالخير تجدوه).
والحقيقة التي خرج بها دارسوا علم الاجتماع أن ما يرسله المرء من داخله يعود إليه. وأن كل من العقل والجسم يؤثر كل منهما في الآخر.
وفي ذلك قال حكماء الأمثال: "الإناء ينضح بما فيه"، وكل ذلك يجعلنا نتوقف بإعجاب لمن أدرك هذا العلم في وقته المبكر، وهو الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو القائل لأمته: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف". وعلوم الاجتماع والنفس أطلقت علماً حديثاً باتت دراسته تثير اهتمام شريحة كبيرة، كمثل العلوم الباحثة في الطاقة الجسدية والنفسية (الطاقة الشخصية) وتوجيهها إيجاباً عن طريق تفعيل دور العقل الباطن، واستحضار المراد مخزونة في منطقة اللاوعي، والتي تصل إلى 90% من معلومات الخبرة، حيث العقل الواعي يستفيد من 10% فقط من معلومات الخبرة.
وفي مقابل ما تقدمه الحياة من آلام وانتكاسات.. هناك الكثير من عطايا هذه الحياة تمنحنا إياها إيجاباً وبكرم بالغ، ذات تمايز وفضائل على كثير من مناحي حياتنا، تستحق أن نفكر بها، ونذكرها مراراً وتكراراً دون أي تردد لما تهبه من تجميل لحياتنا وإطفاء على آلامنا.
وتعكس علينا طبيعة جميلة وخطوات يسيرة ونفسية سلسة تستحق أن نجمع لها مشاعر خاصة وتفاؤلاً مجزياً.
وقد لفت نظري المثل الإغريقي القديم: "كما تفكرون تكونون" والتي تعني أن شخصية المرء انعكاس لما يتمحور في عقله وضميره، فالإنسان بذلك التصلب والثبات وقوة الإرادة في مواجهة النوازل وتميزه بروح التفاؤل هو الإنسان الناجح بتحويل ضعفه إلى قوة وفشله إلى نجاح، فالقوة التي يكتسبها المرء من خلال تثبيت العزم داخله والتصميم على النجاح، والإيمان بقدرة الخالق على الرحمة، تقضي بالضرورة على أي من العقبات بهدوء، دون أن يتعرض للتشويش الذهني والإرباك العقلي والتوتر النفسي، كما تمنحه السيطرة الكاملة على شؤون حياته ومشاكلها.
فالتخاذل عادة ما يكون نتيجة للشعور بالنقص لأن صاحبه يفتقد القدرة على التركيز والتحليل الذاتي، ويفتقد الثقة بالنفس فيضع العثرات أمامه قبل أن يقدم، ولذلك لا يرى نفسه قادراً على الأداء، وكثيراً ما كنت أعجب لامرئ عطل نجاحه عندما وضع الخوف من الفشل هيكلاً بين عينيه، فاضطرب نظام المعلومات في عقله وأضاع وقته وجهده هباءً منثوراً.
ودعوتي أكيدة للاقتراب أكثر من القرآن الكريم والسنة النبوية فهما منهج حياة أثارت فضول علماء الغرب فراحوا يستنبطون علومهم مما ورد فيهما وإعادة تصديره إلى مجتمعنا!.
ـــــــــــــــــــ(64/34)
نهر النفع الجاري
هناء الحمراني 8/10/1424
02/12/2003
- إن عليّ ديناً ولا يمكنني سداده، وهذا الأسبوع هو آخر موعد لي، فماذا أفعل؟
- صحتي متدهورة والمرض لازال يشتد، والأطباء لا يعرفون ما مرضي.
- مشاكلنا كثيرة، وقد أوشك والدي على الانفصال البارحة، والأمر يزداد سوءًا.
- توفيت زميلة لي عند عودتها من المدرسة في حادث سيارة. ذهبت فجأة دون أن أقول لها وداعاً.. دون أن أقدم لها شيئاً.
- السيارة كلما سرنا بها سمعنا صوت الغناء يعلو من السيارات المجاورة، شباب طائش، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.
-الحروب في كل بلد مسلم كأنما في جسدي.. قتل وتعذيب وتشريد وتنصير و...
تحتارين أمام هؤلاء الشاكيات، لا تعلمين ماذا تفعلين كي تخففين ما بهن من بلوى تسوقك رغبة جازفة في تسديد دين فادية، ومعالجة فدوى وحل مشكلة والديّ فائزة، وأن تقدمي لفلوة المتوفاة ما قد ينفعها، وأن تنصري إخوانك المسلمين في كل بلد. أن تعجبي على هداية كل من ترينه على معصية، وإن لم تكوني تعرفينه ولا تستطيعين أن تصلي إليه.
في كل يوم تطلع شمسه تسمعين أخباراً متشابهة في شكلها، مختلفة في التفاصيل والشخصيات، لا تملكين أحياناً سوى أن تضعي يدك على كتف صاحبتك مبتسمة قائلة: "فرج الله قريب"، وفي أحيان تثور الدموع مع بكائها فتواسينها بالبكاء.
يزدحم رأسك بالأسئلة بحثاً عن الأجر العظيم؛ فـ (من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربه من كرب الدنيا والآخرة)، وبحثاً عن محبة الله؛ فـ (أحب الناس إلى الله أنفعهم خلقه) فكيف نكون أنفع الناس للناس، لكل الناس، لكي يحبنا الله؟
أولاً: احتسبي الأجر في كل عمل تقومين به.. أنه لله فقط، وليس فيه نصيب لمخلوق.
ثانياً: لا تنتظري من أحد كلمة شكر؛ فالعطاء هنا ليس أخذ.
ثالثاً: حاولي أن تكوني قدر الإمكان طرفاً خفياً لنفع الناس.. أجرك على الله.
رابعاً: ضعي نصب عينيك أن تعيني من حولك (ظالماً أو مظلوماً) وسوف تفتح لك أبواب الخير من كل مكان بإذن الله.
خامساً: ابذلي جهدك المادي والمعنوي في حل مشكلة من تقدرين على حل مشكلته.
وأخيراً يأتي السؤال: والذي لا يمكنني أن أساعده..؛ فماذا أفعل؟
إنه ذلك الحبل القوي الذي يصلنا بربنا -سبحانه وتعالى-، من خلاله ييسر لنا الرزق ويفرج الكرب، ويشفي المريض، ويهدي الضال، ويلم الشمل، ويطرح الأمن في البلاد المسلمة إلا أن تقتضي سنة الله غير ذلك، فعله يطرح الأمن في قلوب أصحاب هذه البلاد ويفرغ على المبتلى الصبر إنه – وأظنك قد عرفتيه- إنه الدعاء.
فلتتوضئي ولتستقبلي القبلة بقلب خاشع، وقبل الفراغ من صلاتك اقنتي لربك وارفعي يديك: الله ...
اكف "فادية" بحلالك عن حرامك واغنها بفضلك عن سواك.
فرج كرب "فائزة" وفرج كرب جميع المسلمين..
اشف "فدوى" وجميع مرضى المسلمين..
اهدنا واهد من ضل من المسلمين..
انصرنا وانصر إخواننا المسلمين: واجعل هذا البلد آمناً وسائر بلاد المسلمين.
ارحم "فلوة" وجميع موتى المسلمين، ثبتها بالقول الثابت، واغفر لها ذنوبها وكفر عنها سيئاتها، وأصلح ما بقي لها من أهلها، واجعل ألسنتهم لا تفتر عن الدعاء لها، واجعل قبرها روضة من رياض الجنة وأدخلها الفردوس يا رب العالمين.
خاتمة:
يروى عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: والذي وسع سمعه الأصوات ما من أحد أدخل على قلب الفقير سروراً إلا خلق الله له من هذا السرور لطفاً؛ فإذا أنزلت به نائبة جرى إليها لطف الله كالماء في انحداره حتى يطردها عنه.
ـــــــــــــــــــ(64/35)
د. هاجر سعد الدين: نجاحات حياتي حققتها في رمضان
حوار: عمرو محمد 11/9/1424
05/11/2003
لشهر رمضان ذكريات في النفوس، وتتباين هذه الذكريات من شخصية لأخرى، ومع د. هاجر سعد الدين ترتبط ذكريات الشهر الكريم ببرامج قدمتها لأول مرة في شهر رمضان المبارك.
وتقول في حديثها لـ (الإسلام اليوم): إن من أبرز هذه البرامج التي قدمتها في الشهر المبارك " فقه المرأة في رمضان " و " دنيا ودين " فضلاً عن أن أول ظهور لها في الإذاعة كان في شهر رمضان، وكان ذلك في العام 1972.
وتستعرض د. هاجر سعد الدين أبرز برامجها التي قدمتها ومنها "سبحان الله"، والإضافة البرامجية التي تشهدها الإذاعة خلال شهر رمضان، إضافة إلى تناولها للذكريات الرمضانية في أسرتها، وتنظيم وقتها خلال هذا الشهر الكريم.
** كيف تستقبلين شهر رمضان المبارك؟ وكيف تستقبل إذاعة القرآن الكريم هذا الشهر؟
* أنا عادة أحرص على استقبال شهر رمضان وكأنه ضيف عزيز، وهو كذلك بالفعل، فأقوم بإعداد بيتي بطريقة غير عادية، وليست على غرار مرات العام كله، وأحرص عل شراء فانوس رمضان لأصغر أبنائي، وأختار هذا الفانوس بشكله التقليدي الذي كان عليه قديمًا والمرتبط بالكتابات والنقوش. أمّا في الإذاعة؛ فنحن نستعد لشهر رمضان قبله بفترة طويلة، ربما أكثر من شهر، حيث تتحول الاجتماعات الشهرية مع مقدمي البرامج والعاملين بشبكة القرآن الكريم إلى ثلاثة اجتماعات أسبوعيًا ـ أطمئن خلالها على سير العمل في الإذاعات الخارجية التي سننقل منها شعائر صلاة العشاء والتراويح والفجر.
وأذكر أننا في شهر رمضان كثيرًا ما يرتبط عندنا بمناسبات؛ كان أبرزها الاحتفال بذكرى مرور 14 قرنًا على دخول الإسلام مصر، حيث تتبعنا المساجد التي شهدت مسيرة حملة فتح مصر، بداية من القدس الشريف، ثم أقدم مسجد بالعريش والموجود بمنطقة الفارما.
كما نحرص على تقليد جميل في الشهر المبارك، حيث نقوم بإفطار جماعي لكافة العاملين بالشبكة، وهي فترة نلتقي فيها جميعًا على مائدة الإفطار لتكون طاعة لله عز وجل في شهر كله بركة.
** ما هو أسلوب عملك في شهر رمضان؟
* أعمل بنشاط ربما طوال النهار والليل خلال شهر رمضان ما بين تسجيل البرامج وتحضير الإفطار لعائلتي، ثم السحور وصلاة الفجر، ثم النوم ساعات قليلة قبل الانطلاق للعمل مرة أخرى، لذلك فالشهر في الحقيقة كله بركة.
ومن المهم أن يستفيد المسلم من هذا الشهر، فيقسم الوقت بطريقة تختلف عما اعتاده في باقي شهور العام، فهناك فترة الصباح، ثم فترة ما قبل المغرب، ثم فترة ما بين المغرب والعشاء، ثم فترة منتصف الليل، ثم فترة الفجر، وكلها فترات يمكن تخصيص الوقت فيها لأشياء كثيرة ما بين العبادة والعمل دون أن نشعر بالتعب أو المجهود؛ لأن الإنسان لابد أن يؤدي واجبه بحب.
** وماذا تعلمت من شهر رمضان وأنت تحرصين على تنظيم وقتك بهذه الطريقة؟
* تعلمت من شهر رمضان أن الإتقان والإخلاص في العمل يرقى لمرتبة العبادة مصداقًا لقوله تعالى: (ومن يسلم وجهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور).
وقوله صلى الله عليه وسلم: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
برامج رمضانية
** وما تأثير الشهر المبارك على برامجك؟
* رمضان مرتبط عندي في العمل بنجاحات جميلة في حياتي؛ فأول مرة أظهر في الإذاعة كانت في شهر رمضان عام 1972، وكان أول برنامج قدمته هو برنامج "دنيا ودين"، وكنت أقدمه يوميًا، ولأنه كان برنامجًا متميزًا استمر عمله حتى الآن، ولكن بشكل أسبوعي، وهو برنامج يدور حول الدلالات العلمية الموجودة في الآيات القرآنية، ويهدف إلى زيادة الجرعة الإيمانية، ويدعو الناس إلى التفكر في ملكوت الله.
كما كانت معظم برامجي الناجحة في شهر رمضان أيضًا، ومنها برنامج " سبحان الله " الذي يدور حول قوله تعالى: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون)، وإبراز اختلاف الليل والنهار على الكون بما فيه من مخلوقات.
وقد استمر لمدة عامين متتاليين، وفي رمضان أيضًا تمت ترقيتي إلى مدير عام برامج الأسرة بشبكة القرآن الكريم، وكان أول برامجي أيضا فقه المرأة في رمضان، وكان يقدم يوميًا في رمضان.
الأسرة في رمضان
** هل تعتقدين أن الأسرة المسلمة تفتقد جوانب الترابط خلال الآونة الأخيرة؟
* ربما تكون الوسائل الحديثة قد وفرت الكثير حيث الاتصال بين الأسر نظرًا للإيقاع السريع الذي تشهده الحياة الأسرية.
ونحن في رمضان كأسرة نحرص على أن يكون الإفطار في بيت واحد، وإن لم يكن فبالزيارة بعد الإفطار، حتى نتقابل ونرى أقاربنا الذين قد لا نراهم إلا من رمضان إلى رمضان مع كثرة الانشغالات واستخدام وسائل الاتصال مثل التليفون للاطمئنان على بعضنا دون لقاء الوجوه.
وأتذكر جيدًا أن رمضان كان يعني في بيت عائلتي الرزق؛ فكان أناس يأتون للإفطار يوميًا، وكان أي صاحب مصنع يفضل أن يخرج زكاة المال في شهر رمضان في شكل ملابس وأقمشة توزع على الفقراء، لهذا كان رمضان بالنسبة لي هو شهر الخير كله.
ولقد ورثت أنا هذه العادة حتى الآن، فأحرص على توزيع زكاة المال في شهر رمضان بشكل خاص، مع أنه يجوز إخراج زكاة المال في أي وقت من شهور السنة، ولا أنسى في هذا السياق صوت أمي العذب وهي تقرأ القرآن الكريم صباح كل يوم، وكانت تحرص في رمضان بشكل خاص على أن تجلس لقراءة القرآن بعد العصر، ويطيب لها أن تقرأه بصوت مسموع حتى نسمعه، كما كنا نحرص على أن نختم القرآن الكريم مرتين أو ثلاثًا في شهر رمضان، وهو نفس نهجي الآن، ومن هنا يظهر دور الأسرة في تنشئة أبنائها وتربيتهم على مثل هذه الأخلاق الفضيلة.
** تعتقدين أن لشبكة القرآن الكريم شعبية كبيرة سواء في مصر أو خارجها عن طريق بث الشبكة على النايل سات؟
* الرسائل التي تتلقاها الشبكة من مستمعيها فضلاً عن البحوث والدراسات التي تجرى حول رصد قياسات نسبة الاستماع، وهذا في غير شهر رمضان، أما في رمضان فإنه مع الشحنة الإيمانية التي يمنحها الشهر الكريم لطبيعة ما تقدمه الإذاعة من آيات الذكر الحكيم والبرامج المتنوعة التي تساعد المسلمين في دينهم.
ـــــــــــــــــــ(64/36)
من فيض رمضان
أميرة جمال الطويل 4/9/1424
29/10/2003
ها قد هلت بشائر رمضان وتفتّحت أبواب الجنان فلن يغلق منها باب، وتغلّق أبواب النيران ولن يفتح منها باب طوال شهر المغفرة والعتق من النار، و ينادي المنادي كل يوم يا باغي الخير أقبل لتجد الثواب على ما قدمت من خير، ويا باغي الشر أقصر فكفاك تقصيرًا وذنوباً، وعد إلى الله، فإنك لا تعلم هل ستعيش إلى رمضان القادم أم لا، واستفد من هذا الشهر بتعود الصبر فهو أهم درس تخرج منه في ذلك الشهر وقد تعودت الصبر عن مشتهيات النفس، وترويض للنفس لترك الملذات المباحة في نهار رمضان كالطعام والشراب والجماع، ومع أن هذه الأمور مباحة في غير نهار رمضان؛ إلا أن الصائم يستطيع أن يمتنع عنها، وهذه هي الحكمة من الصيام وهي حصول التقوى كما قال ربُّنا -تبارك وتعالي- (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) وحصول التقوى يكون باستشعار مراقبة الله تعالى في السر والعلن الله (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)، ويكون بتعويد النفس على الصيام والقيام، والإكثار من النوافل والزهد في الحلال المباح، مما يدفع المسلم إلى كره الحرام وتتعود نفسه عدم التفكير القرب منه، ولا أن يمر بخاطره.
ومن أهم الدروس التي نخرج بها من هذا الشهر المبارك هو "الصبر" ومع تقسيم الكثير من السلف لدرجات الصبر إلا أنني وجدت أن الصبر على طاعة الله هو أشد درجات الصبر، لذلك كان الأمر في الطاعات بصيغة الافتعال في سورة طه (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)، وقال جل وعلا في سورة مريم: (رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته)؛ لأن من العبادة ما يكره بسبب الكسل مثل الصلاة ومنها ما يكره بسبب البخل كالزكاة والصدقة ومنها ما يكره بسبب الكسل والبخل معا كالحج، ومنها ما يكره بسبب الجبن والخوف كالجهاد. وطاعة الله تحتاج من المسلم إلى مجاهدة نفسه، وترويضها على الطاعة، والالتزام بأوامر الله. كما نتعود في رمضان أيضا الصبر عن مشتهيات النفس، فالنفس بطبعها ميالة إلى الشهوات (إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي)، فالنفس تميل إلى شهوة البطن وشهوة الفرج وشهوة اللسان، وشهوة النظر، و...، وفي رمضان يتعود المسلم تهذيب هذه الشهوات وضبطها وكبح جماح نفسه، فيخرج المسلم من رمضان وقد ساق نفسه بنفسه وانقادت طوعًا أو كرها لصاحبها، ومن لم يستفد من رمضان خرج وقد ساقته نفسه إلى المهالك وقادته وسيطرت عليه فأصبح لا يرى إلا صورة شهوته، ولا يسمع إلا لصوتها، ولا يستجيب إلا لندائها، وهي تبدأ بالحلال ثم تنتهي به إلى الحرام -أعاذنا الله وإياكم -.
وإذا نظرنا إلى ثواب الصبر في القرآن الكريم وجدنا أن الصبر هو سبب استحقاق التحية من الملائكة في الجنة، كما في سورة الرعد ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)، وهو سبب الفوز بالغرفة ( الجنة) فقد قال الله في شأن عباد الرحمن في آخر سورة الفرقان (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما) بما صبروا على طاعتهم وانقيادهم لأوامر الله سبحانه، وقال الله في شأن عباده الأبرار الذين يوفون بالنذر ويطعمون الطعام ويخافون شر يوم القيامة ( فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولاقّاهم نضرة وسرورا* وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا). فالصبر ثوابه الجنة، وخاصة إن كان صبرًا عن مشتهيات النفس وإكراها لها على طاعة الله.
لقد ضرب الأنبياء والصالحون أمثلة رائعة في الصبر على طاعة الله وتنفيذ أوامره حتى لو كانت النفس تكرهها، وما كان ذلك إلا اختبارًا وابتلاء من الله سبحانه لعباده المخلصين، ففي صبر إبراهيم عليه السلام أروع المثل على طاعة الله، وقد نجح عليه الصلاة والسلام في الاختبار كله واجتازه بتفوق، وقد صور الله ذلك في سورة البقرة (وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلمات فأتمهن)، صبر على دعوة قومه وإلقائهم له في النار، صبر لأبعد ما يكون على دعوة أبيه إلى التوحيد- وإنا لنلمس رقته مع أبيه في سورة مريم وقوله يا أبت .. يا أبت ..- ، وما أجمل صبره حين تبرأ من أقرب الناس إليه كما قص القرآن ذلك في سورة الممتحنة: ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءاؤا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ).
أمره الله أن يترك زوجه وولده الرضيع في وادٍ غير ذي زرع؛ فنجح في الاختبار، أمره الله برفع قواعد البيت فكان يؤدي العبادة بطيب نفس قلب راض وحب ودعاء بأن يتقبل الله منه ومن ولده إسماعيل، وأمره بأن يذبح ولده فلذة كبده فنجح الأب والابن في الاختبار، ولم يتردد الابن في الرد وكان جوابه "يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين".
وفي حياة أولي العزم من الرسل وحياة نبينا -محمد صلى الله عليه وسلم-خاصة وحياة الصحابة والتابعين الكثير من الأمثلة لأناس نجحوا في اختبار الله لهم، وصبروا على طاعة الله.
إن الصبر على الضراء فعل جميل وعبادة أجرها عظيم، ولكن الأجمل منه هو الصبر في السراء، ولذلك قال بعض الصحابة لما فتحت عليهم الدنيا: " ابتلينا بفتنة الضراء فصبرنا وابتلينا بفتنة السراء فلم نصبر". ولهذا كان الابتلاء بالخير والشر ( ونبلُوكم بالشر والخير فتنة). وقد بوب كثير من العلماء في كتبهم بابًا في ذم الدنيا وأوردوا فيه من الآيات والأحاديث الكثيرة التي تحذر من الدنيا والركون إلى ملذاتها وشهواتها.
وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- حريصا على أمته فحذرهم من الدنيا وكان يخاف على أمته أن تبسط عليهم الدنيا فقال: "..فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم" [ أخرجه الإمام أحمد] ؛ بل لعنها لعنًا صريحًا في قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما أو متعلما" [أخرجه الترمذي]، وكان لسان حال نبينا -صلى الله عليه وسلم- "مالي وللدنيا ما أنا والدنيا إلا كراكب ظل تحت شجرة ثم راح وتركها" [أخرجه الإمام أحمد]، وقد عرضت عليه الدنيا بكل مفاتيحها فأبى أن يقبلها، إذ كيف يقبل شيئًا ذمه الله تعالى وحذر منه. كما في قوله تعالى في سورة آل عمران :(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ {14} قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ {15} الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {16} الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ{17}). ولهذا كانت أول صفة لهؤلاء الذين استحقوا الجنات التي تجري من تحتها الأنهار والأزواج المطهرة والرضوان من الله؛ كانت صفة الصبر؛ والصبر هنا هو الصبر عن هذه الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة وكل متاع الحياة الدنيا الزائل. وحين نتحدث عن الصبر عن مشتهيات النفس نتذكر يوسف عليه السلام وصبره عن مراودة امرأة العزيز. فقد كان هذا الصبر أكمل وأقوى من صبره على إلقاء أخوته له في الجُب، فلم يكن أمامه في الجب إلا الصبر، لأن الجزع لن يفيد في شيء وهو صبر اضطراري إن صبر صاحبه واحتسب فله الأجر والثواب وإن جزع ولم يصبر ظل في مصيبته وكان عليه الوزر لأنه لم يرض بقضاء الله، أما موقف يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز فقد كان مخيرًا فيه، وقد أتيحت أمامه كل السبل؛ فالمرأة جميلة وهي الداعية إلى نفسها، وغلقت الأبواب، وقد غاب صاحب البيت، وقد كان شابًا عزبا ليس لديه ما يعوضه، مملوكًا وغريبًا، ومع ذلك هددته إن لم يفعل بالسجن أو يكون من الصاغرين (ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين)، وقد جاء الرد يُعلِّم الأمة كيف يكون الصبر عن اتباع شهوات النفس ( قال رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين) ولما يصدق العبد ربه ويخلص في دعائه؛ يكن الفرج وسرعة الإجابة ( فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع البصير).
إذا كان المسلم يخرج من شهر رمضان وقد تعود الصبر لمدة شهر كامل على طاعة الله والصبر عن مشتهيات نفسه، فالأولى بمن نذر نفسه ووقته للدعوة إلى الله أن يكون هذا الشهر زاده في الدعوة، فهو شهر ( يشحن) الداعية فيه قلبه ونفسه بشحنة إيمانية تدفعه إلى الجد والمصابرة والعمل بقية العام.
وإذا كان أهل الباطل والشرك يتواصون بينهم على باطلهم والصبر عليه ( وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد).
فالأولى بأهل الحق والتوحيد أن يصبروا على الحق الذي هم عليه، وأن يتواصوا به، فأهل الباطل يجتمعون على باطلهم ويعقدون الندوات والمؤتمرات ويخرجون بتوصيات لمساندة هذا الباطل بالمال والجهد، ومنهم من لا ينام الليل وهو يدعو إلى باطله يفكر كيف ينشره بكل السبل، ولا يألو جهدًا في ذلك؛ فالأولى بأهل التوحيد وأهل الحق أن يغالبوهم وأن يصبروا على الحق الذي هم عليه، وأن يتواصوا بينهم عليه كما بين ذلك القرآن الكريم (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
يجب ألا نضيع الفرص والمنح التي يهبنا الله إياها، وخاصة في شهر رمضان، فهي زادنا لمغالبة أنفسنا ومغالبة أهل الباطل والشرك، وقد جاء الأمر القرآني للمؤمنين صريحًا لا يقبل في تهاونًا الأخذ به، بل العمل الصالح والصبر عليه والمصابرة والمرابطة والتزام الصراط المستقيم، فكل منا على ثغر ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون).
فأروا الله من أنفسكم خيرًا.
ـــــــــــــــــــ(64/37)
هنادي تيسير .. والملحمة مازالت تسير
عبد الفتاح الشهاري 12/8/1424
08/10/2003
أرحام الأمهات المسلمات في فلسطين لم تعد تريد التوقف عن إخراج طوابير الشهداء، ولم تعد الأمهات تردن للمعركة أن تنتهي ، فمن هنا بدأت تسير القافلة، ما عاد العالم ينتظر ذلك الرجل لكي يصنع أسطورة الاستشهاد التي عجز عن فك رموزها عباقرة علماء الاجتماع، وأساتذة علم النفس، بل لقد خرجت القضية عن المألوف، واختلط أمامهم الحابل بالنابل، فلم يعد يعرف ماذا تعني البطولة، هل البطولة رجل، أم فتاة، أم هي مبدأ يحققه أيّ منهما مادام في الأفق متسع، ومادام بين الجنبين روح تهفو، وقلب ينبض..
وفاء إدريس:
في 27 يناير 2002، مقتل أكثر من 70 إسرائيلياً وإصابة المئات بالجروح، كانت أول فتاة قادت مسيرة الاستشهاديات، ووضعت أول علامات استفهام على وجوه الحداثيين والعلمانيين، هل هذه المساواة التي نحن نقصدها، أم أن أولئك الصبايا أسأن فهمنا، فلم يتضح لهن أي مساواة نريدها؟!.
وفاء إدريس (26 عاماً) جرّت نفسها مزهوة بشبابها في أول السنة الميلادية الجديدة، ليس إلى حفلات (الكرسمس) أو (عيد الميلاد) وليس إلى (سوبرستار) أو إلى (فنون ستار) وإنما إلى جنة العزيز الغفار.. فخطت بدمائها الطاهرة أول معاني التضحية.
نورا شلهوب:
سلاحها سكّينة سلتها من مطبخ والدتها واندفعت بها يحملها جسدها النحيل الخفيف الذي لم يتجاوز معها الخمسة عشر عاماً خرجت مهرولة من بيتها تبحث عن ذلك الغاصب وهي رافعة سلاحها (الضعيف) بيدها وفي غمرة الإصرار والتحدي وساقيها تسابقان الريح تجري إلى ذلك الغاصب إذا به يعاجلها بطلقة من سلاحه (القوي) أردتها على الأرض مضرجة بدمائها إلى أن فاضت روحها، ما الذي حركها؟، هي تعلم أن لا مقارنة تذكر بين الطرفين، وما من محلٍّ للتحدي بين الجانبين، ولكنها العزيمة عندما تولد في الروح فإنها تتعالى على كل الجروح.
دارين أبوعيشة:
في عيد الحب المزعوم (فالنتاين)، في 27 فبراير 2002م، وفي عمر الزهور (21 عاماً)، لم تتلق وردة حمراء، ولم تُشغل بلف شريطٍ أحمر حول فستانٍ أحمر، بل لفّت شريطاً ناسفاً حول جسدها، حيرت علماء النفس، ودعاة التحرير، ممن لم يعرفوا طعم القرب من الله، من الذين لم يعرفوا أن الحياة بلا هدف، لا تعني إلا حياة البهائم، وأن الحياة على الترف، ماهي إلا حياة الأقزام، احتفلت بعيد الحب ولكن على طريقتها، وقدمت بضع حثالات جنودٍ يهود هدية في عيدها.
آيات الأخرس:
في 29 مارس 2002، رأت آيات الأخرس أن ثلاثة أشهر حتى يحين موعد زفافها حياةً طويلة؛ فأرادت أن تشتم رائحة الجنة، وأن تعجِّل بعرسها وزفافها إلى الفردوس، وهي في الصف الثالث الثانوي، لم تعتريها صبوة المراهقة، ولم تستسلم لعبث الصبايا، ولم يأسرها صورة ذلك الفنان، وهذا اللاعب، بل أسرتْها وجوه أولئك الشهداء الذين سبقوها إلى رحمة الله، فخالطت صورهم مشاعرها، وتملك كامل إحساسها، فعاشت لقضية، وأدركت بصدق معنى هذه القضية، فخلفت عشرات القتلى من جنود إسرائيل، ولم يجد خطيبها أمامه إلا بقايا من همس أمنيات كانت ترددها معه، فلم يكن خبر استشهادها يمثل له صدمة؛ بل أدرك حينها بأن الحياة لها معنىً آخر عند (آيات)، يقول عنها: "عرفتها قوية الشخصية، شديدة العزيمة، ذكية، محبة للحياة، تحلم بالأمان لأطفالها، لذلك كثيراً ما يقلقها بنو صهيون، كلما حلمت بالمستقبل قطع حلمها الاستشهاد، فتسرقني من أحلام الزوجية إلى التحليق معها في العمليات الاستشهادية، وصورة دمائنا التي سنزف بها معاً إلى الجنة".
عندليب طقاطقة:
وزعت الحلوى على أبناء عشيرتها وأهلها في بيت فيجار قبل أن تذهب لعرسها، لم يكن أحد يعلم ما سر هذه الفرحة، ولم يكن خبر استشهادها في مطلع شهر إبريل 2002 بمثابة كذبة أبريل؛ ولكنها سطرت بدمها انتهاء زمان الكذب والحيل، وجاءت وصيتها مدوية وهي تقول: "اخترت أن أقول بجسدي ما عجز القادة العرب عن قوله"، فهزت شارع يافا في القدس الغربية مخلفة 6 إسرائيليين وأكثر من 80 جريح، ففهمت أمها ماذا كانت تقصد عندما قالت لها: "سيأتي اليوم أناس لخطبتي، فأحسني استقبالهم"، يوم 14 أبريل هو يوم مولد عندليب لم ترغب أن تحتفل بعيد ميلادها العشرين بمفردها بل أرادت أن تشرك معها كل المسلمين، وبدلاً من أن يطفئوا لها عشرين شمعة أوقدت للعالم مليون شمعة من معاني التضحية والبذل والعطاء.
هبة عازم دراغمة:
دائماً كان يطلب منها والدها أن يأتي اليوم الذي تقدم له فيه شهادة تخرجها من قسم اللغة الإنجليزية في جامعة القدس المفتوحة بنابلس، ولم تخيب ظنه، ولكنها قدمت له شهادة أعظم من شهادة قسم اللغة الإنجليزية، وهي الشهادة في سبيل الله، ليس ثمنها وظيفة حكومية أو خاصة، وإنما ثمنها الجنة بإذن الله، فهزت في 19 مايو 2003 مدينة "العفولة" شمال فلسطين مخلفة عشرات الجنود الصهاينة..
هنادي تيسير جرادات:
ما أخافها الموت، ولا هابت معاناته، ولم تقف وجلة وهي ترى أشلاء من سبقنها في هذا العالم الفسيح، ولم يردها عن هدفها شيء، فخلفت عشرات القتلى الإسرائيليين في هجومها الذي نفذته في مدينة حيفا، لم تشأ أن تمر ذكرى تدنيس المسجد الأقصى دون أن توجع من دنسوه، ولم تشأ أن تدخل الانتفاضة عامها الرابع دون أن تشفي شيئاً مما في قلبها، ليس شهيداً ولا شهيدين ولا بضع شهداء راحوا ضحية هذا الصلف الصهيوني المتمترس وإنما عشرات بل مئات الضحايا من أطفال ونساء وشيوخ، فلم تعد ترى مستقبل لدراستها في كلية الحقوق لأنها رأت كيف تنهب الحقوق ، وكيف تضيع الحقوق أمام مرأى ومسمع من العالم، ولم تشأ أن تنهي تدريبها في المحاماة في مكتب وإنما أرادت تطبيق المحاماة على واقع الأرض، في المحكمة الفسيحة التي شهدت اغتيال الطفولة، وشهدت انتهاك العفة، وتمرغ فيها محمد الدرة مضرجاً في دمائه بين أحضان والده دون أن يرفع قاضي الأرض كفاً ليقول بأن هذا ظلم، فاتصلت بقاضي السماء متكلة عليه ومضت تخط بدمها أسطورة ملحمة .. مازالت تسير..
ـــــــــــــــــــ(64/38)
خير أمة 1/2
عز الدين فرحات 6/7/1424
03/09/2003
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ )[آل عمران: 110]
يقول العلماء في تفسير هذه الآية :"هذه الأمة لها شبه بالأنبياء من حيث أنها مهتدية في نفسها هادية لغيرها، وإن صفة الخيرية ثبتت لهذه الأمة بهذه الخاصية وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن فقدت هذه الخاصية سلبت ثوب عزها وعظمتها ومجدها، ولم يبق فرق بينها وبين غيرها من أمم العالم". ويقول تعالي : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف:108] " فمن اتبع الرسول فهو مكلف بالدعوة إلي الله تعالي إلى يوم القيامة ".
- يقول ابن تيميه في قوله تعالي :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ )[المائدة: 105] : "إن تمام الاهتداء لا يكون إلا بأداء الواجبات ومن أهمها واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
-ويقول سيد قطب في كتابه "هذا الدين" : "ونحن ملزمون بالعمل لهذا الدين لنحقق لأنفسنا صفة الإسلام، حيث إن لا إله إلا الله تتضمن معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتحقيقها في واقع حياة البشر"
* وهنا يأتي سؤال:
لماذا اختص الله تعالي هذه الأمة بخاصية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
ذلك أن الرسول محمد -صلي الله عليه وسلم- أرسل إلي الناس أجمعين: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [سبأ:28]، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107].
فهذه الدعوة عالمية، ولا بد أن تبلغ لكل الناس، وقد قبض النبي -صلي الله عليه وسلم- قبل أن يشرق نور الإسلام على كثير من بقاع الأرض؛ فكان لزاماً على أتباع محمد -صلي الله عليه وسلم- أن يكملوا رسالته، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء والرسل، فلا نبي بعده، فكان لزاما أن تحمل أمته عبء دعوته ورسالته وتبليغها إلى العالمين إلي يوم الدين .. (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71]
والتكليف بالقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الآية وغيرها من الآيات يشمل الرجال والنساء فهما يشتركان في هذا التكليف كما في غيره و سواء كان ذلك بالقول أو الكتابة أو حتى الاعتراض على الحكام ونقد أخطائهم وتفنيدها،كما ورد في قصة المرأة التي اعترضت على قرار عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتحديد مهور النساء وناقشته بالحجة والدليل مما جعله يتراجع عن قراره ولم يمنعه منصبه من الاعتراف بالخطأ ويقول قولته الشهيرة أصابت امرأة وأخطأ عمر.
1- حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
كلمة المعروف تطلق علي الفضائل الخلقية التي تعيَّن حسنها عند كل واحد، وكلمة المنكر تطلق علي الرذائل الخلقية التي يستنكرها العقل العام، ومعنى المعروف والمنكر في القرآن الكريم أو سع من ذلك بكثير؛ فهو يشمل كل الجهود التي تبذل لبعث الدين وإقامته وتقويم أوده، والمعروف يشمل كل ما أمر الرسول بأخذه، والمنكر يشتمل كل ما نهى الرسول عنه.
قال الرازي: رأس المعروف الإيمان بالله، ورأس المنكر الكفر بالله .
وقال الألوسي: المعروف الطاعات، والمنكر المعاصي التي ينكرها الشرع.
وقال الحدادي: المعروف هو السنة، والمنكر هو البدعة.
وخلاصة ذلك أن الشريعة الإلهية هي المعروف، والحكم المعارض لها هو المنكر .
2 - أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إن فساد الحياة البشرية الآن أمر لا يخفى على صاحب بصيرة، ولا يشك عاقل أن البشرية إذا بقيت على هذا الطريق الذي تسلكه؛ فإنها قطعاً سائرة إلي الدمار والهلاك، والمتبصر في حال البشرية اليوم يدرك قول ابن مسعود -رضي الله عنه- : "يذهب الصالحون إسلاماً، ويبقي أهل الريب من لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً ".
لقد أسنت الحياة وتعفنت وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيد الناس، ولقد استشرى الفساد في كل ناحية من نواحي الحياة، وتخلل الانحلال كل خلية من خلايا الحياة البشرية، واستعملت كافة الأسلحة لحرب الإسلام والمسلمين ومن مظاهر ذلك الفساد:
أ- في الحياة الاجتماعية: أقحمت المرأة كسلاح في المعركة ضد الإسلام تحت شعارات مزيفة من تحرير المرأة والدفاع عن حقوقها، وما مؤتمرات الأمم المتحدة التي عقدت في القاهرة وبكين، وما تبعها من قرارات ملزمة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلا خطوات جادة وحثيثة من أجل إفساد المجتمعات وخاصة المسلمة، فنتج عنها تفسخ في الأخلاق وانتشار للمخدرات والأمراض الاجتماعية والبدنية التي لم تكن معروفة من قبل.
ب- من الناحية الاقتصادية:
استولي اليهود علي اقتصاد العالم بشركاتهم العابرة للقارات وسلعهم التي تغزو الأسواق، وتحكموا بمصارفهم الربوية بأموال الناس حتى امتصت دماءهم وأموالهم بأسماء متعددة.
ج – في مناهج التربية والتعليم :
وضعت مناهج قاتلة للفضائل الإنسانية في النفس، وكلها تلتقي على محاربة الأديان السماوية، وتعمل على تمييع الإنسان، وإقامة حاجز سميك بينه وبين ربه، وازدادت الهجمة شراسة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالتركيز على المناهج الإسلامية والمطالبة بتغييرها، خاصة في كل من مصر والسعودية واليمن وباكستان وغيرها.
د – في الناحية الثقافية: تشجيع العامية لتزاحم وتحارب الفصحى لغة القرآن، وكذا تشويه التاريخ الإسلامي، وبث الشبهات حول القادة المسلمين، ونشر ثقافة الجنس وإذكاء الشهوات عن طريق القنوات الفضائية والإنترنت.
كل هذا وغيره من مظاهر الفساد التي عمت البلاد؛ فأضلت العباد ولم تنج منه بقعه من الأرض، مما يجعل المجتمعات عامة والإسلامية بخاصة في أمس الحاجة إلي من يقوم بمهمة الأنبياء والرسل، فيأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويوضح لهم طريق الخير ويرشدهم إليه ويرغبهم فيه، ويبين لهم طريق الشر ويزجرهم عنه، ومن ذلك يتضح أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة شرعية وضرورة بشرية اجتماعية.
3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علامة فارقة بين الإيمان والنفاق
قال تعالي عن المنافقين : (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة:67].
ويقول عن المؤمنين :(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71] .. فمع أي الفريقين نكون؟
4-خطورة ترك هذا الواجب
ماذا لو تقاعس المسلمون عن القيام بهذا الواجب؟ إن هذا الواجب فريضة علي المسلمين لابد من القيام به. وإن لم يفعلوا ذلك لعمهم العذاب في الدنيا والآخرة وأما العذاب في الدنيا فمن صوره.
ا- العذاب العام : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [لأنفال:25] فالعذاب إذا نزل لن يفرق بين الصالح الطالح طالما ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي الحديث "أن الله أوحي إلى جبريل عليه السلام: أن قلب قرية كذا علي من فيها فقال: يا رب إن فيها عبدك فلان لم يعصك طرفة عين قال: به فابدأ إنه لم يتمعر وجهه مرة من أجلي" أي لم يغضب لله.
ب- استحقاق اللعنة : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78،79].
وكما يوضح الرسول الكريم كان الرجل منهم يلقي أخاه فيأمره وينهاه ثم يأتي الصباح وهو علي حالة فلا يمنعه ذلك من أن يجالسه ويؤاكله ويشاربه فلذلك استحقوا اللعنة.
ج- عدم استجابة الدعاء : روي الترمذي عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: أنه قال: لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم" ولعل ذلك أقرب لما نحن فيه الآن.
د- شدة البأس بين المؤمنين: روي الترمذي عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- أنه قال: "لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن علي يد المسيء ولتأطرنه علي الحق أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم علي بعض أو يلعنكم كما لعنهم " وما الحروب التي يعاني منها المسلمون اليوم إلا نتيجة لذلك، يقتل المسلم بيد أخيه المسلم وأصبح بأسنا بيننا شديداً وبأسنا علي عدونا ضعيفاً.
هذه بعض العقوبات في الدنيا أما الآخرة فعقابها أشد وأنكى عند الله يوم القيامة.
5- فضل الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وجزاؤه.
إن الذين يقومون بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أولئك هم ملح الأمة وبهجة الدنيا، ولئن سكت هؤلاء وتقاعسوا عن أداء واجبهم أوشك الله أن يعم الأمة بعقاب فأداء هذا الواجب يمنع أو يؤجل العقاب من الله لعباده .
قال تعالى:(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104)
إن فضل الداعي إلي الله عظيم ومقامة كبير، لقد نجى الله سبحانه وتعالي نوحاً والذين آمنوا معه في السفينة، وأغرق الكافرين جمعياً، ذلك لفضل ومكانه الداعي إلي الله كذلك نجي الله لوطاً وقليلاً من أهل بيته لما آمنوا، وأهلك القرية بمن فيها، وفي قصة أصحاب السبت خير دليل: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) [لأعراف:165].
وليس في الأرض أفضل ممن يقوم بهذه المهمة ولا أكرم عند الله منه " (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33]
شبهات حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرد عليها.
قد تثور بعض الشبهات في النفوس حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يلقيها الشيطان في بعض النفوس، وقد تستجيب له النفوس الضعيفة أو الجاهلة ومن هذه الشبهات ما يلي :
- تفضيل الانقطاع لعبادة الله والابتعاد عن الناس، وذلك لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) [المائدة: من الآية105].
- إن الفساد قد عم وانتشر، ولن يفيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في شيء.
– إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهمة العلماء ورجال الدين، وهو فرض كفاية.
هذه بعض الشبهات التي قد تثار في النفوس المتخاذلة للرد عليها نقول:
أولا: هل يجوز الانقطاع لعبادة والابتعاد عن الناس؟
والإجابة على ذلك بالنفي طبعاً ومن يظن غير ذلك من الناس؛ فإنه لا يدرك طبيعة هذا الدين، ولا يعرف أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الركن الأساس في هذه الأمة، وهو الذي من أجله كانت خير أمة: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) [آل عمران: من الآية110]
وعما يزعمه البعض في قول الله تعالى: ( عليكم أنفسكم ..)؛ فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه صعد المنبر ذات يوم وقال: أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها...، وتلا الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (المائدة:105) ثم قال :وإني سمعت رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا علي يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب.
ويقول فيها ابن تيميه رحمه الله: إن تمام الاهتداء لا يكون إلا بأداء الواجب، ومن الواجب علي المسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ويروى أن الله أوحى لجبريل أن اقلب قرية كذا علي من فيها قال: يارب إن فيها عبدك فلان لم يعصك طرفة عين . قال تعالي: به فابدأ إنه لم يتمعر وجهه من أجلي، أي لم يتغير وجهه غضباً من أجلي.
-يقول ابن القيم عن الذين يتركون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل الزهد أوالذكر: هؤلاء في نظر العلماء من أقل الناس ديناً؛ فأي دين وأي خير في من يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تضاع ودينه يترك، وسنه رسول الله يرغب عنها، وهو بارد القلب ساكن اللسان؟ إنه شيطان أخرس. وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذ سلمت لهم مآكلهم ورياستهم فلا مبالاة بما يجري علي الدين وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم . قوبلوا في الدنيا بأعظم بليه وهم لا يشعرون وهي موت القلوب فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره لدين الله أكمل .
ثانيا:أن الفساد قد عم وانتشر ولن يفيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرفي شيء .
- شبهة أن الفساد قد عم وانتشر ولن ينفع أمر ولا نهي . فقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم ما يشبه ذلك في قصة أصحاب السبت بقوله تعالي : (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(164)فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (لأعراف:165)
ولعل في تفسير هذه الآية ما يرد على هذه الشبة بل إن بعض المفسرين قالوا إن الله لم يذكر في الجزاء إلا طائفتين فقط العاصين الذين أهلكهم ، والناهيين عن المنكرالذين أنجاهم ، وأما الطائفة الثالثة التي لم تنه ولم تأمر لم تذكر إما احتقارا لشأنهم أو لأن العذاب عمهم مع العاصين والله أعلم بمراده.
– قولهم إن هذه مهمة العلماء ورجال الدين وأن ذلك فرض كفاية ولتكن منكم أمة . فإن هذا القول مردود بقول رسول الله " بلغوا عنى ولو آيه " فمن علم آيه واحدة من كتابه الله فهو مكلف بتبليغها والدعوة إليها وقوله تعالي: ( ولتكن منكم أمة ) . فإن ( من ) في قوله ( منكم ) لا تفيد التبعيض وإنما تفيد عموم الجنس كما قال تعالي ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) فلو كانت ( من )هذه للتبعيض لكان المعنى اجتنبوا بعض الأوثان وتمسكوا ببعضها وقولهم:إنه فرض كفاية.
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نوع من الجهاد والجهاد فرض عين لقوله تعالي ( انفروا خفافاً وتقالاً..) وقوله ( إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ... )
7-صفات يجب توافرها فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر :
ا-الإخلاص : والإخلاص روح كل عمل وأي عمل مهما كان عظيما لا قيمة له إلا بالإخلاص فإذا فقد الإخلاص فلا قيمة له وهو مردود علي صاحبه والإخلاص شرط النجاح والتوفيق في أي عمل وإذا شاب العمل شيئ من الرياء فقد حبط العمل ولم يكتب له التوفيق .
ب- أداء العبادات : وعلي رأسها الصلاة لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ) .
ج- الصبر : فمن سنة الله في الكون أن كل من بتصدي لهذه المهمة لابد وأن يتعرض للأذى في نفسه وفي بدنه . فكان لابد لمن يقوم بها أن يتحلى بالصبر ليستطيع تبليغ دعوته وقد أوصي لقمان ابنه بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصبر فقال:(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان:17).
وفي سورة العصر بعد التواصي بالحق وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان التواصي بالصبر( وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) .
د-العفو: ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) في الآية الكريمة يأمر الله بالعفو قبل الأمر بالمعروف وذلك لأهمية حسن الخلق في الدعوة إلي الله والحلم والعفو عن الناس فلابد أن يتحلى الداعي بحسن الخلق فيعفو ويصفح ويتحمل الأذى والنقد .
هـ-استخدام أحسن الأساليب : ( ادع إلي سبيل ربك الحكمة والموعظة الحسنه ) ولابد من تحين الفرص والأحداث والمناسبات للحديث فلكل مقام مقال وقد يحسن السكوت في موضع وقد يذم في موضع آخر وكذلك الكلام قد يحسن في موضع وقد يذم في آخر فعلي من يقوم بهذا الأمر اختيار الوقت المناسب والمكان المناسب .
و-الدعوة إلي الله في كل حين
- يوسف عليه وسلام يقوم بالدعوة وهو في السجن . ( يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله القهار . )
- نوح عليه السلام :(قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً(5)فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً(6)وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً(7)ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً(8)ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً(9)فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً(نوح:10)
8- ضوابط عامة في فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
1- البدء بالأهم فالمهم:إذا كان هذه الفريضة جهاد فيه بذل وتضحية ومشقة فالأولي بالمسلم أن يوجه هذا لجهد إلي إصلاح القضايا الأكثر أهميه ولا يصرف وقته وجهده في علاج الجزئيات والفرعيات البسيطة.
2- البعد عن مواطن الخلاف :يجب علي من يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر أن لا يحمل الناس علي آرائه واجتهاداته في الأمور التي تحتمل الاجتهاد والتي اختلف فيها العلماء والفقهاء وذلك أن الأمور الاجتهادية ليست محلا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا فيما أجمع عليه العلماء .
3- عدم التجسس :لا يجوز لمن يقوم بهذا الواجب أن يتجسس أو يقتحم الدور بالظنون أو يتتبع عورات الناس فإن ذلك حرام لقوته تعالي ( ولا تجسسوا).
4- معرفة أحوال الناس : ينبغي لمن يقوم بهذه المهمة أن يكون عالما بأحوال الناس وظروفهم ليخاطبهم بما يناسبهم من أسلوب فما يصلح للعقلاء لا يصلح للسفهاء وصدق القائل( خاطبوا الناس علي قدر عقولهم ) .
5- يتم هذا الواجب قدر الاستطاعة :ولعل حديث الرسول صلي الله عليه وسلم ( من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان وليس بعد ذلك مثقال حبه خردل ) لعل هذا الحديث يوضح الاستطاعة وترتيب الدرجات فيها وليس في الإنكار بالقلب وحده لأنه لا يكلف صاحبه شيئاً ويجب علي صاحب هذه الحالة هجر أهل المنكر وعدم مخالطتهم وإلا حلت اللعنة علي الجميع فقد لعن الذين كفروا من بني إسرائيل لذلك السبب؛فقد كان الواحد منهم يأمر أخاه بالمعروف وينهاه عن المنكر ثم يلقاه في اليوم التالي وهو علي حالة لم ينته عن المنكر فلا يمنعه ذلك أن يجالسه ويؤاكله ويشاربه . فلذلك لعنوا قال تعالى :(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78 )كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة:79).
9- أحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ينبغي لمن يقوم بهذه الفريضة أن يغلب علي ظنه أن المصلحة فيما يقوم به راجحة علي المفسدة وإلا حرم عليه ذلك وهنا أربعة أحوال :
- أن يزول المنكر ويخلفه المعروف.
- أن يقل ولم يزل بجملته .
- أن يخلفه ما هو مثله من منكر .
- أن يزول ويخلفه ما هو شر منه .
وقد اتفق الفقهاء علي مشروعية الأمر في الحالتين الأوليين وحرمة الرابع أما الثالث فهو محل اجتهاد ويقدر حسب المصلحة والظروف .
10- التنوع في الوسائل والأساليب
1- تحديد الداء والدواء: وذلك أول ما يجب علي الداعي أن يهتم به أن يحدد الداء الذي يعاني منه المدعو والذي علي أساسه يستطيع تحديد الدواء المناسب كالطبيب تماما .
2- إزالة الشبهات :وإن من يقوم بهذا الواجب يقابله أعداء الله بالإيذاء وغيره ومن ذلك إثارة الشبهات حول الدعوة ذاتها ويجب علي الداعي أن يصبر علي ذلك وأن يبتعد عن مواطن الشبهات.
3- الترغيب والترهيب:والأصل في ذلك أن يكون بالترغيب في رضي الله تعالي وثوابه وذلك في القرآن الكثير وبالتخويف من غضب الله تعالي وعقابه. كذلك بذكر عاقبة المكذبين والعاصين من الأمم السابقة ومصائر هذه الأمم ومصارعها .
4- التربية والتعليم :حيث لا يكفي مجرد التبليغ بهذه الدعوة فقط ولا يكفي مجرد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل يجب علي الداعي إذا ما تمت الاستجابة له أن يكمل واجبه بتربية وتعليم المدعوين ولا بد من تعليمهم دينهم والحلال والحرام وما يجب عليهم فعله وما يجب عليهم تركه ولا يكفي مجرد التعليم فقط بل لابد من العمل أي التربية الدائمة والمستمرة علي قواعد الإسلام .
ولعل أهم وسائل التربية : هي الاتصال الدائم بالقرآن ومذاكرته وتطبيق مافيه من أوامر ونواه بعد تدبره، وكذلك سيره رسول الله وسيرة الصحابة الكرام والسلف الصالح رضي الله عن الجميع .
والوسائل متعددة ومتنوعة نجملها في محاور ثلاثةهي(القول-العمل-حسن السيرة)
أ- القول : ومن صورة الخطبة – الدرس – المحاضرة – المؤتمر – الرسالة – المقال – الكتابة ...........
ب- العمل : أي العمل علي إزالة المنكر باليد .(64/39)
جـ- السيرة الحسنة : ويقصد بها أن يكون الداعي صورة حسنة وقدوة لغيره من الناس ليقتدوا به في فعل الخيرات والمعروف والابتعاد عن المنكر
ـــــــــــــــــــ(64/40)
جورج يدعو إلى الإسلام
حوار: عز الدين فرحات 8/6/1424
06/08/2003
بعد لقائنا بأمينة ومريم في مكتب توعية الجاليات بسلطانة كان هناك ثلاثة رجال يعلنون دخولهم في الإسلام التقينا بالرجل الذي دعاهم للإسلام .
كان اسمي جورج، سريلانكي الجنسية، أعمل في مكتب الدفاع المدني في طريق ديراب بالرياض،كنت نصرانياً متمسكا بها، وقد عرفت كل الديانات وقرأت عنها فلم تنفعني حتى تعرفت على الإسلام.
بهذه الكلمات بدأ حديثه معنا في حواره لموقع " الإسلام اليوم" .
-يقول: اسمي الآن (محمد) وأشعر بالعزة باسمي، وقد وجدت في الإسلام ما فقدته حين كنت غارقاً في الكفر.
وجدت طمأنينة النفس وراحتها بعد أن كانت تخضع لعبودية المادة وسيطرتها.
محمد يبلغ من العمر 49 عاما متزوج وله من الأبناء ولد عمره 13عاماً وبنت عمرها 12سنة ويعول والدته وعمرها 79 سنة . .
سألناه كيف تعرف على الإسلام ؟
- يقول كان ذلك منذ سنتين كنت أقرأ في الديانات السابقة ولم انتفع منها بشيء حتى أهداني أحد زملائي في العمل ( وهو هندي) نسخة مترجمة من معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية؛ فقرأتها حتى وصلت إلى قوله تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) لحظتها أحسست أن هذا هو الدين الحق الذي يتميز بالتمام والكمال، وقد ترددت قليلاً لأني خشيت إن أنا أسلمت أن تفارقني، زوجتي ولكن أخبرني أحد الإخوة أنه يجوز أن يتزوج المسلم من النصرانية . وكانت هذه هي لحظة البداية في حياتي حيث بدأت أتعرف على الإسلام أكثر وأكثر حتى زادت قناعتي به، وأسلمت لله رب العالمين وولدت ميلادا جديدا .
مَن أكثر من تأثرت به من المسلمين؟
- أكثر من تأثرت بهم من المسلمين هما اثنان من زملائي أحدهما عبد الرحمن وهو هندي الجنسية، والآخر جابر وهو فلبيني، وقد أسلما حديثا؛ فلحظت تغيرا واضحاً في سلوكهما وأخلاقهما إلى الأحسن والأفضل.
هل هناك موقف معين أثّر فيك وجعلك تدخل في الإسلام؟
- كل ما عرفته عن الإسلام كان سبباً في تمسكي به وكلما ازددت معرفة بالإسلام ازددت يقينا به وتمسكا بتعاليمه.
ما هو شعورك حين أعلنت إسلامك؟
- كنت أشعر بالراحة النفسية والطمأنينة وخاصة أنني كنت قبل إسلامي أدخن السجائر وأشرب الخمر منذ كنت في الثانية عشرة من عمري ولم أتوقف عن ذلك إلا بعد إسلامي منذ عامين.
فقد ظللت أدخن السجائر وأشرب الخمر لمدة تزيد عن خمسة وثلاثين عاماً، ومعروف طبعاً ما يترتب ذلك من مشاكل وسوء في الأخلاق حتى أذن الله بإسلامي، والآن أنا حريص على أداء الصلوات الخمس في جماعة، وقد أديت فريضة الحج والعمرة مع إخواني المسلمين في مكتب توعية الجاليات بسلطانة.
هل واجهتك مشكلات بسبب إسلامك؟
- نعم واجهتني بعض المشكلات من زملائي في العمل غير المسلمين.
ولكن بفضل من الله تعالى عاملتهم بما يمليه عليَّ إسلامي وحاولت معهم في حل بعض مشكلاتهم بناءً على تعاليم الإسلام ومبادئه حتى منَّ الله عليَّ بأن أسلم على يدي ثلاثة من زملائي أحدهم هندي والآخريْن فلبينيْن.
هل أسلم أحد من أسرتك؟
- حتى الآن لم يسلم أحد؛ لأنهم لم يتعرفوا على الإسلام، ولم يعرضه عليهم أحد، ولكن أدعو الله أن يعينني على دعوتهم إلى الإسلام عند عودتي إليهم إن شاء الله.
ماذا تقول لإخوانك المسلمين بعد إسلامك؟
- أقول لهم ما قاله الله - عز وجل-: (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)
فأقول لهم لا تدعوا إلى الله بغير علم لا بد من العلم أولاً .
وأنا قد التحقت بمدرسة عمر بن الخطاب لتحفيظ القرآن الكريم وتعليم المسلمين الجدد بالبديعة في دورة لمدة ستة أشهر حتى أتعلم أمور ديني، وأستطيع أن أدعو إلى الإسلام على هدى وبصيرة.
ما أهم أمنياتك بعدما أسلمت؟
- أدعو الله تعالى كل يوم أن يثبتني على الإسلام، وأن يكون تمسكي به قوياً.
وكذلك أدعوه وأتمنى أن يعينني على حفظ القرآن الكريم، فأنا الآن أحفظ 28 سورة من القرآن الكريم وكثيراً من الأحاديث النبوية الشريفة.
وأسأل إخواني المسلمين أن يدعوا الله لي أن يعينني ويوفقني في دعوة أسرتي إلى الإسلام، وخاصة والدتي التي تبلغ من العمر 79عاما لعل الله يعتق رقبتها من النار قبل أن تأتيها منيتها.
ـــــــــــــــــــ(64/41)
أم خالد تنقذ ثلاث رقاب(1/2)
حوار /عز الدين فرحات 1/6/1424
30/07/2003
اليوم: الثلاثاء 22 من جمادى الأولى 1424هـ
المكان : مكتب توعية الجاليات بسلطانة
الحدث : إسلام امرأتين وثلاثة رجال
ما أجمل أن تكون مسلماً!، وأجمل منه أن تكون على معرفة بإسلامك، وأجمل من هذا وذاك أن تكون عاملاً بما تعلم من أمور الدين، وأجمل من هذا كله أن تدعو غيرك إلى التمسك بالإسلام، فما بالك إذا أدت دعوتك إلى دخول نفس جديدة إلى الإسلام وعتقها من النار؟!.
في مكتب توعية الجاليات بسلطانة التقينا بـ(آمنة) -40 سنة- و(مريم) -52 سنة.
تقول (ننداواتي) أو (آمنة) بعد إسلامها إنها كانت بوذية مدة عشرين سنة، ثم نصرانية لمدة عشرين سنة أخرى، وكانت متمسكة بنصرانيتها حتى مَنَّ الله عليها بالإسلام.
وأما (بيواتي) أو (مريم) فقد كانت نصرانية حياتها كاملة.
تقول آمنة: إنها كانت تعمل في المملكة، ثم انتقلت للعمل في لبنان، فقارنت بين طبيعة المجتمع هنا وهناك، وتمنت أن تعود إلى العمل بالسعودية لما رأته من التزام الناس بالإسلام وتمسكهم به في لباسهم ومعاملاتهم، وحين عادت للعمل في المملكة؛ وجدت معاملة حسنة من صاحبة المنزل الذي تعمل به، حيث كانت تعاملها كأنها أخت لها، ولا فرق في المعاملة؛ بل كانت تقدم لها بعض الخدمات الخاصة مما جعلها تحبها وتحب الإسلام من خلالها.
كيف تعرفت على الإسلام؟
من خلال صاحبة المنزل، حيث كانت تتكلم معنا دائماً عن الإسلام، وأنه لا يفرق بين الناس، فالناس كلهم سواسية، وكانت تقدم لنا بعض الأشرطة باللغة السريلانكية التي تتحدث عن الإسلام وتعاليمه؛ حتى مَنَّ الله عليّ بالإسلام.
ما أكثر ما أثر فيك وجعلك تحبين الإسلام؟
حسن معاملة صاحبة المنزل ...، وحرص المسلمين على أداء العبادات من صلاة وصيام وحج وعمرة، وكذلك الحرص على النظافة والطهارة كالوضوء قبل كل صلاة.
ما هو شعورك حين أسلمت؟
شعور بالراحة النفسية والسعادة والاطمئنان.
ماذا تقولين لإخوانك المسلمين وأخواتك المسلمات بعد إسلامك؟
أهم ما يميز المسلمين عن غيرهم الحرص على العبادة، وحسن الخلق، وهذا ما جعلني أدخل في الإسلام، فأدعو إخواني المسلمين إلى التمسك بهما: العبادة، وحسن الخلق، فلا فرق بين سيدة وخادمة.
ما أمنياتك بعد إسلامك؟
أن أتمسك بالإسلام، وأتعلم القرآن.
وأدعو الله أن يسلم أبنائي؛ فقد رزقني الله ولداً وبنتاً.
وتتفق مريم مع آمنة في كل ما ذكرته، حيث إنها تعمل معها في نفس المنزل إلا أنها تأخرت كثيراً في إعلان إسلامها، فهي تعمل في المنزل منذ تسع سنوات، وصاحبة المنزل تعرض عليها الإسلام وتعاليمه، وهي تأب؛ى لأنها -كما تقول- كانت متمسكة بنصرانيتها إلى أن أذن الله تعالى لها بأن تتذوق حلاوة الإيمان والدخول في الإسلام.
وكان لا بد لنا - موقع (الإسلام اليوم)- من التعرف على هذه السيدة التي كانت سبباً في إسلام هاتين المرأتين وإنقاذهما من النار.
أم خالد السليمان ربة منزل، وأم لخمسة أبناء، ليست من حملة الشهادات العليا؛ بل إنها – كما تقول- لم تكمل الشهادة المتوسطة، ولكنها تحمل شهادة أعلى وأكبر، إنها شهادة التوحيد "لا إله إلا الله ، محمد رسول الله".
-تقول أم خالد : ليست عندي معلومات كثيرة عن الإسلام، ولكن الذي أعلمه جيداً أن هذه النفس يجب عليَّ إنقاذها من النار، وإخراجها من الكفر إلى الإيمان.
كيف كنت تتعاملين خادماتك ؟
أولاً: الاستعانة بالله -سبحانه وتعالى- والدعاء لهن بالهداية.
ثانياً: حسن المعاملة: فأنا كنت أعاملهن كأخوات لي، ولسن كخادمات، وذلك ليتعرفن على صورة الإسلام الحقيقية التي تتميز بحسن الخلق والمعاملة، حتى إن بعض الجيران كانوا يؤذوننا؛ فكنت أحسن معاملتهم فكانت (آمنة ومريم) تتعجبان من ذلك، وتسألان: كيف نحسن معاملتهم وهم يؤذوننا؟! فأقول لهما: إن الإسلام يأمرنا بذلك، ويعلمنا أن نحسن معاملة الجار، حتى وإن أساء إلينا.
ثالثاً:التصدق عليهن: لأني سمعت أحد العلماء يفتى بأنه يجوز الصدقة على الكافر بنية دعوته إلى الإسلام.
وقد يكون ذلك بأشياء بسيطة جداً، قد لا تذكر ولا تكلف شيئاً، ولكنها تترك في أنفسهم أثراً كبيراً، فمثلاً عندما جاءت آمنة وجدتها تبكي وحزينة جداً فأخذتها وضممتها، وحاولت تهدئتها وطمأنتها، وقلت لها: أنت في بلد مسلم في أمن وأمان لا تخافي، فأخبرتني أن ابنها مريض في بلدها؛ فقدمت لها راتب الشهر مقدماً، وأعطيتها الهاتف لتتصل بأهلها للاطمئنان على ابنها وأهلها؛ فكان لذلك أثره الكبير في نفسها.
فلو كل شهر أعطيتها قيمة اتصال لأهلها مثلاً لن يكلف عشرين ريالاً أو ثلاثين، ولكن له أثره العظيم في نفسها.
كذلك الصبر؛ فقد ظلت مريم تسع سنوات وأنا أحاول معها أن تسلم، ولكنها ترفض حتى أذن الله -تعالى- وأعلنت إسلامها.
هل كان يساعدك أحد في هذا الأمر؟
كنت أستعين بالله أولاً، ثم ببعض الإصدارات من مكتب توعية الجاليات من شرائط كاسيت وكتب، كذلك كنت أصطحبهما إلى مكاتب التوعية لحضور دروس للمشايخ والعلماء الذين يتحدثون بلغاتهن.
ما هو دورك بعد إسلامهن؟
قبل إسلامهن كنت أجلس معهن كل فترة لتعريفهن ببعض مبادئ الإسلام، و في بعض الأيام أكون صائمة الاثنين أو الخميس، وعند الإفطار أدعوهن لتناول الطعام معي، فكن يتعجبن من ذلك، فأدعو الله أن تستمر هذه الجلسات، وكذلك الحرص على زيارتهن لمكاتب توعية الجاليات لحضور الدروس والمحاضرات بلغاتهن.
ما النصيحة التي توجهينها لإخوانك المسلمين وأخواتك المسلمات؟
أولاً :إخلاص النية لله تعالى في الدعوة إلى الإسلام.
ثانيا :تحسين المعاملة مع الخدم والعمال.
ثالثا:تعريفهم بمبادئ الإسلام بصورة سهلة وميسرة.
رابعا:إرسال العمال والخدم لحضور المحاضرات والدروس، وخاصة بمكاتب توعية الجاليات.
خامسا:تقديم خدمات خاصة لهم ولو كانت قليلة وبسيطة.
سادسا:عمل جلسات كل فترة لتعريفهم بالإسلام.
وقبل أن نختم الحوار مع أم خالد علمنا أن خادمة ثالثة كانت تعمل عندها أسلمت منذ مدة وسافرت إلى بلدها في سيريلانكا، ومازالت على اتصال بها حتى الآن
ـــــــــــــــــــ(64/42)
الحجاب في عيون المحجبات
القاهرة:فاطمة الرفاعي الرياض: شيخة القريني 26/5/1424
26/07/2003
- محاولات علمانية لطمس معالم الحجاب الإسلامي وتغيير هويته.
- المحجبات : الشعور بلذة الطاعة في الحجاب لا يساويها شيء.
- حجاب الموضة غير شرعي ويحول العبادة إلى عادة.
إن نظرة تأمل في الحجاب في هذا العصر تعود على صاحبها بالألم والحزن، حين جعلت بعض الفتيات من الحجاب عادة تغيّر فيها وتسمح لأعداء الدين بالتدخل في هذا الأمر الرباني الذي تتعبد المرأة لربها وخالقها بالتمسك به.
لقد عرف الغرب السر في المحافظة على هيبة المرأة المسلمة وحفظ كرامتها؛ فحاولوا تزييف الحجاب والعبث به بدعوى مسايرة الموضة ومحاكاة العصر وطمس معالم الزي الشرعي الذي أقره الإسلام، وكانت النتيجة ظهور أشكال مختلفة وألوان متعددة، وأنواع عديدة للحجاب الإسلامي، وكل يوم تفاجئنا بيوت الأزياء العلمانية بموضات جديدة للحجاب وملابس المحجبات، بعضها يقترب أو يبتعد عن المواصفات الصحيحة للزي الشرعي للمرأة المسلمة، الذي يصون كرامتها وعفتها، وللأسف نجد الكثيرات من المسلمات لا يحرصن على لبس الزى الشرعي بشروطه الصحيحة، وينصب كل تفكيرهن على اتباع أحدث الأزياء والموضات فيصبح حجابهن مجرد عادة اجتماعية وشكل يفتقد لمعاني الطاعة والعبودية لله.
والسؤال الذي يطرح نفسه؛ ما هي نظرة المحجبات إلي الحجاب؟ وهل اختلفت تلك النظرة الآن عما كانت عليه في السابق ؟ وما هو رأيهن في الأنواع الجديدة وأشباه الحجاب التي انتشرت مؤخراً وغزت الأسواق؛ لطمس معالم الزي الشرعي؟
عبادة وليس عادة
في البداية تؤكد سمية رمضان -داعية بمساجد الجمعية الشرعية- أنه من خلال عملها بالدعوة لمدة 20عاماً وجدت أن غالبية البنات والسيدات يرتدين الحجاب عبادة لله وطاعة له، وليس من قبيل العادة الاجتماعية، خصوصاً بعد الصحوة الإسلامية التي دبت في معظم المجتمعات، وشملت كل الطبقات في فترة السبعينات وحتى الآن. وتضيف أن المشكلة الرئيسة التي تواجه النساء بالنسبة للحجاب هي تعدد الفتاوى التي تتحدث عن شكل الحجاب ومواصفاته الشرعية، فنجد البنات والسيدات يبحثن عن فتوى تميل مع أهوائهن، مثل الفتوى التي تبيح لبس البنطلون الواسع.
وتضيف أن معظم الأسئلة التي نستقبلها في المسجد تدور حول شكل الحجاب، وخصوصاً بعد تعدد أشكاله واختلافها من مجتمع لآخر، ووجود بيوت أزياء خاصة بالمحجبات، مما أدى لظهور ما يسمى بـ"حجاب الموضة"، وهو شكل يفتقد للمواصفات الشرعية ومنها ارتداء ايشارب قصير يغطي الشعر، فقط مع ارتداء البنطلون الضيق أو (الجيب) القصير، وكذلك نرى بعض البنات يلبسن غطاء للرأس يشف عن الشعر، ويظهر الرقبة وبالطبع كل هذه الصور بعيدة عن الحجاب.
الزي الشرعي
وحول مواصفات الزى الشرعي للمرأة المسلمة تقول الدكتورة سعاد صالح - أستاذ الفقه بجامعة الأزهر-: "لقد فرض الله -سبحانه وتعالى- على كل امرأة مسلمة أن ترتدي الحجاب وتراعي العفة والاحتشام، وحرص على كل ما يصون المرأة ويحفظها، وخاطبها كما خاطب الرجال في الآية 30 من سورة النور بقوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)، وفي الآية 31 يخاطب المؤمنات بقوله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
ويتضح من الآيات فرضية الحجاب على المرأة المسلمة وهو أن تغطي سائر جسدها عدا الوجه والكفين، وقد اتفق العلماء على ذلك، وحددوا صفات الزى الشرعي بأن يكون واسعاً فضفاضاً، يغطي الجسد كله عدا الوجه والكفين، لا يصف، ولا يشف، ولم يحددوا شكلاً معيناً للحجاب أو لوناً معيناً، وهذا من تيسير الإسلام على النساء المسلمات، فكل امرأة تلبس الحجاب الذي تتوافر فيه الصفات والشروط السابقة، والذي تعارف عليه المجتمع الذي تعيش فيه؛ فمثلا نجد حجاب شرعي في دولة ما يختلف في شكله مع حجاب آخر في مجتمع آخر وهكذا، والأساس هو ضرورة توافر المواصفات والشروط المعروفة.
دعاة السفور
وتقول الكاتبة الإسلامية صافيناز كاظم: "في البداية لا بد أن نوضح أن المرأة المسلمة التي ترتدي الزى الشرعي تُسمى بـ"المرأة المختمرة" وليست المحجبة؛ لأن الحجاب يعني النقاب وذلك تصديقاً لقول الله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)، ولا مجال للجدل حول فرضية الخمار على المرأة المسلمة، وهو ما تؤكده الآيات والسنة النبوية الشريفة، ورغم وجود صحوة إسلامية في المجتمعات الإسلامية وإقبال النساء والبنات على الالتزام بأوامر الله؛ إلا أن هناك فئة من المرجفين والمنافقين يعملون على تضليل المسلمات وإبعادهن عن أوامر الله، فنجد من تقول: "إن الحجاب ليس فريضة، وإنه عادة فارسية قديمة"، وأخرى تقول: "إن الحجاب يغطي العقول"، وغيرها من الأقاويل، وأنا أذكِّر كل مسلمة بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي"، وأحذرها من دعوات السفور والجاهلية وهجماتها التي تشنها على الحجاب، ومن الانصياع لهذه الأقوال الباطلة، واتباع دعاة الموضة، ولا تعلم أن هدف هذه الدعوات هو النيل من كرامتها وعفتها، وجعلها سلعة تباع وتشترى.
لذة الطاعة
وتعلق الفنانة منى عبد الغني على تعدد أشكال الحجاب في المجتمعات العربية، وتقول" إن اختلاف الشكل من مجتمع لآخر تبعاً للعادات الاجتماعية أمر عادي، فالحجاب ليس له شكل معين، ولكن المهم هو توافر الشروط الشرعية فيه، والأكثر أهمية هو الشعور بلذة الطاعة، وهو شعور لا يستشعره إلا من ذاق مرارة المعصية، فما أحلاها من حياة عندما يعيش الإنسان في رضا الله!. ولذلك أرى أن الفتاة أو السيدة التي تلبس الحجاب لمجرد أنه عادة تفرضها الأسرة أو المجتمع محرومةً من سعادة كبيرة.
هـ . ق معلمة - الرياض:الحجاب عبادةٌ أمر الله بها من فوق سبع سماوات، وكما أن المسلم لن يستمع لأي ناعق يأمره بالتغيير في عباداته التي يتعبد بها كالصلاة والصوم وغيرها؛ فكذلك الحال مع الحجاب، إذ كيف تسمح المرأة المسلمة ليد مبغضة مغرضة أن تمتد إلى حجابها، فتصمم وتغيّر فيه، وهو عبادة ربانية وليست عادة ورثناها؟!.
خ .ن مشرفة تربوية:: السبب الذي يجعل المرأة تتهاون في حجابها هو الجهل الشرعي بالحكم الشرعي للحجاب ووجوبه, والجهل بعقوبة تركه أو التهاون فيه، فاتخاذ الحجاب عادة وتقليد موروث يجعل المرأة تستهين به، وتغير فيه، وتخضعه للموضة؛ بل قد تتركه, لكن إن كان التمسك بالحجاب صادر عن اعتقاد جازم بوجوبه وحرمة تركه؛ فلن تترك المرأة حجابها مهما كلفها ذلك.
ت .ر جامعة الملك سعود:ورد في الحديث "ومن دعا إلى ضلالة كان له من الوزر كأوزار من تبعه لا ينقص من أوزارهم شيئاً" في ضوء هذا الحديث يُحمّل أصحاب محلات العباءات التي تبيع العباءات المزركشة والتي تُلبس على الكتف وغيرها من عباءات السفور والتبرج والتي ما أنزل الله بها من سلطان المسؤلية الكبرى في نشر التبرج والمساعدة على استمراره في المجتمع, إذ لو تكاتف أصحاب هذه المحلات على عدم بيع هذه العباءات المحرمة فلن يوجد التبرج والتهاون في الحجاب في مجتمعنا، وهذا من باب التعاون على البر و التقوى، والله أمرنا بذلك في كتابه العزيز، وأنا شخصياً إذا دخلت السوق لابد من أن أدخل هذه المحلات وأذكر أصحابها بالخوف من الله عز وجل.
أ .ن أستاذة:رسالة أوجهها عبر هذه الكلمات إلى من يقرؤها ممن اختلت عنده الموازين، ونادى بتحرير المرأة وخلع حجابها أقول له : من سمح لك بالحديث بالنيابة عنا، فنحن نعيش أعظم صور السعادة في ظل الحجاب، ثم إنه لا يقيد حريتنا كما يزعم أهل الأهواء ودعاة الباطل.
ي .خ معلمة: من أسباب التبرج والسفور ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يؤدي إلى انتشار المنكر.
ـــــــــــــــــــ(64/43)
من مشكلات الدعوة في الأوساط النسائية
سلمان بن فهدالعودة 11/4/1424
11/06/2003
إن طريق الدعوة محفوفة بالمكاره والعقبات ليميز الله الداعي من المدعي وليعظم الأجر لمن يصدق في البذل والتضحية في سبيل نشر هذا الدين والعمل له ،وسوف نستعرض في هذه الحلقات بعض المشكلات والعقبات التي تواجه الدعوة في الأوساط النسائية مع اقتراح بعض الحلول لها علها تنفع الداعيات بإذن الله تعالى
المشكلة الأولى: قلة عدد النساء الداعيات:
وهذه القلة يعاني منها الكثيرون؛ ولذلك نجد جهلاً كبيرًا في أوساط الفتيات، حتى في المدن، فضلاً عن القرى والأرياف، والمناطق النائية.
حلول هذه المشكلة:
والحل أمام هذه المشكلة يتمثل في عدة أمور أعرضها باختصار؛
الحل الأول : أن تحرص الأخت المسلمة على مشاركة جميع النساء في الدعوة إلى الله -تعالى-، حتى مع وجود شيء من التقصير. وينبغي أن نضع في أذهان النساء والرجال -أيضًا- أنه لا يشترط في الداعية أن تكون كاملة؛ فالكمال في البشر عزيز، وما من إنسان إلا وفيه نقص، لكن هذا النقص لا يمكن أن يحول بين ذلك الإنسان، وبين قيامه بواجب الدعوة إلى الله تعالى، فأنت تدعو إلى ما عملت؛ بل حتى مالم تعمل به، تدعو إليه بطريقتك الخاصة.
فالإنسان المقصر مثلاً، -رجلاً كان أو امرأة- يمكن أن يبين للناس أن تلك الأخطاء التي وقع فيها ندم عليها، واستغفر الله منها، ثم يدعوهم لأن يكونوا أقوى منه عزيمة، وأصلب إرادة، وأصدق إيمانًا، وأخلص لله – عز وجل -؛ حتى ينجحوا فيما فشل فيه هو. وبذلك يكون هذا الإنسان المقصر، قد دلَّ على الخير، وله بذلك أجر فاعله - كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة –رضي الله عنه -( )، حتى ولو كان مقصرًا فيه.
ولو لم يعظ في الناسِ من هو مذنبُ ... ...
فمنَ يعظُ العاصين بعد محمدِ
ولذلك قال الأصوليون: حق على من يتعاطون الكؤوس أن ينهى بعضهم بعضًا!
فوقوع الإنسان في المعصية، لا يسوغ له ترك النهي عنها أبدًا؛ بل ينهى عن المعصية ولو كان واقعًا فيها، ويأمر بالمعروف ولو كان تاركًا له، وإن كان الأكمل والأفضل والأدعى للاقتفاء سيرة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-: (قَالَ يَا قَوْمِ أرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود : 88 ]0
إذًا حتى مع التقصير، يجب أن تجر الأخت الداعية الأخريات إلى المشاركة، فمثلاً بعض الطالبات في المدارس: يمكن أن تشارك الطالبة في إلقاء كلمة، في توجيه، في إعداد بحث مصغر، في أمور معينة، تحدّث فيها بنات جنسها، من خلال حلقة المسجد، أو من خلال الدرس، أو أي مناسبة أخرى.. مع مراعاة تعهد هذه الفتاة بالتوجيه والنصح؛ فكونها قامت، وتكلمت، أو ألقت محاضرة، أو كلمة أو أعدَّت بحثًا؛ لا يعني ذلك أنها جاوزت القنطرة، وأصبحت داعية، لا يوجه إليها أي طلب؛ بل تأمر الناس ولا تؤمر هي!.. كلا؛ بل هي الأخرى أحوج ما تكون إلى من يقوِّم سيرتها، وينصحها بإتباع القول بالعمل، ويحذرها من الاغترار والعجب، ويدعوها إلى مواصلة الطريق، والتزود من العلم النافع، والعمل الصالح.
إن من المهم أن تُتعاهد هذه الفتاة، ويُحرص عليها، وتُنصح، وتوضع في موضعها الطبعي، فلا يبالغ في الثقة بها، وإطلاق الصفات عليها، بما قد يضر بها.
ولذلك فإنه يجب أن نفرق بين أمرين:
الأول: أن نحرم تلك الفتاة من حقها في الدعوة والمشاركة؛ بسبب صغر سنها وقلة خبرتها، فهذا لا يصلح.
الثاني: أن نضع في يدها الأمر كله من الألف إلى الياء، وهذا أيضًا لا يصلح.
بل ينبغي أن تكون في مجال التدريب والمساهمة والمشاركة مع أخريات، وأن نتعاهدها بالنصح والتوجيه، فنقول لها: أصبت هنا، وهنا كنت تحتاجين إلى مزيد من دراسة الأمر مما أدى إلى الخطأ الذي ينبغي تجنبه.. وفي ميدان الدعوة تنمو الخبرات، وتكثر التجارب.
الحل الثاني: الاتجاه نحو الجهود العامة:
فبعض النساء تجعل في بيتها جلسة خاصة، أو درسًا خاصًّا، لخمس نسوة فقط من جيرانها، فلو أنها أقامت محاضرة، أو درسًا عامًّا، أو أمسية؛ لكان من الممكن أن يشمل مئات النساء، فيكون هذا الجهد المحدود الذي صرفته إلى خمس، كان من الممكن أن تصرفه إلى خمسين أو إلى خمس مئة امرأة.
بطبيعة الحال، نحن لا نقلل من أهميّة الدروس والجلسات الخاصة؛ فلها أهميتها ولايمكن الاستغناء عنها أو إهمالها.
ولكن مع ذلك فقيام المرأة بنشاط عام: كمحاضرة، أو درس عام، أو ندوة.._ يكون أبلغ في التأثير، وأوسع في المنطقة التي تخاطبها. وبمعنى آخر فالمجلس الخاص قد يكون أقوى في الامتداد الرأسي، والمجالس العامة أقوى في الامتداد الأفقي، أي أنه يشمل التأثير على عدد أكبر، وفي كلٍ خير.
الحل الثالث:
التركيز على إعداد جيل من الداعيات ممن يحملن همّ الإسلام، وتنمية معاني الدعوة لديهن.
قد تكون زوجتك -مثلاً- تصلح لهذا، فلا يجوز أن يكون زواجها نهاية المطاف، أختك، قريبتك، بنت أختك، ذات محرمك؛ ينبغي أن تحرص على إعدادها لتكون داعية إلى الله تعالى. وكذلك النساء الداعيات من المدرسات، ينبغي أن يعتنين بإعداد نوعيات من الفتيات، وتهيئتهن وتأهيلهن للقيام بهذه المهمة الصعبة؛ لأن واحدة من النساء يمكن أن تقوم عن عشر، وكما يقال:
والناس ألفٌ منهمُ كواحدٍ ... ...
وواحدٌ كالألفِ إن أمرٌ عَنَا
وهذا صحيح، فربما غلبت امرأة آلاف الرجال، ومن يستطيع أن يأتي في عيار أم المؤمنين عائشة ،أو خديجة، أو حفصة أو زينب أو أم سلمة - رضي الله عنهن-...، أو غيرهنَّ من المؤمنات الأُول؟ حتى كبار الرجال تتقاصر هممهم دونهن، ولازال في هذه الأمة خيرٌ رجالاً، ونساء.
الحل الرابع: الاستفادة من النشاطات الرجالية:
فلماذا نتصور أن نشاط المرأة ينبغي أن يكون محصورًا؟ فالنشاطات الرجالية: كالدروس -مثلاً-، والمحاضرات، والندوات معظم الكلام الذي يقال فيها يصلح للرجال ويصلح للنساء أيضًا، والشرع جاء للرجل والمرأة، وخاطب الجنسين معًا، وما ثبت للرجل ثبت للمرأة إلا بدليل.
المشكلة الثانية: صعوبة التوفيق بين العمل والدعوة والشؤون المنزلية:
وهذه -بلا شك- معضلة حقيقية، فالمرأة أمامها العمل، وأمامها الدعوة، وأمامها الأمور المنزلية: البيت، الزوج، الأولاد ... ، إلى غير ذلك، ولعلي لا أتجاوز الحقيقية إذا قلت: إنها أكبر مشكلة تواجه الداعيات، وعلى عتبتها تتحطم الكثير من الآمال والطموحات. فكم من فتاة تشتعل في قلبها جذوة الحماس إلى الدعوة إلى الله تعالى، وتعيش في مخيلتها الكثير من الأحلام والأمنيات، فإذا تزوجت وواجهت الحياة العملية؛ تبخَّرت تلك الآمال، وذابت تلك المشاعر، ولم تعد تملك منها إلا الحسرات والأنات، والآهات والزفرات، والذكريات! حتى أصبح كثير من الفتيات الآن لا يملكن إلا أن يقلن: كنت أفعل كذا، وكنت أفعل كذا، لكنهن لا يستطعن بحال أن يقلن: نحن نفعل الآن كذا وكذا.
حلول هذه المشكلة :
إنني لا أزعم أنني أملك حلاً لهذه المعضلة، لكني أحاول المشاركة ببعض الحلول من خلال إضاءات أبينها فيما يلي:
الإضاءة الأولى: تقوى الله – عز وجل - :
إن أول إضاءة في هذا الطريق هي قول الله – عز وجل -: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق: 2، 3]، ويقول الله تعالى: (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق: 5]، ويقول الله تعالى: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29]. فالتقوى هي أول حل: أن يتقي العبد ربه، وتتقي الأمة ربها جل وعلا في نفسها، وفي وقتها، وفي زوجها، وفي عملها، وفي مسئوليتها.
والتقوى ليست معنى غامضًا كما يتصور البعض؛ بل يمكن أن نحدد التقوى في بعض النقاط والأمثلة التالية:
من التقوى: أن تختصر الفتاة ثلاث ساعات تجلسها أمام المرآة، وهي تعبث بالأصابع، وترسم وتمسح، وتزين شعرها؛ لتصبح هذه الساعات الثلاث نصف ساعة -مثلاً-، أو ثلث ساعة، دون تفريط في العناية بجمالها لزوجها، الذي هو جزء من شخصيتها، وجزء من فطرتها.
ومن التقوى: أن تختصر الفتاة مكالمة هاتفية ساعتين مع زميلتها في أحاديث لا جدوى من ورائها؛ لتكون هذه المكالمة ربع ساعة، أو عشر دقائق في السؤال عن الحال والعيال، وغير ذلك ... ، أو المناقشة في موضوعات تهمّ الطرفين دينًا أو دنيا.
ومن التقوى: أن تختصر الفتاة الوقت المخصص لصناعة الحلوى -مثلاً- من ساعة ونصف إلى صناعة جيدة وجاهزة، لا يستغرق تحضيرها –أحيانًا- نصف ساعة.
ومن التقوى: أن تقتصد المؤمنة في نومها، فالنوم من صلاة الفجر إلى الساعة العاشرة، وبعد الظهر، وقسطًا كافيًا من الليل _ هذا من عادات الجاهلية، وامرؤ القيس لما كان يمدح معشوقته، كان يقول: نؤوم الضحى، فيمدحها بكثرة نومها، لكن في الإسلام مضى عهد النوم، أصبح المؤمن مطالبًا بأن يكون قسطه من النوم مجرد استعداد لاستئناف حياة من البذل والجهاد. فنومها إلى الساعة العاشرة ضحى، ثم بعد صلاة الظهر، وقسطًا كافيًا من الليل _ هذا الأمر لا يسوغ، والرجل مثلها في ذلك، ومعاذ – رضي الله عنه - كان يقول لأبي موسى -وهما باليمن- حين سأله عن قراءته للقرآن: "أنام أول الليل؛ فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي"( )، والحديث في البخاري .
فكون الإنسان قليل النوم، فإن ذلك مما يمدح به الرجل والمرأة على حدٍّ سواء، والاقتصاد في هذا الأمر ممكن، فالعلماء في السابق كانوا يقولون: إن القدر المعتدل من النوم ما بين ست إلى ثمان ساعات يوميًّا، وهذا الكلام ذكره جماعة من السابقين، ونقلوا إجماع الأطباء عليه.
الإضاءة الثانية:
تنظيم الوقت وترتيب الأولويات: قال تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الشيخان- لعبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-:"فإن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لِزَوْرك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا"( )، وفي قصة سلمان مع أبي الدرداء -رضي الله عنهما-، قال سلمان له: "إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حقه"، فأتى أبو الدرداء النبي – صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: "صدق سلمان"
وقوله – رضي الله عنه - : "فأعط كل ذى حقٍ حقه" يدل على أن سوء التوزيع يكون سببًا في ضياع الثروة.
وإذا كانت أغلى ثروة تملكها هي الوقت؛ فإن سوء توزيع الوقت من أسباب الضياع الذي يعيشه كثير من المسلمين، ولو أن المرأة أفلحت في ضبط وقتها وتوزيعه بطريقة معتدلة؛ لكسبت شيئًا كثيرًا.
ومن العدل ترتيب الأولويات والمهمات، فالفرض -مثلاً- يقدم على النفل، وربنا تعالى يقول في الحديث القدسي الذي رواه البخاري"... وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ... "( ) إذًا الفرائض أولاً ثم النوافل في مرتبة تليها؛ لأنّ الله تعالى لا يقبل نافلة حتى تؤدَّى فريضة، كما قال أبو بكر – رضي الله عنه - في وصيته.
فالفرض يقدم على النفل، والضرورات تقدم على الحاجات، والحاجات تقدم على الأمور التكميلية التحسينية، وهذا إذا صار هناك تعارض.
فليس من العدل أن تهمل المرأة زوجها وبيتها وأولادها بحجة أنها مشغولة بالدعوة، كما أنه ليس من العدل أن يهمل الرجل بيته وزوجه وأولاده، بحجة أنه مشغول بالدعوة، وليس من العدل أن تغفل المرأة الداعية عن عملها الوظيفي الذي تتقاضى عليه مرتبًا من الأمة، أو تغفل عن عملها الدعوي الذي هي فيه على ثغرة من ثغور الإسلام، يُخشى أن يؤتى الإسلام من قبلها، فإذا ضاقت عليها الأوقات، فبإمكانها أن تسند بعض المهمات إلى أخريات يتحملن معها المسؤولية، وتقوم هي بدور التوجيه والإشراف.
الإضاءة الثالثة:
مجالات الدعوة تشمل كل مناحي الحياة: وهذه الإضاءة مستمدة من قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين) [الأنعام:161-162]. ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري عن جابر، ومسلم عن حذيفة -رضي الله عنهما-:"كلُّ معروف صدقة( )"، و"كل " من ألفاظ العموم. ويقول – صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أحمد، والترمذي، والحاكم عن جابر – رضي الله عنه - : "وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك"( )، ويقول – صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الطيالسي، وأحمد، والنسائي عن عمرو بن أمية الضمري -: "كل ما صنعت إلى أهلك فهو صدقة عليهم "( )، والكلام للرجل والمرأة -أيضًا- على حد سواء؛ بل في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة – رضي الله عنه -: يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: "كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، قال: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته: فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، قال: والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة"( ). إذًا الصدقات كثيرة جدًّا، فعمل المرأة ودعوتها يمكن أن يكون لزوجها، سواء كان زوجها ملتزمًا، أو عاديًّا، أو منحرفًا.
إنّ قيام فتاة بتأمين الجبهة الداخلية لداعية، بمعنى أنها تقف وراءه، وتحفظه في نفسها، وفي ماله، وولده، وتسدّ هذه الثغرة الخطيرة التي يمكن أن تشغله عن دعوته، أو على الأقل تجعله ينطلق في دعوته وهو يشعر أنه مشدود إلى الوراء، وأن همّ البيت يقيده ويخايله أبدًا، إن ذلك جزء من مهمتها، ومن دعوتها.
وإن قيامها بتحويل زوجها من إنسان عادي همه الدنيا، إلى إنسان داعية يشتعل في قلبه هم الإسلام، هذه دعوة، أو حتى قيامها بدعوة زوجها، من زوج منحرف ضال، مقصر في الصلاة، أو مرتكب للحرام، إلى إنسان صالح مستقيم؛ هذا جزء من الدعوة، ويمكن أن يكون لها في ذلك أثر كبير.
كما أنّ تربية أولادها على الخير، وتنشئتهم على الفضيلة هو جزء من دعوتها ومسؤوليتها، ونحن نعرف جميعًا ما هي الأجواء التي تربى فيها عبد الله بن عمر، أو عبد الله بن الزبير، أو عبد الله بن عمرو بن العاص، أو غيرهم من شباب الصحابة، وأي نساء قمن بتربيتهم.
كما أن تدريس المرأة في مدرستها لا يجوز أبدًا أن يكون عملاً وظيفيًّا آليًّا تقوم به، فنحن لا يهمنا أن تتخرج البنت وقد حفظت نصوص البلاغة فحسب، أو حفظت المعادلات الرياضية فحسب، أو أتقنت التفاعلات الكيماوية، أو معادلات الجبر. وهذا كله جزء من المقرر، ونحن نقول: لا تثريب على المعلمة في تدريسه والحرص عليه، ولكن كل هذه المواد، ومواد اللغة، ومواد الشريعة، وكل ما يقدم للبنت- وللرجل كذلك- فإنه يهدف إلى غاية واحدة فقط، وهي بناء الرجل الصالح والمرأة الصالحة، بناء الإنسان المتدين المستقيم الصالح، هذا هو الهدف، فلا يجوز أن ننشغل بالوسيلة عن الهدف والغاية.
الآن ما من بنت إلا وتدرس في المدرسة، فلو وجدنا في كل مدرسة معلمة ناصحة واعية مخلصة؛ معنى ذلك أننا استطعنا أن نوصل صوت الخير إلى كل فتاة، وهذا مكسب عظيم جدًّا إذا حققناه.
كما أنه من الممكن أن تحرص المعلمة على إقامة الجسور والعلاقات الأخوية الودية مع زميلاتها المدرسات، ومع طالبتها، وطالما سمعنا ثناء الجميع على معلمة؛ لحسن خلقها، وطيب معشرها، وطالما استطاعت معلمة واحدة، أو مشرفة، أو إدارية، أن تقلب المدرسة كلها رأسًا على عقب؛ بل إنني أعرف حالات استطاعت مدرسة واحدة، في مطلع حياتها الوظيفية، أن تقلب قرية بأكملها وتحول الفتيات فيها إلى فتيات صالحات متدينات.
الإضاءة الرابعة : عمل الداعية في بيتها:
وفي مجال عمل الداعية في بيتها، أقترح بعض الاقتراحات السريعة، منها:
أولاً: أن توفر المرأة مكتبة صغيرة للقراءة تضم مجموعة من الكتب الصغيرة المناسبة، يكون فيها: كتب توجيهية، قصص، كتب وعظية، بيان أحكام الصلاة، الأشياء التي يحتاج إليها في البيت، تعليم أمور العقيدة ...
ثانيًا: ومن المقترحات توفير مكتبة صوتية، تحتوي على عدد طيب من الأشرطة الإسلامية المفيدة: أشرطة في القرآن الكريم، أشرطة في السنة النبوية، أشرطة في الدروس والمحاضرات، أشرطة توجيهية، بيان بعض الأحكام التي يحتاج إليها أهل المنزل، حتى بعض الأشرطة المفيدة الترفيهية في حدود المباح.
ثالثًا: من المقترحات عقد حلقة أسبوعية لأهل البيت، درس أسبوعي لأهل البيت، تجتمع فيه النساء الكبار والصغار، ويتلقون فيه أشياء يسيرة: آية محكمة، سنة من سنن المصطفى – صلى الله عليه وسلم -، تدريب على عبادة من العبادات، تعليم عقيدة من العقائد، تربية، قصة، أنشودة، قصيدة ... ، وما إلى ذلك.
رابعًا: من المقترحات، تحسين العلاقة مع كافة أفراد المنزل؛ تمهيدًا لدعوتهم إلى الله، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، فإن المرأة إذا كانت في البيت- سواء كانت زوجة أو بنتًا- واستطاعت أن تكون محبوبة عند الأم، وعند الأب، وعند إخوانها، وعند أخواتها_ فإنها تستطيع أن تؤثر فيهم كثيًرا، لكن إذا كانت الأمور على النقيض؛ فهي كمن يضرب في حديد بارد.
خامسًا: مراعاة كبار السن وصعوبة التأثير عليهم، فكثيرًا ما تشتكي الفتيات من المرأة الكبيرة السن، قد تكون أمها، أو أم زوجها، أو خالتها، أو قريبتها، وأن هؤلاء النسوة لا يقبلن التوجيه، وإذا قيل لإحداهن شيء؛ قالت: أنتم تحرمون كل شيء! أنتم دينكم جديد! أنتم كذا، أنتم كذا ...
إن على الأخت الداعية أن تراعي حال مثل هؤلاء النساء كبيرات السن.
سادسًا: من الحلول: مراعاة الحاجة إلى أسلوب ملائم في الدعوة، يتميز بالمدح والمؤانسة، وتطييب قلوب وخواطر الآخرين، بتقديم النصيحة لهم في قالب من الود والمحبة، ويمكن أن يأتي هنا دور الهدية؛ فإنها تسلُّ السخيمة من القلوب
ـــــــــــــــــــ(64/44)
المرأة والدعوة ... طريق الورد والشوك
سلمان بن فهد العودة 5/4/1424
05/06/2003
لاشك أن الشيطان لن يترك دعاة الحق في مسيرتهم دون أن يضع لهم العقبات في طريقهم أملا في ثنيهم عن الوصول إلى أهدافهم وتحقيقها وإن لم يستطع فلا اقل من تعطيلهم وتأخيرهم ولذا نجد أن هناك عقبات كثيرة تعترض المرأة الداعية، كما يعترض الرجل الداعية عقبات أخرى كثيرة، فمن العقبات التي تعترض المرأة الداعية.
أولاً: عقبات نفسية:
الشعور بالتقصير:
إن كثيرًا من الأخوات الداعيات تشعر بأنها ليست على مستوى المسؤولية التي ألقيت عليها، وهذه في الحقيقة مكرمة وليست عقبة.
إن المشكلة تكون إذا شعرت الفتاة بكمالها أو أهليتها التامة، ومعنى ذلك أنها لن تسعى إلى تكميل نفسها، أو تلافي عيبها، ولن تقبل النصيحة من الآخرين؛ لأنها ترى في نفسها الكفاية، أما شعورها بالنقص أو التقصير، فهو مدعاة إلى أن تستفيد مما عند الآخرين، وأن تقبل النصيحة. وينبغي أن تعلم الأخت الداعية أنه ما من إنسان صادق، إلا ويشعر بهذا الشعور0
فكلما زاد فضل الإنسان، زاد شعوره بالنقص، وكلما زاد جهله وبعده، زاد شعوره بالكمال.
وباختصار فإنه ما دامت الروح في الجسد، فلن يكمل الإنسان، وكلما شعرنا بالتقصير وهضم النفس، كان أقرب إلى الله تعالى، وأبعد عن الكبر والغرور0
التخوف والإحجام
— والتهيب من الدعوة والكلام أمام الأخريات: وهذا لا يمكن أن يزول إلا بالتجربة والممارسة، ففي البداية: من الممكن أن تتكلم الفتاة وسط مجموعة قليلة، أن تلقي حديثًا مفيدًا -ولو كان مكتوبًا في ورقة-، ثم مع مجموعة أكثر، ثم تشارك في المسجد، والدروس التي تقام في المدرسة، ثم تبدأ بعد ذلك في إعداد بعض العناصر، ثم بعد ذلك يمكنها أن تلقي كلمة بطريقة الارتجال، ولابد من التدرج، وإلا ستظل المرأة، وسيظل الرجل يقول: لا أستطيع!
ثانيًا : عقبات اجتماعية:
فساد البيئة:
فإذا كانت البيئة التي تعمل فيها المرأة الداعية فاسدة، سواء كانت هذه البيئة: مدرسة، أو مؤسسة، أو مستشفى، أو معهدًا - فإن ذلك يؤثر على المرأة تأثيرًا شديدًا، ويضغط عليها ضغطًا كبيرًا.
حلول مقترحة:
هناك بعض الحلول يمكن أن تساهم في إزالة تلك العقبات، أو تخفيفها في بعض الأحيان، من أبرزها:
1- مواصلة العلماء، وطلاب العلم، والدعاة الغيورين بكل ما يحدث داخل تلك المجتمعات، إنها ليست أسرارًا ولاخفايا، كيف وهي تنشر في بعض الصحف العالمية، فإذا تحدثت طالبة- مثلاً- أو راسلت أحد الدعاة، حُقق معها، بحجة أنها نشرت أسرار الجامعة، أو نشرت أسرار المستشفى، كيف يحدث هذا؟!
2- ومن الحلول: النزول للميدان مهما كانت التضحيات، فالهروب من هذه المجالات عبارة عن هدية ثمينة نقدمها بالمجان للعلمانيين والمفسدين في الأرض، وأرى-اجتهادًا- ضرورة خوض هذه الميادين، وتحمل الفتاة ما تلقاه في ذات الله – عز وجل - إلا إذا خشيت على نفسها الفتنة، ورأت أنها تسير إليها فعلاً؛ لضعف إيمانها، أو قوة الدوافع الغريزية لديها، أو ما شابه ذلك، فحينئذ السلامة لا يعدلها شيء. ويجب أن تظل الدعوة هاجسًا قويًا للأخت مع كل الأطراف، فلا تعين الشيطان على أخواتها الأخريات، فحتى تلك التي يبدو فيها شيء من الجفوة في حقها، أو الصدود عنها، أو سوء الأدب معها، يجب أن تتحمل منها، وتتلطف معها، وتضع في الاعتبار أنها من الممكن أن تهتدي، والله تعالى على كل شيء قدير: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [القصص:56] .
3- من الحلول: أنه يجب على الدعاة والتجار والمخلصين أن يسعوا جاهدين إلى إقامة مؤسسات إسلامية أصيلة نظيفة، مستقلة.
لم يعد مستحيلاً إنشاء مستشفى نسائي خاص، ولم يعد مستحيلاً إقامة أسواق نسائية خاصة؛ بل هي موجودة بالفعل، ويجب أن تطوّر وتوسع، ولم يعد مستحيلاً إقامة مدارس نسائية خاصة، وليس من المستحيل إقامة جامعات خاصة بالنساء، في هذا البلد، وفي كل بلد.
وقد رأيت بعيني جامعات تضم ألوف الطالبات في قلب أمريكا، ليس فيها طالب واحد على الإطلاق، مع أن دينهم ليس هو الذي أملى عليهم ذلك، ولكنهم رأوا في ذلك مصلحة ما.
عدم التجاوب من الأخريات:
من العقبات التي تواجهها المجتمعات الدعوية النسائية، عدم التجاوب من الأخريات من النساء، ورفض بعضهن للدعوة. فبدءًا أقول: هذه الأمة أمة مجربة، فلست أنت أول من دعا؛ وإنما دعا قبلك كثيرون وكثيرات، وكان التجاوب كثيرًا وكبيرًا، والكفار الآن يدخلون في دين الله أفواجًا، فمن باب أولى أن يستجيب المسلمون لله وللرسول إذا دعوا إلى ما يحييهم.
فأما أسباب عدم التجاوب فتنقسم إلى:
أ- أسباب ترجع إلى المدعوة نفسها :
وذلك كأن تكون شديدة الانحراف، أو طال مكثها في الشر، وأصبح خروجها منه ليس بالأمر السهل، وأصبحت جذورها ضاربة في تربة الفساد، أو صعوبة طبعها، وعدم ليونتها، ووجود شيء من العناد، وقد يكون ذلك راجعًا لوجود قرينات سوء يدعينها إلى الشر. وهذا كله يمكن أن يعالج بالصبر وطول النَّفَس، والأناة، وتكثيف الجهود، وربط هذه الفتاة ببيئة إسلامية جديدة تكون بديلاًَ عن البيئة الفاسدة التي تعيش فيها، وقد يكون عدم قبولها للدعوة؛ بسبب كبر سنها كما مرَّ، فيعالج ذلك بالوسائل المناسبة.
ب- أسباب ترجع إلى الداعية نفسها:
ومن هذه الأسباب التي تتعلق بالداعية نفسها: عدم استخدامها الأسلوب المناسب الذي يتسلل إلى قلب المدعوّة ويؤثر فيها، وقد يعود ذلك إلى غلظتها وقسوتها، أو شدة تركيزها على أخطاء الآخرين، أو شعور الأخريات بأن الداعية تمارس نوعًا من الأستاذية أو التسلط، مما يحرضهن على مخالفتها ومعاندتها؛ لأنهن يرين عملها هذا مسّاً للكرامة، أو جرحًا للكبرياء، والشيطان حاضر، فيؤجج في الفتاة مشاعر الكبرياء والعزة، فترفض الدعوة ولا تقبلها.
أما علاج هذه العقبة، فيمكن حصره في الأمور التالية:
أولاً:أن تحرص الفتاة الداعية على استخدام أسلوب الالتماس، والعرض، والتلميح، دون المواجهة ، كلما أمكن ذلك، وألا تُشعر الأخريات باستعلائها عليهن، أو أنها فوقهن، ولا تشعرهن بالأستاذية، أو التسلط عليهن.
ثانيًا:ومن العلاج: العناية بشخصية المرأة: عقيدة، وثقافة، وسلوكًا، ومظهرًا، ومخبرًا، دون إهمال الأمور المعنوية المهمة والأساسية، بسبب الاشتغال بالقضايا المظهرية فحسب.
ومع الأسف، إن تسعين بالمائة من الأسئلة التي تصلني، لا تكاد تتجاوز شعر الرأس إلى أكمام اليدين، أو حذاء القدمين!! أين عقيدة المرأة؟! أين أخلاقها؟! أين معرفتها بعباداتها؟! أين معرفتها بالصلاة، بالصيام، بالحج؟! أين معرفتها بحقوق الآخرين؟! أين.. أين..؟
ثالثًا:عدم تتبع الزلات والعثرات، فما من إنسان إلا وعليه مآخذ وله زلات، وليس من الأسلوب التربوي التركيز على ملاحظة الزلات، فقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يثني أحيانًا، ويمدح الإنسان بخصال الخير الموجودة فيه، وكتب المناقب في البخاري، ومسلم، وكل كتب السيرة مليئة بمثل ذلك، فيثنى على الإنسان بخصال الخير الموجودة فيه؛ حتى ينمو هذا الخير ويكبر، وحتى يقتدي به الآخرون في ذلك، وليس من شرط ذلك مدح الإنسان بشخصه فقط، ولكن مدح الفئة، أو الأمة، أو الطائفة بالخير الموجود فيهم، يدعوهم ذلك إلى مزيد من الخير، وإلى التغلب على خصال النقص الموجودة لديهم. ولا يمنع هذا أن يُلاحظ على الفتاة أحيانًا شيء من النقص، فتُنصح به في رسالة، أو حديث أخوي مباشر، أو مكالمة هاتفية ... أو غير ذلك، لكن لا يكون هذا هو الأصل؛ بل يكون أمرًا طارئًا، حدث لوجود غلط معين.
رابعًا: عدم محاصرة المرأة المخطئة أو المقصرة، أو المسارَعة في اتهامها، فنحن لم نؤمر أن ننقب عن قلوب الناس، ولا أن نشق عن قلوبهم، ومالنا إلا الظاهر، ولسنا مغفلين بكل تأكيد، لكننا لا نطلق لخيالنا العنان في تصور فساد مستور، أمره إلى الله تعالى، إن شاء عذَّب، وإن شاء غفر، والله تعالى يقول:"رحمتي سبقت غضبي "( )، فأحيانًا يتصور الإنسان فسادًا، أو يغلب على ظنه أنه واقع، لكن ليس هناك داعٍ للبحث عن حقيقته مادام أمره مستورًا، ليس عندك أدلة عليه، ولم يظهر لك، فدع أمر الناس للناس، فالأمور المستورة دعها إلى الله، فما ظهر منها شيء أخذناه به أما المستور فأمره إلى الله تعالى، وقد يتبين لك فيما بعد أن ما كنت تظنه، لم يكن صحيحًا، وأن الأمر كان بخلاف ذلك.
وبين اليقظة وسوء الظن خيط رفيع، فبعض الناس عنده تغفيل، والتغفيل مذموم، قد يرى الفساد فيتجاهله ويتغافل عنه؛ فينبغي أن يكون الإنسان يقظًا واعيًا مدركًا، وفي نفس الوقت ألا يسيء الظن بالآخرين
ـــــــــــــــــــ(64/45)
من صفا ت المرأة الداعية
سلمان بن فهد العودة 27/3/1424
28/05/2003
إذا كنّا نتحدث عن الفتاة الملتزمة؛ فإنني لا أكاد أتصور فتاة أو رجلاً ملتزمًا يمكن أن يكون غير داع - في مثل هذه الظروف الواقعة الآن - لأن من الالتزام أن يدعو الإنسان.
ومعنى كون المرأة ملتزمة؛ أنها مطيعة لربها، والله – عز وجل - يقول: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) [التوبة:71]. فأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر؛ جزء من التزامها، وقيامها بالدعوة - أيضًا - جزء من التزامها؛ لأن الله تعالى يقول: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) [آل عمران: 110]، ويقول أيضًا (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [البقرة: 143].
وقد أثبتت التجارب والأحداث الكثيرة، أن هذه الأمة -رجالاً ونساء - لديها قدرة على قبول الحق؛ بل لديها رغبة في إيجاد الحق والتزامه، فلا عبرة بقول إنسان إنه ملتزم لكنه غير داعية، لا يمكن هذا؛ لأن الملتزم -رجلاً كان أو امرأة- هو داعية إلى الله؛ إذ إنّ التزامه يعني أنه مطيع لله، والذي أمره بالصلاة هو الذي أمره بالدعوة، وهو الذي أمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يمكن أن نفرق بين هذا وذاك بحال من الأحوال، وينبغي أن نعلم بأن كل صفة نتصورها من الرجل الداعي؛ يجب أن تكون أيضًا في المرأة الداعية.
وسوف نتناول بعض الصفات المهمة التي تطلب من الفتاة والمرأة الداعية، كما هي مطلوبة أيضًا من الرجل الداعي:
الصفة الأولى: العلم بما تدعو إليه:
يجب على المرأة الداعية أن تدعو إلى الله على بصيرة وعلى علم، فلا يمكن أن تدعو إلى شيء وهي لا تعلم هل هو من الشرع أم لا، هل هو من العبادات، أم من العادات، هل هو من الأمور الدينية، أم من التقاليد الاجتماعية الموروثة -مثلاً-؟!
والشرع واضح بحمد الله: إما آية محكمة، أوسنة ماضية، أو إجماع قائم، أو قول معروف مبني على اجتهاد صحيح واضح كالشمس. فلابد أن تعرف المرأة المسلمة الأمر الذي تدعو إليه بدليله، بحيث إذا قال لها أحد: ما الدليل؟ أو لماذا؟ استطاعت أن تجيبه عن ذلك.
الصفة الثانية: القدوة الحسنة:
قال الله تعالى على لسان نبيه شعيب – عليه السلام - : (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود:88]، وفي صحيح البخاري عن أسامة بن زيد – رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتنْدَلِق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان، ما لك، ألم تكن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه".
إذاً من الخطورة بمكان، أن يتكلم الإنسان بلسانه، ويكذب ذلك بأفعاله.
يا واعظَ الناس قد أصبحتَ متَّهمًا ... ...
إذ عِبْتَ منهم أمورًا أنت تأتيها
أصبحتَ تنصحهم بالوعظ مجتهدًا ... ...
والموبقات- لَعَمري- أنت جانيها
فالتربية والدعوة بالسلوك أحيانًا أفضل من ألف محاضرة، وألف خطبة.. سلوك امرأة بين زميلاتها: في حسن خلقها وآدابها، ومظهرها ومخبرها، وطيب حديثها، والتزامها بشريعة ربها، وصلاحها؛ أعتقد أنه أفضل من كثير من الكلمات والمحاضرات.
الصفة الثالثة: حسن الخلق والتواضع ولين الجانب:
ومن الصفات التي ينبغي أن تتصف بها الداعية: حسن الخلق، والتواضع، ولين الجانب؛ مما يحبب إليها الأخريات. ولعل غرس المحبة في نفوس المدعوات هو أول سبب لقبول الدعوة في حالات كثيرة، والأسلوب شديد التأثير في قبول الدعوة أو ردها، ولا يجوز لنا أبدًا أن نتجنى على الحق الذي نحمله حين نقدمه للناس بالأسلوب الغليظ الجاف؛ بل يجب أن نعطف على الآخرين، ونحتوي مشاعرهم، ونتلمس همومهم، ونشاطرهم أفراحهم وأتراحهم، ولانستعلي عليهم أو نستكبر؛ فما تواضع أحد لله تعالى إلا رفعه.
وقد مدح الله رسوله – صلى الله عليه وسلم – بقوله: (وإنك لعلى خلقٍ عظيم) [القلم:4] وقال: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159]. فإذا كان هذا شأن أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم -؛ فكيف بغيرهم من سائر الناس؟
الصفة الرابعة : الاهتمام بالمظهر الخارجي:
ومن الصفات التي ينبغي أن تتحلَّى بها الأخت الداعية أيضًا: أن يكون عندها قدرٌ من الاهتمام بمظهرها.
أقول هذا لأنه قد يظن البعض أنني أدعو المرأة المتدينة الداعية أن تكون متبذلة، بعيدة عن الاهتمام بمظهرها.. كلا، فالمظهر هو البوابة الرئيسة التي لابد من عبورها إلى قلوب الأخريات.
ومن الطَبَعي أن تتحلى المرأة، أو تبحث عن الثوب الجميل، والله تعالى قال: (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) [الزخرف: 18]. فكون الفتاة تنشأَ منذ طفولتها في الحلية هذا أمر طبعي، لا تلام عليه.
من الطبعي أيضًا: أن تهتم المرأة بتسريح شعرها، والرسول – صلى الله عليه وسلم - أوصى بذلك الرجل، فقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في المسجد، فدخل رجل ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بيده: أن اخرج، كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته، ففعل الرجل ثم رجع، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "أليس هذا خيرًا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان"، فالمرأة مع بنات جنسها، من باب أولى يجب أن تعتني بمظهرها.
ونحن بطبيعة الحال، لا نقبل أبدًا أن تتبرج المرأة بزينة، ولا أن تتطيب لخروجها من بيتها، لكن هذا لا يعني بحالٍ التبذل، أو أن تذهب إلى المجتمعات النسائية في أثواب مهنتها، خاصة عندما تكون داعية يشار إليها بالبنان.
الصفة الخامسة: الاعتدال:
من الصفات التي يجب أن تتحلى بها الداعية: الاعتدال في كل شيء. ومن الاعتدال: الاعتدال في المشاعر، بين الإفراط والتفريط.
فنحن نجد أن بعض الأخوات تكون جافة في عواطفها ومشاعرها تجاه الأخريات: لا تتجاوب معهنَّ، ولا تبادلهن شعورًا بشعور، وودًّا بود، ومحبة بمحبة، ولا تبتسم في وجوههنَّ، وترى أن جديَّة الدين، وجدية الدعوة، تتطلب قدرًا من الصرامة، والوضوح، والقسمات الحادة، وهذا أمر- بلا شك- غير مقبول. يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: "وتبسمك في وجه أخيك صدقة"، ونقول للمرأة أيضًا: تبسمك في وجه أختك صدقة؛ فالحكم عام.
بالمقابل هناك من النساء ومن الأخوات، من تبالغ في إغراق الأخريات بمشاعر تصل أحيانًا إلى حد الإفراط، فتجد أن من الأخوات من لا تصبر عن فلانة ساعة من نهار، فإذا ذهبت إلى بيتها بدأت تتصل بها بالهاتف، وتكلمها الساعات الطوال، وربما خلت بها أوقاتًا طويلة، تبث إحداهنَّ إلى الأخرى مشاعرها، وهمومها، وشجونها؛ بل ربما تغار لو رأت أخرى تجالسها أو تحادثها؛ لأنها تريدها لنفسها فقط!!
ـــــــــــــــــــ(64/46)
الحاجة زينب ولدت وعمرها (24) عامًا
حوار: سميةعويس 20/3/1424
21/05/2003
- كانت حياتي قبل الإسلام تيهًا وفراغًا، ولم أجد الهدف ولا السعادة سوى في الإسلام.
- ظللت مسلمة سرًا ثماني سنوات، وكنت أصوم رمضان وأفطر أحيانًا بعد العشاء.
- بمجرد إسلامي افترقت عن زوجي المسيحي، وأنا الآن زوجة لرجل صالح أعانني على أمر ديني.
- ما زال بعض المسلمين يعتبرونني جسمًا غريبًا عنهم، ويؤذونني بنظراتهم وغمزاتهم.
- أقول لبناتي من المسلمات: الحجاب زينتكن الحقيقية، والذكر حاجز بينكن وبين المعاصي.
كانت حياتي فارغة، لا هدف فيها، ولا قيمة لها، وكان كل همي النزهة والترفيه، ورغم أنني كنت أبحث عن أسباب البهجة في هذه الحياة التي قد تراها الكثيرات حياة سهلة سعيدة، فقد كان داخلي خاويًا، ومشاعري أبعد ما تكون عن الرضا والسعادة.
وظللت أفكر في هذه الحياة التي أعيشها، وأحاول أن أجعل لها معنى، ولم أجد هذا المعنى وتلك القيمة سوى في الإسلام.
هكذا بدأت الحاجة زينب عبد الحميد حديثها معي حديثًا من القلب، تتخلله دموع ندم على سنوات التيه في ضلالات عقيدة غير الإسلام، ودموع فرح بالاستقامة على الطريقة، والاهتداء إلى نور خير دين.
التقيت الحاجة زينب المسيحية المصرية سابقًا، والتي رفضت أن تفصح لي عن اسهما قبل الدخول في الإسلام، وكأنها تريد أن تحذفه من ذاكرتها، إذ تعتبر نفسها ولدت يوم أسلمت.
ثلاثة شهور على الأرض
ـ سألتها: كما كان عمرك حين فكرت في تغيير حياتك بكاملها بالدخول في الإسلام؟ وما هي الدوافع التي دفعتك لذلك؟
- كنت تقريبًا في الرابعة والعشرين حين فكّرتُ في الإسلام بشكل جِدِّيّ، ودخلت فيه عن اقتناع بعد أن عرفت أشياء كثيرة عن مبادئه من الزملاء في العمل، وبعد أن تعبت من التيه والضياع في المسيحية التي لم تقنع عقلي يومًا، ولم ترح صدري من حيرتي أبدًا، وظللت بضع سنوات على دين الإسلام سرًّا، أصوم رمضان، وأظل على صومي إلى العشاء أحيانًا حتى أجد فرصة للإفطار دون أن يراني أحد؛ بل كثيرًا ما كنت أفطر في دورة المياه، وكنت أصلي سرًّا كذلك، حتى تعبت من وضعي الغريب في أسرة أصبحت كلها غريبة عني، فأعلنت إسلامي، وأنا في الثانية والثلاثين، وكنت وقتها متزوجة من زوج مسيحي صعب الطباع، لدرجة لا توصف، فطلقت منه بحكم القاضي، ومات طليقي بعد الطلاق بخمسة أيام.
ـ ماذا كان موقف أهلك من إسلامك؟
- كانت أمي مؤيدة لموقفي مشجعة لي رغم أنها لم تسلم، أما أخي فقد أخذ يضربني ويمزق ملابسي، ويصر على طردي من المنزل، فشكوته في قسم الشرطة، فأخذ عليه الضابط تعهدًا بعدم التعرض لي، لكني لم أعد مرتاحة في وسط أسرة أصبحت غريبة عني، وأصبحت غريبة عنهم بديني الجديد الذي أعتز بانتمائي إليه، فلجأت لشيخ الأزهر وقتها الشيخ جاد الحق على جاد الحق -رحمه الله- الذي ساعدني وأعطاني شقة في مدينة 6 أكتوبر - إحدى المدن الجديدة - لكنها كانت خالية من أي أثاث، وظللت ثلاثة شهور أنام فيها على الأرض، وبدأت أدخل في الجمعيات حتى أثثتها شيئًا فشيئًا، ثم باعت أمي بعض العقارات الخاصة بها، وأعطتني أربعة آلاف جنيه لأشتري ما أحتاجه للشقة، ثم تزوجت من رجل صالح، لكنه كان متزوجًا بأخرى، ولم أهتم بذلك فقد كان كل ما يعنيني أن أجد الحماية المعنوية، والحمد لله فهو من أكبر النعم التي منَّ الله بها عليَّ، ثم ذهبت للعمرة مرتين، وكسرت رجلي حين دخلت الحرم؛ لكن فرحي برؤية الكعبة أنساني كل الآلام.
ـ ماذا أحدث القرآن في حياتك من تغييرات؟
- علمني القرآن الكثير: علمني الصبر والاحتمال، والعطاء والبذل، وقوة الإيمان والعزيمة، أراني قيمة النور في حياة كل إنسان، أخرجني من ظلمات الشرك إلى نور المعرفة الحقيقية بالله.
فحين أتضايق أو أختنق من أثر الحساسية التي يعاني منها صدري أصلي، وأذكر الله، فأجد السكينة والهدوء يملآن سماء حياتي، ويشرحان صدري المنهك.
وحين أمسك بكتاب الله أشعر أنني في أمان تام، فهو دستور حياتنا، ومنهاج طريقنا إلى الخالق عز وجل، ينظم لنا كل شيء في حياتنا، وكل العلاقات، نظم لي علاقتي بأهلي المشركين وبأمي التي لم تسلم، فكنت أذهب لزياتها برًّا بها، مع أنني كنت ألاقي من أخي الكثير من العنف والقسوة، ونظم لي علاقتي بزوجي -حفظه الله-، وعلمني واجباتي تجاهه، وعلمني قيمة أن يكون لي زوج صالح يساعدني على الوصول للجنة دار النعيم والخلود، وهي قيمة تغفل عن شكرها الكثيرات من المسلمات، اللاتي ولدن لآباء مسلمين.
إن الإسلام دين عظيم يشمل حياة الفرد بكاملها، وقد سمعت أن أحد فلاسفة الغرب دخل في الإسلام حديثًا، وحين سُئل عن السبب في دخوله في الإسلام قال: «لأني كنت أجد في بداية كل كتاب أقرؤه عذرًا لأي خطأ، فالخطأ وارد، أما في القرآن فلم أجد في بدايته هذا، فهو الكتاب الكامل المقدّس، المنزه عن أي عيب، وجدت في بدايته {ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين} ولهذا اقتنعت بالإسلام.
إن القرآن الكتاب الوحيد الذي نزل من السماء، ولم يصبه تحريف أهل الأرض من المبطلين، حفظه الله من كل دنس وعبث {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر:9].
وفي الإنجيل يقول عيسى عليه السلام «يأتي من بعدي أحمد» -أوفيم معناه- لكنهم حذفوها، ونسوا حذف أوصاف النبي (صلى الله عليه وسلم) والمذكورة في الإنجيل، وهذا من مكر الله تعالى بهم، وقدرته سبحانه في إظهار الحق.
كل فتاة مسلمة ابنتي
ـ هل ساعدك المسلمون في حياتك الجديدة؟
- لقد علمنا القرآن أن المسلمين إخوة، وأن الإيمان يجمع بروابطه القلوب ويوحدها، لكنّ المسلمين لا يطبقون جميعًا هذا المبدأ، وينسون في خضم الحياة حقوق بعضهم.
لقد ساعدني البعض، وعاملوني معاملة ممتازة عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم «المسلم أخو المسلم» رواه الترمذي وحسَّنه.
وقوله عليه الصلاة والسلام: «من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة» رواه مسلم.
وقوله: «من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً» رواه الترمذي وحسَّنه.
وفي الوقت نفسه آذاني بعضهم بالنظرات والغمزات، وما زالوا إلى الآن يتضايقون من وجودي معهم، ويرفضون التعامل معي، وكأنني جزء غريب عن المسلمين، يتعاملون معي بأسلوب يرفضه الإسلام في التعامل مع غير المسلمين، فكيف بي وأنا مسلمة موحدة مثلهم؟!
لكن الكثير من المسلمين كذلك غيورون على دينهم، ويحبونه، ويحمون أتباعه، فحفظهم الله وأيدهم.
ـ وأخيرًا يا حاجة زينب: نرجو منك إهداء نصيحة لبناتك المسلمات، خاصة وأن الأمومة بداخلك فياضة وليس لديك أولاد، ونعلم أنك صابرة شاكرة لله دومًا.
- صدقيني يا ابنتي: إنني أشعر أن كل المسلمات بناتي وأخواتي، فالمؤمنون كالجسد الواحد، كما ذُكر في الحديث الشريف.
ونصيحتي لهن أن يجعلن القرآن الكريم في صدورهن، وجوارحهن على السواء، وأمام أعينهن ليل نهار في كل تصرف وتفكير، وأن يتركن ما سواه من تقاليد موروثة لا قيمة لها، أو نعرات غربية مدمرة، وأن يهتممن بالمبادئ الإسلامية، ويتركن ما سواها.
كما أرجو منهن أن يدعن الاحتفال مع النصارى بأعيادهم؛ كعيد رأس السنة، وشم النسيم، فهذا محرم علينا نحن المسلمين.
وأتمنى أن يتمسكن بحجابهن، فهو الزينة الحقيقية باطنًا وظاهرًا، وأن يعملن للآخرة قدر الاستطاعة، جاعلات الله في قلوبهن، وذكره على ألسنتهن. وساعتها سيكون بينهن وبين المعاصي حجاب منيع، وأن يعتنين بحقوق الآباء والأزواج، وأخيرًا عليهن بسيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وسنته، ففيهما الهداية والرشاد والنور في الدنيا والآخرة
ـــــــــــــــــــ(64/47)
معنى الالتزام
الشيخ : سلمان العودة 6/3/1424
07/05/2003
حين نقول: "فتاة ملتزمة"؛ فإننا نعني بها: تلك الفتاة التي آمنت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد – صلى الله عليه وسلم - نبيًّا ورسولاً، ورضيت بمنهج الله تعالى وشريعته ودينه دَرْبًا وطريقًا؛ فلم ترضَ بقوانين الشرق أو الغرب ولا تقاليدهما؛ إنما ارتضت أن تكون أسوتها وقدوتها: النسوة المؤمنات الصالحات من أمهات المؤمنين، ونساء الصحابة والتابعين.
فهي ليست تلك الفتاة التي أخذت هذا الدين تقليدًا عن آبائها وأجدادها، وهي تشعر أنه عبء ثقيل تتمنى أن تلقيه عن كاهلها صباحًا أو مساءً، ولا تلك الفتاة التي أخذت من دينها ظاهره فقط، وغفلت عن باطنه وحقيقته؛ فإن الدين كلٌّ لا يتجزأ، مظهر ومخبر، سلوك وعقيدة، فلا ينبغي ولايجوز للإنسان أن يفرط في شيء من دينه، قال تعال(ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة: 85].
تقول إحدى الأخوات: "إن الملتزمة بحاجة ماسة إلى من يأخذ بيدها، ويطور لها التزامها، وبالذات مع شعورنا بأن هناك من الواعين من يعتقد أن تحجب الفتاة، وتركها لمشاهدة التلفاز هو النقطة الأخيرة التي تقف عندها.. ليتهم يعلمون أن معظم الملتزمات يملكن كل شيء إلا الفكر والفهم السليم!".
وإذا كنا نوافق أن كثيرًا من الناس يظنون أن الالتزام ينتهي عند حد الحجاب، وترك مشاهدة التلفاز، مع أن الصواب أن المسلم أو المسلمة لايزالان في جهاد وترقٍّ إلى الموت، تصديقًا لقول الله- عز وجل(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99]، وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[العنكبوت: 69].
فالالتزام ليس مرحلة يتجاوزها الإنسان إلى غيرها.. كلا، وليس قضية ينتهي عندها المرء.. لا؛ بل إن الالتزام هو محاولة مستمرة تظل مع الفتى ومع الفتاة إلى الممات، حتى في ساعة الموت يجاهد الإنسان نفسه، ويعبد ربه: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99]. ومادام أن الروح في الجسد، ومادام أن النَّفَسَ يتردد؛ فأمام الإنسان ألوان وألوان من المجاهدات والمصابرات والمدافعات؛ يحتاج الرجل إليها، وتحتاج المرأة إليها.
ولكننا لا نوافق تلك الأخت، على أن معظم الملتزمات يملكن كل شيء إلا الفكر والفهم السليم، فإن كثيرًا من الأخوات الملتزمات يملكن -بحمد الله- قدرًا جيدًا من الفهم السليم، ويملكن عقولاً ناضجة، ويملكن مواهب قوية، نسأل الله لنا ولهن جميعًا الثبات.
المرأة بطبيعتها أكثر تأثرًا بالخير والشر، وأشد تأثرًا بما يحيط بها من الرجل؛ ولذلك تزداد خطورة وأهمية تلك الأجهزة العامة المسماة بأجهزة الإعلام. ففي حين تغدو تلك الأجهزة صالحة نقية هادفة؛ فإنها تؤثر على سلوك المرأة، وتفكيرها، وأخلاقها، وتطبعها بالطابع الخيّر.. وحين يصبح الأمر على النقيض، وتتحول تلك الأجهزة إلى أدوات للتلبيس والتضليل، وقول الزور، وشهادة الزور، وتأخذ على عاتقها مهمة تغيير عقليات الناس وأخلاقهم نحو الأسوأ _ يكون للمرأة في ذلك أوفر النصيب، خاصة مع بقاء المرأة في المنزل، ووجود الفراغ الذي تعيشه في أحيان كثيرة، وفي مجتمعات كثيرة.
إن المرأة -في رقعة فسيحة من العالم الإسلامي الممتد المترامي الأطراف- تعتكف عند هذا الجهاز، وتتناول منه ثقافتها وعلمها وأخلاقها، وتستهديه في مواقفها وتصرفاتها؛ بل وتأخذ منه حتى معلوماتها عن دينها، من خلال البرامج الدينية التي تقدَّم -أحيانًا- هنا أو هناك.
إن من الواجب الدعوي المبين: أن تُستخدم الوسائل العلنية والإعلامية في الدعوة إلى الله، وفي مخاطبة المجتمع -بما في ذلك النساء-؛ فالبرنامج الإذاعي المسموع، أو الإعلامي المرئي، أو الصحفي المقروء، والشريط، والكتاب، والكتيب، والمحاضرة المتخصصة.. وإيصال تلك الوسائل إلى كل مكان توجد فيه المرأة: في المدرسة، والجامعة، والسوق، وأماكن التجمعات العامة ... من أهم ما يجب أن يسعى إليه المخلصون.
وكل وسيلة مباحة متاحة ينبغي أن يستخدمها الدعاة للوصول إلى عقول النساء، ومخاطبتهن بآيات الله والحكمة.
ـــــــــــــــــــ(64/48)
امرأة تحب النقاش
هناء الحمراني 27/2/1424
29/04/2003
عفواً عزيزتي المناقِشة... تذكري هذه الكلمات قبل البدء في نقاش جديد.
مدخل: اختلف الزوج وزوجته في مسألة من مسائل تربية أبنائهما، تبادلا وجهات النظر، إلا أن كل واحد منهما مصرٌّ على رأيه، وكل واحد منهما مصرٌّ على إقناع الطرف الآخر، أو -بصراحة أكثر- إجبار الطرف الآخر على الاقتناع، وقد يقوم الاثنان وهما غاضبان لم يصلا إلى نقطة اتفاق، وإنما وصلا إلى مرحلة عابرة من النفور.
اجتمعت مجموعة من الداعيات لعرض أفكارهن حول المحاضرات التي تراها كل واحدة منهن مناسبة للإلقاء خلال ذلك الأسبوع، كل داعية متمسكة برأيها هدفها الدعوة إلى الله، وترى أن ما قالته هو الأفضل، حدث شيء من الخضوع لرأي أكثرهن نقاشاً.
هل سألت نفسك يوماً هذه الأسئلة: هل أنتِ في معركة؟ وهل لا بد لكِ من أن تكسبيها؟ وضد من هي؟ أم أن المهم هو أنكِ أنتِ الطرف الآخر ؟!. هل لا بد للمجالس من مناقشات، حتى يصبح لها طعم؟ وهل لا بد من المحاورات التي تنتهي غالباً بعلاقة غير حميمة بين الطرفين؟
لماذا كلما أبدى أحدهم رأيا قمت بإبداء رأي مخالف له؛ لأنك ترينه أفضل؟! فهذه أسئلة لا بد لك من الإجابة عنها، وأخيراً أمامك هذان السؤالان المهمان:
01 ما القضية التي ستتغير في هذه المناقشة؟
02 هل النتيجة التي تأتي بعد المناقشة تستحق خسارة الشخص الذي أمامك؟
لتكوني واقعية، ولتجيبي على هذه الأسئلة بوضوح، فأنتِ لستِ في معركة، وليست كل المعارك مضمونة لكِ بنصرها وغنائمها، والذي أمامك ما هو إلا أخ أو أخت لهما نفس رغبتك في إبداء الرأي وإثباته، وكونكِ الطرف الآخر لا يعني أبداً أن الحق معكِ.
ليس هناك داعٍ لفتح نقاش من أجل قضية لا تستحق ذلك، وليس هناك داعٍ للنقاش مادمت تعلمين سلفاً -من خلال العشرة والتعامل- أنه لن يقتنع برأيك، فلماذا تخسرينه؟.
قد تفتح نقاشات في المجالس، لا داعي للخوض فيها، فإنكِ أيتها الحبيبة محاسبة عن كل كلمة تخرج من فمك، فدعيها رهينة بين يديك؛ لكي لا تكوني غداً رهينة بين يديها.
وعند السؤالين المهمين:
01 لا قضية هناك ستتغير، فكلا الطرفين سيظل مقتنعاً بفكرته، ويقوم وهو أكثر اقتناعاً بها، أو يجبر نفسه على الاقتناع.
02 وإذا ما كانت النتيجة صفراً، فبالتأكيد الشخص الذي أمامي أكبر من أن أخسره مقابل هذه النتيجة.
والآن: لنعقد معاً اتفاقاً جاداً، فيه محوران:
المحور الأول: البدائل
المحور الثاني: النتائج
وقبل ذلك نتفق على أن نطلق الجدال ثلاثاً، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المزاح وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه).
أما عن المحور الأول:
البدائل: ما الذي يمكن من خلاله تبادل آرائنا وأفكارنا؟
لنتخيل هذا الحوار العائلي:
الزوجة: فكرة رائعة أن ندخل طفلنا مدرسة لتحفيظ القرآن بدلاً من المدارس الأخرى.
الزوج: لا أرى ذلك، فإنه من المهم أن يتعلم العلوم الأخرى، ولا بأس بالتحفيظ في العصر.
الزوجة: لكنه قد يصاب بالضغط من ذلك، وربما يتأخر في حفظ القرآن، وربما يمل من التحفيظ و ....
الزوج : المهم أن يتعلم مثل غيره.
الزوجة: بل الأهم أن يتعلم القرآن.
وتحدث المناقشات بصوت عالٍ، وتحدث المشاكل بعدها، ولكن لنتخيل هذا الحوار مرة أخرى:
الزوجة : فكرة رائعة أن ندخل طفلنا مدرسة لتحفيظ القرآن بدلاً من المدارس الأخرى
الزوج: (يجيب الإجابة السابقة نفسها)! ..
الزوجة: لا بأس فنحن نبحث عن الأنسب له، والخيرة فيما اختاره الله.
إذاً لدينا بدائل للنقاش العقيم، ما علينا إلا أن نلغيه من قاموس حياتنا، وسوف تظهر البدائل :
01 إبداء الرأي وتقبل الرأي الآخر؛ والعمل به إن كان جماعياً يحقق الهدف المطلوب، ولا يعارض شرع الله.
02 تجاهل أمر النقاش بأدب، إما بالسكوت أو التبسم (وهو الأفضل).
03 إذا لم يكن هناك حديث يمكن أجراؤه -خصوصاً على مائدة الطعام- فمن الجميل جداً أن تأمري بمعروف، أو تذكري قصة سمعتيها أو قرأتيها.
04انهي عن المنكر، خصوصاً في المجالس النسائية التي تكثر فيها الغيبة، كأن تبدئي بالتحدث عن فضل الدعاء للأخ المسلم في ظهر الغيب، ثم التدرج إلى ذكر عقوبة شتمه وإيذائه في عرضه بالغيبة، وأخيراً الدعاء الذي يقوله من اغتاب أخاه المسلم وغيرها من البدائل.
المحور الثاني:
النتائج: إن هذه النتائج قد لا تتحقق من أول مرة، ولكنها بحاجة إلى الصبر، بالإضافة إلى أن مفعولها طويل المدى بل وأبديّ.
01 دخول الجنة – إن كان تركه (الجدل) لله.
02 تبادل المعارف دون جرح المشاعر، أو التقليل من قدر آرائهم.
03 الأمر بالمعروف.
04 النهي عن المنكر.
05 نشر المحبة.
06 منع الشحناء.
07 تقبّل الطرف الآخر للرأي، وإن لم يقتنع به في تلك الساعة.
وبالتأكيد هناك بدائل أخرى، وكلها إيجابية، وبفرض أن هذا الرأي رُفض، فإن تخسري رأياً خير من أن تخسري شخصاً يمكنك أن تؤثري فيه بأخلاقك أكثر من مناقشاتك.
جربي هذا اليوم، وفقك الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـــــــــــــــــــ(64/49)
الحجاب دعوة صامتة
محمد الكندرى* 12/2/1424
14/04/2003
إن أفراد هذه الأمة مطالبون -ذكوراً وإناثاَ- بتبليغ دعوة الإسلام لغير المسلمين كل حسب استطاعته. ولعل منطلق ذلك استشعار المسلم والمسلمة ضخامة المسؤولية الملقاة على عاتقهما في دعوة الآخرين، والحرص الشديد على إنقاذ الناس من نار الضلالة وجحيمها، إلى جنة الإسلام ونعيمها.
كما ينطلق المسلم والمسلمة كل في دعوتهما لإقامة الحجة وتبليغ الرسالة، فمن أسلم فلنفسه ومن ضل فعليها. والداعية في الغرب يدفعه حرصه على إزالة الشبهات وتصحيح المغالطات، إلى بذل قصارى جهده لتقديم نموذج صحيح للإسلام المفترى عليه.
وللدعوة مهارات وأساليب متنوعة، لسنا في صددها في مقالنا هذا، إنما نقف هنا لتسليط الضوء على الحجاب في أمريكا تحديد"ا، ومن خلال واقع عاصرته وشاهدته رأي عين و سمعته ممن أثق بهم.
لقد أصبحت متيقناَ أن الحجاب دعوة صامتة أبلغ من ألف موعظة، فلسان الحال أبلغ من المقال.
شاب اعتنق الإسلام بسبب الحجاب!!
التأثر بالحجاب وما يحمله من قيم نبيلة، ليس مقتصرَا على الجنس النسائي، بل يشمل الرجال أيضاَ.
قامت باستضافتي إحدى المؤسسات الإسلامية لدورة تدريبية في شيكاغو، وما أن وصلت المطار إلا واستقبلني أمريكي مسلم اسمه (كريم)، ودار بيننا الحوار التالي:
· سألني من أين أنت؟
- قلت أنا من الخليج العربي وتحديداً من الكويت.
· بادرني قائلا: أنتم محظوظون؛ لأنكم مسلمون بالفطرة، ولا داعي ليعرفكم أحد بالإسلام؟.
- أجبته قائلا: الحمد لله على نعمة الإسلام، وماذا عنك؟!
· قال لقد أسلمت منذ زمن قريب ....والحمد لله.
- وماذا كان سبب إسلامك؟ لاسيما وأن الإعلام الأمريكي لا يألو جهداً في تشويه صورة الإسلام؟
· أجابني قائلا: لن تصدق إن قلت لك الحجاب!!
- وكيف ذلك؟
· أجاب لقد كانت حياتي مثل سائر شباب أمريكا، لا هم لنا إلا الترفيه والشرب والجنس، وكنت مراهقا أعيش صراعاَ أو خلافاَ دائماَ مع والدي كما هو حال غيري.
وأضاف قائلآ: وفي أحد الأيام رأيت في الجامعة طالبة تغطي رأسها وجسمها، وكانت مختلفة عن غيرها من الطالبات، فقلت في نفسي، لماذا يلبس نساء المسلمين ذلك؟؟ وظلت صورة الحجاب وتلك الفتاة في ذهني وتولَّد لدي شعور للتعرف على الإسلام.
وبعد أيام وفي إحدى المحاضرات كان لطالب مسلم (ماليزي) وطالبة مسلمة محجبة عرض موجز عن الإسلام.
بعدها قمت أبحث وأقرأ عن الإسلام وأعلنت إسلامي وأنا الآن أعمل في مجال الدعوة.
الحجاب....دعوة لقيمة مفقودة
إن ارتداء الحجاب في أمريكا وسيلة دعوية بالغة التأثير، حيث يرمز الى الحشمة والعفة في بلد تموج فيه الفتن، والانفلات وانحطاط القيم والحياة الصاخبة.
فالنفوس السليمة تميل إلى الستر والاحتشام وتنبذ التعري، وما يحمله الحجاب من قيم هو محل تقدير المنصفين من غير المسلمين، فهذا مثلا د. هنري ماكو وهو يهودي صهيوني - على حد وصفه لنفسه- يشيد بما يتضمنه الحجاب من قيم فضيلة، إذ يقول (لست خبيراَ في شؤون النساء المسلمات، وأحب الجمال النسائي كثيراَ مما لا يدعوني للدفاع عن البرقع أو الحجاب، لكني أدافع عن بعض من القيم التي يمثلها الحجاب لي).
وهذه فتاة نصرانية فى مدينة "سياتل" أمامها المغريات كثيرة، وزخارف الحياة متنوعة لاسيما فى مجتمعها، حيث لا ضوابط أخلاقية، إلا أنها اختارت الإسلام واعتنقته، وعندما سئلت عن سبب ذلك قالت (قراري باعتناق الإسلام جاء بسبب ما رأيته من مظاهر الحشمة والحجاب والحياء بين المسلمات)(1)
فتاة يهودية تتحجب..حتى تنجو من التحرشات
طالبة يهودية في إحدى جامعات "لوس انجلوس" كانت تتعرض للمعاكسة السمجة والتحرش الفج عند ناصية يتجمع لديها شباب من الأغرار الذين لا أخلاق لهم.
تحركت فيها دواعي الحركات النسائية التي تنكر على الرجال ظنهم أنهم خير من النساء وأقوى، واتخذت إجراءً توسمت فيه أنه يمحو الفوارق بينها وبين هؤلاء الرجال، فحلقت شعرها لكن النتجية لم تتغير، فالتحرشات بها لا تزال مستمرة.
وأخيراَ خطر لها أن تضع غطاء رأس كالذي ترتديه الطالبات المسلمات، ومرت في نفس المكان الذى يتواجد فيه الشباب الذين اعتادوا على التحرش بها، ولكن هذه المرة -ولكونها متحجبة- لم يحاول أحد أن يتعرض لها، ومرت بكل احترام.(2)
يعلم المتسكعون والعابثون باصيطاد الفتيات أن المحجبة ليس ضالتهم المنشودة، وأنهم لن يظفروا منها بشيء، فهي تجسد الحشمة التي يستحيل النيل منها، والوقار الذي لا يليق معه العبث.
فالحجاب وقاية من تحرشات الماجنين، وأمان من تطاول اللاهثين وراء المتعة الحرام.
الحجاب هوية شخصية
إن حجاب المسلمة -بالإضافة لكونه فريضة ربانية - فهو أبلغ رسالة دعوية وخير وسيلة للتعريف وبيان الهوية الإسلامية، تماما كما يحمل أحدنا بطاقة شخصية للتعريف به، أو جواز سفر لتحديد تبعيته لبلده فكذلك الحجاب.
التقى أحد الأساتذة الأمريكان بطالبتين مسلمتين، إحداهن سافرة والثانية محجبة، فصافح الأولى وقال للثانية أعلم أنك مسلمة من ارتدائك الحجاب، وأنا احترم دينك ولن أصافحك!! فأصيبت الأولى بالصدمة.
إن حجاب المسلمة في أمريكا والغرب تعبير عن الهوية الإسلامية في زمن تلوثت وتشوهت فيه الهوية لدى بعض المسلمين والمسلمات.
إعلان ناجح للحجاب في جريدة نيويورك تايمز
ضمن استراتيجية مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية – أنشط المؤسسات الإسلامية في الولايات المتحدة- لتقوية الوجود الإسلامي في أمريكا من خلال التواصل مع الرأي العام الأمريكي، ولتصحيح صورة المسلمين، فقد قامت بنشر إعلان يسلط الضوء على الدور النشط للمرأة المسلمة المحجبة.
يقول الإعلان الذي نشر في جريدة نيويورك تايمز إحدى أكبر الصحف الأمريكية -على لسان فتاة مسلمة، إنها اختارت أن ترتدي الحجاب؛ لأنه أمر مهم لعقيدتها، ولكونها فخورة بكونها مسلمة، وأن الإسلام يشجع الرجل والمرأة على الاحتشام.
وهكذا نجح الأفاضل في مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في استخدام مهارات العلاقات العامة في التخاطب مع الجمهور، وبيان مضمون ومفهوم الحجاب.
وقد لقي إعلان المتحجبة وهي تقول (الحجاب هو رمز ثقتي بنفسي واحترامي لها) ردود أفعال واسعة في الساحة الأمريكية، وأشاد العديد من غير المسلمين بحشمة الفتاة المسلمة، وأن الإعلان قد ترك أثره في النفوس.
* إعلامي خليجي ومستشار في الشؤون الإغاثية والدعوية، ومعد برامج خاصة بالمرأة والأسرة، ومدرب في مجال الإعلام والعلاقات العامة
(1) كتاب حتى لا يتناثر العقد
(2) كتاب بهذا ألقى الله
ـــــــــــــــــــ(64/50)
90% عن الحجاب!
أمجاد الدغيم 26/1/1424
29/03/2003
سقطت في يدي ذات مرة مجلة صغيرة للطالبات، تخرجها مدرسة معروفة بصلاح التوجه وقوة النشاط، فأخذت أتصفحها وقد جذبتني بحسن إخراجها الفني، وألوانها الزاهية.
لكني ما أن أنهيت الاطلاع على صفحاتها الثمان، حتى تملكني إحباط شديد وأسف بالغ، وتداعت في نفسي عشرات الأسئلة المتعجبة، فتصوروا، أنه بلا أدنى مبالغة كانت 90% من مادة المجلة عن الحجاب.. والحجاب.. والحجاب فحسب!
وهكذا، يتركز التوجيه بأسره ويتحد الصوت جميعه حول هذه القضية، حتى تخيلت الفتاة وقد سترت جسدها بالسواد من أعلاه حتى أخمص القدمين، وسترت معه على عيوب في الشخصية جمة، وشح في الأخلاق، واهتزاز في المبادئ، وهشاشة في ركائز العلم! وإلا فأين نصيب هذه من الجهد؟
إن هذه مشكلة من أبرز مشاكل العمل الدعوي الموجه للمرأة، ألا وهو دوران الأفكار حول محاور معينة، كالحجاب، وقضية التحرير، والعمل خارج المنزل، ثم تقدم للجمهور بأسلوب مباشر يتسم بالرتابة والتكرار، مما يسبب ضعفا في الفكرة، ومللا لدى المتلقي، ومن ثم عزوف أكثر الملقين كذلك عن هذه الأمور، فتتراكم الأخطاء والسلبيات، ونظل ندور في حلقة مفرغة!
والحل، ليس في الإعراض عن تناولها بحجة أننا أشبعناها بحثا وكتابة وإلقاء، كلا، فالمتأمل في حال المجتمع، خاصة مع الفكاك من ضيق الإقليم إلى سعة الأمة، يجد أن المرأة المسلمة ما زالت بحاجة إلى توعيتها في ذلك، فالحجاب في تدهور باد للأعيان، وقضية التحرير ما زالت أصوات الغربان تنعق بها، والبرود الجليدي يكتسح دفء بيوتنا نتيجة خروج المرأة للعمل، إذن فالناس يبقون في حاجة، وما دامت المشاكل تطل بأعناقها المخيفة في مجتمعنا، فستظل أكفنا تجتث الشر وتزرع الخير..
لكن السر، يكمن في أمر "التجديد" في الطرح..
إننا في أمس الحاجة إلى تناول هذه الأمور من زوايا أخرى، حتى لو بعدت نوعا ما فلا ضير ما دامت النتيجة تؤدي إلى الصلاح وحل المشكلة، فمثلا بالنسبة للحجاب، يمكن تأسيس قواعد نصيحة به قوية ترتكز على إثارة العبودية لله، واستشعار جلاله وعظيم سلطانه، وعزة جبروته، ثم بعد أن تخشع النفس في محراب الذل، نبين لها أن الحجاب عبادة وأمر، ينبغي عليها أن تبذل قصارى الجهد في إحسان القيام به، والاجتهاد في بلوغ الكمال فيه، قياما بالحق لهذا الخالق جل جلاله.
وللقيام بمهمة التجديد يحتاج الداعية في نفسه إلى ركيزتين، يستطيع بعدها أن يعيد طرح مواضيع متكررة فيحالفه بإذن الله النجاح فيها، ويحصل التأثر والإصلاح:
1) ما كان لله بقي، فالله الله في تجريد النية لله، الماء النقي يجري عذبا رقراقا، فيخرج به أزواجا من نبات شتى، والماء العكر يدوم مرتعا للأوبئة في نفسه، أذى بروائحه وأمراضه على الناس، وليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة.
2) الهمة العالية، هي التي تمد الحماس بالوقود ليستمر ويبقى، أما من كانت همته تتمرغ في أوحال أهداف شخصية، فسرعان ما ستخمل عزيمته وتفتر إرادته، وهذا هو أضعف الناس في التجديد، وأقواهم في التخذيل والتشبيط!
وفي الختام، لا تجرين هذه الفكرة تطبيقا على كل الناس، فمنهم من تحدثه بحديث من تلك التي تراها قد قتلت تناولا، فإذا به يذعن وينيب ويتأثر، كما حدث لإحدى الأخوات، حيث رأت مطوية تتناقلها أخواتها المراهقات عن "ذئاب الهاتف"، تقول: استهنت بها كثيرا، واستبعدت أن يتأثر أحد بها، فهو من أشد العناوين إملالا في الساحة بالنسبة لي! لكني فوجئت بأخواتي يحكين بحماس عن سرعة تناقل هذه المطوية في مدرستهن المتوسطة، وشديد تأثر الطالبات بها!
ـــــــــــــــــــ(64/51)
زوجة الخليفة تسقي الحجيج
عز الدين فرحات 29/11/1423
01/02/2003
الحديث عن المرأة غالبا يتوزع بين اتجاهين يختلفان في كل شيء، ويتفقان في أن لهما طابعا واحدا هو السلبية .
غير أنها من الممكن أن تقدم الكثير، ويمكن أن يخلدها التاريخ بمشاركتها في الأعمال والأنشطة العامة، تستطيع المرأة ذلك دون أن تنسلخ من هويتها أو تتبرأ من عقيدتها، وهذا نموذج نقدمه لإحدى النساء اهتمت بمشاريع تسمى بالمصطلحات المعاصرة (مشاريع تنموية) تمثلت في بناء المساكن وحفر الآبار وبناء السدود.
إنها زبيدة بنت جعفر، زوج الخليفة هارون الرشيد وحفيدة المنصور وأم الأمين.
قال ابن بردي في وصفها: أعظم نساء عصرها ديناً وأصلاً وجمالاً وصيانة ومعروفاً، لقد كانت زبيدة سيدة جليلة سخية لها فضل في الحضارة والعمران والعطف على الأدباء والأطباء والشعراء، ومن صفاتها أيضا أنها كانت ذات عقل وفصاحة ورأي وبلاغة، عرفت باهتمامها بالعمران، فقد بنت المساكن والنزل على امتداد طريق مكة المكرمة، وكان أهم ما قامت به هو " عين زبيدة "، ففي أثناء حجها إلى مكة المكرمة سنة186 هـ أدركت زبيدة مدى الصعوبات التي تواجه الحجاج خلال طريقهم إلى مكة من نقص المياه، و ما يعانونه من جراء حملهم لقرب الماء من آلام وإرهاق، وكان الكثير منهم يموتون من جراء ذلك، ولذا فقد أمرت بحفر نهر جار يتصل بمساقط المطر،
وأنفقت الكثير من أموالها وجواهرها لتوفر للحجاج الراحة وتحميهم من مخاطر الموت، وبعد أن أمرت خازن أموالها بتكليف أمهر المهندسين والعمال بإنشاء هذه العين، أخبرها خازن أموالها بعظم التكاليف التي سوف يستنفذها هذا المشروع، فقالت له:"اعمل ولو كلفتك ضربة الفأس دينارا". فأحضر خازن المال أكفأ المهندسين، ووصلوا إلى منابع الماء في الجبال، ثم أوصلوه بعين حنين بمكة، فأسالت الماء عشرة أميال من الجبال ومن تحت الصخر، ومهدت الطريق للماء في كل خفض وسهل وجبل وعرفت العين باسم عين الشماش، وأقامت الكثير من البرك والمصانع والآبار والمنازل على طريق بغداد إلى مكة أيضاً، كما بنت المساجد والأبنية في بغداد كذلك.
وقد وصف اليافعي عين الشماش في القرن الثامن للهجرة فقال:" إن آثارها باقية ومشتملة على عمارة عظيمة عجيبة مما يتنزه برؤيتها على يمين الذاهب إلى منى من مكة ذات بنيان محكم في الجبال تقصر العبارة عن وصف حسنه، وينزل الماء منه إلى موضع تحت الأرض عميق ذي درج كثيرة جداً لا يوصل إلى قراره إلا بهبوط كالبئر، ولشدة ظلمته يفزع بعض الناس إذا نزل فيه وحده نهاراً فضلاً عن الليل.
كما قال عنها ابن جبير في طريقه إلى مكة:"وهذه المصانع والبرك والآبار والمنازل التي من بغداد إلى مكة، هي آثار زبيدة ابنة جعفر، انتدبت لذلك مدة حياتها، فأبقت في هذا الطريق مرافق ومنافع تعم وفد الله تعالى كل سنة من لدن وفاتها وحتى الآن، ولولا آثارها الكريمة في ذلك لما سلكت هذه الطريق".
توفيت في بغداد في جمادى الأولى سنة 216 هجرية الموافق 831م .
هذا نموذج للمرأة الإيجابية عموما والثرية خصوصا، نقدمها لعلها تجد من بنات جنسها من تحذو حذوها وتسير على خطاها، وكم من زبيدة تعيش بيننا في هذا العصر؟ .
ـــــــــــــــــــ(64/52)
كيف تستثمر المرأة وقتها في الحج ؟
الإسلام اليوم - وفاء السعداوي 26/11/1423
29/01/2003
- د. مريم الداغستاني: على الداعية أن تكون قدوة للنساء في الحج
- د. عبلة الكحلاوي : تصحيح المفاهيم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلال الحج
- د. كوثر المسلمي : البعد عن التنافر والاختلاف والإكثار من الطاعات
الحج هو دعوة من الله لعباده، كي يكونوا في ضيافته وينهلوا من فضله، ويفوزوا بجائزته من الرحمة والغفران، إلا أن للحج شروطاً وآداباً -فضلاً عن الأركان- على كل إنسان أن يلتزم بها حتى تسقط عنه الفريضة، ويرفع له في أجره، وللمرأة تحديداً آداب يجب أن تتحلى بها فترة الحج، فكيف تتم المرأة فريضة تحسبها عند الله مقبولة ؟
فلكل من تشرفت قدماها أن تطأ أرض الله المقدسة، وتستظل بسمائها حتى تتم أركان دينها بأداء فريضة الحج عليها كيف تستثمر وقتها في طاعة ربها، بعيدا عن اللغو والخلاف ؟
وما هي نصائح الداعيات المسلمات لها وهي في ضيافة الرحمن؟
دور الداعية في الحج
الدكتورة "مريم الداغستاني" أستاذ الفقه بالأزهر الشريف تقول : المرأة نصف المجتمع الإنساني، والنساء شقائق الرجال، ولأن الوقت من ذهب فيجب على المرأة وخاصة عند أداء فريضة الحج، وهي واجبة مرة واحدة في العمر كله، عليها أن تستثمر هذا الوقت الثمين في الالتزام بالصمت عن اللغو والقيل والقال، والصبر على مشاق السفر وحركة الحج والحرص على قراءة القرآن، والتناصح فيما يفيد المجموعة التي معها، والتحلي بالخلق الكريم، فأيام الحج معدودة ويجب أن نعود منها كيوم ولدتنا أمهاتنا صفحات بيضاء، ومن هنا كان الالتزام بالذكر والشكر والاستغفار عما بدر من الذنوب في حق الله والمجتمع وأخذ العهد بألا نعود مرة أخرى لارتكاب مثلها، وللداعية دور في فترة الحج، فعليها أن تكون قدوة لباقي النساء فتجمع النساء حولها على تلاوة القرآن، وتفسير بعض معانيه والصلاة جماعة وإرشاد المسلمات في أمور الحج التي تغيب عن كثير من النساء، وتقديم العون لمن تحتاج .
التناصح في الحج
الدكتورة عبلة الكحلاوي – الأستاذة بجامعة الأزهر الشريف تحث الداعيات في أثناء الحج على تصحيح المفاهيم الخاطئة، وإشعار المسلمات بأهمية الفريضة؛ لأن هناك من تؤديها كرحلة سفر ولا تفقه المقصود الأسمى، و تشرح للنساء أن الحج هو الركن الوحيد الذي يوضح مدى التزام المسلمة وفهمها للشعيرة الوحيدة التي تؤديها بانتقال وأسفار ومشقة .
وتقول الدكتورة عبلة الكحلاوي كل نسك نؤديه اعترافا وإذعانا واستسلاما ويقينا بالإيمان الذي وقر في قلوبنا، فلا بد من تعليم الناس وتصحيح المفاهيم وإبراز هذه الحقيقة لكي تحظى بالقبول إلى جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالممارسات الخاطئة للحجاج تدعو لأداء هذا الواجب، فهناك من تخرج من دارها لا تملك إلا نفقة السفر وتتسول الناس, وهذا مظهر سيء جدا ، فيجب أن يتم نهيهن عنه وتوضيح أن من لا تملك القدرة المادية والأمنية والصحية لا يجب عليها الحج، كذلك هناك من تطوف بالكعبة منقبة أو تسرف في الشراء، وهذه لابد أن تفهم أنها تخلط عملا صالحا بغير صالح، ولابد أن تحرص على طهارة المقصد فلا يتم القبول الذي ترجوه إلا إذا خرجت متجردة عن كل ما هو لغير الله وتأخذ نفسها بالمجاهدة وتتوب إلى ربها توبة نصوحا .
باب الرحمة والمغفرة
وتقول الدكتورة "كوثر المسلمي" مدرس الحديث بالأزهر الشريف إن الحج باب رحمة فتحه الله لعباده؛ لكي يتطهروا من كل الذنوب السابقة فيعودوا كيوم ولدتهم أمهاتهم، فيجب على من تحج أن تتخذ الحج شعيرة عبادية وتبتعد عن التفكير في أمور الدنيا وتخلص نيتها لله تعالى، وتخلص الدعاء له وتستشعر كل ما كان يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة -رضوان الله عليهم- وتبتعد عن المجادلات التي تؤدي إلى الشجار والتنافر والاختلاف وتكثر من العبادات والطاعات والنوافل في الأماكن المقدسة، وتستثمر وقتها في كل ما يرضي الله تعالى وتصحيح ما تراه من أخطاء بأسلوب واعٍ سليم تشرح للنساء ما هو غامض من المناسك، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بالحسنى، لقوله تعالى " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"
فمناخ الحج يفرض على المرأة التعارف على من حولها من مختلف الجنسيات، ويأتي دورها كداعية طبيعيا نتيجة اختلاطها بالنساء .
يوم العرض على الله
أما الداعية سمية رمضان فالحج يذكرها بيوم العرض على الله -سبحانه وتعالى- وخاصة يوم عرفة، حيث ترى طوفانا من البشر كأن العالم كله محشور إلى الله تعالى، لذلك فهي تطالب كل مسلمة أن تحاول بقدر المستطاع التزام الطاعات واستغلال كل لحظة في الاستغفار وقراءة القرآن، ففي فترة الحج يكون المرء مع الله تعالى يشعر بنفسه بزاد التقوى والإيمان ليواصل حياته على هذا المستوى، وترى أيضا أن الحج موقف خشوع ومواجهة بين العبد وربه يحاسب نفسه حسابا عسيراً؛ لأنه في تجرد مع الله تعالى في بيته وأرضه المقدسة، يندم ويبكي على كل أخطائه قبل الحج، ويحاول أن ينجي نفسه فلا يرى إلا الله فيقدم ما يستطيع من طاعات ليعود كيوم ولدته أمه .
وتقول الداعية نادية شاهين - مديرة معهد إعداد الدعاة بحلوان- عندما أتذكر الحج أستحضر قوله تعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم" فالله سبحانه وتعالى خصص موسم الحج لتجميع المسلمين ، والحج مؤتمر المسلمين لا يقتصر على أداء الفريضة ولكن للتعارف على الجنسيات الأخرى، فالحج مجال طيب للدعوة فالاختلاط بالنساء من البلاد الأخرى والاجتماع على الطاعات، وعقد مجالس التعارف والذكر والتلاوة والتفسير، ولاشك أن هذه العلاقات والتعارف والاجتماع على طاعته، ولا بد أن تدوم بعد الحج للاجتماع على فعل الخيرات وممارسة الدعوة إلى الله .
ـــــــــــــــــــ(64/53)
شروق .. لا غروب بعده
أم حسان الحلو 3/3/1423
15/05/2002
كيف يشعر المرء بضوء الفجر أثناء ساعات الليل الحالك ؟
وكيف يغرف الإنسان من عذب المياه بعد إنهاك طال من عطش الهجير ؟
ذاك مساء لم أشهده من قبل رغم خبرتي الطويلة مع المرضى . إذ أقبل علينا شاب يبدو أنه في عقده الثاني من العمر ، ذو عينين عميقتين ونظرات حادة وجادة . قد استعار وجهه لون أوراق الخريف المتساقطة ، فهو خائر القوى ، واهن الصوت . كان متكئا على أحدهم . دفع إلينا هويته فقرأت البيانات التالية :
الاسم : رينو أوستيان
العمر : خمسة وعشرون عامًا .
المهنة : مهندس مدني .
الجنسية : هندي
كل البيانات طبعية ، لكن عينيَّ تسمَّرتا أمام ديانته البوذية . كان واضحا تماما لصاحب الخبرة الضئيلة أن (رينو) هذا يجب أن يدخل قسم الطوارئ لإنقاذ وضعه المتعب .
جلست قبالته وقرأت تقاريره التي كان يحملها زميله .. حدقت مرات في صورة الكبد المتآكلة بسبب التليف والالتهابات . كنت أنظر إليها مرة وإلى تقريره مرة .. أكاد أُجنّ !! لَكَأنَّي لا أصدق نفسي، أو أنني درست علوما ظنيَّة وليست يقينية .
ذهبت إلى زميلي الدكتور الاستشاري (أحمد) ، الذي أشعر بمهارته الطبية وباستقامته الخلقية . ووضعت التقرير بين يديه . لأول مرة قرأه وهو جالس، ثم نهض واقفا هاتفا : أيعقل أن يكون هذا المريض ما يزال حيا يسعى ؟ إن حالته متدهورة جدًا . سبحان من سجل الأنفاس للإنسان وعليه . صدقني لم تمر علي حالة قط أشد سوءًا من هذه . ربما تخيلت أن مريضنا قد وصل مرحلة اليأس قبل هذه بكثير .
وجلس الدكتور أحمد يقلب أوراقه ويفكر في حالة مريضه . حتما إن لله حكمة في إمهال هذا الشاب .. وحكمة أخرى ترينا أن الطبيب الذي يحمل شهادة عالية لا يمكنه أن يجزم أبدًا بلحظة بدء حياة أي إنسان أو نهايتها . نحن نظن ظنا ، ويجب ألاّ نقول حتما .
وكل يوم تمر علينا آية أكبر من أختها لعلنا نتأمل ..
ودار في خلده خاطر .. لم لا أجلس مع رينو هذا ؟ وأصارحه بالوضع وبالحالة ؟
أمسك بيد رينو بصعوبة، وبدأ يتجاذب معه أطراف الحديث .. فعلم أن رينو جاء من بلاد الهند منذ تخرجه ، وأنه كان يعمل بجدية ونشاط في شركة استثمارية تبعد قليلا عن هذا المستشفى . كان يتابع حالته الصحية طبيب من الشركة نفسها مازال يقضي إجازته في بلاده .
استمع إليه الدكتور أحمد وتابع حالته بدقة بالغة ، وقد استولت عليه مشاعر الشفقة والرثاء .. وشيء ما غامض يريد أن يبوح به لكنه ، وخوفا من أن يجهد مريضه ، فقد استأذنه . حاول رينو أن يتشبث به ، لكن الدكتور أحمد أفهمه أنه يريد أداء صلاة المغرب .
هز رينو رأسه وقال بصوت خفيض : صلاة .. صلاة . وقد رسمت علامات الارتياح على وجهه .. ثم مد يده مصافحا طالبا من الدكتور العودة إليه متى أمكنه ذلك . فقد انشرح صدره للحديث .
أطياف متلاحقة متصارعة مرت بذهن رينو . أحس أن حياته كانت لا شيء ، سوى بضعة عمارات شاهقة أشرف على بنائها ، وبضعة شوارع خطط لشقها . لكنه لم يعرف أي طريق يسلك حتى الآن .
ناقش الدكتور أحمد الأمر في ذاته . وبرقت بذهنه فكرة ما .. كان جوابا لتساؤله عن الحكمة في إمهال هذا الشاب المنهك . فقرر أن يعود ليجلس إلى جوار مريضه ويحدثه . وكان مما قال له :
أنت تعرف يا رينو أن نهاية كل حي ..
قاطعه بصوت واهن : الموت .. الفناء .. العدم .
- لا يارينو .. فالموت ليس رديفا للفناء والعدم في حس المسلم .
- ما الفارق ؟
- المسلم يعتقد جازما أن الموت نقلة من عالم إلى عالم . من دنيا إلى آخرة . هل تعتقد أن الإنسان صاحب الروح المحلقة والأماني المشرقة ، ذاك العالم القائم بذاته سوف ينتهي كما ينتهي السرير الذي تنام عليه ؟
- بالطبع لا .
حدثه عن الإسلام بإيجاز . كان رينو يهز رأسه ويحبس أدمعه . وعندما سمع العبارة التي يقولها من أحب الإسلام واقتنع به ، رفع رأسه بفخر قائلا :
نعم .. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
خرجت من فيه قوية جريئة . شعر الجميع أن جنبات المستشفى قد ارتعشت وتفاعلت .. أقبلت الممرضات من جميع الأقسام ليشهدن الحدث العظيم .. لم تتمالك الكثيرات منهن أنفسهن فذرفن العبرات . أما الدكتور أحمد فلم يستطع كتمان انفعالاته، بدا كمن حاز على جائزة نوبل بل أكثر .. و أمر بتوزيع الحلوى .
أما رينو ..
فقد استغرق بترديد الشهادتين ، وبدا كأنه يسبح في عالم نوراني وضيء .
لم يشعر أحد بعقارب الساعة التي أعلنت قرب منتصف الليل ، استأذن الدكتور أحمد أخاه رينو، ووعده بزيارة صباحية.
أشرق فجر اليوم التالي وبلهفة بالغة دخل الدكتور أحمد غرفة رينو فلم يجده ..
أحس أنه لم يجد إنسانًا عظيمًا وأخًا عزيزًا .. سمع من يقول له :
لقد أتعبنا وأتعب نفسه وهو يردد الشهادتين طوال الليل . حتى إذا بزغ الفجر سكن الصوت إلى الأبد .
كتم الدكتور مشاعره وقال مخاطبا زملاءه : مات الرجل .. وعاشت روحه
ـــــــــــــــــــ(64/54)
وتحسبونه هينا
أم حسان الحلو 18/12/1423
02/03/2002
كانت زهية تتوقد شباباً وتتألق حيوية ، مزهوة بشعرها المنسدل على كتفيها والذي يأبى إلا أن يندس تحت حزامها الضاغط . تتمتع برشاقة الغزال وخفة الفراشة ، وتعتقد أنها يجب أن تعيش حياتها وتستمتع بكل ماهو متاح لها. ولما دعيت يوما لحفل إحدى صاحباتها ودارت الأحاديث الشيقة بين الحضور ودار الحوار المتأرجح من البارد الثلجي إلى الحار البركاني ، وكان مما أثار حفيظتها حقا حوار حول الحجاب .
إنها تذكر تلك الجميلة الفاتنة سناء ، وهي تتحدث عن طمأنينة قلبها وسكون نفسها يوم أن ارتدت الحجاب ، وذهبت إلى أبعد من ذلك ، وهي تؤكد أن الحجاب كان الخطوة الأولى في مشوارها الطويل عبر دروب الحق والنور ، إذ عليها أن تضيء قلبها بحفظ آيات الله وتنير بصيرتها بتدبر معاني تلك الآيات العظيمة، كما عليها أن تقرأ في الفقه والسيرة . ثم قررت سناء أن العبارات أكثر من الأوقات .
تفاوت تفاعل الحضور مع كلام سناء ، فمن مؤيد ومعارض ومستغرب ومؤكد عدا صاحبتنا فقد غلب على تعليقاتها السخرية والاستهزاء . خاصة لحظة محاولة إحداهن ربط الحجاب حول عنق زهية من باب الإستدراج بالإطراء بجمالها لو كانت محجبة ، فما كان من زهية إلا أن ثارت و انتفضت كمارد ناهض من قمقم وقالت بانفعال :
أرجوك أميطي عني هذا الـ.. ثم مسحت عنقها وشعرها وهي ترتجف وتهذي بعبارات أذهلت الجميع ، فقد تطاولت على الشرع الحنيف الذي ربط عنق المرأة بحبل المشنقة ثم رماها بكيس أسود !!
انبرت لزهية واحدة من الحضور وبدأت بالرد عليها لكن زهية تمادت في جحود ونكران الأدلة الشرعية ، ولم تجد أمامها سوى قاموس السباب والشتائم فنهلت منه . أما سناء فقد أدركت أن زهية اخرجت ما بقلبها من ضغينة على الإسلام وأهله ، وخشيت أن يهلك الله جمعهن بفعل واحدة من السفيهات ، فطلبت من الجميع الاستغفار ثم اللجوء للصمت، فالوضع ليس وضع نقاش ولا حوار ولا إقناع . وتفرق جمع الحفل على أتعس حال من التوقع . وعادت كل واحدة ولحظات الحوار والانفعال شاخصة في خيالها .
بعد ذلك الحفل التعس ، أحست زهية أن شيئاً غامضاً سكن قلبها وزرع فيه الكآبة . حاولت أن تهرب من ذاتها بالتفتيش عن علاقات لاهية طائشة ، لكن كآبتها تحولت إلى صداع مؤلم وشرود دائم . في البداية جربت الحبوب المسكنة والمهدئة فلم يهدأ صداعها ، كان كبرياؤها يمنعها من إظهار التألم أمام أفراد عائلتها خاصة زوجة أبيها . التي كانت تختصر معاناة زهية بعبارة (دلع بنات). ولم تكن تلك السيدة لتصدق حقيقة مافيه زهية إلا ساعة أن رأت رأسها قد ارتطم بأرض الغرفة فخرجت مسرعة تخبر الوالد الذي صحبها إلى المستشفى .
هناك طلب الطبيب عدة تحليلات، وبدأت الشكوك تراود الطبيب وتسرق النوم من عيني الوالد ، ثم طلب الطبيب صورة طبقية للدماغ فجاءته الصورة تحمل اليقين في ثناياها .
أخفى الطبيب تأثره وطمأن والد زهية وحمد الله أنه أدرك المرض قبل فوات الأوان . قفز قلب والد زهية من بين أضلعه وجمع أطرافه مخفيا ارتجاف مفاصله وهو يسمع التقرير : بداية سرطان دماغ ، وعلاجه ممكن إن شاء الله .
عليك احضار زهية غدا صباحا لبدء العلاج .
أمسك الطبيب بإبرة الدواء ، وأعطى زهية التعليمات ، وشرح لها المضاعفات المتوقعة ، كل شيء يمكن أن تتوقعه زهية عدا تساقط شعرها !!
قامت الممرضة بإعطاء زهية حقناً خاصة لمنع التقيؤ الذي يصحب العلاج الكيماوي، وفي اليوم التالي تم تثبيت إبرة غليظة تستعمل لزرق المحاليل والعلاجات الكيماوية طوال أربع و عشرين ساعة .
مرت على زهية الأربع والعشرون ساعة الأولى بمرارة علقمية ، فمنذ ساعات ألمها الأولى نسيت زهية سعادة حياتها كلها ، ولو سألها أحد كما سألها والدها :
كيف حالك يا بنية ؟
أجابت : في أتعس حال ، الموت أرحم مرات من هذه الحياة !!
أطرق والد زهية رأسه ، وكفكف دموعه ، وود لو يفتديها بروحه ، لكن هيهات ، فما أصاب زهية يعجز أهل الأرض عن تغيير مساره وتصويبه نحو أي حبيب أو عدو .
وكانت مشاعر زوجة أبيها متأرجحة بين الإستنكار والرثاء ، وفي اليوم الثالث بعد إعطائها الحقن والحبوب بحوالي ساعة ، بدأت زهية بالتقيؤ الشديد المتكرر المصحوب بالآلام الحادة في المعدة ، وبدأت معنوياتها بالإنهيار مما أثر أبلغ الأثر على زوجة أبيها التي هرعت إلى الطبيب طالبة النجدة والمعونة ، فتوجه الطبيب إلى حيث ترقد زهية وحاول تهدئة روعها بإعلامها أن هذه أعراض مؤقتة وسوف تذهب بذهاب المرض بإذن الله .
توالت المصائب والآلام على زهية ، ومرت أيام ذاقت فيها مرارة انتظار الجرعات ، ولا تسل عن حالتها يوم أخذها للجرعة ، لقد كادت أن ترفض العلاج الذي هو أشد صعوبة من المرض نفسه لولا تثبيت ذويها لها والطاقم الطبي حولها.
و ما هي إلا أسابيع قليلة حتى رأت زهية هالات من السواد حول عينيها ، أرادت أن تهرب من هذه الحقيقة فوضعت شيئاً- من الزينة حول عينيها ، ارتدت أضيق ملابسها فوجدتها فضفاضة ، وقفت أمام مرآتها وأمسكت خصلة من شعرها فتساقطت بين أناملها ، وسقطت زهية منهارة تبكي إنها لا تقوى على استقبال سناء التي أصرت على زيارتها ، فأجلت زيارتها علها تزورها بعد أن يثمر العلاج الذي وصفه الأطباء بأنه فعال .
كانت كلما شعرت بالآلام في رأسها تصرخ وتمسك رأسها فيتساقط شعرها، وغدا بكثافة أشجار صحراء قاحلة بعد أن كان بكثافة أشجار الأمازون .
أخبرت زوجة أبي زهية سناء قائلة :
الحقيقة يا بنيتي أن حالة زهية تتدهور بسرعة ، و حبذا لو قمت بزيارتها علها تسعد بوجودك إلى جوارها .
طارت سناء من الفرح ، وحملت أجمل الهدايا وأطيب المأكولات لزميلتها زهية ، وعندما دخلت عليها تعرفت عليها بصعوبة وصافحتها ، كفكفت دموعها وقاومت انفعالاتها ، وأظهرت تماسكا أجوف أمام زهية ، حاولت مخاطبة الروح فيها قائلة :
قد يكون المرض كفارة ورفع درجات ، هنيئا لك إنك تقضين وقتك الطويل في التسبيح والذكر والاستغفار ، صوبت زهية نحوها نظرات زائفة وأشاحت بوجهها عنها وعن أصناف الأطعمة الملقاة أمامها .
تأملت سناء حجاب زهية الذي تفطي به رأسها .. فرأته قذراً ملوثاً ، تماماً كما وصفت زهية الحجاب أول مرة !!
ازدحمت المعاني والعبر في عقل سناء ، وأطرقت رأسها .. وهي تسمع وجيب قلبها وهي تذكر الآية الكريمة :
( وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ) .
ـــــــــــــــــــ(64/55)
ساهمي في البناء !!
رجاء عبد العزيز 27/7/1423
14/10/2001
أيتها الأم :
قد يعاني طفلك من بعض المشاكل السلوكية التي كثيرًا ما يتعرض لها الصغار في سنه وقد لا تعيرين لها بالا فتزداد مع كبر سنه لتتحول إلى استجابات غير صحيحة مع أفراد المجتمع من أقرانه وقرابته .
وقد تخطئين في معالجتها ؛فتكون عقدة لديه في المستقبل تؤثر على حياته الخاصة والعامة وعلى علاقته الاجتماعية سلبيًا . والمشاكل السلوكية أهم جانب من جوانب حياة الطفل التي يجب أن نوليها اهتمامًا جنبًا إلى جنب مع العقيدة إذا أردنا أن نعد جيلا مستقبليًا سليم السلوك والأخلاق والتعامل، يمد يده للآخرين ويحسن التصرف مع الجماعة ويتصف بالانسجام والإقدام وضبط النفس وإعذار الآخرين، يقاوم الحسد والغيرة واثقًا من نفسه،يتمنى الخير للآخرين كما يحبه ويتمناه لنفسه .
وإنها- والله- أكبر علة يعاني منها هذا الجيل من الشباب المسلم . فنظرة متفحصة لمؤسستنا الإسلامية واطلاع مباشر على بعض التجارب ونتائجها وما آلت إليه وعلى بعض محاولات العمل الجماعي الحالية نجد أن :
الغيرة على هذا الدين والاندفاع للعمل له مع القصد والنية الحسنة لا تكفي لنجاح تلك الأعمال واستمرارها ؛إذ سرعان ما تصطدم مع ما بداخل الأفراد من مخلفات مشاكل سلوكية في الصغر لم تعالج وأهملت أو أسيء علاجها فتفاقمت؛ مما يؤثر على سير تلك المؤسسات، ويفتت تعاونها ،ويحد من نشاطها، وقد تصل إلى مرحلة تتلاشى فيها كليًا .
ومع محاولة علاج تلك المشاكل عند الشباب بالمحاضرات والدروس والنصائح وتحريك القلوب والتي قد تكون نسبة نجاحنا فيها غير مضمونة، لابد لنا من تصحيح البناء من الأساس ،لابد لنا أن نلجأ إلى محاضن شباب الغد إلى أمهات المستقبل إلى أمهات أطفالنا رجال المستقبل للمساهمة في البناء عن طريق بعض النصائح التي جمعت من الخبرة في التربية والتجربة وكان لها أطيب الأثر على بعض الحالات الفردية .
الغضب :
-كوني قدوة لطفلك في ضبط النفس بكظم الغيظ.
-لا تسخري ولا تستهزئي به أو تظهريه بمظهر العاجز لئلا يثور غضبه .
-لا تجبري طفلك على الطاعة لمجرد الطاعة ،ولا تكرهيه على القيام بأي عمل مهما كانت أهميته .
-استغلي طاقات الطفل استغلالا حسنًا في اللعب والرياضة وتنظيم وقت الفراغ. -لا تستجيبي لمطالبه حين يصرخ فيتعود هذه الطريقة .
-لا تناقشي سلوكه مع الآخرين وعلى مسمع منه .
-لا تتعاملي مع نوبة الغضب بالصراخ والعنف وفقد السيطرة على النفس أو العقاب البدني ولا تستسلمي له وتتركيه يحصل على ما يريد .
-حاولي تجاهله وسكِّني ثورته . غيري مكانك استمعي إلى حديث آخر أو أي عمل آخر، ثم بعد انتهاء النوبة تحدثي معه بهدوء ولا تعلقي على نوبته .
-حاولي أن تعلمي طفلك- وبالتدريج -طريقة التعبير المناسبة عن الغضب إما بالتعبير اللفظي : مناقشة لوبصوت مرتفع قليلا مع ضبط النفس أو بالتعبير الحسي أو الجسدي : عن طريق إفراغ غضبه بغسل الوجه؛ لأنّ الغضب إذا كبت يؤدي إلى اضطراب نفسيّ وجسميّ .
-بيني له هدي الإسلام في علاج الغضب: تغيير الحالة ، الوضوء، السكوت، التعوذ من الشيطان .
-اسردي عليه بعض القصص والأحاديث والآيات وبيني له أن الغضب يجب أن يكون لدين الله ، وأن العفو لمن أساء إلينا من المسلمين.
الغيرة:
-عودي طفلك الأخذ والعطاء منذ الصغر حتى لا يغار إذا شاركه غيره في الامتيازات والعطاءات.
-ربي طفلك على احترام حقوق الآخرين منذ نعومة أظفاره .
-علّميه أن يفرح لنجاح الآخرين وخيرهم وأن يقهر مشاعر الغيرة بحب الآخرين .
_لا تميزي بين طفل وآخر من أولادك ولا تشعريهم بذلك .
-عامليه على أساس إشباع حاجاته ومزاولة ألعابه وأنشطته التي يرغب بها .
-لا تهملي طفلك، ولا تعيّريه لفشله وتقصيره بالنسبة لمن هم في سنه .
التخريب :
-تفهمي الأسباب التي جعلت منه مُخَرّبا أي ابحثي فيما وراء الفعل .
-ساعدي طفلك على التنفيس عن الغضب بشكل غير ضار (جري . أعمال فنية .تلوين رسم)
-استخدمي معه أسلوب الاعتدال والوسطية في المعاملة لا إفراط ولا تفريط (لا دلال و لا قسوة)
-واجهي طفلك كلما بدر منه سلوك تخريبي بالعمل على وقف هذا السلوك بإصدار أمر لفظي هادئ .
-اشرحي له سبب منعه من التخريب مع بيان القيمة المادية للشيء وحقوق الآخرين .
-اعزلي طفلك على ألا تتجاوز مدة العزل على (2-5) دقائق حتى يهدأ ثم امتدحي هدوءه .
-يستحسن أن تشعري طفلك بفداحة عمله وذلك بأن يدفع تعويضًا عن الشيء المخرب ماديًا من حصّالته أو مصروفه أو معنويًا مثل: حرمانه من بعض ما يحب . -ساعديه على أن يجد أفضل الطرق للسيطرة على مشاعره في المستقبل . -وأهم من هذا كله أن تكوني له قدوة في ذلك.
الخجل :
-تجنبي تعيير الطفل بخجله أو الإشادة به ( مؤدب خجول ).
-شجعي طفلك أن يطلب ما يريد بجرأة دون خوف أو حرج من التعبير عن نفسه .
-اجعلي طفلك يشترك مع غيره في نشاطات رياضية أو غيرها فيتغلب على الخجل من خلال ما يحرزه من نجاح أمام الآخرين .
-لا تدفعي طفلك للقيام بأعمال تفوق قدراته ؛فذلك يشعره بالعجز ويجعله يزداد خجلا .
-اجعليه منذ صغره يخالط الآخرين ويكتسب الصداقات، ويزور الأهل والأقارب ،وأن يتحدث أمام غيره صغارًا وكبارًا فابن عباس يقول :كان عمر يدخلني مع شيوخ بدر .
-تحدثي له من قصص السيرة والسلف الصالح مثل: موقف عبد الله بن الزبير عندما مر عمر بن الخطاب في الطريق وانصرف الأولاد هيبة من عمر- رضي الله عنه- إلا عبد الله ولما سأله عمر عن سبب عدم انصرافه مع الأطفال قال: لست مذنبا فأفر منك، وليست الطريق ضيقة فأوسع لك! انظري إلى هذا الجواب الجريء فالإسلام دين الشجاعة والثقة بالنفس يعلم أبناءه الحياء وليس الخجل والثقة بالنفس وليس الغرور .
الخوف :
-كوني نموذجًا للهدوء والاستقرار في تصرفاتك وأن تكون مخاوفك وقلقك بعيدة عن مرأى ومسمع طفلك .
-اغرسي الشعور بالأمن في نفس طفلك عن طريق التعاطف معه وفهم أفكاره ومشاعره ومشاركته فيها ومناقشته بالأمر إذا تعرض لشيء مخيف .
-استخدمي اللعب لتعليم طفلك كيفية التعامل مع الخوف والرسم أحيانًا فإن خاف من شيء فاجلبي له لعبة أو ساعديه على رسمه وإن خاف من الماء فإن اللعب به ومشاهدة الأطفال يلعبون به يجعله يألفه .
-ساعديه على مواجهة المواقف المخيفة بشكل تدريجي مثل زيارة طبيب الأسنان قبل الحاجة إليه أو سرد القصص الباعثة على السرور عندما يريد أن ينام .
-لا تتركي أيّ حادثةِ خوفٍ يتعرض لها دون مناقشة فيما حدث فهو قد ينسى ما حدث وبصورة لاشعورية بعد سنوات تكون مصدرًا للعقد النفسية إذا لم تناقشيه فيها وتزيلي أثرها .
-راعي طبيعة نمو طفلك خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة في رغبته للاستطلاع واستكشاف الأشياء المحيطة به دون أن تلجَئِي إلى المزيد من الأوامر والنواهي التي تجعله يحس أن الأشياء التي يحاول التعرف عليها مخيفة .
-لا تظهري قلقك عليه إن أصابه مرض أمامه أو تأخر عن الحضور إلى المنزل من المدرسة .
-اغرسي في حس ابنك الإيمان بالله ،واجعليه ينشأ على الروح الإيمانية فيسلم بقضاء الله، ولا يخاف إذا ابتلي ولا يهلع إذا أصيب ( إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعًا وإذا مسه الخير منوعًا إلا المصلين ).
-قصي عليه قصصًا من سيرة أبناء الصحابة مثل معاذ بن عمر بن الجموح ومعاذ بن عفراء مع أبي جهل .
-لا تحرمي طفلك اكتساب خبراته أو التعبير عنها بنفسه فتنشأ لديه نفس واهية تحتاج إلى من يتولى عنها كل أمورها فلا تبادري بالإجابة عنه إذا سئل عن اسمه أو عمره أو أي شيء آخر .
-لا تمارسي الحماية الزائدة على طفلك بحيث يفقد استقلاله ويكون جبانًا معتمدًا على غيره ولا تمارسي الإهمال والنبذ ؛ لأن ذلك يؤدي إلى شعوره بعدم الجدارة والاهتمام .
-لا تتوقعي الكمال من طفلك فيشعر طفلك بالخوف من أنّه لا يقدر على تلبية هذه التوقعات .
-لا تسرفي في عقاب طفلك ولا في النقد المستمر له لأن ذلك ينمي عنده الخوف والاستهانة بنفسه فيخاف ويحجم .
ضعف الثقة بالنفس :
-لا تقيمي الموازنات بين الأطفال متجاهلة أن لكل طفل شخصيته وقدراته وإن كان لا بد من الموازنة فبين الطفل ونفسه كأن تقولي له: أنت البارحة كنت ممتازًا في تصرفك في الموقف الفلاني .فما بالك اليوم؟
-اتركي شيئا من الحرية للطفل يتصرف من خلاله ليدرك ذاته حتى وإن أخطأ ،ولا تتدخلي في كل صغيرة وكبيرة من أموره كي يشعر باستقلال شخصيته .
-ركزي على الجوانب الإيجابية في شخصيته وأكثري من الاستحسان والتقدير ليدرك بشكل تدريجي قيمة نفسه وأكثري من عبارات الثناء على أعماله الطيبة لتنمية مفهوم الذات .
-أشركي طفلك في أعمال الخير والهوايات على قدر طاقته لرفع الروح المعنوية.
-إن كان عندك أكثر من طفل فخصصي يومًا لكل طفل يكون فيه محط اهتمام الجميع ويستحسن أن تستخدمي أسلوب الدور المعكوس معه أي يأخذ الطفل دور الوالدين ويستحسن أن تتحققي شيئا من رغباته في ذلك الدور في الحدود المعقولة .
أدخليه على الضيوف يلقي السلام، ويعرف باسمه، وإذا دخلت عليه حجرته ألقي السلام عليه .
-اجعليه يختار أشياءه بنفسه من بين مجموعة وجَدْتِ فيها أنت ما يناسبه .
وهناك الكثير من المشاكل السلوكية سنتعرض لها في مقال آخر- إن شاء الله - كالكذب والطمع والعدوان والسرقة وغيرها كثير .
ـــــــــــــــــــ(64/56)
نحو برنامج عملي للدعوة بين الأقارب (1-3)
حجاج بن عبدالله العريني 27/7/1423
14/10/2001
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما: أنه لما نزل قول الله -تعالى-: " وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ " [الشعراء:214]، أتى النبي الصفا، فصعد، ثم نادى: "يا صباحاه!" فاجتمع الناس إليه، بين رجل يجيء إليه، ورجل يبعث رسوله، فقال رسول الله :" يابني عبد المطلب! يابني فِهْر! يابني لُؤَي! أرأيتم لو أخبرتكم أَنّ خيلاً بسفح الجبل تريد أن تُغير عليكم صدقتموني؟ " قالوا: نعم. قال:" فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد "(1). فها هو محمد المبعوث للناس كافة، يوجه نداء خاصّاً إلى الأهل والقرابة والعشيرة استجابة لأمر الله -جل وعلا-.
ودعوة الأقارب والأهل والأرحام من الصلة والبر، بل إن الدلالة على الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أبر البر والإحسان، والدعاة في جانب الدعوة العائلية على ثلاثة أحوال إلا من رحم الله :
1- رجل أغلق على نفسه مع مجموعة من الأقارب، انتقاهم بعناية على أساس التوافق والانسجام أو الاستجابة، وترك البقية بحجة عدم الاستجابة؛ إِذْ حاول دعوتهم مرة أو مرتين، وظن أنه معذور بذلك، وهذا ليس أسلوب أهل الجهد والجهاد في الدعوة.
2- رجل مشغول بأمور دعوية خارج نطاق العائلة، وقد حصل له كثير من البرود في مواقفه وعلاقته مع الأقارب من الناحية الدعوية، وهذا نسي حقّاً مهمّاً من حقوق أرحامه عليه، وقصّر كثيراً في دعوتهم.
3- رجل له نشاط دعوي في عائلته، ولكنه نشاط يتم بطريقة عشوائية، بدون أن يكون هناك تخطيط ومتابعة، ولا شك أن العمل المدروس أكثر ثمرة من العمل غير المنظم.
مميزات الدعوة العائلية : إن للدعوة العائلية سمات تتميز بها عن الدعوة العامة، وهذه المميزات تختلف من عائلة إلى أخرى، ولكنها تجتمع في كونها عوناً للدعاة للقيام بهذا العمل واستمراره، ومن هذه المميزات:
1- إن عدد الأفراد الذين يتم الاحتكاك بهم في الدعوة العائلية يعتبر عدداً كبيراً مهما صغرت العائلة التي ينتمي إليها الداعية؛ فإذا نظرنا إلى أي شخص نجد أن لديه مجموعة كبيرة من الأقارب، يتواصل معهم وتربطه بهم روابط المودة والرحمة.
2- سهولة الاحتكاك بأولئك الأقارب والوصول إليهم: يزورهم ويزورونه، ويقابلهم في المناسبات، بل قد يشترك معهم في السكن.
3- الدعوة العائلية تعتبر وسيلة دعوية، يمكن أن تستمر ولا تنقطع لأي سبب إذا طبقت بطريقة جيدة.
4- الدعوة العائلية إذا أديرت بشكل جيد، فإنها تفيد في شحذ الهمم وتحريك الطاقات الخاملة عند بعض الصالحين في الأسرة، وتدفعهم للدعوة، وتكون وسيلة ناجحة بإذن الله للتأثير عليهم. 5- إن الدعوة العائلية تؤدي إلى استقامة الأقارب، والتخلص من المنكرات؛ مما يكون له مردود إيجابي على بيت الداعية وأطفاله.
6- تُيسر الدعوة العائلية التأثير على النساء في المجتمع، وخاصة أن النساء أقل احتكاكاً بالدعوة ووسائلها، وأيضاً: توفر هذه الدعوة الاحتكاك والتأثير على الأطفال.
7- من خلال الدعوة العائلية يتم الوصول إلى جميع أفراد المجتمع، إِذْ إن المجتمع هو مجموع هذه الأسر.
وسائل الدعوة العائلية كثيرة، ومتنوعة، وسنشير هنا إلى نماذج منها فقط، ولا بد أن لكل عائلة ما يناسبها، ثم إن البدء والاستمرار في هذه الدعوة ينتج أفكاراً، وبرامج جديدة ومؤثرة.
1- خطوات الدعوة العائلية هي: التنسيق، والتخطيط، وتحديد الأهداف المرحلية، مع بيان الوسائل والطرق، ويبدأ ذلك بالتنسيق بين مجموعة من الأخيار في العائلة، وإقناعهم بفكرة الدعوة العائلية، ثُمَّ تنظيم الأفكار، ووضع الخطط الدعوية. ويتبع ذلك: التقييم الدوري المستمر لجميع الأنشطة، والبرامج الدعوية؛ لتصحيح الأداء واكتساب مزيد من الخبرة، ولا بد من التكاتف، والتعاون في هذا المجال؛ فاليد الواحدة لا تصفق!
2- تمثيل القدوة الحسنة في أمور الدنيا والدين؛ فلن يتقبل الناس الدعوة من شخص فاشل في حياته العملية أو العلمية، أو من شخص لديه قصور ظاهر في التزامه الشرعي. ولكي يكون الداعية قدوة حسنة مؤثرة عليه أن يتخذ من الرسول قدوة له "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" [الأحزاب: 21].
3- توثيق الصلة مع الأقارب، وكسب مودتهم، وإتقان فن التعامل معهم، حتى يشعر كل فرد بأن له علاقة خاصة بالداعية، وهذا لا يعني النفاق والابتذال، ولكن علاقة صادقة، ومودة خالصة، ومبادئ ثابتة.
4- إقامة لقاء دوري للعائلة -شهريّاً مثلاً- وذلك لزيادة الألفة والمحبة، وتوطيد أواصر المودة، وتحقيق صلة الرحم، كما أن مثل هذه اللقاءات توفر وقت الداعية، حيث يمكنه القيام بواجب صلة الرحم، والدعوة في وقت واحد.
5- الاستفادة من التجمعات العائلية، سواء اللقاء الدوري أو المناسبات الطارئة مع الحذر من المبالغة المنفرة؛ويكون ذلك بعدد من الوسائل، منها :
أ- مساعدة صاحب المناسبة بالسعي في إجراءات ترتيب اللقاء، ودعوة الضيوف، وكل ما يمكن القيام به من خدمة.
ب- توزيع أي جهد دعوي صالح وموثق أثناء اللقاء ، سواء أكان شريطاً، أو كتيباً، أو ورقة مفيدة، أو فتوى مهمة... ، والحرص على ذلك، والاستمرار عليه في كل مناسبة.
ج - دعوة بعض العلماء أو طلبة العلم في ا لمناسبات العائلية؛ لإفادة الحاضرين فيما يهمهم في أمور دينهم ودنياهم ، ويتم التركيز على المواضيع التي تهم عموم الأسرة.
د - إعداد المسابقات الثقافية المناسبة لجميع فئات العائلة؛ لاستغلال الوقت بالنافع والمفيد، ولرفع المستوى الثقافي لأفراد العائلة.
هـ- الحديث عن أحوال المسلمين وأخبار العالم الإسلامي، كما يمكن عرض بعض أفلام -الفيديو- التي تظهر هذا الواقع؛ لزرع الإحساس بمآسي المسلمين، وحثهم على دعمهم والدعاء لهم.
و- التذكير والحث على مجالات الخير المنتشرة -والحمد لله-: كالمحاضرات، والخطب، والندوات.. والإعلان عنها، والتعريف بالأشرطة الجيدة، وأماكن وجودها.
ز- طبع أسماء وهواتف أفراد العائلة بشكل جذاب، وتوزيعها؛ للمساهمة في صلة الرحم.
ح- استخدام القصص والحكايات الواقعية المؤثرة للدعوة، وقد لوحظ أن هذا الأسلوب من أقوى أساليب التأثير على الناس وأيسرها، ويمكن الاستفادة من بعض الكتب التي تحكي هذه القصص، ثم سردها في هذه اللقاءات.
ط- توقير الكبار وأصحاب الوجاهة في العائلة، وتذكيرهم بالثمار التي تجنى من خلال تلك اللقاءات؛ لكسب تأييدهم لمشاريع الدعوة العائلية من بدايتها، ولكي يُستفاد من مكانتهم في تقوية الدعوة العائلية، أو على الأقل حتى لا يكونوا معارضين لها.
6- الإحسان إلى أفراد العائلة، ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، ومساعدتهم فيما يحتاجون إليه، وإحياء معالم التكافل الأسري، ويجب على الداعية أن يُعرَف بالمواقف المشرفة وعلاج الأزمات، وليس فقط بالوعظ والإرشاد، ويحسن أن يقوم الداعية بتلمس احتياجات أفراد العائلة، والمبادرة بمساعدتهم قبل أن يُطلب منه ذلك، مع الحذر من التطفل عليهم في أمورهم الخاصة.
7- حصر المخالفات الشرعية الموجودة في العائلة؛ للتركيز عليها وإصلاحها تدريجيّاً بالحكمة والأساليب المناسبة، ويحسن هنا محاولة معرفة أسباب الانحراف ليسهل العلاج.
8- الاهتمام بالأطفال والمراهقين، فقد قال أحد الحكماء:"أكرم صغارهم؛ يكرمك كبارهم، وينشأ على محبتك صغارهم"، ويكون ذلك بإعداد أنشطة خاصة بالصغار والمراهقين، يُراعى فيها سنهم وميولهم،ويمكن القيام بالرحلات وتنظيم ذلك للخروج بأكبر فائدة.
9- الزيارات المنزلية لأفراد العائلة؛ لما فيها من محبة، ورفع الكلفة وتعميق الروابط ؛ وهذا مما يغفل عنه كثير من الدعاة؛ لكثرة الأشغال وعدم التفرغ، مما ينتج عنه وجود حاجز بين الداعية وأفراد عائلته.
10- تقديم الهدايا لأفراد العائلة، والتودد إليهم لما للهدية من أثر عجيب؛ فهي تقرب البعيد، وتؤلف القلوب، وتروض النفوس المستعصية، وتحبب الداعية إلى الناس، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم -:" ..وتهادوا تحابوا، وتذهب الشحناء.
11- الاستفادة من بعض العادات والتقاليد الموروثة ـ غير المخالفة للشرع ـ لدى بعض الأسر واستثمارها في المجال الدعوي، نحو ما ينتشر بين النساء -خاصة- من قيامهن بزيارة المرأة التي رزقت بمولود، أو المتزوجة حديثاً، أو القادمة من سفر بعيد... أو غير ذلك، وتقدم هدية عينية لهذه المرأة، فحبذا لو أضيف لهذه الهدية المادية مجموعة من الأشرطة والكتيبات والنشرات الدعوية الصالحة... وغيرها مما ينفع المهدى إليه في دينه.
12- الاهتمام بتأمين الدعم المادي؛ لإنجاح المشروع الدعوي العائلي، فبدون ذلك لا يمكن الاستمرار في إيجاد الحوافز: كالهدايا، وجوائز المسابقات، والتوزيع الدوري للأشرطة والكتيبات، وهذا الدعم المادي يجب أن يكون مستمرًّا، وغير منقطع طوال العام.
13- شكر كل من أسهم في التواصل في العائلة، أو ساعد في الدعوة، تشجيعاً له للمواصلة وبذل المزيد، وحثًّا لغيره للقيام بدوره.
14- الحرص على إيجاد صندوق للتكافل العائلي، يكون الاشتراك فيه ضمن أسس متفق عليها، وتكون مهمة القائمين على هذا الصندوق متابعة أوضاع العائلة واحتياجاتها، مثل:
أ - الشاب الذي يريد الزواج، ومساعدته.
ب - الفقراء في العائلة، أو من تحمّل ديناً، ومساعدته بأسلوب يحفظ له كرامته.
15- الدعاء والتوجه إلى الله، وطلب عونه -جل وعلا-، والدعاء لأفراد العائلة بالصلاح والهداية، يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم-: "دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل".
هناك بعض الأسباب المؤثرة على تطبيق برنامج الدعوة، يجب أن يأخذ بها كل من يتصدى للدعوة العائلية، ونورد هنا بعض الأسباب العامة التي يجب أن يضعها الداعية ضمن خطته الدعوية:
1- الإخلاص لله (تعالى)، وإيمان الداعية بما يدعو إليه؛ فالدعوة النابعة عن إخلاص مع القوة والعزيمة والإيمان والاعتماد على الله- لا بد أن تؤثر وتؤتي أُكُلَها، فالإخلاص أمرٌ مهمّ لنجاح الدعوة واستمرارها.
2- أن يعمل الداعية بما يدعو إليه، ويبتعد عما ينهى عنه، فليس معقولاً أن يؤثر في الناس من يقول ولا يفعل، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) [الصف: 2، 3] وقد ورد في الصحيحين أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: (يُجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلِقُ أقتابُه (يعني أمعاءه) في النار، فيدور كما يدور الحمارُ برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أيْ فلانُ، ما شأنُك؟! أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه)(6).
3- دراسةُ أي نشاط مُقْتَرحٍ للتطبيق على الدعوة العائلية دراسة مستفيضة لمعرفة إمكانية تنفيذ هذا النشاط؛ إذ لا يكفي أن تكون الفكرة ممتازة وهادفة، بل لا بد من معرفة إمكانية تنفيذها واستمرارها، عملاً بقوله حينما سُئل: أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ فقال: (أدومُها وإنْ قلّ)(7) لأن التذبذبَ وبدْءَ النشاط ثم إيقافَه، أو عدم إخراجه إخراجاً جيداً ومشوِّقاً: يقلل من استجابة المدعوين إن لم يُفْقِدْهم الثقة والاحترام للبرنامج الدعوي.
4- عدم اليأس أو استعجال النتائج، وضرورة التأني وبعد النظر، وهذا الأمر يغفُل عنه كثير من الدعاة؛ فنجد أحدهم يتعجل النتائج، ويستغرب بطء استجابة الناس، وينسى قول الله (تعالى): (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً) [الإسراء: 106] فيجب على الداعية أن يكون حكيماً، ولا يغفل عما أحدثته وسائل الهدم في عقول الناس وأفكارهم، وأن ذلك قد استغرق وقتاً طويلاً، فلا نستغرب أن نحتاج إلى وقت مناسب لإعادتهم إلى طريق الهداية.
5- الانتباه إلى أن الانفتاحَ مع العائلة ودعوتَها يجب ألا يؤدي إلى مداهنة الداعية، فيشارك أو يحضر بعض المنكرات التي لا يجوز حضورها، أو يسكت عن بعض المنكرات التي لا ينبغي له التأخر في إنكارها.
6- أن يعلم الداعية حال من يدعوهم؛ لأن الناس يختلفون في مدى تقبلهم للدعوة، فمنهم من يرضى بها، ويُقبِل عليها، ويتفاعل معها، ومنهم من يغلق قلبه أمامها، ويصم أذنيه عن سماعها، ويرفض أن يتفاعل معها. وكل واحد من هؤلاء يحتاج إلى معاملة خاصة. وأيضاً يجب أن يعلم الداعية أن النفس البشرية لشخص واحد تختلف من وقت إلى آخر، فيجب مراعاة ذلك.
7- أن يعلم الداعية حال المتعاونين معه من الأخيار في العائلة، وأن يكون خبيراً بهم وبقدراتهم، فيضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وأن يُوَجِّه كل شخص إلى ما يمكن أن يُبْدِعَ فيه.
8- التركيز على بناء العقيدة وتثبيت الإيمان، لأنها الأساس والأهم، والخطوة الأولى في الدعوة، وذلك عن طريق التركيز على:
أ - مواضيع العقيدة والإيمان، مثل: تعليم التوحيد، ومعنى (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، والتحذير مما يضاد ذلك، ومثل: اليوم الآخر، والجنة، والنار، والخوف من الله، ومحبته، وترسيخ التوحيد بمعانيه الشاملة.
ب - بناء الحصانات الفكرية ضد الشبهات الموجهة للإسلام وبناء الحصانة ضد الفرق الضالة.
ج - تصحيح المفاهيم في القضايا التي شوهها أعداء الإسلام، وطرح المفاهيم الغائبة التي يحتاج إليها المسلم.
9- العناية بجانب الوعظ والرقائق، والترغيب والترهيب، وتعظيم الله في القلوب، وربط المدعوين بالقدوات الصالحة من السلف، وبيان محاسن الإسلام وجوانب الإعجاز في تشريعه.
10- عدم التعالي أو الظهور بمظهر العالم أو الأستاذ، لكي لا يثير المدعوين، وخصوصاً كبار السن منهم، وليحرص الداعية - دائماً- على عدم إثارة غيرة الآخرين منه.
11- الحرص على المظهر الحسن، فليس من الدين في شيء أن يكون الداعية رثَّ الثياب، فالله جميل يحب الجمال، ويحب أ ن يُرى أثر نعمته على عبده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله يحب أن يُرى أثرُ نعمته على عبده)(8).
12- استخدام التوجيه غير المباشر، وعدم المواجهة بالعتاب، بحيث يقوم الداعية بالتوجيه دون أن يعلم المدعوون من هو المقصود بهذا التوجيه، وهذا منهج نبوي، حيث كان حين ينكر على أصحابه بعض الأعمال يقول: ما بالُ أقوامٍ يفعلون كذا وكذا. وبهذا الأسلوب يتفادى الداعية التصادم ، أو إثارة الرفض، والاستعلاء لدى المدعو.
13- الصبر وسَعَة الصدر واحتمال الأذى؛ لأن من يتصدى للدعوة إلى الله لا بد أن يناله أذى وابتلاءٌ وهذا هو طريق الأنبياء والرسل وكل من قام بهذه المهمة العظيمة، يقول الله (تعالى): (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ) [الأنعام: 34] فيجب على الداعية أن يستوعب ذلك، ويصبر، ويتسم بطول النفس وبعد النظر، حتى تتحقق له الغاية المنشودة.
14- الانتباه إلى وسائل الهدم في العائلة، سواء أكانت هذه الوسائل أشخاصاً أو أجهزة أو غير ذلك، ثم مقاومتها بالحكمة؛ لأنه بغير ذلك نجد أن ما يبنيه الداعية في وقت طويل يُهْدَمُ في لَحَظَات (وليس الذي يبني كمن هو يهدمُ).
كلمة أخيرة :
وصية مهمة لك أيها الأخ المبارك حين تختار من يعينك على هذا المشروع من الأخيار الصالحين في عائلتك، فعليك بمن تتوسم فيهم الشجاعةَ والكرمَ، فلا يستطيع أن يقوم بهذا المشروع إلا من كان لديه إقدام وشجاعة، ولا يستطيع أن يستمر في هذا المشروع إلا من يكون كريماً، ليس في بذل أمواله- فقط- في سبيل الدعوة، ولكن في بذل الأوقات، وهذا قد يكون أهمَّ من الأموال التي يمكن الحصولُ عليها من مصادر أخرى؛ فالبخيل بوقته لا يمكن أن يقوم بعمل قوي ولا بنشاط دائم مستمر، وهما أصل هذا المشروع الدعوي.
وفي الختام: اعلمْ أنك من خلال هذا المشروع الدعوي العائلي المبارك لن تخسر شيئاً قط، بل سوف تستمتع بذلك، وسوف تجد السرور والطمأنينة في قلبك، وهما عاجل بشرى المؤمن، وسوف يهبك الله (تعالى) من السعادة والتوفيق - حتى في أمورك الدنيوية- ما لا تحتسب، ومع ذلك: فإنه يجب عليك أن تعلم أن الدنيا ليست هي دار الجزاء، وإنما هي دار الكد، والكدح، والعمل، أما جزاؤك فتنتظره في الدار الآخرة عند الله.
ولا يعني هذا أن المهمة سهلة، وأن الطريق معبّدة.. لا؛ فإن المهمة صعبة، والطريق وعِرةٌ شائكة، والمعركة على أشدها في زمن سادت فيه الشهوات، وانحرفت الأخلاق، وسيطر على الناس حبُّ الدنيا حتى شغلتهم عن الآخرة وأنستهم إياها. ولكن مما يشد العزم ويقوي الهمة للقيام بهذا المشروع: استحضارنا لمعية الله الخاصة بعباده المؤمنين (وَالَّذِِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) [العنكبوت: 69]، وإيماننا أن الثواب على قدر المشقة، وكلما كان الجهد أكبر، كان الثواب أعظم، أضف إلى ذلك: ما يحصله الإنسان من سعادة حين يشعر أنه قد تخطى الصعاب والعقبات وكان له سهم في خدمة هذا الدين.
أسأل الله (تعالى) أن يجعلنا من المصلِحين العاملين الموَفَّقين.
ـــــــــــــــــــ(64/57)
الجيش التركي يطارد قطعة قماش!
الإسلام اليوم - مكتب الرياض 27/7/1423
14/10/2001
تقول الطالبة أسمهان- وهي تختصر مأساة كثير من الطالبات التركيات حين منعهن العلمانيون من ارتداء الحجاب في الحرم الجامعي- :" لقد خيروني بين الحجاب والجامعة ...كم كنت أتمنى أن أواصل دراستي، ولكن الثمن صعب بالنسبة لي... لا أدري لماذا يكرهون الحجاب هكذا ؟ "
يبدو أن العلمانيين بعد أن تولوا الحكم في تركيا لا يعرفون الفرق بين : مطاردة عبد الله أوجلان، والتوتر مع اليونان، و نزع الحجاب!
فأخبار الجيش التركي مع الحجاب تشعرك بأن عبد الله أوجلان تحول إلى قطعة قماش على رؤوس المسلمات ، أو أن الحجاب رسم عليه علم اليونان!
قضية الحجاب في تركيا مسرحية طويلة، فصولها متعددة، ما أن ينتهي فصل حتى يبدأ الذي يليه، وأنت مستغرق بين الضحك تارة، والبكاء تارة أخرى...
والبداية في المؤسسات التعليمية
ففي أروقة المؤسسات التعليمية العليا يبرز" كمال جوروز" رئيس مجلس التعليم العالي، و"كمال علمدار أوغلو" رئيس جامعة اسطنبول المعروفان بغلوهما العلماني، ومعاداتهما للتيار الإسلامي بسبب ممارساتهما التي أدت إلى توسيع نطاق منع الحجاب إلى جميع الجامعات التركية...
وتعود خلفية الصراع بين الحجاب والعلمانيين في المؤسسات التعليمية إلى منتصف الثمانينيات الميلادية ، حيث منعت الطالبات التركيات المحجبات من مواصلة حياتهن التعليمية طبقا للحق في التعليم المنصوص عليه في الدستور التركي تلا ذلك تطبيق قرارات مجلس الوزراء الذي يترأسه "بولنت أجاويد" والتي تفرض منع ارتداء الحجاب أثناء اليوم الدراسي حتى في المعاهد والكليات الدينية!
ثم بفصل اثنتى عشرة موظفةً من الجامعات التركية بعد اتهامهن بارتداء الحجاب أثناء فترة الدوام الرسمي؛ وذلك خلافا للقانون الذي يلزمهن بضرورة خلع الحجاب أثناء فترة العمل الرسمي...كما مُنعَت أكثر من خمسة وعشرين ألف طالبةٍ من دخول الجامعات والكليات؛ لارتدائهن الحجاب، ورفضهن خلعه، وذلك خلال العامين الماضيين، وفقا لإحصائية نشرتها منظمات حقوق الإنسان في تركيا...
في وسط هذه المعمعة المحشوة بكثير من المهزلة أعلنت جامعات مدينة "ملبورن" الأسترالية استعدادها لقبول الطالبات اللواتي منعن من حق التعليم في تركيا بسبب ارتداء الحجاب، وقالت: إنها سترحب بكل طالبة تركية تعرضت لمثل هذه المعاملة دون النظر إلى ما ترتديه.
وأفاد عدد من إداريي جامعات "ملبورن" في مقابلة مع (راديو ABC) الأسترالي أن منع الطالبات من دخول الكليات بسبب ارتداء الحجاب أمر يتعارض مع حقوق الإنسان وحرية التعليم.
وفي الحياة العامة
يذكر عدد من المراقبين والمتابعين للوضع في تركيا أن العلمانيين هناك وضعوا في قائمة اهتماماتهم مطاردة الحجاب، وجعلوه في موازاة كبرى القضايا الاقتصادية والسياسية، يقول -فهمي هويدي- معلقاً على هذا الكلام : إن هذه ليست كذبة، ولا هي مزحة, ولكنه كلام جاد يردده سياسيون كبار، وجنرالات صارمون منتفخو الأوداج, ظهروا على شاشات التلفزيون ليؤكدوا أن عرش العلمانية سوف يسقط من عليائه، وأن شعلة الديمقراطية ستنطفئ, وأن شمس الحرية ستغيب, وأن المشروع الكمالي القابض على السلطة منذ خمسة سبعين عاماً سينهار، وتطوى صفحته إلى الأبد, إذا ما حلت تلك (الكوارث) بالمجتمع التركي, وفي مقدمتها السماح للمسلمات بارتداء الحجاب في دواوين الحكومة! وكانت هذه القضية بالذات هي أكثر ما أزعج النخبة العلمانية التركية, التي لا يمل رموزها من الحديث عن الحررية والديمقراطية, وباسمهما تم تقنين مهنة البغاء في تركيا.
الحدث الأكبر في هذا المجال هو حدث دخول "مروة قاوقجي" نائبة برلمانية قاعة البرلمان التركي وهي محجبة عندها اهتزت جدران المجلس بصيحات مائة وستة وثلاثين نائباً يمثلون حزب اليسار الديمقراطي "اخرجي ... اخرجي" وهم يضربون بقبضاتهم الأدراج في مشهد مخزٍ, إلا أنها استمرت تخطو نحو مكانها وسط تصفيق حاد من زملائها نواب (الفضيلة) ، عندها انفجر زعيم اليسار ورئيس الحكومة "بولنت اجاويد" قائلاً: البرلمان ليس مكانا لتحدي قواعد الدولة، وباسم أعلى سلطة في الدولة لن يسمح بدخول الحجاب البرلمان. ولم يجد رئيس الجلسة "علي رضا سبتوغلو" ستة وثمانون عاماً, مفرا من رفع الجلسة التي حضرها الرئيس التركي "سليمان ديميريل" وقادة المؤسسة العسكرية, التي أطاحت برئيسي الوزراء السابقين "تانسو شيلر" و"نجم الدين اربكان". ومع رفع الجلسة بدأ نقاش قانوني في الدهاليز حول مشروعية ارتداء الحجاب, لخلو لائحة البرلمان من أي مادة تحظر ارتداء غطاء الرأس داخل البرلمان, بينما يحظر ارتداء الموظفات والمدرسات له.
نحن نعلم أن هذا نموذج علماني متطرف يحاول العلمانيون التبرؤ منه ، ولكن الذي نشاهده، ونسمعه أن أي علماني يمتلك صحيفة، أو يكتب فيها، أو يملك مؤسسة تعليمية، أو طبية، فإن الهاجس الذي يؤرقه هو الحجاب، والحديث المتكرر عن غطاء الوجه، ومشروعيته حتى ملّ القراء منه، ولا أدري لماذا يختزلون هموم المرأة و يختصرونها في نقطة صغيرة جداً؛ حتى كأن المشكلة الأساسية التي تعاني منها مجتمعاتنا هي الحجاب؟!
ليت العلمانيين يقفون مع أنفسهم وِقْفَةَ صدق، ويراجعون تجربتهم مع الحجاب ويعرفون أنهم إنما كانوا يعبثون ويخلطون ويحطمون ،كما لو كان همهم أن ينزعوا الحجاب وبأي ثمن في مجتمع تتشبث غالبيته بالحجاب بل ويختلط بدمائهم، وياليتهم يصرفون جهدهم لإصلاح أمور أخرى تهم المرأة المسلمة لكان خيراً لهم وأحسن تفسيراً...
المرأة بحاجة إلى أن تكشف عن عقلها وإنسانيتها لا عن شعرها !
ـــــــــــــــــــ(64/58)
الحجاب ومشاكل الأمّة
أحمد بن محمد الصقر 4/8/1423
20/10/2001
يتحدث بعض مثقفينا المستغربين عن العلماء والدعاة والجيل الملتزم بكثير من التهم منها:الاهتمام بالقشور والشكليات.
وهذه الفصيلة من المثقفين ينطبق عليها المثل المشهور:رمتني بدائها وانسلّت !،لأنهم ـ من حيث يشعرون أو لا يشعرون ـ هم من يهتم بالقشور والشكليات ، هذا على فرض صحة هذا التقسيم من الناحية الشرعية ، فهي تكثر الحديث عن الحجاب وهو لا يعدو مظهراً يتعلق بشكل المرأة المسلمة .
وبحسب علمي المتواضع فإن الحجاب ليس مثل أصباغ الشعر التي تحتوي على مواد كيميائية سامة قد تنفذ من خلال مسام قشرة الرأس إلى خلايا المخ فتفتك بها بل قد تصل إلى الجنين وتؤثر فيه ...
وعلى حسب علمي أيضاً فإن الحجاب ليس خوذة حربية أو رياضية يُخشى أن تدق عنق المرأة فتحدث في جسمها تشوهات خَلقية ...
ألا يمكن أن يعتبر أدعياء التحرير أن الحجاب قضية شكلية شخصية ... إلا إذا كانوا يعتقدون أن الحجاب هو السبب في تخلفنا عن صعود القمر، وهو السبب في ضياع فلسطين ، أو في مشكلة البطالة والتلوث البيئي وتفاقم مشكلة المياه وتدني مستوى المخرجات التعليمية ، أو في ظاهرة التفكك الأسري وارتفاع معدلات الطلاق ، أو في الفساد الإداري والتخلف التقني وتأخر اكتشافنا لخريطة الجينات الوراثية أو ربما يعتقدون أن الحجاب هو السبب في انتشار الإيدز !! إن المشكلة الحقيقية التي تعاني منها المرأة ليس في ستر وجهها وتغطية شعرها وإخفاء زينتها ولكن في استسخاف عقلها وسلب مشاعرها وطمس كرامتها وذلك من خلال النظر إلى المرأة على أنها أنثى فقط وليست إنساناً له عقله الذي يجب أن يحترم ومشاعره التي يجب أن تقدّر ...
والشواهد على ذلك كثيرة ...
منها تلك التصرفات التي يمارسها قراصنة الإعلام حين اتخذوا جسد المرأة وصفاتها الأنثوية سلعة يتجرون بها لجذب أكبر قاعدة ممكنة من الزبائن ... وكأن المرأة ـ في نظرهم ـ إنما خُلقت لتكون فتاة إعلان وغلاف أو مقدمة برامج أو عارضة أزياء أو لتؤدي دوراً قذراً في الأفلام والمسارح ...
ومن تلك الشواهد أيضاً ما يقوم به بعض العلمانيين في رواياتهم حين اخترعوا للمرأة أدوار الإغراء ومقامات الفساد ... فأنتِ حين تقرئين رواياتهم سوف تجدين كيف استخدموا المرأة استخداماً مشيناً (لتبهير) رواياتهم وإضفاء صفة الإثارة عليها ... فالمرأة في رواياتهم زوجة خائنة أو راقصة ماجنة أو خادمة فاجرة أو سكرتيرة فاتنة أو نادلة متبذلة ... ألخ فهل هذه هي المرأة ؟!!
إن شخصيات تلك الروايات هي شخصيات خيالية ... أي أنها لم تفرض عليهم من قبل هيئة كبار العلماء !
ومع ذلك لم يجدوا لها إلا تلك الأدوار المنحطة التي تستغل أنوثة المرأة ولا تستثمر إنسانيتها !!
فأين أنتم أيها المستغربون عن هذه الممارسات التي يشاهدها الملايين ويتربى عليها الملايين؟! ...
أو تلك قضية تجارية ... والأخرى قضية أدبية!!!
على أية حال ... إذا كنتم ترون أن الحجاب هو السبب في تخلفنا فأرجو منكم أن تسارعوا بتحرير الرجل من الشماغ أيضاً ...
فيبدو أن هوايتكم نزع الملابس !!
ـــــــــــــــــــ(64/59)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
المعاشرة بالمعروف
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(65/1)
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في نكاحه
...
...
الخميس :01/06/2006
(الشبكة الإسلامية)
الشبكة الإسلامية >> السيرة النبوية >> شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
...
...
حثَّ الشارع الحكيم على الزواج، ورغب فيه، وذلك لما فيه من مقاصد عظيمة، وحكم جليلة من غض البصر، وحفظ الفرج، والحفاظ على الأنساب، وطلب الذرية الصالحة، وتحقيق السكن الروحي والنفسي بين الزوجين، وإعفاف النفس عن ما حرم الله، وتقوية الود والتعاون بين الأسر، وحماية المجتمع من خطر تفشي الرذيلة والفاحشة.
ولذا جاء الأمر في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بالنكاح، فقال تعالى: { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } (النور:32) وقال صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ) رواه البخاري و مسلم ، وقد بينت لنا نصوص السنة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في نكاحه :-
فقد أرشدنا رسولنا صلوات ربي وسلامه عليه إلى تأسيس الحياة الزوجية وفق معايير وأسس معينة، تعيين على تحقيق استمرارية الزواج، فمن ذلك حثه صلى الله عليه وسلم على اختيار المرأة الصالحة ذات الدين التي تطيع زوجها إذا أمر، وتسره إذا نظر، فقال: ( الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة ) رواه مسلم ، وقال: ( تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) رواه البخاري وعلق الغزالي رحمه الله على هذا الحديث قائلاً: " وليس أمره صلى الله عليه وسلم بمراعاة الدين نهياً عن مراعاة الجمال، ولا أمراً بالإضراب عنه، وإنما هو نهي عن مراعاته مجرداً عن الدين، فإن الجمال في غالب الأمر يرغب الجاهل في النكاح دون الالتفات إلى الدين، فوقع في النهي عن هذا ".
ويأتي بعد ذلك الأساس خطوة هامة في تأسيس لبنة الأسرة وهي النظر إلى المرأة المخطوبة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بالنظر إلى المرأة بعد الخطبة، حرصاً على تحقيق استمرارية الحياة الزوجية، فقد جاءه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه حينما أراد أن يتزوج، فأوصاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا له: ( اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ) رواه الترمذي ، ومعنى (يؤدم): أي يحصل التآلف والمحبة والاتفاق بينكما، فهذا الحديث يدل على مشروعية النظر إلى المرأة بقصد النكاح، لا بقصد التلذذ بالنظر، فإن ذلك أمر محرم.
ومن هديه القويم في شأن النكاح، أنه صلى الله عليه وسلم كان أحسن الخلَق معاملة وعِشرة لأهله، وكان يقول: ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ) رواه ابن ماجه ، فكان عليه الصلاة والسلام يسابق عائشة، إدخالاً للسرور على قلبها، ويناديها بيا عائشُ إيناساً لها وتلطفاً معها، وكان يؤانسها بالحديث ويروي لها بعض(65/2)
القصص، ويستمع لها عند الحديث معها، وكان يرخي لها كتفيه لتلتصق به وتنظر إلى لعب الحبشة حتى ترفه عن نفسها، وكان يطعمها ويسقيها بيديه الشريفتين، وكان يحرص على الشرب من الموضع التي شربت منه، فهذه النماذج من حسن عشرته لأهله، أدت إلى المودة والرحمة وتآلف القلوب بينهما.
وبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أموراً يراعيها الزوج عند الدخول على زوجته في أول ليلة فمن تلك الأمور تقديم الطعام والشراب لها، ومن ذلك أن يضع الزوج يده على رأس زوجته قائلاً: ( اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ) رواه أبو داوود .
وكان صلى الله عليه وسلم يتطيب ويتزين إذا أراد أن يأتي أهله، وكان يقول:- ( بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ) رواه البخاري .
وكان صلى الله عليه وسلم يحرم إتيان المرأة في الحيض أو في النفاس، كما ورد ذلك في القرآن الكريم، وكان يقول:- ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) رواه مسلم ، والمقصود بذلك حال حيض المرأة، فشرع التمتع بما دون الفرج.
ومما نهى عنه صلى الله عليه وسلم إتيان المرأة في الدبر، كما قال تعالى: { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } (البقرة:223)، ومن المعلوم أن موضع الحرث هو القبل، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ملعون من أتى امرأة في دبرها ) رواه أبو داوود .
ونهى صلى الله عليه وسلم عن امتناع الزوجة عن فراش زوجها، وورد الوعيد الشديد في شأن من تفعل ذلك، فقال صلى الله عليه سلم: ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح ) رواه البخاري و مسلم .
ومما يحسن ذكره في هذا السياق، بيان هديه صلى الله عليه وسلم مع زوجاته وعدله بينهن وحسن عشرتهن، فمن كمال عدله مع زوجاته، أنه كان يعدل بينهن في المبيت والقسمة والنفقة، فيقول صلى الله عليه وسلم: ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) رواه أبو داود . يعني بذلك المحبة.
ومن هديه صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه كان يشاور زوجاته في بعض الأمور مثلما شاور أم سلمة في صلح الحديبية.
وكان صلى الله عليه وسلم يراعي شعور زوجاته، حتى إذا أراد السفر أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وفي مرض موته استأذن زوجاته أن يكون في بيت عائشة فأذِنَّ له.
وختاماً: على الزوجين أن يحرص كل واحد منهما على اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في شؤون الحياة الزوجية، فإن ذلك أدوم لحسن العشرة والمعاملة، وأدعى لتمام الألفة بينهما، وصدق الله تعالى إذ يقول: { وعاشروهن بالمعروف } (النساء : 19).
ـــــــــــــــــــ
فلسفة الزواج السعيد
...(65/3)
...
الخميس :10/03/2005
(الشبكة الإسلامية) نور الهدى سعد
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> زوج .. وزوجة
...
...
الزواج كيان أسرى محكوم «بفلسفة» معينة، وكلما كانت هذه الفلسفة مستندة إلى مرجعية ثابتة حكيمة كانت السعادة من نصيب الزوجين، وكان الاستقرار والصلاح من نصيب المجتمع.
ويتفرد الإسلام بامتلاكه فلسفة معجزة للزواج تجمع بين الواقعية والسمو.. ولا تتصادم مع الفطرة البشرية.
حول هذه الفلسفة يتحدث د. أبو اليزيد زيد العجمى - أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة - فيقول:
إن الإسلام رغب فى الزواج لبناء الأسرة المسلمة بناء صحيحا قائما على رعاية الحقوق والواجبات، فنظرة الإسلام للزواج نظرة خاصة تقوم على رؤية فلسفية للكون والحياة.
ذلك أن الإسلام دين جماعة وليس دين أفراد، وهذا بنص القرآن الكريم حين تحدث عن الأمة الوسط، واعتبر أن نواة هذه الجماعة أو الطائفة أو الأمة هى رجل وامرأة، وهذه طبائع الأشياء ؛ لأن الله تعالى خلق الزوجين الذكر والأنثى، وخلق التزاوج بين كل زوجين حتى على مستوى النبات والحيوان، ولكن فقط كان الزواج أو التزاوج بالنسبة للإنسان أمرًا مميزًا ، لأنه يحقق فلسفة وجود الأمة التى تحمل الدين الخاتم.
والزواج بين الرجل والمرأة يبنى كيانًا معينًا، هذا الكيان عليه أن يحمل عبء الدين الخاتم الذى استوعب كل الأديان ، وأضاف إليها مقتضى الخاتمية ومقتضى العالمية ، والأسرة هى النواة التى تحقق لهذا الدين حماية وانتشارًا ووجودًا واستمرارًا ، ومن هنا كان اهتمام الإسلام بقضية الزواج والرجل والمرأة، وفى كل المجتمعات ينظر إلى الإعراض عن الزواج من جانب بعض الأفراد على أنه شكل من أشكال عدم السواء السيسيولوجى وهذا حقيقى ، بل إنه من الناحية العقلية والدينية مرفوض ؛ لأنه تعطيل لرسالة الله التى خُلق الإنسان من أجلها.
من أنفسكم
وقد أعلى الإسلام من علاقة الرجل بالمرأة، فحينما عبر عن العلاقة بينهما استخدم تعبيرًا لا يقف الناس أمامه كثيرًا فى معظم الأحيان وهو كلمة «من أنفسكم» فى قوله تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} نحن نقف دائمًا عند المودة والرحمة كثمرة ومحصلة للزواج، ولكن ماذا عن أنفسكم ؟
إن الله خلق حواء من ضلع آدم ، ومقتضى ذلك أن تكون المرأة بعض الرجل، وأن يكون الرجل الكل الذى انبثقت منه المرأة ، فهذا هو ما يُولد المودة والرحمة ؛ لأن(65/4)
الكل ينبغي أن يعطف على الجزء وأن يحتويه ، والجزء ينبغى أن يطيع الكل، فالمنطق أن اليد تطيع الجسد، والمخ يصدر أوامره فيعمل الجسم كله، وعليه فينبغى أن يكون فى وعى الرجل والمرأة عند التعامل فى نطاق العلاقة الزوجية جزئية «عدم الاستغناء» فلا يستطيع أحدهما الاستغناء عن الآخر ، حتى لو اتخذ قرارًا بالاستغناء فإنه يكون قد اتخذ قرارًا يعذب به نفسه، ويضاد به فطرته، ويخالف به دينه.
الجزئية الثانية فى الحياة الزوجية والتى قررها القرآن أيضًا فى قوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} وقد أسماها بعض العلماء بأنها «كالاتفاق الصامت»، ومعناها أن كل طرف فى الحياة الزوجية يترك أو يتنازل عن جزء من حقه لكى نلتقى فى نقطة سواء؛ لأن الإصرار على الحقوق كاملة لن تحقق العشرة بالمعروف، وإنما التقدير المتبادل، ومراعاة كل طرف لظروف الطرف الآخر.
ويثير البعض مسألة القوامة فى الأسرة على أنها ظلم وقهر للمرأة وسلطة تحكمية فى يد الرجل يفعل بها ما يشاء ، وفى هذا مغالطة شديدة لمبدأ العشرة بالمعروف، فمسألة القوامة تعرضت لمغالطات شديدة، فالقوامة ليست سوى صلاحية من الصلاحيات يأخذها المدير، وليس من العدل أن تطالب إنسانًا بإدارة مؤسسة ثم تغل يده وتقول له «كن مديرًا ولكن لا تعاقب فلانًا ولا تفعل كذا..» فلأن الله حمَّل الرجل مسئولية البيت ، وجعل له هذه الصلاحية، وهو فى الوقت نفسه لم يحرم المرأة من وجودها، بل أوصى الرجل بها خيرًا، فقد قال الله تعالى: {ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف}، {فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا}، وقال (صلى الله عليه وسلم): «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره فيها خلقًا رضى منها آخر»، فصلاحيات الإدارة هنا تتضح معناها فى أنه ليس معنى القوامة أن الرجل أفضل من المرأة، أو أن المرأة أقل من الرجل، ولكن شاء الله سبحانه أن يخلق الرجل رجلاً، والمرأة امرأة لكى يعمر الكون، وهذا الفهم الصحيح سيلزم الرجل بأن يفرق فى معاملة زوجه بين التقاليد الموروثة وبين الدين الصحيح، فمثلاً إذا قالت المرأة رأيًا وكان فيه الصواب، وتملك معه من الحجج ما يؤيده كان على الرجل أن يقف موقف عمر ويقول: «أصابت امرأة وأخطأ عمر».
فلسفة الأسرة السعيدة
وعن السعادة الزوجية فى ظل القواعد التى وضعها الإسلام لبناء الأسرة أكد الدكتور أبو اليزيد العجمى أن الأسرة السعيدة لا نقصد بها أسرة بدون مشكلات، لأنها فى الحقيقة أسرة ليس لها وجود، فالزوجان ليسا ملكين وإنما بشران لهما نوازع تتلاقى أحيانًا ، وتتضارب أحيانًا أخرى، والشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم.
ولكننا نقصد بالأسرة السعيدة، الأسرة التى تملك فلسفة لحل المشكلات، وتتم هذه الفلسفة بتحديد المرجعية، فعندما يعلن الزوجان عن بدء حياتهما أن اختيار كل منهما للآخر كان وفق مقياس إسلامى، وأن رسالتهما فى الحياة تتفق ومنهج الله، فلابد أن تكون مرجعيتهما عند حل المشكلات تتوافق وما سبق ، أى متفقة وشرع الله ، ولكن هناك نقطة مهمة فى هذا الصدد وهى مدى الالتزام بذلك، فهناك فارق جوهرى بين(65/5)
المرأة المسلمة قديمًا، والمرأة المسلمة الآن، فالمسلمة قديمًا كانت لا تعلم فإذا علمت التزمت، أما المسلمة الآن فهى قد تعلم ، وإذا علمت جادلت.
وجزء كبير من مشكلاتنا يكون بسبب عدم تحديد المرجعية مما يعرضنا للوقوع فى أغلاط المفاهيم ، فنخلط التقاليد بالإسلام ونجعل من الإسلام اجتهادًا ، فيفهم الرجل أن الرجولة «قهر» وتفهم المرأة أن الأنوثة «لعب على عقل الرجل ومكر به» ولذا نفقد روح التناصح فلا نجد امرأة كالمرأة العربية القديمة التى كانت تنصح ابنتها «كونى له أمة يكن لك عبدًا».
والنقطة الثانية لتحقيق السعادة الزوجية بعد تحديد المرجعية هى تحديد الهدف فى الحياة الزوجية، فتحديد الهدف يجعلنا نعلو فوق المشكلات، مما يخفف من غلوائها، فنحافظ على سعادة الأسرة، لأن الكل يعمل لأجل تحقيق هدف متفق عليه سلفًا.
لذا فأحد أسباب سعادة الأسرة أن يكون هدفها البعيد واضحًا، وأن تفكر ليل نهار فى وسائل تحقيقه، ومن الممكن أن نختلف - والخلاف فى الإسلام أمر واقع - ولكن ينبغى أن يكون شعارنا: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب».
السعادة فى الواقعية
والنقطة الثالثة لتحقيق السعادة هى واقعية الأسرة، بمعنى قبول الخطأ، فكل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
فعندما يطلب الرجل من زوجته تضحية، إذا بها تراها أحيانًا إجحافًا، ولكن بدلاً من أن يكون المحك هو العقاب واللوم الشديد ينبغى أن يصبح التسامح والتغافر هما عنوان الأسرة، ولو نظرنا إلى تاريخنا الإسلامى نجد السيدة عائشة كانت تتدلل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولكن الرسول كان إنسانًا وزوجًا واقعيًا مدركًا للمرحلة العمرية التى كانت فيها عائشة ، وهى فى ذلك تختلف عن أم سلمة المرأة الثيب التى تزوجت من قبل وكبر سنها، فهو يعامل كلاً بما يناسبه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل الحياة الزوجية لا تقوم إلا على الحب فقط ؟؟؟
...
...
الاحد :05/09/2004
(الشبكة الإسلامية) الأستاذ عبد الرحمن أبو موسى
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> زوج .. وزوجة
...
...
سؤال شائك يحتاج إلى إجابة متأنية ، لهذا أولا وقبل كل شيء : إذا كنت لن تقرأ / تقرئي الموضوع إلى نهايته ، فأرجو ألا تتسرع/ي بالحكم عليه من عنوانه ، فما نريد أن نصل إليه ، هو مجمل المقال ، لا فقرة منه .
كثيرا ما نسمع عن مبدأ ( الحب ، العشق ، الهيام ) ، ونسمع أيضا عن ( المحبة بين الزوجين ، العشق بين الزوجين ) ، وكثيرا ما يقال لنا ( الحب من أول نظرة ) ((65/6)
الحب يصنع المعجزات ) ( الحب أعمى ) ( الحب عذاب ) . وكثيرا ما تقوم الحرب العالمية الثالثة بسبب كلمة قالها الزوج ، اكتشفت منها الزوجة عبر الحاسة السادسة أن زوجها لا يحبها ، أو أن حبه قد قل تجاهها .
لا أريد أن أعلق على ما سبق ، فهو موضوع طويل ، لكن ما أريد أن أصل إليه ، هو : هل الحياة الزوجية لا تقوم إلا على الحب فقط ؟؟؟ وهل قلة الحب في فترة ما ، أو انعدامه أحيانا في أسرة ما سبب كاف ومبرر مقنع لإنهاء العلاقة الزوجية ؟؟ .
وللإجابة على هذا السؤال ، يجب أن نفرق بين أوقات الحب في مراحل الزواج المختلفة ، ولدينا هنا أربع مراحل :
المرحلة الأولى : مرحلة ما قبل الخطبة .
المرحلة الثانية : مرحلة ما بعد الخطبة وقبل عقد القران ( الملكة ) .
المرحلة الثالثة والرابعة : مرحلة ما بعد عقد القران ثم مرحلة ما بعد الزواج .
أما الحب قبل الخطبة وتبادل كلمات الغرام فإنه محرم شرعا وعقلا ، أما من الناحية الشرعية فلا أطيل في التدليل على أن الرجل الخاطب أجنبي عن تلك المرأة ، ولا يحق لهما تبادل كلمات الحب والغرام ما لم يكن بينهما رباط الزواج الشرعي ، ولهذا قال تعالى لخير نساء المؤمنين { فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا } ، وإذا كانت عادة الحب قبل الزواج منتشرة في بعض المجتمعات العربية المسلمة ، فإن ذلك يرجع إلى التأثر بما يقذفه لنا الغرب الكافر من أفكار وسلوك ، لتعيش المجتمعات الإسلامية حياة بهيمية ، لا ترى فيها إلا شهواتها ونزواتها وغرائزها فحسب ، وإذا جئنا من ناحية العقل ، فإن فتح هذا الباب - باب الحب وتبادل الغرام قبل الخطبة والزواج - يعني أن كل نساء العالمين زوجات لنا ، وزوجاتنا زوجات لكل رجال العالمين !!! .
أما الحب بعد الخطبة ، فقد تنشأ مرحلة ما تسمى بقبول كل طرف للآخر ، حيث إنه في الغالب لا يعرف أي من الطرفين الآخر ، ولهذا جاءت الشريعة بإباحة نظر الخاطب إلى المخطوبة وفق ضوابط معينة ، وقد جاء في تعليل هذا الحكم قوله صلى الله عليه وسلم ( فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ) ومعناه أن يؤلف بين قلب الخاطب والمخطوبة ، بحيث تصير هناك راحة بين كلا الطرفين ، وقد يحصل نفور بينهما ، لا سبب له إلا أن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف .
ثم نأتي للحب بعد عقد القران أوالحب بعد الزواج ، فنقول : إن من أهم المقاصد الشرعية أن يكون بناء الأسرة المسلمة متينا قويا ، بحيث يصمد أمام الأعاصير العاتية ، وصعاب الحياة المتكاثرة ، ومن أهم الأسس التي تجعل بناء الأسرة قويا ، هو الحب والمودة بين الزوج وزوجته ، ولهذا قال تعالى { ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } ، فإذا ما وجد هذا الحب ، وحصلت تلك الألفة ، تمكن الزوجان من ترسيخ دعائم الأسرة ، وتقوية بنيانها ، ولهذا نجد عددا من الأحاديث النبوية الشريفة جاءت بالحرص والحض على تقوية جانب المودة والمحبة بين الزوجين بطرق مختلفة ، فمن ذلك ما جاء في الحديث ( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر ) ، ويشير(65/7)
الحديث السابق إلى ألا يبغض الزوج زوجته لدرجة أن يطلب فراقها ، بسبب كرهه لخلق سيء فيها ، وإذا ما حصل هذا فليتذكر الخلق الحسن الذي سر به من قبل ، وبهذه الطريقة تزول الشحناء والبغضاء ، وتبقى المودة والمحبة .
إذا ، نحن متفقون على أن ( من ) أهم أسس الحياة الزوجية الود والسكن بين الطرفين ، لكن ليس الود هو كل شيء ، فقد بينت الآية السابقة أن الحياة تقوم على أمرين ( مودة ، رحمة ) فإذا كانت المودة والرحمة متواجدتان ، فهذا هو الكمال المنشود ، وتلك هي الحياة الأسرية التي يطلبها كل أحد ، لكن إن فقدت المودة ، فهناك الرحمة ، وإن فقدت الرحمة فهناك المودة ، فكلاهما عامل من عوامل قيام الأسرة .
يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية السابقة :" فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد ، أو محتاجة إليه في الإنفاق أو للألفة بينهما وغير ذلك "
إن الحياة الزوجية ليست عشقا وحبا وهياما فحسب ، إنها احترام متبادل ، ومراعاة للمصلحة ، وتربية للأجيال ، إضافة إلى عامل السكن والمودة ، لهذا قد يضطر الزوج إلى البقاء مع زوجة لا يحبها تلك المحبة ، وذلك لحسن خلقها ، أو لوجود أطفال بينهما ، وكذلك قد تضطر الزوجة إلى البقاء مع زوج لا تحبه ذلك الحب ، إما لحسن خلقه ، أو لوجود أطفال بينهما ، فالحياة الزوجية كما نفهمها من الآية السابقة هي ( مودة ، ورحمة ) ، وليست مودة وحبا فقط .
إن الذي جعل تصور بعض الناس للحياة الزوجية أنها العشق والهيام ، والرومانسية الحالمة بكافة أشكالها وفنونها ، والحصان الأبيض ، والبساط السحري .... الخ ، الذي جعل تصور الناس للحياة الزوجية بهذا الشكل هو الإعلام الغربي والغربي – يعني العربي الذي أصبح في صورة الغربي – ، حيث تتنافس وسائل الإعلام في تصوير أنه لا يمكن للمرأة أن تتحمل زوجا لا تحبه إلى درجة الهيام والعشق ، ولا يمكن أن تبقى ساعة مع زوج لا ( تموت فيه ) كما يقولون ..... وفي المقابل تصور وسائل الإعلام للرجل ، أنه لا يمكن له البقاء مع امرأة لا تجتمع فيها أعلى مواصفات الجمال مع أرقى مواصفات الأدب ، مع غاية مواصفات الأنوثة ، إضافة إلى تملكها لقلب زوجها ، كيف تعيش يا حبيبي مع امرأة لا تعشقها كعشق قيس لليلى ؟؟!! إما أن تملك قلبك حتى الثمالة ، أو النساء غيرها كثير !!
ولو أردنا المقارنة بين فهمنا للحياة الزوجية وفهم من سبقنا ، فيكفي أن نروي قصة تبين كيف كان السابقون يفهمون الحياة الزوجية ، ولماذا كانت معدلات الطلاق بينهم معدودة على الأصابع ، بخلاف نسب الطلاق في عصرنا ، والتي قاربت أو تخطت نصف حالات الزواج .
يكفينا أن نروي قصة واحدة لنستخلص منها العبر ، والقصة مذكورة في كتب الآثار ككنز العمال وذكر طرفا منها البيهقي في سننه :
كان هناك رجل يقال له ( أبو غرزة ) يعيش في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وكان متهما – أي الرجل - بأنه يكثر من تطليق نسائه ،(65/8)
بسبب وبدون سبب ، وفي يوم من الأيام أخذ ( أبو غرزة ) بيد صديق له يدعى ( ابن الأرقم ) ، وجعله يستمع إلى الحوار الذي دار بينه وبين زوجته .
دخل ( أبو غرزة ) على امرأته ، فقال لها : أنشدك بالله هل تبغضيني ؟ قالت : لا تنشدني ، قال ( أبو غرزة ) : فإني أنشدك الله ، هل تبغضيني ؟ قالت : نعم ، فقال ( أبو غرزة ) لابن الأرقم : هل تسمع ؟ ثم انطلقا إلى عمر ، فقال ( أبو غرزة ) له : إنكم لتحدثون أني أظلم النساء وأخلعهن ، فاسأل ابن الأرقم ، فسأله عمر ، فأخبره بالذي سمعه من زوجة ( أبي غرزة ) ، فأرسل عمر إلى امرأة ( أبي غرزة ) ، فجاءت هي وعمتها فقال : أنت التي تحدثين لزوجك أنك تبغضينه ، فقالت : إني أول من تاب وراجع أمر الله تعالى ، إنه ناشدني فتحرجت أن أكذب ، أفأكذب يا أمير المؤمنين ؟ قال : نعم فاكذبي ، فإن كانت إحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك ، فإن أقل البيوت الذي يبنى على الحب ، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب ، وفي رواية أخرى قال لها عمر : بلى فلتكذب إحداكن ولتجمل ، فليس كل البيوت تبنى على الحب ، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام .
إن القصة السابقة تدلنا على أن ( من ) أسس قيام الحياة الزوجية ( الحب ) ، ولكن ليس هذا هو كل شيء ، فهناك الاحترام المتبادل بين الطرفين ، وهناك معرفة الحقوق الشرعية للزوج والزوجة على حد سواء .
ولأننا في عصر جعل الحياة الزوجية هي الحب ، والحب هو الحياة الزوجية ، من أجل ذلك فإننا كثيرا ما نرى أنه غضبت فلانة من فلان ، فإن أول شيء تقوم به ، أن تضاره في حقوقه الشرعية ، فلا احترام ، ولا قيام بحقه ، وفي المقابل إذا غضب فلان من فلانة ، فإن أول شيء يقوم به ، أن يضار بها في حقوقها الشرعية ، ويقصر في واجباته الأسرية ، ولو فهمنا ( الحب ) على أنه من أسس الحياة الزوجية ، وليس هو الحياة كلها ، فإننا سندرك أن قلة ( الحب ) في فترة من الفترات ، لا يعني بحال أن يقصر طرف في واجباته تجاه الطرف الآخر ، فهناك دعائم أخرى للحياة غير الحب ، وهي ما سبق أن أشرنا إليه في قصة الرجل مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وفي قوله تعالى { مودة ورحمة } .
إن الحب ( المستورد ) هو الحب المجنون ، الذي يصل بصاحبه إلى درجة العشق الأعمى ، بحيث لا يعرف إلا محبوبه ، ولا يرى إلا به ، ولا يسمع إلا به ، ولهذا تجد صاحب العشق لا ينكر على معشوقه منكرا ، فلو عشق رجل امرأة ، ورآها على منكر ، فإن عشقه يمنعه من الإنكار ، لأنه يخشى أن يقل الحب بينهما ، أو يزول الود .
أما الحب الإسلامي العفيف ، فهو الحب المتبادل ، الذي يولد ويتوالد ، ويكبر ويكثر بمرور الأيام والسنين ، إنه الحب الحقيقي الذي تنقيه الأيام ، وتثبته المواقف ، وليس الكلمات المعسولة التي تقال قبل الزواج .
إن الحب الحقيقي لا يؤثر فيه موقف أو عشرة ، لأنه حب مرتبط بحياة أسرية ، كان غرض الطرفين فيه إقامة أسرة إسلامية سعيدة ، وليس حبا مرتبطا بالهوى والميل والعشق والجنس .(65/9)
الحب المستورد هو ما نبحث فيه عن جواب سؤال ( كيف لا يموت الحب بين الزوجين ؟؟ ) ، والحب المستورد هو الذي ننعق فيه ونقول ( الزواج مقبرة الحب ) ، إنه حب الشهوة فحسب ، فإذا قضيت شهوتك ، فمن أين تأتي بالحب ؟؟؟
يقول سيد قطب رحمه الله :" وما أعظم قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لرجل أراد أن يطلق زوجه ، لأنه لا يحبها : ويحك ! ألم تبن البيوت إلا على الحب ؟ فأين الرعاية وأين التذمم ؟ ، وما أتفه الكلام الرخيص الذي ينعق به المتحذلقون باسم "الحب" وهم يعنون به نزوة العاطفة المتقلبة ، ويبيحون باسمه - ليس انفصال الزوجين وتحطيم المؤسسة الزوجية فحسب - بل خيانة الزوجة لزوجها ! أليست لا تحبه ؟ ! وخيانة الزوج لزوجته ! أليس أنه لا يحبها ؟ !
وما يهجس في هذه النفوس التافهة الصغيرة معنى أكبر من نزوة العاطفة الصغيرة المتقلبة ، ونزوة الميل الحيواني المسعور . ومن المؤكد أنه لا يخطر لهم أن في الحياة من المروءة والنبل والتجمل والاحتمال ، ما هو أكبر وأعظم من هذا الذي يتشدقون به في تصور هابط هزيل ." أ.هـ
ويقول رحمه الله : "وإذا كانت غاية الميل الجنسي في الحيوان تنتهي عند تحقيق الاتصال الجنسي والتناسل والإكثار ، فإنها في الإنسان لا تنتهي عند تحقيق هذا الهدف ، إنما هي تمتد إلى هدف أبعد هو الارتباط الدائم بين الذكر والأنثى - بين الرجل والمرأة - ليتم إعداد الطفل الإنساني لحماية نفسه وحفظ حياته ، وجلب طعامه وضرورياته ، كما يتم - وهذا هو الأهم بالنسبة لمقتضيات الحياة الإنسانية - تربية هذا الطفل وتزويده برصيد من التجارب الإنسانية والمعرفة الإنسانية يؤهله للمساهمة في حياة المجتمع الإنساني ، والمشاركة في حمل تبعته من اطراد الترقي الإنساني عن طريق الأجيال المتتابعة .
ومن ثم لم تعد اللذة الجنسية هي المقوم الأول في حياة الجنسين في عالم الإنسان إنما هي مجرد وسيلة ركبتها الفطرة فيهما ليتم الالتقاء بينهما ويطول بعد الاتصال الجنسي للقيام بواجب المشاركة في اطراد نمو النوع . ولم يعد "الهوى " الشخصي هو الحكم في بقاء الارتباط بين الذكر والأنثى . إنما الحكم هو "الواجب" . . . واجب النسل الضعيف الذي يجيء ثمرة للالتقاء بينهما ، وواجب المجتمع الإنساني الذي يحتم عليهما تربية هذا النسل إلى الحد الذي يصبح معه قادرا على النهوض بالتبعة الإنسانية ، وتحقيق غاية الوجود الإنساني .
وكل هذه الاعتبارات تجعل الارتباط بين الجنسين على قاعدة الأسرة ، هو النظام الوحيد الصحيح . كما تجعل تخصيص امرأة لرجل هو الوضع الصحيح الذي تستمر معه هذه العلاقة . والذي يجعل "الواجب" لا مجرد اللذة ولا مجرد الهوى ، هو الحكم في قيامها ، ثم في استمرارها ، ثم في معالجة كل مشكلة تقع في أثنائها ، ثم عند فصم عقدتها عند الضرورة القصوى .
وأي تهوين من شأن روابط الأسرة ، وأي توهين للأساس الذي تقوم عليه - وهو "الواجب" لإحلال "الهوى " المتقلب ، و"النزوة " العارضة ، و "الشهوة " الجامحة محله ، هي محاولة آثمة ، لا لأنها تشيع الفوضى والفاحشة والانحلال في المجتمع(65/10)
الإنساني فحسب ، بل كذلك لأنها تحطم هذا المجتمع وتهدم الأساس الذي يقوم عليه .
ومن هنا ندرك مدى الجريمة التي تزاولها الأقلام والأجهزة الدنسة ، المسخرة لتوهين روابط الأسرة ، والتصغير من شأن الرباط الزوجي ، وتشويهه وتحقيره ، للإعلاء من شأن الارتباطات القائمة على مجرد الهوى المتقلب ، والعاطفة الهائجة ، والنزوة الجامحة . وتمجيد هذه الارتباطات ، بقدر الحط من الرباط الزوجي !
كما ندرك مدى الحكمة والعمق في قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لرجل أراد أن يطلق زوجته ، معللا ذلك بأنه لم يعد يحبها : " ويحك ! ألم تبن البيوت إلا على الحب ؟ فأين الرعاية ؟ وأين التذمم ؟ " . . مستمدا قولته هذه من توجيه الله سبحانه وتربية القرآن الكريم لتلك الصفوة المختارة من عباده : ( وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) . . وذلك للإمساك بالبيوت - ما أمكن - ومقاومة نزوات القلوب ، وعلاجها حتى تفيء ، وعدم بت هذه الصلة إلا حين تفلس المجادلات كلها ، رعاية للجيل الناشيء في هذه البيوت وصيانة لها من هزات العاطفة المتقلبة ، والنزوة الجامحة ، والهوى الذاهب مع الريح !
إن أقلاما دنسة رخيصة وأجهزة خبيثة لئيمة توحي لكل زوجة ينحرف قلبها قليلا عن زوجها أن تسارع إلى خدين ويسمون ارتباطها بخدينها هذا "رباطا مقدسا ! " بينما يسمون ارتباطها بذلك الزوج "عقد بيع للجسد" ! " أ.هـ
لابد أن نصحح نظرتنا لبناء الأسرة المسلمة ، لابد أن يكون الرباط متينا قائما على أوامر الله تعالى ، لا على رباطات غربية ، هي أوهى من بيت العنكبوت .
إن من ينظر إلى الأسرة على أنها جنس فحسب ، أو هيام فحسب ، أو عشق فحسب ، إنما هو يسكن في بيت العنكبوت .
لهذا ، حدثونا عن بناء الأسرة القوية المتينة ، قبل أن تحدثونا عن مقبرة الحب !!!!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ن الاستماع والتفاهم وأثره بين الزوجين
...
...
الاحد :23/02/2003
(الشبكة الإسلامية) وصفى عاشور أبو زيد
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> زوج .. وزوجة
...
...
لا تخلو أي أسرة من مشكلات ، وسوء تفاهم ، وقلة استماع من كلا الطرفين للآخر، لسبب أو لغيره، لكن ذلك درجات، منها ما يطاق، ويعد طبيعيا في كل الأسر، ومنها ما لا يطاق ولا يعد طبعيًّا، مما يؤدى إلى تفكك الأسرة، وانفراط عقدها المنظوم، وهو موجود في أسر دون أخرى.(65/11)
ولاشك أن خلف كل دخان نارًا، ولكل داء دواء، فإذا تم تشخيص الداء سهل علينا وصف الدواء.
فللتفاهم دوره الكبير في استقرار الحياة الزوجية، وأثره الخطير في تجفيف منابع المشكلات اليومية من جذورها بين الزوجين، وإلا استفحلت المشكلة، وتضخمت، واستعصت على الحل، مما يؤدى إلى ما لا يحمد عقباه.
ومطلوب من الزوجين كليهما المصارحة والوضوح، وإفضاء كل منهما بما يختلج في صدره للآخر، وأن يكون كل منهما على درجة عالية من التفاهم والتواضع، وصفحة مفتوحة وواضحة لشريك حياته.
ولا أستطيع أن أحدد هنا على من يقع الجزء الأكبر من المسئولية في هذا الموضوع؟
الزوج يخرج من بيته، ويعود آخر اليوم وذهنه مليء بالمشاغل بعيدًا عن بيته، ويدور في عقله أكثر من أمر يرتبط بعمله وعلاقاته المتشابكة التي ليست للمرأة.
والزوجة عندها كذلك ما يكفيها من مهام بيتها، وحقوق زوجها، وما تلاقيه من عنت مع أبنائها، يضاف إلى ذلك طبيعة تكوينها التي تتغلب فيها العاطفة على العقل، وبالتالي يؤثر في نفسها أقل شيء، ومن هنا كانت وصية النبي بحسن معاملتهن في غير موضع.
فالحق أنها قضية تقع على عاتق الزوجين كليهما، وأن يُعنى كل طرف منهما بها إن كانا يريدان للسفينة أن تسير، وللحياة أن تستقر.
وهو نوع من العشرة بالمعروف، ولو تعلم الزوجة ما يدور بعقل زوجها وهو قادم من عمله، ومدى ما يعانيه من استفراغ للطاقة، واستهلاك للقوى البدنية لاستقبلته استقبالاً حسنًا، ومسحت بيديها على هذا التعب وتلك المشقة، وفتحت له صدرها لتحتضن متاعبه وآلامه، فيستعيد قواه، وينسى ما مر به من تعب، وما بذل من جهد، فيرتد قويًّا تتجدد فيه دماء الحياة كأنما نشط من عقال.
ولكن الذي يحدث أنها تعاجله بما حدث من الأحداث، وما حدث من الجارات، وربما تعدى الأمر إلى حكاياتها مع الأهل، وغير ذلك من آمال المستقبل.
وليس من العشرة بالمعروف أن تكون الزوجة كذلك، ولا من الحكمة أن تسارع إليه بحديث في وقت يحتاج فيه للصمت والهدوء، بل تحسن الاستماع لكل ما يقول، وتبدى اهتمامًا بالغًا لكل ما يتحدث به، فإذا أخذ قسطه من الراحة وحظه من الود والحب، ونصيبه من الأنس والقرب، فلا بأس أن تبوح له بما تريد إن رأت في عينيه القبول، حينئذٍ ستجد صدرًا منشرحًا وآذانًا مصغية، ومن الحكمة ألا تتكلم الزوجة حيث يجب الصمت، ولا تصمت حيث يجب الكلام.
ولتكن قدوتها في ذلك أم المؤمنين خديجة (رضى الله عنه وأرضاها) التي لم ترَ النبي مهمومًا في وقت من الأوقات إلا سرَّت عنه، وأذهبت ما به من قلق، وبعثت فيه القوة والحماس.
روى البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث عائشة أم المؤمنين أنه لما نزل جبريل بمطلع سورة العلق على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رجع بها "يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد (رضى الله عنها) فقال: زمِّلونى زملونى،(65/12)
فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن عم خديجة " الحديث.
وقال ابن حجر: "وفى هذه القصة من الفوائد استحباب تأنيس من نزل به أمر بذكر تيسيره عليه، وتهوينه لديه، وأن من نزل به أمر استحب له أن يطلع عليه من يثق بنصيحته وصحة رأيه".
والزوجة التي تعلم أن زوجها هو جنتها ونارها، كما روى الحاكم عن حصين ابن محصن قال حدثتني عمتي قالت: أتيت النبي (صلى الله عليه وسلم) في بعض الحاجة فقال: "أي هذه! أذات بعل أنت؟ قلت نعم. قال: كيف أنت له؟ قالت: ما ألوه إلا ما عجزت عنه. قال: فأين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك".
الزوجة التي تعلم ذلك إذا غضبت من زوجها، أو أساء إليها، أو عصته قالت: "هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى".
تسارع إليه إن كان هناك غضب، ولا تنتظر أو تبحث عن المخطئ؛ لأن الأمر أكبر من ذلك، إنه جنتها ونارها.
ومن ناحية الزوج ينبغي أن يقدر ما تعانيه المرأة طوال النهار من عنت في البيت، ومع الأبناء، ويتسع صدره لحديثها، ويدرك أنها تنتظره طول اليوم حتى تفضي له بمكنون نفسها، ويحسن الاستماع إليها، ويبدى اهتمامه لما تهتم به، فإذا أدرك الزوج طبيعة النساء علم أن الكلام عندهن شهوة، فضلاً عن أن يكون هناك شيء يتصل بالحياة بينه وبينها، وهى مع ذلك غسالة لثيابه، طاهية لطعامه، مربية لولده، مطفئة لشهوته.
وقدوته في ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي أوصى بالنساء خيرًا في مواضع كثيرة، حتى في خطبة الوداع، وهى آخر ما ألقاه النبي (صلى الله عليه وسلم) من نصح لأمته، فكأن الذي يفرط في ذلك يكون قد فرط في آخر وصايا رسول الله.
وقد ضرب لنا المثل حينما جلس إلى السيدة عائشة (رضى الله عنها) وهى تحكى على مسامعه حديث أم زرع الذي يحتوى على حال إحدى عشرة امرأة مع أزواجهن، وقد استغرق الحديث في صحيح مسلم ست صفحات كاملات.
وقال لها في النهاية - وكأني به يتبسم (صلى الله عليه وسلم) - "كنت لك كأبى زرع لأم زرع"، ومع طول الحديث، وجزالة ألفاظه لم يمل الرسول (عليه السلام) من الحديث، بل قال في النهاية ما يسعد زوجته، ويدخل السرور عليها، وهو ما يدل أن الرسول لا يتكلف هذا الخلق إنما هو من سجاياه.
وما أجمل ما قاله الأستاذ سيد قطب، وهو يفسر قوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف}: "والإسلام الذي ينظر إلى البيت بوصفه سكنًا، وأمنًا، وسلامًا، وينظر إلى العلاقة بين الزوجين بوصفها مودة ورحمة وأنسًا، ويقيم هذه الآصرة على الاختيار المطلق، كي تقوم على التجاوب والتعاطف والتحاب، هو الإسلام ذاته الذي يقول للأزواج {فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا}(65/13)
كي يستأنى بعقدة الزوجية، فلا تُفصم لأول خاطرة، وكي يستمسك بعقدة الزوجية فلا تنفك لأول نزوة، وكي يحفظ لهذه المؤسسة الإنسانية الكبرى جديتها، فلا يجعلها عرضة لنزوة العاطفة المتقلبة، وحماقة الميل الطائر هنا وهناك".
فعندما يتوافر التفاهم بين الزوجين، والاتفاق على طريقة معينة لهذا التفاهم، ويُحسن كل طرف منهما الاستماع للآخر، ويبدى اهتمامه لما يهتم به صاحبه - عندها فقط - تسير الحياة هادئة هانئة، تغشاها الرحمة، وتتنزل عليها السكينة، وتحيط بها المودة، ويلمؤها الحب والوفاق.
ـــــــــــــــــــ
تدخل الآخرين دون وجه حق يصدع الحياة الزوجية
...
...
الاحد :23/06/2002
(الشبكة الإسلامية) دمشق ـ الشبكة الإسلامية
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> زوج .. وزوجة
...
...
إن كلا منا عندما يقدم على الزواج تملؤه الأحلام بحياة سعيدة ، يكتنفها الأمان والاستقرار، ولكن هذا الكيان الذي يباشر ببنائه أكثر من طرف، غالباً ما يقع تحت وطأة التدخل الذي يفضي إلى مشاكل أو حتى مآس لاتحمد عقباها ، فالأسرة الشرقية محكومة بعوامل عدة تغيب عنها الاستقلالية لأسباب مباشرة أو غير مباشرة، وليس من الحكمة عزل الأسرة عن محيطها ، ولكن هذا لايمنع من أن تترسخ لدينا أساسيات في التعامل الصحيح مع تدخل الآخرين في الحياة الزوجية.
تقول السيدة سناء محمد (معلمة) عن تجربتها في تدخل الآخرين في حياتها مع زوجها والمشاكل التي سببها لهما:" اشتدت الخلافات وتراشقت الاتهامات مع أهل زوجي، فصار كل منا يتسقط هفوات الآخر، وانتقلت العدوى لنا أنا وزوجي، فزادت الشكوى والتذمر وصارت الخلافات زاداً يومياً بعد أن كان الحب والوئام قاسمنا المشترك، وأصبح كل منا ضيق الصدر تجاه شريكه، يثور لأتفه الأسباب حتى حدثت بيننا مشادة تشنجت معها الأعصاب والعبارات، تركت أثرها البيت وذهبت إلى أهلي الذين زادوا الموقف حدة ، وبما أن زوجي يسكن أقصى الجنوب وأهلي في مكان آخر تعذرت علي معرفة أخباره وطالت فترة التغاضب إلى ستة أشهر أرسل خلالها أكثر من وساطة للصلح ولكن الأهل رفضوا ، وطلبوا أن يحضر بنفسه للحساب، وحرضتني النساء المحيطات بي على أن لا أتنازل ولا أطأطئ رأسي وأبقى على كرامتي، ولن يكون ذلك إلا بأن يأتي صاغراً ويعتذر، علماً أننا نحن الاثنين قد أخطأنا بسبب الضغوط الكثيرة من حولنا ، وفي أحد الأيام جاءني صوت إحدى صديقاتي عبر الهاتف ، فأخبرتني أن أهل زوجي يسعون لتزويجه، وقد اختاروا الفتاة، وحتى أنهم أقنعوه، ووبختني إذ تركت البيت هذه الفترة كلها ، وذكرتني بمزايا زوجي وأن الكثيرات يتمنين زوجاً مثله. وقالت عن أية(65/14)
كرامة وكبرياء تتحدثين ... ؟ ستخسرين بيتك ويضيع أطفالك من أجل كلام وأوهام ، ونظمت لي لقاء مع زوجي بعيداً عن أهلي وأهله، فنظر كل منا إلى الآخر بخجل وعتاب صامت..
متطلبات أخرى للزوج
وليس الأهل والأقرباء فقط من يتدخلون في الحياة الزوجية المعاصرة، إذ هنالك أنماط جديدة من التأثير الخارجي لازالت الإحساسات تجمعها ، ولم تدرك إلى الآن، أو تصنف وفق مسمياتها ، ومنها هذه المشكلة، المشهد الذي قيل على لسان زوج واع لكنه يتأثر بمشاهد تختزنها ذاكرته، وتتفجر في لحظة ما لتعبر عن وجودها بصفعة، أو بما يحدث خللاً أو إرباكاً أو جرحاً يقال أنه عميق.
يقول المهندس علي عيسى (38) عاماً يقول عن تجربته الخاصة: "مغريات كثيرة تحيط بنا ، لانستطيع أن نصرف النظرعنها، فهي تجذبنا وبشدة، ومشاهد يومية من الأناقة والذوق الرفيع، واللباس القليل الحشمة، وكل ما هو ملفت للانتباه ، وأمام ذلك تشتعل في داخل كل زوج الرغبة في أن تكون زوجته مثالاً للرقة والأنوثة، وزوجتي منشغلة في تربية الأولاد، وتدبير شؤون المنزل، متناسية وجودي، وهذا يزعجني كثيراً، وألمحت لها مراراً بضرورة الاهتمام أكثر بمظهرها ، لكنها لم تصغ إلي ولم تعط بالا لكل ما أقول ، فكبت غضبي في داخلي وسخطي إلى أن دخلت ذات يوم المنزل، وكانت منهمكة كعادتها بمتابعة ما بدأته، فجرت مشاحنات كلامية، وتطورت إلى الكلام الجارح بيننا ، ولم أتمالك نفسي رفعت يدي وصفعتها على وجهها، فتسمرت أمامي ثم تركت الغرفة ، وذهبت إلى الغرفة المقابلة، وبدأت تجهش ببكاء صامت، ومنذ ذلك اليوم أشعر أن شيئا انكسر في داخلها ، اعتذرت مراراً وشرحت موقفي، وقالت أنها سامحتني، لكن أعلم أنني جرحتها من الداخل.
انتهاك حرمة الحياة الزوجية
وبالتأكيد يقوم المجتمع الشرقي على حميمية العائلة الكبيرة التي تقدس الروابط الأسرية، مما يعطي مساحة أوسع للأقرباء بالتدخل بطريقة غير صحيحة، وإن كانت مبررة اجتماعياً وعاطفياً.
يقول الدكتور عزت شاهين في علم الاجتماع: إن تدخل الآخرين في الحياة الزوجية غالباً ما يؤدي إلى نتائج سلبية تنعكس على الزوجين، ولاسيما تدخل كلا الطرفين من أهل الزوجين، بصورة تعطي حقا للوالدين في التدخل مثلاً بشؤون الأبناء الذكور والإناث، ويكون هذا التدخل بدءاً من اختيار الزوج أو الزوجة لأولادهم ، وحتى في حال كان الاختيار ذاتياً يطلب من الخاطب رضى الأبوين وموافقتهم ، وتجبرهم العادات المرعية على مباركة مراسم الزواج من قبل الأهل، وهذا مايؤكد تدخل الأهل الكبير بحياة أبنائهم الزوجية.
وفيما بعد تتدخل أم الزوج انطلاقاً من أنها المربية لابنها ولسنوات طويلة، وأمنت له حاجاته، وهو لا يزال يحتاج إلى الرعاية، فالزوجة لن تستطيع أن تتفهم حاجاته لصغر سنها وقلة خبرتها ، وفي الوقت نفسه تريد أن تعيد تشكيل الكنة بما يتلاءم مع رغباتها ، وتتم هذه التدخلات بأشكال عديدة منها لباسها وتصرفاتها واستقبالها للضيوف وطريقة اهتمامها بزوجها وأولادها ، وبمصروف المنزل وإدارته ...(65/15)
و التدخل يكون أيضاً من قبل أم الزوجة ظناً منها أن خبرة ابنتها قليلة في التعامل مع الرجال، وهي تريد أن يكون بيت ابنتها مملكة سعيدة، من باب الحرص على أن يكون لابنتها شخصيتها القوية داخل بيتها فلا يطمع بها زوجها.
وفي الحقيقة تدل الإحصائيات أن التدخلات هذه في البداية تكون بنوايا خيرة ، لكنها سرعان ما تنعكس سلباً عليهما ، وتؤدي إلى خلق الحساسية بين الأهل والزوجين، وبين الزوج وزوجته.
وهنالك أمر لابد من الإشارة إليه وهو عامل المقارنة الذي يلجأ إليه الزوج عند أي تقصير يذكر من قبل زوجته، وبالمقارنة تكون غالباً بوالدته التي تعتبر المثل الأعلى في الصورة التي يرتجيها لزوجته في معاملتها معه وحسن تدبيرها لشؤون المنزل، وهذا يولد الكثير من الحساسيات التي تؤدي إلى تفكيك الأسرة. ونتيجة الازدواجية التي تحكم العلاقات داخل المجتمع، يعاني كلا الزوجين من إحباطات شتى، فكل واحد يريد أن يظهر للآخرين على أنه يعيش حياة زوجية مثلى إضافة إلى الإصرار الدائم على المقارنة مع الآخرين المعتقد بأنهم أفضل سواء من الناحية المادية أو غيرها، فمثلاً الزوجة تطالب أن يتصرف زوجها بالطريقة التي يتصرف بها زوج صديقتها ، من تكفله بأعباء تربية الأولاد مع زوجته ، أو لسبب آخر أنها تغار وتريد تقليدها وتفشل في ذلك لأن زوجها لا يؤمن لها المال، وهذا ينطبق على أسلوب الزوج بمقارنة زوجته بأخريات، كل ذلك يخلق وضعاً متوتراً نتيجة المقارنة غير المنصفة، التي تحكمها الغيرة أو عدم وجود الفهم لمشكلات الحياة الأساسية.
متى يكون تدخل الأهل إيجابياً ؟
طبعاً نحن نتحدث عن التدخل السلبي، هذا لا يعني أن الشاب أو الفتاة بالزواج يجب أن يلغيا أي دور للأهل في حياتهما ، ففي المجتمع الشرقي يبقى للأهل دور كبير في حياتنا ، وتدخلهم يأخذ جانبا إيجابيا في حال وقوع الزوجين في ضائقة مالية، حيث يكونون السند الأساسي لهم ، كما أن مسألة رعاية الأطفال خاصة إذا كانت الزوجة عاملة، تكون حاجتها ملحة للاعتماد على الجد والجدة ، كملاذ أمين لأطفالهم ، وفي التخفيف أيضاً من حدة التوتر الذي يحدث كما هو طبيعي بين أي زوجين.
مراعاة أحكام الإسلام هي الحل
جعل الدين الإسلامي العلاقة بين الزوجين متينة ومحكمة بضوابط وقواعد إذا ما وجدت وتم الاختيار بين الزوجين على أساسها، سيكون حتماً الزواج ناجحاً ومحققاً للأغراض المقصودة منه .
و مراعاة أحكام الإسلام يضيق كل أشكال الخلاف والتنازع في الأسرة لأبعد الحدود ، فإذا كان الاختيار صحيحاً فهذا أدعى لاستمرار الحياة الزوجية، ويقلل فرص الخلاف والشقاق بين الزوجين، لتكون حياة سعيدة ورغيدة.
وأن وجد خلاف بينهما لابد من التدخل للتوفيق وإصلاح الزوجين لاسيما إذا لم يستطيعا أن يحلا المشاكل العالقة بينهما، لكن إذا استطاعا أن يحلا المشاكل فهذا يكون أفضل وأبقى، وأصفى للقلوب بينهما، ومن الحكمة عدم إثارة النزاع وتصعيده فيما بينهما بعرضه على الآخرين، وأن يحرصا على إبقائه بينهما، ويبرر لهما أن يحدثا الآخرين، من أخ أو أب أو أم عندما يعجزان عن الإصلاح، وحل الخلاف في(65/16)
تلك الحالة أن يشاورا، فالمشورة فيها خير، وهنا أنبه إلى قضية هامة إذ لابد من مشورة من هو كفء لهذه المشاورة حتى تثمر، وإلا لن يكون من ورائها جدوى، فإذا قامت الفتاة بمشورة أمها وهي مدركة بأنها ليست ذات رأي سديد ما الذي سيفيدها ذلك، كذلك الزوج عليه أن يشاور من ينصحه ويستفيد من رأيه في إصلاح الخلل.
وفي حال وجد خلاف بين الزوجين فإن الإسلام وضع قواعد للقضاء عليها، ومنها إعطاء القوامة للرجال، ولا يقصد منها كما يفهم البعض إعطاء حق الاستبداد بالزوجة، بل القوامة معناها الإدارة والمشاورة مع الزوجة في اتخاذ القرار والسير بهذه الأسرة نحو الحياة المثلى، وهذا في الحقيقة من اختصاص الرجل الذي هو أشد صلابة من المرأة التي توصف بالرقة وبالانفعال، لذلك تكون في الغالب قراراته هي الأصوب، والوظائف المطلوبة من الإنسان تتناسب مع الفطرة التي فطر عليها سواء أكان رجلاً أو امرأة
والشيء الآخر المعاشرة بالمعروف، إذ أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يعاشروا أزواجهم بالمعروف، بقوله: "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا". ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله "، وبالتالي يجب أن نحافظ على حياة الأسرة ونحميها من أي تدخلات أو عوائق تؤدي إلى الإخلال بتوازنها.
ولابد لي من الإشارة إلى أن هنالك تأثيرات واضحة على حياة الزوجين ناجمة عن وسائل الإعلام ، وبسبب رؤية كلا الزوجين لبعض المشاهد التي حرمها الله في الأفلام والمسلسلات المثيرة ، وقد لا يوجد عند الزوج أو الزوجة الوعي الكامل، فيتأثر بذلك مما ينعكس بصورة أو بأخرى على حياته وعلاقاته مع زوجته.
ـــــــــــــــــــ
...
...
المرأة باعتبارها زوجة
...
...
الثلاثاء:01/01/2002
(الشبكة الإسلامية) د. يوسف القرضاوي
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> زوج .. وزوجة
...
...
كانت بعض الديانات والمذاهب تعتبر المرأة رجساً من عمل الشيطان، يجب الفرار منه واللجوء إلى حياة التبتل والرهبنة.
وجعل الإسلام الزوجة الصالحة للرجل أفضل ثروة يكتنزها من دنياه - بعد الإيمان بالله وتقواه - وعدها أحد أسباب السعادة، وفي الحديث: [ما استفاد المؤمن بعد تقوى(65/17)
الله عز وجل خيراً من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر اليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله] . (رواه ابن ماجه) .
وقال عليه الصلاة والسلام: [الدنيا متاعٌ وخيرُ متاعها المرأة الصالحة]. (رواه مسلم).
وقال: [من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح] . (رواه أحمد) .
ورفع الإسلام من قيمة المرأة باعتبارها زوجة، وجعل قيامها بحقوق الزوجية جهاداً في سبيل الله ، جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله، إني رسول النساء إليك، وما منهن امرأة - علمت أو لم تعلم - إلا وهي تهوى مخرجي إليك، ثم عرضت قضيتها فقالت: الله رب الرجال والنساء وإلههم ، وأنت رسول الله إلى الرجال والنساء ، كتب الله الجهاد على الرجال، فإن أصابوا أجروا، وإن استشهدوا كانوا أحياءً عند ربهم يرزقون، فما يعدل ذلك من أعمالهم من الطاعة ؟ قال: [ طاعة أزواجهن والقيام بحقوقهم ، وقليل منكن من يفعله]. رواه الطبراني).
من حقوق الزوجة
وقرر الإسلام للزوجة حقوقاً على زوجها، ولم يجعلها مجرد حبر على ورق، بل جعل عليها أكثر من حافظ ورقيب: من إيمان المسلم وتقواه أولاً، ومن ضمير المجتمع ويقظته ثانياً، ومن حكم الشرع وإلزامه ثالثاً.
وأول هذه الحقوق هو "الصَّدَاق" الذي أوجبه الإسلام للمرأة على الرجل إشعاراً منه برغبته فيها وإرادته لها. قال تعالى: (وآتُوا النساءَ صَدقاتهنَّ نحلة ، فإن طِبْنَ لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئا).
فأين هذا من المرأة التي نجدها في مدنيات أخرى : تدفع هي للرجل بعض مالها مع أن فطرة الله جعلت المرأة مطلوبة لا مطالبة ؟!
وثاني هذه الحقوق، هو "النفقة" فالرجل مكلف بتوفير المأكل والملبس والمسكن والعلاج لامرأته ، قال عليه الصلاة والسلام في بيان حقوق النساء: (ولهنَّ عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) والمعروف هو ما يتعارف عليه أهل الدين والفضل من الناس بلا إسراف ولا تقتير ، قال تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ، ومن قُدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ، لا يكلف الله نفسها إلا ما آتاها) . (الطلاق:7).
وثالث الحقوق، هو "المعاشرة بالمعروف". قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) . (النساء:19 ).
وهو حق جامع يتضمن إحسان المعاملة في كل علاقة بين المرء وزوجه، من حسن الخلق، ولين الجانب، وطيب الكلام، وبشاشة الوجه ، وتطيب نفسها بالممازحة والترفيه عنها ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً والطفهم بأهله] . رواه الترمذي.
وروى ابن حبان عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: [خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي] وقد أثبتت السيرة النبوية العملية لطفه عليه الصلاة والسلام - بأهله ، وحسن خلقه مع أزواجه ، حتى أنه كان يساعدهن في أعمال البيت أحياناً،(65/18)
وبلغ من ملاطفته لهن أن سابق عائشة مرتين، فسبقته مرة وسبقها أخرى، فقال لها: [هذه بتلك] . (رواه أبو داود وأحمد).
وفي مقابل هذه الحقوق أوجب عليها طاعة الزوج - في غير معصية طبعاً - والمحافظة على ماله ، فلا تنفق منه إلا بإذنه، وعلى بيته ، فلا تُدخل فيه أحداً إلا برضاه ولو كان من أهلها.
وهذه الواجبات ليست كثيرة ، ولا ظالمة في مقابل ما على الرجل من حقوق ، فمن المقرر أن كل حق يقابله واجب ، ومن عدل الإسلام أنه لم يجعل الواجبات على المرأة وحدها ، ولا على الرجل وحده ، بل قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) (البقرة:228). فللنساء من الحقوق مثل ما عليهن من الواجبات.
ومن جميل ما يروى أن ابن عباس وقف أمام المرآة يصلح من هيئته ، ويعدل من زينته، فلما سئل في ذلك قال: أتزين لامرأتي كما تتزين لي امرأتي ، ثم تلا الآية الكريمة: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) . وهذا من أظهر الأدلة على عميق فهم الصحابة رضي الله عنهم للقرآن الكريم.
استقلال الزوجة
لم يهدر الإسلام شخصية المرأة بزواجها ، ولم يُذِبْها في شخصية زوجها ، كما هو الشأن في التقاليد الغربية ، التي تجعل المرأة تابعة لرجلها ، فلا تُعرف باسمها ونسبها ولقبها العائلي ، بل بأنها زوجة فلان.
أما الإسلام فقد أبقى للمرأة شخصيتها المستقلة المتميزة ، ولهذا عرفنا زوجات الرسول بأسمائهن وأنسابهن، فخديجة بنت خويلد ، وعائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر ، وميمونة بنت الحارث ، وصفية بنت حيي ، وكان أبوها يهودياً محارباً للرسول صلى الله عليه وسلم.
كما أن شخصيتها المدنية لا تنقص بالزواج ، ولا تفقد أهليتها للعقود والمعاملات وسائر التصرفات ، فلها أن تبيع وتشتري ، وتؤجر أملاكها وتستأجر ، وتهب من مالها وتتصدق وتوكل وتخاصم.
وهذا أمر لم تصل إليه المرأة الغربية إلا حديثا ً، ولا زالت في بعض البلاد مقيدة إلى حد ما بإرادة الزوج.
من كتاب (ملامح المجتمع المسلم
ـــــــــــــــــــ
متى سابقت زوجك آخر مرة ؟
...
...
الثلاثاء:01/01/2002
(الشبكة الإسلامية) محمد رشيد العويد
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> زوج .. وزوجة
...
...
أجل متى سابقت زوجتك آخر مرة ؟(65/19)
إذا أحببت أن تبتسم ساخراً ، أو تبتسم ضاحكاً ، أو تبتسم مستنكراً .. فإن السؤال يبقى: لأنه دعوة لك لتطبيق سنة من سنن المصطفى في إحسانه إلى زوجاته
فإذا كنت تقتفي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في إطلاق اللحية ، واستعمال السواك ، وتقصير الثوب.. فإنك مدعو أيضاً إلى اقتفاء سنته صلى الله عليه وسلم في معاملته زوجاته رضي الله تعالى عنهن .
لا بل إن رِفقه - عليه الصلاة والسلام - بنسائه ، ورحمته بهن ، وصبره عليهن ليس سنة فحسب ، بل هو فرض واجب أكدته آيات كثيرة في القرآن الكريم ، مثل قوله تعإلى : ( وعاشروهن بالمعروف ) ،ومسابقتك زوجتك من هذه المعاشرة بالمعروف ، ومن سنن النبي صلى الله عليه وسلم في ملاطفته نساءه ، ورفقه بهن.
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، وهي جارية ( صغيرة ) ، قالت : " لم أحمل اللحم ، ولم أبدن ".
فقال لأصحابه : تقدموا ، فتقدموا ، فقال تعالي أسابقك ! فسابقته فسبقته على رِجلَيّ .
فلما كان بعد - وفي رواية - فسكت عني ، حتى إذا حملت اللحم ، وبدنت، ونسيت ، خرجت معه في سفر ، فقال لأصحابه : تقدموا ، فتقدموا. ثم قال: تعالي أسابقك ، ونسيت الذي كان، وقد حملت اللحم ، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله ، وأنا على هذه الحال ؟ فقال: لتفعلن. فسابقته فسبقني ، فجعل يضحك وقال: هذه بتلك السبقة .
وقد يتعلل بعض الأزواج - في اعتذارهم عن مسابقة زوجته - بكثرة الانشغال ، وزيادة الأعباء ، وتعدد المسؤوليات . فنرد عليه بالقول: لن تكون أكثر انشغالاً من النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحمل رسالة الله تعالى يعلمها الناس ويقود الغزوات، ويؤدي حقوقاً مختلفة نحو أهله وبيته .. ومع هذا لم يمنعه هذا من مسابقة السيدة عائشة مرتين .
وقد يعتذر غيره بأن الشوارع ليست مكاناً ملائماً للمسابقة .. فنقول له: لن تعدم فرصة خروج مع زوجتك إلى البر.. تبتعدان فيها عن أعين الناس .. ثم لماذا تقصر المسابقة على الجري ؟ لماذا لا تسابق زوجتك في البيت في لعبة إلكترونية مباحة .. أو في مبارزة ثقافية مفيدة.. فتسألها وتسألك.. وتسجلان الدرجات لكل من يجيب إجابة صحيحة .
وقد يرى زوج ثالث أن مثل هذه المسابقات تذهب برجولته، وتنزع المهابة من قلب زوجته، ومن ثم لا تطيعه فيما يأمرها به، وهذا غير صحيح على الإطلاق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ، وفعلُه سنة يُقتدى بها ، والاقتداء بسنته مع زوجاته لا يمكن أن يأتي إلا بخير . وهذا ما أكدته الدراسات الحديثة في العلاقات الزوجية ، حين بينت بأن ملاطفة الزوجة وملاعبتها يجعلها أقرب إلى طاعة الزوج ، ويسلس قيادها له .
والآن .. ماذا يحمل هذا الحديث الشريف الذي نقلت فيه السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ؟
أولاً : الرسول صلى الله عليه وسلم دعا أم المؤمنين السيدة عائشة إلى مسابقته في المرتين.. وهذا توجيه للرجل بأن المبادرة إلى أمثال تلك المسابقات يحسن أن تصدر(65/20)
عنه ، فالزوجة قد تخشى صد زوجها ، وقد يشغلها عملها عن المبادرة .. إضافة إلى أن ما طبعها الله تعالى عليه يجعلها تستحي من عرض المسابقة على زوجها.وإن كان هذا لا يمنع من أن تبادر الزوجة فتدعو زوجها إليها .. إن رأت استعداده النفسي وفراغ وقته .
ثانياً: يحسن ألا يظهر الزوج تفوقه الدائم على زوجته .. فيسبقها دائماً .. فقد لاحظنا أن النبي صلى الله عليه وسلم سبق السيدة عائشة في الثانية .. وسبقته في الأولى.
ثالثاً: لكن ما سبق لا يعني أن يجعل الزوج نفسه خاسراً دائماً من أجل إرضاء زوجته .. فهذا الأمر يفقد المسابقة حقيقتها .. وينزع منها الندية .. فقد وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم تسبقه السيدة عائشة في المرة الأولى لأنها كانت نحيفة صغيرة ، بينما سبقها صلى الله عليه وسلم في الثانية بعد أن سمنت وزاد وزنها
فصار جريها أبطأ .
رابعاً : ينبغي أن ينتبه الزوج إلى أن هذه المسابقة يجب أن تبقى في إطار المودة والمرح ، فلا غضب ولا هياج ، حتى لا تنقلب إلى الشجار ، فتحقق عكس الغاية المرجوة منها .
وهذا ما يوجهنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم، ونفهمه من قول السيدة عائشة رضي الله عنها : " فجعل يضحك صلى الله عليه وسلم " .
ـــــــــــــــــــ
...
...
الحقوق المتماثلة للزوجين والوصايا النبوية الموجهة إليهما
...
...
الثلاثاء:01/01/2002
(الشبكة الإسلامية) د.عبد الحليم أبو شقة
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> زوج .. وزوجة
...
...
تتضح مكانة المرأة في الأسرة من خلال عرضنا للحقوق المتماثلة والمتبادلة بين الزوجين .. إنها مكانة رفيعة يصونه،ا ويحكمها ذلك الميثاق الذي ذكره الله جل وعلا في محكم كتابه حيث قال : ( وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً ) .
تمهيد :
سوف يلحظ القارىء الكريم أن الحقوق المتماثلة للزوجين ، ورد فيها مجموعة من النصوص الكلية ومعها أحياناً نصوص تفصيلية، ونحب أن نبيّن أن العبرة بالنصوص الكلية التي تصون حقوق الرجل والمرأة على السواء ، إذ أن النصوص التفصيلية متضمنة في النصوص الكلية . والنصوص الكلية هي الحاكمة ، فلا ينبغي الغفلة عنها والوقوف عند النصوص التفصيلية ، وكأنها وحدها هي الشريعة ، ونحن(65/21)
إذا تحرينا النصوص الكلية تحرياً دقيقاً وتعمقنا في مضمونها، أرشدتنا إلى حقوق كثيرة لم ترد بها نصوص تفصيلية .
أما النصوص التفصيلية إن كثرت في مجال من المجالات ، فلا بد أن يكون ذلك لسبب يتصل بذلك المجال ، ففي مجال طاعة المرأة زوجها، نرجح أن كثرة النصوص ترجع إلى ظاهرة كانت سائدة في مجتمع المدينة ، وهي شدة وطأة نساء الأنصار التي يقول فيها عمر بن الخطاب : "قوم تغلبهم نساؤهم" ، وما دام الأمر كذلك ، فلا عجب أن يلح الرسول صلى الله عليه وسلم - بكل سبيل - في حض النساء على الطاعة.
حقوق متماثلة:
قال تعالى : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجةٌ والله عزيز حكيم ) سورة البقرة: 228. إن الآية الكريمة تقرر أن للنساء حقوقاً مثل ما عليهن من واجبات ، وهذا يعني أن كل حق للمرأة يقابله حق للرجل ، فالحقوق إذن متماثلة ، وسيتضح بإذن الله وعونه مدى التماثل عند بحث كل حق من تلك الحقوق .
وقد أورد الطبري في تفسيره عدة روايات في تأويل هذه الآية:
قال بعضهم : ( ولهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن ، مثل الذي عليهن لهم من الطاعة ، فيما أوجب الله تعالى ذكره له عليها ).
فعن الضحّاك : ( إذا أطعن الله وأطعن ازواجهن ، فعليه أن يحسن صحبتها ويكف عنها أذاه ، وينفق عليها من سعته ).
وعن ابن زيد : ( يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم ).
وقال آخرون : ( ولهن على أزواجهن من التصنع والمواتاة مثل الذي عليهن لهم من ذلك ).
فعن ابن عباس : إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي ، لأن الله تعالى ذكره يقول : (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف).
والذي اختاره الطبري من تلك الروايات: (أن الذي على كل واحد منهما لصاحبه من ترك مضارته مثل الذي له على صاحبه من ذلك). ، ثم قال : ( وقد يحتمل أن يكون كل ما على كل واحد منهما لصاحبه داخلاً في ذلك .. فلكل واحد منهما على الآخر من أداء حقه إليه مثل الذي عليه له ، فيدخل حينئذ في الآية ، ما قاله الضحّاك وابن عباس وغير ذلك).
وقال الإمام محمد عبده في تفسير هذه الآية : (هذه كلمة جليلة جداً ، جمعت - على إيجازها - ما لا يؤدي بالتفصيل إلا في سفر كبير ، فهي قاعدة كلية ناطقة بأن المرأة مساوية للرجل في جميع الحقوق ، إلا أمراً واحداً عبّر عنه بقوله تعالى : (وللرجال عليهن درجة) - وسيأتي بيانه - وقد أحال في معرفة ما لهن وما عليهن من المعروف بين الناس في معاشراتهم ومعاملاتهم في أهليهم، وما يجري عليه عرف الناس هو تابع لشرائعهم وعقائدهم وآدابهم وعاداتهم ، فهذه الجملة تعطي الرجل ميزاناً يزن به معاملته لزوجه في جميع الشئون والأحوال ، فإذا همّ بمطالبتها بأمر من الأمور ، يتذكر أنه يجب عليه مثله بإزائه ، ولهذا قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : " إنني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي ، لهذه الآية ".(65/22)
وليس المراد بالمثل ، المثل بأعيان الأشياء وأشخاصها ، وإنما المراد أن الحقوق بينهما متبادلة ، وأنهما أكفاء ، فما من عمل تعمله المرأة للرجل إلا وللرجل عمل يقابله لها ، إن لم يكن مثله في شخصه ، فهو مثل له في جنسه . فهما متماثلان في الحقوق والأعمال ، كما أنهما متماثلان في الذات والإحساس والشعور والعقل ، أي أن كلاً منهما بشر تام له عقل يتفكر في مصالحه ، وقلب يحب ما يلائمه ويسر به ، ويكره ما لا يلائمه وينفر منه . فليس من العدل أن يتحكم أحد الصنفين بالآخر ، ويتخذه عبداً يستذله ويستخدمه في مصالحه ، ولا سيما بعد عقد الزوجية والدخول في الحياة المشتركة ، التي لا تكون سعيدة إلا باحترام كل من الزوجين للآخر والقيام بحقوقه ).
وأورد الطبري عدة روايات في تأويل قوله تعالى: (وللرجال عليهن درجة) ، قال :
( قال بعضهم : معنى الدرجة : الفضل الذي فضلّهم الله عليهن في الميراث والجهاد وقال آخرون : تلك الدرجة الإمرة والطاعة ، وقال آخرون : تلك الدرجة التي لها عليها ، إفضاله عليها ، وأداء حقها إليها ، وصفحه عن الواجب له عليها أو عن بعضه .. فعن ابن عباس قال : ما أحب أن استنطف أي آخذ جميع حقي عليها لأن الله تعالى ذكره يقول : (وللرجال عليهن درجة) .
ثم قال الطبري : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عباس ، وهو أن "الدرجة" التي ذكر الله تعالى ذكره في هذه الموضع ، الصفح من الرجال لامرأته عن بعض الواجب عليها ، وإغضاؤه لها عنه ، وأداء كل الواجب لها عليه .
وذلك أن الله تعالى ذكره قال : (وللرجال عليهن درجة) عقيب قوله : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) .. ثم ندب الرجال إلى الأخذ عليهن بالفضل ، إذا تركن أداء بعض ما أوجب الله لهم عليهن .. وهذا القول من الله تعالى ذكره ، وإن كان ظاهره ظاهر الخبر ، فمعناه معنى ندب الرجال إلى الأخذ على النساء بالفضل ، ليكون لهم عليهن فضل درجة .
وقال الأستاذ محمود محمد شاكر محقق تفسير الطبري: ولم يكتب أبو جعفر الطبري ما كتب ، على سبيل الموعظة .. بل كتب بالبرهان والحجة الملزمة واستخرج ذلك من سياق الآيات المتتابعة .. ( ففيها بيان ) تعادل حقوق الرجل على المرأة وحقوق المرأة على الرجل ، ثم أتبع ذلك بندب الرجال إلى فضيلة من فضائل الرجولة، لا ينال المرء نبلها إلا بالعزم والتسامي، وهو أن يتغاضى عن بعض حقوقه لامرأته ، فإذا فعل ذلك فقد بلغ من مكارم الأخلاق منزلة تجعل له درجة على امرأته ، ومن أجل هذا الربط الدقيق بين معاني هذا الكتاب البليغ ، جعل أبو جعفر هذه الجملة حثاً وندباً للرجال على السمو إلى الفضل ، لا خبراً عن فضل قد جعله الله مكتوباً له ، أحسنوا فيما أمرهم به أم أساءوا .
وصايا متكافئة:
ثم إن الشارع الحكيم شفع تقرير الحقوق المتماثلة بوصايا متكافئة للزوجين ، كل ذلك لتسود المودة والرحمة بينهما ، وليرعى كل منهما صاحبه أجمل رعاية وأكمل رعاية :
من الوصايا الموجهة للرجال:(65/23)
قوله تعالى : (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) . [سورة النساء:19] .
- عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :[ واستوصوا بالنساء خيراً ] .- عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله ] . [رواه مسلم].
- عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ إني أُحرج عليكم حق الضعيفين : اليتيم ، والمرأة ] . [رواه الحاكم] .
- عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ] . [رواه ابن ماجه].
- عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :[خياركم خياركم لنسائهم ] . [رواه ابن ماجه] .
وقد روى معنى الحديث الأخير عدد من الصحابة الكرام منهم عائشة ، ومعاوية ، وأبو كبشة .
من الوصايا الموجهة للنساء:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش ، أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده ] . [رواه البخاري ومسلم].
- عن أبي أذينة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :[ خير نسائكم الولود الودود المواسية المواتية] . [رواه البيهقي].
- عن عبد الله بن سلام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ خير النساء من تسرك إذا أبصرت ، وتطيعك إذا أمرت ، وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك] [رواه الطبراني] .
- عن حصين بن محصن أن عمَّةً له أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : أذات زوج أنت ؟ قالت : نعم . قال : فأين أنت منه؟ قالت : ما آلوه إلا ما عجزت عنه قال : فانظري أين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك. [رواه أحمد].
- عن عبد الله بن أبي أوفى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ لا تؤدّى المرأة حق ربها حتى تؤدّي حق زوجها ] . [رواه ابن ماجه].
- عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وحفظت فرجها ، وأطاعت زوجها دخلت الجنة ] . [رواه البّزار].
- عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إثنان لا تجاوز صلاتهما رءوسهما : ...، وامرأة عصت زوجها حتى ترجع] . [رواه الحاكم]
عن معاذ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا ، إلا قالت زوجته من الحور العين : لا تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو عندك دخيل ، يوشك أن يفارقك إلينا ] . [رواه أحمد].
الإطار العام لأداء الحقوق:(65/24)
قال تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً إنّ في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون) . [سورة الروم : الآية 21] .
وهذا يعني أنه ينبغي أداء جميع الحقوق بين الزوجين في إطار من المودة والحب ، فإن ضعفت المودة لأمر ما ، بقيت الحقوق محفوظة ، ولكن في إطار من الرحمة ، أي التعاطف والوفاء للعشرة ، وليتذكر كل من الزوجين قول رسولنا صلى الله عليه وسلم : [ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ] . رواه البخاري ومسلم . وإذا كان هذا هو حق أخوة الإسلام بصفة عامة ، فحق الزوجين المسلمين أعظم ؛ فقد ضيفت إلى رابطة الإسلام رابطة الزواج ، وهي رابطة متينة قال بشأنها جلّ وعلا : ( وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً ). فعلى الزوجين أن يراقبا الله تعالى في أداء الحقوق ، ولينظر كل منهما هل قدم لصاحبه ما يحب لنفسه؟ إن كان قد فعل فقد أحسن ، وإن لم يفعل فليصدق العزم وليستعن بالله ولا يعجز ، والله مع الجميع
ـــــــــــــــــــ
سائل الإعلام.. وخراب البيوت
...
...
الخميس :08/02/2007
(الشبكة الإسلامية)
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> زوج .. وزوجة
...
...
1
(سى السيد) ذلك الرجل الزائغ العينين الذى يغازل جميع النساء، ما عدا زوجته.. ، وتلك الزوجة المستسلمة الصابرة على قدرها فى تربية أبنائها، وحرصها على استقرار أسرتها
وهذه الزوجة الخائنة التى تركت زوجها وابنها، وانساقت وراء عاطفة مجنونة تجاه شاب آخر فى سياق بدت معه هذه الزوجة بمثابة ضحية ظروف اجتماعية قاسية، وزوج ظالم طاغ فحازت تعاطف المشاهدين.
وهذا الزوج التعيس فى حياته الزوجية الذى ينتظر صدرًا حنونًا يعوضه تعاسته ويغدق عليه الحنان والاهتمام المفقود
عشرات الإعلانات والكليبات التى تقتحم البيوت الآمنة بسيل من المثيرات والإيحاءات التى تخدش الحياء، وغرف الدردشة، والـ SMS وغيرها من تقنيات الإعلام والاتصال التى غزت واقعنا، وبعضها يهدد مستقبل بيوتنا؛ فإلى أى مدى تعكس وسائل الإعلام والاتصال الواقع المصرى والعربى، وتعبر عنه، أو تسعى لتنميطه وتعميم سلبياته، وكيف نتغلب على سوءات هذه التقنيات الحديثة ونوظف إيجابياتها فى حماية سياج الأسرة لا تدميرها، هذا هو السؤال الذى يسعى تحقيقنا للإجابة عنه..(65/25)
ترى الدكتورة ليلى عبد المجيد - وكيلة كلية الإعلام جامعة القاهرة - أن بعض ما يقدَّم فى وسائل الإعلام يقوم بعمل تنميط للنماذج البشرية، أو لبعض السلوكيات الاجتماعية، أو لدور المرأة، فتأخذ الدراما مثلاً جزءًا من الواقع وتقدمه على أنه كل الواقع، وهذا خطأ إعلامى كبير؛ لأن الدراما بصفة خاصة تحظى بمشاهدة عالية فيأخذ المُشاهد ما يُقدم فيها، ويختزنه، ويستدعيه فى المواقف المشابهة، ويحاول تقليده أو الاقتداء به.
وهذا يفرض على الإعلام نوعًا من التوازن فيما يعرضه، ويتطلب من النقاد والمفكرين تقديم مناقشة نقدية واعية لما يقدم فى وسائل الإعلام.
وعمومًا؛ فإننا نقول: إن أى وسيلة إعلامية ليست خيرًا أو شرًا فى ذاتها، فالذي يحدد اتجاهها هو استخدامنا لها، وبالنسبة لوسائل الاتصال الحديثة كالنت والموبايل، ولا ننكر أن لهما إيجابيات كثيرة تربطنا بالعالم، وتوفر لنا قاعدة معلومات ضخمة فى كل المجالات، وهذا جيد، إلا أن البعض قد يسيء استخدامها، ويوجهها لإشباع نزواته المجنونة بعيدًا عن الإطار المشروع أو المقبول، كأن يستخدم الدردشة فى التعرف على امرأة أخرى - أو رجل آخر - بحجة التواصل، وتوسيع دائرة العلاقات الاجتماعية، ولا يدرى أن هذه الدائرة قد تتسع إلى أكثر مما يستطيع أن يسيطر عليها، فتكون سببًا فى ضياعه أو تشريد أسرته، والكلام ذاته يقال بالنسبة للمرأة.
خلل فى التربية
وهذا يعكس فى جوهره خللاً فى التربية، وعدم تعويد الطفل منذ الصغر على كيفية التعامل مع هذه الأجهزة برؤية انتقائية واعية لما ينبغى أن يرى، وما لا ينبغى أن يراه أو يتابعه.
وألقت د. ليلى على وسائل الإعلام ذاتها مسئولية زيادة وعى وخبرة الجماهير بخطورة الانحراف بهذه الوسائل عن هدفها ومقصدها فى تدمير الأسرة، ومن ثم فى زعزعة تماسك واستقرار المجتمع.
بلا مرجعية حضارية
أما أ. فاطمة الزهراء محمد - المدرسة المساعدة بكلية الإعلام، جامعة القاهرة - فتقف عند مرجعية الإعلام المصرى والدراما التى يقدمها هذا الإعلام، وتقول: إنه يفتقد المرجعية الحضارية التى تتيح له معالجة القضايا الاجتماعية ضمن المنظومة القيمية للمجتمع، فتبدو الأعمال المقدمة وكأنها مقدسة؛ لأنها صادرة عن أديب تم تقديس أعماله، بغض النظر عن قيمة العمل الذى يقدمه ومدى ارتباطه بواقعنا وقيمنا.
وتؤكد أ. فاطمة الزهراء أن الأعمال الأدبية حين تتحول إلى دراما تصير أداة للتغيير الاجتماعى حينما تؤثر فى اللاوعى الجماعى عند الرجل والمرأة من المشاهدين، ومن ثم تصبح هذه الأعمال بمثابة مرجعية بديلة فى لاوعى الجمهور يستحضرها فى المواقف المشابهة، فحين تكتشف المرأة مثلاً أن زوجها يعرف امرأة أخرى، أو له علاقة بأخرى قد تتصرف بطريقة معينة؛ لأنها شاهدت بطلة هذا الفيلم أو ذاك تتصرف كذلك حين اكتشفت خيانة زوجها.(65/26)
وهكذا يغذى الواقع هذه المشاهد المشوهة، ثم تحدث التغذية الاسترجاعية فى الواقع نتيجة تعرض الجمهور لهذه المشاهد، وغالبًا ما ينساق المراهقون لتمثل هذه الشخصيات السينمائية التى تزيل لديهم أى محرمات أو تحفظات دينية أو أخلاقية أو اجتماعية، فيتم تقمص هذا النموذج السينمائى باعتباره مرجعية لهؤلاء الشباب والمراهقين.
نتيجة لا سبب
وحول استخدام وسائل الاتصال الحديثة فى تسهيل الخيانة الزوجية، تقول أ. فاطمة الزهراء: إن سوء استخدام وسائل الاتصال الحديثة نتيجة وليس سببًا، بمعنى أن عدم وعى كل من المرأة والرجل بدوره، وعدم وجود منظومة قيمية متفق عليها للحفاظ على الأسرة يجعلهما عديمى القدرة على مقاومة أى وافد غريب يريد تدمير الأسرة، والتكنولوجيا فى ذاتها وسيلة للارتقاء بالحياة، وليست سببًا للتدمير والإيذاء.
ولكن حينما تتغلب الأنانية على أى من الزوجين أو كليهما، ويسعى كل منهما إلى تحقيق أهدافه ورغباته الذاتية مضحيًا بمصلحة الأسرة أو الجماعة يصبح الوضع وكأنه اتفاق ضمنى بينهما على إفساد الأسرة وتدميرها.
فالمشكلة إذن ليست فى هذه التقنيات فى ذاتها، وإنما فى فساد من يستخدمونها فى غير أغراضها، فهناك بعض الزوجات يستخدمن الإنترنت فى الاتصال بأزواجهن فى الغربة وإشراكهم فى قرارات الأسرة، وكأنهم يعيشون معًا، وكذلك رسائل SMS أيضًا تعد وسيلة جيدة للتعارف والتواصل الاجتماعى بين الأصدقاء والأقارب إلى جانب التواصل بين الزوجين أثناء غياب أى منهما عن الآخر.
بينما يستخدمها آخرون فى إفساد ذات البين، وفى هز أركان الأسرة فى علاقات طائشة قد تدمر حصن الأسرة على أصحابه بسبب فساد العقول التى فكرت فى استخدام هذه الوسائل بشكل خاطئ .
طوق النجاة
وتقرر أ. فاطمة أننا إذا كنا فى عصر لم نعد نستطيع فيه أن نعزل أنفسنا عما حولنا؛ فإننا نملك طوق النجاة للأجيال القادمة، وهو تربية أبنائنا تربية إسلامية متينة وأخلاقية، والسير على درب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى إعلاء قيمة ممارسة الرياضة فى استيعاب طاقات الأبناء وتوجيهها توجيهًا سليمًا، مع ضرورة متابعة العملية التعليمية للأبناء بشكل يرتقى بمهاراتهم، ويشعرهم باهتمامنا بهم، وحرصنا على تفوقهم مما يخلق لديهم حافزًا للتفوق والجدية فى الأداء، ولا ننسى أن حفظ القرآن، ومشاركة الأبناء فى اللعب والمرح، وإشاعة جو من الألفة والمحبة داخل الأسرة فى إطار منظومة القيم التى يعيش الجميع فى ظلها ستتيح للوالدين مراجعة أى تفكير منحرف عن هذه المنظومة، وتقويمه من خلال الحوار الحر المنضبط بين أفراد الأسرة.
أما د. راوية بنت أحمد الظهار - أستاذة الفقه بجامعة طيبة بالمدينة المنورة - فتنبه إلى خطورة الدعاية والإعلان والكليبات الهابطة، وما تقوم به من أدوار فى زعزعة الثوابت فى نفوس الشباب والرجال والنساء، وفى الترويج لصور مرفوضة للعلاقات؛ ففى الإعلانات ترى المرأة المتبرجة السافرة التى تسير أمام الرجال فتدير(65/27)
رءوسهم برائحتها ومشيتها فيلحقوا بها، وكذلك الإعلانات التى يقدمها شباب ورجال يتسمون بالوسامة والأناقة؛ فهؤلاء الرجال يخلقون لدى النساء مجالاً للمقارنة بينهم وبين أزواجهن فيكون هذا مدخلاً؛ إما للنكد الزوجى أو الخيانة الزوجية.
وكذلك الأغانى والكليبات الهابطة التى تعرض صورة المرأة بشكل غير لائق قد تؤدى إلى كثير من الخيانة الزوجية، وهذا ما تؤكده الإحصاءات والبيانات الصادرة عن المنظمات الدولية التى تعنى بشأن المرأة، فالزوج قد يطلب من زوجته أن تؤدى نفس ما تؤديه العشيقة فى الفيلم أو الكليب الذى شاهده وعلق فى ذهنه، وكذلك الزوجة قد ترى فى زوجها نموذجًا مغايرًا لما رأته فى وسائل الإعلام، مما يؤدى إلى الكثير من الخلافات الزوجية وأسباب الشقاق.
وهذا يفرض علينا استنكار مثل هذه الأمور قولاً وفعلاً، وبيان سلبياتها وتوعية المجتمع بمقاطعة الإعلانات والكليبات التى تستخدم هذه الأساليب المثيرة فى ترويج سلعها، أو فى الدعاية لفكرتها، وبالنسبة لوسائل الإعلام فعليها أن تعرض وجهة نظر الإسلام حول قضايا المرأة لوقف أثر الإعلام المضاد.
ـــــــــــــــــــ
الحياة مع الحماة وعودة إلى الحضن الدافئ !!
...
...
الاربعاء:15/11/2006
(الشبكة الإسلامية) مركز الإعلام العربي
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> زوج .. وزوجة
...
...
تخرَّج الشاب وعقد العزم على إتمام نصف دينه، وذهب لخطبة العروس.. لكنه فوجئ بالرفض.. لماذا؟؛ لأنه سيعيش مع أمه المسنة فى بيتها.. كانت صدمة أعقبها تساؤل: إلى من أترك أمى وأنا وحيدها أو آخر أبنائها؟ وهل من البر أن أترك أمى فى آخر عمرها وحيدة، بينما أسعد أنا فى حياتى مع عروس؟ وهل كل من لديه أم فى مثل ظروف أمى يعزف عن الزواج، ويُعرض نفسه للفساد والانحراف؟
هذه التساؤلات تدور فى عقول كثير من الشباب الذين يسعون للزواج فى حضن العائلة وحنان الأم برًا بأمهاتهم، وتكيفًا مع الظروف الاقتصادية الصعبة، وارتفاع تكاليف الزواج، وهذا التحقيق دعوة للبر، وإجلاء لمخاوف الفتيات من العيش مع الحماة، وتصحيح للصورة المشوهة للحماة التى أسهمت وسائل الإعلام فى تعميقها لديهن.
تزين المنزل لاستقبالى
تقول أم أسماء (حماة لأربع أزواج وزوجات): حينما أجلس مع صديقاتى وأتحدث عن زوجات أبنائى يقلن: إننى أعيش فى عالم غير عالمهن، فزوجات أبنائى طيبات، وأحس أنهن مثل بناتى، ولأن لى ابنتين متزوجتين؛ فإنى أعلم ما يضايقهن من تصرفات الحموات، فلا أفعله معهن، ولذلك فنحن نعيش فى انسجام بفضل الله(65/28)
تعالى، وبفضل المعاملة الطيبة؛ فإحدى زوجات أبنائى تسكن معى، والأخرى مع زوجها خارج مصر، وأذكر أننى حين سافرت مرة لزيارة ابنى فى أمريكا فوجدت زوجته قد زينت المنزل لاستقبالى، كما لو كانت تستقبل العيد.
كلهن بناتى
تقول أم مدحت (حماة لستة أزواج وزوجات): تزوجت مع حماتى التى أذاقتنى المر، ورغم ذلك عاهدت نفسى ألا أكون كما كانت، وأنا لى ثلاثة أبناء متزوجون، وثلاث بنات متزوجات أيضًا، وأعتبر أن الله رزقنى بثلاث بنات أخريات هن زوجات أولادى، وكذلك أزواج بناتى فكلهم طيبون، وأحبهم جميعًا كما أحب أولادى، ولا أفرق بينهم، وهم أيضًا يتمنون راحتى، ويحاولون إسعادى قدر استطاعتهم.
الحاجة سناء محمد (أم لأربعة أولاد متزوجين): أحب زوجات أولادى كثيرًا ومكانتهن فى قلبى مثل ابنتيَّ، ونحن نعيش كأسرة واحدة، فما ينفعهن ينفعنى، وما يضرهن يضرنى، نحن نعيش فى منزل واحد، ولكن كل أسرة فى شقة منفصلة، مما يتيح الاستقلالية لكل طرف بشكل يريحه فى التعامل مع الآخر، ويحافظ على الود بشكل دائم، وأكثر ما يحافظ على حب الحماة لزوجة ابنها مراعاتها لها، وخاصة فى حالة مرضها أو حاجتها للحنان والحب، ومساعدتها فى شئونها، وعلى الطرفين - زوجة الابن والحماة - أن يراعيا الله فى تصرفاتهما، وأن تتخذ زوجة الابن حماتها أمًا لها، سواء كانت بعيدة عنها أو تسكن معها.
داليا بدوى (زوجة منذ 10 سنوات): تزوجت فى شقة منفصلة عن حماتى، وهى أم فاضلة، زوجى ولدها الوحيد، ولكننا منذ أن تزوجنا كنا نأتى بشكل شبه يومى لزيارة حماتى والجلوس معها من أول النهار، ونعود إلى بيتنا ليلاً، وبعد أن أنجبت شَقَّ الأمر عليَّ؛ لأننا نسكن بعيدًا عنها، فقررت أن أستقر مع حماتى بعد زواج آخر بناتها وأنتقل للإقامة الكاملة معها، وأذكر أن حماتى ساعدتنى فى تربية أبنائى الثلاثة، وتعتبرنى ابنتها الرابعة، وتحبنى وتدافع عنى، فحماى وحماتى كأبى وأمى، وأحس أنى فى بيتى ولست فى بيت حماتى.
أم ثانية
سحر عثمان (زوجة منذ 7 سنوات): حينما خطبنى زوجى أخبرنى أنه سيعيش مع أمه فى شقتها، وقبلت بذلك؛ لأنه إنسان طيب وعشنا 5 سنوات مع حماتى، وكنت أعاملها كأمى وتعاملنى كابنتها، واعتبرت أنى فى بيتى، ولأنى موظفة كنت أذهب إلى عملى وأترك أبنائى فى رعايتها بدلاً من الذهاب بهم إلى الحضانة فى سن مبكرة، وسارت الأمور على ما يرام، ولم نترك حماتى إلا بعد أن جاءت إحدى بناتها للعيش معها، نظرًا لظروف طرأت عليها، فبحثنا عن شقة أخرى وانتقلنا.
عايدة محمد (زوجة منذ 17 سنة): تزوجت فى نفس المنزل الذى تعيش فيه حماتى، وكان لأخى زوجى الأكبر شقة فى الدور الأول، وتعيش والدته معه، ولكن بعد زواجنا انتقلت حماتى للعيش معنا، نظرًا لارتباطها الشديد بابنها (زوجى)، ورحبت بها كأمى، وارتاحت هى للعيش معى، وفى بداية زواجنا كانت حماتى تتضايق من كثرة خروجى، ولكن باتفاقى مع زوجى أفهمتها أننى أخرج للضرورات، ومع ذلك(65/29)
كنت أراعى كل طلباتها واحتياجاتها، وبعد فترة تعودت على الوضع، ولم تعد تتضرر.
ميزات عديدة
الدكتور إلهام فرج - أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنى سويف - تحدثنا عن الحماة والعيش فى دفء العائلة فتقول: منذ فترة لا تزيد عن 50 سنة كان نظام الأسر فى الريف المصري هونظام الأسرة الممتدة، والتى تعنى معيشة الجد والجدة وأبنائهما وأحفادهما فى بيت واحد، ومعيشة واحدة، أما الآن فقد اتجه المجتمع إلى نظام الأسرة النووية الصغيرة، ولكل نظام عيوبه ومميزاته، ولكن نظرًا لظروف المجتمع الاقتصادية قد لا يجد الشاب مسكنًا غير بيت أمه، وقد لا يكون للأم أبناء غيره، فهل يتركها ويتخلى عنها، أم يظل بلا زواج؟
وأقول لكل فتاة ترفض المعيشة مع الحماة أو تبالغ فى الأمر، فترفض مجرد العيش فى منزل واحد ولو بشكل مستقل، أقول لها: إن المعيشة فى أحضان العائلة لها ميزاتها، فهى توفر - إلى حد كبير - الأمان المعنوى والسند الاجتماعى القريب، وقد يكون هناك حل وسط إذا كان هناك مجموعة من الإخوة يعيشون فى عمارة واحدة، وللأم والأب أو كلاهما شقة فيها، فيكون هذا شكل وسط بين النظامين المعروفين للأسرة سابقى الذكر، أما إذا لم يكن هناك سوى العيش مع والدته؛ فإن لذلك أيضًا ميزاته، فالأم تمثل خبرة سنوات وعطاء عمر بالنسبة لولدها وزوجته، كما أنها فى بعض الأحيان هى التى تستضيف الابن وزوجته فى شقتها، إذ لولاها ما استطاع الابن الزواج؛ لأنه ليس لديه شقة، كما أنها فى أحيان أخرى يكون لها معاش خاص، وتساعد فى نفقات المنزل، بل والأجمل والأهم من ذلك أنها تساعد كثيرًا فى تربية ورعاية الأبناء، ويعرف قيمة هذه النعمة من حرم منها.
حلول ممكنة
كما تؤكد د. إلهام على أهمية وعى الفتاة والعروس ومرونتها فى التعامل مع الحماة، سواء كانتا فى مسكن واحد أو فى مساكن مستقلة، وأن يكون لديها قدرة على التكيف مع الواقع وتحمل المسئولية، وأن تساير أمورها مع حماتها، وتحاول إرضاءها، وكذلك الزوج عليه إرضاء الطرفين دون ظلم لإحداهما، وكلمة مهمة أقولها للحماة: إذا كنت ستعيشين مع ابنك فاعلمى أن دورك الآن ليس قياديًا، ولكنه استشارى، فقد تخطيت هذه المرحلة فاتركيها لزوجة ابنك.
وتشير د. إلهام إلى نقطة مهمة، وهى أن وجود الحماة فى نفس المكان ليس هو المشكلة، ولكن المشكلة إذا كانت الشخصية صعبة، فهناك الكثير من الحموات اللاتى يدرن حياة أبنائهن من بعيد، رغم بُعد المسافة وأخريات فى داخل البيوت، ولا يتدخلن فى حياة الأبناء، والمهم أن يتفاهم الزوجان منذ البداية على خصوصيتهما ولا يسمحان بتدخل أحد من عائلتهما فى خلافاتهما إلا عند الضرورة للإصلاح.
وتضيف أن السبب الرئيسى للخوف من الحماة يرجع إلى تصوير وسائل الإعلام للحماة على أنها عدو لدود، وشخص يريد الاستبداد بالسلطة منذ أيام «مارى منيب»، كما أن هناك مثلاً فى تراثنا الشعبى يقول «الحمى عمى»، ولكن على كلا(65/30)
الطرفين الحماة وزوجة الابن أن يقدمان الحب والمودة، وأن يعتبران نفسيهما أسرة واحدة، وأم وابنتها، ولا تبالغان فى توقعاتهما عن بعضهما حتى لا يخالف الواقع هذه التوقعات، فتبدأ المشكلات
ـــــــــــــــــــ
أنت وأهل زوجك: نحو خارطة طريق !!!
...
...
الخميس :19/10/2006
(الشبكة الإسلامية) مجلة الأسرة عدد 161
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> زوج .. وزوجة
...
...
تعد علاقة الزوجة مع أهل زوجها تحديًا كبيرًا لمعظم الزوجات الجديدات – وكثير من القديمات أيضًا – فهذه العلاقة غالبًا ما تخضع لشد وجذب وتوتر وهدوء قبل أن يفهم كل منهما الطرف الآخر ويتوصل إلى الأسلوب الأمثل للتعامل معه.
تبدأ نقطة التوتر مع شعور الزوجة – صدقًا أو توهمًا – أن سلوكها وتصرفاتها وحركاتها وأسلوبها موضع مراقبة أو نقد من أهل زوجها، وشعور أهل الزوج أن هذه العروس جاءت لتخطف ابنهم منهم وتقطع صلته بأهله.
فكثير من الأمهات يشعرن مع زوجات أبنائهنَّ بأنهن قد فقدنهم، وكثيرًا ما يتحول هذا الشعور إلى سلوك مرضي، وقصص الأمهات في ذلك كثير، فبعضهنَّ تدعي المرض للإبقاء على الابن قريبًا، وبعضهن تحرص على عدم تزويج الابن من فرط شعورها بالفقد لو تزوج.
أيا كانت مخاوف الأهل – لاسيما الأمهات – من فقد ابنهن بعد الزواج واستئثار الزوجة به ، حقيقية كانت أم متوهمة، فلابد أن تتعاملي معها بجدية، وأن تشعريهم أن زواج ابنهم أضاف للأسرة ابنة جديدة ولم يخطف منها شابًا.
الاختلاف من سنن الحياة
أما شعورك بأنك تحت المراقبة من قبل أهل زوجك فلا يجب أن يدفعك إلى الارتباك، بل إلى الحذر لا أكثر بأن تفكري في فهمهم لهذا السلوك أو ذاك، أو حتى تبادري بشرحه لهم، وليس ذلك تقليلاً من شخصيتك أو انتقاصًا من استقلالك بقدر ماهو محاولة منك ليفهموك على حقيقتك ولا يسيئوا تفسير بعض ما يرونه منك من تصرفات، وفي كل الأحوال لا تتوقعي منهم أن ينظروا للأمور كما ترينها أنت، واقبلي الاختلاف بينكم في ذلك، فهذا من سنن الحياة.
إذا كنت تسكنين مع أهل زوجك فاحرصي على الإحسان إلى أمه وصداقة أخواته والتقرب منهنَّ وإشعارهنَّ بأنك قد أصبحت واحدة من العائلة، أما إذا كنت تعيشين في سكن مستقل فاحرصي على مداومة الزيارة بصفة منتظمة وليس في المناسبات فقط، حتى لا يشعر أهل زوجك أنك خطفت ابنهم، وفي مناسبات العائلة احرصي أنت وزوجك على أن تكونا أول الحاضرين والمشاركين في السراء والضراء.(65/31)
حتمية الخلاف
مهما كانت علاقتك بأهل زوجك من حيث المودة والمتانة فلابد أن يقع بينكم خلاف، إذا عرفت ذلك واستعددت له أمكنك معالجة الأمر بهدوء وعقلانية، أما إذا كنت ممن يعتقدن أن علاقتها بأهل زوجها أصبحت سمنًا على عسل ولن تعرف المشكلات لها طريقًا، فإن ذلك قد يربكك مع أصغر مشكلة تظهر لك على الطريق.
إن معاناتنا في الحياة لا تتوقف على المشكلات التي تواجهنا، بل على طريقتنا في معالجة تلك المشكلات وأول ما يجب عمله في مواجهة أية مشكلة تظهر مع أهل زوجك أن تستبعدي مبدأ الاستقواء بزوجك على أهله أو تحريضه عليهم، حتى ولو كانت حجتك قوية، وخطؤهم ظاهر، إذ يجب أن يكون منهجك في التعامل مع المشاكل هو حلها لا إدانة الطرف الآخر فيها، فتلك الإدانة أو السعي إليها غالبًا ما تزيد الطين بلة وتزيد المشكلة تعقيدًا.
إما أنا أو أهلك !!!
وإذا كان عليك ألا تسعي إلى إدانة أهل زوجك وتخطئتهم في أي مشكلة تظهر بينكم فمن باب أولى ألا تلومي زوجك لتصرف صدر من أهله، أو تضعيه أمام الاختيار المر الذي تلجأ إليه كثير من الزوجات الحمقاوات (إما أنا أو أهلك)، وفي المقابل إذا حدث خلاف بين زوجك وأهله فاحرصي على أن تكوني رسول سلام بينهم، ولا تستغلي الفرصة لتوغري صدره تجاه أهله أو تؤكدي صدق شكواك منهم، فخلاف زوجك مع أهله سيزول آجلاً أم عاجلاً، ويبقى في ذهنه سلوكك أنت أثناء ذلك الخلاف.
وأخيرًا ضعي نفسك مكان أم زوجك وعامليها كما تودين أن تعاملك زوجة ابنك في المستقبل.
إن كثيرًا من الزوجات لا يعترفن بخطأهنَّ تجاه أم الزوج إلا بعد أن يتزوج أبناؤهنَّ ويعشن التجربة بأنفسهنَّ فيدركن أنهنَّ قسون على أم الزوج التي تكون غالبًا في عداد الأموات وتنقطع الفرصة في التكفير عن الأخطاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حتى يحبك الله ثم زوجتك كن كريمًا
...
...
الاحد :16/07/2006
(الشبكة الإسلامية) ماجدة عمر
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> زوج .. وزوجة
...
...
والزوجة تكره الزوج البخيل، وتتمنى الانفصال عنه، ولكن خوفها على أولادها، وحرصها على بيتها يحملانها على الصبر.
فماذا تقول الزوجات وهن يجأرن بالشكوى من بخل أزواجهن:
صابونة فى كيس(65/32)
تقول السيدة/ زينب أحمد: تزوجت من رجل بخيل لدرجة الشح، كان يستولى على راتبى أول الشهر، وبرغم ذلك كان يطالبنى بالاقتصاد الشديد فى النفقات فى الأكل والشرب، ومن شدة بخله كان يأمرنى بوضع الصابونة فى كيس حتى لا تبلى بسرعة.
لم أستطع الحياة معه، وفى أقل من سنة تم الانفصال.
علقة ساخنة
آمال حنفى - ربة بيت - تقول: لى صديقة ضربها زوجها ضربًا مبرحًا من شدة بخله؛ لأنها عادت إليه من عملها، ومرتبها ينقص جنيه اشترت به إفطارًا، وعاشت معه سنوات صابرة ومحتسبة أجرها عند الله، ولكن صبرها نفذ نتيجة بخله الشديد، وانفصلت عنه.
غياب العاطفة
وتحكى أخرى أن زوجها يأخذ راتبها كله، ويحرمها من أبسط الأشياء، ويعد عليها قطع اللحم، وثمرات الفاكهة، ويحرم طفله الصغير من شرب اللبن، وهى أحيانًا تشترى طعامًا بدون علمه، ثم ترمى الورق، وأى أثر للطعام حتى لا يراه الزوج، كما تشترى الخضر والفاكهة آخر النهار حتى تكون بسعر أرخص، وتأخذ فرق السعر لشراء ما يلزمها.
الكريم حبيب الرحمن
تقول سامية كمال : بخل الزوج يمكن تعديله بالالتزام بالدين فعلى الزوجة أن تذكر زوجها بأن الكريم حبيب الرحمن عكس البخيل الذى يبغضه الله، ويبغضه الناس، وبالإقناع ممكن أن يتغير الزوج ولو قليلاً، ولا داعى للانفصال؛ لأن ذلك له آثار سيئة على الأطفال.
تقول أمانى عبد الله: إن أصعب شيء فى الحياة هو البخل، والزوجة تستطيع أن تتحمل الفقر ولا تتحمل بخل الزوج، ونصيحتى للزوجة أن تلجأ للتقشف، وتقلل من نفقاتها، وتعيش على الأشياء الضرورية، وعليها أن تنسى أنها زوجة وتتذكر فقط أمومتها، وتعطى كل مشاعرها لأولادها تعويضًا عن بخل الأب.
- أين يقف الشرع الحنيف من بخل الزوج؟
تقول الداعية الإسلامية منى صلاح - رئيسة جمعية منابر النور - البخل لا يجتمع مع الإيمان، وأكثر ما يهدد الأسرة البخل؛ لأنه يترتب عليه بخل فى المشاعر، والبخيل لا يتغير؛ لأن هذا طبع فطره الله عليه، ولكن لابد أن يستعيذ البخيل بالله من البخل، قال تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «البخيل بعيد عن الله، بعيد عن الناس، بعيد عن الجنة، والكريم قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة»
فالزوج البخيل يدفع زوجته للكذب، فهى تشترى الأشياء بثمن وتخبر زوجها بغير الحقيقة، كذلك تحاول عدم طلب أى طلبات منه حتى لا يغضب، ولكى تحافظ على بيتها، والزوجة الصالحة تعلم جيدًا أن الصبر على الزوج السيئ أجره الجنة.
ولما جاءت امرأة أبى سفيان إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) تشكى له بخل زوجها فقال لها: «خذى ما يكفيك أنت وولدك بالمعروف»(65/33)
ويقول الله عز وجل فى حديثه القدسى: «يا ابن آدم أنفق أنفق عليك».
تربية خاطئة
ويقول د. محمد حسن غانم - أستاذ علم النفس بجامعة حلوان - الرجل البخيل نتاج لتربية أبوية خاطئة فهو لم يولد بخيلاً، ولكنه اكتسب هذا السلوك أثناء فترة الطفولة، فهذه الصفة الذميمة وليدة تربية طويلة، وليست وليدة لحظة فيبقى حبه الأول وانتماؤه للمال.
ويضيف: أن البخيل ليس فى المال فقط، ولكنه فى المشاعر أيضًا، فهو يحسبها بالقلم والمسطرة، وربما فى فترة الخطوبة يكون كريمًا فى إنفاقه، وفى مشاعره، ولكن يظهر مشاعره الحقيقية بعد الزواج.
وبدون شك فإن الزوجة ترفض فى البداية وتشعر بالصدمة، وإذا كانت أسرتها ترفض هذا الوضع فهى تقف بجانبها حتى يتم الطلاق ويوافق الزوج البخيل على الطلاق، ولكنه يشترط أن يكون بدون أى خسارة أى لا يغرم نفقة أو مؤخرًا.
وأحيانًا ونظرًا لظروف الزوجة واقتناعها وأهلها بأن الطلاق شيء بغيض فإنها تعيش معه، وتصبر وتشعر أنها فى سجن، ويشعر أطفالها بالاضطراب النفسى.
ـــــــــــــــــــ
كيف تجددين حياتك الزوجية أيتها الزوجة !!
...
...
الخميس :08/06/2006
(الشبكة الإسلامية) مجلة الأسرة العدد 158
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> زوج .. وزوجة
...
...
1
الزوجة الذكية هي التي تبقي شعلة الحب مشتعلة في بيتها، وأواصر العاطفة متأججة دائمًا مع زوجها، ورغم أن هذا مطلب لكل الزوجات، لكن الساعيات لتحقيق هذا المطلب قليلات، إذ ربما يرونه جاهزًا يتسلمنه كما يتسلمن وجبة غداء من مطعم!
هذا المطلب صناعة مشتركة بين الزوجين، لا يقل دور الزوجة في تحقيقه عن دور الزوج، هذه السطور قد تساعدك في ذلك:
(1) إذا كنت تشتكين من غياب زوجك كثيرًا عن المنزل بسبب أعماله ومشاغله فخير لك أن تتعلمي هواية تقضين بها وقت فراغك بدلاً من أن تشتكي لزوجك كلما عاد إلى المنزل خصوصًا إذا كان غيابه لأسباب حقيقية وضرورية ليس من بينها طبعًا السهر الزائد مع الأصدقاء.
(2) أكثر ما ينفر الأزواج من بيت الزوجية كثرة المشاكل وشعورهم بالعجز عن حلها، فلا تشعري زوجك بذلك ولا تكثري من الشكوى إليه في كل صغيرة وكبيرة، وتجنبي إثارة المشاكل معه قدر الإمكان.(65/34)
(3) احذري أن تقدمي قائمة بطلباتك في لحظات الود والصفاء بينك وبين زوجك، ولا تكوني متسلطة في طلباتك وتفهمي قدراته المالية وأولوياته، فما ترينه أنت أولوية أولى قد لا يكون كذلك إذا عرفت بقية الالتزامات التي ينبغي عليه أن يؤديها.. هذه اللحظات أولى بأن تملئيها بكلمات الحب والملاطفة والتدليل لزوجك.
(4) احذري أن يساورك شعور بالوحدة والافتقاد لمن يساندك ويستمع إليك، وإذا حدث ذلك فأخبري زوجك.
(5) احرصي على التجديد في البيت وفي ملابسك وعطرك وزينتك بما يضفي على البيت مناخًا من البهجة والسعادة ويجعله مرفأ لزوجك يرسو إليه ويأنس إليه ويستريح فيه.
(6) في بداية الزواج وفي فترة الملكة ( بعد العقد وقبل الدخول ) كان زوجك هو الذي يبادر بالاتصال بك والسؤال عنك والتودد إليك، أي أنه كان يقوم بدور الطالب وأنت المطلوبة، الآن وبعد مدة من زواجكما إذا شعرت بأنك لم تعودي مطلوبة لديه كما كنت فلا ضير أن تغيري الأدوار وتقومي أنت بدور الطالب الذي يسعى ليتقرب من المطلوب.
(7) في النقاش بينكما تجنبي الصوت المرتفع، وأسلوب السخرية، وتجنبي أن تكوني سلبية أي يقتصر دورك على مجرد الاستماع بلا تعليق أو إضافة.
(8) احذري من التذمر المستمر من كل نقص ترينه في البيت والشكوى من كثرة الأعمال التي تؤدينها، فرعايتك لزوجك وأطفالك وواجباتك المنزلية حق عليك وليس تفضلاً منك، وتذمرك المستمر يجعل زوجك ييأس من رضاك فلا يحرص عليه.
تجملوا وتهادوا وتجنبوا الجدال
هناك عدة أسباب تمثل عوامل رئيسية في فتور الحب بين الزوجين بعد مرور بضع سنوات على زواجهما وإنجاب الأطفال وانشغال الزوجة بأولادها تنظيفًا وتربية ورعاية مما يبعدها على ملازمة زوجها ورعايته ويحدَّ من وقتها المخصص له، بل ربما تسبب الأطفال باضطرار الزوج للنوم في غرفة أخرى خصوصًا إذا كان موظفًا تتطلب وظيفته النهوض مبكرًا كما هو شأن غالب الموظفين، وقد تكون رعاية الأطفال وتربيتهم سببًا في اختلاف وجهات النظر بين الزوجين، وبالتالي وجود المشادة الكلامية بينهما مما ينعكس سلبًا على الدفء العاطفي بينهما.
كما لا يخفى أن إنجاب الأطفال يؤثر على قوام المرأة ورشاقتها، وهي عوامل ذات تأثير كبير على جذب الزوج لزوجته..
ومن المؤسف أن الكثير من النساء تغفل هذا الجانب المهم فيترهّل جسمها وتفقد جمال قوامها ورشاقتها بعد الإنجاب وكان من الممكن تفادي هذه المشكلة المؤرقة بالحفاظ على التمارين الرياضية عبر الوسائل المختلفة.
ومن الأهمية المصارحة بين الزوجين فيما يتأذى منه الآخر كرائحة الفم أو العرق أو رائحة أثار الطبخ في الملابس أو الجسم خصوصًا مع وجود أسباب التغلب على هذه المؤثرات كالأدوية الطبية وأدوات التجميل والعطور المفيدة في القضاء على هذه المنغصات.(65/35)
ومن العوامل أن إهمال الزوجة لنفسها في مظهرها وزينتها ورائحتها معول هدم للحب والألفة والتقارب بين الزوجين .. فالمرأة الفطنة هي من تحرص على أن لا يشم منها زوجها إلا ما يحب وأن يراها بشكل يسرّه ويبهجه وتخطئ بعض الزوجات بتخصيص ملابس مشابهة لملابس الخادمة تستخدمها في البيت بينما تلبس الملابس الجميلة في الذهاب للمناسبات والزيارات بما يثير حفيظة الزوج ويعكس عدم اهتمامها به في حياتهما العادية.
ـــــــــــــــــــ
حتى يحبك الله ثم زوجتك كن كريمًا
...
...
الاحد :16/07/2006
(الشبكة الإسلامية) ماجدة عمر
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> زوج .. وزوجة
...
...
والزوجة تكره الزوج البخيل، وتتمنى الانفصال عنه، ولكن خوفها على أولادها، وحرصها على بيتها يحملانها على الصبر.
فماذا تقول الزوجات وهن يجأرن بالشكوى من بخل أزواجهن:
صابونة فى كيس
تقول السيدة/ زينب أحمد: تزوجت من رجل بخيل لدرجة الشح، كان يستولى على راتبى أول الشهر، وبرغم ذلك كان يطالبنى بالاقتصاد الشديد فى النفقات فى الأكل والشرب، ومن شدة بخله كان يأمرنى بوضع الصابونة فى كيس حتى لا تبلى بسرعة.
لم أستطع الحياة معه، وفى أقل من سنة تم الانفصال.
علقة ساخنة
آمال حنفى - ربة بيت - تقول: لى صديقة ضربها زوجها ضربًا مبرحًا من شدة بخله؛ لأنها عادت إليه من عملها، ومرتبها ينقص جنيه اشترت به إفطارًا، وعاشت معه سنوات صابرة ومحتسبة أجرها عند الله، ولكن صبرها نفذ نتيجة بخله الشديد، وانفصلت عنه.
غياب العاطفة
وتحكى أخرى أن زوجها يأخذ راتبها كله، ويحرمها من أبسط الأشياء، ويعد عليها قطع اللحم، وثمرات الفاكهة، ويحرم طفله الصغير من شرب اللبن، وهى أحيانًا تشترى طعامًا بدون علمه، ثم ترمى الورق، وأى أثر للطعام حتى لا يراه الزوج، كما تشترى الخضر والفاكهة آخر النهار حتى تكون بسعر أرخص، وتأخذ فرق السعر لشراء ما يلزمها.
الكريم حبيب الرحمن(65/36)
تقول سامية كمال : بخل الزوج يمكن تعديله بالالتزام بالدين فعلى الزوجة أن تذكر زوجها بأن الكريم حبيب الرحمن عكس البخيل الذى يبغضه الله، ويبغضه الناس، وبالإقناع ممكن أن يتغير الزوج ولو قليلاً، ولا داعى للانفصال؛ لأن ذلك له آثار سيئة على الأطفال.
تقول أمانى عبد الله: إن أصعب شيء فى الحياة هو البخل، والزوجة تستطيع أن تتحمل الفقر ولا تتحمل بخل الزوج، ونصيحتى للزوجة أن تلجأ للتقشف، وتقلل من نفقاتها، وتعيش على الأشياء الضرورية، وعليها أن تنسى أنها زوجة وتتذكر فقط أمومتها، وتعطى كل مشاعرها لأولادها تعويضًا عن بخل الأب.
- أين يقف الشرع الحنيف من بخل الزوج؟
تقول الداعية الإسلامية منى صلاح - رئيسة جمعية منابر النور - البخل لا يجتمع مع الإيمان، وأكثر ما يهدد الأسرة البخل؛ لأنه يترتب عليه بخل فى المشاعر، والبخيل لا يتغير؛ لأن هذا طبع فطره الله عليه، ولكن لابد أن يستعيذ البخيل بالله من البخل، قال تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «البخيل بعيد عن الله، بعيد عن الناس، بعيد عن الجنة، والكريم قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة»
فالزوج البخيل يدفع زوجته للكذب، فهى تشترى الأشياء بثمن وتخبر زوجها بغير الحقيقة، كذلك تحاول عدم طلب أى طلبات منه حتى لا يغضب، ولكى تحافظ على بيتها، والزوجة الصالحة تعلم جيدًا أن الصبر على الزوج السيئ أجره الجنة.
ولما جاءت امرأة أبى سفيان إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) تشكى له بخل زوجها فقال لها: «خذى ما يكفيك أنت وولدك بالمعروف»
ويقول الله عز وجل فى حديثه القدسى: «يا ابن آدم أنفق أنفق عليك».
تربية خاطئة
ويقول د. محمد حسن غانم - أستاذ علم النفس بجامعة حلوان - الرجل البخيل نتاج لتربية أبوية خاطئة فهو لم يولد بخيلاً، ولكنه اكتسب هذا السلوك أثناء فترة الطفولة، فهذه الصفة الذميمة وليدة تربية طويلة، وليست وليدة لحظة فيبقى حبه الأول وانتماؤه للمال.
ويضيف: أن البخيل ليس فى المال فقط، ولكنه فى المشاعر أيضًا، فهو يحسبها بالقلم والمسطرة، وربما فى فترة الخطوبة يكون كريمًا فى إنفاقه، وفى مشاعره، ولكن يظهر مشاعره الحقيقية بعد الزواج.
وبدون شك فإن الزوجة ترفض فى البداية وتشعر بالصدمة، وإذا كانت أسرتها ترفض هذا الوضع فهى تقف بجانبها حتى يتم الطلاق ويوافق الزوج البخيل على الطلاق، ولكنه يشترط أن يكون بدون أى خسارة أى لا يغرم نفقة أو مؤخرًا.
وأحيانًا ونظرًا لظروف الزوجة واقتناعها وأهلها بأن الطلاق شيء بغيض فإنها تعيش معه، وتصبر وتشعر أنها فى سجن، ويشعر أطفالها بالاضطراب النفسى.
ـــــــــــــــــــ
إهمال الزينة بعد الزواج و آثاره !
...(65/37)
...
الثلاثاء:23/05/2006
(الشبكة الإسلامية)
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> زوج .. وزوجة
...
...
2
في بداية الحياة الزوجية تحرص الزوجة على التزين لزوجها، لكن مع مرور الوقت قد تعتقد أن الكلفة بينهما زالت فتهمل زينتها، ومن المؤلم أن هذا الإهمال يقتصر على الزوج، إذ أنها تحرص على الزينة عند زيارة صديقاتها أو قريباتها.
ليس مطلوبًا منك أن تقضي جل يومك أمام المرآة لتتزيني لزوجك، فأساس الزينة المحافظة على النظافة مع لمسات بسيطة تعرفها كل امرأة.. تزيّنك لزوجك حق له وواجب عليك؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته".
وقديمًا قالت اُمامة بنت الحارث في وصيتها المشهورة لابنتها قبل زفافها: "...التفقد لموضع أنفه، والتعهد لموضع عينه، فلا تقع عيناه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح، وإن الكحل أحسن الموجود، والماء أطيب الطيب المفقود". ولا يعني التزين للزوج إرهاقه ماديًا بشراء المزيد من وسائل الزينة الحديثة.
حب التزين فطرة
ورغم أن حب الزينة من فطرة النساء، أقرها الله تعالى بقوله: {أوَ مَن يُنشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين}[الزخرف:18] ، فإن اهتمام المرأة بالزينة كثيرًا ما يتأثر بمرحلتها العمرية، ففي مرحلة (الملكة أي بعد العقد ) تحرص الفتاة على أن تكون الأجمل والأحلى في عين خاطبها، لكن أهمية هذا الحرص تتراجع بعد الزواج وتعدد المسئوليات.
يقول أحد الشباب بعد 3 سنوات من زواجه: "هذه ليست الفتاة الجميلة التي تزوجتها". وترد الزوجة بأنها تدون كل يوم الأعمال التي يجب عليها أن تنفذها، فتجد نفسها في نهاية اليوم في غاية الإرهاق والتعب، ولا وقت لديها للزينة.
لكن إحدى النساء تلقي باللائمة على هذه الزوجة وتعتبرها مقصرة في حق زوجها وحق نفسها، فأدوات الزينة الحالية تجعل المرأة لا تحتاج لأكثر من نصف ساعة لتبدو في أبهى صورة، وحب التجمل غريزة في المرأة لا يجب أن تلغيه أي مشاغل.
دور الزوج
ويمكن للزوج أن يلعب دورًا مهمًا في حرص زوجته على الزينة أو إهمالها لها، فقد يتجاهل زينتها أو يكثر من انتقاده لها فيحبطها، وقد يتجاهل زينة نفسه بينما تحرص هي على زينتها، ومثل هذا الزوج ينسى هدي النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: "حبب إليَّ من الدنيا النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة" [رواه النسائي].(65/38)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أُرَجّل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض". والترجيل تسريح الشعر واللحية ودهنه.
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان له شعر فليكرمه".
لا نستطيع أن نلقي بالمسؤولية التامة على الزوج في إهمال زوجته للزينة، فأكثر ما تتحجج به الزوجات في إهمال زينتهن هو كثرة المشاغل، ولذلك تدعو الاختصاصية الاجتماعية نورة سليمان إلى تدريب الفتيات قبل الزواج على تعدد المسئوليات لتكون كل واحدة منهن مسئولة عن أبناء وزوج وبيت وزينة نفسها، لا تطغى مسئولية على أخرى، وتقول: للأسف نحن لا نربي أبناءنا على حسن استغلال الوقت وتقسيمه بين المسئوليات ولذلك كثيرًا ما تفشل الزوجة في تقسيم وقتها بين بيتها وزوجها وأولادها.
كبرنا على ذلك !!!
وبعض النساء يهملن زينتهن بعد الزواج انطلاقًا من فهم خاطئ لوظيفة هذه الزينة، فبعض الفتيات يعتقدن أن الخطوبة والأيام أو السنوات الأولى من الزواج هي فترة التجمل والتزين، وإذا حدثتهن عن ان الزينة من حسن التبعل للزوج أجبن: "كبرنا على ذلك".
هؤلاء ينسين أن تزين المرأة لزوجها يجب ألا يصرفها عنه صارف إلا ما أقره الشرع (كالحداد على قريب) فهذه أم سليم رضي الله عنها تتزين لزوجها في يوم عصيب، عن أنس رضي الله عنه قال: مات ابن لأبي طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها: "لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه". قال: فجاء فقربت إليه عشاء فأكل وشرب ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك، فوقع بها. فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قومًا أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا. قال: فاحتسب ابنك. فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لكما في غابر ليلتكما".
ـــــــــــــــ
مجلة الأسرة العدد 156
ـــــــــــــــــــ
احذر المشاعر الزائفة.. فإنها نار تحرق
...
...
الاثنين :29/01/2007
(الشبكة الإسلامية) مركز الإعلام العربي
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> الأسرة >> زوج .. وزوجة
...
...(65/39)
يخطئ من يبحث عن السعادة بعيدًا عن دفء الأسرة والأولاد، لعارض طرأ على علاقته بشريك حياته، أو لمجرد أنه عومل بلطف ورقة من امرأة أخرى (أو رجل آخر) فى وقت افتقد فيه هذه المشاعر من أقرب الناس إليه.
وحتى إذا شعر الزوج (أو الزوجة) بميل تجاه هذا الشخص الجديد - رجلاً كان أم امرأة - فهل يعتبر هذا الميل حبًا حقيقيًا يستحق التضحية بحياة زوجية قائمة، أم أنها مجرد مشاعر زائفة لا تلبث أن تتلاشى وتختفى؟ وإلى أى مدى تؤثر هذه المشاعر على نفسية الأبناء ومستقبلهم؟ وكيف يحاصر الزوجان هذه المشاعر، ولا يسمحان لها بأن تخرب البيت الآمن؟
هذا ما يجيب عنه د. عمرو رفعت - أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة بور سعيد - فى السطور التالية:
قد يميل قلب الزوج أو الزوجة لشخص آخر، فمتى يحدث هذا التحول؟ وهل له علاقة بعدم التوافق بين الزوجين؟
إن الزواج ينبغى أن يقوم على رضا اجتماعى، وتوافق بين الأسرتين، ومباركة لهذا الزواج، فإن لم تتحقق هذه الأمور فإن الزواج يفتقد للحماية الاجتماعية التى تصونه وتحفظ تماسكه.
فإذا ما أضيف إلى ذلك عدم التوافق النفسى بين الزوجين، يصبح الزواج شركة ضعيفة البنيان والأركان، فإذا جاء الأولاد أصبح الارتباط بين الزوجين قائمًا من أجل هؤلاء الأبناء، حرصًا من الزوجين على أن يشب أبناؤهما فى ظل أسرة متماسكة ولو ظاهريًا، إلا أنه فى لحظة ما قد يظهر فى حياة الأسرة شخص جديد يحدث تحولاً فى حياة الزوج أو الزوجة بعد أن يزيل الغطاء الهش الذى يغلف زواجهما، فإذا لم يكن هناك إطار دينى، وإيمان داخلى يحمى الزوجين؛ يصبح المناخ مهيأً للنظر إلى غير الزوجة، والبحث عن سعادته مع هذا الشخص الجديد أو غيره.
وفى البداية قد يخيل إليه أن هذا هو الحب، وفى الواقع هى مشاعر زائفة لا أساس لها، خاصة وأن هذا التحول قد يكون بعد فترة قصيرة أو حتى طويلة من الزواج، مثلما يحدث مع بعض الرجال بعد سن الأربعين الذين يمرون بمرحلة مراهقة متأخرة؛ حيث لا يشعرون أن لديهم أدوارًا اجتماعية يؤدونها.
كما ذكرت آنفًا؛ فإن الإطار الدينى المتين هو الذى يحمى الزوج، وكذلك الزوجة من مثل هذه الأفكار أو المشاعر الزائفة خارج البيت ، وأن يفكر كلا الزوجين فيما يريده من الطرف الآخر، ومن حياته معه، ويتصارحان من أجل تحقيق حياة أفضل وأسعد، ويشغلان حياتهما باهتمامات مشتركة تحقق التقارب والتواصل بينهما، وعلاقات اجتماعية واسعة، بحيث لا تدع لهما مجالاً للتفكير فى هذه المشاعر أو غيرها؛ لأنها توفرت فى نطاق الأسرة .
لكن ماذا يفعل الزوج أو الزوجة إذا انزلقا فى هذه المشاعر بالفعل ؟
- إذا تمادى الشخص فى هذه المشاعر، ولم يدرك مدى خطورتها فى تهديد أسرته، بل وحدث الانفصال بين الزوجين، وتزوج بمن شعر نحوه بهذه المشاعر الزائفة ،(65/40)
فلن يشعر بالسعادة؛ لأنه لم يسلك الطريق الصحيح فى إصلاح أسرته، واستسهل الزواج بآخر، وقد يتكرر نفس السيناريو، ويشعر بالندم بعد ذلك.
وهذا المصير يفرض على الزوجة وكذلك الزوج التحلى بالعقل والحكمة فى معالجة الموقف، وتجنب المواجهة التى قد تحدث فى حالة ثورة أى من الطرفين، فتكون سببًا فى خراب البيت، بل لا بد من توفير مناخ جديد يعيد الطرف النافر إلى بيته وأولاده.
ـ فى رأيك.. هل يحتاج هؤلاء الأشخاص إلى علاج نفسى؟
- هذه المشاعر لا تعد مرضًا نفسيًا، وبالتالى فهذا الشخص لا يحتاج إلى علاج نفسى، ولكن كل ما يحتاجه هو زيارة متخصص فى الإرشاد الأسرى، وهم موجودون فى مراكز الإرشاد الأسرى، فهؤلاء المتخصصون يساعدونه فى اتخاذ قرار صائب بشأن ما يشعر به تجاه شريك الحياة، أو تجاه الشخص الآخر.
ـ إلى أى مدى تؤثر هذه التحولات النفسية لأحد الزوجين على أولادهما؟
- قد لا يبدو تأثر الأبناء واضحًا فى سن 12 - 15 سنة، فقد تتولد لديهم حالة من اللامبالاة والسلبية مبعثها أنهم يشعرون بالاكتفاء والاستقلالية فى غرفتهم، ومصروفاتهم، وجميع متطلباتهم، فلا يشعرون أصلاً بوجود المشكلة، أما فى سن 20 سنة، فقد يتعرض الأبناء لمشكلات نفسية كثيرة، وخاصة فى حال الانفصال بين الزوجين؛ حيث يضع الابن فى حيرة، هل ينضم نفسيًا للأم أم للأب، وتزداد المشكلة إذا كانت بنتًا، فقد تتعاطف مع الأب، وقد تتزوج سرًا، إذا كانت أمها هى التى تركته، أما إذا كانت أمها متفانية فى خدمة والدها، وترى أن والدها لا يقدرها ولا يشعر بجهودها فقد يسبب لها الوضع أزمة نفسية، فقد تقرر ألا تتزوج بعد أن تأثرت بمشكلة أمها مع والدها
ـــــــــــــــــــ
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق ويجب على الرجل المعاشرة بالمعروف
تاريخ الفتوى : 03 ذو الحجة 1424
السؤال
هل يجوز طلب الطلاق من الزوج: 1) إذا أراد أن يتزوج بأخرى و كانت الزوجة شديدة الغيرة ولا تستطيع أن تقوم بحقوق زوجها عليها؟ 2)إذا كان لا يحترم مشاعرها و ليس هناك مجال للكلمة الطيبة ولا المجاملة بين الزوجين ولا تشعر بالسعادة وقد يصرح لها أحيانا أنه لا رغبة له بها ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مما ينبغي أن يعلم أن الزواج من الأمور التي حث عليها ديننا الحنيف ثم إن من مقاصد الزواج العظمى الألفة بين الزوجين كما قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة). فينصح الزوج بأن يتقي الله في زوجته فلا يسمعها كلاماً جارحاً لمشاعرها فكما لا يحب أن تسمعه شيئاً من ذلك فكذلك لا ينبغي له أن يسمعها شيئاً، فالله جل وعلا يقول: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف). ثم إننا ننصح الأخت السائلة بأن طلب طلقها من زوجها بهذا(65/41)
السبب المذكور يعتبر طلباً غير مشروع فإن الله جل وعلا قد أباح للرجل الذي علم من نفسه القدرة على العدل وتحمل أعباء التعدد أن يتزوج أكثر من واحدة قال تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة.. الآية). هذا وقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجة عن ثوبان رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة". وأخيراً ننصح الزوج بأن يكف عن إذاية الزوجة بتصريحه بعدم رغبته فيها فإن هذا النوع من التصاريح شديد الوقع على نفوس النساء ونذكره قول الله جل وعلا: (وإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر". رواه مسلم من حديث أبى هريرة رضي الله عنه. فإما أن يمسك هذه المرأة بمعروف وإما أن يسرحها بإحسان. والله تعالى أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ظلم الزوجة ينافي المعاشرة بالمعروف
تاريخ الفتوى : 16 صفر 1420
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله، باختصار ، أريد أن أعرض مشكلة عندي، وهي تتمثل بأن لي أختا متزوجة منذ 3 أعوام ورزقت بمولودة، وزوجها مستهتر ولا يقدر الحياة الزوجية، حيث يغلق عليها البيت ويأخذ المفتاح معه، ولم يخرج معها قط منذ زواجهما، ولدرجة أنه شك في شرفها ليلة الدخلة. الحمد لله نحن عائلة متدينة وملتزمة ولم نشأ أن تصل الأمور إلى حد الطلاق، فتعاملنا معه بهدوء وتدرج عسى أن يهديه الله، ولكن بصراحة طفح الكيل، فهو مؤخرا بات ليلة خارج المنزل ولم يخبر أختي، وعندما سألته في اليوم التالي أين كنت، رمى عليها طلقة واحدة، وحقيقة أننا رفعنا عليه قضية نفقة ، وهو طبعا لا يريد أن يطلق حتى لا يدفع فلوس (النفقة) أو المؤخر، وهو يحبس الذهب عنده وهو من حق أختي. السؤال: هل طلقة واحدة تحق لنا أن نرفع عليه قضية نفقة، وهل أنتم معنا في أننا محقون في تطليق أختي منه، ونحن نريد أن نحصل على حق الأخت من نفقة ابنتها والمعجل والذهب؟ علما بأن أختي ويشهد الله، كانت ترعى أختاً معاقة له.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الأمر كما وصفت فلا شك أن هذه معاملة سيئة، تنافي العشرة بالمعروف التي أمر الله تعالى بها الأزواج.
ولهذه الزوجة أو أوليائها الحق أن يحملوا الزوج على رفع الضرر عن الزوجة ومعاشرتها بالمعروف، أو تطليقها، كما قال الله تعالى: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) [البقرة: 229].(65/42)
وإذا طلقها فعليه أن يدفع لها مؤخر الصداق، ونفقة ابنته منها، وأما الذهب الذي هو لهذه الأخت فلا يجوز للزوج أن يحبسه عنها، سواء بقيت في عصمته أو طلقها.
وعلى كل حالٍ فما دمتم قد رفعتم قضيتكم عند المحاكم فانتظروا الحكم الصادر عنها، لأنها ستستمع إلى مرافعات الجميع ودعاواهم، وتعرف ملابسات القضية عن كثب.
والله تعالى أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نية الطلاق في المستقبل لا يترتب عليها حكم
تاريخ الفتوى : 20 صفر 1422
السؤال
ماحكم من يعاشر زوجته وهو يخفي في نفسه نيته المستقبلية بطلاقها والزواج بغيرها؟ ثم ما الحكم إذا صارحها بنيته في المستقبل المجهول أن يطلقها ويتزوج بغيرها؟ وهل هناك كفارة لهذا العمل والسلوك ؟
جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الطلاق يقع: بنية الرجل الطلاق وبعبارته ( تلفظه به)، ولا تكفي النية وحدها في إيقاعه، فمن تزوج امرأة زواجاً صحيحاً، ثم بعد مدة من زواجهما نوى طلاقها فيما يستقبل من الزمان فلا شيء يترتب على هذه النية، وما عليه إلا أن يغير نيته إلى إدامة النكاح، واستمرار المعاشرة بالمعروف، والتعوذ بالله تعالى من همزات الشيطان الذي يسعى إلى التفريق بين المرء وزوجه، ولا داعي لإخبار الزوجة بهذه النية السوء، وإرعابها ، فتصبح مهمومة مكتئبة لذلك.
أما عقد النكاح المصاحب لنية الطلاق فيراجع في حكمه الفتوى رقم : 3458
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا تعجل على زوجتك قبل أن تقضي حاجتها
تاريخ الفتوى : 04 ربيع الثاني 1422
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أرجو عدم إهمال رسالتي حيث إنني لا أعرف لها حلا منذ عشر سنوات ، أنا امرأة على قدر كبير من الجمال والحمد لله متزوجة منذ عشر سنوات من إنسان خلوق جدا ومحب للناس وأنا أحبه كثيرا، ولكن مشكلتي هي أنه غير محب للجنس فتقريبا لا نتعاشر سويا إلا 4 مرات شهريا أو أقل ، وبالإضافة لذلك فهو سريع الإنزال(القذف) ولا يهتم إذا استمتعت معه ام لا المهم هو. حاولت مرارا أن أوضح(65/43)
له ما أعانيه من اضطهاد نفسي بسبب تركه لشهواتي لكنه في كل مرة يقول أنا آسف سامحيني.
ما أريد الاستفسار عنه هو أنني أمارس العادة السرية بعد جماعنا حتى أقضي شهوتي و ليس في كل وقت فهل هذا حرام فللأسف أنا مضطرة لذلك، وأنا أعلم بقول الله " والذين هم لفروجهم حافظون". أفيدوني جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب عليك أن تقلعي عن ممارسة العادة السرية، لأنها من الاعتداء المذكور في قوله تعالى: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المؤمنون:7]، وتستغفري الله تعالى، وتتوبي إليه، وتعتصمي به، وقد سبق جواب مفصل عن حكم تلك العادة برقم: 7170 .
وينبغي على زوجك أن يعلم أن من المعاشرة بالمعروف قضاء وطر زوجته، قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:228].
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأزواج أن يصدقوا زوجاتهن، ولا يعجلوهن حتى يقضين حاجتهن.
فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا غشي الرجل أهله، فليصدقها، فإن قضى حاجته، ولم تقض حاجتها، فلا يعجلها" رواه عبد الرزاق.
ولك أن تطلعي زوجك على هذا الجواب، كما أن عليك أن تأخذي بالأسباب المشروعة التي تعينك على هذا الأمر، كالاهتمام بالمظهر، والزينة أمام الزوج، والمبالغة في التحبب إليه.
والله ولي التوفيق.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
يحق للزوجة طلب الطلاق للضرر
تاريخ الفتوى : 22 جمادي الأولى 1422
السؤال
أنا متزوجة منذ6 سنوات ولدي طفلة عمرها سنة وأشهرطلبت الطلاق من زوجي لأنني اقتنعت باستحالة العيش معه فهو لا يعتبرني من أولوياته ولا يحس بمشاعري و يهمل المنزل واحتياجاته ويهمل طفلته وملاعبتها وكذلك يهمل في العلاقة الجنسية معي حيث إنه مثلا لم يقربني منذ شهرين كما أن من طباعه التأجيل والكسل والمماطلة في كل شيء في والتأخرعلى المنزل لساعات متأخرة وعلى مواعيد عمله وبشكل متكررعلما بأنني طلبت منه التغيير كثيرا وحذرته مرة من المرات وتغير لمدة سنة ثم عاد إلى طبعه وأنا أحس باستحالة العيش معه وعندما طلبت منه الطلاق أصيب بصدمة كبيرة وطلب فرصة للتغيير والمحاولة من جديد وأنا متأكدة بأنه إذا تغير فسيكون مؤقتا ما رأي الشرع في طلبي وهل يجوز طلب الخلع لعدم قيامه بواجبه الزوجي تجاهي؟(65/44)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فالذي ننصحك به أن تعطي زوجك فرصة ثانية لعله يوفي لك بما وعد، ولعله يعرف خطأه ، وأن لأهله حقا عليه ، وما يقوم به ليس من المعاشرة بالمعروف التي أمر الله تعالى بها في كتابه، وأن واجب الرعاية عليه لزوجته أن يكون معها بالقدر الذي يحقق لها الأنس به، والسكن إليه .
فإن استمر بعد ذلك على حاله الأول، ولم يعد في وسعك الصبر أكثر مما مضى، فلك أن تطلبي منه الطلاق للضرر الواقع عليك، وفي حال موافقته على طلاقك فلك كل الحقوق المترتبة عليه: من نفقة، ومؤخر ونحو ذلك.
وإن امتنع عن طلاقك ، وتضررت بالمقام معه فيجوز لك أن تختلعي منه على ما تتراضيان عليه من مال، كأن تدفعي له مقدم الصداق وتتنازلي عن مؤخره، وإن رفعت الأمر للمحاكم الشرعية كان ذلك خيرا أيضا .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعاشرة بالمعروف تتحقق من جهة الزوجين
تاريخ الفتوى : 27 رمضان 1422
السؤال
ما حكم الدين في سب الزوجة لزوجها وعلو صوتها عليه لدرجة أن كل من في العمارة يسمع صوتها وهو يقوم بسبها أو ضربها ويهينها، بمجرد أي اختلاف في الرأي يحدث ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يحل للمرأة أن تشتم زوجها، وترفع صوتها عليه، لأنها مأمورة بطاعته واحترامه لما له عليها من الحق، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" رواه الترمذي، وله شواهد يرقى بها إلى درجة الحسن أو الصحيح، كما قاله الألباني رحمه الله.
وروى النسائي بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النساء خير؟ قال: "التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره".
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تحث المرأة على طاعة زوجها واحترامها له، فيجب على هذه المرأة أن تتقي الله تعالى، وتقوم بحق ربها، ثم بحق زوجها. كما ينبغي للزوج ألا يسرع في مقابلة إساءتها بإساءة أخرى كسبها، ونحو ذلك، بل عليه أن يستعمل ما أرشده الله إليه في قوله تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) [النساء:34].(65/45)
وما أرشده إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء" متفق عليه.
وروى الترمذي والدارمي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي...".
فينبغي للزوج أن يكون حكيماً مع زوجته، موفياً لها بحقوقها، متغاضياً عن فوات شيء من حقوقه، وهكذا ينبغي أن تكون معاملة المرأة مع زوجها حتى تستمر الحياة الزوجية، والعشرة السوية.
نسأل الله لكما التوفيق. ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 1032
ولله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ليلة العمر لا تبرر الظهور بدون حجاب أمام الأجانب- وأهم حقوق الزوجين على بعضهما
تاريخ الفتوى : 23 ذو القعدة 1422
السؤال
1-أنا شاب مقدم على الزواج بمن كرمني بها الله وهي ترتدي الحجاب وطلبت مني أثناء ليلة الزفاف خلع الحجاب والظهور بشعرها والرقص معي فرفضت لكون هذا الفعل يغضب الله ونحن مقدمون على حياة نتمنى التوفيق فيها من الله ولا نبدأها بالمنكر ولغيرتي عليها، وهي تعتبر هذة هي ليلة العمر وتنظر لصديقاتها اللائي يظهرن بشعورهن على أنهن غير مخطئات أطلب من سيادتكم إيضاح الصواب في ليلة الزفاف وهل هذا يعتبر قسوة أو تحكماً أن أغار على زوجتي وما هو الزي الإسلامي وما هو المقصود أن هذه هي ليلة العمر وهل المطلوب في ليلة العمر أن أغضب الله ويسامحني وأخيرا" ما هي حقوق زوجتي علي وحقوقي على زوجتي (سامحوني أني أطلت عليكم ولكني أريد الاستيضاح لكيلا أظلم زوجتي لأنها عمري وأريد أن أتقي الله فيها)؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإسلام دين الله عز وجل خالق هذه النفس البشرية والعالم بما فيها، فلا عجب أن يراعي في تشريعاته حق هذه النفس فيشرع لها ما يصلحها في أفراحها وأتراحها، ومن ذلك أنه أباح سبحانه وتعالى للمسلمين في وليمة العرس ما لم يبحه في غير ذلك الوقت، مع الوقوف عند حدود الله عز وجل، فأباح سبحانه ضرب الدف في العرس، وقال نبيه صلى الله عليه وسلم: "فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح" رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأباح للنساء إنشاد الأشعار وإن كان فيها غزل، فعن عائشة رضي الله عنها أنها زوجت يتيمة رجلاً من الأنصار، وكانت عائشة فيمن أهداها إلى زوجها، قالت: فلما رجعنا قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما قلتم يا عائشة؟" قالت: سلمنا ودعونا بالبركة ثم(65/46)
انصرفنا. فقال: "إن الأنصار قوم فيهم غزل، ألا قلتم يا عائشة: أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم" رواه ابن ماجه.
هذا ما أحله الله في ليلة العرس، وأما اختلاط الرجال بالنساء غير المحارم، أو كشف العورات التي حرم الله عز وجل كشفها، فذاك لا يجوز في ليلة الزفاف ولا في غيرها.
وما فعله الأخ السائل من رفضه لما طلب منه من المنكر هو الحق، ونسأل الله أن يجزيه خيراً على تمسكه بدينه ووقوفه عند حدود ربه، وليس هذا من القسوة في شيء، بل هو خير للزوجة في دينها ودنياها.
وأما عن حقوق الزوج على زوجته فكثيرة نجملها فيما يلي:
1-الطاعة في المعروف.
2-عدم الإذن في دخول بيته لأحد يكره دخوله.
3-تمكينه من نفسها ما لم يوجد عذر شرعي يمنع ذلك.
4-حفظه في أهله، أي في نفسها.
5-من حق الزوج تأديب الزوجة بالطرق الشرعية.
وللزوجة حقوق على زوجها، وهي قسمان:
1-حقوق مالية، وهي المهر والنفقة بالمعروف.
2-حق المعاشرة بالمعروف، ومنه الجماع.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
التودد والمصارحة من الزوجة نصف الحل
تاريخ الفتوى : 18 محرم 1423
السؤال
أنا متزوجة منذ 8سنوات لكنني لا أحس أني متزوجة لأن زوجي لا يعاملني كزوجة ولا شعور بيني وبينه حتى في الجماع أحس كأنه مثل الخشب لا يتحرك وإنني أفعل ما يتطلب مني ولكن للأسف مثل ما هو وعندما يريد الانتهاء ينام معي بسرعة ولا أحس بالإثارة ولا الشهوة وبعد ذلك أستيقظ وأغتسل، ولكن بعد أن ينام أقوم بالعادة السرية هل هذا يجوز أم لا؟ ما ذا أفعل كي يغير أسلوبه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله سبحانه شرع الزواج ليسكن كل من الطرفين للآخر، وجعل ركن هذه العلاقة المودة والرحمة، فقال سبحانه: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) [الروم:21] وأمر الله سبحانه الرجال بالإحسان إلى النساء، فقال سبحانه: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) [البقرة:229] وقال سبحانه: (وعاشروهن بالمعروف) [النساء:19] وقال سبحانه: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) [البقرة:228] وقد(65/47)
أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن خير الناس هو من يحسن خُلُقه مع أهله، فقال عليه الصلاة والسلام: "خيركم خيركم لأهله" رواه الترمذي .
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء خيراً في حجة الوداع، فقال: "استوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عندكم عوان.. " رواه الترمذي ومن المعاشرة بالمعروف أن يحسن إليها في الجماع بأن يداعبها، وينتظرها حتى تقضي حاجتها، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا جامع أحدكم أهله فليصدقها، فإذا قضى حاجته قبل أن تقضي حاجتها فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها، كما يحب أن يقضي حاجته" رواه ابن عدي و أبو يعلى .
أما بالنسبة لزوجك فاعرضي عليه ما ذكرناه من الآيات والأحاديث، وأعطيه الكتيبات والأشرطة التي تتحدث عن حسن المعاشرة الزوجية، واجتهدي في التزين والتطيب والتجمل له، وكذا الكلام الذي يرغبه فيك، كعبارات الحب والغرام.
ويمكن أن تجلسي معه جلسة مصارحة فتخبريه أن من حقك عليه أن يمهلك حتى تقضي حاجتك، وأن يحسن معاملته لك، أما العادة السرية فليست حلاً، وهي من المحرمات، وقد تقدم ذلك في الفتوى رقم:
7170
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ليس للزوج منع أولاد زوجته من غيره من زيارتها
تاريخ الفتوى : 26 جمادي الأولى 1423
السؤال
زوجة ضيق عليها زوجها الثاني من ناحية أبنائها من زوجها الأول حيث يفرض أن تكون رؤيتها لهم لدى بيت أهلها كل شهر مرة علماْ أنها تسكن في بلد يبعد عن بيت أهلها بـ ( 400 ) كم. بحجة أنه هو الذي يتحمل توصيلها. وهي لن ينهكها أعباء السفر ولكن زوجها الأول يقيم في نفس البلد التي تقيم فيه مما يجعله يرفض هذه الفكرة ويقول: للأم الحق أن أحضر أولادها في أي بيت من بيوت أقاربها في البلد الذي تسكن فيه أما أن أسافر من أجل توصيل الأولاد ليروا أمهم فهذا مرفوض .
فقام الزوج الثاني وأودع الزوجه لدى بيت أهلها منذ خمسة شهور ويقول إذا حلت المشكله فأنا مستعد أرجعها
هل يجوز أن أطلب منه الطلاق علماْ أني حامل منه ولا أريد الاستمرار مع زوج يمسكني من أجل أن أكون وعاءْ للولد ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تبارك وتعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19].
وقال تعالى: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان [البقرة:229].
وقال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة [الروم:21].(65/48)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: واستوصوا بالنساء خيراً. رواه البخاري ومسلم.
فهذه وأمثالها من النصوص الشرعية تدل على أن الحياة بين الزوجين تقوم على الحب والود، والإيثار وعدم المشادة عند الاختلاف، لأن التحلي بالأخلاق الكريمة مما ندب إليه الشرع وحث على الاتصاف به على وجه العموم، فلأن يلتزم بها المسلم مع زوجته وأهل بيته من باب أولى، لقوة الرابطة التي بينه وبينهم، والتي وصفها الله تعالى في القرآن بقوله: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً [النساء:21].
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالرحمة للمتسامح في البيع والشراء فقال: رحم الله رجلاً سمحاً، إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى. رواه البخاري.
وهو عقد من العقود التي شرعها الله وهو أدنى في مكانته في الإسلام من عقد الزواج، فلأن يتسامح الزوج مع زوجته في علاقة قامت على عقد من أوثق العقود التي شرعها الله من باب أولى.
ولذلك فإننا نوصي الزوج بتقوى الله تعالى، وبالسماح لزوجته برؤية أولادها في المكان المتيسر، ما لم يترتب على ذلك مفسدة محققة، لأن اشتراط الزوج على زوجته ألا ترى أولادها إلا في مكان يشق عليه وعليها الذهاب إليه، مما ينافي المعاشرة بالمعروف، وفيه من الإضرار بها ما فيه، خصوصاً إذا أصر أبو الأولاد على ألا يأتي بهم إلى ذلك المكان، وقال تعالى: وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِن [الطلاق:6].
وقد نص أهل العلم على أنه ليس للزوج منع أولاد زوجته من غيره من زيارتها - قال في مختصر خليل: لا منع أبويها وولدها من غيره أن يدخلوا لها.
لذا فلا يجوز للزوج الثاني أن يمنع أولاد زوجته من زيارتها ويفرض عليها رؤيتهم في المكان البعيد الذي يشق عليها وعلى أبيهم إحضارهم إليه.
ونذكر هذا الزوج الحالي بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء، فقال كما في الصحيحين: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً.
وبقوله صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي وابن ماجه.
فعليه أن يرفق بزوجته وأن يسمح بزيارة أولادها لها في المكان المناسب.
كما ننبه الأخت الكريمة إلى أنه لا يجوز لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تطلب الطلاق من زوجها إلا إذا كان ثمة ضرر من استمرار العلاقة الزوجية به، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 2019 .
فإن تأزمت العشرة بين الزوجين فعليهم باتخاذ الخطوات المشروعة قبل الإقدام على الطلاق، وقد سبق بيان هذه الخطوات في الفتوى رقم:
17723 والفتوى رقم: 3748 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(65/49)
الرجل الحكيم رفيق بزوجته وأبويه وأولاده
تاريخ الفتوى : 07 جمادي الثانية 1423
السؤال
السلام عليكم ،
أريد أن أسأل إذا كان الأب عاقا جداً ويتصرف مع الأم بنصب وفضائح ولا يعنيه أن يفضح ابنته أمام زوجها مثلا بأن يتهم أمها بالسرقة ، ( من أفعاله أيضا إغضابه لأمة لدرجة أنها كانت تدعو الله أن يأخذه ) ماحكم الدين على هذا الأب أن صح وصفه بأب وما حكم الدين على بنت في داخلها غاضبة جدا من أبيها وضميرها يعذبها من هذا الغضب ولكن صدقوني لم يترك حراما إلا وفعلة من نصب وزنى وإفضاح سرية زوجته في معاشرتها وضياع أموال أبنائه ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشرع الحكيم قد حدد آداباً للتعامل في الحياة بين الزوجين، وحث على المعاشرة بالمعروف، قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19].
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد كان جميل المعاشرة لنسائه.
هذا هو أدب الإسلام عند الوفاق، فعلى هذا الرجل أن يتقي الله في زوجته، فإنها إن كانت مطيعة له، وآذاها بكل هذه التصرفات فهو آثم إثماً عظيماً، فليعلم أن الله تعالى قادر على الانتقام لها منه، قال تعالى: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً [النساء:34].
وإن كانت هذه الزوجة ناشزاً، فقد وجه الإسلام إلى سبل العلاج فقال: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً [النساء:34].
وللإسلام أدب عند عدم الوفاق: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]. فعلى هذا الزوج أن يتقي الله في زوجته وفي أبنائه وأن يتوب إلى الله تعالى.
وأما إغضابه لأمه، فهو الأدهى والأمر، إذا أن عقوق الوالدين من كبائر الذنوب، فليكن على حذر من دعوة الوالدة عليه، فقد روى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده.
أما الابنة فلا حرج عليها فيما في داخلها من غضب على تصرفات أبيها، لكن يحرم عليها التصرف بأي قول أو فعل يسيء إليه ولو بالتأفيف أو العبوس في وجهه، والواجب عليها الإحسان إليه وبره، ولتجعل هذا الإحسان وسيلة للتقرب إليه والتأثير عليه، فلربما يؤدي ذلك إلى إصلاح حاله.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حقوق الزوجة تجاه زوجها(65/50)
تاريخ الفتوى : 05 جمادي الثانية 1423
السؤال
السلام عليكم
رجل عقد الزواج على فتاة أي كتب الكتاب ماذا له عليها من حقوق؟ وماذا لها عليه من حقوق؟ مع العلم بأنه لم يدخل عليها بعد.
جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى شرع من الأحكام ما يتم به تحديد الحقوق الزوجية، وما يقوم به بناء الأسرة المسلمة على الوجه الذي يسعد الطرفين، ليقوما بحق الله تعالى، ويقوم كل واحد منهما بما للآخر عليه من حق.
فقال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة:228].
وقال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء:19]. وقال تعالى: (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:237]. هذه حقوق مشتركة ومتبادلة.
وفيما يخص الزوجة، فإن عليها الطاعة بالمعروف لزوجها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبوابها شئت" رواه أحمد من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
ومن حقوقها عليه: المعاشرة بالمعروف، والنفقة، والكسوة، والإحسان إليها...
والزوجة التي تم العقد عليها تعتبر زوجة شرعية تجب لها كل الحقوق، وعليها كل الواجبات، إلا أنها لا تجب لها النفقة ولا الكسوة إلا بعد أن تمكن زوجها من الدخول بها، ولها أيضاً هي الامتناع عن السفر معه، والدخول إليه حتى يدفع المهر.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
واجبات الزوج تجاه زوجته وأولاده
تاريخ الفتوى : 26 جمادي الثانية 1423
السؤال
1) كيف تكون العشرة بالمعروف ؟
2) هل إذا قام الزوج بتوفير الأكل واللبس والسكن لأهله.. يكون قد أدى ما أوجبه الله عليه تجاه أهله وأولاده؟ أم يجب عليه التودد لهم والتلطف معهم ومؤانستهم ..وتعليمهم وإسعادهم ؟
3) ما مقدار الطاعة الواجبة على الزوجة تجاه زوجها ؟ هل تطيعه طاعة مطلقة إذا لم يأمر بمعصية؟ أم هناك ضوابط؟
4) إذا تعدى الزوج ما تطيقه زوجته من أمر و نهي فيما لا يغضب الله .. وضيق عليها بأوامره .. ماذا تفعل المرأة ؟(65/51)
5) هل يأثم الزوج ببعده عن زوجته وعدم إشباع رغباتها وهي قد تكون بحاجة إليه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحياة الزوجية رباط قوي، وميثاق غليظ، يتحقق المقصود منه بالتفاهم بين الزوجين ومعرفة كل منهما لما عليه والقيام به على أكمل وجه، فإن سعى كل طرف إلى بذل كل ما بوسعه وتغاضى عما يقع فيه الطرف الآخر من هفوات سعد الجميع.. هذا ما طلبه الشارع وحض عليه.
ومن حقوق الزوجة على زوجها المعاشرة بالمعروف ومنها: الجماع، وأدنى ذلك أن يطأها مرة كل طهر إن استطاع. ومنها: إشباع رغبتها بالمداعبة والتقبيل ونحوها، بالإضافة إلى المؤانسة والتبسم في الوجه.
وكما يجب على الزوج تحقيق التربية الجسدية بتوفير الأكل والملبس والسكن للزوجة والأولاد. فواجب عليه تحقيق التربية الروحية بتعليمهم أمور الدين والتوجيه والإرشاد.
ومن واجب الزوج أيضاً على زوجته ألا يكلفها ما لا تطيقه، فإن كلفها ما لا تطيق فلا يلزمها طاعته في ذلك، إذ.. لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
ولتعلم الزوجة أن من حق الزوج عليها طاعته في المعروف، وضابط هذا المعروف الذي تجب الطاعة فيه هو فعل كل ما أمر به وترك كل ما نهى عنه مما ليس فيه فعله أو تركه محظور شرعي ولا مشقة غير معتادة.
وعلى الزوجة أن تعلم أن حق الزوج عليها عظيم، ففي سنن ابن ماجه بإسناد صحيح عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده، لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه.
ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 2589 والفتوى رقم: 6795
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يحق للزوجة طلب الطلاق إذا لم يحصل الإعفاف
تاريخ الفتوى : 15 شعبان 1423
السؤال
السلام عليكم 000هل يجوز للمرأة أن تطلب من زوجها الطلاق لعدم إشباعها جنسيا عند لقائها بزوجها وهل وضع الإسلام مقاييس للحالات التي يكون الزوج مقصراً من الناحية الجنسية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(65/52)
فقد قال الله عز وجل في محكم كتابه: ( وعاشروهن بالمعروف ) [النساء:19] ومن حسن المعاشرة بالمعروف إعفاف الزوجة، وإشباع رغبتها الغريزية حتى لا تتطلع إلى الحرام.
وقد اختلف أهل العلم في القدر الواجب من ذلك، قال صاحب فقه السنة: قال ابن حزم: يجب على الرجل أن يجامع امرأته، وأدنى ذلك مرة كل طهر إن قدر على ذلك، وإلا فهو عاص، لقوله تعالى: (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ) [البقرة:222] ثم قال وذهب جمهور العلماء إلى ما ذهب إليه ابن حزم من الوجوب على الرجل إذا لم يكن له عذر.
وقال الشافعي لا يجب عليه لأنه حق له كسائر الحقوق.
وقال أحمد إن ذلك مقدر بأربعة أشهر لأن الله تعالى قدره بهذه المدة في حق المولي، فهو كذلك في حق غيره.
وقال الغزالي: ينبغي أن يأتيها كل أربع ليال مرة فهو أعدل، لأن عدد النساء أربعة فجاز التأخير إلى هذا الحد.. ويمكن أن يزيد أو ينقص حسب حاجتها في التحصين، فإن تحصينها واجب عليه.
وبناء على ما تقدم.. فإن الواجب على الزوج أن يحصن زوجته حتى لا تتطلع للحرام دون تحديد ذلك بوقت معين لاختلاف العلماء في ذلك، واختلاف طبائع الناس.
فإذا لم يحصل المقصود وهو الإعفاف، ولم تستطع المرأة الصبر، فمن حقها أن تطلب الفراق، قال الله تعالى: ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان )
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حق الزوجة في الاستمتاع كالزوج
تاريخ الفتوى : 29 رمضان 1423
السؤال
أعاني من سرعة القذف بالرغم من أن سني 47 عاماً ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمعروف أن سرعة القذف عند الزوج يفوت على زوجته قضاء وطرها منه بكماله، وهذا يضاد المعاشرة بالمعروف فإن للمرأة مثل الذي عليها، لقول الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228].
وفي الحديث عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا غشي الرجل أهله فليصدقها، فإن قضى حاجته ولم تقض حاجتها فلا يعجلها. رواه عبد الرزاق.
فالمقصود أن على الرجل إعفاف زوجته والحرص على أن تستمتع بالجماع كما يستمتع هو به، ويتخذ الأسباب المؤدية إلى ذلك كأن يعرض نفسه على طبيب، أو يستعمل علاجاً ونحو ذلك.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(65/53)
ـــــــــــــــــــ
تقصير الزوج في الفراش لا يبرر تفريطها في حقه
تاريخ الفتوى : 01 محرم 1425
السؤال
زوجي لا يقوم بإعطائي حقي الشرعي من المعاشرة الشرعية لدرجة أنني ألح عليه وأطلبه صراحة فيصدني بحجة أنه متعب وأنا ما زلت شابة وحديثة الزواج وأخشى على نفسي الفتنة فهل يكون علي إثم إن طالبته بالطلاق؟ وأحيانا بعد أن يكون أمتنع عني اليوم يأتي غدا ويطلبني ولكن عزة نفسي تأبى عليّ أن أعاشره لأنه رفضني أمس رغم إلحاحي عليه فهل يكون عليّ إثم في ذلك؟
جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19].
وقال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228].
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إن لنفسك عليك حقا، ولزوجك عليك حقاً.....
وعلى هذا فيجب على الزوج أن يراعي حقوق زوجته ويعاشرها بالمعروف، ومن المعاشرة بالمعروف عدم هجران فراش الزوجية.
وقد اختلف أهل العلم في تحديد المدة التي يجب على الزوج أن يجامع فيها زوجته، فقيل: في كل أربعة أشهر مرة على الأقل، وقيل: في كل طهر، وقيل: حسب حاجتها وقدرته.
وعلى كل حال لا يجوز للرجل أن يترك زوجته وقتاً طويلاً يَضُرُّ بها؛ بل إذا كان تركه لوطئها يعرضها للفتنة وهو قادر على ذلك ولم يفعل فإنه آثم ويلزمه تحصين زوجته، كما هو مبين في الفتوى رقم: 8935 .
وكذلك لا يجوز للمرأة أن تمتنع من فراش زوجها إذا دعاها إلا أن يكون لها عذر شرعي، فعلى السائلة الكريمة ان تستجيب لزوجها إذا دعاها إلى الفراش، ويحرم عليها أن ترفض أو تعاند بحجة أنه لا يستجيب لها إذا دعته، فتقصيره في حقها لا ينبغي أن تجعله مبرراً لتفريطها في حقه، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة من ذلك فقال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح. رواه البخاري ومسلم.
وينبغي أن تعلمي أن الحياة الزوجية مبناها على التفاهم والتسامح والتراحم.... ولهذا ننصحك بالصبر وعدم الاستعجال بطلب الطلاق المحرم شرعاً من غير ضرورة، وأن تعالجي أمر زوجك بالرفق واللين.
وإذا أحسنت التبعل لزوجك والتزين والتجمل له مع حسن دلال منك فإنه سيقبل عليك، وعليك أن تنصحيه وتذكريه حرمة مشاهدة الأفلام والسهر عليها وما في ذلك من عواقب وخيمة عليه وعلى دينه وأخلاقه وعمله.(65/54)
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الحقوق المتبادلة والمشتركة بين الزوجين
تاريخ الفتوى : 19 ذو القعدة 1423
السؤال
ما هي حقوق الزوجين على بعض في نقاط مع ذكر الدليل لكل نقطة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى أمر عباده بالوفاء بالعقود بجميع أنواعها، فقال تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1].
وإن من أغلظ العقود وآكدها عقد النكاح، ولذلك قال الله عنه: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً [النساء:21].
ومن موجبات الوفاء بعقد النكاح أداء الحقوق بين الزوجين، فالزوج ملزم بذلك والزوجة ملزمة به كذلك، وهذه الحقوق تتنوع بحسب من تنسب إليه، ومن أهمها:-
1- حقوق الزوج على زوجته: فحق الزوج على الزوجة من أعظم الحقوق بل إن حقه عليها أعظم من حقها عليه، لقول الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:228]، قال الجصاص: أخبر الله تعالى في هذه الآية أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقا، وأن الزوج مختص بحق له عليها ليس لها عليه. انتهى.
ومن حقوق الزوج على زوجته:
أ- الاستمتاع بالزوجة: فعلى الزوجة تسليمها نفسها له وتمكينه من الاستمتاع بها، لأن الزوج يستحق بالعقد تسليم العوض عن ما أصدقها وهو الاستمتاع بها، كما تستحق المرأة العوض وهو الصداق، ومتى ما طلب الرجل زوجته وجب عليها طاعته في ذلك ما لم يمنعها منه مانع شرعي، أو مانع في نفسها كمرض ونحوه، وقد رتب الشارع الثواب الجزيل على طاعة الزوج في المعروف، كما رتب الإثم العظيم على مخالفة أمر الزوج ما دام يأمر بالمعروف، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح. ووجوب طاعته مقيد بألا يكون في معصية: فلا يجوز للمرأة أن تطيعه فيما لا يحل مثل أن يطلب منها الوطء في زمان الحيض أو غير محل الحرث.
ب- من حق الزوج التأديب عند النشوز والخروج على طاعته، لقول الله تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً [النساء:34].
ج- ومن حق الزوج على زوجته عدم الإذن بالدخول لمن يكره الزوج دخوله، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه. والحديث(65/55)
محمول على إذا كانت لا تعلم رضا الزوج به، أما لو علمت رضا الزوج بذلك فلا حرج عليها إذا كان من محارمها.
د- ومن حق الزوج على زوجته عدم الخروج من البيت إلا بإذن الزوج.
هـ - ومن حق الزوج أن تحفظه في نفسها وماله.
و- ومن حق الزوج على زوجته أن تخدمه إذا كانت قادرة على ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الأعمال بين علي وفاطمة فجعل أعمال الخارج على علي رضي الله عنه، والداخل على فاطمة رضي الله عنها، مع أنها سيدة نساء العالمين، فإن كان لها خادم فعلى الزوج نفقته.
ز- ومن حق الزوج على زوجته السفر بها والانتقال من بلد إلى بلد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون بنسائهم.
2- وأما حقوق الزوجة على زوجها فهي كالتالي:-
أ- من حق الزوجة على الزوج المهر؛ لقول الله تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4].
ولا يحل للزوج أن يأخذ شيئاً من مهرها إلا برضاها وطيب نفسها؛ لقول الله تعالى: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً [البقرة:229].
ب- ومن حقها عليه النفقة؛ لقول الله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7].
قال ابن هبيرة: اتفقوا على وجوب نفقة الرجل على من تلزمه نفقته كالزوجة والولد الصغير والأب.
ج- ومن حق الزوجة على زوجها أن يقوم بإعفافها وذلك بأن يطأها، وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه يجب على الزوج أن يطأ زوجته، وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز للزوج أن يعزل عن زوجته الحرة بلا إذن منها.
د- ومن حق الزوجة على زوجها البيات عندها، وصرح الشافعية بأن أدنى درجات السنة في البيات ليلة في كل أربع ليال اعتباراً بمن له أربع زوجات.
هـ- ومن حقها عليه القسم بالعدل إذا كان له أكثر من زوجة، فعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك. رواه أبو داود وقال يعني: القلب.
3- وأما الحقوق المشتركة بين الزوجين وهي كالتالي: -
أ- المعاشرة بالمعروف، فيجب على كل واحد منهما معاشرة الآخر بالمعروف.
ب- الاستمتاع، بأن يستمتع كل منهما بالآخر.
ج- الإرث، فيرث الزوج زوجته عند وفاتها كما ترث الزوجة زوجها عند وفاته، لقول الله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12].
د- حفظ الأسرار وستر العيوب والصبر على الزلات. وتراجع الفتوى رقم:(65/56)
3698 - والفتوى رقم: 21921 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يجب على الزوج أن يحضر خادمة؟
تاريخ الفتوى : 26 محرم 1424
السؤال
هل إحضار خادمة إلي البيت أمر واجب علي, علما بأني متزوج ولدي ثلاثة أطفال أكبرهم 4 سنوات والباقي سنتان وشهران؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالراجح من مذاهب أهل العلم أن على المرأة أن تخدم زوجها لأن هذا من المعاشرة بالمعروف التي أمر الله بها، وقد سبق تفصيل ذلك تحت الفتوى ذات الرقم التالي: 13158 .
ولكن إذا سمحت نفس الزوج بأن يهيئ لزوجته من يخدمها فلا بأس، مع مراعاة الضوابط الشرعية في استقدام الخادمة ومعاملتها، وقد سبق تفصيلها تحت الفتوى رقم: 1962 ، والفتوى رقم: 18210 .
وإن كان إحضار الخادمة لمرض الزوجة أو نحو ذلك من الأعذار، فلا حرج في إحضارها بل إحضارها حينئذ من حسن العشرة، ولكن بشرط أن يتم الالتزام بالضوابط التي سبق بيانها تحت الفتويين المشار إليهما.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
يجوز للزوج أن يذهب بزوجته للعلاج النفسي
تاريخ الفتوى : 27 محرم 1424
السؤال
حيث إنني تزوجت من فتاة عمرها 28 عاماً وبعد الزواج شعرت أنها مريضة نفسيا واتهمتني أختها وهى طبيبة أطفال أني جلبت لها المرض النفسي بالرغم من أننا فى بداية زواجنا لم نمضي معا عدة شهور ووالدها فى كل مشكلة يقول لي إنه لا يستطيع أن يضغط عليها لأنه لو ضغط عليها ستموت لذلك هم جميعا يعاملونها كطفلة صغيرة وهي فعلا تتصرف بهذه الطريقة فيكف أعرف أبعاد حالتها خصوصا أنهم يرفضون أن أذهب بها لطبيب نفسي وهي أيضا ترفض ذلك.
هل يحق لي من الناحية الشرعية والقانونية أن أعرضها على طبيب نفسي لتحديد حالتها بالضبط هل هي مريضة فعلا أم لا ؟
خصوصا أن بيننا طفلا عمره الآن شهور وهي ستكون مسئولة عن تربيته في الفترة القادمة؟ وشكراً.
الفتوى(65/57)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجوز شرعاً أن تذهب بزوجتك للعلاج ولكن ينبغي أن يكون ذلك بالرفق واللين، كما أن عليك أن تبين لأهلها أنك لا تسعى إلا من أجل المصلحة وعليهم أن يتعاونوا في هذا المجال.
وعليك أخي الكريم أن تتوجه إلى الله تعالى بالدعاء وتتضرع إليه وتصبر وتحتسب وتعلم أن كل شيء بقضاء من الله وقدر، وان تحرص كل الحرص على المعاشرة بالمعروف والمعاملة بالرفق فإن الرفق ما وضع في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه.
وننبه إلى أنه لا يجوز لهم أن يتهموك بما ذكرت وعليكم جميعاً أن تتعاونوا ويصفح كل منكم عن الآخر حتى تعيشوا في حياة سعيدة قوامها الألفة والمحبة.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الحب في عصر النبوة والصحابة
تاريخ الفتوى : 12 ربيع الأول 1424
السؤال
في العادات والتقاليد الحب لايجوز وأيام الرسول كان يوجد قصص حب فكيف هذا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحب أنواع متعددة أعلاها درجة حب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، ولمعرفة هذه الأنواع والحكم عليها راجع الفتاوى التالية: 5707 ، 5219 ، 4220 .
وعليه، فإن كان المقصود بالحب المسؤول عنه في عهد الصحابة رضون الله عليهم أنهم كانوا يحبون زوجاتهم ويبجلونهن، فهذا أمر محمود شرعاً وطبعاً، ودليل على حسن خلقهم ورفعة أخلاقهم، وذلك أن الإنسان بطبعه يميل إلى ذلك، خاصة إذا انضاف إلى ذلك كون المرأة على قدر كبير من الخلق والدين، ولأن هذا يدخل ضمن المعاشرة بالمعروف التي أمر الله تعالى بها بقوله جل وعلا: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19].
ومعلوم من سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم أنه كان يحب زوجاته، قال ابن مفلح في زاد المعاد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب نساءه، وكان أحبهن إليه عائشة رضي الله عنها، ولم تكن محبته لها ولا لأحد سوى ربه نهاية الحب. هـ
أما إن قصد بقصص الحب مثل ما عليه الناس اليوم من الفساد والبعد عن الدين والأخلاق، فلا شك أن الصحابة بعيدون عن ذلك كل البعد، إذ كيف يظن بهم ذلك وهم صفوة الله تعالى من خلقه بعد رسله صلوات الله وسلامه عليهم، ويعرف هذا كل من درس سيرتهم وتاريخهم رضوان الله عليهم أجمعين.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(65/58)
ـــــــــــــــــــ
خدمة والدي الزوج.. رؤية أخلاقية
تاريخ الفتوى : 14 ربيع الثاني 1424
السؤال
هل على الزوجة خدمه والد زوجها ووالدته مع الأخذ بعين الاعتبار أن الزوجة لم تقم بخدمة والديها أو أي واحد من أهلها قبل زواجها وترى صعوبة في الخدمة وأقصد بالخدمة بأعمال المنزل من غسيل وطهو وتنظيف؟ مع الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا يجب على الزوجة شرعاً خدمة والدي زوجها، ولكن ليس من المعاشرة بالمعروف للزوج أن يكون والداه موجودين في المنزل ثم لا تقوم الزوجه بخدمتهما من إعداد الطعام لهما أو غسل ثيابهما ونحو ذلك، وإذا كان الله عز وجل قد أمر بالإحسان إلى من لم تربطه بالإنسان إلا علاقة السفر العارضة بخدمته وقضاء مصالحه، كما قال الله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً [النساء:36]. والصاحب بالجنب هو الرفيق المسافر، أقول: إذا كان الأمر كذلك، فكيف بأبوي الزوج الذي أوجب الله طاعته وحث الشارع على حسن معاشرته وإرضائه. لا شك أنهما أولى بالإحسان إليهما والرفق بهما وخصوصاً إذا لم يكن لديهما بنات. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
انقطاعه أربعة أشهر أو أكثر لا يقطع العصمة
تاريخ الفتوى : 14 ربيع الثاني 1424
السؤال
انفصلت عن زوجي بعد حياة جحيمية دامت عشر سنوات، لكنه لم يطلقني شرعا، وهو لا ينفق علي ولا على أولاده منذ حوالي أربعة أشهر ولا يوجد أي علاقة زوجية بيننا، هل أكون في حكم المطلقة شرعا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى قد أمر الزوج أن يحسن معاشرة زوجته، قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، ومن المعاشرة بالمعروف طيب الكلام وعدم الهجر في غير محله وأداء الحقوق المترتبة للزوجة، وهذه الحقوق بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن سئل عنها فقال: تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت. رواه أحمد في المسند والنسائي.
كما أن على الزوجة أن تسعى في كل ما يؤدي إلى استمرار العلاقة الزوجية وتعامل الزوج المعاملة الحسنة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمراً(65/59)
أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. رواه أحمد في المسند وأبو داود في سننه والبيهقي.
فالزوج تجب عليه نفقة زوجته إذا لم تكن ناشزاً كما تجب عليه نفقة أولاده القاصرين ومنع هذه النفقة معصية عظيمة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت. رواه أحمد وأبو داود، ولمزيد من التفصيل في الموضوع تراجع الفتوى رقم: 19453 .
وعلى كل حال سواء أحسن الزوج إلى زوجته أو أساء فإن الزوجية تظل مستمرة حتى تطلق، أو تخالع المرأة، أو يحكم القاضي أو من يقوم مقامه بالتفريق بين الزوجين، وعليه فأنت الآن مازلت زوجة في عصمة ذلك الرجل، وانقطاعه أربعة أشهر أو أكثر لا يقطع العصمة، ولكن لك أن ترفعي أمرك إلى المحاكم الشرعية لترغمه على أداء الحقوق الواجبة عليه لك أو تفرق بينكما.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
متى ما لم يكن هكذا ما أسرع ما نفترق
تاريخ الفتوى : 01 جمادي الأولى 1424
السؤال
زوجي إنسان طيب ولكنه كثير العصبية مما يجعلني أعصب وأرفع صوتي عليه، بالإضافة إلى عدم احترامي أمام الأولاد والخدم وقد يكون ذلك لأنه تربى يتيما فما ردكم علي على الرغم من أنني إنسانة أخاف الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على الزوجين المعاشرة بالمعروف بحسن الخلق ولين الكلام، وغير ذلك من وجوه المحبة والأخلاق الفاضلة، لقوله تعالى: وعاشروهن بالمعروف [النساء:19]، وقوله صلى الله عليه وسلم: أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. رواه أحمد والترمذي وصححه، وقوله صلى الله عليه وسلم: ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء. رواه أبو داود والترمذي .
وغير ذلك من النصوص الدالة على الترغيب في حسن المعاملة والقول بالمعروف بين المسلمين عموماً، والزوجين خصوصاً.
وليس من المعروف عند غضب الزوج وخروجه عن شعوره أن تقابليه بغضب مثله، فإن ذلك مما يزيد الأمر سوءاً، ويفتح للشيطان باباً بينكما، بل الذي ننصحك به التزام الصمت عند غضبه، وعدم مقابلته والرد عليه، فإنه سرعان ما يهدأ، وعندها يمكن لك نصحه والتفاهم والتناقش معه في جو هادئ تسوده المودة والاحترام.
وتدبري قول أبي الدرداء رضي الله عنه لأم الدرداء: إذا غضبت فرضني، وإذا غضبت رضيتك، فمتى ما لم يكن هكذا ما أسرع ما نفترق. رواه ابن عساكر في "تاريخه" وقول أسماء بنت خارجة الفزاري لابنته لما أهداها لزوجها: يا بنية كوني(65/60)
لزوجك أمة، يكن لك عبداً، ولا تدني منه فيملّك، ولا تباعدي عنه فتثقلي عليه، وكوني كما قلت لأمك:
خذي العفو مني تستمدي مودتي ولا تنطقي في سَوْرَتِي حين أغضب
فإني رأيت الحب في الصدر والأذى إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
كما ننصح الزوج بوصية النبي صلى الله عليه وسلم حين جاء رجل فقال: أوصني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تغضب. فردد مراراً، قال: لا تغضب. رواه البخاري .
وبقوله صلى الله عليه وسلم: ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه. رواه ابن حبان .
أصلح الله أمركما، وهداكما لكل خير.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ليس للزوج أن يكره زوجته على أمر لا يجب عليها
تاريخ الفتوى : 03 جمادي الثانية 1424
السؤال
هل خدمة المرأة لأهل زوجها والقيام بالأعمال المنزلية الخاصة بمنزلهم بالإضافة إلى منزلها فرض على المرأة في الإسلام؟ وما حكم الزوج الذي يكره زوجته على خدمة أهله في الإسلام بالإضافة إلى قيامها بشئون منزلها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن خدمة أهل الزوج ليست فرضًا على المرأة في الإسلام، وإنما هي من باب المعاشرة بالمعروف. وقد تقدم الجواب عن ذلك في الفتوى رقم: 33290 فراجعيها.
وعن سؤالك الثاني فليس للزوج أن يكره زوجته على أمر لا يجب عليها، ولا من الواجب عليها هي أن تطيعه في ذلك. فقد قال صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف. متفق عليه من حديث عليٍّ رضي الله عنه.
وغاية ما في الأمر أنه من المستحسن لها أن تخدم أهل زوجها بغية نيل رضاه، وبشرط أن لا يشق عليها الجمع بين خدمتهم وواجباتها المنزلية.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مراعاة الزوج إشباع الجانب العاطفي لزوجته
تاريخ الفتوى : 02 شعبان 1424
السؤال
ماهي النظرة الشرعية للرجل الذي يحرم زوجته من الناحية العاطفية ويجعل الحياة معها رسمية لا تحمل في طياتها المودة وطيب المعاشرة؟
الفتوى(65/61)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من حقوق الزوجة على زوجها أن يعاشرها بالمعروف، ومن المعاشرة بالمعروف إشباع الجانب العاطفي عند الزوجة، بحيث لا تجد فيه فراغا يدفعها إلى سدِّه بغير زوجها إن كانت ممن لا يخاف الله تعالى ولا يراعي أمره، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرعى هذا الجانب مع زوجاته جميعا، فكان يسابق أمنا عائشة رضي الله عنها، وكان يسمح لها بمشاهدة الأحباش الذين يلعبون بالحراب، وكان يشرب من المكان الذي شربت منه في الإناء، إلى غير ذلك مما يدل على إيناس الزوجة وإدخال السرور إلى قلبها، ولذا، فإننا ننصح هذا الزوج بمراعاة شعور زوجته، والوفاء بحقها عليه، ولتعرض الزوجة هذه الفتوى على زوجها مع الفتاوى التالية: 27662 ، 5381 ، 21921 ، 5395 ، 19643 ، 31459 .
كما أننا ننصح الزوجة بالتروي في أمرها مع مصارحة زوجها بتقصيره، فإن ذلك أدنى لحل المشكلة، وأولى لدوام الحياة الزوجية على نسق سليم، ولتراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 2050 ، 25405 ، 4171 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
موافقة الزوجة لزوجها في تقديم زيارة أهله من المعاشرة بالمعروف
تاريخ الفتوى : 20 ذو القعدة 1424
السؤال
هل يحق لزوجي منعي من الذهاب إلى أهلي أول أيام الأعياد بحجة أنه من الواجب والأصول أن أول يوم الأعياد لدى أهل الزوج وثانى يوم عند أهل الزوجة . مع الأخذ في الاعتبار أن زوجي على خلاف مع أهلي وذلك من طرفه هو؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله حض الزوجين على أن يتعاشرا بالمعروف فقال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (النساء: من الآية19) ، وإن من المعاشرة بالمعروف الحرص على التفاهم وعدم العناد، وتنازل كل منهما للآخر عن بعض حقوقه والتغاضي عن زلاته، والحلم والصبر في المعاملة بينهما، فإذا كانت عادة البلد أن يكون أول يوم عند أهل الزوج والثاني عند أهل الزوجة، فإنه لا مانع من اتباع العرف في ذلك.
ولا مانع من إعطاء بعض الوقت لهؤلاء وبعض الوقت لهؤلاء، في نفس اليوم.
وعلى المرأة العاقلة أن تحرص على ردم هوة الخلاف بين أهلها وزوجها، وأن تكون سبباً لقوة علاقتهما وتفاهمهما، وإذا حصل الخلاف وأصر كل من الزوجين على رأيه، فإن طاعة الزوجة لزوجها مقدمة، فعليها أن توافقه في تقديم زيارة أهله، وراجعي للزيادة في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 7260 / 19419 / 4180
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(65/62)
ترك خدمة والدي الزوج ليس من معاشرته بالمعروف
تاريخ الفتوى : 09 صفر 1425
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال الأول: نظرا لبعض فتاوى الأئمة في قضية خدمة الزوجة لوالدي الزوج وما ترتب عليها من تفكك في بعض الأسر حتى إنها صارت تشبه الفتنة مع أن العرف عندنا أن الزوجة تقوم بخدمة الزوج ووالديه، نرجو منكم جوابا شافيا وكافيا في هذه المشكلة، فإن كان الجواب لا تقوم بخدمتهم فماذا يصنع هذا الزوج تجاه والديه لا سيما ظروف المعيشة الصعبة، وإن كان الجواب أنها تقوم بخدمتهم نرجو منكم توجيه توعية ونداء في القنوات الفضائية خاصة لمن يفتي بهذا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فخدمة المرأة لوالدي زوجها غير واجبة عليها، فإن فعلت ذلك تطوعاً منها كانت مأجورة مثابة إن شاء الله تعالى، ولا حرج على الزوج في أن يطلب ذلك منها أو أن يتزوجها بهذا القصد، فقد صح عن جابر رضي الله عنه أنه تزوج ثيباً، فقال له رسول الله صلى الله عليه: فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك، فقال: يا رسول الله قتل أبي يوم أحد وترك تسع بنات فكرهت أن أجمع إليهن خرقاء مثلهن، ولكن امرأة تمشطهن وتقوم عليهن، قال: أحسنت. رواه الشيخان، قال العراقي في طرح التثريب: وفيه جواز خدمة المرأة زوجها وأولاده وأخواته وعياله، وأنه لا حرج على الرجل في قصده من امرأته ذلك، وإن كان لا يجب عليها، وإنما تفعله برضاها . انتهى.
ومع أن خدمة والدي الزوج غير واجبة على المرأة فإن ترك الأحسان إليهما ليس من المعاشرة بالمعروف للزوج، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 33290 فتراجع.
هذا وإذا أبت الزوجة خدمة والدي زوجها قام هو بخدمتهم وقضاء حوائجهم فهو المخاطب بقول الله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الأنعام:151].
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مسائل أسرية وتربوية
تاريخ الفتوى : 08 جمادي الثانية 1425
السؤال
أرجو من فضيلتكم التكرم بأن ترسلو رسالة خاصه لزوجي لأنه:
* يصرخ على الأولاد حتى ولو كان مجرد كلام فلا يتكلم إلا بالصراخ.
* لا يعدل بين الأولاد ...يفضل الصغير على الكبير مما نتج عنه الوجه الحزين للكبير.
* لا يتكلم كلام حلو فهو جاف نوعا ما.
* لا يتجمل لي حتى أحب معاشرته.(65/63)
* يضرب الأولاد بأي سبب كان.
* يتدخل في أموري الخاصة بحجة أنه المسؤول عني ولا يخاف أنه هو السبب إذا ضعت عن جادة الصواب بسبب إهماله وتصرفاته هذه.
* لا يحبني أن أسمي الأولاد سبحان الله أتعب هذا التعب كله وفي الأخير هو يسمي علماً بأنني أموت في اسم لينة ونهى إذا أنجبت بنتا ولكنه غير راض ويقول لي ليس لك ذلك يريد تسميتها عائشة حتى تطلع مثل عائشة عليها السلام (أرأيتم العقلية كيف)!!
* لا يعاشرني بالمعروف ككل الأزواج كخروج إلى الحدائق أو الذهاب إلى أي مكان فأنا بصراحة كرهت الروتين
* أخاف على عيالي لا يطلعون مثله.
* يتهمني دائما بسلاطة اللسان .. علماً بأنني ولا شيء أمام زوجات إخوانه (الذين هم كخاتم في أصابع زوجاتهم) وفوق ذلك هم يمدحون زوجاتهم
* أهله وخالاته يتدخلون في حياتنا فيطلعون عيوباً فيّ أمام زوجي وهو لا يدافع عني لأنه يخاف من المشاكل تخيلوا بالله المأساة التي أعيشها معاهم
* علماً أنه ملتزم والحمد لله ولديه مميزات ولكنني أريد حلا لتصرفاته التي ذكرتها آنفاً..... وجزاكم الله عنا وعن جميع المسلمين خير الجزاء
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن تربية الأبناء تربية إسلامية صحيحة هي مسؤولية الأبوين معاً وخاصة الأب باعتباره المسؤول الأول في الأسرة، ومن هنا فإنه لا بد أن يكون المربي على قدر كبير من الحكمة، بحيث يعرف كيف يغرس في الأولاد مبادئ الإسلام العظيمة ويربيهم على التخلق بالأخلاق الحميدة، ولا يتم هذا إلا باتخاذ المربي كل الطرق المشروعة وينوعها، فتارة يكون ذلك بالكلمة الطيبة، وتارة باستغلال المناسبات وهكذا، أما الضرب والتوبيخ فلا يلجأ إليهما إلا في نهاية الأمر عندما تفشل كل الطرق الأخرى، وانظري الفتوى رقم: 14123 ، والفتوى رقم: 24777 .
ولا شك أن مما يؤثر على تربية الأبناء سلبا هو التفريق بينهم في المعاملة بما في ذلك تخصيص بعضهم بالعطايا د ون البعض، ولهذا ورد النهي عن ذلك في حديث النعمان بن بشير المتفق عليه قال : نحلني أبي نحلاً، ثم أتى بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده، فقال أَكُلَّ ولدك أعطيته هذا؟ قال: لا، قال: أليس تريد منهم البر مثل ما تريد من ذا؟ قال: بلى، قال: فإني لا أشهد . وفي رواية لأحمد : فإني لا أشهد على جور . وراجعي الفتوى رقم: 19505 ، والفتوى رقم: 6242 .
ومن الأمور التي لها علاقة بالتربية اختيار الاسم الطيب للولد أو البنت كعبد الله وعبد الرحمن ومحمد وأحمد وعائشة وفاطمة ونحو ذلك، وأولى بالأبوين باختيار الأسماء هو الأب، قال ابن القيم في تحفة المولود: التسمية حق للأب لا للأم إذا تنازعا في تسمية الولد، والأحاديث تدل على هذا . انتهى، ومع ذلك فينبغي التشاور بين الأبوين، وأن لا يتعسف الأب في ممارسة هذا الحق وانتزاعه من الأم، فهي لها حق وإن كان حق الأب مقدماً عن التنازع.(65/64)
أما بخصوص المعاشرة بالمعروف فهي حق ثابت لكل من الزوجين على الآخر وقد مضى الكلام فيه في الفتوى رقم: 9560 ، والفتوى رقم: 15669 .
وعلى كلٍ؛ فإننا ننصح بأتخاذ أسلوب الحوار والتفاهم بما يضمن بقاء الود ويجنب الطرفين الخصام والخلاف، وهذا يستدعي من الزوجين احترام بعضهما بعضا بعيدا عن التشدد في الرأي، ولا شك أن المرأة العاقلة الفطنة هي التي تحاول التقرب من زوجها وإشراكه في أمور حياتها فلا ترى لنفسها خصوصية دونه، وهذا مما يزيدها عند الله قدراً وعند زوجها مكانة، كما أن أحسن الرجال وأفضلهم هو ذلك الذي يعامل أهله بالحنان والتسامح والرفق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي .
ومما يدخل في هذا الترفيه عن الزوجة والأولاد بالطرق المشروعة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يداعب الحسن والحسين؛ بل يداعب أطفال أصحابه، ففي الصحيحين من حديث أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال أحسبه فطيم، وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير ما فعل النغير كان يلعب به. قال الحافظ ابن حجر فيه : جواز الممازحة وتكرير المزح وأنها إباحة سنة لا رخصة.
وإذا كان هذا في حق الغير فمن باب أولى أولاد المرء نفسه؛ بل أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عدم تقبيل الأولاد نوعاً من انتزاع الرحمة من قبل الإنسان، روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتقبلون الصبيان!! فما نقبلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك.
وفي شأن ملاعبة الزوجة والترفيه عنها تقول عائشة رضي الله عنها : سابقني النبي صلى الله عليه وسلم فسبقته، فلبثنا حتى إذا رهقني اللحم سابقني فسبقني، فقال: هذه بتلك . رواه أحمد في المسند وصححه الأرناؤوط .
وفي الصحيحين واللفظ لمسلم عن عائشة رضي الله عنها : أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تغنيان وتضربان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، وقال: دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد، وقالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون وأنا جارية، فاقدروا قدر الجارية العربة الحديثة السن.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ليس من حق الزوجة البحث عن خصوصيات زوجها
تاريخ الفتوى : 06 رجب 1425
السؤال
ما الحكم في زوجه تطلع على خصوصيات زوجها بغرض معرفة إذا كان على علاقة بنساء أخريات؟(65/65)
ما الحكم في زوج يترك زوجته دون إعفاف لها لمده طويلة علما بتواجده معها في نفس البيت؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من حق الزوجة البحث عن خصوصيات زوجها بغرض معرفة ما إذا كان له علاقة بنساء أخريات ولا لغرض آخر.
بل إن كل ذلك من التجسس وظن السوء اللذين حرمهما الله تعالى في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا {الحجرات: من الآية12}، وروى الشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعاً: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحسسوا ... الحديث.
وإذا تحققت الزوجة أن زوجها يرتبط بعلاقات آثمة مع النساء فعليها حينئذ أن تنصحه وتذكره بالله وتعظه بالحكمة..
وليس من حق الزوج أن يترك زوجته دون إعفاف لمدة يحصل لها بها ضرر، فذلك ينافي المعاشرة بالمعروف التي أمر الله بها في قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً {النساء: من الآية19}، وقال: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة: من الآية228}، وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لنفسك عليك حقاً ولزوجك عليك حقاً .... الحديث.
وراجعي في هذا فتوانا رقم: 27221 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من آداب الاستمتاع
تاريخ الفتوى : 15 رجب 1425
السؤال
ماصحة خبر أورده أبو يعلى (إذا جامع الرجل أهله فلا ينزو نزو الديك).
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على من تكلم على الحديث المذكور من أهل العلم بالصحة أو عدمها. وقد رواه الديلمي في الفردوس، ومن المعلوم أنه من الكتب التي هي مظنة للأحاديث الضعيفة، فما انفردت به فهو مظنة لأن يكون ضعيفا. قال صاحب طلعة الأنوار في علوم الحديث والآثار:
وما نُمي لعقْ، وعَدْ، وخَطْ، وَكِرْ **** ومسند الفردوس ضعفه شهر
كذا نوادر الأصول وزِدِ **** للحاكم التاريخ ولتجهد . فهذه الكتب المذكورة مظنة للأحاديث الضعيفة .. ولكن روى عبد الرزاق في مصنفه عن أنس رضي الله عنه حديثا مرفوعا بهذا المعنى أو قريبا منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا غشي الرجل أهله فليصدقها، فإن قضى حاجته ولم تقض حاجتها فلا يعجلها . قال(65/66)
العلامة المناوي في فيض القدير على الجامع الصغير عند شرحه لهذا الحديث: إذا جامع أحدكم امرأته فلا يتنحى حتى تقضي حاجتها كما يحب أن يقضي حاجته . قال: لأنه من العدل والمعاشرة بالمعروف كما تقرر، يشير إلى قول الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة: 228} وقوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء: 19}، ثم قال: وهذا بمعنى خبر أبي يعلى: إذا خالط الرجل أهله فلا ينزو نزو الديك، وليلبث على بطنها حتى تصيب منه مثل ما أصاب منها . والحاصل أننا لم نقف على من تكلم على سند الحديث من أهل العلم، ولكن معناه من ناحية المعاشرة بالمعروف صحيح كما مر. ولمزيد من الفائدة عن هذا المعنى نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 32310 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مسائل في الخلافات الزوجية وحلولها
تاريخ الفتوى : 04 شعبان 1425
السؤال
تزوجت أختي بشاب لأنه يعرف من الدين ما يعرف، بعد سنة من الزواج تغيرت الأشكال وطلع أنه لا يصلي إلا عندما يرى الناس يصلي فقط لأنه يخاف من الناس، النقطة الثانية في الفترة الأخيرة لا يأخذ من أي مصروف يأتي من الدولة منها إيجار البيت حق الأطفال ولا يفي بعهوده ولأنها لم تعطه ما سألها ضربها وسرقها وأخذ منها الفلوس التي كانت بحوزتها. النقطة الثالثة. أنها حامل منه4 شهور، قالت إذا لا نستطيع البقاء مع بعض، طلبت الطلاق منه فقال لها أسقطي الطفل الذي في بطنك وبعدها سوف يطلقها وهو ليس صادقا في كلامه . النقطة الرابعة . إذا كنت سوف أطلقك سأقتل أحدا من عائلتك ويأخذ منها أولادها . أفيدوني جزاك الله خيرا أرجو لأن الوقت ضيق جدا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على الشاب المذكور أن يتقي الله تعالى ويحافظ على صلاته، وكنا قد أوضحنا حكم من يترك الصلاة أحيانا، وهل يوثر ذلك على عقد نكاحه في الفتوى رقم: 15494 . ثم إنه يجب عليه أن ينفق على زوجته وأولاده، ويدفع أجرة سكنهم أو يسكنهم، سواء كان يتقاضى من الدولة مصروفا أم لا إن كان عنده ما يصرفه عليهم، فإن لم يكن عنده أو منعه فللزوجة أن تصبر على عسرة زوجها حتى يرزقه الله، ولها أن ترفع الأمر إلى المحاكم الشرعية في بلدها لتقرر الحكم في ذلك، ولهذا الموضوع راجع الفتوى رقم: 19453 ، 11800 كما يجب الوفاء بالعهد لأن الله تعالى يقول: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً {الاسراء: 34}، وليعلم أن مال الزوجة ملك لها، فلها منعه ولها إعطاؤه، ولا يجوز لزوجها أن يأخذه منها غصبا ولا سرقة. ففي الحديث الصحيح لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه . رواه أحمد وغيره.(65/67)
وليس من المعاشرة بالمعروف الشتم والضرب لغير سبب شرعي، والتهديد بقتل الأقارب، وكنا قد ذكرنا الحالة التي يجوز فيها الضرب في الفتوى رقم: 69 . ولا يجوز له أن يطلب من زوجته الإجهاض، ولا يجوز لها أن تطيعه في ذلك في أي حال من الأحوال، سواء طلقها أو لم يطلقها. ولموضوع منع الإجهاض راجع الفتوى رقم: 25906 ، ومما ننصح به أخت السائل أن تعلم أن طلب الطلاق لغير ضرر محقق حرام، ولبيان الضرر الذي يجوز معه طلب الطلاق يرجى مراجعة الفتوى رقم: 8622 ، 2019 ، ثم إن لها الحق في حضانة الأولاد في حال وقوع الطلاق ما لم تتزوج من رجل آخر، وللاطلاع على تفاصيل الحضانة، ومن الأحق بها وتسلسل ذلك، راجع الفتوى رقم: 6256 ورقم: 49511 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زنا الزوج لا يسوغ للمرأة الامتناع عن الفراش
تاريخ الفتوى : 11 شعبان 1425
السؤال
هجرني زوجي في الفراش سنتين دون سبب يذكر وتبين لي أنه خلالها وربما قبلها قام بخيانتي بالحرام والله أعلم، بعدها حاول الرجوع إلي فلم أقبل اعتماداً على كلام الله في الآية الكريمة "الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ" وأنا لست بتلك ولا بتلك والحمد لله ما زلنا على هذا الحال حوالي أربع سنوات ونحن نعيش في بيت واحد نتكلم مع بعض عند الضرورة في شؤون البيت، الطلاق صعب جداً وخاصة أن الأولاد في جيل التعليم العالي والزواج ولتفادي الفضيحة الاجتماعية أسئلتي هي ما حكم الدين بحالنا هذا، ما حقه علي ونحن بهذا الوضع؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن الحياة الزوجية قلما تخلو من مشاكل بين الزوجين، ولكن من العقل والحكمة، احتواء هذه المشاكل والسعي لحلها على ضوء ما ورد به الشرع الحكيم، وإلا وقع كل من الزوجين في شيء من المشقة والحرج.
وقد أخطأ زوجك خطأ بينا بهجره إياك في الفراش هذه المدة، إذ من الواجب أن يراعي الزوج حقوق زوجته وأن يعاشرها بالمعروف، وليس من المعاشرة بالمعروف هجره إياها في الفراش هذه المدة ولو كان هنالك سبب، فكيف والحال أنه لا يوجد سبب كما ذكرت.. وراجعي الفتوى رقم: 8935 .
وفي المقابل فقد أخطأت في امتناعك عن الاستجابة لزوجك حين دعاك للفراش، لأن من الواجب على المرأة الاستجابة لزوجها إذا دعاها للفراش ما لم يكن هنالك عذر شرعي، وراجعي الفتوى رقم: 9601 .(65/68)
وأما اتهامك إياه بالزنا فإن لم يكن عن بينة فلا يجوز، إذ الأصل في المسلم السلامة حتى يتبين خلافها، ولو ثبت زناه لم يسوغ لك ذلك الامتناع عن فراشه إذا دعاك إليه.
وأما الآية التي ذكرت وهي قول الله تعالى: الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ {النور:3}، فهي في ابتداء النكاح لا استمراريته، أي أن الزنا لا يفسخ النكاح، وراجعي للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 51937 .
والحاصل أن الواجب عليك طاعة زوجك في المعروف على كل حال، بما في ذلك دعوته إياك للفراش، وإذا ثبت لديك وقوعه في الزنا فابذلي له النصح، وأكثري من الدعاء له، فلعل الله يتوب عليه، ولا يلزمك طلب الطلاق منه ولو ثبت زناه، فلا حرج عليك في البقاء في عصمته إذا رأيت أنه الأصلح.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مدة الزيارة التي تتحقق بها صلة الرحم
تاريخ الفتوى : 10 رمضان 1425
السؤال
أصحاب الفضيلة لدي سؤالان، وأرجو الإجابه عليهما، سؤالي الأول باختصار هو أنني متزوج وأسكن في مدينة الدمام ويسكن معي في نفس المدينة شقيق زوجتي وهي تصر على زيارته أسبوعيا وهذا فوق قدرتي فما هي المدة الواجبة للزيارة ؟ سؤالي الآخر هو أنني اقضي إجازتي السنوية ومدتها شهر في مدينة الباحة وأعطيت زوجتي الحق في أن تبيت مع أمها مدة سبعة أيام وهي تطلب زيادة عن ذلك وقد حصلت خلافات كثيرة بسبب ذلك أرجو بيان المدة التي يقررها الشرع لزيارة أمها حتى يحسم هذا الخلاف؟
وجزاكم الله كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن زيارة الأقارب من صلة الرحم التي حث عليها الدين الحنيف ورغب فيها، وحذر من قطعها، بل قرن الله تعالى قطع الأرحام بالفساد في الأرض فقال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {محمد:22}. لكن الشارع الحكيم لم يبين مقدار صلة الرحم ولا جنسها ولا مقدارها ولا مدتها، فالرجوع فيها إلى العرف فما تعارف الناس عليه أنه مدة للزيارة فيعمل به فإذا كانت عادة وعرف البلد أن تكون الزيارة للأخ كل أسبوع والإقامة عند الأم أسبوعا في العام أو أكثر أو أقل، فإن العادة محكمة في ذلك، لكن الغالب أن إقامة المرأة مع أمها سبعة أيام تكفي في صلة رحمها ما لم تكن مريضة، وعليه فلا يجب عليك أن تسمح لها بأكثر من ذلك ، لكنا نوصي في مجال الخلافات الزوجية باستعمال الحكمة وبالرفق والحرص على التغاضي عن كل ما يثير الخلاف والشقاق، فإن الله حض الزوجين على أن(65/69)
يتعاشرا بالمعروف، فقال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء: 19}.، وإن من المعاشرة بالمعروف الحرص على التفاهم وعدم العناد، وتنازل كل منهما للآخر عن بعض حقوقه والتغاضي عن زلاته، والحلم والصبر في المعاملة بينهما، وعلى المرأة العاقلة أن تصل رحمها وتحرص على زيارتهم ولا يكون ذلك على حساب ما نيط بها من الحقوق الخاصة ومن المسؤولية التي هي أهم وآكد. فقد جاء في الصحيحين: والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم . ولا يكون خروجها من البيت إلا للحاجة، فإذا انتهت الحاجة رجعت إلى ما هو الأصل في حقها، وهو القرار في البيت، لقوله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ {الأحزاب: 33} . وفقكما الله لما يحبه ويرضاه، وأبعد عنكما أسباب الخلاف والنزاع.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
كيف تتصرف من لا يعاشرها زوجها بالمعروف في بلد الغربة
تاريخ الفتوى : 19 رجب 1426
السؤال
أنا سيدة في عمر 28 تزوجت من ابن عمي وأنا 17 في بداية زاوجي كنت صغيرة ولا أفهم، فأهل زوجي يتحكمون في حياتي وحياة زوجي كما يشاؤون، أعني أخاه وأخواته أيضا، يعمل المستحيل لإرضائهم، ويعاملني كأني أثاث في البيت ولا يدير لي أي اهتمام يذهب إلى العمل من الساعة 6 صباحا ويرجع الساعة 11 ليلا ويسهر مع أصحابه، ونحن في الغربة فأظل وحيدة طوال الليل والنهار، يعيش حياة غير المتزوجين ولا يسأل عني ولا عن أولاده ويكسب ماله من بيع الخمور ولحم الخنزير مع العلم أنه يقدر أن يغير عمله لا يحكي معي لا يتحدث تمر علي أيام أشكو من قلة الكلام أتتني حالة اكتئاب لم يرض أن أذهب إلى طبيب نفسي خوفا من أن ينفضح كما يقول لا أحترمه لا أحبه مرات عديدة ، أمام الناس يظهر بشكل آخر وكأني أنا الذي أسيطر عليه ويحترمني والعكس هو الصحيح لا يعاشرني تقريبا وإن فعل فبطريقة ترضيه وينام، حاولت الانفصال فلم يرض وخفت لأني في بلد غريبة ولم أكمل دراستي ولم يجعلني أشتغل حتى الآن ولا أملك قرشا واحدا لم أجد أحدا أشكو له ساعدوني وأفيدوني أفادكم الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما وصفت السائلة من حال زوجها، من بقائه في العمل أكثر ساعات الليل والنهار والسهر مع الأصدقاء، وتركها وحيدة في البيت ، ومن عمله الخبيث ومن تقصيره في معاشرتها لا يجوز بحال، لأنه يخالف ما أمر الله سبحانه وتعالى به من المعاشرة بالمعروف .فيجب على الزوج أن يتوب إلى الله من هذه الأفعال، وأن يتقي الله في زوجته، والتي هي قريبته ولها حق الرحم والقربى ، فإما أن يمسكها بمعروف وإما أن يفارقها بإحسان، فإن ما يفعله ظلم لها ، وعاقبة الظلم وخيمة عند الله يوم القيامة .(65/70)
أما الأخت فنوصيها بتقوى الله فإن فيها المخرج ، كما قال تعالى:
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ { الطلاق: 2-3}. وباحتساب الأجر عنده سبحانه، وبنصح زوجها بالتوبة، وأن تدعو له بالصلاح ، ولا بأس أن تسعى في الفكاك منه إذا يئست من صلاحه وتمادى في غيه، فلها أن تسافر إلى بلدها ، إذا كان لها هناك من ينصفها ويدفع عنها، بعد أن تتصل به وتخبره بما تريد الإقدام عليه، فإذا جاء الزوج يريدها، فلتشترط عليه - إن بقي فيه أمل - أن يعاملها كما أمر الله، وإن لم يبق فلتطلب منه الطلاق ، فإذا امتنع، أو لم يأت لطلبها، فترفع أمرها إلى القاضي ليجبره على الطلاق، أو يطلق عنه
والله أعلم
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الموازنة بين حق الأهل وحق الزوجة
تاريخ الفتوى : 10 شعبان 1426
السؤال
زوجتي تشتكي من طول مكثي في بيت أهلي مع إخوتي وأخواتي في النهار فمن الناحية الشرعية هل لها الحق في ذلك، وإن كان لها الحق في أن أبقى في البيت أغلب الوقت، فما هو القدر الذي يجب أن أمكثه معها، لأني الذي أعلمه أن حقها الشرعي في المبيت، فنرجو منكم ذكر الدليل على أن لها حقا في ذلك إن كان كذلك؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لله سبحانه حقاً، وللنفس حقاً، وللأهل حقاً، وللزوجة حقاً، وعلى المسلم أن يوازن بين هذه الحقوق فلا يطغى حق على آخر، كما ورد في الحديث أن سلمان الفارسي قال لأبي الدرداء رضي الله عنهما: إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: صدق سلمان، صدق سلمان. رواه البخاري .
ومن الحقوق ما ورد تقديره في الشرع، ومنها من لم يرد تقديره في الشرع، ومرده إلى العرف، ومن ذلك فترة البقاء مع الزوجة في غير المبيت، وما يحق لها المطالبة به من الوقت للمكث فيه معها، فليس هناك تقدير في الشرع لذلك، فينظر إلى عرف الناس فيلتزم، وقد وردت نصوص تحث وترغب الزوج على قضاء بعض الوقت مع الزوجة ومؤانستها وملاعبتها، منها ما أخرجه أبو داود عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس من اللهو إلا ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه.
وينبغي للرجل أن يعرف حق أهله، وأن خير الناس خيرهم لأهله، فلا ينبغي له ترك الزوجة وحيدة في البيت دائماً لغير حاجة تدعوه لترك منزله، فليس ذلك من المعاشرة بالمعروف.
والله أعلم.(65/71)
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
إهانة الزوجة ليس من شيم الكرام
تاريخ الفتوى : 10 شوال 1426
السؤال
أرجو أن تساعدوني في مشكلتي هذه التي أثرت على نفسيتي وعلى تصرفاتي مع أولادي لا أعرف من أين أبدأ بمشكلتي فزوجي أحيانا عندما يغضب مني يشتمني ويجرحني كثيرا بكلامه القاسي جداً وفي آخر مرة كان غاضب من تصرفات أولاده لأنها لم تعجبه فهو أصبح عصبيا جداً معهم لدرجة أنه يضربهم ضرباً قاسيا جداً وهم أطفال لم يتجاوزوا الثامنة من عمرهم، لماذا لأن طريقة كلامهم لا تعجبه أو تصرفاتهم ودائما الانتقاد عليهم لدرجة أصبح ابني الأكبر بدون ثقة ودائماً يخاف من أصدقائه في الصف لأنهم يضربونه وأحيانا كل الصف يضربه ويأتي إلى البيت ويقول لي أنا لا أريد أن أذهب إلى المدرسة بسبب أصدقائه وعدم قدرته على الدفاع عن نفسه وإذا جاء يتكلم والده يرد عليه بكلام أنه ليس قويا ولا يملك الشجاعة ومن هذا الكلام يوجهه لابنه فيوم بعد يوم تقل الثقة وأصبح الآن لا يطاق دائما يهددني بالمعاملة الأسوء ويهدد أولاده وفي بعض الأحيان يكون طيبا معهم وأنا الآن لم يكلمني منذ أسبوع وفي المرات التي مضت أنا دائما أذهب لأصالحه حتى لو كان هو الغلطان والمرة هذه لا أريد أن أذهب إليه لأصالحه بتاتا، لأنه قال لي كلاما جارحا وإذلاليا وقاهرا لا أريد أن أوضح نوع الكلام، ولكن بما هو معناه أنه جارح وطعنني في نفسيتي وقال لي إذا لم يعجبك اذهبي إلى بيت أهلك وأنا والله إنني لا يوجد أحد عند أهلي جميعهم في دولة ثانية، فهم ليسوا معي فأنا الآن في حيرة وتعب نفسي فلا أعرف كيف أتصرف معه، فأرجوكم لا تخيبوا أملي بالرد الذي يريحني فأنا جدا متعبة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحياة الزوجية بناؤها التفاهم والاحترام المتبادل، وأساسها السكن والمودة والرحمة، ودعامتها العشرة بالمعروف، قال الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}، وقال تعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) ( وأمسكوهن بمعروف ) ، وحتى في حال حصول الخلاف والكره، تجب المعاشرة بالمعروف قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}.
فلا يجوز للزوج إهانة زوجته وعليه أن يحسن معاملتها، وفي الحديث: لا يفرك (أي: لا يبغض) مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر. رواه مسلم .
وعليه أن يحسن تربية أولاده، فإنه مسؤول عنهم يوم القيامة، وينبغي للزوجة الصبر على زوجها واحتساب الأجر على ذلك من الله عز وجل على مصيبتها هذه ومحاولة الابتعاد عن كل ما يغضبه، وعلى كل حال فإذا كان الزوج يضر بزوجته فلها طلب(65/72)
الطلاق منه، فإن لم يستجب فلها أن ترفع أمرها إلى الجهة المختصة لترفع عنها الضرر بكفه هو عنه أو تطليقها عليه، ولكنا ننصح بالصبر والتغاضي والالتجاء إلى الله تعالى بالإصلاح والألفة.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الزوج الحكيم يسعى للتقليل من الخلاف بين زوجته وأمه
تاريخ الفتوى : 28 محرم 1427
السؤال
زوجتي عصبية ومتشككة وعنيدة وقد احتكت مع والدتي أكثر من مرة والنتيجة أنها تقاطعها ولا تسلم عليها وقد مرت الأعياد الأخيرة ولم تعايدها، وعندما أرجوها أن تصالحها تقول عن والدتي إنها تتدخل في شؤونها والأفضل أن تقاطعها وأن راحتها بعدم الاحتكاك معها، لقد حاولت أن أجبرها على المصالحه عن طريق مقاطعتها في الأمور اليومية وعلاقات الفراش، ولكن دون جدوى، أمي متضايقه من هذا الوضع وتعبانة نفسياً، فما هو واجبي الشرعي تجاه والدتي في هذه الحالة، علماً بأننا نسكن في نفس البيت وزوجتي تؤدي واجباتها الأخرى تجاهي والأطفال والبيت بشكل جيد؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد النهي عن هجر المسلم فوق ثلاثة أيام؛ كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 23920 ، ويزداد الإثم إذا كان المهجور ذا صلة وقرابة من الهاجر كأم الزوج، وتزول الهجرة بمجرد السلام ورده، قاله ابن حجر في فتح الباري.
فيجب على الزوج نصح الزوجة، ونهيها عن هذا الهجر المحرم، ويجب عليها طاعته، وسبق أن مما يجب على المرأة طاعة زوجها فيه طاعته في ترك المحرمات وفعل الواجبات، كما في الفتوى رقم: 50343 .
مع التنبيه إلى أن الزوجة ليست ملزمة بالسكن مع أم الزوج، وسبق بيانه في الفتوى رقم: 62280 ، ولا يجب عليها خدمتها كذلك، وإنما هو من باب المعاشرة بالمعروف، كما تقدم بيانه في الفتوى رقم: 35683 .
وبيان هذا للأم سيساعد على التقليل من الخلاف بينهما، فحاول أن تسترضي أمك ما وسعك بالإحسان إليها وخدمتها، ولا تقصر في حق زوجتك، وحاول نصحها باللين والرفق لما تريده منها مما لا يلزمها شرعاً القيام به، فذلك أدعى إلى استجابتها. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم تكريم الزوجة في اليوم العالمي للمرأة(65/73)
تاريخ الفتوى : 05 صفر 1427
السؤال
ما حكم تكريم زوجتي بمناسبة العيد العالمي للمرأة 8 مارس؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يعرف بعيد المرأة، والذي يحتفل به كثير من الناس في الثامن من مارس كل سنة، هو من جملة البدع والمحدثات التي دخلت ديار المسلمين، لغفلتهم عن أحكام دينهم وهدي شريعة ربهم، وتقليدهم واتباعهم للغرب في كل ما يصدره إليهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. متفق عليه.
ولم تأت بدعة محدثة من البدع إلا وهجرت أو أميتت سنة من السنن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة. رواه أحمد . وقد استفاض العلم بأنه لا يجوز إحداث عيد يحتفل به المسلمون غير عيدي الأضحى والفطر، لأن الأعياد من جملة الشرع والمنهاج والمناسك، قال الله تعالى: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ {الحج:67}، وتكريم الزوجة هو من مقتضيات المعاشرة بالمعروف التي أمر الله بها، وأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي .
فعلى الزوج أن يكرم زوجته في كل حين، وأما تكريمها بخصوص هذه المناسبة فهو من البدع والإحداث في الدين.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لمعاشرة بالمعروف تورث المحبة
تاريخ الفتوى : ... 20 رجب 1427 / 15-08-2006
السؤال
أنا متزوجة ولدي طفلة تبلغ 4 سنوات أعيش مع زوجي لكننا طول الوقت في حالة غضب وأحيانا في شجار أحاول كل جهدي لإرضائه لكنه يكلمني دائما بقساوة ، ولا يتم الجماع إلا مرة في الشهر فهل هذا طبيعي ؟ إنني قلقة جدا، ماذا يمكنكم أن تنصحوني به دينيا ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشرع الحكيم قد أمر الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف حتى في حال كرهها، قال تعالى:(65/74)
وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}، وقال صلى الله عليه وسلم : لا يفرك -أي لا يكره- مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر. رواه أحمد وهو صحيح.
فلا يجوز للزوج أن يسيء عشرة زوجته، ولا أن يغلظ لها في القول دون مسوغ، كما يجب عليها مثل ذلك.
ونصيحتنا للأخت أن تستمر في طاعة زوجها والعمل على كسب رضاه، ولتحتسب الأجر في ذلك على الله عز وجل الذي أمرها بطاعته، ولتسأله سبحانه أن يلين قلبه لها ويعطفه عليها.
وأما الجماع فيختلف قلة وكثرة بحسب قدرة الرجل، وميله إلى المرأة، فلعلها إذا عملت على كسب وده، واهتمت بلباسها وزينتها، أن يتحسن الأمر.
وإليك بعضا مما جاء من نصائح امرأة حكيمة لابنتها في ليلة عرسها قالت: فكوني له أمة يكن لك عبدا .. وتفقدي لمواضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على القبيح، ولا يشم منك إلا أطيب الريح .. تفقدي لوقت منامه وطعامه، فإن غرائز الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة. وفق الله الجميع لما يحبه الله ويرضاه.
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق ويجب على الرجل المعاشرة بالمعروف
تاريخ الفتوى : ... 03 ذو الحجة 1424 / 26-01-2004
السؤال
هل يجوز طلب الطلاق من الزوج: 1) إذا أراد أن يتزوج بأخرى و كانت الزوجة شديدة الغيرة ولا تستطيع أن تقوم بحقوق زوجها عليها؟ 2)إذا كان لا يحترم مشاعرها و ليس هناك مجال للكلمة الطيبة ولا المجاملة بين الزوجين ولا تشعر بالسعادة وقد يصرح لها أحيانا أنه لا رغبة له بها ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مما ينبغي أن يعلم أن الزواج من الأمور التي حث عليها ديننا الحنيف ثم إن من مقاصد الزواج العظمى الألفة بين الزوجين كما قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة). فينصح الزوج بأن يتقي الله في زوجته فلا يسمعها كلاماً جارحاً لمشاعرها فكما لا يحب أن تسمعه شيئاً من ذلك فكذلك لا ينبغي له أن يسمعها شيئاً، فالله جل وعلا يقول: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف). ثم إننا ننصح الأخت السائلة بأن طلب طلقها من زوجها بهذا السبب المذكور يعتبر طلباً غير مشروع فإن الله جل وعلا قد أباح للرجل الذي علم من نفسه القدرة على العدل وتحمل أعباء التعدد أن يتزوج أكثر من واحدة قال تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة.. الآية). هذا وقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجة عن ثوبان رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق(65/75)
في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة". وأخيراً ننصح الزوج بأن يكف عن إذاية الزوجة بتصريحه بعدم رغبته فيها فإن هذا النوع من التصاريح شديد الوقع على نفوس النساء ونذكره قول الله جل وعلا: (وإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر". رواه مسلم من حديث أبى هريرة رضي الله عنه. فإما أن يمسك هذه المرأة بمعروف وإما أن يسرحها بإحسان. والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الكذب بين الزوجين : حكمه وضوابطه ... العنوان
زوجي يكذب علي في حالات كثيرة ويدعي أن الكذب على الزوجة جائز شرعاً فما قولكم في ذلك ؟
... السؤال
21/02/2007 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا يجوز لأحد الزوجين البحث في ماضي الآخر ، وإجباره على القسم أو الكذب، ولكن إذا اضطر أحد الطرفين أن يكذب من أجل دوام العشرة ، وقطع السبيل أمام الشكوك والأوهام فلا مانع من هذا ، وقد استثنيت أشياء من الكذب منها العلاقة الزوجية التي ربما تحتاج إلي شيء من المجاملة، فإذا كان الإسلام قد رخص في جواز الكذب بين الزوجين فليس هذا على إطلاقه فلا يجوز الكذب في كل شيء، ولكن الكذب المأذون فيه هو ما يتعلق بأمر المعاشرة وحصول الألفة بينهما بأن يظهر كل منهما لصاحبه الود والحب حتى وإن كان ما في قلبه عكس ذلك، وما عدا ذلك فهو باق على أصل الحرمة..
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
الأصل في الكذب هو الحرمة، لما وراءه من مضار على الفرد، وعلى الأسرة وعلى المجتمع كله، ولكن الإسلام أباح الخروج عن هذا الأصل؛ لأسباب خاصة وفي حدود معينة ذكرها الحديث النبوي الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أم كلثوم رضي الله عنها قالت: " ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث: الرجل يقول القول، يريد به الإصلاح (أي بين الناس)، والرجل يقول القول في الحرب، والرجل يحدث امرأته، والمرأة تحدث زوجها ".
وهذا من واقعية هذه الشريعة، وبالغ حكمتها.
فليس من المقبول أن ينقل من يريد الإصلاح ما يسمعه من كلا الخصمين في حق صاحبه، فيزيد النار اشتعالا، بل يحاول تلطيف الجو، ولو بشيء من تزيين الكلام، أو الزيادة فيه، وإنكار ما قاله أحدهما في الآخر من سب أو إهانة.(65/76)
وليس من المعقول أن يعطي العدو ما يريد من معلومات، تكشف عن أسرار الجيش، أو تدل على عورات البلد، أو تنبيء عن مواطن الضعف في الجبهة الداخلية، أو غير ذلك، تحت عنوان " الصدق " بل الواجب إخفاء ذلك عنه، فإن الحرب خدعة.
وليس من الحكمة كذلك أن تصارح المرأة زوجها بما كان لها من ماض عاطفي عفى عليه الزمن، ونسخته الأيام فتدمر حياتها الزوجية باسم " الصدق " الواجب، ولهذا كان الحديث النبوي في غاية الحكمة والصواب، حين استثنى ما يحدث بين الزوجين من كلام في هذه النواحي من الكذب المحرم، ورعاية للرباط الزوجي المقدس.
ولا شك أن الزوج مخطئ في طلبه من زوجته أن تحلف له على ما ذكرت، وخطؤه من وجهين:
الأول: أنه ينبش ماضيًا لا علاقة له به، وقد لا يكون من صالحه نبشه، واستثارة دفائنه، فكثيرًا ما تمر بالفتاة - ومثلها الفتى - أيام يهفو قلبها لفتى قريب، أو جار أو غير ذلك، تعتبره فارس أحلامها، ثم لا يلبث أن ينشغل عنها أو تنشغل عنه، وخاصة بالزواج، فليس من الخير إحياء هذه العواطف التي ماتت مع الزمن، وحسبه أن الزوجة تخلص له، وتؤدي حقه وترعى بيته، ولا تقصر في شأن من شئونه.
الثاني: أن الحلف لا يقدم ولا يؤخر في العلاقة بينهما، لأنها إن لم تكن ذات دين، تخشى الله، وتخاف حسابه، فلا يهمها أن تحلف بأغلظ الأيمان وهي كاذبة، وإن كانت ذات دين ممن يرجو الله ويخاف سوء الحساب، فيكفيه دينها وتقواها، ليطمئن إليها، ويثق بأمانتها وإخلاصها.
ويخشى أن يجرها إلحاحه عليها إلى أن تحلف كاذبة، ويكون الإثم عليه هو لا عليها، والذي أؤكده هنا بالفعل، أنه لا حرج على الزوجة إذا ضغط عليها الزوج بمثل هذه الصورة المذكورة في السؤال أن تحلف وهي كاذبة، لأن صدقها يعرض حياتها الزوجية للانهيار وهو ما يكرهه الله تعالى، ويقاومه الإسلام، فالحلف هنا من باب الضرورة.
ومثل هذا أيضًا إذا سألها: هل تحبه أم لا ؟ وطلب منها اليمين على ذلك ، فمثل هذا النوع من الرجال لا يرضيه إلا الحلف، وإن كان كاذبًا ، فلتحلف إن لم تجد بدًا من الحلف، ولتستغفر الله تعالى، وهو الغفور الرحيم.
ومما يذكر هنا ما حدث في عهد عمر - رضي الله عنه - من ابن أبي عذرة الدؤلي، وكان يخلع النساء اللاتي يتزوج بهن، فطارت له في الناس من ذلك أحدوثة يكرهها فلما علم بذلك، أخذ بيد عبد الله بن الأرقم، حتى أتى به إلى منزله، ثم قال لامرأته: أنشدك بالله هل تبغضينني ؟ قالت: لا تنشدني . قال: فإني أنشدك بالله. قالت: نعم . فقال لابن الأرقم: أتسمع ؟ ثم انطلقا حتى أتيا عمر رضي الله عنه.
فقال: إنكم لتحدثون أني أظلم النساء وأخلعهن، فاسأل ابن الأرقم ! فسأله عمر فأخبره، فأرسل إلى امرأة ابن أبي عذرة، فجاءت هي وعمتها، فقال: أنت التي تحدثين لزوجك أنك تبغضينه ؟ فقالت: إني أول من ثاب وراجع أمر الله تعالى . إنه(65/77)
ناشدني الله، فتحرجت أن أكذب، أفأكذب يا أمير المؤمنين ؟ قال: نعم، فاكذبي ! فإن كانت إحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك، فإن أقل البيوت الذي يُبنى على الحب، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب !
وهذه والله إحدى الروائع العمرية . فلم يكن عمر مجرد رئيس دولة، بل كان إلى جوار ذلك عالمًا مربيًا، وفقيهًا ومفتيًا.
إنه يطبق هنا الحديث النبوي في حديث المرأة مع زوجها، والرجل مع زوجته . فلا يرى مانعًا أن تخبره بالكذب إبقاء على الزوجية، ثم ألقي حكمته الخالدة: إن أقل البيوت ما بني على الحب، وإنما يتعاشر الناس بالإسلام والأحساب.
فليس من اللازم أن يكون كل رجل وامرأته " قيسًا وليلى " حبًا وغرامًا، وعواطف مشبوبة ولعلهما لو كانا كذلك لانتهى مصيرهما بغير الزواج، كما انتهى مصير قيس وليلاه، وحسب الزوجين أن يتعاشرا بالمعروف في ظل الدين والأخلاق، أو الإسلام والأحساب كما قال الفاروق رضي الله عنه وأرضاه.
ويقول الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
لا شك أن الكذب خصلة ذميمة وذنب من أقبح الذنوب وقد تظاهرت الآيات والأحاديث على تحريم الكذب بشكل عام.
فقد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن والرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ) رواه البخاري ومسلم .
وثبت في الحديث الصحيح أيضاً عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ) رواه البخاري مسلم .
والكذب ليس من صفات المؤمنين الصادقين يقول الله سبحانه وتعالى :( إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) .
هذا هو الأصل في الكذب أنه محرم وأنه فاحشة من فواحش الذنوب ولكن هذا الأصل له استثناء فقد أجاز الشرع الكذب في بعض المواطن وجعله مباحاً.
قال الإمام النووي رحمه الله :[ اعلم أن الكذب وإن كان أصله محرماً فيجوز في بعض الأحوال إلى أن قال " إن الكلام وسيلة إلى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب ، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً وإن كان واجباً كان الكذب واجباً فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله أو أخذ ماله وسئل إنسان عنه وجب الكذب بإخفائه وكذا لو كان عنده وديعة وأراد ظالم أخذها وجب الكذب بإخفائه والأحوط في ذلك كله أن يوري ومعنى التورية أن يقصد في كلامه مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ بالنسبة إلى ما(65/78)
يفهمه المخاطب ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذا الحال ] رياض الصالحين ص592 .
وخلاصة الأمر أن هنالك أحوالاً يجوز فيها الكذب وقد وردت في أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومنها :
1- ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً ) .
2- ما رواه مسلم في صحيحه أن أم كلثوم بنت عقبة قالت : ولم أسمعه أي الرسول صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها .
وهذا الحديث يدل على جواز أن يكذب الرجل على زوجته وكذلك المرأة على زوجها ولكن أهل العلم قيدوا كذب الرجل على امرأته وعكسه بأن يكون الكذب فيما يتعلق بأمر المعاشرة وحصول الألفة بينهما.
قال الخطابي :[ كذب الرجل على زوجته أن يعدها ويمنيها ويظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه يستديم بذلك صحبتها ويصلح من خلقها] عون المعبود 13/179 .
وقال الحافظ ابن حجر [ واتفقوا على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما هو فيما لا يسقط حقاً عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها] فتح الباري 6/228 .
وقال الإمام النووي :[ وأما كذبه لزوجته وكذبها له فالمراد به إظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك .
فأما المخادعة في صنع ما عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها فهو حرام بإجماع المسلمين) شرح النووي على مسلم 16/158 .
وبهذا يظهر جواز الكذب بين الزوجين إذا كان في ذلك محافظة على الحياة الزوجية ومنع لهدمه فإذا سأل الزوج زوجته هل تحبه فعليها أن تجيبه بنعم وإن كانت تكرهه محافظة على بقاء الأسرة واستمرارية الحياة الزوجية وكما قال عمر رضي الله عنه لتلك المرأة: [فإن كانت أحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك فإن أقل البيوت الذي يبنى على الحب ] ..
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
هل امتناع الزوج عن زوجته يوجب اللعن ؟ ... العنوان
إذا كان عقاب الزوجة التي تمتنع عن زوجها هو اللعنة، والحق في أن يتزوج عليها حتى لا يقع في الحرام، فما جزاء الرجل الذي لا يلبي نداء زوجته عندما تحتاج إليه؟ وماذا تفعل الزوجة في هذه الحالة؟
... السؤال
15/02/2007 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...(65/79)
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
أختي الفاضلة: على كل من الزوجين أن يحرص على أن يعف صاحبه، وإذا كان تقصير الزوج نتيجة لعجز فيه أو مرض فعلي الزوجة أن تصبر وتحتسب عند الله، وإلا فبإمكانها طلب الطلاق إذا خفت الفتنة.
أما إن كان يفعل هذا من باب التعنت والإضرار فيكون آثما ومقصرا فيما يجب عليه نحوك، وهذا يتنافى مع حسن العشرة بين الزوجين والتي أمر الله بها في محكم التنزيل (وعاشروهن بالمعروف) ولكن إذا تمادى الزوج في ذلك فهذا يسمى إيلاء، فإن لم تستطيع الزوجة الصبر وتخاف على نفسها الفتنة ففي هذه الحالة يحق لها رفع الأمر للقضاء، والقاضي يأمره بالوطء، ويضرب له أمدا فإن فاء فبها ونعمت ، وإن أبى فإن القاضي يطلقك منه ؛ لتعنته وإضراره.
يقول فضيلة الشيخ نور بارود ـ نائب رئيس رابطة علماء الصومال :
إن إشباع الحاجة الجنسية بين الزوجين حق مشترك، فكما يجب على الزوجة أن تلبي نداء زوجها إذا دعاها إلى الفراش فكذلك الأمر يجب على الزوج أن يلبي نداء زوجته إذا دعته إلى الفراش لتحقيق العفة ليس للرجل فقط ولكن للزوجين.
والحديث أوضح أن المرأة التي تمتنع عن زوجها ملعونة ومذنبة، ولكن عندما يحصل العكس ويرفض الرجل معاشرة زوجته في الفراش وهي محتاجة له فلها الحق في تقديم الشكوى إلى القاضي لأن القاعدة العامة المتفق عليها هي "أن الضرر يزال"، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لا ضرر ولا ضرار".أهـ
ويقول فضيلة الشيخ محمد حسين عيسى –من علماء مصر-:
الحاجة الجنسية –الجماع- مطلب طبيعي للزوج والزوجة، وتلبية هذا الأمر دائمًا ليس واجبًا ولا مفروضًا؛ لأن ذلك في غير المقدور البشري، ولكن لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وحاجة الرجل للجماع عادة أقوى من حاجة المرأة.
وإذا احتاجت المرأة هذا الأمر فلا حرج عليها أن تطلبه من زوجها، لكنه إذا لم يؤده فعليها الصبر، وعليها أن تعف نفسها عن الحرام، وهذا ابتلاء من الله لها.
وعلى الزوج أن يعاشرها بالمعروف ويؤنسها ويداعبها ويلاعبها، ويعطيها مقدمات الجماع وغير ذلك كالملامسة والمهامسة وغير ذلك كثير، فهذا مما يقوّيها .
أما إذا أراد الزوج أن يعنّتها بترك هذا الأمر وهو قادر عليه فإنه بذلك يذرها كالمعلقة لا هو زوج لها، ولا هي لها زوج آخر من الأزواج، فهو بذلك يأثم لهذا القصد؛ لأنه عطّل واجبًا عليه أ.هـ
ويقول الشيخ صالح الفوزان ـ من علماء الممكلة العربية السعودية:
امتناع الزوج عن حق زوجته في الجماع يسميه العلماء إيلاءً ، والإيلاء : هو حلف الزوج الذي يمكنه الوطء على ترك وطء زوجته أبدا أو أكثر من أربعة أشهر . والدليل عليه قول الله عزوجل : ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) البقرة 226 وعن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول في الإيلاء: (لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو أن يعزم بالطلاق كما أمر الله عز وجل).(65/80)
والإيلاء محرم في الإسلام لأنه يمين على ترك واجب ، ويحصل الإيلاء بالحلف على عدم وطء زوجته أبداً أو عين مدة تزيد على أربعة أشهر أو علقه على تركها أمراً واجبا أو فعلها أمرا محرما فهو إيلاء ، وقد ألحق الفقهاء بالمولي من ترك وطء زوجته إضراراً بها بلا يمين أكثر من أربعة أشهر وهو غير معذور .
وحكمه : أنه إن حصل منه وطء زوجته في المدة فقد فاء؛ لأن الفيئة هي الجماع وقد أتى به ، وبذلك تحصل المرأة على حقها منه ، وأما إن أبى الوطء بعد مضيِّ المدة المذكورة فإن الحاكم يأمره بالطلاق إن طلبت المرأة ذلك منه فإن أبى أن يفيء وأبى أن يطلّق فإن الحاكم يطلّق عليه ويفسخ؛ لأنه يقوم مقام المؤلي عند امتناعه.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
طلب الطلاق لسوء عشرة الزوج ... العنوان
زوجي دائم الشك في ويسيء معاملتي طيلة فترة زواجنا منذ أكثر من أربع سنوات وتزداد معاملته سوءا بكافة الصور المهينة فهل يحق لي طلب الطلاق؟ وجزاكم الله خيرا
... السؤال
30/11/2006 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
فحسن العشرة واجب متبادل بين الزوجين، ومما لا شك فيه أن الحياة الزوجية تصبح نكدا إذا لم يظللها الاحترام المتبادل بين الزوجين، والزوجة يحرم عليها طلب الطلاق من زوجها إذ لم يكن ثمة تقصير من الزوج فيما يجب عليه، ولكن إن أساء وظلم بصورة لا يحتمل فيها الإيذاء ففي هذه الحالة إذا لم يرجع الزوج عن ظلمه بعد تذكيره بالله وأصر على ما هو عليه فيجوز للزوجة أن تطلب طلاقها منه ولا حرج عليها في ذلك.
وإليك فتوى فضيلة الدكتور محمود عبد الله العكازي -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر-:
إن الزواج عهد وثيق، ربط الله به بين رجل وامرأة، أصبح كل منهما يسمى بعده (زوجًا) بعد أن كان فردًا، وقد صور القرآن الكريم مبلغ قوة هذا الرباط بين الزوجين، فقال: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن...). وهو تعبير يوحي بمعاني الاندماج والستر والحماية والزينة، يحققها كل منهما لصاحبه، ولهذا كان على كل من الزوجين حقوق لصاحبه، لابد أن يراعيها، ولا يجوز له أن يفرط فيها، وهي حقوق متكافئة، إلا فيما خصت الفطرة به الرجال، كما قال الله تعالى: (لهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم). وهي درجة القوامة والمسئولية، وقد روى أبو داود وابن حبان أن رجلاً سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: (أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في(65/81)
البيت). وروى النسائي والحاكم حديث: {كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت". وروى مسلم في صحيحه: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن سخط منها خلقًا رضي منها غيره".
ولا يحل للزوج أن يضار زوجته، ويسيء عشرتها بضرب، أو بأي شيء آخر يتعارض مع المودة والرحمة، التي هي الشأن في الحياة الزوجية، التي حث عليها الإسلام، وجعلها آية من آيات الله ـ سبحانه ـ وصدق القائل في محكم كتابه: (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة).
ويحرم على المرأة طلب الطلاق من زوجها بغير ما بأس من جهته، ولا داعٍ مقبول يؤدي إلى التفريق بينهما، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة).
أما إذا كان الزوج يدفعها إلى طلبه، ويتعمد إساءتها بكافة صور الإيذاء غير المحتملة، فلا مانع من طلبها الطلاق، أو التطليق عن طريق القضاء، فإذا كان السبب راجعًا إليه؛ لأنه هو الكاره لها، الراغب في فراقها، فلا يحل له أن يأخذ منها شيئًا، (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا أتأخذونه بهتانًا وإثمًا مبينًا).
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
مجمع فقهاء الشريعة و الفوارق التشريعية بين الجنسين ... العنوان
نود أن تبينوا لنا أهم الفوارق التشريعية في الإسلام بين الرجل والمرأة، خاصة ما يتعلق بالولاية والشهادة والميراث واللعان والطلاق ..... ... السؤال
09/11/2006 ... التاريخ
... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد: -
لقد ناقش مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا هذه الفوارق التشريعية بين الرجل والمرأة في دورته الرابعة، وخرج بالقرار الآتي:
إن مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بالقاهرة ـ مصر في الفترة من 4– 7 رجب 1427هـ الموافق 28 يوليو حتى 2 أغسطس 2006م
بعد اطلاعه على الأبحاث الفقهية المقدمة من السادة أعضاء المجمع وخبرائه بخصوص موضوع "بيان حكم الشارع ومصالحه للمجتمع والأسرة في ترتيب العلاقة الأسرية بين الزوجين"، والمناقشة المستفيضة التي دارت حوله.
قرر المجمع ما يلي:
بعد العرض الموجز لهذه البحوث والعناصر وإجراء الحوار والمناقشة المستفيضة بين أعضاء المجمع وخبرائه وملاحظة أن الأمور المتعلقة بإنسانية الإنسان لا علاقة لها بأنوثة ولا ذكورة، فقد سوّى الإسلام فيها بين الرجل والمرأة، وأكد المجمع على ما يأتي:(65/82)
أولاً: ميراث المرأة:
وزع الإسلام الالتزامات المالية بين الجنسين على أساس مكين من العدل والتوازن في توزيع الأعباء في محيط الأسرة، فمرة يكون نصيب الرجل أكثر، ومرة يكون نصيب المرأة أكثر، وأحيانا يتساويان:
ففي مجال الميراث كان نصيب المرأة والرجل بحسب الحالات الآتية:
1-المساواة بين الرجال والنساء في الميراث في حالات كالإخوة والأخوات لأم ، والأبوين في بعض الحالات عند وجود الفرع الوارث.
2-تفضيل المرأة على الرجل في حالات كبنت الابن فرضا مع البنت ولو كان مكانها ابن ابن سيكون له الباقي تعصيبا، وقد يقل عن السدس وقد لا يبقى له شيء، كوجود زوج أو زوجة، وبنت واحدة.
3-توريث المرأة وحرمان الرجل في حالات: كالجدة لأم، ولا يرث الجد لأم شيئًا.
4-إيثار الرجل على المرأة في حالات: كالأبناء مع البنات، والأخوة مع الأخوات، وحالة الأبوين أحيانا، وحالة الزوجين.
فالميراث لا يقوم على تفضيل أحد الجنسين لذاته على الآخر، وإنما يرتبط نظام الإرث في الشريعة بنظام النفقات، فالرجل هو المكلف بالإنفاق على المرأة أمًا أو أختًا أو بنتًا أو زوجة، والمرأة لا تكلف بالإنفاق على أحد.
ثانيا: شهادة المرأة:
إن شهادة المرأة أمام القضاء مقبولة من حيث المبدأ والقاعدة العامة، ولها ثلاث حالات:
1- حالات لا تقبل فيها شهادة المرأة وذلك في الحدود والقصاص إلا إذا لم يكن هنالك شهود إلا النساء كالجرائم التي تقع في مجامع النساء.
2- حالات تشارك فيها المرأة مع الرجل وذلك في الأموال وما يؤول إليها، وقرر فقهاء الحنفية قبول شهادتها مع الرجل في جميع الأمور ماعدا الحدود والقصاص.
3- حالات تنفرد فيها المرأة بالشهادة فيما لا يطلع عليه الرجال غالبًا كالحمل والولادة واستهلال المولود والرضاع، وعيوب النساء.
ثالثا: وضع الطلاق بيد الرجل دون المرأة:
وضع الشارع الطلاق بيد الرجل من حيث المبدأ لقدرته على تحمل الشدائد التي تتعرض لها الأسرة، ثم لتكبده كل النفقات التي قامت عليها الأسرة، مما يترتب على الطلاق من أعباء مالية.
وقد توجد ظروف خاصة تجيز للزوج أن يتنازل فيها عن حقه في الطلاق للمرأة وتفويضه لها.
كما أن الشرع أعطاها حق طلب الخلع إذا ضاق أمرها وتعسرت عليها الحياة الزوجية، إلى جانب حقها في طلب التطليق أو فسخ الزواج لسوء العشرة والضرر أو الإيذاء، وعدم الإنفاق عليها، أو غيابه عنها لمدة سنة فأكثر، بسبب الفقر أو السجن أو الاغتراب، أو لوجود عيب منفر في الزوج أو العجز عن الإعفاف ( العُنَّة ونحوها ).
رابعا: تعدد الزوجات:(65/83)
أباح الإسلام تعدد الزوجات مع ضوابط دقيقة كالعدل في القَسْم، والكفاية في المعيشة، وذلك لحاجات أو طوارئ تعرض للرجل أو تعرض للمرأة، كمرض الزوجة أو عدم إنجابها وكثرة النساء في أعقاب الحروب وغيرها، أو حاجة الزوج للمزيد من الإعفاف، بشرط عدم الإضرار بالثانية إذا لم يكن زواجها مسجلا.
خامسا: اللعان للرجل دون المرأة:
شرع اللعان ( الأيمان الخمسة ) مخرجًا للرجل حتى لا ينسب إليه حمل ليس منه، وكذلك رحمة به حتى لا يواجه تلك الجريمة التي تمس شرفه.
كما منحت الزوجة أيمان اللعان للدفاع عن نفسها وللتبرئة أمام أهلها ومجتمعها، ولا مانع شرعًا من الاستعانة بالتقنيات الطبية الحديثة والفحوص المخبرية في غير إثباتالنسب، ويحال الأمر في هذه التقنيات ومدى الاعتداد بها إلى مؤتمر قادم لبحثه موسعًا بين الفقه والطب، والاستفادة من في قرار المجمع الفقهي الإسلامي في مكة المكرمة.
سادسا: ولاية المرأة:
لا يجوز شرعًا أن تتولى المرأة رئاسة الدولة وقيادة الجيش باتفاق الفقهاء، وقد اختلف العلماء فيما دون ذلك كالوزارة والقضاء فمنعها الجمهور وأجازها بعضهم.
سابعا: زواج المسلمة من غير المسلم:
يحرم زواج المرأة المسلمة من غير المسلم باتفاق العلماء عملاً بالنصوص الشرعية الصريحة القاطعة بالتحريم.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
تأديب الزوجة : حكمه وضوابطه ... العنوان
تعالت الأصوات المطالبة بإلغاء حكم تأديب الزوجة وتأويل النصوص الدالَّة عليه لما يترتَّب عليه من إساءة للمرأة، وإظهار للإسلام في موقف معاد لها؟ فلماذا أعطى الإسلام للرجل حقا في تأديب زوجته ؟ وهل في ذلك ظلم للمرأة ؟ ... السؤال
02/11/2006 ... التاريخ
أ.د. عبد الفتاح إدريس ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فتأديب الزوجة مشروع بنصوص الكتاب والسنَّة وذلك عند تفاقَم الخلاف بين الزوجين ، فأرشد الشارع مَن له القِوامة أن يحفظ كيان الأسرة من الانهيار، وذلك بأن يعظ زوجتَه بالحسنى، فإن لم تستقم أعرض عنها في الفراش، فإن لم تستقم ضربها ضربا غير مُبَرِّح إلا أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حضَّ على عدم الضرب، لكن طلب إلغاء حكم التأديب أو النصوص الدالَّة عليه يعتبر خروجا عن المِلَّة، لما يترتَّب عليه من جُحود معلوم من الدين بالضرورة.
يقول أ. د عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر:(65/84)
أراد الشارع بالعَلاقة الزوجية أن تكون علاقة دائمة، ولهذا شرع من الأحكام ما يُحَقِّق مقصوده، فرخَّص لطرَفي هذه العلاقة أن ينظر كلٌّ منهما إلى صاحبه قبل إبرام العقد، فربما رأى منه ما يكون أَدْعَى لدوام العشرة؛ فقد رُوِيَ عن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة، فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "انظر إليها؛ فإنه أحرى أن يُؤدَم بينكما" أي تدوم بينكما المودة والعشرة، مع أن نظر الرجل إلى المرأة الأجنبية عنه مُحرَّم بحسب الأصل، وأوجب الشارع على الزوج بذل المهر إلى الزوجة بسخاء وطيب نفس، كما يبذل الإنسان الهبة لغيره، تطييبًا لخاطر الزوجة ورفعًا لشأنها، وبرهانًا لإعزازها، فقال الحق سبحانه: (وآتُوا النساءَ صدُقاتهنَّ نِحْلَةً)، كما أوجب على كلٍّ من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف، فقال سبحانه: (ولهنَّ مِثْلُ الذي عليهنَّ بالمعروفِ)، وأوصى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الرجل بالإحسان إلى زوجته، فقال، صلى الله عليه وسلم: "استوصُوا بالنساء خيرًا" .
ورغَّب الشارع في الإصلاح بين الزوجين، إذا احتدم النزاع، وخِيف من التنافُر المؤدِّي إلى الفُرْقة، فقال الله، تعالى: (وإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بينِهما فابعَثُوا حكمًا من أهلِهِ وحكمًا من أهلِهَا إنْ يُريدَا إصلاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بينَهُما) ومنع من التطليق إلا عند الضرورة ، فرُوِيَ عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "لا تُطَلِّقوا النساء إلا من رِيبة؛ فإن الله لا يحب الذوَّاقين ولا الذوَّاقات"، كما نهى عن الإيعاز إلى الزوج بتطليق زوجته، إذ رُوِي عن أبي هريرة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "لا تسأل المرأةُ طلاقَ أختها لتكفئ ما في صفحتها أو إنائها" ومنع الزوجة من أن تسأل زوجها أن يُطلِّقها من غير مقتضٍ، فرُوِي عن ثوبان أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "أيما امرأة سألت زوجها طلاقَها من غير ما بأسٍ، فحرام عليها رائحة الجنة" كما نفَّر الزوج من إنهاء عَلاقته بزوجته بالطلاق، فرُوِي عن ابن عمر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق"، ومقصود الشارع من ذلك كله دوام العشرة بين الزوجين.
وقد أمر الشارع المرأة بطاعة زوجها في كل ما يتعلق بعقد النكاح من حقوق، وجعل المرأة التي تُطيع زوجها في ذلك من خير النساء، فروي عن عبد الله بن سلام أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "خير النساء مَن تسرُّك إذا أبصرتَ، وتُطيعك إذا أمرتَ، وتحفظُ غَيْبتَك في نفسها ومالك"، إلا أنه قد يظهر من المرأة عدم اكتراث بحقوق زوجها عليها، فتضرِب بهذه الحقوق عُرْض الحائط، كأن تُسافر بدون إذنه، أو تعصي أمره، أو تُدخل في بيته مَن يكره، أو لا تحفظ ماله، أو تحتدُّ عليه في الحديث، أو تتعمَّد إهانته والإساءة إليه، ونحو ذلك، ففي هذه الحالة حرص الشارع على ألا يتفاقَم الخلاف بين الزوجين إلى الحدِّ الذي تستحيل معه المعاشرة بينهما.
فأرشد مَن له القِوامة على هذه الأسرة، إلى ما ينبغي أن يكون بحفظ كيانها من التصدُّع أو الانهيار، وذلك بأن يعظ زوجتَه بالحسنى، فيُذَكِّرها بحقوقه عليها، وما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الزوجين، وهذه العِظَة هي أُولَى درَجات التأليف بين الزوجين، تتلوها درجتان أشد منها يتبعهما الزوج إذا دعت إليهما ضرورة(65/85)
الحِفاظ على كِيان الأسرة، وأكثر النساء اللاتي أظهرن عدم الاكتراث بحقوق أزواجهن، تكفيهن هذه الموعظة للعدول عما انطوت من هذه الاستهانة.
إلا أن بعض النساء قد يستمرِئْن هذه الاستهانة بحقوق أزواجهن، وتُلقَى عليهن الموعظة فلا تجد منهن إلا آذانًا مُعرِضة نافرة، ونفوسًا ساخطة، وفي هذه الحالة لا تجدي موعظة، فكان لا بد من الالتجاء إلى وسيلة أخرى لحفظ بُنيان الأسرة من التصدُّع أو الانهيار، وهو إعراض الزوج عن زوجته، بأن يستدبِرَها في الفراش، حتى تستشعر عِظَم ما أهدرته من حقوقه عليها، وغالبًا ما تأتي هذه الوسيلة بالمقصود منها، خاصة مع ذوات الطِّباع الحادَّة، اللاتي يؤذيهن هذا الإعراض، وليس في هذه الوسيلة أو سابقتها امتهان لكرامة المرأة أو تحقير من شأنها، كما أنه ليس فيها عُنف أو تعنيف.
وهناك وسيلة ثالثة هي أشدُّها وأقساها على النفس، قد يضطر الزوج إلى استعمالها عند الضرورة إليها، وهي الضرب غير المُبَرِّح، الذي لا يكسر عظمًا ولا يدمي جلدًا، ولا يُسَبِّب عاهة، وهذه الوسيلة، وإن كانت مشروعة بنصوص الكتاب والسنَّة، إلا أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حضَّ على عدم استعمالها، فروي عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "وخيرُكم لا يَضرِب" ورُوي عبد الله بن زمعة عنه قوله: "لا يَجلِد أحدُكم امرأتَه جلد العبد، ثم يُجامعها في آخرِ اليوم"، وروي عن عائشة قالت: "ما ضرب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ امرأة له ولا خادمًا قط"، وهذا دليل على أفضلية عدم ضرب الزوج زوجته عند خوف نُشوزها.
ومما يدل على مشروعية استعمال الوسائل السابقة قول الله، تعالى: (واللاتِي تخافونَ نُشوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ واهجُرُوهنَّ في المضاجعِ واضرِبُوهُنَّ) وما رواه معاوية بن حيدة عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قوله: "حق المرأة على الزوج أن يُطعِمَها إذا طَعِم، ويكسوَها إذا اكتسى ولا يضرب الوجه ولا يُقَبِّح، ولا يهجُر إلا في البيت" وروَى عمرو بن الأحوص عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "استوصُوا بالنساء خيرًا؛ فإنما هن عندكم عوانٌ، ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مُبَيَّنة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربًا غير مُبَرِّح".
وهذا وغيره دليل على أن استعمال الزوج إحدى الوسائل السابقة مشروع عند الاقتضاء؛ لما سبق من نصوص، فطلبُ إلغاء حكم التأديب أو النصوص الدالَّة عليه خروج عن المِلَّة، لما يترتَّب عليه من جُحود معلوم من الدين بالضرورة، وعبَث بشرع الله سبحانه، وزلزلة للثوابت الإسلامية التي استقرت عليها شِرْعة الإسلام.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
الذهاب إلى الشواطىء: حكمه وآدابه ... العنوان
سمعنا في الآونة الأخيرة عن ظاهرة نزول الإسلاميين إلى الشواطئ، كيف ترون هذه الظاهرة؟
وما هي التوجيهات التي تقدمونها لكل من يرغب في الذهاب إلى الشواطئ؟ وهل يجوز للزوج أن يصحب زوجته معه للمصيف ؟(65/86)
... السؤال
14/06/2006 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالذهاب إلى المصايف أمر مباح، والمباح في الشرع يتقيد بشرط السلامة (أي سلامة الفعل من المحظورات الشرعية )، وقد يكون واجبا إذا كان القصد منه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وبخاصة في هذه الأماكن التي يكثر فيها الاختلاط وتكشف العورات وغالباماتنتهك الحرمات، وقد يكون مستحبا إذا استعان المسلم بهذه الراحة القصيرة على أداء واجباته، وقد يكون حراما إذا صاحبه اختلاط غير مشروع أو نظر إلى العورات ممنوع، أو غير ذلك من المحرمات، وذهاب الرجل بزوجه إلى المصايف جائز ما دام سيلتزم الزوجان بحدود وضوابط الشرع .
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
الذهاب للشواطئ للاستجمام حق لكل مواطن ولكل إنسان؛ فليس الاستجمام حقًا لكل اللادينيين وحدهم، حتى إذا ذهب الإسلاميون أُنكر عليهم ذلك: فهل هواء البحر محرّم على أهل الدين؟
فإذا جاء وقت الصلاة جاء المسلمون على شواطئ البحر ليصلوا، فلماذا هذا الإنكار على المسلمين ا لما ذهبوا إلى الشواطئ؟ فهذه الظاهرة طيبة، فمنذ سنوات امتدت الصحوة الإسلامية، وربما مر الإنسان على شواطئ الإسكندرية الآن ليرى الملتزمين وهم يصلون، وقد ترى المحجبات والمصلين عند البحر؛ وهذا أمر نحبذه، ولا نرى فيه منكرًا شرعًا
ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر:
التمتُّع بالحلال الطيب من نِعَم الله جائز، ومنه مشاهد الطبيعة والنسيم العَليل والحدائق والزُّهور قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعَبَادِهِ وَالطَّبِّيَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) (سورة الأعراف:32)، وقال: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَواتِ وَالأرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) (سورة الأعراف: 135)، وكل ذلك في نطاق قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ) (سورة المائدة:87)، وقوله: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ) (سورة الأعراف : 31)، فالتَّمتُّع بِالطَّيِّباتِ يَكُون في اعْتِدَالِ وَبِقَدَر، ولا يَتَعدَّى حُدُودَ المَشْروع.
وشواطئ البحار يَقْصدها الكثيرون في الصيف لطِيب الهواء والاستحمام بالماء وهدوء الأعصاب ولغير ذلك من الأغراض التي لها علاقة بالحكم؛ لأن الأعمال بالنيات. ولو التزمَ الإنْسان، وخاصَّة النساء، بالحِشْمة المطلوبة والأدب في السلوك عامة ما كان هناك مانع من ارتيادها. والحفاظ على الآداب من الناحية تقع مهمَّتُه الأولى على أولياء الأمور، من الأزواج والآباء، إلى جانب الجهات المسئولة عن الأمن والآداب، فلا بد من تعاون الجميع شَعبًا وحكومة على ذلك. مع العلم بأن(65/87)
"التصْييف" ليس أمرًا ضروريًّا حتميًّا حتى يُسْمح فيه ببعض التجاوزات، على قاعدة الضرورات تُبيح المَحْظورات، وإنَّما هو أمْر تَرْفِيهِيٌّ كَمَالِي، لا بدَّ فيه مِن مُراعاة كل الاحتياطات حتى لا تكون نتيجتُه إفساد الأخلاق والإسراف والتبذير، وبالتالي غضب الله سبحانه قال تعالى: ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (سورة الشورى : 30)
ويقول الشيخ محمد حسين عيسى من علماء ودعاة مصر:
الله سبحانه وتعالى لا يحرم على الزوج والزوجة أن يعيشا حياة البشر، كل ما أباحه الله عز وجل للمسلمين مباح للزوج والزوجة، بل مطلوب في صحبة الزوجية أن تكون هناك مواقف عاطفية متجددة، مواقف بين الزوجين متجددة لدوام هذه العلاقة الزوجية، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يخرج كما قالت أم المؤمنين عائشة معها إلى التلاع، والتلاع هي مساقط المياه في الصحراء، حيث الخضرة وانسياب الماء، وكان ذلك عندهم يسمى البادية، وأن الرسول كان يخرج مع زوجته يتبدى "كما نقول نحن نصيف"، إذن الخروج إلى الأماكن المختلفة تعيد الذكريات الطيبة بين الزوجين، وتنشط الحياة الزوجية وتسري متاعب العمل خارج البيت، ذلك من المطلوب ومن المستحب، بل هو نفسه في شرع الله عز وجل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بعض زوجاته في الأسفار، وكان يطلب من أصحابه أن يتقدموا عنه في مراحل السفر ثم يخلو مع بعض نسائه كعائشة ويتريض معها أي يتسابق، وكان يسبقها وكانت تسبقه.
إن الخروج لا غبار عليه إذا خرج الزوج مع زوجته، بل هو مستحب، لكن أقول إذا كان الخروج إلى أماكن البحر فيها معاص كالخلطة المفسدة بين الرجال والنساء أو التعري وكشف عورة المرأة وكلها عورة إلا الوجه والكفين، وكذلك الرجل عورته من السرة حتى الركبة، فهذا حرام، أما إذا لم تكن هناك خلطة مفسدة ولم يكن هناك تعرٍّ ، نقول كما قال الله تعالى "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق" فربنا لم يحرم إلا الحرام، وليس خروج الرجل مع زوجته للتريض والنزهة حراما، بل نحن نطالب كل زوج أن يفعل ذلك؛ لدوم العشرة وكي تجدد الأسرة نشاطها؛ وكي تستمر الحياة بلا متاعب ويسعد الزوجان.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
تسلط المرأة على زوجها: الحكم والعلاج ... العنوان
الإخوةالأفاضل :
تكمن مشكلتي في زوجتي التي تريد أن أبقى معها دائمافي البيت لا أخرج، بل قد تجبرني أحيانا على الجلوس في البيت حتى وصل الأمر إلى حبسي، كما أنها قد تسبني وتتهمني بعدم الأخلاق ، والأخطر من هذا أنها تمتنع عن المعاشرة الزوجية ، فماحكم هذه المرأة ،وماذا أفعل معها ؟
... السؤال
18/03/2006 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي(65/88)
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
الأخ السائل :
جعل الله تعالى قوامة البيت للرجال ، وقرر هذا في كتابه ، فقال تعالى :"الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ".
ثم ذكر بعدها صفات لنساء المسلمين :"فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله "
ففي مثل هذا الجو من الصلاح تكون قوامة الرجل بعطفه وحنانه على أسرته ، فإذا خرجت المرأة عن قوامة زوجها ، تأتي تكملة الآية :"واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ،فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا".
فلا يجوز للمرأة بحال أن تحبس زوجها ، أو تمنعه من الخروج من البيت،بل لا يجوز للرجل أن يمنع امرأته من الخروج من البيت في بعض الأحايين للحاجة الملحة ،وكل ما ورد في حق الرجل في خروج زوجته أن تستأذنه ، حتى تتم قوامته عليها ، وحتى يكون الخروج برضا بين الزوجين ، لأنه القيم عليها ، الحافظ لعرضها ،الحارس لشرفها .
ولكن عندما تنقلب الموازين ، فهذا أمر يكرهه الإسلام ،وقد كره الرسول صلى الله عليه وسلم المترجلة من النساء ، فالزوجة تأثم بمثل فعلها ، بل توجب غضب الله تعالى عليها بمثل هذا الفعل الذي يكاد يهدم البيت .
وقد تجنح كثير من النساء إلى أن يبقى زوجها معها في البيت ، ولا مانع من أن يمكث الرجل في بيته مع زوجته وقتا من اليوم ، فقد تكون المرأة وحدها ، وهي بحاجة إلى أنيس ، كما أن الرجل بحاجة إلى أنيس أيضا ، وإن كان الرجل يجد أنسه مع أصحابه وبعض معارفه، فأين أنس المرأة إن كانت تجلس وحدها وبمفردها في شقتها بين جدران أربع ، مع عدم وجود وسائل للتسلية المباحة ؟ ولكن لا يكون الجلوس جبرا وقسرا وقهرا .
وقد خلق الله تعالى الإنسان رجلا أو امرأة اجتماعيا بطبعه ، يحب أن يألف ويؤلف ،ويأنس ويؤنس ، ففي طلب زوجتك الجلوس معها في البيت حق لها ، ولكن لا يكون ذلك طول الوقت ، فيكون هناك نوع من الموازنة في الأمور .
وفي تقديري أن عدم وجود الألفة بين الزوجين هو الذي يسبب نفورك من البيت مع ما صنعته زوجتك ، وهي تشتكي وحشتها من الجلوس وحدها في شقتها ، فحاول أن تجد وسائل تحببك في وجودك مع زوجتك ، مع بعض الوسائل الأخرى التي تشغل زوجتك وقت خروجك، وهذه الوسطية التي قيل عنها :خير الأمور أواسطها ، وهي ميزة من ميزات هذا الدين الحنيف ، فلا إفراط ولا تفريط .(65/89)
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون مع أهله ، يداعبهن ويلاعبهن ،ويكون معهن في كثير من شئونهن ، وفي ذات الوقت كان يخرج مع أصحابه ويتدارس معهم شئون الدعوة إلى الله تعالى ،فوازن بين الأمور كلها .
ولكن كل هذا يكون في قوامة من الرجل ، وقيامه بواجبه تجاه بيته وأسرته .
أما عن سب وشتم الزوجة لك ،فهذا لا يجوز بحال من الأحوال، لا لك ، ولا لها ، فالمسلم عفيف اللسان ، يترفع عن فحش القول ،وقد قال الله تعالى :"وقولوا للناس حسنا "، فإن كان المسلم مطالب بالقول الحسن ،فإن المرأة يتوجب عليها القول الحسن لزوجها ،لأن هذا من أقل حقوق الرجل على زوجته ، وعفة اللسان من حسن العشرة ، وهي مطلوبة من المرأة كما هي من الرجل ،وقد جاء الخطاب للرجال بحسن العشرة في قوله تعالى :"وعاشروهن بالمعروف " ، لأن من المفترض أن المرأة تكون حريصة على إرضاء زوجها ، بما له من حق عليها ، فأعظم الناس حقا على المرأة زوجها ، فقد أخرج السيوطي بسند صحيح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أعظم الناس حقا على المرأة زوجها، وأعظم الناس حقا على الرجل أمه".
ومع خطأ الزوجة في حق زوجها ، فإن عليه أن يغفر لها ، فربما قالتها في ساعة غضب، وإن كان هذا لا ينفي عنها الخطأ والإثم عليها ، ولكن الإسلام حث على الصفح عن المخطئين في حقوقنا ، كما قال تعالى :"وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم" فالله تعالى يعلمنا أن الصفح عن الغير سبب في غفران الله تعالى لنا ، فمن عفا عن أخيه ، عفا الله عنه ، ومن سامح أخاه ،سامحه الله ، فلتسامح زوجتك عن خطأها في حقك ،ولا تجمع عليها غضب الله ثم غضبك.
والرجل عادة ما يكون قادرا على تشخيص حالة زوجته ، وهو يعرف ما الذي يغضبها ، وما الذي يسعدها ، وما هي مفاتيحها التي يدخل إلى قلبها من خلالها ، فاجلس مع زوجتك في ساعة صفاء وود بينكما، واعرف منها ما الذي أوصلها إلى هذه الحالة ، وحاول أن تعالجها بشيء من الحكمة مع الاستعانة بالله تعالى.
ولكن أخطر ما في الموضوع هو امتناع المرأة عن فراش زوجها ، ونومها في حجرة أخرى ، فإن هذا من أعظم الذنوب عند الله تعالى، والتي قد توجب غضب الله تعالى ولعنته عليها، فلا يجوز للمرأة الامتناع عن زوجها إلا أن يكون لها سبب يمنعها من ذلك كحيض ونفاس ، أو مرض لا تستطيع معه القيام بحق الزوجية ،وذلك أن امتناع المرأة عن زوجها قد يدفعه إلى النظر الحرام ، ومشاهدة الحرام ، بل قد ينشئ علاقات غير شرعية ،مما قد يؤدي إلى الوقوع في الزنى ،والعياذ بالله .
ومن هنا كان تشديد الإسلام في هذا الأمر على الزوجة ، لأن الرجل يطلع على ما لاتطلع عليه المرأة ، كما أن المرأة بطبعها وفية في الحب لزوجها ، وهي لا تنظر إلى غيره ، بخلاف بعض الرجال، فكان واجبا على المرأة ألا تهدم بيتها ،وألا تخسر زوجها ، بأن تعفه عن الحرام .(65/90)
ومن هنا يفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه :" إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح".
وهذه اللعنة مشروطة بألا يكون هناك مانع يمنع المرأة من إعطاء الرجل حقه في المعاشرة الزوجية .
وعلى الزوج أن ينصح زوجته وأن يذكرها بالله تعالى ، وأن يسعى في كل محاولة للإصلاح الجاد بينه وبين زوجته ،فإن رأى من امرأته إصرارا على عصيانه ، ورفضها لإعطائه حقه ، فيجوز له طلاقها ، على أن يكون التفكير في الطلاق آخر دواء للعلاج والإصلاح.
وفي خطورة امتناع المرأة عن زوجها يقول الشيخ القرضاوي :
إنَّ العلاقة الجنسية بين الزوجين أمر له خطره وأثره في الحياة الزوجية . وقد يؤدي عدم الاهتمام بها، أو وضعها في غير موضعها إلى تكدير هذه الحياة، وإصابتها بالاضطراب والتعاسة . وقد يفضي تراكم الأخطاء فيها إلى تدمير الحياة الزوجية والإتيان عليها من القواعد.
وربما ظن بعض الناس أن الدين أهمل هذه الناحية برغم أهميتها . وربما توهم آخرون أن الدين أسمى وأظهر من أن يتدخل في هذه الناحية بالتربية والتوجيه، أو بالتشريع والتنظيم، بناء على نظرة بعض الأديان إلى الجنس " على أنه قذارة وهبوط حيواني ".
والواقع أنَّ الإسلام لم يغفل هذا الجانب الحساس من حياة الإنسان، وحياة الأسرة، وكان له في ذلك أوامره ونواهيه، سواء منها ما كان له طبيعة الوصايا الأخلاقية، أم كان له طبيعة القوانين الإلزامية.
1 - وأول ما قرره الإسلام في هذا الجانب هو الاعتراف بفطرية الدافع الجنسي وأصالته، وإدانة الاتجاهات المتطرفة التي تميل إلى مصادرته، أو اعتباره قذرًا وتلوثًا . ولهذا منع الذين أرادوا قطع الشهوة الجنسية نهائيًا بالاختصاء من أصحابه، وقال لآخرين أرادوا اعتزال النساء وترك الزواج: " أنا أعلَمُكم بالله وأخشاكم له، ولكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء . فمن رغب عن سنتي فليس مني ".
2 - كما قرَّر بعد الزواج حق كل من الزوجين في الاستجابة لهذا الدافع، ورغب في العمل الجنسي إلى حد اعتباره عبادة وقربة إلى الله تعالى، حيث جاء في الحديث الصحيح: " وفي بضع أحدكم (أي فرجه) صدقة . قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال: نعم . أليس إذا وضعها في حرام كان عليه وزر . كذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر، أتحتسبون الشر ولا تحتسبون الخير ؟ " . رواه مسلم.
ولكن الإسلام راعى أن الزوج بمقتضى الفطرة والعادة هو الطالب لهذه الناحية والمرأة هي المطلوبة . وأنه أشد شوقًا إليها، وأقل صبرًا عنها، على خلاف ما يشيع بعض الناس أن شهوة المرأة أقوى من الرجل، فقد أثبت الواقع خلاف ذلك .. وهو عين ما أثبته الشرع.(65/91)
( أ ) ولهذا أوجب على الزوجة أن تستجيب للزوج إذا دعاها إلى فراشه، ولا تتخلف عنه كما في الحديث: " إذا دعا الرجل زوجته لحاجته، فلتأته وإن كانت على التنور ". (رواه الترمذي وحسنه).
( ب ) وحذرها أن ترفض طلبه بغير عذر، فيبيت وهو ساخط عليها، وقد يكون مفرطًا في شهوته وشبقه، فتدفعه دفعًا إلى سلوك منحرف أو التفكير فيه، أو القلق والتوتر على الأقل، " إذا دعا الرجل امرأته، فأبت أن تجيء، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح ". (متفق عليه).
وهذا كله ما لم يكن لديها عذر معتبر من مرض أو إرهاق، أو مانع شرعي، أو غير ذلك.
وعلى الزوج أن يراعي ذلك، فإن الله سبحانه - وهو خالق العباد ورازقهم وهاديهم - أسقط حقوقه عليهم إلى بدل أو إلى غير بدل، عند العذر، فعلى عباده أن يقتدوا به في ذلك.
(جـ) وتتمة لذلك نهاها أن تتطوع بالصيام وهو حاضر إلا بإذنه، لأن حقه أولى بالرعاية من ثواب صيام النافلة، وفي الحديث المتفق عليه: " لا تصوم المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه " والمراد صوم التطوع بالاتفاق كما جاء في ذلك حديث آخر.
3- والإسلام حين راعى قوة الشهوة عند الرجل، لم ينس جانب المرأة، وحقها الفطري في الإشباع بوصفها أنثى . ولهذا قال لمن كان يصوم النهار ويقوم الليل من أصحابه مثل عبد الله بن عمرو: إن لبدنك عليك حقًا، وإن لأهلك (أي امرأتك) عليك حقًا . قال الإمام الغزالي: " ينبغي أن يأتيها في كل أربع ليال مرة، فهو أعدل، إذ عدد النساء أربع (أي الحد الأقصى الجائز) فجاز التأخير إلى هذا الحد . نعم ينبغي أن يزيد أو ينقص بحسب حاجتها في التحصين . فإن تحصينها واجب عليه ". (إحياء علوم الدين، جـ 2، ص 50 دار المعرفة - بيروت).انتهى
وعلى الزوج أن يبحث عن سبب امتناع المرأة عن مثل هذا الشيء ، فهو فطري ،والمرأة في حاجة إليه كما أن الرجل في حاجة إليه أيضا .
وفي تقديري:
أنَّ بحث المشكلة مع وجود الألفة والمودة والحرص على بقاء البيت ، والسعى لإرضاء النفوس من قبل الزوجين ، سبب قوي في طريق العلاج والحل لمثل هذه المشكلات ، مع الاستعانة بالله تعالى ، والإكثار من التقرب إليه بالطاعات والقربات، فهو سبحانه مفرج الكروب ، كاشف الهموم والغموم .
والله نسأل لكما التوفيق وحسن العشرة .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
أخذ شيك على الزوج ضمانا لاستمرار العشرة ... العنوان
خَطبتُ فتاةً مسلمةً ذاتَ خُلق ودِين فَوَافقَ والدُها على الزواج، وحدَّدنا للعقد يومًا ودعونا الأهل والأصدقاء والجيران، وجاء اليوم المَوعود فأحضَرَ لي والدُها شِيكًا بمَبلغ كبير وطلَب مني التوقيعَ عليه، فسألتُه عن السبب في هذا الطلَب فقال لي: إنَّ(65/92)
هذا الشيكَ سيكون ضمانًا لحُسن المُعاشرة واستمرار الحياة الزوجية، فإن الزوج ـ كما قال ـ إذا أحسَّ بأنه لو فكَّر في الطلاق أنه أمام عَقبة لا يَستطيع أن يَتخطَّاها بسُهولة يُقلِعُ عن التفكير في الطلاق، وبذلك يَظلُّ الزوج مُحافظًا على زوجته فلا يُطلِّقها بل ولا يُسيءُ عِشرتَها... إلى آخر ما قال مِن كلام لا يَخرج عمَّا ذَكرتُه، وزعم أن هذه عادةٌ قد انتشرتْ في كثير من البلاد، فقلت له: أليستْ قائمةُ المَنقولات التي كتَبْناها معًا تُغني عن هذا؟ فقال: لا. وأمام تَصميم الوالد على هذا الشيك وَقَّعتُ له عليه، وفي نفسي مِن ذلك ما فيها من حُزنٍ وخوفٍ مِن العواقب التي لا تُحمد، وغلَب على ظنِّي أن هذا الزواج لن يَستمر، وأن هذا الشيك أصبحَ يُمثل سيفًا مُسلَّطًا على عُنقي، ونَدمت على ما فعلتُ، وأنا أسأل: هل كتابة الشيك على الزوج عملٌ يُقرُّهُ الدِّين؟ وهل كنتُ مُخطئًا عندما وافقتُه على ذلك؟ أفِيدُونا أفادكم الله.
... السؤال
11/03/2006 ... التاريخ
الدكتور محمد بكر إسماعيل ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
أخذ شيك على الزوج ضمانا لاستمرار العشرة واستمرار الحياة الزوجية ليس من الدين في شيء ، أما قائمة المنقولات فهي من الأمور التي تحفظ حقوق الزوجية .
يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل الأستاذ بجامعة الأزهر :
لا شك أن قائمةَ المَنقولات مِن الأمور الواجبة لحِفظ حُقوق الزوجية بشرط ألا يُبالَغَ فيها. أما أخْذُ شيكٍ بمبلغ كبيرٍ أو صغير على الزوج للحَيْلولة بينه وبين التفكير في الطلاق، فهو عملٌ ليس مِن الدِّين في شيء، وهو يُؤدِّي إلى عكس ما يُرجَى منه تمامًا، ويَجعل الزوج في حالة نفسيَّة قاسية ربما تَحمله على إساءة عِشرة زوجته والانتقام منها، وحمْلها على التنازُل له عن كل حُقوقها لكي تَتخلَّص مِن شرِّه وسُوء صَنيعه.
والزواج إنَّما يُبنى على العدْل والفَضل والمَعروف والعفْو والتَّسامح والتفاهم والتقوَى، فعقد الزواج ليس كسائر العُقود التي تُحاط بالضمانات المالية ولكنه مِيثاق غليظٌ يُباركه اللهُ مِن فوق سبع سماواتٍ ويأمر الزوجَينِ بالمحافظة عليه والعمل على دَوامِه بالحُبِّ والإخلاص والثِّقة وحُسن المُعاشرة والتسامي عن المادِّيَّات بقَدْرِ الإمْكان.
ومِن هذا يَتبيَّن لنا أن وَالدَ الزوجةَ كان مُخطئًا بكل المقاييس، وإني أرجو ألا تَنتشر هذه العادة التي يَدفع إليها الشُّحُّ والجهل بمُقومات الزواج وأُسُسِهِ العامة.
وأنت ـ أيها السائل الكريم ـ كنتَ مُخطئًا عندما وافقتَ على هذا الشرط المُهين الذي تَعمَّد والدُها تَرْكَ الإفْصاح عنه إلى اليوم الذي تَجِدُ نفسَك مُحرَجًا كلَّ الحرَج في رَفْضِه، ولكن لا بأس، وما عليك إلا أن تَتماسَكَ وألا تُنزلَ غضبك على امرأتِك؛ فليس لها ذنْبٌ في ذلك وإنما الذنب على والدها ـ سامَحَه اللهُ ـ وانْسَ هذا الشيك حتى(65/93)
تتمكَّن مِن حُسن مُعاشرة زوجتك والعيش معها في هُدوء، واستعنْ بالله ـ تبارك وتعالى ـ وقُل: قدَّر اللهُ وما شاءَ فعَلَ. عافانَا الله وإيَّاكَ مِن شرِّ هذه العادات التي تُعجِّل بهدْم بيت الزوجية قبل إتمام بِنائه واستكمال دَعائمِه.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
زواج المسلم من الكتابيات.. حقائق وضوابط ... العنوان
هذا موضوع أرجو أن يتسع وقتكم لتحريره وتحقيقه، وهو موضوع الزواج من غير المسلمات . وأعني بالذات " الكتابيات " مسيحيات أو يهوديات - ممن نعتبرهم نحن المسلمين " أهل كتاب " ولهم حكم خاص يميزهم عن غيرهم من الوثنيين وأمثالهم.
وقد رأيت ورأى الكثيرون غيري مفاسد جمة من وراء هذا النوع من الزواج، وخصوصًا على الأولاد من هذه الزوجة، التي كثيرًا ما تصبغ البيت كله بصبغتها، وتربي الأبناء والبنات على طريقتها، والزوج لا يقدم ولا يؤخر، فهو في الأسرة مثل " شرابة الخرج " كما يقول العامة.
ولما كان اعتقادي أن الإسلام لا يبيح ما فيه ضرر أو مفسدة كتبت إليكم مستوضحًا رأيكم في هذه القضية ؛ لما علمته من نظرتكم الشاملة إلى مثل هذه القضايا، ومعالجتها في ضوء النصوص الأصلية للشريعة، وفي ضوء مقاصدها ومبادئها العامة وأصولها الكلية.
... السؤال
17/01/2006 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فالأصل في الزواج من أهل الكتاب الإباحة، لكن هناك شروط وقيود وضعها الفقهاء في القديم والحديث لا بد لمن أراد أن يقدم على الزواج من أهل الكتاب أن يراعيها، وإلا اختلف الحكم ، فكما قرر الفقهاء أن المباح مقيد بشرط السلامة، أي سلامة المسلم في دينه وعرضه وذريته وغير ذلك، وللحاكم أو من يقوم مقامه أن يقيد المباح، بالإضافة لاختلاف الزمان والمكان ، واختلاف شخصية المرأة وشخصية الرجل في هذا العصر عنه في العصر الماضي، ولا ننس أثر المجتمع ومدي قوته أو ضعفه في تربية النشء والحرص عليه، ومن هنا نعلم أن الزواج من غير المسلمات في عصرنا ينبغي أن يمنع سدًا للذريعة إلى ألوان شتى من الضرر والفساد . ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة . ولا يسوغ القول بجوازه إلا لضرورة قاهرة أو حاجة ملحة، وتقدر بقدرها. .
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في مسألة الزواج من أهل الكتاب :
رأي جمهور المسلمين إباحة الزواج من الكتابية:
الأصل في الزواج من نساء أهل الكتاب عند جمهور المسلمين هو الإباحة.(65/94)
فقد أحل الله لأهل الإسلام مؤاكلة أهل الكتاب ومصاهرتهم في آية واحدة من سورة المائدة، وهي من أواخر ما نزل من القرآن الكريم . قال تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان).
رأى ابن عمر وبعض المجتهدين:
وخالف في ذلك من الصحابة عبد الله بن عمر -رضى الله عنهما-، فلم ير الزواج من الكتابية مباحًا، فقد روى عنه البخاري: أنه كان إذا سُئل عن نكاح النصرانية واليهودية قال: إن الله حرم المشركات على المؤمنين، (يعني قوله تعالى: :. لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن") ولا أعلم من الإشراك شيئًا أكبر من أن تقول: " ربها عيسى، وهو عبد من عباد الله ! ".
ومن العلماء من يحمل قول ابن عمر على كراهية الزواج من الكتابية لا التحريم ولكن العبارات المروية عنه تدل على ما هو أكثر من الكراهية.
وقد أخذ جماعة من الشيعة الإمامية بما ذهب إليه ابن عمر استدلالاً بعموم قوله تعالى في سورة البقرة: (ولا تنكحوا المشركات) وبقوله في سورة الممتحنة: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر).
ترجيح رأي الجمهور: والحق أن رأي الجمهور هو الصحيح، لوضوح آية المائدة في الدلالة على الزواج من الكتابيات . وهي من آخر ما نزل كما جاء في الحديث.
وأما قوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات) وقوله: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) فإما أن يقال: هذا عام خصصته سورة المائدة، أو يقال: إن كلمة " المشركات " لا تتناول أهل الكتاب أصلاً في لغة القرآن، ولهذا يعطف أحدهما على الآخر كما في سورة البقرة: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين . .)، (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها . . . .).
وفي سورة الحج يقول تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين والمجوس والذين أشركوا، إن الله يفصل بينهم يوم القيامة...) فجعل الذين أشركوا صنفًا متميزًا عن باقي الأصناف، ويعني بهم الوثنيين . والمراد بـ " الكوافر " في آية الممتحنة: المشركات، كما يدل على ذلك سياق السورة.
قيود يجب مراعاتها عند الزواج من الكتابية: وإذن يكون الراجح ما بيناه من أن الأصل هو إباحة زواج المسلم من الكتابية، ترغيبًا لها في الإسلام، وتقريبًا بين المسلمين وأهل الكتاب، وتوسيعًا لدائرة التسامح والألفة وحسن العشرة بين الفريقين.
ولكن هذا الأصل معتبر بعدة قيود، يجب ألا نغفلها:
القيد الأول:
الاستيثاق من كونها " كتابية " بمعنى أنها تؤمن بدين سماوي الأصل كاليهودية والنصرانية، فهي مؤمنة - في الجملة - بالله ورسالاته والدار الآخرة . وليست ملحدة أو مرتدة عن دينها، ولا مؤمنة بدين ليس له نسب معروف إلى السماء.
ومن المعلوم في الغرب الآن أنه ليست كل فتاة تولد من أبوين مسيحيين مثلاً مسيحية . ولا كل من نشأت في بيئة مسيحية تكون مسيحية بالضرورة . فقد تكون(65/95)
شيوعية مادية، وقد تكون على نحلة مرفوضة أساسًا في نظر الإسلام كالبهائية ونحوها.
القيد الثاني:
أن تكون عفيفة محصنة فإن الله لم يبح كل كتابية، بل قيد في آياته الإباحة نفسها بالإحصان، حيث قال: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) قال ابن كثير: والظاهر أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنى، كما في الآية الأخرى: (محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان) . وهذا ما أختاره . فلا يجوز للمسلم بحال أن يتزوج من فتاة تسلم زمامها لأي رجل، بل يجب أن تكون مستقيمة نظيفة بعيدة عن الشبهات.
وهذا ما اختاره ابن كثير، وذكر أنه رأى الجمهور، وقال " وهو الأشبه، لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية، وهي مع ذلك غير عفيفة، فيفسد حالها بالكلية، ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل: حشفًا وسوء كيله ! ". (تفسير ابن كثير، جـ 2، والله أعلم . 20 ط. الحلبي).
وقد جاء عن الإمام الحسن البصري أن رجلاً سأله: أيتزوج الرجل المرأة من أهل الكتاب ؟ فقال: ما له ولأهل الكتاب ؛ وقد أكثر الله المسلمات ؟ ! فإن كان ولابد فاعلاً . فليعمد إليها حصانًا (أي محصنة) غير مسافحة . قال الرجل: وما المسافحة ! ؟ قال: هي التي إذا لمح الرجل إليها بعينه اتبعته.
ولا ريب أن هذا الصنف من النساء في المجتمعات الغربية في عصرنا يعتبر شيئًا نادرًا بل شاذًا، كما تدل عليه كتابات الغربيين وتقاريرهم وإحصاءاتهم أنفسهم، وما نسميه نحن البكارة والعفة والإحصان والشرف ونحو ذلك، ليس له أية قيمة اجتماعية عندهم، والفتاة التي لا صديق لها تُعيَّر من أترابها، بل من أهلها وأقرب الناس إليها.
القيد الثالث:
ألا تكون من قوم يعادون المسلمين ويحاربونهم . ولهذا فرق جماعة من الفقهاء بين الذمية والحربية . فأباحوا الزواج من الأولى، ومنعوا الثانية . وقد جاء هذا عن ابن عباس فقال: من نساء أهل الكتاب من يحل لنا، ومنهم من لا يحل لنا . ثم قرأ: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية . . . .) فمن أعطى الجزية حل لنا نساؤه، ومن لم يعط الجزية لم يحل لنا نساؤه.
وقد ذكر هذا القول لإبراهيم النخعي - أحد فقهاء الكوفة وأئمتها - فأعجبه (تفسير الطبري، جـ9، ص. 788 بتحقيق شاكر). وفي مصنف عبد الرزاق عن قتادة قال: لا تنكح امرأة من أهل الكتاب إلا في عهد . وعن علي رضي الله عنه بنحوه.
وعن ابن جريج قال: بلغني ألا تنكح امرأة من أهل الكتاب إلا في عهد.
وفي مجموع الإمام زيد عن علي: أنه كره نكاح أهل الحرب . قال الشارح في " الروض النضير ": والمراد بالكراهة: التحريم ؛ لأنهم ليسوا من أهل ذمة المسلمين . قال: وقال قوم بكراهته ولم يحرموه، لعموم قوله تعالى: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) فغلبوا الكتاب على الدار (الروض النضير، جـ 4، ص.(65/96)
270 - 274). يعني: دار الإسلام . والذي من أهل دار الإسلام بخلاف غيره من أهل الكتاب.
ولا ريب أن لرأي ابن عباس وجاهته ورجحانه لمن يتأمل، فقد جعل الله المصاهرة من أقوى الروابط بين البشر، وهي تلي رابطة النسب والدم، ولهذا قال سبحانه: (وهو الذي خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا) (سورة الفرقان). فكيف تتحقق هذه الرابطة بين المسلمين وبين قوم يحادونهم ويحاربونهم وكيف يسوغ للمسلم أن يصهر إليهم، فيصبح منهم أجداد أولاده وجداتهم وأخوالهم وخالاتهم ؟ فضلاً عن أن تكون زوجه وربة داره وأم أولاد منهم ؟ وكيف يؤمن أن تطلع على عورات المسلمين وتخبر بها قومها ؟.
ولا غرو أن رأينا العلامة أبا بكر الرازي الحنفي يميل إلى تأييد رأي ابن عباس، محتجًا له بقوله تعالى: (لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) والزواج يوجب المودة، يقول تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة) (سورة الروم).
قال: فينبغي أن يكون نكاح الحربيات محظورًا ؛ لأن قوله تعالى: (يوادون من حاد الله ورسوله) إنما يقع على أهل الحرب، لأنهم في حد غير حدنا. (أحكام القرآن، جـ 2، ص. 397، 398).
يؤيد ذلك قوله تعالى: (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون). (سورة الممتحنة: 9).
وهل هناك تول لهؤلاء أكثر من أن يزوج إليهم، وتصبح الواحدة من نسائهم جزءا من أسرته بل العمود الفقري في الأسرة ؟
وبناء على هذا لا يجوز لمسلم في عصرنا أن يتزوج يهودية، ما دامت الحرب قائمة بيننا وبين إسرائيل، ولا قيمة لما يقال من التفرقة بين اليهودية والصهيونية، فالواقع أن كل يهودي صهيوني، لأن المكونات العقلية والنفسية للصهيونية إنما مصدرها التوراة وملحقاتها وشروحها والتلمود . . . وكل امرأة يهودية إنما هي جندية - بروحها - في جيش إسرائيل.
القيد الرابع:
ألا يكون من وراء الزواج من الكتابية فتنة ولا ضرر محقق أو مرجح، فإن استعمال المباحات كلها مقيد بعدم الضرر، فإذا تبين أن في إطلاق استعمالها ضررًا عامًا، منعت منعًا عامًا، أو ضررًا خاصًا منعت منعًا خاصًا، وكلما عظم الضرر تأكد المنع والتحريم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار ".
وهذا الحديث يمثل قاعدة شرعية قطعية من قواعد الشرع، لأنه - وإن كان بلفظه حديث آحاد - مأخوذ من حيث المعنى من نصوص وأحكام جزئية جمة من القرآن والسنة، تفيد اليقين والقطع.
ومن هنا كانت سلطة ولي الأمر الشرعي في تقييد بعض المباحات إذا خشي من إطلاق استخدامها أو تناولها ضررًا معينًا.
والضرر المخوف بزواج غير المسلمة يتحقق في صور كثيرة منها:(65/97)
1 - أن ينتشر الزواج من غير المسلمات، بحيث يؤثر على الفتيات المسلمات الصالحات للزواج، وذلك أن عدد النساء غالبًا ما يكون مثل عدد الرجال أو أكثر، وعدد الصالحات للزواج منهن أكبر قطعًا من عدد القادرين على أعباء الزواج من الرجال.
فإذا أصبح التزوج بغير المسلمات ظاهرة اجتماعية مألوفة، فإن مثل عددهن من بنات المسلمين سيحرمن من الزواج، ولا سيما أن تعدد الزوجات في عصرنا أصبح أمرًا نادرًا، بل شاذًا، ومن المقرر المعلوم بالضرورة أن المسلمة لا يحل لها أن تتزوج إلا مسلمًا، فلا حل لهذه المعادلة إلا سد باب الزواج من غير المسلمات إذا خيف على المسلمات.
وإذا كان المسلمون في بلد ما، يمثلون أقلية محدودة، مثل بعض الجاليات في أوروبا وأمريكا، وبعض الأقليات في آسيا وأفريقية، فمنطق الشريعة وروحها يقتضي تحريم زواج الرجال المسلمين من غير المسلمات، وإلا كانت النتيجة ألا يجد بنات المسلمين - أو عدد كبير منهن - رجلاً مسلما يتقدم للزواج منهن، وحينئذ تتعرض المرأة المسلمة لأحد أمور ثلاث:
( أ ) إما الزواج من غير مسلم، وهذا باطل في الإسلام.
( ب ) وإما الانحراف، والسير في طريق الرذيلة . وهذا من كبائر الإثم.
(جـ) وإما عيشة الحرمان الدائم من حياة الزوجية والأمومة.
وكل هذا مما لا يرضاه الإسلام . وهو نتيجة حتمية لزواج الرجال المسلمين من غير المسلمات، مع منع المسلمة من التزوج بغير المسلم.
هذا الضرر الذي نبهنا عليه هو الذي خافه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - فيما رواه الإمام محمد بن الحسن - في كتابه " الآثار، حين بلغه أن الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان تزوج - وهو بالمدائن - امرأة يهودية، فكتب إليه عمر مرة أخرى: أعزم عليك ألا تضع كتابي هذا حتى تخلي سبيلها، فإني أخاف أن يقتدي بك المسلمون، فيختاروا نساء أهل الذمة لجمالهن، وكفى بذلك فتنة لنساء المسلمين ". (انظر كتابنا: شريعة الإسلام: خلودها وصلاحها للتطبيق في كل زمان ومكان، ص39، ط. أولى).
2 - وقد ذكر الإمام سعيد بن منصور في سننه قصة زواج حذيفة هذه، ولكنه ذكر تعليلاً آخر لمنع عمر لحذيفة . فبعد أن نفى حرمة هذا الزواج قال: " ولكني خشيت أن تعاطوا المومسات منهن ". (المصدر السابق ص40، وكذلك ذكره الطبري، جـ 4، ص366، 367، ط. المعارف: وتكلم عنه ابن كثير، جـ 1، ص257 وصحح إسناده . وهناك علة ثالثة ذكرها عبد الرزاق في " المصنف " عن سعيد بن المسيب عن عمر: أنه عزم عليه أن يفارقها، خشية أن يقيس الناس المجوسية على الكتابية ويتزوجوا المجوس اقتداء بحذيفة، جاهلين الرخصة التي كانت من الله في الكتابيات خاصة . وانظر المصنف، جـ 7، ص178).
ولا مانع أن يكون كل من العلتين مقصودًا لعمر رضي الله عنه.
فهو يخشى - من ناحية - كساد سوق الفتيات المسلمات، أو كثير منهن . وفي ذلك فتنة أي فتنة.(65/98)
ومن ناحية أخرى يخشى أن يتساهل بعض الناس في شرط الإحصان - العفاف - الذي قيد به القرآن حل الزواج منهن، حتى يتعاطوا زواج الفاجرات والمومسات، وكلتاهما مفسدة ينبغي أن تمنع قبل وقوعها، عملاً بسد الذرائع . ولعل هذا نفسه ما جعل عمر يعزم على طلحة بن عبيد الله إلا طلق امرأة كتابية تزوجها، وكانت بنت عظيم يهود، كما في مصنف عبد الرزاق. (المصنف، جـ 7 ص177 - 178).
3 - إن الزواج من غير المسلمة إذا كانت أجنبية غريبة عن الوطن واللغة والثقافة والتقاليد - مثل زواج العربي والشرقي من الأوروبيات والأمريكيات النصرانيات - يمثل خطرًا آخر يحس به كل من يدرس هذه الظاهرة بعمق وإنصاف، بل يراه مجسدًا ماثلاً للعيان . فكثيرًا ما يذهب بعض أبناء العرب المسلمين إلى أوروبا وأمريكا للدراسة في جامعاتها، أو للتدريب في مصانعها، أو للعمل في مؤسساتها، وقد يمتد به الزمن هناك إلى سنوات ثم يعود أحدهم يصحب زوجة أجنبية، دينها غير دينه، ولغتها غير لغته، وجنسها غير جنسه، وتقاليدها غير تقاليده، ومفاهيمها غير مفاهيمه، أو على الأقل غير تقاليد قومه ومفاهيمهم، فإذا رضيت أن تعيش في وطنه - وكثيرًا ما لا ترضى - وقدر لأحد من أبويه أو إخوانه أو أقاربه، أن يزوره في بيته، وجد نفسه غريبًا . فالبيت بمادياته ومعنوياته أمريكي الطابع أو أوربيه في كل شيء، وهو بيت " المدام " وليس بيت صاحبنا العربي المسلم، هي القوامة عليه، وليس هو القوام عليها . ويعود أهل الرجل إلى قريتهم أو مدينتهم بالأسى والمرارة، وقد أحسوا بأنهم فقدوا ابنهم وهو على قيد الحياة !!
وتشتد المصيبة حين يولد لهما أطفال، فهم يشبون - غالبًا - على ما تريد الأم، لا على ما يريد الأب إن كانت له إرادة، فهم أدنى إليها، ألصق بها، وأعمق تأثرًا بها، وخصوصًا إذا ولدوا في أرضها وبين قومها هي، وهنا ينشأ هؤلاء الأولاد على دين الأم وعلى احترام قيمها ومفاهيمها وتقاليدها . وحتى لو بقوا على دين الأب، فإنما يبقون عليه اسمًا وصورة، لا حقيقة وفعلاً . ومعنى هذا أننا نخسر هؤلاء الناشئة دينيًا وقوميًا إن لم نخسر آباءهم أيضًا.
وهذا الصنف أهون شرًا من صنف آخر يتزوج الأجنبية، ثم يستقر ويبقى معها في وطنها وبين قومها، بحيث يندمج فيهم ، ولا يكاد يذكر دينه وأهله ووطنه وأمته . أما أولاده فهم ينشأون أوروبيين أو أمريكيين، إن لم يكن في الوجوه والأسماء، ففي الفكر والخلق والسلوك، وربما في الاعتقاد أيضًا، وربما فقدوا الوجه والاسم كذلك، فلم يبق لهم شيء يذكرهم بأنهم انحدروا من أصول عربية أو إسلامية.
ومن أجل هذه المفسدة، نرى كثيرًا من الدول تحرم على سفرائها، وكذلك ضباط جيشها، أن يتزوجوا أجنبيات، بناء على مصالح واعتبارات وطنية وقومية.
تنبيه مهم: وفي ختام هذا البحث، أرى لزامًا علي - في ضوء الظروف والملابسات التي تتغير الفتوى بتغيرها - أن أنبه على أمر لا يغيب عن ذوي البصائر، وهو في نظري على غاية من الأهمية، وهو:
إن الإسلام حين رخص في الزواج من الكتابيات راعى أمرين:
1 - أن الكتابية ذات دين سماوي في الأصل، فهي تشترك مع المسلم في الإيمان وبرسالاته، وبالدار الآخرة وبالقيم الأخلاقية، والمثل الروحية التي توارثتها(65/99)
الإنسانية عن النبوات، وذلك في الجملة لا في التفصيل طبعًا . وهذا يجعل المسافة بينها وبين الإسلام قريبة، لأنه يعترف بأصل دينه، ويقر بأصوله في الجملة، ويزيد عليها ويتممها بكل نافع وجديد.
2 - إن المرأة الكتابية - وهذا شأنها - إذا عاشت في ظل زوج مسلم ملتزم بالإسلام، وتحت سلطان مجتمع مسلم مستمسك بشرائع الإسلام - تصبح في دور المتأثر لا المؤثر والقابل لا الفاعل - فالمتوقع منها والمرجو لها أن تدخل في الإسلام اعتقادًا وعملاً . فإذا لم تدخل في عقيدة الإسلام - وهذا حقها إذ لا إكراه في الدين - اعتقادًا وعملاً . فإنها تدخل في الإسلام من حيث هو تقاليد وآداب اجتماعية . ومعنى هذا أنها تذوب داخل المجتمع الإسلامي سلوكيًا، إن لم تذب فيه عقائديًا.
وبهذا لا يخشى منها أن تؤثر على الزوج أو على الأولاد، لأن سلطان المجتمع الإسلامي من حولها أقوى وأعظم من أي محاولة منها لو حدثت.
كما أن قوة الزوج عادة في تلك الأعصار، وغيرته على دينه، واعتزازه به اعتزازًا لا حد له، وحرصه على حسن تنشئة أولاده، وسلامة عقيدتهم، يفقد الزوجة القدرة على أن تؤثر في الأولاد تأثيرًا يتنافى مع خط الإسلام.
أما في عصرنا، فيجب أن نعترف بشجاعة وصراحة: إن سلطان الرجل على المرأة المثقفة قد ضعف، وإن شخصية المرأة قد قويت، وبخاصة المرأة الغربية.
أما سلطان المجتمع المسلم فأين هو ؟ إن المجتمع الإسلامي الحقيقي الذي يتبنى الإسلام عقيدة وشريعة ومفاهيم وتقاليد وأخلاقًا وحضارة شاملة، غير موجود اليوم.
وإذا كان المجتمع المسلم غير موجود بالصورة المنشودة، فيجب أن تبقى الأسرة المسلمة موجودة، عسى أن تعوض بعض النقص الناتج عن غياب المجتمع الإسلامي الكامل.
فإذا فرطنا في الأسرة هي الأخرى، فأصبحت تتكون من أم غير مسلمة، وأب لا يبالي ما يصنع أبناؤه وبناته، ولا ما تصنع زوجته، فقل على الإسلام وأهله السلام !
ومن هنا نعلم أن الزواج من غير المسلمات في عصرنا ينبغي أن يمنع سدًا للذريعة إلى ألوان شتى من الضرر والفساد . ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة . ولا يسوغ القول بجوازه إلا لضرورة قاهرة أو حاجة ملحة، وهو يقدر بقدرها.
ولا ننسى هنا أن نذكر أنه مهما ترخص المترخصون في الزواج من غير المسلمة، فإن مما لا خلاف عليه، أن الزواج من المسلمة أولى وأفضل من جهات عديدة، فلا شك أن توافق الزوجين من الناحية الدينية أعون على الحياة السعيدة . بل كلما توافقا فكريًا ومذهبيًا كان أفضل.
وأكثر من ذلك أن الإسلام لا يكتفي بمجرد الزواج من أية مسلمة، بل يرغب كل الترغيب في الزواج من المسلمة المتدينة، فهي أحرص على مرضاة الله، وأرعى لحق الزوج، وأقدر على حفظ نفسها وماله وولده . ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " فاظفر بذات الدين تربت يداك ".
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
هل للمرأة ذمة مالية مستقلة ؟ ... العنوان(65/100)
أخبرني أحد الناس أنه قرأ حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ الألباني ونصه :( ليس للمرأة أن تنتهك شيئاً من مالها إلا بإذن زوجها ) وقد ذكر الشيخ الألباني أن هذا الحديث وما في معناه يدل على أن المرأة لا يجوز لها أن تتصرف بمالها الخاص إلا بإذن زوجها فما قولكم في ذلك ؟ ... السؤال
04/05/2005 ... التاريخ
د.حسام الدين بن موسى عفانة ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:-
هذا الحديث ضعف إسناده غير واحد من علماء الحديث، بل إن الشيخ الألباني ضعفه هو الآخر غير أنه صححه بشواهده لا بإسناده نفسه، وجمهور أهل العلم لا يقولون بمقتضاه، بل يذهبون إلى أن للمرأة أن تتصرف في مالها كيف شاءت دون إذن من زوجها غير أنه من الأحسن أن تستأذنه من باب حسن العشرة، وقد استدل جمهور الفقهاء على قولهم هذا بأدلة صحيحة كثيرة أقوى من هذا الحديث.
يقول الدكتور حسام الدين عفانه أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس:-
إن الإسلام قد أعطى المرأة حقوقاً كثيرة، ومن ذلك أن الشريعة الإسلامية قد أثبتت للمرأة ذمة مالية مستقلة فالمرأة أهل للتصرفات المالية تماماً كالرجل فهي تبيع وتشتري وتستأجر وتؤجر وتوكل وتهب، ولا حجر عليها في ذلك ما دامت عاقلة رشيدة ، وقد دلت على ذلك عموم الأدلة من كتاب الله سبحانه وتعالى ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم فمن ذلك:-
1- قوله تعالى :( فَإِنْ ءَانَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ) سورة النساء الآية 6 .
والمرأة داخلة في هذا العموم على الصحيح من أقوال أهل العلم ومن قال سوى ذلك فقوله تحكم لا دليل عليه كما قال القرطبي عند تفسيره للآية الكريمة .
وكذلك فإن المرأة داخلة في عموم النصوص التي وردت فيها التكاليف الشرعية بلا فرق بينها وبين الرجل إلا ما أخرجه الدليل .هذا بشكل عام، وأما الأدلة بخصوص السؤال فكثيرة منها :-
2- ما قاله الإمام البخاري في صحيحه : [ باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج فهو جائز إذا لم تكن سفيهة فإذا كانت سفيهة لم يجز . وقال الله تعالى :( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ) سورة النساء الآية 5 . ثم ذكر عدة أحاديث منها حديث كريب مولى ابن عباس :( أن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أخبرته أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت : أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي ؟ قال : أو فعلت ؟ قالت : نعم قال : أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك ) .(65/101)
قال الحافظ ابن حجر :[ قوله باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج ] أي ولو كان لها زوج [ فهو جائز إذا لم تكن سفيهة فإذا كانت سفيهة لم يجز . وقال تعالى :( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ) ]
وبهذا الحكم قال الجمهور، وخالف طاووس فمنع مطلقاً ،وعن مالك رضي الله عنه لا يجوز لها أن تعطي بغير إذن زوجها ولو كانت رشيدة إلا من الثلث، وعن الليث لا يجوز مطلقاً إلا في الشيء التافه . وأدلة الجمهور من الكتاب والسنة كثيرة.
واحتج لطاووس بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه ( لا تجوز عطية امرأة في مالها إلا بإذن زوجها ) أخرجه أبو داود والنسائي، وقال ابن بطال- أحد شراح البخاري- : وأحاديث الباب أصح ،وحملها مالك على الشيء اليسير، وجعل حده الثلث فما دونه ].
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي :[ وظاهر كلام الخرقي – الحنبلي المعروف صاحب المتن-: أن للمرأة الرشيدة التصرف في مالها كله بالتبرع والمعاوضة . وهذا إحدى الروايتين عن أحمد . وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر، وعن أحمد رواية أخرى : ليس لها أن تتصرف في مالها بزيادة على الثلث بغير عوض إلا بإذن زوجها وبه قال مالك ].
ثم قال ابن قدامة مستدلاً لقول الجمهور :[ ولنا قوله تعالى :( فَإِنْ ءَانَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ) وهو ظاهر في فك الحجر عنهم وإطلاقهم في التصرف . وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن ) وأنهن تصدقن فقبل صدقتهن، ولم يسأل ولم يستفصل .
وأتته زينب امرأة عبدالله ،وامرأة أخرى اسمها زينب فسألته عن الصدقة : هل يجزيهن أن يتصدقن على أزواجهن وأيتام لهن ؟ فقال : نعم، ولم يذكر لهن هذا الشرط ؛ولأن من وجب دفع ماله إليه لرشده جاز له التصرف فيه من غير إذن كالغلام؛ ولأن المرأة من أهل التصرف ،ولا حق لزوجها في مالها فلم يملك الحجر عليها في التصرف بجميعه كأختها ،وحديثهم ضعيف ،وشعيب لم يدرك عبد الله بن عمرو فهو مرسل، وعلى أنه صحيح محمول على أنه لا يجوز عطيتها لماله بغير إذنه بدليل أنه يجوز عطيتها ما دون الثلث من مالها، وليس معهم حديث يدل على تحديد المنع بالثلث، فالتحديد بذلك تحكم ليس فيه توقيف، ولا عليه دليل. انتهى.
والحديث الذي ذكره ابن قدامة في تصدق النساء بحليهن رواه البخاري ومسلم، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه قد استدل بالحديث على جواز صدقة المرأة من مالها من غير توقف على إذن زوجها ،أو على مقدار معين من مالها كالثلث خلافاً لبعض المالكية ،ووجه الدلالة من القصة ترك الاستفصال عن ذلك كله.
واحتج الجمهور على قولهم أيضاً بما ورد في الحديث عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها ( أن ناساً تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم : هو صائم وقال بعضهم : ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه ) رواه البخاري ومسلم .
قال الإمام النووي في شرح الحديث إن من فوائده : [ أن تصرف المرأة في مالها جائز ،ولا يشترط إذن الزوج سواء تصرفت في الثلث ،أو أكثر وهذا مذهبنا(65/102)
ومذهب الجمهور . وموضع الدلالة من الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يسأل هل هو من مالها ويخرج من الثلث أو بإذن الزوج أم لا ؟ ولو اختلف الحكم لسأل ]انتهى.
وأما الحديث الذي ذكره السائل وهو (ليس للمرأة أن تنتهك شيئاً من مالها إلا بإذن زوجها ) : وما في معناه مثل حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها ) رواه أبو داود وابن ماجة وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لا تجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها ) رواه أبو داود .
وعن عبد الله بن يحيى عن أبيه عن جده :( أن جدته خيرة امرأة كعب بن مالك أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلي لها فقالت : إني تصدقت بهذا . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا يجوز للمرأة في مالها إلا بإذن زوجها فهل استأذنت كعباً ؟ قالت : نعم . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كعب بن مالك زوجها فقال : هل أذنت لخيرة أن تتصدق بحليها ؟ فقال : نعم فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ) قال الهيثمي في الزوائد : في إسناده يحيى، وهو غير معروف في أولاد كعب فالإسناد ضعيف ].
وقال الطحاوي : حديث شاذ لا يثبت . وقال الحافظ ابن عبد البر: إسناد ضعيف لا تقوم به الحجة.
وهذه الأحاديث التي استدل بها المخالف أجاب عنها جمهور أهل العلم بعدة أجوبة منها :-
أولاً : إن هذه الأحاديث ضعيفة لا تصلح للاستدلال وبيان ذلك أن الحديث الأول وهو [ ليس للمرأة أن تنتهك شيئاً من مالها إلا بإذن زوجها ] حديث ضعيف قال الهيثمي [ رواه الطبراني وفيه جناح مولى الوليد وهو ضعيف ]. ونقل المناوي عن الهيثمي قوله [ وفيه جماعة لم أعرفهم ] ، كما أن الشيخ الألباني ضعف الحديث بقوله :[ قلت هذا إسناد ضعيف ] إلا أنه قواه بشواهده في السلسلة الصحيحة.
وأما حديث عمرو بن شعيب فضعفه الإمام الشافعي فقد ذكر البيهقي عن الشافعي أنه قال :[ يعني في هذا الحديث سمعناه وليس بثابت ،والقرآن يدل على خلافه، ثم السنة ،ثم ،الأثر ثم المعقول.
وأما حديث خيرة امرأة كعب فهو حديث ضعيف أيضاً كما سبق في كلام الطحاوي وابن عبد البر .
ثانياً :- قال الجمهور لو سلمنا بصحة الأحاديث التي احتج بها المخالف لقدمت عليها أحاديثنا لأنها أصح منها .
ثالثا:-ً إن عموم الأدلة التي احتج بها الجمهور أقوى من هذه الأحاديث التي لم تسلم من الطعن .
رابعا:-ً لو سلمنا بصحة هذه الأحاديث فإنها تحمل على أن ذلك من حسن معاشرة الزوجة لزوجها، لا على أنه لازم لها،قال الإمام الخطابي معلقاً على حديث عبد الله بن عمرو:- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن(65/103)
زوجها . قال الشيخ هذا عند أكثر العلماء على معنى حسن العشرة واستطابة نفس الزوج بذلك .
وخلاصة الأمر أنه يجوز للمرأة أن تتصرف في مالها بدون إذن زوجها ولكن الأولى والأفضل أن تشاور زوجها في ذلك تطييباً لخاطر زوجها ومحافظة منها على العشرة الزوجية .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
المجالس أمانة ... العنوان
فضيلة الشيخ من أنواع الأمانة .. أمانة المجالس، هناك ناس يجلسون في هذه المجالس ويتداولون أطراف الحديث، قد يدلوا البعض للآخر ببعض الأسرار فهل إشاعة هذه الأسرار خارج هذا المجلس تعتبر من خيانة الأمانة؟
وجزاكم الله خيراً
... السؤال
25/09/2004 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " المجالس بالأمانة "وعلى هذا فلا يجوز إفشاء أي حديث يدور في هذه المجالس إلا إذا كان سيترتب على نشرها مصلحة شرعية ومنفعة لصاحبها أو للناس.
يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
يقول النبي عليه الصلاة والسلام "إذا حدَّث الرجل ثم التفت فهي أمانة" فإذا حدثك حديثاً والتفت فكونه يلتفت ليرى إن كان هناك أحد موجود معناها أنه هذا أمر خاص فلا يجوز أن تذيعه، أمانة الأسرار هذه من أهم الأمانات التي يجب أن يحرص الناس عليها، خصوصاً هناك أشياء يُطلب فيها الكتمان، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: "واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان" وقال يعقوب ليوسف: (يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا) فكثير من الأشياء تحتاج إلى الكتمان فإذا استُكتِم الإنسان سراً إما باللفظ يعني يقول له: هذا سر، ولا تقل لأحد، أو بالقرينة.
والقرينة أنَّه إذا حدَّث ثم التفت فكونه يلتفت يريد أن يتأكد أنه لا يوجد أحد آخر يسمع هذا الكلام فلابد أن يحافظ على الأسرار، ومن هذا أيضاً أسرار الحياة الزوجية، فبعض الناس يذيع أسرار الحياة الزوجية، وهذا من خيانة الأمانة لا يجوز للرجل أن ينشر سر زوجته خصوصاً في علاقات العشرة بينهما، ولا للمرأة أن تذيع أسرار العلاقة بينها وبين زوجها، فهذا من الأمانات الأدبية التي يجب رعايتها.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ(65/104)
بيع ذهب الزوجة دون إذنها ... العنوان
امرأة باع زوجها بعض ما تملكه من ذهب، وأتاها بالمبلغ وهي تقول إنها لا تريد أن تبيع الذهب، فما الحكم الشرعي في تصرف زوجها؟! ... السؤال
18/05/2003 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فقد ذهب العلماء إلى أن بيع ما يخص الآخرين من أملاكهم، يسمى بيع الفضولي، وهو بيع صحيح ولكنه يتوقف في نفاذه على إجازة المالك الأصلي.
وبيع الرجل مصاغ زوجته يدخل في هذا النطاق، فهو تصرف فضولي، تتوقف صحته على إجازة الزوجة، وذلك لأن للزوجة ذمة مالية مستقلة، والأولى والأفضل مع هذه الذمة المالية أن تشاور المرأة زوجها فيما تصرفه، وذلك تطييباً لخاطر زوجها ومحافظة منها على العشرة الزوجية.
وذلك لأن للمرأة ذمة مالية مستلقة عن ذمة زوجها المالية، وتصرف الزوج في الذهب دون رضاها لا يجوز شرعا.
يقول الأستاذ الدكتور عجيل النشمي أستاذ الشريعة بالكويت:
هذا التصرف بالبيع من قبل الزوج يسمَّى بيع الفضولي، وهو أن يبيع الشخص ملك غيره دون إذنه، أو يبيع ملكه وهو غائب.
وهذا العقد يعتبر عقداً صحيحاً، لكن لا يصبح لازماً للمالك الأصلي إلا إذا أجازه، فإذا لم يُجزه يعتبر باطلاً، ودليل صحة هذا البيع وعدم نفاذه إلا برضا المالك الأصلي، ما رواه البخاري عن عروة البارقي أنه قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بدينار لأشتري له به شاة، فاشتريت له به شاتين، بعتِ إحداهما بدينار وجئته بدينار وشاة، فقال لي: "بارك الله في صفقة يمينك". فأنت بالخيار: إما أن تجيزي ما فعل زوجك من البيع أو تبطليه.أ.هـ
قال الإمام النووي في شرح الحديث إن من فوائده : " أن تصرف المرأة في مالها جائز ،ولا يشترط إذن الزوج سواء تصرفت في الثلث، أو أكثر وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور . وموضع الدلالة من الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يسأل هل هو من مالها ويخرج من الثلث أو بإذن الزوج أم لا ؟ ولو اختلف الحكم لسأل" انتهى.
ـــــــــــــــــــ
أخذ حلي الزوجة عند تطليقها ... العنوان
هل يجوز للزوج أخذ ما اشتراه لزوجته من حلي ذهب و هي في عصمته عند تطليقها رغما عن إرادتها بحجة أنه اشتراه لزوجته لكي تتزين به له دون غيره؟
... السؤال
31/12/2002 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...(65/105)
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد ذهب جمهور العلماء إلى إنه يحرم الرجوع في الهبة إلا في هبة الوالد لولده وما عدا ذلك فهو باق على أصل التحريم، ومن ثم فهبة الزوج الذهب لزوجته لا يجوز الرجوع فيها عند جمهور العلماء، لأنه عندما أعطاها إياه لم يقيده بكونها زوجته ولا بأن الهدف أن تتزين له وحده .
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر -رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقًا :
الهِبَة في الشرع هي تمليك الإنسان شيئًا من ماله لغيره في حياته بلا عوض ، فإذا كان التمليك بعد الوفاة كان وصية ، وإذا كان بعوض كان هدية أو بيعًا .
والهبة في الحياة بدون عوض مشروعة بل مندوبة لما فيها من تأليف القلوب ، وقد جاء في الحديث الحسن " تهادوا تحابوا " وكما حث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على تقديمها حث على قبولها ، ففي حديث أحمد " من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف ـ أي تطلع ـ ولا مسألة فليقبله ولا يرده ، فإنما هو رزق ساقه الله إليه " وكان عليه الصلاة والسلام يقبل الهدية ، فقد جاء في رواية أحمد " لو أُهدي إلىَّ كراع لقبلت " والكراع من عظام الأطراف .
والهبة تستحق للموهوب له بمجرد العقد حتى لو لم يقبضها ، كما قال مالك وأحمد ، لكن أبا حنيفة والشافعي شرطا القبض حتى تكون لازمة ، والرجوع في الهبة حرام عند جمهور العلماء ، إلا إذا كانت من الوالد لولده ، فإنَّ له أن يرجع فيها ، لما رواه أصحاب السُّنن أنَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " لا يَحِلُّ لرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عطية أو يهب هبة فيرجع فيها ، إلا الوالد فيما يُعطي ولده " وحُكم الوالد حكم الوالدة ، ويستوي في الولد أن يكون كبيرًا أو صغيرًا، ذكرًا أو أنثى.
وقال أبو حنيفة: ليس له الرجوع فيما وَهَبَ لابنه وَلكلِّ ذِي رَحِمٍ من الأرْحَامِ ، وهو رأي غيرُ قوي لمعارضته للحديث . وجاء في النهي عن الرجوع في الهبة حديث الترمذي وغيره وهو حسن صحيح " مَثَلُ الذي يُعطي العَطية ثُمَّ يَرْجِعُ فيها كَمَثَلِ الْكَلْب يأكل ، فإذا شبع قَاءَ ثم عادَ في قَيْئِه " وفي إحدى الروايات " ليس لنا مَثَلُ سَوء ، الذي يعود في هِبته كالكلب يرجع في قَيْئِه ". (انتهى).
ويقول فضيلة الشيخ إبراهيم جلهوم، من علماء الأزهر:
من وهب لذي رحم محرم منه لا يكون له حق الرجوع في الهبة، فقد ذهب جمهور العلماء إلى حرمة الرجوع في الهبة، ولو كانت بين الإخوة أو الزوجين، إلا إذا كانت هبة الوالد لولده فإن له الرجوع فيها لما رواه أصحاب السنن عن ابن عباس وابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي لولده، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه" رواه أبو داود، والنسائي وابن ماجة، والترمذي، وقال: حسن صحيح، وهذا أبلغ في الدلالة على التحريم.
والخلاصة أن الزوج ـ كما يفهم من السؤال ـ قد وهب الحلي لزوجته تبرعا منه محضا خالصا، ولم يشترط عوضا من زوجته ولا إثابة على ما وهب، فسقط حقه(65/106)
في الرجوع في هبته، فذلك ما قصده ابن القيم رحمه الله إذ قال: "الواهب الذي لا يحل له الرجوع هو من وهب تبرعا محضا لا لأجل العوض".(انتهى).
وجاء في "المغني" لابن قدامه :
لا يحل لواهب أن يرجع في هبته ، ولا لمُهْدٍ أن يرجع في هديته ، وإن لم يثب عليها، يعني وإن لم يعوض عنها، إلا الأب.
فأما غيره فليس له الرجوع في هبته ولا هديته . وبهذا قال الشافعي وأبو ثور .
وقال النخعي ، والثوري ، وإسحاق ، والحنفية: من وهب لغير ذي رحم فله الرجوع ، ما لم يثب عليها ، ومن وهب لذي رحم فليس له الرجوع . وروي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه واحتجوا بما روى أبو هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الرجل أحق بهبته ، ما لم يثب منها } . رواه ابن ماجه ، في " سننه " وبقول عمر ، ولأنه لم يحصل له عنها عوض ، فجاز له الرجوع فيها ، كالعارية .
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: { العائد في هبته كالعائد في قيئه} . وفي لفظ : { كالكلب يعود في قيئه} . وفي رواية {إنه ليس لنا مثل السوء ، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه } . متفق عليه ، وأيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم { : ليس لأحد أن يعطي عطية ، فيرجع فيها ، إلا الوالد فيما يعطي ولده } . وروى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يرجع واهب في هبته ، إلا الوالد فيما يعطي ولده } . ولأنه واهب لا ولاية له في المال ، فلم يرجع في هبته ، كذي الرحم المحرم .
وأحاديثنا أصح من حديثهم وأولى . وأما قول عمر فقد روي عن ابنه وابن عباس خلافه .
فحصل الاتفاق على أن ما وهبه الإنسان لذوي رحمه المحرم غير ولده ، لا رجوع فيه . وكذلك ما وهب الزوج لامرأته . والخلاف فيما عدا هؤلاء ، فعندنا لا يرجع إلا الوالد ، وعندهم لا يرجع إلا الأجنبي .
فأما هبة المرأة لزوجها ، فعن أحمد فيه روايتان إحداهما لا رجوع لها فيها . وهذا قول عمر بن عبد العزيز ، والنخعي ، وربيعة ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وأبي ثور ، وأصحاب الرأي وهو قول عطاء ، وقتادة . والثانية ، لها الرجوع . قال الأثرم ـ صاحب الإمام أحمد ـ: سمعت أحمد يسأل عن المرأة تهب ، ثم ترجع ، فرأيته يجعل النساء غير الرجال . ثم ذكر الحديث { : إنما يرجع في المواهب النساء وشرار الأقوام } . وذكر حديث عمر : إن النساء يعطين أزواجهن رغبة ورهبة ، فأيما امرأة أعطت زوجها شيئا ، ثم أرادت أن تعتصره ، فهي أحق به . وهذا قول شريح والشعبي.(انتهى).
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية:
الهبة التي يجوز الرجوع فيها: هي فيما يهبه الوالد لولده عند الجمهور , وفيما يهبه الإنسان إذا لم يوجد مانع من موانع الرجوع في الهبة عند الحنفية، والرجوع في هذا حق ثابت شرعا, لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة, فيرجع فيها, إلا الوالد بما يعطي ولده }، وهذا ما استدل به الجمهور .(65/107)
واستدل الحنفية بقول النبي صلى الله عليه وسلم: { الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها } أي ما لم يعوض . قالوا : والعوض فيما وهب لذي الرحم المحرم هو : صلة الرحم , وقد حصل (انتهى).
وكذلك في الزوجية، وهو حسن العشرة .
وفيها : ويجوز الرجوع في الهبة قبل القبض عند الجمهور , فإذا تم القبض فلا رجوع عند الشافعية والحنابلة إلا فيما وهب الوالد لولده , وعند الحنفية يجوز الرجوع إن كانت لأجنبي . أما المالكية فلا رجوع عندهم في الهبة قبل القبض وبعده في الجملة , إلا فيما يهبه الوالد لولده .(انتهى).
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
نظرالمخطوبة إلى الخاطب ... العنوان
هل يحق للمرأة أن تنظر إلى من يتقدم لخطبتها ،حتى تشعر بما قد يكون بينهما من علاقة في الحياة الزوجية ؟
... السؤال
21/09/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
يجوز للمرأة أن تنظر إلى من سيتقدم لخطبتها ، فذلك حق مقرر لها في الشرع ،فقد أخرج الترمذي والنسائي عن المغيرةِ بنِ شُعبَةَ؛ أنَّهُ خطبَ امرأةً، فقال النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّم: "انظرْ إليها فإنَّهُ أحرى أنْ يُؤدمَ بينكُما".
وإن كانت العلة في نظر الخاطب للمخطوبة هو بقاء المودة والألفة ، فإن الحديث لم يقصرها على الرجل ،بل ذكر أن تكون الألفة والمودة بين الزوجين ، ومادام النظر قد يكون سببا للألفة ،وأبيح للخاطب النظر ،فإنه يباح للمخطوبة أيضا النظر طلبا للألفة مع زوجها .
كما أن في اقتصار النظر على الخاطب يجعل المرأة لا رأي لها في موضوع الزواج ،وهذا ما ينفيه الشرع الحكيم ، كما جاء في الحديث الذي أخرجه التزمذي والنسائي وابن ماجة وأبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها.
فكيف تستأذن المرأة في شيء لا تعرفه ؟
و الزواج في الإسلام مبني على التفاهم والتعارف ، وهذا لا يتم إلا بالمعرفة الحقيقية بين الرجل والمرأة ، وإن كان الرجل له ما يعجبه في المرأة ،فإن المرأة لها ما يعجبها في الرجل .
وعقد الزواج ليس عقدا من جهة واحدة ، بل هو عقد بين الزوج والزوجة ،وإن اشترط فيه الولي ،حفاظا على المرأة ،وعملا على مصلحتها ،وإن وافق الولي ورفضت المرأة ،لا يصلح الزواج.(65/108)
بل وصل الأمر في الإسلام أن تطلب المرأة الزواج من الرجل ، وفي هذا مساحة من الحرية في اختيار شريك الحياة ، ولا معنى للاختيار بدون اتخاذ وسائل الاختيار من الإخبار والسؤال عنه ،و النظر إليه ، طلبا للمودة والألفة في العشرة الزوجية .
وبهذا المعنى جاءت نصوص الفقهاء تؤيد حق المرأة في نظرها لمن يتقدم لخطبتها ، حتى تنشئ رأيا حوله ، من حيث الرفض أو القبول .
قال الإمام الشيرازي من فقهاء الشافعية : ويجوز للمرأة إذا أردات أن تتزوج برجل أن تنظر إليه ، لأنه يعجبها من الرجل ما يعجب الرجل منها .انتهى
وقال الحطاب من فقهاء المالكية : هي يستحب للمرأة نظر الرجل؟ لم أر فيه نصا للمالكية ،والظاهر استحبابه وفاقا للشافعية. انتهى
وقال البهوتي من فقهاء الحنابلة : وتنظر المرأة إلى الرجل إذا عزمت على نكاحه ،لأنه يعجبها منه ما يعجبه منها.انتهى
وفي تكملة رد المحتار من كتب الحنفية : وهل يحل لها أن تنظر للخاطب مع خوف الشهوة ؟ لم أره والظاهر نعم ، للاشتراك في العلة المذكورة في حديث :"انظر إليها " بل هي أولى منه في ذلك ، لأنه يمكنه مفارقة من لا يرضاها بخلافها.انتهى
- والخلاصة أن النظر في الخطبة لأجل الزواج حق لكل من الرجل والمرأة ، بل يتأكد في حق المرأة أكثر من حق الرجل ،
فلها أن تنظر إلى من يتقدم لخطبتها ،طلبا لدوام العشرة بينهما .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
خدمة الزوج تعظم الأجر ... العنوان
أنا ربة بيت، لكن زوجي ليس بقادر على أن يأتي لي بخادمة تخدمني فراتبه لا يكاد يفي بضرورات البيت الشهر كله، فهل لي من ثواب عند الله إذا قمت بنفسي بخدمة البيت ما دمت قادرة على ذلك؟
... السؤال
21/03/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
يقول فضيلة الشيخ إبراهيم جلهوم شيخ المسجد الزينبي بالقاهرة
إليك يا سيدتي ما كان من نساء السلف الصالح من قيام بكل خدمة، يقدرن على أدائها من أجل الزوج والأولاد، فإن ذلك من آداب العشرة الزوجية، ومن أسباب تماسك وتواصل الحياة العائلية، (عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، فهي صحابية وبنت صحابي وأختها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني الزبير بن العوام رضي الله عنه، وماله في الأرض من مال ولا مملوك. ولا شيء غير فرسه وناضحه فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤونته وأسوسه، وأدق النوى لناضحه –أي لبعيره- وأعلفه وأستقي الماء وأخرز غربه –أي وأخيط دلوه- وأعجن، وكنت أنقل النوى على رأسي من ثلثي فرسخ –أي ما يزيد على ثلاثة من(65/109)
الكيلو مترات- حتى أرسل لي أبو بكر بجارية فكفتني سياسة الفرس فكأنما أعتقتني ولقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا ومعه أصحابه والنوى على رأسي فقال صلى الله عليه وسلم. إخ إخ لينيخ ناقته، ويحملني خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس فحكيت له ما جرى فقال والله لحملك النوى على رأسك أشد علي من ركوبك معه) متفق عليه.
أرأيت – أيتها السائلة- ما كان من بنت الصديق أبي بكر رضي الله عنهما إنها عملت خيرًا فجوزيت خيرًا فاعملي الخير بخدمة البيت بقدر ما تستطيعين فإنك ستجدين بذلك عند الله خيرًا وأعظم أجرًا.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ... العنوان
كلما قرأت أو سمعت قول الله تعالى في شأن الزوجات: "فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ" (الطلاق: آية 2)؛ أسأل: إننا نعرف العشرة بالمعروف فكيف يكون الفراق بالمعروف؟ . ... السؤال
24/01/2002 ... التاريخ
أ.د.أحمد يوسف سليمان ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
: تقوم الحياة الزوجية على أساس من المودة والرحمة والمعروف
والإحسان؛ لأن كلاً منهما أفضى إلى الآخر، وأخذ عليه ميثاقاً غليظاً. فإن استحالت العشرة بينهما لسبب أو لآخر فقد شرع الله الطلاق، رغم ما فيه من أضرار مادية ومعنوية، ورغم أنه أبغض الحلال إليه؛ لما في استمرار الحياة الزوجية عند ذلك من مضار أكبر، وقد أوصى الله ـ عز وجل ـ أن يكون الفراق عندئذ بالمعروف كما كانت العشرة بالمعروف، وذلك يكون بعدة أمور أهمها:
الأول: أن يكون الطلاق بعد استنفاد كل وسائل الإصلاح المشروعة دون جدوى، ومنها الوعظ والتوجيه، والضرب الخفيف، والهجر في الفراش، وتحكيم شخصين صالحين مخلصين عدلين أحدهما من أهله والآخر من أهلها.
الثاني: أن يكون الطلاق بالطريقة المشروعة التي نبَّه عليها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويسميها العلماء بالطلاق السُّني، وذلك بأن يطلقها مرة واحدة؛ لأنه قد يندم، أو ينصلح حالها؛ فيراجعها ثانية، وأن يكون هذا الطلاق في طهر حتى لا يطيل عليها العدة، وحتى لا يكون نفوره منها بسبب الحالة التي تعتريها ثم يندم، وألا يكون قد جامعها في هذا الطهر حتى لا يطيل عليها العدة كذلك، وحتى لا يكون ذلك بسبب الزهد فيها.
الثالث: أن يعطيها كافة حقوقها المالية دون نزاع، ولا ينس كل من الزوجين الفضل والإحسان إلى الآخر في هذه الحقوق ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ومن هذه الحقوق مؤخر الصداق (إن كان)، والمتعة، والنفقة عليها طوال مدة عدتها، والتعهد بالإنفاق(65/110)
على أولاده منها، وتهيئة المسكن المناسب لهم، والإنفاق على حاضنتهم إن كانوا صغاراً سواء أكانت هي الزوجة نفسها أو غيرها.
الرابع: كتمان كل منهما سر الآخر، وتقوى الله في الحديث عنه، وتمني الخير له. فقد صح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، والطلاق وإن قطع رباط الزوجية فإنه لم يقطع رباط الأخوة الإيمانية.
وقد وردت الوصية من الله ـ عز وجل ـ إلى كلا الزوجين بالفضل والإحسان إلى الآخر عند إرادة المفارقة، بمعنى أن يحرص كل منهما على أن يأخذ أقل مما له، وأن يعطي أكثر مما عليه. ومن ذلك قوله ـ جل شأنه: "وَلاَ تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ"(البقرة: آية 237) ، وقال: "وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" (النساء: آية 128).
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حق المرأة الكارهة لزوجها في الإسلام ... العنوان
: أمن العدل أن يوضع في يد الرجل سيف الطلاق يسلطه على عنق المرأة متى شاء وكيف شاء، دون جزاء لمتحيف أو عقوبة لجائر، على حين أن المرأة لا تملك الطلاق، بل لا يجوز لها أن تطلبه، لأن طلب الطلاق عليها حرام؟؟ !! فإذا كرهت الزواج وأكل قلبها البغض له، والنفور منه، فرض عليها أن تعاشره كرهًا، وتنقاد له قسرًا، فإن أبت دعت إلى "بيت الطاعة " دعا، كأنها متهم يقاد إلى قفص، أو مجرم يساق إلى سجن ! فأين العدالة في هذا التشريع ؟ وأين التوازن بين الحقوق والواجبات لكل من الجنسين ؟!.
... السؤال
05/11/2001 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
هكذا وضع هؤلاء الإسلام في قفص الاتهام، وحكموا عليه، دون أن يسألوه رأيه، أو يحاولوا معرفة حكمه من مصادره اليقينية : القرآن والسنة الصحيحة، ودون أن يفقهوا نظرة الإسلام إلى الزواج في إنشائه واستمراره وإنهائه، إن قضت الظروف بإنهائه.
إن الزواج في شريعة الإسلام عهد متين، وميثاق غليظ ربط الله به بين رجل وامرأة، أصبح كلاهما يسمى به " زوجًا " بعد أن كان " فردًا " . هو في العدد " فرد "، وفي ميزان الحقيقة " زوج " ؛ لأنه يمثل الآخر، ويحمل في حناياه آلامه وآماله معًا.
رباط أقامه الله على ركائز من السكن والمودة والرحمة، وجعله آية من آياته في كونه كخلق الإنسان من تراب، وخلق السموات والأرض، واختلاف الألسنة والألوان، وقد صور القرآن مدى هذا الرباط بين الزوجين فقال : " هن لباس لكم(65/111)
وأنتم لباس لهن " وفي هذه العبارة ما فيها من الإيحاء بمعاني الستر والوقاية والزينة والدفء، يحققها كل منهما لصاحبه.
هذا الرباط الوثيق الذي نسجت خيوطه بعد بحث وتعب، وتعرف وخطبة، ومهر وزفاف وإعلان - ليس من اليسير على شريعة حكيمة أن تتهاون في نقضه وحل عقدته، وفصم عراه، لأدنى مناسبة، وأوهى سبب، يدعيه الرجل، أو تزعمه المرأة.
نعم أباح الإسلام للرجل الطلاق علاجًا لا مفر منه، حين يضيق الخناق، وتستحكم حلقات الأزمة بين الزوجين - وآخر العلاج الكي كما قيل - غير أنه لم يبح له هذا إلا بعد أن يجرب وسائل العلاج الأخرى، من وعظ وهجر وتأديب وتحكيم، وبعد أن يستنفد طاقته النفسية في احتمال ما يكره، والصبر على ما لا يحب، ممتثلاً قول الله تعالى : " فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئَا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا " (النساء : 19). وقول رسوله : " لا يفرك - أي لا يبغض - مؤمن مؤمنة، إن سخط منها خلقًا رضي منها آخر ".
لم تجعل الشريعة الطلاق حقًا للرجل مطلقًا من كل قيد ،بل قيدته في الوقت بأن يكون في طهر لم يمسس زوجته فيه، فلا يكون الطلاق مشروعًا حسب السنة في وقت حيضة الزوجة، أو في الطهر الذي اتصل بها فيه الاتصال الخاص.
وقيدته بتوفر النية والعزم " إنما الطلاق عن وطر " " وإن عزموا الطلاق "، فلا طلاق في إغلاق - غضب شديد أو إكراه - ولا طلاق لقاصد الحلف بالطلاق ؛ لأن الحلف بغير الله مردود على صاحبه .
وقيدته بوجود الحاجة الشديدة إليه، وكان من التوجيهات النبوية : " أبغض الحلال إلى الله الطلاق "، " لا تطلقوا النساء من غير ريبة ".
وجعلت الطلاق من غير ريبة ولا حاجة داعية مكروها أو محرمًا ؛ لأنه ضرر بنفسه وبزوجته وإعدام للمصلحة الحاصلة بينهما من غير حاجة إليه، فكان حرامًا كإتلاف المال، ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : " لا ضرر ولا ضرار " (المغني لابن قدامة 7/97).
ولم تترك الشريعة الرجل بعد الطلاق دون غرم يؤوده ويثقل كاهله، ويخوفه عاقبة عمله، فهناك دفع الصداق المتأخر، والنفقة الواجبة في العدة، وأجرة رضاع الأولاد، ونفقتهم حتى يكبروا، وهناك متعة الطلاق المندوبة عند الأكثرين، والواجبة عند بعض الأئمة من الصحابة والتابعين، كعلي بن أبي طالب، وإبراهيم النخعي وابن شهاب الزهري، وأبي قلابة والحسن وسعيد بن جبير (المحلى لابن حزم 10 /247). فقد قالوا جميعًا : لكل مطلقة متعة . وحجتهم عموم قوله تعالى : " وللمطلقات متاع بالمعروف حقًا على المتقين " (البقرة 241) ولم يحدد القرآن هذه المتعة، بل جعلها متاعًا " بالمعروف " والمعروف هنا ما تعرفه الفطر السليمة، ويقره العرف الناضج، ويرضاه أهل العلم والدين، وهو يختلف باختلاف الزمن والبيئة، وحال الزوج، وهكذا رأى الحسن وعطاء أن الله لم يجعل للمتعة حدًا معينًا، بل تركها لميسرة الرجل كما قال تعالى : " على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ".(البقرة : 236).(65/112)
وإذا كانت شريعة الإسلام قد جعلت للرجل حق إنهاء الحياة الزوجية المنكودة بالطلاق - مع القيود التي ذكرناها - فهل فرضت على المرأة أن ترضى بوضعها في بيت زوجها أبد الدهر، مهما يكن قاسيًا غشومًا ظلومًا، ومهما انطوى قلبها على الكره له والضيق به والسخط عليه ؟!.
أظن شريعة جعلت للمرأة حقًا ثابتًا في تزويج نفسها، وقال قرآنها في شأن النساء . " فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف " (البقرة : 234) . ولم تحل لأب أو جد - مهما حصف رأيه وحنا قلبه - أن يخط لابنته مصيرها بغير اختيارها وإبداء رأيها، حتى البكر العذراء الحيية لابد أن تستأذن، وأن تعبر عن إذنها ولو بالصمت، وروت كتب السنة أمثلة رد فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- زواج فتيات أجبرهن آباؤهن على التزوج بمن لا يرضين - أظن شريعة هذا سبيلها في بدء الحياة الزوجية كيف يتصور أن تفرض بقاء امرأة مع رجل لا تحبه، بل لا تطيقه بغضًا ؟ وقد قيل : إن من أعظم البلايا مصاحبة من لا يوافقك ولا يفارقك . وقال المتنبي :
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقته بد.
وقال :
واحتمال الأذى ورؤية جانيـ ـه غذاء تضوي به الأجسام.
كلا .. لقد جعلت الشريعة الإسلامية للزوجة الكارهة مخرجًا من الحياة مع زوج تنفر منه، وتنأى بجانبها عنه، فإذا كانت الكراهية من قبلها، وكانت هي الراغبة وحدها في الفراق، كان مخرجها ما عرف في لسان الفقهاء باسم " الخلع".
غير أن الشريعة كما أمرت الرجل أن يصبر ويحتمل ويضغط على عاطفته، ولا يلجأ إلى أبغض الحلال إلا عند إلحاح الحاجة - حذرت المرأة هي الأخرى من التسرع بطلب الطلاق أو الخلع.
وفى الحديث : " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة " رواه أبو داود، " المختلعات والمنتزعات هن المنافقات " رواه أحمد، والحديث يعني طالبات الخلع من غير ما بأس كما في الحديث السابق، أما الكارهات النافرات اللاتي يخفن أن تدفعهن الكراهية إلى إهمال حدود الله في الزوجية فلهن أن يشترين حريتهن برد ما بذل الرجال لهن من مهر أو هدية.
قال ابن قدامة في " المغني " : (إن المرأة إذا كرهت زوجها لخلقه أو خلقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك وخشيت ألا تؤدي حق الله في طاعته جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها منه ؛ لقول الله تعالى : " فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به " (البقرة : 229) وفي حديث رواه البخاري، قال : جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت يا رسول الله : ما أنقم عليه في خلق ولا دين إلا أني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " أتردين عليه حديقته ؟ " فقالت : نعم، فردتها عليه، وأمره ففارقها . وفي رواية : فقال له : " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ...... ".(65/113)
إذا ثبت هذا، فإن هذا يسمى خلعًا، لأن المرأة تنخلع من لباس زوجها، قال الله تعالى : " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن "، ويسمى افتداء، لأنها تفتدي نفسها بمال تبذله قال تعالى : " فلا جناح عليهما فيما افتدت به " ). (المغني 7/51، 52).
ومن عجب أن الإسلام ضيق على الرجال في إيقاع الطلاق، وحدده بجملة حدود وربطه بمجموعة من القيود في وقته وكيفيته وعدده تضييقًا لدائرته، ولكنه أوسع للمرأة في الخلع فالطلاق في أثناء الحيض والطهر الذي مسها فيه بدعة أو باطل، ولكن الخلع في هذه الحالة - كما قال ابن قدامة - لا بأس به في الحيض والطهر الذي أصابها فيه ؛ لأن المنع من الحيض من أجل الضرر الذي يلحقها بطول العدة، والخلع لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من تكرهه وتبغضه، وذلك أعظم من ضرر طول العدة، فجاز دفع أعلاهما بأدناهما . ولذلك لم يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- المختلعة عن حالها، لأن ضرر تطويل العدة عليها، والخلع يحصل بسؤالها، فيكون ذلك رضاء به ودليلا على رجحان مصلحتها فيه. (انظر المغني 7/ 51، 52).
وعلى هذا فإذا ساءت العشرة بين الزوجين، وكانت المرأة هي النافرة الكارهة، وأبى زوجها أن يطلقها، فلها أن تعرض عليه الخلع، وترد عليه ما أخذته منه، ولا ينبغي أن يزداد، فإن قبل فقد حلت العقدة ويغني الله كلا من سعته.
وبعض الفقهاء يشترطون رفع ذلك إلى الحاكم، وبعضهم لا يشرطون، أما إذا رفض الزوج، وأصر على مضايقتها وإكراهها على الحياة في كنفه فللقاضي المسلم أن ينظر في الأمر ويستوثق من حقيقة عاطفتها وصدق كراهيتها، ثم يجبر الزوج على قبول العوض، ويحكم بينهما (سواء اعتبر هذا التفريق فسخًا أم طلاقًا بائنًا على اختلاف المذاهب ) غير أنه لا يحل للرجل أن يضار المرأة، ويضيق عليها لتفتدي نفسها منه، مادام هو الذي يكرهها، ويريد استبدال غيرها بها قال تعالى : " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا أتأخذونه بهتانًا وإثمًا مبينًا ". (النساء : 20).
فهل تريد المرأة نصفة أكثر من هذا ؟ إن الزوج يكره، فيطلق، فيضيع عليه ما أنفق من قبل، ويلزم بالنفقة والمتعة من بعد، فهل تريد المرأة أن تكرهه فيطلقها الزوج الذي قد يكون محبًا لها، ليزداد غرمًا على غرم : غرم الفراق على كره، وغرم النفقة - فيجمع بين الحشف وسوء الكيلة، كما قال العرب، أو بين الموت وخراب الديار كما تقوله العامة.
إذا رفضت المرأة أن تفدي نفسها من الزوج الذي لا تطيقه بغضًا، وأصرت على أن يفارقها دون تضحية منها، فهل يلام الرجل إذا دعاها باسم القانون وسلطان الشرع إلى بيت الزوجية أو " بيت الطاعة " ؟.
إن كل حق يقابله واجب، وكل واجب يقابله حق، وقد أعطى الإسلام الرجل حق الطلاق بإزاء ما كلفه من واجبات المهر والنفقة قبل الطلاق، وتبعات بالنفقة والمتعة بعد الطلاق فضلا عن الأسباب الفطرية التي تجعل الرجل أبصر بالعواقب وأكثر حكمة وأناة.(65/114)
وليس من العدالة أن تعطى المرأة حق التخلي عن الزوج وهدم الحياة الزوجية والإتيان على بيتها من القواعد، دون أن تتكلف شيئَا يهون على الرجل خطبه في فراقها، ويسهل عليه مهمة البحث عن غيرها، وهي في الواقع لا تتكلف شيئَا غير ما بذله الرجل من قبل مهرًا قل أو كثر وهدايا ثمينة أو رخيصة . هذا إذا هبت ريح البغض من قبل المرأة.
أما إذا كان الشقاق من الطرفين، وكانت الكراهية متبادلة بينهما، ولم يطلق الرجل فهناك مخلص آخر للمرأة عن طريق الحكمين، أو " المجلس العائلي " الذي قال الله في شأنه : " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها " (النساء 35) الآية وهذا بناء على أنهما حاكمان يملكان التفريق والتجميع، كما هو قول أهل المدينة ومالك وأحمد في إحدى روايتيه، والشافعي في أحد قوليه .
قال ابن القيم : (وهذا هو الصحيح، والعجب كل العجب ممن يقول : هما وكيلان لا حاكمان، والله تعالى قد نصبهما حكمين وجعل نصبهما إلى غير الزوجين... إلى أن قال : وبعث عثمان بن عفان ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم حكمين بين عقيل بن أبي طالب وامرأته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة، فقال لهما : إن رأيتما أن تفرقا فرقتما . وصح عن على بن أبي طالب مثله، قال : فهذا عثمان وعلي وابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم جعلوا الحكم إلى الحكمين، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف ).(انظر : زاد المعاد 4/ 33، 34 فصل " في الشقاق يقع بين الزوجين ").
كلمة أخيرة نقولها لهؤلاء المتاجرين والمتاجرات بقضايا المرأة :
إن الشريعة لا تحابي رجلاً على امرأة ولا امرأة على رجل، إن الشريعة لم تضعها لجنة من الرجال حتى تتحيز ضد النساء، ولكن وضعها الذي : " خلق الزوجين الذكر والأنثى " (النجم : 45) . " والله يعلم المفسد من المصلح " (البقرة : 220)، " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ". (تبارك : 14).
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حكم الطلاق لفقد غشاء البكارة ... العنوان
هل يجوز للزوج الجديد أن يطلق زوجته إذا تبين له أنها فقدت غشاء البكارة، على الرغم من قسمها بالله تعالى، وحلفها على أنها لم تزن قط، وإنما فقدتها في ألعاب رياضية مثلا ؟ ... السؤال
17/09/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالطلاق لم يشرع إلا إذا استحالت العشرة بين الزوجين ولم ينفع الإصلاح بينهما ، وأما غشاء البكارة قد يزال بأسباب كثيرة غير الزنا ، وما دام الرجل قد اختار المرأة زوجة لها فعليه أن يحسن الظن بها ، خاصة إذا كان سلوكها حسنا في ماضيها ، وليحذر المسلم سوء الظن كما أمر الله تعالى ، حتى لا يكون آثما ، ولو(65/115)
افترض أن الزوجة زنت ، فلا ينبغي أن يطلقها إذا أصبحت مستقيمة ، فباب التوبة مفتوح ، وعلى الزوج أن يعفو ويستر ليجازيه الله بمثل فعله .
جاء في فتاوى المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء :
الطلاق أبغض الحلال إلى الله تعالى، ولا يجوز للمسلم أن يسارع إليه لأدنى سبب، فيكسر قلب المرأة ويحطم أسرة، ويهدم بيتًا مسلمًا، بغير مسوغ خطير موجب لذلك، خصوصًا الطلاق في أول الحياة الزوجية، فإنه يسيء إلى المرأة إساءة بالغة ويشيع حولها الريبة وقالة السوء، فإذا كان كلام المرأة معقولا وقابلا للتصديق، كما في الحالة المسئول عنها، وهو أن تفقد الفتاة بكارتها في ألعاب رياضية في سن معينة، ولاسيما مع عدم التحفظ والعناية فلا يبعد أن يحدث ذلك، فينبغي للزوج أن يصدقها فيه.
وإذا كانت المرأة قد أقسمت بالله تعالى على أنها لم تمارس الزنا في حياتها، فالأصل أن يصدق قولها في ذلك، والقاعدة المشهورة تقول: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر"، والزوج هنا في مقام من يدعي عليها دعوى لا يستطيع أن يثبتها، وليس له عليها بينة، فلم يبق إلا يمينها.
على أن الأصل الشرعي في التعامل هو: حسن الظن بالناس، فإن بعض الظن إثم، ويجب حمل حال المسلم والمسلمة على الصلاح ما أمكن ذلك، وفي الحديث الصحيح: "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث".
على أننا لو افترضنا أنها أخطأت فيما مضى ثم تابت واستقامت فإن الله يغفر لها، والتوبة تهدم ما قبلها، والتائب من الذنب كما لا ذنب له، والله تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين، وأولى بنا أن نتخلق بأخلاق الله تعالى، ونعفو عنها، وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
غياب الزوج عن زوجته ... العنوان
تزوجت امرأة برجل مسلم، وانتقلت للمعيشة معه في منزل الزوجية ، ثم وجدت خلافات بينهما، وأصبحت الحياة الزوجية معه صعبة ومستحيلة، ثم انقطع نهائيًّا عنها، وحتى الآن تعيش هي وطفلها مع أهلها، وانقطعت العلاقات المادية أو المعنوية أو الجسدية بينهما، ثم علمت أنه تزوج من سيدة أخرى، ويعيش معها حاليًا، ثم تَقَدَّم لهذه الزوجة رجل آخر يريد أن يتزوجها، وتسأل: هل هي ما زالت متزوجة أم مطلقة بسبب انقطاعه عنها ماديًّا ومعنويًّا وجسديًّا منذ سنوات ؟ وماذا تفعل حتى تتزوج الرجلَ الثانيَ الذي يريد الزواجَ منها؟ ... السؤال
10/07/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(65/116)
فإن الطلاق لا يكون إلا بالقول أو بالكتابة ، وغياب الزوج وانقطاعه عن زوجته مدة طيلة لا يعد طلاقا ، حتى لو أهملها وتزوج بأخرى، ولكن إذا تضررت الزوجة من غياب زوجها ، أو من تزوجه بأخرى وعدم العدل بينهما فلها أن ترفع أمرها للقاضي طالبة التطليق للضرر ، أو تطلب من الزوج ـ أو القاضي أيضا ـ الخلع ، والأفضل من ذلك أن يتم الصلح بينهما ، بحيث إذا استحالت العشرة كان الفراق بالمعروف ، وعدم تركها معلقة.
فلا يجوز للزوجة الزواج بآخر حتى يتم الطلاق فعلا أو الخلع وتنتهي العدة.
يقول الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر :
إذا كان الحال كما ورد بالسؤال من أن الحياة بين هذا الزوج وزوجته مستحيلة وغير مُحْتَمَلَة، وأنه بعيد عنها جسديًّا وماديًّا ومعنويًّا، وتزوج من سيدة أخرى، ولم يُنْفق عليها ولا على صغيرها، فنفيد بالآتي:
غياب الزوج عن زوجته لا يُعتبر طلاقًا إذا لم يقم هذا الزوج بطلاقها لا باللفظ ولا بالكتابة أوعلى يد مأذون، فتكون الزوجية ما زالت قائمة بينهما؛ لأن الزوجية لا تنقطع إلا بالطلاق أو الوفاة، وبناء على ذلك لا يحق لها الزواج بآخر؛ لأنها على عِصْمة الزوج الأول، ولقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عليكم أمهاتُكم وبناتُكم وأخواتُكم وعَمَّاتُكم وخَالاتُكم..) (النساء: 23) إلى قوله تعالى: (.. والمُحْصَناتُ من النساء) (النساء: 24) والمتزوجة محصنة ، فيحرم الزواج بها.
أما إذا كانت هذه الزوجة مُتَضَرِّرة من غياب زوجها عنها أو عدم الإنفاق عليها، أو متضررة من زواجه بأخرى، أو متضررة من حياته التي لا تُحْتَمَل، فإن القضاء وهو المُخْتَص في مثل هذه الأمور بعد أن تطلب الطلاق من القاضي، وذلك أن القاضيَ وليُّ من لا وليَّ له. فإذا ما حكم لها بالطلاق وأصبح الحكم نهائيًّا وانتهت العِدَّةُ من هذا الزواج الأول، فيحق لها أن تتزوج بمن تريد بعقد ومهر جديدَين بإذنها ورضاها.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
حسن العشرة الزوجية ... العنوان
هل من الإسلام أن تعيش المرأة فى البيت كمًَّا مهملاً، ينظر إليها بمنظار أسود، وتعامل كجارية لا إحساس لهاولا شعور ؟ ... السؤال
07/11/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... من ميزة الإسلام أنه كرم المرأة وأزال الصورة القاتمة التى صورت بها من قبل ؛وقرر لها كثيرًا من الحقوق التى أضاعتها هذه الصورة، واعتد بإنسانيتها التى سلبتها إياها بعض الأفكار - واللّه سبحانه أمر بمعاشرتها بالمعروف كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة ، ومن أهم مظاهر هذه المعاشرة التى تتصل بإحساسها وشعورها :(65/117)
1 - صون اللسان عن رميها بالعيوب التى تكره أن تعاب بها ، سواء أكانت خِلقية لا تملك من أمر تغييرها شينًا كدمامة أوقصر، أم كانت خُلقية لها دخل فيها كتباطؤ فى إنجاز العمل ، أو ثرثرة كثيرة ، فالله نهى بوجه عام عن السخرية والهمز واللمز والتنابز بالألقاب والسباب ، والنبى صلى الله عليه وسلم قال فيما يخص المرأة ، كما رواه أبو داود بإسناد حسن "ولا تضرب الوجه ولا تقبّح "أى لا تقل لها : قبَّحك الله ، يقول الحافظ المنذرى بعد ذكر هذا الحديث : أى لا تسمعها المكروه ولا تشتمها ولا تقل قبحك الله .
2 - ومع عدم رميها بالعيوب ، لا ينبغى الاشمئزاز وإظهار النفور منها ، ولتكن النظرة إليها بعينين لا بعين واحدة ، فكما أن فيها عيوبًا فيها محاسن ينبغى ألا تغفل وتنسى، والله سبحانه يقول { فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا} النساء : 19 ، والحديث يقول كما رواه مسلم "لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقًا رضى منها آخر" .
ويعجبنى فى هذا المقام ما جاء فى "الأحكام السلطانية للماوردى" أن عمر بن الخطاب رأى رجلاً يطوف حول الكعبة وعلى عاتقه امرأة حسناء، وهو يقول :
عُدْت لهذى جملاً ذلولاً
* مُوطَّأً أتبع السهولا
أعدلها بالكف أن تميلا
* أحذر أن تسقط أو تميلا
أرجو بذاك نائلاً جزيلا
فقال له : من هذه التى وهبت لها حجك ؟
فقال : امرأتى يا أمير المؤمنين ، وإنها حمقاء مرغامة ، أكول قمامة ، لا يبقى لها خامة . فقال له : لم لا تطلقها ؟ لا قال : إنها حسناء لا تُفْرَك ، وأم صبيان لا تُترك .
قال : فشأنك بها .
3 - عدم ذكر محاسن غيرها من النساء أمامها بقصد إغاظتها ، فليس أقتل لشعور المرأة من ذلك وبخاصة إذا كانت هذه المرأة ضرتها أو جارتها أو لزوجها صلة بها أيًا كانت هذه الصلة اللهم إلا إذا كان يقصد بمدح غيرها تأديبها وتوجيهها لتكون مثلها .
روى البخارى ومسلم عن عائشة قالت :
ما غرت على أحد من نساء النبى صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها قط ، ولكن كان يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها فى صدائق خديجة فربما قلت له : كأن لم يكن فى الدنيا امرأة إلا خديجة ، فيقول : إنها كانت وكانت. . . . وكان لى منها ولد" .
4 - حفظ أسرارها وبخاصة ما يكون من الأمور الداخلية التى لا يعرفها إلا زوجها .
يقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضى إلى امرأته وتفض إليه ثم ينشر سرها" .(65/118)
أراد بعض الصالحين أن يطلق امرأته فقيل له : ما الذى يريبك منها؟ فقال : العاقل لا يهتك ستر امرأته . فلما طلقها قيل له : لم طلقتها؟ فقال : ما لى ولامرأة غيرى ؟( الإحياء ج 2 ص 52)
5 – نداؤها بلفظ يشعر بكرامتها مثل : يا أم فلان ، والعرف مختلف فى ذلك .
6 - إلقاء السلام عليها عند دخول البيت ، لإيناسها واطمئنانها ، ففى حديث الترمذى وصححه "يا بنى ، إذا دخلت على أهلك فسلِّم يكن سلامك بركة عليك وعلى أهل بيتك " .
تلك بعض المظاهر التى تدل على احترام الإسلام لشعور المرأة، ليعاملها زوجها على ضوئها معاملة كريمة، وهناك أكثر وأوضح من ذلك لا يتسع المجال لذكرها
ـــــــــــــــــــ
الواجبات الزوجية ... العنوان
ما هي واجبات كل من الزوجين تجاه الآخر ؟ وهل هناك واجبات مشتركة؟
... السؤال
05/11/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
الحياة الزوجية شركة تستمر بين الزوجين سنوات طويلة ، تتخللها قضايا مختلفة ، ولا تخلو من منغصات ومشكلات تتطلب من الزوجين حُسن التصرف ، والتحلي بالأخلاق الإسلامية الفاضلة للتغلب عليها .. لهذا يستحب معاشرة كل من الزوجين للآخر بالمعروف كما ورد في الكثير من الآيات والأحاديث ..
وتترتب على العلاقة الزوجية واجبات وحقوق لكل من الزوجين على الآخر ، ذكروا منها :
* واجبات الزوج :
بما أن القوامة في بيت الزوجية للزوج ، فإن عليه أن يتحلى بصفات القيادة والأناة والصبر والحكمة ، وحُسْن العِشرة ، لقوله تعالى : (( وعاشِروهُنَّ بالمعروفِ فإنْ كَرِهْتُموهُنَّ فَعَسَى أنْ تَكْرَهُوا شيئاً ويَجْعَلَ اللهُ فيهِ خيراً كثيراً )) سورة النساء 19 ، وقوله تعالى : (( ولهنَّ مِثْلُ الذي عليهِنَّ بالمعروفِ )) سورة البقرة 228 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً ، إن كره منها خُلُقاً رضي منها آخر ) ، والفَرْكُ : هو الكره والبُغض . وقوله صلى الله عليه وسلم : ( استوصوا بالنساء خيراً فإنَّ المرأةَ خُلقتْ من ضلع ، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضلعِ أعلاهُ ، فإن ذهبتَ تقيمُهُ كَسَرْتَهُ ، وإن تركتًهُ لم يزلْ أعوجَ ، فاستوصوا بالنساءِ ) ، ومعنى ذلك أداء الحقوق كاملة للمرأة ، مع حسن الخلق في معاشرتها ، والبشاشة لها ، وعدم الإساءة بالكلام الغليظ ، أو الإعراض عنها والميل إلى غيرها ؛ كما أوجب عليه واجبات مالية من مهر ونفقة وسكنى ، وواجبات غير مالية كحسن العشرة ، وعدم الإضرار بها أو ظلمها ، والعدل بين الزوجات إن كُنَّ أكثر من واحدة ، وأن يعفها بأن يطأها ويقضي وطرها ...(65/119)
* واجبات الزوجة :
يجب على الزوجة طاعة زوجها بالمعروف ، لأنه هو القوام عليها وعلى أمور البيت لقوله تعالى : (( الرِّجالُ قوَّامونَ على النِّساءِ بما فضَّلَ اللهُ بعضَهم على بعضٍ وبما أنفقوا منْ أموالِهم )) النساء 34 ، وتمكينه من الاستمتاع بها ، وعدم الإذن لمن يكره بدخول بيته ، وعدم الخروج من البيت إلا بإذنه ، وله تأديبها بالمعروف ، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه ليس عليها خدمة زوجها من طبخ ونحوه ، لأن المعقود عليه من جهتها هو الاستمتاع فلا يلزمها ما سواه ، أما المالكية فقد أوقفوا ذلك على العرف.
* واجبات مشتركة بين الزوجين :
وهناك واجبات مشتركة يشترك فيها كل من الزوجين ، منها حِلُّ المعاشرة واستمتاع كل منهما بالآخر ، وحرمة المصاهرة فالزوجة تحرم على آباء الزوج وأجداده وأبنائه وفروع أبنائه وبناته ، كما يحرم على الزوج أمهات الزوجة وجداتها وبناتها ، وبنات أبنائها وبناتها ، وأن يجمع بينها وبين أختها أو عمتها أو خالتها ، كما يثبت التوارث بين الزوجين بمجرد إتمام عقد الزواج وإن لم يدخل بها .. ومن حق كل من الزوجين على الآخر أن يكتم سره ، وأن يستر ما يقع بينهما حال الجماع وقبله من مقدماته أو غير ذلك من الأسرار التي تكون بين الزوجين عادة ، لقولهصلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ مِنْ أَشرِّ النَّاسِ عند الله منزلةً يومَ القيامة الرجلُ يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرَّها ).
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
عدم جواز سفر الزوجة دون إذن الزوج ... العنوان
هل أحكام الشريعة الإسلامية تقضى بضرورة موافقة الزوج على سفر زوجته إلى الخارج ؟
... السؤال
05/11/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
نفيد بأن الشريعة الإسلامية قد رتبت لكل من الزوجين حقوقًا على الآخر، فجعلت للزوج على الزوجة حقوقًا منها أن تقيم معه فى منزل الزوجية حتى تتحقق أغراض الزواج من سكن ومودة وإنجاب للأولاد والعناية بهم وتنشئتهم تنشئة مثالية، وتوفير وسائل الراحة فى البيت لينعم أفراد الأسرة جميعًا ، ومن حقه عليها ألا تخرج من منزل الزوجية إلا بإذنه، وله أن يمنعها من الخروج إلا لحاجة تقضى بها الشريعة أو العرف العف النزيه .
وقد دل على ذلك الكتاب فقال تعالى { وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } الأحزاب 33 ، كما دل على ذلك ما جاء بالسنة أيضا .(65/120)
فعن أنس - جاءت النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن يا رسول الله ذهب الرجال بالفضل والجهاد فهل يكون لنا من عمل ندرك به المجاهدين فقال عليه الصلاة والسلام :( من قعدت منكن فى بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين فى سبيل الله ).
ومن حقه عليها منعها من السفر وحدها أو مع غير محرم لها ولو كان ابن عمها أو ابن خالها، ولو كان هذا السفر لغرض دينى كأداء فرض الحج .
وقد جاءت السنة بهذا المنع .
فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذى رحم محرم عليها ) . متفق عليه .
ومسافة السفر الشرعية تقدر بحوالى 84 كيلو مترًا. وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول ( لا يخلونّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذى رحم محرم فقال له رجل يا رسول الله إن امرأتى حاجة وإنى كتبت فى غزوة كذا وكذا قال انطلق فحج مع امرأتك ) متفق عليه.
وليس مقصود الشارع من ذلك حبس الزوجة والتضييق عليها والإساءة إلى سمعتها، وإنما المقصود هو حماية الأسرة والمحافظة على كيانها، وربط أواصر المحبة بين أفرادها حتى تستمر العشرة بين الزوجين على وجه حسن، وتؤتى الزوجية ثمراتها التى يريدها الشرع، ويتطلبها الاجتماع، ويبقى السكن والمودة بين الزوجين .
ومن ذلك يبين أنه لا يحل للزوجة شرعًا أن تسافر إلا بموافقة الزوج على هذا السفر .
والله أعلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طلب الطلاق بسبب التدخين ... العنوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... .شيخنا الفاضل : أصدر المفتى بجمهورية مصر العربية فتوى بإباحة تطليق زوجة المدخن ... وبسبب هذه الفتوى حدثت بلبلة بالشارع والمجتمع المصرى فما هو تقييم سيادتكم ... جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء
... السؤال
19/08/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
الإجابة للدكتور عبد اللطيف عامر
أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القاهرة
نقول للسائل :ـ(65/121)
إن الضررالذى يجيز لأحد الزوجين طلب الطلاق هو الضرر الذى تستحيل معه العشرة الزوجية ولا يستطيع أحد الزوجين أن يعيش معه ؛ أما الضررالمحتمل فإنه لايجيز طلب الطلاق وهو أبغض الحلال إلى الله ؛ يقول النبى صلى الله عليه وسلم :(لايفرك مسلم مسلمة إن كره منها خلقًا رضى منها آخر .) ولذلك لانقول بمثل ما قال به فضيلة المفتى مع تقديرنا واحترامنا له لأن التدخين من الأمور التى عمت بها البلوى ولو فتحنا هذا الباب لترتب عليه شر كبير ربما يكون أكبر من ضرر التدخين نفسه .
كانت هذه فتوى صوتية للدكتور عبد اللطيف عامر أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم - القاهرة
وإذا أردت التفصيل فى هذه المسألة فيمكنك ان تراجع الضرر الذى يجيز الطلاق فى باب اسألوا أهل الذكر
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الخروج مع الزوجة إلى البحر ... العنوان
هل خروج الزوج مع زوجته إلى البحر حرام؟
... السؤال
13/06/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الله سبحانه وتعالى لا يحرم على الزوج والزوجة أن يعيشا حياة البشر، كل ما أباحه الله عز وجل للمسلمين مباح للزوج والزوجة، بل مطلوب في صحبة الزوجية أن تكون هناك مواقف عاطفية متجددة، مواقف بين الزوجين متجددة لدوام هذه العلاقة الزوجية، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يخرج كما قالت أم المؤمنين عائشة معها إلى التلاع، والتلاع هي مساقط المياه في الصحراء، حيث الخضرة وانسياب الماء، وكان ذلك عندهم يسمى البادية، وأن الرسول كان يخرج مع زوجته يتبدى "كما نقول نحن نصيف"، إذن الخروج إلى الأماكن المختلفة تعيد الذكريات الطيبة بين الزوجين، وتنشط الحياة الزوجية وتسري متاعب العمل خارج البيت، ذلك من المطلوب ومن المستحب، بل هو نفسه في شرع الله عز وجل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بعض زوجاته في الأسفار، وكان يطلب من أصحابه أن يتقدموا عنه في مراحل السفر ثم يخلو مع بعض نسائه كعائشة ويتريض معها أي يتسابق، وكان يسبقها وكانت تسبقه.
إن الخروج لا غبار عليه إذا خرج الزوج مع زوجتها، بل هو مستحب، لكن أقول إذا كان الخروج إلى أماكن البحر فيها معاص كالخلطة المفسدة بين الرجال والنساء أو التعري وكشف عورة المرأة وكلها عورة إلا الوجه والكفين، وكذلك الرجل عورته من السرة حتى الركبة، فهذا حرام، أما إذا لم تكن هناك خلطة مفسدة ولم يكن هناك تعرٍّ ، نقول كما قال الله تعالى "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق" فربنا لم يحرم إلا الحرام، وليس خروج الرجل مع زوجته(65/122)
للتريض والنزهة حراما، بل نحن نطالب كل زوج أن يفعل ذلك؛ لدوم العشرة وكي تجدد الأسرة نشاطها؛ وكي تستمر الحياة بلا متاعب ويسعد الزوج
ـــــــــــــــــــ
صبر أهل المريض على مريضهم ... العنوان
هل فى صبر المرأة على ولدها المريض أجر ؟ ... السؤال
11/05/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... يجب على أهل المريض أن يصبروا عليه، ولا يضيقوا به، أو يملوا منه وخصوصًا إذا طال مرضه.
فإن الأشد من المرض إيجاعًا وإيلامًا، أن يشعر المريض أنه أصبح عبئًا على أهله، وأنهم يتمنون أن يريحهم الله منه، يرى ذلك على صفحات وجوههم، وفى نظرات أعينهم، وفلتات ألسنتهم.
وإذا كان صبر المريض على ما ابتلى به من المرض، من أعظم ما يثيب الله تعالى عليه، كما صحت بذلك الأحاديث، فإن صبر آله وذويه على تمريضه ومعاونته على الشفاء لا يقل مثوبة عنه، بل قد يزيد عليه ؛ لأن صبر المريض أشبه بصبر الاضطرار، وصبر أهله صبر اختيار، ذلك صبر على البلاء، وهذا صبر على فعل الخير.
ومن أوجب من يجب الصبر على صاحبه إذا حل به المرض: الزوج على زوجته، والزوجة على زوجها.
فالحياة أزهار وأشواك، ونفحات ولفحات، ولذات وآلام، وصحة وسقام، ودوام الحال من المحال.
ولا يجوز لرجل ذي دين وخلق أن ينعم بزوجته حال الصحة، ويتبرم بها عند المرض، فيأكلها لحمًا، ويلقيها عظمًا، ويمص عصارتها شابة، ثم يرمى بها قشرة حالة الضعف والعجز، فليس هذا من الوفاء، ولا من حسن العشرة، ولا من أخلاق الرجال، ولا خصال المؤمنين.
كما لا يجوز لامرأة سعدت بالحياة مع زوجها شابًا صحيح البدن، قوى البنية أن تضيق ذرعًا به إذا داهمه المرض، فاعتل بعد صحة، وضعف بعد قوة، وتنسى أن الحياة الزوجية الفاضلة هي التي تقوم على التعاون الدائم على الحلوة والمرة والعافية والبلاء.
وقد شكا الشاعر العربي قديمًا من امرأته (سليمى) حين ضجرت منه لمرضه، فلما سئلت عنه قالت : لا حي فيرجى، ولا ميت فينسى ! على حين كانت أمه حانية عليه، ملهوفة على شفائه، حريصة على بقائه، فقال في ذلك:
أرى أم عمرو لم تمل ولم تضق
وملت سليمى مضجعي ومكاني !
فأي امرئ ساوى بأم حليلة
فلا عاش إلا في أسى وهوان !(65/123)
لعمري لقد نبهت من كان نائمًا
وأسمعت من كانت له أذنان !
وأوجب من صبر كل من الزوجين على مرض صاحبه وشريك حياته : صبر الابن على مرض الوالدين . فإن حقهما بعد حق الله تعالى، وبرهما من أصول الفضائل التي جاءت بها الرسالات الإلهية، ولهذا وصف الله تعالى يحي عليه السلام بقوله : " وبر بوالديه ولم يكن جبارًا عصيًا " (مريم : 14) . وأنطق المسيح عيسى ابن مريم في المهد صبيًا، فكان مما وصف به نفسه : " وبرًا بوالدتي ولم يجعلني جبارًا شقيًا " (مريم : 32).
ومثل الابن : البنت، بل هي أحق برعاية أبويها وتمريضهما، وأقدر عليه من الابن لما حباها الله به من حنان دافق، وعاطفة فياضة، لا تتوافر دائمًا عند الأبناء الذكور.
وقد جعل القرآن الإحسان بالوالدين بعد توحيد الله تعالى، كما في قوله عز وجل : " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانا " (النساء : 36)، " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ". (الإسراء : 23).
وقد نبه القرآن في هذه الآية الكريمة على حالة خاصة، أو مرحلة معينة من العمر، يتأكد فيها البر والإحسان، وهى حالة الكبر والشيخوخة التي يكون فيها الأبوان في غاية من الحساسية النفسية لأي كلمة تصدر من أولادهما، تشعرهما بالتأفف أو الضجر من وجودهما، وهو ما صرح القرآن بالنهى عنه تعيينا وتحديدًا في قوله سبحانه: " إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريمًا . واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا " (الإسراء : 23، 24).
جاء عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قوله : لو علم الله في العقوق شيئًا أدنى من (أف) لحرمه.
وتعبير القرآن بقوله : " يبلغن عندك " يدل على أنه أصبح مسئولا عنهما، وأنهما أصبحا في عداد عياله.
والصبر على الأبوين في حالة الضعف والكبر من أوسع الأبواب المؤدية إلى الجنة والمغفرة، ومن ضيع هذه الفرصة فقد ضيع على نفسه مغنمًا كبيرًا، وخسر خسرانا مبينًا.
وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال فيما رواه عنه أبو هريرة: " رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه ! من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كلاهما، ثم لم يدخل الجنة ". (رواه أحمد ومسلم كما في صحيح الجامع الصغير، رقم 3511).
وفى الحديث الآخر الذي رواه كعب بن عجرة وغيره :
أن جبريل أمين الوحي دعا على من أضاع هذه الفرصة على نفسه، وأمن على ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- (ونص دعوة جبريل : " بعد من أدرك أبويه عند الكبر أو أحدهما فلم يدخل الجنة " رواه الطبراني ورجاله ثقات، كما في مجمع الزوائد للهيثمي 166/10 وله جملة شواهد).(65/124)
ومثل حالة الشيخوخة : حالات المرض كلها، التي تجعل الإنسان في صورة من الضعف والحاجة إلى رعاية الغير، وعدم القدرة على الاستقلال بشئون النفس.
وإذا كان هذا في شأن الأبوين عامة، فإن الأم خاصة أحق بالرعاية لتأكيد القرآن والسنة الوصية بها.
قال تعالى: " ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا " (الأحقاف : 15).
" ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير " (لقمان: 14).
وروى الطبراني في الصغير عن بريدة: أن رجلا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال : يا رسول الله، إنى حملت أمي على عنقي فرسخين في رمضاء شديدة، لو ألقيت فيها بضعة لحم لنضجت، فهل أديت شكرها ؟ قال : " لعله أن يكون لطلقة واحدة " (رواه الطبراني في الصغير، وفيه : الحسن بن أبي جعفر، وهو ضعيف من غير كذب، وليث بن أبى سليم مدلس . كما في مجمع الزوائد للهيثمي 8/ 137).
وحكوا أن رجلا قال لعمر بن الخطاب : إن أمي قد بلغت من الضعف والهرم بحيث لا تقضى حاجتها إلا وظهري لها مطية - يعنى أنه صنع لها ما كانت تصنع هي له - فهل وفيت ديني لها ؟ قال : إنك تصنع لها ذلك، وترتقب موتها غدًا أو بعد غد، أما هي فكانت تصنع ذلك لك، وهى ترجو لك عمرًا طويلاً !
وتزداد مسئولية الأهل عن المريض إذا كان فاقد الأهلية، مثل الطفل، ولا سيما غير المميز والمجنون، لما يحتاج إليه كل منهما من رعاية مكثفة، وعناية بالغة.
فالإنسان المميز والعاقل يستطيع أن يطلب ما يريده، ويشرح ما هو في حاجة إليه، ويستعجل طلبه إذا تأخر عنه، ويُقنِع من يقوم على علاجه أو تمريضه بضرورته، أما الطفل أو المجنون أو من في حكمهما، فلا يمكنه شيء من ذلك، ومن ثم يتضاعف العبء على أهله، فعليهم أن يكونوا في غاية اليقظة لحالته الصحية، وما يعطى له من أدوية موصوفة في مواعيدها المنتظمة، وما قد يطرأ عليه من تطورات تحتاج إلى عرضه على الطبيب المعالج، أو إدخاله مستشفى متخصصًا أو غير ذلك مما لا يمكن حصره وضبطه من الأحوال.
انتهى كلام الشيخ
وبناء على هذه الفتوى نقول للسائلة إن هذا ابتلاء من الله فلاتضيقى به واعلمى أن الله سيعطيك الأجر والثواب الجزيل إن صبرت واحتسبت ذلك عند الله سبحانه وتعالى فإن المسلم يثاب عن الشوكة التى يشاكها كما أخبر بذلك النبى صلى الله عليه وسلم ونسأل الله العظيم أن يجزل لك الثواب وأن يعجل شفاء ولدك إنه ولى ذلك والقادر عليه والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
سوء العشرة الزوجية ... العنوان
يعاملني زوجي معاملة سيئة جدًا وهجرني من سنوات عديدة ولم يقربني إلا نادرًا. وعلى ما أعتقد أنه متزوج من أخرى وإن قال لي: إنه طلقها، إلا أنني أشك في ذلك.(65/125)
فهو لا يجامعني في السنة إلا مرتين؛ أي كل ستة أشهر. فهل أعتبر مطلَّقة، وهل أجالسه وآكل معه وأشرب معه أم لا؟ وهو إذا جامعني يعزل، وهذا برضاء مني ومنه. ورغم ابتعاده عني أنا راضية به، فهل علي إثم؟ أرجو أن تبينوا لي الحكم الشرعي في ذلك، جزاكم الله خيرًا.
... السؤال
18/04/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه
(أما بعد)
فلا حرج على الرجل شرعًا أن يتزوَّج بأخرى إذا كان قادرًا على أعباء الزواج من النفقة والإحصان، وكان واثقًا من العدل بين زوجتيه، وإلا حرم عليه الزواج بأخرى. قال تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً) النساء:3، والعدل المطلوب هنا هو العدل في الأمور الظاهرة مثل المأكل والمشرب والمسكن والكسوة والمبيت، لا في الميل القلبي الذي لا يملكه الإنسان، وفي هذا يقول تعالى: (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) النساء: 129
والمعلقة هي المهجورة من زوجها؛ فلا هي مزوَّجة، ولا هي مطلَّقة.
وسواء كان الزوج متزوجًا بأخرى أم غير متزوج فلا يجوز له شرعًا أن يهجر زوجته هجرًا طويلاً، بحيث تكون كالمطلَّقة. وكما أن للرجل حقًا على زوجته ألا تهجر فراشه فإن للمرأة حقًا على زوجها ألا يهجرها، ما لم ترضَ هي بذلك منه، وتسقط حقها باختيارها. وقد ترضى بعض النساء بذلك بديلاً عن الطلاق.
على أن الزوجة مهما طال هجرها فهي لا تعتبر مطلقة، وهي زوجة لها كل حقوق الزوجية، إنما تطلق بطول الهجر، في حالة واحدة وهي حالة الإيلاء، إذا حلف ألا يقرُبها أبدًا، أو لا يقربها مدة أربعة أشهر فصاعدًا. وهي التي جاء فيها قوله تعالى: (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ* وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة: 266، 267.
ويجوز للزوج إذا جامع زوجته أن يعزل عنها، ولكن برضاها وإذنها فقد جاء في الحديث النهي عن العزل عن الحرة إلا بإذنها.
فما دامت الأخت السائلة راضية بذلك فلا إثم عليه ولا عليها. وبالله التوفيق. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
ـــــــــــــــــــ
ما الحل إذا استحالت العشرة الزوجية ... العنوان
تزوجت من رجل من قرابتي ولقد قام أهلي جزاهم الله خيرا بفتح بيت له على حسابهمووضع كل ما يحتاجه البيت وبتوظيفه وجعله رجل ينفع المجتمع وإن كان لا يحمل إلا الثانوية العامةوذلك لما رأت أمي وأبي وأخي من أنه على خلق ودين رغم أنني قد تقدم لي لأطباء وأغنياء كثيرون لكن أهلي كانوا يرفضون ذلك والكمال لله فلا يوجد بي أي عيب وكان أقربائي يتسابقون على خطبتي ولكن بعد زواجي وكل(65/126)
هذا المعروف الذي قدمه أهلي لزوجي وجدنا أخلاقه بدأت تتغير وبدا يتجبر ولا يحترم أبي الذي هو عمه ولا أمي التي ساعدته كثيراوأنه رجل حقود ومتكبر من غير علم وفهم ويريد أن يأكل الدنيا بيومين ولا حول ولا قوة إلا بالله، وآخر شيء صدر منه أجبرني على أخذ راتبي وتقديم أعطيات من راتبي إلى أهله رغم أن راتبه يكفيه وبدأت المشاكل في بيتنا نحوه وأكثرها من قلة فهمه وعدم مراعاته الأصول الرجوليه وكأنه رجل ذا منظر خارجي وتافه من الداخل وعدم اهتمامه بمستقبلي من بيت والتوفير لغدرات الزمان فما حكم تسلطه على مالي لأهله وهذا النوع من الرجال كيف يكون التعامل معهم رغم أن عمري 27 سنة وأعمل موظفة في إحدى المستشفيات (ممرضة) ... السؤال
... ... الحل ...
...
... شرع الله الطلاق بين الزوجين إذا لم يتفقا في الحياة الزوجية فاطلبي الطلاق من ذلك الرجل أو اطلبي الخلعة منه فإن امرأة قيس بن شماس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت يا رسول الله إني أكره الكفر بعد الإسلام ولا أنكر على قيس في دين أو خلق ، قال أتردين على حديقته قالت أزيد أما الزيادة فلا، ، وقال له: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة، والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
علاقات زوجية
هل يجوز للمرأة ان تطلب من زوجها ان يقضي معها وقتا غير الوقت الذي تتطلبه منهم العلاقة الخاصة؟
و هل امتناع الزوجه عن اجابه طلب زوجها لها تعد معصيه اذا كان الزوج مهملا لزوجته طوال اليوم و يرتكب بعض المعاصي التي تجرحها و تهينها كزوجة ولا يلتفت اليها الا اذا اراد منها العلاقه الخاصه ... السؤال
أ.د محمد السيد الدسوقي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله الرحمن الرحيم
العلاقة الزوجية في الإسلام تقوم على المودة والرحمة والسكن والستر المشترك فالرجل سكن لزوجته والزوجة سكن لزوجها، وقد أمر القرآن الكريم الرجال بحسن العشرة مع النساء، والأمر للرجال هو أمر للنساء أيضا، والمفروض في الحياة الزوجية أن يكون بين الزوجين مودة نفسية ومودة قلبية، وحوار متبادل يعبر عن العاطفة التي تجمع بينهما وأن لا تكون العلاقة الخاصة هي التي تجمعهما فقط؛ فهذا فهم خاطئ فالرسول كان يداعب زوجاته ويكون أحيانا في خدمتهن وكان يسابقهن، ويتلطف معهن في كل تصرف وهو القائل: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" وفي خطبة الوداع أوصى الرسول كثيرا بالنساء وقال: اتقوا الله في النساء، فعلى الزوج أن يحسن إلى زوجته ما استطاع بالكلمة الطيبة والبسمة الحانية وإشعارها بأنها رفيقة عمره وأم أولاده وسبيل سعادته، وعلى المرأة أيضا أن لا(65/127)
تقصر في واجبها نحو زوجها بأن ترعى بيتها وأن لا تقصر في زينتها بالنسبة لزوجها، وبالنسبة لصاحبة السؤال أنصحها إذا كان زوجها قد قصر في حقها فلا يلاطفها أو يداعبها، فإن هذا لا يجعلها تقصر في حقه، فالمرأة إذا طلبها زوجها لا يجوز لها أن ترفض طلبه اللهم إلا إذا كان هناك مانع شرعي أو مرضي، وأنا أنصح هذه الزوجة أن تحاول أن تتعرف على وسيلة لجذب الزوج إليها، وأن تجعله ينصرف عن مشاهدة الصور الخليعة والبرامج الجنسية الهابطة والله يرعاك ويوفقك.
ـــــــــــــــــــ
إدخار الزوجة لمالها دون علم زوجها ... العنوان
أنا مدرسة، ولي دخلي، وأساعد زوجي بما أستطيع، فهل حرام أن أدَّخر مالي دون علم زوجي؟ حيث إنه يُصِرّ على أن مالي أيضًا لا بد من إنفاقه على البيت كله، رغم أنه مدرس ودخله كافٍ وزيادة، وله فائض بالبنك. أرجو إفادتي بارك الله في علمائنا.
... السؤال
أ.د محمد السيد الدسوقي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ما دام زوجك يتمتع بقدرة مالية تتيح له الإنفاق على البيت، فأنت لست مسؤولة شرعًا عن الإنفاق، ولكن من باب المجاملة، وحسن العشرة، والمحافظة على استمرار الحياة الزوجية، فلا بأس من المساعدة بما يمكن أن تساعدي به.
وهذا لا يعني حرمانك من أن تدخري من راتبك ما تريدين، ولو بدون علم زوجك؛ لأن هذا مالك الخاص، ولكن عليك التصرف بحكمة حتى لا يترتب على ذلك خلاف شديد بينك وبين زوجك، فبعض الرجال للأسف الشديد، يفرض على الزوجة أن تنفق كل دخلها في البيت، ويحاسبها حسابًا عسيرًا، بل أعرف أن بعض الرجال يذهب أول كل شهر ليقبض راتب زوجته، ثم يعطيها ما تحتاجه من نفقات يومية، ويتصرف هو في الراتب كما يشاء، وهذا لا شك خطأ، وخطأ كبير من الرجال.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
ضوابط الطلاق الشرعي ... العنوان
هل هناك ضوابط للطلاق في الإسلام أم أن الأمر عندما يريد الشخص أن يطلق طلق زوجته؟ وماذا لو أراد الطلاق لكن الزوجة لا توافق؟ وماذا لو أراد الزواج من امرأة أخرى ولم توافق زوجته على ذلك؟ وهل للمرأة حقوق في هذه الحالة؟
... السؤال
أ.د عبد الغفار حامد هلال ... المفتي
... ... الحل ...
...(65/128)
...
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
يحافظ الإسلام على تكوين الأسرة ولا يعرضها للهزات أو الانفصال بين الزوجين، فالإسلام حريص على أن تظلّ العلاقة بين الزوجين قائمة، والزواج في الإسلام هو على صفة الدوام والاستمرار، وليس على صفة أنه مؤقت بوقت ينتهي عنده، فالزواج عادة يستمر مدى الحياة، والطلاق لم يشرع في الإسلام ليستعمله الرجل كما يشاء، بل إنه مفتاح خاص لا يستعمل إلا عند الضرورة، فإذا ما حدث نزاع في الأسرة، أو شجار، لا يلجأ الزوج إلى الطلاق، وإنما يستنفد كل الوسائل الممكنة أولاً لإصلاح الحياة الزوجية، بأن يتواءم الزوج مع زوجته، أو يوسط أهل الخير، ولا يستخدم أبدًا الطلاق، إلا إذا استحالت العشرة بين الزوجين تمامًا، وأصبحت الحياة بين الزوجين غير ممكنة، بحدوث ما يدعو إلى الانفصال من الأسباب والدوافع التي لا يمكن القضاء عليها، إلا بالانفصال، عندئذ يلجأ الزوج إلى إصدار الطلاق كما قال تعالى: "وإن يتفرقا يغني الله كلاًّ من سعته"، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق"، فالله تعالى أحل الطلاق ولكن عند استحالة العشرة بين الزوجين. أما أن يصدر الزوج الطلاق في كل وقت فهذا حرام ولا يجوز شرعًا.
مسألة أن الزوجة لا توافق على الطلاق احترم الإسلام رأي المرأة، فإذا طلبت المرأة أن تكون العصمة بيدها، وأن تكون هي التي تصدر الطلاق وتوافق عليه إذا اشترطت هذا في العقد فهو جائز، ولا يستطيع أن الزوج أن يطلق، بل هي التي تكون صاحبة الرأي في الطلاق، أما إذا لم تكن قد اشترطت الطلاق بأن يكون بيدها فأمر الطلاق بيد الزوج، ولا يحتاج إلى موافقة من الزوجة.
إذا أراد الزوج أن يتزوج امرأة أخرى ولم توافق زوجته، فهي بالخيار بين أن تبقى مع زوجها، أو تطلب من القاضي أن تنفصل عن هذا الزوج؛ للضرر الذي سيقع عليها من الزوجة الثانية، وهذا يعبر عن احترام الإسلام للمرأة، وعن اعتزازه بشخصيتها ورأيها في الحياة الزوجية، وأنها بحريتها تستطيع أن تبقى مع الزوج إذا لم يقع عليها ضرر، فإذا وقع عليها ضرر جاز لها أن تطلب الفصل عنه ويجيبها القاضي إلى ذلك. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
إذا جامع ولم ينزل وجب الغسل
سؤال:
في حال حصول جماع ولم يتم القذف (خروج المني) هل يجب على كلاهما الاستحمام ؟ وفي حال لم يصلا للشهوة هل يجوز استعمالهما العادة السرية ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا حصل الجماع بإدخال الحشفة (رأس الذكر) في الفرج ، فقد وجب الغسل على الرجل والمرأة ، وإن لم ينزل المني ، لما روى البخاري (291) ومسلم (348) عَنْ(65/129)
أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغَسْلُ ) زاد مسلم ( وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ ).
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/131) : " واتفق الفقهاء على وجوب الغسل في هذه المسألة , إلا ما حكي عن داود أنه قال : لا يجب " انتهى .
ثانيا :
يجوز للرجل أن يستمتع بزوجته ، وللمرأة أن تستمتع بزوجها ، كيفيما شاءا ، إذا اتقيا الحيضة والدبر ، ومن ذلك أن يستمني بيدها ، أو تستمني بيده ، فهذا داخل في الاستمتاع المأذون فيه بقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) المؤمنون/5،6 .
وأما أن يستمني الرجل بيده ، أو المرأة بيدها ، فهذا اعتداء محرم ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (329) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل تطلب الطلاق من زوجها الذي لا يحافظ على الصلاة ويقصر في حقوقها ؟
سؤال:
لقد تقدم لخطبتي شاب أقل مني في المستوى التعليمي فلم يحصل إلا على الثانوية ، وأنا جامعية فرفضت ، فادعت أمه أنه معه دبلوم في اللغة الإنجليزية ثم تبين لي بعد ذلك أنه لا يعرف شيئا عن اللغة الإنجليزية ، وقالت إنه موظف وراتبه 4000 ريال وهذا الراتب يكفي لأن جده سيعطيه شقة له على سبيل الهدية ، وتم الزواج فعلا ولكن ظهر لي بعد ذلك أن عليه ديونا للبنوك تخصم من راتبه ، ولا يعطيني في الشهر إلا 100 ريال فقط ، ومنذ ثلاثة أشهر ترك العمل ولم يجد غيره ، ولم ننتقل إلى الشقة التي أعطاها له جده مع أنه مضى من الوقت الآن سنة وأربعة أشهر على زواجنا . لأنه لا يستطيع أن ينفق علي ، بل نقيم مع أهله . وهو مع ذلك متهاون في الصلاة ، لا يصلي إلا إذا طلبت منه ذلك ، وهو أيضا بدين جدا مما يمنعني من الحصول على اللذة معه ، ولا يهتم بنظافته الشخصية ، حتى بدأت أنفر منه .
الجواب:
الحمد لله
الزواج آية من آيات الله ، ونعمة من نعمه ، يجد فيها الزوجان السكن والأنس ، والمودة والرحمة ، مع العفة والإحصان ، وإنجاب الذرية الصالحة التي تعمر الأرض وفق منهج الله . كما قال سبحانه : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم/21 .
وهذه مقاصد الزواج التي شرع من أجلها ، فإذا لم تتحقق هذه المقاصد ، كان الطلاق سبيلا مشروعا ، يمهّد للانتقال لحياة زوجية أخرى ، تتحقق فيها أهداف النكاح ومقاصده .(65/130)
وما ذكرتِه من الأسباب ، يبيح لك سؤال الطلاق ؛ وقد روى الترمذي (1187) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ ) . والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
فقوله : "من غير بأس" أي : من غير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " فالواجب على المرأة أن تعاشر بالمعروف ، وأن تسمع وتطيع لزوجها بالمعروف ، وألا تطلب الطلاق إلا من علة ، فإذا كان هناك علة ، فلا بأس ، مثل أن يكون بخيلا لا يؤدي حقها ، أو كان كثير المعاصي ، كالسُّكر ونحو ذلك ، أو كان يسهر كثيرا ويعضلها ، أو ما أشبه ذلك من الأسباب فهذا عذر معتبر " انتهى ، نقلا عن "فتاوى الطلاق" ص 264 .
وهذه الأسباب التي ذكرت وإن كانت تبيح لك سؤال الطلاق ، إلا أنه ينبغي أن تفكري في هذا الأمر تفكيرا كثيرا قبل الإقدام عليه ، مراعية عدة أمور :
الأول : الأمل في صلاح حاله ، لاسيما إذا انتقلتما إلى شقة خاصة ، ولعله بتشجيعك يلتزم بصلاته ، ويفتح الله عليه برزق حسن ، ويسعى لإرضائك والتخلص مما يؤذيك ، ويكون لك أجر الصبر والإحسان إليه ، وإعانته على تغيير حاله . فراجعي نفسك ، وتدبري في حال زوجك ، فإن رجوت منه صلاحا وتغيرا ، فاصبري واحتسبي ، واعلمي أن الصبر عاقبته الفرج والظفر ، وكم من امرأة صبرت على زوجها وسوء خلقه ، ثم غير الله حاله ، وصار من أحسن الأزواج ، لا ينسى صبرها ومعروفها وإحسانها ، وقد قال الله تعالى : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) فصلت/34، 35 .
والمرأة لها دور عظيم يمكن أن تقوم به في مجال إصلاح زوجها ، ودعوته إلى الخير والفلاح ، إذا أوتيت الحكمة والرفق والأسلوب الحسن . وينبغي أن يتجه الإصلاح أولا إلى الدين ، قبل الجسم والمادة ، فإنه إن صلح دينه جاءه التوفيق والتسديد في أموره كلها بإذن الله وفضله .
الثاني : أن تنظري في أمرك فيما لو وقع الطلاق ، وكيف سيكون حالك ، وهذا أمر لا يُحكم عليه في وجود الغضب أو النفور من الزوج ، بل يحتاج إلى روية ونظر وتأمل ، والعاقلة قد ترضى بالحياة المنغّصة مع زوج فيه خير وشر ، وصلاح وفساد ، وتفضل ذلك على أن تكون مطلقة ، تعاني من الوحدة والقلق والبحث عن الزوج ، في زمان انتشرت فيه العنوسة ، وصعب فيه أمر الزواج من الأبكار ، فضلا عن المطلقات .
وهذا يختلف من امرأة لأخرى ، فربما كانت المطلقة مرغوبة لدينها أو لجمالها أو مالها أو نسبها .
الثالث : ينبغي أن تكثري من اللجوء إلى الله تعالى ، وسؤاله أن يلهمك رشدك ويقيك شر نفسك ، وألا تتخذي قرارا إلا بعد أن تستخيري ربك جل وعلا .
ولمعرفة صلاة الاستخارة ينظر السؤال رقم (11981) ، (2217)
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه الخير والهدى والفلاح .
والله أعلم .(65/131)
ـــــــــــــــــــ
تريد مساعدة زوجها في شئون الزواج وأخواتها يرفضن
سؤال:
أنا فتاة أبلغ من العمر 23 ، مخطوبة ، وأريد أن أساعد خطيبي في متطلبات الزواج حتى يتم الزواج في أسرع وقت ؛ لأن حالته المادية غير متيسرة ، وأخواتي لم يوافقن ، مع العلم بأني سوف أساهم من أموالى الخاصة ، فهل هذا جائز ، أم الواجب أن يقوم بمتطلباته ؟.
الجواب:
الحمد لله
قد أحسنتِ في نيتك مساعدة زوجك حتى يتم إكمال زواجه منكِ ، وهو أمر تُشكرين عليه ، ويدل على دينٍ متين وعقل راجح ومروءة بالغة .
وإعانتك لزوجكِ في إتمام زواجه إعانة على دينه وإيمانه ، وهذا من أعظم الطاعات ، وهو أمر محمود في شرع الله تعالى ، وهو من أعظم مصارف المال .
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ) قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : أُنْزِلَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا أُنْزِلَ ، لَوْ عَلِمْنَا أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ ، فَقَالَ : أَفْضَلُهُ لِسَانٌ ذَاكِرٌ ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ ، وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ .
رواه الترمذي ( 3094 ) ، وابن ماجه ( 1856 ) وعنده : ( تُعِينُ أَحَدَكُم عَلَى أَمْرِ الآخِرَة ) ، والحديث حسَّنه الترمذي ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال الشيخ المباركفوري – رحمه الله - :
( وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه ) أي : على دينه ، بأن تذكِّره الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات ، وتمنعه من الزنى وسائر المحرمات .
" تحفة الأحوذي " ( 8 / 390 ) .
ولا شك أن الزواج يعين الرجل على الطاعة ، ويصده عن المحرمات من النظر والسماع ، ويمنعه من الوقوع في الزنا .
هذا من حيث المبدأ العام ، لكن ينبغي أن تراعى بعض الأمور ، منها :
1- جدية الرجل في أمر الزواج والسعي لتحصيل تكاليفه فإن بعض الناس يركن إلى هذه المسألة ، ويعتمد عليها ، ولا يجدّ في تحصيل ما هو مطلوب منه .
2- إذا كان الخاطب جاداً وكان لديه بعض تكاليف الزواج ويعجز عن قيمتها فلا مانع من مساعدته في بعض ما يحتاج ، كأن تشارك الزوجة في شراء بعض الأثاث أو الأجهزة ، أو في تكاليف العرس .
3- الخاطب أجنبي عن مخطوبته حتى يعقد عليها ، فلا يحل له أثناء الخطبة أن يخلو بها أو يصافحها أو يخرج منعها ، بل هو كغيره من الأجانب . انظري السؤال رقم (2572)
ونسأل الله تعالى أن يوفقكما لما يحب ويرضى ، وأن يرزقكما ذرية طيبة .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب(65/132)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أسلمت وتشكو من حال زوجها
سؤال:
أنا امرأة أوربية ، دلها الله إلى صراط الإسلام المستقيم ، ولله الحمد .
وأنا أبذل قصارى جهدي محاولة اتباع دين الله ، لكني أستنصحك حول بعض المشاكل التي عرضت على علاقتي مع زوجي .
أجد أنه من الضروري أن أخبرك بأن حياتنا الزوجية تتسم بالتوتر . وقد بلغ الأمر مبلغا أني طلبت منه الطلاق لأول مرة قبل عدة أشهر من الآن ، وذلك لأنه كان يتجاهل الصلاة مع أنه يعلم بالتزاماته ، كما أنه اكتسب عادة سيئة أخرى وهي أنه إذا كان غاضبا، فإنه يهددني بالطلاق وقد أخرجني من البيت وهو في تلك الحالة. وعندما ثبت له أني سأتركه ، تاب وغير أسلوب تعامله ، ولذلك فقد سحبت طلبي وعدت إليه . ومع ذلك فإن التوتر لا يزال يخيم على علاقتنا . والسبب الرئيسي في ذلك هو أنه أضعف إيمانا مني في وقتنا الحاضر . وأنا لا أظن في نفسي الكمال ، وأعلم أني أقع في المعاصي . إلا أني أراه دوما يعمل أمورا ليست بالجيدة (فهو يقع في الحرام والمكروه) ، وأنا لا أستطيع أن أمنع نفسي وأسكت عن ذلك. فمن الأمثلة، استخدامه للكلمات البذيئة في حضور ابنتنا، أو ضربها لها وتقبيلها في مواضع يجدر أن نعلمها الخجل منها .. الخ . وإذا ما أخبرته بأن من غير الجيد فعل مثل هذه الأمور، وفي بعض الأحيان يسعفني الدليل من الكتاب والسنة ، يرد إما بأنه يعلم بهذا ، ثم يستمر فيما هو قائم عليه ، أو أنه يغضب ويخبرني بأن أهتم بشؤوني الخاصة . وهذا مصدر توتر بيننا ، وكل واحد منا بدأ يفقد صبره تجاه شريكه . وسؤالي هو : فيما يختبرني الله في هذه الأحداث ؟ أليس من الواجب علي إخباره وتذكيره بالصحيح إذا كنت أعلمه ؟ أم أن علي أن أصبر عليه وأنتظر حتى يكتشف ذلك بنفسه، فقد أخذ يقرأ الكتب الإسلامية ؟ أنا أستنصحك حول هذا الموضوع لأنه بدأ يشعر بالمضايقة من هذه التنبيهات ، وقد بدأت أفقد صبري وأصبحت أغضب إذا لم يستمع لما أقوله له . أرجو أن تنصحني مع تأييد ذلك باستدلالات من الكتاب والسنة.
الجواب:
الحمد لله
نحمد الله تعالى أن وفقك وهداك ورزقك الحرص على طاعته ومرضاته ، وأن هدى زوجك للتغيير من أسلوبه معك ، ونرجو أن يكون هذا باعثا للأمل في نفسك بأن زوجك قد يحسن حاله ويستقيم أمره إن شاء الله .
واعلمي أن المرأة الصالحة بإمكانها أن تغير كثيرا من أخلاق زوجها وعاداته ، إذا اتبعت في ذلك طريق الحكمة والرفق وعدم الاستعجال.
وقد ينفر بعض الأزواج من النصح المتكرر من قبل زوجاتهم ، لاسيما إذا كان هذا في حضور الأبناء ، وربما رأوا في ذلك تقليلا من هيبتهم أو إضعافا لشخصياتهم.
ولهذا فينبغي أن تراعي ذلك جيدا ، وأن تختاري الوقت المناسب لنصحه وتذكيره بين الحين والآخر ، مع مراعاة التلطف والتودد له أثناء عرض النصيحة أملا في(65/133)
استجابته ، وقد قال الله تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) النحل /125 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه" رواه مسلم (2594) من حديث عائشة رضي الله عنها .
والزوج أحق الناس بهذا الرفق لما له من المكانة والمنزلة .
وننصحك باتخاذ الأساليب المتنوعة لإنجاح مهمتك كإهدائه بعض الأشرطة والكتب ، أو إحضارها إلى البيت ووضعها بالقرب منه ، والجئي إلى الله تعالى وسليه أن يصلح حالكما ، وأن يشرح صدر زوجك لمعرفة الحق والعمل به .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
خروج المرأة لزيارة والديها وأقاربها بدون إذن الزوج
سؤال:
ما الحكم الشرعي في زوجة تركت بيت الزوجية لتعيش في بيت بالإيجار مع بعض أولادها تفاديا لضرب الزوج لها بسبب مرضه النفسي الشديد ؟ مع العلم بأن تأجير البيت كان بعلم الزوج ، وقد مضى على هذا الحال سنة وخمسة أشهر ؟!!
وما حكم خروج الزوجة للمناسبات الاجتماعية ومواصلة الأهل والأقارب ، وعادة ما يكون خروجها للمناسبات برفقة أحد بناتها أو أولادها ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا كان خروج الزوجة من بيتها ، وسكنها في بيت آخر بإذن زوجها ، فلا حرج في ذلك ، إذا انتقلت إلى مكان تأمن فيه على نفسها وأولادها ، وكذلك إذا كان خروجها اضطرارا ، تفاديا لضرب زوجها الناتج عن مرضه النفسي الشديد .
والأصل أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه ، فإن خرجت دون إذنه ، كانت عاصية ناشزا ، تسقط نفقتها ، وتأثم بذلك . لكن يستثنى حالات الاضطرار ، وقد مثّل لها الفقهاء بأمثلة ، منها إذا خرجت للطحن أو الخبز أو شراء ما لا بد منه ، أو خافت من انهدام المنزل ، ونحو ذلك . "أسنى المطالب مع حاشيته" (3/239).
وقال في "مطالب أولي النهى" (5/271) : " ( ويحرم خروجها ) أي الزوجة : ( بلا إذنه ) أي : الزوج ( أو ) بلا ضرورة كإتيانٍ بنحو مأكل ; لعدم من يأتيها به " انتهى .
ومن هذا يعلم حكم خروجها للمناسبات الاجتماعية ومواصلة الأهل والأقارب ، فلا تفعل ذلك إلا بإذنه ، سواء كانت تسكن معه ، أو في بيت مستقل .
واختلف الفقهاء في زيارة الزوجة لوالديها خاصة ، هل للزوج أن يمنعها من ذلك ، وهل يلزمها طاعته .
فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه ليس له أن يمنعها من ذلك .(65/134)
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه له أن يمنعها ، ويلزمها طاعته ، فلا تخرج إليهما إلا بإذنه ، لكن ليس له أن يمنعها من كلامهما ولا من زيارتهما لها ، إلا أن يخشى ضررا بزيارتهما ، فيمنعهما دفعا للضرر .
قال ابن نجيم (حنفي) : " ولو كان أبوها زمِنا مثلا وهو يحتاج إلى خدمتها والزوج يمنعها من تعاهده ، فعليها أن تعصيه مسلما كان الأب أو كافرا , كذا في فتح القدير . وقد استفيد مما ذكرناه أن لها الخروج إلى زيارة الأبوين والمحارم ، فعلى الصحيح المُفتى به : تخرج للوالدين في كل جمعة بإذنه وبغير إذنه ، ولزيارة المحارم في كل سنة مرة بإذنه وبغير إذنه " انتهى من "البحر الرائق" (4/212).
وقال في "التاج والإكليل على متن خليل" (مالكي) (5/549) : " وفي العُتْبية : ليس للرجل أن يمنع زوجه من الخروج لدار أبيها وأخيها ، ويُقضى عليه بذلك ، خلافا لابن حبيب . ابن رشد : هذا الخلاف إنما هو للشابة المأمونة , وأما المتجالّة فلا خلاف أنه يُقضى لها بزيارة أبيها وأخيها , وأما الشابة غير المأمونة فلا يقضى لها بالخروج " انتهى .
والمتجالة هي العجوز الفانية التي لا أرب للرجال فيها . "الموسوعة الفقهية" (29/294).
وقال ابن حجر المكي (شافعي) : " وإذا اضطرت امرأة للخروج لزيارة والدٍ أو حمام خرجت بإذن زوجها غير متبرجة ، في ملحفة وثياب بذلة ، وتغض طرفها في مشيتها ، ولا تنظر يمينا ولا شمالا ، وإلا كانت عاصية " انتهى من "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/78).
وقال في "أسنى المطالب" (شافعي) (3/239) : " وللزوج منع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها ، والأولى خلافه " انتهى .
وقال الإمام أحمد رحمه الله في امرأة لها زوج وأم مريضة : " طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها " انتهى من "شرح منتهى الإرادات" (3/47).
وقال في الإنصاف (حنبلي) (8/362) : " لا يلزمها طاعة أبويها في فراق زوجها , ولا زيارةٍ ونحوها . بل طاعة زوجها أحق ".
وسئلت "اللجنة الدائمة للإفتاء" : " ما حكم خروج المرأة من بيت زوجها من غير إذنه ، والمكث في بيت أبيها من غير إذن زوجها ، وإيثار طاعة والدها على طاعة زوجها ؟
فأجابت : لا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه ، لا لوالديها ولا لغيرهم ؛ لأن ذلك من حقوقه عليها ، إلا إذا كان هناك مسوغ شرعي يضطرها للخروج "
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (19/165).
ومما يدل على اشتراط إذن الزوج في زيارة الأبوين : ما جاء في الصحيحين في قصة الإفك ، وقول عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم : " أتأذن لي أن آتي أبوي ". البخاري (4141) ومسلم (2770).
قال العراقي في "طرح التثريب" (8/58) : " وقولها : { أتأذن لي أن آتي أبوي : } فيه أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها بخلاف ذهابها لحاجة الإنسان فلا تحتاج فيه إلى إذنه كما وقع في هذا الحديث " انتهى.(65/135)
ومع ذلك فإن الأولى للزوج أن يسمح لزوجته بزيارة والديها ومحارمها ، وألا يمنعها من ذلك إلا عند تحقق الضرر بزيارة أحدهم ، لما في منعها من قطيعة الرحم ، وربما حملها عدم إذنه على مخالفته ، ولما في زيارة أهلها وأرحامها من تطييب خاطرها ، وإدخال السرور عليها ، وعلى أولادها ، وكل ذلك يعود بالنفع على الزوج والأسرة .
وأما ما جاء في السؤال من أن خروجها يكون برفقة أحد بناتها أو أولادها ، فننبه هنا إلى أن المكان الذي تحتاج في وجودها فيه إلى محرم ، لا يكفي فيه مجرد وجود الولد أو البنت الصغيرين ، بل لا بد من محرم تتحقق بوجوده المصلحة الشرعية .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
( ذكر أهل العلم أن من شرط المحرم أن يكون بالغا عاقلا ؛ فإذا بلغ الرجل خمسة عشر عاما ، أو نبت له شعر العانة ، أو أنزل المني باحتلام أو غيره ، فقد بلغ ، وصح أن يكون محرما إذا كان عاقلا .. ) [ فتاوى علماء البلد الحرام ص (1121) ] .
نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
اختلفت مع زوجها وذهبت إلى بيت أهلها لمدة ثلاثة أشهر
سؤال:
حدث خلاف مع زوجتي وخرجت من البيت وسكنت عند ابنتها ولم تتحدث معي رغم محاولاتي الكثيرة ثم حضر والداها وأخذاها معهم بدون الرجوع لي أو التفاهم معي فيما حدث أو محاولة الصلح والآن لها ثلاثة أشهر بدون اتصال أو سؤال عن أولادها فما الحكم هل هي لا تزال زوجتي أو تعتبر طالقا ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
مما ينبغي أن يعلم أن من أهم الأسباب التي ينتج عنها وجود المشكلات بين الزوجين والتي قد تتطور حتى تصل إلى حال سيئة جداً ؛ عدم معرفة حقّ كل واحد من الزوجين على الآخر .
وقد جاء الإسلام بتقرير هذه الحقوق وإلزام كل من الزوجين بها وحثهما عليها كما قال تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) البقرة/228، فنصت الآية على أن كل حق لأحد الزوجين يقابله واجب للآخر يؤديه إليه ، وبهذا يحصل التوازن بينهما مما يدعم استقرار حياة الأسرة ، واستقامة أمورها ، قال ابن عباس رضي الله عنهما في الآية : أي : " لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لأزواجهن " ، وذكر القرطبي : أن الآية تعم جميع حقوق الزوجية .(65/136)
فمن تلك الحقوق : غض الطرف عن الهفوات والأخطاء : وخاصة التي لم يقصد منها السوء في الأقوال والأعمال وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) رواه الترمذي (2499) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
فعلى كل من الزوج والزوجة أن يحتمل صاحبه فلكل إنسان زلة ، وأحق الناس بالاحتمال من كان كثير الاحتكاك بمن يعاشر . وعلى كل طرف ألا يقابل انفعال الآخر بمثله ، فإذا رأى أحد الزوجين صاحبه منفعلاً بحدة فعليه أن يكظم غيظه ولا يرد الانفعال مباشرة ، ولذا قال أبو الدرداء رضي الله عنه لزوجته : إذا رأيتني غضبت فرضني وإذا رأيتك غضبى رضيتك وإلا لم نصطحب . وتزوج إمام أهل السنة الإمام أحمد رحمه الله عباسة بنت المفضّل أم ولده صالح ، فكان يقول في حقها : " أقامت أم صالح معي عشرين سنة ، فما اختلفت أنا وهي في كلمة " .
ومن أعظم الحقوق : أن ينصح كل منهما قرينه بطاعة الله عز وجل ، وقد جاء في الحديث الصحيح عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ) قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : أُنْزِلَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا أُنْزِلَ لَوْ عَلِمْنَا أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَفْضَلُهُ لِسَانٌ ذَاكِرٌ ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ ، وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ) رواه أحمد (21358) والترمذي (3094) وهو في صحيح الجامع (5231) .
ثم لا ينبغي للرجل أن يبغض زوجته إذا رأى منها ما يكره ؛ لأنه إن كره منها خلقاً رضي خلقاً آخر ، فيقابل هذا بذاك ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لَا يَفْرَكْ – أي : لا يبغض - مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ) رواه مسلم (1469) .
ومن أعظم ما يعين على صفاء العيش بين الزوجين حسن الخلق ، ولذا رفع الإسلام من شأنه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم ) رواه الترمذي (1162) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ومن المعاشرة بالمعروف : التغاضي وعدم تعقب الأمور صغيرها وكبيرها وعدم التوبيخ والتعنيف في كل شيء إلا في حقوق الله عز وجل .
ثانيا :
خروج زوجتك من البيت دون إذنك ، وغيابها هذه المدة ، لا يعني طلاقها ، بل لا تزال زوجة لك ، ولا تطلق إلا بتطليقك لها .
ولكن هذا الخروج يعد نشوزا ، تأثم به ، ويُسقط حقها في النفقة ، ما لم تكن معذورة في خروجها ، بسبب إيذاء أو ظلم منك وقع عليها ، لكن استمرارها في البقاء خارج البيت كل هذه المدة ، وبعدها عن زوجها وأولادها ، خطأ لا تقر عليه ، ولا ينبغي لأهلها إعانتها على ذلك ، وهذا البعد من أكبر ما يستعين به الشيطان على هدم البيوت ، وإيغار الصدور ، وإلقاء العداوة في القلوب ، ولهذا كان الرجل العاقل ، والأسرة المتبصرة بالعواقب ، لا ترضى بهذا البعد ، بل تسعى لجمع الشمل ،(65/137)
والجلوس للتفاهم ، وحل المشاكل في جو من الألفة والمودة وحفظ المعروف والعشرة التي بين الزوجين .
ولهذا فنصيحتنا لك أن تتصل بزوجته ، وأن تعظها وتذكِّرها بالله تعالى ، وبما أوجب عليها من حق تجاه زوجها وأولادها ، فإن لم تُجْدِ هذه النصيحة ، فاستعن في ذلك بأهل الخير والصلاح من أقاربها ومن تعرف .
ونصيحتنا للزوجة أن تتقي الله تعالى ، وأن تحذر من عصيان زوجها وإغضابه وإيثار أهلها على مصلحة بيتها وأولادها .
وينبغي أن يدرك الزوجان أن العناد والتمسك بالرأي لا يحل المشاكل التي بينهما ، بل يزيدها سوءا وتفاقما ، وأن صاحب النفس الكبيرة هو الذي يسعى للصلح ، ويقدر أهمية اجتماع الشمل ، فلتكن أيها الزوج صاحب هذه النفس ، وليحملك ذلك على طلب الصلح والتفاهم لحل المشكلة ، ولن يزيدك ذلك إلا رفعة عند الله تعالى ، وعند خلقه كذلك ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( َمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلا عِزًّا ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ ) رواه مسلم (2588) .
فبادر بالاتصال والسؤال وإبداء الرغبة في جمع الشمل وإصلاح البيت ، ولن يضيع أجرك عند الله .
نسأل الله لكما التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
أصر على أن تخرج زوجته لصلاة العشاء والتراويح ويجلس هو بابنته
سؤال:
أصر زوجي علي لأصلي صلاة التراويح وأن يبقى هو مع طفلتنا وبعد إلحاح منه ذهبت للصلاة وبقي هو معها ، ما حكم صلاتي وبقائه معها ؟ مع العلم أنه لم يصل العشاء جماعة لبقائه مع الطفلة ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال في أصح أقوال أهل العلم ، لأدلة كثيرة سبق ذكرها في جواب السؤال رقم (120) .
وصلاة التراويح سنة مؤكدة ، وينبغي على الرجال فعلها جماعة في المسجد ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (45781) .
ثانيا :
صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ ) رواه أبو داود (567) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .(65/138)
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا ، وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا ) رواه أبو داود (570) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وهذا عام يشمل صلاة التراويح وغيرها ، وراجعي السؤال رقم (3457) .
وعلى هذا ، فما قام به زوجك عمل مستغرب لأنه ترك الواجب عليه وهو صلاة العشاء جماعة في المسجد ، ثم ترك سنة لا ينبغي التفريط فيها ، وهي صلاة التراويح جماعة في المسجد أيضاً ، كل ذلك من أجل أن تقومي أنتِ بشيء غاية الأمر أنه جائز وليس واجباً ولا مستحباً .
ولكن لعله لم يكن يعلم بوجوب الصلاة في الجماعة وفعل ذلك إكراماً لكِ ، فجزاه الله خيراً على إحسانه إليك ، لكن عليه ألا يعود إلى ذلك في المستقبل ، وليكن إحسانه إليكِ : أن يمكنكِ من فعل الصلاة في البيت ويصرف عنك الشواغل من الأولاد وغيرها .
ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
لا تستطيع مفارقة زوجها الذي لا يصلي
سؤال:
مشكلتي زوجي فهو لا يصلي ويشرب وعندي إحساس أنه يعرف غيري فأحيانا يصر على السفر وحده أو أجد صور له مع فتاة وقال انه تزوجها في إحدى سفراته واعتقد انه صادق وبعد مدة قال انه طلقها لبعد المسافة وعدم قدرته على تحمل المصاريف وبعدها بفترة وجدت نيجاتيف من الواضح أنها صورته مع فتاة ولكنة ادعى أنها لصاحبة.....المهم أني لا أقدر على مفارقته لوجود طفلين ولا سباب أخرى اعتقد أنى سبب فيها فهو عندما تزوجته منذ حوالي الثماني سنين لم يكن كذلك ولكن الجنس كان عنده مهم للغاية وأنا كنت مختَّنه فأخذت فترة طويلة حتى تجاوبت معه...و الآن أريد محاولة هدايته أرجو أن تنصحني بخطوات أقوم بها بالتدريج وحبذا لو كانت طرق عملية لان الكلام معه لا يفيد فقد جربت ذلك ولكن لم ينفع وجزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
إذا كان زوجك لا يصلي فلا يجوز لك البقاء في عصمته ، ولا أن تمكنيه من نفسك ، وهذا لا يمنع من بَذْلك الأسباب في هدايته ، لكن عليك أن تحتجبي عنه بسبب تركه للصلاة . وأما الطرق التي يمكن أن تسلك في محاولة هدايته فهي متعددة ، كإحضار بعض الأشرطة التي تتحدث عن المواضيع التي تهمه ، ومن أهمها التذكير بسرعة انقضاء العمر ، وفناء الدنيا ، وحقارتها ، والتزهيد فيها ، وذكر مخاطر اتباع الهوى وانه يفضي إلى سوء الخاتمة ، والتذكير بالموت ، والقيامة ، والجنة والنار ، وبركة الطاعة ، وشؤم المعصية وراحة قلب المطيع لله ، والوحشة(65/139)
التي يجدها العصاة ، وكذا لو أمكن أن يتصل به بعض الدعاة ، والأخيار وإمام المسجد وزيارته ، ومحاولة ربطه بصحبة صالحة تعينه على الخير وتحثّه عليه ، ويبين له خطورة مصاحبة الأشرار وغير ذلك من الأساليب .
الشيخ : سعد الحميد .
ـــــــــــــــــــ
اشترط أهل زوجته أن يصبح غنيا حتى يرجعوا إليه زوجته وبنته
سؤال:
أعاني من مشاكل كثيرة مع أهل زوجتي ، تزوجت ابنتهم ظانا بهم أنهم متشبثون بدينهم ، فتبين لي تشبثهم بالعادات والتقاليد . وكانوا يأخذون مني زوجتي بالقوة وأنا مستضعف في هذه الدنيا ولا حول ولا قوة إلا بالله . ولدت عندهم وهم الآن لا يريدون أن يرجعوا لي ابنتي ولا زوجتي إلا بشروط أن يكون لي غنى فاحش . مع العلم أنهم خيروا زوجتي أن تذهب معي ويسخطوا عليها . أو أن تبقى معهم إلى أن أصبح غنيا . زوجتي تعرف أنني على حق وهم على باطل ولكنها اتبعت سبيلهم . ماذا علي أن أفعل شرعا ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ليس للزوجة أن تخرج من بيت زوجها دون إذنه ، وليس لأهلها أن يعينوها أو يحرضوها على ذلك ؛ لما في خروجها وعدم عودتها من عصيان زوجها ، والتمرد عليه ، مما يجعلها ناشزاً .
وأخذهم لابنتك ظلم آخر ، واشتراطهم أن يكون لك غنى فاحش ، حتى يعيدوا لك زوجتك ، ظلم فوق ظلم ، ولا حق لهم في شيء من ذلك ، فمتى ما قبلوا بالزواج وتم العقد وبذل الزوج المهر ، وجب تسليم الزوجة إلى زوجها ، فكيف وقد كانت معه وأنجبت منه !
وأنت لم تذكر شيئا عن حالتك المادية ، وهل تجد ما تنفقه على أهلك أم لا ؟ وهل أنت معسر بالنفقة ، أم لديك ما يكفيك وأهلك ؟
فإن جمهور الفقهاء على إن إعسار الزوج بنفقة زوجته ، مسوغ للفرقة بينهما إذا طلبت الزوجة ذلك ، وأما إذا رضيت به ولم تطالب بالفرقة ، فليس لأحد أن يفرق بينهما .
وينظر : "الموسوعة الفقهية" (5/254 ، 29/58).
ثانيا :
ينبغي لك فعل ما يلي من الخطوات في سبيل إرجاع أهلك :
1- إصلاح ما بينك وبين الله تعالى ، ليصلح ما بينك وبين الناس .
2- سؤال الله تعالى أن يكف عنك الظلم ، وأن يكفيك شر كل ذي شر .
3- التفاهم والتناصح فيما بينك وبين أهل زوجتك ، والتعرف على حقيقة موقفهم ، فقد يكون لهم أسباب أخرى غير مسألة الغنى .(65/140)
4- توسيط أهل الدين والصلاح والرأي ، لنصحهم ، وبيان خطر الظلم والتسلط الذي يمارسونه عليك .
5- رفع الأمر إلى القضاء ، ليتولى إرجاع أهلك وبنتك إليك .
نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك ، وأن يوفقك إلى ما يحب ويرضى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
يحادث النساء ويشاهد الصفحات الماجنة على الإنترنت وزوجته تنكر عليه
سؤال:
أنا رجل متزوج من امرأة محافظة ولله الحمد ، ومؤذن بأحد المساجد ، ولكن أضيع وقتي على الإنترنت بما لا فائدة فيه ، وأحيانا يغويني الشيطان وأنظر في برامج ماجنة ، وأيضاً أحادث بعض النساء محادثة صوتية ، وأحيانا يغلبني النوم وأنام عن الصلوات المكتوبة ، وعندما تنصحني زوجتي أتضايق منها وتصير بيننا مشاكل ، وأتوب إلى الله من كل ما فعلت ثم أرجع مرة أخرى ، وتنصحني زوجتي ثم تصير المشاكل مرة أخرى .
فبماذا تنصحونني ؟ وماذا تفعل زوجتي تجاهي ؟ وجزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا كان الأمر كما ذكرت من أن وقتك يضيع مع الإنترنت فيما لا فائدة فيه ، مع ما يجرك إليه من الإثم والمعصية ، بمشاهدة البرامج الماجنة ، ومحادثة النساء الأجنبيات ، والنوم عن الصلاة المكتوبة ، والإهمال في عملك ، فلا خير لك في دخول الإنترنت ، بل يحرم عليك دخوله والحال ما ذكرت ، فإن من قواعد الشريعة المعتبرة : سد الذرائع المفضية إلى الفساد ، فكل وسيلة تفضي إلى الحرام فهي محرمة .
وما ذكرته عن حالك مع الإنترت فيه عبرة وعظة لغيرك ، ممن يتهاون في هذه المسألة ، فيترك العنان لنفسه أو لأهله وأولاده ، فلا يفيق إلا بعد فوات الأوان .
ونحمد الله تعالى أن رزقك زوجة صالحة تذكّرك وتعينك على الخير ، وأن بصّرك بخطورة ما أنت واقع فيه . وسؤالك هذا يدل على الخير الذي في قلبك ، فإن القلب الحي هو الذي تؤلمه جراحات المعصية ، وكما قيل : فما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ
ثانيا :
الواجب عليك أن تبادر بالتوبة إلى الله تعالى ، والندم على ما فات ، ومقاطعة الإنترنت مقاطعة التامة ، فإن الوقت أنفس ما يملك الإنسان ، والوسائل التي تفضي إلى الحرام يتعين تركها والانكفاف عنها . واشغل نفسك بقراءة القرآن وحضور مجالس العلم ، وصحبة الصالحين ، وستجد ما تقر به عينك من السعادة والفرح والرضى وانشراح الصدر ، فإنه ما أصلح عبدٌ ما بينه وبين خالقه إلا أصلح له كل شيء .(65/141)
وراجع السؤال رقم (26985) و(49670)
ثالثا :
ينبغي أن تشكر زوجتك ، وتحسن صحبتها ، وتزيد في إكرامها ، فنصحها لك ، وإنكارها عليك ، دليل على صدق محبتها ، وكونها صالحة تقية تخاف الله تعالى .
وعليها أن تستمر في نصحك ، وأن تعينك على التخلص من هذا الإثم والبعد عنه لتسلم حياتكما .
نسأل الله تعالى لكما التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
يتخيل أنه يجامع غير زوجته
سؤال:
ما الحكم إذا كان الرجل أثناء معاشرته زوجته يتخيل أنها امرأة أخرى ويتلذذ بذلك ؟.
الجواب:
الحمد لله
هذا الذي يفعله هذا الرجل نص العلماء رحمهم الله على تحريمه ، لأنه وإن كان لم يجامع غير امرأته إلا أنه تشبه بصورة المحرم وتلذذ بذلك .
قال ابن الحاج المالكي رحمه الله :
" ويتعين عليه أن يتحفظ على نفسه بالفعل ، وفي غيره بالقول من هذه الخصلة القبيحة التي عمت بها البلوى في الغالب ، وهي أن الرجل إذا رأى امرأة أعجبته ، وأتى أهله جعل بين عينيه تلك المرأة التي رآها ، وهذا نوع من الزنا ، لما قاله علماؤنا فيمن أخذ كوزاً من الماء فصوَّر بين عينيه أنه خمر يشربه أن ذلك الماء يصير عليه حراماً ... وما ذكر لا يختص بالرجل وحده بل المرأة داخلة فيه بل هو أشد ؛ لأن الغالب عليها في هذا الزمان الخروج أو النظر ، فإذا رأت من يعجبها تعلق بخاطرها ، فإذا كانت عند الاجتماع بزوجها جعلت تلك الصورة التي رأتها بين عينيها ، فيكون كل واحد منهما في معنى الزاني ، نسأل الله العافية " انتهى .
" المدخل " ( 2 / 194 ، 195 ) .
وقال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله :
" وقد ذكر ابن عقيل - وجزم به في " الرعاية الكبرى " - : أنه لو استحضر عند جماع زوجته صورة أجنبية محرمة أو ذكر : أنه يأثم " انتهى .
" الفروع " ( 3 / 51 ) .
وقال ولي الدين العراقي رحمه الله :
" لو جامع أهله وفي ذهنه مجامعة من تحرم عليه ، وصوَّر في ذهنه أنه يجامع تلك الصورة المحرمة : فإنه يحرم عليه ذلك ، وكل ذلك لتشبهه بصورة الحرام " انتهى .
" طرح التثريب " ( 2 / 19 ) .(65/142)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل يحرم الزواج بامرأة لا تنجب ؟
سؤال:
قد مضى على زواج والدتي ووالدي 25 عاما ، وقبل 3 أعوام تزوج والدي من أرملة هندوسية وجعلها تسلم ، ومنذ ذلك الحين ونحن نعاني المشاكل في البيت ، المذكورة لها طفلان من زوجها الأول المتوفى ، والمسألة أن الزوجة الثانية كانت تعمل في نفس المكان الذي عمل فيه والدي ، وكانت الشائعات تتحدث عن أن والدي كان على علاقة معها ثم تزوجها لاحقا ، ولا يعلم صحة ذلك إلا الله ، المذكورة كانت تعرف بأنها امرأة ذات سمعة ليست إلى تلك الدرجة كما أنها ترتدي ملابس مثيرة ، حتى بعد مضي ثلاث سنوات على زواجها فلا تزال السمات الإسلامية لا تظهر عليها وهي لا تزال ترتدي ملابس مثيرة جدّاً ، وقد أجرت عملية تعقيم بعد أن وضعت طفليها من زوجها الأول ، وعليه : فإن والدي قد تزوج - على علم - من امرأة لا تنجب ، والموضوع هو : هل الزواج صحيح حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الزواج بالمرأة التي لا يمكنها الإنجاب ؟ وإذا كان الجواب بنعم : فما الحكم في طفليها اللذين منحا اسمين إسلاميين وهما يدرسان في مدرسة إسلامية داخلية ؟ وكيف يجب أن يكون موقفي تجاه والدتي ، وأيضا تجاه هذه المسألة ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
جاء في سؤالك أن والدك تزوج من أرملة هندوسية وجعلها تسلم , فإن كان العقد قد تم عليها وهي هندوسية ثم أسلمت بعد ذلك فنكاحها باطل , وعلى والدك أن يعيد العقد مرة أخرى لأن الله تعالى حرم على المسلم أن يتزوج مشركة حتى تسلم , قال تعالى : ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) البقرة/221 , وإن كان العقد قد تم عليها بعد إسلامها فالعقد صحيح .
ثانياً :
ولا يجوز لوالدك أن يتزوج امرأة على تلك الصفات التي ذكرتِ ، وقد رغَّب الشرع المطهَّر باختيار ذات الدِّين ، ولبسها الملابس المثيرة يمنع المسلم من هذا الاختيار ، فالواجب عليكم نصح والدكم بالتي هي أحسن أن يوجهها نحو الالتزام بأحكام الإسلام ، ومن ذلك : أمرها بالحجاب ، والالتزام بالأخلاق الفاضلة .
ثالثاً :
رغَّب الرسول صلى الله عليه وسلم بنكاح المرأة الولود ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ , إِنِّي مُكَاثِرٌ الأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه أحمد ( 12202 ) .
وصححه ابن حبان ( 3 / 338 ) والهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 4 / 474 ) .
وقال شمس الدين آبادي رحمه الله :(65/143)
" ( الودود ) أي : التي تحب زوجها .
( الولود ) أي : التي تكثر ولادتها ، وقيد بهذين لأن الولود إذا لم تكن ودوداً لم يرغب الزوج فيها ، والودود إذا لم تكن ولودا لم يحصل المطلوب وهو تكثير الأمة بكثرة التوالد ، ويعرف هذان الوصفان في الأبكار من أقاربهن ، إذ الغالب سراية طباع الأقارب بعضهن إلى بعض " انتهى .
" عون المعبود " ( 6 / 33 ، 34 ) .
وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن التزوج من العقيم ، فعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَإِنَّهَا لا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا ؟ قَالَ : لا ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ : ( تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأُمَمَ ) رواه النسائي ( 3227 ) وأبو داود ( 2050 ) .
وصححه ابن حبان ( 9 / 363 ) والألباني في " صحيح الترغيب " ( 1921 ) .
وهذا النهي ليس للتحريم ، وإنما على سبيل الكراهة فقط ، فقد ذكر العلماء أن اختيار الولود مستحب وليس واجباً .
قال ابن قدامة في "المغني" :
" ويستحب أن تكون من نساء يعرفن بكثرة الولادة " انتهى .
وقال المناوي في "فيض القدير" (6/حديث 9775) :
" تزوج غير الولود مكروه تنزيهاً " انتهى .
وكما يجوز للمرأة أن تتزوج من الرجل العقيم ، فكذلك يجوز للرجل أن يتزوج من المرأة العقيم .
قال الحافظ في "الفتح" :
" أما من لا ينسل ولا أرب له في النساء ولا في الاستمتاع فهذا مباح في حقه ( يعني النكاح ) إذا علمت المرأة بذلك ورضيت " انتهى .
رابعاً :
وأما تسجيل أسماء زوجة أبيك بأسماء إسلامية ، وإدخالهم في مدارس إسلامية : فهما أمران طيبان يُشكر عليهما والدك ، وتغيير الأسماء القبيحة أو الأعجمية إلى أسماء عربية وإسلامية أمر محمود حسَن ، وانظري جواب الأسئلة ( 23273 ) و ( 14622 ) و ( 12617 ) .
وإدخالهم في مدارس إسلامية وسيلة لتعرفهم على الإسلام الصحيح والاقتناع به ، ونرجو أن يكونوا مسلمين صالحين .
خامساً :
ويجب عليك برَّ أمكِ ورعايتها والعناية بها ، وانصحيها بأن تعطي والدكِ حقه ، ولا يجوز لها مخالفة أمره إلا أن يأمرها بمعصية الله تعالى ، وعليك أيضاً بنصيحة زوجة والدكِ ودلالتها على الخير ، وكذا أولادها احرصي عليهم وأعينيهم على التعرف على الإسلام والقيام بأحكامه .
ونسأل الله تعالى أن يصلح أسرتكم ، وأن يهديكم لطاعته ، ويعينكم على حسن عبادته .(65/144)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاستمتاع بالدبر
سؤال:
يطلب مني زوجي أثناء فترة الحيض أن يحك رأس عضوه التناسلي المنتصب على حلقة دبري من أجل الاستمتاع حتى القذف ، فهل هذا جائز شرعا ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ فِي الْفَرَجِ لقوله تعالى : ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) البقرة/222 ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : ( اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلا النِّكَاحَ – يعني : الجماع-) رواه مسلم (455) ، وَحَكَى النَّوَوِيُّ الإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ .
ثانيا :
إتيان المرأة في دبرها حرام ؛ لقوله سبحانه وتعالى : ( فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّه ) البقرة/222، يعني : في القبل ، وهو موضع الحرث ، ويؤيده قوله سبحانه : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم ) البقرة/223، والدبر ليس موضعاً للحرث .
وقد جاءت أحاديث تدل على تحريم إتيان المرأة في دبرها ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ملعون من أتى امرأته في دبرها ) رواه أحمد وأبو داود (2162) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود .
وانظر السؤال رقم (1103) .
ثالثاً :
ذكر العلماء أنه يجوز أن يستمتع بما بين فخذي المرأة ، وبين الأليتين ، من غير إيلاج في دبر .
قال الإمام الشافعي في "الأم" (8/257) :
" فأما التلذذ بغير إيلاج بين الأليتين فلا بأس " انتهى .
وقال ابن قدامة في "المغني" (7/226) :
" ولا بأس بالتلذذ بها بين الأليتين من غير إيلاج ; لأن السنة إنما وردت بتحريم الدبر , فهو مخصوص بذلك , ولأنه حرم لأجل الأذى , وذلك مخصوص بالدبر , فاختص التحريم به " انتهى .
وقال في "روض الطالب" :
" ما يملكه الزوج من الاستمتاع من زوجته :
ويملك الاستمتاع منها بما سوى حلقة دبرها ، ولو فيما بين الأليتين ، أما الاستمتاع بحلقة دبرها فحرام بالوطء خاصة ، لخبر : ( إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن ) رواه الشافعي وصححه " انتهى .(65/145)
قال في شرحه "أسنى المطالب" (3/185) :
" قوله : (أما الاستمتاع بحلقة دبرها . . . إلخ) كأن أولج فيه بعض الحشفة " انتهى .
الحشفة هي رأس الذكر .
وعليه ، فلا حرج من الاستمتاع المسئول عنه ، بشرط أن يأمن من إدخال الحشفة أو بعضها في الدبر ، فإنه حرام .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
ظاهر من امرأته ، وحلف أن لا يجامعها حتى يرضى
سؤال:
حدث خلاف مع زوجتي وحلفت أن لا أجامعها إلا بعد أن أرضى وقلت إنها مثل أختي حتى أرضى ولم تكن عندي أي نية للطلاق أو غيره ولكن للتهديد ولكي تشعر بخطئها . وبعد أن هدأت الأنفس بعد عدة أيام جامعتها فهل علي أي ذنب ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا حلفت ألا تجامع زوجتك إلا بعد الرضى عنها ، ولم تجامعها فعلا حتى رضيت ، فلا شيء عليك في هذه اليمين لأنك لم تحنث .
ثانيا :
قولك لزوجتك : أنت مثل أختي حتى أرضى ، هو من الظهار الذي حرمه الله تعالى وسماه منكرا وزورا ، وإن كان لفظ " مثل أختي " ليس كلفظ : " ظهر أختي " لكن مع وجود نية الظهار ، أو مع وجود قرينة تدل على الظهار ، فهو ظهار . ومن القرينة : أن يقع ذلك حال الخصومة أو الغضب ، كما بين ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/6) . وأما إذا لم تكن نية ولا قرينة فإنه لا يكون ظهارا .
ثالثا :
قولك : " أنت مثل أختى حتى أرضى " ظهار مؤقت إلى حصول الرضى ، وعليه : فإن جامعت زوجتك قبل الرضى لزمتك كفارة الظهار ، وإن جامعتها بعد الرضى فلا شيء عليك .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ويصح الظهار مؤقتا ، مثل أن يقول : أنت علي كظهر أمي شهرا ، أو حتى ينسلخ شهر رمضان . فإذا مضى الوقت زال الظهار ، وحلّت المرأة بلا كفارة ، ولا يكون عائدا إلا بالوطء في المدة . وهذا قول ابن عباس وعطاء وقتادة والثوري وإسحاق وأبي ثور ، وأحد قولي الشافعي . . . لحديث سلمة بن صخر ، وقوله : ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ شهر رمضان . وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أصابها في الشهر ، فأمره بالكفارة . ولم [ينكر] عليه تقييده " انتهى من "المغني" (11/68) باختصار .(65/146)
ومثّل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله للظهار المؤقت بقوله : " وهذا ربما يجري ويحصل من الإنسان أن يغضب من زوجته لإساءة عشرتها فيقول : أنت علي كظهر أمي كل هذا الأسبوع ، أو كل هذا الشهر ، أو ما أشبه ذلك ، فهذا يصح ظهارا ، وليس معنى قولنا : " إنه يصح " أنه يحِل ، بل المعنى أنه ينعقد . فإذا مضت المدة التي وقّت بها الظهار وجامعها بعد مضي الوقت لا تجب الكفارة ؛ لأن المدة انتهت فزال حكم الظهار . فإن وطئ الزوج زوجته في الوقت الذي وقّت فيه الظهار وجبت عليه الكفارة ، وإن فرغ الوقت ووطئ بعد الفراغ زال الظهار " انتهى من "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (5/593) باختصار .
رابعا :
الواجب عليك أن تستغفر الله تعالى وتتوب إليه من إقدامك على هذا المنكر ، قال الله تعالى : ( الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) المجادلة/2 .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل للزوجة أن تمتنع عن زوجها في رمضان للعبادة ؟
سؤال:
ما الحكم في امرأة تأبى زوجها في رمضان نتيجة انشغالها بالعبادة والقُرب من الله ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
شهر رمضان مناسبة عظيمة للعابدين ليزيدوا في عباداتهم ، وللعاصين أن يتركوا ما هم عليه من معاصٍ ويصطلحوا مع ربهم عز وجل بتركها والإكثار من الطاعة فيه لبداية طيبة لحياة أخرى غير التي كانوا عليها .
وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بفضيلة الصيام والقيام والاعتكاف في هذا الشهر ، كما أن فيه ليلة – وهي ليلة القدر – جعلها الله تعالى خيراً من ألف شهر .
وعليه : فلا يُنكر على من أراد استغلال أيام هذا الشهر لطاعة ربه ، فالنفوس فيه مهيأة لقراءة القرآن وطاعة الرحمن ، وسواء كان ذلك من الرجال أم من النساء .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) رواه البخاري ( 37 ) ومسلم ( 760 ) .
ثانياً :
يجب أن تعلم المرأة أن لزوجها عليها حقّاً عظيماً ، فلا يجوز لها أن تضرب بهذه الحقوق عرض الحائط ، ولا يجوز لها أن تعارض حق زوجها بما تؤديه من نافلة العبادات .(65/147)
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا , وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ ) . رواه ابن ماجه (1853) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" ( 1938 ) .
" القَتَب للجمل كالإكاف لغيره ، ومعناه : الحث لهن على مطاوعة أزواجهن ، وأنه لا ينبغي لهن الامتناع في هذه الحالة ، فكيف في غيرها ؟
"حاشية السندي على ابن ماجه" .
ولعظم حق الزوج أُمرت المرأة باستئذانه قبل قيامها ببعض التطوعات التي قد تتعارض مع حقه ، ومنها :
1. صوم النافلة :
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ ) رواه البخاري ( 4896 ) ومسلم ( 1026 ) .
قال النووي رحمه الله :
" هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين , وهذا النهي للتحريم صرح به أصحابنا , وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام , وحقه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي " انتهى .
" شرح مسلم " ( 7 / 115 ) .
2. الخروج للمسجد
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِذَا اسْتَأْذَنَتْ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلا يَمْنَعْهَا ) رواه البخاري ( 4940 ) ومسلم ( 442 ) .
ثالثاً :
ويجب على الزوج أن يتقي الله في امرأته ، وأن لا يكلفها فوق طاقتها ، إذ كثير من الرجال يشغلون نساءهم نهاراً بالطبخ ، وليلاً بالحلويات ، فتضيع الأيام والليالي على المرأة ، فلا تحسن استغلال نهار صومها بطاعة ، ولا ليله بعبادة ، ومن حق الزوجة على زوجها أن يكون لها نصيب من عبادات هذا الشهر وطاعاته ، فلا يمنعها من قراءة القرآن ، ولا من قيام الليل ، وأن يكون ذلك بتنسيق بينهما لئلا يحصل تعارض بين حقه وطاعة ربها وعبادته ، وهذا – طبعاً – في عبادات النوافل ، أما الفرائض فليس للزوج منعها منها .
وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع نسائه هو حثهن على الطاعة والعبادة ، وخاصة في العشر الأواخر من رمضان .
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ , وَأَحْيَا لَيْلَهُ , وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ) رواه البخاري ( 1920 ) ومسلم ( 1174 ) .
وإذا عرف كل واحد من الزوجين ما له وما عليه استراحا من الشقاق والنزاع غالباً , وإذا علما أن مثل هذه المناسبة قد لا تتكرر في حياتهما إلا قليلاً زاد ذلك من حرصهما على استغلال أيام رمضان ولياليه أحسن استغلال .(65/148)
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يؤلف بين قلوبكما ، وأن يعينكما على طاعته وحسن عبادته .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
حكم تقبيل الزوجة في الطريق أمام الناس
سؤال:
تزوجت مؤخراً وأظن أني وقعت في الزنا مع زوجتي ، وإليك التفاصيل : فقد كنا نركب سيارة أختي ثم أوقفنا السيارة في مكان هادئ وتبادلنا القبَل كثيراً ، كثيراً جدّاً ، وقد مر رجل بقربنا وشاهدنا في تلك الحالة ، لكننا لم نمتنع ، وأنا أشعر أني اقترفت الزنا علناً ، هل علينا كفارة ؟ وهل يجب أن نعترف لوالدينا ؟
وأنا وزوجتي نتجادل حول الأمر وهي تلومني على اهتمامي ( كثيراً ) بالمسألة ، أنا أرى أنها مسلمة غير صالحة ؛ لأنها لا تخاف الله ، فهي التي جعلتني أوقف السيارة وأقبلها ، وأنا أكرهها لذلك .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
أخي السائل ؛ اعلم أنك لن تستطيع أن تعيش عمرك من غير ذنوب وخطايا ، فهذه طبيعة البشر ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كل بني آدم خطَّاء وخير الخطائين التوابون ) رواه الترمذي ( 2499 ) وابن ماجه ( 4251 ) وحسنه الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي " ، وهذا الحديث يدل بوضوح أن الإنسان لا بد له أن يذنب ويقع منه الذنب ، ولكن المهم بعد الذنب ما موقفه من ذنبه ؟ فالمؤمن يتوب إلى الله من كل ذنوبه فيقلع عنها ويستغفر الله كلما وقعت منه المعصية ويندم على فعلها ويعزم عزيمة صادقة على عدم الرجوع إليها ، فإن فعلت ذلك فاعلم أن الله غفور رحيم يغفر الذنوب جميعها للمؤمن الصالح الذي يتوب التوبة الصادقة ويعترف بالذنب مع الذل والانكسار لله عز وجل ، قال الله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 .
والذنب الذي اقترفته ليس هو الزنى بزوجتك ! وإنما هو تقبيلها أمام الناس ، لأنه ليس هناك زنى بالزوجة ، وإنما الزنى يكون بامرأة لا يحل للرجل مباشرتها ، أما الزوجة فمباشرتها حلال .
ولا يجوز للرجل ولا للمرأة أن يتحدثوا لأحد عما يحصل بينهم في الفراش مما لا ينبغي أن يطلع عليه غيرهما ، لما يفضي إليه ذلك من المفاسد والفتن وفتح باب الشيطان ، وهذا فيمن تحدث يصف فعله مع زوجته فكيف بمن فعل أمام الناس حتى شاهدوه ؟!
وقد أفتى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في فتاويه (10/277) بأن تقبيل الزوجة أمام الناس لا يجوز .(65/149)
ثانياً :
أما عن كفارة هذه الخطيئة فلا كفارة لها إلا التوبة الصادقة والعزم الأكيد على عدم الرجوع لهذا الذنب والندم الحقيقي على ارتكابه .
وأما عن الاعتراف لوالديكم فلا حاجة إليه ، فالذنب الذي اقترفته هو بحق الله عز وجل ، فالاعتراف به يكون لله ، وبينك وبين الله ولا تخبر به أحداً ، ولكن اصدق في التوبة مع الله يغفر الله لك ، والله غفور رحيم .
وكون زوجتك هي التي أمرتك بهذا الفعل لا يدل على أنها امرأة غير صالحة أو أنها لا تخاف الله ، فأنت أيضاً وافقتها على هذا ، ولم تمتنع حتى مع رؤية رجل لكما . فينبغي أن تحمِّل نفسك أيضاً مسئولية فعلك هذا .
ونرجو الاطلاع على السؤالين ( 6103) و ( 31773 ) .
وفقكم الله لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تشعر بالانجذاب نحو شخص آخر غير زوجها
سؤال:
أنا امرأة متزوجة ولي أطفال وزوجي يحسن معاملتي ويهتم بي كثيراً ، لكني أصبحت أجد نوعاً من الانجذاب لأحد أقارب زوجي ، والمذكور يصغرني في السن 10 سنوات تقريباً ، وكنت أعرف أنه قد وقع في حبي منذ مدة ، لقد أخبرته أن الأمر غير مطروح لكن مشاعره تجاهي تنامت أكثر وأكثر ، وقد طلبت منه أن يصلي الاستخارة ويسأل الله الإرشاد ففعل وصلى الاستخارة ثلاث مرات ، وفي جميع المرات الثلاث حصل على نتيجة إيجابية تجاهي ، أنا لا أقابله لكني أعلم أنه شاب محترم وصادق جدّاً ، وقد أخذت مشاعري تتنامى تجاهه أيضاً لكني أحاول إخفاءها دائماً ، هل يجوز أن أستخير وأنا متزوجة ؟ وكيف نتصرف ؟ أرجو أن تدعو لي وأن تساعدني في هذا الوضع الصعب جدّاً ، فأنا لا أريد أن أسبب المعاناة لزوجي وعائلتي.
الجواب:
الحمد لله
فقد جعل الله تعالى الرجال يميلون إلى النساء , والنساء تملن إلى الرجال ، وهذا الميل منه ما يترجم إلى علاقة محرمة كالزنا ، ومنه ما يترجم إلى علاقة شرعية وهو الزواج ، وقد جعل الله تعالى الزوجة ستراً لزوجها وجعل الزوج ستراً لزوجته ، قال الله تعالى : ( هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ) البقرة/187 ، ثم إن من النعم التي يخص الله تعالى بها بعض الأزواج أن يجعل بينهم المودة والرحمة , ويوفق كلا منهما لما يكون سببا في الألفة ونبذ الفرقة والشحناء في الأسرة ، وهذه نعمة عظيمة جدّاً لا يشعر بقيمتها إلا من اضطربت عندهم العلاقة الأسرية , ودخل بينهم الشقاق والنزاع الذي يحوِّل العلاقة الزوجية إلى جحيم لا يطاق ؛ فعند ذلك يصبح(65/150)
كلٌّ من الزوجين يحلم بالاستقرار الأسري حلماً ، وتصبح أمنية الرجل زوجةً يهنأ معها في عيشه ، وأمنية المرأة رجلا تهنأ معه في عيشها .
ويفهم من سؤالكِ أن الله قد امتنَّ عليك بهذه النعَم كلها ، فالواجب عليك هو شكر الله على هذه النعم العظيمة والمحافظة عليها وعلى الأسرة التي رزقك الله إياها والتي يتمنى ملايين النساء أن تكون في مثل الحال الطيبة التي أنتِ فيها وأنتِ لا تشعرين بقيمتها .
واعلمي أن المرأة لا يجوز لها أن تقيم علاقة مع رجل أجنبي عنها , وإذا كانت متزوجة كانت هذه العلاقة بينها وبين ذلك الرجل أشد تحريماً , لأن فيها اعتداء على حق الزوج وشرفه وعرضه .
وعليه : فلا يجوز لكِ ولا لذلك العشيق المجرم أن تصليا صلاة الاستخارة ؛ وذلك أن الاستخارة إنما تشرع في أمر لم يتبين خيره من شره ، ولا يدري المسلم عن مصلحته فيه ، فيستخير حتى يوفقه الله للخير إن كان خيراً أو يصرفه عنه إن كان شرّاً ، أما أن يستخير المسلم في معصية الله ومخالفة أوامره سبحانه فهذه معصية تستوجب التوبة إلى الله منها .
وبيان ذلك : أن المرأة حين تستخير في الزواج من غير زوجها وهي على ذمة زوجها فإنها في حقيقة الأمر تستخير في هدم بيتها وأسرتها ، وتستخير في تشريد أطفالها ، وتستخير في الطلاق من زوج أحسن إليها واهتم بها اهتماماً كبيراً ، فهي تستخير في خيانته وطعنه في ظهره بأن تشتت أسرته وليكون خراب بيته وبيتها على يديها ، وهي تستخير في مقابلة المعروف الكبير والخير الكثير بالإساءة الشديدة والتنكر لصاحب المعروف وجحد حقه .
فكل هذه الأمور وغيرها كثير هي فحوى الاستخارة التي قمت بها .
وأما النتيجة الإيجابية التي تقولين إن صاحبك حصل عليها ! فلا شك أنها تزيين من الشيطان واتباع لهوى النفس , وليس للمسلم أن يستخير على فعل شيء محرم , فكيف يستخير ثم يزعم أنه حصل على نتيجة إيجابية ؟!
ثم إن المسلم بعد صلاة الاستخارة يعزم على أحد أمرين : إما الفعل , وإما الترك , فما يسره الله له فهو الخير , وأما أن ينتظر انشراح الصدر أو أن يرى رؤيا ونحو ذلك ، فهذا في الغالب أمور وهمية , لا ينبني عليها حكم شرعي .
وبناء على ما سبق : فإنه يجب عليك أن تصرفي عنك كل وساوس الشيطان المتعلقة بهذا الموضوع وألا تجعلي للشر سبيلا عليك وعلى أسرتك وعلى أبنائك ، واعلمي أنكِ وقعت في مكيدة شيطانية بأن زينكِ الشيطان لهذا الشاب وزيَّنه لك حتى يحقق فيكما أكبر ما يحلم به وهو خراب بيت مسلم آمن مستقر ، وطلاق زوجين متحابين متآلفين ، وتشريد أطفالكما .
فاقطعي حبل الشيطان بألا تفتحي المجال لهذا الشاب أن يخرب حياتك وأسرتك واقطعي كل طريق يمكن أن يؤدي إلى بقاء محل له في حياتك .
ومما يعينك على صرف هذه الوساوس الشيطانية أن تجيبي بينك وبين نفسك بصدق على هذه التساؤلات :(65/151)
1. هذا الشاب لو كان رجلا صالحا فكيف يرضي أن يخرب بيت أخيه المسلم ويشتت له أسرته ؟
2. لو كان هذا الإنسان يحبك حقيقة فلماذا يسعى في خراب بيتك ودمار أسرتك ؟ فهل هو يحبك أم يحب نفسه ولا ينظر إلا إلى مصلحة شهوته ؟
3. لو أنه حصل ما تمناه هذا الشاب وتم طلاقك من زوجك – لا قدر الله – فما هو مصير أبنائك الذين هم من الرعية والأمانة التي سيسألك الله عنها يوم القيامة ؟
4. ما الذي يضمن لك أن تكون معاملة هذا الشاب لك بعد الزواج ومشاعره كما هي الآن ؟ مع العلم أن كثيراً من الأسر التي بنيت على العشق كان مصيرها الفشل بعد أشهر قليلة من الزواج لأنها بنيت على أساس هش غير مبني على رضى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
5. وهل تتوقعين أن تبقى الثقة بينكما دائماً بعد زواجكما ؟ فإذا كان أحبك وأنت متزوجة ، فمن أين لكِ أن لا يحب غيرك وهي متزوجة – أو غير متزوجة - ؟ وكيف سيثق بكِ إن كنتِ هدمتِ بيتك من أجله ، وقد تتكرر الصورة مرة أخرى وأنتِ على ذمته ، فستبقى الشكوك مصدر قلق لكليكما ، فكلاكما رضي بالحرام ولم تمتنعوا من إقامة علاقة محرمة مع وجود عقد شرعي بينك وبين زوجك ، فمن يضمن له أنكِ لن تعيدي الكرَّة مرة أخرى ؟
أما طلبك الدعاء ، فأسأل الله العلي العظيم بمنه وكرمه أن ييسر لك الخير ويصرف عنك كل شر وأن يديم عليك وعلى أسرتك نعمة الاستقرار والمحبة وأن يحفظ لك زوجك وأبناءك ويبعد عنك وساوس الشيطان وتزيينه للباطل .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز للزوجين التجرد من الثياب وقت الجماع بدون أي غطاء ؟
سؤال:
سمعت أن علاقة المواقعة بين الزوجين غير جائزة إذا مورست دون تغطية بملاءة أو بطانية ؛ لأن الملائكة الموجودين يخجلهم ويهينهم جسدا الزوجين العارييْن وهما في وضع المواقعة ، لذلك يجب على الزوجين تغطية جسديهما ببطانية خلال المواقعة ويجب ألا يكشفا عن جسديهما ، فهل هذا صحيح ؟.
الجواب:
الحمد لله
التحريم حكم شرعي لا يصح أن ينسب إلى الشرع إلا بدليل شرعي ثابت من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وجمهور العلماء من الحنفية والشافعية والمالكية على جواز التجرد من الثياب حال الجماع بين الزوجين ، وقد ذهب الحنابلة إلى كراهة التجرد من الثياب وعدم الاستتار حال الجماع ، مستدلين لذلك بأحاديث ، لكن لا يصح منها شيء ، ومنها :(65/152)
1. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتى أحدُكم أهله فليستتر , فإنه إذا لم يستتر استحيت الملائكة فخرجت , فإذا كان بينهما ولد كان للشيطان فيه نصيب ) .
رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " ( 1 / 63 ) ، والبزار وضعَّفه – كما في " نصب الراية " ( 4 / 247 ) - .
2. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتى أحدكم أهله فليستتر , ولا يتجرد تجرد العيرين ) .
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 10 / 196 ) والبيهقي – وضعَّفه - ( 7 / 193 ) ، وفيه : مندل بن علي ، وهو ضعيف .
ورواه ابن ماجه ( 1921 ) من حديث عتبة بن عبد الله السلمي , وقد ضعفه الألباني في " إرواء الغليل " ( 2009 ) .
3. عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتى أحدكم أهله فليستر عليه وعلى أهله , ولا يتعريان تعري الحمير ) .
رواه الطبراني ( 8 / 164 ) ، وفيه عفير بن معدان وهو ضعيف كما في " مجمع الزوائد " ( 4 / 293 ) .
وإذا ثبت ضعف هذه الأحاديث فلا يصح الاستدلال بها على وجوب الاستتار ، والمنع من التعري أثناء الجماع ، والأصل : حل الاستمتاع بين الزوجين في النظر واللمس .
وقد استدل جمهور العلماء على الجواز بحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قلت : يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : ( احفظ عورتك إلا من زوجتك , أو ما ملكت يمينك ) قلت : يا رسول الله , أرأيت إن كان القوم بعضهم من بعض ؟ قال : ( إن استطعت ألا تريها أحدا فلا ترينها ) قلت : يا رسول الله , فإن كان أحدنا خاليا , قال : ( فالله أحق أن يستحيا منه من الناس ) .
رواه الترمذى (2794) وحسَّنه ، وابن ماجه ( 1920 ) , وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
واستدلوا أيضاً بحديث ضعيف ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والتعري , فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط , وحين يفضي الرجل إلى أهله , فاستحيوهم وأكرموهم ) .
رواه الترمذي ( 2800 ) ، وفيه ليث بن أبي سليم ، وكان قد اختلط ، وضعفه الألباني في " إرواء الغليل " ( 64 ) .
والخلاصة : أنه لم يصح حديث في النهي عن التعري والتجرد من الثياب حال جماع الزوجين ، وأن الأصل هو الحل ، وقد ثبت ما يؤيد هذا الأصل .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
تناول حبوب لزيادة الإخصاب
سؤال:(65/153)
هل يكره أم يحرم أن تأخذ المرأة حبوباً منشطة للإخصاب من أجل زيادة احتمال أن تحمل؟.
الجواب:
الحمد لله
إن كانت الحبوب مصنوعة من مادة مباحة طاهرة فلا بأس بأخذها ولكن تخبر الزوج بذلك.
فتوى الشيخ عبد الله الغديان .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما حكم الغِيلة في الإسلام ؟
سؤال:
ما حكم الغيلة في الإسلام ؟.
الجواب:
الحمد لله
" الغِيلة " قيل هي : وطء الزوجة المرضع ، وقيل هي : إرضاع الحامل لطفلها .
وقد ثبت في صحيح مسلم (1442) أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ ، حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلا يَضُرُّ أَوْلادَهُمْ ) .
قال النووي :
" اختلف العلماء في المراد بالغيلة في هذا الحديث , فقال مالك في الموطأ والأصمعي وغيره من أهل اللغة : أن يجامع امرأته وهي مرضع ، وقال ابن السكيت : هو أن ترضع المرأة وهي حامل .
قال العلماء : سبب همِّه صلى الله عليه وسلم بالنهي عنها أنه يخاف منه ضرر الولد الرضيع ، قالوا : والأطباء يقولون : إن ذلك اللبن داء ، والعرب تكرهه وتتقيه .
وفي الحديث جواز الغيلة فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها , وبين سبب ترك النهي " " شرح مسلم " ( 10 / 17 ، 18 ) .
وروى مسلم (1443) عن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( إِنِّي أَعْزِلُ عَنْ امْرَأَتِي . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ : أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارًّا ضَرَّ فَارِسَ وَالرُّومَ ) .
ولم يأتِ ما يخالف هذه الإباحة إلا حديث ضعيف رواه أبو داود (3881) وابن ماجه (2012) عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها ، فيه : نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الغيلة .
والحديث : ضعفه الشيخ الألباني في " ضعيف سنن أبي داود " .
وذكر ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن الأحاديث الدالة على الإباحة ثم قال : " وهذه الأحاديث أصح من حديث أسماء بنت يزيد ، وإن صح حديثها فإنه يحمل على الإرشاد والأفضلية ، لا التحريم " انتهى بتصرف .
وقال أيضاً في " زاد المعاد " ( 5 / 147 ، 148 ) :(65/154)
" ولا ريب أن وطء المراضع مما تعم به البلوى ، ويتعذر على الرجل الصبر عن امرأته مدة الرضاع ، ولو كان وطؤهن حراماً لكان معلوماً من الدين ، وكان بيانه من أهم الأمور ، ولم تهمله الأمة ، وخير القرون ، ولا يصرح أحد منهم بتحريمه ، فعلم أن حديث أسماء على وجه الإرشاد والاحتياط للولد ، وأن لا يعرضه لفساد اللبن بالحمل الطارئ عليه " انتهى .
والحاصل : أن الغيلة ليست حراما ولا مكروهة ، حيث لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها ، ومَنْ تركها على سبيل الاحتياط للولد فلا حرج عليه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل يلزم أهله بالسفر بعيدا عنه حتى لا يعيشوا في بلاد الكفر؟
سؤال:
أنا مسلم متزوج من مسلمة من إحدى الدول الإسلامية . ولا أريدها أن تعيش هي وأطفالي خارج بلاد المسلمين . أنا أعيش وأعمل الآن في أمريكا، حيث ولدت . ولا يزال أمامي أن أعمل 3 سنوات تقريبا وأخطط بعد ذلك أن أعيش وأدرس في البلد الإسلامي الذي تتبع له زوجتي وأهلها إن شاء الله . وأسأل إن أنا أجبرتها على العودة وأمرتها بالبقاء في ذلك البلد الإسلامي (ومنعتها من الرجوع لزيارتي هنا) وتربية أطفالنا هناك في فترة بقائي هنا فقط بحيث أبقى أنا هنا وأزورهم (مدة 8 أسابيع في العام) فهل يعد هذا العمل محرما ؟ وهل يجب علي السماح لها بالبقاء معي مع العلم أن البلد دار كفر وأنها سيئة جدا ؟ هل يجب لها قبول الموقف الذي قررته ؟ ثم ما هي الأدلة من الكتاب والسنة حول الموضوع فلربما تفهمت الموضوع بشكل أفضل .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا ينبغي التساهل في الإقامة في بلاد الكفر ، فإن ذلك له آثاره السيئة على دين المسلم وعقيدته ، ولذلك حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من الإقامة بين الكفار ، فقال : ( أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ ) رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وهناك حالات يجوز فيها إقامة المسلم في بلاد الكفر ، لكن بشروط معينة ، يقصد منها ألا يتضرر المسلم في دينه بالإقامة بينهم ، ولمعرفة ذلك راجع الأسئلة (13363) و (27211) .
ثانياً :
ينبغي أن تقارن بين المصلحة في بقاء أهلك إلى جوارك ، تقوم على رعايتهم وخدمتهم ، وتربيتهم ، وتتحصن بهم من الفتن ، وبين مفسدة بقائهم في هذه البلاد (بلاد الكفر) ، وما يمكن أن يصيبهم في دينهم وأخلاقهم ، ومفسدة بقائك بمفردك أيضا ، بعيدا عنهم ، وينبغي أن يكون هذا بالمشاورة مع أهلك ، والرغبة منكما(65/155)
جميعا في تقوى الله تعالى ، واختيار ما يرضيه . فإذا ترجح لديك أن الأفضل هو إبعادهم عن هذه البلاد ، وإرجاعهم إلى بلدهم الإسلامي ، فلا حرج عليك في ذلك ، وتلزم الزوجة طاعتُك وتنفيذُ أمرك .
وقد دل على وجوب طاعة الزوجة لزوجها – في غير المعصية – أدلة منها : ما رواه أحمد (18233) والحاكم عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ ( أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . قَالَ : كَيْفَ أَنْتِ لَهُ ؟ قَالَتْ : مَا آلُوهُ إِلا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ . قَالَ : فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ ؟ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ ) والحديث جَوَّد إسناده المنذري في الترغيب والترهيب وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1933) .
ومعنى : ما آلوه : أي لا أقصّر في حقه .
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ ) رواه البخاري (5195)
قال الألباني رحمه الله معلقا على هذا الحديث : " فإذا وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها ، فبالأولى أن يجب عليها طاعته فيما هو أهم من ذلك مما فيه تربية أولادهما ، وصلاح أسرتهما ، ونحو ذلك من الحقوق والواجبات " انتهى من "آداب الزفاف" ص 282 ، وانظر السؤال (43123) .
ثانيا :
للزوج أن يسافر ويتغيب عن أهله ، لأجل الدراسة أو العمل ونحوه من المصالح المشروعة ، مدة لا تزيد على ستة أشهر ، فإن زاد على ذلك فلا بد من استئذان زوجته ، والأصل في ذلك أن عمر رضي الله عنه سأل النساء : ( كم تصبر المرأة عن الزوج ؟ فقلن : شهرين ، وفي الثالث يقل الصبر ، وفي الرابع ينفد الصبر . فكتب إلى أمراء الأجناد أن لا تحبسوا رجلا عن امرأته أكثر من أربعة أشهر ) ، وفي رواية ( فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر ، يسيرون شهرا ، ويقيمون أربعة ، ويسيرون شهرا ). ينظر : "المغني" ( 7/232 ، 416) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " سفر الرجل عن زوجته إذا كانت في محل آمن : لا بأس به ، وإذا سمحت له بالبقاء أكثر من ستة أشهر فلا حرج عليه ، أما إذا طالبت بحقوقها ، وطلبت منه أن يحضر إليها فإنه لا يغيب عنها أكثر من ستة أشهر ، إلا إذا كان هناك عذر كمريض يعالج وما أشبه ذلك ، فإن الضرورة لها أحكام خاصة . وعلى كل حال فالحق في ذلك للزوجة ، ومتى ما سمحت بذلك وكانت في مأمن فإنه لا إثم عليه ، ولو غاب الزوج عنها كثيرا " انتهى من "فتاوى العلماء في عشرة النساء" (ص 106) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
تصرخ في وجه زوجها وعاهدت الله على ترك ذلك ؟
سؤال:(65/156)
أنا فتاة متزوجة منذ 3 شهور أحببت زوجي كثيرا وأحبني ، وللأسف عندما توجد مشكلة بيننا فإنني أنسى الحب وأعايره وأصرخ بوجهه وأضرب نفسي وأدعو عليها ولا أقدر أن أستعيذ من الشيطان الرجيم ، وزوجي يهدئني ولا أرد عليه فلا أهدأ إلا بعد الصراخ الشديد فقد وعدت ربي أن لا أصرخ بوجه زوجي أبدا وللأسف لم أتقيد بالوعد فماذا علي أمام ربي ثم أمام زوجي مع أنني اعتذرت له لكن يتكرر أسلوبي معه عند كل مشكلة فما هو الحل منكم بعد لجوئي إلى الله أولا فأنا لا أريد أبدا تصرفي هذا مع أنني أصلي وأصوم وأقرأ القرآن ولكن عصبية جدا ولا خلق حسن لدي فقد كنت بالماضي عاصية لوالديّ وتبت ونلت رضاهم فهل هذا عقاب الله لي أم ماذا ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يرزقك الحلم والأناة والخلق الحسن ، وأن يزيد ما بينك وبين زوجك من الألفة والمحبة .
ثانيا :
"المشروع أن يتخاطب الزوجان بما يجلب المودة ويقوي الروابط الزوجية ، وأن يجتنب كل منهما رفع الصوت على صاحبه ، أو مخاطبته بما يكرهه ؛ لقوله سبحانه وتعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19 ، ولا ينبغي لها رفع الصوت عليه لقوله سبحانه : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) البقرة/228، ولكن ينبغي للزوج أن يعالج ذلك بالتي هي أحسن ، حتى لا يشتد النزاع "
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (19/247) .
ثالثا :
ينبغي أن تدركي أنك في بداية الحياة الزوجية ، وصدور ما ذكرت من الصراخ والغضب والدعاء على نفسك ، كل ذلك لا يليق في جميع الأحوال ، ولا يليق في هذه المرحلة على وجه الخصوص ، فإن ذلك قد يسبب نفرة زوجك ، وندمه على الزواج منك ، وربما تغيرت معاملته ونظرته لك ، فالحذر الحذر من تكرار ما ذكرت .
رابعا :
علاج الغضب يكون بأمور :
1- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند الشعور بالغضب .
2- تغيير الهيئة عند الشعور بالغضب ؛ فإذا كان قائماً فليجلس .
3- أن تستشعري ثواب الصبر والحلم وكظم الغيظ ، وأن ذلك من صفات المتقين الموعودين بالجنة .
انظر السؤال (70235) .
خامسا :(65/157)
لا يجوز للإنسان أن يدعو على نفسه ، لما روى مسلم (920) من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلا بِخَيْرٍ ، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ ) .
وروى مسلم أيضا (3014) من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ ، لا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ ) .
فالإنسان قد يجلب لنفسه ولأولاده الشر ، بسبب دعائه وسوء منطقه .
سادسا :
إذا كنت عاهدت الله على عدم الصراخ في وجه زوجك ، ثم إنك حنثت في هذا العهد ، فيلزمك كفارة يمين ؛ لأن العهد بمنزلة اليمين عند جماعة من أهل العلم ، قال الزهري رحمه الله : " من عاهد الله على عهد فحنث فليتصدق بما فرض الله في اليمين " . نقله في "المدونة" (1/580) وقال : " وقاله ابن عباس وعطاء بن أبي رباح ويحيى بن سعيد " انتهى .
وانظر السؤال (20419) .
وكفارة اليمين هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ؛ لقوله تعالى: ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) المائدة/89 .
سابعاً :
وأما عقوقك السابق لوالديك ، فإن الله تعالى لا يعاقب الإنسان على ذنب تاب منه ، فإذا كنت قد تبت توبة نصوحاً وسامحك والداك فإن الله تعالى يقبل توبة عبد إذا تاب إليه وأناب ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ ) رواه ابن ماجه (4250)
حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل تمضي في هذا الزواج أم لا
سؤال:
أنا فتاة مسلمة وطيبة القلب مستقيمة في كل أعمالي شاءت الأقدار أنني خطبت ابن عمي ولم أكن أعرفه من قبل لأنه يسكن في أمريكا وقد كانت معرفتي به قليلة عندما زار الوطن وبعدها سافر، وقد تم كتب الكتاب بيننا وتم الاتفاق أن الزواج بعد 8 أشهر حتى أنهي دراستي ولكن وبعد سفره وأثناء اتصالنا مع بعضنا البعض أصبحنا نختلف ونزعل مع بعض في كثير من الأمور، وكل اتصال يتم بيننا لا ينتهي إلا بالمضايقة وحتى إنه لم يكن ذلك الشخص الذي أعرفه من قبل فقد انقلب رأسا على عقب في كل شيء تماما وقد فكرنا بالانفصال ولولا تدخلات الأقرباء الذين حالوا(65/158)
دون الطلاق ولكن العلاقة لم ترجع مثل الأول وأنا في حيرة من أمري في المضي أم التراجع عن الأمر .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا كان ابن عمك مستقيما في دينه ، محافظاً على الصلاة ، مرضياً في خلقه ، فلا تتسرعي في طلب الانفصال ، فإن كثيرا من الخلافات الجزئية يمكن علاجها ، والتفاهم حولها ، وقد يحتاج الأمر إلى بعض الوقت ، ليحصل التجانس والتآلف . لكن الأمر الأهم هو علاقته بربه سبحانه وتعالى ، والتزامه بدينه ، فإن صاحب الدين ، يعين أهله على طاعة الله ، ويقربهم من مرضاة الله ، وهو مأمون الجانب غالبا ، يمنعه دينه والتزامه من أن يسيء أو يظلم ، لاسيما إذا سافرت معه بعيدا عن أهلك ، أما إن كان مفرطا في دينه مضيعا لصلواته ، غير معروف بالاستقامة ، فلا شك أن الزواج منه خطر ؛ لأن من ضيع دينه فهو لما سواه أضيع ، ومن فرط في حق خالقه ومولاه ، فلا عجب أن يفرط في حق غيره ، وتركُ من هذا حاله الآن ، أفضل من تركه بعد ذلك ، قبل الدخول وحصول الولد .
وعليك بصلاة الاستخارة ، فإنه ما خاب من استخار ربه تعالى ، واستشيري صالحي أهلك ممن يعرف حال زوجك وأخلاقه وطباعه .
ولمعرفة صلاة الاستخارة انظري السؤال رقم (11981) ، (2217)
وينبغي أن تسعيْ من جهتك للتحلي بأفضل الخلال وأجمل الخصال ، فإن كلا الزوجين مأمور بذلك ، وقد يكون الخلل من قِبلك أيضا ، وربما شكى الزوج من أسلوبك ومعاملتك كما تشكين ، نسأل الله أن يصلح أحوالكم وأن ييسر لكم الخير حيث كان .
ثانيا :
ورد في سؤالك ، قولك : " شاءت الأقدار " ، وهذا خطأ شائع ، فإن الأقدار لا مشيئة لها ، والصواب أن يقال : شاء الله ، أو قَدَّر الله .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن قول : " شاءت الظروف أن يحصل كذا وكذا " ، " وشاءت الأقدار كذا وكذا " ؟
فأجاب : " قول : " شاءت الأقدار " ، و " شاءت الظروف " ألفاظ منكرة ، لأن الظروف جمع ظرف وهو الزمن ، والزمن لا مشيئة له ، وكذلك الأقدار جمع قدر ، والقدر لا مشيئة له ، وإنما الذي يشاء هو الله عز وجل ، نعم لو قال الإنسان : " اقتضى قدر الله كذا وكذا " . فلا بأس به . أما المشيئة فلا يجوز أن تضاف للأقدار لأن المشيئة هي الإرادة ، ولا إرادة للوصف ، إنما الإرادة للموصوف " انتهى . "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (3/113) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل تُخبر زوجها بعلاقاتها السابقة ؟(65/159)
سؤال:
أنا فتاة تقدَّم إليَّ شخص فيه كل المواصفات التي تتمناها الفتاة المسلمة في شريك حياتها ولله الحمد ، وقد قبلت به وتمَّ عقد القران منذ فترة بسيطة ، ولم أرَ من الشاب إلا كل خير ولكن المشكلة هي أن صديقتي قبل أن يتقدم لي الشاب سألها عني ، فأخبرتْه بأنني كنت على علاقة منذ فترة طويلة بشاب ولكن العلاقة انتهت وتبت إلى الله ، وأنا لم أعرف بأنها أخبرته عن ذلك إلا من فترة بسيطة ، وأنا أشهد بأني تبت إلى الله وعدت إلى رشدي ولم أعد أحادثه ، ولكني انصدمت عندما أبلغتني بذلك فعاتبتها ، ولكنها قالت لي بأنه كان من الواجب عليها أن تخبره ففي الأمر علاقة مصيرية ويجب عليَّ أن أصارحه بذلك ، وسؤالي هو : هل يجب عليَّ أن أصارحه إن سألني ؟ أم أتكتم على الأمر ؟ أنا خائفة من أن يدمر هذا الماضي حياتي .
الجواب:
الحمد لله
لقد أخطأتْ صديقتُك بإخبارها من تقدم لخطبتكِ بعلاقتك السابقة التي تبتِ منها ، وليس هذا الفعل منها محموداً ولا موافقاً للشرع ولا للحكمة ، والمسلم مأمورٌ بالستر على أخيه فيما يراه من معصية يفعلها سرّاً ، فكيف بذنبٍ قد تاب منه صاحبه ؟!
وليس ما فعلت من النصيحة التي أوجبها الشرع على من سئِل عمن يرغب بنكاحها أو نكاحه ؛ لأن ذلك فيما يعلمه من أخلاق وصفات موجودة فيه – أو فيها – عند السؤال ، ولا يجوز لأحدٍ أن يذكر ماضياً سيئاً قد تاب منه صاحبه .
والذي يفهم من كلامك أن صديقتك أخبرت زوجك بعلاقتك السابقة قبل أن يتقدم لك ، وهذا يدل على أنه عذرك في ذلك لما علم أنك قد تبت واستقمت .
وقد أصاب في ذلك ، فإنه ما من إنسان إلا وله بعض السقطات والهفوات ، فإذا تاب منها فإنه لا يلام عليها ، ولا يعاقب ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) رواه ابن ماجه (4250) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .
والذي ينبغي لك ألا تفاتحي زوجك في هذا الموضوع ، وإذا بدأك هو بالكلام فعليك أن تخبريه بأنها كانت علاقة عابرة ، ونزغة من نزغات الشيطان ، وأنك ندمت عليها ، وقد وفقك الله تعالى إلى الهداية والتوبة منها .
ولا تخافي من هذا الماضي ما دمت قد تبت واستقمت ، واسألي الله تعالى التوفيق والهداية وقبول التوبة ، ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82 .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ) رواه الترمذي (2499) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
ونسأل الله تعالى أن يبارك لكما وعليكما ، وأن يجمع بينكما على خير .
والله الموفق .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
له زوجتان ويصعب عليه العدل بينهما(65/160)
سؤال:
رجل له زوجتان كل واحدة منهما في مكان يبعد عن الأخرى فلا يتسنى له العدل في المبيت ، مع العلم أن مقر عمله وتجارته عند إحدى الزوجتين مما يحتم عليه أن يقضي وقتاً أطول عند إحداهما دون الأخرى ، فهل هذا الزوج آثم أم لا ؟.
الجواب:
الحمد لله
ينظر هل الزوجتان راضيتان على هذا الوضع أم لا ؟ إن كانتا راضيتين فالأمر واضح لأن الحق لهما ، فإذا رضيتا بما يفعل الزوج فلا إشكال ، فإن طالبت كل واحدة بحقها من تصحيح الوضع ، فعليه أن يعدل بينهما ، فيجلس عند هذه يوماً وعند هذه يوماً ، فإن كان يشق عليه التردد بينهما كل يوم ، فليجلس عند هذه ثلاثة أيام أو أسبوعاً ، وعند الأخرى ثلاثة أيام أو أسبوعاً ، وذلك حسب ما يتفق عليه معهما ، المهم أن يعدل بينهما في النفقة والمبيت وكل ما يمكن العدل فيه .
فضيلة الشيخ ابن عثيمين . "لقاءات الباب المفتوح"(3/447) .
وليحاول أن يكون سكنهما متقارباً ، حتى يتمكن من العدل بينهما ، ومن مباشرة عمله وتجارته .
الله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل لإتيان المرأة في الدبر كفارة؟
سؤال:
ما هي كفارة جماع الزوجة من دبرها ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
جماع الزوجة في الدبر حرام ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن فاعله ملعون .
وقد سبق ذكر الأدلة من الكتاب والسنة على تحريمه وبيان شيء من مفاسده في جواب السؤال (1103) و (6792) .
ولم يجعل الشرع لهذا الفعل المحرم كفارة ، فلا تكفره إلا التوبة والندم ، والرجوع إلى الله .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ما حكم وطء المرأة في الدبر ؟ وهل على من فعل ذلك كفارة؟
فأجاب :
" وطء المرأة في الدبر من كبائر الذنوب ، ومن أقبح المعاصي ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا ) رواه أبو داود (2162) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلا أَوْ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ ) رواه الترمذي (1166) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .(65/161)
والواجب على من فعل ذلك البدار بالتوبة النصوح ، وهي الإقلاع عن الذنب ، وتركه تعظيما لله ، وحذرا من عقابه ، والندم على ما قد وقع فيه من ذلك ، والعزيمة الصادقة على ألا يعود إلى ذلك ، مع الاجتهاد في الأعمال الصالحة ، ومن تاب توبة صادقة تاب الله عليه وغفر ذنبه
كما قال تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/72 .
وقال عز وجل : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الفرقان/68-70 . . . . .
وليس على من وطئ في الدبر كفارة في أصح قولي العلماء ، ولا تحرم عليه زوجته بذلك ، بل هي باقية في عصمته ، وليس لها أن تطيعه في هذا المنكر العظيم ، بل يجب عليها الامتناع من ذلك ، والمطالبة بفسخ نكاحها منه إن لم يتب ، نسأل الله العافية من ذلك" انتهى باختصار يسير من "فتاوى إسلامية" (3/256) .
وقال البهوتي رحمه الله :
" فإن فعل ( أي وطئها في الدبر ) عُزِّرْ (أي عاقبه الحاكم العقوبة التي تردعه وأمثاله) ، لارتكابه معصية لا حد فيها ولا كفارة " انتهى من "كشاف القناع" (5/190) .
فصَرَّح بأنها معصية ، ولا كفارة فيها .
وانظر : "أسنى المطالب" (4/162) ، "مغني المحتاج" (5/624) .
ثانيا :
يخطئ كثير من الناس حين يظن أن عدم إيجاب الكفارة على الذنب المعين يعني أن أمره هين ، وأنه من الصغائر ، وهذا الظن ليس بصواب ، بل لو قيل : إن الوطء في الدبر لم يجعل الله فيه كفارة لأنه أعظم من أن تكفره كفارة لم يكن بعيداً ، كما قال الإمام مالك رحمه الله في اليمين الغموس : " الْغَمُوسُ : الْحَلِفُ عَلَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ . . . وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفِّرَهُ الْكَفَّارَةُ " انتهى باختصار من "التاج والإكليل" (4/406) ، ونحوه في "المدونة" (1/577) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
لماذا شعرت سارة بالغيرة مع جلالة قدرها من هاجر ؟
سؤال:
هل أحست سارة بالغيرة من " هاجر " عندما ولدت إسماعيل ( عليه السلام ) ؟ إذا كان الجواب بنعم : فلماذا تشعر امرأة رفيعة المنزلة مثل " سارة " بالغيرة ؟ وهل كان شعورها بالغيرة هو السبب الذي من أجله أمِرَ إبراهيم ( عليه السلام ) بإرسال " هاجر " و " إسماعيل " ( عليه السلام ) إلى الصحراء ؟.
الجواب:(65/162)
الحمد لله
غيرة المرأة من ضرائرها أمرٌ جُبلت عليه ، وهو غير مكتسب ، ولذا فإنها لا تؤاخذ عليه إلا أن تتعدى ، وتقع بسبب الغيرة فيما حرم الله عليها من ظلم أختها ، فتقع في غيبة أو نميمة أو تؤدي بها غيرتها إلى طلب طلاق ضرتها أو الكيد لها وما شابه ذلك .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
وأصل الغيرة غير مكتسب للنساء ، لكن إذا أفرطت في ذلك بقدر زائد عليه تلام ، وضابط ذلك ما ورد في الحديث عن جابر بن عتيك الأنصاري رفعه : ( إِنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ ) حسنه الشيخ الألباني في "الإرواء" (7/80) - ، فالغيرة منهما – أي : من الزوج والزوجة - إن كانت لما في الطباع البشرية التي لم يسلم منها أحد من النساء ، فتعذر فيها ، ما لم تتجاوز إلى ما يحرم عليها من قول أو فعل ، وعلى هذا يحمل ما جاء من السلف الصالح عن النساء في ذلك . " فتح الباري " ( 9 / 326 ) .
وقال ابن مفلح رحمه الله :
قال الطبري وغيره من العلماء : الغيرة مسامح للنساء فيها لا عقوبة عليهن فيها لما جُبِلن عليه من ذلك . " الآداب الشرعية " ( 1 / 248 ) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله شرحاً لحديث كسر عائشة لإناء إحدى ضرائرها :
وقالوا : أي جميع من شرحوا الحديث : فِيهِ إِشَارَة إِلَى عَدَم مُؤَاخَذَة الْغَيْرَاء بِمَا يَصْدُر مِنْهَا ، لأَنَّهَا فِي تِلْكَ الْحَالَة يَكُون عَقْلهَا مَحْجُوبًا بِشِدَّةِ الْغَضَب الَّذِي أَثَارَتْهُ الْغَيْرَة . وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ لا بَأْس بِهِ عَنْ عَائِشَة مَرْفُوعًا : ( أَنَّ الْغَيْرَاء لا تُبْصِر أَسْفَل الْوَادِي مِنْ أَعْلاهُ ) . " فتح الباري " ( 9 / 325 ) .
وما وقع من فضليات النساء من الغيرة إنما هو مما لم يسلم منه أحد ، وهنَّ غير مؤاخذات عليه لأنه ليس في فعلهن تعدٍّ على شرع الله تعالى .
وما حصل من غيرة " سارة " من هاجر هو من هذا الباب ، فطلب الزوجة من زوجها أن لا ترى ضرتها أو أن لا تجاورها أمرٌ غير مستنكر ، مع أن الذي ذكره أهل العلم أن إبراهيم عليه السلام هو الذي خرج بهاجر وابنه لا أن سارة زوجه طلبت منه ذلك .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
ويقال : إن سارة اشتدت بها الغيرة فخرج إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة لذلك . " فتح الباري " ( 6 / 401 ) .
ويدل عليه قول هاجر : " يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟ فقالت له ذلك مراراً وجعل لا يلتفت إليها فقالت له : أالله الذي أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قالت : إذن لا يضيعنا " - رواه البخاري ( 3184 ) - .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان : خرج بإسماعيل وأم إسماعيل ومعهم شنة فيها ماء ... رواه البخاري ( 3185 ) .(65/163)
قال الحافظ :
قوله – أي : ابن عباس - : " لما كان بين إبراهيم وبين أهله " يعني : سارة " ما كان " يعني : من غيرة سارة لما ولدت هاجر إسماعيل . " فتح الباري " ( 6 / 407 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز قراءة كتب تتعلق بالجماع للمقبل على الزواج ؟
سؤال:
هل يجوز لشخص مقبل على زواجه الأول أن يطلع على بعض الكتب ليتعلم كيف يضاجع زوجته علما أنها لا تحتوي على أي صور ؟ .
الجواب:
الحمد لله
في قراءة الكتب التي تعلِّم كيفية الجماع عدة محاذير ، ومنها :
1. أنها قد تثير الشهوة عندك ، ولا تجد تصريفها في الحلال ، وهو محذور غير بعيد ، وبخاصة لمن لا يستطيع الالتقاء بزوجته المعقود عليها .
2. أن أكثر هذه الكتب تعلِّم أوضاعاً شاذَّة في الجماع ، فبعضها مخالف للفطرة والطبع السليم ، وبعضها الآخر مخالف للشرع ، كالجماع في الدبر .
3. أن قراءة هذه الأوضاع قد يزهِّد الرجل في امرأته التي لا تحسِن مثل هذه الأفعال ، ويبقى قلبه متعلقاً بتلك الأوضاع وأهلها .
4. أن قراءة تلك الكتب قد يؤدي بك لطلب المزيد منها أو الإيضاح لبعضها فيدلك شياطين الإنس والجن على كتب فيها صور ، فتقع في محاذير شرعية .
5. أن في قراءتها تشجيعاً على شرائها ، وفي هذا إعانة على ترويجها والمزيد من الطبعات لها .
6. أنه لا يؤمن عدم وقوع تلك الكتب في يد أشخاصٍ تهيجهم على فعل الحرام ، فحالكَ من حيث التعلم للزواج ليس كحال غيرك مما يمكن أن تقع في أيديهم .
ثم أن الله سبحانه وتعالى قد جعل في فطرة كل ذكر الميل إلى الأنثى وإتيان المرأة ليس من الأشياء المعقدّة التي تحتاج إلى معلومات كثيرة بل يعرفها الشخص بالطبيعة والواقع ثم لو احتاج إلى مساعدة في هذا فطريقة تلقي مثل هذه المعلومات تكون عادة من أقرب الأقربين أو أخلص الأخوان من المتزوجين ولذلك لا داعي لهذه الكتب .
ولعله يوجد غير هذا من المحاذير ، لذا لا نرى لك قراءة مثل هذه الكتب ، ولا يعني ذلك أنه ليس لك أن تتعلم كيفية الجماع الشرعي أو المباح ، لكن ما ذكرناه هو المنع من قراءة ما يكتبه من كان بعيداً عن الشرع والذوق والفطرة السليمة .
ولك أن تقرأ ما يتعلق بالحياة الزوجية والجماع مصحوباً بأحكام شرعية وتوجيهات ونصائح خالياً مما ذكرنا من المحاذير من الأجوبة والمسائل في هذا الباب في موقعنا هذا تحت عنوان " العشرة بين الزوجين " وهو من فروع كتاب " النكاح " .(65/164)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
أجبرت على الزواج ممن لا تريده ، فهل تستخدم حبوب منع الحمل
سؤال:
لقد تزوجت منذ فترة قصيرة ، ولكنني غير سعيدة مع زوجي ، وقد أجبرني أهلي على الزواج منه ، ومشكلتي أنني لا أرغب في الإنجاب منه ، فهل يجوز أن أدعو الله أن لا يرزقني أولاداً منه أم لا يجوز ؟ وقد قرأت أنه لا يجوز استخدام حبوب منع الحمل بدون إذن الزوج ، فهل هذا صحيح ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للولي سواء أكان أبا أو غيره أن يزوج مَنْ كانت تحت ولايته دون رضاها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما : ( الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها ) رواه مسلم (1421)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تُنْكَح الأيم حتى تُسْتَأمر ، ولا تنكح البكر حتى تستأذن . قالوا : يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت ) رواه البخاري (4843) ومسلم (1419)
كما لا يجوز للولي أن يتعنت في تزويج موليته ، أو يعضلها عن الزواج ممن ترغب إذا كان كفؤاً لها ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسم - : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) رواه الترمذي (1084) وحسنه الألباني وانظر السؤال رقم (32580)
أما ما حصل معك ، فلك الخيار في الاستمرار أو عدمه ، فاستخيري الله عز وجل ، فإن رضيت فلك الاستمرار على هذا الزواج ، وإن لم تقبلي الاستمرار في زواجك فلك الحق في طلب الفسخ ، لأنه وقع بدون رضاك .
فعن خنساء بنت خذام الأنصارية : أن أباها زوجها وهي ثيب ، فكرهت ذلك ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه . رواه البخاري (4845) ، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - : أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة ، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم . رواه أبو داود (2096) وصححه الألباني .
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المرأة إذا زُوِّجت بدون رضاها فإن العقد باطل ، لأنه عقد محرم ، فلا يمكن تصحيحه ، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة .
ومذهب الحنفية ، وهو رواية عن الإمام أحمد : أن العقد موقوف على إجازة المرأة ، فإن أجازته صح ، وإلا فلها الفسخ . انظر المغني 7 / 364 ، فتح الباري 9 / 194
لكن ما دام أن المحكمة حكمت بالنكاح ، فإن الأولى أن يرجع في مثل هذا الأمر إلى المحكمة.(65/165)
قال الشيخ ابن عثيمين في مسألة إجبار الوالد بنته على النكاح : إجبار الرجل ابنته على الزواج برجل لا تريد الزواج منه محرم ، والمحرم لا يكون صحيحاً ولا نافذاً ، لأن إنفاذه وتصحيحه مضاد لما ورد فيه من النهي ، لأن مقصود الشرع بالنهي عن أمر ما ، أن لا نتلبس به ولا نفعله ، ونحن إذا صححناه فمعناه أننا تلبسنا به وفعلناه ، وجعلناه بمنزلة العقود التي أباحها الشارع .....
وعلى هذا فالقول الراجح يكون تزويج الوالد ابنته هذه بمن لا تريده زوجا ، تزويجا فاسدا ، والعقد فاسد ، يجب النظر فيه من قبل المحكمة
انظر الفتاوى ص 760 ، وانظر أيضاً فتاوى الشيخ ابن إبراهيم 10 / 73 – 78
أما أخذك لحبوب منع الحمل دون علم الزوج ، فهذا ليس حلا للمشكلة ، لأن هذا معناه مكوثك تحت من لا ترضين ، وقد نص بعض أهل العلم كما في فتاوى الشيخ ابن إبراهيم الموضع السابق ، على أنه إذا ظهر من المرأة الرضى بزواجها ممن تزوجت منه جبرا ، فإنه يسقط حقها في طلب الفسخ ، وإذا سقط الحق في طلب الفسخ صار الرجل زوجا شرعيا لك ، وإذا كان كذلك لم يجز لك أخذ حبوب من الحمل إلا بعلمه عند وجود ما يدعو إلى ذلك .
ويراجع السؤال (5196) (22760) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل يستمع الرجل لاقتراحات زوجته ويشاورها في أموره
سؤال:
كيف تتم معاملة الزوجة ؟ هل نستمع لنصيحتها واقتراحاتها ؟ أسأل هذا السؤال لأنني أرى أن النساء ينصحون ويقترحون من قلوبهن ، وليس من عقولهن ؟ فإلى أي حد يستمع الرجل لنصائح زوجته ؟.
الجواب:
الحمد لله
قال الله تعالى آمراً بالإحسان إلى الزوجة : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( َاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ...فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ) رواه البخاري (5186) ومسلم (1468)
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي ) رواه الترمذي (3895) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3314)
ولا شك أن مشاورة الزوجة والاستماع لنصيحتها وقبولها منها ، هو من تمام المعروف في العشرة ، و استصلاح قلبها ، وإشعارها بدورها في بيتها ، ومسؤوليتها عن أسرتها ، لاسيما إذا جرب الرجل من امرأته الحكمة والعقل ، والروية في النظر إلى الأمور ، وعدم التسرع والانسياق وراء العاطفة .
ثم إن تفاضل المصلحة في استشارة المرأة وقبول رأيها ، أو عدم ذلك تختلف باختلاف الموضوع الذي تبذل المرأة فيها مشورتها ، وتدلي بنصيحتها ، وهل لطبيعتها العاطفية أثر في رأيها في هذه القضية أو لا .
ويختلف أيضاً باختلاف حال كل من الزوجين ومدى تقديرهما وحسن ضبطهما .(65/166)
وإذا ما بدا للزوج وجه المصلحة في رد قولها ، أو بدا له خطأ في مشورتها ، فعليه أن يتلطف في عدم القبول ، وألا يسفِّه رأيها ، أو يزدري نصحها ، ويبين له وجه الصواب ، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً .
وتأمل قصة الحديبية ، وما جرى فيها ، لتعلم قيمة مشاورة المرأة العاقلة الحكيمة ، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما صالح قريشاً على الرجوع ، وعدم دخول مكة عامهم هذا ، قال لأصحابه : " قوموا فانحروا . قال الراوي : فوالله ما قام منهم رجل ، حتى قال ذلك ثلاث مرات . فلما لم يقم أحد منهم ، دخل على أم سلمة ، فذكر لها ما لقي من الناس . فقالت أم سلمة : يا نبي الله ، أتحب ذلك ؟!
أخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة ، حتى تنحر بدنك ، وتدعو حالقك فيحلقك . فلما فعل ذلك قاموا فنحروا .. "
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : فيه فضل المشورة .. وجواز مشاورة المرأة الفاضلة " اهـ.
وتأمل أيضاً قصة موسى ، وكيف رباه الله في بيت فرعون ، وكم كانت لمشورة آسيا امرأة فرعون رضي الله عنها من بركة : ( وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) القصص/9
وفي نفس السورة قصة المرأتين على ماء مدين ، وكيف أن إحداهما قالت لأبيها : ( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ) القصص/26 ، فانظر إلى وفور عقلها ، وعلمها بمن هو أهل للإجارة ، وحفظ الأمانة في الأعمال ، وكيف كانت بركة هذه المشورة على أهل البيت .
والله الموفق .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
خلافات مع زوجها ، وتسأل كيف تصبح زوجة صالحة ؟
سؤال:
أنا أمريكية ، وقد أسلمتُ حديثاً ، وقد نشأت على ألا أسمح لرجل بأن يتحكم فيِّ ، والمشكلة الآن هي أن زوجي ليس أمريكياً ونحن نتصادم كثيراً ، أنا أعلم أكثر منه فيما يخص القوانين والأمور اليوميَّة ، ولغته الإنجليزيَّة ليست جيِّدة إلى تلك الدرجة ، لذلك فأنا أحتاج أن أشرح له في بعض الأحيان ؛ لأنه قد تعود على الأحوال في بلاده هو وعلى حضارتها ، وأنا أتولى القيام بالحديث في الغالب إذا كنا في أماكن عامة ، وهذا يغضبه كثيراً ، لكني أشعر أن تلك هي الطريقة الوحيدة لنتمكن من إتمام الأمور بطريقة صحيحة في الغالب ، ونحن الآن نختلف كثيراً ، وأنا لا أعرف كيف أصبح " الزوجة " المطلوبة إسلاميّاً ، فأنا لا أزال في طور التعلم ، ومشكلتي العظمى تكمن هنا ، فكيف لي أن أغير ذلك ؟ وكيف أقلل من المشكلة ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نحمد الله أن وفقكِ للإسلام وهداكِ له ، وهذه أعظم نعمة من الله تعالى على عبده .(65/167)
ونعلمكِ أن الله تعالى قد جعلَ لكِ حقوقاً على زوجكِ ، وأوجب عليكِ واجباتٍ تجاهه – ويمكنكِ مراجعة السؤال رقم ( 10680 ) لتقفي عليها - .
فعليكِ القيام بما أوجبه الله عليكِ من حقوق تجاه زوجكِ ، وقد عظَّمت الشريعة حقوق الزوج لما له من أهمية عظيمة في بناء البيت المسلم ، ولما أوجبه الله تعالى عليه من القيام بمصالح أسرته ورعايتها .
والمرأة المسلمة ينبغي أن تكون عاقلة حكيمة في تصرفاتها مع زوجها ، فالإنسان – عادةً – تأسره الكلمة الطيبة ، وتقيِّده المعاملة الحسنة ، فإذا كان هذا من شريكة حياته ورفيقة دربه كان ذلك أبلغ في التأثير ، كما أن على المرأة العاقلة أن تبتعد عن كل ما يسيء لزوجها من تصرفات ، وأن تتخلص من كل ما يزعجه من أفعال ، وأن لا تحاول فرض شخصيتها عليه ، فالرجل له القوامة وعليه المسئولية ، وإشعاره بالنقص في مواقف معينة قد يجره إلى الغضب وإلى عدم إحسان التصرف ، وقد قال بعضهم : " الزوجة المثالية هي التي تجيد فن التوافق الزوجي ، وتوازِن بين طاعة الزوج واحترامه ، وبين تعبيرها عن شخصيتها السوية الناجحة " .
وكلامك مع الناس عنه – لأنه لا يحسن لغة قومك – يجوز شرعاً ، لكن كما سبق لا بدَّ أن تكوني حكيمة في مثل هذا التصرف والفعل ، فإنك مع قيامك بمثل هذه الأقعال لا تشعريه بالنقص وبعدم الأهميَّة بل ارجعي إليه عند الكلام مع الناس ، وشاوريه ولا تتخذي قرارات بوجوده إلا بعد إذنه ، وليكن ذلك أمام مَن تكلمين ليشعر بقيمته وبقدره , ويمكنكِ أن تُظهري له تفوقه عليكِ في لغته وتشعريه بذلك ، وأنكما تكمِّلان بعضكما بعضاً ، فعاونيه على تعلم لغتك ، وليعاونك على تعلم لغته .
هذا الذي ننصحك به وهو ما يمكن أن يوقف غضبه أو يمنعه من مثل هذه التصرفات ، والأمر لا يعدو أن يكون مجرد مداراة لوقت معيَّن حتى يتمكن من اللغة ويستطيع القيام بشؤون نفسه وحده .
ثانياً :
ولكي تكوني زوجة صالحة لا بدَّ لك من معرفة ما أوجبه الله عليكِ فتفعليه ، ولا بدَّ من معرفة ما كان عليه النساء الفاضلات من أخلاق وحسن تعامل مع الزوج ، والأمر يحتاج منك لمجاهدة ومكابدة حتى تتعودي ، لكن ذلك ليس مستحيلاً ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " إنما العلم بالتعلُّم ، وإنما الحلم بالتحلُّم ، ومَن يتحر الخير يُعْطَه ، ومَن يتقِّ الشرَّ يُوقَه " – رواه الدار قطني في " الأفراد " وهو حديث حسن ، كذا قال الألباني في " صحيح الجامع " ( 2328 ) - ومن هذه الصفات والأخلاق ما أوصتْ به أمٌّ عاقلةٌ ابنتَها قبل الزواج ، وهي وصايا جامعة ، نسأل الله أن يعينك على تحقيقها ، قالت الأم لابنتها :
أي بنيّة إنك فارقتِ بيتكِ الذي منه خرجتِ ، وعشكِ الذي فيه درجتِ إلى رجلٍ لم تعرفيه ، وقرينٍ لم تألفيه ، فكوني له أَمَةً يكن لكِ عبداً ، واحفظي له خصالاً عشراً تكن لك ذخراً :
أما الأولى والثانية : فالخشوع له بالقناعة ، وحسن السمع له والطاعة .
وأما الثالثة والرابعة : فالتفقد لمواضع أنفه وعينه ، فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم إلا أطيب ريح .(65/168)
وأما الخامسة والسادسة : فالتفقد لوقت منامه وطعامه ؛ فإن حرارة الجوع ملهبة ، وتنغيص النوم مُغضبة .
وأما السابعة والثامنة : فالاحتفاظ بماله والإرعاء على حشمه وعياله .
وأما التاسعة والعاشرة : فإن ملاك الأمر في المال حسن التقدير ، وفي العيال حسن التدبير .
ثالثاً :
وعلى الزوج أن يتقي الله ربَّه ، ولا يبخس حق امرأته ، وليؤد لها حقوقها التي أوجبها الله عليه ، ولا بدَّ أن يعلم أن الناس درجات ، وأن ما يعرفه هو يجهله كثيرون ، وما يجهله هو يعرفه كثيرون ، ولأَن تكون معه امرأته تترجم له وتدله على ما ينفعه وتبين له الطريق خيرٌ من أن يكون معه شخص آخر لا يثق بأمانته ، والعلم لا يحصل إلا بالتعلم ، وطريق العلم يكون بالجد والاجتهاد .
ونصيه بالحرص على أن يملك نفسه عند الغضب ، وأن لا يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله تعالى فهذا هو الغضب المحمود .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
امتنعت عن جماعه لأنه لا يصلي
سؤال:
زوجي لا يصلي الصلوات الخمسة ومستمر على ذلك ، كنت أحضه وأشجعه عليها ولكن بدون فائدة . حيث أنه لم يستمع لطلبي امتنعت عن الجماع .
قال بأن تصرفي غير لائق وأني أستعمل هذا العذر للامتناع عن الجماع ، فهل هو صحيح ؟
أرجو الإجابة .
الجواب:
الحمد لله
لتعرف الأخت المسلمة أن الذي لا يصلي الصلوات كلها وهو مداوم على ذلك فهذا عند الصحابة وجمع من أهل العلم يُعد كافراً لا تجوز مناكحته ولا أكل ذبيحته وإذا كان الزوج لا يصلي على الإطلاق فإنه على خطر عظيم ولا يجوز البقاء معه ، ويجب تخويفه بذلك وامتناعك عن الجماع هو الصواب ، حتى يصلي لأن الذي لا يصلي يعد كافراً كما قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث جابر : ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) ، وقال أيضاً : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) وقال عبد الله بن شقيق كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يعدون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ) فالواجب تحذير الزوج من ذلك الفعل فإن أصر فلا يجوز لك حينئذ البقاء معه لأنك على الإسلام وهو على غير ذلك وفق الله المسلمين للقيام بأوامر الله وطاعته ، وعليك بمناصحته وتخويفه لعل الله أن يجعل من ذلك خيراً .
الشيخ محمد صالح المنجد(65/169)
ـــــــــــــــــــ
حدود الاستمتاع بين الزوجين وحكم رضاع الرجل من زوجته
سؤال:
هل يجوز مص صدر المرأة عند الجماع ؟.
الجواب:
الحمد لله
للزوج أن يستمتع بزوجته بما يشاء ، ولم يحرم عليه إلا الإيلاج في الدبر ، والجماع في الحيض والنفاس ، وما عدا ذلك فله أن يستمتع بزوجته بما يشاء كالتقبيل والمس والنظر وغير ذلك .
وحتى لو رضع من ثديها ، فهو داخل في الاستمتاع المباح ، ولا يقال بتأثير اللبن عليه ؛ لأن رضاع الكبير غير مؤثر في التحريم ، وإنما الرضاع المؤثر هو ما كان في الحولين .
قال علماء اللجنة الدائمة :
يجوز للزوج أن يستمتع من زوجته بجميع جسدها ، ما عدا الدبر والجماع في الحيض والنفاس والإحرام للحج والعمرة حتى يتحلل التحلل الكامل .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الله بن قعود . " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 19 / 351 ، 352 ) .
وقال علماء اللجنة الدائمة :
يجوز للزوج أن يمص ثدي زوجته ، ولا يقع تحريم بوصول اللبن إلى المعدة .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله الغديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :
رضاع الكبير لا يؤثر ؛ لأن الرضاع المؤثر ما كان خمس رضعات فأكثر في الحولين قبل الفطام ، وأما رضاع الكبير فلا يؤثر ، وعلى هذا فلو قدِّر أن أحداً رضع من زوجته أو شرب من لبنها : فإنه لا يكون ابناً لها . " فتاوى إسلامية " ( 3 / 338 ) .
وأما من جهة حل الاستمتاع في غير ما جاء النهي عنه : فإليك أقوال أهل العلم فيه :
قال ابن قدامة :
لا بأس بالتلذذ بها بين الأليتين من غير إيلاج ; لأن السنة إنما وردت بتحريم الدبر , فهو مخصوص بذلك , ولأنه حرم لأجل الأذى , وذلك مخصوص بالدبر , فاختص التحريم به . " المغني " ( 7 / 226 ) .
وقال الكاساني :
من أحكام النكاح الصحيح حل النظر والمس من رأسها إلى قدميها حالة الحياة ; لأن الوطء فوق النظر والمس , فكان إحلاله إحلالا للمس والنظر من طريق الأولى . " بدائع الصنائع " ( 2 / 231 ) .
وقال ابن عابدين :(65/170)
سأل أبو يوسف أبا حنيفة عن الرجل يمس فرج امرأته وهي تمس فرجه ليتحرك عليها هل ترى بذلك بأسا ؟ قال : لا , وأرجو أن يعظم الأجر . " رد المحتار " ( 6 / 367 ) .
وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المباح بمنع الجماع للحائض في الفرج وإباحة ما عداه من جسدها ، وهو في غير الحائض أوضح في الإباحة .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
قوله : " ويستمتعُ منها بما دُونه " أي : يستمتعُ الرَّجل من الحائض بما دون الفَرْج .
فيجوز أن يستمتعَ بما فوق الإزار وبما دون الإزار ، إلا أنَّه ينبغي أن تكون متَّزرة ؛ لأنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كان يأمر عائشة رضي الله عنها أن تَتَّزِرَ فيباشرها وهي حائض ، وأَمْرُه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لها بأن تتَّزِرَ لئلا َّيَرى منها ما يكره من أثر الدَّم ، وإذا شاء أن يستمتع بها بين الفخذين مثلاً : فلا بأس .
فإن قيل : كيف تجيب عن قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لما سُئِلَ ماذا يَحِلُّ للرَّجُل من امرأته وهي حائض قال : " لك ما فوق الإزار " ، وهذا يدلُّ على أن الاستمتاع يكون بما فوق الإزار ؟ .
فالجواب عن هذا بما يلي :
1. أنَّه على سبيل التنزُّه ، والبعد عن المحذور .
2. أنه يُحمَلُ على اختلاف الحال ، فقولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ " اصنعوا كلَّ شيء إلا النكاح " : هذا فيمن يملك نفسه ، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : " لك ما فوق الإزار " : هذا فيمن لا يملك نفسه إما لقلِّة دينه أو قوَّة شهوته . " الشرح الممتع " ( 1 / 417 ) .
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هجرها زوجها مدة طويلة برضاها فهل هي تأثم بعدم طلب الطلاق ؟
سؤال:
قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة " .
سؤالي هو : ما الحكم في زوجة منفصل عنها زوجها منذ 4 سنوات لا هي مطلقة ولا هي زوجة ، ولا تريد الطلاق عنه لأنها تحبه جدّاً ، عسى الله أن يهديه وترجع له ، هل هي آثمة في حقها أو حق زوجها ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لقد حمل الشرعُ الرجلَ مسئولية كبيرة ، وهي رعاية الأسرة والقوامة ، فدور الرجل في القيام بواجبات أسرته كبير جدّاً ، وهذا الدور يقتضي وجوده الدائم كي يطلع على كل شيء ، ويعالج الأخطاء ، ويوجه الصغار من أولاده ، فهو سند وحماية وقاعدة لهذا البيت .(65/171)
وتجاهل الرجل دورَه يقع بسببه الظلم على المرأة ، وقد قال تعالى في الحديث القدسي : " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا " ، وهو ما قد يؤدي بحال الأسرة إلى الانهيار ، وقد يقع فساد كبير بسبب هذا الفراق على الرجل والمرأة فقد يتخذ كل واحدٍ منهما خليلا عوضا عن صاحبه ، فالشيطان يستغل نقاط الضعف ويجري من ابن آدم مجرى الدم .
أضف إلى ذلك الظلم الذي سيقع على الأولاد ، والتقصير الذي سيلحق بهم مما يضاعف جهد المرأة ويجعلها تلعب دور الأب والأم في آن واحد ، وهذا ما لا يمكنها القيام به في معظم الأحيان ، وكلنا يعلم مكانة ودور الأب في الأسرة ، وما قد يحدث في حال انعدامه ، وكيف ستكون تربية الأولاد ، وما هي درجة العناية التي سينالونها في بُعد والدهم عنهم ، وهذا ما يجعل الأولاد يكرهون آباءهم لأنهم تخلوا عنهم ولم يعتنوا بهم ويرعوهم حق رعايتهم .
ثانياً :
قد يَكْرَه الزوجُ امرأتَه ولا يطيق الاستمرار معها ، والمشروع له حينئذٍ إمساكها بالمعروف أو تسريحها بإحسان وقد لا يستطيع أن يمسكها بالمعروف لشدة بغضه لها – مثلاً – أو لسبب آخر فلا يبقى إلا التسريح بإحسان ، فيطلقها طلاقاً بالمعروف ويعطيها كامل حقوقها .
وقد تكون المرأة راغبة في البقاء معه زوجةً ، فتطلب منه إمساكها وتسقط بعض حقوقها عليه كالقَسْم ـ وهو حقها في أن يبيت عندها ـ والنفقة ، وفي هذه الحال ينبغي للرجل أن يقبل طلبها ، لما في ذلك من تطييب خاطرها وعدم نسيان المعروف معها ، لاسيما وأنه لا ضرر عليه في ذلك .
وقد نزل في مثل ذلك قوله تعالى : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح ، وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) النساء/128 .
وقد قالت عائشة رضي الله عنها – كما رواه البخاري ( 4910 ) ومسلم ( 3021 ) - أن الآية الكريمة نزلت في مثل هذا ، قالت : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً ) : قالت هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها يريد طلاقها ويتزوج غيرها ، تقول له : أمسكني ولا تطلقني ، ثم تزوج غيري ، فأنت في حلٍّ من النفقة عليَّ والقسمة لي ، فذلك قوله تعالى : ( فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير ) .
والخلاصة :
لا يحل للرجل أن يهجر امرأته طول هذه المدة فإن فعل كان الحق للمرأة فلها أن ترفع أمرها إلى القاضي وتطلب الطلاق رفعاً للضرر الواقع عليها .
وإن اختارت الصبر رجاء أن يهدي الله تعالى زوجها ويرجع عن ظلمه فلا حرج عليها إن شاء الله تعالى بشرط ألا يكون في ذلك تعريض لها للفتنة بسبب بعدها عن زوجها .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين ويلهمهم رشدهم .
والله أعلم .(65/172)
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
حكم تقبيل الزوجة أمام الأولاد
سؤال:
إلى أي حد يمكن أن يتصرف الزوجان بعاطفة أمام الأولاد ؟ هل يجوز الضم أو التقبيل أو مسك اليدين أمام الأولاد ؟.
الجواب:
الحمد لله
الحكم الشرعي في هذه المسألة يتبع التفصيل التالي :
أولاً : إذا كان هذا الضم و التقبيل من جنس ما يكون بين الزوجين في خلوتهما فلا يجوز عمله أمام الأولاد صغاراً أو كباراً ، قال الله تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) ) النور .
يقول ابن كثير : فيؤمر الخدم والأطفال ألا يهجموا على أهل البيت في هذه الأحوال لما يخشى من أن يكون الرجل على أهله أو نحو ذلك من الأعمال .اهـ (3/401) .
فإذا وجب الاستئذان على الأولاد لئلا يروا شيئاً مما يكون بين الزوجين ، فكيف بتعمد إظهار ذلك ؟ وانظر إلى الأدب الذي كان عليه بيت النبوة وغاية ما ينقله الصحابة رضي الله عنهم
عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك :
فعن كريب مولى عبد الله بن عباس أن عبد الله بن عباس أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خالته قال : فاضطجعت في عرض الوسادة ، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ، ثم استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح النوم عن وجهه بيديه ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران.. الحديث رواه البخاري (4571) ومسلم (763) .
قال النووي رحمه الله : وفيه دليل على جواز نوم الرجل مع امرأته من غير مواقعة بحضرة بعض محارمها وان كان مميزا ، قال القاضي: وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث قال ابن عباس بت عند خالتي في ليلة كانت فيها حائضا ، قال وهذه الكلمة وإن لم تصح طريقا فهي حسنة المعنى جدا إذ لم يكن ابن عباس يطلب المبيت في ليلة للنبي صلى الله عليه وسلم فيها حاجة إلى أهله ، ولا يرسله أبوه إلا إذا علم عدم حاجته إلى أهله ، لأنه معلوم أنه لا يفعل حاجته مع حضرة بن عباس معهما في الوسادة ، مع أنه كان مراقبا لأفعال النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لم ينم أو نام قليلا جدا .اهـ شرح مسلم 6/46 .(65/173)
كما أن إظهار ذلك يعد من خوارم المروءة .
يقول الماوردي : المروءة مراعاة الأحوال إلى أن تكون على أفضلها حتى لا يظهر منها قبيح عن قصد ولا يتوجه إليها ذم باستحقاق .اهـ (أدب الدنيا والدين /392) .
وما في هذه الممارسة من المفاسد التربوية كاف في منعه ، فإن الأولاد فطروا على حب تقليد الوالدين ومحاكاتهم في جميع أمورهم ، فيخشى أن يحاول أحدهم فعل ذلك عن غفلة وعدم وعي لما يقوم به وكفى بذلك مفسدة ، ثم لا يؤمن على الأولاد الصغار أن يتحدثوا بما يرونه أمام الناس ولا يخفى ما في ذلك من الحرج و ذهاب الغيرة .
ثانياً : أما إذا كانت العاطفة التي يظهرها الزوجان أمام الأولاد من جنس ما يظهر عادة من مودة ورحمة ورعاية والتي تملؤ البيت سكوناً واحتراماً وسعادة وخاصة ما يكون في المناسبات كالأعياد وغيرها ، فذلك جائز.
ولإظهار ذلك أثر في راحة الأولاد النفسية حين يطمئنوا إلى ما عليه أسرتهم من التفاهم والتوافق ، فلا بأس بإظهار تلك العاطفة لكن بالقدر الذي يحقق الغرض ، ولا يحصل منه أدنى محظور .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
تشتكي من تقصير زوجها في حقوقها الزوجية
سؤال:
يوجد مشكلة بيني وبين زوجي بالنسبة لحقي في الجماع ، يظل سهران يقرأ ويطالع المجلات الخليعة بدلاً من يأتي معي للسرير، أدعوه فيعتذر بأنه متعب ، بدأ هذا قبل عدة سنين ، لا أشعر بالراحة في حياتي الزوجية .
هل يمكن أن تجيبوا على سؤالي فزوجي لا يقبل أن ينصحه أحد ، وهذا الشيء يؤلمني وهو لا يهتم فأرجو المساعدة .
الجواب:
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على إحدى الباحثات الاجتماعيات فأجابت مشكورة بما يلي :
أختي الفاضلة : لا نخفي عليك أنه قد يمر الطرفان وهما الزوج والزوجة في مرحلة من مراحل حياتهم الزوجية بمثل ما تمرين به الآن مع زوجك
وله أسبابه المختلفة ولا بد من معرفة تفاصيل أكثر ومتابعة إلا أننا بإذن الله سنحاول جاهدين أن نذكر لك أنسب الطرق وأفضلها .
في البداية نشكر لك حفاظك على حياتكم الزوجية وعلى عفتك وصبرك طوال هذه الفترة ونشد على يدك اعجاباً وتقديرا لنضجك وتفهمك وحرصك على استمرارية حياتكما الزوجية ،
واحتسبي الاجر عند الله...فإن الله يبتلي ليرى صبر عباده ويرفع منزلتهم عند الصبر ويأتيهم الفرج معه
وهذا من أول أسباب بل من أهمها لعلاج مثل هذه الحالات(65/174)
ولعلنا نبدأ معك خطوة خطوة
ذكرتِ أول الأمر أن زوجك حين تدعينه يتعذر بكونه متعباً
بداية.. هل جربتِ أن تتناقشي معه هذا الموضوع ؟ فربما تتضح أشياء لاتعرفينها . فبعض الرجال قد يصاب بعجز جنسي يجعله يتعذر من زوجته ، ويخجل أن يوضح ذلك لزوجته ، بل إن بعضهم يتهربون من هذه الحقيقة ، فلا يسعه إلا أن يتصفح أمثال هذه المجلات السيئة ليثبت لنفسه ومن حوله بأنه مازال يحتفظ برجولته !
فعليك أن تجلسي معه جلسة مصارحة ، ووضحي له أنك بجانبه بأسلوب جميل رقيق وأنك زوجته المحبة ،
وأن من حقوقك عليه أن يشبع رغباتك التي أودعها الله عزوجل فيكِ ، وبأنك تودين معرفة السبب وأن هذا سيزيد من قدره لديك وأن هذا لن يؤثر على حياتكم الزوجية ولا على نظرتك له . فالرجل دوما يخاف من أن يرى بعين النقص خصوصا من زوجته . وربما يذكر لك أسباب أخرى وأنتِ تقدِّرينها بحسب معرفتك لسير حياتكم الزوجية .
2- ولعلك أيضا أن تجربي أسلوب الرسالة الرقيقة فهي أيضا وسيلة جيدة نفعت بفضل من الله في حل بعض المشكلات ، خصوصا عند رفض أحد الطرفين النقاش أو صعوبة النقاش معه
3- اعرفي طرق الوصول لقلب زوجك ، والبسي مايعجبه من اللباس ، وتعطري بالعطور الجميلة ، والأقرب إلى زوجك ، وجاهدى في تغيير الروتين اليومي ، وادخلي تجديدا في نمط حياتكما.
4- عبري له عن حبك وتقديرك له عبر رسائل معطرة وكلمات جميلة وطرق مختلفة ، كأن تضعي كلمات تسعده على المرآه مثلا ، أو تقدمي له هدية وتكتبي عليها كلمات من قلبك تدل على محبتك له .
5- الابتسامة لها فعل السحر على بني البشر وخاصة الرجل ، انظري إليه بودٍّ وابتسمي من قلبك وأرسلي إليه ذلك وأنتِ تنظرين إليه بدون النطق بكلمة بشرط أن يكون ذلك صادرا من أعماقك .
6- تقربي لزوجك بما يحب من الكلمات أو التصرفات إلى غير ذلك مبتغية بذلك وجه الله عز وجل ،
وحينما تجدين أنك استنفذتِ ماعندك ، فبإمكانك أن تدخلي وسيطا معروفا بثقة زوجك به و قربه إلى قلبه ويملك الحكمة والقدرة على الإقناع ، بدون أن تذكري حقيقه ما بينكما فقط يلمح له أو يناقشه في الحقوق الزوجية بدون أن يذكر له أنك ذكرتِ ذلك له أو طلبتِ منه التدخل ولكن بشرط أن يكون شخصا معروفا بخلقه واستقامته وعفته .
7- عليك بدعوته بلطف إلى ترك ما يغضب الله كأمثال هذه المجلات بطرق غير مباشره كأن تضعي مثلا قريبا من مكان نومه فتوى بعدم جواز ذلك أو تفتحي شريطاً يحتوي دروساً ومواعظ قد تهز قلبه، وجربي أن تقرئي سورا من القرآن بجانبه .(65/175)
8- أتمنى أن تبعدي فكرة الانفصال عن ذهنك ، وأن تجاهدى نفسك ، وأن تصبري ، لتنالي الأجر الكبير والمنزلة العظيمة عند الله ، لأنه قد يتم لك الانفصال ، لكن ليس بالضروره أن تجدي زوجا مناسبا آخر وأيضا إن كان بينكم أبناء فهذا يستوجب المزيد من الصبر إلا إن استحال صبرك ووجدتِ نفسك مضطرة لذلك ، فلك ذلك .
9- اهتمى بنفسك وحياتك وإيمانك ، فتقوية العلاقة مع الله تسهل الطرق وتمنحك راحة ويقينا قويا جداً وانظري للحياة القادمة وتفاءلي بأنها ستكون أفضل مادمتِ مع الله وتسألينه ذلك في صلاتك دوما ، ولو خصصتِ لك أوقاتا تشغلين فيها نفسك بأمور جيدة أو تتطوعين بعمل خيري أو نشاط مع بعض الأخوات في الدعوه إلى الله تعالى ، فإن الأعمال الجيدة تمنحك شخصية جذابة وطيبة
وتغير من حياتك .
10- اجعلي تفكيرك يبتعد قليلاً ولو لبعض الوقت عن أمر زوجك ، واشغلي ذهنك بأمور أخرى كمشروع بسيط أو اشتراك في مواقع عبر الإنترنيت تأخذ من وقتك ، وتذكري أن ترفِّهى عن نفسك بما لا يخالف الشرع لكي يمنحك قوة المواصلة .
وبين يديك ـ أخيرا ـ ثلاثة مفاتيح تعينك في جميع أمورك بإذن الله .
المفتاح الأول : الدعاء...فالله عز وجل لايعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وتحري أوقات الاجابة
مثل آخر الليل وآخر ساعة من يوم الجمعة وبين الأذان والإقامة وأيضا عند الصوم ، وفي سجودك ، وأكثري الدعاء واسألي له الصلاح والهداية ، وأن يؤلف الله بينكما ويذهب ماشغلك ، مع عفوه وعافيته...
المفتاح الثانى : اليقين ، وحسن الظن بالله ، وأنه سبحانه قادر أن يفعل ما شاء متى شاء .
المفتاح الثالث : الصبر ، كما في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عته ( وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) رواه أحمد (2800) وكما يقال : ولم ير العالم صابراً لم ينل ما يريد ، وإن لم ينل ما يريد نال ماهو أفضل وأعظم منه بإذن الله .
واعلمى بأنه لايغلب عسر يسرين ، فلقد وعد الله عباده أن مع كل عسر يسران كما في قوله تعالى : ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) الشرح/5 - 6 واسألي الله عز وجل أن يوفق بينكما ويقر عينك بزوجك وأن يجمعك به في الدنيا والآخرة
سائلين الله تعالى أن ييسر أمرك .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
زوجته لا تستر يديها فهل يهددها بالطلاق ؟
سؤال:
ماذا أفعل لو رفضت زوجتي ستر يديها ، مع أني أطلب منها ذلك في البداية ثم آمرها لكنها ترفض ؟ وما تقول لو أني هددتها بالطلاق ؟.(65/176)
الجواب:
الحمد لله
قد بينا في جواب الأسئلة ( 11774 ) و ( 21536 ) حكم تغطية المرأة لوجهها وكفيها ، وأنه يجب عليها أن تسترهما أمام الأجانب عنها .
وقد أوجب الله تعالى الطاعة عليها لزوجها ، وجعل الرجل قوَّاماً على المرأة بالأمر والتوجيه والرعاية ، كما يقوم الولاة على الرعية ، بما خصه الله به من خصائص جسمية وعقلية ، وبما أوجب عليه من واجبات مالية ، قال تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) النساء/34 .
قال ابن كثير :
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( الرجال قوامون على النساء ) يعني : أمراء عليهن ، أي : تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله .
" تفسير ابن كثير " ( 1 / 492 ) .
وعلى الزوج مراعاة التدرج في حال مخالفتها لأمره وترفعها عن طاعته ، فيبدأ أولاً بالوعظ وتخويفها من عاقبة عصيان أمره ، فإن لم يُجدِ فلينتقل إلى هجرها في الفراش ، فإن لم ينفع فليضربها ضرباً غير مبرح ، ولا بأس من تهديدها معه بالطلاق .
قال تعالى : ( وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) النساء/34 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي :
( وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ) أي : ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن بأن تعصيه بالقول أو الفعل فإنه يؤدبها بالأسهل فالأسهل ، { فَعِظُوهُنَّ } أي : ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته والترغيب في الطاعة ، والترهيب من معصيته ، فإن انتهت فذلك المطلوب ، وإلا فيهجرها الزوج في المضجع ، بأن لا يضاجعها ، ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود ، وإلا ضربها ضربًا غير مبرح ، فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور وأطعنكم ( فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ) أي : فقد حصل لكم ما تحبون فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية ، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها ويحدث بسببه الشر .
" تفسير السعدي " ( ص 142 ) .
ويمكنك أن تستعين على وعظها وترغيبها وترهيبها بالأشرطة والكتيبات النافعة التي تتحدث عن وجوب الحجاب على المرأة المسلمة ، وبيان خطر المعصية والعقوبات المرتبة عليها في الدنيا والآخرة .
ولا بد من الرفق واللين . قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ ، وَمَا لا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ ) . رواه مسلم (2593)
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ ) رواه مسلم (2594) . زانه أي زينه . وشانه أي عَيَّبَه .(65/177)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
تشتكي من تقصير زوجها في حقوقها الزوجية
سؤال:
يوجد مشكلة بيني وبين زوجي بالنسبة لحقي في الجماع ، يظل سهران يقرأ ويطالع المجلات الخليعة بدلاً من يأتي معي للسرير، أدعوه فيعتذر بأنه متعب ، بدأ هذا قبل عدة سنين ، لا أشعر بالراحة في حياتي الزوجية .
هل يمكن أن تجيبوا على سؤالي فزوجي لا يقبل أن ينصحه أحد ، وهذا الشيء يؤلمني وهو لا يهتم فأرجو المساعدة .
الجواب:
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على إحدى الباحثات الاجتماعيات فأجابت مشكورة بما يلي :
أختي الفاضلة : لا نخفي عليك أنه قد يمر الطرفان وهما الزوج والزوجة في مرحلة من مراحل حياتهم الزوجية بمثل ما تمرين به الآن مع زوجك
وله أسبابه المختلفة ولا بد من معرفة تفاصيل أكثر ومتابعة إلا أننا بإذن الله سنحاول جاهدين أن نذكر لك أنسب الطرق وأفضلها .
في البداية نشكر لك حفاظك على حياتكم الزوجية وعلى عفتك وصبرك طوال هذه الفترة ونشد على يدك اعجاباً وتقديرا لنضجك وتفهمك وحرصك على استمرارية حياتكما الزوجية ،
واحتسبي الاجر عند الله...فإن الله يبتلي ليرى صبر عباده ويرفع منزلتهم عند الصبر ويأتيهم الفرج معه
وهذا من أول أسباب بل من أهمها لعلاج مثل هذه الحالات
ولعلنا نبدأ معك خطوة خطوة
ذكرتِ أول الأمر أن زوجك حين تدعينه يتعذر بكونه متعباً
بداية.. هل جربتِ أن تتناقشي معه هذا الموضوع ؟ فربما تتضح أشياء لاتعرفينها . فبعض الرجال قد يصاب بعجز جنسي يجعله يتعذر من زوجته ، ويخجل أن يوضح ذلك لزوجته ، بل إن بعضهم يتهربون من هذه الحقيقة ، فلا يسعه إلا أن يتصفح أمثال هذه المجلات السيئة ليثبت لنفسه ومن حوله بأنه مازال يحتفظ برجولته !
فعليك أن تجلسي معه جلسة مصارحة ، ووضحي له أنك بجانبه بأسلوب جميل رقيق وأنك زوجته المحبة ،
وأن من حقوقك عليه أن يشبع رغباتك التي أودعها الله عزوجل فيكِ ، وبأنك تودين معرفة السبب وأن هذا سيزيد من قدره لديك وأن هذا لن يؤثر على حياتكم الزوجية ولا على نظرتك له . فالرجل دوما يخاف من أن يرى بعين النقص خصوصا من زوجته . وربما يذكر لك أسباب أخرى وأنتِ تقدِّرينها بحسب معرفتك لسير حياتكم الزوجية .(65/178)
2- ولعلك أيضا أن تجربي أسلوب الرسالة الرقيقة فهي أيضا وسيلة جيدة نفعت بفضل من الله في حل بعض المشكلات ، خصوصا عند رفض أحد الطرفين النقاش أو صعوبة النقاش معه
3- اعرفي طرق الوصول لقلب زوجك ، والبسي مايعجبه من اللباس ، وتعطري بالعطور الجميلة ، والأقرب إلى زوجك ، وجاهدى في تغيير الروتين اليومي ، وادخلي تجديدا في نمط حياتكما.
4- عبري له عن حبك وتقديرك له عبر رسائل معطرة وكلمات جميلة وطرق مختلفة ، كأن تضعي كلمات تسعده على المرآه مثلا ، أو تقدمي له هدية وتكتبي عليها كلمات من قلبك تدل على محبتك له .
5- الابتسامة لها فعل السحر على بني البشر وخاصة الرجل ، انظري إليه بودٍّ وابتسمي من قلبك وأرسلي إليه ذلك وأنتِ تنظرين إليه بدون النطق بكلمة بشرط أن يكون ذلك صادرا من أعماقك .
6- تقربي لزوجك بما يحب من الكلمات أو التصرفات إلى غير ذلك مبتغية بذلك وجه الله عز وجل ،
وحينما تجدين أنك استنفذتِ ماعندك ، فبإمكانك أن تدخلي وسيطا معروفا بثقة زوجك به و قربه إلى قلبه ويملك الحكمة والقدرة على الإقناع ، بدون أن تذكري حقيقه ما بينكما فقط يلمح له أو يناقشه في الحقوق الزوجية بدون أن يذكر له أنك ذكرتِ ذلك له أو طلبتِ منه التدخل ولكن بشرط أن يكون شخصا معروفا بخلقه واستقامته وعفته .
7- عليك بدعوته بلطف إلى ترك ما يغضب الله كأمثال هذه المجلات بطرق غير مباشره كأن تضعي مثلا قريبا من مكان نومه فتوى بعدم جواز ذلك أو تفتحي شريطاً يحتوي دروساً ومواعظ قد تهز قلبه، وجربي أن تقرئي سورا من القرآن بجانبه .
8- أتمنى أن تبعدي فكرة الانفصال عن ذهنك ، وأن تجاهدى نفسك ، وأن تصبري ، لتنالي الأجر الكبير والمنزلة العظيمة عند الله ، لأنه قد يتم لك الانفصال ، لكن ليس بالضروره أن تجدي زوجا مناسبا آخر وأيضا إن كان بينكم أبناء فهذا يستوجب المزيد من الصبر إلا إن استحال صبرك ووجدتِ نفسك مضطرة لذلك ، فلك ذلك .
9- اهتمى بنفسك وحياتك وإيمانك ، فتقوية العلاقة مع الله تسهل الطرق وتمنحك راحة ويقينا قويا جداً وانظري للحياة القادمة وتفاءلي بأنها ستكون أفضل مادمتِ مع الله وتسألينه ذلك في صلاتك دوما ، ولو خصصتِ لك أوقاتا تشغلين فيها نفسك بأمور جيدة أو تتطوعين بعمل خيري أو نشاط مع بعض الأخوات في الدعوه إلى الله تعالى ، فإن الأعمال الجيدة تمنحك شخصية جذابة وطيبة
وتغير من حياتك .
10- اجعلي تفكيرك يبتعد قليلاً ولو لبعض الوقت عن أمر زوجك ، واشغلي ذهنك بأمور أخرى كمشروع بسيط أو اشتراك في مواقع عبر الإنترنيت تأخذ من وقتك ، وتذكري أن ترفِّهى عن نفسك بما لا يخالف الشرع لكي يمنحك قوة المواصلة .
وبين يديك ـ أخيرا ـ ثلاثة مفاتيح تعينك في جميع أمورك بإذن الله .(65/179)
المفتاح الأول : الدعاء...فالله عز وجل لايعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وتحري أوقات الاجابة
مثل آخر الليل وآخر ساعة من يوم الجمعة وبين الأذان والإقامة وأيضا عند الصوم ، وفي سجودك ، وأكثري الدعاء واسألي له الصلاح والهداية ، وأن يؤلف الله بينكما ويذهب ماشغلك ، مع عفوه وعافيته...
المفتاح الثانى : اليقين ، وحسن الظن بالله ، وأنه سبحانه قادر أن يفعل ما شاء متى شاء .
المفتاح الثالث : الصبر ، كما في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عته ( وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) رواه أحمد (2800) وكما يقال : ولم ير العالم صابراً لم ينل ما يريد ، وإن لم ينل ما يريد نال ماهو أفضل وأعظم منه بإذن الله .
واعلمى بأنه لايغلب عسر يسرين ، فلقد وعد الله عباده أن مع كل عسر يسران كما في قوله تعالى : ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) الشرح/5 - 6 واسألي الله عز وجل أن يوفق بينكما ويقر عينك بزوجك وأن يجمعك به في الدنيا والآخرة
سائلين الله تعالى أن ييسر أمرك .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زوجته لا تستر يديها فهل يهددها بالطلاق ؟
سؤال:
ماذا أفعل لو رفضت زوجتي ستر يديها ، مع أني أطلب منها ذلك في البداية ثم آمرها لكنها ترفض ؟ وما تقول لو أني هددتها بالطلاق ؟.
الجواب:
الحمد لله
قد بينا في جواب الأسئلة ( 11774 ) و ( 21536 ) حكم تغطية المرأة لوجهها وكفيها ، وأنه يجب عليها أن تسترهما أمام الأجانب عنها .
وقد أوجب الله تعالى الطاعة عليها لزوجها ، وجعل الرجل قوَّاماً على المرأة بالأمر والتوجيه والرعاية ، كما يقوم الولاة على الرعية ، بما خصه الله به من خصائص جسمية وعقلية ، وبما أوجب عليه من واجبات مالية ، قال تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) النساء/34 .
قال ابن كثير :
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( الرجال قوامون على النساء ) يعني : أمراء عليهن ، أي : تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله .
" تفسير ابن كثير " ( 1 / 492 ) .(65/180)
وعلى الزوج مراعاة التدرج في حال مخالفتها لأمره وترفعها عن طاعته ، فيبدأ أولاً بالوعظ وتخويفها من عاقبة عصيان أمره ، فإن لم يُجدِ فلينتقل إلى هجرها في الفراش ، فإن لم ينفع فليضربها ضرباً غير مبرح ، ولا بأس من تهديدها معه بالطلاق .
قال تعالى : ( وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) النساء/34 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي :
( وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ) أي : ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن بأن تعصيه بالقول أو الفعل فإنه يؤدبها بالأسهل فالأسهل ، { فَعِظُوهُنَّ } أي : ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته والترغيب في الطاعة ، والترهيب من معصيته ، فإن انتهت فذلك المطلوب ، وإلا فيهجرها الزوج في المضجع ، بأن لا يضاجعها ، ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود ، وإلا ضربها ضربًا غير مبرح ، فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور وأطعنكم ( فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ) أي : فقد حصل لكم ما تحبون فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية ، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها ويحدث بسببه الشر .
" تفسير السعدي " ( ص 142 ) .
ويمكنك أن تستعين على وعظها وترغيبها وترهيبها بالأشرطة والكتيبات النافعة التي تتحدث عن وجوب الحجاب على المرأة المسلمة ، وبيان خطر المعصية والعقوبات المرتبة عليها في الدنيا والآخرة .
ولا بد من الرفق واللين . قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ ، وَمَا لا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ ) . رواه مسلم (2593)
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ ) رواه مسلم (2594) . زانه أي زينه . وشانه أي عَيَّبَه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والدها أساء معاملتها وأمها فحقدت عليه وأثَّر على علاقتها بزوجها
سؤال:
تزوجت منذ عامين ، وزوجي - والحمد لله - يتقي الله في معاملتي ، إلا أني أواجه عقداً نفسية نتيجة لوالد لم يراع الله بي وبأخوتي وأمي ، مما زرع الحقد في قلبي وقلب إخوتي له ، ورغم أني تزوجت وابتعدت عن تلك الحياة المأساوية فأنا لا أستطيع سوى أن أحزن لحزن أمي وإخوتي ، فهم ما زالوا يعانون مما يؤثر علي في معاملتي لزوجي الذي يحترمني ، إلا أن صبره ينفذ حين يراني حزينة معظم وقتي ويعتقد أنني أحب النكد ، فماذا أفعل ؟ كما أنني وإخوتي لا نستطيع احترام والدنا نتيجة لطريقة معاملته لنا ، فماذا نفعل للتخلص من حقدنا له ؟ ، واعلم أنا نجاهد لاحترامه ، ولكنه لا يحترم أحداً ويعاني من عقدة كره كل من هو أفضل منه(65/181)
، وعنده عقدة حب الظهور والتميز ، أي : يُري الناس أنه يملك الكثير رغم أنه لا يملك شيئا بل عليه ديون . أرجو مساعدتي في حل المشكلة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
أما والدكم فالواجب عليكم مداومة نصحه ، وتذكيره بما أوجب الله عليه تجاه نفسه وتجاه أسرته .
ولا بدَّ من تنويع طرق النصح ، فقد يثقل عليه سماعها منكم ، فلا تيأسوا من إيصال الذكرى والموعظة عن طريق أقربائكم أو أصحابه ، ويمكنكم إسماعه ما ينفعه من أشرطة الوعظ والتذكير .
ثانياً :
وعليك أن تتقي الله تعالى في زوجكِ ، فلا ينبغي أن تنقلي هموم وغموم أهلكِ وتلقيها في بيت زوجك وعلى ظهره ، وخاصة أنه يحسن إليكِ ولم تري منه ما يسوؤك ، فالواجب عليكِ أن تشكريه وتحسني إليه ، وهو ما أمركِ الله تعالى به .
ثالثاً :
لا تخلو نفس من أمراض – إلا من رحم الله ونجاه – فكون والدكِ يحب إظهار نفسه ، ويرى ذاته فوق ذوات الناس فإن هذا يوجب الشفقة عليه لا الحقد ، وكونه أساء إليكم ولا يزال فإن هذا يوجب الرحمة في قلوبكم عليه ، فإنه لو مات ولقي ربه بهذه الأعمال فإنه سيلقاه بذنوب وآثام عظيمة .
لذلك فعليك أنت وإخوتك وأهلكِ أن تعيدوا النظر في علاقتكم مع والدكم وموقفكم منه ، فالله عز وجل أمرنا بالإحسان إليهم وبرهم حتى لو دعوْنا إلى الشرك والكفر .
قال تعالى : ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) لقمان/15 وهذا إبراهيم عليه السلام يحاور والده المشرك بأدب كما ذكر الله تعالى ذلك عنه في قوله تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا . إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا . يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا . يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا . يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا . قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا . قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ) مريم/41–47 .
فانظروا لأدب هذا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكيف يخاطب والده المشرك الذي يهدد ويتوعد ولده المسلم ، وفي هذا موعظة بالغة ودرس مفيد لمن ابتلي بمثل هؤلاء الآباء فكيف بمن دونهم ؟!
رابعاً :(65/182)
وأما الحزن الذي أصابكم فلا ينبغي أن يكون معطِّلاً لكم عن أعمالكم ، ومثبطاً لكم عن طاعتكم ، ومسبِّباً لكم في التقصير فيما أوجبه الله عليكم مثل ما أوجبه الله عليكِ تجاه زوجك ، وأوجب عليكم تجاه دعوة والدكم .
ونوصيكم بدعاء وقائي ، وآخر علاجي :
أما الدعاء الوقائي فهو :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضَلَع الدين وغلبة الرجال ". رواه البخاري ( 6008 ) .
وأما الدعاء العلاجي فهو :
عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أصاب أحداً قط همٌّ ولا حزنٌ فقال : اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي : إلا أذهب الله همَّه وحزنه ، وأبدله مكانه فرجاً .
قال : فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها ؟ فقال : بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها .
رواه أحمد ( 3704 ) . والحديث : صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 199 )
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل لزوجها أن يترك الإفطار معها ليفطر في المسجد
سؤال:
هل الإفطار في المسجد مع الجماعة أهم من الإفطار في البيت مع الزوجة إذا كانت حامل ولا تستطيع مغادرة البيت بسبب التعب ؟
تزوجت منذ أشهر وهذا أول رمضان أقضيه مع زوجي وحتى الآن لم يفطر معي ولا مرة واحدة في البيت ، يفطر في المسجد ولا يرجع حتى العاشرة مساء ، فهل هذا تصرف صحيح إسلامياً ؟ أرجو أن تجيب فأنا مسلمة جديدة وزوجي مسلم في الأصل ويقول لي بأن هذه تعاليم الإسلام ولا أظن بأن هذا من تعاليم الإسلام .
الجواب:
الحمد لله
لا شك أن من معاشرة الزوجة بالمعروف أن يقوم الزوج بما يلزم زوجته في شؤون دينها ودنياها ، وما يجب عليه تجاهها ، ومن أولى الأشياء الواجبة على الزوج تجاه زوجه أن يعلمها أمر دينها وعقيدتها على الوجه الذي أمر الله تعالى به ، ولا شك أن قول زوجك لك إن ما فعله هو ما تمليه عليه تعاليم الإسلام غير صحيح ، وهو من القول على الله بلا علم ، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم مع ما كان عليه من صحبته لأصحابه ، واهتمامه بأمرهم وقضاء حوائجهم ، كان في خدمة أهله(65/183)
ورعايتهم ، فعن الأسود قال : سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته قالت : ( كان يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة ) رواه البخاري برقم 644 ، وقد قال تعالى : ( وعاشروهن بالمعروف ) ، وهذا يدل على أن العشرة بالمعروف أساس الحياة الزوجية التي أمر الله تعالى بها .
ومن المعلوم أن الإفطار مع الزوجة ولو في بعض الأيام نوع من أنواع العشرة بالمعروف لاسيما في بدايات الحياة الزوجية التي يهدف الشرع إلى تحقيق كلّ ما يقويها ، خاصة إذا كانت الزوجة تشعر بالوحشة من عدم هذا كما أنه فرصة لتعليمها بصورة تطبيقية جملة من سنن الإفطار وآدابه .
وبناء على ما سبق فإننا نوجه الزوج الكريم إلى الاهتمام بأمر بيته وزوجه ، ورعايتهم وعدم التقصير في حقهم ، وليعلم أن قيامه على شؤون بيته له فيها أجر ، أكثر من قيامه على شؤون من ليسوا من أهل بيته ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة ) رواه النسائي برقم 2528 ، وصححه الألباني وقال صلى الله عليه وسلم : ( ابدأ بمن تعول ) رواه البخاري برقم 1360 ، ومسلم برقم 1034 ، وليس معنى هذا أنه يجب عليه وجوبا شرعيا أن يفطر كل يوم مع زوجته ، لكن لا شك أن من البر بالزوجة وأهل البيت أن يؤنسهم في وحشتهم ، وأن يكون معهم إذا احتاجوه في بعض شؤونهم ، لاسيما أن السائلة تقول إنها متعبة بسبب الحمل ، كما إن من البر بالزوجة وأهل البيت أن يكون هينا لينا معهم ، يسامرهم ، ويقوم عليهم ، وليس من البر ما يقوم به بعض الرجال ، حيث تراهم يسهرون على راحة أصدقائهم ، وبالمقابل لا يبالون بأهل بيتهم وأزواجهم ، نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
السبب في تفضيل الزوج وجعل القوامة بيده
سؤال:
أنا فتاة مسلمة والحمد لله وقرأت كثيرا وسمعت من العلماء عن حق الزوج على زوجته وكم هو عظيم سمعت أحاديث تشدد من عصيان المرأة لزوجها وإني لأمتثل لأمر الله ورسوله إذا تزوجت بإذن الله تعالى ولكن لدى استفسار إن جاز لي السؤال حيث هو استفسار يدور برأس الكثيرات ويخجلن من ذكره خوفا من اتهامهن بالجهل أو إنكار أمر الله ورسوله وهو ما هو فضل الزوج حتى يستحق كل هذا الحق علينا معشر النساء حتى إنه يفوق حق ؟.
الجواب:
الحمد لله
عظم حق الزوج على زوجته أمر قررته الشريعة ، كما في قوله سبحانه : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/228(65/184)
وقوله : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ) النساء/34
وقوله صلى الله عليه وسلم "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه " رواه ابن ماجه (1853) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة .
ومعنى القتب : رحل صغير يوضع على البعير .
إلى غير ذلك من النصوص .
والحكمة بينها الله تعالى بقوله : ( بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) فهذا تفضيل قضاه الله عز وجل وحكم به ، لا يسأل سبحانه عما يفعل وهم يسألون ، ثم لما يقوم به الرجل من الإنفاق على أهله والسعي في طلب رزقهم .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/363) : ( وقوله : " وللرجال عليهن درجة " أي في الفضيلة في الخَلق والخُلق والمنزلة وطاعة الأمر والإنفاق والقيام بالمصالح والفضل في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم " ) . اهـ.
وقال أيضا (1/653) : ( يقول تعالى : "الرجال قوامون على النساء" أي الرجل قيم على المرأة ، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت ، " بما فضل الله بعضهم على بعض" أي لأن الرجال أفضل من النساء ، والرجل خير من المرأة ، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال ، وكذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه ، وكذا منصب القضاء وغير ذلك ، "وبما أنفقوا من أموالهم" أي من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه ، وله الفضل عليها والإفضال ، فناسب أن يكون قيما عليها ، كما قال الله تعالى : " وللرجال عليهن درجة" الآية ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: "الرجال قوامون على النساء" يعني أمراء ، عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله ) اهـ.
وقال البغوي في تفسيره (2/206) : ( بما فضل الله بعضهم على بعض ، يعني : الرجال على النساء بزيادة العقل والدين والولاية ، وقيل : بالشهادة ، لقوله تعالى : " فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان " وقيل : بالجهاد ، وقيل : بالعبادات من الجمعة والجماعة ، وقيل : هو أن الرجل ينكح أربعاً ولا يحل للمرأة إلا زوج واحد ، وقيل : بأن الطلاق بيده ، وقيل : بالميراث ، وقيل : بالدية ، وقيل : بالنبوة ).
وقال البيضاوي في تفسيره (2/184): ( " الرجال قوامون على النساء " يقومون عليهن قيام الولاة على الرعية ، وعلل ذلك بأمرين، وهبي وكسبي فقال : "بما فضل الله بعضهم على بعض" بسبب تفضيله تعالى الرجال على النساء بكمال العقل(65/185)
وحسن التدبير ، ومزيد القوة في الأعمال والطاعات ، ولذلك خصوا بالنبوة والإمامة والولاية وإقامة الشعائر ، والشهادة في مجامع القضايا ، ووجوب الجهاد والجمعة ونحوها ، وزيادة السهم في الميراث وبأن الطلاق بيده . "وبما أنفقوا من أموالهم" في نكاحهن كالمهر والنفقة ) انتهى بتصرف يسير .
والحاصل أن الرجل أعطي القوامة لهذين السببين المذكورين في الآية ، وأحد السببين هبة من الله تعالى ، وهو تفضيل الله الرجال على النساء والآخر يناله الرجل بكسبه ، وهو إنفاقه المال على زوجته .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
طاعة الزوج مقدمة على طاعة الوالدين والإخوة
سؤال:
كم هي أهمية الزوج بالنسبة لزوجته ؟ هل هو أهم من أخواتها ؟ لمن تجب طاعة الزوجة ؟ هل الزوج أهم من والدي الزوجة وأخواتها ؟.
الجواب:
الحمد لله
قد دل القرآن والسنة على أن للزوج حقا مؤكدا على زوجته ، فهي مأمورة بطاعته ، وحسن معاشرته ، وتقديم طاعته على طاعة أبويها وإخوانها ، بل هو جنتها ونارها ، ومن ذلك: قوله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم ) النساء/34
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه " رواه البخاري (4899)
قال الألباني رحمه الله معلقا على هذا الحديث : ( فإذا وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها ، فبالأولى أن يجب عليها طاعته فيما هو أهم من ذلك مما فيه تربية أولادهما ، وصلاح أسرتهما ، ونحو ذلك من الحقوق والواجبات ) انتهى من آداب الزفاف ص 282
وروى ابن حبان عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا صلت المرأة خمسها و صامت شهرها و حصنت فرجها و أطاعت زوجها قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت " وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 660
وروى ابن ماجة (1853) عن عبد الله بن أبي أوفى قال : لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم قال ما هذا يا معاذ قال أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تفعلوا فإني لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه " والحديث صححه الألباني في صحيح ابن ماجة .
ومعنى القتب : رحل صغير يوضع على البعير .(65/186)
وروى أحمد (19025) والحاكم عن الحصين بن محصن : أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أذات زوج أنت ؟ قالت نعم قال : كيف أنت له ؟ قالت ما آلوه ( أي لا أقصّر في حقه ) إلا ما عجزت عنه . قال : " فانظري أين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك " أي هو سبب دخولك الجنّة إن قمت بحقّه ، وسبب دخولك النار عن قصّرت في ذلك .
والحديث جود إسناده المنذري في الترغيب والترهيب وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم 1933
إذا تعارضت طاعة الزوج مع طاعة الأبوين ، قدمت طاعة الزوج ، قال الإمام أحمد رحمه الله في امرأة لها زوج وأم مريضة : طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها . شرح منتهى الإرادات 3/47
وفي الإنصاف (8/362) : ( لا يلزمها طاعة أبويها في فراق زوجها , ولا زيارةٍ ونحوها . بل طاعة زوجها أحق ).
وقد ورد في ذلك حديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ما رواه الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أعظم حقا على المرأة ؟ قال : زوجها . قلت : فأي الناس أعظم حقا على الرجل ؟ قال : أمه .
غير أنه حديث ضعيف ضعفه الألباني في " ضعيف الترغيب والترهيب" (1212) وأنكر على المنذري تحسينه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكلام أثناء الجماع لإثارة الشهوة
سؤال:
هل يجوز التلفظ بكلام خارج ( كلام غير مباح ) أثناء الجماع لإثارة الشهوة عند الزوجة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
يجوز للزوج والزوجة أن يتلفظا بما يشاءان مما يثير الشهوة عند الجماع ، ولا يشترط أن يكون ذلك مما ورد في السنَّة ، لكن لا يجوز أن يكون الكلام من المحرمات الشرعية كأن يكون كذباً أو قذفاً ، فذِكر الأعضاء الجنسية بألفاظها العرفية ، أو غيرها مما يثير الشهوة بقول أو فعل فالأصل فيه الإباحة .
وذهب بعض أهل العلم إلى كراهية هذا ، ورأوه منافياً لمكارم الأخلاق ، والصحيح أنه جائز ، وأننا لو قلنا بالكراهية فإنها تزول بأدنى حاجة ، والحاجة متوفرة هنا .
وإذا كان يجوز للزوج لمس فرج زوجته والنظر إليه والاستمتاع به ، فإن يجوز من باب أولى أن يسميه باسمه استثارة لزوجته ، والعكس – كذلك -
وانظر جواب السؤال رقم : ( 13621 ) .(65/187)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
زوجها لا يعطيها إلا النفقة ويعيش بعيداً عنها فهل تطلب الطلاق ؟
سؤال:
طلقتُ مرتين ، الأولى : بسبب طلبي من زوجي أن يجعل لي ولأبنائي ولو يوماً في الشهر يجلس بيننا بعيداً عن رغباته ورغبات أهله ، والثانية : بسبب حبه لأخرى وإهانته لي أمام أبنائي وتفضيله لها علي وعدم مراعاة شعوري وشعور أبنائي وهو يبثها حبه وغرامه عبر الهاتف على مرأى ومسمع مني دون زواج ، والآن سافر وتركني وحدي مع أبنائنا ولا يربطنا به سوى المصروف الذي يرسله عن طريق أهله .
هل لو طلقت سيعوضني الله خيراً وسيغنيني من فضله وسيعوضني عما رأيته من ظلم مع هذا القاسي أم سيكون عدم رضا بقضاء الله ؟ وهل من حقي أن يكون لي زوج أعيش معه في مودة ورحمة وسكن أم أرضى وأعيش عيشة الذل أنا وأبنائي من أجل المصروف الشهري الذي يرسله كل شهر عن طريق أهله زيادة في إهانتي وذلي ؟ وهل أعتبر صابرة أم ضعيفة ومنكسرة لأنني رضيت بهذه الحياة طوال 11 عاما خوفا من كلمة الطلاق ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
أباح الله التعدد للرجل ، ونهاه عن الظلم ، فإن رغب الزوج في التعدد فإما أن يمسك الأولى بمعروف أو يسرحها بإحسان ، ولا يحل له أن يبقيها في عصمته مع هجره لها ، وعدم إعطائها حقوقها ، ولا يحل له أن يفرِّط في رعاية وتربية أبنائه ، فلم يشرع التعدد لهدم البيوت بل لبنائها وتكثيرها .
وهذا الهجر والتفريط حرام عليه إذا كان مقترناً بأخرى وفق الشرع ، فكيف يكون الحكم لو كان هجره وتفريطه بسببٍ غير شرعي كالعلاقات المحرمة ، والسهرات الفاسدة ؟ .
ثانياً :
وللزوجة أن تطلب الطلاق من زوجها إذا لم يمكنها الصبر على سوء خلقه ، وليس هذا من عدم الرضا بقدر الله تعالى ، بل في بعض الأحيان قد يحرم البقاء مع زوج يرتكب الكبائر ولا يُؤمن جانبه على أولاده ، وبما أن الطلاق مشروع ، بل قد يجب أن تطلبه أحياناً ، فلا وجه للظن بأن هذا يخالف الإيمان بالقدر ؛ لأن الله تعالى يقدر الزواج ويقدر الطلاق .
ومن حق الزوجة أن تعيش مع زوجٍ يعاشرها بالمعروف ، وأن تحظى بزوج تسكن إليه ويكون لباساً لها ، ويكون بينها وبينه مودة ورحمة ، وهو ما لأجله شُرع الزواج ، وإن أي فقدٍ لشيء مما ذكرنا فهو مخالف للحكمة التي من أجلها شرع الزواج .(65/188)
ومن هنا كان الواجب على الزوج أن يختار صاحبة الدِّين ، وعلى الأولياء أن يزوجوا مولياتهم من أهل الدِّين والخلق ؛ لأن البيت المسلم إذا قام على شرع الله تعالى فإنه لا يُرى فيه ظلم وتعد ، فإن كرهت زوجها لسبب شرعي طلبت الطلاق أو خالعته ، وإن كرهها طلقها وأعطاها حقوقها كاملة ، فإما أن يمسك بمعروف أو يسرِّح بإحسان .
وإذا حصل الطلاق فقد يقدِّر الله تعالى لها زوجاً صالحاً ، كما قال تعالى : { وَإِنْ يَتَفرَّقا يُغْنِ الله كلاًّ مِن سَعَتِه } .
ثالثاً :
ومن النساء من تصبر على زوجها لاحتمال أن يصلح الله حاله ، أو من أجل أن يبقى على اتصال بأولاده رعاية وتربية وإنفاقاً ، فإن طالت المدة ولم يُصلَح حاله ، أو أنه أساء كثيراً لزوجته وأولاده ، وعندها ما يكفيها للنفقة على نفسها وأولادها : فلا وجه لبقائها في عصمته ، بل تخلصها منه هو الصواب لتعيش حياة أكرم وأفضل ، ولتربِّي أبناءها على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وعليكِ أن تحاسبي نفسك ، وأن تتوبي إلى الله سبحانه مما قد صدر منكِ من سيئات أو أخطاء في حق الله ، أو في حق زوجك ، أو في حق غيره ، فلعله إن يكون ما حصل معك عقوبة لمعاصٍ اقترفتِها فالله تعالى يقول : { وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبةٍ فَبِمَا كَسَبت أَيْديكُم وَيعْفو عَنْ كَثِيرٍ } .
وتأملي في وضعك جيداً وفي حقيقة إمكان أن يتيسر لك زوج بعده أو تعيشي حياة هادئة بدونه ، واستشيري ممن حولك ممن هو ألصق بك ، وأنصح لك فإن وافقوك على الطلاق والحال على ما ذكرتِ في سؤالك فاستخيري الله تعالى فإن اطمأنت نفسك للطلاق فأقدمي وأسألي الله أن يغنيك من سعته نسأل الله أن يصلح حالك وأن يفرج همك وأن يصلح بينكما إن كان في ذلك خير لكما .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
من صور الاستمتاع المستقذرة
سؤال:
هل يجوز للزوج أن يدخل إصبعه في دبر زوجته ويحركه كأنه نكاح. سؤالي جاء من باب أن زوجي سأل إمام المسجد وأجاز له فعل ذلك. ولذلك أنا أسال أهل العلم من باب التأكد.
الجواب:
الحمد لله
يباح للرجل أن يستمتع بزوجته كيفما شاء ، إذا اتقى الوطء في الحيض ، والوطء في الدبر ، لما روى مسلم (302) عن أنس : أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض . . . إلى آخر الآية) ، فقال رسول الله صلى الله عليه(65/189)
وسلم : ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) فبلغ ذلك اليهود فقالوا : ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه .
وروى الترمذي (135) وأبو داود (3904) وابن ماجة (639) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وروى أحمد (9731) وأبو داود (2162) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ملعون من أتى امرأته في دبرها" والحديث حسنه شعيب الأرناؤوط في تحقيق المسند والألباني في صحيح أبي داود .
وأما وضع الإصبع في الدبر فأقل أحواله الكراهة ، لما فيه من مباشرة النجاسة والقذارة ، ولما قد يفضي إليه من الوقوع في الحرام البين الذي هو الوطء في الدبر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ) . رواه البخاري (52) ومسلم (1599).
ومما يؤكد ما سبق من الكراهة ، أن العلماء عللوا حرمة الوطء في الدبر بوجود الأذى ، قال ابن قدامة رحمه الله : ( لأن السنة إنما وردت بتحريم الدبر , فهو مخصوص بذلك , ولأنه حرم لأجل الأذى , وذلك مخصوص بالدبر) المغني 7/226
وإدخال الإصبع في الدبر تتحقق معه هذه العلة ولا شك .
وفيما أحل الله تعالى مما ليس فيه شبهة غنية وكفاية .
راجع السؤال رقم ( 40520 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل يجوز العزل أو استخدام الواقي؟
سؤال:
في الليلة الأولى بعد الزفاف ، هل يجوز للشخص أن يستخدم موانع الحمل ( مثل الواقي ) ، أم أن ذلك لا يجوز؟ أطرح سؤالي هذا لأنه من الممكن ( بإرادة الله ) أن تحمل الزوجة ، لكننا قد نختار عدم الإنجاب في فترة مبكرة جداً من زواجنا . أرجو التوضيح .
الجواب:
الحمد لله
يجوز العزل إذا لم يرد الولد ، ويجوز له كذلك استخدام الواقي ، ولكن بشرط أن تأذن الزوجة بذلك ، لأن لها الحق في الاستمتاع وفي الولد ، ودليل ذلك حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال : كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا . رواه البخاري ( 250 ) ومسلم (160 ).(65/190)
ومع جواز ذلك فإنه مكروه كراهة شديدة فقد روى مسلم (1442) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئل عَنْ الْعَزْلِ ، فَقَالَ : (ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ) . وهذا يدل على كراهته جداًّ .
قال النووي :
" الْعَزْل هُوَ أَنْ يُجَامِع فَإِذَا قَارَبَ الإِنْزَال نَزَعَ وَأَنْزَلَ خَارِج الْفَرْج ، وَهُوَ مَكْرُوه عِنْدنَا فِي كُلّ حَال ، وَكُلّ اِمْرَأَة ، سَوَاء رَضِيَتْ أَمْ لا لأَنَّهُ طَرِيق إِلَى قَطْع النَّسْل , وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيث تَسْمِيَته ( الْوَأْد الْخَفِيّ ) لأَنَّهُ قَطْع طَرِيق الْوِلادَة كَمَا يُقْتَل الْمَوْلُود بِالْوَأْدِ . وَأَمَّا التَّحْرِيم فَقَالَ أَصْحَابنَا : لا يَحْرُم . . .
ثُمَّ هَذِهِ الأَحَادِيث مَعَ غَيْرهَا يُجْمَع بَيْنهَا بِأَنَّ مَا وَرَدَ فِي النَّهْي مَحْمُول عَلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه ، وَمَا وَرَدَ فِي الإِذْن فِي ذَلِكَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْي الْكَرَاهَة" اهـ باختصار .
فالأولى بالمسلم أن لا يفعل ذلك إلا إذا احتاج إليه كما لو كانت المرأة مريضة لا تتحمل الحمل أو يشق عليها أو يضرها تتابع الحمل ، ولأن في العزل تفويتاً لبعض مقاصد النكاح وهو تكثير النسل والولد ، وفيه تفويت لكمال لذة المرأة .
راجع إجابة السؤال ( 3767 ) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
إيلاج الاصبع في الدبر
سؤال:
هل يجوز للرجل مداعبة زوجته في دبرها بأصابعه ؟.
الجواب:
الحمد لله
يجوز لكل من الزوجين أن يستمتع بجميع بدن الآخر، وأن ينظر إليه ويمسه حتى الفرج ، قال الله تعالى : ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) البقرة /187 .
وأما مداعبة الزوج لزوجته فهو واحد من أمرين :
إما أن يكون ذلك عن طريق ملامسة حلقة الدبر ، وإما أن يكون عن طريق إيلاج الإصبع في الاست .
فأما عن الملامسة لحلقة الدبر بالإصبع فلا حرج في ذلك ، ولكن البعد عن ذلك أولى لعدم الانسياق لما وراءه .
وأما عن إيلاج الإصبع في الدبر فيمنع ، وذلك لأمور :
1- الدبر هو محل النجاسة المغلظة .
2- من علل منع الوطء في الدبر ملاقاة العضو للنجاسة المغلظة ، وكذلك إدخال الاصبع فيه ملامسة لعين النجاسة المغلظة بغير حاجة .
3- إن هذا الفعل مما تأنف منه الفطر السليمة والأذواق المستقيمة ، وإنما هو تقليد أعمى لمن انتكست فطرهم ، وتبلدت أذواقهم ، وجعلوا كل همهم إشباع شهوتهم(65/191)
الحيوانية غير مراعين أدباً ولا خلقاً ولا طهارة . فأراهم هواهم حسناً ما ليس بالحسن .
4- إن استمرار ذلك الفعل والمداومة عليه قد يجر الفاعل إلى ما هو أشنع وهو الوطء في الدبر، وتلك عادة من يتبع هواه في كل ما يزينه له فإنه يتدرج لإيقاعه في الأمور العظام بتزيين ما هو أخف ، ثم الانتقال به شيئاً فشيئاً حتى يوبقه ويقع في اللوطية الصغرى ( وطء المرأة في دبرها ) ، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك مثلاً جلياً جليلاً فقال : " إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ، ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " مسلم (4094)
5- إن فيما شرع الله تعالى من الاتصال بين الزوجين غنى عن غيره ، ولم ينه الله تعالى عن شيء إلا وفيه ضرر .
وليعلم السائل أنه من تمام حكمة الله تعالى أنه إذا حرَّم شيئا ( الوطء في الدبر ) حرَّم الأسباب المفضية إليه لما يؤدي إليه الوقوع في أسباب ومقدمات المحرَّم من تمكُّن تعلُّق القلب به بصورة تجعل الإنسان يعيش صراعا نفسيا قويا بين الوقوع في المنكر أو عذاب النفس بالوقوف في وسط الطريق فلا هو بالتارك للمحرم السليم القلب بالبعد عنه ، ولا هو بالواقع فيه المحقق لرغبة النفس الأمَّارة بالسوء ، والغالب في حال مثل هذا أن يقع فيما ظنَّ أنه لن يقع فيه من الكبائر المهلكة للإنسان المفسدة عليه أمر دينه ودنياه المنغِّصة عليه حياته الماحقة للبركة في ماله وولده جزاءً وفاقاً لبعده عن ربه وانتهاكه لحرماته واستهانته بمقام نظره إليه واطِّلاعه على حاله ، والعاقل من الناس هو من لا يتساهل في أمور تؤدي به إلى كوارث حقيقية في دينه الذي هو رأس ماله قبل دنياه .
فعلى المسلم أن يدرك حقائق الأمور وما تؤدِّي إليه ، وألا ينساق وراء تزيين الشيطان له وتهوين المنكرات أمام عينيه ليجرَّه ليكون من حزبه الخاسرين ، وعليه أن يتقي الله ربَّه في السر والعلن وأن يعلم بأن الله سبحانه يراه ويعلم نواياه وأفعاله . كما قال تعالى : ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) غافر / 19 ، وليعلم أن ما عند الله خير وأبقى وأن الآخرة وما فيها من نعيم خير له من الأولى وأن عاقبة الصبر عن المنكر جنة عرضها السماوات والأرض فيها ما تشتهييه الأنفس من المُتع التامَّة الخالية عن المنغِّصات .
انظر سؤال رقم ( 36722 ) .
والله تعالى اعلم وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
أخذها أهلها بدون إذن زوجها
سؤال:(65/192)
لدي أخ متزوج من عدة سنوات وله من الأولاد ابن وبنت وكثيرا مت تحصب خلافات بينه وبين زوجته ثم يصطلحان وكان آخر ذلك أن بدأت زوجته بسب والدي الزوج ثم تطاولت ومدت يدها على زوجها ، ثم أخبرت أهلها فجاءوا وأخذوها بدون إذن زوجها ، وعائلتها فيهم من الفسق وقلة الدين ما الله به عليم ، وقد قمنا بمناصحتهم أكثر من مرة دون جدوى .
فأرجو مساعدتنا وإرشادنا إلى من نذهب من الجهات المختصة والشرعية حتى ننهي هذه القضية ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
خروج المرأة من بيت زوجها بدون إذنه لا يحل ، بل عده جماعة من أهل العلم من النشوز ، ومن الخروج عن طاعة الزوج ، ما لم تكن في ذلك معذورة ، كأن يؤذيها زوجها إيذاء لا يمكنها دفعه أو نحو ذلك .
ثم إن منع المرأة نفسها من زوجها يسقط عنه وجوب النفقة عليها لنشوزها كما نص على ذلك الفقهاء . انظر : "المغني" (8/182) .
ثانياً :
الذي ينبغي على أخيك أن يتصرف بحكمة لإرجاع زوجته إلى بيتها ، فيعظها بالله تعالى ، ويذكرها به ، وكذلك يفعل مع أهلها ، فإن لم يتمكن من فعل ذلك بنفسه فليستعن بالأقارب من أهل العلم والخبرة والحكمة ليتدخلوا في الموضوع لحله .
وعليه أن يتأنى ولا يتعجل في اتخاذ القرار ، فإن ( التأني من الله ، والعجلة من الشيطان ) كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1795) .
وربما اتخذ الرجل قرارا في ساعة غضب ثم ندم عليه ولكن بعد فوات الأوان حين لا ينفع الندم .
وعليه أن يتحلى بالصبر ويتحمل زوجته ويحاول إنهاء ما بينه وبينها من منازعات دامت سنوات طويلة ، وليبدأ معها حياة جديدة مع نسيان الماضي بنزاعاته .
ثالثاً :
لا يوجد إنسان كامل ، فلنقبل الحسنات ، ولنتجاوز عن السيئات ، ونحاول إصلاحها بحكمة وهدوء وعقل . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يَفْرَكْ –أي لا يبغض- مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ) .
قال النووي :
"أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لا يُبْغِضهَا , لأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَه وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا بِأَنْ تَكُون شَرِسَة الْخُلُق لَكِنَّهَا دَيِّنَة أَوْ جَمِيلَة أَوْ عَفِيفَة أَوْ رَفِيقَة بِهِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ " اهـ .
وهكذا الناس كلهم فيهم الحسنات والسيئات ، والعاقل هو الذي يوازن بين الحسنات والسيئات ، فلنقبل الحسنات ولنتجاوز عن السيئات من محاولة إصلاحها .
رابعاً :(65/193)
إن فعل الزوج كل ذلك ولم ينصلح حال المرأة فيمكنه اللجوء إلى المحاكم الشرعية لحل هذا النزاع .
والله تعالى المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
يريد أن يقدم هدية لزوجته في موعد زواجه من كل سنة
سؤال:
هل يجوز لي أن أقدم لزوجتي هدية وذلك في نفس موعد زواجي من كل سنة ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا أراد الزوج أن يقدّم هدية لزوجته ، فإنه يقدمها في أي وقت أو عند وجود مناسبة أو سبب يقتضي ذلك، ولا ينبغي أن يتحرى موعد زواجه من كل سنة ويقدم فيه هدية ، فإن ذلك من اتخاذ هذا اليوم عيداً ، وليس هناك أعياد سنوية للمسلم إلا عيد الفطر وعيد الأضحى ، وقد مرت هذه المناسبة (موعد الزواج) على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها ولم ينقل عنهم أنهم كانوا يتحرون إعطاء الهدايا لزوجاتهم في هذا اليوم ، والخير كل الخير في اتباعهم .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هل يجوز للزوج أن يهدي زوجته هدية في ذكرى يوم زواجهما في كل سنة تجديداً للمودة والمحبة يبنهما ، علماً أن الذكرى ستقتصر فقط على الهدية ولن يقيم الزوجان احتفالاً بهذه المناسبة ؟
فقال :
" الذي أرى سدّ هذا الباب لأنها ستكون هذا العام هدية وفي العام الثاني قد يكون احتفالاً ، ثم إن مجرّد اعتياد هذه المناسبة بهذه الهدية يعتبر عيداً لأن العيد كل ما يتكرر ويعود، والمودة لا ينبغي أن تجدد كل عام بل ينبغي أن تكون متجددة كل وقت كلّما رأت المرأة من زوجها ما يسرها ، وكلما رأى الرجل من زوجته ما يسره فإنها سوف تتجدد المودة والمحبة . أ.هـ
فتاوى العلماء في عشرة النساء ص 162 .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
وجوب العدل بين الزوجات في العطية
سؤال:
لي زوجتان ، وأريد أن اشتري ذهباً لإحداهما على سبيل الهدية . فهل يجوز لي ذلك ؟ أم يكون هذا من عدم العدل بين الزوجات . مع العلم أنني غير مقصر في حقوق الزوجة الأخرى .
الجواب:
الحمد لله(65/194)
"من كان له زوجتان فأكثر فإنه يجب عليه أن يعدل بينهن ، ولا يحل له أن يخص إحدى زوجاته بشيء دون الأخرى من النفقة والسكنى والمبيت ، وقد جاء الوعيد الشديد فيمن كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط ) . وفي رواية : ( يجر أحد شقيه ساقطاً أو مائلاً) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (2/295 ، 347 ، 471) وأخرج النسائي وابن ماجة في سننهما نحوه .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) أخرجه أبو داود في سننه (2/601) ، وأخرج الترمذي في "الجامع" نحوه .
وفي هذه الأدلة دليل على توكيد وجوب العدل بين الضرائر ، وأنه يحرم ميل الزوج لإحداهن ميلاً يكون معه بخس لحق الأخرى دون ميل القلوب ، فإن ميل القلب لا يملك ؛ ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي في القَسْم بين نسائه ويقول : ( اللهم هذا قَسْمي فيما أملك ، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك ) (يعني المحبة القلبية) .
وعلى ذلك لا يحل لهذا الزوج أن يخص زوجته بشيء مما يملكه دون الأخرى ، فإذا وهب لإحدى زوجاته داراً ونحوها وجب عليه أن يسوي بين زوجاته في ذلك ، فيعطي كل واحدة مثل ذلك أو قيمته ، إلا أن تسمح الزوجة الثانية في ذلك" اهـ .
فتاوى اللجنة الدائمة (16/189) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل تنادي الزوجة زوجها باسمه
سؤال:
هل يمكن أن تخبرني إذا كان يجوز للزوجة أن تنادي زوجها باسمه ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا حرج على المرأة في منادتها لزوجها باسمه ؛ إذ لا دليل يمنع من ذلك ، لكن أعراف الناس وعاداتهم معتبرة في هذا الباب . فإن تعارف الناس في بلدة على مخاطبة المرأة لزوجها بكنيته مثلا ، ورأوا أن مناداته باسمه من سوء الأدب ، أو كان الزوج لا يحب أن ينادى باسمه ، فعلى المرأة مراعاة ذلك ؛ لأنها مطالبة بإحسان العشرة لزوجها ، وليس من حسن العشرة أن تخاطبه بما يكره ، أو بما يعده الناس تنقصا .
وينبغي لكل من الزوجين أن يخاطب أحدهما الآخر بأحب الأسماء إليه ، لما في ذلك من تحقيق المحبة والمودة.
وقال المناوي في "فيض القدير" :
" آداب الصحبة ، فمنها :
كتمان السرّ ، وستر العيوب ، والسكوت عن تبليغ ما يسوءه من مذمة الناس إياه ، وإبلاغ ما يسره من ثناء الناس عليه ، وحسن الإصغاء عند الحديث ، وترك المراء(65/195)
فيه ، وأن يدعوه بأحب أسمائه إليه ، وأن يثني عليه بما يعرف من محاسنه ، ويشكره على صنيعه في حقه ، ويذب عنه في غيبته ، وينهض معه في حوائجه من غير إحواج إلى التماس ، وينصحه باللطف والتعريض - إن احتيج إلى ذلك- ويعفو عن زلته وهفوته ، ولا يعيبه ، ويدعو له في الخلوة في حياته ومماته ، ويظهر الفرح بما يسرّه ، والحزن بما يضره ، ويبدأه بالسلام عند إقباله ، ويوسع له في المجلس ، ويخرج له من مكانه ، ويشيعه عند قيامه ، ويصمت عند كلامه حتى يفرغ من خطابه ، وبالجملة يعامله بما يحب أن يعامل به" اهـ . باختصار .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
تشتكي من تعلق زوجها الداعية بهيئة الأمر بالمعروف
سؤال:
أنا فتاة متزوجة من شاب ملتزم ومرتاحة معه ولله الحمد ، وهو متعاون مع رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأنا أعرف أن تعاونه معهم يعد شرفاً لي ، ويعلم الله أني أفرح إذا تمكن من تغيير بعض المنكرات .
ولكن مشكلتي معه أنه متعلق بهم تعلقاً خياليّاً ، مثلاً إذا كنا طالعين نتمشى ورأى شيئاً منكراً يتبعه إلى أن يتصل برجال الهيئة ويحضروا ، وإذا ناقشته في الأمر ظن أنني لا أريد القضاء على المنكرات !! ويعلم الله أن هذه ليست رغبتي ولكن أريد أن يكون بقدر ، وأيضاً : ما يزعجني في هذه القضية أنه يتكلم مع النساء وبكثرة , ويجن جنوني وتثار غيرتي إذا قال : هذه لابسة كذا أو هذه شكلها كذا .
دلوني ماذا أعمل ، وجزاكم الله خيراً .
الجواب:
الحمد لله
نهنئك أولاً على هذه النفسية العالية والأخلاق النبيلة في فرحك بعمل زوجك ، وهو عمل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله .
ونوصيك بالوقوف إلى جانب زوجكِ وتشجيعه على هذا العمل ، وعدم الشك فيه والتضجر من فعله واهتمامه به .
وأما بالنسبة لما يقوله لك من قضايا النساء فإنه كما هو ظاهر يخبرك به لثقته بك ، ويخبرك به لا ليغيظك ، ولا ليبين لك إعجابه بهن ، ولكنه قد يخبرك بذلك من باب الإخبار بعض المنكرات التي يفعلها الناس لتكوني منها على حذر ، أو من باب التنفيس عن نفسه ، فبعض الناس إذا رأى المنكرات يكاد قلبه يحترق ، فيحتاج إلى من يتحدث معه لينفس عن نفسه . فينبغي أن تنتبهي لهذا ولا يدخل الشيطان عليك من هذا الباب .
ولا مانع من نصيحته فيما يقصر فيه معكم ، على أن يكون ذلك بالتي هي أحسن ودون أن يكون ذلك بالتشكيك في نزاهته وأخلاقه .(65/196)
والنصيحة للزوج أن يعطي أهله حقهم ، ومعاشرتهم بالمعروف ، وعليه بمراعاة مشاعرهم . فلا يصف النساء أمام زوجته . فكما أن الرجل لا يرضى من زوجته أن تصف له الرجال ، فكذلك المرأة لا ترضى أن يصف لها زوجها النساء .
وعليه أن يجتنب كثرة الكلام مع النساء ، وليقتصر على ما يحتاج إليه فقط في تغيير المنكر أو التنبيه عليه ونحو ذلك ، فإن التوسع في ذلك والتساهل فيه قد يجر إلى ما لا تحمد عقباه ، وليجتهد في غض البصر ، فإن النظرة سهم من سهام إبليس .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
معاملة الزوجة الكتابية
سؤال:
الآية في سورة المائدة التي تحرم اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ، هل تعني عدم اتخاذهم أصدقاء أو حماية لنا؟ لأن البعض يقول : إن الآية تعني فقط مساعدين ولكن في الترجمة الإنجليزية تعني أصدقاء وإذا لم تكن تعني أصدقاء فكيف نحب الزوجة غير المسلمة ونعاملها حسب الشريعة الإسلامية ؟ .
الجواب:
الحمد لله
التعامل مع اليهود والنصارى وسائر الكفار له ضوابط وحدود حددتها الشريعة الإسلامية ، ومن تلك الضوابط ما يلي :
أولا : أنه يجوز الحديث مع الكافر والتحدث إليه في الأمور المباحة .
ثانيا : لا يجوز اتخاذ الكافرين أولياء ، واتخاذهم أولياء له العديد من الصور والأشكال ، فمنها مخالطتهم مع الأنس بهم أو السكن معهم واتخاذهم أصدقاء وخلان ، أو محبتهم ، أو تقديمهم على المؤمنين أو مودتهم ونحو ذلك ، وقد قال الله تعالى : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) المجادلة /22 .
ثالثا : يجوز التعامل مع الكفار بالبيع والشراء والقرض ونحو ذلك ، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية سلاحاً، وصح أنه اشترى من اليهود طعاماً .
أما معاملة الزوجة الكتابية ، فإن الله تعالى قال في كتابه : ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الممتحنة /8 . فالعدل مع الزوجة الكتابية والإحسان إليها جائز ، ولا حرج في ذلك ، ولا يدخل ذلك في موالاتها .
قال الكاساني في "بدائع الصنائع" (2/270) :
"لا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَنْكِحَ الْمُشْرِكَةَ ; لقوله تعالى : ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) , وَيَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَ الْكِتَابِيَّةَ ; لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) . وَالْفَرْقُ أَنَّ الأَصْلَ أَنْ لا يَجُوزَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَنْكِحَ الْكَافِرَةَ ; لأَنَّ(65/197)
ازْدِوَاجَ الْكَافِرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ مَعَهَا مَعَ قِيَامِ الْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ لا يَحْصُلُ السَّكَنُ وَالْمَوَدَّةُ الَّذِي هُوَ قِوَامُ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ إلا أَنَّهُ جَوَّزَ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ ; لِرَجَاءِ إسْلامِهَا ; لأَنَّهَا آمَنَتْ بِكُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ فِي الْجُمْلَةِ , وَإِنَّمَا لم تؤمن على سبيل التفصيل إيماناً صحيحاً بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا أُخْبِرَتْ عَنْ الأَمْرِ عَلَى خِلَافِ حَقِيقَتِهِ , فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مَتَى نُبِّهَتْ عَلَى حَقِيقَةِ الأَمْرِ تَنَبَّهَتْ , هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الَّتِي بُنِيَ أَمْرُهَا عَلَى الدَّلِيلِ دُونَ الْهَوَى وَالطَّبْعِ , وَالزَّوْجُ يَدْعُوهَا إلَى الإِسْلامِ وَيُنَبِّهُهَا عَلَى حَقِيقَةِ الأَمْرِ فَكَانَ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِ إيَّاهَا رَجَاءُ إسْلامِهَا فَجَوَّزَ نِكَاحَهَا لِهَذِهِ الْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ بِخِلافِ الْمُشْرِكَةِ , فَإِنَّهَا فِي اخْتِيَارِهَا الشِّرْكَ بالله ، وعدم إيمانها بالأنبياء والرسل ما يدل على أنها أَنَّهَا لا تَنْظُرُ فِي الْحُجَّةِ والدليل وَلا تَلْتَفِتُ إلَيْهَا عِنْدَ الدَّعْوَةِ ، وإنما تبقى على تقليد الآباء ، واتباع الهوى ، فَيَبْقَى ازْدِوَاجِ الْكَافِرِ مَعَ قِيَامِ الْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ الْمَانِعَةِ عَنْ السَّكَنِ وَالْمَوَدَّةِ خَالِيًا عَنْ الْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ فَلَمْ يَجُزْ
نْكَاحُهَا اهـ بتصرف .
وقال في "حاشية العدوي" (1/273) :
"قَوْلُهُ : (وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُك) أَيْ : نَطْرَحُ مَوَدَّةَ الْعَابِدِ لِغَيْرِك ، وَلا نُحِبُّ دِينَهُ وَلا نَمِيلُ إلَيْهِ . وَلا يُعْتَرَضُ هَذَا بِإِبَاحَةِ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ لأَنَّ فِي تَزَوُّجِهَا مَيْلًا لَهَا لأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ بَابِ الْمُعَامَلَةِ وَالْمُرَادُ هُوَ بُغْضُ الدِّينِ اهـ .
وللمزيد من الفائدة يمكنك الاطلاع على أرقام الأسئلة التالية : ( 34559 ، 11793 ، 10342 ، 26721 ، 23325 ) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
مريضة وزوجها يضغط عليها للذهاب للعمل
سؤال:
لدي مشكلة وأود أن أعرف هل أطيع زوجي أم لا .
أنا مسلمة أعمل وكنت مريضة لمدة أسبوعين وذهبت للطبيب وأعطاني دواء وخطاب راحة من العمل ، طلب مني زوجي أن أذهب للعمل حتى مع أنني لا زلت مريضة .
هذا يسبِّب مشكلة بالنسبة لي ويحصل في كل مرة أمرض فيها ، زوجي يظن بأنني أدَّعي المرض وأمثِّل ، ويظن بأنني لا أريد العمل ، أنا أحب عملي ولا أمثِّل ، فكيف أقنع زوجي بأنني مريضة ولست أقوم بالتمثيل ، فهو لا يصدقني ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
ينبغي التنبيه على أن عمل المرأة قد يكون محرَّماً ؛ كأن يكون فيه اختلاط بالرجال ، أو بيع وصناعة ما هو محرَّم ، أو في قطاع البنوك وما شابهها .
فإن كان الأمر على ما ذكرنا فيجب على المرأة أن تمتنع عن مثل هذه الأعمال ، وأن تبحث عن عملٍ مباح ، ويجب على الزوج أن ينفق عليها بالمعروف على حسب الوسع والطاقة . راجع السؤال رقم (33710) .(65/198)
ثانياً :
فإن كان عملها جائزاً ، وأصابها مرض ، وكان ذهابها إلى العمل مما يشق عليها ، أو يتأخر به الشفاء ، أو يزيد به المرض فالواجب على الزوج مراعاة ذلك . ولا يحل له أن يطالب زوجته بما فيه ضرر عليها .
ويجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف ، قال الله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء /19 . وليس من المعروف مطالبته لها بالذهاب إلى العمل وهي مريضة .
وقد وصّى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجال من أمته بالنسا فقال : ( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ) رواه البخاري (3331) ، ومسلم (1468) .
ومعنى الحديث : اِقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ وَاعْمَلُوا بِهَا وَارْفُقُوا بِهِنَّ وَأَحْسِنُوا عِشْرَتهنَّ .اهـ من فتح الباري .
وينبغي للزوج أن لا يشكك في مصداقية زوجته ، ولتكن حياته معها قائمة على الثقة والصدق دون الريبة والشك .
وإذا لم يقنع الزوج بالتقارير الطبية التي تثبت مرض زوجته ، ولم يقنع بما يراه من آثار للمرض عليها : فلن يقنع بشيء ، فعلى الزوجة أن تتلطف معه ، وتعامله بالحسنى فلعل الله تعالى أن يهديه لما فيه خير أسرته .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
امتناع الزوج عن إخبار زوجته بأملاك
سؤال:
هل يحق للزوج أن يخفي ممتلكاته وتفاصيل حساباته البنكية عن زوجته ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يلزم الرجل إخبار زوجته بما يملكه من حسابات وأرصدة بنكية ، كما لا يلزمها أن تخبره بما تملكه من مالها الخاص .
لكن ما بين الرجل وامرأته من المودة والمحبة والصلة يقضي بحصول التساهل في هذا الأمر ، وإطلاع كل منهما الآخر على ما عنده ، والتعاون في تدبير المال وإنفاقه فيما يرضي الله .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
دخل بها زوجها فوجدها ليست بكراً وهي لم تفعل الفاحشة قط
سؤال:
أنا امرأة مسلمة ، أخاف الله في كل أفعالي ، تزوجت - والحمد لله - من رجل مثالي في كل شيء ، المعاملة الطيبة المتبادلة ، كانت علاقتنا جيدة في كل شيء: الحب ، الاحترام ، الوئام ، حب عائلتينا ، ولكن تأتي الرياح بما لا تحب السفن ، هذه الأيام(65/199)
اكتشفنا أنا وزوجي أني لست عذراء ، ولكني متأكدة بأني بريئة لأنه لم يمسني أحد قبله .
الجواب:
الحمد لله
إذا كان زوجكِ عاقلاً متديِّنا ، وكانت ثقته بك عالية : فإن الواجب عليه تصديقكِ في قولك بأنكِ طاهرة من كل ما يسيء لكِ ، ولاسيما وأن ما حصل من زوال البكارة قد يكون لأسباب متعددة وليس بالضرورة أن يكون بسبب فعل فاحشة الزنا .
وهذا إذا سلمنا بما اكتشفتماه من كونك لست عذراء ، فقد يحصل بينكما جماع ولا يحصل فض للبكارة ، ولا يكون نزيف ؛ وذلك بسبب طبيعة الغشاء فإن منه ما يكون مطاطياً لا يتمزق بالجماع ويحتاج إلى تدخل طبيب كما هو معروف عند علماء هذا المجال .
وغشاء البكارة مجرد علامة مادية لا ترقى إلى مستوى القرينة على عذرية أو انحراف المرأة ، ولذلك نجد المحاكم في الأغلب لا تعتبر عدم وجود هذا الغشاء سبباً للقدح في المرأة ، لأنه قد يزول لأسباب كثيرة .
إذن وجود الغشاء لا يكون دليلاً أكيدًا على البكارة أو العذرية ، وكذلك لا يكون غيابه دليلاً أكيدًا على عكس ذلك .
فنوصيكما بأن تقوما بمراجعة الطبيبة لاستبانة الأمر ، لاحتمال وجود عارض .
والمرجو أن يعيي زوجك ما سبق وألا يتعجل في الحكم عليك ، ولتعلما أن من مقاصد الشيطان التي يسعى إليها التفريق بين الرجل وامرأته ، لما يترتب على ذلك من الفساد الكبير للأسر والأفراد كما في حديث جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ ) مسلم 5023
فليقطع على الشيطان هذا الباب بالبعد عن التفكير في هذا الأمر ، ما دام هنا الأمر محتملاً وأنت جازمة بأنه لم يقع من السوء .
ونسأل الله أن يهدي قلبه ، وأن يجمع بينكما على خير .
والله الموفق .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
تردد نصرانية تريد الإسلام وتسأل عن علاقتها بأهلها
سؤال:
أنا امرأة نصرانية وأحب رجلاً مسلماً وأريد أن أتزوجه ، أرشدني للإسلام حتى رأيت الأدلة العلمية على صحة الإسلام ، أنا الآن في موقف حيادي فلست نصرانية ولست مسلمة ، أنا حقاً أريد أن أعتنق الإسلام وأحاول جاهدة ، بالحقيقة فقد كنت متمسكة بالنصرانية جدّاً ولكنني فقدت هذا الشعور وقد وافقت عائلتي على دخولي في الإسلام إن كان هذا يرضيني وإن شاء الله فسوف أسلم قريباً ولكنني قلقة لأنني(65/200)
لا أستطيع الحصول على الطمأنينة والرغبة التامة فيما أريد فعله ، إذا لم أشعر بالطمأنينة والرغبة حين دخولي الإسلام فسأشعر بأنني سوف أسلم فقط لأتزوج هذا الرجل وهذا ما لا أريده وأنا أريد أن أسلم لله وقد احترت في أمري فماذا أفعل ؟
سؤالي الثاني : إذا أسلمت فهل أستطيع أن أقابل أفراد عائلتي غير المسلمين ؟ قرأت في موقع إسلامي أن الزوج إذا منع زوجته من الذهاب إلى أماكن لا يحبها أو أن تفعل أشياء لا يريدها فعلى الزوجة أن تطيعه في هذا ، أنا أحب عائلتي جدّاً جدّاً وهم كذلك يحبونني جدّاً ولذلك فهم لا يمانعون من دخولي في الإسلام ولذلك فأنا لا أريد أن أتركهم وهم كذلك لا يريدون أن يفقدوني .
أرجو أن توضح لي هل يمكن أن أقابلهم وأن أحتفل معهم بالأيام الخاصة وهل أستطيع أن أتبادل معهم الهدايا في الأعياد الخاصة كعيد ميلاد المسيح .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
إن التردد في دخول الإسلام لا ينبغي أن يصدر من امرأة مثلك ، لها مثل هذا الأسلوب في الكلام ، وعندها من العقل والحكمة ما تعرف به الصواب من الخطأ ، بل ينبغي أن تكوني مرشدة لغيرك من الحيارى والتائهين .
واعلمي أن الشيطان هو الذي يحول بينك وبين الجزم بدخول الإسلام ، وأنه هو الذي يوهمك أن دخولك الإسلام ليس من أجل القناعة الذاتية به ، وأنك لن تكوني مطمئنة ، وغير ذلك مما يقذفه في قلبكِ وعقلكِ ، ويجعلكِ تترددين في قرار فيه سعادتك في الدنيا والآخرة .
إن إسلامك هو لله سبحانه ، وما كان الرجل المسلم إلا سبباً فيه ، وطريقاً إليه ، وليس يعيب الرجل أن يسلم بسبب امرأة تنصحه وتهديه ، وليس يعيب المرأة أن تُسلم بسبب رجل ينصحها ويهديها ، وإليك قصة امرأٍة في الإسلام لا يُعرف لها نظير ، فهي من نوادر هذه الأمة ، وتفكِّري جيّداً في حادثتها :
عن أنس بن مالك قال : خطبَ أبو طلحة أمَّ سليم ، فقالت : والله ما مثلك يا أبا طلحة يُرد ، ولكنك رجل كافر ، وأنا امرأة مسلمة ، ولا يحل لي أن أتزوجك ، فإن تُسلم : فذاك مهري ، وما أسألك غيره ، فأسلمَ ، فكان ذلك مهرها .
قال ثابت – تلميذ أنس - : فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهراً من أم سليم ، الإسلام ، فدخل بها ، فولدت له .
رواه النسائي ( 3341 ) وصححه الألباني في صحيح النسائي .
واعلمي أنه سرعان ما سيدخل الإيمان إلى شغاف قلبك ، ولن تكون الدنيا كلها تعدل عندك العيش ساعة واحدة متقلبة في هذه النعمة العظيمة ، ولقد كان بعض الناس يدخلون الإسلام من أجل المال ، فسرعان ما يحبون الإسلام ويحاربون من أجله ويبذلون فيه الغالي والنفيس .
فعليك أن تجاهدي نفسك ، وأن تعلمي أن الشيطان يريد أن يصدك عن السعادة وعن دين الفطرة والعقل ، وأنت ستختارين دين آدم وإبراهيم وموسى والمسيح عيسى عليهم السلام ، دين الفطرة التي خلق الناس عليها ، فهذا الكون ليس له إلا ربٌّ(65/201)
واحد لا شريك له ، هو المستحق للتوحيد والعبادة ، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يُرسل إلا بما أرسل به الرسل من قبله ، فكوني مع طائفة أتباع الأنبياء والرسل تسعدي في الدنيا والآخرة .
ثانياً :
لن يمنعك الإسلام من اللقاء بأسرتك ، بل سيوصيكِ بهم أكثر لتكوني مثالاً حسناً للمرأة المسلمة ، ولتعينيهم على اعتناق هذا الدين ، فأولى الناس أن يشاركك في هذه النعمة هم أهلُك وأفراد أسرتك .
قالت أسماء بنت أبي بكر الصدِّيق : قدمتْ عليَّ أمِّي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم ( تعني : المدة التي عاهد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة على ترك القتال فيها ) ، فاستفتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله قدمتْ عليَّ أمِّي وهي راغبة أفأصلُ أمِّي ؟ قال : نعم ، صلِي أمَّك " .
رواه البخاري ( ومسلم ( 1003 ) .
فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يأذن بأن يصل المسلم أهلَه الذين هم على غير دين الإسلام ، حتى لو كان هؤلاء الأهل يدعونه لترك دينه وأن يصبح مشركاً فإن الإسلام مع نهيه له أن يجيبهم لدعوتهم تلك ، أمره أن يحسِن إليهم ويتلطف معهم .
قال الله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) لقمان / 14-15 .
وقد اهتمَّ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بدعوة أهله إلى الدين وظلَّ يزورهم ويدعوهم حتى إنه زار عمَّه أبا طالب وهو في الرمق الأخير وعرض عليه الإسلام .
فليس هناك ما يمنعك من زيارة أهلك ، وليكن ذلك بالاتفاق مع زوجك ، وعليك أن تنتهزي هذه الزيارة لدعوتهم إلى الحق والخير والأخذ بأيديهم إلى النجاة .
والمحرَّم في مثل هذه الزيارات هو ما يكون فيها من اختلاط النساء بالرجال ، أو مصافحة الرجال الأجانب ، أو المشاركة في أعيادهم ، ولا يخفى عليكِ أن ما جاء به الإسلام من أحكام إنما هو لمصلحة الناس الدنيوية والأخروية ، ولا بأس من تبادل الهدايا معهم ، وقد يكون ذلك سبباً في تأليف قلوبهم وترغيبهم في الإسلام ، ما لم تكن الهدايا بسبب أعيادهم لاسيما الدينية فلا يجوز لك قبولها ولا إهداؤها لأن ذلك من الإعانة لهم على باطلهم والرضا به .
يراجع سؤال رقم ( 1130 )
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
مدمن مخدرات ويريد التوبة
سؤال:
زوج أختي يتعاطى المخدرات ويريد أن يتوقف ولكنه لا يستطيع لأنه مدمن ولكنه والحمد لله يخشى الله سبحانه وتعالى .(65/202)
أختي تريد أن تعرف ما تفعل فلديها 3 أبناء منه وتخشى أن تتركه فقد يسوء الحال ويتعاطى أكثر أو ينتحر.
الجواب:
الحمد لله
ننصح أختك أن تقف بجانب زوجها في توبته ومحاولته التخلص من إدمان المخدرات ، وأن لا تتركه للذئاب البشرية التي تدمر كيانه وتحطم أركانه ، فهو أحوج ما يكون إليها الآن .
ولا بدَّ من أن تستعين بالمراكز الطبيَّة المتخصصة في معالجة الإدمان ، ولن يؤثر ذلك عليه ، بل سيعينه على التخلص مما هو فيه من بلاء وشر .
فينبغي لها أن لا تتردد في هذا ، وأن تسارع للاتصال بالمختصين في معالجة هذه القضايا ، مع تذكيرها الدائم له بتقوى الله والخوف منه ، وتذكيره بالموت ولقاء الله تعالى ، مع ترغيبه بترك ما هو عليه ، وإعطائه الأمل بالشفاء وقبول توبته من ربه تبارك وتعالى .
ونرجو مراجعة جواب السؤال ( 6540 ) .
والله الموفق .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
يشك في زوجته النصرانية فهل له أن يتبرأ مما في بطنها
سؤال:
ما حكم الرجل المسلم الذي يتخلى عن ولده الذي لم يولد بعد بسبب طلاقه من زوجته النصرانية ؟
ما هي عقوبة الوالد إذا نشأ هذا الولد في بيئة نصرانية والوالد ينكر بأن هذا ولده ، الأشعة فوق الصوتية أثبتت الشبه بالوالد وهو يقول لزوجته بأنها كاذبة ، قام هذا الرجل الأب بالخطبة مؤخراً وأدى نصحي له في هذا الموضوع إلى قطعه العلاقة بي التي دامت بيننا لمدة عشرين عاماً بسبب هذا الموضوع . هل هناك من نصيحة توجهها لهذا الرجل ؟
الجواب:
الحمد لله
الأصل أن الولد ينسب إلى أبيه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش وللعاهر الحجر " رواه البخاري 2053 ، ومسلم 1457 ، ومعنى الحديث أن الولد يُنسب لزوج المرأة ، وللزاني الخيبة والحرمان ( الفتح 12 / 36 ) ، وهذا النسب حق للولد لا يجوز الاعتداء عليه.
لكن إن تيقن الزوج أو غلب على ظنه أن الولد ليس منه ، فله أن ينفيه ، بملاعنته لزوجته .
ولا ينتفي الولد عند جمهور العلماء من المذاهب الأربعة بمجرد التبرؤ منه ، ولو أقرت الزوجة بالزنا ، بل لابد من اللعان .(65/203)
وصفة اللعان ما جاء في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ . وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ . وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ . وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) النور / 6-9 .
فيقول الزوج أربعا : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا ، أو أشهد بالله لقد زنيتِ وما هذا ولدي . ويزيد في الخامسة : لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين .
وتقول المرأة -إن لاعنت - : أشهد بالله إنه لمن الكاذبين ، أو : أشهد بالله لقد كذب ، وهذا الولد ولده . وتزيد في الخامسة : وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
وتتم الملاعنة في المسجد بحضرة جماعة من المسلمين مع الحاكم أو نائبه أو من حكّماه من المسلمين.
قال ابن عبد البر : ( وكذلك لا يختلفون أن اللعان لا يكون إلا في المسجد الذي تجمع فيه الجمعة ) فتح البر 10/525
وإذا تلاعن الزوجان ، ترتب على ذلك أمور:
1- درء حد القذف عن الزوج .
2- درء حد الزنا عن الزوجة .
3- الفرقة بين الزوجين ، ولا تتوقف على حكم الحاكم ، بل تقع بمجرد اللعان عند كثير من أهل العلم .
4- التحريم المؤبد بين الزوجين .
5- انتفاء الولد ، فلا ينسب للزوج ، بل ينسب لأمه ، ولا يكون بينه وبين الزوج توارث ولا نفقة لكونه أجنبيا عنه .
ولاشك أن ترك الولد في بيئة نصرانية تؤثر عليه ، أمر عظيم وخطير ، ولهذا فإن على الزوج أن لا يقدم على الملاعنة ونفي الولد إلا بعد التثبت والتأني حتى يغلب على ظنه زنا الزوجة .
وإلا كان آثما إثما عظيما بظلمه لولده ، وتعريضه للكفر والانحراف .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
الحكمة من تحريم إتيان الزوجة في حال الحيض والنفاس
سؤال:
ما الحكمة من تحريم إتيان الزوجة في حال الحيض والنفاس ؟ إذا كان سبب التحريم هو الدم لأنه نجس فهل يجوز الوطء بمانع مثل الواقي المطاطي ؟ .
الجواب:
الحمد لله
حرّم الله عز وجل على الرجال وطء زوجاتهم في الفرج في زمن الحيض .(65/204)
وقد نص القرآن الكريم على علّة التحريم ، وهي كون المحيض أذى قال تعالى : ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ) البقرة / 222
والدراسات العلمية في هذا المجال كشفت لنا عن شيء من الأذى الذي أشارت إليه الآية الكريمة ولكنهم لم يصلوا إلى التعرف على جميع الأذى الذي عناه النص القرآني .
يقول الدكتور محيي الدين العلبي : " يجب الامتناع عن جماع المرأة الحائض لأن جماعها يؤدي إلى اشتداد النزف الطمثي ، لأن عروق الرحم تكون محتقنة وسهلة التمزّق وسريعة العطب ، كما أن جدار المهبل سهل الخدش ، وتصبح إمكانية حدوث الالتهابات كبيرة مما يؤدي إلى التهاب الرحم أو يحدث التهاب في عضو الرجل بسبب الخدوش التي تحصل أثناء عملية الجماع ، كما أن جماع الحائض يسبب اشمئزازاً لدى الرجل وزوجه على السواء بسبب وجود الدم ورائحته ، مما قد يكون له تأثير على الرجل فيصاب بالعنة (البرود الجنسي )
ويقول الدكتور محمد البار متحدثاً على الأذى الذي في المحيض : يُقذف الغشاء المبطّن للرحم بأكمله أثناء الحيض .. ويكون الرحم متقرحاً نتيجة لذلك ، تماماً كما يكون الجلد مسلوخاً فهو معرّض بسهولة لعدوان البكتيريا الكاسح .. ويصبح دخول الميكروبات الموجودة على سطح القضيب يشكل خطراً داهماً على الرحم .
لهذا فإن إدخال القضيب إلى الفرج والمهبل في أثناء الحيض ليس إلا إدخالاً للميكروبات في وقت لا تستطيع فيه أجهزة الدفاع أن تقاوم .
ويرى الدكتور البار أن الأذى لا يقتصر على ما ذكره من نمو الميكروبات في الرحم والمهبل الذي يصعب علاجه ، ولكن يتعداه إلى أشياء أخرى هي :
1. امتداد الالتهابات إلى قناتي الرحم فتسدها ، مما قد يؤدي إلى العقم أو إلى الحمل خارج الرحم ، وهو أخطر أنواع الحمل على الإطلاق .
2. امتداد الالتهاب إلى قناة مجرى البول ، فالمثانة فالحالبين فالكلى ، وأمراض الجهاز البولي خطيرة ومزمنة .
3. ازدياد الميكروبات في دم الحيض وخاصة ميكروب السيلان .
والمرأة الحائض كذلك تكون في حالة جسمية ونفسية لا تسمح لها بالجماع ، فإن حدث فإنه يؤذيها أذى شديداً ، ويصاحبه آلالام وأوجاع أثناء الحيض ـ يقول الدكتور البار ـ :
1. يصاحب الحيض آلام تختلف في شدتها من امرأة إلى أخرى ، وأكثر النساء يصبن بآلام في الظهر وفي أسفل البطن ، وبعض النساء تكون آلامهن فوق الاحتمال مما يستدعي استعمال الأدوية والمسكنات .
2. تصاب كثير من النساء بحالة من الكآبة والضيق أثناء الحيض وخاصة عند بدايته ..كما أن حالتها العقلية والفكرية تكون في أدنى مستوى لها أثناء الحيض .
3. تصاب بعض النساء بالصداع النصفى قرب بداية الحيض ، وتكون آلالام مبرحة وتصحبها زغللة في الرؤية وقيء .
4. تقل الرغبة الجنسية لدى المرأة ، بل إن كثيراً من النساء يكن عازفات تماماً عن الجماع أثناء الحيض . وتكون الأجهزة التناسيلة بأكملها في حالة شبه مرضية ،(65/205)
فالجماع في هذه الآونة ليس طبيعياً ولا يؤدي أي وظيفة ، بل على العكس يؤدي إلى الكثير من الأذى .
5. تنخفض درجة حرارة المرأة أثناء الحيض درجة مئوية كاملة ، ومع انخفاض درجة الحرارة يبطئ النبض وينخفض ضغط الدم فيسبب الشعور بالدوخة والفتور والكسل .
ويذكر الدكتور البار أيضاً أن : الأذى لا يقتصر على الحائض في وطئها ، وإنما ينتقل إلى الرجل الذي وطئها أيضاً مما قد يسبب له التهابات في الجهاز التناسلي الذي قد يسبب عقماً نتيجة هذه الالتهابات . كما أن الآلام المبرحة التي يعانيها المريض من هذه الالتهابات تفوق ما قد ينتج عن ذلك الالتهاب من عقم .
إلى غير ذلك من المضار الكثيرة والتي لم يكشف عنها الآن ، وإنما عبّر عنها الله عز وجل بقوله : ( قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ، ولا تقربوهن حتى يطهرن ) فوصفه تعالى له بأنه ( أذى ) أذى للزوجة ، وأذى للزوج وغير ذلك من مضار كثيرة الله أعلم بها .
وبهذا يتبيّن أنه ليس المنع من وطء الزوجة في زمن الحيض من أجل الدم فقط . بل لأسباب كثيرة سبق ذكرها .
كما أن على المسلم أن يمتثل أمر الله عز وجل فإنه هو الخالق وهو أعلم بما يصلح العباد وما يضرهم ، وهو القائل ( فاعتزلوا النساء في المحيض ) فحتى لو لم يتبيّن للشخص الحكمة من ذلك فإن عليه أن يسلّم لأمر الله الذي أمر أن يترك الرجل جماع أهله في هذه الفترة .
انظر : الحيض والنفاس والحمل بين الفقه والطب د . عمر الأشقر .
توضيح الأحكام للبسام (1/362)
ومع ذلك فإنه يجوز للرجل أن يستمع بزوجته فيما دون الفرج .
يراجع سؤال رقم (36740 ) و (36722) (36864) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
الرابطة الاجتماعية بين التعاقد والتراحم
03/09/2003
...
معتز الخطيب
الرابطة الاجتماعية هي العلاقة التي تربط أفراد المجتمع وتشكل منطقه وفلسفته، وهي تختلف في طبيعتها من مجتمع لآخر، وكانت محل اختلاف الفلاسفة والمدارس الفكرية والأنساق الأيدلوجية المختلفة من حيث تكييفها في الواقع وتصورها في المثال المنشود، كما اختلفت تلك الرابطة في الشرائع المختلفة بحسب رسالة كل أمة ومنهج كل كتاب بحسب العصر وطبيعة القوم ومحيطهم الحضاري.
وابتداءً، يعني "التراحم" وجود أبعاد غير مادية في العلاقات بين الأفراد، أي أن علاقات البشر ذات طبيعة إنسانية لا تتأسس على المنفعة الشخصية وحدها، ومن ثم فهي ليست علاقات عقلانية مجردة، أو تعاقدية نفعية محضة، بل هي علاقات(65/206)
عضوية مركبة، والتراحم مبدأ ينظم مجموعة من المفاهيم الأخلاقية كالترابط والتعاون والإيثار.
وقد شكلت الأشكال الحضارية والاقتصادية التي سادت في مجتمع ما قبل الصناعة والرأسمالية أرضية وقف عليها علماء الاجتماع الألمان فطرحوا انطلاقًا منها بديلاً للعلاقات التعاقدية التي تهيمن على المجتمعات الرأسمالية وميزوا بين التعاقد (الجيسيلشافت Gesellschaft) والتراحم (الجماينشافت Gemeinschaft). لكن ربما يمكننا القول بأن توصيف المجتمع الحداثي بأنه تعاقدي شاع بعد روسُّو والقول ببناء الدولة على نظرية "العقد الاجتماعي".
وفي الأنثربولوجيا توصف المجتمعات "التقليدية" عمومًا بأنها "تراحمية" في مقابل المجتمعات الحديثة "التعاقدية" وإن كان التعبير غير شائع عند علماء الاجتماع والأنثربولوجيين في الأوساط العربية.
ويرى المفكر المصري "عبد الوهاب المسيري" أن مفهومي "التعاقد" و"التراحم" معيار للتمييز بين المجتمعات الحداثية والمجتمعات التي تتسم بدرجة عالية من الإيمانية والإنسانية، وأن التمييز بينهما الذي صاغه المفكر الألماني تونيز ثم طوره ماكس فيبر تمييز دال في فهم المنطق الاجتماعي للأمة الإسلامية والأمم الأخرى -خاصة الأفريقية والشرق آسيوية- التي لا تعتبر التعاقدية أساس الجماعية وتنزل الروابط الأسرية والقبيلة والدين منزلة مهمة، بغض النظر عن نمط الإنتاج الاقتصادي الذي تتبناه.
وقد اهتمت كتابات ما بعد الحداثة، والنقد الماركسي الإنساني للحداثة (مدرسة فرانكفورت) بهذا التمييز واعتبرت الفردانية وغلبة العقل النفعي في ظل الحداثة الصناعية انتقاصا من الخصائص الإنسانية للفرد ومادية غير مقبولة.
غير أننا هنا لا بد أن نميز بين مفهومين للتراحم؛ فالأنثربولوجيا حين تصف المجتمعات "التقليدية" بالتراحم تعني أن الروابط فيها تعتمد على تقاليد القرابة والانتماء للجماعة في ظل الأسرة والعائلة والقبيلة، بينما يشكل التعاقد الفردي في الدولة الحديثة الأصل في العلاقات.
وقَرْن "التراحمية" بـ"التقليدية" في مقابل قرن التعاقدية بـ"الحداثة" من شأنه أن يهمِّش دور الدين أو أن يعتبره ثانويًّا، فهو يصف كل المجتمعات "التقليدية" بأنها "تراحمية"، لكن سيبدو لنا لاحقًا أن لمفهوم "التراحم" في الإسلام ظلالاً أوسع تُخرجه عن حدود المفهوم الأنثربولوجي الضيق، وتميزه عن النموذج التراحمي في المجتمعات التقليدية غير الإسلامية (لا ننكر هنا أن لباقي الأديان السماوية أثرها في مفهوم التراحم)، حتى ينظم مجموعة من المفاهيم الإسلامية الأخلاقية (بر الوالدين، صلة الأرحام، الإحسان، الأخوة الإيمانية، الحب في الله، الصدقة، الجوار...)، لكنها أيضًا مفاهيم اجتماعية تعكس منطق العلاقات والقيم، وتنبني عليها أحكام شرعية وقانونية، فمفهوم التراحم في الإسلام يتأسس على سنن الاجتماع الإنساني والفطرة والأخلاق لكنه أيضًا مفهوم اجتماعي/سياسي يحترم التعاقدية في تنظيم بعض جوانب هذه العلاقات، بيد أنه ينظر لها من اقتراب تنظيم الحقوق وحفظها لا من اقتراب مادي وضعي، فلا يؤسس عليها فلسفة الحقوق ذاتها بل يرتكز على وحي(65/207)
هادٍ وقدوة نبوية راشدة تجربتها تمثل نموذجًا لامتزاج الأخلاقي بالاجتماعي في تناغم تأسست عليه حضارة فريدة.
المادية.. جوهر التعاقد
يقوم الفكر التعاقدي المحض على الرؤية المادية (بالمعنى الفلسفي) والتي جنحت لها الحداثة الغربية في تطورها ومسيرتها من بداياتها الإنسانية المؤمنة التي ترغب في تحرير الدين من فساد الكنيسة والخروج من نفق الحروب الطائفية المظلم إلى المنعطف العلماني المتطرف الذي كرس تحرير الإنسان من الدين، وما لبثت الحداثة أن انتقلت من المثالية العقلانية التي تنشد الخير العام عبر المشاركة السياسية ومنظومة الحقوق المدنية إلى عقلانية نفعية براجماتية شرسة أسست على التعاقدية بالمعنى النفعي الرأسمالي نظرياتها حول الطبيعة الإنسانية والنظام الاجتماعي الفرداني، بل إن بعضهم عرَّف الحداثة بأنها "التخلي عن كل العلاقات الأولية/ الكونية، مثل علاقات القرابة والانتماء للقبيلة والعلاقة المباشرة بالطبيعة، وتأسيس علاقات غير شخصية مبنية على التعاقد والمنفعة". فالرؤية التعاقدية ترى المجتمع باعتباره تركيبًا بسيطًا تتسم عناصره بالتنافر المصلحي، لكن يحدث التجانس عندما يدرك الأفراد أن الحد الأدنى يوشك أن يتهدد فيستعيد توازنه مرة أخرى.
ويلعب القانون بنصوصه الواضحة الدور الرئيسي ويتراجع دور العرف والفضل للهامش. وتهيمن في ظل هذا التصور رؤية الإنسان بأنه "ذو بعد واحد" -بتعبير هربرت ماركوز الشهير- إنسان طبيعي/مادي، ومن ثم فالطبيعة تسبق الإنسان.
وهذا التفكير الذي يرى أسبقية الطبيعة على الإنسان يختزله إلى قوانينها ويُخضعه إلى حتمياتها بحيث يصبح جزءًا لا يتجزأ منها. ومن هنا كان من الطبيعي أن يختفي الحيز الإنساني التراحمي لهذا الإنسان البسيط "الطبيعي"، ويتقدم العقل النفعي على القيم والمثل والمشاعر الإنسانية التي تتراجع لدرجة أدنى وتتسم بالنسبية.
أما الرؤية التراحمية فترى المجتمع باعتباره تركيبًا مركبًا، تتسم عناصره بالتجانس والتنوع مع الاعتراف بالتعددية والاختلاف، والعلاقات بين الأفراد علاقات مركبة متشابكة لا يمكن التعبير عنها من خلال عقد قانوني واضح (وإن تم احترام مساحات القانون). ورؤية الإنسان هنا أنه كائن اجتماعي مركب، متعدد الأبعاد، إنسان/إنسان وليس إنسان/طبيعة، ومن ثم فالإنساني يسبق الطبيعي المادي ويتقدم عليه.
الحداثة.. وما سواها
ليس التنافر والتعارض المعرفي والنسقي بين الحداثة والتقليد كما تتحدث أدبيات ما يسميه أصحابه بالـ"التنوير"، بل هو في الحقيقة بين رؤية صلبة مادية وأخرى عضوية تراحمية؛ فالصراع بين التعاقد والتراحم يتجلى في المساحة الاجتماعية، ومن هنا لم يكن غريبًا أن الإنجازات العلمية والتكنولوجية أحدثت -ولا تزال- تغيرات اجتماعية لا يتم ترشيد مسارها بدعوى التجريب والنسبية الاجتماعية والأخلاقية، فتكون النتيجة أن ينحسر سلطان الدين والتقاليد والقوانين الأخلاقية لتحل محلها مشاعر الفردية/الأنانية والتناحر في طلب المنفعة.(65/208)
فمع كل ثورة يحققها العقل في مجال التكنولوجيا لا بد من حدوث تعديلات ملائمة ومحسوبة في الاجتماع والسياسة والثقافة لضمان جدوى التغير التكنولوجي ونفعه، وبحيث تتقدم البشرية على قدمين فلا تحقق المكسب المادي وتخسر المكسب الإنساني فتضحي إنجازاتها التاريخية عرجاء منقوصة. والرؤية المادية تتجلى في عالمنا المعاصر في الحياة اليومية من خلال العملية الاستهلاكية التي تقوم بتغيير وجه العالم والحياة الاجتماعية وتحوِّل العديد من العلاقات عن مسارها إلى "التسلع"، بحيث يصبح كلُّ شيء له مقابل، وخاضعًا للتبادل النفعي. وهذا أدى في الدراسات الاقتصادية والاجتماعية إلى شيوع التركيز على عملية الاستهلاك والعلاقة بين المنتج والمستهلك -أي الإنسان بوصفه كائنًا استهلاكيًّا!- كما أدى إلى "إنتاج" و"استهلاك" المكان من خلال صناعات الخدمات، خاصة السياحة.
وليس غريبًا أن مصطلحي "التسلع" و"التشيؤ" ينتميان إلى منظومة واحدة مع "التعاقد"، كتجليات للرؤية المادية. وهي بالرغم من الفروق الدقيقة بينها تلتقي في نظرتها إلى العلاقات الاجتماعية؛ فقد أدت الثورة الصناعية لأن تصبح الحياة الاجتماعية مرتبطة بالعمل والإنتاج والمؤسسات الاقتصادية أكثر منها بنمط حياة الأسرة والانتماء لجماعة اجتماعية؛ أي النظر إليه باعتباره جزءًا من عملية الإنتاج لا عضوًا في مجتمع مركب الدوائر، وهو ما أدى إلى اغترابه نتيجة عزله عن محيطة الاجتماعي.
وكانت النتيجة أن رأى "إنسان الحداثة" خلاصه وتحريره في البحث الدائم عن اللذة المباشرة، ومن ثم فالسلعة هي "أيقونته الكبرى" بتعبير المسيري، وهكذا يترجم التشيؤ نفسه إلى تسلّع، ومن ثم تصبح عملية تبادل السلع هي النموذج الكامن في رؤية الإنسان للكون ولذاته، ولعلاقاته مع الآخرين. وفي مجتمع السوق هذا يكون "التعاقد" هو الحالة الطبيعية للتعامل مع الآخر.
ولذلك كله كان نقد مدرسة فرانكفورت لنظام السوق الذي رأوه المسئول عن عبادة السلع أو صنميتها (وبتعبير ماركس: تَوَثّنها)؛ وهو ما أضفى على علاقات الناس بالأشياء وببعضهم طابع السلعة وحصرها في نطاق المنافع والوسائل المجردة من كل لمسة شخصية أو إنسانية.
الحق.. تعاقدًا
عودةً لإشارتي السَّابقة إلى "العقد الاجتماعي" أرى أن ثمة صلة بين فكرة "العقد" وفكرة "الحق" الغربي، فالحالة التعاقدية هي التجسيد الملموس لفكرة الحق الغربي المبني على "المنفعة"، وأن العلاقة بين الأفراد علاقة تناحرية، وهو منشأ القول بـ"العقد الاجتماعي" وابتناء "الدولة" الحديثة إنقاذًا له من حالة التوحش أو الفوضى قبل نشأة الدولة (المنقذة).
ومن هنا لم يكن غريبًا أن فكرة "الحق" انتشرت في كتابات مفكري نظرية "العقد الاجتماعي" توماس هوبز، وجون لوك، وجان جاك روسو، في ظل السعي المحموم لعلمنة الدولة وفصلها عن الدين بعد تجذر الثورة الفرنسية.
وبناء على مفهوم "الحق الطبيعي" في المنظومة الغربية الذي لا دخل للدين فيه ولا يعترف بالنشأة الطبيعية التطورية للمجتمع السياسي ودور النبوة والرسالات(65/209)
السماوية فيه، تم إعادة صياغة نمط العلاقات بين الأفراد، خصوصًا مع تحول مفهوم "السلطة" من المؤسسات التقليدية -خاصة الدين- إلى الدولة فباتت هي المظلة القانونية لهذه العلاقة "الحقوقية" وصاحبة المرجعية ومصدر الشرعية وفق القانون الذي يُقرره غالبية الأفراد، وهنا يمكن فهم الإلحاح على اتفاقيات حقوق الإنسان ثم المرأة، ثم الطفل، والشواذ... تأسيسًا على العلمنة، وكنتاج للحالة التعاقدية، ويمكن اللجوء إلى الدولة لصون حقوق الأب والأم والابن، كل منهم ضد الآخر بالتوازي. ومن هنا تقلص دور "الأسرة" النواة الرئيسية لعلاقة التراحم مع وجود الحالة التعاقدية ومؤسسات أخرى تقوم بدورها كالمدرسة والإعلام بإشراف الدولة.
ولم يكن نتاج "مجتمع السوق" الذي وعد بالحرية والسعادة والأمن سوى "الاغتراب" وعدم اليقين، بل وتفشي العنف المدني رغم محدودية العنف السياسي لسيطرة الدولة، اللهم إلا عنفها هي "المشروع" ضد الخارجين عليها، أو عنفها الحربي ضد الآخر؛ عدوانًا أو إمبريالية منظمة.
التعاقد.. وتلبيس المفاهيم
فكرة الحق الفردي هذه، والتي هي أساس الحالة التعاقدية، دفعت بعدد من المفاهيم إلى تحولات مختلفة لمواءمة الرؤية الجديدة للعلاقة بين الذات والآخر؛ فالمرأة هي ذلك الفرد -لا العضو- في أسرة، ومن ثم يتم التركيز على حقوقها استنادًا إلى الحالة التعاقدية وإمعانًا فيها.
وازدراء "الأمومة" يأتي من كونها لا تتفق مع التعاقد، ومن هنا كان العزوف عن "الإنجاب" أو حتى الزواج الشرعي/القانوني، وتحول العلاقة مع الرجل إلى مفهوم "المتعة" التي تتساوى فرصة المرأة والرجل في الحصول عليها ويتساويان فيها (علاقة تبادل، لذة مقابل لذة) وهو ما سجله استطلاع جرى مؤخرًا على مطالب المرأة الإيطالية. والعمل المنزلي لا قيمة له إلا إذا صار بمقابل كما تطالب النسويات الآن، أي ما لم يدخل في الحالة التعاقدية. بل إن العلاقة بين الرجل والمرأة كثيرًا ما تم تصويرها على أنها علاقة تناحرية تعاقدية، ولذلك جاء كثير من مطالب الجمعيات النسوية منسجمًا مع هذا التصور. وتلح النسويات العربيات على "بنود" حقوقية للمرأة تأخذ شكل الصيغة القانونية وضرورة فضح العنف ومقاضاة الزوج به و... و... وهو ما يعني تحويل العلاقة الزوجية إلى حالة التعاقد في كل تفاصيل الحياة اليومية.
لكن هل يمكن الآن في زمن العولمة -مع حديثنا عن صراع بين التراحم والتعاقد- تصنيف ما هو تعاقدي من المجتمعات وما هو تراحمي؟ لا شك أن الأمر أكثر تركيبًا من هذا التبسيط فلا نستطيع القول بأن مجتمع ما هو بكليته على هذه الصفة أو تلك؛ فالنماذج التحليلية أدوات للفهم والتفسير مجردة بطبيعتها، والواقع به تنوعات، قد تغلب التعاقدية في لحظة أو مكان، وتقل في لحظة ومكان آخر، ففي دوائر الأعمال والمال والاقتصاد والتجارة تزيد التعاقدية في العلاقات حتى الإنسانية منها، لكن الوجه التراحمي يبرز في الأزمات المجتمعية، وفي المدن تبدو الاستهلاكية أكثر مما هي عليه في الضواحي والريف والقبائل والعشائر في المجتمعات التي تجمع بين هذه الأشكال والدوائر الاجتماعية، وهكذا.(65/210)
وهذا في الدول الرأسمالية والنامية على حد سواء، والمدن في ظل العولمة مراكز رأسمالية بينها تشابهات أيًا كان مكانها على خريطة العالم.
هذا يعني أنه من الصعب صبغ مجتمع ما بأكمله بأنه تراحمي أو تعاقدي، لكن يمكن بدرجة كبيرة الحديث عن نموذج حاكم في المجتمع، وبقدر دخوله في الحداثة وتَبني أفراده لمفرداتها؛ يكون تعاقديًّا، وبالعكس.
وإذا كان لا يمكننا القول إن مجتمعاتنا العربية مجتمعات تراحمية خالصة بسبب اختراقات الحداثة، والدخول -ولو بأقدار مختلفة- في عالم السوق، فإنه أيضًا لا يمكن القول إن التعاقد سرى فيها كلها، أو في كل فئاتها، فهو قد يكثر في دائرة دون أخرى، وقد يكثر في مجال مهني دون آخر، وهكذا. فهو لا يزال يحتفظ بخاصيات دينية وثقافية تمكِّنه من الممانعة ضد التحديث رغم الاختراقات، وما زال الإنسان يقاوم المادية هنا وفي كل المجتمعات بأشكال وصور متنوعة تنوع الثقافات ذاتها.
ولنأخذ مثال التحولات التي طرأت على الأسرة العربية وانشطار الأسرة الممتدة إلى مجموعة من الأسر النووية -لا نزال نبحث في مفهومها الأنثربولوجي- ومع ذلك بقيت الأسرة كبنية محتفظة بعلاقاتها وروابطها. البعض يرهن هذه التحولات التكوينية للأسرة في الجزيرة العربية مثلاً لبداية السبعينيات مع دخول الأقطار الخليجية مرحلة ارتفاع أسعار النفط وتحقيق فوائض عالية وقيام الصناعة، وهي بدايات تحديث المجتمع الذي طاول شكل الأسرة، وأحدث بعض "الاختراقات" على مستوى العلاقات، لكن لم يُسجل تبدل في منظومة القيم تجاه العلاقة بين الأبوين والأولاد، على الأقل، فلا تزال القيم الدينية حاكمة على مستوى الأسرة النووية، وإن كنا نجد أن الانشطار الذي أصاب الأسرة الممتدة أضعف من قوة العلاقات خارج الأسرة النووية بالمقارنة مع الماضي، فضلاً عن متغيرات الحياة وتعقيداتها المتزايدة وضغط إيقاعها اليومي المتسارع.
وهنا لا بد أن نسجل ملحوظة، هي أن الضبط الاجتماعي (من خلال علاقات العائلة الممتدة والجيرة والحي حيث الكل يشعر بالمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية تجاه أولاد الحي) الذي كانت تتمتع به المجتمعات التقليدية الخالصة خفَّ مع الدخول في تشظي المدن وتقلص أثر الجيرة والحي، ولكن هذا لم يكن بسبب انشطار الأسر الممتدة فقط، بل بفعل تغول الدولة من ناحية، وتعدد مصادر التربية والتثقيف (سلبًا وإيجابًا) الرسمية وغيرها من وسائط تشكيل الوعي كالإعلام والفضائيات والشبكة العنكبوتية.
وكان عالم اجتماع مصري بارز مثل أ.د. "أحمد أبو زيد" قد توقع نشأة نسق جديد من القيم في القرن الحادي والعشرين، من ضمن هذا النسق أنه "سوف تزداد داخل المجتمع الواحد النزعات الفردية على حساب الشخصية الاجتماعية المتماسكة، وبذلك تزداد حدة التنافس أو الصراع الداخلي بين الأفراد كوسيلة لتحقيق المكاسب الشخصية الخاصة".
إن هذا التصور يبدو ممكنًا ومقنعًا، وبه قدر من الصحة نشاهده عياناً في ظواهر حياتنا اليومية، لكن لا يمكننا تجاهل تأثير قوى مختلفة في المجتمع، أبرزها وأشدها الدين الذي يبقى على الدوام مشدودًا إلى ثوابت ومطلقات، وكذلك لا بد من(65/211)
الاعتراف بصلابة المؤسسات الدينية التقليدية ودورها في هذا، وممانعتها ضد إضفاء مشروعية على التحديث برغم كل التحديات، على ما في ذلك من سلبيات على الاجتهاد والإبداع الفكري أصعدة أخرى.
المفهوم الإسلامي للتراحم.. التميز والتركيبية
وإذا كان التراحم في علم الاجتماع الغربي يقتصر على الصلات العائلية والقبلية فإن تتبع المفهوم في تجلياته الأخلاقية والسلوكية من خلال النصوص الإسلامية التأسيسية يثبت أنه يتجاوز الأسرة والقبيلة والعشيرة حتى يشمل كل الناس، فعلى المستوى الإسلامي تتأسس العلائق كلها على أساس "الأخوة" الإيمانية (إنما المؤمنون إخوة) فهي ليست إخوة القرابة والنسب، وبناء على هذه الأخوة يتأسس كثير من الأخلاق الإسلامية المعروفة كالحب في الله، والبغض في الله، والإيثار، والتعاون، وحقوق الجوار،... ما يعني أن هذه الأخوة ليست مجرد عاطفة يحملها الفرد لأخيه المسلم -على أهميتها- بل توجب عليه حقوقًا تجاهه في مقابلها، و"من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربةً فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة" (رواه البخاري ومسلم). بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالإعلان عن "العواطف" -وهو شكل من أشكال التراحم- فيقول: "إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه" (رواه أبو داود وابن حبان) و"ألق السلام على من عرفت ومن لم تعرف".
وإذا كانت العلاقة داخل الدائرة الإسلامية علاقة "أخوة" فإنها مع غير المسلم في المجتمع الإسلامي تأخذ بعدًا إلزاميًا وذمة كما في الحديث: "من ظلم معاهَدًا أو تنقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة" (رواه أبو داود) ونعلم أن هذا المفهوم غاب عن التعامل مع الذمي لأسباب مختلفة معظمها سياسي وليس دينيا.
أما على المستوى الإنساني العام فهي مؤطرة بقوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء) ما يعني أن العلاقة بين أمة الرسالة وأمة الدعوة علاقة رحمة محضة {لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى} (الشورى).
إن تميز المفهوم الإسلامي لا يقتصر على شموليته؛ بل كونه يحتوي دومًا على بعد غيبي متجاوز (ميتافيزيقي) بما يتناقض تمامًا مع الرؤية المادية ويميزه عن الرؤية التقليدية غير الدينية؛ حيث تتداخل العلاقة بين الناس والله، وترتبط دومًا بالواجب الديني، ومبدأ "الثواب" و"العقاب" الأخروي.
والمفهوم الإسلامي الممتد للأسرة برباط المصاهرة والنسب والرضاع وما يرتبه من حقوق متداخلة في نسق التشريع الإسلامي يكفل استمرار التراحمية في المجتمع.
إن العلاقات في التصور الإسلامي تخرج عن تجاذب الثنائية المتضادة تعاقد/تراحم، بل تنبع من رؤية واحدية للعلاقات حيث نجد التراحم يحيط بالتعاقد ويقوض انفلاته وجنوحه حين يطلب مثلاً إلى الدائن إنظار المعسِر، بل يزيد فيقول سبحانه: {وأن تَصَدّقوا خير لكم} (البقرة: 280)، ويعتبر الزكاة "حقًّا" للفقير على الغني {وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم} (المعارج 24-25)، وحين يعتبر القرض (دفع مال لأجل غير محدد من دون مقابل أو زيادة ربوية) للمحتاج إقراضًا لله(65/212)
سبحانه {من ذا الذي يُقرِض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرة} (البقرة: 245) وكذلك وجوب الإنفاق على الوالدين وغير ذلك.
لكن تجدر الإشارة إلى أن الفوضى المفاهيمية لدى عدد من حملة المشروع الإسلامي تجعلهم لا يحسنون التعامل مع الحقوق والواجبات ضمن دائرة التراحم خاصة في الحياة العامة، ولكون خبرتهم بالعمل المؤسسي ضعيفة بل تكاد تكون معدومة، والمؤسسات الحديثة -طبيعتها- تتطلب قدرًا من الانضباط العام والمجرد وكثيرًا من الصرامة والدقة، لأجل ذلك يبدو الفرد التقليدي عامة (والإسلامي المشار إليه) عاجزًا عن التعامل مع الوضع الجديد فيظل على فرديته (وهي غير الفردية الحداثية) النابعة من ولاءاته التقليدية لنفسه وأسرته بل ودولته بدافع من وطنية شوهاء، ومن ثمّ هو يرفض الانصياع للقوانين العامة لأنها تتجاوز هذه الولاءات والتصورات. وهنا يتساوى المسلم مع غيره من أبناء المجتمعات التقليدية التراحمية ويغدو للتعاقد عندئذ مزايا حفظ الحقوق والواجبات، والنظام والانضباط في الإنجاز واعتماد معايير الكفاءة، في حين أن التصور الإسلامي يميز بين المفاهيم بدقة.
فمثلاً في الوقت الذي يأمر بكتابة الدَّين وتوثيقه يرغِّب في المسامحة به مع المعسِر، وفي الوقت الذي يطلب فيه السماحة في المعاملات كلها يأمر بإتقان العمل، وفي الوقت الذي يأمر فيه بجبر الخواطر يحذر من توسيد الأمر إلى غير أهله وهكذا... بل إنه في الحياة الخاصة -كالزواج مثلاً- يبالغ في التراحم والبعد عن التعاقد {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهنّ فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعلَ الله فيه خيرًا كثيرًا} (النساء: 19)، و"لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر" (رواه مسلم).
إنه "معمار" مركب من الحقوق والواجبات، الفضل والعفو، الميزان الدنيوي والتقوى الفردية، يصعب تفصيله في مقال نرجو فقط أن يكون قد ألقى الضوء على فكرة مهمة ربما تعين الفرد في حركته اليومية في مدن الحداثة التي نعيش فيها على تجنب المزالق ومراقبة النفس والسعي نحو الاحتفاظ بالتراحمية ودعمها لأنها الوصف الدقيق للإسلام الذي جاء.. رحمة للعالمين.
ـــــــــــــــــــ
شبهات النساء.. لا ترجعن إلى الوراء ... العنوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
كنت أود أن أسأل عن بعض الأسئلة التي تحيرني بشدة -وأرجو أن تتحملوا شدتي- فهي أسئلة كثيرا ما أقف أمامها وأسمعها ولا أستطيع الإجابة عليها، وخاصة إذا علمتم سيادتكم أني عضوة في إحدى الجمعيات الخاصة بالمرأة، ويجب على الإجابة على هذه التساؤلات من المسلمات وغيرهن حتى لا نسمح بدعاوى التغريب والأمركة، وأكرر رجائي أن تسامحوني وتتحملوا شدتي وقسوة كلماتي.. فأقسم أنى لم أقصد بها إلا الخير.
الموضوع كله متعلق بالمرأة في هذا الدين الإسلامي حيث أني لم أستطع فهم الكثير بشأنها في هذا الدين، وهذا الموضوع طالما شغلني، وخاصة من خلال عضويتي لإحدى الجمعيات الخاصة بالمرأة، فالكثير من الدعاة يتشدقون بمكانتها العالية في(65/213)
الإسلام، ولكن من وجهة نظري وغيري أنه كلام بلا حجة واضحة، فهم يتشدقون برفع مكانتها من خلال إلغاء وأدها وتحريمه، وتحريم توريثها مع ميراث الرجل لوارثه وجعل جزء من الميراث لها -هذا ما يذكرونه-، ولكنهم في مضمون كلامهم لا يكفون عن إهانتها وتحقيرها فهي رقيقة للرجل عليها طاعته في كل شيء، وخلقت لتكون تابعة له وليست متبوعة بحال، وأن هذا هو قلب الحال، وأن المرأة الصالحة هي التي تتودد لزوجها وتطيع أوامره وتلد له! وهذا ما سيدخلها الجنة فقط!
كما أنهم عندما يذكرون مكانتها من مالكها -أقصد زوجها- يقولون تحته.. فما معنى هذا اللفظ؟ وفى عقد الملكية هذا -أقصد الزواج- لا يحق لها إلا الغذاء والكساء، وعليها طاعة الزوج وخدمته، وإذا أغضبها وأساء معاملتها عليها أن تسترضيه طبقا للحديث!
وإذا لم تطع أوامره يحق له ضربها وتأديبها حتى تطيعه مثل العبد، وإذا رغب عنها عندما يكبر سنها يحق له تطليقها والخلاص منها -فقد اخذ ما أراده منها وهذه هي سماحة الإسلام- وفى هذه الحال عليها التنازل عن حقوقها له حتى يرضى إبقاءها على ذمته متواضعا، ويروى عن الحسين انه كان "مطلاقًا" يتزوج المرأة ويطلقها بعد فترة وجيزة "من إحياء علوم الدين للغزالي"، وإذا شاء الرجل الخلاص منها وإنهاء عقد الملكية هذا يمكن الخلاص منها بكلمة، وتفاجئ هي بذلك وهى تنتظر "سي السيد" في المنزل لتجد من يخبرها بهذا، وله فترة العدة يستطيع فيها إعادة ما أراد الخلاص منه أيضا بعلمها أو بغير علمها، وطبعا شاءت أم أبت، حتى أني فوجئت بنقاش العلماء على حكم من طلقها زوجها وهو غائب ثم وصلها هذا الأمر ثم أعادها ولم يصلها ورجع ووجدها قد تزوجت من آخر.
ألهذا الحد هي لعبة رخيصة؟
وهل هي خلقت للرجل وخدمته ولم تخلق للاستخلاف والعبادة والتعارف مثله؟
وما معنى تحت؟ ولماذا هذا اللفظ بالذات؟
وما حدود الطاعة التي لا تكاد تخلو محاضرة دينية نسائية من التذكير بأهميتها وفرضيتها وعقوبة تاركتها؟ وهل دورها في الحياة يقتصر على "نعم"، و"أمرك"، و"حاضر"، وتربية الأولاد، وهذا ما يدخلها الجنة؟
وإذا كان هكذا فما فائدة هذا الذي يسكن رأسها؟
وأرجو الرد في أقرب فرصة وعدم الانزعاج من كلماتي، وأتمنى الإجابة على كل الأسئلة الواردة، وعدم الخروج عن الموضوع بما لا يقنع ولا يريح مثلما يفعل أغلب الدعاة.
وتقبلوا تحياتي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... السؤال
الدعوة النسائية ... الموضوع
الأستاذة سميرة المصري ... المستشار
... ... الحل ...
...
... الأخت السائلة؛(65/214)
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
أتفهم يا عزيزتي تساؤلاتك التي تراودك -كما غيرك من الفتيات والنساء-، وهي تلح على المرء أكثر عندما يواجه الواقع المرّ الذي تعيشه بعض الزوجات الشاكيات من سوء معاملة أزواجهن، ويعود ذلك إلى تقاليد وموروثات تربوا عليها لا علاقة لها بالإسلام وسلوكياته.
إن خير قدوة ومثال يترجم الإسلام في التعامل هو رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم، فهو حجة للمسلمين في تعامله مع زوجاته وأبنائه وأصحابه وجيرانه وحتى أعدائه.
وكنقطة ننطلق منها في مناقشتنا لتساؤلاتك، لا بد من التأكيد على أن الله الذي خلق الرجل والمرأة، من أسمائه "العدل"، ولا يمكن أن ينزل أحكامًا تظلم المرأة، فقد حرّم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرّمًا، وهو أعلم بما يصلح خلقه ويصلح المجتمع، فالرجل والمرأة يتكاملان في الحقوق والواجبات من أجل بناء أسرة متماسكة ومجتمع صالح.
وتأكدي -أيتها الأخت- أن جداتك في عهد النبوة كنّ أفضل حالاً، وأقل تبعية للرجل، وأقوى شخصية من نساء اليوم.. ولو بدا لنا العكس.
كانت المرأة تتخذ قرار الإيمان بمفردها، فتبايع الرسول صلى الله عليه وسلم، وتهاجر إلى المدينة دون زوجها وقومها، وتشترك في الغزوات، وتعطي حق اللجوء السياسي لمن يلجأ إليها -كما فعلت أم هانئ عندما استجار بها مشرك وأجازها الرسول على صنيعها-، وما نراه اليوم من نسائنا تبعيّة أكثر في قراراتهن، فقد تسمعين إحداهن تقول: لا أستطيع التزام الحجاب لعدم موافقة زوجي، أو لا يمكنني المشاركة في أعمال البر حتى يأذن.. فأين دور المرأة في تزيين الطاعة لزوجها وإقناعها له بإفساح المجال بالعمل، وهي لو قصدت تستطيع ذلك وتؤجر عليه؟
أختي العزيزة؛
إن الله تعالى قد ساوى في الثواب والعقاب بقوله: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرًا)، بل إن الله قد فتح أبواب الجنة للآباء الذين يكرمون بناتهم، فقال صلى الله عليه وسلم: (من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو) وضم أصابعه.
ومهما علت منزلة الرجل وسلطته فباب الرحمة والجنة مغلق دونه إذا لم يحسن إلى والديه، والوصية جاءت بالأم ثلاثًا والأب واحدة، بقوله صلى الله عليه وسلم لمن جاء يسأله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك) قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك) قال: ثم من؟ قال: (ثم أبوك) رواه البخاري.
لا شك أنك سمعت من هذا الكلام الكثير، لكنه حقٌّ وعليَّ تذكيرك به، وسأجيب الآن على بعض تساؤلاتك:
- لقد أشرت إلى مسألة الميراث وكيف أن المرأة تأخذ نصف حصة الذكر..
اعلمي -أختي- أنَّ المرأة قد تأخذ حصة أكبر من الرجل في حالاتٍ عديدة حسب قرابتها من المتوفى، ولا يقتصر التوريث على الحالة التي تعرفينها فقط.. وحتى إذا حاولنا مناقشة نصف حصة الذكر، يجب أن تعلمي بأن الله قد ألزمه بالنفقة على(65/215)
المرأة وهي تحتفظ بكامل حصتها، بينما ينفق الرجل حصته على المرأة سواء كانت ابنة أو زوجة أو أمًّا أو أختًا أو قرابة من العصب، والمرأة الغربية تحسد المسلمة على هذا التكريم لأنها تشقى من أجل إعالة نفسها.
- أما مفهومك بأن المرأة تحتقر وتهان وتعامل كالرقيق فهذا ليس من خلق الإسلام، والرجل الشرقي تربى على تقاليد ليست من الإسلام.. فالقوامة عنده تعني الاستبداد، والرعاية تعني التأديب، والرجولة تكمن في التفرد بالقرار، وهذه كلها مردودة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
فكان يحلم على زوجاته وغيرتهن، وكان يشاورهن وينزل على رأي إحداهن في قرارات مصيرية كما حصل مع زوجته أم سلمة يوم الحديبية، وكان يلاعب السيدة عائشة فيسابقها... كما أوصى بالنساء في حجة الوداع.
- أما قوامة الرجل فإن الله تعالى يقول: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)، فهي تكليف وأمانة يسأل عنها يوم القيامة، وميزةٌ بالقوَّة الجسدية وغلبة العقل على العاطفة، وألزمه النفقة على من يعول.
والمنطق يقول إن لكل عملٍ قائدًا أو مرجعًا حتى يصلح، والأسرة سفينة وربانها هو الأب، فإذا لم تكن القيادة له فإن المرأة لا تحترم من تقوده، علمًا بأن أمورًا كثيرة في الأسرة القوامة فيها للمرأة ضمن اختصاصها التربوي، فالزوج والزوجة يتكاملان ويتوحدان للحفاظ على الأسرة من خلال ما أنزل الله من أحكام تلائم دورهما.
وفي تكريم المرأة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (استوصوا بالنساء خيرا) رواه البخاري، فإذا تجاوز المسلم توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم، فالحق عليه وليس على الدين.
- أما تساؤلك عن حق المرأة على زوجها في إطعامها وكسوتها، فهذا انتقاصٌ في فهم الإسلام الذي يجب أن يؤخذ بجملته دون التوقف عند حديث أو آية، فالله تعالى يقول: (وعاشروهن بالمعروف).. فهل من المعروف إهانتها أو ظلمها أو انتقاص حقوقها؟
وعندما ينصح النبي الزوج بقوله: (ولا تضرب الوجه، ولا تُقبِّح، ولا تهجر إلا في البيت) رواد أبو داود وقال الألباني حسن صحيح، أي لا يقول لها "قبّحك الله" أو يهجر الكلام معها إلا داخل المنزل بوجود الشقاق بينهما.
وإذا كانت الشبهات تحيط بتفسير بعض الآيات فعلينا قراءتها من البداية: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن...)، فالحفاظ على الأسرة من التفكك وضياع الأطفال وتشريد الأفراد هو الدافع من وراء محاولة الإصلاح داخل المنزل، ولو اقتضى الأمر الضرب، لكن نشوز الزوجة هو السبب، ومعناه استعلاؤها على زوجها، أو كما قال أحد المفسرين: تطلّعها إلى غير زوجها، وهنا يجب معالجة المشكلة درءًا لتفكك روابط الأسرة، والتدرج القرآني أمر مطلوب.. فالوعظ قد يكفي عند البعض، والهجر الوسيلة الأكثر إيلامًا من الناحية(65/216)
النفسية التي تصلح البعض الآخر، ومن لا تنفع معها الأساليب السابقة فإن الضرب غير المبرّح مع اجتناب الوجه قد يكون علاجًا مرًّا.. لكن الأمرّ هو خراب الأسرة.
إن طاعة المرأة لزوجها ليست مطلقة، وعليها التشبث بحقوقها وعدم التنازل عنها إلا برغبتها، والعلاقة الزوجية وصفها الله تعالى في كتابه الكريم بالـ (السكن والمودة)، فأين السكن الذي يؤمّنه عناد الزوجة، والمودة لا يمكن أن تدوم مع الإصرار على الرأي، وإذا فهمت أنها تتعبد الله بحسن تبعّلها لزوجها وطلبها مرضاته، فهذا ينفي عنها الشعور بانتقاص الكرامة، فهي تطيعه لتؤجر من الله.
إن علاقة "سي السيد" قد تجاوزها الواقع، والمرأة أصبحت أقدر على فهم حقوقها والمطالبة بها، وقد تتجاوزها في بعض الأحيان، فهناك شريحة كبيرة من الأزواج يصارعون من أجل تحصيل حقوقهم.
- أما الطلاق دون علمها والنقاش حول ذلك بين العلماء، فاعلمي أن الزوج الذي يقوم بذلك دون سبب وجيه هو آثم، والله تعالى يقول: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا)، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر) رواه مسلم، ويفرك يعني يبغض.
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لا تبنى كل البيوت على الحب، فأين التذمم والمروءة.
أختي؛
إن العقل الذي يسكن رؤوسنا يدعونا إلى فهم حقوقنا التي أكرمنا الله بها والمطالبة بها والاعتراض على من ينتقصها، لأنه يسيء إلى دينه ويشوّه حقيقته.
ثبتنا الله وإياك على طاعته والتزام أوامره.
ـــــــــــــــــــ
حق الزوجة في النفقة الملائمة لحالها وحال زوجها ... العنوان
أنا زوجة لرجل موسر، له عقارات ورصيد في البنوك، ولكنه مريض بالبخل، لا تخرج النقود من يده إلا بعد معاناة وجهد . وقد انعكس هذا على حياتي، فلا يعطيني لنفقة البيت إلا النزر اليسير، الذي لا يلائم حال رجل في مثل مركزه . ولهذا أرى بيوت كثير من الناس المحدودي الدخل خيرًا من بيتي، وأرى نساءهم أحسن مظهرًا مني: في الملابس والحلي وسائر ما تحتاج إليه المرأة في عصرنا . وأرى أولادهم أيضًا خيرًا من أولادي.
فهل يجيز الشرع لهذا الزوج أن يضيق علينا وقد وسع الله عليه، وآتاه من فضله الشيء الكثير؟
وماذا تصنع الزوجة إذا قتر عليها زوجها في النفقة، أترفع أمرها إلى المحكمة، وفي ذلك ما فيه من فضيحة اجتماعية، قد تهدم الحياة الزوجية من الأساس ؟ أم تأخذ من مال الزوج - إن استطاعت - بدون إذنه ولا علمه ؟ وهل تعد آثمة في هذه الحال لأنها أخذت مالاً بغير إذن مالكه ؟ وما الحل إذن ؟ . أفتونا مأجورين ... السؤال
06/03/2007 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي(65/217)
... ... الحل ...
...
... الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
مما يؤسف له أن نجد كثيرًا من الأزواج في هذه القضية على طرفي نقيض . فبينما نجد فريقًا يرخي العنان للزوجة، تبذر وتبعثر، وتنفق على نفسها كيف تشاء فيما ينفع وما لا ينفع، وما لا يحتاج إليه . المهم أن تشبع غرورها وترضي طموحها، في السباق المجنون على أحدث الأزياء، وأطرف ما ابتدعته أوروبا وأمريكا دون نظر إلى مصلحة عائلية أو وطنية أو قومية . ولا اعتبار لما يخبئه الغد من مفاجآت . . تجد مقابل هذا الفريق فريقًا آخر يقتر على الزوجة، ويضيق عليها الخناق، فلا يعطيها ما يكفيها، ويشبع حاجتها المعقولة بالمعروف.
مع أن الله تعالى أوجب في كتابه التوسط بين الإسراف والتقتير في الإنفاق، فقال سبحانه: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا) الإسراء 29.
ووصف عباد الرحمن بقوله: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا). الفرقان 67
ولم يحدد الشرع في النفقة على المرأة مقدارًا معينًا من الدراهم أو غيرها . بل الواجب هو تلبية حاجتها بالمعروف . والحاجة تختلف من عصر لآخر، ومن بيئة لأخرى، ومن وسط لآخر، ومن رجل لآخر .
فالمدنية غير الريفية، والحضرية غير البدوية، والمثقفة غير الأمية، والناشئة في بحبوحة النعيم غير الناشئة في خشونة الشظف، وزوجة الثري غير زوجة المتوسط غير زوجة الفقير . وقد أشار القرآن إلى شيء من ذلك . فقال: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا). (الطلاق: 7).
وفي متعة المطلقة نبه على هذا المعنى فقال: (لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ). (البقرة: 236).
وما أجمل ما ذكر الإمام الغزالي في " الإحياء " من آداب النكاح عن الاعتدال في النفقة حيث قال: فلا ينبغي أن يقتر عليهن في الإنفاق، ولا ينبغي أن يسرف، بل يقتصد قال تعالى: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف: 31) .. وقال تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) (الإسراء: 29) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيركم خيركم لأهله " (أخرجه الترمذي من حديث عائشة وصححه) وقال صلى الله عليه وسلم: " دينار أنفقته في سبيل الله (أي في الجهاد) ودينار أنفقته في رقبة (أي في العتق) ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك " (أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة) وقيل: كان لعلي أربع نسوة، فكان يشتري لكل واحدة في كل أربعة أيام لحمًا بدرهم.(65/218)
وقال ابن سيرين: يستحب للرجل أن يعمل لأهله في كل جمعة فالوذجة (نوعا من الحلوى) قال الغزالي: وكأن الحلاوة وإن لم تكن من المهمات ولكن تركها بالكلية تقتير في العادة.
ولا ينبغي أن يستأثر عن أهله بمأكول طيب، فلا يطعمهم منه، فإن ذلك مما يوغر الصدور، ويبعد عن المعاشرة بالمعروف، فإن كان مزمعًا على ذلك، فليأكل بخفية، بحيث لا يعرف أهله ولا ينبغي أن يصف عندهم طعامًا ليس يريد إطعامهم إياه . وإذا أكل فيقعد العيال كلهم على مائدته . . (إحياء علوم الدين، جـ 2، ص 47، ط. دار المعرفة - بيروت). . إلخ ".
ولكن ما الذي يفرضه الشرع للزوجة من النفقة ومطالب المعيشة ؟.
لنسمع ما يقوله في ذلك الفقه المستند إلى الكتاب والسنة . ..
قال شيخ الإسلام ابن قدامة الحنبلي في كتابه " الكافي ":
(يجب للمرأة من النفقة قدر كفايتها بالمعروف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " (متفق عليه) ولأن الله قال: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (البقرة: 233) والمعروف: قدر الكفاية، لأنها واجبة لدفع الحاجة . فتقدرت بالكفاية كنفقة المملوك فإذا ثبت أنها غير مقدرة، فإنه يرجع في تقديرها إلى الحاكم (أي القاضي) فيفرض لها قدر كفايتها من الخبز والأدم.
ويجب لها في القوت الخبز، لأنه المقتات في العادة.
وقال ابن عباس في قوله تعالى: (}مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) (المائدة: 89) الخبز والزيت . وعن ابن عمر: الخبز والسمن، والخبز والزيت، والخبز والتمر . ومن أفضل ما تطعمهم: الخبز واللحم.
ويجب لها من الأدم بقدر ما تحتاج إليه من أدم البلد: من الزيت والسيرج والسمن واللبن واللحم، وسائر ما يؤتدم به، لأن ذلك من النفقة بالمعروف، وقد أمر الله تعالى ورسوله به.
ويختلف ذلك بيسار الزوج وإعساره، لقوله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) (الطلاق: 7) وتعتبر حال المرأة أيضًا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " فيجب للموسرة تحت الموسر من أرفع خبز البلد وأدمه بما جرت به عادة مثلها ومثله، وللفقيرة تحت الفقير من أدنى خبز البلد وأدمه على قدر عادتهما، وللمتوسطة تحت المتوسط.
وإذا كان أحدهما غنيًا والآخر فقيرًا ما بينهما كل على حسب عادته، لأن إيجاب نفقة الموسرين على المعسر، وإنفاق الموسر نفقة المعسرين، ليس من المعروف، وفيه إضرار بصاحبه.
وتجب الكسوة للآية والخبر، ولأنه يحتاج إليها لحفظ البدن على الدوام، فلزمته كالنفقة ويجب للموسرة تحت الموسر من رفيع ما يلبس في البلد من الإبريسم والخز والقطن والكتان وللفقيرة تحت الفقير من غليظ القطن والكتان، وللمتوسطة تحت(65/219)
المتوسط، أو إذا كان أحدهما موسرًا، والآخر معسرًا، ما بينهما على حسب عوائدهم في الملبوس، كما قلنا في النفقة.
ويجب لها مسكن، لأنها لا تستغني عنه للإيواء، والاستتار عن العيون، للتصرف والاستمتاع ويكون ذلك على قدرهن، كما ذكرنا في النفقة.
وإن كانت ممن لا يخدم نفسها، لكونها من ذوات الأقدار، أو مريضة، وجب لها خادم، لقوله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وإخدامها من العشرة بالمعروف، ولا يجب لها أكثر من خادم، لأن المستحق خدمتها في نفسها، وذلك يحصل بخادم واحد، ولا يجوز أن يخدمها إلا امرأة، أو ذو رحم محرم، أو صغير). (الكافي لابن قدامة، جـ 2، ص 985 وما بعدها) ا هـ.
وقال صاحب " الروضة الندية " في بيان ما يجب للزوجة على الزوج من النفقة:
(هذا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، والأحوال والأشخاص، فنفقة زمن الخصب، المعروف فيها غير المعروف في زمن الجدب.
ونفقة أهل البوادي، المعروف فيها ما هو الغالب عندهم، وهو غير المعروف من نفقة أهل المدن.
وكذلك المعروف من نفقة الأغنياء، على اختلاف طبقاتهم، غير المعروف من نفقة الفقراء، والمعروف من نفقة أهل الرياسات والشرف، غير المعروف من نفقة أهل الوضاعات.
فليس المعروف المشار إليه في الحديث، هو شيء متحد، بل مختلف باختلاف الاعتبار) ا هـ.
قال الشوكاني: (والحق ما ذهب إليه القائلون بعدم التقدير، لاختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص، فإنه لا ريب أن بعض الأزمنة قد يكون أدعى للطعام من بعض، وكذلك الأمكنة، فإن بعضها قد يعتاد أهله أن يأكلوا في اليوم مرتين، وفي بعضها ثلاثًا، وفي بعضها أربعًا . وكذلك الأحوال، فإن حالة الجدب تكون مستدعية لمقدار من الطعام أكثر من المقدار الذي تستدعيه حالة الخصب . وكذلك الأشخاص، فإن بعضهم قد يأكل الصاع فما فوقه، وبعضهم قد يأكل نصف صاع، وبعضهم دون ذلك.
وهذا الاختلاف معلوم بالاستقراء التام، ومع العلم بالاختلاف يكون التقدير على طريقة واحدة ظلمًا وحيفًا.
ثم إنه لم يثبت في هذه الشريعة المطهرة التقدير بمقدار معين قط، بل كان صلى الله عليه وسلم يحيل على الكفاية مقيدًا لذلك بالمعروف، كما في حديث عائشة عند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وأحمد بن حنبل وغيرهم: " أن هندًا قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم . فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ".
فهذا الحديث الصحيح، فيه الإحالة على الكفاية، مع التقييد بالمعروف، والمراد به الشيء الذي يعرف وهو خلاف الشيء الذي ينكر، وليس هذا المعروف الذي أرشد إليه الحديث شيئًا معينًا ولا المتعارف بين أهل جهة معينة، بل هو في كل جهة باعتبار ما هو الغالب على أهلها، المتعارف بينهم.(65/220)
ويعتبر في كل محل بعرف أهله، ولا يحل العدول عنه إلا مع التراضي وكذلك الحاكم، يجب عليه مراعاة المعروف بحسب الأزمنة والأمكنة، والأحوال والأشخاص، مع ملاحظة حال الزوج في اليسار والإعسار، لأن الله تعالى يقول: (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) (البقرة: 236). وإذا تقرر لك أن الحق عدم وجود تقدير الطعام بمقدار معين، فكذلك لا يجوز تقدير الإدام بمقدار معين، بل المعتبر الكفاية بالمعروف.
وقد حكى صاحب البحر، أنه قدر في اليوم أوقيتان دهنًا من الموسر، ومن المعسر أوقية، ومن المتوسط أوقية ونصف). (الروضة الندية شرح الدرر البهية، جـ 2 ص 77).
" وفي شرح الإرشاد أنه يعتبر الإدام تقدير القاضي باجتهاده عند التنازع، فيقدر في المد من الإدام ما يكفيه، ويقدر على الموسر ضعف ذلك، وعلى المتوسط بينهما، ويعتبر في اللحم عادة البلد للموسرين والمتوسطين كغيرهم ".
ثم الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " أن ذلك غير مختص بمجرد الطعام والشراب، بل يعم جميع ما يحتاج إليه، فيدخل تحته الفضلات (الكماليات) التي قد صارت بالاستمرار عليها مألوفة، بحيث يحصل التعذر بمفارقتها أو التضجر أو التكدر . ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة والأحوال، ويدخل فيه الأدوية ونحوها، وإليه يشير قوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (البقرة: 233) فإن هذا نص في نوع من أنواع النفقات إن الواجب على من عليه النفقة رزق من عليه إنفاقه، والرزق يشمل ما ذكرناه.
وبهذا البيان يتضح للأخت السائلة الجواب عن سؤالها بشقيه، وفي جوابه صلى الله عليه وسلم لهند في موقفها من زوجها أبي سفيان وشحه: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " وفيما نقلناه من كلام العلماء حول المراد بـ (الكفاية) و(المعروف) ما ينير الطريق أمام صاحبة الاستفتاء هنا، كيف تتصرف مع زوجها البخيل عليها.
أجل فيما قدمنا من البيان ما يكفي ويشفي . ولله الحمد
أولاً وآخرًا.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حق الزوجة في السكن المناسب ... العنوان
إذا أرادت الزوجة أن تستقل بمسكن خاص بها وحدها لا يشاركها فيه أهل الزوج وعارض أهل الزوج(الوالد والوالدة) ذلك ؛ فماذا يفعل هذا الزوج ؟
أفتونا مأجورين
... السؤال
06/03/2007 ... التاريخ
الشيخ محمد صالح المنجد ... المفتي
... ... الحل ...
...(65/221)
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
من حق المرأة أن يكون لها سكن مستقل خاص بها، ويجب على الزوج أن يوفر لها هذا المسكن، بحسب ما يتناسب مع حالها في حدود قدرة الزوج .
يقول الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية : -
لقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من دخول أقارب الزوج الأجانب على الزوجة كما جاء عن عقبة بن عامر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال: الحمو الموت ". رواه البخاري ( 4934 ) ومسلم ( 2172 )، والحمو : قريب الزوج الذي ليس محرما للزوجة .
فلا يجوز لها الخلوة بأحد من أحمائها اللهم إلا إذا كانوا صغاراً لا يُخشى منهم ولا يُخشى عليهم .
ويجب على الزوج أن يؤمن لزوجته مسكناً يسترها عن عيون الناس ويحميها من البرد والحر بحيث تسكن وتستقر وتستقل به ، ويكفي من ذلك ما يلبي حاجتها كغرفة جيدة الحال مع مطبخ وبيت خلاء إلا أن تكون الزوجة اشترطت سكناً أكبر من ذلك حال العقد ، وليس له أن يوجب عليها أن تأكل مع أحدٍ من أحمائها.
وتوفير المسكن يكون على قدر طاقة الزوج بحيث يليق عُرفا بحال الزوجة ومستواها الاجتماعي، ودليل ذلك:
أ ـ قال ابن حزم رحمه الله : ويلزمه إسكانها على قدر طاقته لقول الله تعالى : ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى } [ سورة الطلاق / 6 ] . " المحلى " ( 9/ 253 ) .
ب ـ وقال ابن قدامة رحمه الله : ويجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى { أسكنوهن ... } ، فإذا وجبت السكنى للمطلَّقة فللتي في صلب النكاح أولى ، قال الله تعالى { وعاشروهن بالمعروف .
ومن المعروف أن يسكنها في مسكن ، ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون ، وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع. "المغني " ( 9 / 237 ) .
ج ـ قال الكاساني رحمه الله : ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربها ، فأبت ذلك عليه فإن عليه أن يسكنها منزلا منفردا ... ولكن لو أسكنها في بيت من الدار _ ( أي في غرفة ) _ وجعل لهذا البيت غِلقاً على حدة كفاها ذلك وليس لها أن تطالبه بمسكن آخر لأن الضرر بالخوف على المتاع وعدم التمكن من الاستمتاع قد زال ."بدائع الصنائع "( 4 / 23 ).
د ـ قال الحصكفي رحمه الله - من السادة الحنفية - : وكذا تجب لها السكنى في بيت خالٍ عن أهله وأهلها بقدر حالهما كطعام وكسوة وبيت منفرد من دار له غلق ومرافق ومراده لزوم كنيف (أي : بيت خلاء ) ومطبخ كفاها لحصول المقصود .أ.هـ.(65/222)
وعلَّق ابن عابدين فقال : والمراد من ( الكنيف والمطبخ ) أي : بيت الخلاء وموضع الطبخ بأن يكونا داخل البيت (أي : الغرفة ) أو في الدار لا يشاركهما فيهما أحد من أهل الدار .أ.هـ
وعلى هذا فيجوز للزوج أن يسكن الزوجة في غرفة من البيت يتبعها مرافقها إذا لم تكن هناك فتنة أو خلوة بأحد ممن لا تحرم عليهم ، وكانوا في سن البلوغ ، وليس له أن يجبرها على العمل لهم في المنزل أو أن تأكل وتشرب معهم ، وإذا استطاع أن يوفّر لها سكنا منفصلا عن سكن أهله تماما فهذا أحسن .
ولكن إذا كان والداه كبيرين يحتاجان إليه وليس لهما من يخدمهما ولا يُمكن خدمتهما إلا بالسّكن بجوارهما فيجب عليه ذلك .
وأخيراً :
ندعو الزوجة إلى التحلّي بالصبر والعمل على إرضاء الزوج ومساعدته ما أمكن في برّ أهله حتى يأتي الله بالفرج والسّعة ، وصلى الله على نبينا محمد .
والله أعلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
... الاسم ...
تخيير الزوجة في البقاء مع زوجها في الجنة ... العنوان
أنا متزوجة ولدي أولاد وزوجي سيئ الأخلاق ولكني صابرة وراضية بحكم الله، وسؤالي هو هل أنا مأجورة على صبري؟ وسؤالي الأخر بأني لا أريد زوجي في الآخرة فهل يعوضني الله بخير منه وأنا أدعو الله دائماً بأن لا يكون زوجي معي في الآخرة فهل هذا ممكن؟ ... السؤال
24/12/2005 ... التاريخ
الشيخ فيصل مولوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فالصبر على تربية الأولاد تربية إسلامية صحيحة له أجر عظيم عند الله تعالى، وهذه المسئولية العظيمة تقع على عاتق الزوجين، وإذا قصر الزوج في قيامه بواجبه فإنه يأثم لذلك، والزوجة التي تصبر على سوء خلق الزوج من أجل تربية أولادها يضاعف لها الأجر عند الله، أما بقاؤها مع هذا الزوج سيئ الخلق في الجنة فإن الله تعالى يخيرها في ذلك، إن شاءت كان لها زوجا في الجنة وإن أبت فلها ذلك ويختار الله لها من النعيم ما يشاء، على أن النفوس يوم القيامة ستتبدل وسينزع الله منها الغل والحقد.
وإليك فتوى سماحة المستشار فيصل مولوي -نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء-:
فإن المرأة مأجورة عند الله تعالى على تربية أولادها مطلقا، فكيف إذا ضاقت عليها الدنيا بسوء خلق زوجها وتكاد من أجل هذا أن تترك أولادها وأطفالها الصغار، لكن صبرت وصابرت وتحملت كل ألوان الأذى من زوجها من أجل أطفالها وحتى لا(65/223)
تتركهم يتشردون في الطرقات فيضيعون، فإن لها بذلك الثواب المضاعف إن شاء الله تعالى وقد ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: دخلت علي امرأة ومعها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها، فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا، فأخبرته فقال: " من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار" متفق عليه وقوله (ابتلي) أي من اختبره الله بهن وقد سماه ابتلاء لموضع الكراهة عند بعض الناس لهن.
وجاء في حديث آخر أخرجه مسلم أنه عليه الصلاة والسلام قال: " إن الله قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها من النار" أنظر رياض الصالحين باب ملاطفة اليتيم والبنات.
وهكذا يتبين أن حضانة الأولاد وحمايتهم من الجوع والتشرد ليس له ثواب عند الله إلا الجنة وأرجو أن تكوني أيتها الأخت السائلة منهن إن شاء الله.
أما الوالد إذا قصر في حق أطفاله وزوجته فإن الله سوف يحاسبه على ذلك إن تعمده، فكيف إذا ألحق الأذى بهم ظلماً وعدوانا، أو منع عنهم النفقة وما يحتاجون إليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" حديث صحيح أخرجه أبو داوود وغيره ومسلم في معناه. فالحديث يبين أنه يكفي الرجل مؤاخذه من الله إن هو ضيع من وجبت عليه نفقتهم من الأولاد والزوجة وغيرهم وكان قادراً عليها، والحقيقة أن التضييع للعيال هو أعم من كونه امتناعاً عن نفقتهم لكون نفقتهم واجبة عليه. بل الواجب عليه النفقة والتربية على الآداب الإسلامية والأمر بطاعة الله تعالى.
ولقد عاب الإمام ابن أبي جمرة على العلماء الذين إذا تحدثوا عن حق الزوجة على الزوج والأولاد على الأب إنهم يحصرون ذلك في الطعام والشراب والمسكن ويغفلون جانب حملهم على طاعة الله تعالى وأنه من حقهم عليه، ويؤكد الإمام بأن هذا الجانب آكد من الجانب الآخر لأن جانب الطعام والشراب والسكنى يسقط بالإعسار وجانب الإرشاد إلى الدين وتعليمه لا يسقط مطلقاً. أنظر بهجة النفوس جزء2 ص 47.
والآيات والأحاديث كثيرة في حرمة إلحاق الضرر بالزوجة مطلقاً فكيف إذا كان ذلك لسبب من جهته والله يقول (وعاشروهن بالمعروف).
أما السؤال عن أن الأخت السائلة لا تريد زوجها هذا في الجنة – جعلنا الله وإياكم من أهلها – فإنه من المعروف أن الإنسان المؤمن يعيش سعيداً في الجنة وفي غاية النعيم وأن الآيات الكريمة تؤكد أن لهم مما يشتهون فيها وما يتخيرون، فكيف نتصور أن امرأة من أهل الجنة تجبر لتكون زوجة فلان في الجنة، فإن هذا لا ينسجم مع هذا النعيم المطلق لان الاشتهاء والاختيار
هما أساس هذا النعيم في الجنة.
وقد ذكر الإمام القرطبي المسألة وأورد فيها الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم، وأن مبنى ذلك على التخيير أو حسن الخلق من الزوج. أنظر التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة جزء2 ص 640(65/224)
إلا أنه ذكر التخيير بين الزوجين فيما إذا كانت المرأة تزوجت مرتين فزوجة من هي في الآخرة؟
يضاف إلى ذلك أن أحوال أهل الجنة وطبائعهم لا تقاس على أحوال أهل الدنيا وطبائعهم، فالرجل في الجنة هو غير الرجل في الدنيا تماماً وإن كان هو هو بروحه وجسده لأن أهل الجنة أهل الصفاء والطهر قد نزع الله من قلوبهم الكبر والحقد والحسد والبغض وما إلى ذلك
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
الطلاق العاطفي وأثره على الحياة الزوجية ... العنوان
أنا وزوجي نعيش كزوجين عاديين ، فقد فقدت العاطفة والحب بيننا ، وأصبحت الحياة أشبه بالروتين ، فهل هذا يعني أن الحياة بيننا لا تصلح ، وهل الأفضل في نظر الشرع هو الانفصال ؟ ... السؤال
07/12/2005 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فغياب العاطفة بين الزوجين، وإن كان أمرا له خطره في الحياة الزوجية، لكنه لا يعني انفصال الحياة بينهما، أو أن من الأولى الانفصال بالطلاق، بل الواجب النظر إلى أسباب هذا الجفاف العاطفي والسعي لعلاجه، ويبقى الزوجان زوجين مع صبر كل منهما على الآخر.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
على كل من الزوجين أن يصبر على صاحبه ويجب على المسلم أن يصبر على زوجته إذا رأى منها بعض ما لا يعجبه من تصرفها، ويعرف لها ضعفها بوصفها أنثى، فوق نقصها كإنسان، ويعرف لها حسناتها بجانب أخطائها، ومزاياها إلى جوار عيوبها. وفي الحديث: "لا يفرك -أي: لا يبغض- مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقا رضي منها غيره". وقال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) سورة النساء:19.
وكما أوجب الإسلام على الزوج الاحتمال والصبر على ما يكره من زوجته أمر الزوجة هي الأخرى أن تعمل على استرضاء زوجها بما عندها من قدرة وسحر، وحذرها أن تبيت وزوجها غاضب.
وفي الحديث: "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا: رجل أم قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان (متخاصمان)". انتهى
وفي طبيعة العلاقة بين الزوجين يقول الشيخ سيد قطب في تفسيره الظلال:(65/225)
الناس يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الأخر ، وتشغل أعصابهم ومشاعرهم تلك الصلة بين الجنسين ؛ وتدفع خطاهم وتحرك نشاطهم تلك المشاعر المختلفة الأنماط والاتجاهات بين الرجل والمرأة . ولكنهم قلما يتذكرون يد الله التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجا ، وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر ، وجعلت في تلك الصلة سكنا للنفس والعصب ، وراحة للجسم والقلب ، واستقرارا للحياة والمعاش ، وأنسا للأرواح والضمائر ، واطمئنانا للرجل والمرأة على السواء.
والتعبير القرآني اللطيف الرفيق يصور هذه العلاقة تصويرا موحيا ، وكأنما يلتقط الصورة من أعماق القلب وأغوار الحس: لتسكنوا إليها . . وجعل بينكم مودة ورحمة. .
إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون. . فيدركون حكمة الخالق في خلق كل من الجنسين علي نحو يجعله موافقا للآخر ملبيا لحاجته الفطرية: نفسية وعقلية وجسدية . بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار ؛ ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء ، والمودة والرحمة ، لأن تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي ملحوظ فيه تلبية رغائب كل منهما في الآخر ، وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية لإنشاء حياة جديدة تتمثل في جيل جديد. .
ومن آياته خلق السماوات والأرض ، واختلاف ألسنتكم وألوانكم . إن في ذلك لآيات للعالمين.انتهى
و يقول مسعود صبري الباحث الشرعي بكلية دار العلوم:
إن الحديث عن الانفصال العاطفي بين الزوجين ، أو يمكن تسميته مجازا " الطلاق العاطفي " يتطلب معرفة منهج الإسلام في الزواج ، فكثير من الناس يظن أن الزواج في الإسلام لا يقوم على العاطفة، وإنما ينظر الرجل إلى المرأة ،أو لا ينظر إليها في بعض الأوساط ، فإن أعجبته ذهب إلى بيت أبيها ليطلب زواجها ، ويتم الاتفاق على المهر والتجهيز ثم يكون البناء ، وتبدأ عجلة الحياة الزوجية.
ومن المعلوم أن معرفة أي حكم يرجع فيه إلى كتاب الله ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، كمصدرين للأحكام الشرعية في الإسلام ، بل وكمنهج حياة للمسلمين ، لأن حصر فائدة القرآن والسنة في معرفة الحكم الشرعي ضرب من التقييد المرفوض.
وحين نستنطق القرآن الكريم في آيات الزواج يكاد ينطق بإقامة الحياة الزوجية على الحب والعاطفة ، وعلى الاحترام المتبادل بين الزوجين ، ليفضي كل منهما إلى الآخر بمشاعره وأحاسيسه ووجدانه في جو من النظافة النفسية ، ولتتغذى الأرواح بكل الحب الذي يثاب عليه الزوجان.
ومن ذلك قول الله تعالى :" ومِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" ، فالقرآن يشيرإلى بناء الأسرة على السكن والمودة والرحمة ، وكلها معان تدخل في دائرة العاطفة والحب.
وتكرر هذا المعنى في آية أخرى ، حيث قال الله تعالى :" هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا"، فليس هناك ألفة بين اثنين ، كألفة الزوجين.
ولذا جعلها الله تعالى آية من آياته التي يجب أن يتدبر فيها.(65/226)
قال الإمام ابن كثير:
لو أنه تعالى جعل بني آدم كلهم ذكورا وجعل إناثهم من جنس آخر من غيرهم إما من جان أو حيوان لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج بل كانت تحصل نفرة لو كانت الأزواج من غير الجنس ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم وجعل بينهم وبينهن مودة وهي المحبة ورحمة وهي الرأفة فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد أو محتاجة إليه في الإنفاق أو للألفة بينهما وغير ذلك " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون. انتهى
وقيل معنى المودة والرحمة : عطف قلوبهم بعضهم على بعض.
وقال ابن عباس : قال : المودة حب الرجل امرأته , والرحمة رحمته إياها أن يصيبها بسوء.
والعاطفة تأتي من خلال الارتياح النفسي لكل من الرجل والمرأة ، ولذا أباح الشارع الحكيم النظر إلى المخطوبة قبل خطبتها ، ويعلو شأن النظر في الشريعة حين يرفض الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتزوج رجل امرأة دون أن يراها ولا أن يتأكد من نفسه الأنس بها ، وكأن هناك تصحيح لعادة مغلوطة ، وهي الزواج دون دراسة و معرفة ، فيخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه :" انظر إليها ، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ".
وذلك أن النظر أولى رسائل القبول بين الرجل والمرأة.
ويتأكد هذا المعنى في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه النسائي:" خير نسائكم التي إذا نظر إليها زوجها سرته،....".
ولئن كان الحب لابد فيه من التعبير ، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يظهر هذا الحب لأزواجه ، ويظهر هذا في كثير من أحاديثه ، فمن ذلك:
" يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام ".
و عن عائشة قالت أول سورة تعلمتها من القرآن طه فكنت إن قلت: {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} إلا قال صلى الله عليه وسلم: لا شقيت يا عائش ".
بل يصرح الرسول صلى الله عليه وسلم بحبه لنسائه على ملأ من الصحابة ، فعن عمرو بن العاص قال: قيل: يا رسول الله! أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، فقال: من الرجال؟ قال: أبوها، قال: ثم من؟ قال: ثم أبو عبيدة "
ويلاحظ أن أول ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أحب الناس إليه ، قال :عائشة،ثم لما أخبره عمرو رضي الله عنه أنه يقصد الرجال عدد رجالا من أصحابه.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة في إثراء مظاهر الحب بين الزوجين ، فقد كان يلاعب عائشة ، بل ويترك لها أحيانا لعبا تلعب بها ، مراعاة لسنها ، بل لما قام الأحباش في المسجد يلعبون وقفت عائشة رضي الله عنها خلفه لتشاهدهم ، فلما ملت استأذنت الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك مراعاة للزوجة الصغيرة.
وكانت إذا شربت من الإناء ، أمسكه ووضع فمه في موضع فمها وشرب.
بل كان يمسك العظم الذي به اللحم بعد أن تأكل عائشة ، فيضعه فمه في موضع فمها ، وكان كثيرا ما ينام في حجرها.(65/227)
بل ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجري مسابقة جري بينه وبين عائشة أكثر من مرة، فسبقته أول مرة ، ثم سبقها في مرة أخرى ، فداعبها قائلا :هذه بتلك.
وكان صلى الله عليه وسلم ربما رأى ما يحدث بين أزواجه من مشاحنات ، فيبتسم مما يفعلن ، كما يحدث بين الضرائر.
وكان صلى الله عليه وسلم يهدي إليهن بعض الهدايا ، ترقيقا لقلوبهن ، وتطييبا لخاطرهن ، فتظن كل منهن أن لها الصدارة في قلبه صلى الله عليه وسلم.
فإن كان هذا شأن نبي الأمة صلى الله عليه وسلم ، مع ما كان عليه من أعباء الدعوة والجهاد في سبيل الله، والسعي لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وقيامه الليل ،فإن من الأولى أن يكون الأمر أكثر فسحة بين المسلمين ، فقد أرشدهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى منهج الحب بين الزوجين ، وأعطاهم نماذج ليست للحصر ، و لكن للاقتداء والزيادة.
وهذا يعني أن العاطفة لها شأن كبير في الحياة الزوجية في الإسلام ، وأن العيش مع الانفصال العاطفي هو أشبه بالموات أو الفراق ، ولئن كان الإنسان روحا وجسدا ، فإن انفصال الروح يأذن بانفصال الجسد ، غير أن هذا لا يعني أن الحياة بين الزوجين مستحيلة ، كما لا يعني عدم جواز المعاشرة ، فقد أمر الإسلام الزوجين أن يصبر كل منهما على الآخر.
وأن ينظرا إلى وسائل العلاج التي تعيد الحب بينهما ، وتقويه في حياتهما ، ليهنئا بحياة سعيدة كما أرادها الإسلام. والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
غياب الزوج عن زوجته.. حكمه وضوابطه ... العنوان
أنا مقيم في السعودية بدون زوجتي وأولادي، وأنزل لهم في السنة مرتين .
ولكن زوجتي في الفترة الأخيرة أصبحت غير راضية عن هذا الوضع وتطلب مني أنزل وأستقر في بلدي الأصلي.
ولكن أنا أسوف وأماطل وأطلب منها التمهل حيث الحياة الاقتصادية في بلادنا صعبة جدا.
فهل أنا آثم بهذا التسويف حيث إنها تلح علي إلحاحا شديدا ؟
... السؤال
23/08/2005 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
لزوجتك حق في أن تطلب منك إنهاء سفرك والعودة إليها ، وأقصى ما يمكنك أن تتغيبه عنها دون إذنها أربعة أشهر فقط ، وما زاد على ذلك فلا بد فيه من موافقتها.
يقول الشيخ عطية صقر – رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا :-
لا شك أن من أهم مقاصد الزواج تنظيم نشاط الغريزة الجنسية ، الذي يكون من آثاره عفة الزوج والزوجة عن الحرام ، والذرية التي تتربى في ظل الأسرة(65/228)
المستقرة، فكما أن له حقا في اتصاله بها كذلك هي لها حق في الاتصال به ، وإن كان الحياء يكفها عن المطالبة به بطريق مباشر في غالب الأحيان ، فهي مثله مخلوق بشرى تتحرك فيه الغريزة ، والزواج هو الفرصة المشروعة لتلبية ندائها ، ومن هنا لم يرض النبي صلى الله عليه وسلم عمن عزم ألا يتزوج ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص الذي صرفته عبادته عن حق زوجته ، وعن أبى الدرداء الذي ترك زوجته مكتئبة بملابسها المبتذلة ، لانشغاله بصيام النهار وقيام الليل ، وكل ذلك وردت به الأحاديث الصحيحة .
إن كلا من الزوجين حين يبتعد أحدهما عن الآخر يحس بالفراغ وينتابه القلق ويتعطش للاطمئنان على نصفه الآخر، ويغذى هذا الشعور أمران :
أحدهما يحتاجه الجسد ، والآخر يحتاجه القلب ، وإذا طال أمد البعد قوى ألم الفراق ، وربما أورث مرضا أو أمراضا ، وعند طلب العلاج قد يكون الزلل إن لم يكن هناك عاصم من دين وحصانة من أخلاق ؟ وقد جاء في المأثور أن عمر رضي الله عنه سمع – وهو يتفقد أحوال رعيته ليلا- زوجة تنشد شعرا تشكو فيه بُعْدَ زوجها عنها لغيابه مع المجاهدين ، وتضمن شعرها تمسكها بدينها وبوفائها لزوجها ، ولولا ذلك لهان عليها بعده ، وذلك بآخر يؤنسها في غيبة الزوج .
إن بعد الزوج عن زوجته - حتى لو وافقت عليه حياء أو مشاركة في كسب يفيدهما معا- يختلف في أثره عليها ، ولا تساوى فيه الشابة مع غيرها ، ولا المتدينة مع غيرها ، ولا من تعيش تحت رعاية أبويها مع من تعيش وحدها دون رقيب ، وإذا كنت أنصح الزوجة بتحمل بعض الآلام لقاء ما يعانيه الزوج أيضا من بعد عنها فيه مصلحتهما معا، فإني أيضا أنصح الزوج بألا يتمادى في البعد ، فإن الذي ينفقه حين يعود إليها في فترات قريبة سيوفر لها ولأولاده سعادة نفسية وعصمة خلقية لا توفرها المادة التي سافر من أجلها ، فالواجب هو الموازنة بين الكسبين، وشرف الإنسان أغلى من كل شيء في هذه الحياة، وإبعاد الشبه والظنون عن كل منهما يجب أن يعمل له حسابه الكبير .
ولئن كان عمر رضي اللّه عنه بعد سؤاله حفصة أم المؤمنين بنته قد جعل أجل الغياب عن الزوجة أربعة أشهر( مصنف عبد الرزاق وتفسير للقرطبى "ج 3 ص 108 والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 96 وابن الجوزي في سيرة عمر ص 59 ) فإن ذلك كان مراعى فيه العرف والطبيعة إذ ذاك ، أما وقد تغيرت الأعراف واختلفت الطباع ، فيجب أن تراعى المصلحة في تقدير هذه المدة ، وبخاصة بعد سهولة المواصلات وتعدد وسائلها .
ومهما يكن من شيء فإن الشابة إذا خافت الفتنة على نفسها بسبب غياب زوجها فلها الحق في رفع أمرها إلى القضاء لإجراء اللازم نحو عودته أو تطليقها، حفاظا على الأعراض ، ومنعا للفساد ، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار . انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله-:-
الواجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف لقول الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف ) وحق العشرة حق واجب على الزوج لزوجته وعلى الزوجة لزوجها ، ومن المعاشرة بالمعروف أن لا يغيب الإنسان عن زوجته مدة طويلة؛ لأن من حقها(65/229)
أن تتمتع بمعاشرة زوجها كما يتمتع هو بمعاشرتها ، ولكن إذا رضيت بغيبته ولو مدة طويلة فإن الحق لها ، ولا يلحق الزوج حرج ، لكن بشرط أن يكون قد تركها في مكان آمن لا يخاف عليها ، فإذا غاب الإنسان لطلب الرزق وزوجته راضية بذلك فلا حرج عليه وإن غاب مدة سنتين أو أكثر ) (وإذا لم تسمح له بذلك فإن عليه أن يرجع إليها كلما مضت نصف سنة، إلا أن يكون معذورًا بمرض أو نحوه.) انتهى .
وقال الشيخ ابن جبرين من علماء السعودية -:-
قد حدد بعض الصحابة غيبة الزوج بأربعة أشهر ، وبعضهم بنصف سنة . ولكن ذلك بعد طلب الزوجة قدوم زوجها فإذا مضى عليها نصف سنة وطلبت قدومه وتمكن ؛ لزمه ذلك ، فإن امتنع فلها الرفع إلى القاضي ليفسخ النكاح . فأما إذا سمحت له زوجته بالبقاء ولو طالت المدة وزادت على السنة أو السنتين فلا بأس بذلك ، فإن الحق لها وقد أسقطته فليس لها طلب الفسخ ما دامت قد رضيت بغيابه، وما دام قد أمن لها رزقها وكسوتها وما تحتاجه .) .
والله أعلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لطلاق بلا سبب خطورته وحكمه ... العنوان
رجل يريد أن يطلق زوجته لا لعيب فيها ولا لسبب قوي عنده، وله منها أولاد، فهل عليه إثم...؟وجزاكم الله خيرا
... السؤال
18/05/2004 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فقد ذكر العلماء أن الطلاق هو آخر الدواء، وآخر محطات الحياة الزوجية، وجعل بيد الرجل لتعقله، ولأن آثاره تكون عليه، وإذا كان الطلاق من حق الرجل فلا يخلو الأمر من إثم إذا قصد بذلك إضرار المرأة، ويجب أن يراعي الرجل استمرار أسرته لأنه مسئول عنها.
يقول الأستاذ الدكتور عجيل النشمي أستاذ الشريعة بالكويت:
الطلاق إنما شُرع حلاً للمشكلات التي تنشأ في الأسرة ولا يمكن حلها، والطلاق خلاف الأولى وخلاف الأصل، فينبغي أن يكون بناءً على سبب، وإلاّّ كان استعمال الطلاق في غير موضعه وقد يكون وسيلة في هذه الحال للإضرار بالغير.
وقد ذكر الفقهاء أن الأصل في الطلاق الحظر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "أبغض الحلال إلى الله عز وجل الطلاق" (أبو داود) والطلاق فيه كفران بنعمة الزواج، قال تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" (الروم)، فإذا استفحل الخلاف بين الزوجين، ولم يمكن إصلاحه(65/230)
بأي طريق، كان الطلاق هو الحل، فإذا لم يكن هناك سبب فنخشى أن يكون هذا الفعل داخلاً في قوله تعالى: "والله لا يحب الفساد" (البقرة).
فهذا الفعل وما ترتب عليه مما لا يحبه الله، وداخل في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" (رواه أحمد)، لكن الحكم يختلف قطعاً ويترتب على المطلق الإثم إذا طلق المرأة مضارة لها أو لأهلها، أو لأخذ مال منها أو لعدم تعاونها معه على المنكر أو انتقاماً لفعل صدر من أهلها، ولا دخل لها فيه، وما إلى ذلك من المقاصد غير المشروعة، فصاحبها يستحق الإثم.
وعلى ذلك الرجل أن يتذكر رقابة الله، وما تحمّله من أمانة الأسرة والأولاد، وأن الله أكرمه بزوجة لم يجد عليها شيئاً يطلقها بسببه، وعليه أن يدعو الله أن يحببها إليه ويطرد عنه وساوس الشيطان، فإنه إن كره منها خلقاً فإن فيها من الأخلاق ما هو محمود. أ.هـ
ويقول الدكتور يوسف القرضاوي:
إن القرآن الكريم رغب في إمساك الزوجة المكروهة من زوجها، والصبر عليها، إبقاء على الأسرة، وحرصًا على استمرارها .
قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف، فإن كرهتموهن، فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا). (سورة النساء).
فأما الزوجة المطيعة الموافقة، فلا وجه لإيذائها بالفرقة، وإيحاشها بالطلاق، مع عدم الحاجة إليه، إلا أن يكون ضربًا من البغي عليها، ولاسيما إذا كانت ذات أولاد منه .
وقد قال تعالى في شأن الناشزات من الزوجات: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان عليًا كبيرًا). (سورة النساء).
فإذا كان البغي منهيًا عنه، ولو على المرأة الناشز ما دامت قد عادت إلى حظيرة الطاعة والموافقة، فكيف بالنساء الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله ؟!.
نجد أن الطلاق، كما قال صاحب " الهداية " من الحنفية: " قاطع للنكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية. (رد المختار).
وأنه - كما نقل صاحب " المغني " من الحنابلة - ضرر بالزوج وبالزوجة، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما، من غير حاجة إليه، فكان حرامًا كإتلاف المال، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا ضرر ولا ضرار ". (المغني لابن قدامة والحديث رواه ابن ماجة والدارقطني، وهو صحيح بمجموع طرقه).
إنه كما ذكر ابن عابدين من متأخري الحنفية - إذا كان بلا سبب أصلاً، لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص، بل يكون حمقًا وسفاهة رأي، ومجرد كفران بالنعمة، وإخلاص الإيذاء بها (بالمرأة) وبأهلها وأولادها ... فحيث تجرد عن الحاجة المبيحة له شرعًا، يبقى على أصله من الحظر . ولهذا قال تعالى: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً) أي لا تطلبوا الفراق. (رد المختار السابق).
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
علاج الزوجةأم حج النافلة ... العنوان(65/231)
زوجي رجلٌ متدين، يحافظ على فرائض الله، وقد حج مرة، ويريد أن يحج مرة ثانية، وأنا سيدة مريضة أحتاج إلى نفقات للعلاج، وهو يقتر علي وعلى نفقات علاجي، وبيننا مشاكل بسبب ذلك، فهل حجه للمرة الثانية مقدم على علاج زوجته؟ أرجو الإفادة. ... السؤال
06/06/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
كفل الإسلام للزوجة حياة سعيدة مع زوجها ،وأمر بالبر في المعاملة من كليهما ،قال تعالى :(وعاشروهن بالمعروف ). ومن البر أن ينفق الزوج على زوجته فيما تحتاجه من طعام وشراب وعلاج وكساء ،فيقدم علاج الزوجة على حج النافلة .
يقول الدكتور عبد الرحمن العدوي الأستاذ بجامعة الأزهر:
لقد فرض الله الحج على المستطيع من عباده مرة واحدة في العمر، فقال الله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً..} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا، فقال رجل أفي كل عام يا رسول الله؟ فسكت رسول الله ولم يجبه، فأعادها الرجل حتى قالها ثلاث مرات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم، ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مساءلتهم، واختلافهم على أنبيائهم" .
فالحج في المرة الثانية من النوافل والطاعات التي ليست واجبة، ولكنها يتقرب بها الإنسان إلى ربه، وفي الحديث القدسي: [وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه..] والإنفاق على الزوجة وعلاجها من الواجبات، التي أوجبها الله ـ تعالى ـ في قوله: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله..}.
فالنفقة واجبة على الزوج قدر استطاعته، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيرًا" وقال: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" وقال: "ما أكرم النساء إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم". وأنت أيها الزوج الذي وصفتك امرأتك بأنك متدين تحافظ على فرائض الله، أتظن أن فرائض الله محصورة في الصلاة والصوم والزكاة والحج؟ إن هذا فهم قاصر وخاطئ، ففرائض الله في العلاقات بين الناس كثيرة، وما جعلت العبادات إلا من أجل تزكية النفس، وخشية الله، فيكون لذلك أثره في العدل بين الناس، وأداء الحقوق وعدم الظلم، وإن لزوجك عليك حقًا، وهو حق واجب لما ذكرنا من الآيات والأحاديث، فلا تضيع هذا الحق على صاحبته، واعلم أن علاجها، والإنفاق عليها، وحسن معاشرتها تثاب عليه بأعظم وأحسن وأكمل مما تثاب على نافلة الحج في المرة الثانية، فلا تضيع الفريضة من أجل النافلة، فإن الفريضة يسألك الله عنها، ويعاقبك على التفريط فيها، وبخاصة إذا تعلقت بحق من حقوق العباد، كحق زوجتك عليك، فلا تضيعه حتى تسلم.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ(65/232)
طرد الزوج لزوجته ... العنوان
هل يجوز في الدين أن يطرد الرجل زوجته من البيت إلى بيت أهلها؛ نتيجة مشكلة حصلت، ولو كانت الزوجة مخطئة في المشكلة وهي السبب؟ وما النتيجة الشرعية في هذا الأمر ؟ وشكرا لكم.
... السؤال
21/01/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وجزاكم الله خيرا، وبعد:
فليس حل المشاكل الزوجية بطرد الزوج زوجته إلى بيت أهلها ، لأن ذلك نذير الخطر ، وكثيرا ما يأتي الفراق وتنهدم بيوت بسبب ذلك ، لأن هذه فرصة للشيطان الذي يحب الطلاق ويكافئ من يتسبب فيه من جنوده الملاعين ويقربه إليه ويدنيه ويقول له : أنت أنت .
وذلك لأن البعد يولد الجفاء ، والمطلوب في حالة المشاكل أن يتقارب الزوجان ويتفاهمان لحل أي مشكله ، ولأن المطلوب في العلاقة الزوجية الستر وعدم ظهور المشاكل إلا إذا تعذر حلها ولم يمكن الإصلاح بين الزوجين فيكون تدخل الصالحين من أهل الحل والعقد للإصلاح .
كل هذا والزوجة في بيت زوجها لا تغادره ، وهذا أولى من حالة وقوع الطلاق ـ لا قدر الله ـ حيث يجب على المطلقة قضاء العدة في بيت الزوجية ، وإذا كان الطلاق رجعيا يستحب لها التزين لزوجها ليكون أدعى للمراجعة.
والحل كما بين الله تعالى ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ) وفي الحديث ( واضربوهن ضربا غير مبرح ) أي لا يكسر ولا يجرح ، ( ولا تضرب الوجه ولا تقبح ) أي لا تسب .
فما دامت الزوجة كذلك فعلى الزوج أن يصبر عليها وينصحها ويعظها ، ثم يهجرها في البيت إن لم تستجب للنصح، ثم يضربها ضربا رمزيا خفيفا لعلها تدرك الخطر ، وإلا فعليه أن يدخل بينهما بعض المخلصين من أهل الصلاح والتقوى ، الذين يرجى الإصلاح على أيديهم ، ليصلحوا بينهما ويرجعونها إلى صوابها ، ويعلموها أنه جنتها إن أطاعته ـ في غير معصية ولا تعنت ـ وأحسنت التبعل ، ونارها إن خالفت ونشزت وأساءت .
وعليه قبل ذلك أن يستغفر الله كثيرا ، فما من مصيبة إلا بذنب ، كما قال بعض الصالحين من السلف : إني لأجد أثر معصيتي في سوء خلق زوجي ودابتي ، وقال الله تعالى : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) ، وفي الحديث : ( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب ) ، ونحن بهذا لا نتهم أحدا ولا نسيء الظن ـ معاذ الله ـ ولكن نرشد وننبه ابتغاء الإصلاح ، ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ) ، وهذا نبي الله يونس عليه السلام يدعوا : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ،(65/233)
فاستجبنا له ونجيناه من الغم ، وكذلك ننج المؤمنين * وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه ، إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) .
تقول الدكتورة سعاد صالح ، أستاذة ورئيس قسم الفقه بكلية الدارسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر فرع البنات :
الأصل في تنظيم العلاقة بين الزوجين هو قول الله تعالى:
"وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا"، ومن مقاصد الزواج السُّكْنى والمودة والرحمة، ولتحقيق هذه المقاصد يجب على كل من الزوجين عند حدوث خلاف عارض يصدر عن الآخر أن يعفو ويتجاوز هذا الخلاف، وخاصة الرجل الذي جعله الله سبحانه وتعالى قوَّامًا على أسرته؛ لرجاحة عقله، وقوة صبره.
فإذا أخطأت المرأة خطئًا متعمدًا، أو غير متعمد، فإنه لا يحق لزوجها أبدًا أن يخرجها من بيتها، لقول الله تعالى: "لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة"، فالإخراج من البيت لا يكون إلا بسبب قوي، وهو الزنا ونحوه، وإذا كانت المطلَّقة تجلس في بيتها أثناء العدة، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا، أي أن يكون هناك مراجعة في حالة الطلاق، فمن باب أولى الزوجة غير المطلقة فليس لها أن تترك بيتها، أو أن يخرجها زوجها.
والزوج في هذه الحالة يكون آثمًا، ويجب عليه أن يستغفر ربه، ويُرجع زوجته إلى بيته.
(انتهى).
ويقول الدكتور القرضاوي:
إذا تزوجت المرأة أصبحت طاعة الزوج هي الأوجب، فالزوجة حينما تتزوج تصبح جزءًاً من حياة جديدة غير الحياة القديمة، فطاعة الزوج هي الواجبة والله تعالى يقول: (الرجال قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) ، لأن الله جعل الزواج وشيجة جديدة وهي المصاهرة (وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً) فلابد من هذه الرعاية، فطاعة الزوج أوجب ،وإذا هبت رياح الخلاف فينبغي أن ننظر من أين هبت ريح النزاع والشقاق هل هي من قبل الزوجة أم من قبل الزوج، أم من قبل الاثنين معاً، إن كان من قبل الزوج تحاول الزوجة أن تصلحه (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا، والصلح خير) وإذا هب الخلاف من ناحية الزوجة فالعظة ثم الهجر في المضجع، ثم الضرب وليس معنى الضرب أنه يمسك خشبة ويكسر رأسها، إنما هو ضرب مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم "لولا القصاص يوم القيامة لأوجعتك بهذا السواك" وهذا لا يصلح مع كل امرأة، النبي عليه الصلاة والسلام قال "ولن يضرب خياركم" أي أن خيار الناس لا يضربون، والنبي عليه الصلاة والسلام ما ضرب امرأة قط ولا ضرب خادماً قط، ولا ضرب دابة قط، فهذا للضرورة القصوى، وإذا كان الشقاق من الطرفين فالله تعالى يقول: ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها أن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما) أي نكوّن(65/234)
مجلسا عائليا بمعنى محكمة عائلية ،ومعنى الحَكَم أن الإنسان يستطيع أن يحكم أي أنه من أهل الرأي والعقل، لا نأتي بإنسان أحمق أو إنسان سريع الغضب أو إنسان سريع التفكير، لابد أن يكون إنسانا متزنا ( إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما ) والعجيب أن القرآن أشار إلى حالة التوفيق ولم يشر إلى الحالة الأخرى إذا لم يوفقا ليرغِّب في الإصلاح والتوفيق بين الطرفين ما استطاعا ذلك. (انتهى).
ويقول الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا )، يقول :
ذكر الحال الأول وهو إذا كان النفور والنشوز من الزوجة.
ثم ذكر الحال الثاني وهو إذا كان النفور من الزوجين فقال تعالى "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها" وقال الفقهاء إذا وقع الشقاق بين الزوجين أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة ينظر في أمرهما ويمنع الظالم منهما من الظلم فإن تفاقم أمرهما وطالت خصومتهما بعث الحاكم ثقة من أهل المرأة وثقة من قوم الرجل ليجتمعا فينظرا في أمرهما ما فيه المصلحة مما يريانه من التفريق أو التوفيق واستحب الشارع التوفيق.
ولهذا قال تعالى "إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما" وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أمر الله عز وجل أن يبعثوا رجلا صالحا من أهل الرجل ورجلا مثله من أهل المرأة فينظران أيهما المسيء فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا عنه امرأته وقصروه على النفقة وإن كانت المرأة هي المسيئة قصروها على زوجها ومنعوها النفقة فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز ..(انتهى).
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
صبر كلا الزوجين على الآخر ... العنوان
ماذا أفعل إذا كرهت زوجتى وخفت على أولادى من تربيتها؟ ... السؤال
04/12/2001 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
على كل من الزوجين أن يصبر على صاحبه ويجب على المسلم أن يصبر على زوجته إذا رأى منها بعض ما لا يعجبه من تصرفها، ويعرف لها ضعفها بوصفها أنثى، فوق نقصها كإنسان، ويعرف لها حسناتها بجانب أخطائها، ومزاياها إلى جوار عيوبها. وفي الحديث: "لا يفرك -أي: لا يبغض- مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقا رضي منها غيره". وقال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) سورة النساء:19.(65/235)
وكما أوجب الإسلام على الزوج الاحتمال والصبر على ما يكره من زوجته أمر الزوجة هي الأخرى أن تعمل على استرضاء زوجها بما عندها من قدرة وسحر، وحذرها أن تبيت وزوجها غاضب.
وفي الحديث: "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا: رجل أم قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان (متخاصمان)".
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
طلب المرأة للطلاق وإسراف الرجال في إيقاعه ... العنوان
ما الحالات التي يجوز للمرأة أن تطلب فيها الطلاق؟ وهل يجوز للرجال الإسراف في الطلاق بسبب وبغير سبب؟ ... السؤال
27/11/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
يجوز للمرأة طلب التطليق بحكم قضائى في حالات محدده وهي : ـ
1 – إذا كان الزوج عاجزاً عن النفقة.
2 - وجود الجنون والجذام والمرض والعيب المستحكم بالزوج.
3 - إذا غاب الزوج سنة فأكثر.
4 - إذا أقسم الزوج ألا يقرب زوجته أربعة أشهر وأكثر ، وانقضت المدة دون أن يقاربها ، أو يطلقها ، فإن الطلاق يقع.وهو ما يسمى الإيلاء.
5 - التفريق بسبب اللعان بمعنى إذا اتهم الرجل زوجته بالزنى ، أو نفى نسب ولدها ، فإذا رفع الأمر إلى القضاء ، ولم يستطع الزوج الإثبات ، حكم بالتفريق بينهما.
6 - التفريق للشقاق من أحد الزوجين.
7 - التطليق للضرة إذا تزوج عليها ، أو إخفائه إنه كان متزوجاً قبلها ، ولم ترض صراحة بالزوجة الجديدة.
أما بالنسبة للرجال فقد أوصى الرجال بالمعاشرة بالمعروف ، والصبر على ما يكرهون منهن ، وعدم الطلاق.قال تعالى { وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل اللّه فيه خيراً كثيراً } النساء 19.
و نهى الإسلام الرجال عن إيقاع الطلاق فى الحيض ، قال الحبيب المصطفى لسيدنا عمر عما يخص رجل طلق زوجته وهى حائض " مرة فليراجعها ، ثم ليمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد ، وإن شاء طلق قبل أن يمس ، فتلك العدة التى أمر اللّه أن يطلق لها النساء " صحيح البخارى عن ابن عمر.
كما شرع الإسلام الإشهاد على الطلاق فحضور شاهدى عدل قد يحملان المطلق على مراجعة نفسه قبل إيقاع الطلاق ، قال تعالى { وأشهدوا ذوى عدل منكم وأقيموا الشهادة للّه } الطلاق 2.
والله أعلم(65/236)
ـــــــــــــــــــ
دعاء المرأة وتأمين الرجال ... العنوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،، أقامت مجموعة من الطالبات حفلا في الجامعة وحضر هذا الحفل مجموعة من الرجال وبعد الانتهاء من الحفل قامت الأخت- مقدمة الحفل- بالدعاء وبعد أن انتهت من الدعاء قام أحد الحضور من الرجال وعنف هذه الأخت وقال إنها وقعت بما فعلت (من الدعاء ) في معصية حيث إن الدعاء نوع من الإمامة وإمامة المرأة للرجل لا تجوز شرعا. فهل فعلا الدعاء نوع من الإمامة؟ وجزاكم الله خيرا
... السؤال
24/11/2001 ... التاريخ
لجنة تحرير الفتوى بالموقع ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
الأخ الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اتفق جمهور الفقهاء على أن إمامة المرأة للرجال في الصلاة لا تجوز وكذلك الولاية العامة ، فقد جاء في الموسوعة الفقهية عن شروط الإمامة للصلاة ما يلي :
" يشترط لإمامة الرجال أن يكون الإمام ذكرا , فلا تصح إمامة المرأة للرجال , وهذا متفق عليه بين الفقهاء , لما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أخروهن من حيث أخرهن الله } والأمر بتأخيرهن نهي عن الصلاة خلفهن . ولما روى جابر مرفوعا : { لا تؤمن امرأة رجلا } ولأن في إمامتها للرجال افتتانا بها . أما إمامة المرأة للنساء فجائزة عند جمهور الفقهاء ( وهم الحنفية والشافعية والحنابلة ) واستدل الجمهور لجواز إمامة المرأة للنساء بحديث { أم ورقة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها } ."انتهى
دعاء المرأة وتأمين الرجال :
أما أن تدعو المرأة ويؤمن خلفها الرجال في غير الصلاة ،فيبحث هذا الموضوع من خلال عدة أطر أولها: حول آية "وقرن في بيوتكن" ، ثانيها : صوت المرأة ، ثالثها : مفهوم الإمامة و القوامة
الإطار الأول : حول آية "وقرن في بيوتكن" .
يرى الدكتور يوسف القرضاوي أن قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن} خاص بنساء النبي لعدة اعتبارات هي:-
1:- أن الآية تخاطب نساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما هو واضح من السياق ونساء النبي لهن من الحرمة وعليهن من التغليظ ما ليس لغيرهن. ولهذا كان أجر الواحدة منهن إذا عملت صالحاً مضاعفاً، كما جعل عذابها إذا أساءت مضاعفاً أيضاً.(65/237)
2: أن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - مع هذه الآية خرجت من بيتها وشهدت (معركة الجمل) استجابة لما تراه واجباً دينياً عليها، وهو القصاص من قتلة عثمان وإن أخطأت التقدير فيما صنعت.
3ً: أن المرأة قد خرجت من بيتها بالفعل وذهبت إلى المدرسة والجامعة وعملت في مجالات الحياة المختلفة طبيبة، ومعلمة، ومشرفة، وإدارية وغيرها دون نكير من أحد يعتد به، مما يعتبره الكثيرون إجماعاً على مشروعية العمل خارج البيت للمرأة بشروط.
4:- أن الحاجة تقتضي من المسلمات الملتزمات أن يدخلن معركة الانتخابات في مواجهة المتحللات أو العلمانيات اللائي يزعمن قيادة العمل النسائي، والحاجة الاجتماعية والسياسية قد تكون أهم وأكبر من الحاجة الفردية التي تجيز للمرأة الخروج إلى الحياة العامة. والدعاء أهون من ذلك .
5ً: أن حبس المرأة المسلمة في البيت لم يعرف إلا أنه كان في فترة من الفترات قبل استقرار التشريع عقوبة لمن ارتكبت الفاحشة {فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً} فكيف يظن أن يكون هذا من الأوصاف اللازمة للمرأة المسلمة في الحالة الطبيعية" فإذا ثبت خصوصية نساء النبي بهذه الآيات ـ وهذا ما أعتقده ويترجح لدي ـ وإذا ظهرت صورة الواقع في أشد الحالات ضرورة للوقوف مع حق المرأة من جميع الجوانب مع أنها خرجت بالفعل. فالخروج بالنسبة لها أصبح عادة وضرورة فلها أن تمارس حقها بضوابطه.
الإطار الثاني : صوت المرأة :
قال تعالى : { فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض } .
فهم كثير من الناس بمقتضى هذه الآية أن صوت المرأة عورة ، فلا يجوز أن يسمعه الرجال إلا لضرورة ، ولكن فهم الفقهاء يختلف عن هذا فقد جاء في " طرح التثريب " لعبد الرحيم العراقي الشافعي :
عن بريدة { أن أمة سوداء أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع من بعض مغازيه فقالت إني كنت نذرت إن ردك الله صالحا أن أضرب عندك بالدف قال إن كنت فعلت فافعلي وإن كنت لم تفعلي فلا تفعلي , فضربت فدخل أبو بكر وهي تضرب ودخل غيره وهي تضرب ودخل عمر فجعلت دفها خلفها وهي مقنعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ليفرق منك يا عمر , أنا جالس ههنا ودخل هؤلاء فلما أن دخلت فعلت ما فعلت } رواه الترمذي وقال { أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى فقال لها إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا } وزاد فيه { ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب } وقال حديث حسن صحيح غريب .
استدل به على أن صوت المرأة ليس بعورة إذ لو كان عورة ما سمعه النبي صلى الله عليه وسلم وأقر أصحابه على سماعه , وهذا هو الأصح عند أصحابنا الشافعية لكن قالوا : يحرم الإصغاء إليه عند خوف الفتنة ولا شك أن الفتنة في حقه عليه الصلاة والسلام مأمونة ولو خشي أصحابه رضي الله عنهم فتنة ما سمعوا ; هذا إن كان حصل منها صوت بدليل قوله في رواية الترمذي ( وأتغنى ) .(65/238)
وجاء في الموسوعة الفقهية :
" إذا كان مبعث الأصوات هو الإنسان , فإن هذا الصوت إما أن يكون غير موزون ولا مطرب , أو يكون مطربا . فإن كان الصوت غير مطرب , فإما أن يكون صوت رجل أو صوت امرأة , فإن كان صوت رجل : فلا قائل بتحريم استماعه . أما إن كان صوت امرأة , فإن كان السامع يتلذذ به , أو خاف على نفسه فتنة حرم عليه استماعه , وإلا فلا يحرم , ويحمل استماع الصحابة رضوان الله عليهم أصوات النساء حين محادثتهن على هذا , وليس للمرأة ترخيم الصوت وتنغيمه وتليينه , لما فيه من إثارة الفتنة , وذلك لقوله تعالى : { فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض } ."
ومقتضى هذا أي أنه ما دامت المرأة لا ترخم صوتها ، ولا تنغمه فلا حرج عليها ومن خشي علي نفسه الفتنة فلا يسمعه .
ويقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر في قراءة المرأة القرآن أمام الرجال :
الإسلام لا يَسُدُّ على المرأة بابًا من أبواب الخير تتسع له طاقاتها وتُؤهِّلها له إمكاناتها، ويَحثُّها على أن تستغلَّ كل مَواهبها التي وَهَبَها اللهُ إيَّاها، شريطةَ أن تقف عند حدود الدين والأخلاق، ولا تَحرُمُ قراءتها أمام الرجال أو إظهار صوتها إن كان مُحقِّقًا لهذا الغرض الشرعيِّ إن كانت مع مَحرم لها ومع أمْن الفتنة، بشرط ألا تتكسَّر في كلامِها أو تَستثير الرجال بالمدِّ والترخيم وما إلى ذلك مما هو خارج عن حدود النطق السليم ويدعو إلى الإثارة والشهوة لدَى السامعين، لقوله تعالى مُخاطبًا نساءَ النبيِّ خاصة ونساء المؤمنين عامَّة: (يَا نساءَ النبيِّ لَسْتُنَّ كأَحَدٍ مِنَ النساءِ إنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بالقَوْلِ فيَطْمَعَ الذي في قلْبِهِ مَرَضٌ وقُلْنَ قَوْلًا مَعروفًا) (الأحزاب: 32).
ومِن هذا النُّصْح الكريم يَتَّضِحُ أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يُحذر أمهاتِ المؤمنين، وهُنَّ الطاهرات المُطهَّرات، عن الخضوع بالقول حتى يكون في ذلك عبرةٌ وعِظةٌ لغيرهنَّ في كل زمان ومكان، فإن مخاطبةَ المرأة لغير زوجها من الرجال بطريقةٍ لَيِّنَةٍ مُثيرة للشهوات والغرائز تُؤدي إلى فسادٍ كبير وتُطمع مَن لا أخلاقَ لهم فيها. انتهى
فالعبرة في الكلام إذا ألا يكون فيه من خضوع القول ما يلفت الأنظار .
الإطار الثالث : مفهوم الإمامة و القوامة :
جاء في الموسوعة الفقهية :
" مقتضى قوامة الرجل على المرأة أن على الرجل أن يبذل المهر والنفقة ويحسن العشرة ويحجب زوجته ويأمرها بطاعة الله وينهي إليها شعائر الإسلام من صلاة وصيام , وعليها الحفظ لماله والإحسان إلى أهله والالتزام لأمره وقبول قوله في الطاعات .
وجاء في تفسير القرطبي " قوله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء ) ابتداء وخبر أي يقومون بالنفقة عليهن والذب عنهن."(65/239)
فلم يفضل عليها الرجل إلا في القوامة وذلك في الأسرة فقط وليس في كل الأمور .. فالآيات إنما تتكلم عن رئاسة الرجل للمرأة في نطاق الأسرة خاصة. وليس في الأمور العامة ـ فالقوامة درجة أعلى للرجل في مقابل التزامات عليه.
يقول الدكتور محمد البلتاجي حسن عميد كلية دار العلوم الأسبق ورئيس قسم الشريعة بها .
"وهذه القوامة من الرجل عليها لا تعني القهر والتسلط والاستبداد ولكن تعني الود والتراحم والمعاشرة بالحسنى ـ قال تعالى: {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً} وقال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} فالمعاشرة بالمعروف والمودة والرحمة من أهم الأسس التي يقوم عليها البيت في الإسلام."
وعن مفهوم الإمامة :
يرى الأستاذ الدكتور/ البلتاجي :أن المرأة لا تتولى الإمامة العظمى لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" ولها أن تتولى الوظائف العامة بضوابط منها "عدم خلوة الرجل بها، وعدم سفرها سفراً غير أمين عليها وكون العمل متفقاً في طبيعته مع معالم شخصيتها المسلمة "فلا تكون باحثة عن البترول ومنقبة عن المعادن في الصحاري والجبال والمحيطات وبشرط عدم اعتراض زوجها عليها في العمل إلا أن تكون قد اشترطت عليه في العقد ألا يمنعها منه" انتهى
والذي نطمئن إليه بعد هذا العرض ، أن إمامة المرأة للرجل في الصلاة أو الإمامة الكبرى بمعنى الرئاسة لا تجوز ، أما دعاؤها أو قراءتها للقرآن بحضرة رجال ، إن خلا من فتنة ولم تتعمد ترخيم الصوت ولا ترنيمه ولا الخضوع فيه ، فهو جائز والواقع يشهد أنه كان للنساء حلق علم وكن مصدر فتوى للرجال ، ويعلمن الآن كثيرا من الرجال في الجامعات وغيرها ، ولم يقل أحد: إن هذا مخالف للإمامة الشرعية أو الولاية للرجل .
والله تعالى أعلى وأعلم .
ـــــــــــــــــــ
العدل بين الزوجات ... العنوان
بسم الله الرحمن الرحيم
هل يجب على الرجل المتزوج من اثنتين أن يخصص أياما معينة لكل زوجة منهما ؟ وهل يجوز له أن يقسم الأيام بينهما ؟ فإن زوجي لم يعين لنا أياما إلى الآن . وهو يأتي إلى بيتي عندما ينتهي من ذهابه إلى بيت زوجته الأخرى . ثم يأتي لبيتي من أجل المواقعة . وأنا لا أقبل بهذا الترتيب . كما أننا على حافة الطلاق ؟
... السؤال
28/07/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...(65/240)
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فيجب على الرجل أن يعدل بين زوجتيه ، وأن يتقي الله فيهما ، فيجب على الزوج تحسين خلقه مع زوجته والرفق بها ، وتقديم ما يمكن تقديمه إليها مما يؤلف قلبها ، لقوله تعالى : { وعاشروهن بالمعروف } النساء، وقوله : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف }
يقول فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية :
يجب على الرجل الذي له أكثر من زوجة العدل بين نسائه . ومن الأمور التي يجب العدل فيها القَسم وهو ـ العدل في أن يقسم لكل زوجة يوماً وليلة ـ ويجب أن يبقى معها في تلك الليلة .
قال الشافعي رحمه الله : ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما عليه عوام علماء المسلمين أن على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي ، وأن عليه أن يعدل في ذلك ... "الأم" . وقال : ولم أعلم مخالفا في أن على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن .أ.هـ."الأم"
وقال البغوي رحمه الله : إذا كان عند الرجل أكثر من امرأة واحدة يجب عليه التسوية بينهن في القسم إن كُنَّ حرائر ، سواء كن مسلمات أو كتابيات .. فإن ترك التسوية في فعل القَسْم : عصى الله سبحانه وتعالى ، وعليه القضاء للمظلومة ، وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل " وفي إسناده نظر – (رواه : أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" والألباني "إرواء الغليل " .
وأراد بهذا الميل : الميل بالفعل ، ولا يؤاخذ بميل القلب إذا سوى بينهن في فعل القسم . قال الله سبحانه وتعالى : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل ) معناه : لن تستطيعوا أن تعدلوا بما في القلوب ، فلا تميلوا كل الميل ، أي : لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم .. .أ.هـ. "شرح السنة"
وقال ابن حزم رحمه الله : والعدل بين الزوجات فرض ، وأكثر ذلك في قسمة الليالي .أ.هـ. "المحلى"
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : يجب عليه العدل بين الزوجتين باتفاق المسلمين، وفي السنن الأربعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من كانت له امرأتان.." فعليه أن يعدل في القسم فإذا بات عندها ليلة أو ليلتين أو ثلاثا : بات عند الأخرى بقدر ذلك لا يفضل إحداهما في القسم .أ.هـ "مجموع الفتاوى"
وقال العيني – شارحا حديث " من كانت له امرأتان .." -: قيل : المراد سقوط شقه حقيقة. أو المراد سقوط حجته بالنسبة إلى إحدى امرأتيه التي مال عليها مع الأخرى ، والظاهر : الحقيقة، تدل عليها رواية أبي داود "شقه مائل " والجزاء من جنس العمل ، ولما لم يعدل ، أو حاد عن الحق ، والجور والميل: كان عذابه أن يجيء يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وأحد شقيه مائل .أ.هـ. "عمدة القارئ"(65/241)
وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله : لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافا وقد قال الله تعالى { وعاشروهن بالمعروف} ، وليس مع الميل معروف .أ.هـ. "المغني"
فعلى هذا الزوج أن يتقي الله وأن يعدل في القسمة ، وعلى الزوجة أن تعلمه بحكم الشرع في فعله ، وبوعيد ، وتذكرّه بالله واليوم الآخر ؛ فلعله أن يراجع نفسه ، ويعدل في القسمة ، وهذا خير من الفراق إن شاء الله .
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
إرث النساء كرها ... العنوان
ما معنى قول الله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يَحِلُّ لكم أن تَرِثُوا النساءَ كَرْهًا)؟
... السؤال
09/07/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
تباينت أقوال المفسرين في معنى هذه الآية ، ويمكن إيجاز ذلك فيما يلي:
أن الرجل كان إذا مات ورث أولياؤه امرأته ،فكانوا أحق بها من أهلها ،فمن شاء تزوجها ،أو زوجها من شاء ،أو تركها دون زواج.
وقيل :إن الرجل كان إذا مات وضع ابنه ثوبًا على امرأة أبيه ،فأصبحت من حقه ،إن شاء تزوجها دون صداق .
وقيل :إن بعض الرجال كان عندهم نساء عواجز ،وكانوا يرغبون في نكاح الشابة ،فكانوا يمسكون المرأة العجوز حتى تفدي نفسها أو تموت فيرثها.
وقيل :كان الرجال لا يطلقون النساء ،بل يضيقون عليهن في المعيشة حتى يفتدين أنفسهن،فنزلت الآية تنهى عن ذلك ،وهذا ما اختاره الإمام القرطبي في تفسيره بعد إيراده أقوال المفسرين،فقال:
الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيرا كثيراً}.
قوله تعالى: "لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها" :والمقصود نفي الظلم عنهن وإضرارهن؛ والخطاب للأولياء. أي لا يحل لكم وراثة النساء. كرهًا.
واختلفت الروايات وأقوال المفسرين في سبب نزولها:
- فروى البخاري عن ابن عباس "يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن" قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية في ذلك. وأخرجه أبو داود بمعناه.(65/242)
-وورد أنه كان من عادتهم إذا مات الرجل يلقي ابنه من غيرها أو أقرب عصبته ثوبه على المرأة فيصير أحق بها من نفسها ومن أوليائها؛ فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الذي أصدقها الميت، وإن شاء زوجها من غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئًا؛ وإن شاء عضلها لتفتدى منه بما ورثته من الميت أو تموت فيرثها، فأنزل الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها". فيكون المعنى: لا يحل لكم أن ترثوهن من أزواجهن فتكونوا أزواجًا لهن.
- وقيل: كان الوارث إن سبق فألقى عليها ثوبًا فهو أحق بها، وإن سبقته فذهبت إلى أهلها كانت أحق بنفسها.
- قال السدي. وقيل: كان يكون عند الرجل عجوز ونفسه تتوق إلى الشابة فيكره فراق العجوز لمالها فيمسكها ولا يقربها حتى تفتدي منه بمالها أو تموت فيرث مالها. فنزلت هذه الآية. وأمر الزوج أن يطلقها إن كره صحبتها ولا يمسكها كرها؛ فذلك قوله تعالى: "لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها".
- والمقصود من الآية إذهاب ما كانوا عليه في جاهليتهم، وألا تجعل النساء كالمال يورثن عن الرجال كما يورث المال.
- وقيل: لأزواج النساء إذا حبسوهن مع سوء العشرة طماعية إرثها، أو يفتدين ببعض مهورهن، وهذا أصح. واختاره ابن عطية قال: ودليل ذلك قوله تعالى: "إلا أن يأتين بفاحشة) وإذا أتت بفاحشة فليس للولي حبسها حتى يذهب بمالها إجماعا من الأمة، وإنما ذلك للزوج.انتهى من كتاب تفسير القرطبي بتصرف
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
اختلاف التقاليد بين الزوجين ... العنوان
بالنسبة للمشاكل الناشئة من اختلاف التقاليد بالنسبة للزوجين كيف تتصرف الزوجة؟
... السؤال
26/05/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
الزواج رباط مقدس، وميثاق غليظ كما سماه القرآن، وللحياة الزوجية دعائم يجب أن تؤسس عليها، أشار إليها القرآن في قوله تعالى:{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}الروم:21
فالسكون النفسي والمودة القلبية، والرحمة الخلقية، هي أركان الحياة الزوجية في القرآن.
وهذا ما يجب أن يفهمه كل من الزوجين، ويتعاونا معًا على إشاعة جو السكينة والمودة والرحمة في بيتهما المشترك، وأن يحتمل كل منهما صاحبه ويصبر عليه فيما لا يتوافقان فيه، ولا يحكما العواطف أو النزوات الطارئة في مصير حياتهما، وأن تكون المعاشرة بينهما بالمعروف.(65/243)
وهذا ما أوصى به القرآن وأكد، وأمر الرجال أن يضبطوا مشاعرهم، ولا يستجيبوا لأي بادرة نفرة أو كراهية يحسون بها نحو نسائهم، بل ينظر إلى الأمر نظرة عقلية توازن بين المصالح والمفاسد، وتقارن بين الحاضر والمستقبل، فإن العجلة في اتخاذ القرار هنا ليس وراءها غالبًا إلا الندامة، يقول تعالى:{وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا}النساء:19.
وإذا كان هذا موجهًا في ظاهر اللفظ إلى الرجال فهو في حقيقة المعنى موجه أيضًا إلى النساء، فالمرأة يجب أن تصبر على زوجها وتتحمل شدته وما نشأ عليه من أعراف وصفات لا يسهل تغييره لها، فمن شب على شيء شاب عليه.
وما دامت قد رضيته زوجًا لها، فلتتحمله ما استطاعت، وليحاول كل منهما أن يتنازل عن بعض ما يمكنه من صفاته وتقاليده؛ ليلتقيا في منتصف الطريق، وأحرصهما على بقاء الزوجية يجب أن يكون أصبرهما وأرفقهما، وما دخل الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه.
ليس هناك دواء سحري لهذه المشكلات، إنما تعالج بحسن الفهم والرفق والصبر والاستعانة بالله تعالى والصلاة له، كما قال عز وجل:{يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين}البقرة:153.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
طول غياب الرجل عن زوجته ... العنوان
هل يجوز للزوج أن يتغيب عن زوجته مدة طويلة قد تصل إلى أكثر من سنتين ،بحجة طلب الرزق؟
... السؤال
10/11/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... يقول الشيخ ابن عثيمين
الواجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف لقول الله تعالى :(وعاشروهن بالمعروف )وحق العشرة حق واجب على الزوج لزوجته وعلى الزوجة لزوجها ، ومن المعاشرة بالمعروف أن لا يغيب الإنسان عن زوجته مدة طويلة؛ لأن من حقها أن تتمتع بمعاشرة زوجها كما يتمتع هو بمعاشرتها ، ولكن إذا رضيت بغيبته ولو مدة طويلة فإن الحق لها ، ولا يلحق الزوج حرج ، لكن بشرط أن يكون قد تركها في مكان آمن لا يخاف عليها ، فإذا غاب الإنسان لطلب الرزق وزوجته راضية بذلك فلا حرج عليه وإن غاب مدة سنتين أو اكثر ) (وإذا لم تسمح له بذلك فإن عليه أن يرجع إليها كلما مضت نصف سنة، إلا أن يكون معذورًا بمرض أو نحوه.) انتهى
وقال الشيخ ابن جبرين:(قد حدد بعض الصحابة غيبة الزوج بأربعة أشهر ، وبعضهم بنصف سنة . ولكن ذلك بعد طلب الزوجة قدوم زوجها فإذا مضى عليها نصف سنة وطلبت قدومه وتمكن ؛ لزمه ذلك ، فإن امتنع فلها الرفع إلى القاضي(65/244)
ليفسخ النكاح . فأما إذا سمحت له زوجته بالبقاء ولو طالت المدة وزادت على السنة أو السنتين فلا بأس بذلك ، فإن الحق لها وقد أسقطته فليس لها طلب الفسخ ما دامت قد رضيت بغيابه، وما دام قد أمن لها رزقها وكسوتها وما تحتاجه .) .
ـــــــــــــــــــ
المرأة ليست تابعة للرجل ... العنوان
هل صحيح أن المرأة في الإسلام مهضومة الحقوق وأنها تابعة للرجل وفاقدة للهوية؟
... السؤال
04/07/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله الرحمن الرحيم والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
موقف الإسلام من المرأة هو العطاء بلا حدود لصالحها فى كل أوضاعهاالخاصة والعامة وفى علاقتها بزوجها ومكانتها فى الأسرة وفى ا لمجتمع . وقبل أن أمضى فى تفصيل ذلك أحيل من يزعمون أن الإسلام هضم حقوقها ووضعها فى المكانة الأدنى ، أحيلهم إلى ما كتبه كبير فيهم هو وول ديورانت فى كتابه قصة الحضارة ليقفوا من خلاله على ما كان عليه حال المرأة فى الجاهليات القديمة عربية وغير عربية وكيف كانت تباع كالعبيد وتورث كالمتاع ، بل كيف كانت تحرم من حق الحياة وتوأد حية على نحو ما كان يفعل بعض عرب الجاهلية . وكيف كان ينظر إليها فى بعض الشرائع على أنها الشيطان وأن فى روحها من الشر ما يجب توقيه . حتى جاء الإسلام فأنقذها من مظالم هذه الجاهلية ووقف القرآن ليعلن - وبصراحة كاملة - حقها فى الحياة وينعى على أهل الجاهلية سلوكهم فيقول : ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه فى التراب ألا ساء ما يحكمون ) كما أعلن الإسلام عن رفضه أن تهدر آدميتها وأن تورث كالمتاع أو أن يضيق على حريتها فى الزواج وأمر بإحسان عشرتها فقال : ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) . كما صان الإسلام العلاقة الأسرية الحميمة بها عن الابتذال وقرر لها حدودا تحميها وتصونها بحيث لا تصبح المرأة كصحفة الطعام يغمس يده بها الأب والابن والأخ والعم والخال وغيرهم مما ينزل بها حتى عن مستوى الحيوان ، وحدد ذلك بوضوح تام ، واعتبر مخالفة ذلك فاحشة حين قال : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم
وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتى فى حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ) . يتحدث القرآن بهذا قبل خمسة(65/245)
عشر قرنا ونسمع فى حضارتهم فى القرن العشرين من يمارسون الشذوذ مع بناتهم وأخواتهم ومن يدنسون سواء الفطرة وينحطون بها إلى أسفل درك . ولعل من الطريف أن نشير إلى تبرئة القرآن للمرأة من تهمة أنها وسوست لآدم حتى أخرجته من الجنة حيث يقول : ( وقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه فتاب عليه وهدى قال اهبطا منها جميعا ) . فليست حواء هى التى وسوست لآدم وليست هى التى عصت الأمر الإلهى ، لكنه الشيطان الذى وسوس وآدم الذى عصى ربه . أبعد هذا يقال إن الإسلام وضعها فى المكان الأدنى ؟
وبصريح النصوص القرآنية يتجه الخطاب إلى المرأة كما يتجه إلى الرجل سواء بسواء كما يأتى الحديث عنهما كذلك فى عشرات بل مئات النصوص التى نقتطف بعضها كنماذج : ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ) . ( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار) . ( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ) . ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ) . ( ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ) . وغير هذا كثير .. فأين هى التبعية التى يتحدث القوم عنها ؟ إن الإسلام تعامل مع وضع المرأة باعتبار الأصل الواحد الذى يجمعها بالرجل دون أى تمييز حيث يقول القرآن : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ) . وما دام الأصل واحدا وما دامت العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة دائمة ومستمرة لعمران الكون ودوام الحياة فقد قرر الإسلام للمرأة مسئوليتها الإنسانية وفرض لها دورا واضحا ومساويا لدور الرجل تماما فى تحريك الحياة وقيادتها وتصحيح مساراتها والتضحية من أجل بلوغالأهداف النبيلة المفروضة لدور الإنسان فى الحياة فيقول : ( فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا فى سبيلى وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ) . أما عن استقلال شخصية المرأة وما قدمه الإسلام لذلك فهو ما تكشفه المقارنات الواقعية للأسلوب الذى تعامل به المرأة لدى الغربيين ومن نهج نهجهم والذين لا يزالون - حتى اليوم - لا يعترفون للمرأة بذمة مالية مستقلة ولا
كيان مالى مستقل حتى عند صرف شيك من المصرف حيث يشترط إلى جوارها توقيع الزوج ، وأكثر من هذا وضوحا فى تتبيع المرأة لزوجها عند الغربيين - وليس عند أهل الإسلام - ما نراه من إفقاد المرأة اسم أسرتها بمجرد اقترانها برجل ، مثل المسز غاندى ابنة الزعيم الراحل نهرو والمرأة الحديدية المسز تاتشر ، وإلى جوارها السيدة جاكلين التى اقترنت يوما بالرئيس الراحل كيندى فكانت جاكلين(65/246)
كيندى وبعد موته تزوجت المياردير أوناسيس فأصبحت جاكلين أوناسيس وهكذا . أنحن أمام امرأة لها احترامها ولها ملامح شخصيتها كما يعاملها الإسلام ؟ أم أمام سلعة تحمل اسم المشترى بمجرد إتمام البيع ؟ .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الطلاق...مفهومه وضوابطه ... العنوان
ما هو الطلاق؟
... السؤال
05/04/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
الزواج عهد وثيق ربط الله به بين رجل وامرأة، أصبح كل منهما يسمى بعده (زوجا) بعد أن كان (فردا) هو في العدد فرد، وفي ميزان الحقيقة (زوج) لأنه يمثل الآخر، ويحمل في حناياه آلامه وآماله معا.
وقد صور القرآن الكريم مبلغ قوة هذا الرباط بين الزوجين فقال: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) سورة البقرة:187. وهو تعبير يوحي بمعاني الاندماج والستر والحماية والزينة يحققها كل منهما لصاحبه.
ولهذا كان على كل من الزوجين حقوق لصاحبه لا بد أن يرعاها، ولا يجوز له أن يفرط فيها. وهي حقوق متكافئة إلا فيما خصت الفطرة به الرجال كما قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) سورة البقرة:228. وهي درجة القوامة والمسؤولية.
وقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ماحق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت".
فلا يحل للزوج المسلم أن يهمل النفقة على زوجته وكسوتها، وفي الحديث النبوي: "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت".
ولا يحل له أن يضرب وجه زوجته لما فيه من إهانة لكرامة الإنسان ومن خطر على هذا العضو الذي يجمع محاسن الجسم.
وإذا جاز للمسلم عند الضرورة أن يؤدب زوجته الناشزة المتمردة فلا يجوز له أن يضربها ضربا مبرحا أو ضربا يصيب وجهها أو مقاتلها.
كما لا يحل للمسلم أن يقبح زوجته، بأن يؤذيها بلسانه، ويسمعها ما تكره ويقول لها: قبحك الله وما يشابهها من عبارات.
وفي حق الزوج على الزوجة قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تأذن في بيت زوجها وهو كاره،
ولا تخرج وهو كاره،
ولا تطيع فيه أحدا،(65/247)
ولا تعتزل فراشه،
ولا تضربه (إذا كانت أقوى منه جسدا) فإن كان هو أظلم فلتأته حتى ترتضيه، فإن قبل منها فبها نعمت وقبل الله عذرها، وأفلج (أي: أظهر) حجتها، وإن هو لم يرض فقد أبلغت عند الله عذرها".
ويجب على المسلم أن يصبر على زوجته إذا رأى منها بعض ما لا يعجبه من تصرفها، ويعرف لها ضعفها بوصفها أنثى، فوق نقصها كإنسان، ويعرف لها حسناتها بجانب أخطائها، ومزاياها إلى جوار عيوبها. وفي الحديث: "لا يفرك -أي: لا يبغض- مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقا رضي منها غيره". وقال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) سورة النساء:19.
وكما أوجب الإسلام على الزوج الاحتمال والصبر على ما يكره من زوجته أمرت الزوجة هي الأخرى أن تعمل على استرضاء زوجها بما عندها من قدرة وسحر، وحذرها أن تبيت وزوجها غاضب.
وفي الحديث: "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا: رجل أم قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان (متخاصمان)".
وبما أن الرجل هو سيد البيت ورب الأسرة، بحكم تكوينه واستعداده ووضعه في الحياة، وبذله للمهر، ووجوب النفقة عليه، فلا يحل للمرأة أن تخرج عن طاعته وتتمرد عن سلطانه، فتفسد الشركة، وتضطرب سفينة البيت أو تغرق ما دام لا ربان لها.
وإذا لاحظ الزوج على زوجته مظاهر النشوز والعصيان له، والترفع عليه، فعليه أن يحاول إصلاحها بكل ما يقدر عليه مبتدئا بالكلمة الطيبة والوعظ المؤثر والإرشاد الحكيم.
فإن لم تجد هذه الوسيلة هجرها في مضجعها، محاولا أن يستثير فيها غريزة الأنثى لعلها تنقاد له ويعود الصفاء.
فإن لم تجد هذه ولا تلك جرب التأديب باليد مجتنبا الضرب المبرح مبتعدا عن الوجه، وهو علاج يجدي في بعض النساء في بعض الأحوال بقدر معين. وليس معنى الضرب هنا أن يكون بسوط أو خشبة، وإنما هو من نوع ما قاله عليه السلام لخادم عنده أغضبته في عمل: "لولا القصاص يوم القيامة لأوجعتك بهذا السواك".
وقد نفر عليه السلام من الضرب وقال: "علام يضرب أحدكم امرأته ضرب العبد ولعله أن يجامعها في آخر اليوم". وقال في شأن من يضربون نساءهم: "لا تجدون أولئك خياركم".
قال الإمام الحافظ ابن حجر: "وفي قوله صلى الله عليه وسلم: لن يضرب خياركم" دلالة على أن ضربهن مباح في الجملة، ومحل ذلك أن يضربها تأديبا إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته، فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يعدل إلى الفعل، لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن العشرة، المطلوبة في الزوجية، إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله، وقد أخرج النسائي في الباب حديث عائشة: "ما ضرب رسول الله صلى الله(65/248)
عليه وسلم امرأة له ولا خادما قط، ولا ضرب بيده شيئا قط إلا في سبيل الله أو تنتهك حرمات الله فينتقم الله".
فإن لم ينفع هذا كله، وخيف اتساع الشقة بينهما تدخل المجتمع الإسلامي وأهل الرأي والخير فيه يحاولون الإصلاح، فيبعثون حكما من أهله، وحكما من أهلها من أهل الخير والصلاح، عسى أن تصدق نيتهما في لم الشعث وإصلاح الفاسد فيوفق الله بينهما.
وفي هذا كله قال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا، وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا) سورة النساء:34،35.
وهنا -بعد أن فشلت تلك التجارب كلها، وخابت تلك الوسائل جميعا، يباح للزوج أن يلجأ إلى وسيلة أخيرة شرعها الإسلام، استجابة لنداء الواقع، وتلبية لداعي الضرورة، وحلا لمشكلات لا يحلها إلا الفراق بالمعروف.. تلك هي وسيلة (الطلاق).
أجاز الإسلام اللجوء إلى هذه الوسيلة على كره، ولم يندب إليها ولا استحبها، بل قال عليه السلام: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق".
"ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق". والتعبير بأنه حلال مبغوض إلى الله يشعر بأنه رخصة شرعت للضرورة، حين تسوء العشرة، وتستحكم النفرة بين الزوجين، ويتعذر عليهما أن يقيما حدود الله وحقوق الزوجية وقد قيل: إن لم يكن وفاق ففراق. وقال تعالى: (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) سورة النساء:130.
الطلاق قبل الإسلام
وليس الإسلام هو الدين الفذ الذي أباح الطلاق، فقبل الإسلام كان الطلاق شائعا في العالم كله -إذا استثنينا أمة أو أمتين- وكان الرجل يغضب على المرأة فيطردها من داره محقا أو مبطلا، دون أن تملك المرأة له دفعا، أو تأخذ منه عوضا، أو تجد لنفسها عنده حقا.
ولما نبه ذكر الأمة اليونانية وازدهرت حضارتها كان الطلاق شائعا فيها بلا قيد ولا شرط.
وكان الطلاق لدى الرومانيين معتبرا من كيان الزواج نفسه، حتى إن القضاة كانوا يحكمون ببطلان الزواج إن اشترط كلا الطرفين عدم الطلاق فيه.
وكان الزواج الديني لدى الأجيال الأولى للرومانيين يحرم الطلاق، ولكنه في الوقت نفسه يمنح الزوج على امرأته سلطانا لا حد له. فيبيح له أن يقتلها في بعض الأحوال ثم رجعت ديانتهم فأباحت الطلاق كما كان مباحا أمام القانون المدني.
الطلاق في الديانة اليهودية
أما الديانة اليهودية، فقد حسنت من حالة الزوجة، ولكنها أباحت الطلاق وتوسعت في إباحته. وكان الزوج يجبر شرعا على أن يطلق امرأته إن ثبتت عليها جريمة الفسق، حتى ولو غفر لها تلك الجريمة، وكان القانون يجبره أيضا على أن يطلق امرأته إن لبثت معه عشر سنين ولم تأته بذرية.(65/249)
الطلاق في الديانة المسيحية
والمسيحية هي الديانة التي شذت عما ذكرنا من ديانات، وخالفت الديانة اليهودية نفسها وأعلن الإنجيل المحرف على لسان المسيح تحريم الطلاق، وتحريم زواج المطلقين والمطلقات ففي إنجيل متى 5 :31،32: "قد قيل: من طلق امرأته فليدفع إليها كتاب طلاق. أما أنا فأقول لكم: من طلق امرأته إلا لعلة الزنى فقد جعلها زانية، ومن تزوج مطلقة فقد زنى. وفي إنجيل مرقس 10: 11،12: من طلق امرأته وتزوج بأخرى يزني عليها. وإذا طلقت المرأة زوجها، وتزوجت بآخر، ارتكبت جريمة الزنى".
وقد علل الإنجيل هذا التحريم القاسي بأن "ما جمعه الله لا يصح أن يفرقه الإنسان".
وهذه الجملة صحيحة المعنى، ولكن جعلها علة لتحريم الطلاق هو الشيء الغريب فإن معنى أن الله جمع بين الزوجين؛ أنه أذن بهذا الزواج وشرعه، فصح أن ينسب الجمع إلى الله، وإن كان الإنسان هو المباشر لعقد الزواج. فإذا أذن الله في الطلاق وشرعه لأسباب ومسوغات تقتضيه، فإن التفريق حينئذ يكون من الله أيضا، وإن كان الإنسان هو الذي يباشر التفريق. وبهذا يتضح أن الإنسان لا يكون مفرقا ما جمعه الله، وإنما المجمع والمفرق هو الله جل شأنه، أليس الله هو الذي فرق بينهما بسبب الزنى؟ فلماذا لا يفرق بينهما بسبب آخر يوجب الفراق.
ورغم أن الإنجيل استثنى من تحريم الطلاق ما إذا كان السبب (علة الزنى) فإن أتباع المذهب الكاثوليكي يؤولون هذا الاستثناء، ويقولون: "ليس المعنى هنا أن للقاعدة شذوذا، أو أن هناك من القضايا ما يسمح فيه بالطلاق. فلا طلاق البتة في شريعة المسيح والكلام هنا (في قوله إلا لعلة الزنى) عن عقد فاسخ في ذاته، فليس له من شريعة العقد وصحته إلا الظواهر، إنه زنى ليس إلا. ففي هذه الحالة يحل للرجل، لا بل يجب عليه أن يترك المرأة".
أما أتباع المذهب البروتستانتي؛ فيجيزون الطلاق في أحوال معينة منها حالة زنى الزوجة وخيانتها لزوجها وبعض حالات أخرى زادوها على نص الإنجيل، ولكنهم وإن أجازوا الطلاق لهذا السبب أو ذاك، يحرمون على المطلق والمطلقة أن ينعما بحياة زوجية بعد ذلك.
وأتباع المذهب الأرثوذكسي قد أجازت مجامعهم الملية في مصر الطلاق إذا زنت الزوجة كما نص الإنجيل، وأجازوه لأسباب أخرى، منها العقم لمدة ثلاث سنين والمرض المعدي والخصام الطويل الذي لا يرجى فيه صلح. وهذه أسباب خارجة على ما في الإنجيل، ومن أجل ذلك أنكر المحافظون من رجال هذا المذهب اتجاه الآخرين إلى إباحة الطلاق لهذه الأسباب، كما أنكروا إباحة الزواج للمطلق أو المطلقة بحال من الأحوال. وعلى هذا الأساس رفضت إحدى المحاكم المصرية المسيحية دعوى زوجة مسيحية تطلب الطلاق من زوجها لأنه معسر، وقالت المحكمة في حكمها: "إنه من العجيب أن بعض القوامين على الدين من رجال الكنيسة وأعضاء المجلس الملي العام، قد سايروا التطور الزمني، فاستجابوا لرغبات ضعيفي الإيمان، فأباحوا الطلاق لأسباب لا سند لها من الإنجيل.. وحكم(65/250)
الشريعة المسيحية قاطع في أن الطلاق غير جائز إلا لعلة الزنى. وترتب على زواج أحد المطلقين بأنه زواج مدنس، بل هو الزنى بعينه".
ولقد كان من نتيجة هذا التزمت الغريب من المسيحية في أمر الطلاق، وإهدار الطبيعة الإنسانية والمقتضيات الحيوية التي توجب الانفصال في بعض الأحيان- كان من نتيجة ذلك تمرد المسيحيين على دينهم ومروقهم من وصايا أناجيلهم، كما يمرق السهم من الرمية. ولم يستطيعوا إلا أن "يفرقوا ما جمعه الله"! فاصطنع أهل الغرب المسيحي قوانين مدنية تبيح لهم الخروج من هذا السجن المؤبد، ولكن كثيرا منهم كالأمريكان أسرفوا وأطلقوا العنان في إباحة الطلاق -كأنهم يتحدون الإنجيل- وبذلك يوقعونه لأتفه الأسباب وأصبح عقلاؤهم يشكون من هذه الفوضى التي أصابت هذه الرابطة المقدسة، والتي تهدد الحياة الزوجية ونظام الأسرة بالانهيار، حتى أعلن أحد قضاة الطلاق المشهورين هناك، أن الحياة الزوجية ستزول من بلادهم وتحل محلها الإباحة والفوضى في العلاقة بين النساء والرجال في زمن قريب، وهي الآن كشركة تجارية ينقضها الشريكان لأوهى الأسباب، خلافا لهداية جميع الأديان، إذ لا دين ولا حب يربطهما، بل الشهوات والتنقل في وسائل المسرات.
قيود الإسلام للحد من الطلاق
هذا وقد وضعت الشريعة الإسلامية الغراء قيودا عديدة في سبيل الطلاق حتى ينحصر في أضيق نطاق مستطاع.
فالطلاق بغير ضرورة تقتضيه، وبغير استنفاد الوسائل الأخرى التي ذكرناها طلاق محرم محظور في الإسلام؛ لأنه -كما قال بعض الفقهاء- ضرر بنفسه وبزوجته، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه فكان حراما كإتلاف المال، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار".
وأما ما يصنعه الذواقون المطلاقون، فهذا شيء لا يحبه الله ولا رسوله، قال عليه السلام: "لا أحب الذواقين من الرجال والذواقات من النساء". وقال: "إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات".
وقال عبد الله بن عباس: إنما الطلاق عن وطر.
وإذا وجد الوطر والحاجة التي تسوغ الطلاق، فليس مباحا للمسلم أن يسارع إليه في أي وقت شاء، بل لا بد من تخير الوقت المناسب.
والوقت المناسب -كما حددته الشريعة- أن تكون المرأة طاهرا، ليس بها حيض ولا نفاس، وألا يكون قد جامعها في هذا الطهر خاصة، إلا إذا كانت حاملا قد استبان حملها.
ذلك أن حالة الحيض -ومثله النفاس- توجب اعتزال الزوج لزوجته، فربما كان حرمانه أو توتر أعصابه، هو الدافع إلى الطلاق، لهذا أمر أن ينتظر حين ينتهي الحيض ثم تطهر، ثم يطلقها قبل أن يمسها.
ويحرم عليه أن يطلقها في وقت الحيض كما يحرم عليه أيضا أن يطلقها وهي طاهر بعد أن يكون قد اتصل بها، فمن يدري لعلها علقت منه في هذه المرة، ولعله لو علم بحملها لغير رأيه في فراقها، ورضي العشرة معها من أجل الجنين الذي في بطنها.(65/251)
فإذا كانت طاهرا لم يمسسها، أو كانت حاملا قد استبان حملها، عرف أن الدافع له إلى الطلاق إنما هو النفرة المستحكمة، فلا حرج عليه حينئذ أن يطلقها. وفي (الصحيح) أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، وعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: "مره فليراجعها ثم إن شاء طلقها وهي طاهر قبل أن يمس، فذلك الطلاق للعدة، كما أمر الله تعالى في قوله تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) أي مستقبلات عدتهن، وذلك في حالة الطهر".
وفي رواية: "مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا".
ولكن هل ينفذ الطلاق ويقع، أم لا يقع؟
المشهور أنه يقع ويكون المطلق آثما.
وقال طائفة من الفقهاء: لا يقع؛ لأنه طلاق لم يشرعه الله تعالى البتة، ولا أذن فيه فليس من شرعه؛ فكيف يقال بنفوذه وصحته؟
وقد روى أبو داود بسند صحيح أن ابن عمر سئل: "كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا؟ فقص على السائل قصته حين طلق وهي حائض، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها عليه ولم يرها شيئا".
الحلف بالطلاق حرام
ولا يجوز للمسلم أن يجعل من الطلاق يمينا يحلف به على فعل هذا أو ترك ذاك، أو يهدد زوجته؛ إن فعلت كذا فهي طالق.
فإن لليمين في الإسلام صيغة خاصة لم يأذن في غيرها، وهي الحلف بالله تعالى؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد أشرك". "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت".
المطلقة تبقى في بيت الزوجية مدة العدة
المطلقة في بيتها -أي بيت الزوجية- مدة والواجب في شريعة الإسلام أن تبقى العدة، ويحرم عليها أن تخرج من البيت، كما يحرم على الزوج أن يخرجها منه بغير حق، وذلك أن للزوج -طوال مدة العدة- أن يراجعها ويردها إلى حظيرة الزوجية مرة أخرى -إذا كان هذا هو الطلاق الأول أو الثاني- وفي وجودها في البيت قريبا منه إثارة لعواطفه وتذكير له أن يفكر في الأمر مرة ومرة قبل أن يبلغ الكتاب أجله، وتنتهي أشهر العدة التي أمرت أن تتربصها استبراء للرحم، ورعاية ليحق الزوج وحرمة الزوجية، والقلوب تتغير، والأفكار تتجدد، والغاضب قد يرضى، والثائر قد يهدأ، والكاره قد يحب.
وفي ذلك يقول الله تعالى في شأن المطلقات: (واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) سورة الطلاق:1.
وإن كان لا بد من الفراق بين الزوجين، فالمطلوب منهما أن يكون بمعروف وإحسان بلا إيذاء ولا افتراء ولا إضاعة للحقوق. قال تعالى: (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) الطلاق:2. وقال: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)(65/252)
البقرة:229. وقال: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) سورة البقرة:241.
الطلاق مرة بعد مرة
وقد منح الإسلام للمسلم ثلاث تطليقات في ثلاث مرات، على أن يطلقها كل مرة في طهر لم يجامعها فيه طلقة واحدة، ثم يدعها حتى تنقضي عدتها، فإن بدا له أن يمسكها في العدة أمسكها، وإن لم يراجعها حتى انقضت عدتها، أمكن أن يردها إليه بعقد جديد، وإن لم يكن له فيها غرض لم يضره أن تتزوج بزوج غيره.
فإن أعادها إلى عصمته بعد الطلقة الأولى، ثم حدث بينهما النفور والشقاق مرة ثانية وعجزت الوسائل الأخرى عن تصفية الجو بينهما، فله أن يطلقها للمرة الثانية -على الطريقة التي ذكرناها- وله أيضا أن يراجعها في العدة بغير عقد أو يعيدها بعد العدة بعقد جديد.
فإذا عاد فطلقها للمرة الثالثة كان هذا دليلا واضحا على أن النفرة بينهما مستحكمة، والوفاق بينهما غير مستطاع. لهذا لم يجز له بعد التطليقة الثالثة أن يردها إليه، ولا تحل له بعد ذلك حتى تنكح زوجا غيره زواجا شرعيا صحيحا مقصودا لذاته لا لمجرد تحليلها للزوج الأول.
ومن هذا نرى أن المسلم الذي يجمع هذه المرات الثلاث في مرة واحدة أو لفظة واحدة قد ضاد الله فيما شرعه، وانحرف عن صراط الإسلام المستقيم. وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبان ثم قال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟" حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ألا أقتله.
إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
وإذا طلق الزوج زوجته وبلغت الأجل المحدد لها -أي قاربت عدتها أن تنقضي- كان على الزوج أحد أمرين:
إما أن يمسكها بمعروف. ومعنى ذلك يرجعها بقصد الإحسان والإصلاح، لا بقصد المشاكسة والإضرار.
وإما أن يسرحها ويفارقها بمعروف، بأن يتركها حتى تنقضي عدتها ويتم الانفصال بينهما بلا تشويش ولا مضارة، ولا مشاحة فيما لأحدهما على الآخر من حقوق.
ولا يحل له أن يراجعها قبيل انقضاء عدتها منه، قاصدا إيذاءها بإطالة العدة عليها، وحرمانها من التزوج بغيره أطول مدة يستطيعها. وهكذا كان يفعل أهل الجاهلية.
وقد حرم الله هذه المضارة للمرأة في محكم كتابه، بأسلوب ترعد منه الصدور وتجل القلوب. قال تعالى: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف.. ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا.. ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ... ولا تتخذوا آيات الله هزوا ... واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به. واتقوا الله ... واعلموا أن الله بكل شيء عليم) سورة البقرة:231.(65/253)
وبالتأمل في هذه الآية الكريمة نجدها قد اشتملت على سبع فقرات، فيها تحذير بعد تحذير، وتذكير يتلوه تذكير، ووعيد على إثر وعيد، وكفى بذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ـــــــــــــــــــ
هل أطلقها؟؟ ... العنوان
زوجتى زورت شيكاًً ثم ذهبت إلى البنك ولم يتم صرفه هل أطلقها؟
... السؤال
11/03/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... يجب على المسلم أن يصبر على زوجته إذا رأى منها بعض ما لا يعجبه من تصرفها، ويعرف لها ضعفها بوصفها أنثى، فوق نقصها كإنسان، ويعرف لها حسناتها بجانب أخطائها، ومزاياها إلى جوار عيوبها. وفي الحديث: "لا يفرك -أي: لا يبغض- مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقا رضي منها غيره". وقال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) سورة النساء:19.
وكما أوجب الإسلام على الزوج الاحتمال والصبر على ما يكره من زوجته أمرت الزوجة هي الأخرى أن تعمل على استرضاء زوجها بما عندها من قدرة وسحر، وحذرها أن تبيت وزوجها غاضب.
وفي الحديث: "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا: رجل أم قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان (متخاصمان)".
ـــــــــــــــــــ
التهديد بالزواج من أخرى ... العنوان
هل يجوز للزوج الذى تعهد عند عقد القران بعدم الزواج بثانية أن يهدد زوجته- الذى يشهد هو لها بالخير- بأنه سيتزوج مرة أخرى؟ ... السؤال
20/02/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله محمد وبعد
في الحقيقة هذه حماقة من الرجل أن يظل يحدِّث امرأته بهذا وهو ربما لا ينوي وربما لا يقدر حتى لو كان عنده الرغبة فهو لا يقدر، فما الداعي أن يؤذي امرأته ويؤذي مشاعرها بمثل هذه الأشياء التي فيها نوع من التحدي وبدون داع، فالمفروض على الزوج أن يحرص على شعور امرأته وعلى أحاسيسها، فقد تجلس وتحدِّث نفسها متى سيحدث هذا، فلماذا تعيِّشها في هذه الحالة من القلق والوساوس وهذه الآلام النفسية بدون حاجة، فمن حق الزوجة على زوجها أن يحسن عشرتها والله تعالى يقول (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً(65/254)
ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) حتى في حالة النفرة والكراهية يقول لك اضغط على عاطفتك فمن المعاشرة بالمعروف ألا يصدر منه هذا الأمر ولا يسيء إليها بذكره ذلك باستمرار.
والله أعلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
... تفاصيل الاستشارة والرد ...
... ...
أبغض الحلال إلى الله الطلاق ... العنوان
يعتمد الكتاب الإسلاميون المعاصرون في حديثهم عن الطلاق، وموقف الإسلام منه، على الحديث المشهور " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " . ولكني قرأت لبعض العلماء المشتغلين بعلم الحديث، ما يفيد تضعيف الحديث المذكور.
فهل لديكم أسانيد أخرى لتنفير الإسلام من الطلاق، وخصوصًا أنكم استندتم في بعض كتبكم إلى هذا الحديث أيضًا ؟. ... السؤال
... ... الحل ...
...
... الجواب: عما أثاره الأخ السائل يتضمن عدة نقاط :.
1- تصحيح الحديث المذكور ثبوتًا ودلالة.
2- بيان ما يعضده من أدلة أخرى من الكتاب والسنة تنفر من الطلاق.
3- بيان ما يؤيده من قواعد الشرع.
أولاً: حديث " أبغض الحلال إلى الله الطلاق ".
رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم من حديث محارب بن دثار عن ابن عمر مرفوعًا.
ورواه أبو داود والبيهقي مرسلاً - ليس فيه ابن عمر - ورجح أبو حاتم والدارقطني في العلل والبيهقي المرسل.
وأورده ابن الجوزي في " العلل المتناهية " بإسناد ابن ماجة، وضعفه بعبيد الله ابن الوليد الوصافي وهو ضعيف.
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص: ولكنه لم ينفرد به، فقد تابعه معروف ابن واصل، إلا أن المنفرد عنه بوصله محمد بن خالد الوهبي . أ هـ.
أقول: ومحمد بن خالد: قال الآجري عن أبي داود لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الدارقطني: ثقة . كذا في تهذيب التهذيب جـ 9، ص 143.
وأخرجه الحاكم من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة موصولا بلفظ: " ما أحل الله شيئًا أبغض إليه من الطلاق " ثم قال :.
صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وزاد بأنه على شرط مسلم (المستدرك وتلخيصه جـ 2، ص 196).
قال ابن التركماني: فهذا يقتضي ترجيح الوصل، لأنه زيادة، وقد جاء من وجوه (ولهذا رمز السيوطي في الجامع الصغير إلى الحديث بالصحة، واعترضه المناوي(65/255)
في " الفيض " بما ذكره ابن حجر) (الجوهر النقي مع السنن الكبرى جـ 7، ص 222، 223).
ولكن إن نزل الحديث عن درجة الصحة، فلن ينزل عن درجة الحسن.
ومن الناس من ضعف هذا الحديث من جهة معناه، فقد قال: كيف يكون حلالاً ومبغوضًا عند الله ؟ فهذا تناقض يدل على ضعف الحديث.
وأجاب بعضهم: بأن الحديث يدل على أن الحلال ينقسم إلى ما هو محبوب ومبغوض بحسب ما يعرض له، فليس كل حلال محبوبًا.
وقال الخطابي في معالم السنن: معنى الكراهية فيه ينصرف إلى السبب الجالب للطلاق، وهو سوء العشرة، وقلة الموافقة الداعية إلى الطلاق، لا إلى نفس الطلاق.
وقد يقال: الطلاق حلال لذاته، والأبغضية لما يترتب عليه من انجرار إلى المعصية.
ثانيًا: إن القرآن الكريم رغب في إمساك الزوجة المكروهة من زوجها، والصبر عليها، إبقاء على الأسرة، وحرصًا على استمرارها . قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف، فإن كرهتموهن، فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا). (سورة النساء: 19).
فأما الزوجة المطيعة الموافقة، فلا وجه لإيذائها بالفرقة، وإيحاشها بالطلاق، مع عدم الحاجة إليه، إلا أن يكون ضربًا من البغي عليها، ولا سيما إذا كانت ذات أولاد منه . وقد قال تعالى في شأن الناشزات من الزوجات: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان عليًا كبيرًا). (سورة النساء: 34).
فإذا كان البغي منهيًا عنه، ولو على المرأة الناشز ما دامت قد عادت إلى حظيرة الطاعة والموافقة، فكيف بالنساء الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله ؟!.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :.
إن الأصل في الطلاق الحظر، وإنما أبيح منه قدر الحاجة كما ثبت في الصحيح عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن إبليس ينصب عرشه على البحر، ويبعث سراياه، فأقربهم إليه منزلة أعظمهم فتنة، فيأتيه الشيطان فيقول: ما زلت به حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه، ويقول: أنت أنت ! ويلتزمه ! ".
وقد قال تعالى في ذم السحر: (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه). (سورة البقرة: 102).
وفي السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن المختلعات هن المنافقات ".
وفي السنن أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة ".
ولهذا لم يبح إلا ثلاث مرات، وحرمت عليه المرأة بعد الثالثة، حتى تنكح زوجًا غيره.
" وإذا كان إنما أبيح للحاجة، فالحاجة تندفع بواحدة، فما زاد فهو باق على الحظر ". (مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ج 33، ص 81).
ثالثًا: ومن ناحية الأصول والقواعد الشرعية :.(65/256)
1- نجد أن الطلاق، كما قال صاحب " الهداية " من الحنفية: " قاطع للنكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية. (انظر: رد المختار ج 2، ص 572 طـ استانبول).
2- وأنه - كما نقل صاحب " المغني " من الحنابلة - ضرر بالزوج وبالزوجة، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما، من غير حاجة إليه، فكان حرامًا كإتلاف المال، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا ضرر ولا ضرار ". (المغني لابن قدامة جـ 7 ص 77 . والحديث رواه ابن ماجة والدارقطني، وهو صحيح بمجموع طرقه).
3- إنه كما ذكر ابن عابدين من متأخري الحنفية - إذا كان بلا سبب أصلاً، لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص، بل يكون حمقًا وسفاهة رأي، ومجرد كفران بالنعمة، وإخلاص الإيذاء بها (بالمرأة) وبأهلها وأولادها ... فحيث تجرد عن الحاجة المبيحة له شرعًا، يبقى على أصله من الحظر . ولهذا قال تعالى: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً) أي لا تطلبوا الفراق. (رد المختار السابق).
وبهذا يتضح لنا: أن الحديث صالح للاستدلال به، تعضده الأدلة من القرآن والسنة، كما تؤيده أصول الشرع وقواعده . والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
مساواة الرجل بالمرأة ... العنوان
هل يجوز الزواج من امراة تشترط المساواة مع زوجها في كل شيء؟ وما هي حقوقها على زوجها؟ علماً بأننا نعيش في أمريكا بارك الله فيكم ... السؤال
الشيخ جعفر أحمد الطلحاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فإنك لم تحدد مجالات المساواة التي تتطلع هي إليها، لتساويك فيها، علما بأن ذلك أمر غير وارد، لقوله تعالى : {وليس الذكر كالأنثى} إن مما خص الله تعالى به الرجال دون النساء القوامة، فأيكما سيكون قيما على الآخر؟ وهل تسير الحياة وسفينتها بقائدين أم من منكما سيخضع ويسلم القيادة للآخر؟ إن ذلك لا يجوز. أما الحقوق التي للمرأة على زوجها فيلخصها قول الله تعالى:{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} ومن هذه الحقوق المهر لقوله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} النساء، ومنها النفقة لقوله تعالى : {لينفق ذو سعة من سعته}، الطلاق، ومنها حسن المعاشرة لقوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} ومنها كذلك إثبات النسب لمن يأتي من الأولاد بينهما وعقد الزوجية قائم للحديث: "الولد للفراش"، ومنها التوارث لقوله تعالى :{ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين} النساء.
ـــــــــــــــــــ
تدخل الأبناء لطلب طلاق الأم ... العنوان(65/257)
أود أن أسأل في قضية عائلية. الوالدة العزيزة تطلب منا نحن أولادها أن نطلب من والدنا أن يطلقها. ولقد حاولنا جميع وسائل الإصلاح ولكن دون جدوى. وهما لم يتقابلا منذ عام ونصف، والوالد متزوج من امرأة أخرى دون مراعاة العدل بينهما.
وأسئلتي كالتالي: هل يجوز لنا -نحن أولادها- التدخل لنطلب منه أن يطلقها؟
وما هي الطريقة الصحيحة لطلب ذلك، مع العلم أن ليس لديها إخوة ووالدها متوفى؟
وأود إضافة أن الوالد لا يريد تطليقها بزعم أنه لا يضيع حقها وستبقى مسئولة منه رغم أنه لم يرها منذ أكثر من عام.
... السؤال
أ.د.أحمد يوسف سليمان ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ينبغي في البداية محاولة الصلح بين والدكم ووالدتكم، لقوله تعالى: "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما إن الله كان عليمًا خبيرًا"، وأنتم أولادهما فإذا فشلتم في الإصلاح فعليكم أن تنصحوا والدكم بإقامة حدود الله وأداء حق والدتكم، فإن للزوجة حقوقًا كثيرة على زوجها مهما كبر سنها، أو كان لها رجال كبار أو نساء كبيرات، ومن هذه الحقوق المعاشرة بالمعروف لقوله تعالى: "وعاشروهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف".
فإن لم يستجب لكم فاطلبوا منه أن يطلقها وأن يعطيها كافة حقوقها كمؤخر الصداق ونفقة المتعة ونفقة العدة إلى آخر. فإن تمادى ورفض كل هذه المحاولات فينبغي عليكم أن تقفوا بجانب والدتكم باعتبار أنها صاحبة حق، وأن والدكم متعد على حقوقها، وأن ترفعوا إلى المحكمة قضية خلع إذا أرادت الأم ذلك، حيث ترد إليه ما سبق أن أعطاها من مهر، فإذا رفض الخلع أو الطلاق فعليكم أن تقفوا بجوارها، وأن تطالبوا بحقها في التطليق للضرر.
ومن أسباب التطليق للضرر هجر الزوج زوجته، أو عدم الإنفاق عليها، أو إلحاق الضرر البين بها، ووالدتكم قد هجرها والدكم فترة طويلة وتزوج بأخرى وحظي بها دون مراعاة لحق والدتكم، وإذا استطعتم إثبات ذلك للمحكمة فإن القاضي بعد أن يستمع إليه ويثبت عليه إضرارها فإنه يطلقها عليه مع الاحتفاظ لها بكافة حقوقها قبله، وبهذا تكون قد قمتم بواجبكم نحو والدكم ووالدتكم معًا، لأنه ينبغي لمن رأى منكرًا أن يغيره ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وأنتم تستطيعون تغيير هذا المنكر ورفع الظلم والمعاناة عن والدتكم بأي طريق من الطرق السابقة. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
طرد الزوجة من بيت الزوجية ... العنوان
هل يجوز في الدين أن يطرد الرجل زوجته من البيت إلى بيت أبيها؛ نتيجة مشكلة حصلت، وكانت الزوجة مخطئة في المشكلة وهي السبب؟ وما النتيجة الشرعية في هذا الأمر ؟ وشكرا لكم.
... السؤال(65/258)
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ل في تنظيم العلاقة بين الزوجين هو قول الله تعالى:
"وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا"، ومن مقاصد الزواج السُّكْنى والمودة والرحمة، ولتحقيق هذه المقاصد يجب على كل من الزوجين عند حدوث خلاف عارض أن يصدر عن الآخر وأن يتجاوز هذا الخلاف، وخاصة الرجل الذي جعله الله سبحانه وتعالى قوَّامًا على أسرته؛ لرجاحة عقله، وقوة صبره.
فإذا أخطأت المرأة خطئًا متعمدًا، أو غير متعمد، فإنه لا يحق لزوجها أبدًا أن يخرجها من بيتها، لقول الله تعالى: "لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة"، فالإخراج من البيت لا يكون إلا بسبب قوي، وهو الزنا ونحوه، وإذا كانت المطلَّقة تجلس في بيتها أثناء العدة، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا، أي أن يكون هناك مراجعة في حالة الطلاق، فمن باب أولى الزوجة غير المطلقة فليس لها أن تترك بيتها، أو أن يخرجها زوجها.
والزوج في هذه الحالة يكون آثمًا، ويجب عليه أن يستغفر ربه، ويُرجع زوجته إلى بيته، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
هموم زوجة عراقية: مشاحنات زوجي.. ومنغصات أمي ... العنوان
عند الزوجة ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم..
إخوتي في الله.. أرجو أن تعينوني في مشكلتي أو بالأحرى في مشكلتي:
في البداية تزوجت من رجل متدين جدا هدفه هو الدعوة إلى الله والسعي إلى مرضاة الله عز وجل، وقبلت به على هذا الأساس لأبني بيتي وأسرتي على تقوى الله، مع العلم أني لم أعرفه من قبل، وحصل الزواج خلال أسبوعين.
وفي بداية الزواج كنت أحاول قدر الإمكان أن أرضي الله في زوجي، وكسْب مرضاة زوجي، ولكني بمرور الأيام لاحظت أن هذا الشيء جاء لي بمردود عكسي، زوجي الحمد لله يحبني ويحترمني، ولكنه بدأ يتجاهل رأيي ولا يعيره له أهمية فهو يسمع رأيي، ولكنه في آخر المطاف يعمل ما في رأسه، كنت أتعارك معه بشدة بسبب تجاهله أمري، وبدأت أحس كأني متعايشة معه ليس على أساس الدين كما خططنا، وإنما كأني خادمة أو وصف لا أريد أن أذكره الذي هو أدنى من الإنسان فقط. علي أن أعمل في البيت، وأنجب الأطفال ويعاشرني، أما المشاركة للتخطيط في المستقبل ملغاة تماما من جهتي، وبدأت عملي وهدفي لإرضاء زوجي أحسه ثقيلا على قلبي، كنت أتساءل هنالك احتمال أني على خطأ وعلي ألا أكون متعجرفة في رأيي، وأتنازل وأتقبل رأيه برضا، وأحسسه بأني راضية، ولكن أيا ترى نحن متزوجان إلى الآن؟ سنتان كل هذه المدة كل آرائي خاطئة، ولا يوم واحد(65/259)
أخذ رأيي بالاعتبار، وهذا الآن بدأ يسبب لي مشاكل كثيرة معه، ولا أعرف ما هو الحل؟
ومشكلتي الأخرى: هي والدتي التي تكره جميع المتدينين والشيوخ والمفتين من العلماء، ولا تتقبل أي كلمة منهم، وكلما أحاول أن أقنعها تقول لي أنت صغيرة لا تتأثري بهؤلاء المعقدين، مع العلم أنها محجبة، وتصوم وتصلي وتقوم الليل، وتتصدق، ولكنها غير ملتزمة في تحلل من نفسها المصافحة والمكياج، ونزع الحجاب بين المخطوبين أي حجاب الرأس، والاختلاط والرقص في القاعات عندها عادي، وعندما أقول لها هذا لا يجوز تقول كفي عن هذا الهراء، لا تكوني معقدة، أنت صغيرة لا لا تأثري بهؤلاء المفتين، وكان آخر نقاش بيننا انتهى بأن أغلقت الموضوع هو أنها أحلت شراء البيوت بالربا في العراق على أساس أنهم مضطرون، وليس بيدهم حيلة، مع العلم أنه لديها بيت، ولكن مرهون عند البنك في أيام النظام السابق، وعندما قارنت وضعها بوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبيته وقول المفتين تركت كل شيء و"نزلت شتما في الشيوخ والمفتين" فبماذا تنصوحني أن أعمل معها؟
لا أستطيع أن أقول لها هذا حلال أو حرام؛ لأنها لن تتقبل مني أبدا، ولكني أريد أن تكف عن ذكر هذه الأمور بدون أن أجرحها، وقال الله عز وجل: {وقل لهما قولا كريما}.
... المشكلة
د. سعد الدين عثماني ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أختي الكريمة..
بالنسبة لمشكلتك الأولى أظن أن أول معين لك فيها هو أن تشعري بنعم الله عليك. فالإنسان غالبا ما ينظر إلى ما ينقصه ولو كان قليلا، أكثر مما يهتم بما وهبه الله له من نعم وفضائل ولو كان كثيرا.
إنك تقولين بالحرف بأن زوجك "متدين جدا هدفه هو الدعوة إلى الله والسعي إلى مرضاة الله عز وجل"، وتقولين أيضا: "زوجي والحمد لله يحبني ويحترمني"، وهذه فضائل، ونعم أظن أن كثيرا من النساء سيغبطنك عليها. والوعي بهذه الحقيقة يجعلك تنظرين بنسبية لما تعانين منه، ولنقاط النقص والضعف الأخرى الموجودة في شخصيته.
إني أتفق معك على أن النموذج المطلوب شرعا وعقلا هو أن يكون تدبير شئون الأسرة مشتركا بين الزوجين، يقع فيه التشاور والتفاهم والتعاون، لا ينفرد أحد منهما فيه بشيء دون الآخر. لكن مع الأسف الشديد هناك بعض من الشباب المتدين له نظرة تنتقص المرأة، ولا تعتبر لها رأيا في الشئون العامة. وهذا ينافي المقصد الشرعي الوارد في النصوص القرآنية والحديثية. وذلك مثل قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ(65/260)
عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71]. فهذه الآية تعتبر النساء والرجال متعاونين ومسئولين مسئولية جماعية تضامنية في شئونهم العامة.
لذلك أدعوك إلى إعادة تقييم الأمر، ومحاولة تصحيح علاقتك بزوجك من خلال خطوات متسلسلة نقترح عليك منها ما يلي:
1 ـ احرصي على تثمين إيجابيات معاملة زوجك لك؛ لأن كسب مزيد منها يستلزم تثبيت الموجود فعلا. وإن كنت قد دأبت على ذلك من قبل فلا تملي من الاستمرار ولا تضجري.
2 ـ احذري من أن تسلكي طريق ردود الفعل في معاملتك معه حرصا على ألا تفقدي الإيجابيات الموجودة في حياتك الزوجية بسبب سوء فهم زوجك لردود فعلك. والله تعالى يقول: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء: 53]. فالمطلوب هو الكلام الأحسن والفعل الأحسن، وليس الحسن فقط. لذلك احرصي على الكلام الطيب والتذكير الجميل، واذكري أن "الكلمة الطيبة صدقة" كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
3 ـ حسب ما تقولين فإن زوجك يشاورك وينصت إليك لكنه لا يعمل برأيك. وهذا أمر يحتاج إلى تمحيص. ابحثي عن أسباب قد تكون مبررة لتصرفاته، وربما يكون الأمر قد تضخم لديك بسبب تصرف أخير في موضوع ذي حمولة عاطفية قوية عندك. لذلك أرجوك أعيدي تقييم الأمر، وتمعني فيه جيدا، ولا تتسرعي في الأحكام.
4 ـ أما إن كان ما قلته مضبوطا، فقد يكون سبب معاملة زوجك لك على النحو المذكور هو الثقافة التي نشأ عليها في وسطه أو نظرته إلى المرأة وطبيعة العلاقة بين الزوجين. وهذا يحتاج إلى حوار فكري هادئ، يرجع إلى أصول الأفكار ويعدلها بتدرج وفي رفق.
واسلكي لذلك سبلا متعددة. استعيني بصديق له يحبه ويتفهم الأمر ليعالج معه الأمر فكريا دون الحديث عن علاقته معك. أو سربي له كتابا أو شريطا يناقش الأمر بالحجج الشرعية والعقلية. اذكري له مثال الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجته أم سلمة، إذ دخل عليها يوم صلح الحديبية يشكو إليها أنه أمر أصحابه بنحر الهدي وحلق رءوسهم ولكنهم لم يفعلوا. فقالت: يا رسول الله اخرج إليهم فلا تكلمهم حتى تحلق وتنحر فإنهم إذا رأوك قد فعلت ذلك لم يخالفوك. فخرج عليه الصلاة والسلام وأخذ بمشورتها وفعل ما قالته ففعل الصحابة مثله. وهناك أمثلة كثير تدل على احترام النبي الكريم للمرأة ورأيها، وتشريع منه للعمل بمشورتها. واستعيني أيضا بأقوال العلماء حول قوله تعالى آمراً بالإحسان إلى الزوجة: "وعاشروهن بالمعروف". فلا شك أن مشاورة الزوجة والاستماع لنصيحتها وقبولها منها، هو من تمام المعروف في العشرة. وهذه الأدلة مؤثرة على مثله؛ لأنه على حسب قولك متدين جدا.
باختصار..
حاولي أن تحدثي لدى زوجك تغييرا في نظرته إلى الأمر، وهذا سيسهل عليه وعليك تغيير سلوكه إن شاء الله.(65/261)
وأخيرا..
تذكري -أختي الكريمة- أن عليك مسئولية كبيرة في الحفاظ على علاقتك مع زوجك، وربما تجديد حياة بيتك، والنجاح في ذلك سهل ميسور يحتاج إلى قليل من الفهم والتفهم، والجهد والمحاولة، فإن هذا أولى من الاستسلام لردود الفعل. واذكري باستمرار قول الله سبحانه وتعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19]، وقوله تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]. فما تكرهينه في زوجك أقل بكثير مما ترضينه منه. والعدل يقتضي أن تغفري القليل مقابل الحسنات الكثيرة. وفقك الله لكل خير، ونحن في انتظار أخبارك السارة إن شاء الله.
أما بالنسبة للمشكلة الثانية:
فقد أحسنت إذ جعلت نصب عينك قوله تعالى: "وقل لهما قولا كريما"، وإذ تريدين أن تجعلي والدتك تكف عن التجاوزات التي ترتكبها بلين ورفق ودون أن تجرحيها كما تقولين.
لكني أرجو منك أختي أن تحرصي على معالجة الأمر بطرق تقربها أكثر إليك، ومن ذلك ما يلي:
1 ـ استمري في المحاولة لكسب ثقتهما فيك، وتنمية تلك الثقة، ويكون ذلك مثلا بالقيام بالمزيد من أداء الخدمات لها حتى وإن لم تطلب ذلك منك.
2 ـ أشعريها باستمرار بحبك لها، وأنك تحرصين على البر بها؛ لأن الإسلام أمرك بذلك، وأغرقيها ودا وتوددا وإشعارا بالمحبة. وأنت تعرفين أنه أيا كانت معاصي الوالدين فإن هذه حقوقهم في الإسلام، بل إنها محفوظة لهما ولو كانا كافرين. وقد قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، في حديث رواه البخاري ومسلم، إن أمها قدمت عليها وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتت رسول الله قائلة: قدمت علي أمي وهي راغبة (أي طامعة تسألني شيئا عندي) أَفأَصل أمي؟ قال صلى الله عليه وسلم: "نعم، صلي أمك".
3 ـ لا تتصرفي بلجاجة أو تأثر ورد فعل تجاه مواقفها، حتى لا تزيديها عنادا وإصرارا. فقولها في الربا أو غيره لن ينصت إليه أحد، وربما ذلك مبلغها من العلم، فتكون معذورة لذلك. لكن انصحي برفق، وأشعريها بالمسئولية أمام الله. وإن رأيت أن الأفضل ألا تخوضي معها في هذه المواضيع فافعلي حتى تجربي أساليب تعامل متعددة، عساك تعثرين على مدخل لنفسها وقلبها تصحح به سلوكها.
4 ـ استعيني بمن تثق بهم من أسرتها أو أقاربها أو صديقاتها ممن يملكون زادا في العلم الشرعي أو قدرة على الإقناع. وفي كثير من الأحيان تكون نصيحة غير الأقارب المعاشرين بصورة مستمرة أفيد وأكثر تأثيرا. وقديما قيل: مطرب الحي لا يطرب.
5 ـ أكثري الدعاء لها عسى الله أن يهديها، ويشرح صدرها، فإن للدعاء دورا كبيرا في فتح مغاليق الأفئدة: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56].(65/262)
أسأل الله لأمك الرشد والسداد، ولك التوفيق في مقصدك، آمين..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
... الاسم ...
أُفكِّر في الانفصال، وزوجي ملتزم جدًّا ... العنوان
عند الزوجة, الملل الزوجي ... الموضوع
أنا متزوجة منذ نحو ثلاث سنوات، ولدي من زوجي طفلة، وزوجي "ملتزم" جدًّا كما كنت أتمنى دائمًا، ولا يهينني مطلقًا، وكريم معي جدًّا، باختصار رجل ذو خلق ودين، ويحب ابنته جدًّا بالإضافة إلى أنه من أسرة كريمة ووسيم، وكل هذه الصفات تتمناها أية زوجة أخرى؛ مشكلتي هي أن زوجي لا يحبني فهو يصارحني بذلك وأنه تزوجني لأن أهله قد رشحوني له، وقد رأى هو أنني مناسبة، وأنا أشعر بذلك في كل تصرفاته معي.. على سبيل المثال يوم وضعي لطفلتي ذهب إلى المنزل؛ لينام ثم أتى بعد الوضع ليرى طفلته وخرج مرة أخرى؛ ليقابل صديقًا، وفي شهور الحمل الأولى (شهور الوحم) كان يرى وأنا في قمة الإعياء أني "بدلع" ولك أن تتخيل ماذا يحدث إن طلبت منه الخروج معه أو شعرت يوما بإعياء فلا أجد بجواري زوجًا ولا سكنًا، ولا أسمع ما تحب أن تسمع الزوجة من زوجها حتى في لحظات الجماع، أما الجماع فله وقته المحدد، أي ليس لحب أو رغبة في زوجته، ولكن لأن الحاجة الجسمية هي التي تعلن عن ذلك، وربما تكون هذه المشكلة ليست ذات أهمية بالنسبة لأخرى غيري، ولكني لكي تعلم رومانسية جدًّا، وأتعذب من ذلك حقًّا، فقد أصبحت وأنا الإنسانة المتدينة أشعر بسعادة كبيرة إذا نظر إلي أحد في الطريق، بل أتمنى ذلك لكي أشعر بأني أنثى، وأصبحت عصبية جدًّا عليه وعلى ابنتي، وفقدت ثقتي بنفسي لإحساسي بأني لست المرأة التي كان يتمناها زوجي، وقد حدثته في هذا الأمر كثيرًا فيقول: إن هذا ليس بيده، حتى إني أصبحت لا أحبه كما كان في السابق، أفكر في الانفصال عنه كي لا أنحرف، ولكني أنظر إلى ابنتي فأتراجع عن هذا الأمر، وأخاف أن أصبح مطلقة، ولكن هذه الحياة تؤذي نفسيتي وأخلاقي، فما رأيكم؟ ... المشكلة
د. أحمد عبدالله / د. عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت المرسلة، هوّني عليك واعلمي أنه ليس كل البيوت تبنى على الحب، وقد يكون هناك أهداف أسمى تكتب لهذا البيت البقاء والاستمرار، والله سبحانه وتعالي يقول في هذا الأمر: "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا"(النساء: 19)
وقال تعالى "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون"(البقرة: 216)
وأنت وإن كنت الآن في محنة فإن العين تحب الجمال الظاهر، وهذا الحب قد يأتي سريعًا، ولكنه يزول سريعًا حين تذهب نضارة هذا الجمال، ويألفه الإنسان.(65/263)
والنفس تحب وتألف الصفات والأخلاق الحميدة، وهذا الحب قد لا يأتي سريعًا، ولكنه إن أتى يزداد ويستمر ويبقى مع الأيام، وعندها يكون الحب عميقًا وثيقًا ويا حبذا لو تكامل حب النفس مع حب العين.
يقول لك د عمرو:
ولماذا لا تصبحين المرأة التي كان يتمناها زوجك؟! ولماذا لا تجعلينه يحبك؟! ألا ترين أن هذين السؤالين هما الأولى بالإجابة بدلاً من الحديث عن فقدان حبك له أو عن تفكيرك في الانفصال عنه؟! لماذا لا ندخل المدخل الإيجابي للمسألة بدلاً من المدخل السلبي؟ لماذا نعتبر الأمر إهانة تستحق الرد سواء بالكراهية أم الانفصال، ولا نعتبر الأمر تحديًا علينا أن نخوضه ومعركة لا بد أن ننتصر فيها؟!.
ألا يستحق شاب ملتزم جدًّا وكريم وذو خلق ودين ، ولا يهينك مطلقًا وهو أبو ابنتك ، ووسيم ومن أسرة كريمة، ألا يستحق هذا الشاب إذا لم يكن زوجك أن تبذلي الجهود من أن أجل أن تجعليه زوجك؟! ألا تفعل بعض الفتيات ذلك من أجل جذب انتباه شاب رأينه فأعجبن به ورأين أنه يصلح لهن زوجًا، ألا يفعلن الأفاعيل حتى يجذبن انتباهه.
فما بالك وأنت زوجته وتعيشين معه تحت سقف واحد، وهو يبذل معك المودة والرحمة.. ألا تستطيع امرأة أن تحبب فيها رجلاً يعيش معها تحت سقف واحد ؟! وينام معها على سرير واحد؟! بل وبينهما ابنة مشتركة، وحياة وآمال وأحلام مشتركة؟!
إن الذي يعجزك عن فعل هذا أنك لم تفكري فيه، وفكرت فقط في أنها إهانة، وفكرت فقط في عجزك أن تكوني المرأة التي يتمناها زوجك، في حين أن الأمر يبدو متوقعًا فالرجل قد اختارك بالطريقة التقليدية، ولم يدع أنه أحبك من أول نظرة وأيضا أنت لا تستطيعين ادعاء ذلك.
فلماذا لا نعتبر هذا الزواج حبة تحتاج إلى من يتعهدها ويرعاها كما نرعى البذرة حتى تنمو شجرة كبيرة وارفة الظلال، لماذا نتصور أن الزواج لا بد أن يبدأ بهذه الشجرة الكبيرة وهي مسألة ضد منطق الأشياء!!! بدلا من البكاء على الشجرة التي لم تنم .. تعالي نفكر كيف نعيد الحياة إلى البذرة، ونعود فنتعهدها بالرعاية حتى تنمو وتكبر.
وقد تقولين: إن المسئولية مشتركة بين الطرفين، وإن الأمر لا يخصك وحدك وإنك لا تجدين التشجيع من جانبه.. ونحن نتفق معك أن المسئولية مشتركة، ولكن ما بدا لنا من رسالتك أن زوجك قد قدّم ما يستطيعه من حسن العشرة والكرم وحسن الخلق وعدم الإهانة، وهي الحدود الدنيا للعطاء، ولكننا نتوقع أنك إذا قدمت مبادرات قوية تعلنين فيها شدة حبك وشدة تمسكك وحرصك على اكتسابه.. فإنه سيتجاوب لأنه بشر آدمي، وليس صخرًا صلدًا.
إن التصرفات والإيماءات والرسائل غير المباشرة أكثر تأثيرًا من مجرد الصراخ والرفض ... إن حرصك على إرضائه وإظهار أفضل ما فيك من صفات نفسية وجسدية وإصرارك على ذلك، والهدايا المعبرة في المناسبات المتعددة.. وذكره دائمًا(65/264)
بأحسن ما يجب وإظهار الامتنان الدائم له والإعجاب المتكرر بصفاته والحرص على كل ما يحب والبعد عن كل ما يكره لهو الطريق السحري إلى قلب هذا الرجل..
ويجب أن يشعر أنك نسيت أنه قد قال إنه لا يحبك، ويجب ألا تذكّريه بذلك، بل عامليه على أنه يحبك وأنك تبادليه شعور الحب الكبير الذي تشعرين به من ناحيته.. إنني واثق أنك تستطيعين إذا أردت وإذا خرجت من أفكارك السلبية حول عدم ثقتك بنفسك، بالعكس أنت تحتاجين أن تكوني على ثقة كاملة أنك تستطيعين كسب هذا الرجل؛ لأنه حبيبك وزوجك وأبو ابنتك، وفقك الله ونحن في انتظار الأخبار السارة انتهي..
أما أنا ـ والكلام للدكتور أحمد ـ فقد أشفقت عليك، وأنت المتدينة التي تشعرين بسعادة كبيرة إذا نظر لها أحدهم في الطريق، بل وتتمنى ذلك!!
يا ألله كم هو القلب يتقلب، وكم يكون قاسيًا حتى يعجز عن مجاملة بسيطة لأقرب الناس، وكم يمكن أن يكون متسعًا لكل الخلق!!!
أنا يا أختي مع عدم تبرئتي الكاملة لك لا أستطيع أن أغض الطرف عن أفعال زوجك "الملتزم"، تلك الكلمة التي أصبحت لا تعني لنا شيئًا على الإطلاق في فريق الحلول، ولعلكم تقصدون بها الالتزام بالطقوس العبادية وبعض الأخلاق الشكلية وعدم ارتكاب الكبائر!!!
الالتزام يا أختي هو السير على طريق المصطفى الذي كان خلقه القرآن والاجتهاد في تتبع هديه قولاً وفعلاً، سنة وسيرة وهو في حسن خلقه قدوة لنا رجالاً ونساء. ورسولنا المصطفى المختار، صفوة الخلق، الرؤوف الرحيم بالمؤمنين- بل بالعالمين جميعًا- كان أرق الناس، وألطف الناس ... عاد من سفره مرة، وأحضر لكل زوجة من زوجاته خاتمًا هدية، وأعطاه لها في السر، وقال لها: اكتمي عن الباقيات أمر هذا الخاتم، ثم جلس وسطهن فسألته إحداهن: أينا أحب إليك يا رسول الله؟ قال: التي معها الخاتم.. فأي قلب هذا القلب؟!
وهو الذي تخاصمه زوجاته إلى الليل فلا يتذمر، ولا يشكو وشغله هداية البشرية، وهي أثقل مهمة، ولم يحتج بصعوبة إيجاد وقت لمجاملة كل زوجة، ومداعبتها والقيام بحقها، وإشعارها بأنوثتها، وكن تسع زوجات، ولكنه كان خير الناس لأهله صلى الله عله وسلم.
والذي يظن نفسه ملتزمًا فليقارن نفسه برسول الله، ويقيس على هذا المقياس؛ ليعرف أين يقف، ومن نواحي العظمة في هذا الدين أن قدوة المؤمنين به بشر، وليس ملاكًا، ولا إلهًا ولا نصف إله، بل عظمته تكمن في بشريته التي سمت حتى وصلت إلى الذرى.
وأعرف أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وأن كف الأذى من معالم الإيمان، ولكن الالتزام مستوى أعلى وأرفع، وأرجو أن نتحفظ في إطلاق هذه الصفة حتى لا تفقد معناها أكثر!!
لا يا أختي.. الملتزم كما أعرفه لا يصارح زوجته بأنه لا يحبها وأنه تزوجها لأن أهله رشحوها له، فهذه "جَلْيَطَة" -كما يقول المصريون في أحسن الأحوال- وعنف مستتر وشديد في أسوأ التفسيرات، وبعض الرجال – عديمي الخبرة- لا يعرفون(65/265)
نفسية المرأة وحاجاتها، والملتزم حقًا يتعلم هذا من مدرسة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي مدرسة الحياة، ومعاملة النساء، والبشر جميعًا فن وعلم فيه دراسات ونظريات وأدبيات كثيرة.
أما أنت فأقول لك: إن تَحَقُقَ "المرأة" يتم في ميادين كثيرة، وليس في ميدان واحد.
فهي تتحقق كأنثي في بيتها مع زوجها، وهي تتحقق كأم في تربية أولادها، وفي حنانها وإشرافها على غيرهم بحسب الظروف والأحوال، وهي تتحقق كإنسان في أدوار وأنشطة متعددة أرى أنك لم تذكري أيًا منها.
فإذا كان زوجك "ملتزمًا" كما تقولين، فلعل له أنشطة دعوية أو ما شابه ذلك، فهل لك أنشطة مشابهة؟!! وهل تتشاركان الاهتمامات والحوارات حول أنشطة مشتركة؟!
لماذا لا تفكرين في عمل مناسب خارج البيت، أو داخل البيت؟!
أسلوبك في الكتابة مثلاً لا بأس به، فلماذا لا تستفيدين به في علم مناسب ليس الهدف منه مجرد كسب المال، ولكن التحقق في ميدان المساهمة في النشاط الثقافي والاجتماعي.
إن الإنسان حين تكون في حياته قضية يخدمها بوسائل عملية، وبرامج يومية يشعر بالثقة في ذاته، وبالتقارب مع من يشاركه قضيته هذه، وبالبحث عن طرق خلفية للتحقق لأنه بالفعل موجود على مستويات متعددة.
وبعض الأزواج يكون له اهتمامات معينة، وتدريجيًّا لا يجد لزوجته أي تواجد على خريطة هذه الاهتمامات من قريب أو بعيد، وقد لا يجد لها أثرًا في أي بقعة من مساحة حياته إلا فراش الزوجية، والبعض لا يعطي الفراش حجمًا كبيرًا، ولا يفهم أنه يعني عند أغلب النساء الحب والعاطفة والتحقق الأنثوي أكثر مما يعني الشهوانية البحتة.
والنتيجة مفارقة مضحكة مبكية، الزوجة تجلس في ركن قصي تنتظر الحبيب، وهو يصول ويجول في ميادين كثيرة تغيب هي عنها بغفلة أو كسل أو عدم اكتراث، ولو تشاركا الاهتمام بقضايا ودوائر حركة لتعمقت العلاقة واتخذت أبعادًا أخرى أشمل وأوسع وعندها تختفي الشكوى بشأن العواطف، وبشأن الفراش.
وأرى أن عليك عاملاً كبيرًا في تجديد حياة بيتك، وتملكين من مقومات وأدوات هذا التجديد الكثير، والنجاح على بعد خطوات يحتاج إلى قليل من الجهد والفهم والتركيز، فإن هذا أقرب وأولى من الاستسلام لهواجس الطريق وغواية الانحراف.
فاصبري يا أختي الكريمة، واعلمي أن أبغض الحلال عند الله الطلاق، وأن الطلاق له تبعات جسيمة كما أن الاستمرار في هذا الزواج له تبعاته أيضًا؛ فما عليك إلا تختاري أخف الضررين، ولن يستطيع حساب ذلك أحد سواك. وفقك الله..وتابعينا بأخبارك.
ونرجو من صاحبة المشكلة مراجعة مشكلة ( لعلها امرأة.. أسمته " ممارسة الحب ") والموجودة علي الصفحة بتاريخ 7 ديسمبر وعنوانها الإليكتروني هو http://www.islamonline.net/questionapplication/arabic/display.asp?hquestionID1867
وذلك لأن الإجابتين متكاملتان.(65/266)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زوجني يجرحني بالكلام
مشكلتي ان زوجي يجرحني بالكلام امام الناس بشكل لا اطيقه عندما كلمته في الامر غضب وقال انه لا يقبل الاوامر
ما دا يجب علي فعله و خصوصا انني لا اضمن انني سأضبط اعصابي حينما يكرر الامر و ربما اقوم بالرد عليه امام الناس الشيء الدي يمكن ان يزيد الطين بلة
... السؤال
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فحسن العشرة من الحقوق المتبادلة بين الزوجين وقد أمر الله بها في قوله سببحانه (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) [البقرة:228] وقال جل وعلا: (وعاشروهن بالمعروف)[ النساء:19].
فلا يجوز للزوج أن يسيء إلى زوجته بأي نوع من أنواع الإساءة بل يجب أن يكون منه الرفق والإحسان ، وعلى الزوج أن يتقي الله تعالى في زوجته ومن حقها عليه أن يسمع لها وأن يقبل منها النصح إن أسدت إليه نصحا ، ولا يحمله الكبر على رفض أي توجيه أو نصيحة فعدم الرجوع للحق سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرا فقال "الكبر بطر الحق وغمط الناس"..
فعلى الزوج أن يتقي الله تعالى في زوجه وأن يكون وقافا عند حدود الله ، وأن يعلم أن إيذائه لزوجته بأي صورة من صور الإيذاء هي ظلم.
والواجب على الزوجة أن يكون منها دوام العشرة الطيبة لتنال رضا الله تعالى ولتكسب قلب زوجها فالرفق لا يأتي إلا بخير كما أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم.
ولن تستقيم الحياة إلا بإحسان كل من الزوجين إلى صاحبه فالحياة الزوجية ليست حلبة مصارعة ، ولكنها سكن للزوجين ولن تستقيم إلا إذا قامت على المودة والرحمة..
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
علاج الجفاء بين الزوجين
سيدي الكريم
السلام عليكم ورحمة الله
لدي أخ متزوج، ويسكن في مدينة بعيدة عنا، التحقت به هذاالعام، وجلست معه ومع زوجته بحثا عن العمل، وأثناء جلوسي معهم، لاحظت جفاء كبيرا بينهم،كما لاحظت عدم احترام زوجته له وأخي معاق، رجل واحدة مشلولة، ففي يوم حدث بينهم خصام فدفعته وأسقطته أرضا، بعدما دفعها هو وأحدث لها جرحا في رجلها، المهم تأسفت للموقف، ولأن أخي لم يرض أمامي وأمام أخي الثاني الذي يقيم معه منذ 3 سنوات لإتمام دراسته يعني أنا وأخي نقيم معه في البيت معه ومع زوجته أراد تطليقها،(65/267)
فشجعته في ذلك، سيما وأنني كلما زرتهم من قبل أجدهم على خصام، وهو سيطلقها بعد أيام، وأنا اشجعه، خاصة وأن مطلبها أن لا نبقى أنا وأخي الذي يدرس معهافي البيت أي أنها تطلب الاستقلالية، وللعلم، هي من قبل أن نقيم معها كانت تعاملنا معاملة رائعة، لدرجة أنني صدمت في الحآل الذي وصلت لها أخي المعاق، فهل علي من وزر عندما شجعت أخي على طلاقها، وهل سنتحمل وزرا من الإثم لأننا نقيم معها، خاصة وأنها تصر على الاستقلال، على اعتبار أن ذلك من حقها ... السؤال
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فمن حقوق المرأة على زوجها أن يوفر لها سكنا مستقلا بها، وذلك لقوله تعالى :"أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم"قال ابن قدامة رحمه الله :
ويجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى { أسكنوهن ... } ، فإذا وجبت السكنى للمطلَّقة فللتي في صلب النكاح أولى ، قال الله تعالى { وعاشروهن بالمعروف } ، ومن المعروف أن يسكنها في مسكن ، ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون ، وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع . أ هـ
ومعظم الخلافات التي تنشأ بين الزوجين يعود إلى وجود غير الزوجين في مسكن الزوجية مع عدم رضاء الزوجة بهذا، فتدب المشاكل بين الزوجين، ولهذا يظهر حكمة الشارع من تقريره أن للمرأة حق في سكن منفرد، وإن هي تنازلت عن هذا الحق ورضيت بأن يشاركها أهل زوجها في مسكنها فهذا يدل على عظيم خلقها، ولها الثواب والأجر من الله تعالى على هذا الإحسان إن شاء الله ، وعليها أن تعود نفسها الصبر. وإن هي تمسكت بحقها في السكن المنفرد لا تلام على هذا لأنه حقها، ولا يلام المرء إذا طالب بحقه.
وعلى هذا فبدلا من أن تشجعي أخاك على أن يطلق زوجته اجتهدي أنت وأخوك الذي يقيم في هذه الأسرة مدة ثلاث سنوات على أن تجدوا مسكنا آخر غير مسكن هذه الزوجة التي ضاقت بكم ذرعا، لأنه من حقها شرعا أن تستقل بسكن مستقل، وأنت أيضا عندما لن ترضي لأهل زوجك أن يقيموا عندك وستطلبين الاستقلال وهذا من حق كل زوجة إلا إذا تنازلت عن هذا الحق، وأنتم إن وفرتم لهذه الزوجة سكنا مستقلا عنكم أو وفرتم لأنفسكم سكنا مستقلا عنها سنجد أن الكثير من الأمور قد عادت إلى مجاريها، وسيعود الود والصفاء لهذه الأسرة.
والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلبي ينفطر
سيدي، إنني في هذا الشهر أعيش ظروفا نفسية صعبة، جعلتني في كل يوم أنفجر في وجه زوجي بالسب ولشتم، ونعته بأقبح الأوصاف، والسبب سيدي، أنه أتى بأخته وأخيه للعيش معنا، مع العلم أن بيتهم موجود وكبير وعلى بعد من بيتي بمئات الكيلومترات، ولديهم أخ متزوج يعيش معهم في بيتهم.(65/268)
ولقد أتوا عندنا للبحث عن عمل، وبما أن زوجي من النوع الذي يضحي بزوجته من أجل أسرته، فقد فرض علي الأمر، وليس لدي قدرة على الرفض، وإلا كما قال هو الطلاق أحسن له من زواج يفرقه على إخوته.
مع العلم أنني أحسن إلى أسرته عندما أزورهم كضيوف ويزورونني كضيوف وبشهادتهم، بل أمه دائما تذكرني بخير، لكن بمجيء أخويه، سيما أن بيتي ضيق، ويفرض علي خدمتهم، حتى أن أخته إذا أرادت أن تقوم لتطبخ مثلا، يمنعها ويأمرني أنا بذلك، ومرة حدث سوء تفاهم بيني وبين أخته، فأخذ بخاطرها وخاصمني أنا ولا يزال لا يكلمني إلى اليوم، مع العلم أنه كان مجرد سوء تعامل مع أخته.
إنني في حيرة من أمري، بيت صغير، وأنا موظفة، ووقتي لا يكفيني لخدمة زوجي فبالأحرى خدمة أخويه، وللإشارة فأخته أكبر مني، وأخوه أصغر مني بـ3 سنوات، وهو شاب 28 سنة، فماذا أفعل؟ حتى السؤال لم أستطع أن أكتبه، أشعر أنني ملخبطة.
إنني أشكوه لله في كل وقت وحين، وأسبه وأشتمه ولم أعد أحترمه لما رأيت من تفضيل لإخوته علي، وهضم لحقوقي حتى صرت أطلب الطلاق، لقد جاء بالمشاكل إلى قلب بيتي بعدما كنت مرتاحة، حمدت الله عندما تزوجت أنه بيني وبين أسرته 700 كلم، ولكنهم اليوم يشاركونني بيتي وبشروطهم، حتى صرت أدعو على زوجي في كل وقت، لأنني لا أستطيع مواجهة إخوته.
وأفكر حاليا في الطلاق، مع العلم أن لدي طفلة منه عمرها 11 شهرا، أريد أن أعيش في بيتي حرة، غير مقيدة بقيود الغرباء، فالبيت صغير 60 مترا، وهو يقول لي لن أضع إخوتي في الفندق باش تكوني أنت على خاطرك.
مع العلم أنه لم يشترط علي ذلك قبل الزواج الذي دام 4 سنوات، وقد سبق لأخيه أن أقام عندنا 3 سنوات، يحتل غرفة الضيوف بحيث لا أستطيع أن أستقبل فيها أحدا، وهاهو يأتي بأخيه من جديد وأخته، فهل من حل تعبت والله، وأشعر أنني لم أصم هذا الشهر ففي كل يوم شجار بيني وبين زوجي وسب وشتم.
أرجوك سامحني على الإطالة، ولكن نفسيتي متدهورة جدا جدا جدا، لماذا يفرض على المرأة احترام زوجها وبيتها وحقوق زوجها، ويد زوجها مطلوقة تعيث بدون احترام لخصوصية بيت الزوجية، مع العلم أن الجميع ينصح بعدم تدخل الأهل في الأمور الزوجية، وهو قد أتى بالمشاكل إلى قلب بيتي؟.
... السؤال
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أجيب السائلة الكريمة بأن الزواج يقوم على المودة وعلى الرحمة وعلى التفاهم وعلى التعاون، والله سبحانه وتعالى يقول مخاطبا الرجال: "وعاشروهن بالمعروف"، والمرأة أو الفتاة حينما تتزوج وتنتقل من بيت أبويها إلى بيت زوجها تكون قد عملت على تأسيس أسرة وبيت يقوم على الرحمة والمودة كما قلنا. وكما جاء في الكتاب العزيز والسنة المطهرة.(65/269)
والرسول عليه الصلاة والسلام يوصي الرجال بالنساء كما يوصي النساء بالرجال يقول عليه الصلاة والسلام:"ما أكرمهن إلا كريم"، ويقول أيضا: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"، ولذلك من حق الزوجة أي زوجة كانت أن تعيش في بيتها حرة لا يتدخل في شئونها وشئون أسرتها أحد إلا الزوج ومن كان من الآباء والأقرباء الذي ينصحهم ويوجههم الوجهة الصالحة لبناء الأسرة السعيدة.
ولهذا استقبال قرابة الزوج أو قرابة الزوجة يكون بالمعروف دون تعد على حقوق وحرية الآخر، الزوج له أن يحسن بل يجب عليه أن يحسن لقرابته وإخوته وإخوانه بالمعروف دون تعد على حقوق الزوجة، الشارع الحكيم والقانون السماوي وحتى الوضعي يضمن للزوجة حقوقها كما يضمن للقرابة والأولياء حقوقهم بطبيعة الحال. خصوصا إذا كان هذا القريب أخا قال عليه الصلاة والسلام: "إياكم والحمو" قالوا: وما الحمو يا رسول الله؟ قال: "أخ الزوج".
إذن من باب الشرع لا يجوز أن يقيم شقيق الزوج أو أخوه مع زوجته في بيت واحد. هذا من الناحية الشرعية. وعلى هذا ننصح الزوج أن يحسن إلى زوجته بتوفير بيت على قدر استطاعته تستقر فيه مع زوجها ومولودتها ومن سيأتي بعد من الأولاد إن شاء الله. لا أن يكلفها ما لا تطيق أو أن تخدم قرابته بالعنف؛ فهذا لا يرضاه الشرع ولا العرف ولا القانون.
وننصح الزوجة أيضا بأن تحاول مع زوجها إقناعه بالتي هي أحسن لعل الله يفتح بصيرته لهذا الرأي الشرعي على أن يؤدي حقوق قرابته بالشكل الذي يراه هو مناسبا له.
وفي الأخير لا بد لهذه الزوجة أن تعامل والدي الزوج وقرابته عموما المعاملة الحسنة وأن تستقبلهم في بيتها وتستضيفهم وترحب بهم وتظهر لهم البشاشة والفرحة بزيارتهم؛ لأن حسن العلاقة مع الأصهار ومع الآباء والأمهات يسهل كثيرا من الأمور ويجعل الزوج يشعر بالسرور نحو زوجته وهي تستقبل أباه وأمه، وهذا أيضا من الواجب على الزوجة أن تعتبره داخلا في حقوق الزوج عليها. وكذلك الشأن بالنسبة للزوج. والله سبحانه تعالى الموفق للصواب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طلب الطلاق بسبب سوء العشرة
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
هل يحق للزوجة ان تطلب الطلاق من زوجها اذا كان يظلمها سواء بتسليط امه عليها او بمعاملتها معاملة سيئة و عندها اطفال و اذا كان جوابك ان تصبر فما فلماذا اذا كان يذهب احترام ابنائها لها وجزاكم الله خيرا ... السؤال
بسم الله، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت الفاضلة:
إذا ثبت شرعا أن الزوج يسيء معاملة زوجته، فيحق لها رفع دعوى لطلب الطلاق من المحكمة الشرعية، أما الصبر ، فهذا لها ، وليس واجبا عليها أن تعيش بسوء المعاملة طول العمر، وقد قال تعالى :" وعاشروهن بالمعروف". لكن عليها أن تثبت سوء المعاملة.(65/270)
كما أجاز الإسلام لها الخلع في غير هذه الحالة، ولكن عليها أن تتبصر بخطوتها، وأن تدرك أبعادها، وأن تقارن بين حالها المستقبل وحالها الآن، وأن تنظر أولادها ، فإن رأت أن ضرر وجودها مع زوجها أكبر، فلها طلب الطلاق أو الخلع ، وإن كان ضررا يتحمل، فالأولى تحمله، احتسابا عند الله تعالى.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
زوجة حائره - مصر ... الاسم
ربة بيت ... الوظيفة
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
سؤالى الاول انا امراء متزوجة وأنجبت طفل بعملية وبعد فترة أخدت حبوب منع الحمل ثم فرض علي زوجى بعدم أخد الحبوب بعد 11الشهرمن الولادة فاخدت 10حبات فى نفس الوقت فى لحظة غضب مع العلم ان تبقى فترة السنة والسنة ونصف بعد العملية لكى احمل !ماذا افعل حتى يغفر الله لى ذنبى
سؤالى التانى زوجى ينظر الى البنات المحجبة والغير محجبة وانا بجنبه او مش فى جنبه ويقول لى انظرى الى جسمها ويحكى التفاصيل مثل الصدر والمؤخره وغيره من تفاصيل صغيرة وانا جسمى ممتلاء ولكن زوجى عادى معى ماحكم الاسلام فى هذا ونصحتك له
سؤالى الثالة ما موقف الإسلام من الجنس الفموى هل هو جائز للرجل مع زوجته من باب المداعبة بين الزوجين و مداعبة الزوج زوجتة فرجها بيده وما هى الحدود ان كان جائز؟.
وجزاك الله الف خير ونور طريقك ... السؤال
بسم الله ، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
أختي الفاضلة .. أسأل الله تعالى أن يصلح لك زوجك وأن يصلحك له وأن يبارك لكما في ذريتكما.
أما الجواب عن السؤال الأول فالحياة الزوجية عمودها الفقري هو التفاهم والاحترام المتبادل بين الزوجين ، فلسنا في حلبة مصارعة لا يبقى فيه إلا الأقوى ، ولكن الحياة الزوجية هي أشبه بالقارب لن يصل من فيه إلى شاطئ الأمان وبر النجاة إذا كان من فيه يجدف كل منهما في عكس اتجاه الآخر ، فلا بد من التفاهم والتراحم ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى كل زوج بقوله سبحانه "وعاشروهن بالمعروف" وليس بالضرورة لمعاشرة الزوج بالمعروف أن يكون الزوج محبا لزوجته ، فليس كل البيوت تبنى على الحب كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ولذلك كان تذييل الآية السابقة "فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا" والأمر بحسن العشرة والإحسان إلى الزوجة ليس خطابا للزوج فحسب ، بل هو خطاب للزوجة أيضا ، ولذلك قال الله تعالى "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف"..
وقد أوجب الله تعالى للزوجة حقوقا على زوجها كما أوجب للزوج حقوقا على زوجته ومن حقوق الزوج على زوجته طاعته له في المعروف ، فإذا كان الزوج قد(65/271)