9- أخيراً فإن المطالبة بخروج المرأة للعمل يمثل تهديداً أمنياً واقتصادياً للدولة، ذلك لأن أطروحات المطالبة بتوظيف النساء تضغط على وتر حساس، والدولة مهما كانت إمكاناتها لا يمكن أن تستطيع توفير فرصاً وظيفية لهذه الأعداد الكبيرة من النساء والرجال، فاعتبار العمل خارج المنزل من حقوق المرأة التي تطالب الدولة بتوفيرها سيفتح عليها باب يصعب إغلاقه فيما بعد، فيكون معول هدم يهدد أمن هذه البلاد.
[1] كما ورد في دراسة قدمتها الهيئة العامة للاستثمار في المملكة العربية السعودية، في شهر ربيع الأول 1424هـ، بعنوان " معوقات الاستثمارات النسائية في المملكة العربية السعودية" ص74 وما بعدها، ص88
إحصاءات سريعة:
أجريت استبانة على مجموعة من النساء الأمريكيات حول المساواة وعمل المرأة، فكانت الإجابة:
* 87% قلن : لو عادت عجلة التاريخ للوراء لاعتبرنا المطالبة بالمساواة مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة وقاومنا اللواتي يرفعن شعاراتها!
* 80% يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه الزوج والأولاد.
* 87% من العاملات من 85 مليون امرأة يفضلن البقاء في المنزل من نساء أوربا وأمريكا واليابان وكندا.
* 12مليون حالة طلاق بسبب عمل المرأة 85% منها في الغرب.
* في الولايات المتحدة في عام واحد: 5600 طفل دخلوا المستشفى بسبب ضرب أمهاتهم العاملات لهم، غالبهم تعرض لعاهات بسب الضرب.
* أثبتتِ الدراساتُ أنّ العديدَ من السيّداتِ الأمريكيّاتِ الطموحاتِ مقتنعاتٌ بإمكانيّةِ تأخيرِ سنِّ الحملِ إلى الأربعين، لتحقيقِ طموحاتهنَّ في العملِ!!.. ويقولُ العلماءُ إنّه كلّما تقدّم العمرُ تعذّرَ علاجُ العقم، وتعذّرتِ مساعدةُ المرأةِ على الإنجاب، كما في حالةِ انسدادِ أنابيبِ المبيض.. وتصلُ نسبةُ الحملِ للسيّداتِ اللاتي يبلغُ عمرُهنَّ الأربعينَ إلى 10% فحسب، حيثُ يصبحُ نصفُ البويضاتِ في هذه السنِّ غيرَ طبيعيٍّ من ناحيةِ الكروموزومات، ويتضاعفُ عددُ البويضاتِ غيرِ الطبيعيّةِ إلى 90% عندَ سنِّ 42 عاما!
وأجريت دراسةٌ على 1647 سيّدةً من السيداتِ الناجحاتِ في عملهنّ، من بينهنَّ 1168 امرأةً تحصلُ على دخلٍ يزيدُ بمقدارِ 10% مقارنةً بالسيّداتِ في نفسِ أعمارِهنّ، أو سيّداتٍ حاصلاتٍ على درجاتٍ علميّةٍ في مجالي الطبِّ والقانون.. وكانتِ النتيجةُ أنَّ 42% من السيّداتِ الناجحاتِ في الشركاتِ الأمريكيّةِ ما زلنَ بدونِ أطفالٍ بعدَ سنِّ الأربعين، وارتفعت هذه النسبةُ إلى 49% بينَ النساءِ اللاتي تحصلنَ على 100 ألف دولار أو أكثر.
وقد أوضحَ آخرُ تعدادٍ للسّكانِ في (أمريكا) أنّ حالاتِ العقمِ في تضاعفٍ مستمرّ في السنواتِ العشرينَ الأخيرة، فثمَّ امرأةٌ بينَ كلِّ خمسِ سيّداتٍ تتراوحُ أعمارُهنَّ بينَ الأربعينَ والخمسينَ بدونِ أطفال!!!
الرأي الثاني:
وهو النظر لعمل المرأة من منظور شرعي، ينطلق من الأصول والثوابت التي ذكرت في أول هذه الورقة، ويتلخص في أن المرأة لها خصوصيتها الدينية، والنفسية، والجسدية، والعاطفية، والاجتماعية، وأن النفقة واجبة للمرأة على وليها والقائم بشؤونها (أباً كان أو زوجاً أو نحوه)، وأن الأصل قرار المرأة في بيتها ورعايتها لشؤون المنزل والأبناء والزوج، وأن الإسلام أباح لها العمل إذا احتاجت لذلك، أو احتاج إليها المجتمع، لتعليم بنات جنسها، وتطبيبهن ونحو ذلك، في إطار تلك الخصوصية.
ولأهمية الأمر، لا بد من الإشارة إلى مغالطة شائعة في مفهوم العمل، عند الحديث أو المطالبة بعمل المرأة، حيث يطلق عليه لقب" الأجير الخاص"، وهو:العمل مدفوع الأجر، أو "تلك الأعمال التي تمارسها المرأة حال كونها أجيرة لشخص لا تربطها به إلا الروابط المادية". فلا يحتسب من العمل -مثلاً- تلك الأعمال التي تمارسها المرأة في بيتها، من تربية للأبناء، أو حسن تبعل للزوج، أو رعاية للوالدين ونحو ذلك. وغالباً ما توصم المرأة غير الأجيرة بأنها عاطلة، وبأن عدم دخول المرأة "سوق العمل" أجيرة يعتبر تعطيلاً لنصف المجتمع. وهذه مغالطة، انطلت على كثير من الناس، حتى أصبح الخيار في حس المرأة, هو أن تكون "عاملة" خارج بيتها أو تكون "عاطلة" في بيتها، والصحيح أن الخيار هو إما أن تكون "عاملة أجيرة"، أو تكون " عاملة حرة ".
إن الخلل في هذا المفهوم يدفع المرأة لتضغط على نفسها، وعلى أسرتها، وعلى مجتمعها؛ لتتحول من كونها عاملة حرة في بيتها؛ لتكون أجيرة خارج بيتها، مما يؤدي إلى كثير من الأضرار - سبق ذكرها -.
ولقد أثبتت الأرقام الاقتصادية التفصيلية في أحد تقارير الأمم المتحدة في أوائل الثمانينيات الميلادية {أن خروج المرأة للعمل أجيرة يكلف مجتمعها 40% من الدخل القومي}. وذلك خلافا لما يروج له من أن خروجها للعمل أجيرة يدعم الاقتصاد و الناتج المحلي، كما أن التقرير ذاته يقول في فقرة أخرى منه { لو أن نساء العالم تلقين أجوراً نظير القيام بالأعمال المنزلية لبلغ ذلك نصف الدخل القومي لكل بلد}.
وقد قامت مؤسسة مالية في الولايات المتحدة بدراسة عمل الأم في المنزل (كالتربية، والطبخ، والإدارة المالية، والعلاج النفسي للأسرة..إلخ)، ومحاولة تقديره بحسابات مادية على الورق، فوجدت أن الأم تستحق أجراً سنوياً يصل إلى 508 آلاف دولار، وقال المحلل المالي لهذه المؤسسة: ((حيث إن الأم تعمل 24 ساعة مستمرة يومياً، توصلنا إلى أنها تستحق أجر وقت دائم سنوي، يساوي أجر 17وظيفة مهمة)).
ولأجل هذا يجب إبراز دور المرأة والأم في المنزل، وأنه لا يمكن تعويض غياب الأم في المنزل بأي حال من الأحوال.
* ضوابط عمل المرأة في الإسلام:
في الحالة التي يباح فيها للمرأة بالعمل خارج البيت، لا يصح أن يكون ذلك حسب ما تريده وتهواه، بل إن الأمر مقيد بضوابط وضعها الإسلام؛ حتى يحفظ للمرأة كرامتها، وهذه الضوابط هي:
1- أن يأذن لها وليها – زوجاً كان أم غير زوج – بالعمل، وبدون موافقة وليها لا يجوز لها العمل؛ لأن الرجل قوام على المرأة، إلا إذا منعها نكاية بها وظلماً مع حاجتها للعمل، فلا إذن له.
2- ألا يكون هذا العمل الذي تزاوله صارفاً لها عن الزواج - الذي حث عليه الإسلام وأكده- أو مؤخراً له بدون ضرورة أو حاجة.
3- كما أن الإسلام يحث على الإنجاب وكثرة النسل، فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تجعل العمل صارفاً لها عن الإنجاب بحجة الانشغال بالعمل.
4- ألا يكون هذا العمل على حساب واجباتها نحو زوجها وأولادها وبيتها، فعمل المرأة أصلاً في بيتها، وخروجها للعمل لا يكون إلا لحاجة وضرورة.
5- ألا يكون من شأن هذا العمل أن يحملها فوق طاقتها.
6- أن يكون عملها لحاجة، وتكون هي في حاجة للعمل، إذا لم يكن هناك من يقوم بالإنفاق عليها من زوج أو ولي، وأما إذا كان هناك من يقوم بالإنفاق عليها، فليست في حاجة للعمل، وإذا لم تكن في حاجة، فلا داعي أن تعمل، إلا إذا كانت هناك مصلحة عامة تستدعي العمل، مثل أن يكون عملها من قبيل فروض الكفاية، كتدريس بنات جنسها ووعظهن، ومعالجتهن، أو أي عمل آخر يتطلب تقديم خدمة عامة للنساء. أو يكون من وراء عملها مصلحة خاصة، كإعانة زوج، أو أب، أو أخ.
7- كما أنه من الضوابط أن يكون عمل المرأة مشروعاً، والعمل المشروع: ما كان متفقاً مع كتاب الله وسنة رسوله r ، مثل: البيع والشراء، والخياطة، والتعليم، والتعلم، ومزاولة الطب – خاصة أمراض النساء -، والدعوة إلى الله، وغير ذلك من الأعمال المشروعة. وأما الأعمال غير المشروعة، فهي: كل عمل ورد النهي بخصوصه في الشريعة الإسلامية. ومثاله: عمل المرأة في المؤسسات الربوية، ومصانع الخمور، والرقص والغناء والتمثيل المحرم، ومزاولة البغاء، وأي عمل يكون فيه خلوة أو اختلاط محرمان، كالعمل مضيفة طيران، أو سكرتيرة خاصة لرجل ليس محرماً لها.
8- أن يتفق عمل المرأة مع طبيعتها وأنوثتها وخصائصها البدنية والنفسية، مثل الأعمال المشروعة التي ذكرت آنفاً. وأما الأعمال التي لا تتفق مع طبيعتها ولا أنوثتها، مثل: العمل في تنظيف الشوارع العامة، وبناء العمارات، وشق الطرق، والعمل في مناجم الفحم، وغيرها من الأعمال الشاقة، فلا يجوز لها أن تمارسها؛ لأن ممارستها يعتبر عدواناً على طبيعتها وأنوثتها، وهذا لا يجوز.
9- من الضوابط - أيضاً - أن تخرج للعمل باللباس الشرعي الساتر لجميع جسدها، بأوصافه وشروطه، وأن تغض بصرها.
ومن شروط اللباس الشرعي:
* أن يكون ساتراً لجميع البدن .
* أن يكون كثيفاً غير رقيق ولا شفاف.
* ألا يكون زينة في نفسه، أو ذا ألوان جذابة يلفت الأنظار .
* أن يكون واسعاً غير ضيق، فلا ُيجسِّم العورة، ولا يظهر أماكن العورة * ألا يكون معطراً فيه إثارة للرجال .
* ألا يكون اللباس فيه تشبه بالرجال .
* ألا يشبه لبس الكافرات .
* ألا يكون لباس شهرة – وهو كل ثوب يقصد به الاشتهار بين الناس، سواء أكان الثوب نفيساً أو يلبس إظهاراً للزهد والرياء).
10- أخيراً من الضوابط لعمل المرأة ألا تخالط الرجال الأجانب، فلا يجوز للمرأة العاملة أن تخالط الرجال الأجانب، وأي عمل يقوم على المخالطة يعتبر عملاً محرماً، لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم .
فإذا ما توفرت هذه الشروط جاز للمرأة للمسلمة العمل، وإلا فلا.
مقترحات للرقي بعمل المرأة :
إن عمل المرأة في بلادنا يتركز معظمه في مجال تعليم البنات، وتبلغ النسبة 84% - حسب إحصائية وزارة الخدمة المدنية عام 1422هـ - من النساء السعوديات العاملات، وما زال هناك إقبال شديد على هذا التخصص؛ لمناسبته الشديدة لظروف المرأة، دون أن يكون هناك وظائف شاغرة تغطي الطلبات.
ومن الاقتراحات التي تطرح لحل مثل هذه القضية تقليل عدد الأيام، فتكون المرأة تعمل ثلاثة أيام في الأسبوع فقط مع خفض الرواتب، وفي هذا بقاء للمرأة في منزلها أكبر فترة ممكنة، وتوفير للوظائف من جهة أخرى، كما ينبغي العمل بنظام التقاعد المبكر، ويكون اختيارياً، وأما من حيث الإجازات: فنرى إعادة النظر في إجازة الأمومة فيكون من حق الموظفة أن تأخذ ثلاثة أشهر براتب كامل، وستة أشهر بنصف الراتب، وسنتين بدون راتب، وكذلك توفير أماكن حضانة للأطفال الرضع، خاصة بعد إلغاء - للأسف - ساعة الرضاعة التي كانت تمنح للمعلمة لإرضاع طفلها.
وفي مجال الطب يعزف كثير من النساء عن الالتحاق بكليات الطب، أو يعزف الرجال عن الزواج بطبيبات؛ بسبب نظام الاختلاط المزري بالمستشفيات، وبسبب سوء نظام دوام وعمل الطبيبات، ولو طبق المقترح السابق، وأصبحت المرأة لا تعمل إلا بنصف عدد الساعات لازداد استيعاب عدد أكبر من الطبيبات، وتوفرت فرص وظيفية للمرأة، خاصة إذا حلت مشكلة الاختلاط - سيأتي ذكر ذلك في الفقرة التالية -.
وكذلك من الاقتراحات حق الموظفة في العودة إلى عملها بعد الانقطاع عنه لظروف الأسرة، وهذا من شأنه أن يجعل المرأة تستطيع أن توازن، فتعمل إذا تهيأت ظروفها، وتترك إذا لم تستطع ذلك؛ لظروف بيتها وأولادها.
توفير فرص عمل مناسبة للمرأة :
ابتداء نؤكد على أن الأصل بقاء المرأة في منزلها، ثم إذا أراد المرأة العمل لحاجة أو ضرورة، فإن هناك أفكاراً وفرصاً للعمل تضمن للمرأة خصوصيتها، وتقلل السلبيات المترتبة على العمل، ومن ذلك:
المكتب المنزلي، وهي فكرة تحقق لمن ترغب من النساء أن تمارس عملاً ما في بيتها، أو تمارس مشاريع استثمارية صغيرة، وفي نفس الوقت ترعى أسرتها. وهذا النوع من العمل منتشر في أمريكا وأوربا، وقد أوجد في أمريكا – وحدها – 41 مليون فرصة عمل، ويحقق العاملون والعاملات منه عوائد جيدة.
بل كشفت دراسة أجريت في اكتوبر عام 1996م أن ما يقرب من 46 مليون من أصحاب الأعمال المنزلية في أمريكا معظمهم من النساء يعملون من أجل إيجاد موازنة أفضل بين العمل والأسرة، ويكسبون دخلاً أكثر من دخل أصحاب المكاتب.
كما جاء في تقرير للأمم المتحدة عام 1985م أن النساء في الدول الصناعية يساهمن بأكثر من 25_40%من منتجات الدخل القومي بأعمالهن المنزلية.
ويمكن تفعيل هذه الفكرة بأمور كثيرة، حيث هناك دراسات تضمنت اقتراحات جديرة بالاهتمام والتفعيل، حيث أوصت ببعض الأعمال التي يمكن للمرأة أن تمارسها وهي داخل منزلها، من تلك الأعمال:
استخدام المرأة للحاسب الآلي وشبكة المعلومات "الإنترنت"، كأعمال ( الطباعة، السكرتارية، مساعدة إدارية - تخطيط - تحرير صحافي - معالجة إدخال بيانات - تحليل مالي - باحثة إنترنت - تدقيق لغوي - مبيعات وتسويق - ترجمة لغات - معالجة نصوص - إعلانات - تصميم فني - تصميم ديكور ).
وكذلك من الأعمال تفصيل ملابس رجالية أو نسائية، حيث يكون هناك مكتب يستقبل الطلبات، وتحت هذا المكتب موظفات توزع عليهن أدوات الخياطة، ويطلب منهن تفصيل نوع معين من اللباس، ويمكن أن تطبق بنجاح في اللباس الموحد، وتصنيع الأدوات الخفيفة؛ كالمكياج، والعطور، ونحوها، وتأجير أدوات الحفلات، أو الرحلات أو الملابس، أو بيعها، وكذلك بعض الصناعات التقليدية، أو الرسومات غير المحرمة، وغيرها من المهن التي تناسب طبيعة المرأة وهناك تجارب محلية ناجحة تدير فيها المرأة عملها من بيتها، وتجري تحقيقات، ودراسات مهمة من خلال التواصل عبر الأجهزة المختلفة.
وأما من حيث الأعمال التي تكون خارج المنزل، فإن هناك أعمالاً تتوافق مع طبيعة المرأة، وليس فيها مخالفة للشرع المطهر، ومن ذلك:
الأعمال الاجتماعية : فهناك نقص شديد في هذه الأعمال، كمكاتب الاستشارات الاجتماعية والشرعية، ودور التوجيه والإرشاد الشرعي والنفسي، ودور الرعاية الاجتماعية، ومراكز التنمية الريفية، وهي أعمال متعلقة بالنساء، وفيها فرص وظيفية كثيرة.
المستشفيات : حيث إن الإحصاءات تثبت أن نسبة العاملات في الوظائف الصحية لا تتجاوز 4,7% من الوظائف، مما يعني توفر عشرات الآلاف من الوظائف الطبية النسائية في هذا القطاع، ويبقى - حتى تقبل النساء على هذه الوظائف - القضاء على مشكلة الاختلاط في هذه المستشفيات، وذلك بتوفير المستشفيات النسائية الحكومية، التي لا يعلم لماذا لم ترى النور حتى هذه اللحظة، رغم توفر كوادر طبية نسائية في مختلف التخصصات الطبية؟!، أو على الأقل إقامة أقسام نسائية متكاملة في كل مستشفى، وكذلك تشجيع المستشفيات النسائية الخاصة ودعمها في سائر مناطق المملكة، وهناك تجارب ناجحة في هذا المضمار.
التعليم : وذلك في الجامعات والكليات، والمدارس الخاصة، والمدارس الحكومية في القرى. فقد أثبتت الإحصاءات الصادرة من وزارة الخدمة المدنية/ مركز المعلومات، أن نسبة مشاركة المرأة في قطاعات العمل الحكومي بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس والمحاضرين والمعيدين من النساء تبلغ فقط 1،5%، من أعداد النساء العاملات، وهي نسبة ضئيلة جداً، فيجب توجيه النساء إليها؛ لتغطية هذا القطاع النسائي المهم.
الأسواق النسائية الخاصة : فينبغي تفعيل هذه الأسواق، وتحويل كثير من الأسواق المختلطة إلى أسواق نسائية؛ للقضاء على كثير من السلبيات الموجودة حالياً في الأسواق، مثل المعاكسات، وحالات الإركاب غير المشروع، والتبرج والسفور من قبل بعض ضعيفات النفوس، وكذلك الحرج التي تلاقيه كثير من النساء عند شراء حاجياتهن الخاصة، وغير ذلك من السلبيات، وكذلك توفير فرص وظيفية لوجود بائعات سعوديات تتوفر لهن الخصوصية التامة. مع التنبيه إلى الإغلاق المبكر لهذه الأسواق، وهذا الأمر ليس بدعاً، وإنما هو موجود في كثير من بلاد العالم. وينطبق الحديث السابق على الحدائق وأماكن الترفيه النسائية.
المشاغل النسائية : وهي تقوم بأعمال تخالف ما افتتحت من أجله، وأصبحت تسبب قلقاً أمنياً، وأخلاقياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وفكرياً - بل وصحياً – على النساء، وبالتالي على المجتمع؛ بسبب تواجد عمالة نسائية من غير نساء البلد، بل وغير مسلمات، وللقضاء على هذه المشكلة يقترح منع توظيف غير السعودية؛ حتى تحل مشكلتان في نفس الوقت، ويكفي أن يعلم أن في الرياض وحدها - على سبيل المثال - أكثر من 3500 مشغل، كما ذكر ذلك في إحدى الصحف المحلية.
وكذلك يقترح في هذا الجانب فتح معاهد نسائية لتعليم الفتيات فن التجميل والعناية بالبشرة؛ حتى تستغني الفتيات عن الذهاب إلى مثل هذه الأماكن المشبوهة، مع تيسير قروض لخريجات معهد الخياطة.
تعزيز الإيجابيات : من الإيجابيات الملحوظة على عمل المرأة في بلادنا تساوي المرأة مع الرجل في الأجر عند تساوي عدد ساعات العمل والاعتبارات الأخرى، وهذه إيجابية ينبغي أن تعزز، كما أن من الإيجابيات الخصوصية التي تحظى بها المرأة الموظفة في أماكن كثيرة، وكذلك توفر جو العمل المناسب، وهو أمر يستحق الإعجاب والتقدير، ويجب المحافظة عليه، وهناك تصريحات من نساء غربيات يثنين فيها على وضع المرأة السعودية - بعد زيارتهن للمملكة - في جميع شؤون حياتهن التعليمية والاجتماعية والأسرية والأخلاقية، حيث اعتبرن أن وضعية المرأة السعودية هي النموذج المثالي للمرأة في المجتمعات الإسلامية - بل والعالمية -، وأن المرأة السعودية قادرة على الجمع بين الالتزام بحجابها، وقدرتها على متابعة التحصيل العلمي والعملي.
فيجب أن نتمسك بهذا التميز، ولا نكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً.
وفي الختام : يجب توعية المجتمع حول أن الأصل للمرأة هو القرار في البيت إذا اختارت ذلك، ونحو ذلك من القضايا التي تطرح في الصحف من زاوية واحدة تثير المرأة السعودية التي تختار البيت، وتحب رعاية الأطفال، وقد طرح عدد من الفتيات يشكلن نسبة 53%تقريبا من عدد خريجات بلغن مائة طالبة شكواهن من نظرة المجتمع السلبية لهن بعد التخرج إذا اخترن البقاء في البيت.
كما ينبغي التركيز على أن العلم والتعليم خاصة بالنسبة للمرأة يفترض أن يكون للرقي بمستوى المرأة العلمي والثقافي، وقبل ذلك الديني، ورفع الجهل عنها وإعدادها لتكون أما صالحة قادرة على إنشاء جيل يتحمل مسؤولية النهوض بأمته.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ـــــــــــــــــــ(47/69)
ـــــــــــــــــــ
أخطاء في مقاومة تغريب المرأة
كتب الأديب الأريب علي الطنطاوي كتابات عديدة في موضوع تغريب المرأة في بلاد الشام، وقد جمعت كلامه في ذلك في كتاب أسميته ( تجربة المرأة المعاصرة ) كي ينتفع منه أهل الرأي في هذه البلاد وغيرها، ومن الأمور التي ذكرها ما وقع فيه الدعاة إلى الله تعالى في وقته في مقاومة دعاة التغريب وقد حصرتها لك أخي الكريم لتعلمها ومن ثم تتلافها، فنسأل الله تعالى التوفيق والسداد.
فمن الأخطاء التي ذكرها ـ رحمه الله ـ
الخطأ الأول: الاحتساب على المنكر بدون مشاورة أهل العلم:
يقول رحمه الله: ( إن أقوى الطاقات في الدنيا ما يسمونه « رد الفعل » فأنت حين تكبس بيدك على كفة الميزان، لا يظهر الأثر في الوسط، وإنما يظهر في الكفة المقابلة، هذا الانطلاق وراء اللذات وهذا التحلل من قيود الدين والأخلاق، دفع جماعة من الشباب من العامة ومن الطلاب إلى إنكار هذا المنكر, ولكنهم لم يرجعوا إلى مشورة أهل العلم، ولم يقفوا عند آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحسبوها فوضى يصنع كل ما يشاء، مادام يريد بينه وبين نفسه الخير، فانطلقوا يتعرضون في الطريق للسافرات المتكشفات، وهجموا مرة على سينما في وسط البلد ليس فيها إلا نساء، لأن دور السينما يومئذ كانت عندها بقية من حياء، فهي تخصص أياماً للنساء، وأياماً للرجال, دخلوا عليهن فروعوهن، فأعطوا بذلك أعداءنا وأعداء ديننا حجة علينا، ولذلك قالت العرب في أمثالها:( عدو عاقل خير من صديق جاهل ) .(ذكريات 5/236-242)
? وقال أيضا ـ رحمه الله ـ في سياق كلامه عن كلمة ألقها وذكر فيها أثر الإنكار بدون مشاورة أهل العلم ، يقول:
ـ جاء في عنوانها، أنها كلمة صريحة لله ثم للوطن, شرحت فيها ما كان من عمل الشباب الذين هالهم ما رأوا من فشو التبرج والاختلاط بعيد الجلاء في دمشق، البلد العربي المسلم، فقاموا يدافعون عن الفضيلة المغلوبة، ويردون إليهم الناس لأن ديار الشام لا تزال متمسكة بدينها، ولا يزال نساؤها بالحجاب الساتر، ومشت الأمور في طريقها، وكادت تصل إلى غايتها، ودعاة الفجور ينظرون ويتحركون, لولا أن دفعت الغيرة على الأخلاق الإسلامية والسلائق العربية مع الجهل بأحكام الدين، والبعد عن استشارة العلماء المخلصين، بعض العامة إلى الدخول على النساء في السينما وإخراجهن منها، وإلى التجوال في البلد ونصح كل متبرجة ووعظها وزجرها, وقد أنكر العلماء والعقلاء ذلك عليهم فكفوا عنه وأقلعوا، ولكن دعاة الفجور لم يرضهم أن تنتصر دمشق للفضيلة، وأن تهدم عليهم عملهم على رفع الحجاب، وإباحة الاختلاط، فاستغلوا عمل هؤلاء العوام وأعلنوا إنكاره وكبروه، وبالغوا في روايته وذهبوا يقيمون الدنيا، ويبرقون البرقيات، ويرعدون بالخطب، وما أهون الإبراق والإرعاد، وما أسهل إثارة الشبان الفاسقين على الستر والحجاب باسم « الحرية الشخصية » التي تمتعهم بما وراء حدود الفضيلة من لذائذ محرمة , أيخرجون النساء من السينما ؟ أيعرضون بالنصح للمتبرجات الكاشفات؟ يا للحدث الأكبر، يا للعدوان على الحرية الشخصية التي ضمنها الدستور, أليست المرأة حرة ولو خرجت عارية ؟ أليس الناس أحراراً ولو فسقوا وفجروا ؟ أليس كل امرئ حراً ولو نقب مكانه في السفينة فأدخل إليها الماء فأغرقها وأهلها ؟ كذلك فهم الحرية هؤلاء الجاهلون، أو كذلك أراد لهم هواهم، أو شاءت لهم رغباتهم وميولهم أن يفهموها، ودفعوا أكثر الصحافيين فلبثوا أياماً طوالاً لا كلام لهم إلا في الدفاع عن الحرية... وأثاروا بعض النواب في المجلس، فجرب كل واحد منهم أن يتعلم الخطابة في تقديسها، ثم عمدوا إلى فئة من خطباء المساجد، حاموا عن الفضيلة فساقوهم إلى المحاكم سوق المجرمين ، وأدخلوهم السجون من غير مستند إلى قانون من القوانين ، وجرعوهم كؤوس الذل حتى صار من يذكر السفور بسوء، أو يدعو إلى الفضيلة والستر كمن يدعو إلى الخيانة العظمى, وتوارى أنصار الفضيلة من هذه العاصفة الفاجرة الهوجاء, وحسب أولئك أن الظفر قد تم لهم، وأن أهل الدين قد انكسروا كسرة لا تجبر، فكشفوا القناع، وانطلقوا يسرحون وحدهم في الميدان ويمرحون، وكانت النتيجة أن انحطم السد فطغى سيل الرذيلة وعم، وامتد في هاتين السنتين أضعاف ما امتد أيام حكم الفرنسيين ، وازدادت جرائم التعدي على العفاف واستفحلت، حتى رأت المحاكم من يعتدي على عفاف بنته أو أخته أو على طفل رضيع ، وماذا يصنع هذا الوحش الذي أثارت « الحرية الشخصية »غرائزه فلم يجد إلا البنت والأخت أو الطفل الرضيع ؟
ثم ازدادت الجرأة حتى رأينا بعض مجلات دمشق تقلد نظيراتها في مصر، فتنشر صور العرايا فيشتريها الشباب لهذه الصور، لأنه ليس فيها ما يقرأ فتشترى من أجله.
ثم امتد الشر حتى رأيناهم يعملون من الطالبات كشافات ، يمشين في الطرقات بمثل لباس المجندات في الجيش الأمريكي « ولم يكن قد عرفنا الجيش الإسرائيلي، ولا كانت إسرائيل أزال الله عنا رجس إسرائيل » بعد أن كانت دمشق لا تحتمل أن ترى الكشافين الشباب بلباس يرتفع عن الركبتين، وحتى رأيناهم يقيمون معرضاً لأدوات تحضير الدروس التي صنعها المعلمون, فتترك مدارس البنين، ومنها الثانوية المركزية ببنائها الضخم وأبهائها الواسعة، وهي أصلح مكان للمعارض ، وهي التي أقيم فيها معرض دمشق الكبير سنة 1936 ،وتختار مدرسة البنات في طريق الصالحية , ثم يفتتح المعرض بدعوة الرجال لمشاهدة فرقة من البنات ( الكشافات ) يغنين على المسرح، ويأتين بحركات رياضية تبدي للأعين الفاسقة المفتحة أكثر ما يخفى عادة من أجساد فتيات نواهد، قد انتقين عمداً أو مصادفة من جميلات الطالبات .
ثم امتد الشر حتى رأيناهم يفتحون نادياً في قانونه أن العضو يجيء مع زوجته أو ابنته غير المتزوجة، وحتى شهدنا النفر الشيوعيين العزاب المستهترين الساكنين في المقاهي الخبيثة والخمارات، أصحاب تلك البرقية الوقحة المعروفة، يتسلمون شؤون المعارف، ويسلطون على الشباب والشابات، فيبتدعون نظام المرشدات, وإنه لنظام الضالات والمضلات, ويسنون الاختلاط في الحفلات، وينقلون دار المعلمات من مكانها القديم المستور إلى دارة ( فيلا) جديدة في شارع محدث في ظاهر البلد مكشوفة من جهاتها الأربع، لها طنف وشرفات دائرة بها، وأسرة الطالبات تظهر من الطريق، فإذا نهضن من النوم رآهن من يمشي في الشارع بثياب المنام, ثم يدفعون خريجات دور المعلمات فيعملن حفلة خيرية، فلا يجدن لها مكاناً في دمشق إلا مرقص العباسية ! ويطبعن في البطاقة أنه سيغني فيها فلان من فسقة المغنين ، وترقص فلانة الراقصة المحترفة رقصاً بلدياً , ثم ماذا ؟ الله وحده يعلم ماذا يكون أيضاً ، وإلى أين نسير ـ وإلى أين المصير .
( ذكريات 5/ 247-250)
الخطأ الثاني : السلبية بطريقة الرفض والإبقاء على القديم:
يا سادة إن السيل إذا انطلق دمر البلاد، وأهلك العباد، ولكن إن أقمنا في وجهه سداً، وجعلنا لهذا السد أبواباً نفتحها ونغلقها، صار ماء السيل خيراً ونفع وأفاد.
وسيل الفساد، المتمثل في العنصر الاجتماعي، مر على مصر من خمسين سنة وعلى الشام من خمس وعشرين أو ثلاثين، وقد وصل إليكم الآن[1]، فلا تقولوا نحن في منجاة منه ولا تقولوا ، نأوي إلى جبل يعصمنا من الماء, ولا تغتروا بما أنتم عليه من بقايا الخير الذي لا يزال كثيراً فيكم، ولا بالحجاب الذي لا يزال الغالب على نسائكم، فلقد كنا في الشام مثلكم ـ إي والله ـ وكنا نحسب أننا في مأمن من هذا السيل لقد أضربت متاجر دمشق من ثلاثين سنة أو أكثر قليلاً وأغلقت كلها، وخرجت مظاهرات الغضب والاحتجاج ؛ لأن مديرة المدرسة الثانوية، مشت سافرة ـ إي والله ـ فاذهبوا الآن فانظروا حال الشام!!
دعوني أقل لكم كلمة الحق، فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس, إن المرأة في جهات كثير ة من المملكة، قريب وضعها من وضع المرأة المصرية يوم ألف قاسم أمين كتاب تحرير المرأة فلا يدع العلماء مجالاً لقاسم جديد.
هذا الخطر لا يحارب بالأسلوب السلبي، بطريقة الرفض والإبقاء على القديم، إن بنت بنتي وهي الآن على عتبة الزواج ، لا أستطيع إلزامها بالزيّ الذي كانت تتخذه أمي، ولا الشرع ألزمها به ذاته، بل منعها من كشف العورات وترك لها اختيار الزيّ الذي يسترها، ولا نستجلب الأنظار ويوافق الزمان، أي الزي الساتر الأنيق, إنني لا أستطيع أن أسيرها على خطى أمي تماماً ، ولكن عليّ ألا أدعها تخالف الشرع .
إن ما يتعلق بالمرأة من الحضارة المعاصرة, هو الثغرة الكبرى الذي دخل علينا منها العدو، ولقد كان نصره علينا ساحقاً, نعم هذه هي الحقيقة, فلماذا لا نعترف بها ؟
إن الاعتراف بالهزيمة دليل على بقاء القوة في أعصاب المهزوم، وعلامة على أنه قادر على استرجاع النصر إن خاض المعركة من جديد.
لقد نالوا منا جميعاً، لم ينج منهم تماماً قطر من أقطار المسلمين.
إنه لا يستطيع أحد منا أن يقول إن حال نسائه اليوم، كما كانت حالهن قبل أربعين أو ثلاثين سنة.
ولكن الإصابات كما يقال، ليست على درجة واحدة، فمن هذه الأقطار ما شمل السفور والحسور نساءه جميعاً، أو الكثرة الكاثرة منهن، ومنها ما ظهر فيه واستعلن وإن لم يعمّ ولم يشمل، ومنها ما بدأ يقرع بابه ، ويهم بالدخول، أو قد وضع رجله في دهليز الدار كهذه المملكة، ولا سيما جهات نجد وأعالي الحجاز.
فإذا كان علينا مقاومة المرض الذي استشرى، فإن عملكم أسهل وهو التوقي وأخذ (اللقاح )الذي يمنع العدوى.
أعود فأقول بأن السلبية لا تفيد، والجمود في وجه السيل الطاغي لا يجدي بل لا يمكن, فادرسوا أوضاع البلاد الأخرى، كيف دخل هذا التكشف وهذا الانحلال إليها .
لديّ رصيد لا يكاد ينفذ من الأمثلة عما يجري في بيوت بعض من ينتسب إلى الإسلام من التكشف والاختلاط، في جامعاتهم التي وصلت إلى حد إقامة مسابقات لانتخاب ملكة جمال الكلية، والحكام الطلاب، إلى أن تنشر الجرائد من أيام أن معركة وقعت بين فريقين من الطلاب كلهم دون الثامنة عشرة، في ثانوية مختلطة, وسبب المعركة نزاع على إحدى الطالبات، إلى أن مجلة مشهورة في بلد معروف قد وضعت على غلافها عنوان مقالة فيها، وهذا العنوان هو « ثلاثة تقارير لثلاثة أطباء كبار ثبت أن أربعين في المئة من الجامعيات فقدن العذرية !».
إن علينا أن نفهم الفتاة العربية أو المسلمة ، حقيقة لا نزاع فيها ، سمعنا عنها من الثقات ، ورأيناها ، رأيتها أنا في أوربة رأي العين ، وهي : أن المرأة في أوربا ليست سعيدة ولا مكرمة ، إنها ممتهنة ، إنها قد تكرم مؤقتاً ، وقد تربح المال ، مادام لديها ـ الجمال ـ ، فإذا فرغوا من استغلال جمالها ، رموها كما ترمى ليمونة امتص ماؤها .
فكيف نفهم المرأة عندنا هذه الحقيقة ؟ كيف نقنعها بأن الإسلام أعطاها من الحق ، وأولاها من التكرمة ، ما لم تنل مثله المرأة الأوربية أو الأمريكية ، وأنه صانها عن الابتذال ، ولم يكلفها العمل والكسب ؟ كيف؟ أنا أقول لكم كيف ؟ بالفعل لا بالقول ، بأن نعاملها المعاملة التي يرتضيها لنا ديننا ، بأن نعتبر الخير فينا ، من كان يعامل امرأته وبناته بالخير ، أن تكون المرأة المسلمة اليوم ، كما كانت في صدر الإسلام ؛اقرؤوا إذا كنتم لا تعرفون ، تروا أنها لم تكن تعامل كما يعامل كثير منا نساءهم. (فصول إسلامية:ص 96-97-98 - 99)
الخطأ الثالث : التنازع بين العلماء والانشغال بالفروع عن الإصلاح:
ـ ازداد الانحدار وتتالت المصائب، وضعف أهل الدين بتنازعهم واختلافهم، واشتغال علمائهم بفروع الفروع من أمر دينهم، وغفلتهم عن الأصول التي لا تقوم الفروع إلا عليها، وخلا الميدان للذين يريدون أن يطبقون فينا قانون الشيطان، قانون إبليس.. ( ذكريات5/236-242)
ـ لم يبق في الميدان إلا المشايخ، والمشايخ لم يكونوا صفاً واحداً إلا أياماً قليلة, ولا يزالون مختلفين, وهذه حقيقة يقطع ذكرها القلب أسفاً وحزناً، ليس المشايخ على قلب رجل واحد، منهم الصوفي والسلفي وأتباع المذاهب، والآخذون رأساً من الكتاب والسنة ، والإخوان المسلمون وخصوم الإخوان المسلمين، وأتباع كل شيخ يتنكرون للشيخ الآخر, هؤلاء هم الإسلاميون العاملون، هذه حالهم، أما المشايخ الذين ينظرون كل حاكم ماذا يريد، فيفتشون له في الكتب عما يؤد ما أراده ، ويجعلون ذلك ديناً، وأما المشايخ الموظفون الذين أهمتهم وظائفهم ( أي رواتبهم ) فلا يحرصون إلا عليها، ولا يبالون إلا بها، هؤلاء وأمثالهم لا أتكلم عنهم , ولا أمل لي فيهم , كان المشايخ الباقون في الميدان ،يجتمعون فيتشاكون ويتباكون ثم لا يجدون ( وأنا واحد منهم ، يقال عني كل ما أقوله عنهم ) لا يجدون إلا أن يجمعوا صفوفهم ، فيراجعوا الرئيس أو الوزير ، فلا تنفعهم المراجعة شيئاً ,ويعلنون النصح للناس ، ويجهرون بكلمة الحق من فوق المنابر فيخرج الناس من صلاة الجمعة فيتحدثون بما سمعوه ،ويثنون على الخطيب ويدعون له ، ثم ينغمسون في حمأة الحياة فينسون ما قال وما سمعوا . (ذكريات 5/ 268-274)
الخطأ الرابع : سكوت العلماء عن الاضطهاد الذي يمارس تجاه المرأة:
لو أن علماء المسلمين دعوا إلى ( تحريرها )باسم الإسلام، وضربوا لها المثل الكامل بالمرأة المسلمة، لما تركوا لقاسم أمين، ولا لغيره مجالا ً لمقال ، ولكن سكتوا وكأنهم رضوا ، فبرز أولئك فتكلموا وأنكروا ، وقالوا بتحريرها باسم الغرب، وجعلوا قدوتها المرأة الغربية ، فجروا علينا هذا البلاء كله ، ولكن علماء المسلمين بسكوتهم يحملون قسطاً من هذه التبعة .
(فصول إسلامية:ص 96-97-98 - 99 ) .
الخطأ الخامس: غفلة الآباء عن متابعة بناتهم:
ـ فأين حراس هذا الجمال المعروض ؟ أين الآباء والأولياء لهؤلاء البنات ؟ لو جاؤوا يسرقون منهم أموالهم لغضبوا لأموالهم ، وهبوا يدافعون عنها ، يستميتون في سبيلها ، فمالهم لا يغضبون لأعراضهم ، ولا يعملون على حمايتها . (ذكريات 5/ 268-274)
ـ بعض الآباء يغفلون ويقصرون، الأب هو الذي يقفه الله يوم الحساب ليسأله عن بنته، فلا يدعها تذهب وحدها إلى السوق ،فلقد سمعت أن من الفساق من يتحرش بالنساء في الأسواق ،ولا تدعها تكشف للبياع عما أمر الله بستره، وليُفهما أن سائق سيارة الأسرة وخادم دارها، كل أولئك أجانب شرعاً عنها، وليست منهم وليسوا منها، فلا تنبسط إليهم، ولا ترفع الكلفة معهم، وأن الطبيب له أن يرى من المرأة ما لابد من رؤيته، إن كانت مريضة حقاً، ولم يكن في البلد طبيبة أنثى تقوم مقامه، وتحسن عمل ما يعمله، فلطالما عرفت أطباء يتخذون العيادة شبكة لصيد الغافلات، وغرفة الفحص للمرض الجسمي مخدعاً لري الظمأ الجنسي، ولست أقصد أحداً بذاته، ولا أعين بلداً، ولست أقول مع ذلك إلا حقاً، فإذا لقيت المرأة الطبيب في غير ساعة « الفحص » فإنها تلقى رجلا ً أجنبياً ،ككل رجل يمشي في الطريق لأن كشفها أمامه ضرورة أو حاجة، والضرورات تقدر بقدرها، ولا يدع الأب بنته تذهب إلى رحلة مدرسية، أو حفلة كالحفلات التي تكون في ختام العام ، فلقد رأيت فيما رأيت من أيامي التي عشتها، أن هذه الرحلات وهذه الحفلات من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى البلايا والطامات . (ذكريات 8/280- 283 ).
[1] أي : في المملكة .
ـــــــــــــــــــ(47/70)
احذري أُخيَّة
احذري.. من ترك الصلاة فتركها يؤدي بك إلى سقر.
احذري.. من فلتات اللسان.. من غيبة ونميمة وكذب وبهتان.. أو تنقص وازدراء.
احذري.. من الألبسة الفاضحة أو الشفافة، أو الضيقة فهي حسبك من النار.
احذري.. من النمص ـ وهو إزالة أو تخفيف شعر الحاجبين ـ فإن نبيك محمد- صلى الله عليه وسلم- لعن النامصة والمتنمصة .
احذري.. من الوشم .
احذري.. من التبرج والسفور.. فهو بوابة لضياع العفاف وجعلك ألعوبة بأيدي الكلاب البشرية .
احذري.. من الاختلاط بالرجال فهو مصيدة لضياع الشرف والكرامة.. والتجربة خير برهان.
احذري.. من الخلوة بالرجل الأجنبي.. حتى ولو كان أخ الزوج.. فهو الموت كما سماه النبي- صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح .
احذري.. من كثرة الخروج للأسواق.. لأن الشيطان يرفع لواءه فيها.
احذري.. تميع الكلام مع الرجال.. فإن صوتك فتنة.. (( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً )) (الأحزاب:32).
احذري.. التشبه بالكافرات أو الفاسقات فإن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (( من تشبه بقوم فهو منهم )).
فلا تتشبه بهم في قصات الشعر أو اللباس أو غيرها.
احذري.. من سماعة الهاتف.. فالبداية تسلية.. والنهاية ضياع شرف.. وكم من القصص الواقعية حصلت وضاعت فيها فتيات في أعمار الزهور بسبب الهاتف والعبث فيه.
احذري.. من سماع الغناء فهو بوابة الزنا.. وهو ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع .
احذري.. من الذهاب إلى مشاغل الخياط فقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك من أن غالبها محلات فساد.. وانتهاك لحدود الله تعالى.
احذري.. من صديقات السوء.. فكم جلبن من بلية.. ومن سببن من فضيحة.. وكم أوقعن من فتيات في شباك المصائب والمحن.
ـــــــــــــــــــ(47/71)
هذه آثارهم فاعرفوها
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد :
أيها المسلمون:
اتقوا اللَّه حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن خير الحديث كتاب اللَّه وخير الهدى هدي محمد صلى اللَّه عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، ومن يطع اللَّه ورسوله فقد رشد، ومن يعص اللَّه ورسوله فقد غوى .
معاشر المؤمنين:
سبق الحديث عن العلمانيين وتوجهاتهم وخطورة الدور الذي يمارسونه، وبعض وسائلهم وطرائقهم، والحديث اليوم عن بعض آثار هذا التوجه وثماره التي سرت في الأمة، وتغلغلت في بعض المفاهيم والأعمال، والأطروحات والبرامج على عدة مستويات.
أيها المسلمون:
إن من أعظم الدوافع والبواعث لكل داعية وعالم وناصح، بل وكل مسلم يشعر بمسؤوليته تجاه دينه وأمته من أعظم دوافعه لواجب الكشف والبيان: خطورة ذلك الفكر وشدة أثره في تضليل الأمة، والتوطئة لملل الكفر من اليهودية والنصرانية وغيرها في بلاد المسلمين، والناظر في تأريخ المسلمين يلحظ ويدرك بكل وضوح أن العاديات على بلاد المسلمين من غزو التتر وسقوط الأندلس وغيرها، ما كانت لتتمكن وتستولي على بلاد المسلمين، وتقتل الرجال وتسبي النساء والذرية، وتقود الولاة والأمراء أذلة صاغرين، ما كان ذلك بمجرد قوتهم وتفوقهم، وإنما كان ذلك بسبب الخيانة الداخلية، ممن يزاولون أدوار المنافقين، كالحركات الباطنية من الرافضة والقرامطة والإسماعيلية، وفي العصر الحاضر على يد العلمانيين وإخوانهم من الأحزاب الاشتراكية والبعثية والقومية، وما كان سقوط الخلافة العثمانية ووقوع كثير من دول الإسلام في قبضة المستعمرين وإنابتهم، أولئك بعد الخروج والاستقلال إلاَّ إحدى ثمار تلك التوجهات والحركات الغربية على المسلمين، وعلى أصل وحدتهم وتماسكهم، وكم نخشى من أمثال أولئك على بلادنا وبلاد المسلمين.
أرى خلل الرماد وميض نار وأخشى أن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تذكى وإن الحرب مبدؤها كلام
أيها المسلمون:
إن لهذا الفكر وهذا التوجه ثماراً سيئة وخراجاً نكداً منذ ظهورهم في بلاد المسلمين، وتمكنهم في مواقع التأثير ومنابر الإعلام منها:
أولاً: تكريس التبعية للغرب، وجعله الأنموذج الأفضل الذي يجب أن يحتذى في كل شيء، حتى في الأوضاع السلوكية والأنماط الاجتماعية، وأن الرجل الغربي هو المتفوق تمدناً ورقياً وحضارة، وهو الجدير بالإقتداء والتأسي، والذي يدل على وجود هذا الأثر في واقع الناس اليوم، ذلك الفارق الذي يجده الفرد المسلم في نفسه تلقائياً بين الرجل الأوربي النصراني وبين مسلم، فقير آسيوي أو أفريقي، فالأول يجد له في نفسه التقدير والاحترام، والثاني لا يجد سوى الازدراء والتنقص؟ .
فمن الذي ولَّد هذا الشعور وكرَّسه في مفاهيم العامة والخاصة ؟ وهل كان هو المألوف لدى المسلمين في سالف العصور ؟، أم أنهم كانوا يعتبرون الكافر أقل منزلة وأحط درجة من المؤمن باللَّه واليوم الآخر، منهجهم في ذلك قوله تعالى: ((وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ)) [البقرة: 221] .
ثانياً: من الآثار ربط أمور الناس بالدنيا والمادة، وإغراقهم فيها إلى حد العبودية لها والإرتكاس فيها، والحب والبغض فيها ولها، ((يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)) [الروم: 7] .
ومثل هذا الأمر لا يعوز أحد الاستدلال عليه والتمثيل له، فنظرة إلى الأوضاع العالمية بل وأوضاع عامة الشعوب يدرك طغيان المادة على التعامل، وجعلها أساساً للموازين ومعياراً للقيم والمفاهيم.
ثالثاً: إذابة الفوارق بين حملة الرسالة الصحيحة وبين أدعياء العلم والثقافة من أهل التحريف والتبديل، وصهر الجميع في إطار واحد.
رابعاً: تهوين الخطر العالمي المتمثل في كيد اليهود والنصارى، والصهيونية والماسونية العالمية، واتهام من يبين خطرهم ويحذر من كيدهم وخططهم بأنه مصاب بعقدة المؤامرة، أما هم فلا يعتقدون مكايد عدائية متجذرة ومتأصلة، وإنما الأمر مصالح ومغالبات، ومطامع توسعية سياسية وإستراتيجية، نعم إن تفسير كل شيء في الوجود أن وراءه العدو وخلفه مؤامرة، وتحميل الأخطاء والتقصير على الغير، وتدبيره وتخطيطه هو نوع من المبالغة غير مقبول، وفيه تسويغ الأخطاء والتنصل من مسؤوليتها، لكن أصل القضية وهي عداوة الكافرين للمؤمنين وعملهم المستمر في الكيد والتضليل، فهذه سنن ربانية وأخبار قرآنية، نبأنا اللَّه من أخبارها فوصف عداوتهم بالبيان والظهور، ((إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً)) [النساء : 101] .
وبين أنهم يمكرون مكراً، فقال تعالى: (( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )) [الأنفال: 30].
وقال: (( وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )) [النمل: 50].
وقال: (( ومكروا مكراً كباراً )) [نوح: 22].
هذا منطق القرآن، أما بنو علمان فيقولون لا عداوة ولا مكر.
أربعوا على أنفسكم وهونوا عليها، حتى تنفد في المسلمين أسنتهم، وتغمد في ظهورهم خناجرهم ورماحهم، فتقع الواقعة وتحل المصيبة على المسلمين، ثم بعدها يقولون إنما هي آراء وتوقعات، (( ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً )) [النساء: 62].
خامساً: السخرية والاستهزاء بعلماء الأمة ودعاتها، ونبزهم بالألقاب النابية والحيلولة دون الأخذ منهم، والاهتداء بفقههم بحجة أنهم لا يعلمون شيئاً عن الواقع، وأنهم لا يعيشون الأحداث، وربما رسموهم بعلماء الحيض والنفاس أو فقهاء الآخرة ؟!! .
بل لم يسلم منهم الأموات ممن جاهدوا بألسنتهم وأقلامهم، فرموهم بالعظائم، واتهموهم وكذبوا عليهم ألا ساء ما يزرون .
سادساً: دعوتهم وتبنيهم مطاردة الدعاة إلى اللَّه، ومحاربتهم وإلصاق التهم الباطلة بهم، ونعتهم بالأوصاف الذميمة، كالتخلف والتحجر والجمود والرجعية.
سابعاً: تعطيل فريضة الجهاد في سبيل اللَّه بصورته المشروعة، بل ومهاجمتها واعتبارها نوعاً من أنواع الهمجية والإرهاب .
وذلك أن الجهاد في سبيل اللَّه معناه القتال لتكون كلمة اللَّه هي العليا، وحتى لا يكون في الأرض سلطان له القوة والغلبة والحكم إلاَّ سلطان الإسلام، وحينما غاب مصطلح الجهاد من قاموس الأمة أصيبت بالتخاذل والهوان والذل، مصداقاً لقول النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- : (( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد وسلط اللَّه عليكم ذلاً لا ينزعه من حتى ترجعوا إلى دينكم )).[1]
ثامناً: الدعوة إلى القومية أو الوطنية: وهي دعوة تعمل على تجميع الناس تحت جامع وهمي من الجنس، أو اللغة، أو المكان، أو المصالح، على ألا يكون الدين عاملاً من عوامل التجميع، بل الدين من منظار هذه الدعوة يعد عاملاً من أكبر عوامل التفرق والشقاق، فعملوا على تشتيت الأمة وتوزيع ولاء آتها إلى الإقليم والتراب والوطن والموروثات، والعوائد وتقديسها، واعتبارها الوجه الحضاري للأمم والشعوب.
تاسعاً: محاربة العفاف والتقليل من شأن الفواحش والفوضى الأخلاقية، ورعاية أصحابها واحتضانهم، واعتبار ظاهرة الفاحشة وتمرد الشباب والسفهاء على الفضيلة أمراً عادياً لا يستحق الاهتمام، وبالتالي لا يستدعي التفكير الجاد في العقوبة والتأديب، وما مظاهر انحلال الشباب وكثرة الفواحش وتهافتهم على البرامج التي تؤسس الاختلاط وتمارسه علناً كبرامج (ستار أكاديمي ) ونحوها، إلا ثمرة لأطروحات العلمانيين والليبراليين.
عاشراً: تهديم بنيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية، وتشجيع ذلك والحض عليه: وذلك عن طريق: الإشادة بالقوانين التي تبيح الرذيلة ولا تعاقب عليها، والتي تعتبرها من باب الحرية الشخصية التي يجب أن تكون مكفولة ومصونة، وعن طريق أيضاً وسائل الإعلام المختلفة من صحف ومجلات وإذاعة وتلفاز، التي لا تكل ولا تمل من محاربة الفضيلة، والهجوم على أوضاع المرأة المسلمة المحافظة، وعن طريق أيضاً محاربة الحجاب واعتباره من العوائد وليس من الإسلام، وفرض السفور والاختلاط.
أيها المسلمون:
هذه بعض ثمار شجرة العلمنة الخبيثة على كثير من ديار المسلمين، فكم أثرت في الأجيال، وحرفت الرؤى والأفكار، ومع كل ذلك فهو كيد من كيد الشيطان، وقد وصف اللَّه تعالى كيد الشيطان فقال: ((إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)) [النساء: 76].
وإن كل مسلم في أي مكان وموقع يجب عليه أن يعمل جاهداً في وقاية نفسه وأسرته ومجتمعه من جميع وسائل التغريب والتضليل، وذلك بعمل برامج علمية وإيمانية للأبناء والبنات، وكذلك الانتقاء والاختيار في المادة المقروءة والمسموعة، وحجب منافذ الإفساد أن تصل إلى العقول والعواطف والغرائز، ثم تقوية الوعي والبصيرة بمعرفة الحق وأهله والباطل وأهله، والاستعانة على ذلك بطول التمعن بالآيات القرآنية الكاشفة لسبيل الضالين والمجرمين، وبمعرفة التاريخ وحوادثه، وعلى كل حال بالصدق والصبر والأخذ بالأسباب، وعدم استعجال الثمار والنتائج ستعلو راية الحق وينتصر أهله.
أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم: (( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ )) [الحج : 78] .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون:
وللمستفهم أن يقول: كيف يكون بعض المسلمين دعاة على أبواب جهنم؟ فالجواب هو أنهم كذلك ببثهم الفساد والانحراف الأخلاقي: كإشاعة الفاحشة وتسهيل أسبابها، ومحاربة بيئة التدين في المجتمع من خلال وسائل الإعلام مثلاً، أو في مجال التعليم، بزرع المبادئ الهدامة بين الطلاب من خلال كوادر غير أمينة، أو من خلال منظري التطوير التعليمي في سائر البقاع، فيما يقدمونه من الحد والتقليص لما يقوي صبغة الله في نفوس الطلاب، ((وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً)) [البقرة: 138].
أو التقليل من شأن العلوم الشرعية، في مقابل الحرص الدءوب على تكثيف ما عداها.
ويكون الإفساد ببث أفكار تسيء إلى الإسلام وأهله، وتحارب الدعوة إليه، وتزدري الدعاة وتسخر منهم، وتنادي بعزل دين الناس عن دنياهم.
ويستنكرون أن تدخل الدعوة في علوم الطبيعة والرياضيات، ويتهمون المناهج في بلاد المسلمين أنها هي السبب في وجود بيئة التدين والدعوة، وكأنها جريمة لا تغتفر، حيث قال أحدهم في أحد الصحف المحلية: "فقد اصطبغت الكتب الدراسية جميعها بصبغة دينية"، إلى أن قال مستنكراً: "فلا تدرس مادة اللغة الإنجليزية مثلاً ذاتها، بل لتكون وسيلة للدعوة إلى الله، وتمتلئ كتب هذه المادة بالحديث عن الإسلام" أ هـ
أيها المسلمون:
إن هذا الحاقد على الدعوة والدعاة وغيره ممن يملؤه الغيظ على دين الله تبارك وتعالى لا يعدو قدره إن شاء الله، إلا أن الواجب على كل مسلم أن يقوم بما أوجب الله عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدفاع عن دين الله، والإنكار بقدر الاستطاعة، والمرافعة الجادة لمحاسبتهم وتأديبهم، لأنهم ضد الأمة ودينها وأخلاقها، أما أن يترك الحبل على الغارب لكل دعي جاهل ليحارب الإسلام دون أن يقف من أهل الغيرة أحد في وجهه ووجه كل من سانده وأعانه فلا يسوغ أبدًا: (( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى)) [سبأ:46].
((وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)) [يوسف:21].
وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] - أخرجه أبو داود في سننه برقم ( 3462 )، وأحمد في مسنده برقم ( 5007) ، والبيهقي في سننه برقم ( 10484 ) ،
وقد صحح الحديث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – في صحيح الجامع برقم ( 423 ) .
ـــــــــــــــــــ(47/72)
تغريب المرأة...المشكلة والحل
الصراع بين الخير والشر، والحق والباطل، والإيمان والكفر، سنة ماضية منذ أن خلق الله آدم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو يأخذ صوراً وأشكالاً تختلف من عصر إلى عصر، ومن مكان إلى مكان، ولكن هناك قواعد وأسس يتفق عليها أعداء الدين والمبادئ، قواعد كليه، وأسس متشابهة أثناء حربهم وعدوانهم على الحق وأهله، وإن من الميادين التي الصراع فيها قديم هو الصراع على المرأة بين دعاة الضلالة والاستمتاع بالمرأة وإهانتها، وبين دعاة العفة والطهارة ومريدي كرامتها ورفعتها، ويحرص الأعداء منذ القدم على المرأة لأنها إذا فسدت المرأة ضعف المجتمع وانحلت عراه، وانتشرت الرذيلة وأمكن السيطرة عليه، وتنفيذ المخططات التي يريدون، فالمرأة بوابة قوية إذا هدمت هدم المجتمع، وصدق المصطفى- صلى الله عليه وسلم-; إذ يقول: (( اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )) .
وفي هذه الأزمان المتأخرة، وتحديداً في البلاد العربية، وتحديداً في هذا البلد المبارك بلد الحرمين الشريفين، فإن المرأة تتعرض لهجوم سافر حاقد بشع لم يعهد في هذه الجزيرة من قبل، فالهجوم عليها عالمياً من الخارج، ومحلياً من الداخل، أما الخارج فلا غرابة وكيدهم مكشوف وصريح ومعلن، والمسلمون يرفضونه جملة وتفصيلاً، وربنا قد قال في محكم التنزيل: (( وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء )) (النساء:89).
وقال سبحانه: (( وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ)) (البقرة: 109).
فالغرب غارق في الرذيلة، والمرأة تعيش بؤساً لم يحصل في تأريخ البشرية منذ أيامه الأولى، وهذا ليس دعاية ولا مبالغة، ومن قرأ الإحصائيات التي تنشر في الصحف والمجلات وفي صفحات الانترنت سوف يتعجب من حجم البؤس والشقاء، كل هذا لأنها تمردت على شرع ربها، وزينوا لها الاختلاط بالرجال والسفور والعري، والحرية المزعومة، وهي عبودية أشد من عبودية البشر للبشر، بل هي عبودية الشهوات والهوى، والتي تصبح فيها أمة مملوكة لأكثر من طرف، نسأل الله السلامة والعافية، والغرب يعلم أن المرأة هنا لو فعلت كما فعلت المرأة الغربية أمكن ترويض هذه المجتمعات التي استعصت عليهم، لأن الشهوات مفتاحها وبابها المرأة، ويعلمون أن الرجال الأقوياء الأشداء لا يلين عريكتهم إلا النساء، فسلطوا كل ما يستطيعون من كل أنواع المكر والكيد المعلن والخفي عبر جمعيات حقوق المرأة، وعبر وسائل الإعلام والتعليم والمناهج والبعثات التغريبية، والمنتديات والملتقيات الاقتصادية وغير الاقتصادية، والمؤتمرات الدولية، والكتب والصحف والمجلات والانترنت، وما خفي أكثر وأكثر، كل هذا معلوم وواضح والتصدي له يجب أن يكون معلنا وواضحاً أيضاً، لا أريد أن أطيل حول هذه القضية فهي معلومة لدى غالب الناس، ولكن الشأن في الهجوم والتغريب من الداخل وأقصد به الشأن المحلي، أعني به ما يقوم به المنافقون والعملاء بالوكالة عن الغرب، من كيد ومكر كبار بالليل والنهار في بلاد الحرمين لتغريب المرأة وإفسادها، حتى يضعف المجتمع ويستطيع الغرب أن يروض هذه المجتمعات الأبية الصامدة، والغرب لا يراهن على الحكومات، فقد انتهى منها ولكنه متجه بثقله إلى الشعوب، لأن هذا هو زمن الشعوب هي التي تتحرك وهي التي تغير، لقد أقض مضاجعهم الانتفاضة الكبرى من كل أنحاء العالم لنصرة إخوانهم في فلسطين، ومقاطعة المنتجات الأمريكية مع بداية الغزو لأفغانستان والعراق، وآخرها كانت الانتفاضة المباركة في شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها لنصرة خير البرية محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، نعم هذا مؤشر أن الشعوب فيها الخير وفيها الاعتزاز بالدين، فازداد المكر والكيد لإغراق المجتمعات المسلمة وخاصة مجتمع الحرمين الشريفين في الشهوات، وأعظم بوابة هي بوابة المرأة.
ولكن لماذا الكيد المركز على بلاد الحرمين لعدة أسباب :
أولاً: الوضع المتميز للمرأة في بلاد الحرمين بين كل شعوب الدنيا من حيث الحجاب والعفة والصيانة، والرعاية في ظل الشريعة الإسلامية، فحقها مكفول في الجملة رغم وجود التقصير.
ثانياً : البلد الوحيد في العالم الذي التعليم فيه غير مختلط في كل مراحله.
ثالثاً: لا زالت بعض الحدود والضوابط الشرعية معمول بها، كمنع سفر المرأة بدون محرم وغيرها من الضوابط، وهي لا توجد إلا في هذا البلد.
رابعاً: أكثر الأنشطة الإسلامية في العالم، والتي لها أثر كبير على المسلمين هي من هذا البلد المبارك، سواء برعاية مالية أو توجيه وقيادة، مما أثار حفيظة الغرب وهاج وماج ضد هذا البلد المبارك، وضد كل الجهود فيه .
ويبقى السؤال الآن وهو الذي يهمنا: ما أبرز وسائل التغريب والإفساد للمرأة في بلاد الحرمين حتى نتنبه لها ونحذر منها، ولا نقع في حبائلهم ولا مصايدهم عصمنا الله ونسائنا وبناتنا وأبنائنا من كل سوء؟
الوسيلة الأولى: إضعاف التدين بإغراق الناس في الشهوات، واستخدام المرأة وسيلة في ذلك عبر وسائل الإعلام، وعبر الهجوم على الثوابت، وخاصة ما يخص المرأة كالهجوم على الحجاب، وترويج الفتاوى والأقوال الشاذة والساقطة، والدعوة للاختلاط، وما أستار أكاديمي وسوبر أستار ونواعم عنا ببعيد، وغيرها من البرامج التي تشيع الرذيلة وتتطبع في أذهان الفتيات الفساد والانحلال، وأنه رمز للتقدم والحضارة، فسقط في هذه المصيدة فئام من الفتيات بل أمهات وزوجات، فكثر الانحراف، واسألوا المعلمات والهيئات ومراكز الشرطة.
الوسيلة الثانية: الكذب المتواصل حتى يصبح حقيقة يصدقها الناس، مثل الترويج اليومي عبر وسائل الإعلام لأكذوبة أن المرأة مظلومة، ولا تأخذ حقوقها، وأن الرجل متسلط عليها، وقد يكون هناك ظلم نعم ولكن لما يأتي التمثيل للظلم والتسلط يمثلون بما هو من ديننا، وبما هو حفظ لكرامة المرأة وصيانتها، فتدعوا تلكم الوسائل المرأة إلى التمرد والعصيان والخروج بغير إذن الزوج والولي، وأن هذا الفعل هو الحل الناجح لأخذ حقوقها، ومن الكذب افتعال قصص غير واقعية ومكذوبة، والبناء عليها وتسويقها وترويجها، ومن ثم الدعوة إلى التحلل والتفلت انطلاقاً من هذه القصص المكذوبة، فإذا غاب الرقيب والحسيب فماذا يمكن أن تتصوروا أن تفعل هذه الوسائل .
الوسيلة الثالثة : تشويه الحق وأهله وتصويره بصور منفرة، والإعلاميون يعرفون أن هذه الوسيلة من أكثر الوسائل تأثيراً في النفوس، فيربط بين التخلف والحجاب، وبين التشدد والتزمت والدين، وبين النفاق والكذب، وبين الحجاب والعفة، وهكذا مما ينطبع في أذهان المراهقات والأطفال بأن الحجاب هو نفاق وتزمت، فتجد الصغيرة تكره الحجاب وتغطية الوجه بناء على ما ترسب عندها في وعيها من الصورة الذهنية التي رسمها هذا الإعلام الفاجر والله المستعان .
الوسيلة الرابعة : إبراز قدوات وشخصيات يقتدي بها النساء وخاصة الصغيرات والمراهقات، ويركز على الشخصيات الأكثر انحرافاً وتحرراً بزعمهم، فتسوق ويعلى من شأنها في الإعلام العميل، وفي المجلات والجرائد وتدعم، وإذا شئت أن تعلم صدق هذا الكلام من كذبه اسأل الصغيرات عن أبرز أسماء المغنيات والممثلات وقصات شعورهن، وإذا اتجهت للمراهقات اسألهن عن تفاصيل حياة فلانة وفلانة من المغنيات والممثلات وتجرباتهن الغرامية، واللقطات المخلة بالآداب، واسألوا الهيئات والمعلمات عن اللقطات الفاضحة التي تتداول بين أيدي الشباب والبنات في البلوتوثات للمغنيات والممثلات، وفي المقابل تغيب النساء الجادات العاملات المثقفات في بلادنا، ولا يبرزن بل يغيبن وهذه والله عين الخيانة التي يمارسها الإعلام في بلاد الحرمين .
الوسيلة الخامسة: إصدار القرارات الجائرة التي تؤصل وتطبع الاختلاط والفجور وإشاعة الفاحشة في المجتمع المسلم الطاهر النقي، فقد سبق وأن أقر الاختلاط في المستشفيات والمستوصفات وفي الاستقبال، فماذا كانت النتيجة ؟ لقد أزكمت أنوفنا رائحة الفساد في المستشفيات والمستوصفات، وخاصة الممرضات والله المستعان، هذا وهو مكان لعلاج المرضى وأبعد ما يكون عن التفكير في الفساد، فكيف بالأسواق وما صدر مؤخراً من قرار إلزام أصحاب المحلات لبيع الملابس الداخلية النسائية بتوظيف النساء في المحلات من غير أن يكن مستقلات في المحل، بعيدات عن الرجال، وهكذا لما توصد الأبواب أمام من يريدون التغريب في البلد يستخدمون سلطتهم، ولكن هيهات لقد نسوا أن الله فوقهم، وسوف يجعل كيدهم وتدبيرهم تدميراً عليهم بإذن الله .
تحدثنا عن الداء فما هو الدواء؟ ما هو الحل لمواجهة هذه الهجمة الشرسة الظالمة الحاقدة لتغريب المرأة المسلمة في بلاد الحرمين ؟
فنقول وبالله التوفيق ومنه الإعانة والتسديد:
أولاً: أن يؤدي كل منا مسؤوليته أمام الله ، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، أيها الأب المبارك، والأخ الناصح، والابن البار: أنت مسؤول في بيتك، ووالله مهما عملوا لن يجبروك على تغيير برنامجك، علينا أن نهتم بتربية أبنائنا وبناتنا وغرس المبادئ والقيم، والتفنن في ذلك والتفرغ لهم، وعدم الانشغال عنهم، فهذا من أعظم الحقوق التي تجب علينا تجاههم، لا يكفي أن نعتني بالمأكل والملبس والمشرب والمركب ونوعية المدرسة التي يسجلون فيها، والمباهاة أمام الناس بأن أبنائنا وبناتنا أحسن من غيرهم في أمور الدنيا، ماذا يفيد كل هذا إذا مسخت عقولهم وفسدت أخلاقهم، وجلبت بنتك لك العار والشنار في أخر عمرك، لنستيقظ من غفلتنا، ولنبذل جهدنا مع بناتنا ونسائنا، فنجلب لهم الإعلام الآمن من قنوات محافظة تدل على الخير تأمر به، ومن مجلات نسائية فاضلة عفيفة، وأشرطة مرئية ومسموعة نقية طاهرة ، مع الاهتمام بالخلطة والصحبة، والتذكير بالله وغرس الإيمان بالله في نفوسهم، ومحبة رسوله ودينه، وكثرة الجلوس معهم قبل أن يتخطفهم شياطين الإنس والجن، ومن المسؤولين أيضا المعلمين والمعلمات، أنكم أهم فئة في المجتمع، فأنتم تصيغون عقول الجيل وتجلسون مع أبنائنا وبناتنا ما يزيد على ست ساعات يوميا، فماذا أنتم فاعلون ؟ فاتقين الله أيها المعلمات، وأدين ما أوجب الله عليكن من التربية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أوساطكن .
ثانياً: واجب المسؤولين ومن بيده القرار أن يحمي البلاد من هذه الهجمة العاتية، لماذا هؤلاء يسرحون ويمرحون بلاحسيب ولا رقيب ؟ أين المحاسبة أين المعاقبة لهؤلاء وهم يغتالون العفة ويصدرون القرارات تلو القرارات ؟ ويخالفون نظام الحكم الذي قام عليه البلد من تحكيم للشريعة، فاللوم بالدرجة الأولى على كل مسؤول في هذا البلد، وسوف يسألكم الله عن ذلك، وسوف نقف أمام الحكم العدل الديان في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم، فأعدوا للسؤال جوابا وللجواب صواباً.
ثالثاً: يجب على العلماء وطلاب العلم والدعاة الصدع بالحق، وأن يقوموا بالواجب الذي عليهم، ولا يجاملوا ولا يكتموا الحق ويعلنوا به، ولا يكون سرا في المجالس، بل يقال للناس هذا حق وهذا باطل: (( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً )) ( الأحزاب39 ).
والناس سوف يصدرون عن رأيكم إذا أحسنتم مخاطبتهم، وحل مشكلاتهم وهمومهم، وعليكم أن تكونوا حاضرين عبر وسائل الإعلام كي يصل صوتكم إلى أكبر شريحة في المجتمع، فأنتم أصحاب الحق، وأنتم تخاطبون الفطرة وما يوافقهم، وأعداؤكم دخلاء غرباء في أفكارهم عن هذا البلد، ولا يخيفنكم العدو ولو وصموكم بالإرهاب والتطرف، وصدق الله إذ يقول: (( وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً )) (لإسراء81).
رابعاً: إعلاء شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعله أمراً مألوفاً في مجتمعنا ودعم كل من يناصح ويأمر، وعدم الوقوف بجانب أهل الباطل ضدهم فهم صمام الأمان وحماة الأعراض، وأن نذب عنهم في المجالس وفي وسائل الإعلام بكل ما أوتينا من قوة .
خامساً: الاهتمام بمحاضن الفضيلة والعفة وتكثيرها، والعناية بها وتطويرها، ودلالة الناس عليها، وترويجها إعلامياً، ودعمها مالياً ومعنوياً، والمشاركة فيها بكل ما نستطيع، وعلى رأسها مدارس تحفيظ القرآن النسائية والمراكز الاجتماعية، والمنابر الإعلامية النسائية كالمجلات والمواقع النسائية المحافظة، لأن هذه المحاضن هي التي تبني وتقف أمام هجمة التغريب هذه، فهي أولى بالعناية .
سادساً: المطالبة بعزل أي مسؤول يكون بوابة وداعماً لتغريب نسائنا، فهذا حق مشروع لنا، فنحن متضررون من هؤلاء أشد الضرر، فديننا وأعراض نسائنا أغلى ما لدينا، ولا بد من رفع الخطابات للمسؤولين والاستنكار لكل من يعمل لتغريب نسائنا وبناتنا، ولا تقل أن بيتي محافظ، فالخطر سوف يدهمك، والمجتمع لحمة واحدة، وما يحدث لجارك سوف يأتيك، وما تشاهده في الإعلام سوف يدخل بيتك، والله المستعان!! ولا بد أن نكون إيجابيين وننزع جلباب الخوف، فأبواب المسؤولين مفتوحة، وصدورهم تتسع لشكواكم ومعاناتكم والله المستعان.
ـــــــــــــــــــ(47/73)
بين الإصلاح والإفساد
الحمد لله ؛ أمر بالإصلاح، وامتدح المصلحين، ونهى عن الفساد، وذم المفسدين ، نحمده على ما منَّ به علينا من دين الإسلام، وبعثة خير الأنام، عليه الصلاة والسلام، ونشكره على تمام الدين، وكمال الشريعة، وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك له ؛ خلق عباده فكلفهم ، وبدينه وشريعته ابتلاهم، وهو أعلم بما يصلح لهم ويصلحهم ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله؛ حذر أمته من دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ، ووصفهم بأنهم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ؛ أتقى هذه الأمة ، وأسرعهم امتثالا لتعاليم الملة ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين0
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وكونوا صالحين مصلحين (ولا تطيعوا أمر المسرفين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون )0
أيها الناس: الصلاح غير الفساد، والإفساد مناقض للإصلاح ومعايير الفساد والإفساد، والصلاح والإصلاح، ومفهوم ذلك ومعناه وحقيقته تختلف باختلاف الديانات والمبادئ والأفكار التي يحتكم الناس إليها، ويصدرون عنها، فما تراه أمة من الأمم صلاحا وإصلاحا، قد يراه غيرها فساداً وإفسادا، لاختلاف الديانة التي يدينون بها، والشريعة التي ينتهون عندها، والفكرة التي يعظمونها0
وفي السنوات الأخيرة دعا كثير من الكتاب والمفكرين، والسياسيين والصحفيين في الدول الإسلامية إلى الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكل داعية منهم يصدر في دعوته تلك عن أفكار يعتقدها، ومناهج يعتنقها، ربانية كانت أم بشرية، ويرى أن الفساد فيما يخالف دعوته، وأن من يعارضها فهو المفسد، ومع كثرة الاختلاف، وغزارة ما يلقى على الناس في شأن الإصلاح أضحى أكثر الناس في حيرة من أمرهم، لا يعلمون المفسد من المصلح، ولا يميزون الصادق من الكاذب في دعواه، وقضايا المرأة أنموذج حيٌّ لهذا التجاذب والاختلاف، فأقوام يدعون إلى تحرير المرأة من كل القيود، ومساواتها بالرجال من كل وجه، مدعين أن ذلك سبيل صلاح الأمة المسلمة، وطريق انتشالها من تخلفها وجهلها، وآخرون يرون أن هذه الأطروحات لا تريد الخير بالأمة، وإنما تغرقها في مستنقعات الإثم والفساد، وتجردها من أقوى سلاح يمتلكه المسلمون أمام الغرب، وهو الأسرة السوية في مقابل الأسرة الغربية المفككة0
والذي يجب أن يعلم، وأن يُسلِّم به كل مسلم يدين بالإسلام: أن الصلاح والإصلاح هو فيما جاء عن الله تعالى، وبلغته رسله عليهم السلام، وأن الفساد والإفساد هو ما عارض ذلك أيَّاً كان مصدره، ومهما كان وزن قائله، فشريعة الله تعالى فوق كل أحد؛ إذ إن الله تعالى هو خالق الخلق، ومدبر الكون، وإليه يرجع الأمر، وكل العقلاء يتفقون على أن صانع الصنعة أعلم بها من غيره، والله سبحانه أعلم بخلقه من كل أحد (( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) (الملك:14).
وهو أدرى بأحوال عباده، ((وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)) (البقرة:220).
إن الصلاح والإصلاح هو فيما جاءت به الرسل عن الله تعالى، فالرسل عليهم السلام وأتباعهم هم المصلحون، ويدعون إلى الصلاح، ويحاربون الفساد؛ ولذلك قال شعيب عليه السلام في دعوته لقومه: ((وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا )) (الأعراف:56).
وأخبرهم أنه لا ينهاهم عن الفساد ويأتيه بل يجانبه صلاحا وإصلاحا، ((وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ)) (هود:88).
وأعداء الأنبياء عليهم السلام، المستكبرون عن اتباعهم، المعارضون لدعوتهم من الكفار والمنافقين، هم الفاسدون المفسدون؛ إذ أخبر الله تعالى عن كبار ثمود الذين كذبوا صالحا عليه السلام بأنهم: ((يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ )) (النمل:48).
وأوصى موسى أخاه هارون عليهما السلام بالإصلاح لمَّا استخلفه على قومه: ((وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)) (الأعراف:142).
ولكن أعداء الرسل عليهم السلام من الكفار والمنافقين لا يُقِرُّون بأنهم فاسدون مفسدون، بل يزعمون أنهم صالحون مصلحون، ويرمون الأنبياء وأتباعهم بالفساد والإفساد، كما فعل وزراء فرعون؛ إذ قالوا له: ((أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ )) (الأعراف:127).
وإخوانهم في هذا العصر يخاطبون الملوك والساسة في الدول الإسلامية قائلين لهم بلسان الحال أو المقال: أتذرون هؤلاء العلماء والدعاة ليفسدوا الناس، ويعرضوا المشاريع التغريبية في المرأة والأسرة التي كلها صلاح، وتقدم إلى شريعة قديمة لا تناسب هذا العصر0
وأَعْرَضُ دعوى الفرعون الأول في البشر سوَّغ معارضته لموسى عليه السلام، ومحاربته إياه، والتنكيل بأتباعه والسعي لقتله، بالخوف على الناس من فساده، ((وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)) (غافر:26).
وما نفعت فرعون دعواه العريضة إذ حكم الله تعالى عليه بالفساد، فقال سبحانه فيه: ((إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)) (القصص:4).
وفي سورة أخرى ((وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ )) (الفجر:12،11،10).
وهكذا المنافقون يدَّعون الإصلاح لكن الله تعالى حكم عليهم بالإفساد ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ )) (البقرة:12،11).
فليس مصلحا كلُ من ادعى الإصلاح، وليس مفسدا كلُ من رُمي بالفساد، بل يعرض ذلك على الكتاب والسنة حتى ينجلي الأمر، ويبين الحق للمؤمنين، وأما المستكبرون من الكفار والمنافقين فإنهم لا يرضون عن الحق مهما بسط لهم من الأدلة والبراهين، ((وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ)) (يونس:101).
وفي الآية الأخرى ((وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا)) (الأنعام:25).
ومن قبل قال فرعون وملأه لموسى عليه السلام: ((وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ )) (الأعراف:132).
فما يعنينا في هذا المقام هو بسط الحق بأدلته لأهل الإيمان واليقين، وإلا فالمستكبرون لن يصدقوا مهما قيل لهم، والقضية المتنازع عليها في هذه الأيام هي توسيع عمل المرأة في المحلات التجارية بزعم القضاء على البطالة تارة، وتارة أخرى بزعم المحافظة على خصوصية النساء في شراء ملابسهن، وتعالوا لنعرض هذا المشروع الإصلاحي الإنقاذي على ما جاء في الكتاب والسنة لنرى، هل هو إصلاح كما يروج لذلك أصحابه أم أنه ضرب من ضروب الفساد في الأرض؟!
لقد قررت شريعة الله تعالى أن الضرب في الأرض، والصفق في الأسواق، والإنفاق على الأسرة هو من خصائص الرجال، وبه خوطبوا في نصوص الشريعة، ((وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ)) (المزمل:20).
((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)) (النساء:34).
((لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ)) (الطلاق:7) .
وقال النبي- عليه الصلاة والسلام-: (( ولستَ تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في فَّي امرأتك )) رواه الشيخان0 ولم يأت في هذا الشأن خطاب واحد للنساء، بل أُمر النساء بالقرار في البيوت، ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)) (الأحزاب:33).
يقول القرطبي رحمه الله تعالى: والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة، وروى ابن مسعود- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (( المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون من ربها إذا هي في قعر بيتها)) رواه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان.
وفي حديث آخر قال- عليه الصلاة والسلام-: (( ما تركت بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء)) رواه الشيخان.
وروى محمد بن سيرين- رحمه الله تعالى- فقال: نبئت أنه قيل لسودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: مالك لا تحجين ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك ؟ فقالت: قد حججت واعتمرت، وأمرني الله تعالى أن أَقرَّ في بيتي، فو الله لا أخرج من بيتي حتى أموت. قال ابن سيرين: فو الله ما خرجت من باب حجرتها حتى أُخرجت جنازتها.
فالأصل أن الرجل ينفق على أهله، والأصل أن المرأة مكفولة من قبل ذويها منذ ولادتها إلى أن تموت، فإن قصروا أُخذ لها حقها بالقضاء ، فإن لم يكن لها قريب فالإمام وليها، وجماعة المسلمين يقومون على حاجاتها، وإن عملت لكفاف نفسها فذلك استثناء وليس أصلا، ويكون بشروط تحقق المصلحة لها، وتدرأ الفتنة بها، ولكن هذا الأصل المقرر في الشريعة قد قُلب في هذا الزمن رأساً على عقب بسبب سيطرة المذاهب الغربية الإلحادية على أكثر البشر، وصار الأصل وهو قرار المرأة في بيتها استثناء، وأضحى الاستثناء وهو خروجها للعمل أصلا0
وانقلاب الموازين لا يضفي الشرعية على الباطل، ولا يقلبه إلى حق، ولا يجعل الفساد إصلاحا؛ لأن الشريعة دائمة باقية حاكمة بين الناس، فالواجب تعديل الموازين، ورد الحق إلى نصابه، ومن الإفساد تسويغ هذا الباطل بالمسوغات السامجة، وتعليله بالتعليلات الباردة0
ثم رأينا هذا المشروع المنقذ للنساء من البطالة قد تُعمَّد فيه الاختلاط بين البائع والبائعة، تنظر إليه وينظر إليها، وتخاطبه ويخاطبها، وربما مازحته ومازحها، فمائة ألف وظيفة وقد تزيد تنتظر نساء المجتمع في جو من الاختلاط البريء، كما يقوله من اخترعوا البراءة في اجتماع رجل بامرأة، معارضين شريعة الله تعالى، التي يخبر عنها المبلغ عنه عليه الصلاة والسلام بقوله: (( إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال:الحمو الموت )) .
فإذا كان الشارع الحكيم يحذر من قريب الزوج وهو يغار على عرض قريبه، فأيُّ براءة في اجتماع رجل بامرأة لا رابط بينهما إلا العمل0
ثم هو سيخلو بها حتماً في الأوقات الميتة التي لا بيع فيها وهي غالب الأوقات، وأيام الجرد السنوي حيث تغلق المحلات، وتحسب البضائع، بل قد تصحبه في دورة لتطوير الأداء الوظيفي، وتعلم المزيد من فنون التسويق، وتضطر للسفر بلا محرم إلا زميلها الذي أصبح محرمها بجامع العمل والزمالة، وهذا يقع كثيراً في البنوك والشركات الكبرى، فكيف سيصير الحال لو وسع ذلك بهذا المشروع الآثم، والشارع الحكيم يقول لنا: (( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله ، امرأتي خرجت حاجَّة، واكتتبت في غزوة كذا وكذا ، قال: ارجع فحج مع امرأتك)) رواه الشيخان0
فرده النبي- صلى الله عليه وسلم- عن الجهاد وهو أفضل الأعمال ليكون رفيقاً لامرأته في سفرها، وليس سفرها سفر ريبة أو تجارة أو عمل، بل هو أشرف سفر لامرأة ؛ إذ هو سفر حجها الذي هو من أعظم العبادات، فحالها وحال من معها أبعدُ ما يكون عن الريبة والفساد لأنهم في عبادة، ومع ذلك لا بدَّ من المحرم في شريعة الله تعالى، فكيف بمكان موبوء تحيط به شياطين الجن والإنس، وشر البلاد إلى الله أسواقها0
وقد يستلزم العمل أن تتحلى البائعة بكامل زينتها حتى تكون دعاية للمتجر، ولتجذب الزبائن إليه، فيُسوَّق التاجر بضاعته بأجساد بنات الناس، وهذا واقع في البلدان التي سبقت في هذا المجال، ومن يسافرون ويتاجرون يعرفون ذلك تمام المعرفة، وكم يعلن في صحفهم عن وظائف لبائعات يشترط فيهن من الصورة والهيئة أكثر مما يشترط في الشهادة والخبرة، ونعيذ بالله العظيم بناتنا وبنات المسلمين أن يكون هذا حالهن0
وإذا كان زميلها ذئباً أغبر، يجيد التلاعب بالعواطف ، ويعرف نقاط الضعف في المرأة كال لها من المديح والثناء ما يصطادها به، فيفترس عفافها، ولا خير في وظيفة تلك نهايتها، ولا عزاء لمجتمع يرضى لبناته أن يتأكلن بأجسادهن0
وجماعة المسلمين من حكام ومحكومين ليسوا مسؤولين أمام الله تعالى عن توفير الوظائف للنساء، وإنما هم مسؤولون عن رعايتهن، والإنفاق عليهن وهن قارات في بيوتهن، كل ولي بوليته، ومن لا ولي لها فواليها الإمام أو نائبه0
هذا هو حكم الشريعة في الرجال والنساء، وتلك هي مفاسد بعض هذا القرار، الذي بان لكل ذي بصيرة أنه معارض لشرع الله تعالى، وما عارض الشريعة فهو إفساد لا إصلاح، وإن سماه أصحابه إصلاحا، إما عن جهل بسبب ما يعانونه من الأمية والتخلف في فهم أحكام الإسلام، وإما عن هوى بسبب أنهم مؤد لجون بأفكار منحرفة، ومسيسون لتحقيق أهداف الأعداء من يهود ونصارى، نسأل الله تعالى لنا ولهم الهداية والرشاد، والتزام الشريعة الغراء، كما نسأله سبحانه أن يكبت كل مفسد ومفسدة، وأن ينصر كل مصلح ومصلحة، إنه سميع قريب مجيب، وأقول ما تسمعون وأستغفر الله تعالى لي ولكم...
الخطبة الثانية
الحمد الله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا أمن إلا للمؤمنين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين0
أما بعد : فاتقوا الله - عباد الله - وراقبوه ، والزموا طاعته ولا تعصوه ((وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)) (النور:52).
أيها المسلمون: تنطلق هذه المشاريع التخريبية في بلاد المسلمين من أفكار تغريبية لا تمت لهذه الأمة بصلة، بل هي نتاج موجات الإلحاد والفساد التي اجتاحت بلاد الغرب فأفسدت نساءهم، وحطمت أسرهم، وفرقت مجتمعاتهم، ويستميت المفسدون من الكفار والمنافقين والشهوانيين في تصدير هذا الفساد إلى بلاد المسلمين بالرضا أو بالقوة، تحت دعاوى الإصلاح في دول العالم الثالث، مع أن الغرب لا زال يعاني من آثار هذا الإفساد، ومجتمعاته مهددة بالانقراض، وتعاني من كثرة الشيوخ، وقلة الشباب والأطفال.
وأجدني في هذا المقام مضطراً لنقل بعض المقولات لمفكرين غربيين يبرزون حجم الفساد الناجم عن إخراج المرأة من منزلها وإقحامها في ميادين الرجال، من باب ( وشهد شاهد من أهلها )، وإلا فالمسلم مستسلم لأمر ربه، تكفيه نصوص الكتاب والسنة قائداً وإماما.
تقول كاتبة إنجليزية: إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا.
وتقول باحثة أخرى: إن الاعتداءات الجنسية بأشكالها المختلفة منتشرة انتشاراً سريعاً في أمريكا وأوربا، وهي القاعدة وليست الاستثناء بالنسبة للمرأة العاملة في أي نوع من الأعمال تمارسه مع الرجال.
ونشرت مجلة نيوزويك الأمريكية تحقيقا بعنوان: سوء استخدام الجنس في المكاتب قالت فيه: إن مضايقة الرئيس لمرؤوسيه أمر قد خرج عن دورة المياه، أي خرج عن السرية وصار علنا.
ومن قالوا هذا الكلام قد عاشوا في مجتمعاتهم، ووقفوا على مشكلاتها، وخبروا عللها، وليسوا أميين في حضارتهم بل مثقفون ومفكرون، وليسوا كذلك مؤد لجين ومسيسين لصالح المسلمين، بل يحكون أمراض مجتمعاتهم.
إن أي مشروع يسعى لجعل خروج المرأة من منزلها هو الأصل، وقرارها فيه هو الاستثناء، فهو مشروع معارض لصريح القرآن والسنة، ومخالف لما كان عليه سلف الأمة ، فكيف إذا انضم إلى ذلك جملة من المفاسد الكبرى، كالاختلاط والتبرج والسفور، والخلوة والسفر بلا محرم، ولا يدعي مدع أنه يمكن الحد من هذه المفاسد بشروط وضوابط ؛ فإن التجارب السابقة أثبتت أن هذه الضوابط تتبخر مع الزمن كما يتبخر الماء الراكد، وانظروا كم في سياسة الإعلام بصحفه ومجلاته، وشاشاته وإذاعاته من شروط وضوابط تكتب بماء الذهب، فهل طبقت أم لا ؟! والأبواب إذا فتحت قليلا أمكن إشراعها على مصاريعها، بل أمكن خلعها، ولا تخلع الأبواب إذا كانت موصدة، فإياكم يا عباد الله أن يخدعكم مصدرو الرذيلة، وناشرو الفساد، بتلبيس الكلام، ولحن القول، والواجب على كل مسلم أن ينكر هذا المنكر العظيم الذي يطل بشره وفساده على المجتمع، ويكون إنكاره بالطرق المأذون بها شرعاً، التي لا تسبب إثما أكبر، ولا تحدث فتنة أعظم، والمسؤولية الكبرى، والأمانة العظمى تثقل كاهل كبار القوم من الأمراء والعلماء والمسؤولين، أن يقفوا أمام موجات الإفساد هذه، وإلا تحملوا وزر المجتمع كله، وبماذا سيقابلون ربهم إذا سئلوا عن ذلك في يوم لا تغني عنهم مناصبهم من الله تعالى شيئا، وواجب على من أعطاه الله تعالى جاها، وكلمته لها وقعها أن يبادر بالإنكار؛ براءة للذمة، وانتصارا للملة، وحفاظاً على بنات المسلمين ومجتمعهم من الرذائل، وعلى صاحب كل قلم وبيان من الرجال والنساء أن ينكروا ذلك أشد الإنكار، ويبينوا للناس مفاسد مثل هذا القرار.
ونعيذ بالله تعالى كل مؤمن ومؤمنة أن يكونوا عوناً لأهل الباطل على باطلهم بالاعتذار للباطل وتسويغه، أو الدعاية له وترويجه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ((وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)) (هود:117).
جعلنا الله تعالى هادين مهديين، صالحين مصلحين، ومنَّ على ولاة أمرنا بالصلاح والرشاد، ودلهم على ما فيه صلاح البلاد والعباد، وجنبهم طرق أهل الضلال والإفساد، آمين يا رب العالمين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
ـــــــــــــــــــ(47/74)
الرد على وزارة الثقافة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
فإن الغاية التي من أجلها خلق الله تعالى الناس : عبادته وحده لا شريك له . وقد أمرنا بإتباع شريعته والاحتكام إليها في أمور حياتنا كلها ؛ السياسيةِ والاجتماعيةِ والإعلاميةِ والتعليميةِ والتجاريةِ وغيرها ، قال الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )) (النساء59) . وقال تعالى (( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ )) (يوسف40). وقال تعالى : (( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً )) ( الأحزاب 36).
وقد منَّ الله تعالى على هذه البلاد بإعلان الحكم والتحاكم إلى الكتاب والسنة منذ نشأتها ، كما جاء في النظام الأساسي للحكم في المادة السابعة من الباب الثاني ونصها : " يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله .. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة"اهـ.
وقد خالفت وزارة الثقافة والإعلام هذا النهج ؛ بتبنيها وإصرارها على نشر ما حرم الله ؛ من الفكر المنحرف، والمناوأة الظاهرة للدعوة والدعاة وحلقات تحفيظ كتاب الله ، والسعي في نشر الفساد والرذيلة وبث الشبهات بين أبنائنا وبناتنا ، وحمل لواء الدعوة إلى تغريب المجتمع ؛ كالدعوة إلى التبرج والسفور ، والاختلاط المحرم ، وقيادة المرأة للسيارة ، وإنشاء النوادي النسائية ، وفتح دور السينما ، وعروض الأزياء ، ومسابقات ملكات الجمال ، وإبراز المرأة المتبرجة والمخالطة للرجال في العمل على أنها مثال المرأة السعودية ، وهكذا إذا كانت مغنية ، أو مذيعة ، أو نادلة في مقهى ،أو مدربة سباحة ، أو تقود الطائرة ، أو فارسة تشارك في مسابقات الفروسية .. .
ولا زالت الوزارة تجاهر وتتوسع في نشر الصور الخليعة ، والمعازف والغناء ، والسماح بدخول الصحف والمجلات المنحرفة إلى المملكة ، والتي تتضمن موضوعات مفسدة للفكر ، ومثيرة للغرائز ، وتحمل على أغلفتها الصور الفاتنة . إضافةً إلى تقليص البرامج الدعوية في التلفاز وإذاعة القرآن الكريم . وكم يحزن المسلم أن يصل إعلامنا إلى هذا المستوى من الضعف والهوان .
ونرى أن مضي الوزارة في هذا المنكر ، وسكوت المسلمين عنه ، كلاهما من أسباب حلول العقوبات العامة بالمجتمع ، وأن إنكار المنكر والإقلاع عنه من أهم أسباب رضى الله تعالى ورفع العقوبات .
قال الله تعالى : (( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ )) ( غافر 21 ) .
وقال تعالى : (( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ )) (الشورى 30) وقال تعالى: (( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) (الأنفال 25) .
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه خطب الناس فقال : " إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَا وَضَعَهَا اللَّهُ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَهُمْ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ ) أخرجه أحمد بإسناد صحيح .
والواجب على ولاة الأمر ــ وفقهم الله ــ منع هذا الفساد ، وإلزام الوزارة بشرع الله تعالى ، وبما تضمنه نظام الحكم الأساسي ، وبنود سياسة الإعلام السعودي ، ومحاكمة المتسببين في هذا الانحراف من القائمين على الوزارة لدى القضاء الشرعي ، ووضع لجنة شرعية عليا مستقلة في وزارة الإعلام ، ويتولى ترشيحها هيئة كبار العلماء .
وأن يرتقى إعلامنا ليكون على مستوى قضايا الأمة ، ولائقاً بمكانة بلادنا الإسلامية بانضباطه بالشرع ، والقيام بالدعوة إلى الله ، ونفع المسلمين بأعلى درجات التقنية الإعلامية الحديثة في الجذب والتأثير .
ونخاطب أيضاً كل مشارك في الإعلام المنحرف من مستثمرين أو إداريين أو موظفين : أن يتقوا الله تعالى ، وأن يدركوا خطر ما هم فيه ؛ فكل من استمع محرماً أو شاهده فعلى كل من كان سبباً فيه مثل آثامهم . ونذكرهم بعظم شأن المجاهرة بالمعصية ؛ لأنها تخرج العبد عن المعافاة ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين ) متفق عليه.
ونوصي الدعاة إلى الله بضرورة البناء الإعلامي الهادف بعيداً عن المحرمات والمشتبهات بما يحقق نشر الخير ودفع الباطل .
ونرى أن من أهم أسباب الإصلاح : السعي الحثيث في إبعاد بطانة السوء التي استفاض سوؤها ، وتلبس الحق بالباطل ، وتدفع البلاد إلى الهاوية ، وتحول بين ولاة الأمر والمصلحين . والواجب استبدالها ببطانة أخرى من أهل الاستقامة والعدالة والكفاءة .
ونسأل الله تعالى أن يوفق ويسدد ولاة الأمر في بلادنا إلى ما يحب ويرضى ، وأن يحفظ علينا ديننا وأمننا ، وأن يقينا شر الفتن . والحمد لله رب العالمين .
الموقعون على البيان :
1. فضيلة الشيخ العلامة : عبدالله بن محمد الغنيمان .
2. معالي الشيخ الدكتور : عبدالله بن عبدالله الزايد . مدير الجامعة الإسلامية سابقاً .
3. فضيلة الشيخ : محمد بن ناصر السحيباني .أستاذ العقيدة والفقه في المسجد النبوي ، وعميد كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية سابقاً .
4. فضيلة الشيخ الدكتور : عبدالله بن حمود التويجري .
5. فضيلة الشيخ الدكتور : عبدالرحمن الصالح المحمود . عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام .
6. فضيلة الشيخ : عبدالعزيز الصالح العقل . المدرس بالمسجد النبوي .
7. فضيلة الشيخ الدكتور :عبدالعزيز بن محمد آل عبداللطيف .عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بجامعة الإمام.
8. فضيلة الشيخ الدكتور : سليمان بن حمد العودة . عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم .
9. فضيلة الشيخ الدكتور : علي بن سعيد الغامدي . أستاذ الفقه بالمسجد النبوي والجامعة الإسلامية بالمدينة
10. فضيلة الشيخ : عبدالله بن ناصر السليمان . المفتش القضائي بوزارة العدل بالرياض .
11. فضيلة الشيخ : موسى بن علي النهاري . رئيس كتابة عدل الأولى بمكة .
12. فضيلة الشيخ الدكتور : إبراهيم بن عبدالله الحماد . عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بجامعة الإمام.
13. فضيلة الشيخ الدكتور : عبدالله بن محمد العمرو . عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالرياض .
14. فضيلة الشيخ الدكتور : إبراهيم بن عثمان الفارس . عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود.
15. فضيلة الشيخ الدكتور : عبدالله بن صالح البراك . عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود.
16. فضيلة الشيخ الدكتور : خالد بن عبدالله الشمراني . رئيس قسم القضاء بجامعة أم القرى .
17. فضيلة الشيخ الدكتور : عبدالله بن عبدالكريم الحنايا . مدير مركز الدراسات الشرعية المسائية بجامعة أم القرى .
18. فضيلة الشيخ الدكتور : عبدالعزيز بن عبدالمحسن التركي .
19. فضيلة الشيخ الدكتور : سعد بن عبدالله الحميد . عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود .
20. فضيلة الشيخ الدكتور : عبدالله بن عبدالعزيز الزايدي . عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالرياض .
21. فضيلة الشيخ الدكتور : حمد بن إبراهيم الحيدري . عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام .
22. فضيلة الشيخ الدكتور : يوسف بن عبدالله الأحمد . أستاذ الفقه المساعد بجامعة الإمام .
23. فضيلة الشيخ الدكتور : أحمد بن محمد الخضيري . عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام .
24. فضيلة الشيخ الدكتور : محمد بن صالح العلي . أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الإمام فرع الأحساء .
25. فضيلة الشيخ الدكتور : أحمد بن سعد بن غرم الغامدي . أستاذ الحديث وعلومه بكلية المعلمين في الباحة .
26. فضيلة الشيخ : فهد بن سليمان القاضي .
27. فضيلة الشيخ : محمد بن أحمد الفراج .
28. فضيلة الشيخ الدكتور : أحمد بن عبدالله الزهراني .
29. فضيلة الشيخ الدكتور : محمد بن سعيد القحطاني . أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى بمكة سابقاً .
30. فضيلة الشيخ : محمد بن سليمان بن أحمد المسعود . القاضي بالمحكمة العامة بجدة .
31. فضيلة الشيخ : ناصر بن عبدالله الجربوع . القاضي بالمحكمة العامة بالرياض .
32. فضيلة الشيخ الدكتور : محمد بن سليمان البراك .
33. فضيلة الشيخ الدكتور : خالد بن عثمان السبت . عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين في الدمام .
34. فضيلة الشيخ الدكتور : هاني بن عبدالله الجبير . القاضي بالمحكمة العامة بمكة المكرمة .
35. فضيلة الشيخ الدكتور : ناصر بن يحيى الحنيني . الأستاذ المساعد بجامعة الإمام . كلية أصول الدين بالرياض.
36. فضيلة الشيخ الدكتور : إبراهيم بن علي الحسن . الأستاذ المساعد بكلية أصول الدين بالرياض .
37. فضيلة الشيخ الدكتور : راشد بن مفرح الشهري . القاضي بالمحكمة العامة بالطائف .
38. فضيلة الشيخ الدكتور : يحيى بن عبدالله الثمالي . رئيس قسم الدراسات القرآنية والإسلامية بكلية المعلمين بالطائف.
39. فضيلة الشيخ الدكتور : عبدالله بن حماد القرشي . المحاضر بجامعة أم القرى .
40. فضيلة الشيخ الدكتور : عبدالله بن علي الغامدي . عضو مجلس الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بمحافظة الطائف .
41. فضيلة الشيخ الدكتور : خالد بن حسن العبري . عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن .
42. فضيلة الشيخ الدكتور : محمد بن عبدالعزيز العامر . القاضي بالمحكمة العامة بجدة .
43. فضيلة الشيخ الدكتور : محمد بن عبدالعزيز المسند . عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بالرياض .
44. فضيلة الشيخ الدكتور : محمد بن صالح المديفر . عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم .
45. فضيلة الشيخ الدكتور : محمد بن عبدالله الخضيري . عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام .
46. سعادة الدكتور : إحسان بن صالح المعتاز . رئيس قسم المحاسبة بجامعة أم القرى .
47. سعادة الدكتور : سليمان بن صالح الدخيل . عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن
48. سعادة الدكتور : عبدالرحمن بن عثمان الغنام . عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فيصل .
49. فضيلة الشيخ الدكتور : ناصر بن محمد الغمدي . وكيل كلية الشريعة بجامعة أم القرى .
50. سعادة الدكتور : حسن بن سعد القحطاني . استشاري باطنية بمستشفى الملك فهد بالحرس الوطني بالرياض .
51. فضيلة الشيخ : علي بن إبراهيم المحيش . رئيس كتابة عدل الأحساء الأولى .
52. فضيلة الشيخ : خالد بن ظافر الشهري . القاضي بالمحكمة العامة بجدة .
53. فضيلة الشيخ الدكتور : سليمان بن محمد الصيفي . القاضي بالمحكمة العامة بجدة .
54. فضيلة الشيخ الدكتور : عبدالرحمن بن عبدالعزيز العجيري . القاضي بالمحكمة العامة بجدة .
55. فضيلة الشيخ الدكتور : خالد بن عبدالرحمن العجيمي . عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام.
56. فضيلة الشيخ الدكتور : محمد بن عبدالله الخضيري . عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم .
57. فضيلة الشيخ الدكتور : عبدالرحمن بن جميل قصاص . عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى .
58. فضيلة الشيخ الدكتور : خالد بن محمد الماجد . عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام.
59. فضيلة الشيخ الدكتور : فهد بن عبدالرحمن المشعل . عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام.
60. فضيلة الشيخ الدكتور : سعود بن عبدالعزيز العقيل . عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالأحساء.
61. سعادة الدكتور : محمد بن إبراهيم النعيم . عضو هيئة التدريس بكلية الزراعة بجامعة الملك فيصل بالأحساء .
62. سعادة الدكتور :سعود بن حسن آل مختار الهاشمي.استشاري طب الأسرة بالمستشفى الجامعي بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة.
63. سعادة الدكتور : مهدي بن علي بن عبدالرحيم قاضي . استشاري طب الأسرة بكلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة.
64. سعادة الدكتور : إبراهيم بن محمد الجارالله . المختص في الفكر العربي والإسلامي .
65. فضيلة الشيخ الدكتور : إبراهيم بن مبارك بو بشيت .
66. فضيلة الشيخ : سعد بن ناصر الغنام .
67. فضيلة الشيخ : عبدالرحمن بن سعد الشثري . كاتب عدل المدينة الثانية .
68. فضيلة الشيخ : سليمان بن صالح الخراشي . باحث إسلامي .
69. فضيلة الشيخ : عبدالعزيز بن سالم العمر . إمام جامع الحبيشي بالرياض .
70. فضيلة الشيخ : هشام بن محمد السعيد . عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام .
71. فضيلة الشيخ : محمد بن سعيد الكناني . كاتب عدل الأولى بمكة المكرمة .
72. فضيلة الشيخ : بندر بن عبدالعزيز المدرع . كاتب عدل الأولى بمكة المكرمة .
73. فضيلة الشيخ : عبدالعزيز بن مرزوق الطريفي . الباحث العلمي بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بالرياض .
74. فضيلة الشيخ : أحمد بن حمد العبدالقادر . عضو الدعوة والإرشاد بمكة .
75. فضيلة الشيخ : عبدالله بن عبدالرحمن الوطبان . المشرف بوزارة التربية والتعليم بالرياض .
76. فضيلة الشيخ : وليد بن علي المديفر . إمام وخطيب جامع الربع بالرياض .
77. فضيلة الشيخ : محمد بن عبدالله الهبدان . المشرف العام على شبكة نور الإسلام .
78. فضيلة الشيخ : عبدالله بن طويرش الطويرش .
79. فضيلة الشيخ : جمال بن إبراهيم الناجم .
80. فضيلة الشيخ : ياسر بن عبدالعزيز الربيع . المحاضر بكلية الشريعة بالأحساء.
81. فضيلة الشيخ : عادل بن عبدالله بن العبدالقادر . المحاضر بكلية المعلمين بالأحساء .
82. فضيلة الشيخ : بندر بن غازي اللحياني . كاتب عدل بمكة المكرمة .
83. فضيلة الشيخ : فايز بن عبدالرحمن الشهري . كاتب عدل الأولى بمكة .
84. فضيلة الشيخ : إبراهيم بن خضران الزهراني . كاتب عدل بمكة المكرمة .
85. فضيلة الشيخ : حمد بن حافظ الغامدي . رئيس هيئة المخواة .
86. فضيلة الشيخ : ناصر بن سعيد الزهراني . رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة المندق .
87. فضيلة الشيخ : سعد بن علي بن مطر الزهراني . رئيس مركز هيئة محافظة دوس .
88. فضيلة الشيخ : عباد بن يوسف القرني . عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة .
89. فضيلة الشيخ : عبدالرحمن بن محمد الجابري . رئيس مركز هيئة العزيزية بمكة .
90. سعادة المهندس : محمد بن مطر السهلي . المهندس بكهرباء مكة .
91. فضيلة الشيخ : تركي بن سعيد الزهراني . عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة .
92. فضيلة الشيخ : عادل بن عبدالله الحمدان . الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام .
93. فضيلة الشيخ : صالح بن محمد الزهراني .
94. فضيلة الشيخ : محمد بن أحمد الزهراني . إمام جامع عبدالله بن سند بالطائف .
95. فضيلة الشيخ : خالد بن محمد الراشد . إمام وخطيب جامع السبيعي بالثقبة .
96. فضيلة الشيخ : خالد بن عبدالرحمن المسلم . كاتب عدل الأحساء الأولى .
97. فضيلة الشيخ : علي بن صالح الجبالي . الداعية المعروف بالرياض .
98. فضيلة الشيخ : وليد بن يوسف المعيدي . المحاضر بكلية الشريعة بالأحساء.
99. فضيلة الشيخ : أنور بن عبدالله الخطيب . المحاضر بكلية الشريعة بالأحساء.
100. فضيلة الشيخ : بدر بن سليمان اللذيذ . رئيس هيئة الخليج بالرياض .
101. فضيلة الشيخ : حمود بن عالي القحطاني . إمام وخطيب جامع الراجحي بالرياض .
102. فضيلة الشيخ : فهد بن عبدالله العتيبي . إمام وخطيب جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب بالرياض .
103. فضيلة الشيخ : عبدالله بن علي المزم . المحاضر بجامعة أم القرى بمكة .
104. فضيلة الشيخ : محمد بن أحمد الماجد . كاتب عدل الأولى بالأحساء .
105. فضيلة الشيخ : عبدالرحيم بن صمايل السلمي . عضو الدعوة بوزارة الشؤون الإسلامية بجدة .
106. فضيلة الشيخ : سعيد بن يحيى الزهراني . عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بجدة .
107. فضيلة الشيخ : فهد بن محمد الهزاع . كاتب عدل بجدة .
108. فضيلة الشيخ : خالد بن إبراهيم بن سعد الفليج . الأستاذ في قاعدة الرياض الجوية .
109. فضيلة الشيخ : عبدالجبار ضيف الله السلمي . إمام وخطيب جامع بجدة .
110. فضيلة الشيخ : عادل بن محمد الجهني . إمام وخطيب جامع حسان بن ثابت بجدة .
111. فضيلة الشيخ : إبراهيم بن سالم الهويريني . عضو هيئة التحقيق والادعاء العام .
112. فضيلة الشيخ : أنور بن محمد الراشد . إمام وخطيب جامع زيد بن الخطاب بالدمام .
113. فضيلة الشيخ : محمد بن سعيد النعيمي . أستاذ العلوم الشرعية بالمعهد العلمي بالدمام .
114. فضيلة الشيخ : شجاع بن ساعد الذويبي . عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة .
115. فضيلة الشيخ : فيصل بن سالم الزهراني . رئيس مركز هيئة التنعيم بمكة .
116. فضيلة الشيخ : صلاح بن علي الزيات . إمام وخطيب جامع السيف بالدمام .
117. فضيلة الشيخ : عادل بن محمد السبعان . إمام وخطيب جامع بامردوف بالخبر .
118. فضيلة الشيخ : نبيل بن سعود البلوشي . المحاضر بجامعة الملك فيصل .
119. فضيلة الشيخ : راجح بن عبدالعزيز الراجح . المحاضر بكلية الشريعة بالأحساء .
120. فضيلة الشيخ : إبراهيم بن عبدالرحمن التركي . المشرف العام على موقع المختصر .
121. فضيلة الشيخ : وليد بن إبراهيم القينان . إدارة التربية والتعليم بالأحساء .
122. فضيلة الشيخ : عبدالرحمن بن محمد الفارس . المشرف التربوي بإدارة التعليم بالرياض .
123. فضيلة الشيخ : صالح بن يوسف المقرن . المشرف التربوي بإدارة التعليم بالأحساء .
124. فضيلة الشيخ : سعيد بن عجلان الشهري . إمام وخطيب جامع الفروق بجدة .
125. فضيلة الشيخ : فوزي بن حمد الصبحي . إمام وخطيب جامع الكرامة بجدة .
126. فضيلة الشيخ : عدنان بن عبدالعزيز الباروت . المشرف التربوي بإدارة التعليم بالأحساء .
127. فضيلة الشيخ : عبدالله بن عبدالوهاب الهديب . الداعية المعروف بالأحساء .
128. فضيلة الشيخ : مشهور بن سعود السلمي .
129. فضيلة الشيخ : فهد بن سفر البشر . إدارة التعليم بالرياض .
ـــــــــــــــــــ(47/75)
ـــــــــــــــــــ
حقيقة تحرير المرأة
الحمد لله أنعم وتكرم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، إنه أرحم وأعلم، وأحكم وأحلم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بشر وأنذر، وحذر وعلم، صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه ومن سار على دربه الأقوم وسلم تسليما أما بعد:
فيا أيها المسلمون:
الله ربكم، فإنه من يتق الله يجعل له من أمره يسرا.
نذر وربك بالمصائب تنذر *** وخطى على درب الهوى تتعثر
فتن كليل مظلم يندى لها *** منا الجبين فنارها تتسعر
ما كنت أحسبني أعيش لكي أرى*** بنت الجزيرة بالمبادئ تسخر
جهلت بأنا أمة محكومة *** بالدين يحرسها الإله وينصر
جهلت بأنا أهل دين ثابت *** في ظله لا يستحل المنكر
أختاه يا بنت الجزيرة هكذا *** وخنادق الباغين حولك تحفر
أو هكذا والملحدون تجمعوا *** من حولنا والطامعين تجمهروا
أجل لقد جاؤوا يركضون يبغونكم الفتنة، ويتربصون بكم الدوائر بإعلامهم وأعمالهم، بمؤامراتهم ومؤتمراتهم، بأقوالهم وأفعالهم، في خطوات ماكرة، ودعايات مضلله تستهدف المرأة المسلمة في آخر معاقل الإسلام وأمنعها.
إنهم يعملون على تدجين المجتمع وتوجيهه إلى حياة الفوضى الفكرية والأدبية والأخلاقية.
لقد تجاوزا بمنظارهم الأسود وتفكيرهم السقيم مقام الشرع الأعظم، حينما وصفوا المرأة العفيفة بأنها متخلفة ومتعصبة، وبأن التقاليد والأعراف تتحكم فيها، والتي في نظرهم تعرقل المرأة عن التفاعل مع المجتمع، وهم في هذا يمتهنون من شأن المرأة الملتزمة، ويحاولون إبعادها عن السلوك السوي وسحق القاعد الأخلاقية والأدبية لها.
لقد دفع أدعياء التحرر دفعوا المرأة إلى أحط المواقف، وزجوها في أشد المخاطر، وقادوا إلى أسوء حال فلم يحسنوا خلقا ولم يهذبوا نفسا، ولم يقوموا اعوجاجا، وإنما كل الذي عملوه أو صاغوه نساء مستهترات ضائعات، يسخرن من المقدسات، ولا يبالين بأصالة ولا بأعراض، وويل لأمة تفخر بنسائها ورجالها على الأزقة، لا يفكرون في قضية، ولا يحملون مسؤولية، وويل لأمة أهانت رجالها لتثبت ذاتية نساء ضائعات،
لقد نادى أدعياء التحرر بتحرير المرأة، لكن تحريرها من الفضيلة والشرف والحياء، وهتفوا بالعطف عليها، لكنهم قسوا عليها أشد من وائدي البنات في الجاهلية الأولى، وأعلنوا مساواتها المطلقة فكلفوها مالا تطيق.
زعموا تحريرها فاستبعدوها، وادعوا العطف عليها فأهلكوها، وزعموا إكرامها فأهانوها، سجنوها بأيديهم ثم وقفوا على باب سجنها يبكون ويندبون شقاءها.
إن المرأة اليوم في بلادنا مستهدفة بمؤامرة نفذت فصولها في بلاد مسلمة، فأنتجت فوضى أخلاقية، وأخلاقا منهارة، وتجرعت المرأة هناك غصصا وآلاما، فبدأت تفكر في أمرها وتسعى للعودة لفطرتها، لقد أصبحنا ننام ونستيقظ على خطوات عملية تصحبها حملة إعلامية، هدفها إخراج المرأة من بيتها ولو بلا هدف، وزجها في مجتمعات الرجال تحت أي شعار، والغاية أن تتجرد من حيائها وحجابها لتصبح ألعوبة بأيديهم، وأداة لتحقيق مآربهم، فتنهار القيم وتسقط الأخلاق ليسقط بعدها كل شيء.
لقد بدأت مؤامرة السفور: بالدعوة إلى كشف الوجه، وهذا هو ما تحاول وسائل الإعلام فرضه وجعله واقعاً من خلال المجلات والأفلام والبرامج، ومن خلال المؤتمرات الاقتصادية وغيرها، ثم امتدت المؤامرة إلى الجلسات المختلطة المحتشمة، ثم إلى السفر من غير محرم؛ بدعوة الدراسة في الجامعة أو حضور المؤتمرات والندوات، ثم زينت الوجوه المكشوفة بأدوات الزينة، وكل هذه الخطوات أصبحنا نراها في واقع نسائنا، وتعرض صحفنا ومجلاتنا، ثم بدأ الثوب ينحسر شيئا فشيئا حتى تقع الكارثة؛ فتخرج المرأة سافرة عن مفاتنها، كاشفة عن المواضع التي أمر الله بسترها، وهذه المرحلة التي تترقبها إن نأخذ على أيدي السفهاء،
وحينما تقع هذه الخطوة سيروح أهل الكيد يتلذذون بالنظر إليها، وستدرجونها للإيقاع بها، وحينئذ تفسد الأخلاق وتكثر محلات البغاء، وينتشر اللقطاء، وإن تعجبوا فأسالوا المتورطين.
وإعذاراً إلى الله ونصحاً للأمة رجالها ونسائها، واستمرارا في منهج التحذير والبيان أواصل الحديث، وإن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
إن أول ما يجب أن تعلمه الأمة رجالها ونساؤها: إن الذي شرع الشرائع ووضع الحقوق وحد الحدود هو الله جل جلاله بحكمته وعدل، وهو القائل: (( لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)) [النساء: 32] .
والقائل: (( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ)) [البقرة: 228].
وهو القائل: (( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) [المائدة:50]
وإن هذه الحقوق كفيلة بتحقيق السعادة الدنيوية والأخروية للفرد، وتحقيق الأمن والاستقرار للمجتمع.
وإن أي دعوة لمخالفة هذه الحقوق، أو استيراد حقوق لطرف لم يأذن بها الله هو اتهام لله في عدله وحكمته، وانتقاص لشريعته، ((مَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) [البقرة: 229]
إن واجب المسلم والمسلمة إزاء الحقوق والواجبات هو الرضا والتسليم تحقيقا لمعنى الإسلام، والذي يعنى الاستسلام لله والانقياد له، والخضوع لحكمه، (( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ )) [النساء: 125].
(( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) [النور: 51]
إن حكم الله هو الحكم الوحيد المبرأ من مظنة الحيف، لأن الله هو العادل الذي لا يظلم أحدا، وموقف المؤمن والمؤمنة من أحكام الله هو السمع والطاعة بلا تردد ولا جدال ولا انحراف، السمع والطاعة المستمدان من الثقة المطلقة في أن حكم الله ورسوله هو الحكم، وما عداه فهو الهوى، النابعان من التسليم المطلق لله واهب الحياة، ومن الاطمئنان إلى أن ما يشاء الله للناس خير مما يشاءونه لأنفسهم، فالله الذي خلق أعلم بمن خلق، ((وَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) [فصلت: 53].
فأي إسلام لمن يعترض على حكم الله أو يتضايق مما شرع الله، ((فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)) [النساء: 65] .
ثم ليعلم كل مسلم ومسلمة أن المؤامرة على المرأة المسلمة كانت بدايتها على أيدي غير المسلمين الذي خططوا في خفاء، ونفذوا في دهاء، وجندوا له هذه الأمة من فقد اعتزازه بعقيدته، وتمسكه بدينه، وانتماؤه لأمته.
وإذا كان هذا حالهم وأن ولاءهم لأعداء الإسلام، وارتباطهم بالحاقدين على الدين، فهل يحتاج الأمر منا إلى كثير تدبر فيما ينبغي أن يكون عليه موقف كل مسلم ومسلمة من دعوتهم الآثمة.
أليس هؤلاء ممن قال الله فيهم: (( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)) [النور: 19]
وإذا كان القوم أشربت قلوبهم حب الكافرين، وأولعوا بما هم عليه من الضلال المبين، فأين أنت أيتها المسلمة من قول الحق: (( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ )) [آل عمران: 28].
وقوله: (( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ )) [هود: 113].
قال مفسرون: فالنهي متناول للانحطاط في هوتهم، والانقطاع إليهم ومصاحبتهم، ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم، والرضا بأعمالهم والتشبه بهم، والتزين بزيهم، ومد العين إلى زهرتهم، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم، والركون هو الميل اليسر.
كيف إذن نصدق هؤلاء الأفاكين، وننقاد لأولئك المغررين من أعداء ديننا وأمتنا، الذين أخبرنا سبحانه عما في قلوبهم: (( قدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ )) [آل عمران: 118]
يا ابنة هذه البلاد إن أيديهم الماكرة الخبيثة الخادعة قد امتدت إليك في هذه الفتنة، لتنزلك من علياء كرامتك، وتهبط بك من سماء مجدك، وتخرجك من دار سعدك، فاقطعيها بسرعة وقوة، فإنها يد مجرمة ظالمة، لقد نهج دعاة التدمير نفس منهج إمامهم الأول إبليس، إذ ما كان من إبليس إلا أن زيف للأبوين الحقيقة، وألبس الحق لباس الباطل والباطل لباس الحق وزيادة في الضلال، وإمعاناً في التغرير أقسم لآدم وزوجه أنه لهما من الناصحين، وهكذا تذرع الشيطان إلى الفجور الذي نراه اليوم ونعاني ويلاته بالسفور كخطوة أولى، يستنزل المرأة المسلمة من عليائها وعفتها، وما كان للمسلمة أن تطيعه أبدا إذا دعاها صراحة وهي في قمة الاحتجاب والتعفف، إذا ما دعاها إلى ما وصلت إليه في بلاد مسلمة من تهتك وتعري.
لكن الخبيث تدرج معها: ابتداء بأن السفور وكشف الوجه جائز شرعاً، وانتهاء بأن خير الهدي هدي أوربا وأمريكا.
يا ابنة الإسلام: أتظنين أن أولئك المأجورين الذين يستميتون في دعواتهم الآثمة لإخراجك من بيتك وإقحامك في عالم الاختلاط، ودفعك إلى التمرد وقيادة السيارة، وتورطك في أعمال لا تتناسب مع قدراتك وطبيعتك، أتظنين أنهم لك من الناصحين ؟
لا والله وأقسم برب الفلق أنهم يكيدون لك كيداً، ويمكرون بأمتك مكرا، وإلا فماذا يضيرهم لو بقيت آمنة في سربك، مخدومة من أهلك وزوجك، محفوظة بحيائك وسترك، عابدة لربك مربية لأولادك ؟
ولكن صدق الله: ((وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً)) (النساء:27 ).
إنك يا ابنة هذه البلاد في نعمة والقوم قد حسدوك عليها، وودوا لو تضيعين كما ضاعوا، فاحمدي الله على نعمة الدين والعفة والفضيلة.
يقول مراسل صحيفة أمريكية: إن لغز الحجاب الذي يثير حفيظة الغرب غير مطروح للتساؤل هنا في السعودية، إن الحجاب لم يقف حائلا أما تطور المرأة، فالسعوديات مؤهلات للتعامل مع أحدث برامج الحاسوب والإدارة ونظريات التعليم، بل إن القطاع الواسع من النساء السعوديات المتعلمات يدافعن عن الحجاب كمنظومة تحكم علاقة المرأة بالرجل في إطار واسع، وإن النساء العاملات في السعودية يشعرن بأمان حقيقي بعيداً عن المضايقات أو الأخلاق السيئة، ويؤكد: أن الحجاب والبعد عن الاختلاط كانا سببين لتميز الأداء الذي لا تخطئه العين.
وينقل عن إحدى السيدات من الطبقة الثرية قولها: إن الحجاب نعمة عظيمة ،والمرأة هنا تحظى بمعاملة راقية لا تحظى بها امرأة أخرى لا تقود السيارة، لكن هناك من يقوم بخدمتها دائماً، نحن أميرات في بيوتنا وأزواجنا يبذلون جهداً رائعا لإسعادنا.
كما ينقل كلمة لإحدى السيدات السعوديات قائلة: لو سألتني هل أريد الحرية الغربية فإن إجابتي ستكون بثلاث كلمات: لا ، ثم لا ، ثم لا ، إن الدين هو الذي يحكم تصرف الإنسان، ومن كان مفلسا في دينه فإنه يفقد الضابط الذي يحرك مساره.
يا كل مسلم ومسلمة: إن مستنقع الانحلال الأخلاقي الذي يراد أن نساق لخوضه قد خاضته أمم غيرنا، فكشفت المرأة وجهها، وزاحمت الرجال وقل حياؤها، وقادت السيارة وأصبحت مضيفة وطيارة، وشاركت الرجال في الوظائف والأعمال.
فماذا كانت النتيجة ؟ لقد فقدت المرأة السعادة التي كان يلوح لها أنصارها بسعادة التحرر والتطور، ليس فقط سعادتها بل فقدت وجودها كامرأة ذات قيمة في المجتمع ووزن فيه، لقد قبضت فيما مضى على دينها فقبض الله عنها السوء، وبسط لها الحلال حتى لم تكن تينع الثمرة في بيت أبيها إلا وتمتد يد الحلال لتقطفها، فلا تفتح عينها إلا على حليلها.
ولكنها وقد ابتذلت وأهينت على يد أصدقائها وأنصارها الزائفين، كان أول من زهد فيها أنصارها المخادعون، ولم تعد كما كانت تتمتع باحترام الآباء والأزواج.
ولم تعد تحاط بهالة من التقدير والتعظيم، وإنما أصبحت في نظر الجميع أشبه بمحترفة تطلب العيش وتقرع كل باب للعمل لعلها تحصل على وظيفة.
وهذا هو المنحدر الفظيع والهاوية السحيقة، والمصير الأسود القاتم الذي انتهت إليه المرأة في كثير من بلاد المسلمين.
والآن وقد خلعت المرأة حجابها، وغادرت حصنها، وعصت ربها، فهل جنينا حقا التقدم والحضارة والرخاء.
إننا لن نطيل في وصف الهاوية التي تردت إليها المرأة المتحررة بفضل أنصارها الموتورين؛ لأن الواقع حولنا يكفينا مؤونة هذه الإطالة، إنه حقا واقع مرير تستطيع أن تدرك عواقبه وآثاره حيثما وقعت عينك في كل بيت، في كل طريق، وفي كل وظيفة، فلماذا لا نأخذ العبرة ؟ ولماذا نخضع لدعوات لتكرار المأساة ؟
لقد أطلقتها صحفية أمريكية دعوة للمسلمين قائلة: امنعوا الاختلاط وقيدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا وأمريكا، إن الاختلاط والإباحية والحرية قد هددت الأسرة وزلزلت القيم والأخلاق.
وهذه مسلمة ألمانية تقول: كم يؤلمني أن أرى أخواتي وإخواني المسلمين يركضون إلى المكان الذي هربت منه، بعد أن كاد أن يقتلني ويخنقني، ورغم أني من تلك البلاد فلن أعود إليها حتى أعي ديني جيدا، فالدنيا دون إسلام جحيم دائم .
وهذه كاتبة انجليزية مشهورة تعلن قائلة: إذا اشتغلت بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم فهو خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، يا ليت بلادنا كبلاد المسلمين، حيث فيها الحشمة والعفاف والطهر، حيث المرأة تنعم بأرغد عيش وبصيانة العرض والشرف.
هذه شهادتهن من واقع التجربة، وإن في حقائق الإسلام لذكرى لقوم يوقنون.
إن على المرأة المسلمة: أن تستعلي على هذه المؤامرة الرهيبة، وأن تدرك الثمن الكبير الذي تدفعه هي وأمتها إن استجابت لذلك السعار المجنون، الذي تغذيه أيد صليبية وأخرى يهودية، ويقوم بالدعوة إليه أنذال من بلاد مسلمة، وإن عليها أن تتسلح بالعقيدة الراسخة والأخلاق القويمة والوعي الكبير.
لا يخدعنك أختي المسلمة هؤلاء المتآمرون، ولا يصرفنك عن الحق أولئك الكائدون، وضعي نصب عينيك قوله تعالى: (( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)) [الروم : 60]
تعرفي وافهمي والواقع المحيط بك كي تدركي ما يحاك ويدبر لك، ولكي تعي الطريقة المثلى للتصدي لأي دعوة تريد زعزعة إيمانك بعقيدتك وسلب شخصيتك الإسلامية.
إن على المرأة المسلمة أن تعطي النموذج الإسلامي المتميز في مجال القدوة، بأن تكون شريفة في أخلاقها، جادة في شخصيتها، متفاعلة مع قضاياها في إطار من الأدب والالتزام الشرعي.
إن حقوق المرأة التي يطالب بها أنصارها من دعاة الإسلام، ليست مجرد خطابة وكتابة ومقابلات وسفرات وحفلات، وإنما حقوق قررها الخالق ورسختها الشريعة، هي حقوق تخرج لنا نساء يبنين الأجيال فيصنعن بهم التاريخ.
إنها حقوق تخرج المرأة التي تشعر بآلام الأمة وأمالها، المرأة التي تدفع من مالها وتنفق مما أعطاها الله.
لا نريد الحقوق الزائفة التي تجعل من المرأة مجرد دمية تقف في المجامع والمحافل، وتظهر على صفحات الصحف متعطرة متزينة، فيشد الحاضرين جمالها، ولا يفقهون مما تقوله شيئا.
لا نريد حقوقاً مستوردة تجعل من المرأة مجرد ببغاء تردد ما يقال، وتلبس كل ما صنع لها، وتملأ فكرها بكل ما يكتب، وتنساق وراء كل نزوة، وتجري وراء كل بريق خادع .
إننا ننشد الحقوق التي تخرج لنا المرأة المسلمة التي تزن الأمور بميزان السماء، وتنظر إلى الحياة من خلال القرآن، وتنظر وهي في الدنيا إلى الدار الآخرة، وتتخذ من الإسلام منهجا ومن رسول الله قدوة وأسوة، ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) [آل عمران : 85].
الخطبة الثانية :
((إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً )) [الطارق :15-16] .
((وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)) [آل عمران: 54] .
((فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ )) [الرعد : 17] .
ذلك مثل الحق والباطل في هذه الحياة، فالباطل يطفو ويعلو وينتفخ ويبدو رابيا طافيا ولكنه بعد زبد أو خبث ما يلبث أن يذهب جفاء مطروحا لا حقيقة له.
والحق يظل هادئا ساكنا، وربما يحسبه بعضهم قد انزوى أو غار أو ضاع أو مات، ولكنه هو الباقي في الأرض ينفع الناس، كذلك يضرب الله الأمثال، وكذلك يقرر مصائر الدعوات ومصائر الاعتقادات ومصائر الأفكار والأعمال والأقوال، ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون.
لقد خيل إلى أعداء الإسلام أن الأمة مجتمعة قد استجابت لجهودهم، ورضخت لدعواتهم، واستسلمت لأفكارهم، وإذا بالأمة تؤوب إلى دينها وترجع إلى فطرتها.
وإذا بشباب الأمة وفتياتها يرددون: (( رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ)) [آل عمران: 193] .
وراحوا ينهلون من كتاب الله وسنة رسوله، وقد وجهوا قلوبهم ووجوههم من جديد بعد حيرة واغتراب شطر البيت العتيق، وولوا ظهورهم للقليس قبلة الضرار التي أقامها إبرهة روسيا وإبرهة أمريكا في موسكو وواشنطن، والتي قام على سدانتها وتسيير الوفود نحوها أبا رغال عصرنا.
إن من بشائر النصر في أيامنا، والتي بدأت تظهر في ديار المسلمين ما تراه من عودة الفتاة المسلمة إلى إسلامها، معتزة بشخصيتها، عادت تهتدي وتقتدي باللواتي أنزل الله فيهن قرآنا.
إن السفور والاختلاط حالة طارئة بدأت على استحياء منذ أكثر من خمسين عاما، وبلغت أوجهها منذ ثلاثين عاما، ثم بدأ صعودها البياني في التوقف ثم الهبوط، ولا يزال آخذا في الهبوط السريع والمؤشرات تؤكد أن السفور يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، وجولة في شوارع دولة مسلمة كمصر تؤكد هذه الحقيقة، وستبقى السيادة بإذن الله لشرع الله وأمره بالحجاب وكلمة الله هي العليا.
لقد فعل الموتورون شتى الحيل ليصدوا المسلمة عن دينها، ويوقعوها في شراكهم، ويذبحوا على أعتاب جامعاتهم ومصانعهم ومتاجرهم حياءها قربانا لأغراضهم، فاستجاب لهم تائهات ومخدوعات، ولكن خرج في أمتنا فتيات عفيفات رفعن نداء: (رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا)، فبددت أطماعهم وانقلبوا خاسئين.
يا ابنة الإسلام: في هذه البلاد إنك اليوم مستهدفة، ويراد لك أن تخوضي بحر الظلمات الذي خاضته مسلمات فتهوين في دروبه وصارعن أمواجه، ثم أدركن المؤامرة فعدن إلى بحور النور والهدى.
إن أقوى رد يفند أباطيل دعاة الاختلاط ومروجي الانحطاط هو تخلي المرأة المسلمة عنهم بعد أن انخدعت بهم زمنا طويلا، وخلعت الحجاب وخالطت الرجال، وذاقت ويلات جاهلية القرن العشرين، وجرت في دروب المفسدين، فما وجدت عندهم إلا الشقاء والضنك، فعادت المسلمات زرافات ووحدانا، مستغفرات تائبات شعارهن: ((سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)) [البقرة : 285].
لقد اغتاظ أدعياء التحرر وصارت عودة الحجاب غصة في حلوقهم، حتى إنهم اعترفوا بهزيمتهم في المعركة الحقيقية، وعللوا ذلك بأن الفتيات يتحجبن عن اقتناع كامل متحديات كل ما وضع في طريقهن من عراقيل وعقبات.
وهذا أحد رموزهم يقول: أصابت المرأة المصرية في أيامنا نكسة ارتدت بها إلى ما قبل، هناك اليوم عشرات الألوف من النساء المرتدات ينزلقن طوعا إلى هوة الماضي، والمأساة أن المرأة اليوم تتبرع سلفا بحجاب نفسها قبل أن يأمرها بالحجاب والدها أو زوج، انتهى كلامه أهلكه الله أو هداه.
وهذه صحيفة في صيحيفة تقول: إن الفتيات المصريات يبدين اهتماما متزايدا بالإسلام، وفي جامعة القاهرة يزيد عدد الطالبات الملتزمات بالزي الشرعي، وقد يأتي يوم لا تبقى فيه طالبة مصرية واحدة إلا وقد ارتدت الزي الشريعي الإسلامي.
ألا فاعلمي يا ابنة هذه البلاد أن أعداء الحق في كل عصر وفي كل مكان على وتيرة واحدة، وقلوبهم متشابهة فيما يرد عليها من الخواطر والشؤون، وعلى المسلمة الصادقة أن توقن أن المعركة بين الحجاب والسفور، بين الحق والباطل لا تنقطع، فإن التاريخ يعيد نفسه، وإن هذه سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تحويلا.
فطوبى لمن تنزع عنها غلالة الرجعية الجاهلية وتعود من غربتها واغترابها، وتأتي اليوم وغداً بالحجاب ومعها العلم والوعي والبصيرة والحرية الحقة من عبودية العبيد، قائلة لشياطين الإنس الذين يزينون لها تعدي حدود الله: (( إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)) [الأنعام: 15] .
يا ابنة هذه البلاد:
إن التزامك بالحجاب تمسك *** والسعي في نزع الحجاب تدهور
إن التزامك بالحجاب تقدم *** والسعي في نزع الحجاب تأخر
إن عدت الفتن العظام فإنما *** فتن النساء أشدهن وأخطر
أخشى على أوطاننا من فتنة *** فتن البلاد أمامها تستصغر
فبلادنا بين البلاد تميزت*** بالدين يمنحها الثبات ويعمر
فالنار تأكل كل شيء حولها *** والقدر من فوق الأسافي تطفر
قد تهدم السد المشيد فأرة *** ولقد يحطم أمة متهور
أخشى على الأخلاق كسرا بالغا*** إن المبادئ كسرها لا يجبر
ـــــــــــــــــــ(47/76)
من يظلم المرأة ؟!!
أيها المسلمون : حرم الله الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً، والله لا يحب الظالمين ، ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، وكم في هذا الكون من ظلم وظلمات ، ودعونا نقف اليوم على جانب من الظلم يقع على فئة كبيرة في المجتمع.. وهذا الظلم قديم يتجدد ، لكن بصور وأنماط تختلف في شكلها وربما اتفقت في مضمونها .. إنه ظلم المرأة .. فقد ظلمتها الجاهليات القديمة ، وتظلمها الجاهليات المعاصرة .. تُظلم المرأة من قبل الآباء ، والأزواج وتُظلم من قبل الصويحبات والحاسدات ، بل وتُظلم المرأة من قبل نفسها أحياناً .. تظلمها الثقافات الوافدة ، والعادات والتقاليد البالية ، تُظلم المرأة حين تمنع حقوقها المشروعة لها ، وتُظلم حين تعطى من الحقوق ما ليس لها.. إنها أنواع وأشكال من الظلم لابد أن نكشف شيئاً منها، ونخلص إلى عظمة الإسلام في التعامل معها وضمان حقوقها، والاعتدال في النظرة إليها..
أجل إن ظلم المرأة قديم في الأديان والشعوب والأمم المختلفة فهي عند الإغريق سلعة تباع وتشترى في الأسواق، وهي عند الرومان ليست ذات روح، فهم يعذبونها بسكب الزيت على بدنها، وربطها بالأعمدة ، بل كانوا يربطون البريئات بذيول الخيل ويسرعون بها حتى تموت ، والمرأة عند القدماء من الصينيين من السوء بحيث يحق لزوجها أن يدفنها وهي حية ولم تكن المرأة عند الهنود ببعيد عن ذلك، إذ يرون الزوجة يجب أن تموت يوم موت زوجها، وأن تحرق معه وهي حية، على موقد واحد، وكذا الفرس فللرجل حق التصرف فيها بأن يحكم عليها بالموت أو ينعم عليها بالحياة .. ولم تكن حال المرأة بأسعد من ذلك عند اليهودية المحرفة وكذا النصرانية، فهي عند اليهود لعنة لأنها أغوت آدم، وإذا أصابها الحيض فلا تُجَالس ولا تُؤاكل، ولا تلمس وعاءً حتى لا يتنجس! ، كما أعلن النصارى أن المرأة باب الشيطان وأن العلاقة معها رجسٌ في ذاتها .. (ظلم المرأة /محمد الهبدان21-24)
أيها الأخوة في الله : ومن جاهليات العجم إلى جاهلية العرب، حيث كانوا يتشائمون بمولدها حتى يتوارى أحدهم من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ، بل شهد القرآن على وأدُهُن وهن أحياء ((وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ)) (التكوير:8،9 ) .
كانت تُظلم وتُعضل في ميراثها وحقوقها، وكانت ضمن المتاع الرخيص للأب، أو الزوج حق التصرف فيها..
ومن الجاهليات القديمة إلى الجاهليات المعاصرة حيث ظُلمت المرأة باسم تحريرها، سُلبت العبودية لخالقها واستعبدها البشر، واعتدوا على كرامتها، وفتنوها وأخرجوها من حضنها الدافئ، وحرموها لذة الأمومة وعاطفة الأبوة، فهامت على وجهها تتسول للذئاب المفترسة، وربما كدحت وأنفقت حتى تظل مع عشيقها.. وربما سارع للخلاص منها لينظم إلى معشوقة وخادنة أخرى..؟!
جاء الإسلام لينصف المرأة ويصلها بخالقها ، ويرشدها إلى هدف الوجود وقيمة الحياة , وليصف لها حياة السعادة في الدنيا والآخرة ((مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )) (النحل:97 ) .
ونزل القرآن ليعلن ضمان حقوق المرأة ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ )) (آل عمران195 ) .
وأكد المصطفى صلى الله عليه وسلم بل حرّج على حقوق المرأة فقال: (( اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة )) رواه ابن ماجه 3678/والبيهقي5/363 وصحح إسناده النووي
وقام المسلمون بأرقى تعامل عرفته البشرية مع المرأة .. بل أشرقت حضارتهم على الأمم , وتعلمت منهم الشعوب الأخرى كرامة المرأة ، ويعترف أحد الغربيين (كوغوستاف لوبون)بذلك حين يقول" إن الأوروبيين أخذوا عن العرب مبادئ الفروسية وما اقتضته من احترام المرأة ، فالإسلام إذن, لا النصرانية هو الذي رفع المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه، وذلك خلافاً للاعتقاد الشائع , وإذا نظرت إلى نصارى الدور الأول من القرون الوسطى رأيتهم لم يحملوا شيئاً من الحرمة للنساء .. وعلمت أن رجال عصر الإقطاع كانوا غلاظا ًنحو النساء قبل أن يتعلم النصارى من العرب أمر معاملتهن بالحسنى"(قالوا عن الإسلام د.عماد الدين خليل/431)
أخوة في الله : وإذا تشدق المبهورون اليوم بحضارة الغرب وقيمه ، وحطوا من قيم حضارتهم جاءت شهادة المنصفين من الغرب تكذب هذا الإدعاء وتثبت أن إصلاح المرأة في الغرب إنما تم بعد احتكاك المسلمين في أسبانيا(الأندلس) بالغرب .. وفي هذا يقول (مارسيل بوازار) "إن الشعراء المسلمين هم الذين علموا مسيحي أوروبا –عبر أسبانيا-احترام المرأة " (قالوا عن الإسلام/409)
إننا في فترات المراهقة الثقافية ننسى أصولنا، وننبهر بما عند غيرنا، ولكن اعترافات القوم تعيد إلى بعضنا التوازن، نعم لقد ظُلم ديننا، من بعض أبناء جلدتنا ، وزهد البعض في ثقافتنا وقيمنا ، وشوه وضع المرأة عندنا من قبل أعدائنا.. وشاء الله أن يُقام الشهود المنصفون من القوم على أنفسهم ومن سار في ركبهم ، فهذه امرأة غربية تكشف الحقيقة بممارسة سلوكية واقعية حين تقول زوجة السفير الإنجليزي في تركيا:يزعمون أن المرأة المسلمة في استعباد وحجر معيب ، وهو ما أود تكذيبه، فإن مؤلفي الروايات في أوروبا لا يحاولون الحقيقة ولا يسعون للبحث عنها، ولولا أنني في تركيا اجتمعت إلى النساء المسلمات ما كان إلى ذلك من سبيل .. فما رأيته يكذب كل التكذيب أخبارهم عنها .. إلى أن تقول ولعل المرأة المسلمة هي الوحيدة التي لا تعنى بغير حياتها البيتية، ثم إنهن يعشن في مقصورات جميلات ..(السابق/425/426)
هكذا وتظل المرأة المسلمة معززة مكرمة موقرةً لها الحقوق ما بقي الإسلام عزيزاً، ويظل المسلمون أوفياء للمرأة ما داموا مستمسكين بالإسلام.. وكلما تغرَّب الإسلام ، أو انحرف المسلمون .. عاد الظلم للمرأة بصورةٍ أو بأخرى .. لا فرق بين هضم حقوقها.. أو تلمس حقوقاً ليست لها لتشغلها عن حقوقها ووظائفها النسوية الأساسية.
وهذه صور من ظلم المرأة للوعي بها واجتنابها , فهي تُظلم حين تُستخدم سلعةً رخيصة للدعاية والإعلان , وتُظلم المرأة حين تُزجُّ في عمل لا يتلائم مع أنوثتها .. أو يُزجُّ بها في مجتمع الرجال ، تُظلم المرأة حين تُضرب بغير حق, أو تعضل لأدنى سبب, أو يتحرش بها جنسياً, أو تغتصب, أو تستغل في التجارة الجسدية, أو بحرمانها من الحياة الزوجية السعيدة, تُظلم المرأة حين يسلب حياؤها ويُعتدى على قيمها ويستهان بروحها وأشراقها .. وتخدع بزينة عابرة, وأشكال وأصباغ زائلة، وتُظلم المرأة حين يُقَصِّر الولي أو المجتمع في تربيتها, وتُظلم المرأة حين تعرض للأمراض المختلفة كالزهري والسيلان والإيدز.. ونحوها .
تُظلم المرأة حين يتأخر زوجها فتنعس, أو تمنع من الحمل والولد فتفلس, أو تزوج بغير إذنها وبمن لا ترغب, تُظلم المرأة حين يُسخط منها حين تولد, أو تُلعن وتسب حين تكبر، تُظلم المرأة حين يغالى في مهرها فيتجاوزها الُخطَّاب إلى غيرها أو تلزم بزوج لا ترغبه , وقد تجبر على زوج فاسد الدين أو سيئ الخلق , تُظلم المطلقة في ولدها , وقد تُظلم المرأة من أقرب الناس لها, تُظلم المرأة بضرتها , وتُظلم المرأة بإفشاء سرها لاسيما في أمر الفراش (( وإن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها)) (رواه مسلم /1437) .
تُظلم المرأة حين يعتدى على مالها بغير حق أو يعتدى على حجابها وحيائها باسم التحضر، وثمة صور أخرى لظلم المرأة حين تقصر في طاعة الله , وترتكب المحرمات .. وتضيع الأوقات وتسفل في همتها .. وتكون الأزياء والموضة غاية مرادها .. تُظلم المرأة حين تختزل حقوقها في قيادة .. أو يٌزجُّ بها في خلطةٍ بائسة ، أو تجد نفسها في كومة من الفضائيات الساقطة .. أو تجر لمواقع عنكبوتية مشبوهة .. تُظلم المرأة حين تهمش رسالتها الخالدة وتُصرف عبوديتها عن الخالق الحق إلى عبادة الأهواء والشهوات, وكم هو وأدٌ للمرأة حين يوحى لها أن نماذج القدوة ساقطاتُ الفكر, عاشقات الشهوة والشهرة .
وإن من أعظم ظلم المرأة أن يُلبس عليها الحق بالباطل ويستبدل الحسن بالقبيح, ويصور لها الحياة والعفة بالرجعية والتطرف على حين يصور لها السفور والاختلاط بالمدنية والانفتاح والتحضر؟
وكم تُظلم المرأة حين يقال لها أن من العيب أن يكفلها أبوها ، أو ينفق عليها زوجها , ويلقى في روعها أن ( القوامة ) القرآنية ضعف وتبعية, وإن عليها أن تكد وتكدح لتتخلص من نفقة الآخرين وقوامتهم .. نعم لقد أصبح العامل الاقتصادي كلّ شيء في ذهن أدعياء تحرير المرأة ولذا تراهم يطالبون لها بأي عمل ويقحمونها في كل ميدان فتظل المسكينة تلهث متناسية أعباءها الأخرى وواجباتها الأسرية المقدسة فلا هي أمٌّ حانية ولا مربيةٌ ناجحة .. حتى إذا ذبلت الزهرة والتفتت الكادحة في - العمل بلا حدود - إلى المحصلة النهائية وجدت نفسها في العراء فلا هي أفلحت في التربية وبناء الأسرة ولا هي خلَّفت جاهاً يذكر وحشمة تشكر , وعادت تندب خطها كما ندبت نساء الغرب والشرق قبلها ، وإذا أمكن قبول ظروف الغارقات في الوحل فلا يمكن بحال قبول ظروف امرأة مسلمة قال لها خالقها ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ً)) (الأحزاب:33).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية
أيها المسلمون : ومن الظلم الواقع على المرأة إلى الظلم الملبس المرأة, فثمة دعوى وشبهات يخيل لبعض النساء أنهن مظلومات فيها وليس الأمر كذلك.. لكنه تشويه وتزوير وتضليل وخداع ومن ذلك :
1-الدعوى بأن بقاء المرأة في بيتها ظلم لها ، وهذه مغالطة تكشفها نصوص الوحيين فمن القرآن قوله تعالى (( وقرن في بيوتكن)) ومن السنة قال عليه الصلاة السلام: (( قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن)) (رواه البخاري/5237) .
فدل قوله قد أذن لكن على أن الأصل البقاء في البيت ، والخروج إنما يكون لحاجة , ويشهد بجدواها الغربيون ويقول أحدهم (جاك ريلر) :"مكان المرأة الصحيح هو البيت , ومهمتها الأساسية هي أن تنجب أطفالاً"(قالوا عن الإسلام/ 415)
2- الإدعاء بقصر مسمى عمل المرأة خارج منزلها , وعدم اعتبار عملها في منزلها عملاً يستحق الإشادة والتقدير ، وليس الأمر كذلك بل اعتبر الشارع الحكيم عملها في بيتها شرفاً وكرامة , وكم نغفل عن مدونات السنة ومصطلحاتها , وفي صحيح البخاري في كتاب النفقات باب عمل المرأة في بيت زوجها ثم ساق البخاري نموذجاً عالياً لهذا وساق الحديث عن علي- رضي الله عنه- قال : (( إن فاطمة عليه السلام أتت النبي- صلى الله عليه وسلم- تشكو إليه ما تلقى في يدها من الوحي .. )) الحديث(536) الفتح 9/506) .
وفي الرواية الأخرى (عند أبي داود) عن علي رضي الله عليه وسلم قال : كانت عندي فاطمة بنت النبي- صلى الله عليه وسلم- فجرَّت بالرحى حتى أثرت بيدها , واستقت بالقربة حتى أثرت في عنقها , وقَمَّت في البيت حتى اغبرت ثيابها , وخبزت حتى تغير وجهها .. (انظر :المرأة بين البيت والعمل /سليمان العودة/43) فهل تستطيع امرأة أن تقول أنها خير من فاطمة ؟ .. أو يقول رجل أنه خير من علي ؟ وتاج ذلك إقرار النبي- صلى الله عليه وسلم- لهذا العمل النسوي البيتي حتى إذا سألاه الخادم أرشدهما إلى ما هو خير من ذلك ملازمة الذكر , لاسيما إذا أوى إلى فراشهما قائلاً ((فهو خير لكما من خادم )).
3- ومن دعاوى الظلم على المرأة القول بأن التعدد ظلم لها , وكم شوهت وسائل الإعلام بمسلسلاتها الهابطة , وأعمدتها الجانحة, صورة التعدد المشروع , والتعدد فوق أنها شرع رباني ليس لمؤمن ولا مؤمنة أن يكون لهم الخيرة من أمرهم فيه , فهو مضبوط بالعدل ((فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً )) (النساء:3) .
والتعدد عوض عن الطلاق في حال عقم المرأة أو مرضها, أو عدم قناعة الزوج بها .. فلا خيار في هذه الحالات أو نحوها.. إلا الطلاق أو التعدد؟
على أن أمر التعدد الإسلامي عاد مطلباً لجمعيات الغرب, وفي أمريكا أكثر من جمعية يجوب أعضاؤها نساء ورجال مختلف الولايات الأمريكية داعين في محاضراتهم للعودة لنظام التعدد .(عن ظلم المرأة /محمد الهبدان/78)
وعاد نساء الغرب يدعين للتعدد , وتقول : أستاذة في الجامعة الألمانية : إن حل مشكلة المرأة في ألمانيا هو في إباحة تعدد الزوجات ( ظلم المرأة /محمد الهبدان/78)
ويعترف أحد الغربيون الذي هداهم الله للإسلام بأن التعدد في البلاد الإسلامية أقل إثماً وأخف ضرراً من الخبائث التي ترتكبها الأمم المسيحية تحت ستار المدنية , فالنخرج الخشبة التي في أعيينا أولاً , ثم نتقدم لإخراج القذى من أعين غيرنا .( قالوا عن الإسلام /427)
وفي الوقت الذي يؤيد فيه غربي آخر تعدد الزوجات عند المسلمين معتبراً إياه قانوناً طبيعيا وسيبقى ما بقي العالم , هو في المقابل ينتقد النظام الغربي ويبين الآثار المترتبة على الإلزام بزوجة واحدة .
ويقول (إيتين دينيه) : إن نظرية التوحيد في الزوجة التي تأخذ بها المسيحية ظاهراً , تنطوي تحتها سيئات متعددة ظهرت على الأخص في ثلاث نتائج واقعية شديدة الخطر جسيمة البلاء , تلك هي : الدعارة ، والعوانس من النساء، والأبناء غير الشرعيين . (قالوا عن الإسلام/عماد الدين خليل/413)
فهل من مدكر , وإذا اعترف بهذا عاقل غربي , فماذا يقول مسلم يقرأ القرآن ((إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ)) (الأنعام:57 ) .
((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )) (الأحزاب:36).
4-ويدعي الموتورون والجاهلون ظلماً وعدوانا أن شهادة المرأة تعدل نصف شهادة الرجل ظلم على المرأة والذي خلق الزوجين قال في تعليل ذلك ((أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى)) (البقرة:282 ) .
لاسيما في القضايا المالية الواردة في الآية على أن أهل العلم قرروا قبول شهادة المرأة أحيانا لوحدها وذلك في أمور هي أدرى بها من الرجل قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (10/161): لا نعلم بين أهل العلم خلافا في قبول شهادات النساء المفردات في الجملة , قال القاضي: والذي تقبل فيه شهادتهن منفردات خمسة أشياء :
الولادة والاستهلال , والرضاع , والعيوب تحت الثياب كالرتق والقرن والبكارة والثيابة والبرص , وانقضاء العدة"
5-ويزعمون كذلك أن دية المرأة نصف دية الرجل حيفٌ عليها، وينسون ويتناسون حكمة العليم الخبير بحاجة الرجل فوق حاجة للمال للنفقة الواجبة عليه دون المرأة ، فـ ((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)) النساء34.
ومع ذلك فهذه الدية للمرأة في حال قتل الخطأ .. أما إذا كان العمد فإن الرجل والمرأة سواء ((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)) (النساء:93) .
وقد قيل حكمة ذلك، كذلك لما كانت الدية مواساة لأهل المقتول وتعويضاً لهم ، فالخسارة المادية في الأنثى أقل منها عند الرجل ، إذ الرجل يعمل ويوفر دخلا لأسرته أكثر ، فخسارته أعظم من المرأة فكانت الدية في حقه أعظم ( المرأة بين الجاهلية والإسلام / 161 عن ظلم المرأة للهبدان 81)
هذه نماذج لدعاوى ظلم المرأة في الإسلام لا يقول بها إلا جاهل أو مغرض أو في قلبه مرض ، وإلا فشهادة الأبعدين والأقربين أن ليس ثمة نظام أنصف المرأة كما أنصفها الإسلام ، وليس ثمة شعوب أحسنت معاملة المرأة وضمنت حقوقها كما أحسنها المسلمون ، وأختم بهذه الشهادة التي أعلن فيها ( مارسيل ) القول : أثبتت التعاليم القرآنية وتعاليم محمد- صلى الله عليه وسلم- أنها حامية حقوق المرأة التي لا تكل . ( قالوا عن الإسلام /410).
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم ...
ـــــــــــــــــــ(47/77)
من يظلم المرأة ؟! 1-2
حرم الله الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً، والله لا يحب الظالمين، ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، وكم في هذا الكون من ظلم وظلمات، ودعونا نقف اليوم على جانب من الظلم يقع على فئة كبيرة في المجتمع.. وهذا الظلم قديم يتجدد، لكن بصور وأنماط تختلف في شكلها وربما اتفقت في مضمونها.. إنه ظلم المرأة.. فقد ظلمتها الجاهليات القديمة، وتظلمها الجاهليات المعاصرة.. تُظلم المرأة من قبل الآباء والأزواج، وتُظلم من قبل الصويحبات والحاسدات، بل وتُظلم المرأة من قبل نفسها أحياناً.. تظلمها الثقافات الوافدة، والعادات والتقاليد البالية، تُظلم المرأة حين تمنع حقوقها المشروعة لها، وتُظلم حين تعطى من الحقوق ما ليس لها.. إنها أنواع وأشكال من الظلم لابد أن نكشف شيئاً منها، ونخلص إلى عظمة الإسلام في التعامل معها وضمان حقوقها، والاعتدال في النظرة إليها..
أجل إن ظلم المرأة قديم في الأديان والشعوب والأمم المختلفة فهي عند الإغريق سلعة تباع وتشترى في الأسواق ، وهي عند الرومان ليست ذات روح، فهم يعذبونها بسكب الزيت على بدنها، وربطها بالأعمدة، بل كانوا يربطون البريئات بذيول الخيل ويسرعون بها حتى تموت، والمرأة عند القدماء من الصينيين من السوء بحيث يحق لزوجها أن يدفنها وهي حية، ولم تكن المرأة عند الهنود ببعيد عن ذلك، إذ يرون الزوجة يجب أن تموت يوم موت زوجها، وأن تحرق معه وهي حية على موقد واحد، وكذا الفرس فللرجل حق التصرف فيها بأن يحكم عليها بالموت أو ينعم عليها بالحياة.. ولم تكن حال المرأة بأسعد من ذلك عند اليهودية المحرفة وكذا النصرانية ، فهي عند اليهود لعنة لأنها أغوت آدم ، وإذا أصابها الحيض فلا تُجَالس ولا تُؤاكل، ولا تلمس وعاءً حتى لا يتنجس! ، كما أعلن النصارى أن المرأة باب الشيطان وأن العلاقة معها رجسٌ في ذاتها.. (ظلم المرأة /محمد الهبدان21-24)
ومن جاهليات العجم إلى جاهلية العرب، حيث كانوا يتشاءمون بمولدها حتى يتوارى أحدهم من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، بل شهد القرآن على وأدهن وهن أحياء: ((وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ)) (التكوير:8،9).
كانت تُظلم وتُعضل في ميراثها وحقوقها، وكانت ضمن المتاع الرخيص للأب، أو الزوج حق التصرف فيها..
ومن الجاهليات القديمة إلى الجاهليات المعاصرة حيث ظُلمت المرأة باسم تحريرها، سُلبت العبودية لخالقها واستعبدها البشر، واعتدوا على كرامتها، وفتنوها وأخرجوها من حضنها الدافئ، وحرموها لذة الأمومة وعاطفة الأبوة، فهامت على وجهها تتسول للذئاب المفترسة، وربما كدحت وأنفقت حتى تظل مع عشيقها.. وربما سارع للخلاص منها لينظم إلى معشوقة وخادنة أخرى..؟!
جاء الإسلام لينصف المرأة ويصلها بخالقها، ويرشدها إلى هدف الوجود وقيمة الحياة, وليصف لها حياة السعادة في الدنيا والآخرة: (( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) (النحل:97).
ونزل القرآن ليعلن ضمان حقوق المرأة ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)) (آل عمران:195).
وأكد المصطفى- صلى الله عليه وسلم- بل حرّج على حقوق المرأة فقال: (( اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة )) رواه ابن ماجه 3678/والبيهقي5/363 وصحح إسناده النووي.
وقام المسلمون بأرقى تعامل عرفته البشرية مع المرأة.. بل أشرقت حضارتهم على الأمم, وتعلمت منهم الشعوب الأخرى كرامة المرأة، ويعترف أحد الغربيين (كوغوستاف لوبون) بذلك حين يقول" إن الأوروبيين أخذوا عن العرب مبادئ الفروسية وما اقتضته من احترام المرأة ، فالإسلام إذن لا النصرانية، هو الذي رفع المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه، وذلك خلافاً للاعتقاد الشائع, وإذا نظرت إلى نصارى الدور الأول من القرون الوسطى رأيتهم لم يحملوا شيئاً من الحرمة للنساء.. وعلمت أن رجال عصر الإقطاع كانوا غلاظا ًنحو النساء قبل أن يتعلم النصارى من العرب أمر معاملتهن بالحسنى (قالوا عن الإسلام د.عماد الدين خليل/431)
وإذا تشدق المبهورون اليوم بحضارة الغرب وقيمه، وحطوا من قيم حضارتهم جاءت شهادة المنصفين من الغرب تكذب هذا الإدعاء، وتثبت أن إصلاح المرأة في الغرب إنما تم بعد احتكاك المسلمين في أسبانيا(الأندلس) بالغرب.
وفي هذا يقول (مارسيل بوازار): "إن الشعراء المسلمين هم الذين علموا مسيحي أوروبا –عبر أسبانيا-احترام المرأة: (قالوا عن الإسلام/409)
إننا في فترات المراهقة الثقافية ننسى أصولنا، وننبهر بما عند غيرنا ولكن اعترافات القوم تعيد إلى بعضنا التوازن، نعم لقد ظُلم ديننا، من بعض أبناء جلدتنا، وزهد البعض في ثقافتنا وقيمنا، وشوه وضع المرأة عندنا من قبل أعدائنا.. وشاء الله أن يُقام الشهود المنصفون من القوم على أنفسهم ومن سار في ركبهم، فهذه امرأة غربية تكشف الحقيقة بممارسة سلوكية واقعية.
حين تقول زوجة السفير الإنجليزي في تركيا: يزعمون أن المرأة المسلمة في استعباد وحجر معيب، وهو ما أود تكذيبه، فإن مؤلفي الروايات في أوروبا لا يحاولون الحقيقة، ولا يسعون للبحث عنها ، ولولا أنني في تركيا اجتمعت إلى النساء المسلمات ما كان إلى ذلك من سبيل.. فما رأيته يكذب كل التكذيب أخبارهم عنها.. إلى أن تقول ولعل المرأة المسلمة هي الوحيدة التي لا تعنى بغير حياتها البيتية، ثم إنهن يعشن في مقصورات جميلات..(السابق/425/426)
هكذا وتظل المرأة المسلمة معززة مكرمة موقرةً، لها الحقوق ما بقي الإسلام عزيزاً، ويظل المسلمون أوفياء للمرأة ما داموا مستمسكين بالإسلام.. وكلما تغرَّب الإسلام، أو انحرف المسلمون.. عاد الظلم للمرأة بصورةٍ أو بأخرى.. لا فرق بين هضم حقوقها.. أو تلمس حقوقاً ليست لها لتشغلها عن حقوقها ووظائفها النسوية الأساسية.
وهذه صور من ظلم المرأة للوعي بها واجتنابها, فهي تُظلم حين تُستخدم سلعةً رخيصة للدعاية والإعلان, وتُظلم المرأة حين تُزجُّ في عمل لا يتلاءم مع أنوثتها.. أو يُزجُّ بها في مجتمع الرجال، تُظلم المرأة حين تُضرب بغير حق, أو تعضل لأدنى سبب, أو يتحرش بها جنسياً, أو تغتصب, أو تستغل في التجارة الجسدية, أو بحرمانها من الحياة الزوجية السعيدة, تُظلم المرأة حين يسلب حياؤها ويُعتدي على قيمها، ويستهين بروحها وإشراقها.. وتخدع بزينة عابرة, وأشكال وأصباغ زائلة، وتُظلم المرأة حين يُقَصِّر الولي أو المجتمع في تربيتها, وتُظلم المرأة حين تعرض للأمراض المختلفة كالزهري والسيلان والإيدز.. ونحوه
من يظلم المرأة 2-2
تُظلم المرأة حين يتأخر زواجها فتعنس, أو تمنع من الحمل والولد فتفلس, أو تزوج بغير إذنها وبمن لا ترغب, تُظلم المرأة حين يُسخط منها حين تولد, أو تُلعن وتسب حين تكبر، تُظلم المرأة حين يغالى في مهرها فيتجاوزها الُخطَّاب إلى غيرها، أو تلزم بزوج لا ترغبه, وقد تجبر على زوج فاسد الدين أو سيئ الخلق, تُظلم المطلقة في ولدها, وقد تُظلم المرأة من أقرب الناس لها, تُظلم المرأة بضرتها, وتُظلم المرأة بإفشاء سرها لاسيما في أمر الفراش، (( وإن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها)) (رواه مسلم /1437) .
تُظلم المرأة حين يعتدى على مالها بغير حق أو يعتدى على حجابها وحيائها باسم التحضر، وثمة صور أخرى لظلم المرأة حين تقصر في طاعة الله, وترتكب المحرمات.. وتضيع الأوقات، وتسفل في همتها، وتكون الأزياء والموضة غاية مرادها، تُظلم المرأة حين تختزل حقوقها في قيادة، أو يٌزجُّ بها في خلطةٍ بائسة، أو تجد نفسها في كومة من الفضائيات الساقطة، أو تجر لمواقع عنكبوتية مشبوهة، تُظلم المرأة حين تهمش رسالتها الخالدة وتُصرف عبوديتها عن الخالق الحق إلى عبادة الأهواء والشهوات, وكم هو وأدٌ للمرأة حين يوحى لها أن نماذج القدوة ساقطاتُ الفكر, عاشقات الشهوة والشهرة .
وإن من أعظم ظلم المرأة أن يُلبس عليها الحق بالباطل، ويستبدل الحسن بالقبيح, ويصور لها الحياة والعفة بالرجعية والتطرف، على حين يصور لها السفور والاختلاط بالمدنية والانفتاح والتحضر؟
وكم تُظلم المرأة حين يقال لها أن من العيب أن يكفلها أبوها، أو ينفق عليها زوجها, ويلقى في روعها أن ( القوامة ) القرآنية ضعف وتبعية, وإن عليها أن تكد وتكدح لتتخلص من نفقة الآخرين وقوامتهم، نعم لقد أصبح العامل الاقتصادي كلّ شيء في ذهن أدعياء تحرير المرأة، ولذا تراهم يطالبون لها بأي عمل، ويقحمونها في كل ميدان، فتظل المسكينة تلهث متناسية أعباءها الأخرى وواجباتها الأسرية المقدسة، فلا هي أمٌّ حانية ولا مربيةٌ ناجحة، حتى إذا ذبلت الزهرة والتفتت الكادحة في - العمل بلا حدود - إلى المحصلة النهائية وجدت نفسها في العراء، فلا هي أفلحت في التربية وبناء الأسرة، ولا هي خلَّفت جاهاً يذكر وحشمة تشكر, وعادت تندب خطها كما ندبت نساء الغرب والشرق قبلها، وإذا أمكن قبول ظروف الغارقات في الوحل فلا يمكن بحال قبول ظروف امرأة مسلمة قال لها خالقها: ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ً)) (الأحزاب:33).
ومن الظلم الواقع على المرأة إلى الظلم الملبس على المرأة, فثمة دعوى وشبهات يخيل لبعض النساء أنهن مظلومات فيها، وليس الأمر كذلك، لكنه تشويه وتزوير وتضليل وخداع، ومن ذلك:
1- الدعوى بأن بقاء المرأة في بيتها ظلم لها، وهذه مغالطة تكشفها نصوص الوحيين، فمن القرآن قوله تعالى: ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)) (الأحزاب:33).
ومن السنة قال- عليه الصلاة السلام-: (( قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن ))(رواه البخاري/5237).
فدل قوله: (( قد أذن لكن)) على أن الأصل البقاء في البيت، والخروج إنما يكون لحاجة, ويشهد بجدواها الغربيون.
ويقول أحدهم: (جاك ريلر) : (مكان المرأة الصحيح هو البيت, ومهمتها الأساسية هي أن تنجب أطفالاً ) (قالوا عن الإسلام/ 415).
2- الإدعاء بقصر مسمى عمل المرأة خارج منزلها, وعدم اعتبار عملها في منزلها عملاً يستحق الإشادة والتقدير، وليس الأمر كذلك بل اعتبر الشارع الحكيم عملها في بيتها شرفاً وكرامة, وكم نغفل عن مدونات السنة ومصطلحاتها, وفي صحيح البخاري في كتاب النفقات، باب عمل المرأة في بيت زوجها، ثم ساق البخاري نموذجاً عالياً لهذا، وساق الحديث عن علي- رضي الله عنه- قال: (( إن فاطمة عليها السلام أتت النبي- صلى الله عليه وسلم- تشكو إليه ما تلقى في يدها من الوحي ..)) الحديث(536) الفتح 9/506) .
وفي الرواية الأخرى: (عند أبي داود) عن علي- رضي الله عليه- قال: (( كانت عندي فاطمة بنت النبي- صلى الله عليه وسلم- فجرَّت بالرحى حتى أثرت بيدها, واستقت بالقربة حتى أثرت في عنقها, وقَمَّت في البيت حتى اغبرت ثيابها, وخبزت حتى تغير وجهها ..)).
(انظر: المرأة بين البيت والعمل /سليمان العودة/43)، فهل تستطيع امرأة أن تقول أنها خير من فاطمة ؟.. أو يقول رجل أنه خير من علي ؟ وتاج ذلك إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم- لهذا العمل النسوي البيتي، حتى إذا سألاه الخادم أرشدهما إلى ما هو خير من ذلك ملازمة الذكر, لاسيما إذا أوى إلى فراشهما قائلاً: (( فهو خير لكما من خادم )) .
3- ومن دعاوى الظلم على المرأة القول بأن التعدد ظلم لها, وكم شوهت وسائل الإعلام بمسلسلاتها الهابطة, وأعمدتها الجانحة, صورة التعدد المشروع, والتعدد فوق أنها شرع رباني ليس لمؤمن ولا مؤمنة أن يكون لهم الخيرة من أمرهم فيه, فهو مضبوط بالعدل، (( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً )) ( النساء:3).
والتعدد عوض عن الطلاق في حال عقم المرأة أو مرضها, أو عدم قناعة الزوج بها، فلا خيار في هذه الحالات أو نحوها إلا الطلاق أو التعدد؟
على أن أمر التعدد الإسلامي عاد مطلباً لجمعيات الغرب, وفي أمريكا أكثر من جمعية يجوب أعضاؤها نساء ورجال، مختلف الولايات الأمريكية داعين في محاضراتهم للعودة لنظام التعدد، (عن ظلم المرأة /محمد الهبدان/78).
وعاد نساء الغرب يدعين للتعدد, وتقول: أستاذة في الجامعة الألمانية: إن حل مشكلة المرأة في ألمانيا هو في إباحة تعدد الزوجات، ( ظلم المرأة /الهبدان/78) .
ويعترف أحد الغربيين الذي هداهم الله للإسلام، بأن التعدد في البلاد الإسلامية أقل إثماً وأخف ضرراً من الخبائث التي ترتكبها الأمم المسيحية تحت ستار المدنية, فالنخرج الخشبة التي في أعيننا أولاً, ثم نتقدم لإخراج القذى من أعين غيرنا، ( قالوا عن الإسلام /427)
وفي الوقت الذي يؤيد فيه غربي آخر تعدد الزوجات عند المسلمين، معتبراً إياه قانوناً طبيعياً وسيبقى ما بقي العالم, هو في المقابل ينتقد النظام الغربي، ويبين الآثار المترتبة على الإلزام بزوجة واحدة .
ويقول (إيتين دينيه): إن نظرية التوحيد في الزوجة التي تأخذ بها المسيحية ظاهراً, تنطوي تحتها سيئات متعددة، ظهرت على الأخص في ثلاث نتائج واقعية، شديدة الخطر، جسيمة البلاء, تلك هي: الدعارة، والعوانس من النساء، والأبناء غير الشرعيين، (قالوا عن الإسلام/عماد الدين خليل/413) .
فهل من مد كر, وإذا اعترف بهذا عاقل غربي, فماذا يقول مسلم يقرأ القرآن: ((إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ)) (الأنعام:57).
((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )) (الأحزاب:36).
4- ويدعي الموتورون والجاهلون ظلماً وعدوانا أن شهادة المرأة تعدل نصف شهادة الرجل ظلم على المرأة، والذي خلق الزوجين قال في تعليل ذلك، (( أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى)) (البقرة:282).
لاسيما في القضايا المالية الواردة في الآية، على أن أهل العلم قرروا قبول شهادة المرأة أحياناً لوحدها، وذلك في أمور هي أدرى بها من الرجل.
قال ابن قدامة- رحمه الله- في المغني: (10/161): لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في قبول شهادات النساء المفردات في الجملة.
قال القاضي: والذي تقبل فيه شهادتهن منفردات خمسة أشياء:
الولادة والاستهلال, والرضاع , والعيوب تحت الثياب: كالرتق- والقرن، والبكارة- والثيابة، والبرص, وانقضاء العدة".
5- ويزعمون كذلك أن دية المرأة نصف دية الرجل حيفٌ عليها، وينسون ويتناسون حكمة العليم الخبير بحاجة الرجل فوق حاجة المال للنفقة الواجبة عليه دون المرأة، فـ (( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ )) (النساء:34).
ومع ذلك فهذه الدية للمرأة في حال قتل الخطأ، أما إذا كان العمد فإن الرجل والمرأة سواء، ((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)) (النساء:93).
وقد قيل حكمة ذلك، كذلك لما كانت الدية مواساة لأهل المقتول وتعويضاً لهم، فالخسارة المادية في الأنثى أقل منها عند الرجل، إذ الرجل يعمل ويوفر دخلا لأسرته أكثر، فخسارته أعظم من المرأة، فكانت الدية في حقه أعظم، ( المرأة بين الجاهلية والإسلام / 161 عن ظلم المرأة للهبدان 81).
هذه نماذج لدعاوى ظلم المرأة في الإسلام، لا يقول بها إلا جاهل أو مغرض، أو في قلبه مرض، وإلا فشهادة الأبعدين والأقربين أن ليس ثمة نظام أنصف المرأة كما أنصفها الإسلام، وليس ثمة شعوب أحسنت معاملة المرأة وضمنت حقوقها كما أحسنها المسلمون.
وأختم بهذه الشهادة التي أعلن فيها ( مارسيل ) القول: أثبتت التعاليم القرآنية وتعاليم محمد- صلى الله عليه وسلم- أنها حامية حقوق المرأة التي لا تكل. ( قالوا عن الإسلام /410).
ـــــــــــــــــــ(47/78)
الاختلاط وأثره في التعليم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فلم يكن ما يسمى بالتعليم النظامي، على النحو المعروف الآن في كافة البلدان من اجتماع كافة الفتيات في مدارس خاصة، معروفا أو معمولا به، بل كان التعليم له طرق أخرى، في البيت، في القصور، في المساجد، هذا بالنسبة للمسلمين، أما غيرهم فكانت نسب التعليم ضعيفة جدا، تبعا للنظرة المهينة التي كان ينظر بها الجاهليون إلى المرأة، بعكس المسلمين الذين يعظمون المرأة ويقدرونها، فتاريخهم حافل بكثير من الشخصيات النسائية المتعلمة، كالمحدثة والفقيهة والشاعرة والقارئة.
ابتدأ التعليم النظامي في أوربا، منذ نحو من قرنين، ومع أن تاريخ المسلمين طويل في تعليم النساء، وهم أسبق في هذا، إلا أنهم لم يفكروا في تنفيذ مشروع كهذا المشروع(التعليم النظامي )، والغالب أن ذلك مرده إلى رسوخ الأمر الإلهي للنساء: (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)) (الأحزاب:33) في الذهنية الإسلامية، وحرصها عن البعد عن أسباب الفتن، والعمل على صون الفتاة، التي هي أمانة عند وليها، من أن تلجأ للخروج للتعلم مع إمكانية توفير ذلك لها في البيت، من خلال أحد محارمها أو إحدى النساء ..
والمتأمل في تاريخ تعليم المرأة في هذا العصر يعلم أن الغرض لم يكن التعليم في ذاته، إنما كان الغرض إخراج المرأة، لغايات محددة سلفا، معروفة لكل من يفهم، وهو الزج بالمرأة في مجتمع الرجال، لتحقيق التبرج والاختلاط ، وما يتبعه من إفساد الأخلاق، وما يترتب عليه من استعباد المجتمع.. ([1]) بطبيعة الحال، لم يكن تمرير هذه الخطة يسيرا، فقد لقي معارضة كبيرة، لكنها تبددت وتلاشت، ليس لأجل إصرار المناصرين للقضية، بل لأن المعارضين ما كانوا ينطلقون من عقيدة وقناعة صحيحة، نعم ربما كان منهم من يرى أن وظيفة المرأة هو بيتها، ويخشى أن يتبع خروجها فساد الأخلاق، إلا أن هؤلاء أيضا لم يكونوا يرون أية أهمية في تعليمها، حتى ولو لم يعارض وظيفتها الأصلية..
تلك المعارضة كانت سببا في تحرز المناصرين للقضية، والذي يبتغون غايات من وراء إخراج المرأة، حملتهم على تأخير ما يريدونه من التعليم زمنا، بل ومن باب التزيين والخداع، وضعوا الضمانات التي تطمئن أولياء الأمور على بناتهم، حتى حصل ما حصل في غالب الدول الإسلامية .
وفي هذه الورقات سنستعرض آثار الاختلاط على التعليم وستكون المحاور على نحو مما يلي :
المبحث الأول : نتائج الدراسات الغربية .
المبحث الثاني : نتائج الدراسات الإسلامية .
المبحث الثالث : أقوال أهل العلم .
المبحث الرابع : آثاره على الطلاب والطالبات .
المبحث الخامس : الفصل بين الجنسين رغبة الغالبية العظمى .
ـ ملحق بفتاوى العلماء .
أسأل الله تعالى التوفيق والسداد وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتبه
محمد بن عبد الله الهبدان
7 /3 /1425هـ
المبحث الأول
نتائج الدراسات الغربية .
تؤكد معظم الدراسات الحديثة بأن الفصل بين الجنسين في المدارس والجامعات والفصول الدراسية يؤدي إلى نتائج إيجابية أفضل من مثيلاتها المختلطة ، ولهذا السبب سنستعرض بعض نتائج الدراسات الحديثة المتعلقة بهذا الموضوع لعلها تساهم في تصحيح المفاهيم .
منذ ظهور دراسة اليزابيث تيدبال في العام 1973م التي أكدت فوائد التعليم غير المختلط ونادت به ، فإن الدراسات حول هذا الموضوع تكاثرت بشكل كبير جدا ومؤيده في معظمها نفس نتائج تيدبال ، ولقد خلصت إحدى الدراسات الحديثة من جامعة هارفرد بأن المدارس النسائية وبمقارنتها بالمختلطة تحقق الآتي :
ـ أهداف تربوية أعلى .
ـ يحقق الطلبة فيها درجة أعلى من القيم الذاتية ودرجة أفضل لنوعية الحياة .
ـ درجة أفضل في العلوم والقراءة .
ـ التخلص من النظرة النمطية التقليدية تجاه العلاقة بين الجنسين.
ـ درجة أقل من التغيب الدراسي ومشاكل عدم لانضباط السلوكي .
ـ مراجعة منزلية أفضل ودرجة أقل من ضياع الوقت في مشاهدة التلفزيون .
كما أن الباحثة بوني فير ـ بويست من جامعة غرب أونتارو في كندا تقول بأن التعليم المختلط يغش النساء بشعارات المساواة ، بينما الحقيقة تؤكد أن المساواة الحقيقة هي بالفصل وذلك لتمتع الجنسين بخصائص وامتيازات متباينة لا تركز عليها المدارس والجامعات المختلطة أكثر من التركيز على الخصائص والإمكانيات التي يتمتع بها الطلبة دون الطالبات ، وبعد مراجعة الكثير من الدراسات التي تؤكد على مثل النتائج التي توصلت إليها تقول بأن الجامعات والمدارس النسائية تحقق درجة أفضل في شتى العلوم وخاصة العلوم والرياضيات والتكنولوجيا ويصل إلى نفس النتيجة العديد من الباحثين والباحثات مثل الأستاذة ليزا رايرسون رئيسة جامعة ولز والتي تزيد على النتائج السابقة بقولها إن الجامعة النسائية تزيد الثقة بالنفس والطموح عند طلبتها بعكس الجامعات المختلطة ، وتضيف البروفيسوره نانسي بيدي في دراستها المقارنة لمصادر النجاح في أكاديميات القرن التاسع عشر والمنشورة في المجلة الأمريكية للتربية في العام 1999م بأن سر النجاح يكمن في وجود المدارس غير المختلطة وبناء عليه تقترح زيادة الدراسة في إمكانية قيام مدارس على هذا النمط في الوقت الراهن بناء على معطيات متطلبات السوق .
ولعل مثل هذه الدراسات قد فتحت آفاقا جديدة في أساليب التعليم ما حدا بحاكم كاليفورنيا بت ولسون بأن يخصص خمسة ملايين دولار لإنشاء عشر مدارس غير مختلطة كنوع من التجربة العملية للتحقق من النتائج ، ولقد شجعت هذه النتائج على قيام العديد من المدارس الحكومية والخاصة على أساس عدم الاختلاط في الأعوام السابقة في العديد من مناطق الولايات المتحدة الأميركية مثل نيويورك ، فيلادلفيا ، بالتيمور ، ديترويت وكاليفورنيا .
وعلاوة على ذلك فإن بحوثا كثيرة منذ الثمانينات قد أكدت إيجابية ومنفعة الجامعات النسائية على وجه الخصوص ، فلقد ذكرت البروفيسورة ليزا ويندل من جامعة كنساس بالولايات المتحدة الأميركية في بحثها القيم ( الوصول إلى القضايا في الجامعات النسائية) العديد من البحوث الحديثة التي تؤكد النتائج السابقة والتي تربو على الخمسين بحثا وكتابا ، وتحققا من نتائج تلك الدراسات فقد قامت بدراسة فريدة من نوعها تقوم على أساس الزيارة والمشاهدة الميدانية حيث خرجت بنتائج باهرة مفادها أن المدارس النسائية تحقق التركيز على العلم أكثر وتحقق درجة أفضل من التوقعات والطموحات عند الطلبة وتحسسهم بأهميتهم الاجتماعية والروح القيادية العالية ، بالإضافة إلى التسلح الأفضل لمواجهة الحياة العملية بعد التخرج ، ولعله من المفيد أيضا الإشارة إلى دراسة البروفيسورة أميلي لانجدون من جامعة نور برت التي قامت بدراسة إحصائية كمية مقارنة بين الجامعات المختلطة والنسائية .
وأهمية دراسة ( لانجدون ) تكمن في تفنيدها أحجية المناصرين للمدارس والجامعات المختلطة الذين يقولون إن سبب تحقيق نتائج أفضل في المدارس والجامعات النسائية يرجع إلى الخلفية الاجتماعية والاقتصادية الأفضل التي تتمتع بها طالبات الجامعات النسائية دون غيرهن من الجامعات المختلطة ، فبعد القيام بعمليات استبيانيه وإحصائية تبين بأن ليس هناك فروق في الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية بل على العكس فإن رواد الجامعات المختلطة أعلى بقليل في الدخول الاقتصادية وعندما بحثت في الأسباب الحقيقية الكامنة لاختيار الجامعات غير المختلطة من قبل الطالبات فقد تبين بأنها ترجع إلى درجة الطموح والسمعة الأكاديمية الأفضل ، وعندما سألت الذين أمضوا خمس سنوات على تخرجهم من كلا النوعين في الجامعات فيما إذا ودوا بالرجوع إلى الجامعة نفسها ، فقد استجاب خريجو الجامعات غير المختلطة بنسبة 52 % بينما استجاب خريجو الجامعات المختلطة بنسبة 38،7 % ، وهذا يؤكد حقيقة أن الجامعات غير المختلطة تؤهل خريجيها إلى الانخراط في الحياة العملية بصورة أفضل من الجامعات المختلطة ، والدليل على ذلك أن نسبة الذين يواصلون دراستهم العليا والذين يحصلون على وظائف أرقى وأداء أفضل في الحياة العملية أعلى في الجامعات النسائية من الجامعات المختلطة .
وهناك الكثير من الدراسات الأخرى التي أجريت في دول متعددة تكاد النتائج نفسها مثل دراسة مارش ورو المنشورة في دورية australiian journal education في العدد الثاني لسنة 1996م ودراسة أما نويل جيمنز ومار لين لوكهيد المنشورة في دورية Educational evalunation and policy analisis . في العدد الثاني لعام 1989 والتي طبقت في تايلاند ، ولا يسع المجال لذكر العدد الهائل من الدراسات الحديثة التي تؤكد إلى ما ذهبنا إليه . ولا أدعي بأن هناك من الدراسات التي تشير إلى الرأي الآخر مثل دراسة وندي كامينر المعنونة ( بمعضلة التعليم غير المختلط ) ولكن معظمها لا يتطرق إلى سلبيات التعليم غير المختلط أكثر من التشكيك في إيجابيات هذا النوع من المدارس والجامعات ، إضافة إلى المناداة بالمساواة وهو عذر قد فقد محتواه العملي والعقلي عندما تبينت حقائق فوائد التعليم غير المختلط ([2]) .
وصدق الرئيس الأمريكي جورج بوش أخيراً على مشروع قرار يقضي بمنع الاختلاط في المدارس العامة ، وتشجيعاً لهذا القرار الذي يقضي على وضع قائم منذ ثلاثين عاما، قرر إعطاء معونة مادية أكبر للمدارس التي تلتزم بتنفيذ هذا القرار وبالتأكيد فإن الرئيس الأمريكي لم يوافق على هذا القرار إلا بعد أن قدمت له دراسات علمية وعملية تربوية شاملة تبين صحة قراره ، البروفيسور الأمريكي ( اميليو افيانو ) وهو رجل القانون المتخصص في النظام التربوي في أميركا ذكر أن العديد من الدراسات تؤكد أن الفصل بين الجنسين في المجال الدراسي يساعد على اجتياز الفتيان والفتيات بصورة أفضل ، وأن الأولاد يفضلون الفصل في الدراسة حتى لا يتحتم عليهم الالتزام ببعض التصرفات أمام الفتيات ، وكذلك الفتيات يفضلن هذا الأمر حتى لا تضطررن إلى التزين قبل الذهاب إلى المدرسة ؛ لأنه يضيع وقتهن ويعرقل تقدمهن الدراسي .
الجمعية الوطنية لتشجيع التعليم في أميركا أيضا عرضت الدراسات التي قامت بها جامعة ( ميتشغان ) و التي تؤكد أن الفصل بين الجنسين في المدارس يعطي نتائج أفضل في المستوى التعليمي للبنات وللأولاد ([3]) .
و بدأ التربويون في أمريكا يميلون بشكل متزايد إلى تعليم الجنس الواحد. وقد دفعت نتائج بعض الأبحاث في هذا المجال التربويين لاتخاذ مثل هذا التوجه، خاصة تلك القائلة بأن أدمغة الأولاد تتعامل مع بعض أنواع المعلومات بشكل يختلف عن تعامل البنات معها.
تقول « لورا استيب » الباحثة التربوية في دراسة نشرت مؤخراً: " في مرحلة الستينات والسبعينات لم يكن هناك صوت سوى ذلك الداعي إلى التحلل و التفلت من القيود ، فقد انتهز العلمانيون فرصة سيطرتهم على مقاليد التوجيه في البلاد ليذبحوا التجارب التربوية الناجحة مثل كليات البنات والتعليم غير المختلط ، رغم أن الدراسات والواقع اليوم يدحض ويفضح التخبطات العلمانية بعد ارتفاع أسهم كليات البنات في أمريكا ، حيث شهدت هذه الكليات نمواً مطرداً وبلغ عددها 289كلية .
وأضافت: لكن بعد أن بدأت الحرب ضدها بإصدار قوانين تهدف إلى قطع الإعانات الحكومية عنها، لإرغام المجتمع على خوض تجربة التعليم المختلط استجابة لضغوط دعاة تحرير المرأة ، كادت كليات البنات أن تحتضر خصوصاً بعد صدور القانون التعليمي رقم (9) الذي فرض على الجامعات قبول نسبة كبيرة من الطالبات ليتساوى الجنسان في الجامعات الشهيرة مما قلص عدد كليات البنات إلى (124 )كلية عام 1988م .
غير أنه لم يمض عقد من الزمن حتى انقلبت الصورة أو بالأحرى اعتدلت ، فالإقبال على التعليم النسائي يتعاظم منذ عشر سنوات حيث تؤكد « ايلانور ساسفو » الموجهة التربوية باتحاد الكليات الوطنية أن فكرة التعليم غير المختلط تنتشر بسرعة انتشار النار في الهشيم.
وفي عام 1996م تحدثت « كريس ما يكل » الخبيرة التربوية ورائدة التعليم المنفصل في « فينتورا » عن تجربة تعليمية جديدة تجتاح الولايات المتحدة ، وهي تجربة تطبيق الفصول الدراسية المنفصلة في المدارس الثانوية الأمريكية ؛ فقالت : "بعد عامين من التجربة أثبت التطبيق الواسع لهذا النظام أن الطالبة في الفصول المتماثلة أكثر قدرة على التفكير وأسرع استجابة لتقبل المعلومة فضلاً عن أنها أكثر تركيزاً واستيعاباً للمادة بدلاً من الانشغال الذهني بزميلها المجاور .
وفي بعض المدارس بولاية فرجينيا أكد المسؤولون أن التجربة أثبتت نجاحها واعترف الطلاب بأنهم يشعرون بالارتياح وهم يدرسون في غياب زميلاتهم ، بينما اعترفت الطالبات أنهن يفضلن الدراسة وإجراء التجارب المعملية في غياب زملائهن، كما أثبتت الأبحاث أن طالبات المدارس غير المختلطة يتميزن بالثقة في النفس والحصول على أعلى الدرجات لا سيما في المواد العلمية.
وتقول الخبيرة التربوية «كريس ما يكل » : لقد نجحت التجربة بصورة أفضل بكثير مما كنا نتوقعه مما يغري المزيد من المؤسسات التعليمية الأمريكية بتبني هذا النمط من التعليم، وهو ما حدث بالفعل؛ فلغة الأرقام تشير إلى أن (12) ولاية أمريكية تتبنى سياسة الفصل بين الطلاب والطالبات، والعدد مرشح للزيادة بعد أن اكتوى الأمريكيون بنيران التعليم المختلط ([4]).
واعترف عدد من الدول الأوربية بفشل سياسة التعليم المختلط ، صرح « كينش بيكر» وزير التعليم البريطاني ، أن بلاده بصدد إعادة النظر في التعليم المختلط بعد أن ثبت فشله ، قال أحد أعضاء لجنة التعليم بالبرلمان الألماني ( البوندستاج ) انه يجب العودة بالأخذ بنظام التعليم المنفصل ـ الجنس الواحد ـ .
وأثبتت مجموعة من الدراسات والأبحاث الميدانية التي أجريت في كل من ألمانيا الغربية وبريطانيا انخفاض مستوى ذكاء الطلاب في المدارس المختلطة ـ بنين وبنات ـ واستمرار تدهور هذا المستوى ، وعلى العكس من ذلك تبين أن مدراس الجنس الواحد يرتفع الذكاء بني طلابها ، وقد ذكرت الدكتورة « كارلي شوستر » خبيرة التربية الألمانية أن توحد نوع الجنس في المدارس يؤدي إلى اشتعال المنافسة بين التلاميذ وبعضهم البعض أو بين التلميذات .
أما اختلاط الاثنين معا فيلغي هذا الدافع وأضافت أن الغيرة تشتعل بين أبناء الجنس الواحد عنها إذا اختلط أبناء الجنسين .
وأكدت دراسة أجرتها النقابة القومية للمدرسين البريطانيين أن التعليم المختلط أدى إلى انتشار ظاهرة التلميذات الحوامل سفاحا وعمرهن أقل من(16) عاما ، كما تبين أن استخدام الفتيات في المدارس لحبوب منع الحمل تزايد كمحاولة للحد من الظاهرة دون علاجها واستئصال جذورها .
كما أوضحت دراسة نقابة المدرسين البريطانيين تزايد معدل الجرائم الجنسية والاعتداء على الفتيات بنسب كبيرة ، وقالت الدراسة إنه يوجد تلميذ مصاب بالإيدز في كل مدرسة ، كما أشارت إلى ازدياد معدل السلوك العدواني عند فتيان المدارس المختلطة .
وذكرت دراسة أخرى أجرها معهد أبحاث علم النفس الاجتماعي ببون أن تلاميذ وتلميذات المدارس المختلطة لا يتمتعون بقدرات إبداعية ، وهم دائما محدودو المواهب قليلو الهوايات على العكس من ذلك تبرز محاولات الإبداع واضحة بين تلاميذ مدارس الجنس الواحد .
وأوضح بحث ميداني أذاعته إحدى قنوات التليفزيون البريطاني أن تلميذات وتلاميذ المدارس المختلطة يعجزون عن التعامل مع العالم الخارجي وأنهم انطوائيون ينتابهم الخجل دائما ولا يحسنون إقامة علاقات اجتماعية مع أقرانهم ([5]) .
المبحث الثاني
نتائج الدراسات الإسلامية
قامت عدة دراسات ميدانية في عدة دول عربية وأفريقية لدراسة آثار الاختلاط وقد وقفت على بعضها فمن تلك الدراسات :
الدراسة الأولى : قامت الباحثة فاطمة محمد رجاء مناصرة بدراسة أثر مشكلة الاختلاط على تعليم الفتاة المسلمة في الجامعات الأردنية فخرجت بالنتائج التالية ([6]) :
السؤال الأول : هل يعد الاختلاط في الدراسة بنظرك مشكلة ؟
ـ أجاب 77 % من الطلاب والطالبات بنعم .
السؤال الثاني : إذا كان الاختلاط مشكلة ، أذكر أهم السلبيات التي تعانيها بسببه ؟
فذكرت المشكلات التالية :
أ ـ مشكلات أخلاقية :
1ـ إثارة الفتنة .
2ـ التصنع في التصرفات من قبل الجنسين .
3ـ تعرض الفتيات لمضايقات الشباب .
4ـ ضعف الوازع الديني بسبب تعود الطلبة على الممارسات الخاطئة واستباحة المنكرات لكثرة تكرارها .
5 ـ انتشار ظاهرة السفور ، بسبب تبرج الطالبات ولباسهن المخالف للزي الإسلامي ، فطالبات الجامعة اللاتي يرحن ويرجعن بين البيت والجامعة سافرات متبرجات يلبسن ثياب رقيقة قصيرة ..
6 ـ انتشار الجرائم الأخلاقية مثل الزنا ، فإن كثرة المخالطة مع وجود عوامل الفتنة تؤدي إلى ارتكاب الفاحشة .
7 ـ فساد الأخلاق عند الطرفين .
ب ـ مشكلات أكاديمية :
1 ـ عدم الحرية في النقاش أثناء المحاضرات ، وهذا يظهر في عدم رغبة الطلاب والطالبات بالمشاركة في الدرس خيفة أن يخطئ أحدهم فيخرج أمام الجنس الآخر ، فتشوه صورته أمام من يود كسب رضاه من الجنس الآخر .
2 ـ تعاطف المدرسين مع الطالبات وذلك على حساب الطلاب.
3 ـ التغيب عن المحاضرات وعدم الالتزام بحضورها بسبب انشغال كل جنس مع الآخر .
4 ـ صعوبة ممارسة النشاطات الجادة والفاعلة وخاصة التي تمارس في ساحات الجامعة .
5 ـ تحويل الجامعة عن الغاية الأساسية التي وجدت من أجلها .
6 ـ فيه قتل للوقت لكثرة التفكير بالجنس الآخر .
6 ـ ضعف التحصيل العلمي .
ج ـ مشكلات اقتصادية
وقد حددها الطلبة بما يلي :
1 ـ محاولة إظهار كل من الجنسين كرمة وسخاءه أمام الجنس الآخر ، وبذلك يتحمل كل منهما مسؤوليات مادية كثيرة قد تضطره لإرهاق نفسه بالديون ، أو اللجوء إلى تصرفات غير مرغوب بها لتحصيل المال .
2 ـ المبالغة في النفقات على اللباس والمظهر الخارجي من قبل الجنسين وخاصة الطالبات .
د ـ مشكلات اجتماعية :
وتتلخص آراء الطلبة فيما يلي :
1 ـ التقليل من قدر المرأة في المجتمع حيث تصبح عارضة أزياء تلفت الأنظار ، فتعتبر نفسها كسلعة قابلة للعرض .
2 ـ له آثار سلبية في الحياة الأسرية للطلاب والطالبات المتزوجين ، فقد يكون سببا في دمار هذه الأسرة وتشتيت شملها بسبب تعرف الشاب على فتاة أخرى غير متزوجة مثلا !
3 ـ عزوف الشباب عن الزواج والاكتفاء بالعلاقات غير المشروعة .
وهذه المشكلات هي جزء من معاناة الشباب ، والضغوطات التي يسببها الاختلاط لهم والمآسي التي تترتب على ذلك .
هـ مشكلات نفسية :
ولقد ذكر الطلبة بعضاً من المشكلات النفسية منها :
1 ـ القلق والاضطراب والخوف من الجنس الآخر نتيجة ما يرى من ممارسات خاطئة .
2 ـ الصراع الداخلي في نفس الشاب .
السؤال الثالث : اذكر أهم المعوقات التي يسببها الاختلاط على تحصيلك العلمي ؟
هناك من اعتبر أن للاختلاط معوقات ، ومنهم من يرى أن ليس للاختلاط معوقات وكانت النسب على النحو التالي :
ـ أجاب 75 % بأن للاختلاط معوقات .
ـ وأجاب 25 % ليس للاختلاط معوقات .
ويبدو أن أهم المعوقات في نظر هذه المجموعة التي تعتبر أن للاختلاط معوقات هي :
1ـ الخوف من السؤال بصراحة خوفاً من التعرض لسخرية الآخرين واستهزائهم .
2 ـ تكرار التغيب عن المحاضرات للانشغال بالجنس الآخر .
3 ـ عدم المشاركة في المحاضرة خوفا من الوقوع في الخطأ.
4 ـ تعرض الأستاذ للحرج وعدم توضيح الكثير من القضايا لوجود الطالبات .
5 ـ إعطاء الأستاذ أكبر قدر من الاهتمام للطالبات على حساب الطلاب .
6 ـ إذا كان المعلم أنثى ، فهذا يؤثر على نفسية الطلاب ولا يقبلون تلقي العلم من امرأة .
وبالتالي فإن كل هذا يؤدي إلى انخفاض مستوى التحصيل العلمي عند الطلبة .
السؤال الرابع : يدعي البعض أن العلاقة التي تنشأ بين الجنسين تحفز على زيادة التحصيل العلمي لكونها باعثاً للتعلم ، فما رأيك في ذلك ؟
ـ فأجاب 90 % : ليس للاختلاط حافز على التعليم.
ـ أجاب 10 % : الاختلاط يشكل حافزاً باعثاً على التعليم .
السؤال الخامس : هل وجود الجنسين في قاعة واحدة يعيق حرية الأستاذ في إيضاح عناصر الموضوع ؟
ـ أجاب 86 % يعيق .
ـ أجاب 14 % لا يعيق .
السؤال السادس : ما الآثار التي يسببها الاختلاط على حياتك الاجتماعية ؟ أذكرها ؟
ـ أجاب 86 % أن له آثارها سلبية .
فمن تلك الآثار :
1 ـ عدم الثقة الشباب بالفتيات وبالتالي العزوف عن الزواج .
2 ـ تفكك الروابط الاجتماعية وبروز المشكلات الأسرية.
3 ـ عدم قدرة الشباب على الزواج وبالتالي يتعرضوا للانحراف والفساد .
4 ـ كثرة التفكير في الجنس الآخر وإثارة الشهوة في النفس وتحررها من القيود التي يجب أن يلتزم بها .
5 ـ البعض يحبذ عند ذلك الانعزال والوحدة والابتعاد عن الآخرين حتى من بني جنسه لقلة ثقته بهم .
6 ـ قد يؤدي إلى الخجل والخوف من التعامل مع الجنس الآخر. 7 ـ آثار سلبية على علاقاتهم مع أهلهم في البيت ومع الآخرين في المجتمع .
الدراسة الثانية : قام عبد الحليم محمود السيد وآخرون بدراسة المشكلات النفسية والاجتماعية لدى عينة من طلاب جامعة القاهرة حجمها( 3987) طالباً وطالبة ، وكشفت نتائج هذه الدراسة فيما يتعلق بالمشكلات مع الزملاء من الجنس الآخر عن أن أكثر مشكلات الطلبة أهمية مع زميلاتهم تتمثل :
ـ المبالغة في الملبس .
ـ عدم الالتزام بتعاليم الدين .
ـ والتحرر من السلوك .
ـ والاختلاط الزائد عن الحد بين الجنسين .
ـ والخروج عن العادات والتقاليد .
أما بالنسبة إلى المشكلات التي تعاني منها الطالبات في علاقتهن بزملائهن من الطلبة الذكور فتتمثل في :
ـ عدم الالتزام بتعاليم الدين .
ـ والتحرر في السلوك .
ـ والاختلاط الزائد عن الحد بين الجنسين .
ـ وعدم مراعاة مشاعر الزملاء .
ـ وسوء الفهم المتبادل ( [7]) .
الدراسة الثالثة : ( قام فهد الثاقب بدراسة هدفت إلى الكشف عن موقف الكويتيين من مكانة المرأة ، وقد أجريت عام 1975م على عينة حجمها (431) أسرة كويتية ، منها 48% ربات أسر ، و 52 % أرباب الأسر ، وأوضحت نتائجها أن معظم المتعلمين ـ فيما عدا الجامعيين ـ يفضل عدم الاختلاط ، مقابل 36 % أبدوا رغبتهم في هذا الاختلاط ) ( [8] ) .
ومن يتتبع أقوال أهل التربية والتعليم يلحظ أن أقوالهم تكاد تتفق على خطورة الاختلاط على مستوى دين وثقافة الطالب والطالبة ، فمن تلك الأقوال :(47/79)
ـ يقول الأديب الأريب علي الطنطاوي رحمه الله : ( إني لا أرى الاختلاط بين الجنسين في المدارس، ولا في كليات الجامعة، لا لموانع الدين فقط، فقد يكون من القراء من لا يحرص مع الأسف على تتبع أوامر الدين ونواهيه ، بل لأنَّ هذا الاختلاط إذا قلَّت نتائجه السيئة في فرنسا وانجلترا وأمريكا لطول اعتياد أهلها عليه، فإنَّ خطره شديد في بلاد خرجت رأساً من الحجاب السابغ إلى هذا الاختلاط، على قوة الغريزة، وشدة الرغبة، وطول الحرمان. وهذه مصر جرَّبت الاختلاط في الجامعة قبلنا ولا تزال إلى اليوم تشعر بأضراره، وقد ظهرت فيها رغبة طوية من الطالبات أنفسهن في الانفصال عن الشباب، ومن شاء فليقرأ خبر ذلك في جرائد مصر، وفي آخر عدد وصل إلى الشام من (أخبار اليوم).وأنا مستعد للمناقشة في هذا الموضوع بلسان الواقع والعلم لا بلسان الدين، فمن شاء فليناقشني. أمَّا التسرع إلى الرد عليّ بأنَّ هذه رجعية وجمود، فلا ينفع شيئاً، لأنَّه لو كان كل جديد نافعاً، وكان كل قديم ضاراً، لكان أشدّ الأشياء ضرراً العقل؛ لأنَّ العقل أقدم من التسرع، وكان أنفع الأشياء في هذا الباب مذهب العري وأن نمشي في الجامعة وغيرها مثل الحيوانات ؛ لأنَّ مذهب العري أحدث المذاهب!! ) ([9]) .
ـ ويقول رئيس الاتحاد الوطني لطلبة جامعة الكويت محمد الرشيد ( إن الأبحاث العلمية أكدت أن الاختلاط ما بين الجنسين يؤثر سلبا على تحصيل الطلبة دراسيا ..) ( [10]) .
ـ وقال الدكتور جاسم العمر ـ مرشح الدائرة الانتخابية العاشرة للانتخابات التكميلية ـ : ( إن الاختلاط بجامعة الكويت يعتبر سبباً رئيسيا لتراجع مستوى المخرجات التعليمية من مدرسين ومدرسات ذات تخصصات علمية حيث مازال أولياء الأمور يسعون إلى إدخال بناتهم في كليات التطبيقي كونها بعيدة عن الاختلاط الأمر الذي أدى إلى تكدس الطالبات في كلية التربية الأساسية فأصبحت المخرجات التعليمية للمدرسين من الإناث ) ([11]) .
ـ و يقول الأستاذ أحمد مظهر العظمة وقد أوفدته وزارة التربية السورية إلى بلجيكا في رحلة علمية زار فيها المدارس البلجيكية ، وفي إحدى الزيارات لمدرسة ابتدائية للبنات سأل المديرة : لماذا لا تخلطون البنين مع البنات في هذه المرحلة ؟ فأجابته : قد لمسنا أضرار اختلاط الأطفال حتى في سن المرحلة الابتدائية . ([12]) .
ـ تقول الدكتورة أسماء الحسين الأستاذ المساعد بكلية التربية : ( إن الاختلاط بين الجنسين لا يستند على قاعدة شرعية أو اجتماعية وهو فكرة غير سائغة. فالمرأة لم تسلم من المشاكسات وهي تحت الحجاب فكيف بالاختلاط ! ) ([13]) .
المبحث الثالث
أقوال أهل العلم .
لقد تتابع أهل العلم والفكر في التحذير من الاختلاط عامة ومن الاختلاط في التعليم خاصة ، وذكروا النصوص الشرعية المانعة منه ومن آثاره الخطيرة على الجوانب الدينية والتعليمية لدى الطالب والطالبة . فمن تلك الأقوال :
ـ قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة : ( اختلاط الطلاب بالطالبات والمدرسين بالمدرسات في دور التعليم محرم لما يفضي إليه من الفتنة وإثارة الشهوة والوقوع في الفاحشة ، ويتضاعف الإثم، وتعظم الجريمة ، إذا كشفت المدرسات أو التلميذات شيئا من عوراتهن ، أو لبسن ملابس شفافة تشف عما وراءها ، أو لبسن ملابس ضيقة تحدد أعضاءهن ، أو داعبَّن الطلاب أو الأساتذة ومزحن معهم أو نحو ذلك مما يفضي إلى انتهاك الحرمات والفوضى في الأعراض ) ([14]) .
ـ وقال الشيخ حمود بن عبد الله التو يجري رحمه الله : ( أقبح من ذلك ما يفعله بعض المنتسبين إلى الإسلام من خلط النساء بالرجال الأجانب في المدارس وصنوف الأعمال بحيث يجعل لكل رجل وامرأة أجنبية منه مجلس واحد لتتم العلاقة بينهما من قريب وتحصل الفتنة والفاحشة بينهما بأدنى وسيلة . وهذا مما دب إليهم من قبائح الإفرنج ورذائلهم فالله المستعان ) ([15]) .
ـ وقال الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد : (حُرِّم الاختلاط، سواء في التعليم، أم العمل، والمؤتمرات، والندوات، والاجتماعات العامة والخاصة، وغيرها ؛ لما يترتب عليه من هتك الأعراض ومرض القلوب، وخطرات النفس، وخنوثة الرجال، واسترجال النساء، وزوال الحياء، وتقلص العفة والحشمة، وانعدام الغيرة.) ([16]) .
المبحث الرابع
آثاره على الطلاب والطالبات ([17])
للاختلاط آثاره الخطيرة على الطلاب والطالبات ..فمن تلك الآثار :
1 ـ تفكير كل الجنسين بالآخر .
عندما يجلس الطالب بقرب الطالبة فإن جل تفكيره سيكون في الأساليب والطرق التي يكسب بها تلك الطالبة خاصة إذا كانت جميلة ، لقد نشرت مجلة ( المصور) بتاريخ 30مارس 1956م استفتاء أجرته بين طلبة الجامعات المصرية وطالباتها ..جاءت نتيجته أن 65% منهم قرروا أن تفكيرهم في الجنس الآخر أثناء الاختلاط يؤثر على دراستهم ، إذ أن ثلاثة أرباع وقت فراغهم يضيع بحثاً عن الحب واللهو ، لذلك يرون إنشاء جامعات خاصة بالبنات ) ([18]) .
وتقول ( أسماء فهمي ) التي كانت تعمل بوزارة المعارف بمصر على إثر رجوعها من رحلتها إلى أمريكا : ( إن الأمريكيين يرون الآن أن الاختلاط يشغل الفتيات عن الجد والنشاط العلمي بالملابس والزينة وما إلى ذلك ، مما لا يفكرون فيه عندما يفتقدون الفتيان) ([19]) .
وتقول (دير در ماك كان) البالغة من العمر 15 عاماً أنها تحب مدرسة الفتيات فقط التي تدرس فيها. وتضيف (دير در): كنا نشعر بالخوف عندما كان معنا أولاد... كان علينا أن نرتدي ملابس جميلة ونظهر أنيقات... إننا نشعر بالراحة أكثر الآن بوجودنا في محيط كله بنات ([20]) .
2 ـ تخنث الرجال واستر جال النساء .
فعندما يختلط الجنسان في المدارس والجامعات يأخذ كل جنس من صفات وأخلاق الآخر فيتخنث الرجال ويستر جل النساء، وهذا ما لاحظه المسؤولون عن التعليم في الفلبين؛ حيث أعلن وزير التعليم الفلبيني أنه يرغب في تعيين عدد أكبر من المدرسين لتدريس التلاميذ حتى يتحلوا بصفات الرجولة بدلاً من الصفات الأنثوية التي يكتسبونها من مدرساتهم .
يقول الأديب على الطنطاوي رحمه الله : ( إن من تشرف علي تربيته النساء يلازمه أثر هذه التربية حياته كلها ، يظهر في عاطفته ، وفي سلوكه ،في أدبه ، إذا كان أديباُ ، ولا تبعد في ضرب الأمثال ، فهاكم الإمام ابن حزم يحدثكم في كتابه العظيم الذي ألفه في الحب «طوق الحمامة » حديثاً مستفيضاً في الموضوع . خلق الله الرجال والنساء بعضهم من بعض ، ولكن ضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب . فمن طلب الرحمة والمودة واللذة والسكون والاطمئنان دخل من الباب ، والباب هو الزواج . ومن تسور الجدار أو نقب السقف ، أو أراد سرقة متعة ليست له بحق ، ركبه في الدنيا القلق والمرض وازدراء الناس ، وتأنيب الضمير ، وكان له في الآخرة عذاب السعير) ([21]) وقد ذكرت الطالبة عزة سيد ـ في كلية الآداب ـ : ( أن الاختلاط في الجامعة ...يؤدي إلى تشبه النساء بالشباب والشباب بالنساء ، فأصبحنا لا نستطيع أن نفرق بين الفتى والفتاة ..) ([22]) .
3 ـ انخفاض مستوى الذكاء .
(( أثبتت مجموعة من الدراسات والأبحاث الميدانية التي أجريت في كل من ألمانيا وبريطانيا انخفاض مستوى ذكاء الطلاب في المدارس المختلطة، واستمرار تدهور هذا المستوى، وذكرت خبيرات التربية الألمانية الدكتورة (شوستر) أن توحد نوع الجنس في المدارس يؤدي إلى اشتعال المنافسة بين التلاميذ بعضهم البعض، وبين التلميذات بعضهن البعض. أما اختلاط الاثنين معاً فيلغي هذا الدافع، إضافة إلى أن الغيرة تشتعل بين أبناء الجنس الواحد إذا اختلط أبناء الجنسين)) ([23]).
وهذه الحكومة البريطانية تعتزم تشجيع المدارس الحكومية المختلطة على إجراء دروس منفصلة للجنسين؛ من أجل تحسين مستويات التعليم لدى الصبيان، ويعتقد الوزراء البريطانيون أن الصبيان يحرزون نتيجة أفضل، إذا أقامت المدارس صفوفاً منفصلة للصبيان والبنات.
وتطالب الحكومة المدرسين بمحاولة إعادة إحياء الاهتمام الأكاديمي لدى الصبيان، باللجوء إلى وسائل مختلفة، وجعل أداء الصبيان له الأفضلية؛ وذلك بعد أن أظهرت نتائج الامتحانات الثانوية تراجع الصبيان خلف الفتيات؛ حيث حقق 53,2 % من الفتيات في إنجلترا وويلز خمس نتائج جيدة - على الأقل -، بالمقارنة مع 42,6 % في الصبيان ([24]).
كما حققت سبع مدارس فقط من بين (75) مدرسة بريطانية أفضل النتائج خلال العام الأكاديمي (1412/1413هـ -1992/1993م) ؛ لأن هذه المدارس كانت مختلطة تضم بنين وبنات.
وهذه الأرقام المذهلة جعلت العديد من الأشخاص يفكرون بالرجوع إلى النظام التعليمي السابق، الذي كان قائماً على الفصل بين مدارس البنين والبنات، حتى بلوغ مستوى الجامعة.
وكمثال على هذا الاتجاه قرر مدير مدرسة (شنفيلد) بمقاطعة (إيسكس) في بريطانيا – بعد أن لاحظ النتائج الجيدة التي حققتها المدارس غير المختلطة -، قرر الفصل بين البنين والبنات ابتداء من العام الأكاديمي (1413/1414هـ- 1993/1994م)، في مبان منفصلة.
وأكد مدير هذه المدرسة بأن كلاً من الجنسين سوف يحقق نتائج أفضل؛ حيث لن يكون هناك تشتيت للانتباه بوجود جنس آخر في غرفة الدراسة.
ويدرك مدير هذه المدرسة – كما تقول هذه الصحيفة – بأن قراره يجري في اتجاه معاكس لما يجري حالياً في المجتمع البريطاني.
وأضاف بأنه يعتقد أن العديد من الآباء يرغبون في فصل التعليم، وأنه يود أن يتيح لهم هذه الإمكانية، التي لا تعد شيئاً سهلاً في بريطانيا اليوم ([25]) .
ولأجل ما سبق فقد دعت مديرة كلية (تشليتنهام) للسيدات في بريطانيا الأستاذة (إينيد كاسل) ، بتفضيل التعليم غير المختلط الذي يدرس فيه الأولاد والبنات كل على حدة، كما جاء ذلك في مقال نشرته بصحيفة (التايمز) اللندنية، حيث قالت فيه: (( إن على الآباء أن يأخذوا في اعتبارهم التعليم غير المختلط عند إلحاق بناتهم بالدراسة، وإن أكثر النساء نجاحاً اليوم هن اللائي تعلمن في مدارس مخصصة للبنات، وهناك أدلة متزايدة، منها: أن نتائج الامتحانات تدل على أن البنات والأولاد يحصلون على نتائج أفضل، إذا تعلم كل منهم على حدة )) ([26]) .
(( كما طالبت ((الحركة النسائية في ألمانيا الغربية)) بعودة التعليم غير المختلط ؛ حيث الفتيات يتعلمن أفضل بدون وجود الذكور.
وحسب دراسات أجريت في الولايات المتحدة، والسويد، وألمانيا، تبين أن اللواتي درسن في مدارس غير مختلطة أفضل من اللواتي درسن في مدارس مختلطة)) ([27]).
4 ـ ضعف الإبداع ومحدودية المواهب :
(ففي دراسة أجراها معهد أبحاث علم النفس الاجتماعي في "بون" بألمانيا، تبين أن تلاميذ وتلميذات المدارس المختلطة لا يتمتعون بقدرات إبداعية ومواهبهم محدودة وهواياتهم قليلة، وعلى العكس من ذلك تبرز محاولات الإبداع واضحة بين تلاميذ مدارس الجنس الواحد ) ([28]) والسبب في ذلك انشغال كل جنس بالآخر مما يلهيه عن الإبداع والابتكار .
وقال رئيس الاتحاد الوطني لطلبة جامعة الكويت محمد الرشيد : ( إن الأبحاث العلمية أكدت أن الاختلاط بين الجنسين يؤثر سلبيا على تحصيل الطلبة دراسيا ) ([29]) .
5 ـ إعاقة التفوق الدراسي :
حيث أظهرت دراسة أجريت بمعهد (كيل) بألمانيا أن البنين عندما تم فصلهم عن البنات حققوا نتائج أفضل في شهادة الثانوية العامة، وارتفعت درجاتهم بنسبة تزيد أربع مرات عما كان الحال عليه عندما كان الفصل مختلطاً. وكذلك الأمر بالنسبة للبنات . وفي دراسة أخرى لمجلة « نيوزويك » الأمريكية أرقام وإحصاءات تفيد أنَّ الدارسات في الكليات النسائية (غير المختلطة) هن الأكثر تفوقاً ونجاحاً في الدراسة وفي حياتهن العملية بعدها.وقد ثبت بعد التحقيق الذي أجرته مجلة (الإثنين ) المصرية ([30]) أن الاختلاط في الجامعة مشغلة للفتيان والفتيات عن الدراسة الفعالة ، والتحصيل العلمي .. ([31]) ويقول مراقبون إن المبالغة في السفور والاختلاط بين الشباب والفتيات على مقاعد الدراسة كان السبب الرئيس في تردي مستويات التعليم ومخرجاته على مستوى الجامعات المصرية ([32]). وقال البر فسور « اميليو فيانو» وهو رجل قانون متخصص في النظام التربوي في الولايات المتحدة أن " العديد من الدراسات التي أجريت بمساهمة طلاب وطالبات أظهرت انه في بعض مراحل نموهم، ينجز الفتيان والفتيات دراستهم بطريقة أفضل حين لا يكونون مختلطين" .
( توجد حالة من الاستياء العام باتت تتزايد في المجتمع الفرنسي إزاء تواجد الذكور والإناث سويا حيث تبين أن مثل هذا الأمر يؤثر بشكل كبير على التركيز بين الفتيان بصفة خاصة ، لذا جرى في الوقت الحالي تجارب في إحدى الأكاديميات حيث يتم تنظيم الدروس الخاصة بالتربية الجنسية في شكل مجموعات غير مختلطة وذلك لتفادي الإحراج الذي قد ينجم عن الانزلاق اللفظي أو بسبب ما تثيره مثل هذه المواضيع من انزعاج طبيعي ) ([33]) .
( وقد تبين من الإحصاءات أن الطالبات يتفوقن أكاديمياً في الكليات التي يقتصر فيها الدراسة على البنات وحدهن ) ([34]) .
وذكرت الطالبة عزة سيد ـ في كلية الآداب ـ (أن الاختلاط في الجامعة يشغل الفتيان والفتيات عن الدراسة الفعالة والتحصيل العلمي) ([35]) .
6 ـ التعرض للكآبة والحزن :
في دراسة أمريكية صادرة عن الوكالة التربوية الوطنية، أفادت نتائج البيانات الإحصائية بأنَّ الفتيات الأمريكيات في الفصول المختلطة أكثر عرضة للقلق والاكتئاب والانتحار !
وفي دراسة أخرى لمجلة "نيوزويك" الأمريكية أرقام وإحصاءات تفيد أنَّ الدارسات في الكليات النسائية (غير المختلطة) هن الأكثر تفوقاً ونجاحاً في الدراسة وفي حياتهن العملية بعدها.
7 ـ قتل روح المنافسة :
ذكرت الدكتورة (كارلي شوستر) خبيرة التربية الألمانية أن توحد نوع الجنس في المدارس يؤدي إلى اشتعال روح المنافسة بين التلاميذ وبعضهم البعض أو بين التلميذات ، أما الاختلاط فيلغي هذا الدافع ) ([36]) .
( ولذا لاحظ معظم أساتذة في مدرسة ( أوزانام ) الكاثوليكية المتوسطة بمدينة ليموج أن أداء البنات في الفصول المدرسية غير المختلطة يكون أسرع في غياب الأولاد ) ([37]) .
8 ـ التحرشات الجنسية بالطالبات :
إذا كانت حالات الاغتصاب متزايدة في المدارس المختلطة ..فهل يتصور أن تقل حالات التحرشات الجنسية بين الطلاب والطالبات من خلال الحركات أو الكلمات البذيئة أو عرض الصور الماجنة للإثارة أو نحو ذلك .
ولذا أصدرت جامعة ((اكسفورد)) نظاما جديداً يعد الأقسى عقوبة والمعمول به في الجامعات البريطانية لمكافحة التحرش غير الأخلاقي داخل الجامعة .وإن دل هذا فإنما يدل على انتشار هذا الأمر في جامعاتهم المختلطة .
وقد بدأت هذه الجامعة العمل بقانون السلوك الجديد، بعد أن أوضح مسح أجري أن الطالبات أكثر عرضة للتحرش من قبل الطلاب منه من قبل الأساتذة.
وكانت (6من كل 10من400) طالبة شاركن في المسح قد ذكرن بأنهن تعرضن لتحرشات غير أخلاقية تتراوح بين النظرات غير المرغوب فيها، وبين التصرفات اللفظية وغير اللفظية.
وسيكون الفصل من الجامعة العقوبة القصوى التي توقع على الطالب الذي يدان بتهمة التحرش، وأقامت الجامعة نظاماً استشارياً لتلقي شكاوى ضحايا التحرش داخل الجامعة.
وتفكر جامعة ((كمبريدج)) في اتخاذ خطوات مماثلة، بعد أن طالبت [لجنة إدارات الجامعات] بتبني سياسات حول التحرشات غير الأخلاقية، ووضع عقوبات رادعة ([38]).
وهذه التحرشات غير الأخلاقية ليست مقتصرة على المدارس الأوربية، بل هي - أيضاً - في المدارس الأمريكية : (( فقد أوضحت دراسة بأن التحرشات غير الأخلاقية في مدارس الولايات المتحدة المختلطة، ربما تكون أكبر مما كان يتصوره الناس؛ حيث أوضحت مجلة (سفنتيز) الأمريكية ([39]) – التي أجرت الاستطلاع، أن أعداداً كبيرة من الفتيات يتعرضن لتحرشات غير أخلاقية ليست فقط في المدارس الثانوية، وإنما تبدأ – أيضاً – من المدارس الابتدائية؛ حيث يتعرضن لهذه المضايقات من التلاميذ الذكور، وكذلك من المعلمين!!.
وقالت المجلة بأن ما لا يقل عن 89 %من الفتيات المراهقات أوضحن بأنهن تعرضن لمعاملات غير مهذبة من زملائهن الطلاب.
وقالت فتيات المدارس المختلطة أن المضايقات غير الأخلاقية أصبحت الآن تحدث بشكل يومي للعديد من الفتيات، وأضحت سبباً في قلق البنات طيلة العام الدراسي.
وقالت كاتبة التقرير الأمريكية (نان أستين). : إنه أمر مفزع تماماً في اكتشاف حقيقة أن هذا السلوك غير الأخلاقي أصبح جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية ) ([40]).
( وفي استفتاء في جامعة كاليفورنيا في بركلي عام 1977م ظهر أن خمس الطالبات قد تعرضن لنوع من الاعتداء الجنسي من الأساتذة والمشرفين على الدراسات العليا ) ([41]) .
( ونشرت جريدة الأخبار في عددها الصادر بتاريخ 15/9/1975م الخبر الآتي :
نظام الاختلاط في المدارس سيتم إلغاؤه في مدينة مغاغة بمحافظة المنيا ، قررت المنطقة التعليمية عزل الطلبة عن الطالبات في مدارس خاصة بكل جنس ، اتخذ القرار بعد أن ضج الأهالي بالشكوى من المعاكسات التي يتعرض لها الطالبات .
بدأت المشكلة في مدرسة التجارة الثانوية التي كانت تسير على النظام المختلط ، فبالبرغم من وجود أخصائين اجتماعيين بالمدرسة فإن المشاكل كانت تحدث يوميا من جراء الاختلاط بين الطلبة والطالبات بالإضافة إلى معاكسات الطريق ، فبدأت شكاوى أولياء الأمور تطالب بوضع حد لمتاعب الطالبات ، وزادت الشكاوى حدة بعد أن امتدت المعاكسات لتشمل كل طالبات المدارس بالمدينة ، وبحثت المنطقة التعليمية المشكلة فقررت القيام بعمل عزل بين الجنسين وقامت بإعداد مدرسة ثانوية للبنات تجمع الطالبات في الثانوي العام والتعليم التجاري الذي كان ملحقا بالبنين .
كما خصصت مدرسة التجارة بنين بجوار الثانوي العام بنين ، كما تقرر أن يمتد نظام منه الاختلاط ليشمل المرحلة الإعدادية في المستقبل ، وقد قوبل القرار بجانب الارتياح من المواطنين . ) ([42]) .
9 ـ اغتصاب الطالبات :
من أبرز الحقائق التي أظهرتها دراسة رابطة الجامعات الأمريكية للنساء انتشار جرائم الاعتداء الجنسي على الفتيات بشكل واسع من قبل الأساتذة والطلاب؛ فالإحصاءات تشير إلى أن واحدة من كل أربع طالبات تتعرض للاغتصاب.
وفي جامعة هارفارد قالت إحدى الباحثات في بحث نالت به درجة الدكتوراه : إن الاغتصاب صار هستيريا تعم السكن الجامعي، الأمر الذي جعل التيار الليبرالي الداعي إلى التحلل الأخلاقي يتراجع، مما دفع الكثير من الآباء والأمهات - الذين أصبحوا اليوم أكثر محافظة عن ذي قبل – إلى المطالبة بإيجاد فصول منفصلة لبناتهم لتحسين وضعهن العلمي وتحصينهن من العبث بهن .
إن أكثر حوادث الاغتصاب تحدث في المدارس المختلطة، حيث يترصد الذكور الإناث في دورات المياه، وهناك ملتقى النجاسات الحسية والمعنوية؛ ولأجل ذلك أصدرت إحدى المدارس في نيويورك بلاغاً عممته على جميع المدرسات والطالبات، حذرتهن فيه من الذهاب إلى دورات المياه منفردات؛ وذلك بعد أن تعددت حوادث الاعتداء عليهن من قبل الطلاب الذكور في المدرسة. وعلى إثر ذلك قامت صيحات تنادي بفصل الإناث عن الذكور ([43]).
ويقول مسؤول شرطة مدينة ((ستيت كولج)) الجامعية الأمريكية، عن أماكن حوادث الاغتصاب في المدينة الجامعية: (( إن المناطق الخطيرة في الجامعة غير محدودة، وأكثر الحوادث وقعت في أماكن السكن الداخلي، وفي غرف الدراسة، وفي مواقف السيارات، وتدل الإحصاءات على أن 87 % من المجرمين هم من أصدقاء وأقرباء الضحايا ) ([44]).
ولعل من أشهر حوادث الاغتصاب الجماعية في المدارس المختلطة الداخلية ما وقع في مدرسة (سان كيزيتو) بمنطقة (ميرو) وسط كينيا؛ حيث أقدم مئات من الطلاب على اقتحام المسكن الذي تقيم به الفتيات – اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين (15 و 18) عاماً – بعد منتصف الليل، وقاموا باغتصاب حوالي (71)طالبة ، ولقيت ( 19) طالبة مصرعهن، وأصيبت (75) طالبة من عدد الطالبات البالغ عددهن (271) طالبة.
وقد زار الرئيس الكيني هذه المدرسة، وأمر بإلقاء كل الأضواء على ما أسماه ( الجريمة المجنونة )، بينما أغلقت هذه المدرسة لمدة غير محددة.
كما هاجم - قبل أشهر من هذه الحادثة – عدد من طلبة مدرسة (كيرياني) الواقعة – أيضاً – في (ميرو) خمس فتيات واغتصبوهن، قبل أن يشعلوا النار في المبنى([45]).
انتشار الاغتصاب للطالبات بالكليات؟ ([46]) .
جدول يوضح انتشار الاغتصاب بعدد الضحايا وعدد الحوادث وأنواع الحوادث:
الضحايا
...
الحوادث
نوع الاعتداء
...
عدد الضحايا في العينة
...
النسبة المئوية في العينة
...
العدد بين 1000 طالبة
...
عدد الحوادث
...
العدد بين 1000 طالبة
اغتصاب كامل
...
74
...
1.7
...
16.6
...
86
...
19.3
محاولة اغتصاب
...
49
...
1.1
...
11
...
71
...
16
الجملة
...
123
...
2.8
...
27.7
...
157
...
35.3
من منظور السياسات بالكليات، قد ينزعج الإداريون كثيراً لحقيقة أنَّ بين كلّ 1000 امرأة في معهدهم التعليمي، قد تحدث 35 حالة اغتصاب في فصل دراسي (وفقاً لما ورد في البيان). وهذا يعني أنَّ أعداد الاغتصاب في حرم جامعي به ( 10.000 ) امرأة سيرتفع إلى أكثر من 350 طالبة.
( ونشرت وكالة CNN بأنه يدرس حالياً في مدينة ( نيوجرسي ) الأمريكية كيفية إجبار الطالبات على تعلم مقاومة الاغتصاب وذلك بعدما كشفت دراسة بأن نصف الطالبات الجدد يتم اغتصابهن في الفصل الأول من الالتحاق بالدراسة وهذا يدل على مدى الانحراف الذي أصاب المجتمعات الغربية كما يدل على خطورة الاختلاط بين الجنسين حيث تم الاغتصاب في مراحل التعليم وفي أماكن العلم التي يفترض بها التجرد والموضوعية !!
وهذا الذي يحدث في أمريكا وهي كما يشاع عنها دولة من دول العالم الأول!! العالم المتقدم المتحضر ؟؟ التي تحترم حقوق الإنسان وترعى المساواة بين البشر ، ولقد تزايدت في الآوانة الأخيرة المطالبة بفصل الإناث عن الذكور بل ذكرت تقارير صادرة عن منظمات حماية الطفولة أن سبب الانحراف هذا يرجع إلى فترة الطفولة حيث يتعرض البنات الإناث إلى ثلاث مرات للاغتصاب أكثر من الأطفال الذكور .(47/80)
حيث إن الجرائم الأخلاقية التي تحدث في الغرب اليوم نتيجة طبيعية للانحراف عن الفطرة البشرية ودافع الغريزة ذلك ؛ لأن الذكر يميل بطبعه إلى الأنثى والعكس صحيح ، ولا يمنع من وقوع الجريمة كونهم في مجتمع تعليمي كالجامعة والمدرسة وجرائم الاغتصاب التي ارتفعت معدلاتها ارتفاعا ملحوظا في الآونة الأخيرة لم تقع في مجتمع يسود فيه الكبت ومنع الحريات بل تأتي في مجتمع يموج بالفوضى الخلقية والانفلات السلوكي والفكري ومع ذلك فمعدلات الجريمة في تزايد مستمر ) ([47]).
وقد وصل الاغتصاب حتى للمستويات العليا الذي يقال أنهم قد بلغوا مستوى من الإدراك والعلم وهي مرحلة الدكتوراة ، تقول الأستاذة المساعدة لعلم النفس في ولاية نيويورك والتي حصلت على درجة الدكتوراة بعد التضحية بعرضها لرئيسها المباشر ، تقول : ( وقد كنت أول امرأة تدخل إلى هذه الوظيفة ..ولولا رضوخي ذلك لما كانت هناك امرأة في هذه الدرجة !!) ([48]) .
ودعاة السفور والاختلاط يعرفون هذه الحقيقة ولكن يا ترى ما جوابه في ذلك ، يقول الدكتور محمد إسماعيل المقدم : ( لما وقعت فتنة الاختلاط بالجامعة المصرية ، كان ما كان من حوادث يندى لها الجبين ، ولما سئل طه حسين عن رأيه في هذا ، قال : لابد من ضحايا ، ولكنه لم يبين بماذا تكون التضحية ؟ وفي سبيل ماذا ؟ لابد من ضحايا ؟! وأي ثمرة يمكن أن تكون أغلى وأثمن من أعراض المسلمين ؟!! ) ([49]) .
10 ـ التمييز على أساس الجنس .
ففي المدارس المختلطة يكون الاهتمام، وتكون الحظوة عند المعلمين - في الغالب - للطلاب على حساب الطالبات، وفرص المشاركة في الإجابات، والحصول على المنح، وغيرها من الأمور التي تأتي لصالح الطلاب. ونذكر هنا مثالين من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، للتأكيد على هذا التحيز الجنسي :
- ففي بريطانيا: ( أكدت الباحثة في صحيفة التايم (جانيت ديلي). ، أن اعتماد الاختلاط بين الجنسين في المدارس ما هو إلا مؤامرة معادية للإناث، وذلك في دراسة أشارت فيها إلى عدة أمور، منها:
أ – أن المراقبة المنتظمة على المدرسين في الفصول المختلطة، أظهرت أنهم يعطون قدراً من الوقت والاهتمام لتلاميذهم الذكور، أكثر مما يعطونه للإناث.
ب – في المواد الرياضية والعلمية التي تتطلب استعمالاً مشتركاً للأجهزة، تبين أن الذكور يسيطرون على فرص استخدام الأجهزة، أكثر من الإناث اللاتي يجبرن على التفرج فقط. ويساعد على هذا ميل الإناث إلى الإذعان، وخوفهن من ازدراء الذكور لهن، أو بسبب قابليتهن لإشباع غرور الذكور .
ج – يلاحظ أن العائلات الآسيوية في بريطانيا، تصر على أن تدرس بناتها في مدارس غير مختلطة، استناداً إلى خلفيات دينية – حسب تعبير الباحثة –؛ لذا فإنه ليس من قبيل المصادفة أن تكون الفتيات الآسيويات، أفضل البنات درجات وخيرهن نتائج آخر العام الدراسي.
د – إن تجربة مدرسة (شينفيلد) في مقاطعة (إيسكس) - التي لا يختلط فيها الطلاب من الجنسين - تعتبر تجربة مشرفة، ومع نجاحها فقد هاجمها (الاتحاد الوطني للمعلمين)، الذي قال: إن المدرسة تسهم في إيجاد مناخ مصطنع لا يتواءم وطبيعة المجتمع البريطاني.
ثم تؤكد هذه الباحثة إدانتها للمدارس المختلطة، وتقول: (إن المدارس غير المختلطة أقدر على استخراج الذكاء والفطنة من البنات والبنين ، وتريحهم من التكلف التافه في الاختلاط) ([50]).
- وفي الولايات المتحدة: ( يواجه الأولاد والبنات توقعات متناقضة حول موضوع تشجيعهم للرياضيات، أو ممارسات الألعاب الرياضية، أو على تعلم الحاسب الآلي، ولكنهم يختلفون – أيضاً – في كمية ونوعية التعليم الذي يتلقونه في المدارس العامة، وذكر التقرير – الذي صدر عن دراسة أجريت على 3000 طالبة من كل أنحاء أمريكا حول هذا الموضوع في عام (1410هـ (1990م ) – أن الأولاد والبنات يدخلون المدارس العامة متساوين تماماً من حيث القدرات، ولكن البنات يظهرن متأخرات 12 عاماً عن زملائهن من الأولاد الذين معهن في نفس الفصل الدراسي، في الرياضيات والعلوم، وحتى على احترام الذات!. وأضاف التقرير يقول: إن الأولاد الذكور يسترعون انتباه مدرسيهم أكثر من البنات، وأن إمكانية حصولهم على منح دراسية جامعية أكثر من اللائي يتساوين معهم في الدرجات العلمية، أو أحسن منهن بقليل.
فقد أشار هذا التقرير إلى أن الاحترام الذاتي لدى البنات انخفض بحوالي 40% فيما بين مرحلتي التعليم الابتدائي والتعليم العالي، مقارنة بنسبة انخفاض 20% لدى الأولاد.
كما أشار هذا التقرير إلى أن البنات يتلقين اهتماماً من مدرسيهن أقل بصورة واضحة مما يتلقاه الأولاد. فالمدرسون – مثلاً – ينصتون عندما يصيح الأولاد في المدارس الابتدائية والمتوسطة بصوت عال، وبلا استئذان، ولكنهم – في المقابل – يوجهون اللوم للبنات إذا فعلن ذلك!!.
كما أشار التقرير إلى ارتفاع المتوسط للمستوى العلمي في الرياضيات لدى الأولاد بالمدرسة العليا من 2,61 إلى 3,04 من عام (1402هـ /1982م إلى عام 1407هـ/1987م)، ولكن ارتفع المتوسط نفسه لدى البنات من 2,46 إلى 2,93 .
وذكر التقرير أن المنح الدراسية عندما تمنح على أساس حصر اختبارات الجدارة الدراسية، نجد أن الأولاد أكثر جدارة للحصول على المنح الدراسية من البنات اللائي يحصلن على درجات دراسية مساوية، أو أحسن بقليل من الأولاد.
وذكرت رئيسة الاتحاد الأمريكي للاتحاد التعليمي النسائي الجامعي (إليس مكي) ، أن ما تضمنه هذا التقرير من حقائق تعتبر هائلة، فهو يمثل حقيقة دامغة على أن البنات لا يتلقين نفس النوعية والكمية من التعليم التي يتلقاها إخوانهن من الأولاد.
كما أن التحالف الوطني لمدارس البنات قد أشاد بهذا التقرير بقوله: لقد أظهر التقرير - مرة أخرى - أن البنات يعاملن - على الصعيد التعليمي - كمواطنات من الدرجة الثانية في بيئات التعليم المختلط.
وأخيراً فقد ذكرت مجموعة المدارس السبعة والخمسين من المدارس الحكومية والأهلية – التي جميع تلاميذها من البنات فقط – (أن الأبحاث أوضحت أن البنات اللواتي يلتحقن بالمدارس المخصصة للبنات فقط، يكسرن الأفكار المقولبة التقليدية، ويتفوقن على البنات اللواتي يتلقين تعليمهن في مدارس مختلطة) ([51]).
11 ـ ترك الدراسة :
قد يصل ببعض الفتيات إلى ترك الدراسة من جراء ما قد يصيبها من تحرشات جنسية أو اغتصاب أو اجحاف في الحقوق ونحو ذلك ، قالت شبكة [سي.إن.إن ] الإخبارية الأمريكية: إنه بسبب كثرة تعرض الفتيات لعمليات اغتصاب، فإن الكثيرات منهن يرفضن الذهاب إلى المدرسة مرة أخرى؛ لأن المئات من هذه الحالات - أي حالات الاغتصاب - توجد الآن في جنوب إفريقيا.
وأوردت صحيفة المدينة ([52]) خبراً جاء فيه: (( إن بعض طالبات إحدى المدارس الثانوية بغرب باريس، رفضن الدراسة في فصول مختلطة مع الشباب، وقررن الانقطاع عن الدراسة؛ حتى يتم تلبية مطالبهن، بإبعادهن عن الاختلاط، ووجهة نظرهن أنه غير مجد.
وقد رضخت السلطات للأمر، وأمرت بإبعاد الطالبات عن الطلبة مؤقتاً؛ ريثما يتم البحث عن حلول كفيلة تجاه المشاكل التي جلبها الاختلاط غير المشروع)).
12 ـ ضعف الحياء أو زواله لدى الطالبات :
يقول الطالب أحمد مصطفى بتقنية المعلومات بالكلية : ( ..إن أهم سلبياته ـ الاختلاط في التعليم الجامعي ـ من وجهة نظري إن «البنت فيه تفقد حياءها» وهذا أهم ما يميز الفتاة: الحياء والخجل لكنك في الاختلاط تجد الفتيات يضحكن ويقهقهن بصوت عال ويتحدثن مع الشباب في كل الموضوعات: الحب والعمل والزواج والطلاق وبشكل صريح وهذا يجعل الفتيات أكثر جرأة وقد تكون أكثر إقبالا على حياة اللهو أو لا قدر الله الانحراف الأخلاقي حيث إنني شاهدت في كليات كثيرة داخل وخارج الإمارات مشاهد لا تليق بالعادات والتقاليد والقيم العربية نتيجة لهذا الاختلاط الذي أحيانا ما يزيد عن حده ولذلك ترفضه الكثير من الأسر في الإمارات، وباختصار فإن للاختلاط الكثير من السلبيات والتي تتصل مباشرة بالأخلاق! ([53]) .
13 ـ الحرج من طرح بعض الموضوعات المهمة ([54]) .
يحتاج المعلم أو المعلمة أحيانا من طرح موضوعات خاصة بكل جنس مما يجد الحرج من طرحها إذ الجميع في مكان واحد ، مما يثير حياء بعض الطالبات ونظرات بعض الطلاب أو ضحكاتهم ونحو ذلك من التصرفات المريبة .
14 ـ العنف بكافة صوره وأشكاله .
من آثار الاختلاط الاعتداء على الطالبات إما بالضرب أو القتل وهذا يحدث كثيرا فمن تلك الحقائق :
سبب الاختلاط مخاطر كثيرة تتعرَّض لها الطالبات،ولذا أصدر مجلس النوَّاب الأمريكي قرار حقوق الطلاب لعام 1990م الذي يتضمَّن أمن الكليات والجامعات. وفي عام 1992م عدّل مجلس النواب القرار ليشمل ضحايا الاعتداءات الجنسية، والذي يتطلَّب من الجامعات والكليات أن تشتمل تقاريرهم السنوية، سياساتهم المتعلقة بالتعريف بالاعتداءات الجنسية وكيفية منعها وتوفير الحقوق الأساسية لضحايا الاعتداءات الجنسية.
وعُدِّل القانون مرة أخرى ليشمل الالتزامات بتقديم تقارير إضافية تشمل زيادة الإجراءات الأمنية بالحرم الجامعي ومتطلبات سجل يومي بالجرائم. وفي عام 1999 م قدَّمت وزارة العدل 8.1 مليون دولار إلى 21 كلية وجامعة لمنع ومقاومة الاعتداء الجنسي والعنف والمطاردة، وفي عام 2000م تمّ منح جامعات وكليات أخرى 6.8 مليون دولار ([55]) .
ومما يدل على ذلك أن المجتمع الأمريكي ضاعف الإجراءات الأمنية بالحرم الجامعي ، ففي عام 1999م قدَّمت وزارة العدل 8.1 مليون دولار إلى 21 كلية وجامعة لمنع ومقاومة الاعتداء الجنسي والعنف والمطاردة، وفي عام 2000م تمّ منح جامعات وكليات أخرى 6.8 مليون دولار.
( ولعل الحادث المأساوي الذي وقع في يوم 26 مارس 1998 حين قام صبيان أمريكيان بإطلاق النار على عشرات التلاميذ في مدرسة إعدادية بولاية أركنسو الأمريكية مما أدى إلى مقتل 4 تلميذات ومعلمة وإصابة 10 آخرين بجروح ..وأوضحت التقارير الأخبارية أن أسباب إطلاق النار ؛ هو أحدى الفتيات التي تركت صديقها ، فقام بالانتقام منها بهذه الطريقة الوحشية ) ([56])
(( وأقدم طالب أمريكي يبلغ من العمر 19 عاماً على إطلاق النار على أستاذه، داخل إحدى قاعات الدروس - في إحدى المدارس – في كاليفورنيا فأرداه قتيلاً على الفور، وذكر بيان لرجال الشرطة أن خلافاً قديماً كان قد نشب بين الطالب وأستاذه بسبب التنافس على حب إحدى الطالبات )) ([57]).
15 ـ دراسة موضوعات تكون مناسبة لجنس دون الآخر والعكس .
من المعلوم أن هناك فروقا بين الرجال والنساء فهناك موضوعات مهمة للمرأة لا تناسب الرجل والعكس أيضا ، وإذا صار التعليم مختلطا تولدت هذه المشكلة ، جاء في كتاب ( جنس الدماغ ) : ( عن النساء يتم التحكم باللغة والمهارات المكانية بواسطة مراكز موجودة في كلا الجانبين من الدماغ ولكن أماكن هذه المهارات عند الرجال تكون أكثر تحديدا في موقعها ، فالجانب الأيمن للمهارات المكانية والأيسر للمهارات اللفظية ..ففي النساء يمكن تقسيم وظائف الدماغ بين الجانبين الأيمن والأيسر أقل وضوحا وتمركزاً فكلا جانبي الدماغ يشتركان في القدرات اللفظية والبصرية ..وأدمغة الرجال أكثر تخصصا في وظائفها ) وتؤكد الدراسات بأن ( الفروق في تنظيم الدماغ عند الرجال والنساء يؤدي إلى فروق في الفاعلية التي يستطيعون بها أداء مهمات معينة ) [ص61] ، وكثيرة هي الفروق التي ذكرها المؤلفان في هذا الكتاب ، ثم يؤكدان بأن من مشاكلنا ( نعمد فعليا إلى تعليم الفتيات والأولاد بأسلوب متطابق.........) [ص 144 ] ([58])
16 ـ انتشار الزواج العرفي بين الطلاب والطالبات .
( الزواج العرفي بين طلبة الجامعات أصبح قضية الساعة وأصبح أيضا ظاهرة اجتماعية مفزعة تسئ إلى سمعة الأسر المصرية وتسئ إلى سمعة الجامعات والكليات المختلفة وتزلزل بنيان الأخلاق والفضيلة ؛ لأن الزواج في هذه الحالات ما هو إلا نزوة عابرة تتم دون أخذ رأي الأهل أو الوالدين أو ولي الأمر ويتم دون مهر أو توفير مسكن ودون توفير متطلبات الحياة ؛ لأن الزواج مازال طالبا بالجامعة !! وفي حالة الحمل يتم الإجهاض أو يرمي الطفل في ملاجئ اللقطاء وتكون الضحية هي الفتاة المراهقة التي سلمت نفسها لذئب غادر .
إنها لجريمة أخلاقية ونذير شؤوم بانحلال المجتمع فالظاهرة المفزعة تنتشر كانتشار النار في الهشيم والإحصائيات التي بين يدي تبين أن ما يقرب من 175 ألف طالبة تم زواجهن عرفيا فإلى متى ننتظر ؟!! هل ننتظر إلى أن يبلغ السيل الزنى؟!! ...إن القضاء على هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة يتمثل في إعادة النظر بالنسبة للتعليم المختلط في الجامعات المصرية فاختلاط الجنسين في الجامعات وفي سن المراهقة واشتعال الغرائز هو أصل الفساد فلا يمكن أن نضع الزيت بجانب النار ونضمن السلامة أو نضع الذئب بجانب الشاة ونضمن السلامة ، والدليل على صحة كلامي أن الزواج العرفي يكاد ينعدم بين طلاب جامعة الأزهر لعدم الاختلاط ) ([59]) .
17 ـ الجوع الجنسي لدى الطلاب والطالبات .
( نقلت جريدة الأحد اللبنانية في العدد [650] عن الفضائح الجنسية في الجامعات والكليات الأمريكية ، ماذا قالت الجريدة بالحرف الواحد ؟ ( الفضائح الجنسية في الجامعات والكليات الأمريكية بين الطلبة والطالبات تتجدد وتزداد كل عام ..وقال عميد الجامعة معقبا على حدث جنسي شاذ قائلا : إن معظم الطلاب والطالبات يعانون جوعاً جنسيا رهيبا ، ولا شك أن الحياة العصرية الراهنة لها أكبر الأثر في تصرفات الطلاب الشاذة )
ونقلت الجريدة عن المربية الاجتماعية ( مرغريت سميث ) حديثا قالت فيه : ( إن الطالبة لا تفكر إلا بعواطفها ، والوسائل التي تتجاوب مع هذه العاطفة ، إن أكثر من ستين بالمائة من الطالبات سقطن في الامتحانات ، وتعود أسباب الفشل إلى أنهن يفكرن في الجنس أكثر من دروسهن وحتى مستقبلهن ..... وأن 10 % منهن ما زلن محافظات ) ([60]) .
18 ـ تقيد حرية الطالبة .
مما لا شك فيه إن ( إحساس المرأة بالحرية وهي وسط مجموعة من بنات جنسها ..واضح لا يحتاج إلى حديث طويل ، وبيان مسهب ، ويلاحظه أي رجل يدخل مجتمعاً نسائيا ، حيث تتوقف النسوة عن الحديث ، ويفتقدن الحرية التي كن يشعرن بها .
ويظهر جلياً إحساسهن بأن دخول الرجل عليهن ..أوجد ما يشبه القيد على حرية تبادلهن الحديث ..بل وجلوسهن ..وضعهن عامة وهذا ما عبرت عنه قاضية سويدية اسمها ( بر يجيدا أولف هامر ) طافت عواصم الشرق ومدنه وقراه ، ودرست ـ لحساب الأمم المتحدة ـ مشاكل المرأة الشرقية العربية على الطبيعة ، فقد قالت هذه القاضية : إن المرأة الشرقية في قطاعات كثيرة من الحياة ، أكثر حرية من المرأة السويدية ، لأن الحرية ـ كما تقول ـ هي أن يكون للإنسان عالمه الخاص المستقل ، على العكس من حال المرأة السويدية ..التي ليس لها عالم لم يشاركها فيه الرجل ) ([61]) .
19 ـ انتشار الأمراض الجنسية بين الطلاب والطالبات .
الاختلاط في التعليم أصبح سبباً لانتشار مرض الإيدز، (( ففي سوازيلاند قرر المسؤولون إلقاء اللوم على التنورات القصيرة في انتشار مرض الإيدز. ويدعي هؤلاء المسؤولون أن فتيات المدارس اللاتي يرتدين هذه التنورات القصيرة، يعملن على إغواء مدرسيهن؛ مما يعرض المزيد من الناس لخطر مرض الإيدز. ويقول متحدث باسم وزارة التعليم في سوازيلاند: نحن نعيش في زمن صعب؛ بسبب تفشي فيروس مرض الإيدز، ونحتاج – كذلك – إلى معالجة مسألة اللبس وسط الطلاب والطالبات؛ لأن مرض الإيدز بدأ من هناك ([62]).
وبدءاً من العام القادم سيطلب من الطالبات فوق سن العاشرة ارتداء تنورات تغطي الركبتين )) ([63]).
المبحث الخامس
الفصل بين الجنسين رغبة الأغلبية العظمى
مما يلاحظ رغبة الطلاب والطالبات بانعزال كل واحد منهما عن الآخر ، فقد قال ( البروفيسور أميليو أفيانو ) : ( أن الأولاد يفضلون الفصل في الدراسة حتى لا يتحتم عليهم الالتزام ببعض التصرفات التي يرونها ضرورية في حضور الفتيات ، والأمر نفسه صحيح بالنسبة للفتيات حيث يعتبرن الاختلاط معرقلا لتقدمهن الدراسي ويضيع ويهدر كثيرا من وقتهن في التزين) ([64]) .
وأوردت صحيفة المدينة ([65]) خبراً جاء فيه: (( إن بعض طالبات إحدى المدارس الثانوية بغرب باريس، رفضن الدراسة في فصول مختلطة مع الشباب، وقررن الانقطاع عن الدراسة؛ حتى يتم تلبية مطالبهن، بإبعادهن عن الاختلاط، ووجهة نظرهن أنه غير مجد.
وقد رضخت السلطات للأمر، وأمرت بإبعاد الطالبات عن الطلبة مؤقتاً؛ ريثما يتم البحث عن حلول كفيلة تجاه المشاكل التي جلبها الاختلاط غير المشروع)).
كما أوردت وكالات الأنباء العالمية أن ثورة بدأت في معهد ((ميلز أوكلند)) النسائي، الخاص بولاية كاليفورنيا، حيث ترفض الغالبية العظمى من الطالبات القبول بانضمام شبان إلى المعهد ابتداء من العام المقبل.
وكانت هذه المؤسسة الجامعية المعروفة بهدوئها، والمتخصصة في الدراسات الفنية، تعج بالمظاهرات، في وقت بدأ فيه إضراب شامل عن الدروس، واستقبلت رئيسة الجامعة بالاعتراضات وصرخات الاحتجاج.
وسوغ مجلس الإدارة قراره – بوضع حد لسياسة عدم الاختلاط بين الجنسين التي يتبعها منذ 138عاماً – بضرورة رفع عدد الطلاب المسجلين في المعهد، ولا توجد - حالياً – سوى( 777 ) طالبة، في حين أن المطلوب هو( 1000) طالبة على الأقل؛ لتغطية كلفة المعهد.
وقالت إحدى الطالبات –التي عبرت عن معارضتها للقرار بحلق شعرها-: (لم أكن قادرة على التفكير بأنهم سيتجاهلوننا إلى هذا الحد). وأعرب الكثير من الفتيات عن رغبتهن في مغادرة الجامعة )) ([66]).
(( وما دامت تغطية تكاليف المعهد هي المبرر الذي ذكر مجلس الإدارة أنه وراء إصداره قرار قبول الطلبة الذكور، فقد استنفرت الطالبات، وبدأن في جمع التبرعات للمعهد، ونجحن خلال أسبوعين من جمع ثلاثة ملايين دولار للجامعة. وكسبن الجولة مع إدارة الجامعة، وعدل مجلس الإدارة عن قراره بفتح أبواب الجامعة أمام الذكور؛ لترجع الجامعة غير مختلطة، مقتصرة على الطالبات فقط.
وهذه الحادثة تشير إلى قوة الدافع في نفوس الطالبات برفض اختلاط الطلبة الذكور بهن في الجامعة. وتتأكد قوة الدافع الفطري في أمور هي:
- الإضراب الشامل عن الدروس.
- تظاهرات احتجاج شديدة وعنيفة.
- بذل جهود كثيفة لجمع ثلاثة ملايين دولار في زمن قياسي.
- إعراب كثير من الفتيات عن رغبتهن في مغادرة الجامعة ([67]).
ويوجد في كاليفورنيا معهدان نسائيان آخران، في حين أن عدد المعاهد والكليات المماثلة في كل الولايات المتحدة تبلغ المئات، وتلقى إقبالاً كبيراً من الفتيات في متابعة دراستهن فيها ([68]).
( وتقدمت الطالبات في أربع كليات في جامعتي أوكسفورد وكامبردج الشهيرتين في إنجلترا يطلبن المحافظة على وضع الكليات وعدم السماح للطلبة الالتحاق بها ) ([69]) .
وفي دولة عربية شقيقة ( الكويت ) جرى فيها حوارات ولقاءات في هذه القضية وكان ( معظم طلبة الجامعة يعارضون الاختلاط ما بين الجنسين وأكبر دليل على ذلك نتائج الانتخابات السنوية التي يصوت فيها الآلاف من الطلبة تجاه ممثليهم من معارضي الاختلاط موضحا أن نتائج التصويت البرلماني على قانوني منع الاختلاط في جامعة الكويت والجامعا الخاصة أكبر دليل على أن التوجه الشعبي مع منع الاختلاط ) ([70]) .
ويقول الدكتور بسام خضر الشطي : ( أجري في الجامعة أكثر من استبيان حول الجامعات المختلطة فكانت النتائج أن 93 % لا يرغبون في الاختلاط ، ولو أتيحت لهم فرصة وخيار آخر لجامعة غير مختلطة للجأوا إليها ) ([71]) .
وفي دراسة الأستاذة فاطمة مناصرة جاء فيها :
( السؤال الأول : هل يعد الاختلاط في الدراسة بنظرك مشكلة ؟
ـ أجاب 77 % من الطلاب والطالبات بنعم . )
وأخيرا ..وبعد هذا العرض ...أيليق أن يبقى أناس يجرون الأمة إلى مستنقع الاختلاط القاتل للقيم والمبادئ والأخلاق ..وهذه تجارب أقوام ..واعترافاتهم ، فلماذا لا نتعظ من هذا الدرس العملي الذي رأيناه من خلال الدراسات والاعترافات .
نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين وأن يكفينا شر أنفسنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه .
ملحق بفتاوى العلماء
حكم الاختلاط في التعليم([72])
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد اطلعت على ما نشرته جريدة السياسة الصادرة يوم 24 / 7 / 1404 هـ بعددها 5644 منسوبا إلى مدير جامعة صنعاء عبد العزيز المقالح, الذي زعم فيه أن المطالبة بعزل الطالبات عن الطلاب مخالفة للشريعة.
وقد استدل على جواز الاختلاط بأن المسلمين من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يؤدون الصلاة في مسجد واحد، الرجل والمرأة وقال (ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد)، وقد استغربت صدور هذا الكلام من مدير لجامعة إسلامية في بلد إسلامي يطلب منه أن يوجه شعبه من الرجال والنساء إلى ما فيه السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولا شك أن هذا الكلام فيه جناية عظيمة على الشريعة الإسلامية؛ لأن الشريعة لم تدعُ إلى الاختلاط حتى تكون المطالبة بمنعه مخالفة لها، بل هي تمنعه وتشدد في ذلك كما قال الله تعالى (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )) (الأحزاب:33) ، وقال تعالى (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )) (الأحزاب:59)
وقال سبحانه (( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ )) (النور:31) إلى أن قال سبحانه (( وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ))(47/81)
وقال تعالى (( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )) (الأحزاب:53) ، وفي هذه الآيات الكريمات الدلالة الظاهرة على شرعية لزوم النساء لبيوتهن حذرا من الفتنة بهن، إلا من حاجة تدعو إلى الخروج، ثم حذرهن سبحانه من التبرج تبرج الجاهلية، وهو إظهار محاسنهن ومفاتنهن بين الرجال،
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )) متفق عليه من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه وخرجه مسلم في صحيحه عن أسامة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنهما جميعا،
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )) ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الفتنة بهن عظيمة، ولا سيما في هذا العصر الذي خلع فيه أكثرهن الحجاب، وتبرجن فيه تبرج الجاهلية، وكثرت بسبب ذلك الفواحش والمنكرات وعزوف الكثير من الشباب والفتيات عما شرع الله من الزواج في كثير من البلاد، وقد بين الله سبحانه أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع فدل ذلك على أن زواله أقرب إلى نجاسة قلوب الجميع وانحرافهم عن طريق الحق، ومعلوم أن جلوس الطالبة مع الطالب في كرسي الدراسة من أعظم أسباب الفتنة، ومن أسباب ترك الحجاب الذي شرعه الله للمؤمنات ونهاهن عن أن يبدين زينتهن لغير من بينهم الله سبحانه في الآية السابقة من سورة النور، ومن زعم أن الأمر بالحجاب خاص بأمهات المؤمنين فقد أبعد النجعة وخالف الأدلة الكثيرة الدالة على التعميم وخالف قوله تعالى (( ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )) فإنه لا يجوز أن يقال، إن الحجاب أطهر لقلوب أمهات المؤمنين ورجال الصحابة دون من بعدهم ولا شك أن من بعدهم أحوج إلى الحجاب من أمهات المؤمنين ورجال الصحابة رضي الله عنهم لما بينهم من الفرق العظيم في قوة الإيمان والبصيرة بالحق فإن الصحابة رضي الله عنهم رجالا ونساء ومنهن أمهات المؤمنين هم خير الناس بعد الأنبياء وأفضل القرون بنص الرسول صلى الله عليه وسلم المخرج في الصحيحين، فإذا كان الحجاب أطهر لقلوبهم فمن بعدهم أحوج إلى هذه الطهارة أشد افتقارا إليها ممن قبلهم ولأن النصوص الواردة في الكتاب والسنة لا يجوز أن يخص بها أحد من الأمة إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص فهي عامة لجميع الأمة في عهده صلى الله عليه وسلم وبعده إلى يوم القيامة لأنه سبحانه بعث رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين في عصره وبعده إلى يوم القيامة كما قال عز وجل (( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا )) وقال سبحانه (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا )) وهكذا القرآن الكريم لم ينزل لأهل عصر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أنزل لهم ولمن بعدهم ممن يبلغه كتاب الله كما قال تعالى (( هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ))
وقال عز وجل (( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ )) الآية وكان النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يختلطن بالرجال لا في المساجد ولا في الأسواق الاختلاط الذي ينهى عنه المصلحون اليوم ويرشد القرآن والسنة وعلماء الأمة إلى التحذير منه حذرا من فتنته بل كان النساء في مسجده صلى الله عليه وسلم يصلين خلف الرجال في صفوف متأخرة عن الرجال وكان يقول صلى الله عليه وسلم (( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ))
حذرا من افتتان آخر صفوف الرجال بأول صفوف النساء وكان الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم يؤمرون بالتريث في الانصراف حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئلا يختلط بهن الرجال في أبواب المساجد مع ما هم عليه جميعا رجالا ونساء من الإيمان والتقوى فكيف بحال من بعدهم وكانت النساء ينهين أن يتحققن الطريق ويؤمرن بلزوم حافات الطريق حذرا من الاحتكاك بالرجال والفتنة بمماسة بعضهم بعضا عند السير في الطريق وأمر الله سبحانه نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن حتى يغطين بها زينتهن حذرا من الفتنة بهن، ونهاهن سبحانه عن إبداء زينتهن لغير من سمى الله سبحانه في كتابه العظيم حسما لأسباب الفتنة وترغيبا في أسباب العفة والبعد عن مظاهر الفساد والاختلاط،
فكيف يسوغ لمدير جامعة صنعاء هداه الله وألهمه رشده بعد هذا كله، أن يدعو إلى الاختلاط ويزعم أن الإسلام دعا إليه وأن الحرم الجامعي كالمسجد، وأن ساعات الدراسة كساعات الصلاة، ومعلوم أن الفرق عظيم، والبون شاسع، لمن عقل عن الله أمره ونهيه، وعرف حكمته سبحانه في تشريعه لعباده، وما بين في كتابه العظيم من الأحكام في شأن الرجال والنساء، وكيف يجوز لمؤمن أن يقول إن جلوس الطالبة بحذاء الطالب في كرسي الدراسة مثل جلوسها مع أخواتها في صفوفهن خلف الرجال، هذا لا يقوله من له أدنى مسكة من إيمان وبصيرة يعقل ما يقول، هذا لو سلمنا وجود الحجاب الشرعي، فكيف إذا كان جلوسها مع الطالب في كرسي الدراسة، مع التبرج وإظهار المحاسن والنظرات الفاتنة والأحاديث التي تجر إلى فتنة،
فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله قال الله عز وجل (( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ))
وأما قوله : ( والواقع أن المسلمين منذ عهد الرسول كانوا يؤدون الصلاة في مسجد واحد الرجل والمرأة ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد )
فالجواب عن ذلك أن يقال : هذا صحيح ، لكن كان النساء في مؤخرة المساجد مع الحجاب والعناية والتحفظ مما يسبب الفتنة ، والرجال في مقدم المسجد ، فيسمعن المواعظ والخطب ويشاركن في الصلاة ويتعلمن أحكام دينهن مما يسمعن ويشاهدن ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في يوم العيد يذهب إليهن بعد ما يعظ الرجال فيعظهن ويذكرهن لبعدهن عن سماع خطبته ، وهذا كله لا إشكال فيه ولا حرج فيه وإنما الإشكال في قول مدير جامعة صنعاء- هداه الله وأصلح قلبه وفقهه في دينه- : ( ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد ) فكيف يجوز له أن يشبه التعليم في عصرنا بصلاة النساء خلف الرجال في مسجد واحد ، مع أن الفرق شاسع بين واقع التعليم المعروف اليوم وبين واقع صلاة النساء خلف الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم ، ولهذا دعا المصلحون إلى إفراد النساء عن الرجال في دور التعليم ، وأن يكن على حدة والشباب على حدة ، حتى يتمكن من تلقي العلم من المدرسات بكل راحة من غير حجاب ولا مشقة؛ لأن زمن التعليم يطول بخلاف زمن الصلاة؛ ولأن تلقي العلوم من المدرسات في محل خاص أصون للجميع وأبعد لهن من أسباب الفتنة ، وأسلم للشباب من الفتنة بهن ، ولأن انفراد الشباب في دور التعليم عن الفتيات مع كونه أسلم لهم من الفتنة فهو أقرب إلى عنايتهم بدروسهم وشغلهم بها وحسن الاستماع إلى الأساتذة وتلقي العلم عنهم بعيدين عن ملاحظة الفتيات والانشغال بهن ، وتبادل النظرات المسمومة والكلمات الداعية إلى الفجور .
وأما زعمه- أصلحه الله- أن الدعوة إلى عزل الطالبات عن الطلبة تزمت ومخالف للشريعة ، فهي دعوى غير مسلمة ، بل ذلك هو عين النصح لله ولعباده والحيطة لدينه والعمل بما سبق من الآيات القرآنية والحديثين الشريفين ، ونصيحتي لمدير جامعة صنعاء أن يتقي الله عز وجل وأن يتوب إليه سبحانه مما صدر منه ، وأن يرجع إلى الصواب والحق ، فإن الرجوع إلى ذلك هو عين الفضيلة والدليل على تحري طالب العلم للحق والإنصاف . والله المسئول سبحانه أن يهدينا جميعا سبيل الرشاد وأن يعيذنا وسائر المسلمين من القول عليه بغير علم ، ومن مضلات الفتن ونزغات الشيطان ، كما أسأله سبحانه أن يوفق علماء المسلمين وقادتهم في كل مكان لما فيه صلاح البلاد والعباد في المعاش والمعاد ، وأن يهدي الجميع صراطه المستقيم إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
الاختلاط بين الرجال والنساء ([73])
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه ويطلع عليه من إخواني المسلمين وفقني الله وإياهم لفعل الطاعات وجنبني وإياهم البدع والمنكرات . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . أما بعد :
فمن واجب النصح والتذكر أن أنبه على أمر لا ينبغي السكوت عليه بل يجب الحذر منه والابتعاد عنه وهو الاختلاط الحاصل من بعض الجهلة في بعض الأماكن والقرى مع غير المحارم لا يرون بذلك بأسا بحجة أن هذا عادة آبائهم وأجدادهم وأن نياتهم طيبة فتجد المرأة مثلا تجلس مع أخي زوجها أو زوج أختها أو مع أبناء عمها ونحوهم من الأقارب بدون تحجب وبدون مبالاة .
ومن المعلوم أن احتجاب المرأة المسلمة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دل على وجوبه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح ، قال الله سبحانه وتعالى : (( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )) وقال تعالى : (( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )) ، وقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )) والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة . قالت أم سلمة رضي الله عنها : ( لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها ) .
وفي هذه الآيات الكريمات دليل واضح على أن رأس المرأة وشعرها وعنقها ونحرها ووجهها مما يجب عليها ستره عن كل من ليس بمحرم لها وأن كشفه لغير المحارم حرام . ومن أدلة السنة (( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( لتلبسها أختها من جلبابها )) رواه البخاري ومسلم . فهذا الحديث يدل على أن المعتاد عند نساء الصحابة ألا تخرج المرأة إلا بجلباب . فلم يأذن لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج بغير جلباب .
وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس » وقالت : لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء ما رأينا لمنعهن من المساجد كما منعت بنوا إسرائيل نساءها فدل هذا الحديث على أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون وأكرمها على الله عز وجل ، وأعلاها أخلاقا وآدابا وأكملها إيمانا وأصلحها عملا ، فهم القدوة الصالحة لغيرهم .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : « كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جاوزونا كشفناه » رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة ففي قولها ( فإذا حاذونا ) تعني ( الركبان ) سدلت إحدانا جلبابها على وجهها دليل على وجوب ستر الوجه؛ لأن المشروع في الإحرام كشفه فلولا وجود مانع قوي من كشفه حينئذ لوجب بقاؤه مكشوفا .
وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة منها الفتنة التي تحصل بمظهر وجهها وهي من كبر دواعي الشر والفساد ومنها زوال الحياء عن المرأة وافتتان الرجال بها . فبهذا يتبين أنه يحرم على المرأة أن تكشف وجهها بحضور الرجال الأجانب ويحرم عليها كشف صدرها أو نحرها أو ذراعيها أو ساقيها ونحو ذلك من جسمها بحضور الرجال الأجانب ، وكذا يحرم عليها الخلوة بغير محارمها من الرجال ، وكذا الاختلاط بغير المحارم من غير تستر ، فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل منها حياء ولا خجل من مزاحمة الرجال ، وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عظيم .
وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم من المسجد وقد اختلط النساء مع الرجال في الطريق فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق )) فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق به من لصوقها . ذكره ابن كثير عند تفسير قوله تعالى : (( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ )) فيحرم على المرأة أن تكشف وجهها لغير محارمها بل يجب عليها ستره كما يحرم عليها الخلوة بهم أو الاختلاط بهم أو وضع يدها للسلام في يد غير محرمها وقد بين سبحانه وتعالى من يجوز له النظر إلى زينتها بقوله : (( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))
أما أخ الزوج أو زوج الأخت أو أبناء العم وأبناء الخال والخالة ونحوهم فليسوا من المحارم وليس لهم النظر إلى وجه المرأة ولا يجوز لها أن ترفع جلبابها عندهم لما في ذلك من افتتانهم بها فعن عقبة ابن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال الحمو الموت )) متفق عليه . والمراد بالحمو أخ الزوج وعمه ونحوهما؛ وذلك لأنهم يدخلون البيت بدون ريبة ولكنهم ليسوا بمحارم بمجرد قرابتهم لزوجها وعلى ذلك لا يجوز لها أن تكشف لهم عن زينتها ولو كانوا صالحين موثوقا بهم؛ لأن الله حصر جواز إبداء الزينة في أناس بينهم في الآية السابقة وليس أخ الزوج ولا عمه ولا ابن عمه ونحوهم منهم وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : (( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم )) والمراد بذي المحرم من يحرم عليه نكاحها على التأييد لنسب أو مصاهرة أو رضاع كالأب والابن والأخ والعم ومن يجرى مجراهم " .
وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك لئلا يرخي لهم الشيطان عنان الغواية ويمشي بينهم بالفساد ويوسوس لهم ويزين لهم المعصية . وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما )) رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ومن جرت العادة في بلادهم بخلاف ذلك بحجة أن ذلك عادة أهلهم أو أهل بلدهم فعليهم أن يجاهدوا أنفسهم في إزالة هذه العادة وأن يتعاونوا في القضاء عليها والتخلص من شرها محافظة على الأعراض وتعاونا على البر والتقوى وتنفيذا لأمر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى مما سلف منها وأن يجتهدوا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويستمروا عليه ولا تأخذهم في نصرة الحق وإبطال الباطل لومة لائم ولا يردهم عن ذلك سخرية أو استهزاء من بعض الناس فإن الواجب على المسلم اتباع شرع الله برضا وطواعية ورغبة فيما عند الله وخوف من عقابه ، ولو خالفه في ذلك أقرب الناس وأحب الناس إليه . ولا يجوز اتباع الأهواء والعادات التي لم يشرعها الله سبحانه وتعالى؛ لأن الإسلام هو دين الحق والهدى والعدالة في كل شيء ، وفيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والنهي عما يخالفها والله المسئول أن يوفقنا وسائر المسلمين لما يرضيه وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه جواد كريم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
س/ : قام المركز الإسلامي في مدينتنا بتنظيم محاضرة للنساء ، وقام المحاضر بإلقاء المحاضرة مباشرة من دون حاجز أو حجاب رغم معارضة بعض النساء لذلك وعدم رضاهن ، ورغم وجود نساء كاشفات وجوههن وأيديهن ، وكان بالإمكان إلقاء المحاضرة من وراء ستار ونتيجة لذلك حدث نقاش طويل بين بعض المسلمين عندنا ، خصوصاً وان إدارة المسجد ممثلة في اللجنة المنظمة رفضت أن يقوم أحد طلبة العلم في نفس اليوم بإلقاء محاضرة من وراء حجاب ، وقد زاد من الخصومة أن المحاضر قال : ( إن آية (( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ)) خاصة نزولاً وحكماً بزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يجوز تطبيقها على غيرهن ؟ وقال أيضاً إجابة على سؤال حول الاختلاط : ( إن المحرم شرعاً هو الخلوة فقط ولذلك لا مانع من استضافة المرأة للرجل الأجنبي في حال عدم الخلوة ؟ وقال أيضاًًً : ( أنه لا يرى أن تنتقب المرأة في البلاد الغربية حتى لا تعطي صورة غير مقبولة عن الإسلام )؟
وسؤالنا يا فضيلة الشيخ :
ما رأيكم فيما حدث ؟ وهل يجوز ذلك شرعاً ؟ وما رأيكم فيما قاله المحاضر حول الاختلاط والنقاب ؟ وهل يجوز الإنكار عليه ؟
ج: لا شك أن ما فعله هذا المحاضر لا يجوز في الإسلام فإن وقوف الرجل أمام النساء المتبرجات من أعظم أسباب الفتنة ولو أمنه هذا الرجل لم يأمنه غيره ومتى فتح الباب لهم توصلوا إلى المحظور من النظر المحرم وما يجره من الفواحش ، وقد نهى الله تعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم عن التبرج بقوله (( وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)) (الأحزاب:33) وهذا الخطاب يعم كل المؤمنات لأن الوجه هو مجمع محاسن المرأة وبه تحصل الفتنة ويحصل التقارب ، فإن بقية جسدها قد لا يحصل به تفاوت بين النساء ولا شك أن النساء فتنة لكل مفتون ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( اتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )) ولما أذن لهن في الصلاة في المسجد قال : (( وليخرجن تفلات )).
وقال : (( وبيوتهن خير لهن )) وذكرت عائشة أنه يشهد صلاة الفجر نساء متلفعات بمروطهن وقالت عائشة « لو شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثه النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل » ولما أمرهن بالخروج لصلاة العيد قلن : (( إحدانا ليس لها جلباب )) قال : (( لتلبسها صاحبتها من جلبابها)) والجلباب هو الرداء الذي تلتف به امتثالاً لقوله تعالى (( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ )) (الأحزاب:59) فالمرأة إذا تسترت واحتشمت عرف بصفتها وحيائها ودينها فلا يتجرأ أحد أن يؤذيها معاكسة أو مكالمة أو ممازحة ولذلك نهيت المرأة عن السفر بدون محرم حتى لا تتعرض لأذى من ذوي النفوس الرديئة وأما قوله تعالى (( فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ)) (الأحزاب:53) فهو وإن كان خطاباً لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وذلك لوجود العلة التي في قوله تعالى (( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ )) (الأحزاب:32) فإذا كان هذا الطمع في أمهات المؤمنين فلا بد أن يكون في غيرهن بطريق الأولى ، فإن الله اختار لنبيه أفضل النساء وأعفهن ومع ذلك أمرهن بالحجاب ونهاهن عن الخضوع بالقول صيانة لهن ،فغيرهن أولى بالصيانة والتحفظ والبعد عن أسباب العهر والفتنة وعلى هذا فيحرم أن تستضيف المرأة رجلاً أجنبياً ولو كان معه رجال أو معها نساء إذا كان هناك سفور وتبرج وعدم محرم للمرأة ، وقد وردت الأدلة على النهي عن خلوة الرجل بالمرأة إلا مع ذي محرم ، ولم يفرق بين وجود النساء أو الرجال الأجانب ، وعلى هذا فإذا احتيج إلى إلقاء محاضرة للنساء فلا بد من حاجز وستار قوي يمنع من النظر حتى لا تحصل الفتنة ويلزم المرأة أن تستر جميع بدنها بما في ذلك الوجه واليدان أمام الرجال الأجانب ، ولو كانت في بلاد الكفار حتى تظهر شعائر الإسلام وذلك يعطي صورة حسنة عن الإسلام وأهله ولا عبرة بمن استغرب ذلك و أنكره ممن قد يرون المنكر معروفاً والمعروف منكراً والله أعلم .([74])
خطر الاختلاط بين الجنسين في المدارس والجامعات
سئل فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين حفظه الله : شاب يقول إنه من أسرة غنية يدرس في مدرسة مختلط مما ساعده على إقامة علاقات شائنة مع الجنس الآخر وقد غرق في المعاصي . فماذا يفعل حتى يقلع عما هو فيه ؟ وهل له من توبة فماذا يفعل حتى يقلع عما هو فيه ؟ وهل له من توبة ؟ وما شروط هذه التوبة .
فأجاب : في هذا السؤال مسألتان :
الأولى : ما ينبغي أن نوجه للمسئولين في الدول الإسلامية حيث مكنوا شعوبهم من الدراسة في مدارس مختلطة لأن هذا الوضع مخالف للشريعة الإسلامية وما ينبغي أن يكون عليه الملمون .
ولقد قال صلى الله عليه وسلم (( خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها )) وذلك لأن الصف الأول قريب من الرجال والصف الآخر بعيد منهم فإذا كان التباعد بين الرجال والنساء وعدم الاختلاط بينهم مرغباً فيه حتى في أماكن العبادة كالصلاة التي يشعر المصلي فيها بأنه بين يدي ربه بعيداً عما يتعلق بالدنيا فما بالك إذا كان الاختلاط في المدارس ؟ أفلا يكون التباعد وترك الاختلاط أولى ؟ إن اختلاط الرجال بالنساء لفتنة كبرى زينها أعداؤنا حتى وقع فيها الكثير منا .
وفي صحيح البخاري عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه وهو يمكث في مقامه يسيراً قبل أن يقول قالت – نرى والله أعلم – أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال .(47/82)
إن على المسئولين في الدول الإسلامية أن يولوا هذا الأمر عنايتهم وأن يحموا شعوبهم من أسباب الشر والفتنة فإن الله تعالى سوف يسألهم عمن ولاهم عليه وليعلوا أنهم متى أطاعوا الله تعالى وحكموا شرعه في كل قليل وكثير من أمورهم فإن الله تعالى سيجمع القلوب عليهم ويملؤها محبة ونصا لهم وييسر لهم أمورهم وتدين لهم شعوبهم بالولاء والطاعة .
ولتفكر الأمة الإسلامية حكاماً ومحكومين بما حصل من الشر والفساد في ذلك الاختلاط وأحلى مثال لذلك وأكبر شاهد ما ذكره هذا السائل من العلاقات الشائنة التي نحاول الآن التخلص من آثارها وآثامها .
إن فتنة الاختلاط يمكن القضاء عليها بصدق النية والعزيمة الأكيدة على الإصلاح وذلك بإنشاء مدارس ومعاهد وكليات وجامعات تختص بالنساء ولا يشاركهن فيها الرجال .
وإذا كان النساء شقائق الرجال فلهن الحق في تعلم ما ينفعهن كما للرجال لكن لهن علينا أن يكون حقل تعليمهن في منأى عن حقل تعليم الرجال . وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : جاءت امرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله فقال: (( اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا)) فاجتمعن فأتاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله ..الحديث وهو ظاهر في إفراد النساء للتعليم في مكان خاص إذ لم يقل لهن ألا تحضرن مع الرجال . أسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين عموماً للسير على ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لينالوا بذلك العزة والكرامة في الدنيا والآخرة .
أما المسألة الثانية : فهي سؤال السائل الذي ذكر عن نفسه أنه غارف في المعاصي بإقامة العلاقات الشائنة بالجنس الآخر ، ماذا يفعل وهل له من توبة وما شروطها فإني أبشره أن باب التوبة مفتوح لكل تائب وأن الله يحب التوابين ويغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها قال الله تعالى (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) (الزمر:53).
فإذا تبت عن هذا العمل الذي جرى منك فإن الله تعالى يبدل سيئاتك حسنات يقول الله تعالى (( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً)) (الأحزاب:68-71)
وأما شروط التوبة فهي خمسة :
الشرط الأول : أن تكون التوبة خالصة لله عز وجل لا رياء فيها ولا خشية أحد من المخلوقين وإنما تكون ابتغاء مرضاة الله تعالى لأن كل عمل يتقرب به الإنسان إلى ربه غير مخلص فيه فإنه حابط باطل قال الله تعالى في الحديث القدسي " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيها أحداً غيري تركته وشركه "
الشرط الثاني : أن يندم على ما فعله من الذنب ويتأثر ، ويرى نفسه خاطئا في ذلك حتى يشعر أنه محتاج لمغفرة الله وعفوه .
الشرط الثالث : الإقلاع عن الذنب إن كان متلبساً به لأنه لا توبة مع الإصرار على الذنب فلو قال المذنب إني تائب من الذنب وهو يمارسه لعد ذلك من الاستهزاء بالله عز وجل . إنك لو خاطبت أحداً من المخلوقين وقلت له إنني نادم على ما بدر مني لك من سوء الأدب وأنت تمارس سوء الأدب معه فكأنك تستهزئ به والرب عز وجل أعظم وأجل من أن تدعى أنك تبت من معصية وأنت مصر عليها .
الشرط الرابع : العزم على ألا يعود إلى المعصية في المستقبل .
الشرط الخامس : أن تكون التوبة في وقتها الذي تقبل فيه من التائب بأن تكون قبل أن يعاين الإنسان الموت وقبل أن تطلع الشمس من مغربها فإن كانت بعد طلوع الشمس من مغربها لن تنفع لقوله تعلى : (( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ)) (الأنعام:158) وهذا البعض هو طلوع الشمس من مغربها كذلك عند حضور الموت لأن الله تعالى قال : (( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً )) (النساء:18).
هذه الشروط الخمسة إن تحققت فيك فإن توبتك مقبولة إن شاء الله.
الاختلاط بين الرجال والنساء فتنة كبيرة
س/ سئل فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين حفظه الله :
في الجامعات عندنا بمصر اختلاط شديد بين الطلبة و الطالبات فماذا نفعل ونحن في حاجة لهذه الدراسة لخدمة الإسلام والمسلمين في بلدنا وعدم ترك هذه الأماكن لغير المسلمين يتحكموا بعد ذلك في شئون المسلمين الهامة مثل الطب و الهندسة وغيره ؟
الاختلاط بين الرجال والنساء فتنة كبيرة فتحرزوا منه ما أمكن وأنكروه ما استطعتم نسأل الله لنا ولكم السلامة .([75])
* * *
س / هناك مدارس في بعض البلاد تدعوا إلى التوحيد وإلى الكتاب والسنة غير أن هناك مشكلة وهي أن مدرسي هذه المدارس يعلمون الفتيات والنساء بدون أي حجاب بينهم وبعضهم كاشفات للوجوه . فما نصيحتكم لهؤلاء ؟ وهل يجوز لهم أن يعلموا أولئك الفتيات والنسوة على هذه الصورة ؟ أفيدونا بارك الله فيكم .
ج/ لا يجوز الجمع بن الفتيان والفتيات في محيط واحد ولو كن صغيرات ولا يجوز جمعهم للدراسة مع كون الفتيات متكشفات إذا وصلن إلى سن البلوغ أو نحو ذلك فإن جمعهن مع الصبيان في محيط واحد وسيلة إلى الفتنة وإلى وقوع الفاحشة و المنكر ونحو ذلك .
ونحن نقول : مادام إن هذه المدارس تعلم التوحيد وتعلم القرآن والسنة وتعلم الدين الصحيح فإن كانت هذه المدارس حكومية بخاصة فإن على القائمين بها أن يسعوا عند الحكومة في الفصل بينهم ولا يتخلون عنها ويقولون : لا نتولاها وهي على هذه الحلة . أو يقولون لأولياء الأمور .لا تدخلوا بناتكم فيه واقتصروا على تعليمهم التوحيد في منازلهن وفي بيوتهن .
وأما إذا كانت هذه المدارس أهلية يقوم عليها الأهالي بتبرعات ، منهم من يتبرع بعمله ومنهم من يتبرع بماله ونحو ذلك فإن تغييرها سهل يسير بأن يتفق الأهالي على أن يجعلوها قسمين كأن يكون العلوي للذكور والسفلي للإناث أو يحجزوا بينهم بحاجز ويفصلوا بينهم بفاصل . ويتولى البنات نساء مأمونات ويتولى الذكور رجال مأمونون.وبذلك تتم المصلحة ويزول المنكر إن شاء الله.([76])
س / ما حكم اختلاط الطلبة والطالبات في الدراسة الجامعية في الوقت الحاضر ، وبيان الإضرار التي تنجم عن الاختلاط ؟ ([77])
وقد أجاب على هذا السؤال العديد من أهل العلم فمنهم :
ما قاله فضيلة الشيخ علي بن حسن البولاقي ـ عضو هيئة تحرير الموسوعة الفقهية بوزارة الأوقاف بالكويت ـ : ( لا ينبغي أن يشك مسلم في أن الاختلاط المذكور حرام شرعاً لأنه من محركات الشهوات وعوامل إغرائها وتهييجها .
فليس هو أقل من الأمور التي حرمها الإسلام قصداً إلى تطهير الوسط الاجتماعي كالنظر واللمس والخلوة والتكشف وإظهار الزينة والتطيب والخضوع بالقول وإظهار صوت الخلخال ..) إلى أن قال : ( فاختلاط الطلبة والطالبات في الجامعة في الوقت الحاضر ليس كهذا الاختلاط المأذون فيه ، وقد علم بالتجربة أنه لو فتح هذا الباب لم يكن تقييده بالزام الطالبات الملابس الشرعية والأماكن الخلفية ولا بعدم السير مع الطلبة في ساحة الجامعة وبين طرقاتها وفي الصعود والهبوط على درجات السلم ولا بغير ذلك من القيود .
فالذي يفتي بجواز الاختلاط ويقيد فتواه بالقيود التي تجعله متفقاً مع مبادئ الإسلام لا يكون في فتياه ناظراً إلى الواقع لأن هذا الباب متى فتح ضرب بهذه القيود عرض الحائط ، فالفتيا بهذا خيانة لله والرسول والأمانة وقد قال الله تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )) ( الأنفال:27)
وأما النقطة الثانية وهي بيان الأضرار التي تنجم عن الاختلاط على ضوء تجارب الجامعات المختلطة فهي :
أن يروج في الأمة مستقبلا ما هو رائج في أمم الغرب الآن من فقد الحياء وزوال العفة وغلبة الفواحش فتقع الأمراض السرية كالأوبئة ويتبدد نظام العائلة والبيت ويكثر الطلاق والتفريق ويتربى الشبات والشابات على قضاء الشهوات أحراراً من كل قيد ويضيع الفتية والفتيات خير ما أوتوا من قوة العمل وصحة الجسم في شهواتهم المجاوزة لحدود الاعتدال . )
وقال فضيلة الشيخ أبو الأعلى المودودي ـ رئيس الجماعة الإسلامية في باكستان ـ : ( ..التعليم المختلط قد أسفر في أمريكا وأوربا عن نتائج سيئة تكاد تدمر المجتمعات فيها ، وقد بلغ الأمر فيهما إلى أن ما بين ستين بالمائة وسبعين في المائة من مجموع الفتيات اللواتي يدرسن في المعاهد المختلطة مارسن التجارب الجنسية قبل الزواج ، ونسبة اللواتي يحملن منهن أثناء التعليم مرتفعة جدا ، وكل ذلك بسبب التعليم المختلط ، ونرى الصحف الأمريكية والأوربية تصدر مملوءة بالتقارير والدراسات عن هذه الأحداث ..)
وقال فضيلة الشيخ محمد بن نمر الخطيب ـ رئيس جمعية الرابطة الإسلامية في لبنان ـ : ( إن الاختلاط بهذه الكيفية التي جاء شرحها في السؤال لا يختلف في حرمتها اثنان من المسلمين ولا ينكر مساوئها ومفاسدها من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، وكان ينبغي على إخواننا في الكويت أن يعتبروا بما حصل ويحصل في العالم العربي والإسلامي من فوضى خلقية ومفاسد متعددة لم تترك بيتاً ولا مكانا مما سبب هذا التأخير وهذه النكسات المتواصلة وهذا الذل المخيم على بلاد العرب والمسلمين من جراء مخالفتهم لله عز جل ، ومن أشد هذه المخالفات إثما عند الله هذه الفوضى الخلقية الناشئة من الاختلاط ومن ارتداء النساء للألبسة المغرية تقليدا لفجور الأجانب وانحرافا عن دين الله سبحانه وتعالى ..)
وقال فضيلة الشيخ نجم الدين الواعظ ـ مفتي الديار العراقية ـ ( لقد وردنا سؤالكم ...يتضمن إرادة البعض جواز اختلاط الإناث الذكور الذي لا يجوزه دين من الأديان السماوية ولا سيما دين الإسلام دين الغيرة والشهامة والمروءة والإنصاف ..إني لأعجب من العربي الأبي المسلم المملوء غيرة وشهامة أن يتساهل في أمر الاختلاط بين الجنسين وماذا يحدث عند تقارب النار مع البنزين وهذا لا ينكره منصف ولو بلغ من العمر الثمانين سنة ولقد جائتنا هذه العدوى من الأجنبي .
لا تربط الجرباء حول صحيحة خوفي على تلك الصحيحة تجرب فماذا دهاكم وأنتم عرب خلص معزولون عن الأغيار ..)
وقال فضيلة الشيخ عبدالله القلقيلي ـ مفتي المملكة الأردنية سابقا ـ : ( الاختلاط الذي يكون بجلوس الطالب إلى جانب الطالبة في المقاعد التي يستمع فيها الطلاب الدروس وفي الساحات والذي يتمكن فيه الطلاب من خلوة بعضهم ببعض ، هذا الاختلاط مما لا يبيحه الشرع الإسلامي بل يحظره ويكرهه وينكره ، وذلك لما يؤدي إليه من الفساد وذهاب الفضائل وهتك الحرمات وإنمحاء الآداب ومس الكرامات كما أنه يؤدي إلى امتناع الطلاب عن الدرس والجد في سبيل كسب العلوم والمعارف والانقياد إلى هوى النفس وذلك مما لا نزاع فيه ولا ينكره إلا كل مكابر للباطل منقاد ومناصر ، وأن ما كان كذلك فإن الشرع الإسلامي يمنعه ويحاربه ويمقته كما أنه من المعلوم من الإسلام بالضرورة أن من قواعده سد الذرائع إلى الشرور والمفاسد ..)
وقال فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : ( إن من الغريب أن يوجد في أمة مسلمة عربية اختلاط الجنسين في الجامعات والمدارس مع أن دين الإسلام الذي شرعه الخالق السموات والأرض على لسان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يمنع ذلك منعاً باتا والشهامة العربية والغيرة الطبيعية العربية المملوءة بالأنفة تقتضي التباعد عن ذلك وتجنبه بتاتاً وتجتنب جميع الوسائل المفضية إليه ...)
فهرس الكتاب
المقدمة .....................................................
...
1
المبحث الأول : نتائج الدراسات الغربية ...................
...
6
المبحث الثاني : نتائج الدراسات الإسلامية ................
...
17
المبحث الثالث : أقوال أهل العلم .........................
...
28
المبحث الرابع : آثاره على الطلاب والطالبات ..............
...
30
المبحث الخامس : الفصل بين الجنسين رغبة الغالبية العظمى
...
65
ملحق بفتاوى العلماء ......................................
...
70
(1) أول شرارة قدحت للاختلاط على أرض الإسلام من خلال: المدارس الاستعمارية الأجنبية والعالمية، وتبدأ من رياض الأطفال إلى التعليم الجامعي ، و أول ما فتحت هذه المدارس في بلاد الإسلام في: (لبنان) بإنشاء مدرسة للبنات في الإمبراطورية العثمانية سنة 1830م ؛ لأن البنات سيكن أمهات فإذا تربين في هذه المدارس النصرانية أثرن على أولادهن .. وكانت تُعنَى ببنات الأسر والبيوت الكبيرة اللاتي ستكون لهن السيطرة على الجيل المقبل ، ولهذا قال بعض دعاتهم : إن مدرسة البنات في بيروت هي بؤبؤ عيني . وفي الكويت ، أول مدرسة فُتحت عن طريق الإرسالية الأمريكية للتبشير سنة 1917م ، وقد تولت التدريس فيها مزميلرا ولكن قُوبلت بمعارضة شديدة من قبل الكويتيين مما أضطر إلى إغلاقها ، ثم فُتحت أول مدرسة للبنات سنة 1937م ، وفي عام 1956م انطلقت أول بعثة للطالبات الجامعيات للالتحاق بكليات جامعة القاهرة .( حراسة الفضيلة )
(1) جريدة الرأي العام 22/يونيو /2000 م مقال للدكتور عبد الله بن يوسف سهر ، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الكويت .
(1) جريدة الرأي العام الكويتية /29/07/2002م . محمد الصديقي ، كاتب كويتي . وانظر : مجلة المعرفة ص 149 . 01/10/2002م .
(1) انظر :موقع لها أون لاين تقرير كتبته سحر الأمير و نوال المجاهد بعنوان : ( التعليم المختلط ) .
(1) جريدة الوطن الكويتية 12/ يوينو /2000م .
(1) انظر : رسالة ماجستير بعنوان ( أثر مشكلتي الاختلاط والمنهاج التعليمي على تعليم الفتاة المسلمة في الجامعات الأردنية ) ص 32 إلى ص 46 .
(1) انظر : المجلة العربية للتربية المجلد السادس عشر ـ العدد الأول 1417هـ بحث بعنوان ( الاتجاه نحو الاختلاط بين الجنسين لدى عينة من طلاب جامعة الكويت ) د . عبد اللطيف محمد خليفة .
(2) المرجع السابق .
(1) موقع لها أون لاين بعنوان : ( المرأة والتعليم المختلط ) ..وقد نشرت في مجلة المرأة. دمشق. 1948م
(1) جريدة السياسة 2 /أكتوبر /2001م .
(2) جريدة السياسة /20/نوفمبر /2000 م .
(1) انظر : مكانك تحمدي ص 89 ـ 90 .
(2) موقع لها أون لاين : مقال بعنوان : ( التعليم المختلط ) .
(1) فتاوى النظر والخلوة والاختلاط ص 25 . جمع محمد المسند .
(1) الصارم المشهور ص 91 .
(2) حراسة الفضيلة ص 97 .
(1) استفدت في هذا المبحث من رسالة د . فؤاد آل عبدالكريم الموسومة بـ ( قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية ) ص 542 وما بعده .
(2) مكانك تحمدي ص 91 .
(3) مكانك تحمدي ص 87 .
(1) انظر : جريدة الوطن (595) .
(1) ذكريات الشيخ علي الطنطاوي ( 5/268 – 271 ) .
(2) آفاق عربية 28 / أكتوبر /1999م .
(1) انظر: إلى غير المحجبات أولاً/ محمد سعيد مبيض ص91.
(2) جريدة الرياض - العدد (( 11447 )) بتاريخ 18/7/1420هـ، الموافق 27/10/1999م.
(1) انظر: جريدة الرياض – العدد (( 9254 )) بتاريخ 10/5/1414هـ الموافق 25/10/1993م.
(2) جريدة المسلمون – العدد (( 411)) بتاريخ 24/6/1413هـ الموافق 18/12/1992م.
(1) مجلة المجتمع – العدد (( 916 )) بتاريخ 29/7/1411هـ.
(2) جريدة الوطن الكويتية 12/يونيو /2000 م .
(3) جريدة السياسة :2/ أكتوبر /2001 .
(1) يناير 1956م .
(2) انظر : مكانك تحمدي ص 89 ـ 90 .
(3) انظر : موقع لها أون لاين ...عنوان المقال / مصر: نائب إخواني يطالب بمنع الاختلاط .
(1) جريدة الرياض 27/9/2003 .
(2) جريدة المساء 29/10/2003م .
(1) آفاق عربية /28/أكتوبر /1999م .
(1) جريدة الوطن الكويتية 12/يونيو /2000م .
(2) جريدة القبس الكويتية/ 03ـ 03 ـ 2004 ، عن صحيفة لوفيغارو الفرنسية
(1) المرجع السابق.
(1) انظر: جريدة الرياض – العدد (9150) بتاريخ 26/1/1414هـ الموافق.
(2) المرجع السابق.
(1) عمل المرأة في الميزان ص 191 . د . محمد علي البار .
(1) كتاب الاختلاط بين الجنسين . ص 41 .
(1) مجلة المجتمع الكويتية – العدد (340) – 7/6/1400 - ص11.
(1) أفول شمس الحضارة الغربية/ مصطفى فوزي غزال ص156.
(2) انظر:جريدة الرياض عدد( 8425 ) بتاريخ 8/1/1412.
(1) بحوث حول: الاعتداءات الجنسية على الطالبات بالكليات فريق البحث :مايكل جي تيرنز ، فرانسيس تي كولن ص5 .
(1) جريدة الوطن الكويتية 21/يناير /2000 م . مقاله كتبه الدكتور / عبد الرحمن الجيران .
(2) عمل المرأة في الميزان ص 192 . د . محمد بن علي البار .
(1) عودة الحجاب (3/59) .
(1) جريدة المسلمون – العدد (( 480 )) بتاريخ 4/11/1414هـ الموافق 15/4/1994م.
(1) جريدة الرياض – العدد (( 8637 )) بتاريخ 13/8/1412هـ الموافق 16/2/1992م.
(1) في عددها رقم (( 9250 ))، بتاريخ 14/3/1413هـ.
(1) www.albayan.co.ae/albayan جريدة البيان الإماراتية /الثلاثاء 24 شوال 1422 هـ
(1) وهذا ما أكدت دراسة فاطمة محمد رجا مناصرة وقد تقدم ذكرها في مبحث الدراسات الإسلامية .
(1) بحوث حول: الاعتداءات الجنسية على الطالبات بالكليات فريق البحث :ما يكل جي تيرنز ، فرانسيس تي كولن.ص3 .
(1) جريدة البيان 2 فبراير 1999 م .
(2) جريدة الشرق الأوسط – العدد 147 – بتاريخ 4/12/1978م.
(1) جريدة الوطن الكويتية 12 ، يونيو ، 2000 م .
(1) جريدة الوفد 2 /يونيو /2000 مقال كتبه / محمد سعيد القارح .
(1) انظر : كتاب إلى كل أب غيور ص 29 . عبد الله علوان .
(1) من أجل تحرير حقيقي للمرأة . ص 169ـ 170 .
(1) لم يتطرق هؤلاء المسؤولون إلى أن الاختلاط بين الجنسين في التعليم، كان السبب في هذه المشاكل.
(2) جريدة الرياض – العدد 11794 – بتاريخ 11/7/1421هـ، الموافق 8/10/2000م.
(1) مجلة المعرفة /1/10/2002 .
(2) في عددها رقم (( 9250 ))، بتاريخ 14/3/1413هـ.
(1) مجلة الدعوة – العدد رقم (( 1274 )) بتاريخ 24/6/1411هـ الموافق 10/1/1991م.
(1) من أجل تحرير حقيقي للمرأة/ محمد رشيد العويد ص 168،169.
(2) المرجع نفسه ص 168.
(3) جريدة المساء 29/10/2003 م .
(4) جريدة السياسة /2/اكتو بر /2001 .
(1) جريدة الأنباء 26 /يونيو /2000 م .
([72]) مجلة البحوث الإسلامية العدد 15 ص 6 إلى 11 .
[73])) مجموع فتاوى ومقالات_الجزء الخامس
[74])) النخبة من الفتاوى النسائية لابن جبرين 44-49(37)
([75]) فتاوى المرأة المسلمة :573-574.
([76]) فوائد وفتاوى تهم المرأة لابن جبرين :ص165-166.
([77]) هذا السؤال وجهته ( جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت ) إلى عدد من أهل العلم ننقل طرفا من كلامهم ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى الأصل وهو بعنوان ( حكم الإسلام في الاختلاط ) ط/1389هـ .
ـــــــــــــــــــ(47/83)
الوطنية في الإسلام
الحمد لله جعلت الفردوس لعبادك المؤمنين نُزُلا؛ فلك الحمد أولا وآخر وظاهرًا وباطنًا، الحمد لله الذي يسَّرها لنا، ويسَّر الأعمال الصالحة لنا؛ فلم يتخذ السالكون إلى الله سواها شغلا وسهل لهم سبلها، فلم يسلكوا سواها سبلا، خلقها قبل أن يخلقهم، وأسكنهم إياها قبل أن يوجدهم، وحفَّها بالمكاره ليبلوهم أيهم أحسن عملا، وأودعها ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وفوق ذلك، ((خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً)) (الكهف:108).
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، شهادة أدَّخرها لي ولكم إلى يوم المصير، شهادة عبده وابن عبده وابن أَمَتِه، ومن لا غنى به طرفة عين عن رحمته وفضله ومنِّه وكرمه، ولا مطمع له في الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بمنِّه وكرمه ورحمته، أشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين، شرح الله به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعينًا عميًا وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا :
قدْ كانَ هذا الكونُ قبلَ وُصولِهِ *** شُؤْمًا لظالِمِهِ وللمظلومِ
لمَّا أَطَلَّ محمدٌ زَكَتِ الرُّبا *** واخضرَّ في البُسْتانِ كلُّ هشيمِ
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد ...
أيها المسلمون : لقد ُفطر الإنسان على أمور عديدة من تلك الأمور :
أن يحب المرء ماله ، وولده ، وأقاربه ، وأصدقائه ، ومن هذه الأمور كذلك هو حب الإنسان لموطنه الذي عاش فيه ترعرع في أكنافه ، وهذا الأمر يجده كل إنسان في نفسه .
فحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا ُهوجم، ويغضب له إذا انتُقص.
ومهما اضطر الإنسان إلى ترك وطنه فإن حنين الرجوع إليه يبقى معلقاً في ذاكرته لا يفارقه، ولذا يقول الأصمعي: ( قالت الهند : ثلاث خصال في ثلاثة أصناف من الحيوانات، الإبل تحن إلى أوطانها ، وإن كان عهدها بها بعيداً ، والطير إلى وكره، وإن كان موضعه مجدباً ، والإنسان إلى وطنه ، وإن كان غيره أكثر نفعاً ) .
وهذا الأمر – وهو حب الإنسان لوطنه – غريزة في بني الإنسان وجدها أفضل الخلق صلوات ربي وسلامه عليه: فقد أخرج الترمذي في جامعه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لمكة : (( ما أطيبكِ من بلد، وما أحبكِ إلي، ولو لا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيركِ )) .[1]
فهو- صلى الله عليه وسلم- يحب مكة حباً شديداً كره الخروج منها لغير سبب، ثم لما هاجر إلى المدينة، واستوطن بها أحبها وألفها كما أحب مكة، بل كان - صلى الله عليه وسلم- يدعو أن يرزقه الله حبها كما في صحيح البخاري ( اللهم حبب إلينا المدينة ، كحبنا مكة ، أو أشد ) [2].
ودعا عليه الصلاة والسلام بالبركة فيها، وفي بركة رزقها كما دعا إبراهيم لمكة، ونلاحظ أن حب النبي- صلى الله عليه وسلم- متأثراً بالبيئة التي عاش فيها، فقد كان يحب مكة، ويحن إليها ثم لما عاش صلى الله عليه وسلم في المدينة ، وألفها : أصبح يدعو الله أن يرزقه حباً لها يفوق حبه لمكة .
وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من المدينة لغزوة أو نحوها تحركت نفسه إليها : فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة ، أوضع ناقته ــ أي أسرع بها ــ وإذا كانت دابة حركها )) رواه البخاري [3]، قال أبو عبد الله[4] : زاد الحارث بن عمير عن حميد ( حركها من حبها ) .
قال ابن حجر في الفتح:[5] والعيني في عمدة القارئ [6]، والمبارك فوري في تحفة الأحوذي [7]( فيه دلالة على فضل المدينة ، وعلى مشروعية حب الوطن ، والحنين إليه ) .
وفي صحيح البخاري : لما أخبر ورقة بن نوفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قومه – وهم قريش – مخرجوه من مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أو مخرجي هم) . قال: ( نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي )) [8].
قال السهيلي- رحمه الله - : ( يؤخذ منه شدة مفارقة الوطن على النفس فإنه صلى الله عليه وسلم سمع قول ورقة أنهم يؤذونه ويكذبونه فلم يظهر منه انزعاج لذلك، فلما ذكر له الإخراج تحركت نفسه لحب الوطن وإلفه فقال أو مخرجي هم ) [9].
أيها الأحبة: إن الحديث عن الوطن والحنين إليه وحب الوطن يذكر المؤمن بالله – تبارك وتعالى – بالوطن الأول ألا وهو الجنة.. نعم ذلك هو موطننا الأصلي الذي غفل عنه معظم الناس ( وما أكثُر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) .
قال الفضيل بن عياض – رحمه الله -: ( المؤمن في الدنيا مهموم حزين همه التزود بما ينفعه عند العود ، فمن حين خلق الله آدم عليه السلام و ُأسكن هو وزوجته الجنة ثم أُهبط منها ُووعد بالرجوع إليها وصالحوا ذريتهما فالمؤمن أبدا يحن إلى وطنه الأول وحب الوطن من الإيمان ) [10].
قال ابن القيم رحمه الله في قصيدته الميمية :
فحي على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم[11].
وقال أبو تمام :
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأولِ
كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزلِ
وكان على بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: (إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ،ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل ) .
وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته: ( إن الدنيا ليست بدار قراركم كتب الله عليها الفناء وكتب الله على أهلها منها الظعن، فكم من عامر موثق عن قليل يخرب وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن فأحسنوا رحمكم الله منها الُرحلة بأحسن ما بحضرتكم من الُنقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى وإذا لم تكن الدنيا للمؤمن دار إقامة ولا وطنا : فينبغي للمؤمن أن يكون حاله فيها على أحد حالين: إما أن يكون كأنه غريب مقيم في بلد غربة همه التزود للرجوع إلى وطنه الأول) .
أو يكون كأنه مسافر غير مقيم البتة بل هو ليله ونهاره يسير إلى بلد الإقامة، فلهذا وصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابن عمر أن يكون في الدنيا على أحد هذين الحالين ) [12].
ولهذا كان المؤمن غريبا في هذه الدار أينما حل منها فهو في دار غربة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )) [13].
واعلم – أيها المؤمن – أن هذه الغربة سرعان ما تنقضي وتصير إلى وطنك ومنزلك الأول.
وإنما الغربة التي لا يرجى انقطاعها هي الغربة في دار الهوان.
حينما يسحب المرء على وجهه إلى جهنم – والعياذ بالله – فيكون بذلك قد فارق وطنه الذي كان قد هيئ وأُعد له ، وأُمر بالتجهيز إليه والقدوم عليه، فأبى إلا الاغترار عنه ومفارقته له، فتلك غربة لا يرجى إيابها، ولا يجبر مصابها .
فأعظم حنين ينبغي أن يكون إلى وطننا الأول سكن الأبوين، ودار الخلد والنعيم.
قال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: (( إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة)) [14].
وقال الرسول- صلى الله عليه وسلم- واصفا الجنة: (( لبنة ذهب ولبنة فضة، وملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران ، من يدخلها ينعم لا يبأس ، ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه )) [15].
وفي الصحيحين: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (( أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك )) [16].
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( في الجنة خيمةٌ من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلاً في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن ))[17].
وفي الصحيحين قال رسول- صلى الله عليه وسلم-: (( إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ))[18].
وعند الترمذي – في باب صفة الجنة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: (( ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب)) .
وعند أحمد في مسنده قال رجل: يا رسول الله ما طوبى ؟ قال: (( شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها)).
وقال رسول- صلى الله عليه وسلم- قال: (( ألا مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة نور يتلألأُ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد ، وثمرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة في مقامٍ أبداً ، في دارٍ سليمةٍ، وفاكهةٍ وخضرةٍ وحبرة ونعمةٍ، في محلة عاليةٍ بهية ))[19]
عباد الله: يقول ربنا – تبارك وتعالى – واصفاً لنا حقيقة الدنيا وحقارتها ودناءتها: حتى نستعد لها ونتأهب لدار القرار – جعلنا الله وإياكم وسائر المسلمين من أهلها – اللهم آمين .
(( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )) (الأنعام: 32).
وقال تعالى: ((إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ)) (محمد: 36) .
وقال سبحانه وتعالى: (( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)) (الحديد: 2) .
وعند البخاري أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- قال: (( موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها))[20].
فحي على جنات عدن فإنها *** منازلنا الأولى وفيها المخيم
وحي على روضاتها وخيامها *** وحي على عيش بها ليس يسأم
أيا ساهيا في غمرة الجهل والهوى*** صريع الأماني عما قليل ستندم
أفق قد دنا الوقت الذي ليس بعده*** سوى جنة أو حر نار تبرم
وتشهد أعضاء المسيء بما جنى *** كذاك علا فيه المهيمن يختم
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً كما أمر، وأشكره على نعمه وآلائه فقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد ألا إله إلاَّ اللَّه وحده لا شريك له على الرغم ممن نافق وجحد وكفر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الشافع المشفع في المحشر ، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر صلى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه السادة الغرر، ما اتصلت عين بنظر وأذن بخبر، وارض اللهم عن صحابة نبيك أجمعين وخلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن بقية العشرة، وعن أصحاب بدر وأصحاب الشجرة، وعن عمي نبيك خير الناس حمزة والعباس وعن سبطي نبيك وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين وعن أمهما البتول فاطمة بنت الرسول، وعنا معهم بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين ، أما بعد:
عباد الله : وإنه مما ينبغي الحديث عن الوطن والحنين إليه أن نحذر من أُناس وفئة من الذين يدعون حب الوطن، ويدندنون دائما حول الوطنية وحب الوطن وضرورة الانتماء إليه، وهم أضر الناس على الوطن وأهله ، يريدون لنا الفساد والوقوع في شباك الفاحشة والرذيلة، ويهدفون إلى أمور منها :
** تقليص المواد الشرعية، وتقليل نصابها في الحياة الدراسية التعليمية
** منع تدريس النصوص التي تذكر أبناء المسلمين بعداوة اليهود والنصارى للإسلام وأهله، وطمس عقيدة الولاء البراء في المناهج التعليمية .
** يسعون جادين إلى الاختلاط في التعليم بين الرجال والنساء 0
** محاربة الحجاب وفرض السفور والاختلاط في المدارس والجامعات والمصالح والهيئات، ويسعون جادين لموضوع قيادة المرأة للسيارة ، ودائما ما تجدهم يرددون: حقوق المرأة ، المرأة إنسانة ونحو هذه العبارات .
فهل من الوطنية الحقيقية والانتماء الجاد للوطن حبّ إشاعة الفاحشة في مجتمعات المسلمين: بدعوى الترفيه، والتنشيط السياحي، وعبر بوابة الاحتفالات الموسمية، والفعاليات العائلية ؟ ! .
وهل من الوطنية إغراق المجتمعات بطوفان من الفضائيات المخلة بالآداب والحشمة والعفة، والتي لم تجلب للأمة إلا العار والدمار؟ ! .
وهل من الوطنية إغراق الأوطان الإسلامية بملايين السياح الأجانب من ذوي العقائد الوثنية أو اللادينية، فضلاً عن اليهود والنصارى فيتصدّع جدار الولاء والبراء، وتُلتقط الصور التذكارية الجماعية لمسلمين وكفار!! .
فهؤلاء أساءوا في إدراك الكيفية الحقيقية لحب الوطن، فجعلوها ألحاناً وترانيم، وطقوساً وشعارات لا تمت إلى الوطنية الصحيحة بصلة، فنشأت أجيالٌ هزيلةٌ في ولاءاتها، ساذجة في مخزونها الفكري بل والعاطفي!! .
فالحب الحقيقي للوطن هو الذي يُقدس العقيدة ويرسخها في الأجيال ، فينشأ عنها حب الوطن لإيمان أهله وإسلامهم، وخلو أرضهم من مظاهر الشرك والبدعة .
إنّ الحبّ الحقيقي للوطن لا يمت إلى هذه المظاهر بصلة، بل يتبرأ منها أشدّ البراء وأكدها .
إذ أننا لا نفهم الوطنية الحقّة إلا عقيدة راسخة ، ومجتمعاً موحّدًا، وشعباً عفيفاً وقيادة راشدة .
ولا نفهم الأمن إلا أمن التوحيد والإيمان، وأمن الأخلاق والشرف، وأمن المال والعرض والدم .
قال الرب – تبارك وتعالى-: (( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)) (الأنعام:82).
أيها المسلمون: إنَّ الحب الحقيقي للوطن يتجلى في أمور منها:
1 - الحرص الأكيد، والعمل الجاد في نشر العقيدة الصحيحة لتعم أرجاء الوطن؛ كي يتمتع المواطنون بالإيمان الحقيقي بالله تعالى، ويصدقون في حُبه والاعتماد عليه وحده دون غيره، حتى إذا ما حاولت قوة في الأرض الاعتداء على دينهم وعقيدتهم أو استباحة أرضهم وأموالهم إذا بهم ينتفضون انتفاضة الأسد دفاعاً عن الدين والعقيدة، وذباً عن الأعراض والأوطان، معتمدين على الله تعالى دون غيره، موقنين بأن قوته الباهرة كفيلة بهزيمة أي عدو غاشم ، وعقر كل جواَّظ غليظ ، وقهر كل صائل أثيم !! .
2 -القضاء المحكم على أسباب الشر والرذيلة، وعوامل الخلاعة والميوعة التي تغرق المجتمع في أوحال الفساد والخنا، فتنشأ الأجيال الشهوانية العابدة لملذاتها ومتعها الرخيصة بحيث يتعذر عليها القيام بأدنى دور ذي بال يحفظ لها كرامتها وشرفها عند تعرضها للامتهان على يد عدو متربص وصائل حاقد .
إذ أن تجفيف منابع الفساد والفتنة هو الكفيل بصنع الرجال الحقيقيين المحبين لربهم ودينهم، المدافعين عن وطنهم المؤمن الموحد، بصدق وعزيمة.
3 – التواصل الحقيقي بين الأفراد والجماعات وإزالة أسباب التفرقة والخلاف بين أفراد المجتمع، وقيام روح النصيحة والتعاون والتكاتف في وجه التيارات القادمة.
4- الانتظام التام في المحافظة على الآداب الشرعية، والنظم العادلة المرعية التي تسعى إلى جمع الكلمة بين الراعي والرعية سمعاً وطاعة بالمعروف وأداء للحقوق والواجبات كل فيما له وعليه .
5- وتتجلى المواطنة الصادقة في رعاية الحقوق واجتناب الظلم، وبخص الحقوق واحترام حق الغير، والسعي الجاد من كل مواطن مسؤول أو غير مسؤول لتأمين الآخرين على أموالهم وأنفسهم، ولا خير في وطنية تقدس الأرض والتراب وتهين الإنسان، فالوطن حقاً هو الإنسان الذي كرمه الله بالإنسانية وشرفه بالملة المحمدية .
6- وتتجلى كذلك في أداء الحقوق، بدأ من حق الوالدين والأرحام وانتهاء بحقوق الجيران والأصحاب والمارة، وكذلك الاستخدام الأمثل للحقوق والمرافق العامة التي يشترك في منافعها كل مواطن وأي مواطنة، تلك التي تكرس المحسوبيات، وتستغل النفوذ، وتتساهل في المال العام وكأنه كلا مباح أو فرصة سانحة لا تؤجل .
عباد الله: ليس الشأن في الوطنية هو الاهتمام بقشورها ومظاهرها الخارجية من تقديس لصورة أو علم مع امتهان أصولها الراسخة .
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، ودمر اليهود والنصارى والشيوعيين، وكل من أعانهم وأيدهم، اللهم اجعل تدبيرهم في تدميرهم، وخالف بين كلمتهم، واهزمهم وانصرنا عليهم، اللهم ولِ علينا خيارنا واكفنا شر أشرارنا، اللهم اجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، اللهم لا تجعل حب الدنيا في قلوب بعضنا دافعاً له إلى ارتكاب المنكرات.
اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك، اللهم أعز الإسلام والمسلمين.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
[1] - أخرجه الترمذي في جامعه برقم : ( 3925 ) ، وقال عنه الترمذي : ( هذا حديث حسن غريب صحيح ) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم ( 7089 ) .
[2] - أخرجه البخاري في صحيحه برقم : ( 1790 ) .
[3] - أخرجه البخاري في صحيحه برقم ( 1708 ) . ومعنى : درجات المدينة أي : طرقها المرتفعة جمع درجة .
[4] - أي البخاري .
[5] - ج3 / 621 .( فتح الباري شرح صحيح البخاري ) .
[6] - ج10 / 135 . ( عمدة القاري شرح صحيح البخاري ) .
[7] - ج 9 / 283 .( تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي ) .
[8] - أخرجه البخاري في صحيحه برقم ( 3 ) .
[9] - نقله عنه ابن حجر العسقلاني في شرحه للبخاري ج 12 / 359 .
[10] - نقله عنه ابن رجب الحنبلي في كتابه النفيس جامع العلوم والحكم ج 1 / 380 .
[11] - هذه مقطوعة من قصيدة ابن القيم الميمية ، وقد أشار إلى هذه الأبيات في كتابه إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان ج1 / 71 .
[12] - نقله عنه ابن رجب في جامع العلوم والحكم ج 1 / 380 .
[13] - أخرجه البخاري في صحيحه برقم ( 6053 ) .
[14] - أخرجه البخاري في صحيحه برقم ( 6987 ) .
[15] - أخرجه الترمذي في جامعه برقم ( 2526 ) ، و أخرجه أحمد في مسنده برقم ( 8732 ) ، والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع برقم( 3116)
[16] - أخرجه البخاري برقم ( 3164 ) ، ومسلم برقم ( 263 ) .
[17] - أخرجه البخاري في صحيحه برقم ( 4598 ) ، ومسلم برقم ( 2838 ) .
[18] - أخرجه البخاري في صحيحه برقم ( 3079 ) ، ومسلم برقم (
[19] - أخرجه ابن ماجه في سننه برقم ( 4332 ) ، وابن حبان في صحيحه برقم ( 7381 ) ،
[20] - أخرجه البخاري في صحيحه برقم ( 2643 ) .
ـــــــــــــــــــ(47/84)
ـــــــــــــــــــ
الخيانة الزوجية الحلقة الثالثة
ما يزال الشيخ ضمن هذه الحلقات يطرح أسباب تفاقم المشكلات بين الزوجين، والتي تؤدي غالباً إلى الخيانة الزوجية, وهو بتصنيفه للداء يضع الدواء الناجع بإذن الله .
الحادي عشر: الغش والخداع وإخفاء العيوب :
ومما يؤدي إلى فشل الوئام بين الزوجين، وعدم اقتناع أحدهما بالآخر، الغش والمخادعة وإخفاء العيوب لدى أحد الزوجين أو كليهما !
كأن يكون الزوج مصاباً بالعنة ـ وهي عدم القدرة على المعاشرة والجماع- أو يعاني من أمراض نفسية أو بدنية تعيقه عن مباشرة زوجته أحياناً، أو تسبب لها نفرة وكراهة كما لو كان مصاباً ببرص أو بهاق، أو جروح أو حروق في أماكن خفية من بدنه !
وفي المقابل قد تكون الزوجة كذلك مصابة بأشياء مماثلة تؤدي إلى نفرة زوجها وكراهته لمعاشرتها !!
ومما يدخل ضمن دائرة الغش والخداع ادعاء بكارة الزوجة، وهي ثيب من زواج سابق، أو فاحشة عياذاً بالله، مما يدفع الزوج إلى الانتقام بإغاظة زوجته وخيانتها، لاسيما عند عجزه عن فراقها لأي سبب من الأسباب !
وكذلك إخفاء الزوج لزواج سابق أو كونه معدداً، مما يدفع الزوجة إلى الانتقام عن طريق الخيانة الزوجية عياذاً بالله تعالى !
الثاني عشر: التعرض لأماكن الفتن ومنها:
السياحة: تحرص الكثير من الزوجات على قضاء ما يسمى بشهر العسل في بلدان خارجية، مليئة بالتبرج والسفور، بل والخلاعة والخنا، بل ربما أصرت على مصاحبة زوجها إلى " المراقص "ودور السينما، وضفاف البحار والأنهار، حيث تعرض الأجساد العارية بالمجان، وهنا يجد الزوجان أنفسهما زاهدين ببعضهما سواء صرحاً بذلك أم سكتاً !!
فالزوج في نهاية يومه السياحي ـ حتى وهو بجوار زوجته ـ سيشرع في استرجاع كل المشاهد المثيرة التي صادفته في يومه ذاك، وسيسيل لعابه لكل قطعة لحم محرمة أبصرتها عيناه، ومع غياب الوازع، وقلة الخوف من الله، ربما بادر إلى الخروج من المنزل تحت أي دعوى ليشبع نهمه من الحرام في خيانة زوجية مبكرة والقادم أكثر !!
وربما شعرت الزوجة بشيء من الامتعاض هي الأخرى من جراء وقوعها ـ قدراً ـ من نصيب زوج يقل وسامة وجاذبية عن عشرات الشباب الذين نظرت إليهم في جولاتها السياحية مع زوجها، وهو ما يدفعها إلى عقد العزم على خيانة زوجها في أقرب فرصة، ما لم تتداركها عناية الله تعالى !
الأسواق:
وحتى الأسواق المحلية ومن غير سياحة أو سفر، فإن كثرة ذهاب الزوجين للأسواق الخليعة، المليئة بالمتبرجات والمتهتكات، والشباب السافل الباحث عن العلاقات المحرمة فيه خطورة بالغة على مستقبل الزوجين وعلاقتهما الأسرية !
وتتضاعف الخطورة بشكل أكبر على المرأة، وتجني على نفسها بنفسها، حين تلح على زوجها أن يذهب بها إلى الأسواق دون حاجة، وفي أوقات الذروة والازدحام حيث يختلط الحابل بالنابل والفضيلة بالرذيلة !!
ولو علمت الزوجات حجم النظرات الجائعة التي يبعثها الأزواج في وجوه وعيون المتبرجات، لفكرت إحداهن ألف مرة قبل أن تفكر في الذهاب إلى السوق، ولما حاولت زيارة الأسواق إلا عند الضرورة القصوى !
13- كثرة حديث الزوجة عن صديقاتها :
ما أكثر الخيانات الزوجية التي تتم بين أحد الزوجين وطرف ثالث له صلة بالعائلة !
إن حديث المرأة لزوجها عن صديقاتها ووصفها لجمالهن أحياناً أو مرحهن وخفة دمهن، وطرائفهن، وعذوبة منطقهن ـ ولو بحسن نية ـ يعد في نظرنا أحد الأسباب التي تثير شهوة بعض الأزواج وتدفعهم إلى البحث عن وسيلة ما لتبادل الحديث مع صديقات زوجته !!
وربما استولى على أرقام هواتفهن الجوالة ، بواسطة جوال امرأته ، وربما استعار جوال زوجته تحت أية حجة، وبدأ باستقبال مكالمات صديقاتها معتذراً باضطراره للرد نيابة عنها، باذلاً خدماته لهن، ومستدرجاً لهن في أحاديث مشبوهة ولو على مراحل تطول أو تقصر !
وقد اعتاد بعضهم على الحديث مع صديقات الزوجة، والسؤال عن الصحة والأولاد، والآباء والأجداد، دون غضاضة أو نكير، حتى تزول الكلفة وتسود " الميانة" ويتطور الأمر إلى مداعبات خفيفة، وضحكات طائرة، ومن ثم يؤول الأمر إلى مداعبات أثقل، وضحكات أعمق، ومن ثم موعد فلقاء !
وفي صحيح البخاري(5049) عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (( لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها)).
الحلول:
لقد تأملت هذه الظاهرة وأقلقتني كثيراً، وحاولت البحث عن أسبابها الحقيقية، ومن ثم معرفة الحلول الواقعية للحد منها والقضاء عليها، فوجدت الحلول ممكنة ميسورة بحمد الله، ومع مزيد التأمل ظهر لي إمكانية تقسيم الحلول إلى قسمين:
أولاً: الحلول الوقائية:
وأعني بها الحلول التي تقي من الوقوع في المشكلة أساساً، ولا ريب أن الوقاية خير من العلاج فأقول:
أولاً:التريث في الاختيار:
يجب العناية الفائقة عند اختيار الأزواج والزوجات, وذلك من خلال السؤال والبحث الدائبين عن أخلاق الزوج المتقدم، ومدى تدينه وخوفه من الله تعالى، فهو الضمانة الأكيدة في البعد عن الخيانة، وبراءته من العلاقات الآثمة بفضل وازعه الديني، ومراقبته لربه ومولاه.
وكذلك عند اختيار الزوجة ، يجب التريث والتمهل قبل طرق الأبواب؛ فإن التسرع في الاقتران بفتيات متساهلات فضلاً عن متبرجات ومستهترات، هو إيذان بقرب الانهيار الأسري، والخراب البيتي، ومؤشر قوي على إمكانية حصول خيانة بين عشية وضحاها !
إن علينا أن نكون صرحاء بقدر كاف، فغياب التقوى والتدين لدى الأزواج والزوجات يعني فيما يعنيه وجود قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة, وقد تكون القنبلة المعنية خيانة زوجية من أحد الطرفين أو كليهما !
ثانياً:عدم المجاملة، وطرح المحاباة:
فإن كثيراً من الزيجات تتم تحت ضغوط المجاملة والمحاباة، لاسيما في نطاق الأس، والقبائل، فالعم يزوج ابنته من ابن أخيه مجاملة، والأخت تزوج ابنتها من ابن أختها مجاملة، وإن لم يكونوا على قناعة بصلاحية أحد الزوجين للآخر !
بل ربما تيقنوا فساد أحد الطرفين، وسوء أخلاقه، وكثرة انحرافاته السلوكية والفكرية، فتغاضوا عن ذلك كله مجاملة لأقاربهم وقريباتهم !
وحتى الأصدقاء والمعارف، ربما جازفوا بتزويج بناتهم لأبناء أصدقائهم مجاملة لهم، أو طمعاً في تحقيق مصلحة ما !!
ـــــــــــــــــــ(47/85)
المساواة بين الرجل والمرأة
الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... أما بعد :
فقد جاءت هذه الشريعة شريعة الإسلام خاتمة الشرائع المنزلة من عند الله بما فيه صلاح أمر العباد في المعاش والمعاد ومن ذلك : الدعوة إلى كل فضيلة والنهي عن كل رذيلة ، وصيانة المرأة وحفظ حقوقها خلافاً لأهل الجاهلية قديماً وحديثاً الذين يظلمون المرأة ويسلبون حقوقها جهاراً أو بطرق ماكرة ، كالذين يدّعون الاهتمام بشؤون المرأة ويدْعون إلى تحريرها من الحدود الشرعية لتلحق بالمرأة الغربية الكافرة ، ويسندهم في ذلك أعداء الإسلام سيّما في هذه الأيام التي تتعرض فيها الأمة الإسلامية إلى حملة شرسة من عدوها بقيادة الحكومة الأمريكية لصدها عن دينها من خلال ما يدّعونه من حقوق المرأة ومنها تغيير مناهج العلوم الشرعية .
وعملاً بواجب النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم نتقدم إلى الأمة بهذا البيان الذي نؤكد فيه على أصل من الأصول الشرعية يتعلق بالمرأة وهو :
وجوب الإيمان بالفوارق بين الرجل والمرأة ، وأن كل دعوة للمساواة المطلقة بينهما فهي دعوة باطلة شرعاً وعقلاً حيث إن لكل من الجنسين وظيفة تختلف عن الآخر وهم مشتركون في جميع مسائل الدين أصوله وفروعه إلا في أشياء مخصوصة للفوارق التي بين الرجل والمرأة وكذلك في شؤون الحياة كلٌّ فيما يخصه .
وقد دل الشرع والعقل والحس على فضل جنس الرجل على جنس المرأة ، قال تعالى : { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى } آل عمران 36 ، وقال تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ } البقرة 228 ، وقال تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } النساء 34 ، ولذلك كانت القوامة للرجل ، وحتى عند الذين يدّعون المساواة بين الرجل والمرأة ويحاربون التمييز ضد المرأة يندر عندهم تولية المرأة في المناصب العليا في الدولة كالرئاسة والوزارة ، والقضاء والإدارة وسائر الولايات ، فيجب أن يعلم أن كل ميثاق أو اتفاقية تتضمن ما يخالف شريعة الإسلام فإنه باطل لا يجوز الدخول فيه هذا وقد أبطل الاسلام كل تميز ضد المرأة كان في الجاهلية مما يتضمن ظلمها وهضم حقوقها وامتهان كرامتها ، ومن فروع هذا الأصل :
أولاً : وجوب الحجاب على المرأة ، وتحريم إبدائها لزينتها :
إن الحجاب شريعة محكمة قد أوجبها الله على المؤمنات كما قال تعالى : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } النور31 ، فجمع سبحانه في هذه الآية بين الغاية وهو حفظ الفروج والوسيلة لذلك وهو غض البصر ، وستر الزينة ، ونهى عن إبدائها ولو بالحركة التي تدل عليها ، وفي هذه الآداب التي اشتملت عليها هذه الآية صيانة لكرامة المرأة ، وسدٌ لذرائع الفساد في المجتمع ليكون المجتمع المسلم طاهراً وسالماً من فشوّ الرذيلة فيه ، كما قال تعالى : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } الأحزاب 33 .
فيجب على المرأة المسلمة أن تعمل بوصايا ربها ، وأن تتوب من كل ما يخالف ذلك لتفوز بالصلاح والفلاح قال تعالى: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } النور 31 ، وذلك لا يتحقق إلا بثياب الحشمة وهي الساترة لجميع بدنها ، غير ضيقة ولا شفافة ، وإذ قد أجمع العلماء على وجوب ستر المرأة لشعرها ونحرها ورجليها ، كما قال تعالى : { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ } النور 31 ، فستر الوجه الذي هو مجمع المحاسن أوجب وأوجب ، ولا يجوز أن يُتخذ خلاف بعض العلماء وسيلة لاستباحة ما قام الدليل على تحريمه ، فإن الواجب عند التنازع الرد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } النساء 59.
ومن المصائب التي حلت بالمجتمعات الإسلامية فشوّ السفور والتبرج الذي هو مطلب للكفار والمنافقين وفسّاق المسلمين ، ولأن ذلك مفتاح لما يريده الكفار بالمسلمين من الانحلال وفساد الأحوال وهو طريق الفاسقين لنيل شهواتهم المحرمة ، قال تعالى في بيان مراد الكافرين والفاسقين : { وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً } النساء 27 ، والميل العظيم لا يتحقق إلا بشيوع الفاحشة ، ودواعيها مما يفضي إلى استحلالها كما وقع في بعض البلاد الإسلامية من إباحة القانون للزنا إذا كان عن تراضٍ ، وتعطيل الحدود التي شرع اللهُ لمنع هذا الفساد المدمر للأمة !
وقد سلك الكفار وتلاميذهم للوصول إلى غاياتهم ؛ طريق التدرج ، فبدأوا في بلادنا بمحاربة ستر المرأة وجهها مستغلين للخلاف في ذلك ، ثم بتشويه عباءات الحشمة ، والإغراءات بعباءات الفتنة من مخصّرة وقصيرة مع التشبه بالرجال بوضعها على الكتف ، ولن يقف أولئك عند ذلك .
ثانياً : وجوب قرار المرأة في بيتها فلا تخرج إلا لضرورة أو حاجة مباحة أو عمل مشروع على وجه ليس فيه مخالفة لما فرض اللهُ من الآداب على المرأة المسلمة ، قال الله تعالى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } الأحزاب 33 ، ولقد هُيّئ للمرأة في عصر الحضارة الغربية كل الأسباب التي تلغي من الواقع واجب القرار في البيت ، ونفّر المستغربون المرأةَ من القرار في البيت حتى شبهوا البيت بالسجن ، ووصفوا التي لا تخرج الخروج المنشود لهم بأنها محبوسة بين أربعة جدران .
فيجب أن يعلم أن مَن طعن في شرع الله وعارضه فهو كافر ، ومن خالفه بعمله فهو عاصٍ ، ولقد كان مما تذم به المرأة أن تكون خرّاجة ولاجة - وهي التي تكثر الخروج من غير حاجة -والتي هذه حالها ، صفو حسنها ، وتصنعها للشارع ، ومكان العمل والاجتماع ، وكدرها لبيتها وزوجها ، وبئست المرأة هذه ، ومما تمدح به المرأة قرارها في بيتها مع قيامها بحقوق ربها وزوجها وأولادها ونعمت المرأة هذه .
هذا ومن أقبح خداع المستغربين وتغريرهم للمرأة المسلمة ، تعظيمهم للعاملة خارج المنزل حتى ولو كانت مضيفة في طائرة ، وتهوينهم من عمل المرأة في بيتها قياماً بحق زوجها وتربية أولادها مع أنه هو الأصل والأعظم أثراً في الأمة والأجدى في تحقيق التوازن بين الرجل والمرأة .
ومن هؤلاء المخادعين من يلبس فيدعي أن المرأة قادرة على أن تجمع بين واجباتها في المنزل وواجباتها الوظيفية ، وهذه الدعوى أول من يكذبها النساء المنصفات من العاملات ، وأدلّ شيء على ذلك أن أي امرأة عاملة لا بد لها أن تستقدم امرأة تخلفها في البيت إلا ما ندر .
وإمعانا في المكر وتمويه الحقائق تشويهاً للحق وتزيناً للباطل يقوم دعاة التغريب في وسائل الإعلام بالإشادة والتبجيل بمن يكون لها تميّز في الخروج عن حدودها الفطرية والشرعية ولو بعمل لا يمكن أن تمارسه النساء إلا في صورة شاذة كقيادة الطائرة ، وكذا الإشادة ببناتنا في مزاولة الأعمال المدنسة لكرامتهن كالتمثيل مع الرجال وكالغناء والعمل مع الرجال [ سكرتيرة ] وغيرها من الأعمال المختصة بالرجال ، ولصحيفة عكاظ والوطن والرياض تميز في هذا الباطل.
ثالثاً : وجوب تميز النساء عن الرجال وذلك بعدم الاختلاط في العمل والتعليم والمتنزهات ، وباجتناب كل عمل يؤدي إلى ذلك كالعمل في الإعلام وشركات الطيران والمصانع والمستشفيات ، فإن الاختلاط بين الرجال والنساء في هذه المجالات ونحوها يشتمل على أنواع من المنكرات كالسماع والنظر الحرام والخلوة المحرمة والتبرج والسفور ، وكل هذه أسباب تجرّ إلى الفاحشة ، ولهذا جاءت الشريعة بسد هذه الأبواب ، قال تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً } الإسراء 32 ، ومن الأماكن التي يجب على المسلمة أن تحذرها المشاغل النسائية ، ومحلات [ التخسيس] !! فإن هذه الأماكن وإن كانت مخصصة للنساء فإنها غير مأمونة لأنه يرتكب في بعضها أو كثير منها أمور محرمة - بعلم المرتادة لهذه الأماكن أو بغير علمها - كالتصوير وكشف العورات التي لا يحل النظر إليها ولا من المرأة إلى المرأة بل قد يصل الأمر إلى كشف العورة المغلظة ومسّها عند التدليك ، مع أن كثيراً من العاملات في هذه الأماكن مدربات على قلة الحياء ، بل ومنهن الكافرات مما يجعل هذه الأماكن بؤراً للفساد ومصيدة لأصحاب الفجور ، فالتردد على تلك الأماكن سبيل إلى خلع ثوب الحياء ، بل والوقوع في الفاحشة الكبرى .
وبعد فمن المعلوم أن أعظم باب دخل منه على المرأة المسلمة لتغريبها بنزع حجابها وإخراجها عن قرارها والزج بها في بحر الاختلاط ، هو التعليم العصري المستمدة خططه وأهدافه وصيغته من منظمة اليونسكو ، ومن أفكار تلاميذ الغرب المفتونين بهم المنفّذين لأهداف الكفار من حيث يشعرون أو لا يشعرون ، لكن لتعليم المرأة في المملكة تميز فرضه واقع المجتمع فإن هذا التميز- بزعمهم - في طريقه للاضمحلال على سبيل التدرج حسب استعداد المجتمع للتغيير المرسومة خططه سلفاً ، وأبرز ما تم في ذلك دمج تعليم البنات مع تعليم البنين تحت وزارة واحدة وما ينشأ عن ذلك ، مما يحقق مكاسب لهواة التغريب ، وهذا لأن تعليم المرأة في المملكة كان في نشأته مشروطاً ومحدوداً ، ولم يزل يُطور حتى ذهبت الحدود وخفت القيود ، ولم يبقَ من تميزه عن التعليم في سائر المجتمعات المغرّبة إلا عدم الاختلاط في الأعم الأغلب مع ما تميزت به المملكة في تعليم البنين والبنات من عناية بالعلوم الشرعية .
ولسنا بهذا ننكر تعليم المرأة ، التعليم الذي يربي فيها الأخلاق الكريمة ، ويجعلها بصيرة في دينها قادرة على تربية النشء التربية الصالحة ، بل هذا مما جاءت به شريعة الإسلام التي اشتملت على الفضائل والكمالات وما به صلاح الدنيا والآخرة ومن كمال الشريعة أن جاءت من الأحكام بما يناسب كلاً من الرجل والمرأة بحسب طبيعته وتكوينه لأنها تنزيل من حكيم حميد ، وهو أعلم بما يصلح عباده فلا يجوز أن نسوي المرأة بالرجل في أسلوب تعليمها ، ولا فيما تتلقاه من العلوم أو تزاوله من الأعمال لاختلاف وظيفتيهما واستعدادهما العقلي والجسدي .
وعلى هذا الأساس بنى العلماء الفتوى بتحريم قيادة المرأة للسيارة لأن ذلك يؤدي إلى مفاسد كثيرة ، ومخالفات شرعية مما يتعلق بأحكام المرأة في المجتمع ، ومع ذلك لا يزال المستغربون والعصرانيون يدعون إلى فتح الباب أمام المرأة لقيادة السيارة ليحققوا بذلك مطلباً مضافاً إلى ما تحقق من مطالبهم مما يزعمونه حقوقاً للمرأة وهي المطالب التي يتم بها تغريب المرأة المسلمة .
ومن أعظم الأسباب التي مكنت لهؤلاء من الوصول إلى مآربهم ومطالبهم عدم الغيرة على الأعراض والحرمات أو ضعفها ، فإن الغيرة هي الغضب حماية للعرض والكرامة ، وهي من أشرف الأخلاق ، فإن كانت لله كانت أكمل وأفضل ، وقد كان صلى الله عليه وسلم أكمل الناس غيرة ، ولهذا قال : ( أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) البخاري كتاب التوحيد ، وكان صلى الله عليه وسلم لا ينتقم لنفسه ، فإذا انتُهكتْ حرمات الله انتقم لربه .
فعلى المسلمين أن يقتدوا بنبيهم في غيرته وسائر أخلاقه الكريمة صلى الله عليه وسلم ، ليشرفوا بذلك وليتميز مجتمع المسلمين بالطهر والعفاف ، فلا يطمع فيهم الطامعون من دعاة الفساد من الكفار والمنافقين والمخدوعين .
هيأ اللهُ من أمة الإسلام حماة للدين ودعاة مصلحين آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر يُرغم اللهُ بهم أنوف مَنْ يريد الشر بأمة الإسلام ، وفق الله ولاة الأمر إلى كل خير وجعلهم هداة مهتدين .. إنه تعالى خير مسؤول ، وخير مرجوّ ومأمول .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
الموقعون
الشيخ / عبدلرحمن بن ناصر البراك
الشيخ / عبدالرحمن بن حماد العمر
د. عبدالله بن حمود التويجري
الشيخ / د . عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين
د. ناصر بن سليمان العمر
الشيخ / محمد بن ناصر السحيباني
د. حمد بن حماد الحماد
د. عبدالرحمن بن صالح المحمود
د. عبدالعزيز بن عبدالمحسن التركي
د. ابراهيم بن علي الحسن
د. عبدالعزيز بن محمد العبداللطيف
د. محمد بن عبدالله بن علي الخضيري
د. صالح بن ناصر الناصر
د. محمد بن عبدالله الوهيبي
د. عبدالعزيز بن محمد النغيمشي
د. عبدالله بن صالح المشيقح
د. سعود بن حمود الصقري
د. عبدالله بن محمد الربعي
د. علي بن سعد الضويحي
د. ناصر بن يحيى الحنيني
د. ظافر بن سعيد الشهري
د. علي بن عودة الغامدي
د. إبراهيم بن عثمان الفارس
د. أحمد بن عبد الله الغنيمان
د . علي بن سعيد الغامدي
الشيخ / صالح بن عبدالله الدرويش
د . فيحان بن شالي المطيري
الشيخ / محمد بن مرزوق المعيتق
د. عبدالمحسن بن عبدالعزيز العسكر
د. عبدالحميد بن عبدالرحمن السحيباني
د. محمد بن عبدالله الخضيري
د. عبدالله بن ابراهيم الريس
د. رياض بن محمد المسيميري
د. عبدالله بن وكيل الشيخ
د. عبدالعزيز بن محمد السحيباني
د. محمد بن عبدالعزيز بن علي اللاحم
د. خالد بن عبدالعزيز الغنيم
د. عبدالله بن سليمان الجاسر
د. ابراهيم بن عبدالله الحماد
د. محمد بن سالم الصيخان
د. حمد بن ابراهيم الحيدري
د . خالد بن عثمان السبت
د. إبراهيم بن ناصر الناصر
د. سليمان بن عبد العزيز العريني
د. أحمد بن محمد البابطين
الشيخ / عبدالعزيز بن ناصر الجليل
الشيخ / حمد بن محمد الزيدان
الشيخ / يوسف بن عبدالله الأحمد
الشيخ / علي بن ابراهيم المحيش
الشيخ / سعود بن زيد آل عميقان
الشيخ / عبدالله بن عبدالرحمن اليمني
الشيخ / سعود بن يوسف الخماس
الشيخ / فريح بن صالح الهلال
الشيخ / سليمان بن ابراهيم المسعود
الشيخ / عبدالرحمن بن عبدالعزيز ابانمي
الشيخ / عبدالله بن محمد القعود
الشيخ / عبدالرحمن بن عبدالله المرشد
الشيخ / منصور بن عبدالرحمن القاضي
الشيخ / محمد بن عبدالرحمن السلامة
الشيخ / فهد بن عبدالرحمن العيبان
الشيخ / محمد بن عبدالله الهبدان
الشيخ / حمد بن صالح الغشام
الشيخ / عثمان بن محمد بن عبدالجبار
الشيخ / سليمان بن جاسر الجاسر
الشيخ / محمد بن عبدالعزيز الماجد
الشيخ / عبدالعزيز بن عبدالله الدخيل
الشيخ / احمد عبدالعزيز الشاوي
الشيخ / خالد بن عبدالرحمن الشاوي
الشيخ / عبدالله بن ابراهيم السعدي
الشيخ / صالح بن عبدالله الرشودي
الشيخ / علي بن عمر السحيباني
الشيخ / علي عبدالله القرني
الشيخ / هاشم محمد الشايع
الشيخ / عبدالله بن احمد السويلم
الشيخ / حمود بن صالح النجيدي
الشيخ / احمد بن عبدالله آل شيبان
الشيخ / سليمان بن عبدالله الوابل
الشيخ / سعد بن سعيد االحجري
الشيخ / ابراهيم بن احمد آل ضبعان
الشيخ / احمد بن حمد بن عبدالقادر
الشيخ / فهد بن محمد القرشي
الشيخ / خالد بن علي ابا الخيل
الشيخ / محمد بن عبدالعزيز الغامدي
الشيخ / عبدالعزيز بن صالح القرعاوي
الشيخ خالد بن صالح العجلان
الشيخ / هشام بن عبد العزيز العمر
الشيخ سلطان بن محمد الدعيلج
الشيخ حمد بن عبد الله الجمعة
الشيخ / عبدالرحمن بن محمد بن الهرفي
الشيخ / عبدالله بن عبدالرحمن الخميس
الشيخ / احمد محمد علي السحيباني
الشيخ / جمال بن ابراهيم عبداللطيف الناجم
الشيخ / عبدالوهاب بن محمد الموسى
الشيخ / عبدالله بن سليمان العميريني
الشيخ / ابراهيم بن عبدالعزيز الرميحي
الشيخ / خالد بن محمد الماجد
الشيخ / عبدالعزيز بن سالم العمر
الشيخ / وليد بن علي المديفر
الشيخ / فهد بن سليمان القاضي
الشيخ / عبدالله بن عبدالرحمن الوطبان
الشيخ / سعد بن عتيق العتيق
الشيخ / سليمان بن عبدالله الراجحي
الشيخ / ابراهيم بن عبدالله العوض
الشيخ / عبدالله بن ناصر السليمان
الشيخ / علي بن عبدالله العجلان
الشيخ / يوسف بن ابراهيم البرجس
الشيخ / عبدالله بن فهد السلوم
الشيخ / صالح بن ابراهيم التويجري
الشيخ / عبدالرحمن بن عبدالله المسند
الشيخ / عبدالله بن محمد البريدي
الشيخ / خالد العايد
الشيخ / عبدالله عايض القحطاني
الشيخ / صالح بن علي ابا الخيل
الشيخ / عبدالله بن سعد الفالح
الشيخ / عبدالعزيز بن محمد الشويش
الشيخ / صالح بن ناصر العمرو
الشيخ / احمد بن حسن آل عبدالله
الشيخ / سليمان بن محمد آل فايع
الشيخ / محمد بن احمد الشبيبي
الشيخ / سعد بن ناصر الغنام
الشيخ / صالح بن منصور البراك
الشيخ / عبدالله بن علي المزم
الشيخ/ مساعد بن عبدالله الشبانة
الشيخ / صالح بن سعيد الشمراني
الشيخ / مازن الفريح
الشيخ / محمد بن عبدالله العوشن
الشيخ / عادل بن عبدالرحمن السنيد
الشيخ عبد المجيد بن ناصر العقل
الشيخ / قرناس بن محمد القرناس
الشيخ حمد بن سليمان الرزيان
ـــــــــــــــــــ(47/86)
مهرجان الزهور
الحمد لله نحمدهُ ونستعينه ونستغفرهُ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، من يَهدهِ الله فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله ألا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين .
أما بعد : فاتقوا الله أيها المسلمون حقَّ تقاتِهِ، وسارعوا إلى مغفرته ومرضاته، واعلموا أن الدنيا دارُ مَمرٍّ والآخرة دار مقرٍّ ، فتزوَّدوا من ممركُم لمقركُم وعرضكم على ربكم ، ولا تهتكوا أستارَكم عند من لا تخفى عليه أسراركُم .
طوبَى لعبدٍ آخِذٍ بعنان فرسه في سبيل الله أشعثَ رأسُه مغبرةٍ قدماهُ ، إن كان في الحراسةِ كان في الحراسة ، وإن كان في الساقةِ كان في الساقة ، سلامٌ على من نظر في ماء نفسهِ فوجده صافياً رقراقاً .
أيها المسلمون : اشكروا الله تعالى أن جعلكم مؤمنين وشرَّفكم بالانتسابِ إلى أمةِ خيرِ المرسلين ، واعلموا أن دوام النعم مَنُوطٌ بشكرها وأن الله تعالى لا يُغيِّر ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم ، فاحذروا ارتحالَ نِعمَ الله تعالى عنكم فإن النعم إذا شُكِرت قرَّت وإذا كُفِرت فرَّت .
أيها المسلمون : إنَّ الحجابَ والحياءَ والحشمةَ والعفافَ في نساءِ المؤمنين من النعم التي يُطْلبُ استِدامَتُها والمحافظةُ عليها، ذلكم أن لِكُل دين خُلقاً وخُلق الإسلامِ الحياء، والحياء جِلبابٌ تلبسه النساء وتتغطى به العفيفاتُ فهو مادةُ كل خلقٍ فاضلٍ وبدونه تنسلخ الأمةُ من أخلاقها وتَتَعرَّى من فضائلها .
ولهذا حَرِص الشيطانُ وأعوانُه على إغواءِ المرأة وتدرَّجُوا في إفسادها طمَعاً في كسر باب الفضيلة وإشاعة الرذيلة ، قال تعالى : ((وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً)) (النساء : 71) .
قال مجاهد : ((وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ)) أي الزناة ، ((أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً)) قال : يزني أهل الإسلامِ كما يَزنون .
فلهذا كان إِلزاماً على كلِّ مؤمنٍ أن يعلمَ أن للشيطانِ وأوليائِه خُطَطاً ومُؤامرات في إشاعةِ الفاحشة في أهل الإسلام عبر مُخطَّطِهم في تحريرِ المرأةِ من الفضيلة وإيقاعها في شِراكِ الرذيلة.
ومَع الأسفِ فقد نَجحت خُطَطُهم في كثيرٍ من البلادِ الإسلاميةِ حتى آلَتْ الحالُ فِيها إلى واقعٍ شاعَ فيهِ الزَّنا وشُرِعت فيه بيوتُ البِغاءِ بأُذونٍ رسميةٍ وعُمِرَت خشَباتُ المسارحِ بالفن الهابطِ من الغناءِ والرقصِ والتمثيلِ ، وتَقَاطَر أبناءُ وبناتُ أهل الإسلامِ على كلياتِ ومدارسِ الفنونِ الجميلة ليتعلَّموا الفسادَ والمُجون ليتَخرَّجُوا راقصين ومُغنِّين ومَسرحيِّين مِما عَمَّ وطَمَّ وبسببه نُزِعت البركة من ديار المسلمين مع كثرةِ خَيراتِها وتَسلُّط الأعداءِ عليها احتلالاً واستِغلالاً لثرواتها وجعلَ الله أهلَها شيعاً وأحزاباً مُتنَاحِرةً وعُطِّلَ فيها الحكم بكتابِ الله تعالى وسنةِ رسولهِ صلى الله عليه وسلم ...
أيها المسلمون : إن التساهُلَ في حِياطَة النساء ومَنعهنَّ من التبرجِ والسُّفورِ وأسباب الفساد ضَررُه على الدنيا قبلَ الدينِ ، فقد عُلِم تاريخياً أن تَبذُّل النساءِ واختِلاطَهنُّ بالرجال من أعظم أسبابِ انهيارِ الدُّوَل وسقوطِ الحضارات ، كما كانت الحضارة اليونانية على جانبٍ من القوةِ والهَيْبة فلما تَبرَّجتِ النساءُ وخالطَتِ الرجالَ وبالغْنَ في الزينةِ فسدت أخلاقُ الرجال وضَعُفت مَلكَتُهم الحربية فانهارت حضارتهم انهياراً مُريعاً.
وهكذا كل الأهْواءِ والمذاهب المُخالفةُ للشَّرعِ .
قال شيخُ الإسلامِ رحمه الله : (إن دولة بني أميةَ كان انقِراضُها بسبب هذا الجَعْد المعطّل وغيره من الأسباب أ.هـ ) (13/182) .
أيها المسلمون : إنَّ المُتتَبِّع لهذه القضية الرَّاصدَ لها يجدُ أن في بلادنا أُجَراءَ مُستَغرِبِين ولهم أتباعٌ أُجراء من سَذجةِ الفُسَّاق أتباعِ كل ناعقٍ يُفوِّقُون سِهامَهُم لاستلابِ الفضيلة من نساءِ المؤمنين وإنزال الرذيلة بِهنَّ ، ولأجلِ تَمكُّنِهم من وسائلَ إعلاميةٍ كثيرةٍ أفسَحوا المجالَ لكل من هو على شاكِلَتِهم من دُعاةِ الرذيلة ورُبَّما استَغَلوا بعض المنتَسِبين للعلم ممَّن لم يَفْطَن لمَكائِدِهم .
يجبُ على أهلِ الإسلامِ أن يَحذَرُوا من انكسارِ باب الاختِلاطِ بين الجنسين مِمَّا بدأت تظهرُ بَوادِرُه، نعم ظهرت بَوادِرُه مع الأسفِ في بعض المناسباتِ واللَّقاءات كحفلاتِ التَّخرُّج من دوراتٍ في بعض الجهاتِ، أو نَدَواتٍ طبيةٍ ونحوها بِحُجَّة نُدْرةِ التخصُّص، أو في معارضِ الكتب والمهرجاناتِ والمُنتَدياتِ، أو في توظيفِ بائعاتٍ في الأسواقِ ، أو غيرِ ذلكم مما لعله لا يَخْفى على الكثيرِ .
إنَّ مما يزيدُ الأمرَ بلاءً أن يُؤَصَّل لهذا الاختلاطِ المحرَّم تأصيلاً شرعياً من لَدُنْ من قلَّ عِلمُهم بالشريعة .
إنَّ مَنْ يعلم شريعةَ اللهِ تعالى ويَتتبَّع نصوصَها يَجِدُ أنَّها سَدَّت منافِذَ الفسادِ والرذيلةِ بتحريمها لِتبرُّج النساءِ واختلاطهنَّ بالرجالِ حتى في أماكنِ العبادةِ فَكَيفَ بأماكنِ الدُّنيا والغَفلة ؟.
روى مُسلمٌ في صَحيحِهِ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((خيرُ صُفوفِ الرجالِ أوَّلها وشرُّها آخرُها وخيرُ صفوفِ النساءِ آخرُها وشرُّها أوَّلها)) .
قال النوويّ : وإنما فضَّل آخر صفوفِ النساء الحاضراتِ مع الرجال لِبُعدهنَّ عن مخالطةِ الرجال ورؤيتهم وتعلُّقِ القلبِ بهم عند رُؤية حركاتهم وسماعِ كلامهم ونحو ذلك، وذمَّ أول صفوفِهنَّ لعكسِ ذلك أ. هـ، قلت : هذا معَ أن المكانَ والحالَ في عبادةٍ فكَيفَ إذا كانت المُقاربةُ في مكانِ لهوٍ وغَفلةٍ ؟ .
هذا إذا صَلَّت المرأةُ في المسجدِ ولكنْ خيرٌ من ذلك أن تُصلِّي في بيتها بُعداً لها عن الرجالِ .
ففي المسندِ والطبراني ((عن أم حُمَيد السَّاعِديَّة أنها جاءت إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسولَ اللهِ إني أُحبُّ الصلاةَ معك . قال : قد علمتُ وصلاتُكِ في بَيتكِ خيرٌ من صلاتِكِ في حُجرتكِ وصلاتُكِ في حُجرتكِ خَيرٌ من صلاتِك في دارك وصلاتك في دارِكِ خيرٌ من صلاتِكِ في مسجدِ قومك وصلاتِك في مسجدِ قومكِ خيرٌ من صلاتِك في مسجدِ الجماعة)) . قال الحافظ : إسنادُ أحمد حسنٌ .
أما في حالِ خروجِهنَّ من المسجدِ بعد الصلاةِ فيخرُجنَ من بابٍ غيرِ باب الرجالِ فعن ابن عُمَرٍ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لو تَركْنا هذا البابَ للنساءِ . قال نافع : فلم يدخُل منه ابن عمرٍ حتى ماتَ، وعند أبي داودٍ عن نافعٍ أن عمرَ بن الخطابَ كان ينهى أن يُدْخَل من بابِ النساءِ)) .
فأيْن هذا مِمَّن يزعُم أنه ليس في الإسلام تَخصِيصُ يومٍ للرجالِ ويومٍ للنساءِ أو مدخلٍ للرجالِ ومدخلٍ للنساءِ !!
بَلْ حتى في المَطافِ الذي هو مكانُ خشوعٍ وتعلُّقٍ بالله تعالى ولا يُتَصوَّرُ فيه السوءُ إلا لِمَن فَسَدت سريرتُه، كانَ السلفُ يفرِّقون في الطوافِ بين الرجالِ والنساءِ، فقد رَوى الفاكهي عن إبراهيم النَخَعِي قال : نهى عمر أن يطوفَ الرجالُ مع النساءِ قال فرأى رجلاً معهم فضَربه بالدِّرَّة.
وقال الفاكهيّ ويُذْكَر عن ابن عُيينة أن أوَّل من فرَّق بين الرجالِ والنساءِ في الطوافِ خالدٌ بن عبد الله القَسْريّ وكان أميرُ مكةَ في زمنِ عبد الملك بن مروان .
وفي البخاريّ ((عن عطاءٍ إذ مَنَع ابنُ هشامٍ أميرُ مكةَ النساءَ من الطوافِ مع الرجالِ قال : كيف يمنَعُهنَّ وقد طاف نساءُ النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال قلت : أبعدَ الحجابِ أو قبل ؟ قال : أيْ لَعَمْري لقد أدركْتُه بعدَ الحجابِ ، قلت : كيفَ يخالِطْنَ الرجال ؟ قال : لم يكُنَّ يخالطنَ كانت عائشةُ تطوفُ حجرةً من الرجالِ (أي ناحية) لا تخالطهم، فقالت امرأةٌ : انطلقي نسْتَلم يا أمَّ المؤمنينَ قالت : انطلقي عنك وأبَتْ، وكُنَّ يَخرُجن متَنَكِّراتٍ بالليل فيَطُفْنَ مع الرجالِ ولكنَّهنّ إذا دَخلنَ البيتَ قُمْنَ حتَّى يَدخُلْن وأُخرِج الرجال)) .
فهذِهِ النصوص وغيرها ترُدَّ مَن يَسْتدِلُّ بواقعِ الطوافِ اليوم على إباحةِ الاختلاطِ بين الجنسين .
وهكذا في اللقاءَاتِ والمواعظِ والندواتِ فإنَّ هديَ النبي صلى الله عليه وسلم عَزَل النساءَ عن الرجالِ فرَوَى أحمدُ عن ابن عباسٍ وسئل هل شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : نعم ولَولا قُربي منه ما شَهِدتُه من الصغر فصلَّى ركعتين ثم خطَبَ ثم أتى العلم الذي عندَ دارِ كثيرِ بن الصَّلْت فوَعظَ النساءَ وذكَّرهُنَّ وأمرهنَّ بالصدقة فأهْوَيْنَ إلى آذانِهنَّ وحُلوقِهُنّ فتصدَّقْن به ، قال : فدفَعْنَهُ إلى بلال .
قال الحافظ : وفي هذا الحديثِ من الفوائدِ استحبابَ وعْظِ النساءِ وتعليمِهنَّ أحكامَ الإسلام وتذكيرهِنَّ بما يجب عليهِنّ ويُستَحَبُّ حثُّهُنَّ على الصدقة وتخصِيصَهُّنّ بذلك في مجلسٍ منفردٍ .
أيها المسلمون : إن بيننا وبين دعاةِ السفورِ والاختلاطِ هذه النُّصوصِ الشرعيَّةِ وغيرها كثيرٌ جداً ، وأسْعَدُنا بالحقِّ والنجاة من لا يَجِدُ في نفسِهِ حرَجاً من حُكمِ الله تعالى وحُكم رسولِهِ صلى الله عليه وسلم . فالواقعُ المخالفُ لحُكْمِ الله تعالى لا يكونُ مسوِّغاً للاختلاطِ ومُسهِّلاً له .
فاتقوا الله أيها المسلمون واحذروا يوماً تَؤول فيه حالُ نسائِكم إلى ما يُرضِي أصحابَ الشهواتِ من الأُجَرَاءِ المُسْتَغْرِبينَ الذين هَمُّهُم التَّمتُّع برؤيةِ نسائِكم ومحادثَتهِّن .
وليتقِ الله تعالى كل من يكتب أو يتكلمُ في هذه القضايا أن يكتبَ حرفاً أو ينطقَ بكلمةٍ تدفع بعجلةِ تغريبِ المجتمعِ وانحلالهِ إلى الأمام. وليتقِ الله تعالى كلَّّ من عَلِمَ بأسبابِ التبرُّجِ والاخْتلاطِ في أي مكانٍ أن يقومَ بإنكارهِ والتبليغِ عنه درءاً للفتنةِ وإطفاءً لحريق الفسادِ وأملاً في إبطالِ مخطَّطاتِ الأعداءِ في الداخلِ والخارج .
قال تعالى : ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) (التوبة : 71) .نفعني الله وإياكم .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه كما يُحِبُّ ربنا ويرضى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين .
أما بعد : فاتقوا الله أيها المسلمون حقَّ التقوى ، واحْذَروا المخالفاتِ فإن أجسامَكُم على النارِ لا تَقْوى .
أيها المسلمون : كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُحذِّر في خُطْبتِه من البِدَع ويُبَيِّن أنها ضَلالاتٍ وأنَّها في النارِ، لِهذا فإن المسلمَ يجبُ أن يُولِي الحذَر من البدع ما كان يُولِيهِ إيَّاها صلى الله عليه وسلم حيث كان يُحذِّر منها في خُطَبه ومُنَاسَبَاتِه التي تَجمعُه مع أصحابِه عِلماً منه صلى الله عليه وسلم أن البِدعَ إذا سَرَت في الأُمة ارْتَحَلتْ منها السنَن التي نَزَلت نقِيَّةً صافيةً مُوائِمةً لحاجةِ الناس .
فعلى الجميعِ أن يكونَ ذا حساسيةٍ وحذرٍ من سريانِ البدعِ المُضلَّة في الأُمة ، ومَدارُ الأمرِ يكونُ في الحرصِ على دِين الناسِ ودُنياهم فإن الدين يَنْهى عن البدعِ، وزوال الدنيا من أسبابه البدعُ والمُحدَثات .
ألا وإنَّه من الواجِب التنبيهُ عليه ما يُقامُ هذه الأيام مِمَّا يسمَّى ( مهرجانُ الزهورِ) وهو في حقيقتِه عيدٌ من أعيادِ الجاهليةِ يُقامُ كلَّ عامٍ على مستوى العالَمِ ولكنَّه سرى إليْنا في العام الماضي بسببِ تَساهُلِ أهْلِ الإسلامِ من جهة ومن أُخرى من آثار ما يُسَمَّى الانْفِتَاح على العالم، ومهرجانُ الزهورِ في البلادِ الأخرى يُسمَّى عيدُ الزهور وهو عيدُ الربيعِ حيثُ تكون فيه الورودُ والزهورُ والخضرةُ قد وصلت إلى قمَّتِها وجمالها وكمالها، وهو عيدٌ فرعونيّ يكون الاحتفالُ به في الحدائق العامةِ شكراً للإله على الربيع الدائمِ والخضرةِ الجميلة .
وسَرى هذا العيدُ إلى بلدان العالم شرقيِّها وغربيِّها في الصينِ واليابانِ والفلبين فضلاً عن مِصرَ والبلادِ العربية التي هي أقربُ إلى الجاهليةِ الفرعونيَّة .
ـــــــــــــــــــ(47/87)
السلبية لا تُفيد
يا إخوة إن السيل إذا انطلق دمر البلاد، وأهلك العباد، ولكن إن أقمنا في وجهه سداً، وجعلنا لهذا السد أبواباً نفتحها ونغلقها، صار ماء السيل خيراً ونفع وأفاد.
وسيل الفساد، المتمثل في العنصر الاجتماعي ، مر على مصر من خمسين سنة وعلى الشام من خمس وعشرين أو ثلاثين، وقد وصل إليكم الآن([1])، فلا تقولوا نحن في منجاة منه، ولا تقولوا نأوي إلى جبل يعصمنا من الماء, ولا تغتروا بما أنتم عليه من بقايا الخير الذي لا يزال كثيراً فيكم، ولا بالحجاب الذي لا يزال الغالب على نسائكم، فلقد كنا في الشام مثلكم ـ إي والله ـ وكنا نحسب أننا في مأمن من هذا السيل، لقد أضربت متاجر دمشق من ثلاثين سنة أو أكثر قليلاً وأغلقت كلها، وخرجت مظاهرات الغضب والاحتجاج؛ لأن مديرة المدرسة الثانوية مشت سافرة إي والله، فاذهبوا الآن فانظروا حال الشام!!
دعوني أقل لكم كلمة الحق، فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس, إن المرأة في جهات كثيرة من المملكة، قريب وضعها من وضع المرأة المصرية يوم ألف قاسم أمين كتاب تحرير المرأة/ فلا يدع العلماء مجالاً لقاسم جديد.
هذا الخطر لا يحارب بالأسلوب السلبي، بطريقة الرفض والإبقاء على القديم، إن بنت بنتي وهي الآن على عتبة الزواج، لا أستطيع إلزامها بالزيّ الذي كانت تتخذه أمي، ولا الشرع ألزمها به ذاته، بل منعها من كشف العورات وترك لها اختيار الزيّ الذي يسترها ، ولا نستجلب الأنظار، ويوافق الزمان أي الزي الساتر الأنيق, إنني لا أستطيع أن أسيرها على خطى أمي تماماً، ولكن عليّ ألا أدعها تخالف الشرع .
إن ما يتعلق بالمرأة من الحضارة المعاصرة, هو الثغرة الكبرى الذي دخل علينا منها العدو، ولقد كان نصره علينا ساحقاً, نعم هذه هي الحقيقة، فلماذا لا نعترف بها ؟
إن الاعتراف بالهزيمة دليل على بقاء القوة في أعصاب المهزوم، وعلامة على أنه قادر على استرجاع النصر إن خاض المعركة من جديد، لقد نالوا منا جميعاً، لم ينج منهم تماماً قطر من أقطار المسلمين.
إنه لا يستطيع أحد منا أن يقول إن حال نسائه اليوم، كما كانت حالهن قبل أربعين أو ثلاثين سنة.
ولكن الإصابات كما يقال ليست على درجة واحدة، فمن هذه الأقطار ما شمل السفور والحسور نساءه جميعاً، أو الكثرة الكاثرة منهن، ومنها ما ظهر فيه واستعلن وإن لم يعمّ ولم يشمل، ومنها ما بدأ يقرع بابه ويهم بالدخول، أو قد وضع رجله في دهليز الدار كهذه المملكة ، ولا سيما جهات نجد وأعالي الحجاز.
فإذا كان علينا مقاومة المرض الذي استشرى، فإن عملكم أسهل وهو التوقي وأخذ (اللقاح ) الذي يمنع العدوى.
أعود فأقول بأن السلبية لا تفيد، والجمود في وجه السيل الطاغي لا يجدي بل لا يمكن, فادرسوا أوضاع البلاد الأخرى، كيف دخل هذا التكشف وهذا الانحلال إليها.
لديّ رصيد لا يكاد ينفذ من الأمثلة عما يجري في بيوت بعض من ينتسب إلى الإسلام من التكشف والاختلاط ، في جامعاتهم التي وصلت إلى حد إقامة مسابقات لانتخاب ملكة جمال الكلية، والحكام الطلاب، إلى أن تنشر الجرائد من أيام أن معركة وقعت بين فريقين من الطلاب كلهم دون الثامنة عشرة، في ثانوية مختلطة, وسبب المعركة نزاع على إحدى الطالبات، إلى أن مجلة مشهورة في بلد معروف قد وضعت على غلافها عنوان مقالة فيها، وهذا العنوان هو « ثلاثة تقارير لثلاثة أطباء كبار ثبت أن أربعين في المائة من الجامعيات فقدن العذرية !».
إن علينا أن نفهم الفتاة العربية أو المسلمة ، حقيقة لا نزاع فيها، سمعنا عنها من الثقات، ورأيناها، رأيتها أنا في أوربة رأي العين، وهي: أن المرأة في أوروبا ليست سعيدة ولا مكرمة، إنها ممتهنة، إنها قد تكرم مؤقتاً ، وقد تربح المال ، مادام لديها ـ الجمال ـ ، فإذا فرغوا من استغلال جمالها ، رموها كما ترمى ليمونة امتص ماؤها .
فكيف نفهم المرأة عندنا هذه الحقيقة ؟ كيف نقنعها بأن الإسلام أعطاها من الحق، وأولاها من التكرمة، ما لم تنل مثله المرأة الأوروبية أو الأمريكية ، وأنه صانها عن الابتذال، ولم يكلفها العمل والكسب ؟ كيف؟ أنا أقول لكم؟ كيف بالفعل لا بالقول، بأن نعاملها المعاملة التي يرتضيها لنا ديننا، بأن نعتبر الخير فينا، من كان يعامل امرأته وبناته بالخير، أن تكون المرأة المسلمة اليوم كما كانت في صدر الإسلام؛ اقرؤوا إذا كنتم لا تعرفون تروا أنها لم تكن تعامل كما يعامل كثير منا نساءهم، (فصول إسلامية:ص 96-97-98 - 99) .
ـــــــــــــــــــ(47/88)
عتاب الأحبة !
روى الشيخان- واللفظ لمسلم- عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: (( بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ, فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ, وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ, وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ, وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لاَ نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ )).
هذا الحديث أصلٌ عظيمٌ في وجوب الصَّدْع بكلمة الحقِّ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب الاستطاعة، دون مجاملة لأحد أو مداهنة لصديق أو صاحب !
تربطنا بالكثير من الدعاة وطلبة العلم علاقات أخوية قديمة، فقد تبادلنا معهم الحبّ في الله, ورغبنا وإياهم أن نعمل سوياً لخدمة إسلامنا العظيم!
إلا أننّا نعتقد جازمين أنّ العلاقات الشخصية، والأخوة الصادقة التي تربط بيننا لا يجوز أن تحول أمام صدعنا بكلمة الحقّ, وتصويب ما نراه خطأً، وتقويم ما نعتقده معوجاً؛ على ألاَّ يفسد مسلكنا هذا للودّ قضية ولا يعكر للصفوّ مقاماً !
وبغير هذا نكون متهمين في إخلاصنا لله, وتقديمنا لمرضاته-جلا وعلا -على رضا البشر الضعفاء !
وهذا الحقُّ- أعني مشروعية الرد على المخالف– حقٌّ سائغ للجميع، فكما لا نستطيع منع أحد من نقدنا؛ كذلك لا يستطيع أحدٌ أن يسلبنا الحقَّ نفسه !
ولقد كان هذا هو المنهج السليم الذي درج عليه الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- وعلَّمه أصحابه, وطبقَّه على أرض الواقع، فأسامة بن زيد- رضي الله عنه- كان حِبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وابن حِبّه، بيد أنّ هذه العلاقة الحميمة لم تكن لتمنع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أن يعتلي منبره، ويخطب خطبةً عصماء مُنكراً على أسامة شفاعته للمخزومية التي سرقت المتاع يوم فتح مكة !
ذلك أن العلاقة الشخصية, والصداقة والزمالة، وغيرها لا ينبغي أن تطغى على المصلحة الشرعية، والصدع بكلمة الحق، والإنكار على المخالف، بحجم المخالفة التي تورّط فيها ! فحين يباهي أحدهم بإباحة الغناء والمعازف والمزامير, أو تسويغ الاختلاط والسفور بكلِّ جراءة وصفاقة وجه, غير مبال بنصوص كالجبال, فلا بد من الإنكار عليه, رضي أم سخط, نصحاً لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المؤمنين وعامتهم !
وبغير هذا نكون أقرب للخيانة منّا للأمانة، وأدنى للغشّ منّا للنصح والصدق !
روى الترمذي(2414) قال: كتب معاوية- رضي الله عنه- إلى عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها- أن اكتبي إلي كتابا توصيني فيه ولا تكثري علي, فكتبت عائشة- رضي الله عنها- إلى معاوية, سلامٌ عليك, أما بعد, فإني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: (( من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس)) والسلام عليك.
وفي صحيح ابن حبان (277) عن عائشة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: (( من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله, ومن أسخط الله برضا الناس وكله الله إلى الناس)).
ولا مزيد على هذا الكلام النبوي الشريف الحاسم لكلّ نزاع في هذا القضية .
في مقدمته لكتاب الرسالة للإمام الشافعي- رحمه الله- كتب العلامة أحمد شاكر ما نصُّه: "... يجدرُ بنا أن نقول كلمة فيما أثاره صديقنا الأديب الكبير (زكي مبارك) حول كتاب (( الأمّ )) منذ بضعة أعوام ، فقد تعرض للجدل في هذا الكتاب عن غير بيّنة, ولا دراسة منه لكتب المتقدمين وطُرق تأليفهم, ثم طُرق رواية المتأخرين عنهم لما سمعوه؛ فاشتبهت عليه بعض الكلمات في ( الأم ) فظنّها دليلاً على أنّ الشافعي لم يؤلف هذه الكتب, واستند إلى كلمة رواها أبو طالب المكي في ( قوت القلوب ) ونقلها عنه الغزالي في الإحياء، معناها: أنّ كتاب ( الأمّ ) ألفّه البوطي ثم أخذه الربيع– أي الربيع بن سليمان– بعد موته فادعاه لنفسه ثم جادل الدكتور (زكي مبارك) في هذا جدالاً شديداً.. إلى أن قال:( وقد يظن بعض القارئين أنّي أقسو في الردّ على الدكتور، ومعاذ الله أن أقصد إلى ذلك، فهو الأخ الصادق الودّ، ولكن ما أصنع ؟ وهو يرمي أوثق رواة كتب الشافعي– الربيع المرادي– بالكذب على الشافعي، ثم ينتصر لرأيه ويسرف في ذلك، ويخونه قلمه حتى ينقل عن ( الأمّ ) نقلاً غير صحيح ينتهي به إلى أن يرمي الشافعي نفسه بالكذب.....) إلخ.
أقول فهاهو العلاَّمة المحدّث أحمد محمد شاكر لا يتردد في النكير على صديقه الأديب الأريب جهراً، وباسمه الشخصي دفاعاً عن أعلام الإسلام كالشافعي، والربيع المرادي!!
فكيف لا ننكر نحن على من يسيء إلى الإسلام نفسه أصولاً وثوابت، وفروعاً وشرائع، وآداباً وأخلاقاً, بدعوى أننا أصدقاء وأحباب؟!
أليس هؤلاء أولى وأجدر بالنكير من زكي مبارك ؟!
وماذا لو أدرك أحمد شاكر أيامنا هذه, وسمع دعاة التقريب مع الرافضة, وأنصار التعاون مع التيار الليبرالي البغيض, ورموز الحوارات الوطنية الساذجة, وحُماة مذهب (افعل ولا حرج!)
ولو كان تحليلاً للربا, أو إباحة للخنا-عياذاً بالله!
وقبل الختام أودُّ الإشارة بأنَّ ثمة فرقاً كبيراً بين الاختلاف السائغ بين العلماء وبين الطوامّ والدواهي التي يدلي بها البعض بن الحين والآخر، أشراً وبطراً ورئاء الناس
ـــــــــــــــــــ(47/89)
ماذا ينقمون على المرأة في ظل الإسلام؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله و بعد:
إن من أعظم النعم التي كرم اللَّه بها عباده المؤمنين أن شرع الله لهم شريعة قويمة وملة حنيفية، تنظم الإنسان والكون والحياة، تخاطب القلب والعقل والروح، وتحقق رغبات البدن دون تمادي إلى شهوانية حيوانية، أو دون حرمان الرهبانية كما تمارسه النصرانية والنيرفا الهندوكية، وهذا الدين هو دين الفطرة، قال تعالى: (( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ )) (الروم: 30) .
وقال سبحانه: (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) (الأنعام: 153) .
ومن محاسن هذه الشريعة القويمة تكريم المرأة وحمايتها والإحسان إليها، خلاف ما عليه الجاهلية الأولى من وأد البنات، وحرمان النساء من الميراث، واعتبارهن من سقط المتاع، فجاء هذا الدين حاكماً بأن (( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )) (البقرة: 228 ).
قائلاً: (( النساء شقائق الرجال )) [1]، آمراً (( استوصوا بالنساء خيراً)) [2] .
حاثاً (( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)) [3].
ولا غرو في ذلك لأن هذه المرأة هي أساس المجتمع، حيث هي الأم الحنون، والزوجة الصالحة، والأخت الفاضلة، فمن مدارسهن الحقيقية يتخرج الأبطال، وتتربى الأجيال، فهي المحور الحقيقي التي عليها صلاح المجتمع أو فساده.
من هنا كانت برامج وخطط المفسدين عبر قرون من السنين موجهة إلى هذا الكيان القوي الطاهر لتحطيمه وزعزعته، والقضاء على معاني الفضيلة فيه، ومن تأمل جهود أولئك في عدد من البلاد الإسلامية المجاورة رأى عملية التدرج في إفساد المرأة وخلطها بالرجل، ونبذها لحجاب الظاهر والباطن، وكانت في يوم من الأيام مضرب المثل في الحشمة والعفة والستر والحياء.
وهكذا خطوات الشيطان وعملائه في البلاد الإسلامية، ولا يسلم من هؤلاء بلد أو مكان، سنة اللَّه تعالى في التدافع والصراع بين الحق والباطل، ولم نسلم في هذه البلاد الطيبة ممن هم من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم قلوب الذئاب، يتباكون على وضع المرأة عندنا وظلمها، وعزلها عن شؤون الحياة، ومنعها من العمل، نعم الظلم والاحتقار وأكل الأموال وحقوق المرأة ممنوع شرعاً، ومرفوض طبعاً، ولكن ليس هذا حقيقة مطلبهم وغايتهم، ولكنهم يريدون أن يرسخوا في المجتمع أنموذج أسيادهم من الغربيين في إزالة الفوارق والفواصل والاعتبارات مطلقاً بين الرجل والمرأة،
وكم ظلت مؤتمرات المرأة والإسكان في الأعوام الماضية تركز على ذلك، وتطالب المجتمع الدولي بأسره بذلك، ولكن كيف نسي هؤلاء خصوصية هذا البلد، وتناسوا احتكام الجميع هنا إلى شريعة رب العالمين، التي جاءت بالهدى وهم يريدونها ميلاً وهوى، (( وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً)) (النساء: 27)
والتفريق ببين المتماثلين، هم يريدون الجمع بين المتباينين، هم من نصيب الشيطان المفروض الذي تعهد أن يضلهم ويمنيهم، ويأمرهم بتغيير خلق اللَّه، أما المؤمنون فهم عباد اللَّه، (( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً )) (الإسراء: 65).
إن من نعمة اللَّه علينا أن هيأ لنسائنا وبناتنا أجواء تربوية، وميادين تعليمية بمناهج مميزة، تحوطها الفضيلة، وتحرسها تعاليم الشريعة، على مسمع ومرأى من أهل العلم والغيرة، منذ عقود من السنين على شيء من النقص والانحسار، ولكنه على أية حال أنموذج فريد، وتجربة نوعية تفردت بها هذه البلدة في استقلال تعليم المرأة، وكانت محط إعجاب وإكبار للكثير من الشعوب الإسلامية، ولا ينكر ذلك إلاَّ جاهل أو حاسد أو صاحب هوى.
ومنذ زمن بعيد وتعليم المرأة عندنا يواجه حملة شعواء من أهل الصحافة ودعاة التحرير، الذين أعملوا أقلامهم، وأنشبوا مخالبهم بذلك الكيان التعليمي الرائد .
يقول الأستاذ الداعية محمد قطب: في كتابه تحرير المرأة: وهو يصور لنا حالة إحدى البلاد الإسلامية في التبرج والسفور، ومن أين كانت بدايته، وتلك البلاد أصبحت أسوة في التغريب والانحلال لكثير من بلاد المسلمين اليوم.
يقول: ( وأصبح من المناظر المألوفة أن ترى الأمهات متحجبات والبنات سافرات، وكانت الأداة العظمى في عملية التحويل هذه هي التعليم من جهة، والصحافة من جهة أخرى ..) .
ثم يقول: ( فأما التعليم فقد اقتضى معركة طويلة حتى تقرر على المستوى الابتدائي أولاً، ثم المستوى الثانوي، ثم المرحلة الجامعية).
ويقول: ( وسقط الحجاب تدريجياً عن طريق بنات المدارس، ولو خرجن عن تقاليد المجتمع المسلم دفعة واحدة ومن أول لحظة، هل كان يمكن أن يقبل أحد من أولياء الأمور أن يرسل ابنته إلى المدرسة لتتعلم ؟ كلاَّ بالطبع، ولتكن الخطة على الأسلوب المتبع في عملية التحويل كلها بطيء ولكنه أكيد المفعول منعاً لإثارة الشكوك ).
إن المنادين بتحرير المرأة لم يفقهوا بل لم يسمعوا صيحات النساء في الغرب، وفي اليابان اللواتي يطالبن بالعزل التام عن الرجال، والعودة إلى عش الزوجية، كما نشر في عدد من وسائل الإعلام كما في جريدة الجزيرة، العدد (7056 ، 7057).
أين هؤلاء من تجنيد الشباب للعمل؟ وتوفير فرص العمل لهم؟. وتحريرهم من رق البطالة والضياع ؟ ومن أولى بالعمل عند تزاحم الفرص وندرتها النساء أم الرجال ؟! .
إن أولئك الكتاب المستغربين لا يتكلمون بلسان المجتمع ولا يعبرون عن آرائه، لأنه مجتمع مسلم محافظ، رضي باللَّه رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى اللَّه عليه وسلم رسولاً، رضي بالعلماء والغيورين أن يكونوا حماة للفضيلة، حراساً لقواعد المجتمع من المعلمات والمتعلمات، وحينما جربت الدول الأخرى، ووضعت ثقتها وزمام أمرها بغير أهل الصلاح والغيرة، وصل أمرها وحالها إلى ما هي عليه الآن، فهل يرضى مسلم بذلك ؟ !.
إن نظام تعليم الفتاة في هذا البلد الطيب ظل مضرب المثل بحمد اللَّه، وذلك نعمة كبرى، حيث الخصوصية والحشمة، والآداب الشرعية والنظم المرعية، فهل يصح أن نهدر هذه النعمة، ونلغي تلك الخصوصية، التي لها ما بعدها من الآثار التي علمتنا الأحداث تدرجها ومرحليتها، كاختلاط الجنسين من البنين والبنات، بدءاً بالمراحل الابتدائية الأولى، وكذلك التقارب في أنشطة الجنسين، وإقحام الفتاة في مناشط وأندية وبرامج تتنافى مع جبلتها وطبيعتها، وكذلك الدعوة إلى تغيير المناهج وتوحيدها، وكذلك وهو الأهم تهميش دور العلماء في الإشراف على تعليم المرأة.
وهذا ما يؤكد علينا جميعاً الاستمرار في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن نناصح من ولاه الله أمرنا، قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:
(( ثلاث لا يغل عليهم قلب امرئ مسلم: ومنها مناصحة من ولاه اللَّه أمركم )) [4].
فالواجب هو دفع منكرات الإعلام كل بما يستطيع، بالحوار الهادئ، والمناصحة المشفقة، والكتابة المؤصلة، والردود العلمية، ومن لا يستطيع هذا ولا ذاك فليبتعد عن الشر وأهله، ومواطنه المقروءة والمرئية لئلا يغتر وينجر فيضل ويضل، واللَّه وحده الهادي إلى سواء السبيل.
ولا ننسى أهمية التربية على الفضيلة في البيوت والمدارس، هي واجبات كل مسلم وكل مسؤول، خاصة في مثل هذا العصر الذي يحارب فيه الإسلام باسم الحرب على الإرهاب، ويطالب الغرب النصراني بتغيير المناهج وطمس هويتها، فهل في هذه المرحلة يحلوا لبعضنا الاسترخاء والتكاسل، وعدم الجدية أو عدم الشعور بخطورة المرحلة التي نعيشها، فلا ترى منه حسن قوامة ولا حسن رعاية للمرأة والأسرة كافة، إن اليهود يربون صغارهم على كره المسلمين والاستعداد لقتالهم وإخراجهم من فلسطين، فماذا نحن وهمومنا مع صغارنا وكبارنا من البنين والبنات؟
فحين يكون الانتماء لهذا الدين، وحينما يكون الحجاب والفضيلة عقيدة راسخة، فإن ذلك لا يسقط مهما سلط عليه من أدوات التحطيم والتحجيم والتغريب، إن الذين سقط عندهم الحجاب، هم أولئك الذين اعتبروه من العادات والتقاليد، حينها لم يصمدوا أمام رياح التغيير، لأن التقاليد الخاوية من الروح عرضة للسقوط إذا اشتد عليها الضغط، فهل مدافعتنا الآن عن مكتسباتنا التربوية والتعليمية والأخلاقية، دفاع عن عادات وتقاليد، حينها سنخسر الرهان، ونهزم في معركة المبادئ كما خسر غيرنا.
أم أننا ننطلق من ثوابت شرعية، ونعطي القضية أبعاداً دينية وقيمية، حينها نعمل ولا نكل ونسعى ولا نمل.
فالعقيدة الحية المتمكنة من القلوب لا تقهر، ولا يتخلى عنها أصحابها مهما وقع عليهم من الضغوط، وإن الاستعلاء بالإيمان والعلم الشرعي يقي الناس من الذوبان في عدوهم، ولو انهزموا أمامه في المعارك الميدانية، والغنى النفسي الذي يحدثه الإيمان الحق باللَّه تعالى يجعل المسلم فرداً ومجتمعاً ودولة، يشعر بالاكتفاء الذاتي، بعيداً عن الابتذال والتسول من عالم القيم المنحطة، وما كان الغزو الفكري يتسرب إلى نفوس المسلمين لو كانوا على إسلام صحيح، ولما جرنا الغرب إلى أمركة الحياة والمجتمع، واعتبار ذلك حتمية حقيقية كما يصوره اليهود للبشرية، ليدفعوها في المسار الذي أغرقوها به، وحين انجرفت أوربا في تيار التطوير اليهودي فذلك لخوائها من العقيدة الصحيحة التي تصلح للحياة .
أما نحن المسلمين فنحن قادرين وجديرين أن نصمد ولا نهزم في معارك القيم والأخلاق، وهذا هو ما سجله التاريخ عن أمة الإسلام في سالف عصورها، فهل نبقى على تلك الصفة ليتحقق لنا ذلك المجد، نعم يتحقق لنا ذلك بإذن اللَّه إذا وفينا بالشرط الرباني، قال تعالى: (( وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ))
( آل عمران: 120).
ولا تكتفوا بالدعاء وحده وتدعوا العمل، قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ )) ( الحج : 77) .
ونسأل الله أن يرد كيد الكائدين في نحورهم.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
[1] - والحديث أخرجه : أبو داود في سننه ، وأحمد في مسنده ، والترمذي في جامعه ، وأبو يعلى ، والدارمي ، والبيهقي في السنن الكبرى
ونص الحديث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما فقال: يغتسل. وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل فقال: لا غسل عليه فقالت أم سليم: المرأة ترى ذلك عليها الغسل قال: نعم إنما النساء شقائق الرجال. وقد قال ابن حجر العسقلاني – رحمه الله - : فتح الباري - ابن حجر [ جزء 1 - صفحة 254 ] ( والنساء شقائق الرجال في الأحكام إلا ما خص ) .
[2] - رواه البخاري في صحيحه برقم ( 3153 ) ، ومسلم برقم ( 1486 ) .
[3] - أخرجه الترمذي في جامعه برقم ( 3895 ) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3266 ) .
[4] - أخرجه الترمذي في جامعه برقم (2653 ) ، وأحمد في مسنده برقم ( 13374 ) .
ـــــــــــــــــــ(47/90)
منتدى جدة والدور المشبوه
الحمد لله رب العالمين؛ وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
فمن حقنا أن نصرخ دفاعا عن أعراضنا ومحارمنا وعقيدتنا؛ من حق الواقف على الجمر أن يتألم؛ بل من حقنا أن نصيح خوفا على أمننا، ونعم الله عز وجل علينا التي صبّحنا بها ومسّانا، وأغدقها علينا ظاهرة وباطنة، ونعم الله إذا شكرت قرت؛ وإذا كفرت فرت.
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وحُطها بطاعة رب العباد فرب العباد شديد النقم
كانت هذه البلاد تعيش فقرا وانقساما، وحروبا جاهلية؛ فمن الله عليها بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام؛ منَّ عليها بعقيدة التوحيد؛ منَّ عليها بالرخاء والرغد؛ منَّ عليها بالاجتماع والالتئام؛ حتى غدت بحمد الله مضرب المثل في اجتماعها وتوحدها، وأمنها وأمانها، وأخلاقها ومبادئها؛ فما بال طائفة من الناس تضيق صدورهم بهذه النعم!؛ ويتمنون بأفعالهم قبل أقوالهم أن تتشرذم هذه البلاد وتتقسم، وأن تحل بها عقوبة الجبار المنتقم سبحانه وتعالى.
قبل عقود تفجر البترول في بلادنا، وعم الرخاء بحمد الله؛ - بماذا؟ -؛ هل كان بهذه المؤتمرات الاقتصادية الفاسدة؟!
أنعم الله على أهل هذه البلاد، وكانوا أميين؛ كثير منهم لا يقرءون ولا يكتبون؛ أفبهذه المؤتمرات المشبوهة نهدف إلى تنمية اقتصادنا؟! عجبا!.
ثم إني أتسائل؛ وكلي حيرة ودهشة؛ تساؤلا لا شك أنه قائم في أذهانكم جميعا؛ من المستفيد من إهدار قيمة العلماء؟!
المفتي – جزاه الله خيرا – أصدر بيانا سمعناه، وقرأ في وسائل الإعلام؛ في التلفزة والإذاعات؛ في الأخبار الرسمية وفي صدر الأخبار؛ منددا ومستنكرا لما جاء في ذلك المؤتمر الاقتصادي في جدة قبل سنتين من سفور وانحلال وتبرج؛ بيان واضح اللهجة؛ قوي البنيان، واضح الدلالة؛ حتى ظن كثير من الناس أنهم سيحاكمون، أو على الأقل أن هذا لن يتكرر؛ فإذا بنا نرى المصيبة أعظم؛ نرى التبرج والانحلال والسفور؛ فهذه مؤتمرات الله أعلم ماذا يراد بها؛ ما دخل الاقتصاد بهذه الأمور؟!.
***
أسأل سؤالا بريئا؛ حينما يأتي ( كلينتون ) قبل سنتين ويتكلم، ويفتي، ويقول: ( لو كان محمد حيا؛ ما منع المرأة السعودية أن تقود السيارة )؛ وهذا نشر في الأخبار؛ وحينما يقف وزير الإعلام هذا العام في المؤتمر، ويحرض الفتيات في هذه البلاد على التمرد على السلطة والأنظمة، ويقول: ( من حقكن أن تطالبن بالقيادة؛ اذهبن إلى أقسام الرخص؛ فإن لم تصدر لكُنّ الرخص؛ فتقدمن طوابير طويلة إلى المحاكم؛ إلى ديوان المظالم؛ مطالبة بالحقوق المسلوبة منكن ).
ما دخل وزير الإعلام؛ حتى يحرض بنات المسلمين على التمرد؛ ليس على الآباء؛ ليس على الأزواج؛ ليس على الإخوان؛ ليس على الأسر والبيوت فقط؛ بل حتى على الأنظمة؛ فماذا يريدون من الفتنة؟! – عاملهم الله بما يستحقون –؛ فهذا الشخص الذي منذ أن جاء والإعلام في فساد وانحلال؛ حتى ظهرت المهازل، وتدخين النساء؛ بل وشرب الخمور في القنوات، والمخالفة الصريحة الواضحة لسياسة الإعلام.
***
نحن على الحق؛ فلماذا نخجل؟!؛ لماذا نجبن عن الدفاع عن حقنا؟!؛ لا نريد حقا شخصيا؛ بل نريد المحافظة على توحد هذه البلاد؛ نريد منع عقوبة الجبار سبحانه وتعالى؛ نريد المحافظة على خيرات الله ونعمه؛ نخاف من عقوبة الله؛ نريد أن يؤخذ على هذه الأيدي العادية التي تخرق سفينة الإسلام وتعرضها للغرق؛ فهم سفهاء مهما تبوءوا من المناصب؛ فكل من دعا إلى رذيلة وشر وفاحشة وفساد؛ فهو سفيه يجب الأخذ على يديه.
***
في هذا المؤتمر من هذا العام؛ تأتي زوجة ( بلير ) عدو الإسلام والمسلمين وتُصدر، وتخاطب على وسائل الإعلام، واليهودي ( سورس ) الذي كان مسئولا في صندوق النقد، ويُقال إنه وراء تدهور الاقتصاد في الدول الإسلامية في جنوب شرق آسيا؛ وحينما يأتي أمثال هؤلاء؛ وحينما يقف ذلك الشخص ويطالب بنات المسلمين بالتمرد؛ فما دخل الاقتصاد بقيادة المرأة للسيارة؟!؛ حتى نعلم أن الأمر وراءه ما وراءه.
***
ألسنا نطالب الشباب، ونطالب الجميع أن يتقيد بأقوال العلماء، وأن يصدر وينزع عن أقوالهم، وأن يرجع لهيئة كبار العلماء في كل ما يفعل ويذر مما قام الدليل عليه من الكتاب والسنة؟!؛ ألسنا نطالب بذلك؟! ألسنا نكرر؟! ألسنا نقول يجب على الشباب ألا يجتهدوا اجتهادات فيها شيء من التهور، ويرجعوا للعلماء؛ فلماذا يدوس هؤلاء بيانات أعلى سلطة دينية في البلد بأقدامهم؟!؛ المفتي يستنكر هذا ويتلى في وسائل الإعلام؛ وهم يعودون إلى ما كانوا عليه وأسوأ مما عليه!!.
إنها مؤتمرات الله أعلم بأهدافها؛ وإن كانت لا تخفى على العقلاء والنبهاء؛ فينبغي أن نعرف ماذا يدبر ويُخطط لنا؛ وأنا أكتب هذا المقال حرقة وألم؛ فالألم يعتصرني ويحرق قلبي.
ماذا أقول وفي الحشى لوّاحة تكوي الفؤاد وحُرقة الأكباد
خوفا على بلادنا ومحارمنا، وأعراضنا وأمننا أن يعبث به العابثون؛ فهؤلاء يجب أن يقال لهم كفوا؛ وأن يُمنعوا من فسادهم، وأن يُحالوا إلى المحاكمات؛ لأنهم تعدوا على شرع الله، وخالفوا الأنظمة الواضحة ولوائح الإعلام؛ فإذا تكلمنا في هذا ما تكلمنا إلا بما هو حقنا؛ وإلا فإننا ندعو إلى الاجتماع، وترك الانقسام وشق العصا، ونبذ العنف، وندعو إلى توحد المسلمين، والنصح بالتي هي أحسن؛ لا سيما وقد دعينا إلى هذا؛ كما هو معروف بكتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم-، وفي خطابات المسئولين؛ طلب منا النصح؛ فها هو النصح؛ كلمة حق لا نزكي أنفسنا؛ لا نتلعثم بها؛ لا نتلكأ؛ لا نطالب بشيء لمصالحنا، ولا لجيوبنا؛ وإنما نطالب بمنع الفساد والإفساد، ونرى أن هذا حق لكل مسلم ومسلمة في هذه البلاد؛ بل وغير هذه البلاد من مسلمين يقصدون هذه البلاد حاجين ومعتمرين، ومبتغين فضل الله عز وجل فيها.
***
ما بالنا نستسقي مرارا وتكرارا، ونتطلع إلى آفاق السماء نرجو المطر ولا نرى إلا ريحا حمراء وصفراء؛ تعمي أبصارنا وتشنق حلوقنا!؛ ما بالنا إذا استسقينا؛ فرت السحاب من السماء!؛ أليس الله سبحانه يسمع ويرى!؛ أفي الله شك فاطر السماوات والأرض!؛ كلا؛ بل هو القادر سبحانه وتعالى أن يغيثنا بلحظة واحدة؛ أليس نبينا - صلى الله عليه وسلم- يرفع يديه مرة واحدة: (( اللهم اسقنا؛ أغثنا ))؛ فلا يحط يديه حتى يجيش كل من زاد؛ كما صح في البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما وأرضاهما.
بل اسألوا الآباء والأجداد؛ قبل أن يخرجوا يستسقون كانوا ثقة بالله يصلحون الميازيب ومجاري المياه إلى المزارع، ثم يستسقون الله؛ فلا يعودون إلى القرى، وإلى البيوت حتى يجدوا المطر قد سبقهم إلى بيوتهم ومزارعهم.
فما بالنا نستسقي مرارا وتكرارا فلا نُغاث!!؛ السبب هذه الذنوب والمعاصي؛ نستسقي، ثم نحيي هذه المنتديات والمهرجانات التي فيها الرقصات، وفيها من الطبل والزمر والغناء ما يغضب رب الأرض والسماوات؛ فيجب أن نتوب إلى الله، وأن نرجع، وأن ننقي قلوبنا، أن نستغفر الله، أن نبادر بالتوبة، أن نسأل الله أن يلطف بنا، أن نقضي على كل منكر قدر الاستطاعة.
يقول ابن عباس - رضي الله عنهما - : ( إنكم لتستسقون المطر، وأنا أخاف أن تنزل علينا حجارة من السماء )؛ فهذا يقوله ابن عباس - رضي الله عنهما- في القرون المفضلة؛ في صدر الإسلام وبقية أصحاب الرسول- صلى الله عليه وسلم -؛ فماذا نقول لأهل هذا الزمان؟!
نسأل الله أن يلطف بنا، وأن يحفظ علينا أمننا وإيماننا، وسلمنا وإسلامنا، وأن يكبت كل عدو للإسلام والمسلم
ـــــــــــــــــــ(47/91)
ـــــــــــــــــــ
يا أنجم الهيئات
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ , ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا , ومن سيِّئاتِ أعمالِنا , منْ يُهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لهُ, ومنْ يضلل فلا هاديَ له .
وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله .(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (آل عمران:102) .(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) (النساء:1) . ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )) (الأحزاب:70-71) .
أما بعد : فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله , وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها , وكلَّ محدثةٍ بدعة , وكلَّ بدعةٍ ضلالة , وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أيها المسلم : قل ما تشاء ، وحدث بما يحلو لك ، وأرسل عنان قلمك ، وأطلق لجام كلامك ..قل ما تشاء عن الأكف الحانية.. والأعين الساهرة.. والأم الرؤوم والأب العطوف.. الأم الرؤوم الذي يحز في نفسها أن ترى أبناءها يتجرعون السم من أيدي ضعاف النفوس, ويكدر نفسها أن تضيع زهرات أعمار شبابنا فيما لا يفيد, ويضيق صدرها وهي ترى الصلاة تقام ورجل واقف مكانه لا يتجه للمسجد, وتثير غيرتها على أعراض المسلمين رؤيتها لبنات المسلمين بلباسهن المتبرج في مركز تجاري أو مطعم ما في وقت غير مناسب أو بلا محرم أو بلا أدب, بل بتبرج فاضح ،وتثير حميتها رؤية الشباب المستهتر وتهافتهم على المعاكسات والنيل من أعراض نساء المسلمين.. وتتحرك أشجانهم عندما يرون أبناء المسلمين ضحايا المسكرات والمخدرات .
نعم أيها المسلمون إنهم رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..
يا هيئة الإرشاد وجهك مشرق والمكرمات روائحٌ وغَوادي
أمر بمعروفٍ ونهيٌ صادقٌ عن منكرٍ وتحللٍ فسادِ
إنها هيئة التقويم والإصلاح.. هذه الهيئة عندما وضعت سفينة النجاة شعارا لها ..لم تكن تمزح ولم تكن أهدافها فراغا , بل كانت وما زالت كالقائد الذي يقود دفة الأمة إلى بر النجاة وأكرم به من بر, حيث الأعراض مُصانة والخمور مراقة والمعاكسون مقو مون والأمن مستتب . يقول صلى الله عليه وسلم : ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن امسكوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)) رواه البخاري .
واسألوا من وقع في أيديهم من الفتيات وهن على حالة منكرة .. كيف انتشلوهن من بحور الظلمات.. كيف صانوا أعراضهن.. كيف أنقذوهن من براثن الكلاب المسعورة التي لا ترحم. لم يكن منعهن من التبرج في الأسواق تعدياً على حريتهن الشخصية أو تحكما بهن, بل صيانة لهن وحفظا عليهن ، و اسألوا الشباب كم تائبٍ تاب على أيديهم ..وكم ضائع اهتدى بسببهم - بعد الله - وكم حائر أخذوا بيده إلى الطريق القويم.. كم مدمن للخمر ضربوا على يديه حفاظا على دينه وصحته.. وكم من تارك للصلاة أرجعوه إلى بوتقة الدين.. كم من معاكس أوقفوه عند حده ومنعوه من اللعب بأعراض الناس, وكم من متشبه قوموه وأرشدوه , كم من فرد كان على شفا الوقوع في الفاحشة والهاوية فوجدَ رجال الهيئة يبصرونه بما ينفعه ويحذرونه مما يضره ؟
كم مروج للأشرطة الفاضحة والسموم المهلكة وقع في أيديهم فمنعوا شره عن أولاد المسلمين .. كم وكم..ألا ترونهم في الأسواق وفي أماكن التجمعات آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر.. أهم ينتظرون مكافأة وجزاء? تكفيهم المكافأة التي وعدهم بها الله سبحانه :((أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (آل عمران:104) .
والمكافأة التي وعدهم بها صلى الله عليه وسلم بقوله : ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)) .
يا خيرنا ..يا ذخرنا ..يا فخرنا حقٌ عليَّ بمثلكم أن أفخرا
كم من فتاةٍ قد حفظتم عرضها توصونها باللين أن تتسترا
كم غافلٍ أرشدتموه إلى الهدى إذ عاد من بعد الضلالة مُبصرا
يا من إذا نمنا بثوبِ أمانِنا فتحوا العيونَ الناعساتِ لتسهرا
هيئاتُنا تاجٌ على هاماتنا أخشى بدونهمُ بأن لا نُمطرا
هذه هي الرئاسة وهؤلاء هم رجالها ..لا كما يزعمه الأفاكون ..والذين أعماهم الحقد ، وأعشاهم الحنق ، فانطلقوا يهذون بما لايدرون ، ويهرفون بما لا يعرفون ، يقلد بعضهم بعضا ،ويتحاكون تحاكي الببغاء .
إذ ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده بالتوهم
فهذه الأقلام الجائرة ، والأفهام الحائرة ، يصدق عليها بحق وحقيقة قول الأول :
إن يسمعوا سبة طاروا بها فرحا هذا وما سمعوا من صالح دفنوا
وكل ينفق مما عنده ، وكل إناء بما فيه ينضح ، نفوس جبلت على المقت والبغضاء ، والكراهية والشحناء .
والأمر أيها المسلمون : لا يحتاج إلى تفكير طويل ، ولا إلى ذهن ثاقب في حل هذا اللغز ..لماذا يهاجم هؤلاء الأفاكون رجال الحسبة المصلحين من غير ذنب جنوه ، ولا جرم ارتكبوه .
وإذا أردت أن تعرف سبب ذلك فأسأل متعاطي المخدرات ومروجيها عن جهاز مكافحة المخدرات وعن تقويمهم له !! ماذا سيقولون ؟ إنهم قطعاً سيكررون نفس المسرحية ، وسيكيلون الشتائم لهذا الجهاز ؟ !!
وأسأل اللصوص وقطاع الطرق عن رجال الأمن الذين يأخذون على أيديهم ويمنعونهم من ممارسة مهنتهم القذرة ، وهوايتهم الدنيئة ، فماذا تظن أن يقولوا ؟
وهكذا هؤلاء الموتورون حين تسنح لهم الفرصة لينقضوا على جهاز الإصلاح - الحسبة - الذي منعهم من شهواتهم المحرمة ، وحال دون تنفيذ مشاريعهم المشبوهة ، فعلوا ما بوسعهم كما حصل في حادثة حريق المدرسة، فقد تتابعت الأقلام، وانهال سيل من السهام على هذه الرئاسة المباركة ظلما وبهتانا، وكذباً وافتراء ..كل ذلك من أجل إقناع الرأي العام بما يخططون به لهدمها، ولكن الله تعالى قد خيب آمالهم ولله الحمد والمنة .
ونصيحة من قلب صادق ناصح لهؤلاء المستهترين المفترين..عجباً لكم ..أما وجدتم ما تفترون وتستهزئون به إلا رجال الحسبة ..هؤلاء الرجال الأبطال والجنود المجهولون، الذين واصلوا سهر الليل بكلل النهار، وأبت عليهم هموم الأمة ومصائب المجتمع وحراسة الفضيلة التمتع بما يتمتع به غيرهم من إجازات صيفية وسياحة برية ، ورحلات صيديه ، بل وصلوات رمضانية وتهجدات ليلية، قلوبهم تتقطع حسرة وهم يرون الوفود تتجه في العشر الأواخر من رمضان وغيرهم إلى بيوت الله مصلية عاكفة وداعية ، ثم يأتي متكئ على أريكته يتنعم بنعمة الأمن التي حفظها الله علينا ودفع ضدها بفضله ثم جهود أولئك الأخيار ، فلا يجد له شغلاً إلا التندر برجال الحسبة وقديماً قالت العرب :
ويل للشجي من الخلي
فكفوا شركم ووفروا حسناتكم إن كان لكم منها بقية ، واعلموا أن الله يغار لهؤلاء ويدافع عنهم قال عليه الصلاة والسلام : (( يا أبا بكر إن كنت أغضبتهم فقد أغضبت الله)) .
يعني ضعفة المسلمين هذا وهو أبو بكر !! ويقول الله تعالى : ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ)) (آل عمران:22,21) .
أيها المسلمون :وحتى تعلموا فضل هذه الرئاسة المباركة ، وجهودها الجبارة في المحافظة على أمن المجتمع وسلامة أعراض الناس وأديانهم.. إليكم هذه الأرقام وهي للعام الحادي والعشرين وأربعمائة وألف للهجرة وعلى مستوى البلاد كلها :
أولاً : ما يتعلق بمسائل العبادة - كالتخلف عن صلاة الجماعة أو التأخر في إغلاق المحلات التجارية بعد الأذان ، أو الإفطار في نهار رمضان أو القمار - بلغت عدد القضايا أكثر من مئتين وثمانية وثلاثين ألف قضية . (238,024) [1] .
كل هذا في عام واحد ..كم يحتاج هذا الجهد من وقت ورجال ..لولا فضل الله تعالى ثم هذه الجهود المخلصة .
ثانياً : ما يتعلق بالقضايا الأخلاقية وتشمل بيوت الدعارة ، وعمل قوم لوط، واغتصاب ومحاولة اغتصاب الأحداث، والزنى، ومعاكسة النساء ، والخلوة المحرمة، وملاحقة ما يسمى بالجنس الثالث ومظاهره ، وقد بلغ عددها إحدى وأربعين ألف وسبعمائة وتسعة وخمسين حالة (41,759).[2]
ثالثاً : ما يتعلق بقضايا المسكرات ، وتشمل المسكر وحيازته وترويجه وتصنيعه والتعاون على الترويج والتصنيع واستشمام الروائح المسكرة ، وقد بلغ عددها أكثر من ثلاثة آلاف حالة (3,008) [3] .
رابعاً : مايتعلق بقضايا المطبوعات وتشمل الصور الخليعة والصور المجسمة، ومطبوعات الأفكار الهدامة ،والأشرطة الجنسية ، وقد بلغ عددها ألفين وستمائة وسبعة وثمانين (2,678) حالة [4].
خامساً : ما يتعلق بقضايا المخدرات وتشمل استعمالها أو حيازتها أو ترويجها أو التعاون على ذلك، وقد بلغ عددها ثلائمائة وتسعةً وأربعين حالة [5] .
مع العلم أن الرئاسة ليست مكلفة بهذا العمل و ليس من تخصصها ومع ذلك حصل منها هذا الجهد المشكور .
سادساً : بلغ عدد القضايا الأخلاقية التي تم الفراغ منها داخل أسوار مراكز الهيئات ثمانيةً وستين بالمائة ، وما يتعلق بقضايا المطبوعات أُنهي داخل مراكز الهيئات ما يعادل اثنين وسبعين بالمائة [6]..فأين الذين يتهمون رجال الحسبة بأنهم يفضحون الناس ولا يحرصون على الستر على أبناء المسلمين وبناتهم ..هاهي الإحصائيات تنطق بالحق وتكذب تلك المقولات الناشئة إما عن حقد دفين أو جهل مبين . فهل تتوقف ألسن طالما امتدت على رجال الحسبة بإلصاق الشائعات وترويج الأكذوبات ؟!!
ولو أن المصيبة وقعت على واحد من هؤلاء الحاقدين المتقولين فتعرض فاسد لبنته أو أخته لأدرك حينها أهمية هذا الجهاز وعظمة رجاله !! وكم حانق حاقد عليهم لم يرعه في هدأة الليل إلا وجرس هاتفه يقرع عليه وهو غارق في بحر نومه أو لهوه ويطلب من قبل الهيئة ليستلم ابنته أو أخته وربما أمه كما حصل سالمة مسلمة مستورة بعد تخليصها من براثن ذئب عادٍ فانطلق لسانه لاهجاً داعياً شاكراً معترفاً بفضلهم وأصبح عنهم من المدافعين .
أيها المسلمون : فهذا جزء يسير من جهود الرئاسة وقد أعرضت صفحاً عن أعمال أخرى طلباً للاختصار..ويحق لنا أن نتساءل : كم يا ترى ..عدد الذين عملوا كل هذه الأعمال الجليلة ..وحققوا هذه الإنجازات الباهرة ..وكفوا المجتمع من شرور كانت ستحصل، ومفاسد كانت ستقع ؟ لقد بلغ عددهم ألفين وثمانمائةٍ وثمانيةً وستين عضواً [7] موزعين في أنحاء البلاد المترامية ..أبعد هذا يسمع قول واش فيهم ؟ أبعد هذا يستمر أناس في الأكل من لحومهم ، والانتقاص من قدرهم ؟والله تعالى يقول : ((أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ)) (الحجرات:12) .
فكيف بلحوم المصلحين والدعاة العاملين فلحومهم مسمومة ، وسنة الله في منتقصهم معلومة .
أيها المسلمون : ما يُقالُ من نقص الكفاءاتِ والقدراتِ الإداريةِ لدى الرئاسةِ ورجالها ، فمع هذا النقصِ والذي هو موجود في كافة القطاعات فإنه يمكن أن يقال :
أولاً: إن الإحصائياتِ الدقيقة السالفة، تبينُ بجلاءٍ الدور الكبير الذي تقوم به الرئاسة مع قلة أفرادها ، وضعف إمكاناتها ، وكثرة المتربصين بها ، وقلة نصيبها من الوظائف التي تعطى لبقية الأجهزة من الإدارات الحكومية من وزارة الخدمة المدنية ، علماً أنها جهاز أمني فعال .
ثانياً : (هناك دراسة اجتماعية أكدت أن ما نسبته سبعين بالمائة من الجرائم الأخلاقية تم ضبطها من قبل رجال الهيئة..الذين هم عيون المجتمع الساهرة)[8]..هذا مع النقص فكيف لو أعطي رجال الهيئات بعض الخدمات التي تعطى لعمال النظافة من ميزانيات وأجهزة اتصال وكثرة الأفراد ووسائل النقل ؟ بل كيف لو أعطوها كما تعطى بقية أجهزة أمن الدولة والهيئة واحد منها فكيف سيكون الحال ؟
ثالثاً : حصلت الرئاسة على شهادة من مسؤول أمني كبير يعرف قيمة الأمن والأعراض ، يسجل ما للهيئة من أهمية واقعية للحفاظ على أمن وسلامة وأخلاق المجتمع ، فمن ذلك ما قاله الأخ الفاضل رجل الأمن ؛ اللواء (جميل الميمان) بشهادة رائعة تجسد حقيقة ثمار الهيئة ونظام الحسبة :( بصفتي أحد رجال الأمن ..أسجل هنا بكل صراحة كلمة حق هي أنه لولا وجود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقيامها بواجبها ورسالتها السامية دون كلل أو ملل بتأييد من الحكومة ، لكانت المجتمعات السعودية في وضع مخل أخلاقيا ، ولما أمن المواطن على عرضه ، وهي بما تقوم به من أعمال جليلة هادفة إلى الخير والإصلاح ومحاربة الرذيلة بصورها المختلفة)[9].
رابعاً : يحق لنا أن نتساءل : هل النقصُ الموجود في الرئاسة سببه داخلي ؟ أم أن هناك أسبابا خارجية ...والمتأمل أيها الناس يجد أن هذا النقص إنما هو بسبب قلة الإمكانات الموجودة مع رجال الهيئة ..فرجال النظافة والبلديات يحملون الهاتف النقال ورجال الهيئة محرومون منه مع أهمية هذه الوسيلة في متابعة العابثين بأخلاق الأمة وكرامتها ..وعندما دخلت خدمة الهاتف الجوال فك أزمة عظيمة عنهم ..وأصبحوا يتحملون هم أجور المكالمات والتي من خلالها يتم ضبط القضايا وقد تصل بعض فواتيرهم إلى أكثر من ألفين إلى ثلاثة آلاف ريال ..ورواتبهم غالباً ما بين الألفين إلى ثلاثة آلاف فماذا يفعل رجال الحسبة ؟ فهل نتقي الله فيهم ؟
وأمر آخر ..هل يمكن أن يغطي ثلاثة آلاف عضو على ما يقارب عشرين مليون نسمة؟
فعلى سبيل المثال في منطقة الرياض وما يتبعها من محافظات ..يوجد تسعمائة وخمسون عضوا ..فماذا يغطي هؤلاء ؟ هل يغطون الأسواق التجارية التي انتشرت في كل ناصية طريق ؟ هل يغطون الحدائق العامة المتناثرة هنا وهناك ؟ هل يغطون المطاعم العائلية ؟ هل يغطون المنتزهات والمدن الترفيهية ؟هل يتابعون المتخلفين عن الصلاة ؟ هل يراقبون أصحاب المسكرات والمخدرات ؟هل يتجولون في المقاهي والشقق المفروشة ؟ وهل هل أسئلة كثيرة ..فيا مسلمون أيتصور أن يكفي قرابةُ الألف عضوٍ لمتابعة كافةِ هذه الأعمال ..المتناثرة في أماكن متباعدة ..ففي حي من أحياء مدينة الرياض يوجد ستة عشر سوقا وعدد أعضاء المركز خمسة عشر عضواً ..فهل تصورتم حجم المشكلة أيها الناس ؟مع أن منطقة الرياض تُعد أحسن حالاً في عدد المراكز والأفراد ، فكيف يكون الحال في المدن الأخرى ؟!! فإلى الله المشتكى ، وهو المستعان.
ومع كل هذه النقائص استطاعوا أن يحققوا ما لم يحققه من أعطي كافة الخدمات وما ذاك إلا بسبب أنهم يعملون بصمت وإخلاص ..يحملون هموم المجتمع ..ووقتهم متاح للجميع.. ولكل من يستنجد بهم..
أيها المسلمون : ومع هذا كله فإننا لا ندعي العصمة ، ولا ننفي الخطأ عن رجال الحسبة ، فالخطأ طبيعة ابن آدم ، لكن لا سواء بين خطيئة مصر ومستكبر ، وبين خطأ غير مقصود وقع سهواً وعفواً من مجتهد أقل أحواله أنه مأجور على خطأه كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وهو على خطأه من أكثر الناس تحسراً وأسفاً .. والوقوع في الخطأ وقع لأكمل جيل وأفضل رعيل ؛ ومع ذلك قابلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المربي الأعظم بالصفح والعفو ..بل والاستغفار والاعتذار ..ألم يسرب حاطب بن أبي بلتعة سراً من أسرار رسول الله صلى الله عليه وسلم العسكرية الحربية إلى أعداءه ..فماذا قال رسول الله لما أراد الصحابة رضي الله عنهم به بطشاً وقتلاً واتهموه بالنفاق ..اتركوه إنه قد شهد بدراً ..وهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه كان في سيفه شيء من الرهق من شدة غيرته ، فقتل أنفساً مسلمة لا تستحق القتل ومع ذلك دافع عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الأصوات المطالبة بعزله واعتذر له ولم يجرده من ألقابه ، ولم يسلبه وسام سيف الله المسلول ، ولم يعزله عن القيادة ..علماً أن رجال الحسبة لم يتعرضوا لأحد بقتل ، وإنما تعرضوا للقتل من قبل أهل الفجور، فهل جزاءهم إذا اجتهدوا وأخطئوا أن يسجنوا أو تشكل لجان للتحقيق معهم أو نقلهم نقلاً تأديبياً ؟!! يقول الله تعالى : ((رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)) (البقرة:286) قال الله : قد فعلت.
وحول ما يبدر من بعض منسوبي هيئة الأمر بالمعروف والنهي المنكر أكد نائب رئيس الاستخبارات العامة قوله وفقه الله : (أن التقصير ملازم للبشر ..والكمال فقط لله ..وما هناك جهة إلا وفيها تقصير ..سواء كانت مباحث أو شرطة أو استخبارات أو أي جهة أخرى .. فهذا من طبيعة البشر والكمال لله ..لكن يجب أن ننظر للنواحي السلبية والنواحي الإيجابية ..فإذا كانت الإيجابية هي الغالبة وهي الأساس في العمل ..فهذا ما نتمناه ..وإلا فإن رجال الهيئة مثلهم مثل غيرهم من البشر ..ولكن يجب أن ننظر إلى المجهودات التي قاموا بها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..وهذا شيء عظيم ..فالأعمال التي يقومون بها عظيمة جدا ..من مكافحة للمخدرات ..ومكافحة الرذيلة ..وأمور كثيرة جداً ..)[10]
أيها المسلمون : إني لأعجب والله ..بعد هذا ..لمن يتناول رجال الهيئات سبا وتأثيما , ويتعرض لهم قذفا وتلفيقا وحسبه من الإثم أن يقف في طريق من يأمر بحدود الله وينهى عن محارمه ..وإن ترخص أناس في الكلام فيهم لأنهم كما يزعم هؤلاء يتعدون على خصوصيات الناس وحرياتهم الشخصية, فنقول: أي حرية في التعدي على حدود الله ومحارمه؟ أي حرية في التعرض لأعراض المسلمين؟ أي حرية في العبث بفتيات الأمة ؟
أي حرية في شرب الخمر والمتاجرة بها؟
أي حرية في التبرج والسفور وإشاعة الفاحشة بين المؤمنين؟ أي حرية في التشبه بالنساء وإضاعة حقوق الله والتعدي على محارمه؟ نعم أي حرية هذه? إن الحرية الشخصية لها حدود مقيدة بالكتاب والسنة ونحن نقرأ قوله صلى الله عليه وسلم : (( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)) .
ولهذا وذاك كان يجب أن يكون هناك من الأمة من يقوم بهذا الدور المهم.. الضرب على أيدي المفسدين وثني الضالين عن ضلالاتهم..نعم إذا خلى أحدهم بنفسه وبين أسوار بيته فليمارس ما شاء من حرية شخصية والله تعالى له بالمرصاد ..لا تخفى عليه خافية ..ولن يتسور بيته عليه أحد ، أما أن يخرج إلى الشارع أو تخرج المرأة إلى السوق والمطاعم والميادين والتجمعات بكل هذه الفواحش والقبائح والرذائل فكلا وألف كلا ..هذه فوضى وليست من الحرية في شيء ..و لك أن تتصور كيف يتحول حال الأمة إذا تصرف كل فرد فيها على هواه وأتى من المحارم ما أراد، ومتى شاء, كم من الأعراض ستنتهك؟ وكم من الأمانات ستضيع؟ وكم طاقات للشباب ستستنزف ؟ وكم هو الوقت المهدر من عمر هذه الأمة سيكون؟
ولك أن ترى حال بعض الدول التي ظلمت نفسها بتركها هذا الواجب وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إما جهلا أو تجاهلا , انظروا كيف يعانون ،ومن تحت الأنقاض يصرخون ،ويطالبون بالأمان ولا أمن, يطالبون بصون الأعراض.. يطالبون بوقف نزيف تضييع الدين ولكن لا فائدة, فالحمد لله الذي قيض لنا تحقيق هذا الواجب وألهم رجالا مقتدرين على حمله بأمانة, ففي كل وقت تراهم يجوبون الأحياء بحثا عن معروف يؤمر به ومعصية ينهى عنها..
يا رب زلزل من يريد بجمعهم سوءاً وشُلَّ يمينه والمنخرا
هم للورى ركبُ النجاةِ تقدُّماً وبدونهم تمضي الركاب إلى الورا
وأخيرا جزاكم الله خيرا يا رجال الحسبة.. وبارك الله في جهودكم أيها المحتسبون,
أيها المحتسبون : اصبروا وصابروا ورابطوا, واحتسبوا الأجر عند الله فحسبكم دعوة أم لكم بالسداد بعد أن أنقذتم ابنتها من غائلة الانحلال, ودعوة أب أنقذتم ابنه من براثن الفساد, ودعوات أسرة سرتم بربها إلى بر النجاة وأنقذتموها من التشرد والضياع, فكنتم وما زلتم كالأب الذي يتابع أبناءه فيقوم من يخطىء ويرشد من ينحرف وكالأم التي يؤلمها أن يصيب فلذات أبنائها الشر, قد يقابلكم البعض بالنكران والجحود, وقد يتهمكم البعض بالقسوة والجمود,ولكن حسبكم من عملكم دعوة صالحة كما أسلفت وأجركم على الله ولا تسمحوا لمن يثنيكم عن عملكم أن ينال منكم.. سيروا والله يوفقكم ويرعاكم ويسدد على طريق الحق خطاكم ، يقول الله تعالى : ((وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)) (لقمان:17)
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم، واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين .
أيها المسلمون : إن كان لنا من مطالب فهي كما يلي :
أولاً : ألا تستحق الرئاسة بعد هذه الجهود الضخمة الجبارة التي عملوها أن تتحول إلى وزارة ، خاصة مع حاجة المجتمع إليها ، وأن بعض أهل العلم عدو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركناً سادساً من أركان الإسلام ..إذن ألا يستحق هذا الركن أن يوضع له مكان يليق بشرفه وأهميته ؟!! أترى السياحة منها أهم والأصوات متكاثرة والدعوات متتابعة والجهود متوافرة لتحويل هذه الأخيرة إلى وزارة فياليت شعري أيتهما أهم وأقدم ؟(47/92)
ثانياً : مع توسع المدن وأحيائها وزيادة أعداد المراكز التجارية والصروح المختلفة وقوة التيار الخارجي المنحرف المحرق عبر وسائل الإعلام المختلفة, كان لزاما على المسؤولين أن يتوسعوا ، ويزيدوا من فروع الهيئات ورجالها وما يحتاجون إليه ...حتى يكون في كل بقعة مركز إشعاع يشيع نورا وهدى وحقا ..وتعطى الهيئات الوظائف والمراتب العالية التي تدفع طلاب العلم إلى الالتحاق بها ..وأن يكون لهم من الاهتمام مثل غيرهم من موظفي الدولة، من حيث الرواتب والمكافآت، والبدلات ، وغيرها من الحوافز، لأنهم يعانون في عملهم أكثر من غيرهم، نظرا لاحتكاكهم بالجمهور، وعلاقتهم بالقضايا الأمنية التي قد يدفع الإنسان نفسه في سبيلها .
ثالثاً: تطبيق نظام الهيئات الأول الذي صدر من مجلس الوزراء عام أربعمائة وألف للهجرة بكافة صلاحياته ومزاياه ، فإن الرئاسة تفتقر الآن إلى الكثير من الصلاحيات ..والذي سبب غيابها ..الحد من نشاطها ، والتقييد من جهودها .
رابعاً : ضرورة تعزيز دور رجال الهيئة في المجتمع، وتأهيلهم فنياً، وتزويدهم بالهواتف النقالة ووسائل الأمن لحمايتهم، من المجرمين ، وأن تعقد لهم دورات تدريبية لتعلم فن التحقيق بسبب تمرس المجرمين في طرق الفساد ومقدرتهم على التخفيّ ، وهذا يتطلب أن يتعلم الأعضاء في الهيئة فن التحقيق المتطور.
كلمة أخيرة أوجها لكل عضو من أعضاء الهيئة - حفظهم الله - :مهمة الإصلاح ليست هينة، وتذكروا أن الله معكم، وتذكروا أن قلوبنا معكم، فلتسر قافلتكم الإصلاحية تقود المجتمع إلى بر الأمان، ولتبقى الأصوات النشاز تنطلق فهي عما قريب ستكون من الماضي بمشيئة الله .
[1] التقرير الإحصائي السنوي لإنجازات الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلال عام 1423 هـ ص 13
[2] ص 14
[3] ص15 .
[4] ص 15
[5] ص 16 .
[6] انظر ص 14 ، 15 .
[7] ص 23 .
[8] مقال بعنوان : (فاعلية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) د . نورة السعد .
[9] انظر مقال بعنوان : هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .... وتمكين المجتمع الحضاري من البقاء !
[10] جريدة المدينة تاريخ 30 /1/1423هـ .
ـــــــــــــــــــ(47/93)
مظاهر تغريب المرأة المسلمة
مظاهر تغريب المرأة المسلمة كثيرة جداً، يصعب استقصاؤها، ولكن نذكر من أهمها :.
1-من مظاهر التغريب التي وقعت فيها المرأة المسلمة، والتي نراها ولا تخفى عن كل ذي عينين: الاختلاط في الدراسة وفي العمل: إذ أنه في معظم البلدان العربية والإسلامية ؛ الدراسة فيها دراسة مختلطة، والأعمال أعمال مختلطة، ولا يكاد يسلم من ذلك إلا من رحم الله، وهذا هو الذي يريده التغريبيون، فإنه كلما تلاقى الرجل والمرأة كلما ثارت الغرائز، وكلما انبعثت الشهوات الكامنة في خفايا النفوس، وكلما وقعت الفواحش لاسيما مع التبرج وكثرة المثيرات، وصعوبة الزواج، وضعف الدين، وحين يحصل ما يريده الغرب من تحلل المرأة، تفسد الأسرة وتتحلل، ومن ثم يقضى على المجتمع ويخرب من الداخل، فيكون لقمة سائغة .
وإذا بدأ الاختلاط فلن ينتهي إلا بارتياد المرأة لأماكن الفسق والفجور مع تبرج وعدم حياء، وهذا حصل ولا يزال، فأين هذا من قول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حين خرج من المسجد فوجد النساء قد اختلطن بالرجال فقال لهن: ( استأخرن ... عليكن بحافات الطريق ) رواه أبو داود وحسنه الألباني / الصحيحة 854 .
2- ومنها أيضاً: التبرج والسفور، والتبرج: أن تظهر المرأة زينتها لمن لا يحل لها أن تظهرها له.
والسفور: أن تكشف عن أجزاء من جسمها مما يحرم عليها كشفه لغير محارمها، كأن تكشف عن وجهها وساقيها، وعضديها أو بعضها، وهذا التبرج والسفور فشا في كثير من بلاد المسلمين، بل لا يكاد يخلو منها بلد من البلدان الإسلامية إلا ما قل وندر، وهذا مظهر خطير جداً على الأمة المسلمة، فبالأمس القريب كانت النساء محتشمات يصدق عليهن لقب: ذوات الخدود، ولم يكن هذا تقليداً اجتماعياً، بل نبع من عبودية الله وطاعته، ولا يخفى أن الحجاب الشرعي هو شعار أصيل للإسلام، ولهذا تقول عائشة – رضي الله عنها-: (( يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله{ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } شققن مروطهن فاختمرن بها )) البخاري 4758.
ولهذا كان انتشار الحجاب أو انحساره مقياساً للصحوة الإسلامية في المجتمع، ودينونة الناس لله، وكان انتشاره مغيظاً لأولئك المنافقين المبطلين .
3- من مظاهر التغريب: متابعة صرعات الغرب المسماة بالموضة والأزياء، فتجد أن النساء المسلمات قد أصبحن يقلدن النساء الغربيات وبكل تقبل وتفاخر، ولذلك تقول إحدى النساء الغربيات ممن يسمونها برائدة الفضاء، لما زارت بلداً من البلدان العربية قالت: إنها لم تفاجأ حينما رأت الأزياء الباريسية والموضات الحديثة على نساء ذلك البلد .
ولم يسلم لباس الأطفال – البنات الصغيرات – إذ تجد أن البنت قد تصل إلى سن الخامسة عشر وهي لا تزال تلبس لباساً قصيراً، وهذه مرحلة أولى من مراحل تغريب ملبسها، فإذا نزع الحياء من البنت سهل استجابتها لما يجدّ، واللباس مظهر مهم من مظاهر تميز الأمة المسلمة والمرأة المسلمة، ولهذا حرم التشبه بالكفار، وهذا والله أعمل لما فيه من قبول لحالهم، وإزالة للحواجز وتنمية للمودة، وليس مجهولا أن تشابه اللباس يقلل تمييز الخبيث من الطيب، والكفر من الإسلام، فيسهل انتشار الباطل وخفاء أهله .
والموضة مرفوضة من عدة نواحي منها:
أ- التشبه بالكافرات: والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : (( من تشبه بقوم فهو منهم )) ( رواه أبو داود والإمام أحمد وهو صحيح ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: والصراط المستقيم: هو أمور باطنة في القلب من اعتقادات وإيرادات وغير ذلك، وأمور ظاهرة من أقوال وأفعال، قد تكون عبادات، وقد تكون عادات في الطعام واللباس والنكاح ...الخ، وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما، ولابد من ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً ..) انتهى من اقتضاء الصراط المستقيم، فعلم من هذا خطورة هذا التشبه وتحريمه .
ب – الضرر الاقتصادي للتعلق بالموضة: ومعلوم كم تكلف هذه الموضة من أموال تنقل إلى بلاد الغرب الكافرة .
وللعلم فإن 30% من ميزانية الأسرة العربية تنفق على احتياجات المرأة نفسها، من ملبس وأدوات تجميل، ومكياج، وتزداد هذه النسبة بازدياد الدخل ومستوى التعليم، وينخفض بانخفاضهما.
ج – كثرة التحاسد بين النساء: لأنهن يجذبهن الشكل الجميل، فيتفاخرن ويتحاسدن، ويكذبن، ومن ثم قد تكلف زوجة الرجل - قليل المال - زوجها ما لا يطيق، حتى تساوي مجنونات الموضة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وغير هذا من المخالفات الشرعية الكثيرة .
4- ومن مظاهر التغريب الخلوة: خلوة المرأة بالرجل الأجنبي الذي ليس لها بمحرم، وقد تساهل الناس فيها حتى عدها بعضهم أمراً طبيعياً، فالسائق والطباخ أصبحا من أهل البيت، ولا غرابة في ذلك، حتى ذكر أنه شوهدت امرأة مع رجل أجنبي ليس من أهل بلدها، فحينما سئل هذا الرجل: كيف تمشى مع هذه المرأة وهي ليست لك بمحرم ؟ قال : إنه من أهل البيت، لأن له خمس عشر سنة وهو عند الأسرة، فهو منها بهذا الاعتبار على حسب زعمه .
فالخلوة المحرمة مظهر من مظاهر التغريب، التي وقعت فيها الأمة المسلمة، حيث هي من أفعال الكافرين الذين ليس لهم دين يحرم عليهم ذلك، وأما احترام حدود الله فهو من مميزات الأمة المسلمة الأصلية. والجرأة على الخلوة تجاوز لحد من حدود الله، وخطر عظيم، وقد حرمه الشارع بقول المصطفى- صلى الله عليه وسلم- : (( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم )) رواه البخاري ومسلم .
ـــــــــــــــــــ(47/94)
منبر الجمعة ... الشيخ / عبدالله بن عبدالعزيز المبرد
أفحكمَ الجاهلية يبغون
إنَّ الحمد لله, نحمده ونستعينه, ونستغفره ونتوبُ إليه, ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهدي اللهُ فلا مُضلَّ له, ومن يُضلل فلا هادي له, وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهدُ أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وتابعيهم وسلم تسليماً كثيراً .
عباد الله : اتقوا الله, فهي وصيةُ الله إليكم, وهي خيرُ لباسٍ في الدنيا, وخيرُ زادٍ إلى الآخرة. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )) (الحشر:18) .
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * ُيصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) (الأحزاب: من الآية71,70)
أيَّها المؤمنون: لقد أشرقت شمسُ هذا الدين على أمةِ العربِ, وكانت أمةً خاملةً, لم تكُن شيئاً في الوجودِ الإنساني، ولم يكُن لها وزنٌ في موازينِ الحضارةِ البشرية, ولا ذكرٌ في التاريخ العالمي, فلمَّا أذنَ اللهُ لها بالحياةِ, أرسلَ فيها الرسولُ العظيم, وأنزلَ فيها الكتابُ الكريم, فكانت هُنالِك نشأتَها, وكان ذلك إخراجُها فقد كان الإسلامُ للبشرية هجاء, وللعربِ على وجه الخصوص حياةٌ بعد موت, وحضارةٌ بعد تخلفٍ, وهدايةً بعد ضلالٍ وحيرة, لقد جاءَ هذا الدينُ بمنهجٍ قائمٍ على العلمِ المطلق بحقيقةِ الإنسان وحاجاته, وطبيعةَ الكون ونظامه, فشرعَ اللهُ للإنسانِ ما يُحققُ لهُ السلامَ والعدل, والحريةَ والطمأنينة, والعيشَ الكريم, وإنَّما علت أمةُ الإسلام, وسما مجدُها لما اتخذت من شريعة الإسلام منهجاً وحاكماً على أفعالها واختياراتها وتصوراتها, ولقد حذَّرَ القرآنُ العظيم من الالتفاتِ إلى سواها, أو الأخذ من غيرها, بل لقد بين القرآنُ أن هناك أقوامٌ يزعمون الإيمان, ويدَّعون التوحيد, ويتَّسمون بالإسلام, ثمَّ يلتفتون يمنةً ويسرةً للأخذِ من نُظم الجاهليةِ القديمةِ والحديثةِ, يقولُ اللهُ عز وجل: (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً)) (النساء:60) .
أجل إنَّ القرآن يُعلنُها صريحةً واضحة, أنَّ أمرَ المنافقين الذين يُقلبُون وجُوهَهُم في أنظمةِ البشر, أو سائرَ أحكام الطواغيت, وجعلوا منها نظماً للحياةِ, أو يستجلبوا منهجاً يسيرون عليه, ويحتكمون إليه, إنَّما هم مارقُون من الدين وإن ادعوه, خارجُون من الإسلام, وعاشوا على أرضهِ يقولُ عز وجل عنهم: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً)) (النساء:61) .
فتراهم يُثيرون القضايا الكبار, مثلَ العلاقةِ مع الكُفَار, أو نُظم الاقتصاد, أو أوضاع المرأةِ وما يتعلقُ بها من أحكام, وكلُّ تلك القضايا أمورٍ حسمها القرآن, وبيَّنها الشرعُ, ومع ذلك فهُم يُجادلون فيها, ويحتجون بالاتجاه العالمي, والثقافةِ السائدة, وهم يعلمون أنَّ ذلك الاتجاهَ إنَّما صنعتهُ ثقافةُ الكفرِ, بل هو النموذج التي صممتهُ عقولَ الذين لا يؤمنون بالله ولا رسوله, فإذا قيلَ لهم هذا حكم الله, ((رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً)) (النساء : 61) .
يقولُ ابن كثير: أي يُعرضون عنك إعراضاً, كالمستكبرين عن ذلك, كما قال الله تعالى عن المشركين: (( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ )) (لقمان:21) .
وهؤلاءِ بحلافِ المؤمنين الذين قال الله فيهم: ((إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (النور:51) .
أيَّها المصلون: إنَّها قضية مهمة وذلك عندما تختلف الأمةُ, أو يختلف مثقفوها وكتبتها ومفكروها, ويكونَ خلافُهم حول مسألةٍ من مسائل الدين, ومن المعلوماتِ منه بالضرورة, كالولاءِ والبراء, أو الجهادِ أو السفورُ والحجاب, والرضى بالربا أو رفضه, إنَّ خلافاتٍ كهذهِ دليلُ شرخٍ عميق في منهج التفكيرِ والاستدلال, بل هي دليلُ خللٍ واضحٍ في الإيمان, فإنَّ الإسلام: هو الاستسلامُ والإذعانُ لحُكم الله وأمره, ولقد عقدَ الشيخُ المجيد- محمد بن عبد الوهاب- باباً في كتاب التوحيد, أسماه قول الله تعالى : ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً)) (النساء :60) .
وجعلَ ذلك باباً غليظاً من أبوابِ الشرك بالله, لأنَّه استعاضةً عن أحكامِ الله بأحكامِ غيره, ثمَّ هم إذا عدلوا عن أحكامِ الإسلام وتصوراتهِ وآدابهِ وثقافته, فإلى أيِّ شيءٍ يتحولون، ماذا سيجدونَ إذا زهدوا في نظامٍ جاءَ من عند الله على أكملِ صورهِ وأحسن وجهِ؟ ماذا يريدون؟ ((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) (المائدة:50) .
قال ابن كثيرٍ: يُنكرُ اللهُ تعالى على من خرجَ عن حكمِ الله تعالى, المشتمل على كلِ خيرٍ, الناهي عن كل شرٍ، وعدلَ إلى ما سواهُ من الآراءِ والأهواءِ, والاصطلاحاتِ التي وضعها الرجالُ بلا مستندٍ من شريعة, نعم قد تسوقُ الجاهلية لنظمها وثقافتها وماديتها, قد تملأُ العالم بالشعاراتِ التي لا حقيقةَ لها, كالحريةِ, والديمقراطيةِ, والتسامح, والانفتاح, والتبادلِ الحضاري, والتفاكر الأممي, والعدالةَ المطلقة, والاقتصادَ الحُر إلى غير ذلك, ولكنَّهم كاذبون, يفضحُهم القرآن, وتُخزيهم شواهدَ الواقع, معتقلاتِ كوبا, وسجونِ العراق, وجرائمُهم في اليابان وفيتنام, ونهبهُم لثروات المستضعفين, كلُّ ذلك يشهدُ شهادةَ الحقِّ, أنَّهم أغشمَ أمةٍ عرفها التاريخ, وأظلمَ نظامٍ قام على الأرض, وأكذبَ لسانٍ زعم القيمَ والمباديء, بل إنَّ مجتمعاتهم هناك تعُجُّ بمظاهر ظُلمِ النساءِ والأطفال, والغرباءِ والسود، ذلكم هو حُكمُ الجاهلية الذي يبغيه المنافقون, دنيئون بصورهم نحوه ((وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) (المائدة :50) .
قال بعضُ شُرا ح كتابَ التوحيد: (( وفي الآية التحذيرُ من حُكم الجاهلية, واختيارهُ على حكمِ اللهِ ورسوله, فمن فعلَ ذلك فقد أعرض عن الأحسن, وهو الحقُّ إلى ضدهِ من الباطل, (( فمن مالت نفسُه إلى ما يُخالفُ تصورات الإسلام وأحكامه وأقضيته, فذلكُم هو الخللُ في الإيمانِ والمعتقد، عن عبدُ الله بن عمر- رضي الله عنهما- : أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواهُ تبعاً لما جئتُ به)) .
قال العلماءُ: والهوى: أي ما تهواهُ وتُحبهُ نفسه, وتميلُ إليه, فإثارةُ النقاش حولَ مسلماتِ الدين, وثوابتِ المعتقد, وبثها في الصُحف وعلى القنوات, بلا خطامٍ ولا زمام, وخوضَ الناسِ فيها بلا علمٍ ولا دليل, كلُّ ذلك ليس من باب النقاشِ الحُر كما يقول, ولا تعدد الرأي الذي به يُنادون, القضيةُ أكبر من ذلك وأخطر, فالأمرُ متعلقٌ بأصلِ الدين وقاعدةِ الإسلام, التي هي الرضى بأحكامِ الله, والإذعانِ لها, فالنقاشُ فيها شِقاقٌ لله ورسوله, والحوارُ حولها محادٍ لهما, قال تعالى : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً)) (النساء:115) .
ونحنُ أيَّها المؤمنَ قد تبين لنا الهُدى في كتاب ربنا, وسنةِ نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم, وتاريخِ أمتنا المجيد, وواقعِ حياتنا المُؤلم, وممارساتِ عدونا البغيض, فعلامَ الشِقاقُ, وإلامَ الخلاف.
الخطبة الثانية
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين:
أيَّها المؤمنون : إنَّ الفرق بين النقاشاتِ التي كانت تدورُ بين علماءِ الأمة وأسلافها الصالحين, وبين جدلِ فئاتِ المجتمع وكتبته, ومتحاوروه اليوم, هو أنَّ علماءَ الأمةِ كلُهم ينطلقون من نص الوحي ويعودونَ إليه, ويكونُ الخلافُ بينهم في فهمه, أمَّا الآنَ فيختلفون أيرجعون إلى النص أم إلى غيره من معطياتِ العالمِ الحر كما يقولون, يقولُ عزَّ وجل (( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)) (النساء :59) .
لنا أن نختلف, ويُمكن أن تتباين أفها مُنا ووجهاتُ تفكيرنا, وأطروحاتنا الثقافية, ولكن المرجعيةَ النهائية التي نرجعُ إليها, وتصدرُ عنها آراءَنا, والميزانَ الذي نزنُ به مقدارَ الصوابِ والخطأ فيما ذهبنا إليه, هو كتابُ الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, ليبقى كتاب الله منهجنا, على ما يطرأُ على الحياة من مشكلاتٍ ومستجدات أبد الدهر, ولا تكونُ الأمةُ مؤمنةً بربها ولا مسلمةٌ له, إلاَّ إذا احتكمت إلى كتاب اللهِ وسنة رسوله, في كل خلافاتها ونزاعاتها, وليس للمتحاورين إيمانٌ ولا إسلام, إلاَّ إذا اتخذوا منهما حكماً, منطقهم ورأيهم يقول عز وجل: (( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) (النساء:65) .
ومرةً بعد مرة تجدُنا أمامَ شرط الإيمان وحد الإسلام, يقررُهُ الله بنفسه, ويقسم عليه بذاته, لا إيمانَ إلا بإذعان, ولا إسلامَ إلا باستسلام, ولا يكفي أن يتحاكمَ المتحاورون والمتناقشون إلى الإسلام, بل لابدَ أن يصحب ذلك رضى نفسي، وقبولٌ قلبي, واعتزازٌ وفخرٌ بمنهجِ الإسلام وثقافتهِ وأحكامه, ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )) (الأحزاب : 36) .
واعلموا أنَّه لما كان الاحتكامُ إلى الله ورسوله, والتسليمَ لهما, والرضى بهما, هو شرطُ الإيمانِ وعلامةُ الإسلام, فإنَّ أيِّ نفساً تأبى ذلك, وتُعرضُ عنه, وتجادلُ فيه, فإنَّما هي نفسُ منافقٍ مغموس في النفاق, متوعدٌ بأشدِّ العذاب, يقول عز وجل : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً)) (النساء : 115) .
فالذين يخرجُون على المسلمين بقضايا تُخالفُ سبيلهم الذي جاء به الإسلام, إنَّما يشهدون على أنفسهم بالكفرِ الصريح والردةِ الغليظة, وإنَّما يحدثُ نتيجةً لكُرهِ ما أنزلَ اللهُ من أحكامٍ, فتجدُهم يكرهون حدودَ الإسلام, ويضيقون بها ذرعا, فيسوقهم ذلك إلى إثارةِ الشُبهات, وبعثِ النقاشات, ولذلك كان كُرهُ ما جاء به اللهُ باباً من أبوابِ الكُفر, كما ذكرَ ذلك الشيخُ ابن عبد الوهاب .
أيَّها المؤمنون : إنَّ المنحى الذي يتجُهُ كثيرٌ من الطرح الثقافي, المتجرئُ على أحكام الدين منحاً خطير, له وثيقُ العلاقةِ بحقيقةِ الإيمان, فإنَّ الله عز وجل قد نزَّل علينا أنَّه لا إله إلا هو, ومعنى ذلك أنَّ شرائعه التي سنَّها للناس بمقتضى أو لوصيتهِ لهم وعبوديتهم له, وعاهدهم على القيامِ بها, هي التي يَجبُ أن تحكُم حياتهم ويرضوا بها ويفخروا بتمثلها, لا هوادةَ في هذا الأمرِ, ولا ترخُصَّ في شيءٍ منه, ولا انحرافَ عن جانبٍ وصغير، إنَّه لا عبرةَ بما تواضع عليه جيل، أولما اصطلح عليه قبيل، أو لما توا ثق عليه نظام عالمي جديد أو قديم, لا وزنَ لشيءٍ من ذلك ما لم يأذن به الله, ولم يُقرهُ كتابهُ ولا سنةَ رسوله صلى الله عليه وسلم, والمسألةُ في هذا ليست مسألةَ انفتاحٍ أو انغلاق, تحررٍ أو انحباس, إنَّها مسألةُ إيمانٍ وكفر, إسلامٌ أو جاهلية, شرعٌ أو هوى، فلا وسطَ في هذا الأمرِ ولا صُلح ولا هُدنة, فالمؤمنون هم الذين يدعُون إلى شرعِ الله وكتابه, والتزامَ أخلاقه وآدابه, والكافرون الظالمون الفاسقون والمنافقون, هم الذين يدعون إلى غيره, وينادون بما سواه, ويدفعون الأمةَ في اتجاهٍ يُعاكسه .
ـــــــــــــــــــ(47/95)
وقفات مع دعاة تحرير المرأة
حديث يتكرر، لأن باعثه يتجدد، فخفافيش الظلام بدأت تعمل وتظهر في النهار، والفتوى تجاوزت الأئمة الأعلام، ليتطاول عليها المذيعون وصبيان الإعلام، والدين رقّ، والالتزام لان، وكل مسألة فيها قولان، وإن ناقشت مفتيا وعندك دليل مفحم وأثر قال: هذه وجهة نظري ، وحينما غابت الأسود نطقت القرود ، فالمنافقون في أوقات الأزمات ينبحون، وعلى صفحات الصحف يتقيئون، وشجرتهم لا تنبت إلا حنظلا من شبهات، وزقوما من الشهوات، بضاعتهم السخرية والاستهزاء بالدعاة والعلماء، والتهكم على الأبطال النجباء من رجال الهيئات، ومبشراتهم بذور السفور والانحلال، وآخر إنتاجهم بشارة بأول فتاة سعودية تتدرب على الطيران، تنشر صورتها ويجعل منها رمزا لفتاة جزيرة الإسلام فأينك يا درة عمر من هؤلاء الأقزام 0
لم يعد خافيا على أحد ما تشهده مجتمعات المسلمين اليوم من حملة محمومة، مِن الذين يتبعون الشهوات على حجاب المرأة وحيائها، وقرارها في بيتها، حيث ضاق عطنهم، وأخرجوا مكنونهم، ونفذوا كثيرا من مخططاتهم في كثير من مجتمعات المسلمين، وذلك في غفلة وقلة إنكار من أهل العلم والصالحين، فأصبح الكثير من هذه المجتمعات يعج بالسفور والاختلاط والفساد المستطير ، الأمر الذي أفسد الأخلاق والأعراض 0
وبقيت بقية من بلدان المسلمين لازال فيها بحمد الله يقظة من أهل العلم والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، حالت بين دعاة السفور وبين كثير مما يرومون، وهذه سنة الله عز وجل في الصراع بين الحق والباطل، والمدافعة بين المصلحين والمفسدين 0
ومن كيد المفسدين في مثل المجتمعات المحافظة، وبسبب وجود أهل العلم والغيرة، أنهم لا يجاهرون بنواياهم الفاسدة، ولكنهم يتسترون وراء الدين، ويلبسون باطلهم بالحق واتباع ما تشابه منه، وهذا شأن أهل الزيغ والضلال، (( َأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ)) (آل عمران :7)
وهم أول من يعلم أن فساد أي مجتمع إنما يبدأ بإفساد المرأة واختلاطها بالرجال ، وقد ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ( ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء ).
وهذه حقيقة لا يماري فيها أحد، وملل الكفر أول من يعرف هذه الحقيقة، حيث إنهم من باب الفتنة بالنساء دخلوا على كثير من مجتمعات المسلمين وأفسدوها، وحققوا أهدافهم البعيدة، وتبعهم في ذلك المنهزمون من بني جلدتنا، ممن رضعوا من لبان الغرب وأفكاره، أو ممن يسعون إلى الشهرة من أوسخ أبوابها، ولأنهم يعيشون في بيئة مسلمة، ولازال لأهل العلم والغيرة حضورهم، فإنهم لا يتجرءون على طرح مطالبهم التغريبية بشكل صريح، لعلمهم بطبيعة تدين الناس، ورفضهم لطروحاتهم، وخوفهم من الافتضاح بين الناس 0
ولذلك دأبوا على اتباع المتشابهات من الشرع، وإخراج مطالبهم في قوالب إسلامية، وما فتئوا يلبسون الحق بالباطل، وهم كما قال الله: (( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ )) ( البقرة:11) .
ومن هذه الطروحات التي أجلبوا عليها في الآونة الأخيرة، مطالبتهم في مجتمعنا المحافظ وفي بلدنا الذي يأرز إليه الإيمان، وتهوي إليه أفئدة الصالحين، ومنه نبعت الفضيلة ودعاتها، مطالبتهم بكشف المرأة وجهها، والسماح لها بقيادة السيارة، معتمدين بزعمهم على أدلة شرعية، وأقوال لبعض العلماء في ذلك، وهم يعلمون ونحن نعلم أن تلك هي الشرارة الأولى، والخطوة الأولى نحو فساد المرأة وذهاب حيائها 0
ولئلا يلتبس الحق بالباطل، ولكيلا ينخدع بعض الناس ببريق دعوتهم ، وصيانة لأخلاق الأمة، ومساهمة في تحقيق الأمن الأخلاقي للبلاد، نقف مع هذه الدعوة الآثمة وقفات :
أولاها: أن هناك فرقا في تناول قضية الحجاب وكشف الوجه، بين أن يقع اختلاف بين العلماء المخلصين في طلب الحق، المجتهدين في تحري الأدلة، الدائرين في حالتي الصواب والخطأ بين مضاعفة الأجر مع الشكر، وبين الأجر الواحد مع العذر، وبين من يتتبع الزلات ويحكم بالتشهي ويرجح بالهوى، لأن وراء الأكمة ماوراءها، فيؤول حاله إلى الفسق ورقة الدين، ونقص العبودية، وضعف الاستسلام لشرع الله عز وجل 0
وهناك فرق بين الفتاوى العلمية المؤصلة، المبنية على التحري والاجتهاد، وأخرى محلولة العقال، مبنية على التجري لا التحري، والتي يصدرها قوم لا خلاق لهم من الصحفيين ومن أسموهم المفكرين، وأهل التزوير المسمون ظلما بأهل التنوير، يفرقون من تغطية الوجه لا لأن البحث العلمي المجرد أوصلهم إلى أنه مكروه أو جائز، أو بدعة كما يرجفون، ولكن لأنه يشمئز منه متبوعهم من كفار الشرق والغرب 0
ولك أن تقدر شدة مكر القوم الذين يريدون من جانبهم أن يتبعوا التمدن الغربي، ثم يبررون فعلهم هذا بقواعد النظام الإسلامي الاجتماعي 0
وثاني الوقفات: لابد أن ينظر إلى قضية الحجاب اليوم، وما يدور بينها وبين السفور من معارك، إلى أنها لم تعد قضية فرعية ومسألة خلافية فيها راجح ومرجوح بين أهل العلم، ولكنها باتت قضية عقدية مصيرية، ترتبط بالإذعان والاستسلام لشرع الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة، وعدم فصلها عن شئون الحياة كلها، لأن ذلك هو مقتضى الرضا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا 0
إن التشنيع على تغطية المرأة وجهها، والتهالك على خروجها من بيتها، واختلاطها بالرجال ليست اليوم مسألة فقهية فرعية، ولكنه مسألة خطيرة لها ما بعده، لأنها تقوم عند المنادين بذلك على فصل الدين عن حياة الناس، وعلى تغريب المجتمع، وكونها الخطوة الأولى أو كما يحلو لهم أن يعبروا عنها بالطلقة الأولى .
وإذا كان علماؤنا يوردون مسألة المسح على الخفين في كتب العقيدة، باعتباره من خصائص أهل السنة في مقابل شذوذ الرافضة، فلا لوم على من يجعل قضية الحجاب اليوم قضية أصولية مصيرية، وذلك لتشنيع مبتدعة زماننا ومنافقيه عليه، ولحملتهم المحمومة لنزعه، وجر المرأة بعد ذلك لما هو أفسد وأشنع 0
وثالثها: أن بداية السفور والتبرج الجاهلي الذي عليه طائفة من نساء المسلمين اليوم في بعض ديار المسلمين، إنما بدأ من كشف الوجه بإزالة الغطاء والحجاب عنه ، حتى أصبح وبات وأضحى وظل وأمسى من المعلوم بالضرورة أن من كشفت من الفتيات وجهها اليوم ، ستكشف غدا حتما عن رأسها وصدرها، وساقيها وحتى فخذيها، ولا يجادل في هذا إلا ساذج مخدوع0
لقد بدأت مؤامرة السفور بالدعوة إلى كشف الوجه، وامتدت إلى الجلسات المختلطة المحتشمة، ثم على السفر من غير محرم بدعوى الدراسة في الجامعة، ثم زينت الوجوه المكشوفة، وبدأ الثوب ينحسر شيئا فشيئا حتى وقعت الكارثة، فخرجت المرأة سافرة عن مفاتنها، كاشفة عن المواضع التي أمر الله بسترها، حتى أضحت شبه عارية، وراح أهل الكيد يتلذذون بالنظر إليها، ويستدرجونها للإيقاع بها، حتى كان لهم ما أرادوه منها، ففسدت الأخلاق، وكثرت محلات البغاء، وانتشر اللقطاء، وتفسخ المجتمع، ومن هنا، وبناء على هذا فإن اليد التي تحاول أن تحسر الحجاب عن وجوه فتياتنا اليوم ينبغي أن تبتر ، وإن اللسان الذي يدعو فتياتنا إلى نزع الحجاب ينبغي أن يقطع 0
أو يسركم يا أهل الغيرة والكرامة أن تصبح بلادكم مقصداً لرواد البغاء ، وأهل الخنا، أو أن تصبح نساؤكم مزابل وإماء في سوق النخاسة، يصحبن كل زان ، ويصادقن كل سافل 0
لابد أن تعلم المرأة المسلمة أنهم اليوم لا يطلبون منها أكثر من كشف وجهها، وبحجة أن كشف الوجه مختلف فيه بين أهل العلم ، غير أنهم يعلمون علم اليقين، ونحن نعلم، وبحكم التجارب الطويلة العديدة أنها يوم أن تكشف وجهها ويذهب ماؤه وحياؤه، ستكشف لهم عما سوى ذلك، وصدق القائل :
رفع الحجاب وسيلة إن حُبّذت ضمت إليها للفجور وسائل
فالاختلاط ، فمرقص ، فتواعدٌ فالاجتماع ، فخلوة ، فتواصل
ورابع الوقفات: لو أن المنادين اليوم بكشف وجه المرأة أمام غير المحارم، كانوا في مجتمع يعج بالسفور والتعري الفاضح ، لأحسنا بهم الظن وقلنا: لعل قصدهم ارتكاب أهون المفسدتين، والتدرج بالنساء في ردهن إلى الحجاب الشرعي، والحياء والحشمة شيئا فشيئا .
أما وإن الذين ينادون اليوم بنزع الحجاب عن الوجه، إنما يوجهون نداءهم إلى مجتمعات محافظة لم تعرف نساؤه إلا الحشمة و الحياء، وتغطية الوجه والبعد عن الرجال الأجانب، فإن هذا مما يثير العجب ويحير العقل، ويضع استفهاماتِ كثيرة على مطالبهم تلك، فماذا يريدون من ذلك ، وماذا عليهم لو بقيت نساؤهم وبناتهم، وأخواتهم ونساء المسلمين على هذه الحشمة والعفة والحياء، ماذا يضيرهم في ذلك ؟ ألا يشكرون الله عز وجل على هذه النعمة العظيمة، ألا يعتبرون بما يرونه في المجتمعات المختلطة المتبرجة، حيث ضاعت قوامة الرجل، وظهر الفساد، وهتكت الأعراض، وأصبحت تلك البلدان مقصد كل فاجر، وملاذ كل طالب للرذيلة، إن زماننا اليوم زمن العجائب، و إلا فعلام يشرق قومنا بالفضيلة والطهر والعفاف، ولكن صدق الله: (( وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً )) (النساء: 27).
و خامس الوقفات : أن الأدلة الموجبة لستر وجه المرأة وكفيها عن الرجال الأجانب، ووجوب الابتعاد عنهم أدلة كثيرة، وصحيحة وصريحة، ويمكن الرجوع إليها في فتاوى ورسائل أهل العلم الراسخين، ولكن يحسن أن نشير إلى أن علماء الأمة قديماً وحديثا من أجاز منهم كشف الوجه ومن لم يجزه، كلهم متفقون ومجمعون على وجوب ستر وجه المرأة وكفيها إذا وجدت الفتنة، وقامت أسبابها، بل حكى الإجماع على ذلك أكثر من خمسين عالما، فبربكم أي فتنة هي أشد من فتنة النساء في هذا الزمان، حيث بلغت وسائل الفتنة والإغراء بهن مبلغاً لم يشهده تاريخ البشرية من قبل، وحيث تفنن شياطين الأنس في عرض المرأة بصورها المثيرة في كل شئ، في وسائل الأعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وأخرجوها من بيتها بوسائل الدعاية والمكر والخداع، فمن قال بعد ذلك ، إن كشف المرأة عن وجهها أو شئ من جسدها لا يثير الفتنة، فهو والله مغالط مكابر، لا يوافقه في ذلك من له مسكة من دين أو عقل، أو مروءة، وإذا تبين ذلك فلنعلم أيضاً أن هذا القدر من الخلاف بين العلماء بقي خلافاً نظرياً إلى حد بعيد، حيث ظل احتجاب النساء هو الأصل في الهيئة الاجتماعية خلال مراحل التاريخ الإسلامي، كما قال شيخ الإسلام: (كانت سنة المؤمنين في زمن النبي- صلى الله عليه وسلم- أن الحرة تحتجب).
و قال الإمام الغزالي: (( لم يزل الرجال على مر الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن متنقبات )) 0
إن كثرة الكلام وهن هذه القضية ، وعلى أصعدة متعددة ، بل إن وسائل الإعلام تحاول ترسيخ هذا المفهوم من خلال الدعايات الإعلانية، حينما تصور الرجل حالقاً لحيته والمرأة كاشفة وجهها، ومن خلال نشر صور النساء في الصحف، حتى بلغت في صحيفة واحدة في عدد واحد أكثر من ثلاثين صورة، ومن خلال الكتابات التي يتقيؤها غلمان الأهواء وصبيان الصحافة .
إن ذلك لأمر يثير الريبة ، فلم يحدث في تأريخ الأمة أن اجتمع العلماء المجيزين لكشف الوجه ليخرجوا على الأمة مجتمعين، يدعون النساء إلى إزالة غطاء الوجه بدعوى أن المسألة خلافية 0
كانوا يذكرون ذلك في كتبهم من باب التفقيه فحسب، أما أن يرتقوا المنابر، ويتصدروا المجالس والمنتديات ليقرروا ما ترجح لديهم، بإصرار وإلحاح لا ينقطع، ليحملوا نساء الأمة على كشف الوجه، فذلك لم يفعلوه، ولم يحصل في تأريخ الأمة مع أنهم هم الأحق بذلك إن كان في ذلك خير ، فهم مجتهدون ينطلقون من الشرع ومقصدهم نصرته 0
أما ما يفعله هؤلاء المستغربون من الدعوة بإلحاح، وعلى كافة المستويات، مع التلفيق والتلاعب بأقوال العلماء، فليس له إلا تفسير واحد، هو أنهم كرهوا ما أنزل الله فسحقا لهم ، وأولى لهم طاعة وقول معروف ، ولو صدقوا الله لكان خيراً لهم 0
يا صالحون ويا مصلحون، يا أهل الشرف والحياء و المروءة ، كونوا يقظين لما يطرحه الظالمون لأنفسهم وأمتهم من كتابات و حوارات، مؤداها إلى سفور المرأة واختلاطها بالرجال، فما دامت المدافعة بين المصلحين والمفسدين فإن الله عز وجل يقذف بالحق على الباطل فإذا هو زاهق.
ينبغي أن لا ننسى في خضم الردود على ما يكتبه المفسدون من الشبهات والشهوات، ذلك السيل الهادر الذي يتدفق من وسائل الأعلام المسموعة و المرئية في بلاد المسلمين، وذلك بما تبثه من دعوات للمرأة إلى السفور، ومزاحمة الرجال في الأعمال و الطرقات، عبر القصة و المسلسل، والبرامج الحوارية والمقابلات، والبرامج الغنائية، ولقد ضربت هذه الوسائل بأطنابها في بلاد المسلمين، فكان لزاماً على كل غيور محاربتها وإبعادها عن بيته قدر الاستطاعة .
ربوا نساءكم وبناتكم على حب الحجاب والتعلق به منذ الصغر ومن وسائل ذلك تحصينهن الحصانة الفكرية والأخلاقية، بأن تعلم المرأة المسلمة أوضاع المرأة الغربية، والإسفاف النفسي الذي وصلت إليه، وتعتيم الغزو لأوضاعها، وأحياناً قلب مفاسدها وانحرافاتها إلى فضائل وتكريم0
إننا لا نريد المرأة المتحجبة تقليداً وعادة ، تشعر مع الحجاب بالضيق والحرج ، وتتخلى عنه لأدنى شبهة أو شهوة.
نريد المرأة المسلمة التي ترى في الحجاب عزاً وشرفاً، وترى في الحياء سلوكاً وخلقاً، نريد المرأة التي تتحجب استسلاماً لله ، ورضا بشريعته، وخضوعاً لحكمه وتتمثل قول الحق: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً)) (الأحزاب:36) 0
لا نريد المرأة المتحجبة المتخلفة، فإن الدعوة إلى فريضة الحجاب والعودة إليه، لا بد أن تواكبها دعوة القائمين بأمر المرأة إلى أن يؤدوا لها فريضة تحرير عقلها من حجب التضليل والجهل، والتخلف، وتِلكم مسئوليتكم أيها الأولياء، فاتقوا الله وقوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة.
إننا نتطلع أيها المسلمون إلى أن تكون غيرتكم جبلاً تتحطم عليه كل نصال دعاة الضلال، وأن لا تكون غيرتكم جداراً من ورق، ينهار عند أدنى طمع دنيوي أو شهوة مادية .
نحن لا نريد المجتمع الذي يقتل الحسين ويسأل عن دم البعوضة، لا نريد الجيل الذي يأنف أفراده من ذكر أسماء نسائهم في المجالس، ويتقبلون أن تصبح وجوههن معرضا مكشوفا لكل راء ومتفرج 0
وإلى أختنا بنت هذا البلد، وإلى كل مسلمة تخشى الله وتتقيه ، طوبى لمن تفاخر بحجابها، وتتمسك بعفافها، ومعها العلم والوعي والبصيرة والحرية الحقة، من عبودية العبيد قائلة لشياطين الإنس: (( إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ )) (الأنعام:15).
ـــــــــــــــــــ(47/96)
ماذا بعد رمضان ؟ !
كم هي الأوقات والله التي تمضي سدى مع أن العبد يوم القيامة يتمنى لو أضاف إلى رصيده خيراً مهما قل مقداره وتدنّى أجره ـ ليدرأ عن نفسه عقوبة أو ليرتفع بها درجة.
إن هذه المواسم المباركة تثبت للعبد أن بإمكانه أن يغير من حاله..متى ما أخذ نفسه بمأخذ الجد ..وقوّى استعانته وصلته بالله عز وجل .. بدليل أنه فعل! والتجربة خير برهان،والواقع أكبر دليل، والملهيات والعوائق التي تجاوزها في موسم الخير يمكنه تجاوزها في غيره كما تجاوزها فيه، والدافع الذي مكنه من تجاوزها ما زال موجوداً، إذ الرب سبحانه بالمرصاد، والجنة والنار مخلوقتان، ولكل منهما أهلون .
وبعد الموسم العظيم رمضان شرع الله تعالى لعباده العيد ليكون راحة للقلوب ولذة للنفوس ..وذكرا لله تعالى وشكرا له على إتمام النعمة ((وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) (البقرة : 185).
وإن مما يدمي القلوب ..ويفطر الأكباد أن تتحول أعياد المسلمين من ذكر ودعاء ..واستغفار وشكر لله تعالى إلى إظهار للمنكر ..وإعلان للمعصية ..مما يخشى معه من حلول النقم وزوال النعم ورفع العافية عن الأمة ..فما من أمة كثر فيها الفساد وظهر إلا حلت عليها أنواع العقوبات الإلهية ..يقولُ اللهُ تعالى في كتابهِ الكريم : ((وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ** وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ)) ( النحل: 113,112).
في هاتين الآيتين الكريمتين .. يعرضُ القرآنُ الكريم ..مثلاً مضروباً ..مُسَاقاً للعظةِ والعبرة ..لقريةٍ من القرى كانت تنعمُ بأمنٍ واستقرار ..وطمأنينةٍ ورغدٍ من العيش . يأتيها رزقُها من كل مكان ..لا يعرفُ أهلُها الجوعَ والخوف ..ولا الفاقةَ والحرمان ..فهم في أوجِ لذاتِهم ..وغايةِ سعادتهِم لكنَّ أهلَ القريةِ المغفلين ..ظنوا أنَّ ذلك بسببِ حسبهِم ونسبهِم ..ومكانتهِم عند الله تعالى .
وأنهم يستحقون ذلك لفضلهِم وتميزهِم عند الناس ..فتجرأَ المغفلون.تجرءوا على انتهاكِ محارمِ الله ..وتجاوزِ حدودهِ سبحانه ..مغترينَ بإمهالِ اللهِ لهم . وصبرِه على انحرافهِم وظلمهِم وبغيهِم ..فبدلاً من أنْ يشكروا ربهم ..ويعترفوا بإحسانِه إليهِم وتفضلِه عليهِم ..ويلتزموا حدودَه ، ويعرفوا حقوقَه . إذا بهم يتنكرون للمنعِم العظيم ..ويتجرءون في سفهٍ وغرور ..على العزيزِ الحكيم ، الذي يقول : ((يا عبادِ فاتقون)) . ويقول : ((وإياي فارهبون )) .
فماذا كانتْ النتيجة ..وما هي النهايةُ والعاقبة ، بعد ذلك الإمهالِ والصبرِ الجميل ؟! إنَّ القرآنَ الكريم ..يختصرُ العقوبةَ المدمرة والنهايةَ الموجعة ..في كلمتين اثنتين ..(( َأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)) .
إذاً فرغدُ العيش ..وسعةُ الرزق ..يتحولُ في طرفةِ عين .. ولمحةِ بصر.جوعاً يَذهبُ بالعقول.. وتتصدعُ له القلوبُ والأكباد .. وإذا البطونُ الملأ ..والأمعاءُ المتخمة ..يتضورُ أصحابُها جوعا ..ويصطلون حسرةً وحرمانا ..وإذا الأمنُ الذي ..كانوا يفاخرون به الدنيا ..وينسونَ في عجبٍ وغرور ..المتفضلَ به سبحانه ..والمنعمَ به جل جلاله ..إذا به ينقلبُ رعباً وهلعا ..لا يأمن المرءُ على نفسِه وعرضِه فضلاً عن مالهِ وملكه ..فانتشر المجرمون والقتلة ..يسفكونَ دماءَ الناس ..وينتهكونَ أعراضَهم ..ويحوزونَ أموالهَم وحواصلَهم ..وأصبح باطنُ الأرض ، خيراً من ظاهِرها ، في تلك القريةِ البائسةِ المشؤومة .
والقرآنُ الكريم ، حين يعرضُ بوضوحٍ وجلاء ..مآلَ تلكَ القريةِ ..الظالمِ أهلُها ..ويقررُ أنَّ ما أصابهَم ..هو بسببِ ما اقترفتُه أيديهِم ..من التمردِ والجحود ..ونكران الجميل ..حين يعرضُ القرآنُ ذلكَ كلَّه ..فهو إنما يخاطبُنا نحن الحاضرين ..ويخاطبُ غيَرنا ..حتى يرثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها ..يحذرُنا أن نقعَ في ذاتِ الخطأ ..الذي وقعوا فيه ..فنؤولُ لذاتِ المآلِ الذى آلوا إليه .
إن ما يفعله كثير من الناس في هذه الأزمنة من احتفالات ومظاهر في أيام الأعياد إضافة إلى أنها معصية ومخالفة لما يجب أن يكون عليه العبد بعد رمضان من دعاء الله تعالى أن يقبل منه عمله ويشكر سعيه ..إنما هي مشابهة تامة لما يفعله الكفار في أعيادهم الباطلة ..ومما يزيد الأمر سوءا والبلاء بلاءاً أن في هذه السنة ستوافق أعياد الكفار أعيادنا ..فهنا تحصل المشابهة الكبرى والمصيبة العظمى ..ولعلي أعرض لكم ما يفعله النصارى في أعيادهم حتى تدركوا حجم التشابه الحاصل والذي يجب علينا جميعا إدراكه ومن ثم الحذر منه لئلا نقع في المحذور ..وسيكون محور حديثنا حول ما يسمى بعيد ميلاد المسيح (عليه السلام)، وعيد رأس السنة الميلادية كأكبر مناسبة في الغرب النصراني .
فالاحتفالات بهذا العيد تقام في يوم وليلة الخامس والعشرين من شهر ديسمبر (كانون الأول) في المجتمعات النصرانية الغربية ..حيث تغلق جميع الدوائر الرسمية وغير الرسمية أبوابها ، وكذلك المستشفيات والمحلات التجارية وتتوقف كثير من وسائل المواصلات كالحافلات والقطارات عن العمل. وفي العموم فإن حركة الحياة تتوقف في ذلك اليوم كما لو كان الناس قد نزلوا إلى ملاجئهم إثر غارة جوية معادية !
لكن لعل المقيم في تلك البلاد أو الزائر في ذلك اليوم والليلة يرى أن نوعين من المحلات لا تغلق أبوابها ، بل يزدهر سوقها ويكثر روادها،وهما:حانات الخمور والبارات التي يشرب فيها الخمر والمسكرات ؛ حيث يفرط الناس بشربها إلى حد فقدان العقل وفقدان السيطرة على السلوك ..وإذا كان كثير من الناس في ليلة عيد الميلاد ويومه يمكثون في بيوتهم أو في خماراتهم يعربدون إلا أنهم وفي ليلة رأس السنة الجديدة يخرجون إلى الاحتفالات بسكرهم وعربدتهم ، فقد أعلنت الشرطة البريطانية أنه قد تم إلقاء القبض على ما يزيد على مائة وخمسين شخصاً في منطقة ميدان "الطرف الأغرّ" بوسط لندن والتي تتركز فيها عادة الاحتفالات بحلول العام الجديد .
وكانت معظم الحوادث التي وقعت قد جاءت نتيجة للسكر والإخلال بالنظام العام والتعدي على الناس .. وقد عالجت سيارات الإسعاف مائة وخمسةً وتسعين شخصاً من بين المحتفلين بالمناسبة بسبب إصابتهم بجروح نتيجة تهشم زجاجات الشراب ! وقد نُقل نحو خمسين آخرين إلى المستشفيات للعلاج ، وقد قُدر عدد رجال الشرطة الذين أصيبوا في هذه الحوادث بنحو أربعين رجلاً [1]
وها هنا نوع آخر مما ابتُلي به أهل هذه الحضارة :ففي روما أعلنت وزارة الداخلية الإيطالية عن الحصيلة النهائية لضحايا استخدام المفرقعات والألعاب النارية الملونة في احتفالات رأس السنة الجديدة ، وقالت مصادر الوزارة: إن مواطناً كهلاً قُتل في مدينة نوشيرا في الجنوب الإيطالي بفعل دخان مفرقعة ، وجرح ستمائة شخص آخرون في روما ونابولي وغيرهما من المدن الإيطالية ، ومعظم المصابين يعانون من حروق في اليدين والوجه بسبب انفجار المفرقعات بأيديهم ، أو بسبب عدم احترام الشروط القانونية أثناء تصنيع هذه المفرقعات.. وتعتقد أوساط الداخلية أن عدد الجرحى أكبر من الرقم المعلن ؛ لأن العديد ممن أصيبوا بجروح لم يلجأوا إلى المستشفيات العامة وفضَّلوا الصمت.
ومصائب أعياد رأس السنة الميلادية لا تقتصر على أوربا وأمريكا بل تنسحب على كل الذين يحيون تلك الاحتفالات.. ففي مانيلا (عاصمة الفلبين) لقي اثنان وعشرون شخصاً حتفهم وأصيب المئات من جراء الألعاب النارية وإطلاق النار في أجواء العاصمة ، وذكرت مصادر الشرطة الفلبينية أنه رغم الحظر الحكومي على استخدام الألعاب والقذائف النارية إلا أن هؤلاء لم يبالوا به ، وأن المستشفيات تستقبل مئات المصابين من جراء هذه الألعاب والطلقات الطائشة ، ومن بين الضحايا خمسة من أعضاء أسرة واحدة كانوا نائمين داخل منزلهم الخشبي الذي احترق من جراء الألعاب النارية [2]
هذه بعض التكاليف البشرية والصحية والاجتماعية والأخلاقية لأعياد الميلاد في بلدان الحضارة المعاصرة .
فلننظر إليها الآن من زاوية أخرى.زاوية التكاليف المادية ..فلا تسأل عن المبالغ المصروفة في الخمور ونحوها..فهذه المواد الكحولية تكلف ميزانية الفرد ومن ثم المجتمع الغربي ما لا يحصى من الأموال وهى في نفس الوقت تكلف ميزانية الدولة في المحافظة على الأمن ومواجهة حوادث السير والشغب ومعالجة المرضى والمصابين والبحث عن الجناة القاتلين أو عن الخاطفين والمخطوفين !! .
ومن مظاهر البذخ في احتفالات أعياد الميلاد لدى المجتمعات المتحضرة ما أسلفنا ذكره من الألعاب النارية والمفرقعات وهى بلا شك تكلف الكثير الكثير ولها من الآثار - غير المادية - ما أسلفنا الكلام عنها.
ومن المظاهر التي يشاهدها رجل الشارع في احتفالات أعياد الميلاد الأنوار والأقواس التي تتزين بها واجهات المحلات والشوارع الرئيسية العامة والتي ينفق عليها الكثير من الأموال التي لو وُجهت لمصلحة الفقراء الذين يعيشون تحت مستوى الفقر أو للذين ينامون في العراء تحت درجة التجمد في الشتاء القارس فيفترشون ويلتحفون ما ترميه المحلات التجارية من أوراق ونفايات - لا أقول في إفريقية الجائعة ولا في بعض المناطق الفقيرة من القارة الآسيوية - وإنما في أكثر عواصم العالم تمدناً وتقدماً، في لندن وباريس وواشنطن ونيو يورك وغيرها من كبريات المدن الأوربية والأمريكية.
إن هذه الأموال - التي تنفق في مثل هذه المظاهر التي أسلفنا ذكرها وغيرها الكثير - لو وُجهت في مثل هذه المصالح لحفظت حياة الكثيرين بل وأخلاقهم وشرفهم الذي كثيراً ما تجري المساومة عليه بسبب الفاقة والحاجة !! .. لكنها الرأسمالية الظالمة !!
هذا غيض من فيض مما تنفقه الدول والشعوب في عواصم الإسراف والفوضوية..
وهكذا تنتهي مواسم الأعياد والاحتفالات فيفتقد كل فرد رصيده فإذا هو قد أفلس أو كاد !! هذا إن كان ممن حالفهم الحظ فلم يقضِ أيام العيد على الأسرَّة البيضاء ، أو خلف أستار الحزن على ابن أو بنت اختطفت أو قريب أو صديق وقع ضحية للعنف أو لحوادث السير.. وصدق الله العظيم إذ يقول في إخوانهم اليهود : (( يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ)) (الحشر : 2) .
حقاً ، إنها لعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
ألا فليعتبر أبناء المسلمين الذين يريدون أن ينحوا بأعيادنا هذا المنحى الخطير بحجة التطور والرقى !!.
وها قد تبين آثار البذخ والإسراف بكل أنواعه على الأفراد والمجتمعات فهل تُرضِي هذه الآثار والنتائج رجلاً مخلصاً لأمته ومجتمعه ؟! وهل يرضى عاقل أن يرى هذا السموم تفتك بأهله وقومه ؟!.
ألا فلنلتزم حدود ما أبيح لنا في أعيادنا من لهو ولعب يسير ..بعيدا عن الاختلاط ..بعيدا عن الغناء المحرم ..بعيدا عن المسرحيات الهزلية ..بعيدا عن الإسراف والترف .
فإن فيه الكفاية لما نتطلع إليه من مرح وفيه الملجأ مما نخشاه من آثار وعواقب وخيمة .
وليحافظ كل واحد منا على ما عمله طيلة شهر كامل من الأعمال الصالحة .
والطاعة النافعة ..وليحافظ على أهله وولده وليحرص على أن يبعدهم عن أسباب الوقوع في الفتن فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته .
تذكر أن بنيتك أو زوجتك ستوقفك أمام الله تعالى وتقول يا رب هذا الذي ذهب بي إلى أماكن الاختلاط والفساد ..هذا الذي سمح لي أن أذهب مع السائق للمنتزهات والشالهات التي فيها الفساد ..هذا الذي أذن لي أن أذهب إلى أماكن المهرجانات والحفلات المختلطة ..فماذا أنت قائل ؟!! أعد للسؤال جوابا !! وللجواب صوابا .
ولا تغتر بكثرة الهالكين فما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين والسعيد من وعظ بغيره والشقي من وعظ غيره به .
وللمسلم عبرة وعظة فيما حدث فيما مضى من مضايقات النساء والتعرض لهن
فإنّ من المصائب العظيمة التي حلّت بالمسلمين في هذا الزمن: متابعتهم غير المسلمين من اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الملل الكافرة وتشبههم بهم، حتى تحقّق في غالبنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القُذة بالقذة، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضب لدخلتموه)) قيل: يا رسول الله اليهود والنصارى؟! قال: (فمن؟)، أي: فمن أعني غيرهم!)).
وفي رواية: ((حتى لو أن أحدهم جامع أمه بالطريق لفعلتم)) [3] ..
إن من المؤلم حقا أن نجد من أبناء المسلمين ..من يتابع اليهود والنصارى في كل صغيرة وكبيرة، حتى في هذه المناسبات الفاسدة. ويزعمون بجهلهم أن التقدم والحضارة يُلتَمسان في متابعة اليهود والنصارى في كل شيء.. وما ذلك إلا لجهلهم بدينهم، ومصدر عزتهم. حتى سيطر عليهم مركّب النقص والذلّة، فغدوا إمّعات. يلهثون وراءهم ويتابعونهم كالعميان في كل شيء، مع العلم أن من أصول ديننا العظيم؛ مخالفة كل من انحرف عن شريعة الله -عز وجل - في كل ما يقدر عليه المسلم من شرائعهم وعاداتهم وأعيادهم.. بل وملابسهم وطرق أكلهم وكلامهم وهيئاتهم ..
يقول تعالى عن اليهود والنصارى: (( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ)) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ففيه دلالة على أن مخالفتهم مشروعة في الجملة .
ويقول أيضاً رحمه الله تعالى: ( إن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك، التي قال الله سبحانه : ((لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ )) ( الحج : 34) .
كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج؛ فإن الموافقة في جميع العيد ، موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه: موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر؛ فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر، وأظهر شعائره.ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه) [4]
ألا إنها دعوة للحذر من إفساد الأعمال الصالحة بعد رمضان بالعصيان والتبرج والسفور والمشاركة في حضور الأمسيات الغنائية ونحوها .
إلا إنها دعوة لرعاية النعمة التي ننعم بها من أمن وأمان واستقرار في الأوطان وذلك بالاعتراف بالنعمة وشكر المنعم والحذر من إظهار العصيان الذي يؤذن بزوال النعم وحلول النقم .
إلا إنها دعوة لإزالة التشبه بالكفار في أعيادهم والاقتصار على ما أباح الشرع لنا من اللهو المباح والسرور والفرح بالضوابط الشرعية .
إلا إنها دعوة للحفاظ على الأعراض وعدم تعريضها للمنكرات والأماكن المشبوهة فالموت قريب والحساب عسير وما منا إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان .
[1] جريدة "الشرق الأوسط" ، 29/12/86) .
[2] الشرق الأوسط 3/1/86).
[3] أخرجه الهيثمي في المجمع (7/261) وقال رواه البزار ورجاله ثقات . ورواه المروزي في السنة (1/18) من حديث ابن عباس .
[4] الاقتضاء (1/471) .
ـــــــــــــــــــ(47/97)
البناء الأخلاقي للمرأة 1/2
اهتم الإسلام ببناء شخصية المرأة من ناحية السلوك والأخلاق ، وأولاها عناية كبيرة ، وسأذكر بعضاً من ذلك وستجد أن هناك تداخلاً بين منهج الإسلام في بناء شخصية عن طريق الأحكام وبين منهجه في بناء شخصيتها عن طريق السلوك ، وذلك لأن السلوك في حقيقته ما هو إلا أحكام ، عموماً ، سأذكر بعضاً من مظاهر منهج الإسلام في بناء شخصية المرأة عن طريق السلوك فمنها :
* أمرها بالقرار في البيت وألا تخرج إلا لحاجة ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ )) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن )) .
وبعض النساء لا تكاد تجلس في البيت ، وتشعر أنه سجن
* حذرها من الاختلاط بالرجال : ((وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ )) .
(( استأخرن فليس لكن أن تحققن الطريق )) .
فتحذر من أماكن الزحام كالحرمين والمستشفيات والأسواق ، ولا تعالج عند الأطباء إلا لضرورة .
* طلب منها الحياء : (( الحياء لا يأتي إلا بخير)) وقد كانت المرأة مضرب المثل في الحياء وإذا فقدت الحياء فلا خير فيها .
* نهاها عن الخلوة بالأجنبي (( ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما)) .
فلينتبه إلى هذا ، بعض النساء تتساهل في الركوب مع السائق الأجنبي لوحدها وبعضهن قد ترفض الركوب معه ولكنها تأذن لابنتها في ذلك .
1- وبعض النساء تتساهل في الخلوة بالحمو مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم سماه الموت لخطورته، فتفتح لأخي زوجها ويدخل إلى البيت ويخلو بها وهذا حرام ينبغي الاهتمام به والتنبيه عليه .
2- نهاها عن السفر بدون محرم (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها )) .
والسفر عام في أي نوع من أنواع المواصلات .
3- نهاها عن مصافحة الرجل الأجنبي (( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له )) .
وكم حدث من الشرور بسبب هذه المصافحة .
4- أمرها بالتستر الكامل ونهاهن عن التبرج والسفور (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْن)) .
5- أمرها بغض البصر وعدم النظر إلى ما لا يحل : ((وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ )) .
فلا تنظر إلى الرجال لا في الطبيعة و لا في الصور المتحركة كالأفلام ونحوها ولا في الصور الثابتة كالمجلات والصحف واحذري من المجلات النسائية الغامرة ، والعجب من الوالدين الذين يرفضان إخراج التلفزيون من البيت بحجة تعلق الأطفال به .
6- نهاها عن استماع الأغاني فهي كالرجل في ذلك وهل ترضى المرأة أن يصب في أذنها الرصاص المذاب يوم القيامة .
7- نهاها عن الشتم واللعن (( لعن المؤمن قتله )) , (( اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة )) ، ((سباب المسلم فسوق )) وكثير من النساء تكثر اللعن حتى أصبح لا يفارق لسانها والعياذ بالله .
8- نهاها عن الدعاء على نفسها أو على أولادها (( لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم )) .
9- يا أختي إذا دعوت على ولدك واستجيبت فأنت المتضررة .
10- نهاها عن الغيبة والنميمة : وهذا من أكثر ما يقع فيه النساء ويتساهلن فيها مع أنهما من الكبائر .
11- نهاها عن القول على الله بغير علم : (( وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )) .
بعض النساء تفتي في كل شيء تحلل وتحرم دون علم .
12- نهاها عن الكذب وهي كالرجل في ذلك ، عن أسماء بنت يزيد عرض علينا النبي طعاماً فقلنا لا نشتهيه . فقال : ((لا تجمعن جوعاً وكذباً )) .
13- أمرها بطاعة زوجها بالمعروف وأن تحسن التبعل له وتقوم بشؤونه وسيأتي مزيد كلام عن هذا .
14- نهاها عن إنكار معروف زوجها وكفرانه (( يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار . فسألت امرأة عن سبب ذلك فقال : تكثرن اللعن وتكفرن العشير )).
بعض النساء يحسن لها زوجها فإذا ما قصر في يوم من الأيام قالت ما رأيت خيراً قط .
15- نهاها أن تصف لزوجها امرأة أخرى (( لا تباشر المرأة المرأة فتصفها لزوجها كأنه ينظر إليها )).
ومن الوصف أن تقول فلانة تشبه فلانة أو أبنتها الصغيرة ، أو أبنها الصغير يشبهها تماماً.
16- نهاها أن تفتخر على ضرتها بما لم يعطها زوجها ، بعض الضرات إذا دخلت مع ضرتها قالت : إن زوجي ( الذي هو زوج لها ) اشترى لي كذا وأعطاني كذا أو قال لي إني أحبك وهكذا وقد سألت امرأة الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت : إن لي ضرة فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطني . فقال صلى الله عليه وسلم : المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ) .
17- نهاها أن تتحدث بما يجري بينها وبين زوجها حال الجماع ، أو كم يجامعها (( إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها )) .
18- نهاها عن طلب الطلاق من غير سبب (( أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة )) .
19- أمرها بالرضا بما قسمه الله ولو خالف رغبتها (( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )) ومن ذلك التعدد والمكوث في البيت ونحوهما .
20- نهاها عن التعلق بغير الله ويدخل في ذلك الإعجاب وما يترتب عليه ومن قرأ ما يسمى عند الطالبات بالأوتوجراف سيعرف المزيد .
21- أمرها ببر الوالدين ويدخل في ذلك مساعدة أمها في شؤون المنزل وعدم التبرم من ذلك وعدم التأفف عند أوامر الوالدين بحجة الدراسة والواجبات والمذاكرة تقول أسماء ( أن أمة قدمت علي وهي راغبة أفأصلها قال نعم صليها ) .
22- أمرها بالإحسان إلى جارتها : (( يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرش شاة)) .
23- أرشدها إلى كثرة الاستغفار والصدقة : (( يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار)) .
24- نهاها عن الخضوع بالقول بأن ترقق صوتها للأجنبي أو ترفع صوتها ليسمعها أجنبي أو تضحك ليسمعها أجنبي أو تضحك ليسمع ضحكها كما تفعل بعض الطالبات عند الخروج من المدرسة وعند ركوب الحافلة والله يقول : (( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)) وبسبب الخضوع بالقول وجدت المعاكسات ولا شك أنها محرمة تؤدي إلى الحرام ويتخذ هؤلاء الذئاب أساليب متنوعة في إيقاع الفتيات في المعاكسات فمن أساليبهم مثلاً أنه يكلم على أي رقم عشوائي فإن كلمه صغير أخذ المعلومات الكافية منه اسم أخته وأين تدرس وهكذا ثم يطلب أن يكلم هذه المسكينة سواء في هذه المكالمة أو مكالمة أخرى ثم يهددها أن عنده صوراً لها التقطت لها أثناء حفل زواج أو هي أعطتها زميلة لها أو غير ذلك وقد يكون كاذباً في زعمه، فإذا لاحظ أنه أطالت معه الكلام سجل صوتها ليهددها به وقد يكون يقلد صوت امرأة في البداية يسجل صوت هذه المسكينة وقد يوصي امرأة فاسقة لتأخذ المعلومات الكافية عنك وكأنها خاطبة ، وقد يضع بعض الباعة رقمه على السلعة ويبدي استعداده لموافاتك بكل ما يجد من هذه البضاعة وكل هذه الأساليب علاجها سهل جداً هو إقفال الخط مباشرة عند مكالمة هؤلاء وعدم نصحهم كما تفعل بعض الأخوات تجلس تنصحه ثم هو يظهر أنه تأثر في الكلام ليشجعها على الاستمرار وربما طلب منه أشياء مما يزيد بينهما الكلام والعلاقة وأقول لا داعي للنصيحة وانجي بنفسك وأغلقي السماعة مباشرة ، ثم ينبغي الاهتمام بالأولاد الصغار عندما يتولون رفع سماعة الهاتف وتدريبهم على عدم إجابة من يسأل أسئلة شخصية
1- لتحذر الأخت من أخطاء الأفراح من مثل : تأخير الزواج بحجة الدراسة واختيار الزوج بالنظر إلى مركزه الوظيفي أو الاجتماعي دون النظر إلى دينه وخلقه ، ولتحذر مما يسمى بدبلة الخطوبة أو الخروج مع الخاطب لأن الخاطب أجنبي عنها ، ثم ينبغي عدم المغالاة في المهور أو التباهي بالقصور والفنادق كذلك احذري من الكوافيرات ، بعض النساء تذهب للكوافير لتزيل شعر عورتها والعياذ بالله ، كذلك يجب ألا يكون في الحفل غناء أو موسيقى أو رقص محرم ، كذلك ليحذر من الزفة وإخراج الرجل مع زوجته أمام النساء .
2- عندما تخرجين إلى السوق فعليك بالحجاب الشرعي وغض البصر وعدم التطيب ولا تجربي الطيب في السوق على جسمك أو ملا بسك وإذا أردت تجربته فعلى منديل ثم ترمينه بعد ذلك ، انتبهي لطريقة وقوفك في السوق ولا تلبسي الكعب العالي فأقل أحواله الكراهة كما يقول الشيخ ابن باز (رحمه الله) وفيه ضرر عليك وإبراز لعجيزتك ولا تكثري الالتفات في السوق فربما اصطدمت برجل وأنت ملتفته ، ولا تذهبي إلا مع محرم واختاري الوقت المناسب للخروج وإياك والدخول إلى صاحب المحل بمفردك فإن في ذلك خلوة وإياك والأكل في السوق وتجنبي أماكن الزحام فهناك من الرجال من يقصد أماكن الزحام ليلامس النساء ، ولا تكشفي وجهك أو جزء من بدنك أمام صاحب المحل بحجة أنه من العمالة الوافدة ، واحذري من كشف وجهك للنظر إلى البضاعة فربما رآك من لم تشعري به أو انعكس وجهك على زجاج لم تريه ، ولا تنسي لباس شراب الأرجل واليدين وإياك وأخذ المقاس في الذهب كما تفعل بعض النساء تطلب من الصائغ أن يأخذ مقاس يدها لتشتري الذهب المناسب ، ولا تتهاوني في الكلام مع صاحب المحل كرجائه أن ينزل من السعر وعبارات الاستعطاف في ذلك ( الله يخليك – الله يرحم والديك ... إلخ) .
3- إياك والدخول في البيوت بدون استئذان ، بعض النساء ترى الباب مفتوحاً فتدخل دون استئذان فإذا وصلت إلى وسط الباب نادت أو صفقت وهذا خطأ مخالف للسنة (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا )) .
ويقول صلى الله عليه وسلم : ((إنما جعل الاستئذان من أجل البصر)) [1]
4- إذا طرقت الباب فاطرقيه ثلاث مرات فإن فتح لك وإلا فارجعي بعض النساء تستمر على طرق حتى تزعج أهل البيت وربما لم يريدوا أن يفتحوا ، ولذا تجنباً للإحراج اتصلي عليهم في الهاتف وخذي موافقتهم لزيارتك لهم في موعد تتفقون عليه .
5- إذا طرقت الباب أو الجرس وقيل من فقولي اسمك ولا تقولي أنا عن جابر رضي الله عنه قال : (( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدققت الباب فقال (من ذا) ؟ فقلت أنا فقال : أنا أنا كأنه كرها )) [2].
6- لا تتدخلي فيما لا يعنيك (( من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه)) بعض النساء لا تستحي تتدخل في كل شيء إذا جلست مع المرأة أو كلمتها بدأت تغرقها بسيل من الأسئلة ، هل حملت ؟ لماذا لم تحملي إلى الآن ؟ السبب أنت أو هو ؟ تتناولين مانعاً ؟ ما نوعه ؟ ما الذي بينك وبين زوجك ؟ لماذا جلست عند أهلك طول المدة الماضية ؟ وهكذا ..
7- الله الله في المسامحة وطيبة القلب وضعي أمام ناظريك دائماً قدر الدنيا وبعض النساء لا تنام الليل غضبى لأن فلانه قالت لها كذا وفلانه أخطأت عليها ، وعندما حضرت أم حبيبة رضي الله عنها الوفاة دعت عائشة رضي الله عنها وقالت : قد يكون بيننا ما بين الضرائر فغفر الله لي و لك ما كان من ذلك فقالت عائشة : غفر اله لك ذلك كله وتجاوز وحللك من ذلك ، فقالت : سررتني سرك الله ، وأرسلت إلى أم سلمة فقالت لها مثل ذلك ، وتعرفن يخرج عليكم رجل من أهل الجنة بعض النساء يعتبرن من تتنازل عن حقها وتتسامح ضعيفة ويسمونها على نياتها أو طيبة القلب ، أو بنت حلال أو صحيحة ، الدنيا أيتها الأخت أهون من أن تغضبي لأجلها أو أن تهجري لأجلها .
8- بعض النساء تتكلف في الرؤى فتجدها تبحث عن تفسيرها وتتصل على من يعبرون الرؤى وتحرص على ذلك ، وتضيع وقتها في ذلك والرؤيا إن كانت صالحة فاحمدي الله عليها وأخبري بها من تحبين وإن كانت غير ذلك فتعوذي من الشيطان ولا تقصيها على أحد فإنها لا تضرك .
9- بعض النساء تنسب كل شيء إلى العين ، فإن مرض ولدها فالسبب العين ولئن تأخر في دراسته فالعين ، وإن حصل خصام بينها وبين زوجها فالعين وهكذا كل شيء عندها سببه العين ، وهذا خطأ ، نعم للعين أثر ولكن للأسباب الأخرى أثر أيضاً ، فإهمال الولد لدراسته سبب ، وإهمالك لزوجك سبب وهكذا فينبغي ألا يغفل عن الأسباب .
10- بعض النساء تذهب إلى الملاهي خصوصاً في الأعياد وهناك يحدث بعض المنكرات فقد تلبس بعض النساء ما يخل بالحياء بحجة أنها بين النساء ، وهناك قد تكشف بعض النساء للعاملين في مطاعم هذه الملاهي وهم رجال أجانب ، وهناك تصرف مبالغ طائلة فيها إسراف ، وقد يوجد بين النساء رجال تلبسوا بزي نسوي
11- ضعف العلم الشرعي عند بعض النساء فتعرف كل شيء من أمور الدنيا لكن أمور الآخرة تجدها فيها ضعيفة لقلة قراءة الكتب الشرعية وقلة استماع الأشرطة النافعة وقلة حضور المحاضرات العامة .
12- إياك أن تسألي طلاق ضرتك يقول صلى الله عليه وسلم : ((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح فإن لها ما قدر لها )) [3].
13- بعض النساء تتساهل في كشف عورتها عند أولادها الصغار وربما يكون منهم من بلغ العاشرة قال صلى الله عليه وسلم : ((إنا نهينا أن ترى عوراتنا )) ((خذ عليك ثوبك ولا تمشوا عراة )) [4] .
14- بعض النساء تلبس ثياباً ضيقة تبرز نهودها وعجيزتها بحجة أنها عند محارمها وهذا لا يليق فالمحرم رجل له شهوة فلماذا تفتنينه ؟ .
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى وأن يجعل ما قلناه وسمعناه حجة لنا لا علينا اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات ربنا هب لنا من أزواجنا ربنا لا تزغ قلوبنا ربنا آتنا في الدنيا حسنة .
[1] رواه البخاري 2304ج/5 برقم 5887
[2] رواه البخاري 2306ج/ 5برقم (5896) .
[3] رواه البخاري , 1978ج /5 برقم (4857) .
[4] رواه مسلم 268ج /1 برقم (341) .
ـــــــــــــــــــ(47/98)
المرأة المسلمة.. ماذا يريدون منها
وجه الكفار كل إمكاناتهم المادية والمعنوية لمحاربة الإسلام ؛ وذلك ببث أفكارهم الإلحادية ،التي تمحق القيم والأخلاق ، وقد شاركهم في
هذا المضمار أناس محسوبون على الإسلام وعلى أهله من المنافقين ، وهنا يكمن الخطر، حيث تأثر هؤلاء المفتونون بأفكار الكفار، وآمنوا بها وسيلة للرقي والتقدم ، واتخذوا من حالة المسلمين الراهنة وما هم عليه من تأخر وركود ، وسيلةً للطعن في الإسلام، وعدم صلاحيته نظامًا للحياة ، وإن لم يقولوا ذلك صراحة ، وإنما يظهر ذلك باعتراضهم على بعض شرع الله تعالى .
من ذلك : اتهامُهم الإسلام بظلم المرأة المسلمة ، ومنعِها من حقوقها ، وباحتقارها، وإثارتُهم الفتن بين المسلمين، ودعوتُهم إلى تحرير المرأة والمطالبةِ بحقوقها . فمتبعوا الشهوات في الحقيقة يريدون ذهاب الحياء من النساء ليستمتعوا بفتنتهن ، ويكرهون استقامتهن على الخير والستر ، ولذلك يسعون في تحقيق ما يريدون بشتى الوسائل بتحريضها على التمرد من قيود الرجل ، والمطالبة بالاستقلالية والمشاركة في الأعمال .
إن غرض المنافقين من حثهم المرأة على المشاركة في شتى المجالات هو إخراجها من بيتها لتخالط الرجال، وتظهر زينتها ، وإن استجابة المرأة لذلك فيه فساد الدين والأخلاق، وظهور الفتن ، كما هو الحاصل في كثير من بلاد العالم، وقد كتبت إحدى الصحف الغربية تقريرًا عن ارتفاع نسبة الجريمة بين النساء المتبرجات، أو بعبارة أخرى بين ما يسمى بالنساء المتحررات، فقالت الصحيفة : إن ارتفاع نسبة الجريمة بين النساء يوجد بكثرة في حركات التحرر النسائية ، ثم قالت : إن منح المرأة حقوقًا متساوية مع الرجل يشجعها على ارتكاب نفس الجرائم التي يرتكبها الرجل ، بل إن المرأة التي تتحرر تصبح أكثر ميلاً لارتكاب الجريمة [1].
ولتحذر المسلمة من المنحدر الذي تردت فيه المرأة في بلاد الكفر باسم الحرية ، فبسبب هذه التسمية الزائفة استخدم الرجال المرأة مصيدة لجمع المال ، ومطية لتحصيل المتعة واللذة ، وبعد أن يستنفذوا منها أغراضهم يتخلوا عنها ، وتبقى هي وحدها تعاني من مرارة الذل والمهانة .
إن المرأة إذا انهارت أخلاقها ، وشذ سلوكها ، وآثرت حياة التبرج والسفور والعبث والاختلاط ، على حياة الطهر والعفاف ، وانخدعت بالأبواق الماكرة والأصوات الناعقة ، فقد انهارت من ورائها الأمة ، وانحلت الأسرة ، وانتشر الفساد ، وعمت الفتن ، وضاعت الفضائل ، وحلت النكبات ، وكثرت الجرائم والموبقات ، لأن أكثر ما يفسد الأخلاق ؛ تبرج النساء، وإظهار مفاتنهن أمام الرجال ، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : قال رسول الله r : (( ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)) رواه البخاري ومسلم [2].
[1] المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التقدم ( الطبعة الرابعة 1407 هـ ) للدكتور / عمر بن سليمان الأشقر (ص 27) نقلاً عن صحيفة (النيويورك تايمز) في إبريل 1975 م .
[2] صحيح البخاري ، كتاب النكاح ، باب : ما يتقى من شؤم المرأة ، حديث رقم : 4808 . وصحيح مسلم ، كتاب الذكر والدعاء ، باب : أكثر أهل الجنة الفقراء ، وبيان الفتنة في النساء ، حديث رقم : 2740 .
ـــــــــــــــــــ(47/99)
ظلم الزوجات
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ له. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102]. ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) [النساء:1]. ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب:70-71].
أما بعدُ : فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ ص وشرُّ الأمورِ مُحدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار
أما بعد ، أيَّها المسلمون :
فحين جاء الإسلامُ بنورهِ الفيَّاض, وإشراقتهِ الدائمة, شَمَلَ البشريةَ ببركاتهِ المتعددة, وأضفى على الحياةِ الإنسانيةِ رونقاً وجمالاً، وبهجةً وكمالاً, وأحكمَ بنُظمهِ الفريدة، وشرائعهِ الغرَّاء جوانبَ الحياةِ السياسيةِ والاقتصادية, والثقافيةِ والتربوية, كما كان للجانبِ الاجتماعيِ عموماً, والجانبِ الأُسري على وجهِ الخصوص، كان له حظُه الوافر, ونصابُه المكتمل من العنايةِ والاهتمام, والرعايةِ والتوجيه. وما ذلك إلا لكونِ الأسرة هي اللبنةَ المهمة, وحجرَ الأساسِ الأول في بناءِ المجتمعِ الإسلاميِ برمته, ومن هنا كانتْ عنايةُ المجتمعِ الإسلاميِ الأول بقضيةِ الأسرة, ومنهجيةِ تكوينِها، كانتْ بارزةَ المعالم ، واضحةَ الملامح, فسادتْ الحياةُ الطيبةُ ربوعَ تلك المجتمعات, وتوطدتِ العلاقاتُ الاجتماعية بين أبناءِ المجتمع, ونجحتْ الأسرة في تحقيقِ التعايشِ الكريم, والحياةِ المطمئنة, ومن ثمَّ تفويجُ الأجيالِ الصالحة القادرةِ على العطاءِ لأمتِها بلا حدودٍ أو قيود.
إلا أنَّه مع تقادمِ الزمن, وبُعدِ العهد، وكنتيجةٍ طبيعيةٍ لغُربةِ الإسلامِ الحاضرة, أصابَ الأسرةَ ما أصابَ غيرَها من التصدعِ والانهيار, فساءتْ العشرةُ الزوجية,
وتَفشتْ الأحقادُ والضغائن بين الزوجينِ المسلمين, ولا أدلَّ على ذلك من نشوءِ ظاهرةِ ظلمِ الزوجات، وسوءِ معاشرتهن, وتضييقِ الخناقِ عليهن, حتى أصبحتْ حياةُ بعضهن، جحيماً لا يُطاق, وتعاسةً لا تنقضي, وحتى لا يتهمُنا أحدٌ بالبعدِ عن الموضوعية أو الانحيازِ في صفِ الزوجات، أو الانسياقِ وراءَ العاطفة, نُنبهُ الجميع إلى إدراكنا التام بأنَّ الزوجةَ قد تكونُ هي الظالمةَ أحياناً.
لكنْ رغبةً في عدمِ تشتيتِ الأذهان, وتداخل الموضوعات, وإيثاراً للتركيز وترتيب الأفكار, فإنَّنا نقصرُ الحديثَ حولَ هذه الظاهرةِ فقط
مرجئينَ الكلام عن بقيةِ قضايا الأسرة ومشاكلِها الكثيرة، إلى مناسباتٍ أُخرى بإذنِ العزيز الحكيم.
أيها الأحبة في الله : ولقدْ أخذَ ظُلم الزوجات مظاهرَ شتَّى, وأنماطاً عدة، فمستقلٌ ومستكثر، وإليك أخي الكريم نماذجَ مما يقعُ في بيوت المسلمين، لتعلمَ كم نحن بعيدون عن روحِ الإسلام ومناهجهِ العادلة، وأخلاقهِ الفاضلة.
فمن تلكَ المظاهر: إخفاءُ الزوجِ عيوبَه قبلِ النكاح, إمَّا بالاحتيال والمراوغة، أو بالتدليسِ والكذب, فيُخفي عيوباً تضرُ بالزوجة، أو تنغصُ حياتَها، كأنْ يكونَ عقيماً أو مريضاً, أو مسحوراً , أو ممسوساً ,أو يدَّعي ما ليس فيه أو ما ليسَ له, كأنْ يدَّعي أنهُ صاحبُ مال، بينما هو صعلوك, أو صاحبُ أملاكٍ وعقار، بينما هو مثقلٌ بالديون، أو أنَّه لا يدعُ الصلاةَ في المسجد، وهو لا يعرفُ أين يقع ؟!
أو يزعمُ أنَّه أعزب، بينما هو متزوجٌ وأبٌ لأولاد, ونحوِ ذلك من الدجلِ الفاضح، والكذبِ الصُراح, ألا فليتقِ الله أولئك، فإنَّ الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامة .
وقد يتخذُ ظلمُ الزوجات طابعَ الإخلالِ بشروطٍ اشتُرطتْ على الزوج عند عقدِ النكاح، كأنْ تشترطَ الزوجةُ إكمالَ دراستها، أو السكن في بيتٍ مستقل، فيوافق الزوج, ويُمضي على عقدِ النكاح، ويُظهر الرضا والاقتناع.
ثم حين يَظفرُ بزوجتهِ، ويعلو صراخُ مولوده الأول, يبدأ مسلسلُ الابتزازِ واللؤم. وتظهرُ بوادرُ الخسةِ والدناءة, فيخيرُ زوجتَه بين قبولِ الأمرِ الواقع والتخلي عن شروطِها ومطالبِها, أو التهديدِ بورقةِ الطلاقِ الشهيرة, وأخذِ الأولادِ, وتشتيت الأسرة إلى آخرِ الاسطوانةِ المعروفة.
أرأيت أخي المسلم : أرأيت كيف ينقلبُ الإنسانُ إلى ظالمٍ متجبر، وهمجيٍ مستبد, حين يموتُ ضميرهُ ويضعفُ إيمانُه, يوم كانتْ المرأةُ في بيتِ أبيها محفوظةً مصونة, لا سُلطان للزوجِ عليها, كانَ الزوجُ في غايةِ الرقةِ واللين, يقطرُ حياءً وأدباً, حتى إذا ما وقفتْ الفريسةُ بين براثِنه كشَّر عن أنيابه، وظهرَ زيفهُ ودجلُه, وأخذ يماطلُ ويراوغ, ونسي أنَّ للمظلومِ دعوةً لا تُرد.
أيها المسلمون : وأمَّا سوءُ العشرةِ, وقسوةِ المعاملة, فحدِّث ولا حرج، فقد تعسفَ بعضُ الأشقياءِ في معاملةِ زوجاتِهم، وأساءوا استخدامَ حقِّ القوامة, وحسبوا الرجولةَ والشجاعة في إهانةِ أولئك الضعيفات, من خلالِ كثرةِ السبابِ والشتم, وتقطيبِ الجبينِ والحاجبِ, وإظهارِ العُبوسِ والتبرم, فلا يعجبُه عجب, ولا يُرضيه شيء, دائمُ الاعتراض, كثيرُ الشكوى, لا يقرُ له قرار, ولا يهدأُ له بال, إنْ نامتْ زوجتُه أيقظَها, وإنْ استيقظتْ أهملها, إنْ جلستْ أوقفَها, وإنْ قامتْ أقعدها,
وهو فوقَ ذلكَ كُلِّه لا يكفُ عن الاستهزاءِ بها, والسخرية منها, والتندرِ بشخصِها وشخصيتها, يخلعُ عليها أسوأَ الألقاب, ويناديها بأقبحِ الأنساب, وقد يبالغُ في إهانتِها أمام أولادِها خاصة, ممَّا يسقطُ هيبتَها, ويجرحُ كرامتَها, ويعصفُ بكبريائِها ومكانتها.
ومن ثمَّ يفقدُها احترامَ أولادِها, ويُسلطهم عليها, وقدْ تتعدَّى إهانةَ الزوجة إلى إهانةِ أهلِها وذويها, والسخريةِ منهم, والتندرِ بهم، فأبوها الذي كانَ ملءَ السمعِ والبصر, رفيعَ القدرِ والمنزلة قبيل توقيعِ عقدِ النكاح، أصبحَ اليوم الشيخَ المُخرف, والعجوزَ الأُشيمط, وقلْ مثل ذلك في حقِّ بقيةِ العائلةِ الكريمة, فلكلٍ منهم نصيبه كاملاً غيرَ منقوصٍ, من قاموسِ الألقابِ الصبيانية.
أيها المسلمون : وأسوأُ من سابقه، أن يتسلطَ بعضُهم على زوجتِه بالضرب، نعم بالضرب، بل هو ضربٌ من نوعٍ خاص, لا تفيقُ معه الضحية إلا بعد سويعاتٍ من العناية ِ المركزة والرعايةِ المكثفة, بعد أن تكونَ قد فقدتْ بضع لترات من دمائها الزكية, إرضاءً لغرور ذلك المستبد, المتلذذِ برؤيةِ الضحية تنزفُ من كلِّ اتجاه, ولا يظنُ أحدٌ أنَّ في الكلامِ تهويلاً أو مبالغة، إذ لا يدركُ ذلك إلاَّ من اطَّلع على ما يكتبه بعضُ تلك الزوجات، يشكونَ وحشيةَ أزواجهمِ, استغفرُ الله بل جلاديهم الذين لا تعرفُ الرحمةُ طريقاً إلى قلوبهم، أو الشفقةُ سبيلاً إلى نفوسهم, لكنَّ الذي يدهُ في النار ليس كالذي يدهُ في الماءِ, والطين.
أحبتي الكرام : ومن مظاهرِ ظُلم الزوجات كذلك, ظلمُ الزوجةِ في حرِّ مالهِا, كالذين يستولونَ على مرتباتِ زوجاتهم, من المدرساتِ وأمثالهن، بحجةِ بناءِ المستقبلِ المشترك، أو الاحتياطِ لنوائبِ الدهر والزمان, أو بدعوى تشغيلِه وإنمائِه، ونحوها من الدعاوى, حتى إذا ما طلبتْ الزوجةُ فكرةً, أو بعضَ فكرة عن مصيرِ أموالِها، أو احتاجتْ بعضاً من حلالِها, أو رغبتْ في كشفِ حسابٍ لرصيدها, جاءها كشفُ الحساب بأصفارٍ أربعة، صفران للهللات وصفران للريالات, فإن أعجبَك وإلا أشربي من البحر أيتُها الزوجةُ المصون, فقد طارت الطيور بأرزاقها, وقد تمتنع الزوجةُ من إعطاءِ مالها، فيقلِبُ حياتَها جحيماً, ويُضرمُ بيتَها ناراً, حتى ترضخَ لمطامِعه, وتنزلُ عند مطالبهِ، وما درى المسكين أنه يأكلُ سُحتاً, وكُلُّ جسدٍ نبتَ من سحتٍ فالنارُ أولى به .
أيها المسلمون : وقد يتخذُ ظلمُ الزوجة هيئةً أخرى, فحين يرغبُ الزوجُ في مفارقةِ زوجتهِ لأمرٍ ما, فإنَّه لا يلجُ البيوتَ من أبوابها، فيسرحُها بإحسان، ولكنَّه يلجأُ إلى طريقةٍ جبانة, وحيلةٍ دنيئةٍ, فيلجأُ إلى عضلِ زوجتهِ وعسفهاِ، وقهرِها بشتَّى الوسائل وبكلِّ السُبل، كي يُلجئَها إلى طلبِ الخُلع ليحصلَ على مقابلٍِ مادي عوضاً عن خُلعهِ لها, هذا اللئيم يعرفُ أنَّه حينَ يطلقُ زوجتَه برغبتِه، فإنَّه لن يحصلَ على شيءٍ مقابل, لذا تُراه يبذُل وسعَه وغايته في تنغيصِ عيشِها, وتكديرِ خاطرها، لتطلبَ هي الفراق، وترضى بالمُخالعة, وقد فضحَ اللهُ هذا النوع من الرجال فقال : ((وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنّ )) .
ألا فليتق الله أولئك, فإنَّ أجل الله لآت, وعند الله تجتمع الخصوم.
أيها الأفاضل : وأمَّا إهمالُ البيت والنظرِ في احتياجاتِ الزوجةِ ومطالبها، فحدِّث ولا حرج.
إذْ لا وقتَ لدى البعض لتحقيقِ شيءٍ من ذلك, فبرنامجُه حافلٌ بالعطاء, مليءٌ بالإنجازاتِ الباهرة، فهو يعودُ من عمله لينامَ حتى الغروب، ينطلقُ بعدها إلى الشلةِ إياهم، حيث تبدأُ ساعاتُ الأنسِ والسمر والسهرِ حتى ساعات الصباحِ الأولى، يعودُ بعدها إلى البيتِ مجهداً مكدوداً, بعد نصرٍ بطولي، وكفاحٍ رجولي في لعبِ الورق، وقتلِ الفراغ، فقلْ بربك متى يحققُ طلباتِ البيت ؟! وكيف يقومُ بالواجب؟
وقد يكملُ مشوارَهُ في عسفِ زوجتهِ وقهرها، من خلالِ التقتيرِ عليها، وغلِّ اليد عن الإنفاقِ, أو الإحسانِ إليها, وقد تتساءلُ أخي الكريم ولماذا يُقترُ عليها ؟ألانه فقيرٌ وراتبهُ يسير ؟ أم لأنَّه مشغولٌ بالصدقاتِ وتفقدِ المحاويج ؟
والجواب : كلاَّ , كلاَّ ، ولكنَّه يدخرُ رواتبَه, ويجمعُ دراهمه استعداداً للسفر كما هي عادتُه كلَّ إجازة, فحبُ السفرِ يجري في دمه وينبضُ في عروقهِ, فمرة في الكاريبي، وأخرى إلى مدريد، وثالثةً في باريس، ورابعة إلى سنغافورة .
كثيرُ الأسفار، دائمُ الترحال كالطير، لكنَّ الطائرَ البهيم أكثرُ ذكاءً منه، فهو يغدو خماصاً ويَروحُ بطاناً, أمَّا صاحبُنا فيغدوا بطاناً ويروحُ خماصاً, يذهبُ بكدِّ السنةِ كلِّها, فينفقُه في شهرٍ أو شهرين, يعودُ بعدها صفرُ اليدين، أشهبُ الوجه، منهكُ القوى, كئيبُ النفس، ولك الله أيتُها الزوجةُ الصبور.
ونوعٌ آخر من الأزواج يسلكُ طريقاً غريباً في ظلمِ زوجتهِ وتعذيبِها، من خلالِ التلاعبِ بأعصابِها، والعبثِ بمشاعرِها,والسخريةِ من عواطِفها, حين يظلُ ساعاتَ الليلِ والنهار يُطلقُ نكاتُه السمجة، ومداعباتِه الثقيلة, ويعلنُ عن رغبته المُلحة في الزوجةِ الثانية, فيسمعُ زوجتَه دونَ مراعاةٍ لشعورِها, أو مداراة لأحاسيسها.
أوه ألا ليتَ الزوجةَ الثانية, وما أسعدَ فُلان بزوجته الثانية, وما أسعدَ فُلان بزوجته الثالثة, آواه العينُ بصيرة واليدُ قصيرة, ثم يخاطبُ زوجته فلانة, ألا تخطبينَ لي ألا تزوجيني, إنَّه لا يجيدُ غيرَ هذا الحديث، ولا يُحسنُ سوى هذا الكلام, ولا يتفوهُ إلا بهذهِ القضية، وكأنَّ مشاكلَ المسلمين قد حُلَّت كُلها ولمْ يبق إلا هو ليتزوجَ الزوجةَ الثانية, إمَّا أن ْيكونَ رجلاً فيتزوجُ الأخرى بصمتٍ تام, أو يكفَ عن هذا الزنِّ والضجيج, فليسَ في الزواجِ من الثانية محظورٌ في الشرعِ أو العقل.
ولكنَّ المحظور، كثرةُ اللتِ والعجن، والهراءِ الفارغ المثيرِ للأعصاب، المنرفزِ للشعور, ألا رفقاً بالقوارير أيها الزوج المحترم .
وقريباً من سابقه وأسوأُ منه، عدمُ العدلِ بين الزوجات، وما أكثرَ ما يقعُ هذا لدى المعددين وما أدراك ما المعددون, فبعضُهم يميلُ بقلبهِ ودراهمه نحو الزوجةِ الجديدة, فالمسكنُ الضخمُ من نصيبِها، والخدمُ والحشمُ تحتَ تصرفِها، وأمَّا رفيقةُ العمر وأمُّ الأولاد، ففي البيتِ الشعبي الذي أكلَ الزمانْ عليه وشرب، حتى آلَ إلى السقوط، وأصبحَ مرتعاً للحيواناتِ الأليفة وغيرِ الأليفة.
وقد يحدثُ النقيض، فالزوجةُ الأولى في قصرها المهيب، وفناءِها الفسيح، وبين أثاثِها النادر، وأمَّا الجديدة ففي شقةٍ لا يساوى إجمالي مساحتِها مساحةَ بهو القصرِ الآنفِ ذكره, فأين العدلُ بين الزوجات ؟ أجيبوا أيها المعددون ؟
وأخيراً , فإنَّ أشدَّ أنواعِ الظلم ، وأكثره جوراً أنْ يتحولَ التعسفُ من كونِه ذا صبغةٍ شخصية ، وأذى نفسي ، إلى اتخاذِه ، طابعَ الفتنةِ عن الدين.
كأنْ ينهى زوجتَه عن الصلاة ، أو يأمرَها بالتبرجِ, والسفور ، أو مخالطةِ الرجالِ والأجانب ، أو يدعوها مطالعةِ ما حرَّم الله ، أو السفرِ إلى بلادِ الكفرِ والفساد, أو نحوها ممَّا هو دأبُ من لا خلاقَ له ولا نصيب.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم، واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين,
أمَّا بعدُ:
فقد ساهمَ في وجودِ هذه الظاهرةِ المحزنة ، ثلاثةُ أشخاص .
الأول : وليُ المرأة الذي أضاعَ موليتَه ، يومَ زوَّجها ممن لا يُراعي فيها إلاًّ ولا ذمة.
زوَّجها قبلَ أن يتعرفَ لأيِ فصيلةٍ من الذئابِ ينتمي ، هذا الذي تقدمَ, وطرقَ بابَه يطلبُ يدَ ابنتهِ, فقد غرَّته ابتسامتُه الصفراء ، ووجههُ المصقول ، فَذُهلَ عن كشفِ المغطى، ومعرفةِ المخبأ، فلمْ يسأل عن دينهِ, وخلقه , ولم يعرفْ نشأتَه , ومنهَج حياتهِ ، فسلَّمه فلذةَ كبدِه ، وقطعةَ فؤادهِ ، كيما يذيقَها من العذابِ كؤوساً ، ومن الويلِ دروساً
فهزَّ كيانَها ، وخدشَ كبريائَها، وحطَّم شعورَها, وكسرَ قلبها, وأبدلَها بالعزِّ ذلا وبالسعادةِ بؤساً, كما ساهمَ في صُنعِ المأساةِ ، ذلك المستشارُ الخائن ، يوم جاءُه وليُ المرأةِ ، يستشيرُه, ويسألُه عن ذلك المتقدمِ لابنتهِ , فإذا به يكتمُ عيوبَه , ويسترُ ذنوبَه ويُعظمُ شأنَه , ويرفعُ قدرَه ، ويقسمُ أيماناً مُغلَّظة، أنَّه زينةُ الرجال ,وحمامةُ مسجده ، وعابدُ زمانه ، وزاهدُ عصره, ووحيدُ دهره، فهو لقطةٌ لا تُفوت, وفرصةٌ لا تضيع , لا يُقدرُ بثمن , ولا يُعدلُ بقيمة .
ألا قبَّح اللهُ الغشَّ, وأهلَه
ما لهم لا يَتقون ؟! وإذا اُستشيروا لا يَصدقون, ولا يَنصحون ؟!
أليس المستشارُ مؤتمناً ؟! فلماذا يخونُ الأمانةَ في قضايا حياةٍ ومصير، وعشرةٍ وطولِ صحبة ؟!
ولماذا يستسهلونَ ويسترخصونَ شأنَ النساء ؟ ألسن بشراً من لحمٍ ودم , وإحساسٍ وشعور ؟!
وقد يكونُ المتسببُ في شقاءِ الزوجة ، هي الزوجةَ نفسَها , حين تُصر على الزواجِ من شخصٍ بعينِه، كونُه أخاً, أو قريباً لزميلتِها، التي غرّتها بأخيها, فأخذتْ تكيلُ له المديح، وتُسهبُ له في الثناء .
أخي ما أظرفه, أخي ما أعقله , أخي ما أجمله , أخي ما أوسمه , أخي حنونٌ, بشوش، كريمٌ, ودود, فتطيرُ المسكينةُ فرحاً بفارسِ الأحلام ، يمتطي صهوةَ جوادهِِ الأبيض، يطيرُ بها إلى جنةِ البيتِ السعيد فلا غروَ إذاً ، حين تصرُ المسكينةُ على الزواجِ بذلك السراب وتمنعُ وليها عن السؤال, أو الاستقصاء ، حتى تحصلَ الكارثة ، وتقعَ المصيبة فلا ينفعُ الندم , ولا تُفيدُ الأحزان .
وأخيراً أيها المسلمون : فإنَّ الحلَّ لهذه المشكلةِ ، والعلاجَ لهذه الظاهرةِ ، هو في تطبيقِ المنهجِ النبوي، عند اختيارِ الأزواج.
الحل في تجسيدِ قولهِ عليه الصلاةُ والسلام, واقعاً, محسوساً يومَ قال : (( إذا أتاكم من ترضون دينه, وأمانته فزوجوه , إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)) [1] .
هذا قبلَ وقوعِ المشكلةِ أصلاً ، أمَّا إذا وقعتْ, وحصلَ الذي حصل ، فالحلُّ يكونُ بمحاولةِ إصلاحِ الزوج ، وتصحيحِ أخطاءهِ ، فالله يقول : (( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا )) فإن تعذر ذلك ((فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان )) .
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة،
اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مهتدين,لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين، يا ربَّ العالمين, ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين، وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين.
وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي
اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور، وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
[1] رواه ابن ماجة (1967) من حديث أبي هريرة t .
ـــــــــــــــــــ(47/100)
دور الأسرة في تربية المرأة 2 / 2
تحدث فضيلة الشيخ في المقال السابق عن دور الأب أو الأخ ، و دور الزوج و دور الأم في تربية ابنتها وفي هذا المقال سيتحدث بإذن الله تعالى عن معوقات البناء و قدوات بانيات . إدارة الموقع
رابعاً : معوقات البناء :
1– إنعدام القدوة الحسنة : إن المنهج الذي نريد أن نربي بناتنا على ضوئه لابد له من مطيق في ساعة الواقع حتى يتحول إلى حقيقة وهذا هو الذي نسميه القدوة الحسنة والمثل الطيب ، وعندما ينعدم القدوة الحسنة فكيف نستطيع أن نربي بناتنا عندما ترى البنت أمها وأباها وقد تخلوا عن تعاليم الإسلام فإنه من الصعوبة أن تتمسك هي بها .
2- التناقض في البيت والمجتمع : إن مجتمعنا يعيش تناقضاً مذهلاً يحير العقول فمن مناد بعفاف المرأة وحشمتها إلى مناد بتحللها وسفورها ، ومن متمسك بالدين إلى مفرط فيه ، كما أن البنت تقرأ عن الفضيلة والاحتشام ثم ترى صوراً عارية بعيدة عن الحشمة ، والبنت تسمع عن الأخلاق الحميدة وترى الأخلاق السيئة ، والبنت تسمع والدها ينهى عن الاختلاط والسفور ثم تراه يقابل الخادمة ويختلط بها وهي سافرة .
والبنت تسمع والدها وأمها ينهيان عن الخلوة بالرجال ثم تفاجأ بإرسالها إياها مع السائق لوحدها .
إن هذا التناقض العجيب من شأنه أن يفسد تربية البنت ويعيق من استمرارها على الأخلاق الحميدة ، ويزرع فيها بذور الأخلاق السيئة .
3- سوء التوجيه : هناك بعض الأسر التي لا تستطيع أن توجه بناتها إلى ما ينبغي فعله وترك مالا ينبغي فعله ، وهناك ممن يستطيع التوجيه لا يحسن هذا التوجيه فيخطئ كثيراً ، فيوجه الأب ابنته إلى التعلم في مكان مختلط وهو بهذا يظن أنه قد وجه ابنته إلى ما يحسن وضمن بهذا مستقبلها ولم يعلم أنه إنما رماها بمستنقع قذر .
4- وسائل الإعلام: وهذه لها الأثر الكبير في إعاقة منهج التربية الإسلامي ، وهي بشتى أنواعها تلفاز أو إذاعة أو صحف ومجلات تعمل على هدم الأخلاق وإعاقة منهج التربية الإسلامي وذلك بما تبثه من حقائق زائفة وتشجيع للاختلاط والتبرج ، وتبرم من الحجاب ومناداة بعمل المرأة وحريتها ، وإشادة بالمتحللين والمتحللات من فنانين وفنانات وممثلين وممثلات وإظهارهم وإظهارهن بمظهر القدوة التي ينبغي الاقتداء بها .
والبنت عندما ترى صور العاريات في وسائل الإعلام المختلفة يراها أبوها أو أخوها أو زوجها تظن أن هذا هو المطلوب وأن هذا هو الصحيح فتميل إلى تقليده.
5- مناهج التعليم : إن مناهج التعليم تنظر إلى الرجل والمرأة نظرة واحدة لا تفرق بينا فالمرأة تتعلم ما يتعلمه الرجل إلا في الأمور الشاقة عليها كالتربية البدنية وعندما تعلم المرأة هذا التعلم أليس من المتوقع أن المرأة ستبتعد عن فطرتها وعن تكوينها وعن دينها أيضاً ؟ أليس من المتوقع أنها لن تعرف شيئاً مما يخصها في أمور العبادات والمعاملات ، أليس من المتوقع أنها سوف تشعر بتساويها مع الرجل في مثل هذه العلوم وأنها ينبغي أن تعمل ما يعمله الرجل لأنها تعلمت ما تعلمه الرجل ؟ كل هذا وارد ومحتمل وكل هذا عائق من عوائق منهج التربية الإسلامي .
6- ما اعتاده الطفل من عادات غير سليمة : إن العادة يصعب اقتلاعها من النفس و كذلك فإن الطفل إذا اعتاد شيئاً صعب انتزاعه منه ومن معوقات التربية أن الطفلة تعتاد على عادة غير سليمة كأن تعتاد على لبس القصير من الثياب وتعتاد الخروج من المنزل لغير حاجة ، وتعتاد مقابلة الرجال في الشارع دون حياء إن مثل هذه العادات يصعب اقتلاعها ولذلك فهي تشكل معوقاً من معوقات التربية الإسلامية الصحيحة.
7- الأساليب الخاطئة في التربية : إن الأساليب الخاطئة في التربية قد تمنع من تربية الطفل تربية صحيحة ومن الأساليب الخاطئة التي نراها الإفراط المتزايد من الأبوين في التسامح والتساهل مع البنت إذا أخطأت .
وكذلك من الأساليب الخاطئة التدليل الزائد للطفلة .
وكذلك من الأسباب الخاطئة القسوة والصرامة والشدة المتناهية من الأبوين تجاه الطفلة . ولذلك فإن الجانب الوسط هو المطلوب .
8- أخذ تعاليم الإسلام على أنها عادة وتقليد لا عبادة : وهذا هو السبب في أن كثيراً من المتحجبات نزعن الحجاب وتهاون في أمره .
ولذا فإنه من المتوقع أن يحدث الكثير من طموح أعداء الإسلام إذا استمرت البنات على أخذ تعاليم الإسلام على أنه عادة وتقليد .
ولذا يجب على الأبوين أن ينبها أولادهما عند البلوغ أو قبله أن هذه الأشياء التي يعملونها إنما يعملونها لأجل مرضاة الله وأنها من تعاليم الإسلام التي ينبغي مراعاتها والقيام بها .
9- البيئة السيئة : قد يعيش في بيئة سيئة ، كأن يكون البيت غير صالح فيه منكرات ووسائل صد عن سبيل الله ، وكذلك قد تكون تعيش بين صديقات سوء يدللنها على الشر ويباعدنها عن الخير .
10- الانفراد : كما أن البيئة السيئة من المعوقات فكذلك الانفراد من المعوقات ، الذئب يأكل من الغنم القاصية ولذا فعليك بالرفقة الصالحة .
11- التسويف : تسوف التوبة والاستقامة وبناء النفس ، حتى أنهي الدراسة حتى أكبر ، حتى أتزوج وهكذا .
12- كثرة الوقوع في المعاصي : لأن المعصية تسبب راناً على القلب ومعصية تجر الأخرى حتى تكثر الطاعات وتألف المعاصي ، مما يصمها عن سماع الناصحين .
13- الاغترار بالحياة الدنيا وقلة ذكر الموت : تهتمم بمظاهر الدنيا ؛ زينة، وجمال وتسريحة ، وقصة ، وأناقة ورشاقة ، مظهر خارجي فقط ، ومكاسب دنيوية ، أما الموت والدار الآخرة فآخر ما تفكر فيه ولو فكرت مرة سرعان ما تطرد هذه الخواطر .
14– التهاون مع النفس : لأن بناء المرأة لشخصيتها يحتاج منها إلى جد واجتهاد ونوع مشقة والنفس تحب الكسل والدعة والبطالة والنوم ، فإذا تهاونت معها لم تستطيعي بناء شخصيتك .
15– ضعف الإرادة ودنو الهمة : تكون عرفت ما هي فيه وتتمنى أن تبني شخصيتها ولكن هذا مجرد تمني أما العمل فلا ، إرادتها ضعيفة ، وهمتها دنية ، أقصى همتها أن تنجح وتتزوج ، أما أن يكون لها همة عالية وإرادة قوية فلا .
16– إشغال النفس بما لا فائدة فيه : كالانشغال بأخبار الناس ، فلانة تزوجت وفلانة طلقت وفلانة حامل وفلانة تخاصمت مع زوجها وآل فلان غيروا أثاث بيتهم وفلانة خطبت وهكذا وكأنها وكالة أبناء .
17– الابتعاد عن مصادر التوجيه : بمعنى أنها لم تسمع توجيهات من أصحاب الخير إما لتهربها منهم وإما لتقصيرهم في الإتيان إليها ولم تسمع شريطاً نافعاً ولم تقرأ كتيباً نافعاً ، لم تناصحها زميلة ، ولم تنكر عليها قريبة ، لم توجهها معلمة ، ولم ترشدها أم ولم يرعها أب ، فمثل هذا كيف تستطيع بناء شخصيتها .
خامساً : قدوات بانيات :
أولاً : في العلم :
حرصت النساء الفضيلات على طلب العلم والتفقه في الدين، تقول عائشة رضي الله عنها ( نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين )
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك ، فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن .. الحديث ) .
فالنساء هنا يطلبن من الرسول أن يعلمهن من أمور دينهن وهذا طلب للعلم ، عائشة رضي الله عنها كانت عالمة يقول أبو موسى ما أشكل عينا – أصحاب رسول الله – حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً، ومن العالمات المسلمات أم زينب فاطمة بنت عباس فقد كانت تحضر مجلس الشيخ ابن تيمية فاستفادت منه ، ووصفها ابن تيمية بالعلم وسرعة الفهم .
ثانياً : العبادة :
تقول عائشة رضي الله عنها ( ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة) .
وعائشة رضي الله عنها تردد ((فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ)) وتدعو وتبكي، وحفصة يقول عنها جبريل إنها صوامة قوامة ، وجويرية تكثر الذكر والتسبيح حتى مر عليها الرسول وهي تسبح خارجاً إلى صلاة الفجر ثم رجع إليها بعد أن أضحى فوجدها في مصلاها على ما هي عليه وتعرفون الحديث .
ثالثاً :الصدقة :
عائشة رضي الله عنها لا تملك إلا تمرة واحدة ومع ذلك تتصدق بها على المرأة التي دخلت عليها مع ابنتها، يقول عنها ابن الزبير كانت تجمع الشيء إلى الشيء ثم تتصدق به، ومرة كانت صائمة فأتاها مال فتصدقت به ولم تبق لها شيئاً حتى تشتري به لحماً تفطر عليه .
وأختها أسماء كانت لا تدع شيئاً يجتمع عندها بل تكثر من الصدقة وزينب كانت تعمل بيدها وتتصدق ، أتاها مال ذات يوم ففرقته كله على أقاربها . الصحابيات حينما أمرهن الرسول بالصدقة جعلت المرأة منهن تلقي من ذهبها صدقة لله .
رابعاً : الدعوة إلى الله :
أم سليم خطبها أبو طلحة وهو كافر فرفضت أن تتزوج به حتى يسلم فإن أسلم فذلك مهرها لا تريد غيره شيئاً تقول له ذلك ترغبه في الإسلام
خامساً : خدمة الزوج :
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدة نساء العالمين كانت تخدم زوجها يقول زوجها علي بن أبي طالب ((كانت ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت من أكرم أهله عليه وكانت زوجتي فجرت بالرحى حتى أثر الرحى بيدها، وأسقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها ، وقمّت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها ، فأصابها من ذلك ضرر فقدم على رسول الله بسبي أو خدم ، قال : فقلت لها : انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأليه خادماً يقر حر ما أنت فيه ، فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده خدماً فرجعت ولم تسأله ، وفي آخر الحديث أن الرسول لم يعطها خادم بل أمرها إذا أوت إلى فراشها أن تسبح ثلاثاً وثلاثين وتكبر أربعاً وثلاثين ) فذلك خير من خادم .
مثال آخر : أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت : تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه ، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء ، وأخرز غربه وأعجن ، ولم أكن أحسن أخبز وكان يخبز جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدق ، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ000 الخ .
سابعاً : خدمة الإسلام :
تعرفين قصة أم عمارة وكيف كانت تدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم في معركة أحد حتى قال : ((ما التفت يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني )) .
وبلغ من شدة دفاعها أن قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم ((ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة )) ، كذلك أم سليم اتخذت خنجراً تقاتل به الذين ينهزمون عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأم حرام بنت ملحان تطلب من الرسول أن يدعو لها أن تكون ممن يجاهد في البحر ، الخنساء وتعرفون قصتها مع أولادها .
ثامناً : حب الرسول صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره :
وفي ذلك قصة إحدى الصحابيات التي قتل زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد فلما نعوا لها قالت فما فعل رسول الله قالوا خيراً يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين ، قالت أرونيه حتى أنظر إليه ، فأشير لها حتى إذا رأته قالت كل مصيبة بعدك تهون .
وقصة الفتاة الأنصارية التي طلب الرسول من أهلها أن يزوجوها جليبيباً وكان رجلاً لا يرغب أحد في تزويجه فتشاور الأب والأم وكأنهم لم يرغبوا بهذا الرجل فلما عرفت الفتاة وعلمت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد ذلك أنكرت على والديها وقالت أتردون على رسول الله أمره ، وأمرت أباها أن يزوجها إياه امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم .
وعموماً النماذج كثيرة يمكن الرجوع إلى كتب السير ففيها المزيد ، ويحسن الإطلاع على كتاب فتيات الصحابة للشيح محمد الدويش فهو كتاب جيد .
ـــــــــــــــــــ(47/101)
ضوابط الحجاب الشرعي
الحجاب الشرعي هو أن تستر المرأة ما يجب عليها ستره من الوجه والكفين، ومواضع الزينة من بدنها، كموضع الكحل والخضاب والسوار والقلادة وغير ذلك مما يستلزم النظر إليه رؤية موضعه من بدن المرأة. فستر هذا كله وإخفاؤه داخل في مفهوم الحجاب الشرعي، إلا لمن استثناهم الله تعالى كما تقدم.
وليس الحجاب ستر الجسم وإظهار الوجه والكفين، كما قد تفهمه بعض النساء تأثراً بدعاة السفور أو تعلقاً بفتوى مجانبة للصواب، وقد ظهر على غلاف بعض الكتب المتعلقة بالحجاب أو بالمرأة عموماً صورة امرأة سترت جسمها عدا الوجه والكفين، مما يوحي بأن هذا هو الحجاب، ولا ريب أن هذا فهم خاطئ يبين وجهه في السطور التالية إن شاء الله [1]
وإذا كان الحجاب يطلق على ستر الوجه واليدين ومواضع الزينة، فهو يطلق – أيضاً- على حجاب المرأة في البيوت بحيث لا يرى منها شيء لا شخصها، ولا لباسها، ولا زينتها، وعلى هذا قوله تعالى: (( إِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ)) (الأحزاب: 53) .
ويستثنى من ذلك خروج المرأة من بيتها لحاجة، كما قال النبي e: ((إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن)) [2].
ويؤكد هذا المعنى نصوص من الكتاب والسنة، تحث المرأة على بقائها في بيتها. وعدم الخروج منه إلا لحاجة، حتى في الصلاة حبّب إليها أن تصلي في بيتها[3]، وإذا خرجت لحاجة فهناك شروط وضوابط لابد أن تتقيد بها، وأهمها:
* أن تتقيد بالحجاب الشرعي.
* وألا تتطيب.
* وأن تغض بصرها.
* وأن يكون خروجها وكلامها بقدر الحاجة.
* وأن يكون طريقها آمناً.
* وألا تركب مع سائق أجنبي.
فإذا اختل شرط منها وخرجت فهي آثمة. وقد دلت النصوص على اعتبار هذه الشروط.
ولتعلم المرأة المسلمة أن الحجاب عبادة وطاعةلله تعالى ولرسوله e تثاب عليه كما تثاب على امتثال أحكام الشرع، لأن الله تعالى أمر به فقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً )) (الأحزاب: 59) .
وكما أنه عبادة فهو وقاية وحماية للمرأة المسلمة، وللمجتمع بأسره؛ لأن الحجاب يساعد على غض البصر الذي أمر الله تعالى به في قوله: ((قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)) ( النور: 30) .
ويساعد على حفظ المجتمع من أسباب الفساد؛ لأنه يقطع أطماع الفساق أصحاب النظرات الجائعة، ويساعد على ستر العورات التي توقظ المشاعر، وتثير كوامن الشهوة، وهذا على عكس المرأة السافرة المتكشفة [4].
[1] انظر معاني الحجاب في (المرأة المسلمة) وهبي سليمان غاوجي، ص193 دار القلم – دمشق.
[2] أخرجه البخاري (1/249) (9/337).
[3] راجع: عون المعبود (2/274، 277). وانظر كتابنا (أحكام حضور المساجد) الفصل الرابع.
[4] المرأة المسلمة ص177.
ـــــــــــــــــــ(47/102)
ـــــــــــــــــــ
تجريد المرأة من مملكتها الحقيقية
إن دينَ الإسلام دينٌ مستهدفٌ من قبل أعدائه في كل زمان ومكان ، فأعداءُ الله ورسولِه والمؤمنين لا يألون جهدًا في تشويه الإسلام ، وإفسادِ أعماله في المسلمين ، بشتى الطرقِ والوسائل ، ويتربصون بالمؤمنين والمؤمنات الدوائرَ بين حينٍ وآخر .
ولقد وجه الكفارُ كل إمكاناتهم الماديةِ والمعنويةِ لمحاربةِ الإسلام ؛ وذلك ببث أفكارهمُ الإلحاديةِ، التي تمحق القيمَ والأخلاقَ ، وقد شاركهم في هذا المضمارِ أناسٌ محسوبون على الإسلام وعلى أهله من المنافقين ، وهنا يكمن الخطرُ ، حيث تأثر هؤلاء المفتونون بأفكار الكفار، وآمنوا بها وسيلةً للرقي والتقدمِ ، واتخذوا من حالة المسلمين الراهنةِ وما هم عليه من تأخرٍ وركودٍ ، وسيلةً للطعن في الإسلام ، وعدمِ صلاحيته نظامًا للحياة ، وإن لم يقولوا ذلك صراحةً ، وإنما يظهرُ ذلك باعتراضهم على بعض شرعِ الله تعالى .
من ذلك : اتهامُهم الإسلامَ بظلم المرأةِ المسلمة ، ومنعِها من حقوقها ، وباحتقارها وإثارتُهم الفتنَ بين المسلمين ، ودعوتُهم إلى تحرير المرأة والمطالبةِ بحقوقها .
فمتبعو الشهوات في الحقيقة يريدون ذهابَ الحياءِ من النساء ليستمتعوا بفتنتهن ويكرهون استقامتهن على الخير والستر، ولذلك يسعون في تحقيقِ ما يريدون بشتى الوسائل بتحريضها على التمرد من قيودِ الرجل والمطالبةِ بالاستقلالية والمشاركةِ في الأعمال .
إن غرضَ المنافقين من حثهم المرأةَ على المشاركةِ في شتى المجالات هو إخراجُها من بيتها لتخالطَ الرجالَ ، وتُظهرَ زينتَها .
وإن استجابةَ المرأةِ لذلك فيه فسادُ الدينِ والأخلاق ، وظهورُ الفتن ، كما هو الحاصلُ في كثيرٍ من بلادِ العالم .
وقد كَتَبتْ إحدى الصحفِ الغربيةِ تقريرًا عن ارتفاعِ نسبةِ الجريمة بين النساءِ المتبرجات ، أو بعبارةٍ أخرى بين ما يسمى بالنساءِ المتحررات .
فقالت الصحيفةُ : إن ارتفاعَ نسبةِ الجريمة بين النساء يوجد بكثرةٍ في حركاتِ التحرر النسائية ، ثم قالت : إن منحَ المرأةِ حقوقًا متساويةً مع الرجل يشجعها على ارتكابِ نفس الجرائم التي يرتكبها الرجل ، بل إن المرأةَ التي تتحررُ تُصبحُ أكثرَ ميلاً لارتكابِ الجريمة [1].
ولتحذر المسلمةُ من المنحدر الذي تردت فيه المرأةُ في بلادِ الكفر باسم الحرية ، فبسبب هذه التسميةِ الزائفة استخدم الرجالُ المرأةَ مصيدةً لجمعِ المال ، ومطيةً لتحصيلِ المتعةِ واللذة ، وبعد أن يستنفذوا منها أغراضَهم يتخلوا عنها ، وتبقى هي وحدَها تعاني من مرارةِ الذُلِ والمهانة .
إن المرأةَ إذا انهارتْ أخلاقُها ، وشذَ سلوكُها ، وآثرت حياةَ التبرج والسفور والعبث والاختلاط ، على حياةِ الطُهر والعفاف ، وانخدعت بالأبواق الماكرةِ والأصوات الناعقة ، فقد انهارت من ورائها الأمةُ ، وانحلت الأسرةُ ، وانتشر الفسادُ ، وعمت الفتنُ ، وضاعت الفضائلُ ، وحلت النكباتُ ، وكثرت الجرائمُ والموبقات ، لأن أكثر ما يفسد الأخلاقَ ؛ تبرجُ النساءِ ، وإظهارُ مفاتنهن أمام الرجال ، عن أسامةَ بنِ زيدٍ رضي الله عنهما قال : قال رسول الله r : (( ما تركتُ بعدي فتنةً هي أضرُ على الرجال من النساء )) رواه البخاري ومسلم عليهما رحمة الله [2] .
إن الواجبَ على المسلمين وخاصةً ولاتَهم ومسئوليهم هو منعُ أسباب الفساد قبل استفحاله ، والنهيُ عن المنكر ، والأخذُ على أيدي السفهاء ، ومنعُهم من خرق سفينة المجتمع ، قبل أن تصيبَ الفتنُ والعقوباتُ الظالمين وغيرَهم . قال الله تعالى : ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ))[3].
نسأل الله تعالى أن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .
[1] المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التقدم ( الطبعة الرابعة 1407 هـ ) للدكتور / عمر بن سليمان الأشقر( ص 27 ) نقلاً عن صحيفة ( النيويورك تايمز ) في إبريل 1975 م .
[2] صحيح البخاري ، كتاب النكاح ، باب : ما يتقى من شؤم المرأة ، حديث رقم : 4808 . وصحيح مسلم ، كتاب الذكر والدعاء ، باب : أكثر أهل الجنة الفقراء ، وبيان الفتنة في النساء ، حديث رقم : 2740
[3] سورة الأنفال ، الآية : 25 .
ـــــــــــــــــــ(47/103)
تنبيه الغيور على تهافت شُبه دعاة السفور
الحمد لله, وأصلي وأسلم على رسول الله وبعد,
فقد أثار دعاةُ السّفور عدداً من الشُبه تأييداً لرأيهم في السّفور وكشف الوجه وهي شُبه ضعيفة الحجة ، واهية الأساس ، لا يعسر على كلّ منصف دحضها بسهولة ، ودمغها بطرفة عين .
الشبهة الأولى :
- يقول بعضهم لو أنّ الدين الإسلامي أمر بستر وجه المرأة لما كان هناك حاجة لأمر الرجال بغض البصر ، فعن أي شيء يغضون أبصارهم ما دامت النساء يرخين الحجاب على الوجوه ؟! .
يقول الشيخ محمد الغزالي[1] – سامحه الله - : (إذا كانت الوجوه مُغطاة فممّ يغض المؤمنون أبصارهم ؟ كما جاء في الآية الشريفة : ((قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبير ٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)). (النور:30) .
أيغضون عن القفا والظهر ؟ الغضُّ يكون عند مطالعة الوجوه بداهة ، وربّما رأى الرجل ما يستحسنه من المرأة فعليه ألا يعاود النظر عندئذ كما جاء في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي – رضي الله عنه - : (( يا علي لا تتبع النظرة النظرة ؛ فإنّ لك الأولى وليست لك الآخرة )) .
الجواب من وجوه :
1- أنّ الدعوى والشبهة المذكورة حجة عقلية لا ينبغي أن تُقدم على الأدلة النقلية الشرعية الثابتة ، ولو كان الدين يؤخذ وفق هذه المسالك العقلانية ، لاضطرب نظامه وتهدّمت أركانه ، واختل توازنه ، وحار أتباعه ! ولكنّه تنزيلٌ من حكيم حميد ، نزل به الروح الأمين .
2- أنّ الأمر بغض البصر لا يبرر كشف النساء لوجوههن لأنّ العليم الخبير ، يعلم أنّ المجتمعات الإنسانية لن تخلو من كافرات سافرات ، ومشركات عاهرات وكتابيات متبرجات ، ومسلمات فاسقات فلزم غض البصر عمن لم يلتزمن الحجاب من هؤلاء وأشباههن .
3- لا أحد يدّعي أنّ الأمر بغض البصر يكون عن المسلمات فقط بل هي عامة والنصوصُ المستفيضة في الكتاب والسُنّة لم تفرق بين مسلمة وكافرة . فكان غضّ البصر مقاماً راسخاً من مقامات السلوك الإسلامي الشريف .
4- إنّ الاحتجاج بآية غض البصر على جواز سفور الوجه منهج غير منضبط ، ومسلك غير محكم وإلا لأبحنا كشف الشعر والنحر بل واليدين والساقين والركبتين لأنّ الرجال ملزمون بغض الأبصار ؟! .
5- أنّ المرأة مهما بالغت في التستر فإنّه قد يحدث في بعض الأحيان أن ينكشف شي رغماً عنها ، كأن تعصف الريح فتكشف شيئاً من أعضائها أو يفاجأ الأجنبي برؤيتها أو تحتاج للكشف ( للخطبة ، أو العلاج أو الشهادة ) فيكون نظر الرجل إليها بقدر الحاجة وما زاد عن ذلك فيكون منهياً عنه .
( الشهب والحراب على من حرّم النقاب ص (111) .
أقوال المفسرين في معنى الآية .
قال ابن كثير (التفسير 6/ 43) : ( هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عمّا حرّم عليهم فلا ينظروا إلا ما أباح الله لهم النظر إليه ، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم ، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحَرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعاً ) .
الشبهة الثانية:
قالوا في قوله تعالى : ((لَا مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ)) . (الأحزاب: 52 ).
فلو كانت الوجوه محتجبة لما أمكنه معرفة حُسن وجوههن ومن ثم الإعجاب بتلك الوجوه الحسناوات !! .
يقول الدكتور يوسف القرضاوي[2] : ( وهذه الآية تقرر أنّه لا يحل للنبي صلى الله عليه وسلم الزواج من بعد ولو أعجبه حسن بعض النساء ، والإعجاب يكون نتيجة الرؤية ، والرؤية تقتضي كشف الوجه ، والمقصود بالرؤية : الرؤية العابرة عند اللقاء بالرجال أو المرور أمامهم .. فمن أين يعجبه حُسْنهن إذا لم يكن هناك مجال لرؤية الوجه الذي هو مجمع المحاسن للمرأة باتفاق ..) .
الجواب عن هذه الشبهة :
1- وكما تقدم في الجواب عن الشبهة الأولى فإنّ المجتمعات الإنسانية لن تخلو من نساء سافرات أما بسبب الديانة كالكتابيات أو الجهل كالأعرابيات أو بسبب صغر السن أو غير ذلك .
فالمحتج بالآية على السفور موغل في تصور وافتراض المثالية في المجتمعات البشرية ، يظن أنّ كلّ المجتمع في شقه النسائي على قلب امرأة واحدة تقوى وورعاً والتزاماً .
وقد غاب عن ذهنه أنّ مجتمع المدينة كان يغصُّ بالكتابيات من قبائل اليهود المشهورة آنذاك كبني النضير وقريظة وقينقاع .
2- إنّنا نتساءل ألا يوجد وسيلة لمعرفة حُسن المرأة إلا برؤيتها المباشرة سافرة ؟ ألا يمكن أن يعرف حسن المرأة بالوصف ، وبواسطة النقل أو الاشتهار والتواتر ؟!
ألم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قوله ( ولا تنعت المرأة المرأة لزوجها كأنه يراها ..
3- قال السيوطي في الإكليل (ص 213) : قوله تعالى : ((ولو أعجبك حُسنهن )) (الأحزاب:52) .
قال ابن الفرس فيه دليل على جواز النظر من الرجل إلى التي يريد نكاحها ) .
الشبهة الثالثة :
أنّ السفور كذلك ضروري في معرفة شخصية المرأة عند الإدلاء بالشهادة أو في حالة الكشف عن الجنايات !
الجواب :
إنّ مسألة تعميم حكم شرعي لعامة الناس لا ينبغي أن يخلط مع مسألة خاصة وحالات خاصة .
فكوننا نحتاج احتياجاً لا مفر منه للكشف عن شخصية امرأة ما للإدلاء بالشهادة أو التحقيق في جناية لا يُخوِّل لنا أن نفتي بجواز سفور كل النساء من أجل حادثة عين ، وخصوصية شخصية !!
والشارع الحكيم لم يُغفل إيجاد الرُّخص عند الحاجة وإباحة المحظورات عند الضرورات فالله يقول : ((وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ)) . (الأنعام:119) .
ومن ذا الذي يمنعُ من القائلين بوجوب ستر وجه المرأة من كشفه عند الحاجة من شهادة أو خطبة أو تحقيق جناية ؟! .
في صحيح البخاري قال سعيدُ بن أبي الحسن للحسن : إنّ نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن ؟ قال : اصرف بصرك عنهن ، يقول الله عز وجل : (( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)) (النور:30) .
الشُبهة الرابعة :
أن كشف الوجه يزيل[3]المشقة في التغطية لا سيما في المناطق الحارة فيكون النقاب رهقاً وعناءً !!
بل إنّ عبد الحليم أبا شقة ليعتبر الحجاب وإن كان للرأس فقط دون الوجه والكفين مصيبة تتطلب الصبر والرضا بالقضاء والقدر .
ففي كتابه تحرير المرأة ( 4/ 229) يقول : ( إن كان في الستر الشرعي لجميع البدن عدا الوجه والكفين والقدمين بعض مشقة على المرأة في الأجواء الحارة فهذا أمر قد كتبه الله على بنات آدم ، وعلى المرأة الصبر والرضا بقضاء الله)!!!
والجواب عن هذه الشبهة
أن نقول : ولنا أن نعكس القضية ؛ فما ذا عساه تكون الحال في البلاد الباردة ألا يكون دفئاً وراحة ؟!!
ثم هل في أحكام الشريعة مشقة والله يقول : ((طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى))
ويقول : (( ماجَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)) . (طه:1) .
ويقول عن نبيه عليه الصلاة والسلام : (( يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (الأعراف: 157) .
وغير ذلك من الآيات الكثيرة .
ثم لو كانت القضايا الشرعية تُعامل بهذه الصورة الفوضوية لساغ لنا أن نهجر المساجد في شدة الحر ونؤجل الحج في المواسم الحارّة وغير ذلك ممّا يؤدي بنا إلى الانسلاخ من شرائعنا ، والتخلص من شعائرنا عياذاً بالله .
الشبهة الخامسة:
ومن الشُبه كذلك بل من الدعاوى الجريئة :
(إنّ تغطية الوجه بالنقاب أو البرقع للطالبات تطرف لا يقره الشرع الإسلامي ، ولا ترتاح إليه اللوائح والتعليمات المدرسية أو الجامعية ، وما هو إلا شذوذ مظهري مريب ) [4] .
بل بالغ أحدهم [5] إلى أبعد من ذلك فزعم أنّ تغطية الوجه بدعة ، وأن من حجبت وجهها آثمة تستوجب العقوبة من الله عز وجل ، ووضع في ذلك كتاباً أسماه : (تذكير الأصحاب بتحريم النقاب) !! .
الجواب عن هذه الفرية :
إنّ هذه الدعوى الجريئة ، والفرية الخطيرة لو صدرت عن شخص مجهول لقلنا جازمين إنّه لم يشم للعلم رائحة ولم يطلّع من التفسير على كتاب واحد ، ولم يتأمل من السُنّة أي حديث ولو كان ضعيفاً أو موضوعاً !! لكن أن يتصدى لهذه الدعوى الغليظة شخص كالغزالي فهو أمر غاية في العجب ، ونهاية في الغرابة !!
فكيف يكون تغطية الوجه بالنقاب أو البرقع للطالبات تطرف لا يقره الشرع الإسلامي ؟!!
دعونا من إعادة ذكر الأدلة التي تناهز الخمسين دليلاً على وجوب تغطية الوجه لعموم النساء ، ونكتفي فقط بما يدّعيه كلُّ مبيحي السفور بأنّ النصوص الواردة في حجاب الوجه خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فنقول فهل كان تغطية عائشة رضي الله عنها التي مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ذات ثمان عشرة سنة فقط – أي أصغر من كثير من طالبات الجامعات التي يشير إليهن الغزالي – أقول هل كان تغطية عائشة لوجهها تطرفاً لا يقره الشرع الإسلامي ؟! أليس حجاب أمهات المؤمنين – على الأقل – محلّ إجماع بين علماء الإسلام كافة ؟! .
أفيجتمعون على تطرف لا يُقرِّه الشرعُ الإسلامي ؟! وهل كانت أمهات المؤمنين – رضي الله عنهن – متطرفات ؟! وهل كان نبيُ الرحمة والشفقة والعدل والوسط متطرفاً ؟!
ثم قوله : ( ولا ترتاح إليه اللوائح ، والتعليمات المدرسية أو الجامعية ) فأقول متى كانت اللوائح والتعليمات المدرسية أو الجامعية حاكمة على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ؟
وهل ارتاحت تلك التعليمات واللوائح يوما ما إلى شريعة الإسلام ؟ وهي التي استوردت بعجرها وبجرها من لوائح وتعليمات وقوانين أوربا ؟!
أليس الذي استورد تلك التعليمات واللوائح والقوانين هو طه حسين وشرذمته إبان توليه منصب وزير المعارف في مصر وهو القائل بالحرف الواحد : ( السبيل أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً ، ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها ، حلوها ومرها ، وما يحب منها وما يكره وما يُحمد منها وما يُعاب ) (الاتجاهات الوطنية 2/ 229)
ثم هل الطالبات في مدارس وجامعات مصر اكتفين بكشف الوجه والكفين أم حسرن عن الشعور والنحور، والأذرع والسيقان ؟!
وهل هذا هو ما يقره الشرع الإسلامي ؟!
أم تتفق فقط مع التعليمات واللوائح الغربية المستوردة ؟! .
ثم قوله : (وما هو إلا شذوذ مظهري مريب ) !!
فسبحان الله ! أيكون التستر والتصون والعفاف شذوذاً مظهرياً مُريباً ؟!
أيكون حجاب الوجه عن النظرات الجائعة ، واللحظات الخائنة شذوذاً مظهرياً مريباً ؟!
أيكون قول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين ) أي حال إحرامها كما رواه البخاري إقرار لغير المحرمة بالشذوذ المظهري المريب ؟!
ومن العجيب المحير أن يجترئ الغزالي على التصريح بكلام مثل هذا في وقت أجمع العلماء كلهم – حتى مبيحو السفور على مشروعية النقاب وأنّه مستحب على الأقل !
فهل كلُّّ هؤلاء دعاة شذوذ مظهري مريب ؟!
رحم الله الشيخ وغفر له فقد شطح قلمه بما أثلج صدور قوم لم يذرفوا عليه دمعة واحدة بعد موته أو يدعوا له بدعوة صادقة تنفعه في قبره !
أما مناقشة صاحب تحريم النقاب فهي مضيعة وقت مع دخيل على العلم ، متطفل على موائده ، لا يعرف له أصولاً ، ولم يشم له رائحة ، وحسبنا أنّه قول شاذ منحرف لم يُسبق إليه ولم يتابعه عليه أشد المتحمسين إلى السفور من علماء أو علمانيين!!
الشبهة السادسة:
ومن الشُبه أنّ الحجاب الشرعي عادة وعرف وليس تشريعاً !!
يقول د/عبد الحليم أو شقة في ( تحرير المرأة 4/ 229) : ( صحيح أنّ الشارع حين وجد بعض النساء يلبسن النقاب ويألفنه ، وأصبح عرفاً لهن لم ينكر عليهن ، لكنه أيضاً لم يشرع استحسانه ولم يندب إليه ويحض عليه بل تركه تقديراً للعرف والإلف وتوسعة على الناس فيما ألفوه وتعارفوا عليه) بواسطة حجاب المسلمة فؤاد البرازي ص 17 .
قلت : وهي امتداد [6] لافتراءات قاسم أمين القائل: ( إنّ الشريعة ليس فيها نصٌ يوجب الحجاب على الطريقة المعهودة ، وإنّما هي عادة عرضت لهم من مخالطة بعض الأمم فاستحسنوها وأخذوا بها ، وبالغوا فيها ، وألبسوها لباس الدين كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين والدين براء منها) .
الجواب عن هذه الفرية والإفك المبين من وجوه :
الوجهُ الأول :
الزعم بأنّ الشارع لم يشرع للنساء النقاب لا استحساناً ولا ندباً ولا حضاً زعمٌ غير مسبوق لا نعرف عالماً معتبراً قال به قبل أبي شقة ، وهي من أشد أنواع الافتراءات فجاجة وجراءة!!
وقائله إما جاهل بعشرات النصوص من الكتاب والسُنّة الآمرة بحجاب الوجه أو مكابر لا يريد أن يعترف بخطأ مذهبه في السفور فيريد تمريره بطريقة تفتقد منهج البحث العلمي ، وأصالة الحوار الفقهي الرصين .
وإلا فأين هو عن قوله تعالى : (((وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)) (الأحزاب:53) .
أليس في هذه الآية أمرٌ بالحجاب التام ، فضلاً أن تكون استحساناً أو ندباً أو حضاً عليه ؟! وأين هو من قوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ)) (الأحزاب: 59) .
الآية أليس لفظة (يدنين) أمراً دالاً على الوجوب والإلزام فضلاً عن أن تكون استحساناً أو ندباً أو حظاً ؟
وإذا زعم أنها غير دالة على الحجاب فليجب عمّا ذكره في مواضع من كتابه بأنّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مأمورات بتغطية الوجه بدلالة هذه الآية ؟! .
ولا داعي لسوق عشرات الأدلة التي تفرض حجاب الوجه فرضاً لا مجرد استحسان أو ندب أو حض في هذا المكان مرة أخرى .
الوجه الثاني :
أنّه في قوله هذا ، خالف حتى القائلين بجواز السفور ؛ فإنّ أشهر المعاصرين من العلماء المعتبرين وهو علّامة الشام ناصر الدين الألباني يرى استحباب حجاب الوجه ، وإن لم يقل بوجوبه ، فمن العجيب أن يستند أبو شقة إلى كثير من آراء الألباني حين توافق مزاعمه لكنه يتجاهلها تماماً حين تصطدم بآرائه الشاذة وفيما يلي نصّ كلام الألباني والذي يرى أن ستر الوجه ليس مجرد سائغ وجائز بل هو أفضل من كشفه فيقول : (لم يفتنا أن نلفت نظر النساء المؤمنات إلى أنّ كشف الوجه وإن كان جائزاً فستره أفضل ) جلباب المرأة المسلمة ص 28 .
قلت : وقد ساق الألباني ثمانية أدلة شرعية صحيحة ثابتة تدل على أن حجاب الوجه ،رغم إنكاره لوجوب الحجاب فلتراجع في جلباب المرأة المسلمة [7] .
الشبهة السابعة:
ومن الشُبه والدعاوى المريرة ما ذكره الشيخ محمد الغزالي بقوله : ( فهذا الزي المبرقع أو المنقب ليس إلا زيا من صميم الأزياء الجاهلية البائدة ، التي عفا عليها الزمان ، ولم يعد لها اليوم مكان إلا في بعض البلاد المتخلفة أو النامية ولن يبقي فيها طويلاً أمام التطور الوثاب الذي يؤكد ما قاله داعية تحرير المرأة الأول في مصر والشرق العربي قاسم أمين) .[8] .
الجواب عن هذه الدعوى والفرية العظيمة من وجوه :
الوجه الأول :
هل المرأة في الجاهلية كانت متصونة أم متبرجة ؟
لنستمع إلى القرآن وهو يحذر نساء الأمة من مشابهة نساء الجاهلية بقوله : ((وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)) (الأحزاب:33) .
فأيهما نُصّدق القرآن الكريم ، كلام رب العالمين ، أم كلام الغزالي ؟!
صحيح أنّ النساء في الجاهلية كان يُوجد منهن من تنتقب بل وتغطي وجهها عادة وتقليداً لكنّ السمة الغالبة هي السفور والتبرج ولذا نزل قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)) (سورة الأحزاب: 59) .
وهي آية الحجاب كما قال ابن كثير وغيره ، فإذا بمجتمع المدينة تنقلب نساؤه كالغربان من لبس الأكسية السوداء السابقة فهل كان فعل نساء الصحابة بعد نزول الحجاب يعد من أفعال الجاهلية البائدة ؟!
ثم ما بال الشيخ ينتقد المرأة الجاهلية هنا لأنّها متنقبة متصونة ثم تراه ينبري مدافعاً عنها، مادحاً لها في مقالته التي هي بعنوان : (الجاهلية العربية أشرف) حيث يقول : ( إنّ الجاهلية العربية الأولى كانت أشرف من جاهليات اليونان والرومان،لا سيما في الوضع الاجتماعي للمرأة .. إلى أن قال : (أما النظرة إلى المرأة والتشرف بصونها والاستقتال في حمايتها فخلق عربي لا يكاد الرومان أو اليونان القدامى يعرفون شيئاً عنه !! وتدبر قول عمرو بن كلثوم في معلقته
على آثارنا بيضٌ حسانٌ نحاذرُ أن تقسَّم أو تهونَا
إذا لم نحمهنّ فلا بقينا لشيءٍ بعدهنّ ولا حيينا .
الوجه الثاني :
قوله : ( ولم يعد لها اليوم مكان إلا في بعض البلاد المتخلفة أو النامية ) فأقول
وهل الميزان في الحكم على شرعية المظاهر والتصرفات هو مدى تطبيقها أو إهمالها في أرض الواقع ؟!
لنأخذ الشريعة برمتها ونسأل أليست قد غُيّبت بكلّ أحكامها وشرائعها عن بلاد المسلمين كلها إلا ما رحم الله فهل هذا مُسوِّغ للقول بعد صحتها والجزم ببطلانها ؟!
ثم هل النقاب – فعلاً _ لا يوجد إلا في بعض البلاد المتخلفة أو النامية ؟!
ألم يعلم الشيخ أنّ الجماهير المسلمة قد عادت تطالب بصوت جهير يبلغُ الآفاق بتطبيق كل أحكام الشريعة في كل ديار الإسلام وليس الحجاب فقط ؟!
ألم ير الشيخ العودة الجماعية المباركة لفتيات الإسلام إلى الحجاب في كل أنحاء المعمورة حتى أغاظ دعاة الإباحية من أمثال الهالك مصطفى أمين القائل متباكياً على عودة الحجاب في الجامعات المصرية : ( حارب الأحرار في هذا البلد سنوات طويلة لتحصل المرأة على بعض حقها ويظهر أنّ بعض الناس يريدون العودة بنا إلى الوراء ، وقد يحدث هذا في أي مكان ، ولكن لا نفهم أن يحدث في الجامعة مهد التقدم والفكر الحر ) [ أخبار اليوم / نوفمبر 1997 نقلا عن عودة الحجاب ] .
ويقول العلماني المحترق زكي نجيب محمود : ( أصابت المرأة المصرية في أيامنا هذه نكسة ، ارتدت بها إلى ما قبل .. وهناك اليوم عشرات الألوف من النساء (المرتدات !) ينزلقن تطوعاً إلى هوة الماضي ، والمأساة أنّ المرأة تتبرع سلفاً بحجاب نفسها قبل أن يأمرها بالحجاب والد أو زوج) نقلاً عن الولاء والبراء لسيد عبد الغني ص 421 .
ثم ما بالنا نذهب بعيداً لندلل على مدى التشابه بين كلام الشيخ الغزالي ودعاة الإباحية ،والشيخ نفسه يُصرّح باستبشاره وابتهاجه بإمكانية شيوع السفور وفق ما بشر به قاسم أمين داعية تحرير المرأة في مصر والشرق العربي !! (فلا حول ولا قوة إلا بالله ) .
الشبهة الثامنة :
ومن الشبه أنّ حجاب الوجه خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم :
وهذه الشبهة تشبث بها أكثر القائلين بالسفور من غير بينة ولا هدى ولا كتاب منير والله المستعان .
الجواب عن هذه الشبهة
قال شيخ الإسلام رحمه الله – (والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أن الحرة تحتجب والامة تبرز .[9]
قلت:وكلام الشيخ رحمه الله – صريح بأن الحجاب مختص بالحرائر وهذا يدل على دخول عموم الحرائر من نساء الأمة وليس مقصوراً على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهذا واضح بحمد الله .
ثم إن دعوى خصوصية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بحجاب الوجه مردودة من وجوه :
أنه لا دليل البتة على هذه الخصوصية فإنّ غاية ما عند القائلين بهذا القول ظواهر نصوص لا تدل على ما ذهبوا إليه ولا تقوم بها حجة كمثل حديث ابن ساعدة حين تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقدم بها فذهب إليه فأمرت بالدخول فقال : إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا يراهن الرجال ..الحديث .
فنقول : وهذا هو قولنا إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا يراهن الرجال!
لكن هل في قول هذا الصاحب تصريح بأن ما سوى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يجوز رؤيتهن ؟!
أفتعطل عشرات النصوص لعبارة كهذه من غير معصوم أو حجة ؟!!
إن تخصيص أحد من أفراد الأمة بحكم دون باقي الناس يحتاج إلى أدلة صريحة لا محتملة أو متكلفة لأنّ الأصل هو عموم الأحكام الشرعية لكل أفراد الأمة.
سيما في مسألة كهذه دلت عشرات الأحاديث على عدم اختصاص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم بمفردهن .
فليس من التحقيق العلمي ولا من الأمانة العلمية بمكان إلغاء كل تلك النصوص والتشبث بقول محتمل لصاحب أو غيره .
2- إن حاجة نساء الأمة للاحتجاب دفعاً للفتنة ، وقطعاً لبواعث الشر والريبة أولى من حاجة أمهات المؤمنين الطاهرات العفيفات . فلقد نص الله تعالى في آية الحجاب بأن الحجاب أطهر لقلوب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقلوب أمهات المؤمنين فأيهم أحوج إلى الحجاب ؟ نساء النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرات المطهرات ؟ أم نساء الأمة الأضعف إيماناً والأقل خُلُقاً والأرق ديانة ؟
ومن الأولى بأن يُحتجب عنه أهو أبو بكر وعمر ، وعثمان وعلي ، وطلحة والزبير وغيرهم من سادات الأولياء ، وشيوخ العفة والنزاهة أم هم رجال هذه الأزمان ممن أشربت قلوبهم الفتن، واستوطنت المحن ديارهم وأرضهم ؟! .
3- إن جملة من الأحاديث التي سردناها صريحة باحتجاب نساء أخريات لسن زوجات للمصطفى عليه السلام فما جواب المتمحلين عنها بموضوعية وتجرد ؟!
بل ما جوابهم عن قوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (سورة الأحزاب: 59) .
[1] السُنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ص 45.
[2] انظر : النقاب للمرأة بين القول ببدعيته والقول بوجوبه ص 36 .
جاء في كتاب المرأة في الإسلام ريم الخياط ص 47-48.
يقول بعضهم ( لو أنّ الدين الإسلامي أمر بستر وجه المرأة لما كان هناك حاجة لأمر الرجال بغض البصر فعن أي شيء يغضون أبصارهم مادامت النساء يرخين الأغطية على الوجوه ؟ وهو عين ما قاله القرضاوي في( النقاب للمرأة بين القول ببدعيته والقول بوجوبه) ص36
[(47/104)
3] انظر : النقاب للمرأة ص 36 ، د يوسف القرضاوي .
[4] جريدة الأهرام المصرية 2/ فبراير 1981م ، محمد الغزالي عن عودة الحجاب لمحمد المقدم .
[5] انظر : الكتاب لمؤلفه إسماعيل جودة ، أستاذ الطب الشرعي والسموم البيطرية فقد ملأ كتابه سموماً قاتلة !
[6] تحرير المرأة - قاسم أمين _ قبحه الله بواسطة الردود الخمسة ص 7 قلت : وقد تابع أبا شقة غيره من الكّتاب المتعالمين انظر على سبيل المثال : مكانة المرأة ص 92 للدكتور محمد بلثاجي
[7] انظر : ص 104 – 114.
[8] الأهرام المصرية 2/ فبراير 981م بواسطة الردود الخمسة لأحمد محمد الديب ص 7 .
[9] مجموع الفتاوى ( 15/ 372) .
ـــــــــــــــــــ(47/105)
ـــــــــــــــــــ
عندما يتطاول السفهاء على الفضلاء !
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ؛ ليظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون ، وصلى الله وسلم على من بعثه الله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
أما بعد: فقد اطلعت على المقال الذي كتبه الدكتور حمزة بن قبلان المزيني في جريدة الوطن في عددها (1763) الصادر في يوم الخميس الموافق 22/6/1426هـ تعليقا على البيان الذي أصدره عدد من العلماء ، وطلبة العلم في بلدنا العزيز ، ورأيتُ الدكتور ـ هداه الله ـ متعاليا في مقاله ، جريئا على الكلام فيما لا يحسن ، معجبا برأيه ، قد تجاوز الحدود في رد أمور الشرع ، ولمز حملته ، واتهامهم بما هم منه براء ، واقعا في أقبح مما عاب عليهم ؛ فرأيت أنه من المفيد كشف بعض ما احتوى عليه مقاله ، وإلقاء الضوء على شيء من حاله ، ومحله من العلم ليرى مَن اغتر به شيئا من أمره ، وليهلك من هلك عن بينة .
* صدّر الدكتور حمزة مقاله بمحاولة الطعن ، واللمز على أصحاب البيان بأنهم يبجلون أنفسهم بكتابة فضيلة الشيخ ، و فضيلة الشيخ الدكتور ..الخ
قلت: لا يخفى على الدكتور ، ولا القارئ أن تلك العبارة لم يكتبها الموقعون أنفسهم ، وإنما يحصل الاتفاق الإجمالي على البيان ، ويقوم من قام بتنسيق البيان بوضع أسمائهم ، ووظائفهم ، وما يستحقونه من ألقاب .. وليس في هذا تزكية للنفس . وبما أن العلم دين ، والناس لا تقبله من غير أهله جرى ذكر هذه الأوصاف المستحقة لهم ليعرف الناس ممن صدر هذا البيان و"قد علم كل أناس مشربهم" .
وحاول الدكتور أن يظهر شيئا من التقدير لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله الجبرين ، وأنه يشك أنه يرضى بمثل تلك التزكية .. إلا أن هذا التقدير الغريب اختفى لما بدأ الموضوع ، وبدأ اللمز والهمز لكتاب البيان ، وتجهيلهم ، ورميهم بالتقليد .. وغيره !
* لابد من التفريق بين رأي فقهي (لعالم فقيه) - وليس لغيره - اجتهد فرأى جواز قيادة المرأة للسيارة ، وبين رأي عامي يهذي بما لايدري ، أو شهواني يتباكى على أيام كادت أن تجمعه بالمرأة القاعة الواحدة ! قد سخر قلمه ، وجهده ليرى المرأة متبرجة سافرة .
ولا يخفى أن الكلام في البيان منصبٌ على النوع الأخير ، وهذا التفريق الواضح تجاهله الدكتور حمزة ، وجعل الكلام منصبا على قسم واحد ليستدر عطف القارئ ، ويتهم هؤلاء المشايخ بتلك التهم.. ولا يخفى أن هذا تلاعب بالكلام ، وخروج عن حد الإنصاف .
* طغى على مقال الدكتور التهويل ، والاتهام .. ، وانظر هذا المقطع من كلامه -
كيف يجرؤ الموقعون على البيان على وصف بعض مواطنيهم السعوديين، وغيرهم من المسلمين الذين لا يرون رأيهم، بـ"الإفساد" و"الإلحاد"؟ و"النفاق"؟ أيستحق الأمر هذا الشطط كله؟ وتشهد هذه الجرأة على أن البيان قد تجاوز حدود التعبير "السلمي" عن الرأي إلى الوقوع في أشد المحذورات وهو التكفير أو ما يؤول إلى التكفير.اهـ
قلت: على هذا الكلام عدة مآخذ :
أولها: انتزاع هذه العبارات عن السياق التي ذكرت فيه مشوش على فهم معناها الذي سيقت لأجله ، فإنزالها على المخالف للرأي الفقهي كذب على البيان ، وكاتبيه.
ثانيها: أستغرب في رد الدكتور استخدام وصف (مواطنيهم السعوديين) ! فهل يرى الدكتور أن المواطنة السعودية تزكية لحامليها ، وأنه لا يوجد مواطن سعودي مفسد ، ولا مجرم ؟!
ثالثها: وصف الدكتور حمزة التكفير أو ما يؤول إليه بأنه (أشد المحذورات) لا يخلو من أمرين :
1- إما أن يكون الدكتور يعلم أن التكفير أو ما يؤول إليه ليس بأشد المحذورات ، ومع ذلك يستخدم هذا اللفظ ! فيكون في التعبير: كذب ، وتهويل.
2- وإما أن يكون لا يعلم ! فيكون هذا الدكتور جاهلا بمراتب الذنوب ، وعدم معرفته بأبسط أمور التوحيد .
* قال الدكتور : وإذا كان هذا هو خطاب "العلماء وطلبة العلم" فكيف نلوم الشباب الأغرار الذين يتتلمذون عليه فيصل بهم الأمر إلى أنواع ودرجات أخرى من التطرف الذي يمكن أن يَنتج عنه ما نشهده الآن من انتهاك لأمن الوطن وسفك الدماء المعصومة؟ اهـ
قلت: لما عجز الدكتور عن الرد العلمي جاءت محاولة الاستعداء الساذجة على الموقعين بمثل هذا الكلام .
وجهود هؤلاء الفضلاء الموقعين على البيان في نشر الخير ، والوسطية ، والعلم النافع ، لا تخفى ، وهؤلاء الفضلاء ، وغيرهم من أهل العلم هم أول من قام ضد الأفكار المنحرفة من طرفي التطرف في هذا البلد .
* قال الدكتور : ويقوم البيان في حقيقته على مفهوم "الفرقة الناجية" التي يوحي هؤلاء بأنهم يمثلونها. فمع أن الرأي المخالف لما يرونه في مسألة قيادة المرأة للسيارة يراه عدد كبير لا يستهان به من علماء المسلمين في الوقت الحاضر خارج المملكة، وفي المملكة كذلك، إلا أن الموقعين على البيان يرون أنهم هم الوحيدون الذين على الحق أما الآخرون فضالون مضلون.اهـ
قلت: هذا المقطع من المقال هدفه التهويل والتشنيع .. ، ويدل على أن الدكتور (قد) لا يفهم معنى الكلام الذي يستخدمه !
"الفرقة الناجية" يا دكتور "أهل السنة والجماعة" ؛ فكل من كان من أهل السنة والجماعة على اعتقادهم فهو من الفرقة الناجية ، وليست المسألة في فرعيات فقهية ! وسبق أن بينت الفرق بين خلاف فقهي من عالم فقيه ، وبين شهواني متطفل على العلم.
ثم زعم الدكتور: أن قيادة المرأة يجوزها عدد كبير من علماء المسلمين .. الخ
قلت: هذا ادعاء بلا برهان ، ولم تستطع أن تسمي آحادًا من هؤلاء الكثير ! لا في الداخل ولا في الخارج !
ولمعارضك أن يدعي: عكس قولك !
ثم لا بد أن تعلم يا دكتور أن العامي في (الشرعية) واجِبُهُ أن يسأل علماء بلده ، ولا يخرج عن أقوالهم بالتشهي ، كما قد تقرر في علم الأصول .
ثم قول الدكتور : وغيرهم ضالون مضلون .. الخ
قلت: تنزيل هذا على المخالف في الرأي الفقهي كذب عليهم ، وتنزيله على الشهواني الداعي للرذيلة حق مبين.
وإن كان الدكتور استفاد جواز قيادة المرأة للسيارة من وجود قيادتها في غير بلدنا المحروس. فلا يبعد أن يأتينا ـ غدا ـ الدكتور ، أو غيره بجواز الخمر ، أو الرقص ، أو الأضرحة التي يتبرك بها ، وتدعى من دون الله .. فلا يخفى أنه لا يكاد يخلو منها بلد من بلاد المسلمين ، ويوجد عدد ليس بالهين من علماء المسلمين يجوزونها !
* وصف الدكتور: لفكر علمائنا بأنه مغرق في محليته .. الخ
قلت: يجهل الدكتور أو يتجاهل أن مسائل الخلاف تدرس للطلبة في المساجد ، وفي الجامعات ، ولا تكاد تخلوا حلقة علم من ذكر الخلاف بين العلماء قديما وحديثا ، وهذا كتب علمائنا المعاصرين ، ومواقعهم ، ومواقع طلبة العلم ناطقة بعكس زعم الدكتور.
* قال الدكتور: أما السند الفقهي الوحيد الذي يقوم عليه البيان فهو "قاعدة سد الذرائع". والملاحظ أن الموقعين على البيان لم يستندوا في تأصيل هذه القاعدة إلا على ابن القيم. ويبعث هذا على التساؤل عن السبب الذي صرفهم عن النظر فيما يقوله علماء آخرون. ويؤكد هذا الاقتصارُ ما يتصف به المشتغلون بالعلوم الشرعية في بلادنا عموما من الاكتفاء بما يقوله عالم واحد وعدم النظر إلى آراء غيره. وهو دليل على غلبة التقليد على هؤلاء مما يوقعهم دائما ضحية لقصر النظر للأمور. أما لو نظر الموقعون على البيان إلى ما يقوله علماء آخرون لوجدوا آراء أخرى. اهـ
قلت: هذا المقطع من أعجب ما عنده ! وقد كشف لنا مشكورا عن مدى اطلاعه ، وخبرته في العلم الشرعي .
قد لا أبالغ إن قلت: إن كثيرا من المبتدئين في العلم يعرفون أن مسألة "سد الذرائع" مسألة أصولية كبيرة دل عليها : الكتاب ، والسنة ، والعقل ، وقد تكلم فيها العلماء ، وأصلوها قبل أن يُخلق ابن القيم بقرون .
وهذه المسالة الكبيرة مدونة في كتب : (أصول الفقه) ، وكتب (القواعد الفقهية) وما يتبعها من كتب (الفروق) ، (والأشباه والنظائر ) وكتب (مقاصد الشرعية) ، وجاءت عرضا في كتب (التفسير) ، و(شروح الحديث) ، و(الفقه) وقد أفردت بعدد من المؤلفات (1).
قال العلامة الشاطبي في الموافقات 3 /219: .. وهو أصل متفق عليه في الجملة ، وإن اختلف العلماء في تفاصيله ، فليس الخلاف في بعض الفروع مما يبطل دعوى الإجماع في الجملة.
وذكر العلامة القرافي في الفروق 3/406: أن اعتبار سد الذرائع في الجملة مجمع عليه .
وقد ذكر الشاطبي في الموافقات 2/360-364 قرابة العشرين دليلا لهذه القاعدة .
وقبله سرد شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان الدليل على بطلان التحليل ص285 -297 : ثلاثين دليلا لهذه القاعدة ، ثم قال:والكلام في سد الذرائع واسع لا يكاد ينضبط ، ولم نذكر من شواهد هذا الأصل إلا ما هو متفق عليه ، أو منصوص عليه ، أو مأثور عن الصدر الأول شائع عندهم .
و سرد تلميذه العلامة ابن القيم في إعلام الموقعين 3 / 137 -159: ما ذكر شيخه ، وزاد عليه حتى أوصلها إلى تسعة وتسعين دليلا .
وليس المقصود هنا تفصيل القاعدة ، وبيان أحوالها ، والاستدلال لها ، وإنما بيان أن الدكتور خال الذهن منها عندما ظن أن الاعتماد على ابن القيم فيها .
وهذا قرار من مجمع الفقه الإسلامي برقم : 92 ( 9/9) بشأن (سد الذرائع) :
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1- 6 ذي القعدة 1415هـ الموافق 1- 6 نيسان (أبريل) 1995م ، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع سد الذرائع ، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله ، قرر ما يلي
1- سدّ الذرائع أصل من أصول الشريعة الإسلامية، وحقيقته : منع المباحات التي يتوصل بها إلى مفاسد أو محظورات .
2- سدّ الذرائع لا يقتصر على مواضع الاشتباه والاحتياط ، وإنما يشمل كل ما من شأنه التوصل به إلى الحرام .
3- سدّ الذرائع يقتضي منع الحيل إلى اتيان المحظورات ، أو إبطال شيء من المطلوبات الشرعية، غير أن الحيلة تفترق عن الذريعة باشتراط وجود القصد في الأولى دون الثانية.
4- والذرائع أنواع :
الأولى مجمع على منعها : وهي المنصوص عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، أو المؤدية إلى المفسدة قطعاً ، أو كثيراً غالباً، سواء أكانت الوسيلة مباحة أم مندوبة أم واجبة . ومن هذا النوع العقود التي يظهر منها القصد إلى الوقوع في الحرام بالنص عليه في العقد .
والثانية مجمع على فتحها : وهي التي ترجح فيها المصلحة على المفسدة .
والثالثة مخلتف فيها : وهي التصرفات التي ظاهرها الصحة ، لكن تكتنفها تهمة التوصل بها إلى باطن محظور، لكثرة قصد ذلك منها .
5- وضابط إباحة الذريعة : أن يكون إفضاؤها إلى المفسدة نادراً، أو أن تكون مصلحة الفعل أرجح من مفسدته .
وضابط منع الذريعة : أن تكون من شأنها الإفضاء إلى المفسدة لا محالة – قطعاً – أو كثيراً ، أو أن تكون مفسدة الفعل أرجح مما قد يترتب على الوسيلة من المصلحة. اهـ مجلة المجمع (عدد 9، جزء 3 ، ص 5)
وبهذا العرض السريع المختصر يتبين أن الدكتور يتكلم فيما لا يعرف ، و يَتَّهِم وينازع أهل العلم بغاية من الجهل (( بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ)) .
* قال الدكتور في إثبات من خالف في سد الذرائع : ومن ذلك ما أورده السهيلي عن هذه القاعدة (الروض الأُنُف، ص175 : "... ولم يجعل الشافعي الذريعة إلى الحرام أصلاً ، ولا كره شيئاً من البيوع التي تتقى فيها الذريعة إلى الربا ..الخ
قلت: وهذا من إبداعات الأستاذ الجامعي الرائعة التي يُحسد على ابتكارها ، واكتشافها !
ما هو الروض الأنف ؟ ومن هو السهيلي مؤلفه ؟ وكيف توصل الدكتور لهذا النقل المهم الذي خفي على العلماء ؟!
كتاب الروض الأنف: شرح لكتاب السير النبوية لابن هشام .
يعني: الكتاب في السيرة النبوية ، وليس من كتب الأصول التي محل بحث هذه المسألة بها !!
ومؤلف الكتاب هو: أبو القاسم عبد الرحمن السهيلي المالكي النحوي .
والكتاب مطبوع في سبعة مجلدات بتحقيق عبد الرحمن الوكيل .
وهنا وقع للدكتور أمور عجيبة :
أولها: أنه ينقل الرد في مسألة أصولية كبيرة من كتاب في السيرة النبوية.
ثانيها : أن أبا القاسم السهيلي ـ رحمه الله ـ مؤلف الكتاب اشتُهر باللغة ، والأخبار ، كما وصفه من ترجم له (2)، ومعلوم أنه يُرجع في كل فن إلى أهله.
ثالثها: أن أبا القاسم مالكي المذهب ، والدكتور ينقل عنه كلام الإمام الشافعي ، وكتب الشافعي ، وأتباعه في الأصول قد ملأت السهل ، والجبل !
رابعها : أن الدكتور يعزو إلى الروض الأنف هكذا : ص175 .
في أي المجلدات أيها الأستاذ الجامعي ؟! ثم ظهر لي أن الدكتور اعتمد في إخراج هذه المعلومة على برنامج إلكتروني وجد به هذا الخلل ، فهو يُظهر الكتاب في مجلد واحد ! ، ولذا كان عزوه إلى ص175 ! والموضع الصحيح للكلام المنقول في الروض الأنف 3/313 ، وبهذا يتبين أن الأستاذ لا يعرف كتاب الروض الأنف ولا رأته عيناه ! أهكذا يحسن الاعتراض أيها الأستاذ الجامعي؟!
* قال الدكتور: كما تقوم "قاعدة سد الذرائع" على ادعاء علم الغيب ذلك أن من يقول بها يجزم بأن نتيجة أمر ما ستكون على شكل معين ، مع أنه لا يعلم الغيب إلا الله. أما نتائج أي أمر فلن تتضح حتى يحدث ذلك الأمر. اهـ
قلت: كان الأولى بالدكتور أن يستحي من هذا الإيراد الغث ! المخالف للعقل ، والشرع . يا دكتور : أخفي عليك أن كل عاقل يستدل بمقدمات الأمور على نتائجها ؛ أخفي عليك أن دول الغرب والشرق التي يريد (البعض) جاهدا إلحاقنا بها أنشأت ألوف المراكز للدرسات والأبحاث لتحقيق ما تقدر عليه من هذه القاعدة !
ولك أن تعلم أن هذا الإيراد المفحم من ابتكارات الدكتور التي لم يسبقه إليها أحد من علماء المسلمين ، ولا عقلاء العالمين قديما ولا حديثا .
* قال الدكتور: ويتمثل سوء الظن بالناس في فقرات البيان الأخرى. فيخوِّف البيانُ من أن قيادة المرأة للسيارة ستؤدي حتما إلى التبرج والسفور وخلع الحجاب الخ .
قلت: هذا واقع من حال الناس اليوم مع عدم القيادة ، ولعلك تسمع ، أو تطلع على التقارير الكثيرة التي أشارات للأعداد الكبيرة لحالات الخلوة المحرمة ، وحالات الفجور .. وغيرها ، و هذا المقبوض عليه فكيف ما خفي؟! ، وهذه أمور ظاهرة لا ينكرها إلا مكابر .
و لنا عبرة بحال المرأة في دول العالم.
* قال الدكتور: فقد خوِّف الناس من المفاسد التي ستترتب على البرقيات وتعليم الأولاد والبنات والتلفاز والهاتف والصحون اللاقطة للإرسال الفضائي ودمج تعليم البنات بتعليم الأولاد، وأمور أخرى كثيرة.
قلت: بعض هذه الأمثلة القصد منها التشنيع ، ولم يمنعها أحد يعتد به من أهل العلم ، فهذا نوع من الكذب .
ومنها ما لا تُوافق على نتيجته ، فالذي يرى أن القنوات الفضائية لم يكن لها أثر سيئ علينا مطموس على قلبه لا يعرف المعروف من المنكر .
* قال الدكتور: أما احتجاج البيان بضعف المرأة وقلة حزمها وقصر نظرها فينبع من النظرة الدونية للمرأة في الثقافة المحلية التقليدية.
قلت: هل يفهم من هذا أن الدكتور حامل لثقافة (غربية) غير تقليدية ؟ ربما !
وفي كلامه مغالطة ظاهرة ؛ فالمرأة بلا شك أضعف من الرجل ، و شرع الله سبحانه القوامة عليها ، وعدم سفرها بلا محرم .. ، لضعفها ، والمحافظة عليها ، وليست المسالة نظرة دونية ، و هذا الكلام المرمي على عواهنه من الدكتور فيه لمز مبطن للشرع المطهر.
{وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى } {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}
والحق أنها نظرة فطرية مصلحية شرعية ، والنظرةُ الدونيةُ نظرةُ مَن يريدها لعبة لنزواته ، وشهواته ، وليست نظرة من يريد صونها من افتراس السباع.
* ثم ختم المقال بكذبة لطيفة ! فقال: ليس هدفي من هذا المقال الانحياز إلى أحد الطرفين ، بل لتبيين أن حجج معارضي قيادة المرأة للسيارة التي تلبَّس بغطاء شرعي لا تعدو أن تكون دليلا آخر على إغراق بعض المنتسبين إلى العلوم الشرعية في بلادنا في التقليد وعدم المعرفة بالواقع وتأسيس الآراء على سوء الظن بالمسلمين وكيل الاتهامات لهم والنظرة الدونية للمرأة.
قلت: قد بينت أنك لم تفهم ولم تعرف مسألة سد الذرائع ، ولا تدري أين تكلم عنها العلماء ، وأنت لا تعدو أن تكون عاميا في مسائل العلوم الشرعية ، قد تحليت بما لم تعط كلابس ثوبي زور ، وفرض العامي في علوم الشرع أن يسأل أهل العلم كما أرشده ربه { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} لا أن يتعالم ، ويتطاول على حملة العلم ، ويتهجم عليهم بلا وازع ولا حياء .
وأختم كلامي بنقول عن بعض أهل العلم تبين مكان هذا الدكتور ، وأمثاله فيما يتكلمون به ، ومدى جنايتهم على العلوم وأهلها :
قال العلامة ابن حزم الظاهري في مداواة النفوس ص67: لا آفة على العلوم ، وأهلها أضر من الدخلاء فيها ، وهم من غير أهلها ، فإنهم يجهلون ، ويظنون أنهم يعلمون ، ويفسدون ، ويُقَدِّرون أنهم يصلحون.
وقبله قال الإمام الشافعي في الرسالة ص 41 :فالواجب على العالِمِين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا ، وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به ، وأقرب من السلامة له إن شاء الله .
وقال العلامة ابن رجب في الحكم الجديرة بالإذاعة ـ المجموع 1/248ـ :
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " . فأمَر اللهُ ورسولُه بالرد على من خالف أمر الله ، ورسوله ، والرد على من خالف أمر الله ورسوله لا يتلقى إلا عمّن عرف ما جاء به الرسول ، وخَبَره خبرة تامة .
قال بعض الأئمة : لا يؤخذ العلم إلا عمّن عرف بالطلب .
وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم نوعان :
أمر ظاهر بعمل الجوارح ، كالصلاة ، والصيام ، والحج ، والجهاد ، ونحو ذلك .
وأمر باطن تقوم به القلوب ، كالإيمان بالله ومعرفته ومحبته وخشيته وإجلاله وتعظيمه والرضا بقضائه ، والصبر على بلائه .
فهذا كله لا يؤخذ إلا ممن عَرَفَ الكتاب ، والسنة ، ومن لم يقرأ القرآن ، ويكتب الحديث لا نقتدي به في علمنا ، فمن تكلم على شيء من هذا مع جهله بما جاء عن الرسول فهو داخل فيمن يفتري على الله الكذب ، وفيمن يقول الله على ما لا يعلم ، فإن كان مع ذلك لا يقبل الحق ممن ينكر عليه باطله لمعرفته ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بل ينتقص به ، وقال : أنا وارث حال الرسول والعلماء وارثون علمه ، فقد جمع هذا بين افتراء الكذب على الله ، والتكذيب بالحق لما جاء به { فمن أظلم ممن كذب على الله وكذّب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين } فإن هذا متكبر على الحق والانقياد له ، منقاد لهواه وجهله ، ضال مضل ، وإنما يرث حال الرسول من علم حاله ، ثم اتبعه ، فإن من لا علم له بحاله فمن أين يكون وارثه ؟
ومثل هذا لم يكن ظهر في زمن السلف الصالح حتى يجاهدوا فيه حق الجهاد ، وإنما ظهر في زمن قل فيه العلم وكثر فيه الجهل ، ومع هذا فلا بد أن يقيم الله من يبين للأمة ضلاله ، وله نصيب من الذل ، والصغار بحسب مخالفته لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم .
يا لله العجب ، لو ادعى معرفة صناعة من صنائع الدنيا ، ولم يعرفه الناس بها ، ولا شاهدوا عنده آلاتها لكذبوه في دعواه ، ولم يأمنوه على أموالهم ، ولم يمكنوه أن يعمل فيها ما يدعيه من تلك الصناعة ، فكيف بمن يدعي معرفة أمر الرسول ، وما شوهد قط يكتب علم الرسول ولا يجالس أهله ولا يدارسه ؟
فلله العجب كيف يقبل أهل العقل دعواه ، ويحكمونه في أديانهم ، يفسدها بدعواه الكاذبة ؟ اهـ
قلت: سبحان الله كأنهم إنما قالوها عنه !
وأختم تعليقي هذا بكلمة أعجبتني للأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي الشيخ الأستاذ الدكتور صالح المرزوقي في اللقاء الذي أجري معه في جريدة المدينة في عددها (15416) 2/6/1426هـ ، عندما قيل له :
ينادي البعض بإلغاء قاعدة ''سد الذرائع'' لأن لا وجود لها في هذا العصر المتطور، فهي قاعدة قد انتهى زمنها والعمل بها الآن نوع من التخلف والرجعية. ما رأي فضيلتكم؟
فأجاب : ما أظن يا أخي الكريم أحدا من علماء الشريعة يقول بهذا القول ، وإذا كان يقول به أحد من عامة أفراد المجتمع الذين ليسوا من أهل العلم الشرعي فهؤلاء لا يؤبه بقولهم في الأمور الشرعية ؛ لأن لكل تخصص أهله ..
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
تنبيه : الشيخ عبد الرحمن صاحب المقال ليس إمام الحرم .
ـــــــــــــــــــ(47/106)
ــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
(1) مثل :"سد الذرائع وتطبيقاته في مجال المعاملات" للشيخ الدكتور عبد الله بن بيه ، و" سد الذرائع عند الأصوليين والفقهاء " الدكتور خليفة با بكر ، و"سد الذرائع " لمحمد البرهامي ، "قاعدة سد الذرائع وأثرها في تطبيق الأحكام" لسعد السلمي ، و"سد الذرائع في مسائل العقيدة على ضوء الكتاب و السنة" لعبد الله الجنيدي ، و"سد الذرائع و أثره في الفروع الفقهية" للهادي بن الحسين شبيلي ، و"سد ذرائع الزنا للمحافظة على النسل" لمحمود صالح جابر ، و"سد ذرائع الابتداع في مسائل الاعتقاد" العبد اللطيف الحفظي ، وعشرات المقالات في الصحف ، والمواقع الإسلامية.
(2) وفيات الأعيان 3/143، و نكت الهميان 187 ، والديباج المذهب 150، وشذرات الذهب 6/445. .
ـــــــــــــــــــ(47/107)
المرأة المسلمة ماذا يريدون منها
إن دين الإسلام دين مستهدف من قبل أعدائه في كل زمان ومكان ، فأعداء الله ورسوله والمؤمنين لا يألون جهدًا في تشويه الإسلام ، وإفساد أعماله في المسلمين ، بشتى الطرق والوسائل ، ويتربصون بالمؤمنين والمؤمنات الدوائر بين حين وآخر ولقد وجه الكفار كل إمكاناتهم المادية والمعنوية لمحاربة الإسلام ؛
وذلك ببث أفكارهم الإلحادية ،التي تمحق القيم والأخلاق ، وقد شاركهم في
هذا المضمار أناس محسوبون على الإسلام وعلى أهله من المنافقين ، وهنا يكمن الخطر ، حيث تأثر هؤلاء المفتونون بأفكار الكفار ، وآمنوا بها وسيلة للرقي والتقدم ، واتخذوا من حالة المسلمين الراهنة وما هم عليه من تأخر وركود ، وسيلةً للطعن في الإسلام ، وعدم صلاحيته نظامًا للحياة ، وإن لم يقولوا ذلك صراحة ، وإنما يظهر ذلك باعتراضهم على بعض شرع الله تعالى .
من ذلك : اتهامُهم الإسلام بظلم المرأة المسلمة ، ومنعِها من حقوقها ، وباحتقارها ، وإثارتُهم الفتن بين المسلمين ، ودعوتُهم إلى تحرير المرأة والمطالبةِ بحقوقها . فمتبعوا الشهوات في الحقيقة يريدون ذهاب الحياء من النساء ليستمتعوا بفتنتهن ، ويكرهون استقامتهن على الخير والستر، ولذلك يسعون في تحقيق ما يريدون بشتى الوسائل بتحريضها على التمرد من قيود الرجل ، والمطالبة بالاستقلالية والمشاركة في الأعمال .
إن غرض المنافقين من حثهم المرأة على المشاركة في شتى المجالات هو إخراجها من بيتها لتخالط الرجال ، وتظهر زينتها ،
وإن استجابة المرأة لذلك فيه فساد الدين والأخلاق، وظهور الفتن ،
كما هو الحاصل في كثير من بلاد العالم ، وقد كتبت إحدى الصحف الغربية تقريرًا عن ارتفاع نسبة الجريمة بين النساء المتبرجات، أو بعبارة أخرى بين
ما يسمى بالنساء المتحررات ، فقالت الصحيفة : إن ارتفاع نسبة الجريمة بين النساء يوجد بكثرة في حركات التحرر النسائية ، ثم قالت : إن منح المرأة حقوقًا متساوية مع الرجل يشجعها على ارتكاب نفس الجرائم التي يرتكبها الرجل ، بل إن المرأة التي تتحرر تصبح أكثر ميلاً لارتكاب الجريمة[1] .
ولتحذر المسلمة من المنحدر الذي تردت فيه المرأة في بلاد الكفر باسم الحرية ، فبسبب هذه التسمية الزائفة استخدم الرجال المرأة مصيدة لجمع المال ، ومطية لتحصيل المتعة واللذة ، وبعد أن يستنفذوا منها أغراضهم يتخلوا عنها ، وتبقى هي وحدها تعاني من مرارة الذل والمهانة.
إن المرأة إذا انهارت أخلاقها ، وشذ سلوكها ، وآثرت حياة التبرج والسفور والعبث والاختلاط ، على حياة الطهر والعفاف ، وانخدعت بالأبواق الماكرة والأصوات الناعقة ، فقد انهارت من ورائها الأمة ، وانحلت الأسرة ، وانتشر الفساد ، وعمت الفتن ، وضاعت الفضائل ، وحلت النكبات ، وكثرت الجرائم والموبقات ، لأن أكثر ما يفسد الأخلاق ؛ تبرج النساء.
وإظهار مفاتنهن أمام الرجال ، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال :
قال رسول الله r : ((ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء )) رواه البخاري ومسلم عليهما رحمة الله [2] .
إن الواجب على المسلمين وخاصة ولاتهم ومسئوليهم هو منع أسباب الفساد قبل استفحاله، والنهي عن المنكر، والأخذ على أيدي السفهاء ، ومنعهم من خرق سفينة المجتمع ، قبل أن تصيب الفتنُ والعقوباتُ الظالمين وغيرهم . قال الله تعالى : ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) (سورة الأنفال ، الآية : 25 ) .
نسأل الله تعالى أن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .
[1] المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التقدم (الطبعة الرابعة 1407 هـ ) للدكتور / عمر بن سليمان الأشقر (ص 27) نقلاً عن صحيفة (النيويورك تايمز) في إبريل 1975 م .
[2] صحيح البخاري ، كتاب النكاح ، باب : ما يتقى من شؤم المرأة ، حديث رقم : 4808 . وصحيح مسلم ،
كتاب الذكر والدعاء ، باب : أكثر أهل الجنة الفقراء ، وبيان الفتنة في النساء ، حديث رقم : 2740
ـــــــــــــــــــ(47/108)
التبرج خطره وضرره
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً .
((يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون))
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسألون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ))
{ يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }
أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هديُ محمد r وشرَّ الأمور محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ في دين الله بدعه وكل بدعة ضلالة وكل ضلالةٍ في النار .
أيها المسلمون : يقول الله سبحانه وتعالى : { يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس الحجارة عليها ملائكة غلاظٌ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } هذا نداءٌ للمؤمنين من الرحمن الرحيم سبحانه يأمرهم بأن يقو أنفسهم ومن تحت أيديهم من الزوجات والأولاد عذابَ الله والنار الكبرى وإنما تكون الوقاية من النار بتعليمهم أحكام دينهم وأمرِهِم بطاعة الله ورسوله وإبعادهم عن الشر والفساد والوسائل المؤدية إلى ذلك . قال قتادة ـ رحمه الله عند هذه الآية : ( تأمرهم بطاعة الله وتنهاهم عن معصية الله وأن تقوم عليهم بأمر الله وتأمرهم به وتساعدهم عليه ، فإذا رأيت لله معصيةً قذعتهم عنها وزجرتهم عنها ) أهـ [ تفسير ابن كثير 4/412) .
ولقد أكد رسول الله r على هذه المسئولية العظيمة وأخبر أن الرجل ( ربَّ الأسرة ) راعٍ في بيته وأسرته وحافظٍ مؤتمن وهو مسؤول ومحاسب فلقد روى البخاري ومسلم عن النبي r أنه قال : ( ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام الأعظم الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته والرجل راعٍ على أهل بيته وهومسؤول عن رعيته ، والمرأةُ راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم ... الحديث [ البخاري نع الفتح 13 رقم 121/111 /7138 ] .
وعند ابن عدي بسندٍ صحيح عن أنس : ( إنَّ الله سائلٌ كل راعٍ عما استرعاه حفظ ذلك أو ضيعه ) .
أيها المسلمون : ومع أهمية العناية بتربية الذكور من الأولاد إلا أن الاهتمام بالمرأة سواءٌ كانت زوجةً أو بنتاً أو يتيمةً في حجر وليها أمر في غاية الأهمية ذلك أن المرأةَ في عصرنا الحاضر قد استُهدِفت من قبل أعداءِ الإسلام وأذنابهم من المستغربين .
فلقد ركز هؤلاء الأعداء ـ قاتلهم الله ـ على المرأة لعلمهم أنها أسرعُ تأثُّراً وتأثيراً من الرجل وعليه ، فحرّضوها على المطالبة بحريتها ـ زعموا ـ ودعوا إلى خروجها وعملها مع الرجال ، وحسّنوا لها التبرج والسفور والفتنة عن طريق موضات اللباس والمساحيق ، حتى أصبحت سلعةً يَلْعَبُ بها اليهود بغرض التكسّب والدعاية فهم يملكون معامل الأقمشة والعطور والمساحيق .
أيها المسلمون : لقد أمر الإسلام المرأة بالقرار في بيتها وعدم الخروج منه لغير حاجة فإذا احتاجت وخرجت فعليها أن تلتزم بالحجاب الشرعي وأن تبتعد عن أسباب الفتنة والزينة وعن تبرج الجاهلية الأولى .
قال تعالى : { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } فهل تدرون ما تبرج الجاهلية الأولى التي نهيت المسلمات عن فعله ؟
قال مجاهد كانت المرأة تخرج تمشي بين الرجال فذلك تبرّج الجاهلية .
وقال قتادة : كانت لهنَّ مشيةَ تكسِّر وتغنج فنهى الله عن ذلك هذا بعض تبرج الجاهلية الأولى فأين منه تبرج النساء اليوم .
أما وجد من نساءِ المسلمين اليوم من تخرج من بيتها إلى السوق من غير حاجة ، أما وجد منهنَّ من تخرج متزينةً متطيبةً والنبي r يقول : في الحديث الصحيح : (( أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قومٍ ليجدوا ريحها فهي زانية )) . أما وجد منهن من تخرج إلى السوق أو المستشفى أو إلى المناسبات وعليها ثيابٌ شفافة تظهر المفاتن ، فالخمار مع رقته لا يستر جميع الوجه ، والذراعان مكشوفان والأكمام إلى العضدين وكل هذا ليس من الإسلام في شيء .
فأين تربية المرأة على الحجاب والحشمة والحياء يا عباد الله ؟ أين التوجيه والرعاية من الرجل ؟ أين القوامة والغيرة ؟ أين الرجولة والحميّة ؟
قال علي رضي الله عنه : ألا تستحيون ألا تغارون فإنه بلغني أن نساءَكم يخرجن إلى الأسواق يزاحمن العلوج ) فالله المستعان كيف لو رأى الحال عند كثير من نساء المسلمين اليوم والبعض منهن تخرج في زينتها متطيبةً فاتنةً تقف عند صاحب المحل وقد أبدت زينتها بلا حياءٍ ولا خوفٍ من الله . ثم تبدأ بمحادثته لغير حاجة وممازحته بلا حياء والله سبحانه يقول : { يا نساء النبي لستنَّ كأحدٍ من النساء إن تقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً } هذا وهنَّ نساءُ النبي r الطاهراتِ المطهرات المبرأت من الشك والريبة فكيف بغيرهن من النساء الأخريات اللاتي لا يُقَسْنَ بنساء النبي r .
إن التبرج والسفور من أعظم أسباب الفتنة ووقوع الفواحش ولهذا حذّر الإسلام منه ونهى عنه أشد النهي بل قال r : ( صنفان من أهل النار لم أرهما قومٌ معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مميلاتٌ مائلاتٌ رؤسُهنَّ كأسنمة البخت المائله لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ) رواه مسلم [ المختصر ص526 ] .
جعلني الله وإياكم ممن إذا ذُكرَّ تذكر وإذا وُعظ اتعظ .
وأقول قولي ....
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر ، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد : فيا أيها الإخوة المسلمون :
اتقوا الله تعالى وراقبوه واعلموا أنكم غداً بين يدي الله موقوفون وعن أعمالكم محاسبون ، وعن من تحت أيديكم ستسألون { فلا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } .
أيها المسلمون : تبّرج النساء ضررٌ عظيم وخطر جسيم إنه يخرِّب الديار ، ويجلب على أهله الخزي والعار فكم أوقع من فتنة وكم جَرَّ من مصيبة وكم فرّق بين الأحبة ، كم دنّس من شرف وأوقع في تلف فاحفظوا نساءكم رحمكم الله ولا تتركوا لهنَّ الحبل على الغارب فإن المرأة ضعيفةٌ ناقصةٌ عقلٍ ودين إن على الرجال أن يكفُوا النساء مؤنة الخروج إلى الأسواق أو يقللوا منها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً ، وعليهم أن يأتوا بما تحتاجه المرأةُ وهي في بيتها فخيرٌ للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يرونها { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم }
عباد الله : رعايةُ البنات وحفظهنَّ من أسباب الفتن وموارد الهلكة واجبٌ كبير كبير على أولياءهن ومسؤوليةٌ عظمى على الإخوة والآباء ، كيف لا وقد قال الله جلَّ وعلا : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناسُ والحجارة عليها ملائكةٌ غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } .
ولا سيما في مثل هذا الزمن الذي تعددت فيه وسائل الانحراف وضعيف فيه الإيمان وقلة فيه الغيرة عند الكثير من الرجال والنساء .
وصار عددٌ من الفُسّاق يلاحقون بعض النساء في الأسواق . ويزداد الخطر في مثل هذه الأيام ،حيث يعاكس هؤلاء الذئاب الفتيات و لا يرقبون في المؤمنين والمؤمنات عهداً ولا ذمة والعِرْضُ إذا دُنِّسَ لم يجبره مالٌ ولا ندم والسعيد من اتعظ بغيره . والمؤمن صاحب حزمٍ وفطنة وقيام بالأمانة والمسئولية .
هذا وينبغي أن تعلم ـ أيها الوالي ـ أن جهاز الهاتف وفي هذا العصر صار فتنة لبعض الفتيات والشباب حيث تقضي البنت أوقاتاً طويلة وهي تتحدث بهذا الجهاز . وقد تنفرد البنت بجهاز هاتف في غرفتها فيزداد الأمر سوءاً وخطراً وربما خرجت البنت بحجة زيارة زميلاتها وليس الأمر كذلك وقد يكون صحيحاً ولكنهنّ ربما اجتمعن على مكالمات هاتفية سيئة أو أمر آخر لا يقل سوءاً عن سابقه ، وهذه الأساليب التي نوّهت عنها أثبتت الجهات المختصه بأنها وقعت فعلاً ، فاعتبروا يا أولي الألباب .
اللهم أصلح ...
ـــــــــــــــــــ(47/109)
انحراف المرأة أسبابه وعلاجه
إن البعد عن شريعة الله تعالى انحراف وضلال، والمرأة المسلمة التي لا تلتزم بشرع ربها، ولا تتقيد بأحكام – دينها ولا سيما في زينتها ولباسها – على خطر عظيم، يؤدي بفساد الأمم وخراب الديار.
وهذا ما حذّر منه النبي e بقوله: ((ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء)) [1].
وفي حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه -: (( واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل في النساء)) [2].
وهذا أمر مشاهد في عصرنا هذا، فالمرأة فتنة بتبرجها، وإبداء زينتها، وكثرة خروجها من بيتها لغير ضرورة، وهي فتنة – أيضاَ – لأنها قد تحمل زوجها على المعصية، وتكلفه ما لا يطيق من النفقات أو من الكماليات، ونحو ذلك.
ولا ريب أن المرأة إذا انحرفت عن الصراط السوي، وفقدت الرعاية والقوامة وجرت وراء الشهوات، وانغمست في عالم الموضات، صارت معول هدم وفساد، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.
ولا أدري كيف ترضى امرأة شرفها الله تعالى بالإسلام أن تكون كذلك! ولا سيما من كانت عالمة غير جاهلة! إن الإنسان له هفوات، وله زلات، ولكن هذا الإصرار والعناد من المرأة على تقديم مراد النفس على الله تعالى أمر يحتاج إلى عناية،وإنه يستدعي تشخيص الداء، ليتم العلاج لمن أراد الشفاء، إن هناك أسباباً لانحراف المرأة – كالرجل – عن أمر الله وشرعه، وهذه بعض منها :
ضعف الوازع الديني عند كثير من النساء : لأسباب عديدة، من أهمها: فساد البيت الذي نشأت فيه، والمرأة ناقصة في دينها وناقصة في عقلها، فكيف إذا نشأت في أسرة لا تهتم بتنشئة أفرادها على الدين والخلق والفضيلة! ومن النساء من تجهل أشياء كثيرة من أحكام الزينة واللباس! كما تجهل أشياء من أحكام الطهارة والصلاة، ومن النساء من تعرف الكثير من ذلك ولكنها لا تقيم لحكم الشرع وزناً في مقابل تلبية شهواتها، لأنها لا تجد من يقوّم اعوجاجها، ويعالج انحرافها.
تأثرت المرأة المسلمة بالمرأة الغربية : وذلك عن طريق وسائل الإعلام من إذاعة وصحافة وتلفاز ونحوها، حيث دأبت وسائل الإعلام في العالم الإسلامي على نقل صور كثيرة من حياة المرأة الغربية إلى المرأة المسلمة، فأصبحت تحس بالنقص والتأخر تأثراً ببريق حضارة زائفة لا تملك شيئاً من القيم والأخلاق المستمدة من عقيدة صحيحة، ولأن المرأة ضعيفة وسريعة التأثر، فأصبحت تقتبس بالتدريج تلك العادات الفاسدة والتقاليد العفنة، حتى صار الأمر إلى ما نشاهد .
ولا أدل على هذا التأثر من هذا القصور الذي لا تفيق منه نساؤنا في متابعة المستحدثات في عالم الأزياء وأدوات التجميل مما يتغير بالأسابيع والشهور!
توفر المال بأيدي كثير من النساء : عن طريق مرتب تتقاضاه، أو أب أو زوج يبذل المال للمرأة بغير حساب، وتوفر المال بيد المرأة له تأثير كبير في الانحراف بالنسبة للرجل والمرأة، والمرأة لا تعرف قيمة المال، فكيف إذا وجد من العوامل ما يساعد على إنفاقه وتبذيره !
إهمال المسؤول عن المرأة : من أب أو زوج أو أخ ونحوهم القيام بمسئوليته، لأن المرأة – مهما بلغت من العلم والعقل – فهي بحاجة إلى قوامة ورعاية. ولابد لها من قيم يتعهدها بالنفقة وبالرعاية.
إن كثير من أولياء النساء ضيعوا هذه الأمانة، وفرطوا في هذه المسئولية، حتى أن بعضهم يحتاج إلى رعاية. لأنه مصاب بدينه، ومصاب بعقله، لا يعرف من أمر الحياة الزوجية إلا أن له بيتاً يأوى إليه ليستريح ويأكل وينام، ثم يخرج ثانية، وهكذا يقضي حياته لا يدري ما عليه بيته وأسرته من خير أو شر! لا يعرف معروفاً! ولا ينكر منكراً! وإلا فأين الغيرة؟ وأين الرعاية؟ وأين القيام بحق الرعية لامرأة تركب وحدها مع سائق أبيها الأجنبي لتذرع الأسواق طولاً وعرضاً؟! تبدد الأموال! وتفتن عباد الله! لقد ضاعت المسئولية! وتبلد الشعور! حتى صارت هذه الظاهرة السيئة المنكرة من الأمور العادية لدى كثير من الأسر.
إن الأمر جد خطير! يحتاج على معالجة قبل معالجة أمراض الأجسام، ونرى من طرق العلاج ما يأتي:
أن تربّى المرأة المسلمة تربية إسلامية حقيقية منذ الصغر، لتنشأ نشأة طيبة، وتربيتها بإبعادها عن كل ما يأباه الدين الحنيف وتعليمها ما يجب عليها من أحكام دينها، وبيان الآثار السلبية على تبرجها وتبذيرها، وإحاطتها علماً بما يريده أعداء الإسلام من خروجها والقضاء على عفتها، متى كانت قادرة على فهم ذلك واستيعابه.
ولا ينبغي أن نعلل عدم التربية في الصغر على اللباس الإسلامي وغيره بعدم التكليف، لأن وليها مكلف ومطالب بإبعادها عن المحرم – كما ذكره الفقهاء – والصغير يصعب تقويمه بعد الكبر إذا اعتاد شيئاً في صغره.
أن يركز العلماء والخطباء والمحاضرون على الأحكام المتعلقة بالمرأة. لتكون هناك وقفة جادة ضد الدعوات الهدامة التي تظهر بين حين وآخر، تحاول جذب المرأة إلى صفها، ولابد في ذلك – أيضاً – من إبراز مسئولية ولي المرأة، وعظم الدور الذي يطالب به.
وإن الإكثار من الدورات الصيفية للمرأة التي تقوم بها بعض المؤسسات الخيرية ويشرف عليها من هم أهل لذلك – إن الإكثار منها لها أثر طيب ملموس في صلاح المرأة واستقامتها.
على ولي المرأة أن يقوم بواجب الولاية والرعاية، وأن يعلم – يقيناً – أنه مسئول عن أسرته من زوجة وأولاد، قال تعالى: ((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ )) (سورة النساء:34) .
ويقول النبي e: (( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته)) .
وقال عليه الصلاة والسلام: (( إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه أَحَفِظَ ذلك أم ضيعه حتى يسأل الرجل عن أهل بيته)) [3].
قال العيني: "والراعي هو الحافظ المؤتمن، الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره، فكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته، فإن وفّى ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر والجزاء الأكبر. وإن كان غير ذلك طالبه كل أحد من رعيته بحقه [4].
فعلى الولي أن يقوم على من تحت يده بالتربية والتأديب. وكما أنه لا يألو جهداً في النفقة، فيجب ألا يقصر في الرعاية والتربية! وعليه أن يراقب لباس بناته وزينتهنّ ولايدع ذلك لتصرف زوجته لأنها تتأثر بكل جديد وترغب أن تظهر بناتها بمثل ما يظهر غيرهن وكثير من الأولياء لا يفهم الرعاية والولاية إلا أنها توفير الطعام والشراب واللباس والسكن ونحو ذلك، وهذا فهم سقيم ؛
فإن الرعاية والقوامة كما تتضمن ما ذكر، تتضمن أيضاً التقويم والحمل على طاعة الله تعالى، بفعل المأمور اجتناب المحظور.
على المرأة المسلمة أن تؤمن يقيناً بأن القوامة للرجل بنص القرآن والسنة ولا شك أن قوامة الرجال على المرأة وعلى الأسرة عموماً توجب على المرأة طاعة زوجها ما أمرها بطاعة الله تعالى؛ لأجل أن تنتظم أمور الأسرة ويجتمع شملها ويصلح المجتمع؛ لأن صلاح الأسرة صلاح للمجتمع، قال تعالى: (( فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله)).[سورة النساء الآية 34].
فعلى المرأة المسلمة أن تكون من أهل هذه الآية. والصلاح هنا هو صلاح الدين وحسن المعاشرة للزوج، فالصالحات قانتات بحقوق الله تعالى، وحقوق أزواجهن.
وعلى المرأة أن تدرك أن القوامة تكليف قبل أن تكون تشريفاً، وأن تعلم أن القوامة مصلحة لها ،وأن عليها نصيبا من الحفظ والرعاية ، وذلك بأن تكون عوناً لزوجها على تربية الناشئة، وأن تكون قائمة بما أنيط بها من المسئوليات المنزلية، فكما أن الرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته فهي – أيضاً – راعية على أهل بيت زوجها وولده ومسؤولة عنهم.
يقول e: (( والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها )) [5].
وأخيراً على المرأة أن تدرك أن طاعتها لزوجها فيها رضا الله تعالى والفوز بثوابه قال e: ((إذا صلت المرأة خمسها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت)) [6].
على ولاة أمور المسلمين أن يكون لهم دور فعال في موضوع تبرج المرأة، وإنكار هذا المنكر، والغلظة والشدة على من تساهل في ذلك.
يقول ابن القيم – رحمه الله -: ويجب عليه – أي ولي الأمر – منع النساء من الخروج متزينات متجملات، ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات، كالثياب الواسعة الرقاقة، ومنعهن من حديث الرجال في الطرقات، ومنع الرجال من ذلك.
ويقول: وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منزلها. ولا سيما إذا خرجت متجملة بل إقرار النساء على ذلك إعانة لهن على الإثم والمعصية والله سائل ولي الأمر عن ذلك .
ويقول – أيضاً -: ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر. وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة. واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة .
ولا ريب أن إنكار المنكر ليس خاصاً بالولاة وأعضاء الهيئات. وإنما هو واجب على كل فرد من أفراد الأمة، والقيام بذلك سبب لنزول الخيرات ورفع البلاء [7]. نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين، وولاة أمورهم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
[1] أخرجه البخاري (9/137)، ومسلم (17/59) وقارن بين جامع الأصول (4/4) وشرح السنة للبغوي (9/12).
[2] أخرجه مسلم (17/60)، والترمذي (6/428)، وابن ماجة (2/1325)، وأحمد (3/22)، والنسائي في عشرة النساء رقم 387.
[3] أخرجه البخاري (13/111)، ومسلم (12/454)، وأبو داود (8/146)، والترمذي (5/361). انظر: جامع الأصول (4/50). والثاني أخرجه النسائي في عشرة النساء رقم 292 سنده حسن. انظر: الصحيحة 1636.
[4] عمدة القاري (5/273).
[5] تقدم تخريجه.
[6] أخرجه أحمد (رقم 1661) تحقيق أحمد شاكر. والطبراني في الأوسط عن عبد الرحمن بن عوف. قال في مجمع الزوائد (4/306): (وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح) . وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة (6/184)، وأبو نعيم في الحلية (6/308) من حديث أنس بن مالك. انظر: مجمع الزوائد (6/305)، وانظر: آداب الزفاف للألباني ص180.
[7] الطرق الحكيمة لابن القيم ص287. دار المدني للطباعة والنشر. وانظر: مجموع رسائل في الحجاب والسفور ص64.
ـــــــــــــــــــ(47/110)
كيف تقاوم شهوتك ؟
أخي الشاب الكريم :
هذه الشهوة الخفيةَ فتكتْ بالكثيرِ من أمثالكِ ،وقضتْ على العديدِ من أترابكِ ، فتراهم صرعى الشهواتِ ، وسكارى الملذاتِ ، ونحن في زمنٍ يضطربُ محناً ، ويموجُ فتناً ، والقابضُ على ديِنه كالقابضُ على جمرٍِ ،هذه النارُ تلاحقُه في كلِّ مكان ؛ فكيف تحمي نفسكَ من هذه الشهوةِ العارمةِ ، واللذةِ القاتلة؟إن هناكَ عدةُ أسبابٍ لوقايةِ نفسك من هذه الشهوةِ منها:
أولاً : تقوى الله تعالى ومراقبتُه في السرِ والعلنِ ، فُتِلزمُ نفسَك طاعةَ ربك ، وتحذرَها من معصيتِه ، وإعلامُها أنه لا يخفى عليه ضمير ، ولا يعزبُ عنه قطمير ، وأنه يجازي المحسنَ ويكافئ المسيءَ ، و تقوى الله ومراقبتُه سلاحُ المؤمنِ الذي يقيه الفتنَ ويصطبرُ أمامها قال تعالى : (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ )) [ الطلاق :2-3] .
وقال : (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)) [ الطلاق :4] .
وكم من معصيةٍ امتنعَ صاحبُها بسبب تقوى الله كما جاء في الصحيحين عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : (( انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ فَقَالُوا : إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ .. وفيه وَقَالَ الْآخَرُ :اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَتَحَرَّجْتُ مِنْ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا)) الحديث ..
فهذا الرجلُ قد أوشكَ على مقارفةِ الفاحشةِ ، ولم يبقَ بينَه وبينَها إلا شيءٌ يسيرٌ ، ولكن الإيمانَ في قلبهِ تيقظَ بكلمةِ (اتق الله) فانتبه إلى قُبحِ ما هو مقدمٌ عليه ، وتذكرَ أن الله تعالى ، ينظرُ إليه ، فانتصرَ الإيمانُ على الشهوةِ ، وقامَ عنها وهي أحبُ الناسِ إليه . فيا لله ..ما للإيمانِ من سموٍ ، ورفعةٍ وعزيمةٍ ، تَرفعُ الإنسانَ من حضيضِ الشهوةَ إلى علو العفةِ، فما أحوجنا واللهِ لمثلِ هذه القلوبِ الحية ، والنفوسِ الأبية .
ثانياً : أن تغضَ بصركَ عما حرمَ الله عليكَ النظرَ إليه .
يقول الله تعالى : (( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ )) فأمر اللهُ تعالى بغضِ البصرِ لأن البصرَ سهمٌ من سهامِ إبليس .وهو السبيلُ للوقوعِ في الحرامِ . أجريتْ دراسةٌ على نزلاءِ دورِ الملاحظةِ فأجابَ مائةٌ بالمائة بأنهم يشاهدونَ الأفلامَ من خلال الفيديو ، وأجابَ تسعةٌ وتسعون بالمائة أنهم يشاهدونَ الأفلامَ الجنسيةَ ـ عافانا الله وإياكم من ذلك ـ وهذا الذي أوقعَهم في الحرامِ فقد أجابَ ثمانون بالمائةِ منهم أنهم قد فعلوا فعلَ قومِ لوطٍ والعادةَ السيئة .
كلُّ الحوادثِ مبدأُها من النظر ومُعظَمُ النارِ مِنْ مُستَصْغرِ الشَرِرِ
كْم نظرةٍ فعلتْ في قلب صاحبها فِعْلَ السهامِ بلا قوسٍ ولا وترِ
والمرءُ ما دامَ ذا عينٍ يُقَلِبُها في أَعينِ الغِيرِ موقوفٌ على خَطرِ
يَسرُّ مُقلَتَهُ ما ضرَّ مُهجَتَهُ لا مرحباً بسرورِ عادَ بالضررِ
ولذا ضَمنِ النبيُّ r الجنةِ لمن غضِ بصرَهُ كما في حديثِ عبادةَ بنِ الصامتِ ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : قال رسولُ الله r : (( اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمنْ لكم الجنةَ : اصدقوا إذا حدثتم ، وأوفوا إذا وعدتم ، وأدوا إذا ائتمنتم ، واحفظوا فروجَكم ، وغضوا أبصارَكَم ، وكفوا أيديَكم )) .
وجعلَ النبيُّ r غضَ البصرِ من حقِ الطريقِ فقال عندما سأَلَهُ أصحابُه فقالوا : وما حقُ الطريق ؟ قال : " غضُّ البصرِ .." الحديثُ رواه البخاري وقال ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه : ( الإثمُ حوازٌّ القلوبِ ، وما من نظرةٍ إلا وللشيطانِ فيها مطمعٌ ) .
وقال انسُ بنُ مالكٍ ـ رضي الله عنه ـ : ( إذا مرتِ بكَ امرأةٌ فغمضْ عينيِك حتى تُجاوِزَك ) .
ثالثاً : المبادرةُ إلى الزواجِ المبكرِ ولكن من ذاتِ الدين ؛ لكسرِ الشهوةِ وإعفافِ النفس .
يقول الله تعالى: (( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ )) [النور :32] .
وجعلَه النبيَّ r من سنته ، وذلك كما جاء في حكايةِ الرهطِ الذين تقالوا عبادَته r ، وقال أحدُهم : (( أما أنا فأعتزلُ النساءَ فلا أتزوجُ أبدا ..فرد عليه النبي r عليهم وبين أنه : " يتزوجُ النساء " وقال معقباً على ذلك : " فمن رغبَ عن سنتي فليسَ مني)) رواه البخاري ومسلم .
لذا أصبحَ الزواجُ المبكرُ الطريقَ الناجحَ لمشكلاتِ الغريزةِ الجنسية ، والذي يرضى فطرةَ الإنسانِ كلَّ الرضا، لكنْ بشرطِ أن يُرضى الدينُ لدى الزوجين ، جاء في حديث عبد اللهِ بنِ مسعودٍ ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : قال رسول الله r : " يا معشرَ الشبابِ من استطاعَ منكم الباءةَ فليتزوجْ ؛ فإنه أغضُ للبصر وأحصنُ للفرجِ ، ومن لم يستطعْ فعليه بالصومِ فإنه له وجاء "
رابعاً : الصومُ للعاجزِ عن الزواجِ : فهذا علاجٌ ناجحٌ للشهوةِ العارمةِ فمن لم يستطعِ الزواجَ فعليه بالصومِ فإنه له وجاءٌ ، فهو يُعينه على ضبطِ غرائزه ،وكبحِ شهواتِه الجنسية كما قال عليه الصلاة والسلام : ((ومن لم يستطعْ فعليه بالصومِ فإنه له وجاء )) .
خامساً : الصحبةُ الطيبة .
فهم المعينُ بعد الله تعالى على سلوكِ طريقِ الاستقامةِ، قال r : ((المرءُ على دينِ خليلهِ فلينظرْ أحدُكم من يخالل)) .
فهم يذكرونَك إذا نسيت ، وإذا غفلتَ نبهوك ، وإذا أخطأتَ نصحوك ، مجالسهُم تحفُها الملائكة ، وألسنتهُم لله ذاكرة ، وقلوبُهم بالإيمان عامرة ، ولذا أمرَ الله تعالى نبيه r أن يصبرَ نفسَه معهم فقال : (( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)) [ الكهف :28] .
يقولُ عمرُ رضي الله عنه : ( عليك بإخوانِ الصدقِ فعش في أكنافهِم فإنهم زينةٌ في الرخاءِ وعدةٌ في البلاءِ ).
وقال بعضُ السلفِ: ليس شيءٌ أنفعُ للقلبِ من مخالطةِ الصالحينَ والنظرِ إلى أفعالِهم وليس شيءٌ أضرُّ على القلبِ من مخالطةِ الفاسقينَ والنظرِ إلى أفعالهِم. وقال بعضُهم: مجالسةُ أهلِ الصلاحِ تُورثُ في القلبِ الصلاحَ.
سادساً : الابتعادُ عن الأسبابِ التي تُثيرُ الشهواتِ في نفسِك
ولذلك يقول الله تعالى : ((وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى)) [الإسراء : 32] .
نهى الله تعالى عبادَه عن القربِ من الزنى بمباشرةِ أسبابِه ودواعيِه ، فضلاً عن مباشرتِه هو ، للمبالغةِ في النهي عنه ، إذاً فكلُّ وسائلِ الإغراءِ التي من شأنهِا إثارةُ الغرائزِ وإشاعةُ الفواحشِ محرمةٌ لأن ما يؤدي إلى الحرامِ فهو حرامٌ ، ولذلك حرمَ الإسلامُ السفرَ للبلادِ الكفارِ بدون ضرورةٍ ، وحرمَ الخمرَ لأنها أمَّ الخبائثِ ، وحرمَ الإسلامُ الأغنيةَ الماجنةَ ؛ لأن الغناءَ بريدُ الزنى وسماعُها يوقظُ الفتنةَ النائمةَ ويهيجُ الشهوةَ الساكنةَ ، وحرمَ الإسلامُ مشاهدةَ الأفلامِ الساقطةِ والمجلاتِ الهابطةِ وقراءةَ ما يدعو إلى الفاحشةِ ، ويُهيجُ إلى فعلها ،من الأشعارِ ونحوِها ، وحرمَ الاختلاطَ ومصافحةَ النساءِ والخلوةَ بالمرأةِ الأجنبيةِ ؛ كلُّ ذلك صيانةً للأخلاقِ من التهتُكِ ، وللقيمِ من التفككِ ، وللكرامةِ والشرفِ من الابتذالِ والامتهانِ . وحذرَّ من مجالسةِ الأشرارِ ، فكمْ من إنسانٍ ضلَ وانحرفَ بسببِ جليسِ السوءِ ،وفي دراسةٍ أُجريتِ في إحدى دورِ الرعايةِ الاجتماعيةِ أجابَ اثنان وخمسونَ بالمائةِ منهم أن سببَ دخولهِم في الدارِ هم رفقاءُ السوءِ .!!
واحذر مؤاخاةَ الدنئ فإنَهُ يُعدي كما يُعدي السليمَ الأجربُ
وإن ننسى فلا ننسى قصةَ ذلك الشابِ الذي ما زالَ أصحابُه به حتى وافقَ وسافرَ معهَم إلى بلادِ الكفرِ ومع ذلك لم يكن يذهبُ معهم لأماكنِ الباراتٍ ولا إلى حاناتِ الخمور ، فلم يُطيقوا أن يروا صاحبَهم معافى من هذه البلايا حتى أدخلوا عليه امرأةً ، وأغلقوا عليهما البابَ ؛ فمازالتْ به حتى وقعَ عليها ؛ ولكنَّ المفاجأةَ التي تفجعُ القلبَ ، وتُبكي العينَ أن تلك الليلةَ كانت هي الليلةَ الأخيرةَ له فأُحضرَ محمولاً في تابوتٍ نسألُ الله تعالى حسنَ الخاتمةِ ،
فانظر - يا رعاك الله - أثرَ الصحبةِ على هذا المسكينِ الذي أفضى إلى ربه ، فهل تُحبُ أن تكون ضحيةً أخرى لمثل هؤلاءِ القرناء ؟
إذا ما صحبتَ القومَ فاصحبْ خيارَهم
ولا تصحبِ الأردى فتردى مع الردي
وإياكَ وكثرةَ الفراغِ والتفكيرِ في أمورِ الشهوةِ فإنها مُهلكةٌ للشابِ وضياعُ لخيرٍ كثيرٍ بل لعلَهُ بابٌ من أبوابِ الشرِ
إن الفراغَ والشبابَ والجدةْ مفسدةٌ للمرءِ أي مفسدةْ
إنك ـ أخي الشاب ـ إذا اختليتَ بنفسَك وقتَ فراغكِ ، فإنه والحالةُ هذه سَتَردُ عليكَ الأفكارُ الحالمةُ ، والهواجسُ السارحةُ ، والتخيلاتُ الجنسيةُ المثيرة ، فلا تجدُ نفسكَ إلا وقدْ تحركتْ شهوتُك ، وهاجتْ غريزتُك ، أمامَ هذه الموجةِ من التأملاتِ والخواطرِ ؛ فعندئذٍ لا تجدُ بداً من أن تلجأَ إلى هذه العادةِ الخبيثةِ ؛ لتُخففَ من طغيانِ الشهوةِ وتُحدَ من سلطانِها ؛ ولكن لو كنتَ مشغولَ الذهنِ والجسدِ في أمرٍ نافعٍ لما خَطَرتْ ببالِكَ تلك الأفكارُ والهواجسُ ولكنه وحشُ الفراغِ الذي هجمَ عليك وصدق الشافعيُّ بقوله : نفسُك إن لم تشغلْها بالحقِ شغلتْك بالباطلِ . فأكثرْ من ذكرِ الله تعالى وقراءةِ القرآنِ والكتبِ النافعةِ من قصصِ السلفِ الصالح وسماعِ الأشرطةِ المفيدةِ ، فخيرُ ما قُضِيتْ به الأوقاتُ بمثلِ فعلِ الطاعاتِ . قال تعالى : (( وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) (الأحزاب: من الآية35) . قال ابنُ القيمِ رحمه الله: إذا غَفَلَ القلبُ ساعةً عن ذكرِ الله جثمَ عليه الشيطانُ وأخذَ يَعدُه ويمنيه.
سابعاً : أن تتذكرَ ما أعدَّ اللهُ تعالى لأهلِ الشهواتِ المحرمةِ من زنىً ولواطٍ أو غيرِها من العذابِ والنكالِ الأليم
يقول الله تعالى : (( وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً )) (الفرقان:69) .
لا يُكتفى بالعذابِ فقط بل يُصاحبُ هذا العذابَ ذلٌ ومهانة ، وخزيٌ وندامة ،وروى البخاري في صحيحه أن رسولَ الله r قال : (( إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي وَإِنَّهُمَا قَالَا لِي انْطَلِقْ وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا )) وذكر الحديثَ حتى قال : (فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ ، فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا فلما سأل عنهم الملائكةَ ، قالوا : وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي)) فهل تودُ أيها الشابُ أن تكونَ منهم ؟ !!
ماذا أقولُ إذا وقفتُ بموقفٍ فيه الشفيقةُ عنْ رضيعٍ ذاهلُ
قضّيتُ وقتي لاهياً بمشاهدٍ هي فتنةٌ ما اغترَّ فيها عاقل
قضّيتُ عمري بالملاهي لاهياً واللهوُ يُطْربني وقولُ الباطلُ
ماذا أقولُ إذا الجحيمُ تسعرتْ ولها شهيقٌ معْ زفيرٌ هائل
والأرضُ رُجتْ والسماء تَشققتْ والأمرُ أصبحَ ليس فيه تحايلُ
ثامناً : أن تتذكر ما أعد اللهُ تعالى للحافظين فروجهم والحافظات من النعيم المقيم
ومن ذلك النعيمْ التلذذُ بالحورِ العين ، اللاتي هُنَ الكواعبُ الأترابُ ، يُضيءُ البرقُ من بين ثنايَاها إذا ابتسمتْ ، وتَجري الشمسُ من محاسنِ وجههِا إذا برزَتْ ، يرى وجهَه في صحن خدِّها كما يرى في المرآةِ التي جلاَّها صَيْقَلُها ، ويرى مخَّ ساقها من وراءِ اللحم ، ولا يسترُه جلدُها ولا عظمُها ولا حُلَلُها ، لو اطلعتْ على الدُنيا لملأتْ ما بين الأرضِ والسماءِ ريحاً ، ونَصيفُها على رأسِها خيرٌ من الدنِيا وما فيها ، ووصالهُا أشهى إليه من جميعِ أمانِيها ، لا تزدادُ على طول الأحقابِ إلا حسنُا وجمالاً ، ولا يزدادُ لها طولُ المدى إلا محبةً ووصالاً ، مبرأةً من الحيضِ والنفاسِ ، مطهرةً من المخاطِ والبصاقِ والبولِ والغائطِ وسائرِ الأدناس ، لا يفنى شبابُها ، ولا تبلى ثيابُها ، ولا يَخُلَقُ جمالهُا ، كلما نَظرَ إليها ملأتْ قلْبَهُ سروراً ، وكلما حدثُته ملأتْ أُذنَهُ لؤلؤاً منظوماً ومنثورا ، وما ظنُك بامرأةٍ إذا ضَحِكتْ في وجهِ زوجهاِ أضاءتْ الجنةُ من ضَحِكها ،
يقول ابنُ مسعودِ رضي الله عنه : ( إن في الجنةِ حوراءَ يقالُ لها اللعبةُ ، كلُّ حورِ الجنانِ يُعجبن بها ، يَضربَن بأيديهِن على كتفِها ، ويُقلنَ : طوبى لك يا لعبة ، لو يعلمُ الطالبونَ لك لجدوا ، بين عينيها مكتوبٌ من كان يبتغي أن يكونَ له مثلي فليعملْ برضى ربي ).
والمتقونَ بروضةٍ في جنةٍ فيها النعيمُ الدَّائمُّ المتكاملُ
والحورُ تُسمعهم بصوتٍ ناعمٍ ما لذَّ للأسماعِ ويحكَ غافلُ
هذا النعيمُ وفوقَهُ ما جلَّ عنْ دركِ العقولِ وكلُِّ ما يُتَخايلُ
نظرُ العبادِ لربهِمْ من فوقهمْ وكلامهُ هذا النعيمُ الكاملُ
لا تُخدعنَّ فما بدنيانا سوى همٍ وغمٍ أو نعيمٌ عاجلُ
تاسعاً : لا تتهاونْ أخي الشاب بصغائرِ الذنوبِ كالنظرِ إلى الحرامِ ، واستخدامِ العادة السيئة أو الاسترسالِ في التفكيرِ في الشهواتِ أثناءَ خلوتكِ ، فهي البوابةُ لما بعدَها ، والطريقُ الموصلُ إليها ، وهي من خطواتِ الشيطانِ التي حذرَ الرحمنُ من السيرِ على منوالهِا يقول الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ )) (النور: من الآية21) .
ويقول r : ((إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ، كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا فَأَجَّجُوا نَارًا وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا )) رواه أحمد ،يقولُ ابنُ القيمِ : دافعِ الخطرةَ فإنْ لم تفعلْ صارتْ فكرةً، فدافعِ الفكرةَ فإنْ لم تفعل صارت شهوةً فحاربها، فإن لم تفعل صارتْ عزيمةً وهمةً، فإن لم تدافعْها صارتْ فعلاً، فإن لم تتدارَكه بضدِه صارتْ عادةً، فيصعبُ عليكَ الانتقالُ عنها.
عاشراً : أن تتذكرَ أن الله تعالى قد يبتلي أصحابَ الشهواتِ بالأمراضِ الفتاكةِ ، والأوبئةِ المهلكةِ ، والأمراضِ النفسيةِ والعقليةِ .
والقلقِ والاضطرابِ والغمِ والهمِ ، ولا أدلَ على ذلك من انتشارِ هذه الأمراضِ في البلادِ الغربيةِ وما شابههَا من الدولِ الإباحيةِ فنسبُ الأمراضُ الجنسيةِ في تصاعدٍ كمرضِ الإيدزِ والسيلانِ والزهريِ ونحوها .. يقول r : " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا " رواه ابن ماجه . فتصورْ نفسِك قد ابتلاكَ اللهُ تعالى بهذا المرضِ فما موقفُك أمامَ والديك ؟ وما موقفُك أمامَ أقربائِك ؟ وما موقفُكَ أمامَ زملائك وأصدقائك ؟ هذا في الدنيا فكيف بفضيحةِ الآخرة !! نسألُ الله أن يسترَ علينا في الدنيا والآخرة .
الحادي عشر : أن تتذكرَ أيها الشابُ الموفقُ أنكَ مُستهدفٌ بالمخططاتِ اليهوديةِ والصليبيةِ لإفسادِك والقضاءِ على دينِك .
بنشرِ الخلاعةِ والإباحيةِ والتبرجِ والسفورِ والفجورِ، وساعدَهم على ذلك الأقلامُ الفاجرةُ التي تنفذُ مخططاتِ أعداءِ الإسلامِ، بإفسادِ عقائدِ الناس، وإشاعةِ الفواحشِ والمنكراتِ، يقولُ أحدُ أقطابِ المستعمرين: كأسٌ وغانيةٌ تفعلانِ في تحطيمِ الأمةِ المحمديةِ أكثرَ مما يفعلهُ ألفُ مِدْفعٍ، فأغرقوَها في حبُّ المادةِ والشهوات..ولما أفسدَ (كارل ماركس) عقيدةَ الألوهيةِ في نفوسِ الناس ، قيل له : ما هو البديلَ عن عقيدةِ الألوهية ؟ قال: البديلُ هو المسرح، اشغلوهُم عن عقيدةِ الألوهيةِ بالمسرحِ..وما أدراكَ ما المسرحُ في دعوتِه الساخرةِ إلى محاربةِ الأخلاقِ والأديانِ.
فكيفَ تُسلمُ نفسَك لهؤلاءِ الأعداءِ ؟ كيف ترضى لنفسِك العزيزةِ أن تكونَ أداةً تعبثُ بها أيدِي اليهودِ والنصارى ؟ كيف ترضخُ لمن يسعى في حتفِك والقضاءِ على دينِك ؟ أهكذا تكون عزةُ المسلم ؟ أهكذا تكون شهامةُ الأبطال ؟ أهكذا يُذلُ الرجالُ بمثلِ هذه الأداةِ الحقيرة ؟! استعن بالله أيها الشابُ ولا تنسقِ خلفَ الشهواتِ فأنتَ أكرمُ من ذلك وأرفع.
الثاني عشر : أن تدعو الله تعالى أن يكفيَكَ شرَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ ، وتتضرعَ بين يدي مولاك .
فإن الله تعالى إذا رأى من عبدهِ التضرعَ وإظهار الاضطرارِ فإن اللهَ يُجيبُ دعاءه يقولُ اللهُ تعالى : (( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)) (النمل: من الآية62) .
وحينما طلبَ يوسفُ عليه السلام العونَ من ربهِ والتأييدَ والثباتَ استجابَ الله لهُ دعوتَه وأعانَه ونصرَه قال تعالى : (( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ
فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) (يوسف:-33-34) .
الثالث عشر : أن تتوبَ الله تعالى توبةً صادقةً خالصةً .
فإن الله تعالى يُكفرُ عنك السيئات ، بل أعظمُ من ذلك أن يبدلَ الله تعالى سيئاتِك حسناتٍ يقولُ الله تعالى : (( وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً. وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً)) [الفرقان : 68-71] .
وقد يكونُ الانتقالُ من مكانٍ إلى مكانٍ وتغييرُ القرناءِ والأصدقاءِ أكبرَ عونٍ على التوبةِ، والعملِ الصالحِ، كما في قصةِ الرجلِ الذي قتلَ مائةَ نفسٍ، وعندما سألَ عالماً قال له: (من يحولُ بينكَ وبين التوبةِ انطلق إلى أرضِ كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى فاعبدِ الله معَهمُ ولا ترجعِ إلى أرضك، فإنها أرضُ سوءٍ). وكما قيلَ في الحكمةِ في تغريبِ الزاني غيرِ المحصنِ عاماً: وذلك لمفارقةِ أرضِ المعصيةِ التي تُذكرُه بالذنبِ، وحتى يُفارقَ قرناءَ السوءِ، رجاءَ أن تصحَ توبتُه، ويَستقبلَ حياةَ التوبةِ استقبالاً جديدا.
الرابع عشر : أن تعلم يا رعاكَ الله ما الذي يُحاكُ للأمةِ اليوم .
من قتلٍ للإبرياءِ ، وسفكٍ للدماءِ ، وانتهاكٍ للإعراضِ ، وتشردٍ عن الديارِ ، وسلبٍ للأموالِ ، وتدميرٍ للممتلكاتِ ، انظرْ إلى إخوانِك في فلسطين ..ماذا يُحاكُ بهم ، وماذا يخططُ للقضاءِ عليهم ..في كلِّ يومٍ قتلى ..في كلِّ يومِ جرحى ..في كلَّ يومِ ثكلى ..الأقصى يئنُ تحتَ وطأةِ يهود ..أكثرَ من خمسينَ عاماً ..انظرْ إلى إخوانِك في الشيشانِ ..وفي كشميرَ والفلبينَ وإندونيسيا وفي كلَّ مكان
أنّى اتجهتَ إلى الإسلامِ في بلدٍ تجدُه كالطيرِ مقصوصاً جناحاه
أخي الشاب : إخوانُك في كلِّ مكان يقتلونَ ويشردونَ وتُنتهكُ أعراضُهم ،وأنتَ لا تزالُ تبحثُ عن شهوةِ الحرام ..ولذةِ الحرام ..ومشاهدةِ الحرام ..كيف يهنأُ لكَ طعامٌ وإخوانُك هناك تُسفكُ دماؤُهم ..كيف يهنأُ لكَ شرابٌ وإخوانُك هناك يُشردونَ ؟! كيف تهنأُ بنومِ وإخوانُك هناكَ يُعذبون ؟!
إلى متى تَظُل حبيساً لشهواتِك ؟ إلى متى تظلُ عبداًَ لملذاتك ؟إلى متى تظل أسيراً لرغباتِك ؟ إلى متى تظل تلهثُ وراءَ شهوةٍ محرمةٍ !! آه ثم آه ..صرخةُ فتاةٍ مسلمةِ ..حركتْ في المعتصمِ نخوتَه الإيمانية ..فَتَتَحركُ جيوشٌ ..أولهُا من مقرِ الخلافةِ ..وآخرُها إلى عموريةَ ..وصرخاتُ المسلماتِ هنا وهناك ..ولا مجيبَ ..ولا مغيثَ ..
رُبَ وامعتصماهُ انطلقتْ ملءَ أفواهِ الصبايا اليتمِ
لامستْ أسماعَهم لكنْها لم تلامسْ نخوةَ المعتصم
كم من فتاةٍ مسلمةٍ صرخت ..و إسلاماه ..و إسلاماه ..وشبابُنا مشغولٌ بشهواتهِ وسهراتهِ
وطفلةٍ ما رأتْها الشمسُ إذ بَرزتْ كأنما هي ياقوتٌ ومرجانُ
يقودُها العلجُ للمكروهِ كارهةً والعينُ دامعةٌ والقلبُ حيرانُ
لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ إن كانَ في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ(47/111)
فيا شبابَ الإسلام ..( إن أمتَكم اليومَ ليستْ بحاجةٍ إلى مزيدٍ من عشقِ الشهواتِ ..وليستْ بحاجةٍِ إلى من يُذكي أَوَارَ نيرانِ الملذات ..فلدى الأمةِ من الأمراضِ ما يكفيها ،؛ فكيف نزيدُها وهناً على وهن ؟ إن أمتَنا اليومَ بأمسِ الحاجةِ إلى الأقلامِ الجادة ، والهممِ العالية ، والعزائمِ القوية ، والعقولِ المستنيرةِ ، فنحنُ في عصرِ شعارهُ ( إن لم تكنْ آكلاً كنتَ مأكولاً ، وكنْ قوياً تُحترمْ ) وبذلك يرجعً للأمةِ سالفُ مجدِها ، وتتبوأُ مكانَها اللائقِ بها (( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون)) (يوسف: من الآية21) وأخيرا أسألُ الله تعالى بأسمائه الحسنى ، وصفاتِه العلى أن يجنبَنا طُرقَ الردى ، وأن يأخذَ بأيدينا إلى ما فيه صلاحُ ديننَا ودنيانا ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِ العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
ـــــــــــــــــــ(47/112)
الضوابط الشرعية لعمل المرأة
إضافة لما سبق ذكره من ضوابط خروج المرأة،[1] يضاف لها أيضا ما يلي :
أن يكون العمل مباحا :
وبناء عليه لا يجوز للمرأة أن تعمل في قطاع البنوك الربوية، حتى وإن أذن فيه الزوج، وخلا من الاختلاط، لقوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)) (البقرة:278) .
وقوله r : ((لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء )) ([2]).
ومثل ذلك العمل في نمص النساء، أو قص رؤوسهن مثل الرجال، وكالوشم ونحوه، لقوله- عليه الصلاة والسلام- كما في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-: (( لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ)) [3]
ويدخل في العمل المحرم على المرأة :
مزاولة ما كان مختصاً بالرجال :
كالإمامة الكبرى، أو القضاء أو الأذان, أو ما كان فيه امتهان للمرأة، أو خروج عن طبيعتها، كالعمل في كنس الشوارع، أو ما تشبهت فيه بالرجال كالأعمال الشاقة، مثل أعمال البناء ونحوها.
عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: ((لعن رسول الله r المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال))[4].
أما الإمامة العظمى [5]
أجمع فقهاء الأمة منذ العصور الأولى لهذه الأمة، على أنه لا يجوز تولي المرأة الإمامة العظمى ، أو رياسة الدولة في أي بلد إسلامي، اتفق فقهاء الإسلام على عدم جواز تولي المرأة لمنصب الإمامة العظمى، لعموم قوله تعالى: ((الرجال قوامون على النساء)) .
وقوله- عليه السلام-: (( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) [6],
قال إمام الحرمين الجويني : أجمعوا أنَّ المرأة لا يجوز أن تكون إماما.[7]
قال القرطبي في تفسيره : وأجمعوا على أن المرأة لا يجوز أن تكون إماماً، وإن اختلفوا في جواز كونها قاضية، فيما تجوز شهادتها فيه [8]
وأما الإمارة :
أي إمارة بلدة أو إقليم، أو منطقة معينة داخل نطاق الدولة، فهو كذلك ممنوع شرعاً، لذات الأدلة القاضية بمنعها من الإمامة العظمى، لا كبير فرق بينهما، ولما تتطلبه الوظيفتان من الاختلاط بالرجال، ومناقشة أحوال الرعية، والسفر إلى مكان آخر، واستقبال الضيوف الوافدة من الدول الأخرى، وتوديعهم وغيرها مما هو معلوم قبحه في حق النساء.
وأما الوزارة :
فهي كذلك كسابقتها، لا يحل إسنادها للمرأة لذات الأدلة والتعليل المذكور عقبها، بل إن الوزارة في هذا العصر خاصة قد تفوق في أهميتها وحساسيتها الإمارة.
وأما القضاء :
فذهب جماهير أهل العلم إلى اشتراط جنس الذكورة لتولي القضاء، وهو رأي المالكية والشافعية والحنابلة، وجمع من الحنفية منهم زفر، بل حتى أبو حنيفة، فإن المرأة عنده تلي الحكم، فيما يجوز فيه شهادة النساء([9]) وهذا القول هو الصواب لعموم قوله- عليه السلام-: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)).
بل إن المرأة لا تقبل شهادتها في الحدود، فكيف تكون قاضية؟ ومن أدلة هذا القول قوله تعالى: ((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ))(النساء: من الآية34) .
فإذا كانت المرأة لا قوامة لها في بيت الأسرة الصغير، فكيف تكون لها قوامة على المجتمع كله بتوليتها القضاء!!.
بل قد ذكر الماوردي الإجماع على منع المرأة من القضاء، فقال: ( وشذ ابن جرير الطبري، فجوز قضائها في جميع الأحكام، ولا اعتبار بقول يرده الإجماع)[10].
قلت: قد نفى ابن العربي نسبة هذا القول إلى الطبري فقال: ( ونقل عن محمد بن جرير أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية ولم يصح ذلك عنه..)[11]
عضوية مجلس الشورى :
يحرم على المرأة أن تدخل مجلس الشورى، أو تكون عضوة فيه، ذلك أن الشورى ضرب من الولايات العامة، التي هي من خصائص الرجال كما تقرر بالأدلة السابقة، فضلاً عن وجود ذات المحاذير المترتبة على كونها أميرة إقليم أو وزيرة، من اختلاطها بالرجال، وسفرها من بلد إلى آخر، وخوضها في أحاديث مع الرجال، وإهمالها لبيتها وأولادها.
ولم يحدث في عصور الإسلام المتتابعة أن دخلت المرأة مع الرجال مجال الشورى، رغم مرور الحوادث والنوازل العظيمة، ورأسها استخلاف الصديق- رضي الله عنه- مع وجود سائر أمهات المؤمنين أعلم نساء الأمة واتقاهن.
قال الجويني : فمما نعلمه قطعاً أن النسوة لا مدخل لهن في تخير الإمام وعقد الإمامة، فإنهن ما روجعن قط ولو استشير في هذا الأمر امرأة لكان أحرى النساء وأجدرهن بهذا الأمر فاطمة، ثم نسوة رسول الله r أمهات المؤمنين، ونحن بابتداء الأذهان نعلم أنه ما كان لهن في هذا المجال مخاض في منقرض العصور وكر الدهور) [12] .
ويمكننا تلخيص أسباب المنع فيما يلي:
1- أن الشورى عبر مجالسها المحددة من قبل ولي الأمر، هو ضرب من الولايات العامة، ولا يجوز للمرأة أن تتولى شيئاً منها.
1. أن العمل خلال القرون المفضلة وما بعدها إلى عهد قريب معاصر، كان منع المرأة من دخول مجلس الشورى، فهي سنة ماضية، والخروج عليها بدعة محدثة.
2. أن قاعدة سد الذرائع لها أعظم اعتبار في هذه المسألة المهمة، ذلك أن ما يترتب على دخول مجالس الشورى يعني فتح باب التبرج والسفور والاختلاط بالرجال، والمشاركة في اللجان الفرعية وغيرها، والسفر إلى الخارج لزيارة المجالس البرلمانية الأجنبية، كما هو شأن مجلس الشورى الحالي.
3. أن قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، لها أعظم اعتبار كذلك في مسألتنا هذه، فإنه لو قدر وجود مصلحة ما من مشاركة النساء في الشورى، فإن ذلك لا يعدل المفاسد الكثيرة المترتبة على مشاركتهن، ومنها إهمال العمل الأصلي في البيت، وضياع حقوق الأولاد والزوج، وتحقق وقوع الفتنة، سيما مع ضعف التدين وشيوع التبرج.
اعتراضات والرد عليها :
وأما ما يزعمه البعض أن النبي r شاور أم سلمة- رضي الله عنها- يوم الحديبية، حين تأخر الناس عن نحر الهدايا والتحلل من العمرة .
فهذه حادثة عين لم يترتب عليها إنشاء مجلس شورى، وتحديد أعضائه، واحتلال مقعد بجوار الرجال، أو حتى في مجلس مجاور، وإنما هو حكاية أمر واقع من قبل نبينا- عليه السلام- لزوجه أم سلمة في خبائها المصون، فأين هذا ومجالس الشورى بكيفياتها ومباهجها وأنظمتها المعقدة!
وأما مشاورة عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنه- للناس في شأن عثمان وعلي- رضي الله عنهم- حتى شاور العذارى في خدورهن .
فهذه حادثة عين كذلك تتعلق باختيار الإمام الأعظم، المرشح أصلاً من قبل الإمام الأعظم أيضاً، وهو عمر، فعمر كان قد خص الإمارة في النفر الستة، فلما توقف الأمر على عثمان وعلي، كان من تمام ورع وعدل بن عوف أن يشاور حتى النساء في خدورهن، ليطمئن على سلامة الاختيار، بكيفية لم تتطلب مجالس شورى، أو انتخابات برلمانية، أو طقوسٍ وأنظمة محدثة.
[1] وهي : أن يكون خروجها لضرورة أو حاجة ، أن يكون الخروج بإذن وليها ، أن تلتزم بالحجاب الشرعي ، أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهَا عَلَى تَبَذُّلٍ وَتَسَتُّرٍ تَامٍّ ، أن لا يفضي خروجها إلى حرام .
[2] رواه مسلم (1598) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه .
[3] رواه مسلم (2125) وكذا رواه البخاري (4886) .
[4] رواه البخاري (5885) .
[5] توجد رسالة ماجستير بعنوان : ولاية المرأة في الفقه الإسلامي . حافظ محمد أنور . ناقش هذا الموضوع بتوسع فيمكن الرجوع إليه لمن أراد الزيادة .
[6] أخرجه البخاري (7099) .
[7] كتاب الإرشاد ص 427 .
[8] الجامع لأحكام القرآن (1/270)
[9] فتح الباري7/735
[10] الأحكام ص65
[11] أحكام القرآن3/1444
[12] الغياثي للجويني بواسطة حكم تولي المراة الإمامة للأمين الحاج ص
ـــــــــــــــــــ(47/113)
فتنة النساء
الحمد لله رب العالمين،- والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم- تسليماً كثيراً.
مربنا في أول سورة آل عمران قوله تعالى: (( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ)) .
والميل إلى النساء أمر طبعي ركبه الله- عز وجل في غريزة الإنسان، وما دام أنه في الحلال كالزوجة وما ملكت اليمين، وأنه لم يصد عن طاعة الله- عز وجل-، ولم يدفع إلى فعل محرم؛ فإنه أمر لا يعاب عليه الإنسان، بل هو من الأمور المطلوبة في غض البصر وتحصين الفرج وبقاء النسل، والتقوي بذلك على طاعة الله عز وجل، وقد قال r: (( حبب إلي من الدنيا: النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة)) [1].
وقد فصل الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
الفرق بين الحب في الله والحب مع الله تفصيلاً يكشف حقيقة المحبة، ومتى تكون فتنة؟ ومتى لا تكون؟! قال- رحمه الله تعالى-: (والفرق بين الحب في الله والحب مع الله، وهذا من أهم الفروق، وكل أحد محتاج بل مضطر إلى الفرق بين هذا وهذا، فالحب في الله هو من كمال الإيمان، والحب مع الله هو عين الشرك، والفرق بينهما: أن المحب في الحب تابع لمحبة الله، فإذا تمكنت محبته من قلب العبد أوجبت تلك المحبة أن يحب ما يحبه الله، فإذا أحب ما أحبه ربه ووليه كان ذلك الحب له وفيه؛ كما يحب رسله وأنبياءه وملائكته وأوليائه لكونه- تعالى- يحبهم، ويبغض من يبغضهم لكونه- تعالى- يبغضهم.
وعلامة هذا الحب والبغض في الله: أنه لا ينقلب بغضه لبغيض الله حباً، لإحسانه إليه، وخدمته له، وقضاء حوائجه، ولا ينقلب حبه لحبيب الله بغضاً إذا وصل إليه من جهته ما يكره ويؤلمه، إما خطأً وإما عمداً، مطيعاً لله فيه أو متأولاً، أو مجتهداً أو باغياً نازعاً تائباً.
والدين كله يدور على أربع قواعد : حب، وبغض، ويترتب عليهما: فعلٌ وترك، فمن كان حبه، وبغضه، وفعله،وتركه لله، فقد استكمل الإيمان؛ بحيث إذا أحب أحب لله، وإذا أبغض أبغض لله،وإذا فعل فعل لله، وإذا ترك ترك لله، وما نقص من أصنافه هذه الأربعة نقص من إيمانه ودينه بحسبه، وهذا بخلاف الحب مع الله فهو نوعان: [نوع] يقدح في أصل التوحيد: وهو شرك، ونوع يقدح في كمال الإخلاص ومحبة الله، ولا يخرج من ا لإسلام.
فالأول :
كمحبة المشركين لأوثانهم وأنداد هم قال تعالى: (( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ)) [البقرة:165] .
وهؤلاء المشركون يحبون أوثانهم وأصنامهم آلهتهم مع الله كما يحبون الله، وهذه محبة تأله وموالاة، يتبعها الخوف والرجاء، والعبادة والدعاء، وهذه المحبة هي محض الشرك الذي لا يغفره الله.
ولا يتم الإيمان إلا بمعاداة هذه الأنداد وشدة بغضها، وبغض أهلها ومعاداتهم ومحاربتهم؛ وبذلك أرسل الله جميع رسله، وأنزل جميع كتبه، وخلق النار لأهل هذه المحبة الشركية، وخلق الجنة لمن حارب أهلها وعاداهم فيه وفي مرضاته؛ فكل من عبد شيئاً من لدن عرشه إلى قرار أرضه فقد اتخذ من دون الله إلهاً وولياً، وأشرك به كائناً ذلك المعبود ما كان، ولا بد أن يتبرأ منه أحوج ما كان إليه.
والنوع الثاني :
محبة ما زينه الله للنفوس من النساء والبنين، والذهب والفضة، والخيل المسومة والأنعام والحرث، فيحبها محبة شهوة، كمحبة الجائع للطعام، والظمآن للماء، فهذه المحبة ثلاثة أنواع: فإن أحبها لله توصلاً بها إليه، واستعانة على مرضاته وطاعته أثيب عليها، وكانت من قسم الحب لله توصلاً بها إليه، ويتلذذ بالتمتع بها، وهذا حال أكمل الخلق الذي حبب إليه من الدنيا النساء والطيب، وكانت محبته لهما عوناً له على محبة الله وتبليغ رسالته والقيام بأمره.
وإن أحبها لموافقة طبعه وهواه وإرادته، ولم يؤثرها على ما يحبه الله ويرضاه، بل نالها بحكم الميل الطبيعي، كانت من قسم المباحات؛ ولم يعاقب على ذلك، ولكن ينقص من كمال محبته لله والمحبة فيه.
وإن كانت هي مقصودة ومراده، وسعيه في تحصيلها والظفر بها، وقدمها على ما يحبه الله ويرضاه منه، كان ظالماً لنفسه متبعاً لهواه.
فالأولى: محبة السابقين.
والثانية: محبة المقتصد ين.
والثالثة: محبة الظالمين.
فتأمل هذا الموضع وما فيه من الجمع والفرق؛ فإنه معترك النفس الأمارة والمطمئنة، (( والمهدي من هداه الله )) [2].أ.هـ
والحاصل : أن فتنة النساء فتنة عظيمة حذر منها الرسول r بقوله: (( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)) [3]
وكذلك ما رواه أبو سعيد الخدري- رضي الله عنه- عن النبي r قال: (( إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون؛ فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )) [4].
والآثار عن السلف في التحذير من فتنة النساء كثيرة منها ما يلي:
عن أشعث بن سليم قال: سمعت رجاء بن حيوة، عن معاذ بن جبل قال: ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وستبتلون بفتنة السراء، وأخوف ما أخاف عليكم: فتنة النساء إذا تسورن الذهب، ولبسن رباط الشام، وعصب اليمن، فأتعبن الغني، وكلفن الفقير ما لا يجد [5] .
وعن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال: ما يئس الشيطان من شيء إلا أتاه من قتل النساء، وقال لنا سعيد وهو ابن أربع وثمانين سنة، وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعش بالأخرى: ما من شيء أخوف عندي من النساء [6].
وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثنا إبراهيم بن الحسن الباهلي، حدثنا حماد بن زيد قال: قال يونس بن عبيد: ثلاثة احفظوهن عني: لا يدخل أحدكم على سلطان يقرأ عليه القرآن، ولا يخلون أحدكم مع امرأة يقرأ عليها القرآن، ولا يمكن أحدكم سمعه من أصحاب الأهواء [7] .
وقال عباس الدوري: كان بعض أصحابنا يقول: كان سفيان الثوري كثيراً ما يتمثل بهذين البيتين:
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ويبقى الوزر والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها لا خير في لذة من بعدها النار
والفتنة بالنساء تأخذ صوراً مختلفة أهمها ما يلي:
1- إطلاق النظر إلى الأجنبيات من النساء، وما يعقب ذلك من السقوط في حبائلهن والإصابة منهن بسهام إبليس اللعين، وعندئذ تكون الفتنة والعشق المحرم والمحبة المحرمة التي تملا قلب المفتون، ولا يكون فيه بعد ذلك محل لمحبة الله- عز وجل- ومرضاته وأعظم بها من فتنة.
2- النظر إلى صورهن الجميلة، سواء في تلفاز، أو فيديو، أو مجلة، أو كتاب، وما يعقب ذلك من الافتتان بهذه الصور وانشغال القلب بها، ولقد ظهر في عصرنا اليوم من وسائل عرض النساء وصورهن الخليعة، وشبه العارية، ما لم يظهر في أي عصر مضى، وأصبحت الفتنة بهن عظيمة وشديدة؛ لذا وجب على أهل الغيرة والإيمان أن يحموا أنفسهم وأولادهم وبيوتهم من شر هذه الوسائل المفسدة، وأن لا يفتنهم الشيطان بها مهما كان المسوغ لذلك، قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ... الآية)) [التحريم:6] .
3- وقد تكون الفتنة ممن يجوز النظر إليها كالزوجة وما ملكت اليمين، وذلك بشدة التعلق بها، والافتتان بصورتها، مما يجعل الزوج أسيراً لها بل عبداً، عياذاً بالله. وهنا تقع الفتنة- وبخاصة إذا كانت المرأة قليلة دين وحياء- فتطلب من زوجها الأسير ما يوقعه في المحرمات، أو يترك به الواجبات الدينية إرضاءً لهواها.
ولا يقع في ذلك إلا من ضعفت محبة الله في قلبه، واستولت عليه محبة الشهوات؛ فقدم مرادها على مراد الله- عز وجل-، ومثل هذا يخشى عليه من الوقوع في المحبة الشركية، التي قال الله عز وجل في أهلها: (( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ...الآية)) [البقرة:165] [8].
4- الافتتان بقراءة القصص الغرامية، وقصص الحب والعشق والجنس؛ مما يؤدي إلى إثارة الغرائز وثوران الشهوة، التي تؤدي بدورها إلى الوقوع في المحرم ومقارفة النجاسات، كل هذا من الفتن التي يجب على المسلم أن يفر منها، ويعتقد حرمتها، فإن ما أوصل إلى الحرام فهو حرام.
5- ما يتعرض له إخواننا الأطباء أو نحوهم من مخالطة النساء- الطبيبات، أو الممرضات أو المريضات- كل هذا من الفتن التي يجب على المسلم الحذر منها والفرار منها، وأن لا يسمح المسلم لنفسه مهما كان دينه وتقواه أن يخلو بهن، أو يلين الكلام معهن، أو ينظر إليهن من غير حاجة.
6- ومن الفتن بهن اليوم ما ابتلي به كثير من بيوت المسلمين من الخادمات الأجنبيات، اللاتي جئن بلا محارم- الكافرات منهن والمسلمات- وما نشأ عن ذلك من مصائب وجرائم، كل ذلك بسبب التساهل في جلبهن إلى البيوت، والترخص في التعامل معهن وكأنهن من ملك اليمين؛ سواءً في حجابهن أو اختلاطهن بالرجال الأجانب، أو خروجهن من البيوت مع أنهن أجنبيات حرائر!
7- التساهل في السفر إلى بلا الكفر والفحش والنجاسة من غير حاجة أو ضرورة، ومعلوم ما يتعرض له المسلم في تلك الديار من الفتن العظيمة، ومنها فتنة النساء وعريهن، وتهتكهن وإغرائهن، والمطلوب من المسلم أن يفر بدينه من الفتن لا أن يفر إليها.
8- التباغض والتشاحن بل وتقاطع الأرحام من أجل النساء، كما هو الحال في الشقاق بين زوجة الرجل وأمه أو أبيه، وميل الرجل مع زوجته لفتنته بها.
9- ومن صور الافتتان بالنساء في عصرنا الحاضر ما ينادي به علمانيو زماننا ممن يدعون تحرير المرأة، وتبني حقوقها، وذلك بالمطالبة بمساواتها بالرجل، والعمل جنبا إلى جنب مع الرجل، وإخراجها من منزلها، وممارستها لجميع الأعمال بدون استثناء، كقيادة السيارة وأعمال الجيش والشرطة، والقضاء... إلخ.
وقد تمت هذه الفتنة في كثير من بلدان المسلمين، وما زال أهل الفتنة والفساد يسعون في إخضاع بقية بلدان المسلمين لهذه الفتنة العمياء.(( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)) [الأنفال:30].
كما يطرح هؤلاء المفتونون الدعوة إلى السفور وترك الحجاب كلما سنحت لهم الفرصة.
ومن المجالات التي يتبناها أهل الفتنة لإفساد المرأة وفق الناس بها: إقامة ما يسمى بالجمعيات النسائية، والنوادي النسائية، والحفلات العائلية المختلطة، والمطاعم المختلطة، والحدائق المختلطة، وغير ذلك مما يغري المرأة بهجر بيتها، وإهمال حقوق زوجها وأولادها، واختلاطها بجليسات السوء، بل وجلساء السوء أيضاً.
10- ومن صور الافتتان بالنساء أيضاً تلك الأزياء الغريبة على ديننا وعاداتنا، مما تلقفه كثير من نساء المسلمين، وقلدن فيها الغرب الكافر، والشرق الملحد، هذه الأزياء التي تخالف الشرع وتخرم المروءة، وتخدش الحياء، وتفتن الرجال: من ثوب قصير، أو مشقوق، أو شفاف، أو بنطال يحجم العورة، والمرأة بطبيعتها ناقصة عقل ودين.
وقد لا يستغرب خضوعها لبيوت الأزياء وأربابها، وبخاصة تلك المرأة التي لم تنل حظاً من التربية والتقوى، ولكن المستغرب أن يرضى زوج المرأة أو والدها، أو أخوها، بوقوع موالياتهم في هذه الفتنة فيفتن ويفتن .
11- فتنة الهاتف، وما يجر من الفتنة بالنساء وخضوعهن في القول، وما يعقب ذلك من فساد في الأعراض، وخراب للبيوت، وكم من هتكٍ للأعراض كانت بدايته من فتنة الهاتف.
[1] النسائي. ك. العشرة 17 61 وصححه الألباني في صحيح النسائي (3680).
[2] الروح لابن القيم: ص 253، 254.
[3] البخاري ك النكاح (5096) (فتح 19 41) مسلم في الذكر والدعاء (2740).
[4] مسلم ك. الذكر والدعاء (2742).
[5] صفة الصفوة 1/ 497 .
[6] صفة الصفوة 2/80.
[7] سير أعلام النبلاء6/ 293.
[8] انظر كلاماً نفيساً لشيخ الإسلام في كتاب العبودية حول استعباد المرأة لزوجها : ص ه 4. مكتبة المدني.
ـــــــــــــــــــ(47/114)
أقوال العلماء في خروج المرأة من بيتها
هذه مجموعة من أقوال العلماء، اتفقت آرائهم على أن خروج المرأة فيه من المفاسد الشيء الكثير، والخير كل الخير أن تبقى في بيتها كما أمرها ربها جل جلاله، ووجهها إليه نبيها محمد r فمن تلك الأقوال ما يلي :
يقول العلامة عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: ( ترك واجبات البيت من قبل المرأة يعتبر ضياعاً للبيت بمن فيه، ويترتب عليه تفكك الأسرة حسيا ومعنوياً، وعند ذلك يصبح المجتمع شكلًا وصورةً لا حقيقة ومعنى ) [1].
يقول الأستاذ (محمَّد محمَّد حسين) رحمه الله تعالى: ( وفي الوقت الذي يتجرع فيه الغرب آثار خروج المرأة على فطرتها ووظيفتها؛ كان بعض كتابنا ومفكرينا ينادون بأن نأخذ في ذلك الطريق، الذي انتهى بالغرب إلى ما هو فيه من مشاكل اجتماعية واقتصادية، هزَّت دعائم مجتمعه هزاً عنيفاً، أفقده استقراره واتزانه، وعرَّض سلامته وكيانه لأشدَّ الأخطار، ولقد يبدو للدارس المتأمل أنَّ المرأة لا توضع الآن حيث تدعو الحاجة- صحيحة كانت أو مزعومة - إلى أن توضع، ولكنها توضع لإثبات وجودها في كل مكان، ولإقحامها على كل ما كان العقل والعرف ينادي بعدم صلاحيتها له، فليس المقصود بتوظيفها في هذه الأيام سدّ حاجة موجودة، ولكن المقصود هو مخالفة عرف راسخ، وتحطيم قاعدة مقررة، وإقامة عرف جديد في الدين وفي الأخلاق وفي الذوق، وخلق المبررات والمقومات، التي تجعل انسلاخنا من إسلامنا وعروبتنا وشرقيتنا أمراً واقعاً، كما تجعل دخولنا في دين الغرب، ومذاهب الغرب، وفسق الغرب أمراً واقعاً كذلك).
قال الدكتور لطفي الصباغ: ( إن الكيد الذي يكاد للمسلمين، كان قسم كبير منه موكولاً إلى المرأة لإفسادها، وإخراجها إلى ميدان الفتنة والابتذال، ولقد كانت المرأة هي الخاسرة في هذه المؤامرة القذرة، وبخسارتها العظمى فقد المجتمع توازنه وسعادته، وأمنه وراحته، وإنني من أجل هذا أقدم هذه الرسالة نصيحة والد إلى بناته وفتياته، أحذرهن من الخطر المحاق، والمهانة الضخمة، والضياع في الدنيا والآخرة، والسقوط في نظر الناس جميعاً، فاسقين وصالحين .
أقدمها وأنا في سن الخمسين، ولا هم لي إلا أن أجنب أمتي المزيد من الأخطار، مما رأيت وسمعت خلال تجربتي الطويلة، أن هناك تآمراً رهيباً ضد المرأة المسلمة، يقوم به ناس لا يخافون الله ولا يخشون العار ولا الفضيحة، لأنهم ليسوا متدينين غيورين، فليس لكثير منهم زوجات ولا بنات، ولا يتقون يوماً يسألون فيه عما يعملون، وإن كان لبعضهم زوجات وبنات فليس عندهم من الغيرة شيء، حتى ولا التي توجد عند بعض الحيوان .
أما نحن فإن ديننا هو الذي يحملنا على أن نسدي النصح خالصاً لبناتنا وأخواتنا وأمهاتنا، وننذرهن من العاقبة الوخيمة، التي تنتظرهن إن هن فرطن في حق دينهن.
إن الدعوة لخروج المرأة من البيت لتخالط الرجال، جر المآسي والكوارث، وقد بدأ براقاً جذاباً، لتكون المرأة زهرة المجتمع وواسطة العقد المكرمة، ولكن انتهى بها الأمر إلى مهانة لتكون كانسة للطرقات، وخادماً في الخمارات، وربما تعرضت في خروجها هذا إلى ما يهدد عفتها، ويقضي على مستقبلها، إن المسؤولية تقع على الرجال والنساء من المؤمنين المتقين، ولابد من أن تنطلق صيحات الخير في وجوه الجائرين، ولكلمة الحق سلطان وأي سلطان ) .[2]
وقال الدكتور محمد بن علي البار: ( سيصحب خروج المرأة تغييرات اجتماعية جذرية، مهما ادعينا غير ذلك، ولابد أن يزداد الزنا، وبالتدريج سيسمح به، وسيغلف النتن والقذر بعبارات الحب الجوفاء، وعبارات التحرر والتقدم، إلى آخر المعزوفة الممجوجة، التي لا تمل أجهزة الإعلام عن إسماعنا إياها صباح مساء، وسيزداد الزواج صعوبة، وستقل الرغبة في إنجاب الأطفال، حتى لو أمكن الزواج، وسيقل عدد السكان، وسيصبح المتنفس الوحيد للرغبات الجنسية الجامحة هو العلاقات الجنسية المحرمة، والتي سيسهل تنفيذها، نتيجة لخروج المرأة، واستعمال حبوب منع الحمل .
وتكون النتيجة الحتمية زيادة الحاجة للعمالة الأجنبية، بدلاً من خفض تلك الحاجة، وستنتهي حتماً إلى حالة من الفوضى الاجتماعية والخلقية، كالتي عانى منها الغرب، وستكثر الجرائم بمختلف أنواعها، ويزداد العنف وإدمان المخدرات بين الشباب، الذي فقد حنان الأمومة ودفء الأسرة، لأن الأمهات مشغولات في المصانع والمتاجر والمكاتب، وهكذا يكون خروج المرأة للعمل وبالاً على المرأة وعلى المجتمع، وخسارةً اقتصادية واجتماعية فادحة )[3]
ويقول الدكتور نور الدين عتر: ( الحقيقة أن اشتغال المرأة بغير هذه الوظيفة التي خلقت لها، وجبلت على ملاءمتها، له أضرار تفوق كثيراً ما توهم القاصرين في تقدير العواقب، لأنها أضرار تشمل نواحي الحياة الإنسانية المادية والمعنوية ) .[4]
[1] قضايا تهم المرأة ، للشيخ عبدالله الجارالله ص 59 ـ 60 .
[2] مجموعة رسائل في الحجاب والسفور .
[3] عمل المرأة في الميزان ، د محمد علي البار ص 153 ـ 154 .
[4] ماذا عن المرأة . د نور الدين عتر ص 126 .
ـــــــــــــــــــ(47/115)
الغيرة
لقد خلق الله الإنسان وفضَّلهُ على كثير المخلوقات وكرمه, (( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً )) (الإسراء:70) .
خلقه في أحسنِ صورة, وأرسل له الرسل, وأنزل له الكتب، وأراهُ الآيات في نفسه والآفاق, وعلى وجه الحقيقة أسبابٌ لسعادته, ومعارج له يصعدُ بها في مدار ج الحياة, والتميز على سائرِ المخلوقات, فإن هو استمسك بها, تدرج بها في سلالم الكرامة, وإن هو تخلى عنها هوى في مهاوي المهانة والصغار, (( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ )) (سورة التين ) .
إنَّ المتهاونَ في أمرِ دينه يهوي ويهبط, حتى يكون دون البهائم التي تُسيِّرُها غرائزها .
وإنَّ من رحمة الله وفضله, أن ركبَّ في بني الإنسانِ من الطبائع والشمائل ما يُساهم في حفظِ إنسانيتهم, والإبقاء على المنزلةِ التي رشحهم الله لها, وحسبُك من ذلك الغيرة على المحارم, والشرف والحمية للأعراض, فهي جِبِلةٌ كريمة, تجيشُ في صدورِ الأسوياء, فتحمي مجتمعاتهم من التهتك والفساد, ألم تر أنَّ بعضَ أهلِ الجاهليةِ كانوا يدفنون بناتهم, وهنَّ أحياء خشيةَ العار, وتلك غيرةٌ جائرةٌ زائدةٌ عن حدها, عن الحد المطلوب، فلما جاءَ الإسلام أشاد بهذا الخلق الكريم, ولكنَّه رشدَّهُ وهذَّبه عمَّا كان عليه, حتى جعلها غيرةً تحولُ دونَ الأعينِ الخائنة أن تمتدَ للمحارم, ودُون الجوارحِ الآثمةَ أن تعتدي على ما حرَّم الله عليها, ولقد غلت الغيرة في دماءِ أبي بكر- رضي الله عنه- ووجد حرها في قلبه, يوم أن قيل ما قيل في عائشة, فقالها بمرارة وحنق ( ما رضينا به في الجاهلية أفترض به في الإسلام ,") جاهليتهم بفجورها, وسُننها الفاسدة لم تكن ترضي أن تبتذل الأعراض, فكيف بإسلامهم- رضي الله عنهم-؟
في ذروةِ جاهليتهم, تراها عينٌ ولا تمتدُ إليه يدٌ, فلما كان الزنى بمثابة الضربة القاضية على العرض, والمحطمة لبناءِ العز والشرف, حرمهُ الإسلام وحرم كل السبل المقضيَّة إليه, الدالةُ عليه, قال عز وجل : (( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً)) نهى عن مجردِ الاقترابِ منه, ولهذا حرِّمت كلُ ذريعةٍ إليه, فحرَّم اللهُ السفور ، والتبرج ووسائله، والاختلاط وأنماطه وضرُوبه, وتشبه المرأةِ بالرجل, وتشبهها بالكافرات, واقرأ سورة النور تعلم كيف استقصى الإسلامُ أسباب الفساد الأخلاقي وحرمها, اقرأها ترى كيف أحص القرآن كل الجسور المؤدية إلى الزنى فقطعها, فأسكت الألسُن التي ترمي بالفواحش, وتعملُ على إشاعةِ أخبارها, بل حارب الظنَّ والوسُاوس, وطالب أهلها بجمع الشهود, وأغلظ عليهم في الشهادة, وأوجبَ استئذان الأولاد والبنات, حتى لا يطَّلعوا على العورات, فتتحركُ بواعثَ الشهوةِ في نفوسهم, وحرَّم على المرأةِ إبداء زينتها للأجانب عنها، وتلطف المرأة باللفظ القرآني, حتى بلغ أدقَّ التفاصيل, فمنع المرأةَ من الضرب برجلها, ليُسمع صوت خلخالها, إذ كان ذلك يثيرُ الرجال ويحركهم نحوها, فأيُّ صيانةٍ هذه للمرأة, وأيُّ حفاظٍ عليها, تبارك الله عزَّ وجلَّ، (( ألا يعلمُ من خلق وهو اللطيفُ الخبير)) .
ففي الأحكامِ الشرعيةِ التي أحاطت بالمرأةِ, فشكَّلت سياجاً آمناً, وحصناً منيعاً لعفتها وشرفها، فسفرها دُون محرمٍ حرامٌ عليها, والخلوةُ بها محرمة, ومصافحتها محرمة, ودخول الرجال عليها حتى وإن كانوا إحماءها حرام, وشُرع لها صلاتها في بيتها, وأُسقط عنها وجوبُ الجمعة, وأمرها بغضِ بصرها, وأمر بغض البصرِ عنها, ونهاها عن الخضوع بالقول والتكسُر فيه, وأمرها بشدِّ وجهها وقدميها وذراعيها وعنقها, كلُ ذلك وهي مساويةً للرجل في الحقوق والواجبات, مفتوحةً لها أبوابُ العلم والإبداع, بما يوافقُ فطرتها, ويلائِم تركيبها, فالرجال بالقوامة عليها, بالسعي عليها صيانةً لها عن ابتذال نفسها, وحفظاً لها من الاستغلال والاستضعاف, وحسبك ما نسمعُ من استغاثة الراكضات خلف المال والوظيفة, مما يجدنه من المضايقات والتحرشات والاعتداءات.
إن تأملك في هذه الأحكام, وتمنعك فيما يربي ووعيك بها, يُربي فيك الغيرة على نسائك, ويوقظُ فيك ما أماتته وسائلُ الإعلام, من معاني الرجولة والنخوة, فإذا كان اللهُ يُحببُ للمرأةِ الصلاة في بيتها دون المسجد, فكيف ترضى أنت أن تسعى نساؤك في الأسواق لحاجة ولغير حاجة, وإذا كان الله ينهاها عن أن تخضعَ بالقول, فكيف ترضى أنت لزوجتك أو بنتك أن تَبتذلَ نفسها بمجادلةِ الباعة وممازحتهم ومضاحكتهم, وإذا كان القرآنُ يُحرم عليها الضرب برجلها ليُعلم ما تخفي من زينتها, فكيف يرضى الحرُّ الشريف أن تعرض نساؤه مُقلهن وأعينهن وقد كحلنها, وأكفهن وقد وشينها, وخضبها على ذئابٍ تتضور جوعاً لأعراض النساء, قد ألهبت أكبادهم قنوات الانحلال .
الغيرةُ خلقٌ كريم, يكادُ يُختنقُ في زمنٍ سُميت فيه الفاحشة حُرية, وسُميت فيه الرجولةُ رجعية .
قال الغزالي: ( إنَّ من ثمرةِ الحميةِ الضعيفة, قلةُ الأنفةِ من التعرضِ للحُرم والزوجة والأمة، واحتمالُ الذل من الإخاء، وصفر النفس والقماءة, وقد يثمر عدم الغيرةِ عن الحريم, فإذا كان الأمرُ كذلك, اختلطتِ الأنسابُ، ولذلك قيل كلَ أمةٍ ضَعفت الغيرةُ في رجالها, ضَعفت الصيانةُ في نسائها, فإنَّهُ قد خُلقت الغيرةُ لحفظ الأنساب, فعلى هذا كل أمةٍ فُقدت الغيرةُ في رجالها, فُقدت الصيانةُ في نسائها,) ولا خير في رجلٍ يرى في أهله ما تنكس لهُ رؤوس الأحرار، ثم لا تجيشُ في نفسه أحاسيسُ الرجال, وأقسمُ بالله إنَّ حالَ المرأةِ ليدلُ أصدقَ الدلالةِ في غالبِ الأحيان على مقدارِ نفسِ رُعاتها من الغيرة, فلو فتَّشت وراءَ المتهتكات المتبرجات, لوجدتَ وراءهنَّ أشباهَ رجالٍ, قد تحرت فيهم أدواءُ الديانة, واستسلموا لتياراتِ الفجور, ولذلك فهو يرى من ولاَّهُ اللهُ رعايتها, تُقلبُ وجهها في وجوهِ الرجال, ويراها تُحادثُ الأجانب وتُضاحكهم, وتتكسرُ أمامهم, وتتفنجُ لهم, أو يرى بناتهم وهنَّ يُقلبنَ أبصارهنَّ في وجوهِ البغايا والمومسات, اللاتي دخلنَّ البيوتَ المسلمة من خلالِ الشاشات, ويرى نساءهُ وهنَّ يتمايلنَ طرباً مع رناتِ الفجور, ونغماتِ الفسق, ويرى صورةَ العُراة والعرايا تملأُ الشاشة في بيته, أمام أعينِ أولاده وبناته, ثم لا تتحركُ في قلبه بواعث المروءةِ, لموت غيرتهِ وانعدام رجولته, وضدَّ ذلك ترى المرأةَ العفيفة المتحجبة, ذات الطرف الفضيض, والصوت الخفيض, والمشيةَ المحتشمة, ثم ترى خلفها رجالاً أباةً ذوي مروءةٍ, وأهلُ حمايةٍ وصيانة, وأجل طرفكَ في البيتِ الذي تربت فيه, تراه محصناً طاهراً, لا تجدُ فيه صورةً فاضحةً, ولا تسمعُ منهُ نغمةً آثمة, (( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ )) (لأعراف:58) .
إنَّكم في زمنٍ آلا فيه الأعداءُ على ترويضِ الرجال على الديانة, وتربيةِ النساءِ على الفجور, ولا سلامةَ إلاَّ بفقه الحدودِ التي حددها الله لصيانةِ الأعراض, ولا أمانَ إلاَّ بتربيةِ الرجال على الغيرة على الحُرم, وهي من أكرمِ شمائلِ الرجل المسلم, لما يترتبُ عليها من المصالح, ولما يدفعُ اللهُ بها من السُوء عن الأمة, وكلَّما علت رتبةُ المرءِ في الإيمان زادت غيرتُه, ولا غيرةَ لمن لا إيمانَ له, ولهذا كان الرسولُ- صلى الله عليه وسلم- أشدُّ الأمةَ غيرةً, وكان يَروي عنهُ أصحابهُ, فلمَّا قيل لسعد بن عُبادة- رضي الله عنه- )) يا أبا ثابت قد نزلت الحدودُ لو أنَّك وجدتَ مع امرأتك رجلاً كيف كنت صانعاً ؟ قال : كنتُ ضاربيهما بالسيفِ حتى يسكُنا ، فأنا أذهبُ فأجمع أربعة ؟ فإلى ذلك فقد قضى حاجتهُ, فلمَّا سمعهُ رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم- ضحكَ وقال: تعجبون من غيرةِ سعد,! لأنا أغيرُ منه والله أغير مني )) رواه البخاري.
وحسبُك أن يعلى اللهُ من شأن الأعراض, فيجعلَ الموت دُونها شهادة في سبيله, قال- صلى الله عليه وسلم-: (( ومن قُتل دون أهله فهو شهيد )) ولو تأملتَ في الاعتداءاتِ التي تقعُ فيها النساء, لوجدت أنَّ أكثرَها وقعَ بتفريطٍ من رجالهم, رُوي أنَّ امرأةً كانت تُؤدي بعض مناسكها, فاقترب منها شابٌ فكلَمها وآذاها, فقالت اتق الله, فإنَّك في مقامٍ عظيم, ولمَّا كان اليومُ الثاني فعلَ معها مثلَ ما فعلَ في اليومِ الأول, وقالت لهُ مثلما قالت, فلما همَّت بالخروج في اليومِ الثالث, قالت لزوجها هلمَّ معي؟ علِّمني المناسكَ فلمَّا رآها الشابُ, ورأى زوجَها فرَّ من وجهها, ولم يعاودها, فأنشدت:
تعدد الذئاب على من لا كلابَ له *** وتتقي سورة المستأسدِ الحامي
وكما أنَّ الرجلَ يغارُ على أهل بيته, فكذلكُ يجبُ على العالم أن يغارَ على نساءِ أمتهِ، فينبعثُ لتقييدِ الطرح الثقافي الأثيم, الذي يُحاصرُ الفضائلَ وينتقصها من أطرافها, ويُأجِجُ نارَ الفتنِ والفجور, فمرةً باسم حريةِ المرأة, وأُخرى باسم فرصِ العمل لها, ومرةً يُحركُ سيدات الأعمال, ومرةً يدعوا هاوياتِ الرياضة لارتياد الأندية, فلا يسعُ علماء الأمةِ, ولا دُعاتها وولاتها, أن يُسلِّمُوا الحمى لمن حملوا أقلامهم رِماحاً مسمومةً يُمزقون بها أدِيم الفضيلةِ, ويهتِكون بها شرف الحرائر .
((والله يريدُ أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً ))
إنَّ الغيرةَ صفة حميدةُ لله عز وجل, أكملَها وأجملَها وأعلى مراتبها, عن أبي هريرةَ- رضي الله تعالى عنه- أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (( إنَّ الله تعالى يغارُ وغيرتُه أن يأتي المؤمن ما حرَّم الله عليه )) .
وعن أسماءَ- رضي الله عنها- أنَّها سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا شيءَ أغيرُ من الله )) وبقدرِ إيمانَ المرءِ تعظُمُ الغيرة في نفسه, قال- صلى الله عليه وسلم : ((المؤمنُ يغارُ والله أشد غيراً)) فهي حرارةٌ يجدُها المؤمنُ في قلبه, إن يراد بعرضه سوءاً, وعلى قدرِ طاعةِ المؤمنُ لربهِ يمنحهُ اللهُ مزيداً من ذلك الشعورِ العارم, بعظَمِ منزلةَ عرضه, وعلى قدرِ ما يقعُ المرءُ في المعاصي, تنحلُ الغيرةُ من فؤاده, وتتلاشى الحميةُ في صدره, وتتساقطُ معاني الرجولة, وقد أشارَ ابن القيم- عليه رحمةُ الله- في كلامٍ طويلٍ إلى أنَّ الغيرةَ تضعُفُ عند الرجلِ بقدرِ تلبسهِ بالمعاصي, فإذا هانت حُرماتُ الله على الرجل, وركب إلى المعاصي كل مطية, هانَ تمكينُ عرضه, ورضيَ في أهلهِ السُوء, فذاك الديوث, الذي يطيرُ في الأنام بحثاً عن الحرام وبعداً عن مجالس أهله, ويتقلبُ في مضاجع الرذيلة, تراهُ أقلَّ الرجالِ غيرةً على نسائه, بل تراهُ أحياناً يحملهنَّ على التبرج والسفور, ويزجُّ بهنَّ في الأسواق, وتراهُ يعرض ابنتهُ ذاتَ العشرِ سنين, متذرعاً بأنَّها صغيرة, وقد لاحت عليها معالمُ الأنوثةِ والنضج, وعائشةَ تقول : ( إذا بلغت الجاريةُ تسعَ سنين فهي امرأة ) ومع ذلك فهو يلبسُها البنطال, ويترُكُها تعرضُ جسدها في كاملِ زينته في الأسواق، أمام الأعين الجائعة, والنفوس المريضة, وتراهُ يرى زوجته تُقلبُ صفحات المجلات الهابطة, وتتسلى من وجوهِ الفسقةِ وأجسادهم, ولا يشعرُ ثم لا يُحركُ فيه ذلكَ ساكناً, فقَدَ كل معاني الرجولةِ, وماتت في نفسهِ أحاسيسُ المروءةِ والشرفِ, فنشكو ما حل بأُمتنا إلى الله عز وجل.
إنَّ برامجَ السياحةِ, ومنتجعاتِ الترفيه, في أغلبها منتجعاتٍ غربية, لم يُراع في تصميمها آدابُ الإسلام, ولا مكارمُ الأخلاق, ولذلك يكثرُ التهتكُ في المنتجعاتِ ويفيضُ فيها, مما يُستوجبُ على المؤمن الغيور, والحر الضعيف, أن يصونَ نفسهُ ومن تحت يده, عن الأماكن التي يكونُ فيها عرضهُ على خطر, أو دينُه على جرف.
ـــــــــــــــــــ(47/116)
قيادة المرأة بين الرفض والإجاب
أمةَ الإسلام :
لا تزال دعواتٌ تخرجُ من هنا وهناك، تدعو إلى قضايا معينةٍ، أصبحتْ هي موضوعَ حديثِ الناسِ في مجالسِهم، ومدارَ كلامِهم في منتدياتهِم، وكلٌّ يطرحُ وجهتَه، ويدلي بدلوِه ليُقنعَ الآخر بجدوى قناعاتِه، لذا سنطرحُ الآراءَ في هذه القضيةِ وننظرُ إليها بعينِ الإنصافِ والتجردِ ونطرحُ الأهواءَ جانبا، ويكونُ هدفُنا هو الوصولُ للحق، نبتغي بذلك وجَه الله تعالى والدارَ الآخرة.
أيها المسلمون :
تُطالعُنا الصحفُ بين كلِّ حينٍ وآخر، بقضيةِ قيادةِ المرأةِ للسيارةِ، ويحقُ لنا أن نتساءلَ أيها المسلمون قبل أن نبدأَ الحوار، هل قضيةُ قيادةِ المرأةِ للسيارةِ هي أهمُ قضيةٍ نحتاجُها الآن ؟!! أليستْ هناك قضايا أهمَّ وأولى بالطرحِ من هذه القضية ؟ أليستْ قضيةُ العنوسةِ مشكلةً ضخمةً للغاية تحتاجُ إلى وقفةٍ جادةِ من المسؤولين ؟ أليستْ قضيةُ الطلاقِ والمطلقاتِ وما يواجهْنَه من مشاكلَ ومصاعبَ تحتاجُ إلى علاج ؟!! كم نسبةُ النساءِ المطلقاتِ في مجتمعنا ؟هل طُرحتْ مشاريعُ لحلِ مشكلاتهِن وإثارةِ قضاياهن ؟!! كم عددُ الأرامل، ماذا قدم المجتمعُ لهن ؟!! فيا سبحان الله، تناسينا كلَ هذه القضايا المصيريةِ، والتفتنا إلى قضيةٍ جانبية ؟!
وأقول كما قالتْ إحدى الكاتباتِ في جريدةِ الجزيرة : ( إني أقولُ لمن يطرحون هذه القضية ، أنتم إنسانيون للغاية تحملون كافةَ أعباءِ وهمومِ المرأةِ على عاتقِكم، وكلَّ ما يتعلقُ بها من قضايا ومسؤوليات، فهي شغلُكُم الشاغلُ بالفعلِ، ولكنْ هل مشكلاتُ وقضايا المرأةِ في العالم جميعُها حلت وأصبحت في أحسنِ حال، فلم يبق غيرُ مسألةِ قيادةِ السيارة؟ وهل قيادةُ السيارةِ غايةٌ أم وسيلةٌ في حدِ ذاتها ؟ وما هي القيمةُ العظيمةُ التي تعطيها رخصةُ القيادةِ للمرأةِ حتى نقولَ إن المرأةَ السعوديةَ حُرمتْ منها ؟ وهل لديكم أدنى فكرةٍ عن وضعِ النساءِ في العالم ؟ والمرأةُ السعودية أبعدُ ما تكونُ عما يحدثُ لنساءِ العالمِ من اعتداءٍ صارخٍ ونهبٍ للحقوق، والمرأةُ في هذه البلادِ تُدركُ جيداً أنها غاليةٌ ومعززةٌ ومكرمةٌ، فمعاملاتهُا تسيرُ في الجهاتِ الرسميةِ أولاً لأنها امرأةٌ، ولا تقفُ في الطابورِ لأنها امرأةٌ، وتتعاملُ معها الدولةُ وكافةُ الجهاتِ الرسميةِ بكثيرٍ من الاحترامِ والتقديرِ والمراعاةِ لكونهِا امرأةً، فتمثلُ قيمةً لدى حكومتِها ولدى أسرتهِا، فهي محاطةٌ بهالة من القدسيةِ والعفةِ والاحترامِ، ولذلك المرأةُ السعوديةُ أكثرُ نساءِ العالمِ غلاءً في مهورِهن مما شكل مشكلةً وعقبةً رئيسيةً أمام الراغبِ في الزواجِ ، وأوجد مشكلةً العنوسةِ ..) انتهى كلامُها .
أيها المسلمون :
لقد طالعتْنا الصحفُ ببعضِ ما استدل به المؤيدون لقيادةِ المرأةِ للسيارةِ، كقولهِم قيادةُ المرأةِ للسيارةِ ضرورةٌ من ضروراتِ العصرِ، ومطلبٌ من متطلباتِ الحياةِ، والسؤالُ الذي يطرحُ نفسَه بنفسِه، هل العصرُ والحياةُ أدلةٌ شرعيةٌ تتحكمان في حياتِنا وشئوننِا؛ بحيثُ ما أحله العصرُ أو ارتضاهُ أهلُه يكون حلالاً، وما حرمتْه الحياةُ أو أبغضَهُ الناسُ يكون حراماً ؟ أم أننا متعبدون بدينٍ ربانيٍ ،و منهجٍ إيماني .
وهل كلُّ ما كان من ضرورياتِ العصرِ يكونُ حلالا ؟ إذن ما تقولون في الربا الذي ضرب بجذورِه في بلادِ العالم كافةً، هل سيكونُ حلالا ؟ يقول الله تعالى: (( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ )) (سورة الانعام : 116) .
ونحن أيضا إذا أردنا أن نُحَكِّمَ العصرَ والحياةَ ـ جدلاً ـ في قيادةِ المرأةِ للسيارةِ، فإننا سنجدُ أن قيادةَ المرأةِ للسيارةِ ستسببُ مشكلاتٍ عديدةً والدليلُ على ذلك ما يلي:
أولاً : تسجلُ الإحصاءاتُ المروريةُ الرسميةُ أن هناك ما يزيدُ على ثلاثين ألفِ مصابٍ وأربعةِ آلافِ حالةِ وفاةٍ سنوياً ، يقعون ضحايا في نحِو ربعِ مليونِ حادثٍ مروريٍ، وفقاً لإحصاءاتِ عامِ ألفٍ وأربعِمِائة وعشرين. واللافتُ للنظرِ أن عددَ الوفياتِ في ذلك العام، قد سجل زيادةً بنسبةِ ثلاثةِ عشرَ بالمائة عن العامِ الذي قبله، مما يعني أنَّ هُناك تصاعداً في خطورةِ حوادثِ الطرقِ داخلَ المملكة، هذا الإحصاءُ والنساءُ لم يقدْن، فكيف إذا قادتْ النساءُ فكم ستصبحُ حوادثُ المرور ؟ وكم سيكونُ عددُ الضحايا ؟
وقد أكدتْ الدراساتُ في شتى دولِ العالمِ أنَّ خمساً وثمانين بالمائةِ من أسبابِ الحوادث ترجعُ إلى السائق ؟مع العلمِ أنَّ الرجلَ أثبتُ قلباً، وأقوى إرادةً، خاصةً في وقتِ الأزماتِ، فماذا سيكونُ الحالُ مع قيادةِ المرأةِ الرقيقةِ الناعمة ؟!!
ثانياً : ثبت من خلالِ الدراساتِ أن وسائلَ النقلِ والمواصلاتِ تعدُّ المساهمَ الأكبرَ في تلوثِ الهواءِ الجوي، وبالتالي تلوثِ المناخ، وتلوثِ الهواءِ في المدنِ المزدحمة، وقد بلغتْ النسبةُ ستين بالمائة !! ونحن لا نحتاجُ إلى دليلٍ لإثباتِ الزحامِ الموجودِ في بلادِنا.
ثالثاً : بلغَ عددُ السياراتِ المستخدَمة في المملكةِ في عام ألفين مليونين وتسعَمائة وخمسةَ آلاف وأربعَمائة سيارة، ويقدرُ لهذا العددِ أن يصلَ إلى ثلاثِ ملايين وثلاثمِائة وستين ألف ومائةٍ وخمسين سيارةً عام ألفين وخمسةِ ميلادي، ويا تُرى كم سيكونُ العددُ لو أضيفَ عددُ سياراتِ العاملاتِ في القطاعِ التعليمي والطبي، وعددُ سياراتِِ طالباتِ الجامعاتِ في المملكة، يا تُرى هل يمكنُ أن نتحركَ في شوارعِنا أم أننا نستغني عنها ويكون السيرُ على الأقدامِ أسرعَ من السيرِ على السيارة ؟!!
أيها المسلمون :
ومما استدلوا به أيضاً قولهُم : إنَّ قيادةَ المرأةِ للسيارةِ في هذه البلادِ لن تكونَ كغيرِها من بلاد العالم، بل يحكمُهُ نظامُ، وقانونٌ يحفظُ لنا نسائَنا من الاختلاطِ والسفورِ، فيقالُ : هل إذا خرجتْ المرأةُ لقيادةِ السيارةِ نستطيعُ أن نقولَ لها : عليكِ بالحجابِ الشرعي ؟ وإياكِ أن تسافري إلى مدينةٍ أخرى بدون محرم ؟ وإيَّاكِ أن تخرجي من بيتِكِ إلاَّ للضرورة والحاجةِ الماسةِ وبإذنِ زوجِكِ ؟ وإذا اشتُرط أن يكونَ عمرُها أربعين سنة فهل كلُ امرأةٍ ستوقفُ ويسألهُا رجلُ المرور، كم عمرُكِ ؟ ونقولُ للشباب إيَّاكم أن تؤذوا السائقاتِ بالمطارداتِ أو المعاكساتِ، لأنهن أخواتُكم في الله !! وإذا كانتْ النساءُ مع السائقين لم يسلمْن من مطارداتِ الشبابِ، والمواكبِ التي أصبحتْ ظاهرةً في المجتمعِ، فكيف إذا كانتْ لوحدِها ؟ وهل نمنُعها من الخروجِ خارجَ المدنِ أو الأماكنِ النائية خشيةَ أن تتعطلَ المرأةُ في مكانٍ بعيدٍ، فتصبحُ هدفا للذئابِ البشرية، ماذا سيقولُ المطالِبون بالقيادةِ أمام هذه الإشكالاتِ التي ستقعُ؟! وهل يمكنُ حلُها ؟!!
ومما ذكره المطالبون للقيادةِ أنه يمكنُ أن تقودَ المرأةُ وهي محجبةٌ !! والواقعُ يكذبُ هذا القولَ ويبطلُه، لأنَّ من قادتْ من النساءِ سوف تكشفُ وجهَها لتحذرَ عقباتِ الطرق ، ومغباتِ الحوادث، وعلى فرضِ أنَّهُ يمكنُ تطبيقهُ في ابتداءِ الأمرِ، هل سيستمرُ أم يتحولُ بعد فترةٍ وجيزة ؟ يوضحُ ذلك ما ذكرتْه صحيفةُ الشرقِ الأوسطِ الصادرةِ في عامِ ألفٍ وأربعِمائة وتسعةَ عشر في شهرِ ربيعٍ الأول في اليومِ الخامس، وفيه : ( أنَّ إدارةَ المرورِ في قطرِ سنتْ قانوناً يمنع النساءَ المنقباتِ من قيادةِ السيارات .
وقالتْ الصحيفة : إنَّ الإدارةَ العامةَ للمرورِ التابعةَ لوزارةِ الداخلية سنتْ القانونَ الجديدَ بقصدِ تجنبِ تَخفي البعضِ من النساء أو الرجال تحت النقابِ للقيامِ بأعمالٍ مخالفةٍ للقانون ؛ ومنهم فئةُ صغارِ السنِ من الشباب غيرِ المسموح لهم باستصدارِ رخصِ قيادةِ السيارات ، حيثُ يتخفونَ في زيِ المنقباتِ ويقومون بقيادةِ السياراتِ، مما يؤدي إلى أضرارٍ بالغيرِ في الشارع "
فماذا يقولُ المطالبونَ بقيادةِ المرأةِ بهذا التصريحِ من بلدٍ عربيٍ مجاور ؟!! أرأيتم كيف أصبحتْ القيادة سبباً لإسقاطِ الحجاب !!
ومما قالوهُ أيضا أنَّ النساءَ قد ركبْنَ في زمنِ النبي r الإبلَ لوحدِهن ولم يُنكَرْ عليهن، وهذا الكلامُ لا دليلَ عليه، فلم يثبتْ في دليلٍ ولا توجد حادثةٌ تشهدُ لقولهم بل بالعكس ؛ فإنَّ من يراجعُ أحاديثَ النبيِ r وسيرتَه يتضحُ له أنَّ النساءَ كنَّ يركبْنَ متستراتٍ في الهودجِ على ظهورِ الإبلِ، ويقودُ بهن أحدُ الرجالِ من محارمهنَّ، كما روى البخاريُ أن النبيَ r كان من سيرتِه أنَّه يخرجُ بإحدى نسائِه في غزواتِه ويجعلُها تركبُ في الهودج ، ويأمرُ أحداً يقودُ بها البعيرُ أو من المماليكِ، أو يركبْن رديفاتٍ لأحدِ محارمِهنَّ أي خلف ظهرِه، كما في البخاري أن النبيَّ r أمر عبدَ الرحمنِ بنَ أبي بكر الصديق أن يردفَ عائشةَ ويعمرَها من التنعيم، وعلى التسليِم أنها تقودُ الجملَ،
فيا أيُّها العقلاءُ :
هل هُناك مقارنةٌ بين الجملِ والسيارة، أليستْ السيارةُ تحتاجُ إلى أوراقٍ ثبوتيةٍ، وتأكدٍ من هويةِ السائق، إضافةً إلى ما يترتبُ عليها من الحوادثِ المتلفةِ للأنفسِ والممتلكات، ولما تتطلبُه قيادتهُا من الفنِ والمهارةِ، وقد جُعلتْ لها أقسامٌ دوريةٌ، وجهاتٌ رسمية لم تجعلْ للجمالِ والبغالِ والحمير !!
وذكر بعضُهم أيضا بأن قيادةَ المرأةِ سيكونُ مثلُ تعليمِها ؛ حيث عارضه البعضُ في بدايةِ أمرهِ ثم تقبلوه تدريجياً، ونقولُ شتان بين الأمرين، فتعليمُ المرأةِ المسلمةِ أمرٌ رغب فيه الشرعُ، والذين عارضوا أمرَ التعليمِ في أولِ الأمر لم يعارضوهُ لذاتِه، كما يتوهمُ البعضُ أو يتغافلُ، إنَّما عارضوه لأنَّهم خشوا أن يكونَ حالُهُ كحالِ تعليمِ النساءِ في الدولِ الإسلاميةِ الأخرى ؛ حيثُ الاختلاطُ والموادُ الفاسدة، فلما تيقنوا أنَّ هذا لن يحدث، وأنَّ التعليمَ سيرتبطُ بعلماءِ الشريعةِ، وسيكونُ مستقلاً، اطمأنوا لذلك، فأين تعليمُ المرأةِ المسلمةِ التي تخرجُ من بيتِها بحجابٍ كامل إلى مدرسةٍ خاصةٍ ببناتِ جنسِها مغلقةِ الأبواب ، وعليها الحراس ، وتدرسُ موادَ نافعة، من قيادةِ السيارةِ وما فيها من المفاسد ؟!!
ومما قالوه أيضا: أنَّ هناك أُسراً لا يوجدُ من يعولهُم ،وأراملُ لا ولي يقومُ على شؤونهِم ، والسماحُ لنساءِ هؤلاءِ بالقيادةِ فيه دفعٌ لحاجتِهم ، وتخفيفٌ لضرورتهِم، ويقالُ لهؤلاءِ إنَّ الأراملَ والمحتاجاتِ في المجتمع لن يستفدْن من السماحِ للمرأةِ بقيادةِ السيارة شيئاً ، لأنَّ غالبَهن لا يستطيعن شراءَ السيارةِ فضلاً عن تحملِ تبعاتهِا، لكونهن لا يستطعنْ تحملَ تبعاتِ بيوتهِن أصلاً !! وإذا كانتْ أمهاتُ الأسرِ الفقيرة بحاجةٍ إلى القيادةِ، فليحضرْن سائقاً يقضين به ضرورتهَن، مع عدمِ الخلوةِ بهنَّ بحالٍ من الأحوال، مع العلمِ أنه قد وفر الكثير من حاجات النقل الضرورية، فالتعليمُ العامُ والجامعيُّ تتوفرُ فيه حافلاتُ نقلٍ مجانية ، والمستشفيات قد وُفرتْ لها سياراتُ الإسعافِ لنقل المرضى، من أي مكانٍ في البلدِ إلى المستشفيات فضلاً عن الجمعيات الخيرية، التي تقومُ على الأسرِ المحتاجةِ ، والترابطِ الاجتماعي المتميزِ في هذا البلدِ بين غالبِ الأقاربِ والجيران .
ومما قالهُ المُطالبون بالقيادِة قولهُم : إنَّ قيادةَ المرأةِ خيرٌ لها من الخلوةِ بالسائقِ الأجنبي !!
ومن تأمل بعينِ الإنصافِ والتجردِ، علم أنَّ كلاَ الأمرينِ فيهما ضررٌ، وأحدُهما أضرُّ من الآخر، ولكن ليس هُناك ضرورةٌ توجبُ ارتكابَ أحدِهما، فقيادةُ المرأةِ للسيارة مفاسدُها أعظم، وخطرُها أكبرُ ، فالشرعُ عندما حرم الخلوةَ بالمرأةِ، إنما حرمها سداً لذريعةِ الفساد، لكنَّ القيادةَ يلزمُ منها الوقوعُ في الحرامِ، ككشفِ الوجه، ونزعِ الحياء ـ والحياءُ من الإيمان - وسببٌ لكثرةِ الخروج من المنزل، والبيتُ خيرٌ لها، كما قال r ، وفتحُ البابِ على مصراعيه لها بحيثُ تخرجُ متى تشاء ، وإلى مَنْ تشاء، وحيث شاءتْ، وتمردُها على زوجِها وأهلِها ، فلأدنى سببٌ يُثيرُها في البيتِ تخرُج منه ، وتذهبُ لسيارتهِا إلى حيث ترى!! وكذا مطالبتُها بصورتهِا في رخصةِ القيادةِ للتحققِ من هويتِها، وكما أنها سببٌ للفتنة في مواقفَ عديدة : في الوقوفِ عند إشاراتِ الطريق، وعند نقطِة التفتش، وفي الوقوفِ لملءِ إطارِ السيارةِ بالهواء، وفي الوقوفِ عند محطاتِ البنزينِ، وفي الوقوفِ عند رجالِ المرورِ عند التحقيقِ في مخالفةٍ أو حادثٍ، وفي الوقوفِ عند خللٍ يقعُ بالسيارة أثناء الطريقِ، فتحتاجُ المرأةُ إلى إسعافِها، فماذا تكونُ حالتُها ؟ وربما تصادفُ رجلاً سافلاً يساومُها على عرضِها في تخليصِها من محنتِها ، لا سيما إذا عظمتْ حاجتُها حتى بلغتْ حدَّ الضرورة، ثم أيها المسلمون : وهل يتوقعُ أن الأسرَ ستستغني عن السائقِ الذي اعتادتْ تكليفَهُ بشراءِ حوائجِ البيت، وإيصالِ من شاؤا وسط الليلِ ، وغسيلِ السيارات وأفنيةِ المنازل ، وتعبئةِ اسطواناتِ الغاز وحملِها، إلى آخر القائمة المعروفة، هل ستستغني الأسرُ عنه وقد اعتادتْ عليه، لتقومَ نساؤُها بذلك !! وهل ستقومُ النساءُ مقامَه في توصيلِ من ير يدن ؟ إن معظمَ الشبابِ يتثاقلون عن خدمةِ أهاليهم وتحريكِ سياراتهِم لأقرب مكان، فما الظنُّ بالنساء ؟! ثم إنَّ واقعَ الدولِ القريبة منا يشهدُ بهذا، حيثُ قادتْ نساؤُهم وبقي السائقين في بيوتهِم!! فاجتمع الضرران.
وقالوا : ألا تروْن أننا بالسماحِ بالقيادةِ نتخلصُ من الضغوطِ الكثيرة التي تتعرضُ لها بلادُنا من الغربِ بخصوصِ قضيةِ المرأة ، فنرتاحُ بعدها ونتنفسُ الصعداءَ، من هذا الشدِ والتأزمِ الذي نعيشُه، ونقولُ: هيهات أن يكونَ ذلك !! لأنَّ الغربَ كلما زدتَّ له انبطاحاً زاد ضغطاً في أمورٍ قد لا ترضونها سياسياً لا شرعيا !! وقد أخبرنا اللهُ عن حقيقةٍ ينبغي أن لا تغيبَ عن أذهاننِا، وأن لا نحاولَ خداعَ أنفسِنا بتجاهِلها، وهي أن الغربَ لن يرضى عنا دون الكفرِ باللهِ تعالى، فهل ترضون بهذا ؟!! يقولُ الله تعالى : (( وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ )) (سورة البقرة :120) .
فلا تحلم برضى الكفارِ أو تخفيفِ الضغوطِ ما دمت على الإسلامِ، وليكنْ لنا عبرةٌ بحال تركيا، فهاهي قدمتْ التنازلاتِ تلو التنازلات التي لا تخفى على متابعِ، فعلمَنَتْ البلاد، وحاربتْ مظاهرَ الإسلام ، وكل هذا لتُرضيَّ الغربَ النصراني، وتتذللَ له أن يقبلَها عضواً في الاتحادِ الأوربي، ولكن ماذا كانتْ النتيجةُ إلى يومنا هذا ؟ اسمع ذلك في هذا الخبرِ نشرتْه مجلةُ المجتمع في عددِها ألفٍ وخمسِمِائة وعشرة : ( أكد جونتر فرهويغن مسؤولُ شؤونِ التوسعِ في لجنةِ الاتحادِ، عدمَ وجودِ خططٍ أوربيةٍ حاليةٍ لمنحِ تركيا موعداً ـ مجردَ موعد ـ لبدءِ مباحثاتِ العضويةِ مع الاتحاد ) !! والسببُ أن تركيا إلى الآن لم تعلنْ نصرانيتَها حتى يرضى الغربُ عنها كما أخبرنا تعالى، لهذا ينبغي أن يعلمَ العقلاءُ في بلادِنا، أنهم إذا تنازلوا في هذا الأمرِ سيجدون أنفسَهم أمام قائمةٍ طويلةٍ من التنازلات التي لا تنتهي ، ولكن إنَّ هم اتقوا وصبروا ولم يتنازلوا في هذا الأمرِ سيجدون أنَّ اللهَ ينصرُهم ويفرجُ عنهم أزمتَهم ، وأنَّ الغربَ يملُّ ويكلُّ وييأسُ، ويتحققُ فيهم قولُه تعالى: (( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا )) (سورة الأحزاب :25) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية
أيها المسلمون :
هذا جلُ ما استدلَ به المطالبون بقيادةِ المرأةِ للسيارة ، وقد تبين لكم من خلالِ العرضِ ضعفُ هذه الشبه، وليعلمْ الجميعُ أنَّ في تحقيقِ هذا المطلبِ مفاسدَ عظيمةً تعودُ على الفردِ والمجتمع، تقدم ذكرُ طرفٍ منها في حديثِنا السابقِ، ومن هذه المفاسد، أنَّ في قيادةِ المرأةِ زيادةَ اعتمادِ الرجلِ على زوجتِه في قضاءِ حاجاتِ البيت، كتوصيلِ الأولاد إلى المدرسةِ، وزيارةِ الأقارب، وشراءِ الأغراضِ المنزليةِ، ونحوِ ذلك من الأمورِ التي ربما تتطلبُ السفرَ إلى المدنِ المجاورة ، وفي هذا من إرهاقِ المرأةِ بالواجباتِ المنزليةِ ما لا يخفى، وفيه أيضاً تفريطٌ في حق البيتِ والأولادِ، ونحنُ نرى الآنَ الثمراتِ المرةَ لخروجِ المرأةِ للعملِ، فأصبحتْ التربيةُ والحضانةُ في كثيرٍ من بيوتِ الموظفاتِ من مهماتِ الخدم، وغالبُهم من الأعاجِم الذين لا يُحسنون تربيةَ الأولاد، ورُبما كانوا من النصارى أو الوثنيين .
وهُنا تكونُ المصائبُ الثلاث : الأولى أنَّ الأبَ لا يقومُ بشؤونِ بيتِه ، والأم لا تقومُ بشؤونِ منزلهِا، والأولادَ بيدِ الخدم ، ومن ثم على المجتمعِ السلام ، ولعلي أعرضُ لكم مقولةً لمن جربوا هذا الأمرَ وذاقوا مرارتَه، وهي دولةٌ خليجيةٌ مجاورة،
تقولُ صحيفةُ البيانِ الإماراتية ِ: ( تغيرتْ الحياةُ بشكلٍ كبيرٍ وملحوظٍ، وأثرُ هذا التغييرِ على كلِ فردٍ من أفرادِ الأسرةِ الزوجِ والزوجةِ والأبناءِ، وجاء هذا التغييرُ لصالحَ فردٍ معين في الأسرةِ على حسابِ فردٍ آخر، أو بمعنى آخر، أنَّ الرجلَ ارتاحَ كثيراً في هذه الحياةِ، مقارنةً بالمرأةِ التي خرجتْ لميدانِ العملِ تشاركُ الرجلَ همومَ الحياةِ من الناحيةِ الماديةِ والمعنويةِ، أيضاً ولم يقتصرْ دورُها على هذا بل تعدى الأمرُ إلى أنها تحملتْ أيضاً مسئوليةَ تربيةِ الأبناءِ بمفردِها، فأصبحتْ هي المعلمةُ الخصوصيةُ للأطفالِ، والسائقةُ التي تولتْ مهمةَ توصيلِ الأبناءِ للمدرسةِ والعودةِ بهم للبيت، ومن ثمَّ تجهيزَ الطعامِ لهم، ومتابعةَ أمورِهم كلِها، وعلى الرغمِ من كلِّ ما تقدمُه المرأةُ للبيت والأولادِ والزوجِ، إلاَّ أننا نجدُ الرجلَ قابعاً في منزلِهِ وكأنَّه في زمنِ (سي السيد)، يأمرُ وينهى ويتابعُ أبناءَهُ من نافذةٍ بعيدةٍ، رامياً بكل مسئولياتِه على المرأةِ، واقتصر دورُه الأساسي على توفيرِ المصروفِ للبيتِ فقط، ومن ثم الخروجُ مع الأصدقاءِ والجلوسِ في (الكوفي شوب) وما إلى ذلك.
والذي زادَ في همومِ المرأةِ هو قيامُها بقيادةِ السيارةِ، التي أرادتْها وسيلةً آمنةً وسهلةً تقضي بها مشاويَرها، خاصةً بعد أن انخرطتْ في سوقِ العمل، فإذا بالرجلِ يعدَّها مخرجاً جديداً له من مسئولياتِه التي أخذ يتخلصُ منها واحدةً تلو الأخرى، ويلقي بها على عاتقِ الزوجة.
تحقيقُنا اليوم يتناولُ قيادة المرأةِ للسيارة، وكيف أثقلتْها بالمسئولياتِ، وحوّلتْها بالفعلِ إلى زوجةٍ بدرجةِ (سائقِ الأسرة الخاص)، [1] أرأيتم كيفَ أصبحتْ القيادةُ حملاً ثقيلاً على المرأة ؟!!
وإني أتساءلُ !! أليس للعلماءِ قيمةٌ في هذا البلدِ ؟ أليس هُناك جهاتٍ رسميةٍ من قبلِ ولي الأمرِ؟! قد بيَّنوا فيها رأيَهم، ووضحوا فيها حُرمةَ قيادِة المرأةِ للسيارة، أيحقُّ لغيرِهم من الكتابِ والصحفيين أن يتكلموا في القضايا المصيرية للأمةِ، بعد أن فصلَّ العلماءُ فيها ؟
ألم يأمرْ اللهُ عزَّ وجل بالرجوعِ لأهلِ العلمِ كما قال تعالى: (( وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ )) (سورة النساء :38) .
فلماذا يسمحُ لهؤلاءِ بالحديثِ والكلام ؟!!
أمةَ الإسلام :
وأمامَ هذه القضيةِ التي نسألُ اللهَ تعالى أن يكفيَّنا إياها بما يشاءُ، فإنني أوجهُ عامةَ الأمة بما يلي :
أولاً : الله َاللهَ أن يؤتى الإسلامُ من قبلكَ، لا تكنْ ممن يُساهمُ في نشرِ الرذيلةِ بين المؤمنين، أين كان موقُعك؟ وفي أيِ مكانٍ كان منصبُك؟ فإنَّ هذه المناصبَ كلَّها ستزولُ، ومصيرُك أن تقفَ بين يدي اللهِ تعالى، فما جوابُك أمام الجبارِ حين يسألُك:لم ألزمتَ الأمَّةَ بهذا البلاء ؟ لم ساعدتَ وكتبتَ وشهِدتَ عن أمرٍ بيَّن العلماءُ حُرمتَه وضررَه ؟ فتذكر أيُّها المسلمُ هذا الأمرَ ولا تكنْ عوناً للشيطانِ وحزبِهِ على إخوانِك المؤمنين .
ثانياً : على الجميعِ بلا استثناءٍ أن يكتبوا ويبرقوا وينا صحوا المسؤولين برفضِ هذا الأمرِ، وأنَّه لا يمكنُ السكوتُ عليه لأنَّه بوابةٌ لشرورٍ كثيرةٍ، وإذا انفتح هذا البابُ فعلى الأمة السلام .
ثالثاً : على العلماءِ وطلابِ العلمِ أن يتقوا اللهَ تعالى ويبينوا الحقَ للناسِ، وينا صحوا المسؤولين ويكتبوا بياناً عاماً للأمةِ، يوضِّحوا فيه خطورةَ الموضوعِ، وأثرَه الفاعلَ في فسادِ نساءِ المجتمع، وألا يقفَ الأمرُ على الكتابةِ فقط، بل المطالبةِ الأكيدةِ والإصرارِ الشديدِ على رفضِ الفكرةِ من أصلها .
رابعاً : نشرُ كلِ ما يتعلقُ بالموضوعِ لعامةِ الأمةِ، سواءٌ كان ذلك عبرَ شريطٍ أو مطويةٍ أو كتابٍ لتوضيحِ حقيقةِ الأمرِ وأبعادِه الخفية .
خامساً : اللهَ اللهَ بالدعاءِ أن يحفظَ لهذا المجتمعِ ستَرهُ وعفافَه، وأن يردَّ كيدَ الأعداءِ في نحورِهم.
سادساً : على جميعِ المشاركين في تأييدِ قيادةِ المرأةِ للسيارة، والساعين لإصدارِ القرارِ أن يتقوا الله في أمتِهم، لأنَّ الأمةَ ستقفُ لهم خصماً يوم القيامةِ ، ولن تنفعَهم المناصبُ يوم العرضِ الأكبرِ على اللهِ، بل سيرفعون أكفَّ الضراعةِ إلى اللهِ أن ينتقمَ ممن كان وراءَ هذه المنكراتِ، بأن ينزلَ به المثلات، وأن يجعلَه عبرةً لمن خلفهُ ممن يفكرُ أن يسلكَ مسلكه .
سابعاً : على كل وليٍ من الأولياءِ القيامُ بخدمةِ أهليهم وقضاءِ حوائجِ أخواتهِم درءاً لفتنةِ السائقين، وسداً لذريعةِ القائلين بقيادةِ المرأة للسيارة .
وأخيراً على الجميعِ أن يتقوا عقوبةَ اللهِ إن سكتوا عن هذا الأمرِ، ولم يُجاهدوا في إنكارهِ وإسكاتِ كلِ من يُثيرُه ، ولْنحذرْ عقوبةَ الله، فالساكتُ عن الحقِّ شيطانٌ أخرس، (( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً )) (سورة الأنفال :25 ).
[1] ـ جريدة البيان الإماراتية 28/10/1421 الثلاثاء
ـــــــــــــــــــ(47/117)
شبهات أثيرت في قيادة المرأة للسيارة
لا تزال دعواتٌ تخرجُ من هنا وهناك، تدعو إلى قضايا معينةٍ، أصبحتْ هي موضوعَ حديثِ الناسِ في مجالسِهم ، ومدارَ كلامِهم في منتدياتهِم، وكلٌّ يطرحُ وجهتَه ، ويدلي بدلوِه ليُقنعَ الآخر بجدوى قناعاتِه ، لذا سنطرحُ الآراءَ في هذه القضيةِ وننظرُ إليها بعينِ الإنصافِ والتجردِ ونطرحُ الأهواءَ جانبا، ويكونُ هدفُنا هو الوصولُ للحق، نبتغي بذلك وجَه الله تعالى والدارَ الآخرة .
تُطالعُنا الصحفُ بين كلِّ حينٍ وآخر، بقضيةِ قيادةِ المرأةِ للسيارةِ، ويحقُ لنا أن نتساءلَ قبل أن نبدأَ الحوار، هل قضيةُ قيادةِ المرأةِ للسيارةِ هي أهمُ قضيةٍ نحتاجُها الآن ؟!! أليستْ هناك قضايا أهمَّ وأولى بالطرحِ من هذه القضية ؟ أليستْ قضيةُ العنوسةِ مشكلةً ضخمةً للغاية تحتاجُ إلى وقفةٍ جادةِ من المسؤولين ؟ أليستْ قضيةُ الطلاقِ والمطلقاتِ وما يواجهْنَه من مشاكلَ ومصاعبَ تحتاجُ إلى علاج ؟! كم نسبةُ النساءِ المطلقاتِ في مجتمعنا ؟هل طُرحتْ مشاريعُ لحلِ مشكلاتهِن وإثارةِ قضاياهن ؟! كم عددُ الأرامل، ماذا قدم المجتمعُ لهن ؟! فيا سبحان الله!! تناسينا كلَ هذه القضايا المصيريةِ، والتفتنا إلى قضيةٍ جانبية ؟!.
وأقول كما قالتْ إحدى الكاتباتِ في جريدةِ الجزيرة : ( إني أقولُ لمن يطرحون هذه القضية ، أنتم إنسانيون للغاية تحملون كافةَ أعباءِ وهمومِ المرأةِ على عاتقِكم ، وكلَّ ما يتعلقُ بها من قضايا ومسؤوليات ، فهي شغلُكُم الشاغلُ بالفعلِ، ولكنْ هل مشكلاتُ وقضايا المرأةِ في العالم جميعُها حلت وأصبحت في أحسنِ حال ، فلم يبق غيرُ مسألةِ قيادةِ السيارة ؟ وهل قيادةُ السيارةِ غايةٌ أم وسيلةٌ في حدِ ذاتها ؟ وما هي القيمةُ العظيمةُ التي تعطيها رخصةُ القيادةِ للمرأةِ حتى نقولَ إنَّ المرأةَ السعوديةَ حُرمتْ منها ؟ وهل لديكم أدنى فكرةٍ عن وضعِ النساءِ في العالم ؟ والمرأةُ السعودية أبعدُ ما تكونُ عما يحدثُ لنساءِ العالمِ من اعتداءٍ صارخٍ ونهبٍ للحقوق، والمرأةُ في هذه البلادِ تُدركُ جيداً أنها غاليةٌ ومعززةٌ ومكرمةٌ، فمعاملاتهُا تسيرُ في الجهاتِ الرسميةِ أولاً لأنها امرأةٌ، ولا تقفُ في الطابورِ لأنها امرأةٌ ، وتتعاملُ معها الدولةُ وكافةُ الجهاتِ الرسميةِ بكثيرٍ من الاحترامِ والتقديرِ والمراعاةِ لكونهِا امرأةً، فتمثلُ قيمةً لدى حكومتِها ولدى أسرتهِا، فهي محاطةٌ بهالة من القدسيةِ والعفةِ والاحترامِ، ولذلك المرأةُ السعوديةُ أكثرُ نساءِ العالمِ غلاءً في مهورِهن مما شكَّل مشكلةً وعقبةً رئيسيةً أمام الراغبِ في الزواجِ ، وأوجد مشكلةً العنوسةِ ..) انتهى كلامُها .
لقد طالعتْنا الصحفُ ببعضِ ما استدل به المؤيدون لقيادةِ المرأةِ للسيارةِ، كقولهِم قيادةُ المرأةِ للسيارةِ ضرورةٌ من ضروراتِ العصرِ، ومطلبٌ من متطلباتِ الحياةِ، والسؤالُ الذي يطرحُ نفسَه بنفسِه، هل العصرُ والحياةُ أدلةٌ شرعيةٌ تتحكمان في حياتِنا وشئوننِا ، بحيثُ ما أحله العصرُ أو ارتضاه أهلُه يكون حلالاً ، وما حرمتْه الحياةُ أو أبغضَهُ الناسُ يكون حراماً ؟ أم أننا متعبدون بدينٍ ربانيٍ ،و منهجٍ إيماني .
وهل كلُّ ما كان من ضرورياتِ العصرِ يكونُ حلالا ؟ إذن ما تقولون في الربا الذي ضرب بجذورِه في بلادِ العالم كافةً، هل سيكونُ حلالا ؟ يقول الله تعالى : ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله)) .
ونحن أيضاً إذا أردنا أن نُحَكِّمَ العصرَ والحياةَ - جدلاً - في قيادةِ المرأةِ للسيارةِ، فإننا سنجدُ أنَّ قيادةَ المرأةِ للسيارةِ ستسببُ مشكلاتٍ عديدةً والدليلُ على ذلك ما يلي:
- تسجلُ الإحصاءاتُ المروريةُ الرسميةُ أنَّ هناك تصاعداً في خطورةِ حوادثِ الطرقِ داخل المملكة، هذا الإحصاءُ والنساءُ لم يقدْن، فكيف إذا قادتْ النساءُ فكم ستصبحُ حوادثُ المرور ؟ وكم سيكونُ عددُ الضحايا ؟
وقد أكدتْ الدراساتُ في شتى دولِ العالمِ أن خمساً وثمانين بالمائةِ من أسبابِ الحوادث ترجعُ إلى السائق ؟مع العلمِ أن الرجلَ أثبتُ قلباً، وأقوى إرادةً، خاصةً في وقتِ الأزماتِ، فماذا سيكونُ الحالُ مع قيادةِ المرأةِ الرقيقةِ الناعمة ؟!!
ومما استدلوا به أيضا قولهُم : إن قيادةَ المرأةِ للسيارةِ في هذه البلادِ لن تكونَ كغيرِها من بلاد العالم ، بل يحكمُه نظامُ ، وقانونٌ يحفظُ لنا نسائَنا من الاختلاطِ والسفورِ، فيقالُ : هل إذا خرجتْ المرأةُ لقيادةِ السيارةِ نستطيعُ أن نقولَ لها : عليكِ بالحجابِ الشرعي ؟ وإياكِ أن تسافري إلى مدينةٍ أخرى بدون محرم ؟ وإياكِ أن تخرجي من بيتِكِ إلا للضرورة والحاجةِ الماسةِ وبإذنِ زوجِكِ ؟ وإذا اشتُرط أن يكونَ عمرُها أربعين سنة فهل كلُ امرأةٍ ستوقفُ ويسألهُا رجلُ المرور، كم عمرُكِ ؟ ونقولُ للشباب إياكم أن تؤذوا السائقاتِ بالمطارداتِ أو المعاكساتِ لأنهن أخواتُكم في الله !! وإذا كانتْ النساءُ مع السائقين لم يسلمْن من مطارداتِ الشبابِ والمواكبِ التي أصبحتْ ظاهرةً في المجتمعِ، فكيف إذا كانتْ لوحدِها ؟ وهل نمنُعها من الخروجِ خارجَ المدنِ أو الأماكنِ النائية خشيةَ أن تتعطلَ المرأةُ في مكانٍ بعيدٍ فتصبحُ هدفاً للذئابِ البشرية، ماذا سيقولُ المطالِبون بالقيادةِ أمام هذه الإشكالاتِ التي ستقعُ وهل يمكنُ حلُها ؟!!
ومما ذكره المطالبون للقيادةِ أنه يمكنُ أن تقودَ المرأةُ وهي محجبةٌ !! والواقعُ يكذبُ هذا القولَ ويبطلُه، لأن من قادتْ من النساء سوف تكشفُ وجهَها لتحذرَ عقباتِ الطرق ، ومغباتِ الحوادث، وعلى فرضِ أنه يمكنُ تطبيقه في ابتداءِ الأمرِ، هل سيستمرُ أم يتحولُ بعد فترة وجيزة ؟ يوضحُ ذلك ما ذكرتْه صحيفةُ الشرقِ الأوسطِ الصادرةِ في عامِ ألفٍ وأربعِمائة وتسعةَ عشر في شهرِ ربيعٍ الأول في اليومِ الخامس، وفيه : ( أن إدارةَ المرورِ في قطر سنتْ قانوناً يمنع النساءَ المنقباتِ من قيادةِ السيارات .
وقالتْ الصحيفة : إن الإدارةَ العامةَ للمرورِ التابعةَ لوزارةِ الداخلية سنتْ القانونَ الجديدَ بقصدِ تجنبِ تَخفي البعضِ من النساء أو الرجال تحت النقابِ للقيامِ بأعمالٍ مخالفةٍ للقانون ؛ ومنهم فئةُ صغارِ السنِ من الشباب غيرِ المسموح لهم باستصدارِ رخصِ قيادةِ السيارات، حيث يتخفون في زيِ المنقباتِ ويقومون بقيادةِ السياراتِ، مما يؤدي إلى أضرارٍ بالغيرِ في الشارع ".
فماذا يقولُ المطالبون بقيادةِ المرأةِ بهذا التصريحِ من بلدٍ عربيٍ مجاور ؟!! أرأيتم كيف أصبحتْ القيادة سبباً لإسقاطِ الحجاب !!
ومما قالوه أيضاً أنَّ النساءَ قد ركبْنَ في زمنِ النبي r الإبلَ لوحدِهن ولم يُنكَرْ عليهن، وهذا الكلامُ لا دليلَ عليه، فلم يثبتْ في دليل، ولا توجد حادثةٌ تشهدُ لقولهم بل بالعكس ؛ فإنَّ من يراجعُ أحاديثَ النبيِ r وسيرتَه يتضحُ له أنَّ النساءَ كن يركبْنَ متستراتٍ في الهودجِ على ظهورِ الإبلِ، ويقودُ بهن أحدُ الرجالِ من محارمهنَّ كما روى البخاريُ، أنَّ النبيَ r كان من سيرتِه أنَّهُ يخرجُ بإحدى نسائِه في غزواتِه، ويجعلُها تركبُ في الهودج ، ويأمرُ أحداً يقودُ بها البعيرُ أو من المماليكِ، أو يركبْن رديفاتٍ لأحدِ محارمِهنَّ، أي خلف ظهرِه، كما في البخاري أنَّ النبيَّ r أمر عبدَ الرحمنِ بنَ أبي بكر الصديق أن يردفَ عائشةَ، ويعمرَها من التنعيم، وعلى التسليِم أنها تقودُ الجملَ، فيا أيها العقلاءُ هل هناك مقارنةٌ بين الجملِ والسيارة، أليستْ السيارةُ تحتاجُ إلى أوراقٍ ثبوتية، وتأكدٍ من هويةِ السائق، إضافةً إلى ما يترتبُ عليها من الحوادثِ المتلفةِ للأنفسِ والممتلكات، ولما تتطلبُه قيادتهُا من الفنِ والمهارةِ، وقد جُعلتْ لها أقسامٌ دوريةٌ وجهاتٌ رسمية، لم تجعلْ للجمالِ والبغالِ والحمير !!
وذكر بعضُهم أيضاً بأنَّ قيادةَ المرأةِ سيكونُ مثلُ تعليمِها ؛ حيث عارضهُ البعضُ في بدايةِ أمرهِ، ثم تقبلوه تدريجياً، ونقول شتان بين الأمرين، فتعليمُ المرأةِ المسلمةِ أمرٌ رغبَ فيه الشرعُ ، والذين عارضوا أمرَ التعليمِ في أولِ الأمر لم يعارضوه لذاتِه، كما يتوهمُ البعضُ أو يتغافلُ، إنَّما عارضوه لأنَّهم خشوا أن يكونَ حالُه كحالِ تعليمِ النساءِ في الدولِ الإسلاميةِ الأخرى ؛ حيثُ الاختلاطُ والموادُ الفاسدة ، فلما تيقنوا أنَّ هذا لن يحدث ، وأنَّ التعليمَ سيرتبطُ بعلماءِ الشريعةِ، وسيكونُ مستقلاً اطمأنوا لذلك، فأين تعليمُ المرأةِ المسلمةِ التي تخرجُ من بيتِها بحجابٍ كامل، إلى مدرسةٍ خاصةٍ ببناتِ جنسِها مغلقةِ الأبواب ، وعليها الحراس، وتدرسُ موادَ نافعة، من قيادةِ السيارةِ وما فيها من المفاسد ؟!!
ومما قالوه أيضا: أنَّ هناك أُسراً لا يوجدُ من يعولهُم، وأراملُ لا ولي يقومُ على شؤونهِم، والسماحُ لنساءِ هؤلاءِ بالقيادةِ فيه دفعٌ لحاجتِهم، وتخفيفٌ لضرورتهِم، ويقالُ لهؤلاء إنَّ الأراملَ والمحتاجاتِ في المجتمع لن يستفدْن من السماحِ للمرأةِ بقيادةِ السيارة شيئا ، لأنَّ غالبَهن لا يستطيعن شراءَ السيارةِ فضلاً عن تحملِ تبعاتهِا، لكونهنَّ لا يستطعنْ تحملَ تبعاتِ بيوتهِن أصلاً !! وإذا كانتْ أمهاتُ الأسرِ الفقيرة بحاجةٍ إلى القيادةِ فليحضرْن سائقاً يقضين به ضرورتهَن مع عدمِ الخلوةِ بهن بحالٍ من الأحوال، مع العلمِ أنَّه قد وفر الكثير من حاجات النقل الضرورية، فالتعليمُ العامُ والجامعيُّ تتوفرُ فيه حافلاتُ نقلٍ مجانية ، والمستشفيات فد وُفرتْ لها سياراتُ الإسعافِ لنقل المرضى من أي مكانٍ في البلدِ إلى المستشفيات، فضلاً عن الجمعيات الخيرية التي تقومُ على الأسرِ المحتاجةِ ، والترابطِ الاجتماعي المتميزِ في هذا البلدِ، بين غالبِ الأقاربِ والجيران .
ومما قاله المطالبون بالقيادِة قولهُم: إنَّ قيادةَ المرأةِ خيرٌ لها من الخلوةِ بالسائقِ الأجنبي !!
ومن تأمل بعينِ الإنصافِ والتجردِ علم أن كلاَ الأمرينِ فيهما ضررٌ وأحدُهما أضرُّ من الآخر، ولكن ليس هناك ضرورةٌ توجبُ ارتكابَ أحدِهما، فقيادةُ المرأةِ للسيارة مفاسدُها أعظم، وخطرُها أكبرُ، فالشرعُ عندما حرم الخلوةَ بالمرأةِ إنما حرمها سداً لذريعةِ الفساد، لكنَّ القيادةَ يلزمُ منها الوقوعُ في الحرامِ، ككشفِ الوجه ، ونزعِ الحياء ـ والحياءُ من الإيمان ـ وسببٌ لكثرةِ الخروج من المنزل ـ والبيتُ خيرٌ لها ـ كما قال r ، وفتحُ البابِ على مصراعيه لها، بحيثُ تخرجُ متى تشاء ، وإلى مَنْ تشاء ، وحيث شاءتْ ، وتمردُها على زوجِها وأهلِها ، فلأدنى سبب يُثيرُها في البيتِ تخرُج منه ، وتذهبُ لسيارتهِا إلى حيث ترى، وكذا مطالبتُها بصورتهِا في رخصةِ القيادةِ للتحققِ من هويتِها، وكما أنها سببٌ للفتنة في مواقفَ عديدة : في الوقوفِ عند إشاراتِ الطريق، وعند نقطِة التفتش، وفي الوقوفِ لملءِ إطارِ السيارةِ بالهواء، وفي الوقوفِ عند محطاتِ البنزينِ، وفي الوقوفِ عند رجالِ المرورِ عند التحقيقِ في مخالفةٍ أو حادث، وفي الوقوفِ عند خللٍ يقعُ بالسيارة أثناء الطريقِ، فتحتاجُ المرأةُ إلى إسعافِها ، فماذا تكونُ حالتُها ؟ وربما تصادفُ رجلاً سافلاً يساومُها على عرضِها في تخليصِها من محنتِها ، لا سيما إذا عظمتْ حاجتُها حتى بلغتْ حدَّ الضرورة، وهل يتوقعُ أن الأسرَ ستستغني عن السائقِ الذي اعتادتْ تكليفَه بشراءِ حوائجِ البيت ، وإيصالِ من شاءوا وسط الليلِ، وغسيلِ السيارات وأفنيةِ المنازل ، وتعبئةِ اسطواناتِ الغاز وحملِها، إلى آخر القائمة المعروفة، هل ستستغني الأسرُ عنه وقد اعتادتْ عليه، لتقومَ نساؤُها بذلك، وهل ستقومُ النساءُ مقامَه في توصيلِ من يريدن ؟ إن معظمَ الشبابِ يتثاقلون عن خدمةِ أهاليهم وتحريكِ سياراتهِم لأقرب مكان، فما الظنُّ بالنساء ؟!! ثم إنَّ واقعَ الدولِ القريبة منا يشهدُ بهذا، حيث قادتْ نساؤُهم وبقي السائقون في بيوتهِم !! فاجتمع الضرران .
وقالوا: ألا تروْن أننا بالسماحِ بالقيادةِ نتخلصُ من الضغوطِ الكثيرة التي تتعرضُ لها بلادُنا من الغربِ، بخصوصِ قضيةِ المرأة ، فنرتاحُ بعدها، ونتنفسُ الصعداءَ من هذا الشدِ والتأزمِ الذي نعيشُه، ونقولُ: هيهات أن يكونَ ذلك !! لأن الغربَ كلما زدتَّ له انبطاحاً زاد ضغطاً في أمورٍ قد لا ترضونها سياسياً ولا شرعيا !! وقد أخبرنا اللهُ عن حقيقةٍ ينبغي أن لا تغيبَ عن أذهاننِا وأن لا نحاولَ خداعَ أنفسِنا بتجاهِلها، وهي أن الغربَ لن يرضى عنا دون الكفرِ باللهِ تعالى، فهل ترضون بهذا ؟!! يقولُ الله تعالى : ((وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ )) (سورة البقرة :120) .
فلا تحلم برضى الكفارِ أو تخفيفِ الضغوطِ ما دمت على الإسلامِ، وليكنْ لنا عبرةٌ بحال تركيا، فهاهي قدمتْ التنازلاتِ تلو التنازلات التي لا تخفى على متابعِ، فعلمَنَتْ البلاد ، وحاربتْ مظاهرَ الإسلام ، وكل هذا لتُرضيَّ الغربَ النصراني وتتذللَ له أن يقبلَها عضوا في الاتحادِ الأوربي ، ولكن ماذا كانتْ النتيجةُ إلى يومنا هذا ؟ اسمع ذلك في هذا الخبرِ نشرتْه مجلةُ المجتمع في عددِها ألفٍ وخمسِمِائة وعشرة : ( أكد جونتر فرهويغن مسؤولُ شؤونِ التوسعِ في لجنةِ الاتحادِ، عدمَ وجودِ خططٍ أوربيةٍ حاليةٍ لمنحِ تركيا موعداً ـ مجردَ موعدـ لبدءِ مباحثاتِ العضويةِ مع الاتحاد )!! والسببُ أن تركيا إلى الآن لم تعلنْ نصرانيتَها حتى يرضى الغربُ عنها كما أخبرنا تعالى، لهذا ينبغي أن يعلمَ العقلاءُ في بلادِنا أنهم إذا تنازلوا في هذا الأمرِ سيجدون أنفسَهم أمام قائمةٍ طويلةٍ من التنازلات التي لا تنتهي، ولكن إن هم اتقوا وصبروا ولم يتنازلوا في هذا الأمرِ، سيجدون أن اللهَ ينصرُهم ويفرجُ عنهم أزمتَهم، وأن الغربَ يملُّ ويكلُّ وييأسُ، ويتحققُ فيهم قولُه تعالى : ((وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا )) (سورة الأحزاب :25).
هذا جلُ ما استدل به المطالبون بقيادةِ المرأةِ للسيارة، وليعلمْ الجميعُ أن في تحقيقِ هذا المطلبِ مفاسدَ عظيمةً تعودُ على الفردِ والمجتمع، وفيه أيضا تفريطٌ في حق البيتِ والأولادِ، ونحن نرى الآن الثمراتِ المرةَ لخروجِ المرأةِ للعملِ، فأصبحتْ التربيةُ والحضانةُ في كثيرٍ من بيوتِ الموظفاتِ من مهماتِ الخدم ، وغالبُهم من الأعاجِم الذين لا يحسنون تربيةَ الأولاد ، وربما كانوا من النصارى أو الوثنيين ، وهنا تكونُ المصائبُ الثلاث : الأولى أنَّ الأبَ لا يقومُ بشؤونِ بيتِه ، والأم لا تقومُ بشؤونِ منزلهِا ، والأولادَ بيدِ الخدم ، ومن ثم على المجتمعِ السلام ، ولعلي أعرضُ لكم مقولةً لمن جربوا هذا الأمرَ وذاقوا مرارتَه، وهي دولةٌ خليجيةٌ مجاورة تقولُ صحيفةُ البيانِ الإماراتية ِ: ( تغيرتْ الحياةُ بشكلٍ كبيرٍ وملحوظ، وأثرُ هذا التغييرِ على كلِ فردٍ من أفرادِ الأسرةِ، الزوجِ والزوجةِ والأبناءِ، وجاء هذا التغييرُ لصالحَ فردٍ معين في الأسرةِ على حسابِ فردٍ آخر، أو بمعنى آخر أنَّ الرجلَ ارتاح كثيراً في هذه الحياةِ ، مقارنةً بالمرأةِ التي خرجتْ لميدانِ العمل تشاركُ الرجلَ همومَ الحياةِ من الناحيةِ الماديةِ والمعنويةِ أيضا،
وإني أتساءلُ!! أليس للعلماءِ قيمةٌ في هذا البلدِ ؟ أليس هناك جهاتٍ رسميةً من قبلِ ولي الأمرِ، قد بينوا فيها رأيَهم، ووضحوا فيها حرمةَ قيادِة المرأةِ للسيارة، أيحقُّ لغيرِهم من الكتابِ والصحفيين أن يتكلموا في القضايا المصيرية للأمةِ بعد أن فصل العلماءُ فيها ؟
ألم يأمرْ اللهُ عز وجل بالرجوعِ لأهلِ العلمِ كما قال تعالى : (( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)) (سورة النساء :83)
فلماذا يسمحُ لهؤلاء بالحديثِ والكلام ؟!!
فإنني أوجهُ عامةَ الأمة بما يلي :
أولاً : الله َاللهَ أن يؤتى الإسلامُ من قبلكَ، لا تكنْ ممن يساهمُ في نشرِ الرذيلةِ بين المؤمنين، أين كان موقُعك، وفي أيِ مكانٍ كان منصبُك، فإن هذه المناصبَ كلَّها ستزولُ، ومصيرُك أن تقفَ بين يدي اللهِ تعالى فما جوابُك أمام الجبارِ حين يسألُك : لم ألزمتَ الأمةَ بهذا البلاء ؟ لم ساعدتَ وكتبتَ وشهدتَ عن أمرٍ بين العلماءُ حُرمتَه وضررَه ؟ فتذكر هذا الأمرَ ولا تكنْ عوناً للشيطانِ وحزبِه على إخوانِك المؤمنين .
ثانياً : على الجميعِ بلا استثناءٍ أن يكتبوا ويبرقوا ويناصحوا المسؤولين برفضِ هذا الأمرِ، وأنَّه لا يمكنُ السكوتُ عليه، لأنَّه بوابةٌ لشرورٍ كثيرة، وإذا انفتح هذا البابُ فعلى الأمة السلام .
ثالثاً : على العلماءِ وطلابِ العلمِ أن يتقوا اللهَ تعالى ويبينوا الحقَ للناسِ ويناصحوا المسؤولين ويكتبوا بياناً عاماً للأمةِ، يوضحوا فيه خطورةَ الموضوعِ ، وأثرَه الفاعلَ في فسادِ نساءِ المجتمع، وألا يقفَ الأمرُ على الكتابةِ فقط، بل المطالبةِ الأكيدةِ والإصرارِ الشديدِ على رفضِ الفكرةِ من أصلها .
رابعاً : نشرُ كلِ ما يتعلقُ بالموضوعِ لعامةِ الأمةِ سواءٌ كان ذلك عبرَ شريطٍ أو مطويةٍ أو كتابٍ لتوضيحِ حقيقةِ الأمرِ وأبعادِه الخفية .
خامساً : اللهَ اللهَ بالدعاءِ أن يحفظَ لهذا المجتمعِ ستَره وعفافَه، وأن يردَّ كيدَ الأعداءِ في نحورِهم .
سادساً : على جميعِ المشاركين في تأييدِ قيادةِ المرأةِ للسيارة والساعين لاستصدارِ القرارِ أن يتقوا الله في أمتِهم، لأن الأمةَ ستقفُ لهم خصماً يوم القيامةِ ، ولن تنفعَهم المناصبُ يوم العرضِ الأكبرِ على اللهِ، بل سيرفعون أكفَ الضراعةِ إلى اللهِ أن ينتقمَ ممن كان وراءَ هذه المنكراتِ، بأن ينزلَ به المثلات، وأن يجعلَه عبرةً لمن خلفه ممن يفكرُ أن يسلكَ مسلكه .
سابعاً : على كل وليٍ من الأولياءِ القيامُ بخدمةِ أهليهم وقضاءِ حوائجِ أخواتهِم درءاً لفتنةِ السائقين، وسداً لذريعةِ القائلين بقيادةِ المرأة للسيارة .
وأخيراً على الجميعِ أن يتقوا عقوبةَ اللهِ إن سكتوا عن هذا الأمرِ ولم يجاهدوا في إنكاره وإسكاتِ كلِ من يثيرُه، ولْنحذرْ عقوبةَ الله، فالساكتُ عن الحقِ شيطانُ أخرس، ((واتقوا فتنة لا تصيبين الذين ظلموا منكم خاصة )) .
ـــــــــــــــــــ(47/118)
رد حول قيادة المرأة للسيارة
اطلعت على ما كتبه عابد خزندار ـ وفقه الله لما يحب ويرضى ـ تعليقاً على ما كتبه فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء حفظه الله حول قيادة المرأة للسيارة رداً على د.الفوزان ... وأقول للكاتب وغيره :
لقد مللنا الحديث عن هذه القضية ، والحديث فيها أصبح معاداً ومكروراً ، وإني لأعجب من بعض الكتّاب الذين يثيرون هذه القضية ، وكأن قضايا المرأة كلها قد حلت سوى هذه القضية .. وقد قال ولاة الأمر كلمتهم فيها ، وصدر المنع بذلك ، كما قال علماؤنا الأجلاء كلمتهم - وهم من أولي الأمر - ، كما قال المجتمع أيضاً كلمته في ذلك ، فما بال هؤلاء يصرون على هذه القضية ؟! .. وأين هؤلاء الكتّاب من الحديث عن كثير من القضايا التي هي أهم كقضايا التبرج والسفور التي تهدد المجتمع ، وقضايا المعاكسات ، والغزو الفكري والأخلاقي الفضائي المتمثل في الأفلام والمسلسلات المدبلجة الهابطة والخليعة ، والبرامج الموجهة لإفساد المجتمع ، والمرأة على وجه الخصوص ، وقضايا الطلاق ، والتقليد المقيت للغرب الكافر فيما يضر ولا ينفع ، وغيرها من القضايا الأخرى المهمة ..
ثم إن الكاتب ناقض نفسه بنفسه ، ورد على نفسه دون أن يشعر ؛ فهو يقول : " والمسألة الأخرى التي تعرض لها الشيخ ويثيرها الدعاة إلى منع المرأة من قيادة السيارة هي احتمال تعرضها للأذى إذا كانت بمفردها في السيارة .." ثم ذكر قصة المرأة التي اختفطت قبل العيد وهي راكبة بجانب زوجها ... وأقول : إن هذه القصة حجة عليه لا له ، فإذا كانت المرأة لم تسلم وهي بجانب زوجها وحاميها الذي هو على استعداد بأن يضحي بنفسه وماله في سبيل حمايتها وصيانتها ـ وهو شهيد إن فعل ذلك ـ فكيف ستسلم إذا كانت بمفردها دون حام أو ذائد ؟! فالحمد لله الذي جعله ينطق بالحق دون أن يشعر .
وقبل ذلك يدافع الكاتب عن الغرب ، ويرى أن أخلاقه لم تنهر بدليل تفوقه العسكري على المسلمين ، وأن أخلاقه (!) هي سر تفوقه وليس امتلاكه للمادة والسلاح (!) .. ولا أدري عن أي أخلاق يتحدث ، وقصة الرئيس الأمريكي وتحرشه الجنسي بموظفة البيت الأبيض لا تزال طرية تلوكها الألسن ، وتتناقلها وسائل الإعلام المختلفة ، وكأن شيئاً لم يكن ، فإذا كان هذا حال الرئيس فماذا سيكون حال المرؤوسين ؟! .. وقد اعترف كثير من عقلاء الغرب ومفكريهم ، ومن أسلم منهم ـ وهم أعلم ببني قومهم ـ أن الحضارة الغربية بلا أخلاق ولا قيم ، وأنها حضارة تحتضر ، ولولا خشية الإطالة لذكرت الكثير من أقوالهم واعترافاتهم ..
إن تفوق الغرب الكافر علينا ليس سببه الأخلاق ، وإنما سببه الرئيس هو الهزيمة النفسية التي استولت على قلوب كثير من مثقفينا ومفكرينا قبل عامتنا كما قال تعالى لما هُزم المسلمون في أحد ، وتساءلوا عن سر الهزيمة : ( قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير) ، ومتى ما طردنا هذه الهزيمة النفسية من أنفسنا ، ووثقنا بربنا وديننا ، أمكننا أن نكون في مصاف الدول العظمى ، بل قادة العالم كله وسادته كما كنا من قبل، وما عظمت تلك الدول إلا بغياب المسلمين . وهاهي بشائر الخير اليوم تلوح في الأفق ، ففي كل يوم يعود الآلاف من المسلمين إلى دينهم ، وينضم إليهم أمثالهم - بل أكثر - من غير المسلمين، في الوقت الذي يتكشف فيه زيف الحضارة الغربية وظلمها وعدوانها المقنع الذي طالما حاولت إخفاءه تحت ستار الأمن والعدل والسلام ، (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم، وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ) ...
ـــــــــــــــــــ(47/119)
هم العدو فاحذرهم
الحمد لله الذي يكشفُ البلوى، ويعلمُ السرَّ والنجوى، وأشهدُ ألاَّ إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، إنَّهُ هو الربُّ الأعلى، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله النبي الأكمل، والرسول الأتقى- صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم- تسليماً أما بعد:
فاتقوا الله أيُّها المسلمون: حقَّ التقوى، ولا تموتنَّ إلاَّ وأنتم مسلمون.
الأمةُ تعيشُ في غمةٍ، والأمةُ سيلٌ قد انعقد غمامه، وجيوشُ الصليب جاءت إلى ديار المسلمين من فوقهم ومن أسفل منهم، يُلوِحون بعصاهم الغليظة، ويُشهرون سيفَ التهديد والوعيد، قائلين:إنَّا قد جمعنا لكم فاخشونا، وأهلُ الإسلام يستسقونَ أمطاراً فترتوي الأجواءَ رياحاً وغباراً، بما كسبت أيدي الناس، ليذيقهم بعضَ الذي عملوا لعلهم يرجعون.
وفي غمار الأزماتِ، وأوقاتِ الشدائد والمحن، ينشغلُ الناسُ بالعدو الأصغرِ عن العدو الأكبر، حيثُ تنبعثُ روائحَ منتنةٍ من مستنقعٍ عفن، وتخرجُ جرذانِ الفساد، وفئران الانحلالِ من جحورها، لتغرق سفينةَ الأُمة، وتهدم بنيانها.
من يا تُرى عدونا الأكبر؟! وما تلك الروائح العفنة؟! وما هي جرذان الفسادِ وفئران الخراب ؟!.
إنَّهم قومٌ نسوا الله فنسيهم، أولئكَ هم الفاسقون، أولئكَ هم المفسدون في الأرض، الآمرون بالمنكر، الناهون عن المعروف، إنَّهم المنافقون الذين لا يظهرون إلاَّ في الأزمات ، ولا ينعقونَ إلاَّ إذا انتفش أسيادهم ، ورقصوا على جراح أمتنا طرباً .
إنَّهم المنافقون على اختلاف مشاربهم، وتنوع مسمياتهم، العلمانيون الحداثيون، أرباب الشهوات وأدعياءَ العقلانية والتنوير، الرافضة ، تعددت الأسماءُ والكيدُ واحد.
تنوعت أسماؤهم وسيدهم واحد، (( ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب )) وهدفهم واحد"، (( ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً)) ويحبون أن تشيع الفاحشة بين الذين آمنوا، وودُّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءَ.
وادعاءَاتُهم واحدة، فالإفسادُ إصلاح، وتدميرُ المرأةِ تحرير، وعقوقها حقوق،. (( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون)) إنَّهم المنافقون والمنافقات، بعضهم من بعض ، من طينةٍ واحدة، وطبيعةِ واحدة، المنافقون في كل زمانٍ وفي كل مكانٍ تختلف أقوالهم وأفعالهم، ولكنها ترجعُ إلى طبعٍ واحد
وتنبع من مستنقعٍ واحد، سوءَ الطوية، ولؤمَ السريرة والغمز، والدس والضعف عن المواجهةِ والجبن عند المصارحة، تلك سماتُهم الأصيلة ، أمَّا سلوكهم فهو الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، والبخلُ بالمال ، إلاَّ أن يبذلوه رئاءَ الناس، وهُم حين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، يستخفون بهما، ويفعلون ذلك دساً وهمساً، وغمزاً ولمزاً، لا يجرؤن على الجهر إلاَّ حين يأمنون، ولا يأمنون ويجترئون إلاَّ حينما ينتصرُ أسيادهم من اليهود والصليبين، ويُحلون قريباً من ديارِ المسلمين.
إنَّهم نسوا الله فلا يحسبون إلاَّ حساب الناس وحساب المصلحة، ولا يخشون إلاَّ الأقوياءَ من الناس ، يذلون لهم ويدارونهم، فنسيهم اللهُ فلا وزن لهم ولا اعتبار.
إنَّ النفاقَ لا ينجمُ إلاَّ عن تلك النفوسِ المريضة الجبانة، التي لا تتجرأُ على الظهورِ بأفكارها، أو تلك النفوسِ التي لا ترى إلاَّ حياتها الدنيا ، فإن أُعطي أحدهم رضي، وإن لم يُعط سخط ، وهُناك نفوسٌ تكرهُ الحقَّ ولا تحبُ العيشَ إلاَّ في المستنقعِ الآسن ، فهي تشرقُ بدعوةِ التوحيد، والعبودية لله وحده.
لقد تميزَ عصرُنا الحاضر بارتفاع أصوات المنافقين والمنافقات في أنحاء العالم الإسلامي، فأُفردت لهم الصفحات، ودُعوا إلى التحدث في المنتديات، واحتفلت بهم التجمعات، وسيطروا على كثيرٍ من وسائلِ الإعلام كما يلاحظهُ القاصي والداني.
وحالُ المنافقين ليس بجديدٍ على أمةِ الإسلام، فعداوتهم متأصلةً منذُ هجرة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقد وصفهم الله في سبعةٍ وثلاثين موضعاً من كتابه، وأفاضت السنة في وصفهم، وهي صفاتٌ تتوارثها الأجيال المنافقة، زمنٍ بعد زمن حتى وقتنا الحاضر، "وإذا رأيتهم تُعجبك أجسامهم، وإن يقولوا تسمع لقولهم"، فما أكثرَ المستمعين لحديثهم، المنصتين لهرائهم، المتابعين لإنتاجهم ، والعجبُ أن تتولى حفنةٌ قليلةٌ من المنافقين والمنافقات إفساد الأمة، ومسخها عن دينها ودعوتها، إلى التحررِ والإباحية، والعفنِ والرذيلة، وهكذا هُم المنافقون في كلِّ أمةٍ وفي كل قطر، يتحينون الفرص، ويقطعون الطريق، (( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض)) لا يملون ولا يكلون، ولهم جلدٌ وصبرٌ عجيب، شعارهم ( تقدم خطوتين وارجع خطوة) (( وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم)) .
إنَّ من كيد المنافقين محاولةُ إسقاطِ الشخصيات المسلمة، وتشويه صورتها، والقدحُ في نزاهتها كما في قصةِ الإفك التي تتكرر في كلِّ جيل، وعبر طرقٍ مختلفة.
ومن كيدهم: بلبلةُ الصفِّ الإسلامي، بإشاعة الخور فيه والضعف، وذكرُ قوةِ الأعداء وتهويلها"، (( وقالوا لا تنفروا في الحر)) ، (( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلاَّ خبالاً)) وكما قال قائلهم يوم تبوك : أتظنون جلادَ بني الأصفرِ كقتالِ العرب، والله لكأنا بكم غداً مقرنين في الحبال ، واستعملوا أسلوبَ السخريةِ والاستهزاء، (( ولئن سألتهم ليقولنَّ إنما كنَّا نخوض ونلعب )) .
أيُّها المسلمون :
المنافقون هم الذين يتخذون الكافرين أولياءَ من دون المؤمنين، يبتغون عندهم العزةَ، ويُسارعون فيهم، يقولونَ نخشى أن تُصيبنا دائرة"، فهم يتعاونون مع أعداءِ الإسلام لتدميرِ الأمةِ المسلمة، قال شيخ الإسلام": وهؤلاءِ المنافقين في هذه الأوقات، فيهم ميلٌ إلى التتار، لكونهم لا يلزمونهم شريعة الإسلام.
يشهدُ التاريخُ ويشهدُ الحال على أنَّهُ ما من فتنةٍ هي أشدُّ خطراً وكيداً على الأمة، وقيادتها ومبادئها، مثل كيد المنافقين.
فهم لا تربطهم بقادتهم، ولا بأوطانهم مبادئُ سامية، ولا قيمٍ نبيلة ، رائدهم المصلحة وهدفهم الإفساد.
روي عنه- صلى الله عليه وسلم- قوله : (( إني لا أتخوف على أمتي مؤمناً ولا مشركاً ، أمَّا المؤمن فيحجرهُ إيمانه ، وأما المشركُ فيقمعهُ كفره ، ولكن أتخوفُ عليكم منافقاً عالم اللسان ، يقولُ ماتعرفون ، ويعملُ ما تنكرون)) .
من ينسى موقفهم في أحد، وخيانتهم يوم الخندق، وإرجافهم في تبوك، ومن ينسى مؤامرتهم لإسقاط الدولة المسلمة، ومن ينسى تواطؤهم مع التتار، وتعاونهم مع أهلِّ الصليب، أمَّا في عصرنا فتشهدُ أرض أفغانستان بالأمس، وبلاد العراق اليوم بخبثهم وخيانتهم ومكرهم.
إنَّ شماتتهم وفرحهم بما يُصيبُ المسلمين من نكباتٍ، لم يكن ليُخفيها التظاهرُ المتصنع ، وما تقولهُ أفواههم غيرَ ما تُخفيه صُدورهم .
إنَّهم وإن دندنوا بالحفاظ على مصلحةِ الوطن، وتحدثوا عن الحرصِ على الوحدة والتآلف، فهم بأفعالهم كاذبون، وبمواقفهم خائنون، (( وإن يقولوا تسمع لقولهم )) (( وفيكم سمَّا عون لهم )) .
لم يعرف التاريخ السابق والمعاصر قوماً أشدُّ وفاءً لقيادتهم وأمتهم، وأكثرُ حفاظاً على مكتسبا تهم، من أهلِّ السنةِ الصالحين المصلحين، الذين ينطلقون في مواقفهم من عقيدةٍ راسخة، وقيمٍ نبيلة، وإيمانٍ بالله واليوم الآخر، لا خوفاً من بشرٍ ولا طمعاً في عَرَض.
أيُّها المسلمون:
والأمةُ اليوم مهددةٌ من أعدائها، وليس لها من دونِ الله كاشفة، والفتنُ قد اشتدَّ أوارها ، فإنَّ الحاجةَ تشتدُّ للعودة إلى الله، واللجوءِ إلى حماه ، والحاجةُ تشتدُّ إلى التعاون والتآلف، ووحدةَ الصفِّ والاعتصامِ بحبل الله ، والحاجةُ تشتدُّ إلى السيرِ في ركبِ جماعةِ المسلمين وإمامهم.
ولكنَّ المنافقين في الأمة انطلاقاً من مبادئهم في خلخلة الصفوف، وتحقيقاً لأهداف أسيادهم"، (( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم)) ، ويبغونكم الفتنة، ويريدون أن تميلوا ميلاً عظيماً.
هاهم اليوم يستغلون انشغالَ الأمةِ بالأحداثِ والأزمات ، يبثُّون سمومهم، وينشرون أفكارهم العفنة، ويدعون إلى ضلالاتهم التي تشهدُ هدم الجدار الأخلاقي للأمة ، لكي يسهلَ استعمارها، ويخف على أسيادهم دمارها.
لقد رأوا كما رأى أسيادهم، أنَّ إفساد المرأةِ هو أقصرُ الطُرقِ لإفسادِ المجتمعِ بأسره، فسلطوا سهام أقلامهم للحديث عن قضايا المرأة وحقوقها المهضومة كما يزعمون.
إنَّ قضاياهم التي يطرحونها، وأفكارهم التي ينشرونها، لا تتجاوزُ المرأة وشؤونها، سواءً فيما يخصُّ تعليمها، ولباسها المدرسي ومناهجها، أو فيما يخصُّ عملها، ومحاولةُ إقحامها في مجالاتٍ لا تتناسبُ مع طبيعتها ، أو فيما يتعلقُ بترفيهها من خلالِ دعواتهم لإنشاءِ نوادٍ نسائية .
وآخر غثائهم دعوتُهم التي أٌقرت، وهي سماحَهم للمرأةِ بالعملِ بائعةً بمحلاتِ أدوات التجميل، ومندوبة مبيعات.
ودعكَ من شروطهمُ التي وضعُوها، فإنَّما هي حبرٌ على ورق.
وفي برنامجٍ تلفازي، يصبحُ المذيعُ مفتياً، فيعرضُ صورَ نساءٍ كاشفاتِ الوجهِ، ويبرر بأنَّهُ هذا لا شيءَ فيه شرعاً .
إنَّ مثلَ هذه الدعواتِ العفنةِ في مجتمعنا المسلمُ الغيور، إنَّما تزرعُ بذورَ الخصامِ والعداوات، وتؤججُ نارَ الفُرقةِ والنزاعات، وتستجلبُ غضبَ اللهِ عز وجل وسخطه.
كلُنا يُدركُ والمنافقون يعلمون أنَّ فتنةَ التبرج والسفور في البلاد المسلمة، إنَّما بدأت بكشفِ وجه المرأة، فخلعت معهُ ما هو أغلى وأثمن، ألا وهو ثوبُ الحياء، الذي طالما صان وجهها، أن يكون معروضاً مبذولاً لكلِّ من شاءَ أن يراه، وما زالت المرأةُ تتدرجُ في خطوات السفور، حتى وصلت إلى ما تعلمون وتسمعون.
وكلُنَّا يُدركُ أنَّ عمل المرأة بائعةً ومندوبة مبيعات، يستلزمُ قيادتها للسيارة، ويتطلبُ اختلاطها بالرجال، واتصالها بهم، ولا تسأل بعد هذا عمَّا يحدثُ من فتنٍ وضياع، فلماذا الضحكُ على الذقون ؟ .
وإننا نتساءلُ بحرقةٍ وأسى : لمصلحةِ من تُبثُّ هذه الأفكار العفنة، وتنشرُ هذه الآراء المفسدة ؟ وهل نحنُ نُعاني من قلةِ الرجال العاملين، أوليس لنا عبرةً في تجاربِ الغرب الكافر، حينما انتهوا إلى حقيقةِ : أنَّ المرأةَ دورها في بيتها، وعملها في أسرتها، فلماذا نبدأُ من حيثُ بدؤواُ لا من حيث انتهوا.
إننا نعلمُ ونوقنُ، أن ليس بالقومِ غيرةٌ على الدين، ولا حرصٌ على مصالحِ البلادِ والعباد، ولكنهم المنافقون يصطادون في الماءِ العكر، ولا يرضيهم إلاَّ أن يكون مُجتمعنا نسخةً من مجتمعات الغربِ المنحلة، ولا يقرُّ أعينهم إلاَّ مشاهد المسارح والبارات ، ودورُ البغاءِ وأولادُ السفاح منتشرةً في شوارعنا ، إنَّهم كما أخبر الله ((ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً)).
إنَّ العلمانيين حينما يطرحون قضيةَ المرأةِ وحجابها، ويُطالبون بقيادتها للسيارة، ومشاركتها للرجلِ في التجارةِ والإدارة، إنَّما يجعلون من مسألةِ الحجابِ والعفافِ مجرد تقاليدٍ وعادات.
وما عرفنا الإسلام تقاليد ، إنَّما عرفناهُ مناراً وتعاليم، وشرائع ومعالم. وهم بذلك يُحولون شرعَ اللهِ ووحيهِ إلى أعرافٍ وتقاليد، تواضعُ الناس في زمنٍ من الأزمان على احترامها، وبناءً على ذلك فما يَصلحُ لجيلٍ لا يصلحُ لآخر، وما يناسبُ مجتمعاً لا يناسبُ المجتمعات الأخرى، وما يتفقُ مع زمنٍ فلا شأنَ لهُ بباقي الأزمان، إنَّ الهدف من التعبيرِ عن الأحكام الشرعية، بالتقاليدِ واضحٌ بيِّن، وهو جعلها عُرضةً للتغييرِ والتبديل، بحجةِ إنَّ تقاليدَ عصرُ الصحراء لن تُناسب عصر الفضاء،" كبُرت كلمةً تخرجُ من أفواههم .
لا بُدَّ أن تُدرك المرأةُ المسلمةِ ويدرك وليها، ولا بُدَّ أن يدركَ المجتمع كلهُ أنَّ كلَّ دعوةٍ لإفسادِ المرأةِ، ونزعِ حيائها، وسلبِ عفافها، إنَّما هي محاولةُ لهدمِ معالمِ القوةِ في الأمة، ليسهلَ على العدوِّ تدميرها، وسلب خيراتها.
وإنَّ العجب لا ينقضي من أمةٍٍ تنعمُ بشريعةِ ربها، وتتفيؤ ظلالَ نعمهِ الوارفة، في جنةِ العفاف، وبستانِ الفضيلة ، ثُمَّ هي تنقضُ غزلها، وتُخرب بيتها بأيديها وأيدي أعدائها،. (( أ فحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون)) .
الخطبة الثانية
أما بعد:
فإنَّ المعركةَ الفكريةَ التي يُديرها أعداءُ الإسلام، أخبثُّ وأشدُّ لؤماً من المعاركِ العسكريةِ والاقتصادية، معركةٌ استنفرت فيها الأقلام، وحُشدت لها الكتبُ والصحفُ والمجلات، ومئاتُ المرتزقة والحاقدين.
وإنَّ أشدَّ ما يُصابُ به المسلمون، أن يتسلل المنافقون إلى صفوفهم، فيعيثون تخريباً وفساداً، وأصحاب الغفلةِ يسمعون لهم، وتُؤثر فيهم مكايدهم 0
إنَّ المنافقينَ اليومَ لم يُعد هجومهم وحربهم قاصراً على القيادات الإسلامية، من علماءٍ ودعاة، ولم يتوقف عندَ حدِّ الهجومِ على المؤسسات الإسلامية العاملة في هذه البلاد ، من لمزٍ لنظامِ القضاء، أو سخريةً بالفتوى، أو هجومٌ متعمدٌ على الهيئات، وتهكمٌ برجالها ، ذلك الهجومُ الذي يقطرُ من أقلامهم، وتسودُ به صحافتهم.
لم يُعد المنافقون يكتفونَ بذلك، بل مع جلدِ الفاجرِ، وعجزِ الثقةِ، أصبحوا يَتطاولون على بعضِ معالمِ الدين، ويتحدثونَ عن أمورٍ شرعيةٍ بأسلوبٍ ساخر، ينبئُ عن مرضٍ قلبي ، وانهزاميةٍ نفسية، فمن كاتبٍ يتهجمُ على الجهادِ ويسخر من المجاهدين، ويتهكمُ بالكراماتِ وصورَ النصر ، إلى آخرٍ يكتبُ مقالاتٍ عن الدعوةِ، ويتوصلُ بعبقريتهِ الفذَّة إلى أنَّ داءَنا، وعلةَ فشلِ تعليمنا، هو اشتغالُنا بالدعوة إلى الله ، ويظهرُ تبرمهُ منهُ قائلاً: لهذا أصبحنا محاطينَ بالدعوة والدعاةِ من كلِّ جانب ، ويسخرُ من مواضيعِ الدعوة قائلاً : إنَّ كثيراً من النشاطاتِ لا يتضمنُ إلاَّ تكراراً، فهي تدورُ على موضوعاتٍ محددة، أشهرها الموتُ والحجاب، وتفسيرُ الأحلامِ والجهاد.
ويُطالبُ تلميحاً بإقصاءِ الدينِ عن المناهجِ الدراسيةِ قائلاً : وتساعدُ المناهجُ نفسها هؤلاءِ، على أن يكونوا دعاةً، فقد اصطبغتِ الكتبُ الدراسيةِ جميعها بصبغةٍ دينية، ويختمُ هراء هُ بقوله: ومن هُنا فأحد أسبابُ تدهورِ التعليم، أنَّ المدارسَ لم تُعد بيئةً للتعليمِ كما نعرفه، بل أصبحت مكاناً للوعظِ والتزهيد في الدنيا، وتحويلِ الطلاب إلى أتباعِ بعض التيارات، التي رُبما تقودُهم إلى مآلاتٍ غير مُرضية .
وما إن كتبَ هذا الكاتبُ هذا السخفُ، حتى تتابعَ مُريدُوهُ من غلمان الأهواءِ، وصبيانِ الفكرِ يُؤيدونهُ، ويُوردون الشواهدَ الهزيلةِ، على صدقِ نظريتهِ الفذَّة (( يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا )) .
ولسنا بحاجةٍ إلى ردِّ مثل هذا الغُثاء الذي يُعارضُ دينَ الله أولاً ، ويتعارضُ مع سياسةِ الدولة وأنظمتها ثانياً ، ولكننا نتساءَلُ : كيف يُنشرُ مثل هذا السُخفِ في بلاد الإسلام ؟
إنَّهُ ومع خروجِ فئرانِ النفاق من جحورها، وظهورِ روائح المنافقين العفنة، ومع كثرةِ مبادراتهم التغريبية، فإنَّ المسؤوليةَ على أهلِّ البلاد كبيرةً، للحفاظِ على أمننا العقدي والفكري والأخلاقي.
إنَّ أولَّ واجبٌ علينا تجاهَ النفاق والمنافقين، هو كشفِ عوا رهم، وفضحِ أسرارهم، وتعريةِ لا فتاتهم التغريبية، وبيان حقيقة أهدافهم .
لا بدَّ أن تُعلمَ الأجيالُ أنَّ المنافقين هم أشدُّ خطراً على البلادِ وأهلها من العدوِّ الخارجي"، هم العدو فاحذرهم".
وإنَّ على العلماءِ والدعاة، والكتاب أن يوجِّهوا أقلامهم وأطروحاتهم، ومقالاتهم لكشفِ مؤامراتِ المنافقين، ومُجاهدتهم وفضحهم، بدلاً من الخوضِ في الجهادِ ومثالبِ المجاهدين .
لابُدَّ أن تعلمَ الأمةُ أنَّ المنافقينَ هُم أعداؤها ، والمناصرونَ لأعدائها ، وإنَّ تستروا بعباءَةِ الوطنية ، والتحفوا بلحافِ الإصلاح، (( اتخذوا أيمانهم جنة )) فيحلفون الأيمانَ كلَّما انكشف أمرهم ، أو عُرفَ عنهم كيدٌ أو تدبير ، أو نُقلت عنهم مقالةُ سُوءٍ في المسلمين .
وإنَّ من الواجبِ أخذ الحذرِ من مكرهم وكيدهم (( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم )).
والحذرُ يقتضي معرفةُ صفاتهم وأساليبهم (( ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم إسرارهم )) .
والحذرُ يتضمنُ عدمُ الثقةِ بأقوالهم ، فالكذبُ من السياساتِ المعمولِ بها عند المنافقين، ((يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر )) .
وإذا كُنَّا مُطالبين بإعمالِ حُسن الظنِّ مع المؤمنين ، فإنَّ من السذاجةِ المرفوضةِ أن نجعلَ المؤمنين كالمنافقين .
والحذرُ يتضمنُ عدمُ الميلِ إلى آرائهم ، والتي غالباً ما تكونُ مطبوخةً في مصنعِ المصالحِ الذاتية ، ويتضمنُ التعبئةَ العامةَ ضدهم ، والحذرُ من تعاونهم مع العدو .
وإنَّ محاربة النفاقِ والمنافقين ، تكونُ بالبعدِ عن مجالسهم ومنتدياتهم ، فأولى مراتبُ النفاقِ، أن يجلسَ المؤمنُ مجلساً فيه آياتُ اللهِ يُكفرُ بها ويستهزأ بها ، فيسكتُ أو يتغاضى ، يُسمي ذلك تسامحاً ـ أو يسميهِ دهاءً ، أو يسميهِ سعةَ صدرٍ وأفق ، وإيماناً بحريةِ الرأي . وهي هي الهزيمةُ الداخلية، تدبُّ في أوصالهِ،
إنَّ الحميةَ للهِ ولدينِ الله ولآياتِ الله، هي آيةُ الإيمان ، وما تفترُ هذه الحميةُ إلاَّ وينهارُ بعدها كلُّ سد ، وينزاحُ بعدها كلُّ حاجز ، وإنَّ الحميةَ لتكبتُ في أولِ الأمر عمداً ، ثُمَّ تُهمدُ ، ثُمَّ تُخمد ، ثُمَّ تموت .
فمن سمع الاستهزاءَ بدينهِ في مجلسٍ، أو قرأهُ في صحيفةٍ أو مجلة ، فإمَّا أن يدفعَ ، وإمَّا أن يُقاطعَ المجلس وأهله ، والصحيفة وملاكها .
فأمَّا التغاضي والسكوت، فهو أوَّلُ مراحلِ الهزيمة ، وهو المُعبرُ بين الإيمانِ والكفرِ على قنطرةِ النفاق، (( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله )) .
وإنَّ كيدَ المنافقين يواجهُ بالاعتناءِ الشديد، بأمرِ الجهادِ في سبيلِ الله، وإعدادَ العُدةِ الكافيةِ لملا قاتِ الأعداء، عملاً بقولهِ تعالى، (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة )) وذلك أنَّ روحَ الجهادِ متى ما سادت، أيِّ مجتمعٍ أدَّى ذلك إلى حمايةِ وجودهِ، وتعزيزَ وحدته، وضمانَ ديمومتهِ العقائدية، وإبداعهِ الحضاري .
وكيدُ المنافقين يواجهُ بتعزيزِ جانبِ الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر،والقيام بوظيفةِ الإصلاح ، فما مِن شيءٍ أشدُّ على المنافقين من إحياءِ هذه الشعيرة ، ولذا كانت الهيئاتُ شوكةً في حلوقهم، وسداً أمامَ شهواتهم ، فأفرغوا سيلَ حقدهم، وصبُّوا جام غيظهم على الحسبةِ ورجالها، ساخرين لامزين، (( سخر الله منهم ولهم عذاب أليم )) .
وإنَّ كيدَ المنافقين ومكرهم يواجهُ بالتوعيةِ الجادَّة، للأسرةِ نساءً وشباباً وأطفالاً ، وتربيتهم على الجدِّيةِ في التمسكِ بالدين ، والبعدُ عن الترخصِ والتحللِ من قيمِ الدين بأيِّ مسمىً كان .
لابُدَّ أن تعي الأسرةُ المسلمة تخطيط الأعداءِ، ودورهم في إفسادِ المجتمعات ، ولا بُدَّ أن تعلمَ نساؤنا خطواتِ الإفسادِ التي مرت بها المرأةُ المسلمة في بلادٍ أخرى ، وانتهت بها إلى التهتكِ والفجور .
ولابُدَّ أن تتعلم الأسرةُ المسلمة أحكام دينها، وحقوق كلِّ فردٍ في شريعةِ الإسلام ، ولابُدَّ من تربيةِ الأجيالِ على الولاءِ للدين، وأخذِ أحكامهِ بقوة ، وأنَّ شريعةَ الإسلامِ قائمةً على التسليمِ لرب العالمين، (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً )) .
إنَّ المعلمَ والمعلمة في مدارسهم، والأبُ والأمُّ في البيت، ودرسُ الحلقةِ في حلقتهِ، والإمامُ في مسجده ، والداعيةُ في كلِّ مكان ، هؤلاءِ جميعاً عليهم مسؤوليةُ حمايةِ المجتمعِ وحراسةُ الفضيلة ، وتحصينُ أفرادِ الأمة عن أيِّ داءٍ تغريبي .
يوم أن يقومَ كلٌّ منَّا بدورهِ، ويومَ أن تقفَ الأمةُ كلَّها في وجهِ الطروحات التغريبية، رفضاً وإنكاراً ومقاطعةً، حينها تخبو نارَ النفاقِ ، وينقلبُ المنافقون بغيظهم لم ينالوا خيراً ، ويصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين 0
اللهمَّ صل وسلم على نبينا محمد .
ـــــــــــــــــــ(47/120)
شبهة معاصرة
حديث يتكرر،لأنَّ باعثه يتجدد، فخفافيشُ الظلام بدأت تعملُ وتظهرُ في النهار، والفتوى تجاوزت الأئمة الأعلام ، ليتطاول عليها المذيعون وصبيان الإعلام، والدينُ رقّ ، والالتزام لان، وكل مسألةٍ فيها قولان ، وإن ناقشت مفتياً وعندك دليل مُفحمٌ وأثر قال : هذه وجهة نظر، وحينما غابت الأسودُ نطقت القرود، فالمنافقون في أوقاتِ الأزمات ينبحون، وعلى صفحات الصحف يتقيئون، وشجرتهم لا تنبت إلاَّ حنظلاً من شبهات، وزقوماً من الشهوات، بضاعتهم السُخرية والاستهزاء بالدعاة والعلماء ، والتهكم على الأبطال النجباء من رجال الهيئات، ومبشراتهم بذور السفور والانحلال ، وآخر إنتاجهم بشارةٌ بأول فتاةٍ سعودية تتدربُ على الطيران، تنشر صورتها ويجعل منها رمزاً لفتاة جزيرة الإسلام، فأينكِ يا درةَ عمر من هؤلاءِ الأقزام 0
لم يعد خافياً على أحدٍ ما تشهدهُ مجتمعات المسلمين اليوم، من حملةٍ محمومةٍ من الذين يتبعون الشهوات على حجابِ المرأة وحيائها وقرارها في بيتها ، حيثُ ضاق عطنهم، وأخرجوا مكنونهم، ونفذوا كثيراً من مُخططاتهم في كثيرٍ من مجتمعاتِ المسلمين، وذلك في غفلةٍ وقلةِ إنكارٍ من أهل العلم والصالحين، فأصبح الكثير من هذه المجتمعات يعجُّ بالسفورِ والاختلاط والفساد المستطير، الأمرُ الذي أفسد الأخلاق والأعراض 0
وبقيت بقيةً من بلدان المسلمين لازال فيها بحمد الله يقظة من أهل العلم، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، حالت بين دعاة السفور وبين كثيرٍ مما يرومون ، وهذه سنة الله عز وجل في الصراع بين الحق والباطل، والمدافعة بين المصلحين والمفسدين 0
ومن كيدِ المفسدين في مثل المجتمعاتِ المحافظة ، وبسببِ وجودِ أهلِ العلم والغيرة، أنَّهم لا يجاهرون بنواياهم الفاسدة، ولكنهم يتسترون وراءَ الدين، ويلبِسون باطلهم بالحقِّ واتباع ما تشابهَ منه ، وهذا شأن أهل الزيغ والضلال، (( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ)) (سورة آل عمران : 7) .
وهم أولُ من يعلم أنَّ فساد أيِّ مجتمعٍ إنما يبدأ بإفسادِ المرأة واختلاطها بالرجال، وقد ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال : (( ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء )) .
وهذه حقيقةً لا يُماري فيها أحد ، ومللُ الكفر أول من يعرفُ هذه الحقيقة ، حيثُ إنَّهم من باب الفتنةِ بالنساء دخلوا على كثيرٍ من مجتمعات المسلمين، وأفسدوها وحققوا أهدافهم البعيدة ، وتبعهم في ذلك المنهزمون من بني جلدتنا، ممن رضعوا من لبانِ الغرب وأفكاره، أو ممن يسعون إلى الشهرةِ من أوسخ أبوابها ، ولكنهم ولأنهم يعيشون في بيئةٍ مسلمة ، ولازال لأهل العلم والغيرةِ حضورهم، فإنَّهم لا يتجرءون على طرح مطالبهم التغريبية، بشكلٍ صريحٍ لعلمهم بطبيعة تدين الناس ، ورفضهم لطروحاتهم، وخوفهم من الافتضاح بين الناس 0
ولذلك دأبوا على اتباع المتشابهات من الشرع، وإخراج مطالبهم في قوالب إسلامية، وما فتئوا يلبسون الحق بالباطل، وهم كما قال الله : ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ )) (سورة البقرة :11) .
ومن هذه الطروحات التي أُجلبوا عليها في الآونةِ الأخيرة، مطالبتهم في مجتمعنا المحافظ، وفي بلدنا الذي يأرزُ إليه الإيمان، وتهوي إليه أفئدة الصالحين، ومنه نبعت الفضيلة ودعاتها، مطالبتهم بكشفِ المرأة وجهها، والسماح لها بقيادة السيارة، معتمدين بزعمهم على أدلةٍ شرعيةٍ، وأقوالٍ لبعضِ العلماءِ في ذلك، وهم يعلمون ونحنُ نعلمُ أنَّ تلك هي الشرارة الأولى والخطوة الأولى نحو فساد المرأة وذهاب حيائها 0
ولئلاَّ يلتبسَ الحق بالباطل، ولكيلا ينخدع بعضُ الناسِ ببريقِ دعوتهم ، وصيانةً لأخلاقِ الأمة، ومساهمةً في تحقيق الأمن الأخلاقي للبلاد، نقفُ مع هذه الدعوة الآثمة وقفات :
أولاها : أنَّ هناك فرقاً في تناول قضية الحجاب وكشف الوجه، بين أن يقعَ اختلافٌ بين العلماء المخلصين في طلب الحق ، المجتهدين في تحري الأدلة ، الدائرين في حالتي الصواب والخطأ، بين مضاعفةِ الأجر مع الشكر، وبين الأجرِ الواحد مع العذر، وبين من يتتبعُ الزلات، ويحكمُ بالتشهي، ويرجحُ بالهوى، لأنَّ وراءَ الأكمةِ ماوراءها، فيؤولُ حالهُ إلى الفسقِ ورقةِ الدين، ونقص العبودية، وضعف الاستسلام لشرع الله عز وجل 0
وهناك فرقٌ بين الفتاوى العلمية المؤصلة، المبنية على التحري والاجتهاد، وأخرى محلولةَ العقال مبنيةً على التجري لا التحري، والتي يصدرها قومٌ لا خلاق لهم من الصحفيين ومن أسموهم المفكرين، وأهل التزوير المسمون ظُلماً بأهل التنوير، يُفرقون من تغطيةِ الوجه، لا لأنَّ البحث العلمي المجرد أوصلهم إلى أنَّهُ مكروهٌ أو جائز، أو بدعة كما يرجفون ، ولكن لأنَّهُ يشمئزُ منه متبوعهم من كفار الشرق والغرب 0
ولك أن تقدرَ شدةَ مكرِ القومِ الذين يريدون من جانبهم أن يتبعوا التمدن الغربي، ثُمَّ يبررون فعلهم هذا بقواعد النظام الإسلامي الاجتماعي 0
لقد أوتيت المرأة من الرخصة في النظامِ الإسلامي، أن تبدي وجهها وكفيها وما دعت إليه الحاجة والضرورة في بعض الأحوال، وأن تخرج من بيتها لحاجتها، ولكن هؤلاءِ يجعلون هذه نقطةُ البدءِ وبداية المسير، ويتمادون إلى أن يخلعوا عن أنفسهم ثوب الحياءِ والاحتشام، فلا يقفُ الأمرُ بإناثهم عند إبداء الوجه والكفين، بل يجاوزهُ إلى تعرية الشعر والذراع والنحر، إلى آخر هذه الهيئاتِ القبيحة المعروفة، وهاهو ذا المودودي- رحمه الله- يصرخُ في وجه هؤلاءِ الأحرار، في سياستهم العبيد، في عقليتهم قائلاً : (( ولا ندري أي القرآن أو الحديث يستخرج منه جواز هذا النمط المبتذل من الحياة ، وإنَّكم يا إخوان التجدد إن شاءَ أحدكم أن يتبع غير سبيل الإسلام، فهلاَّ يجترئُ ويصرح بأنَّه يُريد أن يبغي على الإسلام، ويتفلتُ من شرائعه، وهلاَّ يربأ بنفسهِ عن هذا النفاق الذميم، والخيانةِ الوقحة، التي تُزينُ له أن يتبع علناً ذلك النظام الاجتماعي، وذلك النمط من الحياة الذي يحرمه الاسلام شكلاً وموضوعا )) 0
وثاني الوقفات: لابد أن ينظر إلى قضيةِ الحجاب اليوم، وما يدورُ بينها وبين السفورِ من معاركَ، إلى أنَّها لم تعد قضيةً فرعية، ومسألةً خلافية فيها راجحٌ ومرجوح بين أهل العلم، ولكنها باتت قضية عقدية مصيرية، ترتبط بالإذعانِ والاستسلام لشرع الله عز وجل، في كل صغيرةٍ وكبيرة، وعدم فصلها عن شئون الحياة كلها، لأنَّ ذلك هو مقتضى الرضا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً 0
إنَّ التشنيع على تغطيةِ المرأة وجهها، والتهالكُ على خروجها من بيتها، واختلاطها بالرجال، ليست اليوم مسألةً فقهيةً فرعية، ولكنه مسألةً خطيرةً لها ما بعدها، لأنَّها تقوم عند المنادين بذلك على فصل الدين عن حياة الناس وعلى تغريب المجتمع و كونها الخطوة الأولى، أو كما يحلو لهم أن يعبروا عنها بالطلقة الأولى.
وإذا كان علماؤنا يُوردون مسألةَ المسح على الخفين في كتب العقيدة، باعتباره من خصائص أهل السنة في مقابل شذوذ الرافضة ، فلا لوم على من يجعل قضية الحجاب اليوم قضيةً أصوليةً مصيرية ، وذلك لتشنيع مبتدعةِ زماننا ومنافقيه عليه، ولحملتهم المحمومة لنزعه، وجر المرأة بعد ذلك لما هو أفسدُ وأشنع 0
وثالثها : أن بداية السفور والتبرج الجاهلي، الذي عليه طائفة من نساءِ المسلمين اليوم، في بعض ديار المسلمين ، إنَّما بدأ من كشف الوجه، بإزالة الغطاء والحجاب عنه ، حتى أصبح وبات وأضحى وظل وأمسى من المعلومِ بالضرورة، أن من كشفت من الفتيات وجهها اليوم ستكشف غداً حتماً عن رأسها وصدرها وساقيها وحتى فخذيها ، ولا يجادلُ في هذا إلاَّ ساذجٌ مخدوع0
لقد بدأت مؤامرةُ السفور بالدعوة إلى كشف الوجه ، وامتدت إلى الجلسات المختلطة المحتشمة ، ثم على السفر من غير محرم بدعوى الدراسة في الجامعة ، ثم زينت الوجوه المكشوفة ، وبدأ الثوب ينحسرُ شيئاً فشيئا، حتى وقعت الكارثةُ، فخرجت المرأة سافرةً عن مفاتنها، كاشفةً عن المواضع التي أمرَ الله بسترها ، حتى أضحت شبه عارية، وراح أهل الكيد يتلذذون بالنظر إليها، ويستدرجونها للإيقاع بها، حتى كان لهم ما أرادوه منها، ففسدت الأخلاق ، وكثرت محلات البغاء ، وانتشر اللقطاء، وتفسخ المجتمع، ومن هنا ، وبناءً على هذا، فإنَّ اليد التي تحاولُ أن تحسر الحجاب عن وجوه فتياتنا اليوم ينبغي أن تبتر ، وإنَّ اللسان الذي يدعو فتياتنا إلى نزع الحجاب ينبغي أن يقطع 0
أويسركم يا أهلَ الغيرة والكرامة أن تصبحَ بلادكم مقصداً لرواد البغاء ، وأهل الخنا ، أو أن تصبح نساؤكم مزابل وإماءَ في سوقِ النخاسة، يصحبن كل زان ، ويصادقن كل سافل 0
لابد أن تعلم المرأةُ المسلمة أنَّهم اليوم لا يطلبون منها أكثر من كشف وجهها ، وبحجةِ أنَّ كشف الوجه مختلفٌ فيه بين أهل العلم ، غير أنَّهم يعلمون علم اليقين، ونحن نعلم، وبحكم التجارب الطويلة العديدة أنَّها يوم أن تكشفَ وجهها، ويذهب ماؤه وحياؤه ، ستكشفُ لهم عمَّا سوى ذلك ، وصدق القائل :
رفعُ الحجاب وسيلة إن حُبّذت ضمت إليها للفجور وسائل
فالاختلاط، فمرقص، فتواعدٌ فالاجتماع، فخلوةٌ، فتواصل
ورابع الوقفات : لو أنَّ المنادين اليوم بكشف وجه المرأة أمام غير المحارم، كانوا في مجتمعٍ يعج بالسفور والتعري الفاضح، لأحسنا بهم الظنَّ وقلنا: لعل قصدهم ارتكاب أهون المفسدتين، والتدرجُ بالنساءِ في ردهنَّ إلى الحجاب الشرعي والحياء والحشمة شيئاً فشيئا .
أما وإنَّ الذين يُنا دون اليوم بنزع الحجاب عن الوجه، إنَّما يوجِّهون نداءَهم إلى مجتمعاتٍ محافظةٍ لم تعرف نساؤهُ إلاَّ الحشمة و الحياء، وتغطية الوجه، والبعد عن الرجال الأجانب، فإنَّ هذا ممَّا يُثير العجب، ويحيرُ العقل، و يضعُ استفهاماتٍ كثيرةٍ على مطالبهم تلك ، فماذا يُريدون من ذلك ، وماذا عليهم لو بقيت نساؤهم وبناتهم وأخواتهم و نساء المسلمين على هذه الحشمة و العفة و الحياء، ماذا يُضيرهم في ذلك ؟ ألا يشكرون الله عز وجل على هذه النعمة العظيمة، ألا يعتبرون بما يرونهُ في المجتمعات المختلطة المتبرجة، حيث ضاعت قوامة الرجل، و ظهر الفساد و هتكت الأعراض، و أصبحت تلك البلدان مقصدُ كلُّ فاجرٍ، وملاذُ كل طالبٍ للرذيلة، إنَّ زماننا اليومَ زمن العجائب، وإلاَّ فعلامَ يشرقُ قومنا بالفضيلة و الطهر والعفاف، ولكن صدق الله : (( وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ )) (سورة النساء: 27) .
وخامس الوقفات : أنَّ الأدلة الموجبةِ لستر وجه المرأة و كفيها عن الرجال الأجانب، ووجوبُ الابتعادِ عنهم أدلةً كثيرةً وصحيحةً وصريحة، ويمكن الرجوع إليها في فتاوى ورسائل أهل العلم الراسخين. ولكن يحسنُ أن نشير إلى أنَّ علماء الأمة قديماً وحديثاً من أجاز منهم كشف الوجه، و من لم يجزه، كلهم مُتفقون ومُجمعون على وجوبِ ستر وجه المرأة وكفيها إذا وجدت الفتنة، وقامت أسبابها، بل حكي الإجماع على ذلك أكثر من خمسين عالماً، فبربكم أيُّ فتنةٍ هي أشدُّ من فتنة النساء في هذا الزمان، حيثُ بلغت وسائل الفتنة والإغراء بهنَّ مبلغاً لم يشهدهُ تاريخ البشرية من قبل، وحيثُ تفننُ شياطين الأنس في عرضِ المرأة بصورها المثيرةِ في كلِّ شيء، في وسائل الأعلامِ المقروءةِ و المسموعة و المرئية، وأخرجوها من بيتها بوسائل الدعايةِ و المكر والخداع، فمن قال بعد ذلك إنَّ كشف المرأةِ عن وجهها أو شيءٍ من جسدها لا يثيرُ الفتنة، فهو والله مغالطٌ مكابر، لا يوافقهُ في ذلك من له مسكةً من دينٍ أو عقلٍ أو مروءة .
وإذا تبين ذلك فلنعلم أيضاً أنَّ هذا القدر من الخلاف بين العلماء بقي خلافاً نظرياً إلى حدٍ بعيد، حيثُ ظلَّ احتجاب النساءِ هو الأصلُ في الهيئةِ الاجتماعيةِ، خلال مراحلِ التاريخ الإسلامي، كما قال شيخ الإسلام ( كانت سنة المؤمنين في زمن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنَّ الحرة تحتجب)
و قال الإمام الغزالي : (( لم يزل الرجال على مرِّ الزمان مكشوفين الوجوه، و النساء يخرجنَ متنقبات )).
إنَّ كثرةَ الكلام عن هذه القضية ، وعلى أصعدةٍ متعددة ، بل إنَّ وسائل الإعلام تحاولُ ترسيخ هذا المفهوم من خلال الدعايات الإعلانية، حينما تصورُ الرجل حالقاً لحيتهِ والمرأة كاشفة وجهها، ومن خلالِ نشر صورِ النساء في الصحف، حتى بلغت في صحيفةٍ واحدة، في عددٍ واحد أكثر من ثلاثين صورة ، ومن خلال الكتابات التي يتقيؤها غلمان الأهواء، وصبيان الصحافة .
إنَّ ذلك لأمرٌ يثير الريبة، فلم يحدث في تأريخ الأمة أن اجتمع العلماء المجيزون لكشف الوجه، ليخرجوا على الأمة مجتمعين، يدعون النساء إلى إزالةِ غطاء الوجه، بدعوى أنَّ المسألة خلافية 0
كانوا يذكرون ذلك في كتبهم من باب التفقيه فحسب ، أمَّا أن يرتقوا المنابر، ويتصدروا المجالس والمنتديات ليقرروا ما ترجح لديهم، بإصرارٍ وإلحاحٍ لا ينقطع ، ليحملوا نساءَ الأمةِ على كشف الوجه ، فذلك لم يفعلوه، ولم يحصل في تأريخ الأمة، مع أنَّهم هم الأحق بذلك إن كان في ذلك خير ، فهم مجتهدون ينطلقون من الشرع، ومقصدهم نصرته 0
أما ما يفعلهُ هؤلاء المستغربون من الدعوةِ بإلحاح، وعلى كافةِ المستويات مع التلفيقِ والتلاعبِ بأقوال العلماء، فليس لهَ إلاَّ تفسيرٌ واحد، هو أنَّهم كرهوا ما أنزل الله فسحقاً لهم ، وأولى لهم طاعة وقول معروف، ولو صدقوا الله لكان خيراً لهم 0
إنَّ المتأمل في حال المتبعين للشهوات اليوم ليأخذه العجبُ و الحيرةُ من أمرهم ، فمالهم و للمرأة المسلمة التي تقرُّ في منزلها، توفرُ السكن لزوجها وترعى أولادها ، ماذا عليهم لو تركوها في هذا الحصن الحصين، تُؤدي دورها الذي يُناسبُ أنوثتها وطبيعتها ، ماذا يُريدون من عملهم هذا ، ثم ماذا عليهم لو تركوا أولاد المسلمين يتربون على الخير والدين، و الخصال الكريمة ، ماذا يريدون من إفسادهم وتسليط برامج الإفساد المختلفة عليهم، هل يُريدون جيلاً منحلاً، يكونُ وبالاً على مجتمعه، ذليلاً لأعدائه، عبداً لشهواته، إن هذه هي النتيجة، وإن من يسعى لهذه النتيجة التي تتجهُ إليها الأسر المسلمة اليوم لهو من أشدِّ الناس خيانةً لمجتمعة و أمته وتاريخه، وإنَّ من عندهُ أدنى مروءةٍ ونخوةٍ فضلاً عن الدين و الأيمان، لا يسمح لنفسه أن يكون من هؤلاءِ الظالمين المفسدين.
يا أهل الشرفِ والحياءِ و المروءة، كونوا يقظين لما يطرحهُ الظالمون لأنفسهم و أمتهم، من كتاباتٍ وحوارات، مؤداها إلى سفورِ المرأة و اختلاطها بالرجال، فما دامت المدافعةُ بين المصلحين و المفسدين، فإنَّ الله عز وجل يقذفُ بالحق على الباطل فإذا هو زاهق.
ينبغي أن لا ننسى في خضمِ الردود على ما يكتبهُ المفسدون من الشبهات و الشهوات، ذلك السيلُ الهادر، الذي يتدفقُ من وسائل الأعلام المسموعة و المرئية في بلادِ المسلمين، وذلك بما تبثهُ من دعوات للمرأة إلى السفور، ومزاحمة الرجال في الأعمال و الطرقات، عبر القصة و المسلسل و البرامج الحوارية، والمقابلات والبرامج الغنائية، ولقد ضربت هذه الوسائلُ بأطنابها في بلادِ المسلمين، فكان لزاماً على كل غيورٍ محاربتها وإبعادها عن بيته قدر الاستطاعة .
ربوا نساءكم وبناتكم على حبِّ الحجاب و التعلق به منذ الصغر، ومن وسائل ذلك تحصينهنَّ الحصانة الفكرية و الأخلاقية، بأن تعلمَ المرأة المسلمة أوضاع المرأة الغربية، والإسفاف النفسي الذي وصلت إليه، وتعتيم الغزو لأوضاعها، و أحياناً قلب مفاسدها و انحرافاتها إلى فضائل و تكريم0
إننا لا نريدُ المرأة المتحجبة تقليداً وعادة ، تشعرُ مع الحجاب بالضيقِ والحرج ، وتتخلى عنهُ لأدنى شبهةٍ أو شهوة.
نريدُ المرأةَ المسلمة التي ترى في الحجاب عزاً وشرفاً، وترى في الحياءِ سلوكاً وخلقاً، نريدُ المرأة التي تتحجبُ استسلاماً لله ،ورضاً بشريعتهِ، وخضوعاً لحكمهِ، وتتمثل قولَ الحق: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )) (سورة الأحزاب :36) 0
لا نريدُ المرأة المتحجبة المتخلفة ، فإنَّ الدعوةَ إلى فريضة الحجابِ والعودة إليه لا بدَّ أن تواكبها دعوة القائمين بأمر المرأة، إلى أن يؤدوا لها فريضةَ تحرير عقلها من حجبِ التضليل، والجهل والتخلف، وتِلكم مسئوليتكم أيُّها الأولياء، فاتقوا الله وقوا أنفسكم و أهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة.
إننا نتطلعُ إلى أن تكون غيرتكم جبلاً تتحطمُ عليه كل نصالِ دعاة الضلال، وأن لا تكون غيرتكم جداراً من ورق ، ينهارُ عند أدنى طمعٍ دنيوي، أو شهوةٍ مادية .
نحنُ لا نُريد المجتمع الذي يقتلُ الحسين ويسألُ عن دم البعوضة ، لا نُريدُ الجيلَ الذي يأنفُ أفرادهُ من ذكر أسماءِ نسائهم في المجالس، و يتقبلون أن تصبح وجوههنَّ معرضاً مكشوفاً لكل راءٍ ومتفرج 0
وإلى أختنا بنت هذا البلد، وإلى كل مسلمةٍ تخشى الله وتتقيه، طوبى لمن تُفاخرُ بحجابها، وتتمسكُ بعفافها، ومعها العلم والوعي والبصيرة، والحريةُ الحقة من عبوديةِ العبيد، قائلةً لشياطين الإنس: (( قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ )) (سورة الأنعام:15) .
يا فتاة الإسلام، رسالة نذير وصيحة تحذير، إنَّ الفتاة التي تستجيبُ لنداءِ المبطلين، وتنخدع بدعايات المفسدين، فتكشف عن وجهها، إنما تضعُ نفسها في خندقٍ واحدٍ مع جند الشيطان، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون 0
لتحذري يا ابنةَ الإسلام أن تكوني السبَّاقة إلى خلع جلبابِ الحياء، فتكوني ممن سنَّ في الإسلام سنةً سيئة، عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وإنَّ أولَ من تكشفُ وجهها ستكونُ من داعياتِ الضلالة، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الآثام مثل آثامِ من تبعه إلى يوم القيامة ، فهل لك يا فتاةَ الإسلام طاقةً بتحملِ أوزار المذنبين والمذنبات 0
يا ابنة الإسلام، لقد قال- صلى الله عليه وسلم- (( نح الأذى عن طريق المسلمين)) ، فإذا كانت إماطةُ الأذى عن الطريق من شعب الإيمان، فأيُّهما أشدُّ أذى، شوكة أو حجر في طريق، أم فتنة تفسدُ القلوب، وتعصفُ بالعقول، وتشيعُ الفاحشة في المؤمنين 0
إنه ما من شابٍ مسلمٍ يُبتلى منك اليوم بفتنةٍ تصرفهُ عن ذكر الله، وتصدهُ عن صراطه المستقيم، كان بوسعكِ أن تجعليه في مأمنٍ منها ، إلاَّ أعقبكِ منها غداً نكالٍ من الله عظيم .
خذي العبرةَ من أخواتٍ لك في بلادٍ مسلمة، انخدعنَّ بدعوات المنافقين، فغرقنَ في مستنقعِ الآثام ، وعانينَ من ويلاتِ التبرج والسفور، ثم تداركهنَّ اللطيفُ الخبير، فأعلنَّ العودةَ إلى الله ، فاختصري الطريق ، ولا تُحاولي ولوجَ نفقٍ السفور المظلم، فُربما لا تعودين منهُ إلاَّ على نعشِ الانحرافِ وفي تابوتِ الضياعِ، حينها كم من قائلةٍ : يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ، وهل ينفع شيئاً ليت 0
إننا على ثقةٍ أن دعوات المنافقين ستتكسرُ على نصالِ الغيرة والرجولة ، وستغرقُ في سيلِ العفافِ والسمو الأخلاقي، وسينقلبُ المنافقون على أعقابهم خاسئين لم ينالوا خيراً، وسيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين .
ـــــــــــــــــــ(47/121)
وقفة مع موضوع الغناء
عجباً لأمر بعض الناس ، ما إن يسمع بزلة عالمٍ أو طالب علم، أو رأيٍ شاذ يُخالف ما عليه جماهير أهل العلم، إلا ويسارع إلى تبنيه ونشره، والدفاع عنه ، لا لشيءٍ إلا لأنَّهُ وافق هواً في نفسه، بدليل أنَّ ذلك العالم أو طالب العلم، لو أفتى بما يخالفُ هوى هذا المتشهي لكتمه، ولأعرض عنه، وهذا دليلٌ على مرض القلب، الذي يحمل صاحبهُ على اتباع الهوى .
قال تعالى : (( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ )) (القصص: من الآية50) .
ومن ذلك موضوع الغناء، فقد نقلَ عددٌ من أهل العلم الإجماع على تحريمه، ومع ذلك نرى من يُجادلُ فيه محتجاً بقولٍ شاذ، لعالمٍ أو طالب علم مغمور، ضارباً بأقوالِ الأئمة الكبار ، وإجماع الأمة عرض الحائط .
والأعجب من ذلك ، أن يقيس الغناء المعروف اليوم ، بالغناء القديم الذي تكلم فيه العلماء وذموه ، مع الفارق الكبير بينهما ، ( بخلاف الغناء المباح الذي يكونُ في الأعراس، وبالدفِ وبين النساء خاصة ) .
فإنَّ الغناءَ المعروف اليوم، والذي يبث عبر وسائل الإعلام المختلفة ، حرامٌ بكلِّ المقاييس، وقياسه على الغناء الذي تحدث عنه السلف وحرموه من أبطل الباطل ، فلم يُعرف في تاريخ الإسلام ، وقبل سقوط الخلافة - حسب علمي - أنَّ امرأةً حُرة ، تقومُ بكامل زينها وأنوثتها، لتغني وتتمايل على مرأى أو مسمع من عامة الناس من الرجال والنساء ، فقد كان الغناءُ في الماضي - مع إنكار السلف له - مقصوراً على الإماءِ والجواري المملوكات ، وفي نطاقٍ ضيق ، أمام السيد وجلسائه ، أو أمام حفنة من الرجال في مكان ما .
أما الرجال فلم يكن يغني منهم إلاَّ العبيد والصبيان ،
وكان السلف - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - يسمونهم (مخانيث)، لأنَّ الغناء المباح - كما سبق - كان من عملِ النساء خاصة ، من الإماء والجواري صغيرات السن وغيرهن ، فإذا تشبهَ بهم الرجل كان مخنثاً، وقد ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ أمر بنفي المخنثين ، وقال : ((أخرجوهم من بيوتكم)) (انظر : الاستقامة لابن تيمية : 1/319 ، وانظر مجموع الفتاوى : 22/154) .
فلما استفحل أمرُ الجاهلية الحديثة، ( جاهلية القرن العشرين على حد تعبير بعض المعاصرين ) شُجَّع النساءِ على التمرد والسفور، وجُعل ذلك من ضرورات العصر!!
واستفحل أمرُ الغناء والمغنين، وعظُم شأنهم، وكثُرت أعدادهم - لا كثَّرهم الله -وما ذاك إلاَّ بسبب تخلفِ الأمة وانحطاطها، وانطفاءِ نور النبوة فيها إلاَّ ما شاء الله ، ووقع ما أخبر به النبي- صلى الله عليه وسلم- من استحلال الغناءِ واستباحته، وإنَّ من المعلوم من الدين بالضرورة، أنَّ تبرجَ المرأةِ وسفورها وإظهارها زينتها لغير من أباح الله، حرام، ومن كبائرِ الذنوب، ولو لم يكن في الغناء المعروف اليوم إلاَّ هذا ، لكفى به دليلاً على التحريم، فكيف ومعه ما يتبعه من التكسر والتأوه، والخضوع بالصوت، وأنواع المعازف ومزامير الشيطان، والصد عن سبيل الله، والكلمات الفاحشة، والعبارات الرديئة، والكسب الحرام، وغير ذلك مما لا يخفى على ذي بصيرة .
فهل يأتي بعد ذلك من يُجادلُ في حرمة هذا الغناء الشيطاني وقبحه ، وخطره على الدين والأخلاق والأمة.
وأختم كلامي هذا بقولٍ بليغ للإمام ابن قيم الجوزية - رحمه الله- في خطر هذا الغناء .
يقول : ومعلومٌ عند الخاصة والعامة أنَّ فتنة سماع الغناء والمعازف، أعظم من فتنة النَّوح بكثير، والذي شاهدناه - نحن وغيرنا- وعرفناه بالتجارب، أنَّهُ ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم، وفشت فيهم، واشتغلوا بها، إلاَّ سلط الله عليهم العدو، وبلوا بالقحط والجدب، وولاة السوء، والعاقل يتأمل أحوال العالم وينظر، والله المستعان (مدارج السالكين : 1/500) .
ويقول في موضعٍ آخر عن هؤلاء المغنين وما امتلأت دارٌ من أصوات هؤلاءِ وألحانهم ، وأصوات معازفهم ورهجهم، إلاَّ وأعقب ذلك من حزن أهلها ونكبتهم ، وحلول المصائب بساحتهم ، ما لا يفي بذلك الشرور من غير إبطاء، وسل الوجود ينبيك عن حوادثه، والعاقل من اعتبر بغيره (الكلام على مسألة السماع :ص348) .
والله ولي التوفيق .
وصلى الله على نبينا محمد ..
ـــــــــــــــــــ(47/122)
حول بطاقة المرأة
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له ، الملكُ القدوسُ السلام، وأشهدُ أن محمداً عبدهُ ورسولهُ النبي المصطفى، الإمام عليه وعلى آله وصحبه من ربهم أزكى الصلوات والسلام .أما بعد:
فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ، فتقوى الله جماعُ كلِّ خيرٍ ومنبع كل صلاح.
أيُّها المسلمون:
كلُّ أمةٍ تعتمدُ في قوتها وثباتها على مقومٍ من المقومات، فأمةً تنافسُ بقوتها البشرية، وأخرى بمقوماتها الاقتصادية، وثالثةً بقوتها العسكرية، ونحنُ أمةَ الإسلام نُفاخرُ الأممَ وننافسها ونصارعُها بأعظمِ مُقومات البقاء، وأقوى عواملِ الثبات، وأسمى وسائلِ التحدي، نحنُ أمةً تُفاخر بمقوماتها العقدية، وبنائها الأخلاقي، حيثُ الترابط الأسري، والتكافلَ الاجتماعي، وحيث السلامة من الأدواءِ الخلقية، والأمراضِ الجنسية، لأننا أمةً تستمدُ منهجَ حياتها من كتابٍ لا يأتيه الباطلُ من بينِ يديهِ ولا من خلفهِ تنزيلٌ من حكيمٍ حميد، ومن سنةِ نبيٍ وسيرةَ رسولٍ لا ينطقُ عن الهوى إن هو إلا وحيٌّ يوحى.
لقد أدرك أعداؤنا من يهودٍ ونصارى وهم يعيشون فوضى أخلاقية، وانحرافاتٍ اجتماعية، وتفككاتٍ أسرية، ويُعانون من أمراضٍ جنسيةٍ، وجرائمَ خلقية، أدركوا أنَّ المسلمين أمةٌ لن تُقهر، ما داموا يستمسكون بالمبادئِ الأخلاقيةِ السامية، فبدت البغضاءُ من أفواههم، وأصبحوا كما قال الله : (( وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً )) (النساء: من الآية89) وكما أخبر الحق : (( ودَّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردونكم )وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ )) (البقرة: من الآية109) .
لذا فقد عملوا عبرَ وسائلهم المختلفةِ، ومن خلال أبواقهم وأذنابهم من المنافقين والمنافقات، وسعوا إلى أن تميلَ الأمةُ ميلاً عظيماً.
لقد أحسَّ أعداؤُنا وهم يُحاولون هدم هذه الأمةِ صلابة البناءَ الأسري في المجتمعاتِ المسلمة، وقوة الحصونِ الأخلاقية، فحملوا بخيلهم ورجلهم، وجرَّدوا الحملات المُسلحة بسهامِ الشهوات، وسمومَ الشُبهات، لتعيثَ في قلوبِ المسلمين فساداً، وتجوسُ خلالَ ديارهم لتسلخهم من دينهمُ الحقُّ الذي ارتضى اللهُ لهم.
لقد كان هؤلاءِ الأعداء خبثاءَ ماكرين في حربهم، إذ تفرسوا في أسبابِ قوةِ المسلمين وحددوها، ثم اجتهدوا في توهينها وتحطيمها بكل ما أوتوا من مكرٍ ودهاء.
علموا أنَّ المرأةَ من أعظمِ أسبابِ القوةِ في المجتمع الإسلامي، وهم يعلمون أيضاً أنَّها سلاحٌ ذو حدين، وأنَّها قابلةً لأن تكون أخطرَ أسلحةِ الفتنة والتدمير، ومن هُنا كان النصيب الأكبر من حجم المؤامرات 0
إنَّ المرأة تملكُ مجموعةً من المواهب الضخمةِ، الجديرةِ بأن تبني أمةً، وأن تهدم أمة، قال -صلى الله عليه وسلم- (( إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)) رواه مسلم.
وقال- صلى الله عليه وسلم- (( ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء)) متفق عليه.
وقال حسَّان بن عطية: ما أُتيت أمة قط إلَّا من قبل نسائهم ، وقد كان للمرأةِ المسلمةِ دورٌ رائعٌ في بناءِ الصرح الإسلامي، وقد انتفعت الأمةُ بهذا الحدِّ النافعِ من سلاحِ المرأة في قرونها الخيرة، ثم لم تلبث الحالُ أن تدهورت شيئاً فشيئاً، وجُرحت الأمةُ بالحدِّ المُهلك من سلاح المرأة .
يجبُ أن لا ننسى أن انحرافَ المرأةِ، أو الانحرافَ بالمرأةِ كان السببُ الأول في أنَّ حضاراتٍ عتيقة انهارت وتمزقت كل ممزق، ونزل بأهلها العقاب الإلهي، والأوجاعُ والأمراضُ الفتاكة، كما وقع قديماً لليونان والروم وغيرهم ، أمَّا في عصرنا الحاضرِ فقد زخرَ التاريخُ الحديث بعبرٍ ومثُلات، تزيدُ يقينَ المؤمنِ بشؤمِ هاتيك المعاصي والشهوات، التي غرق فيها الغربيون، وتبعهم عليها كثيرٌ من الأمم، الأمرُ الذي ينذرُ بسوءِ العاقبةِ، فإنَّ المثُلات لم تنتهِ من الأرض ، فلئن هلك بعضُ الأممِ الظالمةِ بالخسف أو النسف، أو الجوعِ أو المسخ، إنَّ ذلك لمستمرٌ لم ينقطع بعد ولن ينقطع، وإلاّ فما هذه الزلازلُ تقرعُ البشر هنا وهناك، وما هذه السيولُ تجرفُ المُدن والقرى في الشرق والغرب، وما هذه الأمراضُ الفتاكة تجتاحُ الإنسان في كلِّ مكان، وقد عجزَ العلمُ عن استئصالها ، أمَّا المسخُ فما أكثرهُ في هذا العصر، الذي مُسخ فيه مُعظمُ البشرِ آلاتٍ تُحركُ آلات، فلا وفاءَ ولا حنان، ولا عدالةَ ولا أمان، فكأنَّ الأرضَ كلَّها على فوهةِ بركان.
أيُّها المسلمون :
لم يعد خافياً ما تشهدهُ مجتمعات المسلمين اليوم من حملةٍ محمومةٍ، من الذين يتبعون الشهوات على حجابِ المرأةِ وحيائها وقرارها في بيتها،حيثُ ضاق عطنهم، وأخرجوا مكنونهم، ونفذوا كثيراً من مخططاتهم في كثيرٍ من مجتمعاتِ المسلمين، وذلك في غفلةٍ وقلةِ إنكارٍ من أهل العلم والصالحين، فأصبحَ الكثيرُ من هذه المجتمعاتِ تعجُّ بالسفورِ والاختلاط، والفسادِ المستطير، الأمرُ الذي أفسدَ الأعراضَ والأخلاقَ، وبقيت بقيةٌ من بلدان المسلمين لا زال فيها بحمد الله يقظةً من أهل العلم، والآمرين بالمعروفِ والناهينَ عن المنكر، حالت بين دُعاةِ السفورِ وبين كثيرٍ مما يرومون 0
ومن كيدِ المُفسدين في مثلِ المجتمعاتِ المحافظةِ، ولوجودِ أهلِ العلم والغيرة أنَّهم لا يُجاهرون بنواياهم الفاسدة، ولكنهم يتسترون وراءَ الدين، ويُلبسون باطلهم بالحقِّ واتباع ما تشابه منه، وهذا شأنُ أهلِّ الزيغِ كما أخبر الله، وهُم أولَّ من يعلمُ أنَّ فساد أي مجتمعٍ إنَّما يبدأُ بإفسادِ المرأةِ واختلاطها بالرجال، وهذه حقيقةٌ لا يُماري فيها أحد، وملل الكفر أولَّ من يعرفُ هذه الحقيقة ومن خلالها دخلوا على كثيرٍ من المجتمعات المسلمين وأفسدوه، وحققوا أهدافهم البعيدة، وتبعهم ذلك المهزومون من بني جلدتنا، ممن رضعوا من لبانِ الغرب وأفكاره. ولكن لأنَّهم يعيشون في بيئةٍ مسلمة، ولا زالَ لأهلِ العلم والغيرةِ حضورهم، فإنَّهم لا يتجرأون على طرحِ مطالبهم التغريبيةِ بشكلٍ صريح، لعلمهم بطبيعةِ تدينِ الناسِ ورفضهم لطروحاتهم، وخوفهم من الافتضاحِ بين الناس، ولذلك دأبوا على اتباعِ المتشابهاتِ من الشرع وإخراج مطالبهم في قوالب إسلامية، وما فتئوا يُلبسون الحقَّ بالباطل، وهم كما قال الله : ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)) (البقرة:11) .
ومن تلك الطروحات التي أجلبوا عليها في الآونةِ الأخيرةِ ونشروها في مجتمعنا المُحافظ، وفي بلدنا الذي يأرزُ إليهِ الإيمان، وتهوي إليه أفئدةُ الصالحين، ومنه نبعت الفضيلةُ ودعاتها، مطالبتهم بكشفِ المرأة عن وجهها، وإخراجها من بيتها، وهم يعلمون ونحنُ نعلمُ أنَّ تلك هي الشرارةُ الأولى، والخطوةُ الأولى نحو فسادِ المرأة،، وذهابِ حيائها، وهم في دعواتهم هذه يُلبسون الباطلَ ثوبَ الحقِّ، ويصوغُون القضيةَ بقالبٍ شرعي، ويعتمدون بزعمهم على أدلةٍ شرعيةٍ وأقوالٍ لبعض العلماء.
ونحنُ أيُّها المسلمون إحقاقاً للحقِّ، وبياناً لهُ، نقفُ مع هؤلاءِ وقفات :
أولاها : أنَّ هُناك فرقاً بين فتاوى مبينةٍ على التحري والاجتهاد، وأخرى محلولةَ العقالِ، مبنيةً على التجري لا التحري، والتي يصدرُها قومٌ لا خلاقَ لهم من الصحفيين، ومن أسموهم المفكرين وأهل التنوير ، يفرقونَ من تغطيةِ الوجهِ لا لأنَّ البحث العلمي المجرد أدَّاهم إلى أنَّهُ مكروهٌ أو جائز، أو بدعةٌ كما يرجفون ، ولكن لأنَّه يشمئزُ منهُ متبوعهم من كفارِ الشرقِ والغرب، ولك أن تُقدرَ شدةَ مكرِ القومِ الذين يُريدون من جانبهم أن يتبعوا التمدن الغربي، ثُمَّ يُبررون فعلهم هذا بقواعدِ النظام الإسلامي الاجتماعي 0
لقد أوتيت المرأةُ من الرخصةِ في النظام الإسلامي، أن تُبدي وجهها وكفيها، وما دعت إليه الحاجةُ والضرورة في بعضِ الأحوال، وأن تخرجَ من بيتها لحاجتها، ولكن هؤلاءِ يجعلون هذا نقطةَ البدءِ، وبدايةَ المسيرِ، ويتمادونَ إلى أن يخلعوا عن أنفسهم ثوبَ الحياءِ والاحتشام، فلا يقفُ الأمرُ بإناثهم عند إبداءِ الوجهِ والكفين، بل يجاوزهُ إلى تعريةِ الشعرِ والذراعِ والنحرِ، إلى آخرِ هذهِ الهيئاتِ القبيحةِ المعروفة، وهاهو ذا المودودي- رحمهُ الله- يصرخُ في وجهِ هؤلاءِ الأحرار في سياستهم، العبيدُ في عقليتهم، قائلاً : (( ولا ندري أيُّ القرآن أو الحديث يستخرج منهُ جوازُ هذا النمطِ المبتذلِ من الحياة، وإنَّكم يا إخوانَ التجدد إن شاءَ أحدكم أن يتبعَ غير سبيلِ الإسلام فهلا يجترئ، ويصرح بأنَّهُ يُريدُ أن يبغي على الإسلام، ويتفلت من شرائعهِ وهلا يربأ بنفسهِ عن هذا النفاقِ الذميم، والخيانة الوقحة )) 0
وثاني الوقفات : أنَّ قضية الحجابِ اليوم، وما يدورُ بينها وبين السفورِ من معارك، لم تُعد قضيةً فرعية، ومسألةً خلافية، ولكنَّها باتت قضيةً عقديةً مصيرية، ترتبطُ بالإذعانِ والاستسلامِ لشرع الله عز وجل، في كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، وعدم فصلها عن شئونِ الحياة كلها.
إنَّ التشنيعَ على تغطيةِ المرأة وجهها، والتهالكُ على خروجها من بيتها، واختلاطها بالرجال، ليست اليومَ مسألةً فقهيةً فرعية، ولكنَّها مسألةً خطيرةً، لها ما بعدها، لأنَّها تقومُ عند المنادين بذلك على فصلِ الدين عن حياةِ الناس، وعلى تغريبِ المجتمعِ، وكونها الخطوةُ الأولى أو كما يحلو لهم أن يُعبروا عنها بالطلقة الأولى .
وثالث الوقفات : إنَّ المناديةَ اليوم بكشفِ وجه المرأةِ أمامَ غير المحارم، إنَّما يُوجِّهون نداءَهم إلى مجتمعاتٍ محافظة، لم تعرف نساؤهُ إلاَّ الحشمةَ و الحياء، وتغطيةَ الوجهِ والبُعد عن الرجالِ الأجانب، وهذا مما يُثيرُ العجب، ويُحيرُ العقلَ، و يضعُ استفهاماتٍ كثيرةٍ على مطالبهم تلك، فماذا يُريدون من ذلك، وماذا عليهم لو بقيت نساؤُهم وبناتهم وأخواتهم ونساء المسلمين، على هذه الحشمةِ والعفةِ و الحياء ، ماذا يضيرهم في ذلك ؟ ألا يشكرون اللهَ عزوجل على هذه النعمة العظيمة، ألا يعتبرون بما يرونه في المجتمعات المختلطة المتبرجة، حيثُ ضاعت قوامةُ الرجل، وظهرَ الفساد، وهُتكت الأعراض، وأصبحت تلك البُلدان مقصدَ كلِّ فاجر، وملاذَ كلِّ طالبٍ للرذيلة .
إن زماننا اليومَ زمنَ العجائبِ، وإلا فعلامَ يشرقُ قومنا بالفضيلةِ والطُهر والعفاف .
ورابع الوقفات : أنَّ الأدلةَ الموجبة لستر وجه المرأة و كفيها عن الرجالِ الأجانب، ووجوب الابتعادِ عنهم، أدلةً كثيرةً وصحيحة وصريحة، ويُمكنُ الرجوعُ إليها في فتاوى ورسائلِ أهل العلم الراسخين ، ولكن يحسنُ أن نُشير إلى أنَّ علماء الأمةِ قديماً وحديثاً من أجازَ منهم كشف الوجه ومن لم يجزه، كلهُم مُتفقون ومُجمعون على وجوبِ سترِ وجه المرأةِ وكفيها، إذا وجدت الفتنةُ وقامت أسبابها ، فبربكم أيُّ فتنة هي أشدُّ من فتنةِ النساء في هذا الزمان؟!! حيثُ بلغت وسائلُ الفتنةِ والإغراء بهنَّ مبلغاً لم يشهدهُ تاريخُ البشريةِ من قبل، وحيث تفنن شياطينُ الأنس في عرضِ المرأة بصورها المُثيرةِ في كلِّ شئ، في وسائلِ الأعلامِ المقروءةِ والمسموعة والمرئية، وأخرجوها من بيتها بوسائلِ الدعايةِ و المكرِ والخداع ، فمن قال بعد ذلك إنَّ كشف المرأة عن وجهها، أو شئٍ من جسدها لا يثيرُ الفتنةَ فهو والله مغالطٌ مكابر، لا يوافقهُ في ذلك من لهُ مسكةٌ من دينٍ أو عقلٍ أو مروءة .
وإذا تبين ذلك فلنعلم أيضاً أنَّ هذا القدر من الخلاف بين العلماء بقي خلافاً نظرياً إلى حدٍ بعيد، حيثُ ظلَّ احتجابُ النساءِ هو الأصلُ في الهيئةِ الاجتماعية، خلالَ مراحلِ التاريخِ الإسلامي، كما قال شيخ الإسلام : (كانت سنة المؤمنين في زمن النبيe أنَّ الحُرة تحتجب)
وقال الإمامُ الغزالي : (( لم يزل الرجالُ على مرِّ الزمان مكشوفي الوجوه، و النساءَ يخرجن متنقبات )) 0
أيَّها المسلمون :
إنَّ المتأملَ في حال المتبعين للشهواتِ اليوم، ليأخذهُ العجبُ و الحيرةُ من أمرهم ، فمالهم وللمرأةِ المُسلمة التي تقرُّ في منزلها، توفرُ السكنَ لزوجها، وترعى أولادها، ماذا عليهم لو تركوها في هذا الحصن الحصينِ تؤدي دورها الذي يُناسبُ أنوثتها و طبيعتها ، ماذا يُريدون من عملهم هذا، ثُمَّ ماذا عليهم لو تركوا أولاد المسلمين يتربون على الخيرِ والدين؟! والخصالَ الكريمة؟! ماذا يُريدون من إفسادهم وتسليط برامجَ الإفسادِ المختلفةِ عليهم؟! هل يُريدون جيلاً مُختلاَّ يكونُ وبالاً على مجتمعه، ذليلاً لأعدائه ، عبداً لشهواته، إنَّ هذه هي النتيجة، وإنَّ من يسعى لهذه النتيجةِ التي تتجهُ إليها الأُسرُ المسلمةِ اليوم لهوَ من أشدِّ الناس خيانةً لمجتمعهِ وأمتهِ وتاريخه ، وإنَّ من عندهُ أدنى مروءةٍ ونخوةٍ فضلاً عن الدين والأيمان، لا يسمحُ لنفسهِ أن يكونَ من هؤلاءِ الظالمين المفسدين.
ثُمَّ أنتم يا مسلمون يا صالحون، يا أهلَ الشرفِ و الحياءِ و المروءةِ، كونوا يقظينَ لما يطرحهُ الظالمون لأنفسهم و أمتهم، من كتاباتٍ وحواراتٍ مؤداها إلى سفورِ المرأة و اختلاطها بالرجال، فما دامت المدافعةُ بين المصلحين و المفسدين، فإنَّ اللهَ عز وجل يقذفُ بالحقِّ على الباطلِ فإذا هو زاهق.
يا مسلمون :
ينبغي أن لا ننسى في خضمِ الردودِ على ما يكتبهُ المفسدون من الشُبهات والشهوات، ذلك السيلُ الهادرُ الذي يتدفقُ من وسائلِ الأعلامِ المسموعةِ و المرئية في بلاد المسلمين، وذلك بما تبثُّهُ من دعواتٍ للمرأةِ إلى السفور، ومزاحمةِ الرجال في الأعمالِوالطرقات، عبر القصةِ والمسلسل والبرامج الحوارية، والمقابلاتِ والبرامجِ الغنائية ، ولقد ضربت هذه الوسائلُ بأطنابها في بلادِ المسلمين، فكان لزاماً على كلِّ غيورٍ محاربتها وإبعادها عن بيتهِ قدر الاستطاعة .
يا مسلمون :
ربُّوا نساءَكم وبناتكم على حُبِّ الحجابِ والتعلقِ به منذُ الصغر، ومن وسائلِ ذلك تحصينهنَّ الحصانةَ الفكريةِ و الأخلاقية، بأن تعلمَ المرأةُ المسلمة أوضاعَ المرأةِ الغربية، والإسفاف النفسي الذي وصلت إليه، وتعتيم الغزو لأوضاعها، وأحياناً قلبُ مفاسدها وانحرافاتها إلى فضائلَ و تكريم0
إننا لا نُريدُ المرأةَ المتحجبةِ تقليداً وعادةً تشعرُ مع الحجابِ بالضيقِ والحرج ، وتتخلى عنهُ لأدنى شبهة أو شهوة.
نريدُ المرأةَ المسلمة التي ترى في الحجاب عزاً وشرفاً، وترى في الحياءِ سلوكاً وخلقاً، نريدُ المرأةَ التي تتحجبُ استسلاماً لله ، ورضاً بشريعتهِ، وخضوعاً لحكمه، وتتمثلُ قولَ الحقِّ: (( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )) (الأحزاب: من الآية36) 0
لا نريدُ المرأةَ المتحجبةَ المتخلفة، فإنَّ الدعوةَ إلى فريضةِ الحجابِ والعودة إليه، لا بُدَّ أن تُواكبها دعوةَ القائمين بأمرِ المرأة، إلى أن يؤدوا لها فريضة تحرير عقلها من حُجبِ التضليل والجهل والتخلف، وتِلكم مسئوليتكم أيُّها الأولياء، فاتقوا الله، وقوا أنفسكم و أهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة.
أقولُ هذا القول .
الخطبة الثانية
فإنَّ دُعاة تغريرِ المرأةش وتدميرها، ما فتئُوا يستغلون الظروفَ و الأزمات، لبثِّ أفكارهم العفنة و الدعوة إليها، وهُم في دعواتهم المتكررةِ لكشفِ المرأةِ وجهها، باعتبار ذلك خطوةً نحو تبرجها و سفورها، يعمُدون إلى وسائلَ متعددة، فتارةً من خلالِ الأفلام والمسلسلات،وتارةً من خلالِ الحفلاتِ و المهرجانات، وأُخرى من خلالِ الإعلاناتِ التجارية، و التي تُبرزُ الرجلَ حالقاً للحيته، و المرأةُ كاشفةً وجهها، باعتبارهم يُمثلون المجتمع السعودي،حتى يستمرئُ الناس ذلك و يألفونه .
وآخرُ خطواتهم في ذلك، دعواتهم منذُ سنواتٍ عبرَ الكتاباتِ الصحفيةِ، لاستقلالِ المرأةِ ببطاقةٍ تحملُ صورتها، بحجةِ أنَّ ذلك يحمي حقوقها ، ويثبتُ شخصيتها، ويقضي على صورِ التزوير، حتى تحولت دعواتهم إلى واقعٍ عملي، استرضي به حفنةً، واستغضبت به أمة.
ونحنُ إذ نُقدرُ للمسؤولين حرصهم على أمنِ البلدِ وحمايةِ حقوق ساكنيه، و نُثمنُ لهم خطواتهم لتحقيق ذلك، فإننا يجبُ أن نعلمَ أنَّ الله لم يجعل شفاءَ أمةِ محمدٍ فيما حرم عليها ، وإننا إذ نقفُ مع كلِّ خُطوةٍ تحققُ للبلد أمنهُ و استقراره، فإنَّهُ يجبُ أن نُدركَ أنَّ هُناك أمناً لا يمكنُ التفريط فيه، ألا وهو الأمن الأخلاقي .
إن أمتناعنا عن بطاقةِ المرأةِ ليس تحجراً و لا تعنتاً، و لا من بابِ المشقةِ، بل هو نظرٌ مصلحي، ومبنيٌّ على موازنةِ المصالح و المفاسد منها ، وسدَّ باب الذرائع قاعدةً شرعيةً متقررةٌ في القرآنِ والسنة، وعليها عملُ سلف الأمة ، و بنظرٍ مُتجردٌ من الأهواءِ و العواطف، والتأثيراتِ الإعلامية، سيُدركُ كلَّ صاحبَ عقلٍ أنَّ مفاسدها راجحةً على مصالحها، و إثمها أكبرُ من نفعها .
إنَّهُ نظراً لتعلقِ البطاقةِ بالمرأة، وهي عرضُ المسلم و شرفه، فإنَّ مثلَ هذهِ الأمورِ لابُدَّ أن تُقدر فيها مشاعرُ الغيرةِ لدى الناس، وليس الميزانُ في ذلك رضى البعض بها ، بل النظر هنا لمن يُوقعون عن اللهِ، وهم الذين أمرَنا اللهُ بالرجوع إليهم، وهم علماؤُنا الإجلاء، والذين قرروا بالإجماعِ في جلسةٍ لهيئةِ كبار العلماءِ أنَّ المصلحةَ الراجحةُ تقتضي بالمنعِ من ذلك ، وكذا بيانَ اللجنةِ الدائمةِ للإفتاء، والتي عدت المُطالبة ببطاقةِ المرأةِ من الأفكارِ المضللةِ للمجتمع .
ولابد أن نعلم أيُّها المسلمون أموراً منها :
أولاً : أن بطاقة المرأةِ وفيها صورتها خطوةً نحو حصولها على رخصةِ قيادة، مما يفتحُ البابَ لقيادتها للسيارة، وهو ما يطمحُ إليه دُعاة التغريب و الضلال .
ثانياً : أن مسوغات صرف البطاقةِ للمرأة غير مقنعةً البتة، سواءً في دعوى حفظِ حقوقها وكرامتها، أو رفع الظلمِ عنها من ذويها، وذلك لوجودِ بدائلَ متاحةً حالياً، وكافيةً لحفظِ حقوقِ المرأةِ المالية أو المعنوية ، والبطاقةُ لا تمنع الولي من ظلمهِ لزوجته أو ابنته أو أخته، والذي سيسلبها حقوقها، سيسلبها بطاقتها ، فأيُّ شئٍ ستحققهُ البطاقة للمرأة ، ورقم سجلِّها المدني، يحققُ لها حقوقها المدنية، و سجلاتها المستقلة سواءً كانت سجلاتٌ أمنية، أو تجارية، أو إحصائية.
ثالثاً : تصويرُ المرأة لوجهها في بطاقةٍ يُشاهدها الرجالُ في المحاكم، و الدوائر والمطارات،ونقاط التفتيش وفي الفنادق وغيرها، سيرفعُ الحاجزُ النفسي عند المرأة، وسيُجرئها على كشفِ وجهها في كلِّ مكان، ومن هُنا تنشأ المفاسد، وتكثرُ المخالفات الأخلاقية 0
رابعاً : مع ما في بطاقة المرأة من إضعافٍ لقوامةِ الرجل على أهله، حينما يصيرُ لدى المرأةِ شعورٌ بالاستقلالية، فإننا إذا سلمنا بأهميتها أمنياً، فما المبررُ لصورتها، رغم أنَّ الإثبات بالصورةِ من أسوءِ وسائل الإثبات، في زمنٍ تطورت فيه وسائلُ التزوير ، ومعلومٌ أنَّ الصورةَ تتغيرُ كلَّ حينٍ عند الرجال، فكيف بالمرأةِ التي تتغيرُ في اليومِ أكثر من مرة .
إذا سلمنا بالحاجةِ إلى البطاقة أمنيا،ً فإنَّ في وسائلِ الإثبات الحديثةِ من بصماتٍ وعدساتِ عينٍ ما يُغنى عن هذه الخطوةِ الخطيرة ، والتي تعتبرُ بدايةً لخلعِ الحجاب ، فلا تسأل عن انكسارِ عيونِ أهلِ الغيرة، وتقلصِ ظل الفضيلة، و انتشارِ الرذيلةِ وشيوعِ التبرج والسفور 0
وإننا أيُّها المسلون لنتساءل : ماذا لو فقدت امرأةٌ بطاقتها و فيها صورتها؟! فعثرَ عليها أربابُ الشهوات! فجعلوا منها وسيلةً للمساومةِ على عفافِ المرأةِ و شرفها ؟ 0
وماذا لو عثرَ عليها المفسدون؟! فتفننوا في وضعها بأشكالٍ مُزريةٍ فاضحةٍ عبر شبكةِ الإنترنت؟! فهناك الفضائح و المخازي .
إنَّهُ يومَ أن تصورَ المرأةُ و تكشفُ وجهها ليراها كلَّ موظفٍ ومسؤول، حينها ترقبوا أن يكون حديثُ المجالس، ما أجملَ امرأةَ فلان!! وفلانٌ زوجتهُ ليست بذاك!! و حينها ارتقبوا خللاً أُسرياً، و تفككاً عائلياً، ومشاكل اجتماعيةٍ لا حصر لها .
وإنَّ لنا أن نتساءلَ و نسألَ أولئك الكُتاب والكاتبات، من المستغربين والمستغربات ، أدينُ الله يبغون؟! وبشريعتهِ يرضون ؟ إذاً فقد قال العلماءُ كلمتهم، وأصدروا حُكمهم، فلماذا لم تأخذوا بحكمهم ؟ أم أنَّهم غيرَ دين الله يبغون؟! وبحكمِ الجاهلية يرضون ؟ إن كانوا يؤمنون بالديمقراطيةِ، وأنَّ الرأي للأغلبية، فإنَّ غالبَ رجالَ الأمة و نساءَها، لا يرضون مثل هذه الخطوة الخطيرة، فلماذا لم يؤخذُ رأيهم بالاعتبار ؟ وبأيِّ حديثٍ هؤلاءِ يؤمنون ؟ 0
وإنَّ لنا أن نتساءل : المسؤولون يُريدون من البطاقةِ تحقيقُ مطلبٍ أمني ، ولكن أرباب الشهواتِ و دُعاةِ الضلالِ جعلوا منها وسيلةً للتشفي و التحدي، وإغاضةِ أهل الغيرة والصلاح، فهذا أحدهم يرسمُ في جريدةٍ صورةَ لبطاقة امرأةٍ وسماها، ( إنسانة بنت الوطن ) لأنَّها كانت قبل البطاقة في نظرهِ حيواناً لا قيمةَ لها، ولو كانت الصالحة القانتة، ويرسمُ معها رسماً لامرأة ترفعُ يديها بعلامات النصر، وكأنَّ المرأةَ قبل ذلك مقهورةً مظلومة .
وآخر يرسمُ رسماً يُعنونَ له ( الخاسرون في بطاقة المرأة ) ويرسمُ تحتهُ صوراً لأشخاصٍ أشكالهم قبيحة، وفي هيئةٍ مُقززة، وقد حفوا شواربهم، وتركوا لحاهم، وهُم ثلاثُ أصناف : المجرمون، النصَّابون ، والمزورون.
فياليت شعري : هل البطاقةُ مطلبٌ أمنى، أم هدفٌ علماني ؟
و إنَّ لنا أن نتساءل: لماذا لا تظهرُ الخفافيشُ إلاَّ في الظلام ؟ لماذا لا تُصدرُ هذه الدعواتِ الآثمة، والتي تفرقُ الصف، وتشتتُ الشمل، وتوغرُ الصدور، إلاَّ زمن الأحداثِ والأزمات، حيثُ تشتدُّ الحاجةُ إلى وحدةِ الصف، واجتماع الكلمةِ، ووقوفَ الرعية مع رعاتها، ولكنهُ النفاق والمنافقون (( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)) (التوبة:47) .
وأخيراً أيُّها المسلمون :(47/123)
إنَّ من حقِّ ولاتنا علينا، ومن حق هذا الوطن، وإنَّ من مقتضياتِ الغيرةِ على دينِ الله، وعلى حُرمات المسلمين، أن نبينَّ للمسؤولينَ الخطر الماحق، الذي سينشأُ من هذه البطاقة، وأن نقفَ جمعياً في خندقِ الإصلاح، ضدَّ كلِّ دعوةٍ تستهدفُ هدمَ جدارنا الأخلاقي، وزعزعةَ ثوابتِ الأمة .
إننا نتطلعُ أيُّها المسلمون إلى أن تكون غيرتُكم جبلاً، تتحطمُ عليه كلَّ نصالِ دعاةِ الضلال، وأن لا تكونَ غيرتكم جداراً من ورق، ينهارُ عند أدنى طمعٍ دنيوي، أو شهوةٍ مادية . نحنُ لا نريدُ المجتمع الذي يقتلُ الحسينَ ويسألُ عن دمِ البعوضة، لا نُريدُ الجيلَ الذي يأنفُ أفرادهُ من ذكرِ أسماءِ نسائهم في المجالس، و يسمحُون بصورهنَّ تتداولُ في كلِّ مكان .
قد قلتُ ما قلتُ نصحاً للهِ و لدينه ولأئمةِ المسلمين وعامتهم ، وغيرةً على هذا الوطن و أهله ، ومساهمةً في تحقيقِ المواطنةِ الحقيقية، وما أريدُ إلاَّ الإصلاحَ ما استطعت، وما توفيقي إلاَّ بالله، عليه توكلتُ و إليه أنيب .
اللهمَّ احفظ بلادنا و أهلها، و دُعاتها ورعاتها، من كيدِ الكائدين، وحسدِ الحاسدين، ودعوات المفسدين
ـــــــــــــــــــ(47/124)
وقفات في الحجاب وأصول الاعتقاد 1 / 4
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد.
فلم يعد خافيًا على أحدٍ ما تشهدهُ مجتمعات المسلمين اليوم، من حملةٍ محمومةٍ من الذين يتبعون الشهوات على حجاب المرأة وحيائها، وقرارها في بيتها، حيثُ ضاق عطنهم، وأخرجوا مكنونهم، ونفذوا كثيرًا من مخططاتهم في كثيرٍ من مجتمعات المسلمين، وذلك في غفلةِ وقلة إنكارٍ من أهل العلم والصالحين، فأصبح الكثير من هذه المجتمعات تعجُّ بالسفور والاختلاط والفساد المستطير، الأمر الذي أفسد الأعراض والأخلاق.
وبقيت بقيةٌ من بلدان المسلمين لا زال فيها والحمد لله يقظة من أهل العلم، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، حالت بين دعاة السفور وبين كثيرٍ مما يرومون، وهذه سنةُ الله عز وجل في الصراع بين الحق والباطل، والمدافعة بين المصلحين والمفسدين.
ومن كيد المفسدين في مثل المجتمعات المحافظة، ووجود أهل العلم والغيرة، أنهم لا يجاهرون بنواياهم الفاسدة، ولكنَّهم يتسترون وراء الدين، ويُلبسون باطلهم بالحق واتباع ما تشابه منه، وهذا شأنُ أهل الزيغ، كما وصفهم الله عز وجل في قوله : (( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ )) (آل عمران: 7) .
وهُم أولُ من يعلم أن فساد أي مجتمع إنما يبدأ بإفساد المرأة واختلاطها بالرجال، ولو تأملنا في التاريخ، لوجدنا أن أوَّلَ ما دخل الفساد على كثير من الأمم، فإنما هو من باب الفتنة بالنساء،
وقد ثبت عن النبي e قوله : (( ما تركت بعدي فتنةً هي أضر على الرجال من النساء )) [1]
وهذه حقيقة لا يمُاري فيها أحد، ومللُ الكُفر أوَّلُ من يعرف هذه الحقيقة، حيث إنَّهم من باب الفتنة بالنساء، دخلوا على كثير من مجتمعات المسلمين وأفسدوها، وحققوا أهدافهم البعيدة، وتبعهم في ذلك المهزومون من بني جلدتنا، ممن رضعوا من لبان الغرب وأفكاره ، ولكن لأنهم يعيشون في بيئة مسلمة، ولا زال لأهل العلم والغيرة حضورهم، فإنهم ـ كما سبق بيان ذلك ـ لا يتجرؤون بطرح مطالبهم التغريبيةِ بشكلٍ صريح، لعلمهم بطبيعة.
تدين الناس ورفضهم لأطروحاتهم وخوفهم من الافتضاح بين الناس، ولذلك دأبوا على اتباع المتشابهات من الشرع، وإخراج مطالبهم في قوالب إسلامية، وما فتئوا يُلبسون الحق بالباطل.
ومن هذه الطروحات التي أجلبوا عليها في الآونةِ الأخيرة، مطالبتهم في مجتمعاتٍ محافظة بكشف المرأة عن وجهها، وإخراجها من بيتها، معتمدين بزعمهم على أدلةٍ شرعية، وأقوالٍ لبعضِ العلماء في ذلك.
ولنا في مناقشةِ هؤلاءِ القوم المطالبين بكشف وجه المرأة المسلمة أمام الأجانب، واختلاطها بهم في مجتمعٍ محافظ، لا يعرف نساؤهُ إلا الحجاب الكامل، والبعد عن الأجانب، لنا في ذلك عدة وقفات :
الوقفة الأولى : (( إنَّ هناك فرقًا في تناول قضية الحجاب، وهل يدخلُ في ذلك الوجه أم لا ؟ بين أن يقع اختلاف بين العلماءَ المخلصين في طلب الحق، المجتهدين في تحري الأدلة، الدائرين في حالتي الصواب والخطأ، بين مضاعفةِ الأجر مع الشكر، وبين الأجرِ الواحد مع العذر، وبين من يتتبعُ الزلات، ويتحكمُ بالتشهي، ويرجِّحُ بالهوى، لأنَّ وراء الأكمةِ ما وراءها، فيُؤولُ حالهُ إلى الفسق ورقة الدين، ونقص العبودية وضعف الاستسلام، لشرع الله عز وجل.
وهُناك فرقٌ بين تلك الفتاوى المحلولة العقال، المبنيةِ على التجرئ لا على التحري، والتي يصدرها قومٌ لا خلاق لهم من الصحفيين، ومن أسموهم المفكرين، تعجُّ منهم الحقوقُ إلى الله عجيبًا، وتضجُّ منهم الأحكام إلى من أنزلها ضجيجًا، يفرقون من تغطية الوجه لا لأنَّ البحث العلمي المجرد أدَّاهم إلى أنه مكروه، أو جائز، أو بدعة كما يرجفون ، ولكن لأنَّهُ يشمئزُّ منه متبوعيهم من كفار الشرق والغرب، فا للهمَّ باعد بين نسائنا وبناتنا وأخواتنا وبينهم كما باعدت بين المشرق والمغرب )) [2] .
ولك أن تُقدر شدَّة مكرِ القوم الذين يريدون من جانبهم أن يتبعوا التمدن الغربي، ثم يبررون فعلهم هذا بقواعد النظام الإسلامي الاجتماعي.
ولقد أُوتيت المرأة من الرخصة في النظام الإسلامي أن تبدي وجهها وكفيها، وما دعت إليه الحاجة أو الضرورة في بعض الأحوال، وأن تخرج من بيتها لحاجتها، ولكن هؤلاءِ يجعلون هذا نقطة البدء، وبداية المسير، ويتمادون إلى أن يخلعوا عن أنفسهم ثوب الحياء والاحتشام، فلا يقفُ الأمرُ بإناثهم عند إبداء الوجه والكفين، بل يجاوزه إلى تعريةِ الشعر والذراع والنحر، إلى آخر هذه الهيئات القبيحة المعروفة، وهي الهيأة التي لا تخصُّ بها المرأة الأزواج والأخوات والمحارم فقط، بل يخرجن بكلِّ تبرجٍ من بيوتهن، ويمشين في الأسواق، ويخالطن الرجال في الجامعات ، ويأتين الفنادق والمسارح، ويتبسطن مع الرجال الأجانب.
ثم يأتي القوم فيحملون رخصةَ الإسلام للمرأة، في الخروج من البيت للحاجة، وهي الرخصة المشروطة بالتستر والتعفف، على أنَّها يحل لها أن تغدو وتروح في الطرقات، وتتردد إلى المنتزهات والملاعب والسينما في أبهى زينة، وأفتنها للناظرين، ثم يُتَّخَذُ إذن الإسلام لها في ممارسة أمورٍ غير الشؤون المنزلية ـ ذلك الإذن المقيد المشروط بأحوال خاصة ـ يتخذُ حجةً ودليلاً على أن تودِّع المرأة المسلمة جميع تبعات الحياة المنزلية، وتدخلُ في النشاط السياسي والاقتصادي والعمراني تمامًا، وحذو القُذَّة بالقذة، كما فعلت الإفرنجية.
وها هو ذا المودودي ـ رحمه الله ـ يصرخُ في وجوه هؤلاءِ الأحرار في سياستهم، العبيد في عقليتهم قائلاً : (( ولا ندري أيُّ القرآن أو الحديث يُستخرج منهُ جواز هذا النمط المبتذل من الحياة؟ وإنَّكم ـ يا إخوان التجدد: إن شاءَ أحدكم أن يتبعَ غير سبيل الإسلام فهلا يجترئُ ويصرِّحُ بأنَّهُ يريدُ أن يبغي على الإسلام؟ ويتفلَّت من شرائعه؟ وهلا يربأ بنفسه عن هذا النفاق الذميم والخيانة الوقحة، التي تزيِّن له أن يتبع علناً ذلك النظام الاجتماعي ، وذلك النمطِ من الحياة الذي يحرِّمه الإسلام شكلاً وموضوعًا، ثم يخطو الخطوةَ الأولى في هذا السبيل، باسم اتباع القرآن، كي ينخدع به الناس ، فيحسبوا أنَّ خطواته التالية موافقةً للقرآن ))[3] أهـ.
[1] البخاري في النكاح ( 5096 ) ، مسلم في الذكر ( 2740 ) .
[2] انظر عودة الحجاب 3 / 437 .
[3] انظر مقدمة عودة الحجاب للدكتور محمد إسماعيل المقدم 1 / ص22 ، 23
باختصار وتصرف يسير .
الوقفة الثانية
وهي نتيجة للوقفة الأولى، وذلك بأن ينظرَ إلى قضية الحجاب اليوم، وما يدورُ بينها وبين السفور من معارك، إلى أنَّها لم تُعد قضيةً فرعية ومسألةً خلافية فيها الراجح والمرجوح بين أهل العلم، ولكنَّها باتت قضيةً عقدية مصيرية، ترتبط بالإذعان والاستسلام لشرع الله عز وجل، في كلِّ صغيرة وكبيرة، وعدم فصلها عن شئونِ الحياة كلها، لأنَّ ذلك هو مقتضى الرضى بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد e نبيًّا.
إن التشنيعَ على تغطيةِ المرأة لوجهها، والتهالك على خروجها من بيتها، واختلاطها بالرجال، ليست اليوم مسألة فقهية فرعية، ولكنَّها مسألة خطيرةً لها ما بعدها، لأنها تقومُ عند المنادين بذلك على فصل الدين عن حياة الناس، وعلى تغريب المجتمع، وكونها الخطوة الأولى أو كما يحلو لهم أن يعبروا عنها بالطلقة الأولى.
وإنَّ لنا في جعلِ قضية الحجابِ اليوم قضيةً أصوليةً كلية، مع أن محلها كتب الفروع، إنَّ لنا في ذلك أسوة في سلف الأمة، حيث صنفوا بعض المسائل الفرعية مع أصول الاعتقاد، لمَّا رأوا أنَّ أهل البدع يشنعون على أهل السنة فيها، ويفاصلون عليها؛ من ذلك ما ذكره الإمام الطحاوي في العقيدة الطحاوية، بقوله عن أهل السنة والجماعة : (( ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر كما جاء في الأثر )).
وعلَّق شارحُ الطحاوية على ذلك بقوله : (( وتواترت السنةُ عن رسول الله e بالمسح على الخفين، وبغسل الرجلين، والرافضة تُخالفُ هذه السنة المتواترة )) [1] .
ومعلومٌ أنَّ المسحَ على الخفين من المسائل الفقهية، ولكن لأنَّ أهل البدع أنكروه وشنعوا على مخالفيهم فيه، نص العلماء عليه في عقائدهم.
إذاً فلا لومَ على من يجعل قضية الحجاب اليوم قضيةً أُصولية مصيرية، وذلك لتشنيعِ مبتدعةِ زماننا ومنا فقيهم عليه، ولحملتهم المحمومة لنزعه، وجرِّ المرأة بعد ذلك لما هو أفسد وأشنع من ذلك، وأنَّها لم تُعد مسألةً فقهية يتناقشُ فيها أهلُ العلم المتجردون لمعرفة الراجح فيها، وجوانب الحاجة والضرورة فيه.
الوقفة الثالثة :
لو أنَّ المنادين اليومَ بكشف وجهِ المرأة أمام غير المحارم، وكانوا في مجتمعٍ يعجُّ بالسفور والتعري الفاضح لأحسنا الظنَّ بهم، وقلنا : لعلَّ قصدهم ارتكاب أهون المفسدتين، والتدرج بالنساء في ردهنَّ إلى الحجاب الشرعي والحياءِ والحشمة شيئًا فشيئًا، حيثُ إنَّ المرأة التي تكشف وجهها وكفيها فقط في مجتمعٍ متعرٍّ متفسخ، هي بلا شك أحسنُ حالاً ودينًا ممن تتعدى ذلك إلى كشف ما هو أشد وأشنع.
أما وإنَّ الذين يُنادون اليومَ بنزع الحجاب عن الوجه، إنما يُوجِّهون نداءهم إلى مجتمعات محافظة، لم يعرف نساؤهُ إلاَّ الحشمة والحياء، وتغطيةَ الوجهِ والبعد عن الرجال الأجانب، فإنَّ هذا مما يثيرُ العجب، ويحيرُ العقل، ويضعُ استفهاماتٍ كثيرة على مطالبهم تلك، فماذا يريدون من ذلك؟ وماذا عليهم لو بقيت نساؤُهم وبناتهم وأخواتهم ونساءَ المسلمين على هذه الحشمة والعفة والحياء؟ ماذا يضيرهم في ذلك؟ ألا يشكرون الله عز وجل على هذه النعمة العظيمة؟ ألا يعتبرون بما يرونه في المجتمعات المختلطة المتبرجة، حيث ضاعت قوامة الرجل وظهرَ الفساد، وهُتكت الأعراض ؟!إنَّ زماننا اليوم زمن العجائب، وإلاَّ فعلام يشرقُ قومنا بالفضيلة والطُهر والعفاف.
[1] شرح الطحاوية : ص 386 .
الوقفة الرابعة :
ليس المقصود في هذه الوقفات حشدَ الأدلةِ الموجبة لستر وجه المرأة وكفيها عن الرجال الأجانب، ووجوب الابتعاد عنهم؛ فهي كثيرة وصحيحة وصريحة والحمد لله، ويمكن الرجوع إليها في فتاوى ورسائل أهل العلم الراسخين، كرسالة (الحجاب) للشيخ ابن عثيمين- رحمه الله تعالى، وكتاب (عودة الحجاب) القسم الثالث للدكتور محمد بن إسماعيل المقدم- حفظه الله- الذي توسع في هذا الموضوع، وردَّ على شبهات المخالفين، وإنَّما المقصود في هذه المقالة ما ذُكر سابقًا في الوقفات الثلاث، من فضح نوايا المنادين بكشفِ الوجهِ والاختلاط بالرجال، وأنَّ وراءَ ذلك خطوات وخطوات من الفساد والإفساد.
ومع ذلك يحسنُ بنا في هذه الوقفة، أن نشيرَ إلى أن علماءَ الأمة في القديم والحديث - من أجاز منهم كشف الوجه ومن لم يجزه ـ كلهم متفقون ومجمعون على وجوب ستر وجه المرأة وكفيها، إذا وجدت الفتنة وقامت أسبابها، فبربكم أيُّ فتنة هي أشدُّ من فتنة النساء في هذا الزمان، حيث بلغت وسائل الفتنةِ والإغراء بهن، مبلغًا لم يشهده تاريخ البشرية من قبل، وحيث تفنن شياطين الإنس في عرضِ المرأة بصورها المثيرة في كلِّ شيء، في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وأخرجوها من بيتها بوسائل الدعاية والمكر والخداع.
فمن قال بعد ذلك : إنَّ كشف المرأة عن وجهها أو شيء من جسدها لا يثير الفتنة، فهو والله مغالطٌ مكابر، لا يوافقهُ في ذلك من له مسكت من دينٍ أو عقل أو مروءة.
وبعد التأكيد على أنَّ أهل العلم قاطبةً متفقون على وجوب تغطية الوجه إذا وجدت الفتنة، يتبين لنا أنَّ خلافهم في ذلك كان محصورًا فيما إذا أمنت الفتنة، ومع ذلك فتجدر الإشارة أيضًا إلى أنَّ هذا القدر من الخلاف بقي خلافًا نظريًّا إلى حَدٍّ بعيد، حيثُ ظل احتجاب النساء هو الأصل في الهيئة الاجتماعية، خلال مراحل التاريخ الإسلامي، وفيما يلي نُقُول عن بعض الأئمة تؤكد أنَّ التزام الحجاب كان أحد معالم »سبيل المؤمنين« في شتى العصور :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- : ((كانت سنة المؤمنين في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ الحرة تحتجب، والأمة تبرز )) [1] أهـ.
وقال الإمام أبو حامد الغزالي- رحمه الله تعالى- (( لم يزل الرجال على مرِّ الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجنَّ متنقبات )) [2] .
وقد يتعلق دعاة السفور أيضًا ببعض الحالات التي أذن الشارع للمرأة فيها بكشف وجهها لغير محارمها، كرؤيةِ الخاطب لمخطوبته، وعند التداوي إذا عدمت الطبيبة بشرط عدم الخلوة، وعند الشهادة أمام القاضي ونحوها، وهذا كله من يُسر الشريعة، وسماحة الإسلام، حيث رُخِّص للمرأة إذا اقتضت المصلحة الراجحة والحاجة الماسة، أن تكشف عن وجهها في مثل هذه الأحوال، وليس في هذا أدنى متعلقٌ لدعاة السفور، لأنَّ الأصل هو الحجاب الكامل، وهذه رخصٌ تزول إذا زالت الحاجة إليها.
[1] - تفسير سورة النور : ص 65 .
[2] - إحياء علوم الدين 4 / 729 .
الوقفة الخامسة :
ومن منطلقِ النصحِ والشفقة وإقامةِ الحجة، أتوجَّهُ بالكلمات التالية إلى أولئك القوم الذين ظلموا أنفسهم، وأساءوا إلى مجتمعهم وأمتهم، وخانوا أماناتهم، وحملوا بذلك أوزارهم وأوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون، فأرجو أن تجد هذه الكلمات آذانًا صاغية، وقلوبًا واعية، قبل مباغتة الأجل وهجوم الموت، حيث لا تقبلُ التوبة ولا ينفع الندم.
1- أذكركم بموعظةِ الله تعالى ؛ إذ يقول : (( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا )) (سبأ: 46) .
فماذا عليكم لو قام كلُّ فردٍ منكم مع نفسه أو مع صاحبه، ثم فكرتم فيما أنتم عليه من إفسادٍ وصدٍ عن سبيل الله عز وجل، هل أنتم مقتنعون بما تفعلون وبما تتسببون به إلى أمتكم من الفتن؟ وهل هذا يُرضي الله تعالى ويجلب النعيم لكم في الآخرة؟ إنَّكم إن قُمتم لله عز وجل متجردين مثنى أو فرادى، وفكرتم في ذلك؛ فإنَّ الجوابَ البد هي هو أنَّ الفساد والإفساد لا يحبهُ الله عز وجل، بل يمقتهُ، ويمقتُ أهله، وسيأتي اليوم الذي يَمقت فيه أهلُ الفساد أنفسهم، ويتحسرون على ما فرَّطوا وضيعوا وأفسدوا، وذلك في يومِ الحسرة؛ حيث لا ينفعُ التحسرُ ولا التندم، فعليكم بالتوبةِ قبل أن يُحال بينكم وبينها.
2- أُذكركم بيوم الحسرةِ والندامة، يوم يتبرأُ منكم الأتباع، وتتبرءون من الأتباع، ولكن حين لا ينفعُ الاستعتاب ولا التنصل ولا التبرؤ، بل كما قال تعالى: (( وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) (سبأ:33) .
3- أذكركم بالأثقالِ العظيمةِ، التي ستحملونها يوم القيامة من أوزاركم وأوزار الذين تضلونهم بغير علمٍ إن لم تتوبوا، قال تعالى : (( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ )) (العنكبوت:13) .
وقال عز وجل: (( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ )) (النحل:25)
وإنَّ الظالمين جميعهم،رئيسهم ومرءوسيهم، تابعهم ومتبوعيهم، لهم يومٌ مشهود، ويومٌ عصيب، يومَ يكفرُ بعضهم ببعض، ويلعنُ بعضهم بعضًا، ويحيلُ التبعةُ بعضهم على بعض، ولكن حين لا يجدي لهم ذلك إلاَّ الخز ي والبوار.
4- إن لم يوجد واعظ الله سبحانه والدار الآخرة فيكم، فلا أقل من أن يوجد عندكم بقيةُ مروءةٍ وحياء، تمنعكم من إفسادِ المرأةِ وإفساد المجتمع بأسره .
إنَّ المتأملَ في حال المتبعين للشهوات اليوم، ليأخذه العجب والحيرة من أمرهم ! فما لهم وللمرأة المسلمة التي تقرُّ في منزلها؟! توفرُ السكن لزوجها وترعى أولادها، ماذا عليهم لو تركوها في هذا الحصن الحصين تؤدي دورها الذي يُناسبُ أنوثتها وطبيعتها؟! ماذا يريدون من عملهم هذا ؟!
ثم ماذا عليهم لو تركوا أولاد المسلمين يتربون على الخيرِ والدينِ والخصال الكريمة ؟ ماذا يريدونَ من إفسادهم وتسليطِ برامج الإفساد المختلفة عليهم؟ هل يريدون جيلاً منحلاً، يكونُ وبالاً على مجتمعه، ذليلاً لأعدائه، عبدًا لشهواته؟ إنَّ هذه هي النتيجة، وإنَّ من يسعى لهذه النتيجةِ الوخيمةِ التي تتجهُ إليها الأسرُ المسلمة اليوم، لهو من أشدِّ الناسِ خيانةً لمجتمعه وأُمته وتاريخه. إنَّ من عنده أدنى مروءةٍ ونخوة ـ فضلاً عن الدين والإيمان ـ لا يسمحُ لنفسهِ أن يكون من هؤلاءِ الظالمين المفسدين، وما ذُكر من إفسادِ الأسرةِ إنما هو على سبيل المثال لا الحصر.فيا من وصلوا إلى هذا المستوى من الهبوطِ والجناية، توبوا إلى ربكم، وفكروا في غايتكم ومصيركم، واعلموا أنَّ وراءكم أنباءً عظيمة، وأهوالاً جسيمة، تشيبُ لها الولدان، وتشخصُ فيها الأبصار، فإن كنتم تُؤمنون بهذا فاستيقظوا من غفلتكم، وراجعوا أنفسكم، والله جلَّ وعلا يغفرُ الذنوب جميعًا، وإن كنتم لا تؤمنون بذلك فراجعوا دينكم، وادخلوا في السلم كافة قبل أن يُحال بينكم وبين ما تشتهون.
5- يا قومنا أعدوا للسؤالِ جوابًا، وذلك حين يسألُكم عالم الغيب والشهادة عن مقاصدكم في حملتكم، واجتراؤكم على المرأةِ وحجابها، وقرارها في بيتها، فماذا أنتم قائلون لربكم سُبحانه؟ إنَّكم تستطيعون أن تفروا من المخلوق فتُدلسون وتلبسون، وقد يظهرُ تدليسكم هذا في لحنِ القول وقد لا يظهر، لكن كيف الفرارُ ممن يعلمُ ما تخفون وما تعلنون؟ : (( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ )) (الحاقة:18).
فتوبوا إلى علاَّم الغيوب ما دمتم في زمن التوبة، وصححوا بواطنكم قبل أن يُبعثرَ ما في القبور، ويحصلَ ما في الصدور.
وختامًا :
أوصي نفسي وإخواني المسلمين الحريصين على دينهم وأعراضهم، وسلامة مجتمعاتهم من الفساد، أن يكونوا يقظين لما يطرحهُ الظالمون لأنفسهم وأمتهم، من كتاباتٍ وحواراتٍ مؤداها إلى سفور المرأة واختلاطها بالرجال الأجانب، فمادامت المدافعة بين المصلحين والمفسدين، فإنَّ الله عز وجل يقذفُ بالحق على الباطل فإذا هو زاهق. وينبغي أن لا ننسى في خضمِّ الردود على ما يكتبهُ المفسدون من الشبهات والشهوات، ذلكُ السيلُ الهادر الذي يتدفقُ من وسائلِ الإعلامِ المسموعةِ والمرئيةِ في بلاد المسلمين، وذلك بما تبثهُ الإذاعات والتلفاز والقنوات الفضائية، من دعوةٍ للمرأة إلى السفور ومزاحمة الرجال في الأعمال والطرقات، والتمردِ على الرجل، سواءً كان أبًا أو زوجًا أو أخًا، ولقد ضربت هذه الوسائل بأطنابها في بلاد المسلمين، فكان لزامًا على المصلحين محاربتها وإبعادها عن بيوت المسلمين قدر الاستطاعة، فإن لم يكن إلى ذلك سبيل فلا أقلَّ من تكثيفِ الدعاية ضدَّها والتحذير من شرها، ووقاية المسلمين من خطرها، وذلك بإصدارِ الفتاوى المتتابعة، والخطب المكثفةِ حول أضرارها وأثرها المدمرِ للدين والأخلاق ، فإنَّها والله لا تقل خطرًا عما تكتبهُ الأقلام الآثمة عن المرأةِ إن لم تزد عليه .
والمقصودُ أن لا يكتفي المصلحون بمحاربةِ ما يكتبهُ المفسدون في الصحف والمجلات عن المرأة، فإنَّ هُم سكتوا سكت المصلحون وظنُّوا أنَّ الخطر قد انتهى، كلا، إنَّ الخطر لم ينته، وإنَّ المعركة مستمرة، لأنَّ الخطر الأكبر لا يزالُ قائمًا ما دامت الوسائلُ المسموعة والمرئية لا تكفُّ عن المرأة، والاستهزاءِ بحجابها وقرارها في بيتها، وقوامة الرجل عليها، وإثارة الشبهات في ذلك.أسأل الله عز وجل أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يعزَّ دينهُ، ويعلي كلمتهُ، وأن يردَّ كيد المفسدين في نحورهم؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــ(47/125)
المنافقون
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ له. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله . (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) ]آل عمران:102[. (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) ]النساء:1[. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )) ]الأحزاب:70-71[.
أمَّا بعدُ: فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ r وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها, وكلَّ محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار
أما بعدُ ، أيَّها المسلمون :
فمنذ أن أعلنَ الإسلامُ عن قُدومهِ إلى الحياةِ من جديد, قبلَ أربعة عشرَ قرناً من الزمان, ولا يزالُ أعداءُ الإسلامِ يكيدون له بكلِ خبثٍ ودهاء, ويَسعون للقضاءِ عليه بكل وسيلةٍ ممكنة, بيدَ أنَّه لم يعرف المسلمون في قديمٍ أو حديث، عدواً أشدُ خطراً, وأعظم ضرراً من أولئك المنافقين المختبئين داخلَ الصفوف, المؤججينَ لنارِ الفتنة, الناخرينَ في جسدِ الأمةِ نخرَ السوس, الساعينَ في الأرضِ فساداً واللهُ لا يحبُ المفسدين : (( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ )) [المنافقون:4] .
إذاً فهم يتظاهرون بالإسلام، وينطقون بالشهادتين، وقد يَشهدون الجُمَع والجماعات، ويقرؤون القرآن ، ويطالعون السنَّة المطهرة وربَّما افتتحوا مقالاتُهم بالحمد للهِ, والصلاةِ على النبي الكريم- صلوات الله وسلامه عليه- وكلُ ذلك إمعاناً في التدليسِ والتضليل, ممَّا يلبسُ هويتَهم, ويَخفي حقيقتَهم على الكثيرين ممَّن حُرمَ حُسنَ الاطلاعِ والفهم لكتاب اللهِ وسنَّة رسولهِ- عليه السلام- واللذان أطنبا في الحديثِ عن أولئك المجرمين, وكشفاَ زيفهم, وفضَحا أساليبهم وطرائقَهم, وبيَّنا ملامحَهم وصفاتُهم, حتى لكأنَّك تعرفهم بسيماهم . (( وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَا كَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَا هُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ )) [محمد:30] .
وفي صحيح مسلمٍ عن حذيفةَ- رضي الله عنه- قال: (( كان الناس يسألون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الخيرِ, وكنتُ أسألُه عن الشرِّ، مخافةَ أن يدركَني فقلت: يا رسول الله إنَّا كنا في جاهليةٍ وشر، فجاءنا اللهُ بهذا الخير فهل بعد هذا الخيرِ شر ؟ قال : نعم ، فقلتُ له: هل بعد ذلك الشرِّ من خير قال : نعم وفيه دَخَن قلت : وما دَخنُه ؟ قال:قوم يَستنون بغير سُنتي ويهتَدون بغير هديي, تَعرفُ منهم وتُنكر, فقلت:هل بعد ذلك الخيرِ من شر؟ قال : نعم ، دعاةٌ على أبوابِ جهنم, من أجَابهم إليها قَذفُوه فيها فقلت:يا رسول الله ، صفهم لنا, قال: نعم، هم قوم من جلدتنا, يتكلمون بألسنتنا .. )) [1]. وهؤلاء الذين وصَفهم الرسولُ- صلى الله عليه وسلم- لحذيفة, هم المنافقون, وهم قومٌ من بني جلدتنا, ويتحدثونَ ويكتبونَ بلغتنا , ونقرأُ لهم صباحَ مساء, لكنَّ الأمة المنحدرة لا تزالُ غافلةً عن أهدافِهم, جاهلةً بأوصافِهم، غير مدركةً لأساليبِهم ووسائلِهم, فأنَّى لها أنْ تأمنَ شرَّهم, أو تحذَر كيدَهم, فإلى حديثِ القرآنِ الكريم وهو يُعرِّي تلكَ الوجوهَ القبيحة, ويفضحُ تلكَ الشراذم الكئيبة, نصحاً للأمة أن تقع في شباكِهم, أو تزلَ قدمٌ بعد ثبوتِها, يقول الله تعالى في كتابه الكريم : (( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ )) [البقرة: 10,9,8] , فالمخادعةٌ ركنٌ رَكين, وأصلٌ أصيل, لا يقومُ النفاقُ بدونه, والمنافقون هم صُناعُ الكيدِ والمكر, وهم رؤوسُ الخيانةِ والغدر, ويظهرُ خداعُهم ومكرُهم, من خلالِ سرعةِ تلونِهم, وفُجاءةِ تَحوُّلهِم, وإمساكهِم للعصا من وسطِها : (( مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاء )) (النساء: من الآية143) ، : (( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ )) (البقرة:14) ويتضحُ خداعهم من خلالِ ابتساماتهِمُ الصفراء, وجباهَهُم القاطبة عند ملاقاةِ الوجُوهِ الخيِّرة, وما يعقبون ذلك من عضِّ الأناملِ, وقضمُ الشفاهِ من الغيظِ, والمقتُ الشديد : (( وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )) (آل عمران: من الآية119) .
ويظهر خداعهم كذلك من خلالِ تلاعبهم بالألفاظ, وتحريفِ الكلمِ عن مواضعه, فقاموسَهم مختلطٌ مقلوب, ومعجمُهم فاسدٌ منكوس, فالتفسُّخُ عندهم حضارة, والميوعة لديهم شطارة, والسفورُ تقدمية , والتبرُجُ مدنية, والتمثيلُ فنونٌ راقية, والغناءُ صدقٌ ومعاناة, والموسيقى هدوءٌ للأعصاب, والزنا حرية شخصية, والربا استثمارٌ ومضاربة, والإلحادُ شعرٌ حر إلى آخرِ القائمةِ المستهلكة ِالمعروفة.
ومن مظاهِر خدَاعهم كذلك . (( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ )) (البقرة:11, 12) .
فهم قتلةُ الحياءِ والفضيلة, وهم سفراءُ الدياثةِ والرذيلة, وهم دعاةُ الاختلاطِ والسفور, وهم سدنةُ العُهرِ والفجور, وهم زعماءُ الإباحيةِ الهابطة, وهم فرسانُ الدعواتِ الساقطة, فكم من البيوتِ العامرةِ خرَّبوها, وكم من الأُسرِ الفاضلةِ أفسدوها, وكم من الشبابِ الواعدِ أضاعوه, وكم من حياءِ العذارى هتكوه, وكم من رايةٍ للرذيلةِ رفعوها, وكم من صروحٍ للفضيلة وضعوها, قاتلهم الله أنى يؤفكون, ومن ملامح أولئك الشياطين قُبولَهم للحقِ حين يوافقُ أهواءهم, ويُلبي أطماعَهم , لا لأنَّه الحق، ( ولكن لحاجةٍ في نفسِ يعقوب ) فكثيراً ما تسمعهم يستشهدون بآيةٍ, أو حديثٍ ما, ويرددونها صباح مساء, حين تخدمُ مصالحَهم, وتحققُ مطالبَهم, في مقابلِ إعراضٍ تام, وصدودٍ عام، عن كلِّ ما يصادمُ شهواتِ النفوسِ وحظوظها, وشبهاتِ القلوبِ وعللِها .
(( وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )) (النور:47/50) .
فهذه الصفةُ إذاً تعكسُ مقدارَ الخسةِ والنذالة، التي تنطوي عليها تركيبةُ المنافِق ونفسيتُه, فهو مستعدٌ دائماً لقبولِ كلِّ شئ, ومدَّ يده لكلِّ أحد، ما دام يحققُ له ما يريد, ويُلبي له ما يهوى, بيد أنَّهُ لا يترددُ بتاتاً في رفضِ كلِّ شئ, وبغضِ كلِّ شئ, وحربِ كل أحد ما دام مستعصياً على أهوائِه, متمرداً على أطماعِه, ثم هي كذلك صفةٌ تُجلِّي بوضوح تلك الأرضيةَ المتحركة، التي يستندُ إليها ذلك المأفون, والتي تفتقدُ للمبادئِ الثابتة, والقيمِ الراسخة, فهو عارٍ من النزاهةِ والإنصاف, والتجرد والموضوعية, يعيشُ بلا مبدأ أو قيمة أو خُلُق، سريعُ التلون, بالغُ المكرِ، شديدُ الدهاء, يومٌ في أقصى اليمين ويومٌ في أقصى الشمال, وعدوُ الأمسِ صديقُ اليوم, وصديقُ اليومِ عدو الغدِ القريب : (( الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً )) [النساء:141] .
ومن ملامحِ المنافقين وصفاتِهم, خذلانُهم للمؤمنين ساعةَ الكربِ والشدة، منفضينَ عنهم في أحرجِ المواقف، يواجهون الباطلَ بمفردهم, ناهيك عن عباراتِ الشماتةِ والتشفي, ومجالسِ التندرِ والسخرية, وقد يكونُ منهم من يتجلببُ بجلبابِ النُسَّاك والعُبَّاد, أو يرفعُ رايةَ الدعوةِ والإصلاح, فلا تكادُ تستريبُ من صدقِهم, أو تشكُ في إخلاصِهم, لبراعتهمِ في التمثيل, ومهارتِهم في أداءِ الأدوار بكلِّ دقةٍ واقتدار, حتى إذا آن أوانُ الجد وحانتْ ساعةُ المحنة, امتطوا صهوَة الفرارِ والمهرب, على طريقةِ أسلافِهم يومَ أُحد , أو على طريقةِ : (( إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً )) [الأحزاب: من الآية13] .
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم. واستغفرُ اللهَ لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمدُ لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةَ المسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين,
أمَّا بعدُ:
أيَّها المسلمون :
فإنَّ للمنافقينَ أساليبَ ووسائل في خلخلةِ الصفوف, وتفريقِ الكلمة وزعزعةِ الثقة, فمن ذلك: ترويجُهم للشائعات التي تثير البلبلة, وتؤججُ الفتنة, وتستدعي اهتمامَ الفضوليين, وهم يهدفون من وراءِ بثِّ الشائعاتِ المُغرضة إلى تحقيقِ غاياتٍ معينة, لعلَّ من أهمِها: إضعافُ الثقةِ في النماذجِ الخيرة, والقممِ الشامخةِ من رجالاتِ الأمةِ وقادتها, حيثُ يدورُ محورُ تلكَ الشائعات على التشكيكِ والإرجاف, واتهامِ النوايا, وهم بذلك يرثون طريقةَ أسلافِهم, أبطالَ حادثةِ الإفكِ المشهورة, يومَ خاضَ المنافقون في عرضِ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- واتهموا ابنَةَ الصديق بأبشعِِ تُهمة, وأعظمِ جناية, وما ذلك إلا لزعزعةِ الثقةِ في شخصِ رسولِ الله r , وتفريق الناسِ من حوله، ليطيبَ لهم المكان, وتخلو لهم الساحة، ليبدأ بعدَها مسلسلَ الدجل وخلطِ الحقِّ بالباطل. فأحذر أخي المسلم أن تُرددَ كلُّ ما يُشاع ويُفتر ى ضد إخوانك المسلمين, لا سيما العلماء المخلصون, والدعاة الصالحون, وتذكر قوله تعالى : (( لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ )) (النور:12) .
وقوله كذلك : (( وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ )) (النور:16) .
ومن أساليبِ المنافقين وطرائقِهم للوصولِ إلى أهدافهِم ومقاصدهِم, إنفاقُ المالِ في مشروعاتٍ ذات طابعٍ خيري, ظاهرُها الرحمة، وباطنُها من قبلِها العذاب, فقديماً أسس المنافقون على عهدِ رسول الله r مسجدَ الضرار، غطاءً لمؤامراتهِم وحربهِم الخفيةِ للإسلام, وهو في الوقتِ نفسه دِعايةً مكشوفة، توهمُ العامَّة والمغفلين بأنَّهم رسلُ رحمة, ودعاةُ فضيلة, ورافعو معاقلِ الإسلام ، (( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُون )) (التوبة: من الآية107) تأمل رحمك الله قولَهم . (( إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى )) ويقسمونَ على ذلك قسماً, فهم يدَّعون حُسنَ النية والمقصد، والرغبة في الخيرِ والإحسان, ولكنَّ الله يفضحُ كذبَ دعواهم, وزيفَ مقاصدِه, ويشهدُ إنَّهم لكذبون, وقِسْ على ذلك باقي أعمالِهم من صلاةٍ وصدقة، وبرٍ وصلة, يراءون الناسَ ولا يذكرون الله إلا قليلاً, وأخيراً وليس آخر فإنَّ من أساليبهم تبني سياسةَ التجويع, ومحاولَة قطعِ إمداداتِ الحياة عن المؤمنين الصادقين, كوسيلةٍ من وسائلِ الضغطِ والإرهاب .
(( هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ )) (المنافقون:7) وهم في طريقتهم تلك يسعون لابتزازِ الشُرفاء, ومساومةِ الكرام في قضايا لا تقبلُ نقاشاً أو حواراً , متناسين أنَّ النفوسَ الأبيةَ المؤمنة لن تتخلى عن مواقِفها, ولن تتنازَل عن مبادِئها, ولن تفرطَ بثوابتها, من أجلِ قليلٍ من الفُتات متناثرٌ فوقَ موائدِ اللئام، وهي التي تسمعُ نداءَ ربِها، يُجلجلُ في مسامعها صباحَ مساءَ . (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ )) (الطلاق:2و من الآية 3 ) وقوله تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ )) (الذريات:58) وقوله كذلك : (( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ )) (هود:6) .
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوقُ إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةٍ مضلة،
اللهمَّ زيِّنَا بزينةِ الإيمانِ واجعلنا هُداةً مُهتدين, لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروفِ آمرين, وعن المنكر ناهين يا ربَّ العالمين, ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمامُ المتقين، وقائدُ الغُرِّ المحجلين، وعلى ألهِ وصحابته أجمعين.
وأرضي اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعلي
اللهمَّ آمنَّا في الأوطانِ والدور، وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربِّك ربِّ العزةِ عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
ـــــــــــــــــــ(47/126)
تربية الأولاد على الآداب الشرعية
الصفحة 1 لـ 4
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ،
أما بعد :
فيا أيها الإخوة نتكلمُ في هذه الليلةِ عن موضوعِ تربية الأولادِ على الآدابِ الشرعية، وسيكونُ الكلامُ في النقاط التالية :
1- أهميةُ الموضوع.
2- مفهومُ التربية.
3- جوانبُ التربية.
4- المؤسساتُ التربوية.
5- الحثُ على تربيةِ الأولاد.
6- كيفيةُ تربية الأولاد .
7- بم يتمُ الوصولُ إلى التربية .
أولاً : أهميةُ الموضوع
التربيةُ عملٌ شاق، وجهدٍ يحتاجُ إلى وقت، وهي مهمةٌ ليست جديدة ، وهي عملٌ فاضل . وتبرزُ أهميةُ الكلام في هذا الموضوع في النقاط التالية :
1- الاقتداءُ بالرسول- صلى الله عليه وسلم- والصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح في تربية أتباعهم، وبمعرفةِ كيفيةِ تربيتهم لأتباعهم يتمُ التعرف على كيفية تربيتنا لأولادنا.
2- الوضعُ الحالي للأمة : فالناظرُ لواقعِ الأمة يجدُ وضعاً سيئاً لم يمر عليها طوالَ الأزمنةِ المتقدمة، لقد أوشكت أن تعدم كثيرٌ من المبادئِ الإسلامية في بعض البلدان الإسلامية، وبالتربية يمكنُ معالجةُ هذا الوضع.
3- بالتربية يتمُ إيجادُ الحصانة الذاتية لدى الولد، فلا يتأثرُ بما يقابلهُ من شهوات وشبهات؛ لأنَّها تقوى مراقبته لله فلا ينتهك حرمات الله إذا خلا بها، ولا يتأثرُ بالشهوات التي تزينت في هذا العصر تزيناً عظيماً فأصبحت تأتي للمسلم ولو لم يأتها، ولا بالشبهات التي قد تطرأ على عقله .
4- التربيةُ مهمة لتحمل الشدائد والمصائب، والفتن التي قد يواجهها الولد في مستقبل حياته .
5- التربية تهيئ الولد للقيام بدوره المنوط به ؛ دوره لنفع نفسه ونفع مجتمعه وأمته.
6- تتبين أهميةُ التربيةِ من خلالِ وجودِ الحملةِ الشرسة، لإفسادِ المجتمعِ من قبل أعداء الإسلام، فوجودُ هذه الحملة لابد أن يُقابل بتربيةٍ للأولادِ حتى يستطيعوا دفعها عن أنفسهم ومجتمعهم .
7- التربيةُ تحققُ الأمنَ الفكري للولدِ، فتبعدهُ عن الغلو، وتحميهِ من الأفكارِ المضادةِ للإسلام، كالعلمانية وغيرها.
8- التربيةُ مهمةٌ لتقصيرِ المؤسساتِ التربويةِ الأخرى، في أداء وظيفتها التربويةِ كالمدرسة والمسجد .
9- إن وُجود بعضُ الأمراضِ التي انتشرت في الأمةِ سببهُ التقصيرُ في التربية أو إهمالها، فالسفورُ والتبرجُ والمخدرات والمعاكسات وغيرها انتشرت بسبب الإهمال في التربية أو التقصير فيها .
10- التربيةُ وسيلةٌ للوصول بالولد إلى المُثل العليا، كالإيثار والصبر وحبِّ الخير للآخرين .
ثانياً : مفهومُ التربية :
تنشئةُ المسلمِ وإعدادهُ إعداداً كاملا ًمن جميع جوانبه، لحياتي الدنيا والآخرة في ضوء الإسلام، وإن شئتَ قُل: هي الصياغةُ المتكاملةِ للفرد والمجتمع على وفقِ شرع الله .
ثالثاً : جوانبُ التربية :
للتربيةِ جوانب مختلفة، فُهناك التربيةُ الإيمانية، والتربية الخلقية، والتربية الجسمية، والتربية العقلية، والتربية النفسية، والتربيةُ الاجتماعية، والتربية الجنسيةِ وغيرها .
أي لابد أن نفهمَ أنَّ التربيةَ ليست قاصرةً على تربية الجسم فقط، وليست قاصرةً على تعريفِ الولدِ ببعض الأخلاقِ والآداب فقط، بل هي أوسعُ وأشمل من هذا .
رابعاً : المؤسساتُ التربوية :
التربيةُ ليست قاصرةً على الوالدين فقط، فهناك إلى جانبِ الأُسرةِ المدرسة، وهُناك المسجدُ، وهُناك التجمعاتُ الشبابيةِ سواءً صالحةً أم غيرَ صالحة، وهُناك وسائلُ الإعلام وغيرها، فكلُّ هذه المذكوراتِ يشارك في عملية التربية.
خامساً : الحثُّ على تربيةِ الأولاد :
لقد حثَّ الإسلامُ على تربيةِ الأولاد، ومحاولة وقايتهم من النارِ فقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً )) ، وقال تعالى : (( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا )) وقال عز وجل : (( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ))
. ومدح عبادُ الرحمن بأنَّهم يقولون : (( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً )) .
ومن السنة يقولُ- صلى الله عليه وسلم-: (( الرجل راعٍ في أهله ومسؤولٌ عن رعيته، والمرأةُ راعيةً في بيتِ زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها)) البخاري ومسلم. وفي الترمذي: (( لأن يؤدب الرجلُ ولده خيرٌ من أن يتصدق بصاع )) ضعيف .وفيه أيضاً (الترمذي): (( ما نحل والد ولدا من نحل أفضل من أدب حسن )) ضعيف وفي المسند : (( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع )) الحديث،
وعند عبد الرزاق وسعيد بن منصور : (( علموا أولادكم وأهليكم الخير وأدبوهم)).
وحرص السلفُ على تربيةِ أبنائِهم، وكانوا يتخذون لهم المُربين المتخصصين في ذلك، وأخبارهم في ذلك كثيرة .
ولاشكَّ أنَّ للتربيةِ أثرٌ كبيرٌ في صلاحِ الأولاد؛ فالأولادُ يُولدون على الفطرةِ، ثَّم يأتي دورُ التربيةِ في المحافظةِ على هذهِ الفطرة أو حرفها (( كلُّ مولودٍ يُولدُ على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه )) . والولدُ على ما عودهُ والده.
وينشأُ ناشئُ الفتيانِ منَّا على ما كان عوَّدهُ أبوه
ومادان الفتى بحجىً و لكن يعوِدهُ التدين أقربوه
والولدُ في صغرهِ أكثرُ استقبالاً واستفادةً من التربية .
قد ينفعُ الأدبُ الأولادَ في صغرٍ وليس ينفعُهم من بعده أدبُ
الغصونُ إذا عدلتها اعتدلت ولا يلينُ ولو لينتهُ الخشب
فالولدُ الصغير أمانةً عند والديهِ إن عوداهُ الخيرَ اعتاده، وإن عوداهُ الشرَ اعتاده .
سادساً : كيفية تربية الأولاد :
1- اختيارُ الزوجةِ الصالحة، والزوج الصالح :
اختيارُ الزوجةِ الصالحة أو الزوج الصالح، هو الخطوةُ الأولى للتربية السليمة، وتَعرفون حديث : (( إذا أتاكم من ترضون دينهُ وخُلقه فزوجوه)) , وحديث (( فاظفر بذات الدين تربت يداك )) .
2- الدعاءُ بأن يرزقهُ اللهُ ذريةً صالحة، وهذا قبلَ أن يُرزقَ بالأولاد (( رب هب لي من الصالحين )) .
3- التسميةُ عند الجماعِ للحديث (( لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطانَ وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنَّهُ إن قُضي بينهما ولدٌ لم يضره ُالشيطان أبداً )) .
4- ما يفعلهُ إذا رُزق بمولودٍ من مثل : الأذانُ في أذنِه وتحنيكه وحلقُ رأسه، واختيارُ الاسم الحسن له، والعقيقةُ عنهُ وختانه .
5- الدعاءُ للأولاد بالصَّلاحِ بعد وجودهم، وقد كان الأنبياءُ يهتمون بذلك، فإبراهيمُ يقول : (( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ )) ، (( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي )) , (( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً )) .
ويقول زكريا : (( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)) .
6- عدم إخافةَ الصبي بالجني والظلام و الحرامي، لاسيما عند البكاء .
7- تمكينهُ من أن يُخالط الآخرين، إذا لم يُخشى عليه منهم.
8- عدمُ إهانتهِ وتحقيرهِ خُصوصاً أمامَ أخوته وأقاربه، أو الأجانب .
9- ألا يُنادى بألفاظٍ غير طيبةٍ كـ يا غبي .
10- تنبيههُ للخطأِ برفقٍ ولين، وعدمُ معاقبته إذا أخطأ أول مرة .
11- الاعتدالُ في محبةِ الولدِ، بأن تُشعرهُ بمحبتهِ مع عدم التدليل الزائد.
12- أخذُ الاحتياطات عند قدومِ الطفل الجديد.
13- يُسمحُ للطفلِ الأكبر بمساعدةِ أمِّه في إحضارِ ملابس الطفلِ الجديد، ويُسمح له بمُداعبته حتى لا يحقدَ عليه .
14- تحقيقُ العدلِ بين الأولاد.
15- عدمُ السماحِ للابن أو البنت بلبسِ البنطلون بعد عمر السابعة تقريباً .
16- فصلُ البناتِ عن البنين كلٍّ في غرفةٍ مستقلة، أو التفريقُ في المضاجعِ إن كانوا في غرفةٍ واحدة .
17- أن يُعلمَ الاستئذانَ عند الدخولِ على والديهِ وخصوصاً في غرفةِ النوم .
18- إذا كان الولدُ ينامُ عند والديهِ فليحرصا أشدَّ الحرصِ على ألاَّ يراهُما في اتصالٍ جنسي ولو كان صغيراً.
19- لا تظهر الأمُّ أمامَ أولادها وقد أبدت عن مفاتنها، بارتداءِ ثيابٍ قصيرةٍ أو شفافة، ولا تُلبس بناتها ذلك .
20- تعويدِ الولدِ على غضِ البصر .
21- لا يرى أختهُ أو تراهُ في الحمام، ولا يدخلا الحمام جميعاً .
22- تعويدهُ على عدمِ كشفِ عورته، وعدمِ السماحِ للآخرين بمشاهدتها.
23-عدمُ السماحِ له بالدخولِ إلى النساءِ في الأعراسِ والأسواق النسائية إذا كان ذكراً .
24- لا يُسمح له بمشاهدةِ الأفلامِ والصورِ الخليعةِ والمجلاتِ الهابطة، أو قراءةَ القصص الغرامية.
ـــــــــــــــــــ(47/127)
الأحداث المعاصرة في ضوء السنن الربانية
الصفحة 1 لـ 6
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً- أما بعد :
فعملاً بواجب النصح لله - عز وجل -ولكتابه ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- ولأئمة المسلمين وعامتهم؛ أتوجه ببعض الوصايا إلى المسلمين في كل مكان، والدافع إلى توجيهها ما تمر به الأمة الإسلامية اليوم من محنة عصيبة وخطر داهم من قبل أعداء الملة والمسلمين بقيادة طاغوت العصر المتغطرس أمريكا وحلفائها، والذين رموا الأمة المسلمة عن قوس واحدة يريدون بها الشر ومزيداً من التفتت والتفرق والنيل من دينها ودعاتها وثرواتها وتغريبها وإقصاء ما بقي فيها من شرائع الدين وشعائره، وهذا تأويل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يوشك أن تداعى الأمم عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قالوا: أمن قلة نحن يومئذ. قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت".
معاشر المسلمين:
لقد اقتضت حكمة الله - عز وجل -أن يوجد الصراع بين الحق والباطل على هذه الأرض منذ أن أُهبط آدم -عليه السلام- وإبليس اللعين إلى الأرض إلى أن تقوم الساعة، وقد جعل الله - عز وجل - لهذا الصراع والمدافعة سنناً ثابتة لا تتغير ولا تتبدل (( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً)) (فاطر: من الآية43).
ولا تظهر هذه السنن إلا لمن تدبر كتاب الله - عز وجل - واهتدى بنوره وهداه (( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)) (صّ: 29) .
ومن سنن الله - عز وجل -في إهلاكه للأمم أو نجاتهم في هذا الصراع؛ ما قصه الله -تعالى- علينا في كتابه الكريم من إهلاكه للأمم الكافرة وإنجائه لأنبيائه وأوليائه الصالحين، حيث يلفت الله - عز وجل - أنظار المؤمنين إلى سننه - عز وجل -في الإهلاك والإنجاء، بقوله -تعالى-: (( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)) (آل عمران: 137) .
ومن ذلك قوله - تعالى - بعد أن قص علينا قصص بعض أنبيائه في سورة هود (( فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)) (هود: 116، 117) ، وقوله - عز وجل - : (( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) (الأنفال: 53).
يقول الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "يخبر -تعالى- عن تمام عدله وقسطه في حكمه بأنه -تعالى- لا يغير نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه" ا.هـ. ويقول الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- أيضاً عند هذه الآية: "فأخبر الله -تعالى- أنه لا يغير النعمة التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه فيغير طاعة الله بمعصيته، وشكره بكفره وأسباب رضاه بأسباب سخطه، فإذا غَيّر غُّير عليه جزاءً وفاقاً، وما ربك بظلام للعبيد، فإن غيّر المعصية بالطاعة غيّر الله العقوبة بالعافية، والذل بالعز وقال –تعالى-: (( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)) (الرعد: من الآية11).
فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، وما حلت به نقمة إلا بذنب، كما قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : "ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة ". وقد قال - تعالى- : (( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)) [الشورى: 30]) ا.هـ (الجواب الكافي ص 105).
وقال في موطن آخر: " ومن عقوباتها – أي : المعاصي –أنها تزيل النعم الحاضرة، وتقطع النعم الواصلة، فتزيل الحاصل وتمنع الواصل، فإن نعم الله ما حفظ موجودها بمثل طاعته، ولا استجلب مفقدوها بمثل طاعته، فإن ما عنده لا ينال إلا بطاعته، وقد جعل الله -سبحانه- لكل شيء سبباً وآفة، سبباً يجلبه، وآفة تبطله، فجعل أسباب نعمه الجالبة لها طاعته، وآفتها المانعة منها معصيته، فإذا أراد حفظ نعمته على عبده ألهمه رعايتها بطاعته فيها، وإذا أراد زوالها عنه خذله حتى عصاه بها.
ومن العجيب علم العبد بذلك مشاهدة في نفسه وغيره، وسماعاً لما غاب عنه من أخبار من أزيلت نعم الله عنهم بمعاصيه، وهو مقيم على معصية الله، كأنه مستثنى من هذه الجملة أو مخصوص من هذا العموم، وكأن هذا الأمر جار على الناس لا عليه، وواصل إلى الخلق لا إليه، فأي جهل أبلغ من هذا؟ وأي ظلم للنفس فوق هذا فالحكم لله العلي الكبير" ا.هـ (الجواب الكافي ص:145 (
أيها المسلمون :
إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب إلا طاعته، وسننه -سبحانه- في المعرضين عن طاعته معروفة ومطردة، قال - تعالى-: (( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)) (القمر:51) ،
وقال -سبحانه-: (( أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ)) (القمر:43) .
فما أهون الخلق على الله - عز وجل-إذا بارزوه بالمعصية. عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: لما فتحت قبرص فٌرق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض. فرأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله - عز وجل - إذا أضاعوا أمره : بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى.
أيها المسلمون :
إن الأمة تمر بنازلة عظيمة وأيام عصيبة، فهي على ضعفها وذلها ومهانتها، قد سلط الله -سبحانه- عليها أعداءها من اليهود والصليبيين والمنافقين وأجلبوا عليها بخيلهم ورجلهم وطائراتهم وأساطيلهم. فهم من كل حدب ينسلون، وأحاطوا بها إحاطة السوار بالمعصم يريدونها في دينها وثرواتها وتمزيق ما بقي من وحدتها (( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)) (يوسف: من الآية21)، (( وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) (آل عمران: من الآية117).
وإن الناظر إلى هذه الأحداث الجسيمة والنوازل العظيمة التي أحاطت بالمسلمين اليوم لا يستغرب حدوثها ولا يفاجأ بها حينما يعتصم بكتاب الله - عز وجل -وينطلق من توجيهاته في ضوء سنن الله - عز وجل - التي لا تتبدل ؛ والتي أشرنا إلى بعضها فيما سبق. ويكفي أن ننظر إلى أحوالنا ومدى قربها وبعدها عن الله - عز وجل - لندرك أن سنة الله - عز وجل - في من أعرض عن طاعته وأمره قد انعقدت أسبابها علينا، إلا أن يرحمنا الله -عز وجل -، ويرزقنا التوبة والإنابة والاستكانة والتضرع إليه -سبحانه-.
يا معشر المسلمين :
إن الخطب جد خطير، وإن عقاب الله - عز وجل - لا يستدفع إلا بتوبة وإنابة، فالبدار البدار، فإن أسباب العقوبة قد انعقدت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولقد رفع الله - عز وجل -العذاب عن أمة رأت بوادره بتوبتها وإيمانها ورجوعها إلى طاعة الله - عز وجل - قال الله - تعالى-: (( فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)) (يونس: 98).
إن أحوال الأمة وما حل فيه من معاصي الله - تعالى- ومساخطه لتنذر بالخطر، فلقد ضل كثير من الناس عن أصل هذا الدين وأساسه المتين ألا وهو التوحيد والموالاة والمعاداة فيه، وأصبح الكفرة المحاربون يجوسون خلال الديار وتقدم لهم المعونات والتسهيلات لحرب المسلمين وأوذي أولياء الله ودعاته المصلحون مع أن في ذلك إيذاناً بالحرب من الله القوي العزيز، حيث جاء في الحديث القدسي (( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )) وضرب الشرك الأكبر من دعاء الأموات والسحر والشعوذة بأطنابه في أكثر بلاد المسلمين، وأبعد شرع الله – تعالى- وحكمت قوانين البشر، وتساهل كثير من الناس بشأن الصلاة والزكاة وهما أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ووقع بعض المسلمين في عقوق الوالدين وقطيعة الأرحام، وظلم العباد وفشا الربا الخبيث في معاملات كثيرة بين المسلمين، ووقع بعض المسلمين في تعاطي المسكرات والمخدرات، وكثر الغش في المعاملات، ووجد بين المسؤولين من يبخس الناس حقوقهم ويأكل أموالهم بالباطل و يتعاطى الرشوة والتي لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الساعي فيها ودافعها وآخذها - وكثر الفجور في الخصومات والزور في الشهادات، وبعض النساء يتساهلن بالحجاب، ويتبرجن بزينة الثياب، وانتشر الزنا والخبث وكثرة وسائله الخبيثة الماكرة من قنوات ومجلات خليعة تدعو إلى الفاحشة وتحببها في النفوس وتزينها، وامتلأت بيوت المسلمين من الفضائيات التي تنشر العفن والفساد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولما سألت أم المؤمنين زينب بنت جحش - رضي الله عنها- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( نعم إذا كثر الخبث)) رواه البخاري .
وما أصدق ما قاله ابن القيم -رحمه الله تعالى- على واقعنا اليوم وهو يصف زمانه، فكيف لو رأى زماننا ؟ !!.
قال - رحمه الله تعالى- : ( لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم، وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم حتى ربى عليها الصغير، وهرم عليها الكبير. فلم يروها منكراً، فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن والهوى مقام الرشد، والضلال مقام الهدى والمنكر مقام المعروف والجهل مقام العلم، والرياء مقام الإخلاص، والباطل مقام الحق، والكذب مقام الصدق، والمداهنة مقام النصيحة، والظلم مقام العدل، فصارت الغلبة لهذه الأمور. اقشعرت الأرض وأظلمت السماء وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة، وذهبت البركات وقلت الخيرات، وهزلت الوحوش وتكدرت الحياة من فسق الظلمة وبكى ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة، وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبائح، وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذن بليل بلاء قد ادلهم ظلامه، فاعزلوا عن طريق هذا السبيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح، وكأنكم بالباب وقد أغلق، وبالرهن وقد غلق، وبالجناح وقد علق "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) [الفوائد ص 49].
ـــــــــــــــــــ(47/128)
حقيقة المرأة بين الإسلام والجاهلية (1/2)
1- المرأة في الحضارات والأديان السابقة
الحمد لله الذي أكرم المرأة المسلمة كل الإكرام، وأسبغ عليها نعمة الإيمان والإسلام، وصانها بالستر والعفة والاحتشام. وأصلي وأسلم على محمد المبعوث رحمة للأنام.
وبعد: فقد خلق الله هذا الكون البشري من ذكر وأنثى، وجعله شعوباً للتعارف. وحياة المرأة بلا زوج، وحياة الرجل بلا زوجة.. حياة نكد وشقاء ووحشة وضياع،.. فسعادة كل واحد منهما (بعد تقوى الله عز وجل) بوجود الآخر بجانبه، قال تعالى: (( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) [الروم/21] .
لقد جاء الإسلام بتهذيب النفوس والأخلاق، وأول شيء تُهذَّب به النفس ويرتاح به الخاطر ويطمئن به القلب : عبادة الله وحده لا شريك له، وإخلاص هذه العبادة له مع متابعة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.
ومن الأمور التي هذَّب الإسلام بها الناس: تقويمه لنظرة المرأة عند الناس وتبيين منزلتها اللائقة بها، وجعلها مكافئة للرجل في كثير من شؤون حياته، إلا ما خصَّ الله عزّ وجل به الرجل، أو خصَّ به المرأة على حدِّ سواء.
وقد حرَّر الإسلام المرأة من أغلال الجاهلية، ورفع من شأنها وأكرمها بالقرآن والسنة، وجعلها في كثير من الآيات مثلاً يقتدى وسيرة تحتذى.
ولننظر إلى حال الجاهليات القديمة والحديثة وكيف ينظرون إلى المرأة، هل هي نظرة احترام وتقدير أم نظرة اشمئزاز واحتقار؟ فنقلب شيئاً من صفحات الأمم السابقة لنرى كيف هو كلامهم عن المرأة، وكيف أنَّهم يجردون هذه المرأة من جميع حقوقها الإنسانية :
*المرأة عند الإغريق
قال سقراط : ( إنَّ وجود المرأة هو أكبر منشأ ومصدر للأزمة والانهيار في العالم، إنَّ المرأة تشبه شجرة مسمومة حيث يكون ظاهرها جميلاً، ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالاً ) .
ولذا فقد كانت المرأة عندهم حقيرة مهينة، حتى إنَّهم ليعدونها رجساً من عمل الشيطان، وكانت عندهم كسقط المتاع فتباع وتشترى في الأسواق .
* المرأة عند الرومان
كان شعارهم فيما يتعلق بالمرأة : ( إن قيدها لا يُنزع، ونيرها لا يُخلع) ..
ومن عجيب ما ذكرته بعض المصادر ـ وهو ممَّا لا يكاد يُصدَّق ـ أنَّ "مما لاقته المرأة في العصور الرومانية ـ تحت شعارهم المعروف: ( ليس للمرأة روح) ـ تعذيبها بسكب الزيت الحار على بدنها، وربطها بالأعمدة، بل كانوا يربطون البريئات بذيول الخيول، ويسرعون بها إلى أقصى سرعة حتى تموت" (1)
* المرأة عند الصينيين
شبهت المرأة عندهم بالمياه المؤلمة التي تغسل السعادة والمال، وللصيني الحق في أن يبيع زوجته كالجارية، وإذا ترمَّلت المرأة الصينية أصبح لأهل الزوج الحق فيها كثروة تورث، وللصيني الحق في أن يدفن زوجته حية!
* المرأة عند الهنود
في شرائع الهندوس : ( ليس الصبر المقدر، والريح، والموت، والجحيم، والسم والأفاعي، والنار، أسوأ من المرأة ) .
وذكر الدكتور "مصطفى السباعي ( في كتابه "المرأة بين الفقه والقانون) (2)
أنَّ المرأة لم يكن لها حق في الحياة بعد وفاة زوجها، بل يجب أن تموت يوم موت زوجها، وأن تحرق معه وهي حية على موقد واحد، واستمرت هذه العادة حتى القرن السابع عشر حيث أبطلت على كرهٍ من رجال الدين اليهود، وكانت تقدم قرباناً للآلهة لترضى، أو تأمر بالمطر أو الرزق، وفي بعض مناطق الهند القديمة شجرة يجب أن يقدم لها أهل المنطقة فتاة تأكلها كل سنة؟!".
* المرأة عند الفرس
أُبيح الزواج بالأمهات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، وكانت تُنفى الأنثى في فترة الطمث إلى مكان بعيد خارج المدينة، ولا يجوز لأحد مخالطتها إلا الخدام الذين يقدمون لها الطعام، وفضلاً عن هذا كله فقد كانت المرأة الفارسية تحت سلطة الرجل المطلقة، يحق له أن يحكم عليها بالموت، أو ينعم عليها بالحياة (3).
* المرأة عند اليهود
روى مسلم في صحيحه ( في باب جواز غسل الحائض رأس زوجها) عن أنس ابن مالك رضي الله عنه: (( أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت، فسال الصحابة – رضي الله عنهم-النبيe ؛ فأنزل الله : (( ويسألونك عن المحيض )) ... الحديث.
وعند اليهود في ديانتهم المحرفة : ( إن المرأة في المحيض نجسة تحبس في البيت، وكل ما يفعله الرجل من أعمال لا أخلاقية قائمة على المرأة) .
كما كان ينظر إليها على أنَّها في مرتبة الخدمة، ولأبيها الحق في بيعها، واعتبروها لعنة؛ لأنَّها سبب خروج آدم من الجنة عندما أغوته بزعمهم .
* المرأة عند الفرنسيون
عقد الفرنسيون في عام 586م مؤتمراً للبحث: هل تعد المرأة إنساناً أم غير إنسان؟! وهل لها روح أم ليست لها روح؟ وإذا كانت لها روح فهل هي روح حيوانية أم روح إنسانية؟ وإذا كانت روحاً إنسانية فهل هي على مستوى روح الرجل أم أدنى منها؟ وأخيراً" قرروا أنَّها إنسان، ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب".
ومن أساسيات النصرانية المحرفة : التنفير من المرأة وإن كانت زوجة، واحتقار الصلة الزوجية وترذيلها وإن كانت حلالاً، حتى بالنسبة لغير الرهبان، بقول أحد رجال الكنيسة (بونافتور) الملقب بالقديس: ( إذا رأيتم امرأة، فلا تحسبوا أنَّكم ترون كائناً بشرياً، بل ولا كائناً وحشياً، وإنَّما الذي ترون هو الشيطان بذاته، والذي تسمعون به هو صغير الثعبان).
وأصدر البرلمان الإنكليزي قراراً في عصر هنري الثامن ملك إنكلترا يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب (العهد الجديد) أي الإنجيل(المحرف)؛ لأنَّها تعتبر نجسة!
وقد ذكر الشيخ "محمد رشيد رضا" ـ رحمه الله ـ في كتابه "حقوق النساء في الإسلام" (4): ( من الغرائب التي نقلت عن بعض صحف إنكلترا في هذه الأيام أنه لا يزال يوجد في بلاد الأرياف الإنكليزية رجال يبيعون نساءهم بثمن بخس جداً كثلاثين شلنا،ً وقد ذكرت أسماء بعضهم ) اهـ .
ويذكر الشيخ "مازن الفريح" (5) قصة وقعت في مدينة "لستر"
(( بوسط انجلترا حيث تسكن امرأة عجوز بمفردها في بيت مستقل، قال: "وهذا شيء عادي، بل رأيته أنا بنفسي، تجلس المرأة بكرسيها وتستأجر غرفة وملحقاً به دورة مياه وتجلس من العصر حتى المغرب وتشكو من الوحدة . والمهم أنَّ هذه العجوز تسكن بمفردها وهي مغرمة بتربية القطط، وقد ذهب عنها الآباء، والزوج استمتع بها في شبابها ثم تركها إلى غيرها، فلما أصبحت عجوزاً تخلى عنها الكل فلم تجد إلا القطط، فاتخذت لها نحواً من عشر قطط تعطف عليها وتقدم لها بعض الطعام، وعلى عادة باعة الحليب هناك ببريطانيا يمرون الصباح وتشترك هذه العجوز باشتراك، فيأتي بائع الحليب ويضع الحليب في زجاجات عند باب البيت ولا يطرقه حتى لا يزعجها ويزعج الناس عندها، وعندما يمر في اليوم التالي إذا وجد زجاجات الحليب في مكانها عَلمَ أن أصحاب البيت قد غادروه أو أنَّ حادثاً قد وقع وهذا هو الغالب، وهو ما حدث لهذه العجوز، فبعد عدة أيام من تجمع الزجاجات عند باب البيت، اتصل بائع الحليب بالشرطة، وعندما جاءت الشرطة وفتحوا الباب وجدوها ميتة ووجدوا أن قططها العشر قد أكلت أطرافها وأنفها وأذنيها، ثم حققت الشرطة في هوية هذه العجوز فوجدت أنَّ ابن هذه العجوز يسكن في نفس الشارع الذي تسكن به أمه وحدها، وعلى مسيرة بضع دقائق فقط، ولما سألوه: منذ متى لم تشاهد أمك؟ فقال منذ خمسة أشهر )) ! اهـ.
فنعوذ بالله من هذه الحال، ولنتأمل في معاملة هذا الشاب لأمه في ذلك المجتمع الآسن الكدر النكد، ولا عجب في ذلك، فعندما تفسد العقيدة تضيع الروح.
وقصة أخرى ذكرها الشيخ "علي الطنطاوي" ـ رحمه الله ـ حيث قال : ( رأيت في "بروكسل" عند ملتقى طريقين، وقد فُتح الطريق للمارة، عجوزاً لا تحملها ساقها، تضطرب من الكبر أعضاؤها، تريد أن تجتاز والسيارات من حولها تكاد "تدعسها " ولا يمسك أحد بيدها، فقلت لمن كان معي من الشباب: ليذهب أحدكم فليساعدها، وكان معنا الصديق الأستاذ "نديم ظبيان"، وهو مقيم في بروكسل منذ أكثر من أربعين سنة، فقال لي: أتدري أنَّ هذه العجوز جميلة البلد، وفتنة الناس، وكان الرجال يلقون بقلوبهم وما في جيوبهم على قدميها ليفوزوا بنظرة أو لمسة منها؟! فلما ذهب شبابها وزوى جمالها، لم تعد تجد من يمسك بيدها!!) (7).
إنه الجحيم الذي تعيشه النساء هناك في الغرب؟! فصدق من قال عن الغرب: إنَّه نافذة تطل على الجحيم!
هذه مجه من لُجج الحضارة الغربية التي يراد بالمرأة المسلمة أن تحذو حذوها ، كي تصبح متغربة متقدمة، في عصر حضارة القرن العشرين!
إيه عصر العشرين ظنوك عصراً نير الوجه مسعد الإنسان
لست نوراً بل أنت نارٌ وظلم مذ جعلت الإنسان كالحيوان
__________________________________________________
(1) عودة الحجاب2/48.
(2) (ص18) .
(3) (عودة الحجاب2/50) .
(4) (ص / 62) .
(5) ذكره في شريطه (المرأة في الغرب) .
(7) قيد الصيد لمحمد العوشن (ص/ 58،57) .
حقيقة المرأة بين الإسلام والجاهلية (2/2)
موضوعُ المرأةِ شغلَ بالُ الإنسانية قديماً وحديثاً، وقد جاءَ الإسلامُ بالفصل فيه ووضعَ له الحل الكافي والدواءَ الشافي، لأنَّ أهلَّ الشرِّ اتخذوا من هذا الموضوع منطلقاً للتضليل والخداع عند من لا يعرفُ وضعَ المرأةِ في الجاهلية ووضعها في الإسلام .
فقد كانتِ المرأةُ في الجاهلية، تُعد من سقطِ المتاع لا يُقامُ لها وزن،
فقد قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: (( والله إنَّ كنَّا في الجاهلية ما نعدُّ للنساء أمراً حتى أنزل الله فيهنَّ ما أنزل، وقسَّم لهن ما قسم )) .
ولم يكن لها حقُ الإرث، وكانوا يقولون في ذلك: (( لا يرثنا إلا من يحملُ السيف، ويحمي البيضة، وهو الرجل)) . فإذا مات الرجلُ ورثهُ ابنهُ، فإن لم يكن فأقربُ من وُجد من أوليائِه أباً كان أو أخاً أو عمّاً، على حين يُضم بناتهُ ونساؤهُ إلى بنات الوارث ونسائه، فيكونُ لهنَّ ما لهن، وعليهنَّ ما عليهن.
فعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال:"كانوا في الجاهلية يُكرهون إماءَهم على الزنا، ويأخذون أجورهنَّ"ونحنُ نعلمُ رُدود فعلهم حينما يُبشرُ أحدهم بأنثى قال تعالى: (( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ))
[النحل:59،58].
وكان بعضُ أهلِّ الجاهلية لا يرون القصاصَ من الرجل إذا قتل المرأة، ويعفونهُ من الدية أيضاً، وكانوا أيضاً يُجبرون بناتهم على التزوجِ ممن يكرهنَ، فجاءَ الإسلامُ مثبتاً لهُنَّ كمالَ الحرية، فلا تُجبر البالغة على الزواج، بل الأمرُ منوطٌ بها، وبمحض رغبتها وإرادتها.
وكانت المرأةُ في الجاهليةِ تُمْلكُ ولا تملك، ولزوجها حقَّ التصرفِ بمالها إن ملك مالها بدون إذنها.
فهكذا كانت معاملةُ المرأةِ عند أهلِّ الكُفر باختلافِ طُرقهم ومللهم؟ وكما قيل:
فسل ذا خبرةٍ يُنبيكَ عنهُ لتعلمَ كم خبايا في الزوايا
المرأة في الإسلام
لقد أكرمَ الإسلامُ المرأةَ ورفع مكانتها بين العالمين، ومن ذلك:
1/ أن دينَ الإسلامِ أعاد للمرأةِ إنسانيتها .
قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى )) (الحجرات:13) فذكرَ سُبحانه أنَّها شريكة الرجل في مبدأ الإنسانية ، في حينِ كان النصارى يشكونَ هل هي إنسان!- كما هي شريكةُ الرجل في الثوابِ والعقابِ على العمل (( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) (النحل:97)، وقال تعالى: (( لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ )) الأحزاب:73 .
وقال المصطفى- صلى الله عليه وسلم-: (( إنَّما النساءُ شقائقُ الرجال)) (رواه أحمد و أبو داود وصححه والألباني).
قال الخطابي في معالمِ السُنن: "أي : نظائرُهم وأمثالُهم في الخلقِ والطباع، فكأنهنَّ شُققن من الرجال".
2 / أنَّهُ جعلَ المرأةَ مثلاً يُضرب للمؤمنين والمؤمنات.
فقد أشادَ بموقفِ ملكة سبأ (بلقيس) التي كانت في عهدِ سليمان- عليه السلام- وكيف أنَّها كانت سبباً في تحوّل قومِها من الشركِ للتوحيد، وذكرَ موقفُ آسيا- امرأةُ فرعون- في القرآن، وجعلهُ من أعظمِ الأمثلةِ في الثبات على الحق.
3 / أنَّهُ أكرمها أماً :
ويكفي شاهداً لذلك الحديث الذي رواه أبو هريرةَ- رضي الله عنه- قال : (( جاء رجلٌ إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله، من أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: أُمك. قال: ثُمَّ من؟ قال: أُمك. قال: ثُمَّ من؟ قال: أُمك. قال: ثُمَّ من؟ قال: أبوك)) (أخرجه البخاري) .
4 / وأكرمَ المرأة أختاً .
فعن أبي رمثةَ- رضي الله عنه- قال: "انتهيتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فسمعتهُ يقول : (( برَّ أمكَ وأباك، وأختكَ وأخاك، ثُمَّ أدناك أدناك)) (أخرجه الحاكم والإمام أحمد وصححه الألباني).
ولنتأملَ كيف قدمَّ الأمُّ على الأبِ، وكذا قدَّم الأختُ على الأخ!
5 / وكرمها بنتاً .
فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (( من عال جاريتين حتى تبلغا جاءَ يومَ القيامة أنا وهو)) ـ وضم أصابعه ـ أي : معاً. (أخرجه مسلم برقم2631).
6/ وصانها بالزواج الصحيح .
وجعل بين الزوجين المحبةَ والمودةَ والرحمة، قال تعالى: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) (الروم:21)
)) (الروم:21) ، وقال تعالى: ((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )) (البقرة:228).
ولعلَ من أعظمِ ما يدلُّ على علوِّ شأنِ المرأةِ في الإسلام ورفعةِ مكانتها: وصيةُ النبي- صلى الله عليه وسلم- بها في أكبرِ مجمعٍ إسلامي في حجةِ الوداع، عندما قال -صلى الله عليه وسلم-: (( استوصوا بالنساء خيرا)) رواه البخاري (9/218) في النكاح).
7/ وأكَّد حقها في الدفاعِ عن نفسها في حال شقاقها مع زوجها .
وعرض الخلاف على محكمةٍ مختصة، قال تعالى : (( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا )) (النساء:35).
8/ وجعلَ عقابُ من قذفها ثمانين جلدة .
قال تعالى: (( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) (النور:4).
9/ ومنها أنَّ مبايعةَ النبي- صلى الله عليه وسلم- للنساء كالرجال.
قال الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-: "كان النبيُّ- صلى الله عليه وسلم- يُبايعُ الرجالَ على السمع والطاعة والنصرة، وكانت أولَّ بيعةٍ منه لنقباءِ الأنصار في عقبةِ منى قبل الهجرة، على بيعة النساء، كما في السيرة ـ ولكن آيةُ بيعةِ النساءِ لم تكن نزلت، وبايعهم البيعةُ الثانية الكبيرة ِعلى منعه ـ أي حمايته ـ ممَّا يمنعون منه نساءَهم وأبناءَهم، وبايع المؤمنين تحت الشجرةِ في الحُديبية، على أن لا يفروا من الموت، سنة ستٍ من الهجرة. وخصَّت بيعةُ النساء بذكر نصِّها في سورة الممتحنة، وهو قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) (الممتحنة:12) .
نزلت يوم فتح مكة، وبايع النبيُّ- صلى الله عليه وسلم- بها النساء على الصفا بعد ما فرغ من بيعةِ الرجالِ على الإسلام والجهاد، وكان عُمر بن الخطاب يبلغهُ عنهنَّ وهو واقفٌ أسفلَ منه" اهـ.
10/ ومن إكرامِ اللهِ عزّ وجل للزوجة أن جعلَ لها حقوقاً حماها الشرع ، وينفذها القضاء عند التشاحن .
وليست تلك الحقوق موكولةً إلى ضميرِ الزوج فحسب، وليس المقامُ مقامُ بسطها، وإنَّما هي لمحةٌ عابرةٌ لبعض حقوقها عليه:
11/ المهر .
وهو عطيةٌ محضة، فرضها اللهُ للمرأة، ليست مقابل شيءٍ يجبُ عليها بذلهُ إلا الوفاءَ بحق الزوجية، كما أنَّهُ لا يقبلُ الإسقاط، ولو رضيت المرأةُ، إلا بعد العقد(( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً)) (النساء:4).
12/ النفقة عليها بالمعروف .
(( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) (البقرة:233).
13/ السكنُ والملبس.
(( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ)) (الطلاق:6).
14/ وبجانبِ هذه الحقوقِ المادية لها حقوقٌ معنوية أخرى :
* فهي حُرةٌ في اختيار زوجها ، وليس لأبيها أن يُكرهها على ما لا تريد، قال صلى الله عليه وسلم: (( لا تُنكحُ البكرُ حتى تُستأذن، ولا الثيب حتى تُستأمر)) (أخرجه البخاري).
* يجبُ على زوجها أن يُعلِّمها أصولِ دينها : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )) (التحريم:6).
قال الألوسي ـ رحمه الله ـ : "استدلَ بها على أنَّهُ يجبُ على الرجلِ تعلمُ ما يجبُ من الفرائض وتعليمه لهؤلاء".
* أن يَغار عليها ويصونها من العيونِ الشريرةِ، والنفوسُ الشرهة، فلا يُوردُها موارد الفساد، ولا يغشى بها دُورَ اللهو والخلاعة، ولا ينزعُ حجابها بحجةِ المدنيةِ والتطور.
* أن يترفَّع عن تلمسِ عثراتها، وإحصاءِ سقطاتها، ولذا كان النبيُّ- صلى اللهُ عليه وسلم- يكرهُ أن يأتيَّ الرجلُ أهلهُ طروقاً، والطروق: المجيءُ بالليل من سفرٍ أو من غيره، على غفلة.
* وأخيراً، فإنَّ عليه أن يُعاشرها بالمعروف والإحسان، فلا يستفزَّهُ بعضُ خطئها، أو ينسيه بعضُ إساءتها (( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)) (النساء:19).
ويقولُ النبي- صلى الله عليه وسلم- : (( لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر)) (رواه مسلم 1269) يفرك: يبغض ـ والفرك : البغض .
نسألهُ تعالى أن يجعلَ نساءَ المسلمين قدوةً لغيرهنَّ ، ويحفظهنَّ من دُعاةِ التبرجِ والسفور،
وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــ(47/129)
منهج الإسلام في بناء المرأة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فهذه وقفات مضيئة في منهج الإسلام في بناء المرأة المسلمة كتبها فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن العايد وستنشر بإذن الله تعالى في هذه الزاوية تباعاً نسأل الله أن يبارك في الشيخ و بما كتب وأن ينفع الجميع بها .
إدارة الموقع
مقدمة الشيخ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم .وبعد :
فإن موضوع المرأة موضوع خطير وموضوع هام ، لأنه يتحدث عن نصف المجتمع ، بل قد يقال تجاوزاً المجتمع كله لأنهن يلدن النصف الآخر ، وموضوع المرأة قد لاكته كثير من الألسنة في العصر الحاضر وتأرجحت فيه الأقلام في طرفين متناقضين ، طرف يَغري المرأة بالمعصية ويحبب إليها التبرج ، والسفور ، والتهتك والتبذل ، وكل ما من شأنه هدم قيمها وأخلاقها وإبعادها عن إسلامها وتعاليمه ، وهذا الطرف إنما يقصد أن تصبح المرأة سلعةً رخيصةَ الثمن ، جاهزة عند الطلب بأتفه الأثمان تسد جوعة الناظر ، وتطفئ لوعة الفاسق.
وطرف آخر يحاول أن يقف في وجه الطرف الأول ليحمي المرأة ، ويصونها إشفاقاً عليها، فيأمرها بالتستر والتحجب والاحتشام وعدم الاختلاط ، والبعد عن جميع مواطن الريبة والشك ، والابتعاد عن مستنقعات الرذيلة ، وهو إنما يقصد أن يرفع من شأن المرأة ويكرمها ، ويبين حقوقها وواجباتها الإسلامية .
وموضوع المرأة في القديم اقتصر على بعض الآداب التي ينبغي أن تتأدب بها وبعض الأحكام والتشريعات الخاصة بها لكي تتعلمها وتعمل بها .
وفي عصرنا الحاضر تغير الوضع تماماً فارتفعت شعارات المناداة بحرية المرأة ومساواتها بالرجال ، وغير ذلك من الكلمات الرنانة التي يعلمها الجميع . فأرادوا إخراج المرأة من أنوثتها وجعلها تقارع الرجال في أعمالهم في النهار ، وتتقلب في أحضانهم بالليل ، لا تنكر منكراً ولا تعرف معروفاً . يريدونها كالغربية تتقاذفها أيدي الذئاب البشرية ما دامت بنتاً ، فإذا تزوجت أصبحت كادحة تشارك في إعاشة الأسرة ، فإذا كبر سنها قذفها أولادها في إحدى الدور الاجتماعية .
وبالمقابل هبَّ الغيورين على الإسلام ليقفوا في وجه هذه التيارات ويبطلوها وينقذوا المرأة من حبائل هؤلاء وشبكاتهم . فهم يريدون المسلمة بنتاً مصونة يحافظ عليها الرجال ، وزوجة مكفولة بواسطة الرجل يتحمل عنها الأعباء ، وأماً وجدة تتحول إلى ملكة في كيان الأسرة . وسأكتب لكم عدة وقفات عن ( منهج الإسلام في بناء المرأة المسلمة
الوقفة الأولى وهي ( منهج الإسلام في بناء المرأة عن طريق العقيدة والأحكام والسلوك والأخلاق ) وستكون في النقاط التالية :
(1) حالة المرأة قبل الإسلام وبعده .
(2) خصائص النهج الإسلامي .
(3) الأحكام التي اختصت بها المرأة .
(4) بناء المرأة المسلمة عن طريق العقيدة .
(5) بناء المرأة المسلمة عن طريق الأحكام : وهذا فيه ما يلي :
1- الحيض 2- الغسل 3- الصلاة
4- الجنازة 5- الصيام 6- الحج
7- الزكاة 8- النكاح 9- اللباس والزينة .
(6) بناء المرأة المسلمة عن طريق السلوك والأخلاق .
حالةُ المرأة المسلمة قبل الإسلام :
أولا : في المجتمع العربي :
كان العرب الجاهليون لا يورثون المرأة ولا يرون لها حقاً في الميراث بل جعلوا المرأة نفسها من المتاع والمال ، وجعلوها تورَّث مع ما يورَّث ولذلك فإن الولد يمكن أن يرث عن أبيه نساءه ، بل ويمكنه أن يتزوجهن كما حدث مع بعض الجاهلين .
ولم يكن لها حق على زوجها ، ولا ينظر إليها إلا على أنها خادمة في بيت زوجها وظيفتها إنجاب الأولاد ، وليس لها حرية اختيار الزوج ولم يكن هناك ما يمنع الزوج من إيذاء زوجته وإهانتها واحتقارها بل كانت تمسك ضراراً للاعتداء وكانت تلاقي من بعلها نشوزاً أو إعراضاً ،وكانت تترك أحياناً كالمعلقة .
بل قد يذهب بها زوجها إلى رجل عرف بالشجاعة والمروءة ليجامعها فتحمل منه وكان هذا يعرف بنكاح الاستبضاع .
وكانت الزوجة عرضة للمقامرة عليها من قبل زوجها ، وكانت الزوجة ليس لها حق في صداقها ، ولم يكن عند العرب عدد معين من الزوجات بل له أن يتزوج ما شاء من النساء .
ولم يكن للطلاق عدد محدود ، فللرجل أن يلعب بامرأته كيف شاء يطلقها ثم يراجعها ثم يطلقها وهكذا فلا هو طلقها وتزوجت غيره ولا هو أمسكها عنده فعاشت كزوجة .
وإذا مات زوجها كان إحدادها سنة كاملة يقول r : ( كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول ) متفق عليه .
قالت زينب : ( بنت أبي سلمه الراوية عن أم سلمة راوية الحديث ) : كانت المرأة إذا توفى زوجها دخلت حُشاً ولبست شر ثيابها ولم تمس طيباً حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابةٍ حمار أو شاةٍ أو طائر فتفتض به فقلما تفتض بشئ إلا مات ، ثم تخرج فتعطي بعرة فترمي ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره ) .
ومن المعروف ما كان عندهم من وأد البنات ،وإن لم يكن هذا عند جميع العرب .
ولا ننسى أن نقول إن المرأة العربية تميزت عن غيرها بحماية الرجل لها وغيرته عليها والثأر لامتهان كرامتها .
ثانياً : المجتمع الفارسي :
ب - في المجتمع الفارسي :
لقد عاشت المرأة الفارسية في ذل ومهانةٍ واحتقارٍ فلم تكن بأحسن حالاً من أختها العربية ، فكانت التقاليد الفارسية تستوجب إهانة المرأة وتعتقد أنها أداة الشيطان التي يسيطر بها على الناس ويعتقدون أنها منبع الشرور، وكانت إذا حاضت اعتزلوها وأخرجوها إلى الخلاء بعيداً عن المدينة وذهب الخدام بطعامها وشرابها إليها .
فإن كانت ابنة فلأبيها حق التزوج بها ، أي أنه كان الزواج بالأمهات والأخوات والعمات والمحارم عموماً جائز عند الفارسين .
وكان للزوج حق السلطة المطلقة على زوجته إلى حدِّ أنه يستطيع أن يقتلها ، وأيضاً تعدد الزوجات عندهم شائع بدون شرطٍ أو تحديد عدد .
ج ـ في المجتمع الروماني :
لم تكن المرأة في المجتمع الروماني بحالة أفضل من حالة أختها في المجتمع الفارسي فعند ولادة الابن كانت هناك عادة وأد الأولاد وليس البنات فقط ولكن على الطريقة الرومانية فعندما يولد الابن يوضع تحت قدمي والده فإن رفعه كان عبارة عن مرسوم أبوي بضم الابن إلى الأسرة وإن لم يرفعه فإن هذا وأده لأنه سينقل إلى أحد الأمكنة العامة أو ساحات الهياكل العبادية ليترك يموت هناك .
وإن نجت البنت ( ونترك الابن لأنه ليس موضع بحثنا ) فإنَّ لأبيها عليها السلطة المطلقة يزوجها بمن يشاء ودون إرادتها ، وتظل خاضعة لرب الأسرة ما دام حياً ، وإذا انتقلت إلى زوجها وقعت معه عقد السيادة الزوجية ويسلم الأب زمام ابتنه إلى زوجها ليتحكم بها كيف يشاء .
وليس للبنت حق التملك ، وإن تملكت البنت آل مالها إلى رب الأسرة وقفزت المرأة قفزة في عهد قسطنطين عندما تقرر [ أن الأموال التي تحوزها البنت عن طريق ميراث أمها تُميز عن أموال أبيها ولكن له الحق في استعمالها واستغلالها ، ـ وعند تحرير البنت من سلطة رب الأسرة يحتفظ الأب بثلث أموالها كملك له ويعطيها الثلثين] (1)
وفي عهد جستنيان أعطيت المرأة حق التملك إذا كان المال بسبب عملها أو عن طريق شخص آخر أما الأموال التي يعطيها رب الأسرة فتظل ملكاً له . ولكن مع ذلك لم تكن تستطيع التصرف فيها دون موافقة رب الأسرة .
ولم يكن للمرأة أي عمل كريم ودور إصلاحي رشيد سوى وظيفة الإنجاب وكانت المرأة في نظر الرومان متاع يعرضونها في السوق للبيع ويبيعونها ، وكانت في أذل حال [ مكانياً يعتقدون أن المرأة أداة الإغواء ووسيلة الخداع وإفساد قلوب الرجال ] (2).
2ـ منزلة المرأة في الإسلام :
من الناحية الإنسانية : ـ
جاء الإسلام وكان هناك شبه إجماع على سلب المرأة إنسانيتها ومنعها حقوقها ، فتصدى الإسلام لهذا الانحراف عن الفطرة وأرجع الناس إلى الفطرة ، فأعاد للمرأة إنسانيتها وساواها بالرجل في ذلك .
قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) (الحجرات:13)
والمرأة كما بين القرآن خلقت من الرجل : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:1)
وقال r :( إنما النساء شقائق الرجال ) (2).
وقد سوى الإسلام بين الرجل والمرأة في أغلب تكاليف الإيمان قال الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)) (الممتحنة:10) .
وقال : ((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً)) (الأحزاب:58) .
ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن على النساء ما على الرجال من أركان الإسلام وإن كانت تسقط عنها الصلاة وهي حائض ولا تقضيها ويسقط عنها الصوم وهي حائض وتقضيه وتحج وهي حائض إلا أنها لا تطوف بالبيت .
ومن مساواة الإسلام المرأة بالرجل المساواة في الجزاء الأخروي قال الله تعالى : ((مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) (النحل:97)
وقال تعالى : (( من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب )) (6).
وقال تعالى : (( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً)) (النساء:124)
وقد جعل الإسلام المرأة تتمتع بحقوقها من الإرث وغيره ، وليس لأحد أن يمنعها من حقوقها ، وليس لأحد عليها ولاية ما دامت بالغة راشدة .
وهكذا ردَّ الإسلام للمرأة إنسانيتها فاعترف بإنسانيتها كاملة كالرجل وهذا ما كان محل شكٍ وإنكارٍ عند أكثر الأمم السابقة .
والمرأة أم وقد جعل الإسلام للأم مكانة قد علت مكانة الرجل كما قال r عندما سأله رجل قال : من أحق الناس بحسن الصحبة فقال رسول الله r : (( أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك )) (1).
وجعل الإسلام عقوق الوالدين من أكبر الكبائر ومن الذنوب الكفيلة بتعجيل العقوبة في الدنيا ، قال تعالى : ((وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً )) (الاحقاف: من الآية15))
وقال تعالى : (( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)) (الاسراء:23)
وقال رسول الله r : (( بر أمك وأباك وأختك و أخاك ثم أدناك أدناك )) (4).
وقال r لرجل من بني سلمة سأله فقال يا رسول الله بقيّ عليَّ من بر أبوي شئ أبرهما به بعد وفاتهما ؟ قال r : (( نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهم وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما )) (5).
• والمرأة زوجة : ـ
قد جعلها الله آية من آيات خلقه حيث جعلها سكناً ورحمة ، قال تعالى : (( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) (الروم:21)
وقال تعالى : (( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)) ((الأعراف: من الآية189) .
ولهذا فإن من الفطرة أن يميل الرجل للمرأة وتميل المرأة للرجل وهذا الميل لابد أن يكون مبنياً على أسس منظمة وموافق للفطرة ولشريعة الإسلام ، فكان الزواج ، وهذا الزواج لا يكون بالمحارم ، ولهذا الزواج مقدمات من خطبة ومهر وإعلان له ، وله آداب معاشرةٍ وحقوقٍ بين الزوجين ، فللزوجة حق على زوجها تطالبه بها إذا قصر بها ، فمن حقها : اختيار الزوج ( الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وأذنها صماتها ) (3).
ومن حقها المهر : (( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)) (النساء: من الآية4) .
ومن حقها النفقة ، عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال: ( يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى ) (5).
ومن حقها المعاشرة بالمعروف وحسن الخلق (( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) (النساء: من الآية19).
وغير ذلك من الحقوق التي أعطاها إياها الإسلام وأعلى بها مكانتها .
• والمرأة بنت عن طريقها ينال الأجر :
قال r : (( من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو )) وضم أصابعه (1).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : (( جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها ، فسألتني فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئاً ، ثم قامت فخرجت وابنتاها فدخل عليَّ النبي r فحدثته حديثها فقال النبي r : (( من ابتُلى من البنات شيء فأحسن إليهن كنَّ له ستراً من النار )) (2).
ويخطئ كثير من يعتقد أو حتى يظن مجرد الظن أن وضع المرأة في عصر الرسول r كان مراعاة لما كانت عليه في الوضع الجاهلي .
لقد جاء الإسلام والجاهليون يكرهون البنت قال تعالى : (( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ)) (النحل:58)
)) (3).
ويدفنونها وهي حية ((وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)) (التكوير:8، 9)
فحرم الإسلام هذا ورفع شأنها .
وجاء الإسلام والمرأة لا ترث فأعطاها حقها في الميراث : ((لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ )) (النساء: من الآية7)
وجاء الإسلام والمرأة يرثها الرجل كرهاً فقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)) (النساء:19)
(1) المرأة بين الفقه والقانون ص 16 .
(2) المرأة وحقوقها في الإسلام ص 9 .
(2) رواه أحمد وأبو داود والترمذي . صحيح أبي داود 234 . وصححه الالبان في صحيح الجامع الصغير ج ص 461 رقم 2333. انظر تحقيق المشكاة 441 .
(6) سورة غافر (40) .
(1) متفق عليه .البخاري ص 78 كتاب الأدب ، 2 ـ باب من أحق الناس بالصحبة ، مسلم في 45 كتاب البر والصلة . (1) باب الوالدين .
(4) النسائي وأحمد والحاكم وأبو داود . انظر عون المعبود ج 14 ص 40 رقم 5118 . وحسنه الالباني في صحيح الجامع ج 1 ص 296 رقم 1400 .
(5) الحاكم وابن حبان وأبو داود . انظر عون المعبود ج 14 ص 51 رقم 5120 .
(3) الستة إلا البخاري . رواه مسلم في كتاب النكاح . باب . استئذان الأيم والبكر في النكاح حديث رقم 802 ، مختصر مسلم ص 208 .
(5) أخرجه ابن ماجة وغيره . في كتاب النكاح . باب حق المرأة على الزوج ، وصححه الألباني انظر صحيح سنن ابن ماجة ج 1 ص 311 .
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة . باب الإحسان إلى البنات : مختصر مسلم ص 470 رقم الحديث 1761 .
(2) متفق عليه ، رواه مسلم في كتاب البر والصلة باب في الإحسان إلى البنات ، مختصر مسلم ص 470 رقم الحديث 1760 .
(3) سورة النحل (58) .
ـــــــــــــــــــ(47/130)
وقفات مع الانتخابات
الحمدُ للهِ رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
أمَّا بعد:
فإنَّ اللهَ تعالى إنَّما خلقَ الخلقَ ليعبدوهُ ويوحدوه وفقَ شريعةٍ محددة، ووحيٍ متكامل، وحدَّ لهم حدوداً لا يتجاوزُونها، وسنّ لهم أنظمةً لا يتخطونها ضمنَ إطارَ الشريعةِ الغرّاء ، والملةِ العلياء .
فالإسلامُ العظيمُ بمعناهُ الشموليُّ الواسع، ( دينٌ ودولة، وراعٍ ورعية، وسياسةٍ واقتصاد، وتربيةٍ واجتماع، وعلمٍ وعمل، وعبادةٍ ومعاملة، وسلوكٍ وأخلاق )
ولا يسعُ الأمةُ المسلمةِ إلاَّ الإذعانَ والتسليم لشريعةِ الملكِ الديان، في عظائمِ الأُمورِ وصغارِها، وجليلِ المسائلِ فما دونها .
بدءاً من أُصولِ الإيمانِ والتوحيد، وانتهاءً بإماطةِ الأذى عن الطريقِ وما شابهها، ومن ظنّ أنَّ بإمكانهِ الخروجُ من هذه الشريعةِ الغرّاء قيدَ أُنمُلةٍ فقد ضلّ وأخطأ، وتجاوزَ وظلم، ورُبَما كفرَ وأشركَ عياذاً بالله !!
ومن الأُمورِ التي استُحدثت هذهِ الأيامُ قضيةُ الانتخاباتِ البلدية، والتي من خلالها يتمُّ انتخابُ عددٍ من المتنافسين لشُغلِ ما يُسمّى بـ (المجالسِ البلدية) المزمع إنشائها ،
ولنا إزاءَ هذهِ الانتخاباتِ وقفتان :
أولُهُما : مع المرشحين.
وثانيهما: مع الناخبين.
أمَّا المرشحونَ فنجملُ وقفتنا معهم في النقاطِ التالية :
أولاً : نُذكرُهم بأنّ حرصَ المرءِ على الإمارةِ ابتداءً مذمومٌ شرعاً .
فقد صحّ عند مسلمٍ وغيرهِ من حديثِ عبد الرحمن بن سُمرة قال : قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- " يا عبدَ الرحمن لا تسألِ الإمارةَ فإنَّكَ إن أُعطيتها عن مسألةٍ وُكلتَ إليها، وإن أُعطيتها من غيرِ مسألةٍ أُعنتَ عليها "
وصحّ عندهُ كذلك من حديث أبي ذر – رضي الله عنه – أنّ رسولَ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- قال : (( يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحبُ لنفسي، لا تُأمرَنَّ على اثنين ولا تولين مال يتيم )) .
أمَّا من رأى في نفسه الكفاءةَ والأمانة، وأحبَّ نفع أمتهِ، وقطعَ الطريقُ على تولي الأشرار زمامَ الأمورِ، فهو مأجورٌ مشكور، معانٌ مُسددٌ بإذن الله تعالى، فقد طلبَ يوسفُ الصديقُ- عليه السلام- مهامَ الخزائن : (( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)) (يوسف:55) .
ثانياً : نُذكِّرُهم بأنّ هذه المناصبُ والمسؤولياتُ أماناتٌ وتبعات، تنأى عن حملها السمواتُ والأرضُ والجبالُ الراسيات، وليست المجالسُ البلديةِ ولا النيابية، وجاهةً اجتماعية ومكاسبَ شخصية .
ففي صحيح مسلم – رحمهُ الله – من حديث أبي ذرٍّ- رضي الله عنه- قُلت : يا رسولَ الله ألا تستعملني – أي ألا توليني منصباً وعملاً – قال : فضربَ بيدهِ على منكبي ثُمَّ قال : (( يا أبا ذر إنك ضعيفٌ، وإنَّها أمانة، وإنَّها واللهِ يومَ القيامةِ خزيٌّ وندامة إلاَّ من أخذها بحقها، وأدّى الذي عليه فيها )) .
فاتقوا اللهَ أيَّها المرشحون، وراجعوا دوافعكم، واستعرضوا قُلوبكم، وتأكدوا من صحةِ نواياكم، وتيقنوا من قدراتكم وإمكاناتكم، على التضحيةِ والتفاني لنُصرةِ دينكُم، وتحقيقِ آمالِ أمتكمُ المشروعة، وإلا أخلوا الساحةَ لمن هو أكفأُ منكم، وأقدرُ وأجدرُ على المُجاهدةِ والمصابرةِ في هذهِ الميادين.
ثالثاً : على الإخوةِ المرشحينَ أن يتجنبوا المُزايدات الكلامية، والوعودَ الاستهلاكية، والضجيجَ الإعلاميّ الكاذب، والصخبَ الدعائي الزائف، جرياً وراءَ العاداتِ المستوردةِ، والمناهجُ الوافدة.
بل عليهم أن تكونَ لهم نظرتُهم الشرعيةُ المؤُصلة، والأساليبُ المنهجيةِ المُحكمة، وخصوصيتهم الأدبيةِ الفذة.
وأن يكونوا على يقينٍ بأنَّهم متى انتخبوا، وجبَ عليهم الوفاءَ بما عاهدوا اللهَ عليه، وبما عاهدوا عليهِ الناس، من إصلاحِ الأوضاع الخاطئةِ، والتجاوزاتِ الفجة، والأنماطِ الاجتماعيةِ المُنحرفة .
رابعاً : إنّ على المرشحين أن يعوا جيداً أنّ الرفاهية التي يعدون بها ناخبيهم هي رفاهية الحياة الكريمة في ظل عقيدة راسخة وإيمان حازم ويقين صادق ، وخلقٍ سام !
إنّ الرفاهية التي ننشدها لمجتمعنا المسلم أيها المرشحون هي رفاهية الأمن على ديننا وأعراضنا وأخلاقنا ، الرفاهية المنشودة – هي محاربة الأسباب الباعثة على التبرج والسفور والتسيب والانحلال . فيوم أن نخرج من بيوتنا فلا نرى حدائق مختلطة ولا أسواق مبتذلة ، ولا أماكن لهو ماجنة نكون قد سعدنا حقاً بانتخابكم . أما إن كانت همومنا وهمومكم مجرد رصف شارع مهجور ، أو إنارة حديقة مكتظة ، أو فتح ملهى جديد ، فكبرَّوا علينا أربعاً ، ولنكبر عليكم أربعاً ولله عاقبة الأمور.
الوقفة الثانية مع الناخبين ،ونجملها في نقاط :
أولاً : إن انتخاب أحد المرشحين أمانة وأي أمانة !! فلنحرص على انتخاب القوي الأمين قالت ابنة صاحب مدين: (( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)) (القصص: من الآية26) .
فلا نخُدعنّ بالوعود الكلامية – والخطب الرنّانة ،والحذلقة الكاذبة،ولنحرص على ذوي العلم والغيرة،والمروءة والشهامة.
ثانياً : لا بدّ من الحياد التام ، واجتناب المجاملات حال انتخاب الصالحين فنحرص على الأصلح والأكفأ ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلاماً مرقوماً بهذا الخصوص في رسالته السياسة الشرعية فلتراجع بعناية وتأمل.
ثالثاً : عدمُ تفويت فرصة التصويت والانتخاب في وقتها المحدد لأصحاب الكفاءات والأمانات حتى لا يحرم المجتمع المسلم من المخلصين والقادرين على البذل والعطاء والتفاني المخلص في خدمة دينهم وإخوانهم والتحفظ عن المشاركة بهذه الانتخابات يهيئ الفرصة كاملة لأصحاب التوجهات المشبوهة للحلول مكان الطيبين وتوجيه المجتمع وفق ما يرون .
والكلّ على علم بأن الشريعة جاءت لتحقيق المصالح وتكثيرها وتفويت المفاسد وتقليلها.
فلقد رأينا ما آل إليه الإعلام على وجه الخصوص من المفاسد العظيمة يوم توّلى دفته المفسدون والعلمانيون والمنافقون .
رابعاً : على الناخبين المطالبة بالإصلاح الشأمل لكل الأوضاع السيئة وألا يكون اهتمامهم منحصراً في قضايا ثانوية دون القضايا الكلية التي بها صلاح المجتمع وأسلامنا.
ونسأل الله أن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
ـــــــــــــــــــ(47/131)
الشباب والشهوة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ذيِ المن والكرم، وأشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهَ وحدهُ لا شريك له، مُسبغَ النعمِ ودافعَ النقم، وأشهدُ أن محمداً عبدهُ ورسولهُ ذو الشرفِ الأسنى، والخُلقِ الأتم- صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه- بناةِ المجدِ، وعُلاة الهمم، وسلم تسليماً، أمَّا بعد:
فيا معشرَ المسلمين : اتقوا ربكم حقَّ التقوى، وتمسكوا بالعروةِ الوثقى 0
إنَّها أساسُ كلِّ قضية، ومنبعُ كل رزيَّة ، إنَّها المستنقعُ الذي تتولدُ فيه قاذوراتِ الخطايا، وهي البُركانَ الذي تتقاذفُ منهُ رحم البلايا، إنَّها داءُ الشبابِ، بل وغيرَ الشباب، وهي القضيةُ الكبرى للشباب، ما من جريمةٍ إلاِّ هي منبعُها، وما من كبيرةٍ إلا وهي مبدؤُها، إنَّها قضيةُ الشبابِ الكبرى، الزنا، واللواط، والعادةُ السريةِ، والغناءُ، والمعاكساتِ الهاتفية، جرائمُ الاغتصابِ والاختطاف، والعشقُ والإعجاب، إدمانُ النظرِ المحرمِ من السهرِ والسفر، كلَّ هذهِ الأدواءِ صدىً لهذه القضية، واستجابةً لسعارها، إنَّها حجابٌ حُفت به النار، من اخترقهُ دخلها، هي ابتلاءٌ من اللهِ، وامتحانٌ لعباده، ليعلمَ الصادقين والصابرين، ويبلو أخبارهم 0
إنَّها أيَّها المسلمون قضيةُ الشبابِ والشهوةِ، ولستُ اعني بها كلَّ شهوة، لكنني أردتُ بها شهوةُ الفرجِ، أو ما يُسمى بالمصطلحِ المعاصر ( شهوة الجنس)، وهل داءُ الشبابِ إلاَّ الميلَ الجنسي الذي يملأُ نُفوسهم، ويُسيطرُ على أرواحهم، ويتراءى لهم في كلِّ جميلٍ في الكون، شيطاناً لعيناً يقودُ إلى الهاويةِ، وإبليساً من أبالسةِ الرذيلةِ، يدعو إلى دينِ الهوى، وشرعِ الشهوات، كم من شابٍ كانت الشهوةُ له عائقاً من سلوكِ الهدايةِ، وكم من كانت السببُ في انحرافهِ وضلاله، والله المستعان، إنَّ الانسياقَ وراءَ الشهوةِ يُدمرُ إرادةَ الإنسان، ويُحطمُ كيانَ الإنسانيةِ ويَفقدها وعيها وإرادتها، ويقُودُها على نغمِ القطيعِ الذي يرقُصُ على إيقاعِ نزواته، فيعبدُ شهواتهِ، ويظلُّ يُمارسُ هذهِ العبوديةِ، ويُسخِّر كلَّ طاقاتهِ للشهوةِ والهوى، إنَّها من أشدِّ الشهواتِ وأخطرِها على الشبابِ خاصةً في هذا الزمنِ، قال r : (( ما تركتُ بعدي فتنةً أضرُّ على الرجالِ من النساء )) وقال : (( مَن يضمنُ لي ما بينَ لحييهِ وما بين رجليه أضمنُ له الجنة )) ، وسُئل عن أكثرِ ما يُدخلُ الناسَ النار فقال : (( الفمُ والفرج )) ، لمن هذا الحديث ؟ إنَّهُ لكُلِّ الشباب، ولكُلِّ من يُعاني ما يعانيهِ الشهواتُ من طوفانِ الشهواتِ العارم، إنَّهُ خطابٌ لكلِّ من يُريدُ أن يتسامى بروحهِ، وأن يبقى لهُ دينهُ، ويصانُ عرضهُ وشرفه 0
يا معشرَ الشبابَ ويا غيرَ الشباب : الشهوةُ الجنسيةُ غريزةٌ، جُبلتْ عليها النفسُ البشرية، فقد جعلَ اللهُ سبحانهُ هذا الميلَ الغريزي في كلٍّ من الرجلِ والمرأة، لتحقيقِ هدفٍ سام، وهو بقاءُ النوعِ الإنساني، فلولا هذا الدافعُ الجنسي لما كان التناسلُ والتكاثر ُالذي عمَّرَ وجه الأرض جيلاً بعد جيل، وقد حمى الإسلامُ هذه الشهوةُ والانحرافُ بما شرعه من ضوابطٍ وأحكام، فشرعَ الزواجَ وحضَّ عليه، ويسَّر سُبله وأسبابه، ليَكُون الطريقُ الشرعي لتصريفِ هذه الشهوة، بما يحققُ السعادةَ والسكنَ النفسي، والطمأنينةَ لكلا الزوجين، وبما يُطهِّرُ النفسَ من أدرانها، ويَحفظها من الآفات، ولكنَّ الهوى المستحكمُ في النفوسِ، يصرفُ الإنسانَ عن طريقِ الحلالِ ليوقعهُ في الحرام، ويزينُ لهُ الباطلَ فيصبحُ العقلُ أسيراً لذلك الهوى، مُنقاداً وراءهُ حتى يؤدي ذلك إلى طُغيانِ الشهوةِ، وتدسيةُ النفسِ، ليكونَ صاحبُها كالبهائم .
وفي ذلكَ يقولُ الإمامُ ابن القيم- رحمهُ الله- : (( أمَّا مشهدُ الحيوانيةِ، وقضاءُ الشهوةِ، فمشهدُ الجُهَّالِ الذي لا فرقَ بينهم وبينَ سائرِ الحيواناتِ إلاَّ في اعتدالِ القامةِ، ونطقِ اللسانِ، ليس همهم إلاَّ مجردَ نيل الشهوةِ، بأيِّ طُريقٍ أفضت إليها، فهؤلاءِ نُفوسُهم نفوسٌ حيوانية، لم تترقَ عنهُ إلى درجةِ الإنسانيةِ فضلاً عن درجةِ الملائكة، وهم في أحوالهم متفاوتونَ، بحسبِ تفاوتِ الحيواناتِ التي هم على أخلاقها وطباعها )) 0
يا معشرَ الشباب : إنَّ الشهواتِ إذا تسعَّرت نارُها، واشتدَّ سُعارها، ولم تُلجَم بلجامِ التقوى والخوفِ من الله، فإنَّهُ حينئذٍ تورثُ انحرافاً في الغريزةِ، وهذا الانحرافُ له آثارٍ إنسانيةً وإيمانية، واجتماعيةٍ وسلوكية، ونفسيةٍ ومرضية، له آثارٍ إنسانيةٍ حينما ينحطُ الإنسانُ بانحرافِ غريزتهِ إلى الحيوانية، بل إلى ما هو أحطُّ منها، فمُنذُ تلكَ اللحظةِ التي يقطعُ بها الإنسانُ صلتهُ باللهِ يغدو حيواناً يعيشُ بغرائزهِ ولها، ويحيا لنزواتهِ وبها، تتعطلُ فيه نوازعُ الشرِّ، وتصبحُ الشهواتُ أكبرَ همهِ، والدنيا مبلغَ علمهِ، فبانحرافِ الغريزةِ الجنسيةِ، ينحطُ الإنسانُ من أحسنِ تقويمٍ إلى أضلِّ سبيلاً، ذلك هوَ الخسرانُ المبين 0
ولهُ آثارٌ إيمانية، بأن يُسلب من المؤُمنِ إيمانه، فَيُرفَعُ من قلبه عندما ينحرف، وتستعبدهُ شهوتهُ، فلا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن 0
كم كانتِ الشهواتُ سبباً في الحورِ بعد الكور، وكانت الخطوةُ الأولى نحو الردةِ والكفر، واقرؤُوا إن شئتم تفسير قوله تعالى : (( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)) (الحشر:16)
ألم تسمعوا حكايةَ ذلكَ الرجلِ الذي ابتُلي بعشقِ المردان، فعشقَ شاباً اسمهُ أسلم، واشتدَّ كلفهُ به، وتمكنَّ حبهُ من قلبهِ، فمرضَ بسببه، ولزمَ الفراشَ ولم يزل يزدادُ مرضُه حتى قاربَ الوفاة، فلامهُ جلساؤُهُ، لكنَّهُ ختمَ حياتهُ بقولهِ:
أسلمُ يا راحةَ العليل ويا شفاءَ الُمد نفِ النحيل
لقياكَ أشهى إلى فؤادي من رحمةِ الخالقِ الجليل
وربما وجدتَ عابداً زاهداً فارقَ الدنيا كافراً، كانت بدايةُ انحرافهِ نظرةٌ، والنظراتُ تورثُ الحسرات، أولم تسمعوا عن حافظٍ للقرآن تنصر، وآخرَ كان مؤُذناً فتركَ الآذانَ وارتد، لماذا ؟ لقد كان السببُ نظرةً أُولى، وهكذا فإنَّ التهاونَ في وقايةِ شهوةِ الفرجِ والانحرافِ، ولو كان يسيراً سيؤدي شيئاً فشيئاً إلى ماهو أخطر، حتى يقعَ المرءُ فريسةَ طغيانِ الشهوةِ، التي يصعُبُ التخلصُ من شُرورها، وتُؤدي في النهايةِ إلى طمسِ قلبِ صاحبها، وانسلاخهِ من الأخلاقِ الفاضلة، هذا بالإضافةِ إلى ما يُصيبهُ من الأمراضِ النفسيةِ من قلقٍ واضطراب، وذبولِ أحاسيسِ ومشاعرِ الغيرةِ، والعرضِ والشرفِ والحياء والرجولة، وما يعتريه من الأمراضِ الجسديةِ التي عُوزَ علاجُها، واستعصى على أهلِ الطبِ دواؤُها 0
يا معشرَ الشباب: إنَّ بدايةَ الانحرافِ في هذه الشهوةِ سببهُ الأساسي، مرضُ القلبِ، وعدمُ رسوخِ الإيمانِ فيه، فإذا ما عُرضَ لهُ شيءٌ من الفتنةِ مالَ إليها، وتأثرَ بها، فازدادَ مرضاً على مرض .
وفي ذلكَ يقولُ ابنُ تيميةَ-رحمه الله- في قولهِ تعالى : (( فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ )) (الأحزاب: من الآية32) هو مرضُ الشهوةِ، فإنَّ القلبَ الصحيحِ لو تعرضت له المرأةُ لم يلتفت إليها، بخلافِ القلبِ المريض بالشهوةِ، فإنَّهُ لضُعفِهِ يَميلُ إلى ما يُعرضُ، لمَ من ذلكَ بحسبِ قوةِ المرضِ وضعفه، فإذا خضعنَ بالقولِ طمعَ الذي في قلبهِ مرض، إنَّ القلبَ الذي تذوقَ حلاوةَ الإيمانِ لا يُمكنُهُ أن ينصاعَ لوساوسِ الشيطان، أو يفتنَ بما يُعرضُ لهُ من الشهواتِ والمغريات، لأنَّ نورَ الإيمانِ إذا استقرَّ في القلبِ طردَ عنهُ الظُلمات، وما قصةُ يوسفُ- عليه السلام- إلاَّ خيرُ مثال 0
إنَّ الشهوةَ الجنسيةِ وقُودُها النظرُ إلى الحرام، بل هو الخطوةُ الأولى، نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامٌ فكلامُ فموعدٌ فلقاءُ، إنَّ النظرةَ الأولى تُجريءُ على ما بعدها، والعينُ مرآةُ القلبِ، فإذا غضَّ العبدُ بصرهُ، غضَّ القلبُ شهوتَهُ وإرادته، والنظرةُ تفعلُ في القلبِ ما يفعلُ السهمُ في الرميةِ، فإن لم تقتُلهُ جرحتهُ، وهي بمنزلةِ الشرارةِ من النارِ، تُرمى في الحشيشِ اليابسِ فإن لم تُحرقهُ كلهُ أحرقت بعضهُ:
كلَّ الحوادثِ مبدأُها من النظرِ ومعظمُ النارِ من مستصغرِ الشررِ
كم نظرةٍ فتكت في قلبِ صاحبِها فتكَ السهامِ بلا قوسٍ ولا وترِ
والمرءُ ما دامَ ذا عينٍ يُقلبُها في أعينِ الغيرِ موقوفٌ على الخطرِ
ولخطورةِ النظرِ، وعلمِ النبيِّ r بعظيمِ أثرهِ، حذَّرَ أصحابهُ منهُ، بل مما يفضي إليه في قولهِ : (( إياكم والجلوسِ في الطرقات، ثُمَّ قال: فإذا أبيتم إلا المجالسَ فأعطوا الطريق حقها، قالوا: وما حق الطريق، قال: غضُّ البصرِ، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، وأمرٌ بالمعروف ونهيٌّ عن المنكر )) ، هذا مع أنَّ طُرقاتِ المدينةِ لم تكن كطُرقاتِ المسلمين اليوم، مليئةً بالتبرجِ والسفور، ومظاهرَ الإغراءِ والفتنةِ، وإنَّما كانَ النظرُ بهذهِ الدرجةِ من الخُطورةِ لأنَّهُ يتبعهُ ما بعده، فحين ينظُرُ المرءُ نظرةً محرمة، تُرتسمُ الصورةُ في قلبه، ويُزينُها الشيطانُ له، فيُثيرُها في كلِّ موقف، وحين يخلُو بنفسهِ ويأوي إلى فراشهِ يعيدُ الشيطانُ الصورةَ في ذهنهِ، فيتذكرُها، ويُفكرُ فيها، ويطولُ معهُ التفكيرُ حتى يُصبحُ له ديدناً وشأناً، وحين يطولُ التفكيرُ بصاحبهِ، ويستولي عليهِ، فقد يتطورُ به الأمرُ إلى التفكيرِ بالفعلِ والممارسةِ، وتبدأُ المسألةُ من كونها مجردُ أفكارٍ، إلى أن تتحولَ إلى نيةٍ، ثُمَّ إلى تخطيطٍ وعزيمةٍ، ثمَُّ إلى الوقوعِ ربما في الفاحشةِ والفساد، فإن لم يكن كذلكَ، فقد يؤدي به إلى ممارسةِ العادةِ السرية،والوقايةُ خيرٌ من العلاج.
يا معشر الشباب: إنَّ الشهوةَ نارٌ لا يشتدُّ أوارها إلا بالتساهلِ في أسبابها ومُوقِّداتها، فكيف يسلمُ من داءِ الشهوةِ من يتساهلُ في مُشاهدةِ الأفلامِ والمسلسلات، أو متابعةِ القنواتِ بحُجةِ الأخبارِ والمناظرات، وكيفَ ينجو من نارِ الشهوةِ من يسمعُ الغناءَ، أو يرتادُ تجمعاتِ النساء، وكيفَ يسلمُ من داءِ الشهوةِ من يُقلبُ المجلاتِ الهابطة، أو يُشاهدُ القنواتِ الساقطة 0
يا معشرَ الشباب : لا تغتروا بالتزامكُم، ولا تُعجبوا بأعمالكم، ولا تأَمنوا مكرَ الله، فأولُ داءٍ يسري إلى نُفوسِ الصالحين، هو العجبُ والغرورُ بالطاعةِ، فإذا استحكمَ هذا الداءُ فهو علامةٌ على تسلطِ شهوةِ حبِ النفسِ، ونذيرُ خطرٍ بأنَّ هذهِ الشهوةِ الخفيةُ تُمهدُ الطريقَ لتسَلطِ الشهواتِ الأخرى 0
لقد تساهلَ شبابٌ صالحون بالنظرِ إلى النساءِ عبرَ القنواتِ الفضائية، وتساهلَ آخرونَ في مُشَاهدةِ مواقعَ الإنترنت الفاضحة، وتساهلَ فئةٌ في قراءةِ صحفٍ ومجلاتٍ ساقطة، كلُّ ذلك اعتماداً على قاعدةِ الالتزام، ولعمرُ اللهِ ذاكَ بابٌ خطير، ومزلقٌ عظيم، تساقطَ فيه أخيارٌ، وزلَّ فيه عُبادٌ أطهار، إنَّهُ لا يأمنُ مكرَ اللهِ إلاَّ القومُ الخاسرون، ومن حامَ حولَ الحمى يُوشكُ أن يقعَ فيه، تلك معاشرَ الشبابِ لفتةٌ سريعةٌ إلى الداءِ الأعظم، والمشكلةِ الكبرى، قد صورت لكم الداءَ ومصدره، ويبقى الأهمُّ، وهو السبيلُ للخلاصِ، والطريقُ لمواجهةِ هذه الشهوةِ، وللسلامةِ من آثارِها وأخطارها، إنَّهُ لا يغفرُ الذنوبَ إلا الله، فاستغفروا اللهَ يغفر لكم، إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم 0
الخطبة الثانية
أمَّا بعد:
يا معشرَ الشباب: أُدركُ أنكم في زمنٍ تواجهون فيه تياراً جارفاً، وطوفاناً هادراً من الشهوات، يلاحقُكم أينَّما كنتم، وحيثما حللتم، حتى ليقولُ القائل: وماذا تُجدي المواعظُ والخطب، إنَّكم تقولون للشبابِ كُن صيناً وعفيفاً، وهو يخرجُ فيسمعُ إبليسَ يخطبُ بلغةِ الطبيعةِ الثائرةِ في السوقِ، على لسانِ حالِ المرأةِ المتبرجة، وفي الحدائقِ، وعلى السواحلِ على لسانِ النساءِ السافرات، وفي القنواتِ الإعلامية، على لسانِ المناظرِ المتهتكةِ المثيرة، وفي المكتبةِ بل والبقالةِ على لسانِ الجرائدِ والمجلاتِ المصورة، والرواياتِ الغراميةِ الماجنة، وفي المدارسِ والشارعِ على لسانِ أصحابهِ المستهترين، بل وفي جوارِ بيتِ الله، حيثُ النساءِ اللاتي لم يأتينَ يبغينَ حجةً ولا عُمرةً، ولكن ليفتنَّ الشبابَ المغفل، إنَّ الشبابَ تتعبدهُ الشهوةُ فيخضعُ لها، لأنَّ سهامها تَنصَبُّ عليه من كلِّ جانب، فلا يطيقُ أن يتقيا، فيُصورُها لهُ خيالهُ عالماً مسحوراً عجيباً، وجنةً فتانةً غرينة، فيتمنى دخولَها، فلا يجدُ من دونها حجاباً، بل يجدُ من يسوقهُ إليها، ويُحفِزُهُ عليها، فلا يخرجُ منها أبداً، ولا عليه إن ماتتِ الأمةُ أو عاشت، فهل من علاجٍ لهذا الداء 0
يا معشر الشباب: إنَّ العلاجَ هينٌ ميسور، والعقاقيرُ دانيةً، لا ينقُصها إلا يدٌ تمتدُ إليها، فتأخُذُها لتكونَ سبباً في الشفاءِ، بإذنِ ربِّ الأرضِ والسماء 0
إنَّ أقوى علاجٍ لشهوةِ الجنسِ ولكلِّ الشهواتِ، قوةُ الإيمانِ باللهِ- تبارك وتعالى- فالإيمانُ سلاحُ المؤمنِ في مواجهةِ ما يُضلهُ من الشهواتِ والشبهات، فلا بُدَّ من تربيةِ النفسِ على الخوفِ من الله، ومراقبتهِ في السرِّ والعلانية 0
إنَّ المؤمنَ إذا تربى على الإيمانِ بالله- سُبحانهُ وتعالى- ومراقبتهِ في السرِّ والعلانيةِ، وخشيتهِ في المنُقلبِ والمثوى، فإنَّهُ يُصبحُ إنساناً سوياً، وينشأُ شاباً تقياً، لا تستهويهِ مادةٌ، ولا تستعبدهُ شهوةٌ، ولا يتسلطُ عليه شيطانٌ، ولا تعتلجُ في أعماقهِ وساوسُ النفسِ الأمارةِ، فإذا دعتهُ امرأةٍ ذاتَ منصبٍ وجمال، قال: إنِّي أخافُ اللهَ ربَّ العالمين، وإذا وسوسَ لهُ شيطانٌ، قال: ليس لكَ عليَّ سلطان، وإذا زينَّ لهُ قُرناءَ السُوءِ طريقَ الفحشاءِ والمنكرِ، قال: لا أبتغي الجاهلين 0
أخي الشاب:حينما تُغلق عليك بابكَ، ولا يراكَ أحدٌ، وتتحركُ كوامنَ الشهوةِ في نفسكَ، فتبحثُ لها عن متنفسٍ غير شرعي، تذكر حينها أنَّ اللهَ عز وجل في تلكَ الساعةِ يراكَ، ويعلمُ ما في نفسكَ، وما تُخفي في صدرك : ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)) (غافر:19) .
وإذا خلوتَ بريبةٍ في ظلمةٍ والنفسُ داعيةً إلى الطغيانِ
فاستحيِ من نظرِ الإلهِ وقُل لها إنَّ الذي خلقَ الظلامَ يراني
أخي الشاب: ولكي تأمنَ غوائلَ الشهوةِ، تذكر يومَ وقُوفكَ بين يديِّ اللهِ تباركَ وتعالى، وأنكَ ستلقى اللهَ يومَ تُبلى السرائر، يومَ لا يخفى من الناسِ خافية، تذكر شهادةُ الملائكةِ عليكَ بما فعلت، (( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ، كِرَاماً كَاتِبِينَ ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)) (الانفطار:10، 11، 12) , وتذكر شهادةُ جوارحك، (( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) (فصلت:20) ، وتذكر شهادةُ الأرضِ بما عليها، قد فعلتَ (( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا)) (الزلزلة:4) .
، إنَّ من يتذكرُ ذلك ويُوقنُ به، فلن تحدثهُ نفسُهُ، أو تسوِّلُ لهُ بعملٍ يُسخطُ ربهُ، وشهوةٍ محرمةٍ تُغضبُ خالقه0
أخي الشاب: إذا حدثتكَ نفسُكَ باقترافِ شهوةٍ، فتذكر أنَّها لذةُ ساعةٍ ثمَّ تنقضي، وتعقُبُها الحسراتُ والزفراتُ.
قال ابنُ الجوزي : (( إنَّ الهوى يَحولُ بين المرءِ وبين الفَهمِ للحال، فلا يرى إلاَّ قضاءَ شهوتهِ، ولو ميَّزَ العاقلُ بين قضاءِ وطرهِ لحظةً، وانقضاءِ باقي العُمرِ بالحسرةِ على قضاءِ ذلكَ الوطرِ، لما قربَ منهُ ولو أُعطي الدنيا، غيرَ أنَّ سكرةَ الهوى تحولُ بينهُ وبين ذلك، آهٍ كم من معصيةٍ مضت في ساعتها، كأنَّها لم تكُن، ثمَّ بقيت آثَارُها، وأقلُّهَا ما لا يَبرحُ ولا يَزولُ من المرارةِ في الندمِ والهزيمةِ، أمَّا الشهوةُ :
تفنى اللذاذاتُ ممن نالَ صفوتَها من الحرامِ ويبقى الإثمُ والعارُ
تبقى عواقبُ سُوءٍ في مغبتِها لا خيرَ في لذةٍ من بعدها النارُ
أخي الشاب: أغلقِ البابَ الذي تُشمُ فيهِ روائحَ الشرِّ، بالبعدِ عن المثيراتِ، فالصورِ ومشاهدةُ الأفلامِ، والبحثُ عن المواقعِ الهابطةِ، والتساهلُ في قضايا مُشاهدةَ الصورِ، والمحادثاتِ وتبادلَ الرسائلَ الإلكترونيةِ وغيرها، هي من أبوابِ الشرِّ، والبعدُ عنها وقايةٌ للنفسِ من غوائلِ الشهوةِ وشرورِها 0
يا أخي الشاب: إذا علمتَ أنَّ قرينَ السُوءِ، هو المُزيِّنُ للشهوةِ، والمُسَهِلُ للفاحشةِ، فهل فكرتَ بجدٍ وأنتَ تُريدُ طاعةَ اللهِ، أن يكونَ لكَ قرينُ خيرٍ، يبقى لكَ ودُّهُ ونفعُهُ دنيا وأُخرى، (( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)) (الزخرف:67) .
يا أملَ الأمةِ: إذا حدثتكَ نفسُكَ أن تُذهبَ دِينَك، وتُرِيقَ ماءَ حياتِك وعفتِكَ، بلذةٍ مُحرمةٍ فتذكرْ أنَّكَ بذلكَ تُحرم نفسكَ ما هو خيرٌ وأبقى، وأتقى وأنقى، إنَّهُنَّ الحورُ العين، اللاتي لو اطلعت إحدَاهُنَّ على أهلِّ الأرضِ، لملأت ما بينهما ريحاً ونوراً، ولَنَصِيفُها على رأسها خيرٌ من الدُنيا وما فيها 0
إنَّ ثَمنَ العِفةِ، وجزاءُ الصبرِ على المغرياتِ، جنةٌ فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أُذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلبِ بشر، ((وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً)) (الإنسان:12) .
، أ فتستبدلونَ الذي هو أدنى بالذي هو خير، لمَّا ذكرَ اللهُ شهواتِ الدُنيا وزينتها، قالَ بعدهُ : (( قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)) (آل عمران:15) 0
يا معشرَ الشباب: احذروا الاستهانةَ بالذنبِ ولو صَغُر، فلا صغيرَ مع إصرار، والنظرةُ المُحرمةُ تورثُ الحسراتِ والزفرات، والعينُ تزني وزناها النظر، ومن هُنا أقولُ للشبابِ الملتزمِ: كم نُخَادِعُ أنفسَنَا حينما نُبيحُ لها في السفرِ ما نعتبرُهُ نَحنُ عندَ غَيرِنا إحدى الكِبر 0
ما الذي يُبيحُ لنا مُشاهدةِ الدُشوشِ ونحنُ نُحذِّرُ منها، أفي أمنٍ نَحنُ من مكرِ الله، أو نظُنُّ أنَّ عقوبةَ الذنبِ هي خَسُفٌ ومسخٌ فقط، أوَ ليسَ في قُسوةِ قُلوبِنَا، وحرمانِنَا من لذةِ الطاعاتِ أعظمُ عقوبةً، فلا تأمنْ غبَّ الذنبِ ولو بَعدَ حين 0
يا معشرَ الشباب: الشهوةُ تَبدَأُ بخاطِرةٍ، فَدَافعها قَبلَ أن تُصبِحَ فكرةً، فإن صارت فكرةً فدافعها قبلَ أن تصيرَ إرادةً، فإنَّ صارتْ إرادةً فدافعها قبلَ أن تُصبحَ همةً، فإن صارت همةً فدافعها قبلَ أن تُصبحَ فعلاً، فإن أصبحتْ فعلاً فدافعها قبلَ أن تُصبحَ عادةً مُستحكمة، يصعُبُ فِراقُها 0
وأخيراً يا شبابَ الإسلام: إنَّ من يعرفُ الداءَ لا يُعجِزَهُ البحثُ عن الدواء، إذا تسلحَ بالإرادةِ القويةِ والعزيمةِ الصادقة، وإذا أحسَّ بخطورةِ هذا الداءِ وسعى إلى دوائهِ، وإذا التجأَ إلى اللهِ ودعاهُ كما دعاهُ الصالحون المستغفرون، وإذا عمرَ وقتهُ بالمفيدِ، وشغلَ نفسهُ بكلِّ عملٍ صالح، حينها يَسلمُ لهُ دينهُ، ويبقى لهُ شَرفهُ وقَدرَهُ، وتسمُو رُوحَهُ، وتزكو نفسُهُ، ويَحظى برضا خالِقهِ وتوفيقه 0
معاشرَ المسلمين: إنَّ الحديثَ إلى الشبابِ، لا يَعني أننا نُطالِبُهم أن يَكُونوا ملائكةً مقربين، ولا أنبياءَ معصومين، فهم بشرٌ يقعُ منهمُ الخطأُ والجنوحُ عن الحقِّ، مَثَلُهُم كمثلِ بقيةِ فئاتِ المُجتمعِ، وكلُّ ابنُ آدمَ خطاء، وخيرُ الخطائين التوابون، لكنِ المطلوبُ أن يكونَ الشبابُ في الموقعِ الصحيح، فإنْ أخطأَ حاسبَ نفسهُ، وحاكمَ تَصرُفهِ، وتابُ إلى ربهِ، وعادَ إلى رُشدِهِ، وقبِلَ حُكمَ اللهِ ورسولهِ على فعالهِ، وفي ذاتِ الوقتِ يجبُ على أبناءِ المجتمعِ أن يعلموا، أنَّ الشبابَ إذا أخطأُ، أو صدرت منهُ هفوةٌ، أو وقعَ مِنهُ ذنبٌ، لا يعني أنَّهُ مغموسٌ في الإثمِ، وميئُوسٌ من حياتهِ ومستقبله، ما دامَ غير َمُصرٍ على عملهِ، ولم يستمر في انحرافهِ، كما أنَّ الحديثَ إلى الشبابِ لا يعني براءةَ غيرهم، كما لا يَعني العُمومِ والشُمولِ، والإحاطةِ واليأسِ، ففي الأمةِ شبابٌ مستقيمٌ نجا بفضلِ اللهِ ورعايتهِ، من غوائلِ الشهوةِ وشُرُورِها، إنَّهم نماذجُ فذَّة، وفتيةٌ آمنوا بربهم، وزادهم هُدى.
وإلى هُنا أجِدُنِي مضطراً لإيقافِ الحديثِ عن قضايا الشبابِ مؤقتاً، بعدما وجدتَني في بحرٍ لُجيٍّ، وعالمٍ من القضايا الشائِكةِ، وذلكَ لأتنفسَ الصعداءَ، ولأُريحَ الخاطرِ، وأُبعِدَ عن وادي اليأسِ، وبحرِ المتناقضاتِ، واللهُ وحدَهُ المُؤمَلُ والمسؤولُ، أن يُحَبب لنا ولشبابِنا الإيمانَ ويُزَيِّنهُ في قُلوبنا، ويُكَرِهَ لنا ولهم الكُفرَ والفسوقَ والعصيان، وأن يجعلنا وإيَّاهم من الراشدين
ـــــــــــــــــــ(47/132)
من يوقف نزيف الغفلة ؟؟
الصفحة 1 لـ 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله .. أمَّا بعد ..
يعيشُ المسلمون في هذا الزمنِ، حالةً من الاستضعافِ والإذلال، ويُمارسُ هذا الاستضعافُ والاستذلالُ بكلِّ وقاحةٍ، وبدونِ مواريةٍ من حاميةِ الصليبِ، لإخضاعِ المسلمين لمُخططهم، الذين يريدونَ من ورائهِ إزهاقُ الروحُ الإسلاميةِ الحقَّة، والإتيانُ بروحٍ إسلاميةٍ على مواصفاتهم، وخاضعةً لمطالبهم .
التفتْ إلى المسلمين هُنا وهُناك، في الشرقِ والغربِ، في الشمالِ والجنوبِ، لتراهُم بين قتيلٍ ومقهورٍ، ومأسورٍ ومستعبد .
أنَّى التفتَ إلى الإسلامِ في بلدٍ تَجدهُ كالطيرِ مقصوصاً جناحاهُ
ففي كشميرٍ دماءٌ وأشلاءْ، على أيدي الهندوسية الوثنية، وفي أفغانستانِ قتلٌ ودمار، على يد راعيةَ الصليبِ وأعوانها، وفي الشيشانِ بلادٌ خاويةٌ، وبيوتٍ أشبهُ ببيوتِ الأشباحِ، قد هدها القصفُ، ودمرَّها العُدوان، وفي الفلبين يُمارسُ أنواعُ الاستذلالِ والقهرِ للشعوبِ المسلمةِ هُناك برعايةٍ أمريكية، وفي تركستانِ الشرقية في بلادِ الصين، يصطلى المسلمون هَناك بنارِ الوثنيةِ الحاقدة، ويَواجهونَ أشدَّ أنواعِ القمعِ والقهرِ، والاستبداد وإلغاءِِ الحقوق .
وأخيراً: ما يشهدُهُ المسلمونَ في العراقِ، من قتلٍ وظُلمٍ، ونهبٍ وسلبٍ، ومصادرةٍ للحقُوق، وسرقةٍ للخيراتِ، بأيدي راعيةَ الصليبِ وحلفائِها ، نعم يعيشُ المسلمون هذا ويرونَهُ بأمِّ أعينهم، ولا يجهلونَ شيئاً من ذلك، ولكنَّهم ورغمَ ما يَرونَ يَعيشونَ في غفلةٍ تامةٍ على كافةِ الأصعدةِ والميادينِ، وليت الأمرُ من الأعداءِ يتوقفُ عند هذا الحدِ، بل إنَّ الأمرَ يتجاوزُ ذلكَ بكثير، فما كانوا يُخفونهُ بالأمسِ، أصبحَ ظاهراً لا يَخفى اليومَ، وما كان حُلُماً في الماضي أصبحَ واقعاً ملموساً اليومَ، فإنَّ أطماعَ أمريكا في المنطقةِ باتَ واضحاً لكلِّ ذي عينٍ، والذي حدثَ في العراقِ، أظهرَ الوجهُ الأمريكي على حقيقتهِ، وما تُمارسُهُ في العراقِ، أشبهُ بعصابةٍ تريدُ نهبَ خيراتِ البلدِ، والاستئثارِ بثرواته، فقد فتحتِ المجالَ للشركاتِ الأمريكيةِ، لإعمارِ العراق دونَ غيرهَا، وهاهي تأخذُ علماءَ العراقِ لتفيدَ منهم، لتقويةِ ترسانَتها العسكرية، وأعظمُ من ذلكَ كلهِ، تريدُ مسخَ الهويةِ الإسلاميةِ للشعبِ العراقي، وأن تُوجدَ حكومةً علمانيةً لا تُفرقُ بين الأديانِ ولا العقائدَ، وتُدينُ بالولاءِ المطلقِ لأمريكا، ولحليفتها إسرائيل، والأدهى من ذلك أنَّها تفتحُ المجالَ على مصراعيهِ للحملات التنصيرية، وتمنعُ الحملاتِ الإسلاميةِ من مباشرةِ دعوتها، فقد فتحتِ القواتُ الأمريكيةَ الطريقَ لأكثرِ من ثمانمائةَ منصرٍ في الدخولِ للعراقِ، لبثِّ دعوتهم النصرانيةٌ الكافرة، بل فتحتِ المجالَ لليهودِ، لتهويدِ الشعبِ العراقي، وبثَّ الصهيُونيةِ في أوساطِ العراقيين .
ولن ينتهي دَورها في حُدودِ العراقِ فحسب، بل إنَّ مطالبها سَتُطالُ دولَ الجوار، وستُمارسُ ضُغوطها على الدُولِ العربيةِ، ولقد أصبحَ سقُوطُ النظامَ البعثي ورقةً رابحةً، تُهددُ بها أمريكا كُلُّ من يفكرُ عصيانها، أو الوقوفُ في وجهها ، ولذا فلا نستبعدُ أبداً أن تتدخلَ أمريكا عسكرياً في حلِ النزاعِ الإسرائيلي الفلسطيني، فإنَّ الحُكُومةَ الجديدةَ التي رسمتها أمريكا، والتي جعلت من بُنودها ضربَ الجهادِ، ومصادرةَ الأسلحةِ من المجاهدين، فلا نستبعدُ أبداً وقد أملى اللهُ لها، وانتصرت على النظامِ البعثيِّ في العراقِ، أن تخوضَ الحربُ على هؤلاءِ المجاهدين ، خاصةً وقد جعلتْ منظميْ حماس والجهادِ من المنظماتِ الإرهابية، والذي سوَّغَ خَوضَ الحريةِ في أفغانستانِ والعراق، سيُسوغُها في فلسطينَ أيضاً، وما وصولها وسيطرتَها على العراقِ إلاَّ حلقةً ستتبعُها حلقاتٍ من فرضِ سياساتها، وإملاءِ شُرُوطِها ومطالبها، والويلُ لمن يعص الأوامرَ، فإنَّ الصبرَ محتومٌ، والنهايةُ معلومةٌ .
نعم يعيشُ المسلمون هذا ويَرونَهُ بأمِّ أعينهم، ولا يجهلونَ شيئاً من ذلك، ويعلمون يقيناً أنَّ التغييرَ الذي طالَ على غيرِهم سيُطالُ عليهم، ويُطالُ على بلادهم بلا شكٍ، ويسمعونَ التقاريرَ التي تُنشرُ من الإداراتِ التابعةِ لأمريكا بين الحينِ والآخر، بالضغطِ على الشعوبِ المسلمةِ، التي تُفَرِّخ الإرهابَ وتُشجعُه، وخاصةً هذا البلدُ المبارك، مأوى العلمِ ومأرَزُ الإيمانِ، ومصدرُ المجاهدين، وفي أمنِيَّاتهِ يعيشُ العلماءَ الصادقون، والدعاةُ المصلِحُون، والأبطالَ الغيورين، ولذا فستُفرِضُ أمريكا مطالبها على هذا البلدِ، والتي باحت بها ألسنتهم وتقاريرهم، فمِن مطالِبهم، نشرَ التسامحَ الديني ، بإقامةِ الكنائسِ والمعابدِ للأديانِ الأُخرى، ومن مطالبهم إعادةُ النظرِ في المناهجِ التعليميةِ، وإعادةُ صياغتها، وتقليلُ حدَّةِ العداءِ من الكافرين، وإذابةُ عقيدةَ الولاءِ والبراءِ ، وحذفُ ما يتعلقُ بالجهادِ والمجاهدين، ويبارِكُ هذا المخططِ، أفراخُ الاستعمار، من أهل العلمنةِ في كلِّ ميادينهم، ومنها اللقاءاتِ والحواراتِ، والمُهاتراتِ الصحفيةِ، فيقولُ قائِلُهم عليه من اللهِ ما يستحق، يجبُ علينا أن نُعيدَ النظرِ في تفسيرِ النصوصِ المقدسةِ، حتى لا تولدَ الإرهابُ .
ومن مطالبهم أيضاً، تغريبُ المرأةِ ونزعِ حجابها، وإقحامِها في ميادينِ الرجالِ سافرةً، غيرَ محتشمةً، ويُباركُ هذا أيضاً، أفراخُ الاستعمارِ مرةً أُخرى، ومن مطالِبهم الإجهازُ على المؤسساتِ الخيريةِ الدعويةِ، واعتبارِها منظماتٍ إرهابيةٍ، وتقليصِ نشاطها، ليبقى نشاطاً إغاثياً فحسب، إلى غيرِ ذلك من إزهاقِ الروحِ الإسلاميةِ لهذا البلدِ المُبارك، ونحنُ أيَّها الإخوةُ في الله، لا نستغربُ ذلكَ منهم، بل لا نتوقعُ منهم إلاَّ ذلك، كيفَ لا وقد أخبرَنا رَبُنا تبارك وتعالى عن ذلك، فقالَ : (( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)) (البقرة: من الآية217) وأنبأنا سبحانهُ عن مساعِيهم في كلِ زمانٍ ومكان، فقالَ : (( وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً )) (النساء: من الآية89) ونعلمُ يقيناً أنَّ هذا الكلامُ الذي يخرجُ من أفواههم ما هو إلا بعضُ ما في قلوبهم، وصدقَ اللهُ إذ يقولُ : (( قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)) (آل عمران: من الآية118) .
نعم لا نستغربُ ذلك ولكن تُصيبُنا الدهشةَ ؟، وتعقِدُ ألسنتَنَا الحسرةُ، ما نراهُ من المسلمين إلاَّ من رحمَ اللهُ مِن بُرودةِ أعصابٍ، وموتٍ للقلبِ، وغفلةٍ تامةٍ في كافةِ الميادينِ والأصعدةِ ، وهُم يرونَ هذا الكيدَ يحيقُ بهم من كل جانب، يرونَ دينهم تَطالُهُ أيدي المجرمين والكافرين، ويرونَ أعراضهم تُنتهكُ هُنا وهُناك، وهم يعيشُون لأنفسهم، والمهتَّمُ منهم من يُتابعُ الأخبارَ كلَّ صباحٍ ومساء ، ثمَّ هو بعدَ ذلك غارقٌ في لهوهِ وضياعه .
أينَ شبابَ الأمةِ الذين ذابوا تقليداً للشرقِ والغربِ ؟
أينَ شبابَ الأمةِ الذين ضاعوا في عالمِ المخدراتِ والمسكرات ؟
أينَ شبابَ الأمةِ الذين لا همَّ لأحدهم إلاَّ الصورةَ الفاتنةَ والأغنيةَ الماجنةَ ؟
أينَ شبابَ الأمةِ الذين مُزِقَتْ طُموحاتهم وتطلُعاتِهم على مُدرَّجاتِ الملاعبِ وساحةِ الاستعراض ؟
أينَ شبابَ الأمةِ الذين نُحرت بُطُولاتِهم وغيرتَهُم على هذا الدين؟ على أعتابِ شاشاتِ القنواتِ الفضائيةِ والمحطاتِ الإباحيةِ .
أينَ شبابَ الأمةِ الذين كانوا في السابقِ يحمون البلادَ، يذودونَ عن الدين ويرخصون دماءَهم ليبقى الدين كله لله ؟
إلى هذا الحدِّ صاروا، وإلى هذا المستوى من موتِ القلب والغفلةِ وصلوا، لا ننسى أبداً، ولن ينسى المسلمون، ولن ينسى التاريخُ ، ولن يغفرها الزمن، تلك الجماهيرُ المشجعةِ، والذين زادَ عددُهم على خمسين ألفَ مشجعٍ ، وفي المقاهي ما يُضاهي ذلك، وتتعالى صيحاتُ المشجعين، وتصفيقُ المشاهدينَ على مباراتهم، بينما يعلقُ في غضونِ ذلك سقوطُ بغدادَ في أيدي القواتِ الأمريكيةِ الظالمة، ناهيك عن العروضِ التي قامَ بها الشبابُ بعد ذلك، من رقصاتٍ في قارعةِ الطرق، ورفعٌ لأعلامِ النوادي، بينما بغدادَ ترزحُ تحت ضيرِ الاستعمار الأمريكي .
يا لها من مأساةٍ!! ولمأساتنا في حالِنا، وما آلَ إليه شبابُنا وأبناءُ أمتنا، أشدَّ في نفُوسِنا من سُقوطِ بغداد، لأنَّه لو بقيت الغيرةُ والتضحيةُ في شبابنا، لقُلنا إن سقطت بغدادُ فيُوشَكُ أن تعُودَ، ولكن إذا سقط الشبابُ فمن سيُعيدُهم ؟؟
ولئِن كان أهلُ التاريخِ عابوا على علماءِ أهلَ الأندلسِ يومَ أن هاجمها الصليبيون، أنَّهم مشتغُلون بمسائلٍ فرعيةٍ فقهيةٍ نادرة، عن دفعِ العدوِ الجاثمِ على أرضهم، فكيفَ ستكونُ شهادةُ التاريخِ على هذه المأساةِ، في سقوطِ بغدادِ مع انشغالِ المسلمين.
من ينصُرُ هذا الدين إذا تخلى عنه أتباعُه ؟ عارٌ واللهِ يا أمةَ الإسلامِ أن تعيشَ اليهودُ وهُم أهلُ دينٍ مُحرفٍ باطل، هَمُهُم الحربُ والقتالُ، والدفاعُ عن مطالبهم وعقائِدهم ، ويحبذون الشباب لذلك ، ويعيشُ أحدُهُم ولا هَمَّ لهُ إلاَّ تقويةُ إسرائيلَ، وتحقيقِ أحلامها، ويبقى أهلُ الإسلامِ، أهلُ الحقِّ ، أهلُ الدِّينِ الخالدِ الحق، مشغولين بتوافهِ الأُمورِ، عارٌ واللهِ أن يعيشَ النصارى همَّ الحربِ، ويقُودُونَ الحربِ على المسلمين، وينادي طاغيةُ العصرِ بأنَّ الحربَ صليبيةٌ، ويلبسُ لباسَ الرهبانِ، حاثاً النصارى على إقامةِ الصلواتِ والدعوات، لكي ينتصروا في حربهم، وأن يبقى المسلمونَ أهلُّ الحقِّ، يلهثونَ وراءَ الأُغنيةِ والمجلةِ، والمعاكساتِ والمباريات، دونَ إعدادِ العُدةِ لصدِّ العدوِ، والذودُ عن حياضِ المسلمين .
أيَّها الإخوةُ: دَعُونا ننقُدُ أنفُسنا، دعُونا من الحُكوماتِ والسياساتِ، ماذا فعلت؟ لا بل نحنُ ماذا فعلنا قبلَ ذلك ؟ ما هُو مدى استعدادُنا لهذهِ الهجمةِ التي ستُطالُ كلَّ بلدٍ مسلم، وخاصةً هذا البلدُ المُبارك ؟ ما حجمُ الحدثِ وما حجمُ تفاعُلِنا معه ؟ دعُونا من إلقاءِ اللائمةِ على فلانٍ وفلان، أو على جهةٍ هُنا وهُناك، كلُّ إنسانٍ مسئولٌ عن نفسهِ ماذا فعلَ، ليُقاومُ هذا التيارُ النصرانيُّ الجارف ؟ إننا بكلِ صراحةٍ أيَّها الإخوةُ، نعيشُ في غفلةٍ تامةٍ ، ونتعامى عن الواقعِ، ونتشاغلُ عنه بتوافهِ الأُمورِ .
يا ويحَنا ماذا أصابَ رِجَالُنا *** أو ما لنا سَعدٌ ولا مِقدادُ
نامت ليالي الغافلين وليلُنا *** أرقٌ يُذيبُ قُلوبَنا وسُهادُ
سُلتْ سُيوفُ المعتدينَ وعَرْبَدت *** وسُيُوفُنا ضاقت با الأغمادُ
أهُو القُنوطُ يَهدُّ ركنَ عزيمتي *** وبهِ ظُلمَ مخاوفي تزدَادُ
يا ليلُ أمَّتِنَا الطويلُ متى نرى *** فجراً تُفرَّدُ فوقَهُ الأمجادُ
أجدَادُنا كتبوا مآثرَ عِزِّها *** فمحا مآثِرُ عِزِّها الأحفادُ
ترعى حِماها كلَّ سائبةٍ وفي *** تمزِيقِها يتجمعُ الأضدَادُ
تُصغي لأُغنيةِ الهوى فنهارُهَا *** نومٌ ثقيلٌ والمساءُ سُادُ
دَعنَا نُسافِرُ في دُرُوبِ إبَائَنا *** ولنا من الهِمَمِ العظيمةِ زادُ
ميعادنا النصر المبين فإن يكن *** موتٌ فعند الهنا الميعاد
دعنا نمت حتى ننال شهادة *** فالموت في درب الهدى ميلاد
نعم إنه مخطط ماكر من الأعداء يواكبه غفلة من المسلمين ، أما كيف نتصدى لهذا المخطط وكيف ننثر من رؤوسنا غبار الغفلة ، ونزيل من على أجسامنا دثار الخضوع والذل .. فهذا له موضوع قادم بإذن الله في المقالة القادمة بإذن الله ..
ـــــــــــــــــــ(47/133)
أساليب العلمانيين في تغريب المرأة
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد :
فقد أرشد الله – عز وجل – إلى تتبع المجرمين والنظر في أفعالهم وطرقهم في هدم هذا الدين ، فقال الله – سبحانه – {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}، وأمر الله - عز وجل – نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجاهد المنافقين ، فقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } ، وجهاد الكفار يشمل الحجة والسنان ، أما جهاد المنافقين فهو بالحجة والبيان ، لأن لهم حكم الإسلام فهم يتخفون ولا يظهرون ما يعتقدون . وقد فضح الله – عز وجل – المنافقين في كتابه الكريم في سور كثيرة : في سورة البقرة ، وسورة النساء ، وفي سورة التوبة التي سميت بالفاضحة حتى قال بعض الصحابة – رضي الله عنهم - : ما زالت سورة التوبة تنزل {ومنهم } {ومنهم } حتى ظننا أنها لا تبقي أحداً . وفي سورة الأحزاب بيان عن مواقفهم وقت الشدائد ، وسمّى الله – عز وجل – سورة في كتابه الكريم عن هذه الفئة ، وهذه الفئة مهما تخفت فإن الله – عز وجل – يظهر ما تضغنه صدورهم وما تبطنه قلوبهم : {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} فهي فئة مفضوحة ، يفضحها الله – عز وجل – ويظهر خباياها ليعرفها الناس ولا ينخدعوا بها وكل إناء بما فيه ينضح .
والتعرف على هذه الفئة وعلى أساليبها وطرقها في محاربة الأمة ومحاولتها تقوض دعائم الإسلام يعد من الأهمية بمكان ، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - : إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية .
فيظهر أهل الجاهلية من أجل تقويض عرى الإسلام فلا يقبل منهم أهل الإسلام ذلك لمعرفتهم بهم وبجاهليتهم .
من الدين كشف الستر عن كل كاذب وعن كل بدعي أتى بالعجائب
ولو رجال مؤمنون لهدمت صوامع دين الله من كل جانب
ولهذا كان لابد من دراسة أساليب الفئة العلمانية في تغريب الأمة كلها والمرأة بوجه خاص لنبتعد عن هذا الشر وهذا الوباء الذي ينذر كارثة عظيمة على الأمة المحمدية .
ولابد أيضاً أن يعلم كل مسلم أن الفئة العلمانية هي الخطر الأكبر المحدق بهذه الأمة ، وهو يعمل على تغريب هذه الأمة وإبعادها عن دينها .
وهذه الكلمات في أصلها محاضرة ألقيت في الرياض بتاريخ 29/4/1414هـ ثم أجري عليها بعض التعديل وأعان على ذلك بعض الأخوة فلهم جزيل الشكر وما كان فيما ذكرت من صواب فمن الله وحده وله الحمد والفضل وما كان فيه من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان . وأرجو من كل أخ في الله رأى خطأ أو استدرك أمراً أو توصل إلى معلومة أن يناصح أخاه فالدين النصيحة بما عنده وأنا له داع وشاكر والتعاون على البر والتقوى واجب شرعي .
{ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
كتبه العبد الفقير إلى ربه العلي القدير
بشر بن فهد البشر
لماذا المرأة ؟
يتبادل إلى أذهان الجميع لماذا التركيز على المرأة من قبل الغرب ومن قبل إتباعه المستغربين العلمانيين ؟
والسر أن هؤلاء قد فطنوا لمكانة المرأة الأساسية ودورها في صنع الأمة وتأثيرها على المجتمع ولذلك أيقنوا أنهم متى ما أفسدوا المرأة ونجحوا في تغريبها وتضليلها فحين ذلك تهون عليهم حصون الإسلام بل يدخلونها مستسلمة بدون أدنى مقاومة .
يقول شياطين اليهود في بروتوكولاتهم : علينا أن نكسب المرأة ففي أي يوم مدت إلينا يدها ربحنا القضية .
ولذلك نجح اليهود في توجيه الرأي العام الغربي حينما ملكوا المرأة عن طريق الإعلام وعن طريق المال .
وقال آخر من ألد أعداء الإسلام : كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع فأغرقوها في حب المادة والشهوات .
وهذا صحيح ؛ فإن الرجل الواحد إذا نزل في خندق وأخذ يقاوم بسلاحه يصعب اقتحام الخندق عليه حتى يموت ، فما بالك بأمة تدافع عن نفسها ، فإذا هي غرقت في الشهوات ومالت عن دينها وعن طريق عزها استسلمت للعدو بدون أي مقاومة بل بترحيب وتصفيق حار .
ويقول صاحب كتاب تربية المرأة والحجاب : ( إنه لم يبق حائل يحول دون هدم المجتمع الإسلامي في المشرق – لا في مصر وحدها – إلا أن يطرأ على المرأة المسلمة التحويل ، بل الفساد الذي عم الرجال في المشرق )
ما هي العلمانية وما حكم هذه العلمانية ؟
العلمانية في الأصل يراد بها فصل الدين عن التدخل في تنظيم شئون الحياة ، فلا تتدخل الشرائع السماوية في تنظيم أمور البيع والشراء والمعاملات ولا في مسائل الاقتصاد والسياسة ومسائل الحرب والسلم ومسائل التربية والتعليم وهكذا ، هذا هو أصل كلمة علمانية عند الغرب ، فهي اللادينية ، والاعتراف والتعامل مع الشيء المشاهد ونفى الظواهر الغيبية وتدخلها في صياغة الحياة ، ولذا يسمحون بتدين الإنسان الشخصي ، أما أن يكون للدين تأثير في تدبير شئون الأمة فلا ، ثم انتقل هذا الوباء إلى الأمة المحمدية .
والعلمانية بالمفهوم الإسلامي أعم من ذلك المفهوم الغربي ، فلو وجد شخص ينادي بتطبيق شريعة الإسلام كلها إلا مسألة واحدة يرفضها مما أجمع عليه المسلمون ، وعلم من الدين بالضرورة فإنه يكون كافراً مرتداً ، فعلى سبيل المثال لو وجد شخص ينادي بتطبيق الشريعة في الحدود وفي الاقتصاد وفي السياسة وفي التعليم إلا أنه يقول يجب في الميراث أن نساوى بين الرجل والمرأة، فإنه بهذا يكون علمانياً في الحكم الشرعي، لأنه رد حكما معلوماً من دين الإسلام بالضرورة .
إذاً هذه هي العلمانية في اصطلاحنا حين نتحدث ، وحكمها بهذا الاصطلاح كفر أكبر مخرج من الإسلام لأنها تكذيب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وهي إشراك بالله ما لم ينزل به سلطاناً ، إذ أنها تجعل الحكم في بعض المسائل لغير الله وفي بعضها لله .
وهنا مسألة مهمة يلزم التنبيه عليها وهي الفرق بين الوصف وبين التعيين ، ففرق أن نقول : إن العلمانية كذا ، وأن القول بكذا وكذا علمانية ، وبين أن نقول إن فلاناً علماني فينبغي أن نفرق فقد يكون هذا الشخص قاله جاهلاً وقد يكون غرر به ، وقد يكون أخذ بقول شاذ وأنت لا تعرفه وهكذا . لكن من علم عنه أمر مع وجود الشروط وانتقاء الموانع حكم عليه بما يستحقه شرعاً من ردة أو غيرها . ثم ينبغي التنبيه إلى أن بعض المسلمين قد يفعل بسبب غفلته أو بسبب جشع مادي أو حتى بحسن قصد بعض ما يفعله أو يريده العلمانيون ، وقد يفعل ما يخدم أهدافهم ؛ فهذا الشخص لا يعد منهم – أي لا يقال عنه : علماني – ومع ذلك لابد من التحذير من عمله ، ولابد من بيان خطئه وخطره ، ولابد من نصحه ورده عن ما هو عليه .
التغريب
أما التغريب : فقد نشأت عند ساسة الغرب ومخططيه أيام الاستعمار بعد فشل بعض الحملات العسكرية فكرة شيطانية ، وهي أنه ينبغي أن تكون الجيوش الاستعمارية بعيدة عن المواجهات لأنها تثير ردود فعل عنيفة ، وأنه ينبغي عليهم أن يبذلوا الأسباب لتستسلم الأمم المسلمة للثقافة والحضارة الغربية بنفسها طواعية ، وبذلك نشأت فكرة التغريب ، وأساسها تذويب الشخصية المسلمة في الشخصية الغربية بحيث لا ترى إلا بالمنظور الغربي ، ولا تعجب إلا بما يعجب به الغرب ، وتبتعد عن قيمها وعقائدها وأخلاقها المستمدة من شريعة الإسلام وتعتنق هذه الديانة الجديدة التغريبية ، وتدخل في عجلة الاستهلاك الاقتصادي التي يروج لها الغرب ،( فبرامج التغريب تحاول أن تخدم هدفاً مزدوجاً ، فهي تحرس مصالح الاستعمار بتقريب الهوة التي تفصل بينه وبين المسلمين نتيجة لاختلاف القيم ونتيجة للمرارة التي يحسها المسلم إزاء المحتلين لبلاده ممن يفرض عليه دينه جهادهم ، وهي في الوقت نفسه تضعف الرابطة الدينية التي تجمع المسلمين وتفرق جماعتهم التي كانت تلتقي على وحدة القيم الفكرية والثقافية ، أو بتعبير أشمل وحدة القيم الحضارية ) ...... الخ(1).
فهذا هو التغريب : أي تذويب الأمة المحمدية بحيث تصبح أمة ممسوخة : نسخة أخرى مكررة من الأمة الغربية الكافرة ، غير أن هناك فرق فالأمة الغربية هي الأمة القائدة الحاكمة المتصرفة والأمم الأخرى هي الأمم التابعة الذليلة المنقادة لما يملى عليها ، فهذا هو التغريب .
وتغريب المرأة المسلمة جزء من مخطط شامل لتغريب الأمة في كل أمورها .
يقول الدكتور محمد محمد حسين – رحمه الله تعالى -(2) : وكانت برامج التغريب تقوم على قاعدتين أساسيتين – يعني عند المستعمرين الأولين : -
الأولى : اتخاذ الأولياء والأصدقاء من المسلمين وتمكينهم من السلطة ، واستبعاد الخصوم الذين يعارضون مشاريعهم ، ووضع العراقيل في طريقهم ، وصد الناس عنهم بمختلف السبل .
القاعدة الثانية : التسلط على برامج التعليم وأجهزة الإعلام والثقافة عن طريق من نصبوه من الأولياء وتوجيه هذه البرامج بما يخدم أهدافهم ويدعم صداقتهم .
بداية التغريب :
يؤرخُ لبداية الدعوة لتغريب المرأة المسلمة في مصر في أوائل القرن التاسع عشر ، ولحقتها بلاد العرب الأخرى بعد ذلك .
وكانت البداية أن رجلا اسمه رفاعة الطهطاوي ابتعث من قبل محمد علي باشا حاكم مصر في أوائل القرن التاسع عشر ، ورفاعة هذا من خريجي جامعة الأزهر ومؤهل تأهيلا شرعياً ، وقد ابتعث ليقوم بإمامة البعثة المصرية إلى فرنسا في الصلاة ومرشداً لهم ، ولكنه ما لبث أن ذاب وتأثر بالأفكار الفرنسية ، وفتن فتنة عظيمة ، وعاد إلى مصر ليعرض بضاعته الخبيثة فيها : داعياً للتغريب ، ورافعاً للواء تحرير المرأة ، ونحو ذلك من ركائز التغريب ، وألف كتاباً أودع فيه خلاصة إعجابه بالغرب ( فرنسا بالذات ) أسماه ( تلخيص الأبريز في تلخيص باريز ) ومما قاله فيه : ( السفور والاختلاط بين الجنسين ليس داعياً إلى الفساد ) .
ثم ظهر في عام 1894 م في مصر كتاب (( المرأة في الشرق )) يشن حملة على النظام الإسلامي مهونا الرقص والاختلاط ، ألفه رجل نصراني صليبي يدعى مرقص فهمي .
وبعد ذلك ظهر قاسم أمين الذي ولد في مصر ورحل إلى فرنسا ليتم تعليمه لينبهر بفرنسا كما انبهر رفاعة من قبل حتى صرح قاسم بأن أكبر الأسباب في انحطاط الأمة المصرية تأخرها في الفنون الجميلة : التمثيل والتصوير والموسيقى )(3) .
وقد ألف قاسم أمين كتاب ( تحرير المرأة ) عام 1899 م حمل فيه على الحجاب ودعا إلى السفور ، وذلك بترديد أن الحجاب عادة وليس تشريعا ، وقد تناول في كتابه أربع مسائل :
- الحجاب .
- اشتغال المرأة بالشئون العامة .
- تعدد الزوجات .
- الطلاق .
وذهب في كل مسألة إلى ما يطابق مذاهب الأوربيين زاعماً أن ذلك هو مذهب الإسلام .
وانجر في كتابه إلى التهكم بالفقهاء وعلماء الشريعة وقد ألبس آراءه هنا لباسا مخادعا حتى قال بعض معاصريه : ( ما رأيت باطلاً أشبه بحق من كلام قاسم أمين ) . وقد أوضح قاسم في مقدمة كتابه أنه ممن يرى التدرج في التغيير شيئاً فشيئا ، وكأنه كان يشير إلى كتابه ( المرأة الجديدة ) الذي صدر بعدئذ ، وأبان فيه عن جانب خطير من فكره وطرحه ، فهو كما يقول العنوان يبحث عن امرأة جديدة : كالأوروبية تماماً ، وقال بأقوال لا تقبلها حتى النساء فهو لا يقبل (حق ملكية الرجال للنساء ) ويرى ترك حرية النساء للنساء حتى لو أدى الأمر إلى إلغاء نظام الزواج حتى تكون العلاقات بين الرجل والمرأة حرة لا تخضع لنظام ولا يحدها قانون ) (4) .
وقد أثار الكتابان ردة فعل واسعة ، وصدرت ردود تبلغ مائة كتاب ، ومنها كتاب للشيخ مصطفى صبري هو ( قولي في المرأة ) ودافع البعض عن قاسم أمين منهم جرجى نقولاباز(5) .
وكأني بمحمد فريد وجدي يتكلم عن واقعنا اليوم ليقول في رده على قاسم أمين : ( إذا أشرنا اليوم بوجوب كشف الوجه واليدين ، فإن سنة التدرج سوف تدفع المرأة إلى خلع العذار للنهاية في الغد القريب كما فعلت المرأة الأوربية التي بلغت بها حالة التبذل درجة ضج منها الأوربيون أنفسهم وبدلا من أن نضرب أمثلة بالغرب دائماً ينبغي أن نولي وجوهنا إلى عظمة مدنيتنا الإسلامية الماضية ) وقد ترجم الإنكليز الكتاب واحتفوا به وبثوا قضاياه .
وقد قال أحمد محرم رحمه الله في هذا الكتاب :
أقيمي وراء الخدر فالمرء واهم
سوى ما جنت تلك الرؤى والمزاعم
إذا ما استبيحت في الخدور الكرائم
...
أغرك يا أسماء ما ظن قاسم
تضيقين ذرعاً بالحجاب وما به
سلام على الأخلاق في الشرق كله
وقال الشاعر العراقي البناء يهاجم أهل السفور :.
تصيد الصيد في شرك العيون
تقود ذوي العقول إلى الجنون (6)
...
وجوه الغانيات بلا نقاب
إذا برزت فتاة الخدر حسرى
وبعد أن توفي قاسم أمين صدرت مجلة السفور بعد دخول الإنجليز إلى مصر وكتب فيها مصطفى عبد الرازق وعلي عبد الرازق – صاحب كتاب الإسلام وأصول الحكم – وكان النساء حتى ذلك الوقت محجبات يرتدين البراقع البيض ، ولا يخالطن الرجال .
وعندما جاء عهد الثورة في مصر انتقلت الحركة إلى طور التنظيم بمؤازرة الزعيم الوطني المزعوم سعد زغلول الذي رتب البريطانيون نفيه ثم أعادوه رئيساً للوزراء ليوقع معهم معاهدة تجعل الاحتلال شيئاً متفقاً عليه ، وقدم سعد وبرفقته زوجته صفية زغلول التي تسمت باسم زوجها اقتداء بالغربيات ، وهي ابنة لمصطفى فهمي الذي كان رئيساً لوزراء مصر أيام الاحتلال وعرف بصداقته الحميمة للإنجليز وبخدمته لهم وبعلاقته الشخصية باللورد كرومر ، وقد قَدِمَ سعد زغلول وزوجته هذه على باخرة ، وكان هناك احتفاء بهم فكان من شأن سعد أن بدأ بالدخول على سرادق الحريم حيث استقبلته هدى شعراوي – الفاعلة المهمة في التحرير المزعوم وهي محجبة فمد يده فنزع الحجاب عن وجهها تبعا لخطة معينة وهو يضحك فصفقت هدى وصفقت النساء لهذا الهتك المشين ( .......... ونزع الحجاب ....... ففعل سعد بيده ما دعا إليه اليهودي القديم بلسانه فكلفه دمه ....... ) (7)
وهدى شعراوي ابنة محمد سلطان باشا العميل لجيش الاحتلال الإنجليزي والذي رافق جيش الإنجليز خلال زحفه على القاهرة وطالب الناس بعدم مقاومته ، وقدّم مع فريق من أمثاله هدية من الأسلحة الفاخرة لقادة جيش الاحتلال شكراً لهم على إنقاذ البلاد ، وقد قادت هدى شعراوي وصفية زغلول المظاهرة النسائية الشهيرة عام 1919 م والتي كان هدفها المعلن الاحتجاج على الوجود الإنجليزي في مصر ، فلما وصلت المتظاهرات إلى ميدان الإسماعيلية في القاهرة قمن بإحراق الحجاب وسمي الميدان بعد ذلك ميدان التحرير ، ويا ليت شعري ما علاقة المحتل بالحجاب ؟! بل إن إحراق الحجاب هو ما يريده المحتل ؛ لأن معناه التخلي عن القيم الخاصة بالمجتمع الإسلامي المصري ليتحول إلى مجتمع غربي مصري هجين .
وقد وصف حافظ إبراهيم – رحمه الله – هذه المظاهرة بأبيات رائعة مطلعها :
ورحت أرقب جمعهنه
سود الثياب شعار هنه
...
خرج الغواني يحتججن
فإذا بهن اتخذن من
وبعد ذلك بدأت سلسلة الأحداث المتلاحقة ومنها تأسيس الاتحاد النسائي المصري على يد هدى شعراوي عام 1923 م مع نبوية موسى وسيزا نبراوي شريكاتها في هذه المرحلة .
وقد احتفلت الدوائر الغربية بالاتحاد النسائي المصري وحضرت الدكتورة ريد رئيسة الاتحاد الدولي إلى مصر لتدريس تطور الحركة النسائية فيها . وقد التقت هدى شعراوي هذه بموسوليني عام 1922 وأتاتورك 1935 ، وفي عام 1944 نجحت هدى شعراوي وزميلاتها في إقامة مؤتمر نسائي عربي أصدر عدة قرارات ومطالبات منها :.
- تقييد الطلاق وتعدد الزوجات والحد من سلطة الولي !!.
- المساواة التامة بين الرجل والمرأة !!.
- المطالبة بحذف نون النسوة !!!.
- المطالبة بالجمع بين الجنسين في التعليم الابتدائي !!.
وقد بارك الغرب هذا المؤتمر وأرسلت زوجة الرئيس روزفلت الأمريكي برقية تحية للمؤتمر .
ثم تكون الحزب النسائي عام 1945 م ، وعام 1949 م تكون حزب بنت النيل على يد الدكتور درية شفيق والذي طالب بمنح المرأة حق الاقتراع وحق دخول البرلمان ، والمطمع الثاني كان إلغاء تعدد الزوجات وإدخال قوانين الطلاق الأوربية في مصر وباركت هذا وزيرة الشئون الاجتماعية في انجلترا ، وقامت مظاهرة نسائية واعترفت الدكتورة درية شفيق بأنها – المظاهرة- بتحريض من الوزيرة البريطانية ، وتوالت مباركات الدوائر الغربية لهذا الحزب ، والذي أكتشف أنه كان يمول من قبل السفارة الأمريكية والإنجليزية بألفين من الجنيهات سنوياً عدا الورق المصقول وتقديم المشورة .
ثم توالت الأحداث وانتقلت العدوى لبلاد عربية أخرى(8) وتكاثرت المجلات الهادمة للحجاب والعفاف الداعية إلى السفور والتبرج ولا تزال تزداد يوماً بعد يوم .
وهذا الأسلوب الذي اتبع في مصر اتبع في غيرها من البلاد وكان مدفوعاً من الغرب وحظي التغربيون بحماية الغرب لهم ولا يشبه تدخل إنجلترا لحماية درية شفيق إلا لقاء رؤساء الغرب بسلمان رشدي الذي تعدي على شريعة الإسلام .
والعجب أن الغرب لا يتواني في ملاحظة زلات التغربيين بانحرافهم عن المنهج المرسوم لهم ومن ذلك أن كاتباً عربياً محسوباً على الغرب كتب مقالاً في جريدة عربية وحمل على مواقف الغرب في البوسنة ثم نقل كاتب آخر من مقاله نقلا في جريدة ناطقة بالانجليزية ففوجئ الكاتب العربي خلال زيارته لأمريكا بسياسي أمريكي يعاتبه ويقول له : لماذا تكتب ضدنا وتثير الرأي العام .
مظاهر تغريب المرأة المسلمة
مظاهر تغريب المرأة المسلمة كثيرة جداً يصعب استقصاؤها ولكن نذكر من أهمها :.
1. من مظاهر التغريب التي وقعت فيها المرأة المسلمة والتي نراها ولا تخفى عن كل ذي عينين : الاختلاط في الدراسة وفي العمل ، إذ أنه في معظم البلدان العربية والإسلامية ؛ الدراسة فيها دراسة مختلطة ، والأعمال أعمال مختلطة ، ولا يكاد يسلم من ذلك إلا من رحم الله ، وهذا هو الذي يريده التغريبيون ، فإنه كلما تلاقى الرجل والمرأة كلما ثارت الغرائز ، وكلما انبعثت الشهوات الكامنة في خفايا النفوس ، وكلما وقعت الفواحش لاسيما مع التبرج وكثرة المثيرات وصعوبة الزواج وضعف الدين ، وحين يحصل ما يريده الغرب من تحلل المرأة ، تفسد الأسرة وتتحلل ، ومن ثم يقضى على المجتمع ويخرب من الداخل ، فيكون لقمة سائغة .
وإذا بدأ الاختلاط فلن ينتهي إلا بارتياد المرأة لأماكن الفسق والفجور مع تبرج وعدم حياء ، وهذا حصل ولا يزال فأين هذا من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم حين خرج من المسجد فوجد النساء قد اختلطن بالرجال فقال لهن : ( استأخرن ........... عليكن بحافات الطريق ) رواه أبو داود وحسنه الألباني / الصحيحة 854 .
2. ومنها أيضاً : التبرج والسفور : والتبرج أن تظهر المرأة زينتها لمن لا يحل لها أن تظهرها له . والسفور : أن تكشف عن أجزاء من جسمها مما يحرم عليها كشفه لغير محارمها . كأن تكشف عن وجهها وساقيها وعضديها أو بعضها ، وهذا التبرج والسفور فشا في كثير من بلاد المسلمين ، بل لا يكاد يخلو منها بلد من البلدان الإسلامية إلا ما قل وندر ، وهذا مظهر خطير جداً على الأمة المسلمة ، فبالأمس القريب كانت النساء محتشمات يصدق عليهن لقب : ذوات الخدود . ولم يكن هذا تقليداً اجتماعياً ، بل نبع من عبودية الله وطاعته ، ولا يخفى أن الحجاب الشرعي هو شعار أصيل للإسلام ، ولهذا تقول عائشة – رضي الله عنها - : ( يرحم الله نساء المهاجرات الأول ، لما أنزل الله{ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } شققن مروطهن فاختمرن بها ) البخاري 4758.
ولهذا كان انتشار الحجاب أو انحساره مقياساً للصحوة الإسلامية في المجتمع ودينونة الناس لله ، وكان انتشاره مغيظاً لأولئك المنافقين المبطلين .
3. من مظاهر التغريب : متابعة صرعات الغرب المسماة بالموضة والأزياء ، فتجد أن النساء المسلمات قد أصبحن يقلدن النساء الغربيات وبكل تقبل وتفاخر ، ولذلك تقول إحدى النساء الغربيات ممن يسمونها برائدة الفضاء لما زارت بلداً من بلدان العربية ، قالت : إنها لم تفاجأ حينما رأت الأزياء الباريسية والموضات الحديثة على نساء ذلك البلد .
ولم يسلم لباس الأطفال – البنات الصغيرات – إذ تجد أن البنت قد تصل إلى سن الخامسة عشر وهي لا تزال تلبس لباساً قصيراً ، وهذه مرحلة أولى من مراحل تغريب ملبسها ، فإذا نزع الحياء من البنت سهل استجابتها لما يجدّ ، واللباس مظهر مهم من مظاهر تميز الأمة المسلمة والمرأة المسلمة ، ولهذا حرم التشبه بالكفار ، وهذا والله أعمل لما فيه من قبول لحالهم وإزالة للحواجز وتنمية للمودة ، وليس مجهولا أن تشابه اللباس يقلل تمييز الخبيث من الطيب ، والكفر من الإسلام ، فيسهل انتشار الباطل وخفاء أهله .
والموضة مرفوضة من عدة نواحي منها :
أ- التشبه بالكافرات . والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : (( من تشبه بقوم فهو منهم )) ( رواه أبو داود والإمام أحمد وهو صحيح ) ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: والصراط المستقيم : هو أمور باطنة في القلب من اعتقادات وإرادات وغير ذلك ، وأمور ظاهرة من أقوال وأفعال ، قد تكون عبادات ، وقد تكون عادات في الطعام واللباس والنكاح ........الخ .
وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ولابد ارتباط ومناسبة ، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة ، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً ....) انتهى من اقتضاء الصراط المستقيم ، فعلم من هذا خطورة هذا التشبه وتحريمه .
ب – الضرر الاقتصادي للتعلق بالموضة ، ومعلوم كم تكلف هذه الموضة من أموال تنقل إلى بلاد الغرب الكافرة .
وللعلم فإن 30% من ميزانية الأسرة العربية تنفق على احتياجات المرأة نفسها من ملبس وأدوات تجميل ومكياج وتزداد هذه النسبة بازدياد الدخل ومستوى التعليم وينخفض بانخفاضهما(9) .(47/134)
ج – كثرة التحاسد بين النساء لأنهن يجذبهن الشكل الجميل ، فيتفاخرن ويتحاسدن ، ويكذبن ، ومن ثم قد تكلف زوجة الرجل - قليل المال - زوجها ما لا يطيق حتى تساوي مجنونات الموضة، ولا حول ولا قوة إلا بالله . وغير هذا من المخالفات الشرعية الكثيرة .
4. ومن مظاهر التغريب : الخلوة ، خلوة المرأة بالرجل الأجنبي الذي ليس لها بمحرم ، وقد تساهل الناس فيها حتى عدها بعضهم أمراً طبيعياً ، فالسائق والطباخ أصبحا من أهل البيت ولا غرابة في ذلك ، حتى ذكر أنه شوهدت امرأة مع رجل أجنبي ليس من أهل بلدها ، فحينما سئل هذا الرجل : كيف تمشى مع هذه المرأة وهي ليست لك بمحرم ؟ قال : إنه من أهل البيت ، لأن له خمس عشر سنة وهو عند الأسرة فهو منها بهذا الاعتبار على حسب زعمه .
فالخلوة المحرمة مظهر من مظاهر التغريب التي وقعت فيها الأمة المسلمة حيث هي من أفعال الكافرين الذين ليس لهم دين يحرم عليهم ذلك ، وأما احترام حدود الله فهو من مميزات الأمة المسلمة الأصلية . والجرأة على الخلوة تجاوز لحد من حدود الله وخطر عظيم وقد حرمه الشارع بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم )) رواه البخاري ومسلم .
قاعدة مهمة
إن كل مبطل على وجه هذه الأرض لابد أن يُلبس باطله بثوب الإصلاح وزخرف القول ؛ حتى يروج بين الناس ، لأن الباطل قبيح ومستر ذل ومكروه وبشع ، فحينما يظهر الباطل على حقيقته ، ويعرى على صورته ، لا تقبله النفوس ، ولا ترضى به الفطر السليمة والمستقيمة . ولذلك يلجأ العلمانيون التغريبيون إلى إلباس طرقهم وأساليبهم وأهدافهم وأفكارهم لبوس الإصلاح والحرص على المصلحة وغير ذلك ، فالتوظيف المختلط ، والتعليم المختلط ، كل ذلك بدعوى مصلحة الأمة ، وبدعوى تشغيل نصف المجتمع ، ولأن فيها مردوداً اقتصادياً وهذه هي زخارف القول التي يوحيها شياطين الإنس والجن ، ويقول الله – تبارك وتعالى - : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} فيخدع به ضعفاء الإيمان وناقصوا العقول .
ثم إن العلمانيين قد وجدوا عادات في مجتمعات المسلمين ليست من الإسلام فاستغلوها ووظفوها لينفثوا من خلالها سمومهم وينفذوا مخططاتهم ثم أسقطوها على الإسلام ، بمعنى أنهم قالوا : إنما من الإسلام فهاجموا الإسلام من خلالها ، مثال ذلك : قد تجد بعض المجتمعات المسلمة تظلم المرأة في الميراث ، قد تعطي المرأة ميراثها من المنقول من الأموال والمواشي لكنها لا تعطيها حقها من العقار من الأرض والشجر كفعل الجاهلية ، قد تجد زوجاً لا يعدل بين زوجاته مخالفاً بذلك أمر الله – تعالى - ، فهذه الثغرات يتعلق بها العلمانيون مع أنها ليست من الإسلام في شيء ، ولم ينزل الله بها سلطانا ، بل هي في نظر الإسلام : ظلم محرم وجور ، يجازى عليه صاحبه عند الله يوم القيامة إذا لم يتب منها أو لم يعف الله عنه .
أساليب العلمانيين في تغريب المرأة المسلمة
أساليب العلمانيين في تغريب المرأة المسلمة كثيرة ، ويصعب حصرها ، والمقصود التذكير بما يتيسر من أهمها ومن أخطرها ، ليحذرها المسلمون ، وينكروها ، ويعلموا على إفشالها ، ولتكون منبهة على غيرها . فمن هذه الأساليب :
1. وسائل الإعلام بمختلف أنواعها ، من صحافة وإذاعة وتلفاز وفيلم ومجلات متخصصة في الأزياء والموضة ومن مجلات نسائية وملحقات نسائية ومن غير ذلك ، إذ أن الإعلام يصنع الآراء ، ويكيف العقول ، ويوجع الرأي العام خاصة إذا كانت هذه العقول عقولاً فارغة لم تملأ ولم تحصن بما أنزل الله – عز وجل – على رسوله ، أما الصحافة والمجلات فتجد فيها أمور فظيعة منكرة منها فتاة الغلاف التي أصبحت أمراً لازماً لا تفرط فيها أي من تلك المجلات ، وفتاة الغلاف هذه لا تتكرر إذ يؤتى في كل أسبوع أو في كل شهر بفتاة جميلة عليها أنواع الزينة والأصباغ ثم بعد ذلك لا تأتي مرة أخرى ، وهذا إذلال للمرأة وإغراق في الرق وعودة حقيقية إلى عصر الظلم لها إذ تعامل كجسم ليس له روح مقابل دريهمات معدودات . وتسأل في المقابلة معها أسئلة تافهة : هل حدث وأن أحببتي يوماً من الأيام ؟ ما هواياتك المفضلة ؟ وهل صادقتي شاباً ؟ وغير هذا من الكلام الساقط الذي يراد منه إفساد المرأة المسلمة ، وليس المراد هذه الفتاة – فتاة الغلاف – إذ أنها ما رضيت بالخروج على صفحات المجلات إلا وهي قد انحرفت عن الطريق المستقيم ، لكن المراد غيرها من المحصنات العفيفات اللاتي قررن في البيوت ، ويملكهن الحياء الذي ربين عليه ، فتزيل هذه المجلات الحواجز والضوابط شيئاً فشيئاً . كما تجد في هذه المجلات الصور الماجنة الخليعة إما بحجة الجمال والرشاقة أو بحجة تخفيف الوزن والرجيم أو بحجة ملكات الجمال أو بحجة أخري مما يمليه الشياطين . ثم تجد فيها من مواضيع الحب والغرام الشيء المهول ، وهذا يهدف إلى تهوين أمر الفواحش وقلب المفاهيم الراسخة ، وإحلال مفاهيم جديدة مستغربة بعيدة عما تعرفها هذه الأمة المحمدية ، فمن هذه العبارات :
في مجلة سيدتي في عدد 510 : قالت من عيوب الزوج العربي ( الغيرة ) !!! .
في مجلة كل الناس عدد 58 : قالت إحدى الكاتبات : ماذا لو قالت امرأة : ( هذا الرجل صديقي ) !!!.
في مجلة الحسناء عدد 81 : الفضيلة والكرامة تعترضان مسيرة النجاح . أ .هـ .
فعلى هذا مسيرة النجاح لابد فيها من الفحش والدعارة حسب مفهومهم المريض .
مجلة سلوى عدد 1532 ( لقاء مع راقصة شابة ) ، تقول هذه الراقصة : في حياتنا اهتمامات لا داعي لها ، ويمكن أن يستغنى عنها ، ثم تقول هذه العبقرية التي جاءت بما عجز عنه الأوائل والأواخر – تقول : كمعامل الأبحاث الذرية لأننا لم نستفد منها شيئاً ، يعنى حتى يبقى الأعداء يهددون المسلمين بالأسلحة الذرية . اليهود والهندوس والنصارى والبوذيون – كما تقول - ! سوف نستفيد كثيراً لو أنشأنا مدرسة للرقص الشرقي تتخرج منها راقصة مثقفة لجلب السياح .أ.هـ .
وهكذا تستمر المسيرة لنحارب أعداءنا بالرقص ، كما حاربهم جمال عبد الناصر بأغاني أم كلثوم .
في مجلة فرح عدد 43 ، تقول : الزواج المبكر إرهاق للمرأة وصداع للرجل .
ولا ننسى مجلة روز اليوسف وهي من أخبث المجلات ومن أوائل مصادر التغريب النسائي في العالم العربي ، في هذه المجلة تجد الخبث والخبائث ، وبمجرد أن تأخذ أحد الأعداد سوف تجد العجب . وكذلك مجلات ( اليقظة ، والنهضة ، صباح الخير ، هي ، الرجل ، فرح ..... الخ تلك القائمة الطويلة ، كما تجد أيضاً داخل هذه المجلات مقالات طبية ونفسية واجتماعية : كأنها تحل مشاكل الفتيات ، فتراسلها الفتيات من أنحاء العالم العربي ، ثم بعد ذلك يدلها ذلك المتخصص – لكنه ليس متخصصاً في حل المشاكل حقيقة إنما متخصص في التغريب – يدلها على الطرق التي تجعلها تسلك مسالك المستغربات السابقات ، كما تجد مقابلات مع الفنانات والممثلات ومع الغربيات ومع الداعيات لتحلل المرأة واللاتي يسمين بالداعيات لتحرير المرأة ، وتجد فيها الانشغال بأخبار : ديانا ، وكلبها ، ولباسها ، وفساتينها ، وتزلجها فوق جبال الهملايا ، وغير ذلك من الغثاء الذي لا ينقضي ولا ينتهي ، ترهق به المرأة المسلمة ، ويصدع به الرجل المسلم . ثم تجد في هذه المجلات بريد المجلة أو ركن التعارف من أجل التقريب بين الجنسين وتلك خطوة لإفساد المجتمعات الإسلامية ، وهكذا دواليك .
وهناك أبحاث منشورة ، عن حقيقة الدور الذي تقوم به هذه المجلات ، ففي دراسة عن مجلة سيدتي نشرتها مجلة المغترب(10) ذكرت أنها يقصر طرقها على شرائح اجتماعية بعينها ، وكثيراً ما تحمل الطابع الأوربي المبهر في طياتها ، وتقدم الحسناوات والشقراوات كنماذج تحتذي ، وإذا ما حاولت معالجة مشكلات المرأة العربية تعمد في أغلب الأحيان إلى استعارة النموذج الغربي .
وتقول الدكتورة فوزية العطية التي أعدت دراسة أخرى عن هذه المجلات النسائية : إنها غالباً ما تعرض في صورة الإغراء والإثارة .
وتستشهد الباحثة بدراسة مشابهة للدكتورة عواطف عبد الرحمن من مصر تقول فيها : أن التركيز في هذه المجلات منصب على النماذج الغربية للمرأة ويروج القيم الاستهلاكية الغربية من خلال المواد الإعلامية والإعلانات التي تقدمها : كالأزياء والمكياج والعطور ........ إلى آخر ما ذكرته هذه الدراسة المهمة .
ونشرت مجلة زهرة الخليج الظبيانية بتاريخ 20/10/ 1979 م نتائجا لبحث علمي طبق على مجموعة من المجلات النسائية وصفحات المرأة واتضح أن الصحافة النسائية العربية ركزت على الصورة العاطفية للمرأة العربية أكثر من الصورة العقلانية .
ويقول الشيخ العلامة محمد بن عثيمين حفظه الله في خطبة قيمة له عن فتن المجلات :.
وانفتحت طامة كبرى وبلية عظمي ، تلك الصحف والمجلات الداعية إلى المجون والفسوق والخلاعة في عصر كثر فيه الفراغ الجسمي والفكري وسيطرت الفطرة البهيمية على عقول كثير من الناس فعكفوا على هذه الصحف والمجلات فأضاعوا بذلك مصالح دينهم ودنياهم .... الخ .
ثم يقول حفظه الله : وجدت هذه المجلات هدّامة للأخلاق مفسدة للأمة لا يشك عاقل فاحص ماذا يريده مروجوها بمجتمع إسلامي محافظ .
ويقول أثابه الله : ومن مفاسد هذه الصحف والمجلات أنها تؤثر على الأخلاق والعادات بما يشاهد فيها من صور وأزياء فينقلب المجتمع إلى مجتمع مطابق لتلك المجتمعات الفاسدة.
ويقول أيضاً : فاقتناء مثل هذه المجلات حرام وشراؤها حرام وبيعها حرام ومكسبها حرام واهداؤها حرام وقبولها هدية حرام وكل ما يعين على نشرها بين المسلمين حرام لأنه من التعاون على الإثم والعدوان .أ.هـ .
والذي يباع في بلادنا من هذه المجلات عدد هائل جداً ربما لا يخطر على بال ، فمثلاً يدخل إلى أسواقنا أكثر من أربعين صحفية أسبوعياً وشهرياً في غلافها فتاة لا تتكرر أبداً ، وبلغ عدد الصحف الوافدة إلى أسواقنا شهرياً ما يزيد عن خمسة ملايين نسخة شهرياً ، بل إن إحدى المجلات النسائية الشهيرة وهي مجلة يقصد بها تغريب المرأة توزع شهرياً أربعمائة وأربعين ألف نسخة ، فمعنى ذلك أنه سيقرئها ما يقارب من أربعمائة ألف فتاة(11) .
أما التلفزيون وتأثيره فقد جاء في تقرير لليونسكو : إن إدخال وسائل إعلام جديدة وبخاصة التلفزيون في المجتمعات التقليدية أدى إلى زعزعة عادات ترجع إلى مئات السنين وممارسات حضارية كرسها الزمن – واليونسكو مؤسسة دولية تابعة للغرب وتدعو إلى التغريب - .
وتبين من خلال إحدى الدراسات التي أجريت على خمسمائة فيلم طويل أن موضوع الحب والجريمة والجنس يشكل 72% منها ، يعني تقريباً ثلاثة أرباع الأفلام كلها للحب والجريمة والجنس ، وتبين من دراسة أخرى حول الجريمة والعنف في مئة فيلم وجود 68% مشهد جريمة أو محاولة قتل ، وجد في 13 فيلم فقط 73 مشهداً للجريمة ، ولذلك قد تجد عصابات جريمة من الأحداث والصغار لأنهم تأثروا من الأفلام التي يرونها(12) .
أما الأفلام فيقول الدكتور هوب أمرلور وهو أمريكي يقول إن الأفلام التجارية التي تنشر في العالم تثير الرغبة الجنسية في موضوعاتها ، كما أن المراهقات من الفتيات يتعلمن الآداب الجنسية الضارة – فإذا كانت ضارة بميزان هذا الأمريكي فكيف بميزان الشرع - .
ثم يتابع الأمريكي فيقول : وقد ثبت للباحثين أن فنون التقبيل والحب والمغازلة والإثارة الجنسية والتدخين يتعلمها الشباب من خلال السينما والتلفزيون .
2. ومن وسائل العلمانيين الخطيرة التي يسعون من خلالها إلى تغريب المرأة المسلمة التغلغل في الجانب التعليمي ومحاولة إفساد التعليم ، إما بفتح تخصصات لا تناسب المرأة وبالتالي إيجاد سيل هائل من الخريجات لا يكون لهن مجال للعمل فيحتاج إلى فتح مجالات تتناسب مع هذه التخصصات الجديدة التي هي مملوءة بالرجال ، أو بإقرار مناهج بعيدة كل البعد عن ما ينبغي أن يكون عليه تدريس المرأة المسلمة . وفي البلاد العربية من المناهج ما تقشعر له الأبدان وقد نجد في التعليم المناداة بالمساواة بينهما وبين الرجل في كل شيء ، ودفع المرأة إلى المناداة بقضايا تحرير المرأة كما يسمونها ، وفيها أيضاً الاختلاط فمعظم البلاد العربية التعليم فيها مختلط إلا ما قل فالشاب بجانبه فتاة ، هذا التعليم المختلط سبب كبير من أسباب تحلل المرأة ، ومن ثم من أسباب تغريب المرأة . ولذا فإن أحسن الحلول أن تقوم البلاد الإسلامية بإنشاء جامعات متخصصة للنساء ، وقد نادي بذلك بعض الباحثين الباكستانيين في دراسة جميلة جيدة بين فيها أن ذلك أفضل سواء في نسب النجاح أو في التفوق في التخصص أو في إتقان العمل سواء للرجال الشباب أو حتى للشابات في جميع أنواع الدراسة من دراسات إنسانية أو دراسات تطبيقية من طب وهندسة وغيرها مما ذكر في رسالته ، وقد لا نوافقه في بعض التخصصات التي نرى أن المرأة لا تحتاجها .
3. ومن أساليبهم التأليف في موضوع المرأة وإجراء الأبحاث والدراسات التي تُمْلاُ بالتوصيات والمقترحات والحلول في زعمهم لقضايا المرأة ومشاكلها تقول إحداهن في رسالتها للدكتوراه والتي عنوانها : ( التنمية الاقتصادية وأثرها في وضع المرأة في السعودية ) تقول وهي تعد المبادئ الإسلامية التي هي ضد مصلحة المرأة كما تزعم : إن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل(13) ، وقوامه الرجل على المرأة ثم تعد الحجاب من المشاكل التي هي ضد مصلحة المرأة(14) ثم تشن هجوماً على هيئات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وتلوم الرئاسة العامة لتعليم النبات لموقفها من الإبتعاث للخارج(15) ثم بعد ذلك تنتهي في دراستها أو في رسالتها للدكتوراه إلى التوصيات ، ومن توصياتها :
أ- الإقلاع من عمليات الفصل بين الجنسين –يعنى التعليم المختلط الذي ذكرناه سابقاً - .
ب- إنشاء أقسام للنساء في كل مؤسسة حكومية وإنشاء مصانع للصناعات الخفيفة(16) وهذه النقطة الأخيرة وهي إنشاء مصانع نادي بها آخرون أيضاً ونادوا بفتح مجالات دراسة مهنية للمرأة .
كما قدمت امرأتان من الخليج ( دراسة استقصائية بشأن البحوث المعدة عن المرأة في منطقة الخليج ) هذه الدراسة قدمت لمؤتمر عقد في تونس عام 1982 م بإشراف اليونسكو ، حضر المؤتمر كما تقول مقدمة الكتاب 17 عالمة اجتماعية من 12 بلد ونشرت اليونسكو 7 دراسات مما قدم للمؤتمر بعنوان : ( الدراسات الاجتماعية عن المرأة في العالم العربي ) ، والذي يقرأ هذا الكتاب يدرك خطورة الأمر وضخامة كيد الأعداء للمرأة المسلمة ، ومما ذكرته هاتان الكاتبتان عن المرأة في الخليج تحت عنوان : ( الحلول المقترحة للعقبات الرئيسية التي تواجه المرأة في الخليج ) ما يلي :
- ذكرتا أن دراسة أعدها الاتحاد الوطني لطلبة البحرين تطالب بالتعليم المختلط حتى يمكن التغلب على الحواجز النفسية بين الجنسين .
ويلاحظ أن قضية التعليم المختلط تتكرر عدة مرات مما يؤكد أن تغريب التعليم هدف رئيسي للعلمانيين .
وتنقلان أيضاً اقتراحاً بتخطيط السياسات التعليمية من أجل تشجيع مزيد من النساء للانضمام للميادين العلمية والمهنية بدلا من تركيزهن على الميادين الإنسانية والعلوم الاجتماعية ، والسبب في نقلها لميادين مهنية وعلمية حتى تفتح مصانع وبالتالي يحصل الاختلاط المطلوب .
ثم تنقلان عن باحثين آخرين قولهما بضرورة أن تعتبر المرأة في الخليج تحررها بمثابة تحرير وطني – يعني كأنها في استعمار – وعليها أن تناضل من أجل التحرير الوطني .
ثم تنقلان عن باحثين وباحثات من دول الخليج ضرورة منح المرأة في الخليج فرصاً متعادلة في ميدان العمل .
4. ومن أساليبهم عقد المؤتمرات النسائية أو المؤتمرات التي تعالج موضوع المرأة ، أو إقامة لقاءات تعالج موضوعاً من المواضيع التي تهم المرأة سواء كان موضوعاً تعليمياً أو تربوياً أو غير ذلك ، ففي هذه المؤتمرات واللقاءات تطرح دراسات وأفكاراً ومقترحات تغريبية كالمؤتمر السابق في تونس وغيره كثير .
وقد عقد المؤتمر الإقليمي الرابع للمرأة في الخليج والجزيرة العربية في 15/2/1976 م(17)، في إحدى دول الخليج وكان التركيز على ما يسمى بقضية تحرير المرأة وأصدر قرارات منها :
أ- لابد من مراجعة قوانين الأحوال الشخصية في ضوء التحولات الاقتصادية والاجتماعية لدول المنطقة ومحاولة الدفع بدراسة قانون الأحوال الشخصية العربية الموحدة – يريد إيجاد قانون علماني والأحوال الشخصية في مصطلحهم يراد بها مسائل النكاح والطلاق - .
ب- التأكيد على أهمية وضرورة النظر في الكتب والمناهج التربوية عند تناولها لقضية المرأة بما يضمن تغيير النظرة المتخلفة لأدورها في الأسرة والعمل .
ثم تتابع هذه الدراسة فتقول : إن القوانين والأنظمة التي كانت تخضع لها الأسرة قبل ألف عام ( لاحظ قبل ألف عام) ما تزال تطبق على العلاقات الأسرية في عصرنا الحاضر دون النظر إلى مدى ملائمتها لنا .
ما هي القوانين التي من ألف عام ؟ إنها شريعة الإسلام .
فهؤلاء النسوة من نساء الخليج يردن تغيير الشريعة الإسلامية التي تطبق على المرأة من ألف عام .
5. ومن وسائلهم في تغريب المرأة المسلمة إبتعاثها للخارج وهذا حصل كثيراً في كثير من بلدان المسلمين وإن كان يختلف من بلد إلى بلد قلة وكثرة ، وحينما تذهب امرأة مسلمة إما لم تدرس شيئاً عن الدين كما في بعض البلدان العربية والإسلامية ، أو ليس معها محرم ، ثم ترمى في ذلك المجتمع المتحلل ، فماذا تتصور لها ؟ وماذا تتوقع لها أن تفعل ؟ ، إنه أمر خطير إذا كان الشاب المسلم يُخشى عليه من الذوبان فيذهب كثيرون مسلمون ويرجعون منحرفين ، فما بالك بفتاة تذهب في بحر متلاطم من الفساد والإفساد .
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
فإذا رجعت هذه الفتاة المبتعثة كانت رسول شر للعالم الغربي من أجل تغريب المسلمات ونقلهن من التمسك بالشرع والخلق الإسلامي إلى التمسك بالمناهج والأفكار والآراء الغربية ، كما فعل أسلافها في مصر والكويت ، وكثير من المستغربات هن من هذا النمط الذي أشبع بالثقافة الغربية في غياب علم بالدين واعتقاد به مما أدى إلى استغرابها – أي كونها متبعة للغرب في نمط حياتها - .
6. ومن أساليب العلمانيين : التعسف في استخدام المنصب ، فقد تجد أحدهم في منصب ما ، ثم بعد ذلك يبدأ يصدر قوانين أو قرارات يمنع فيها الحجاب كما حصل في مصر وفي الكويت ، أو يفرض فيها الاختلاط ، أو يمنع عقد ندوات ونشاطات إسلامية ، أو يفرض فيها اختلاطا في مجالات معينة ، وبالتالي يحصل احتكاك الفتاة بالشاب ، ومن ثم يسهل هذا الأمر ، وكلما كثر الإمساس قل الإحساس ، ثم بعد ذلك تتجاوز الحواجز الشرعية وتبتعد عن حياتها تذوب كما ذاب غيرها .
7. ومن أساليبهم أيضاً : العمل والتوظيف غير المنضبط ، يعني إما باختلاط بتوظيف الرجال والنساء سواسية أو بتوظيف المرأة في غير مجالها ، ويكون هذا على طريقة التدرج ، على الطريقة التي يسميها الشيخ محمد قطب : بطيء ولكنه أكيد المفعول . وعلى طريقة فرض الأمر الواقع ، على سبيل المثال تجد في المستشفيات الكثير من الاختلاط في الوظائف ، وتجد ذلك في الطيران وبعض الشركات ، وتجد ذلك في أماكن كثيرة في بلاد المسلمين ، ومن ذلك التوظيف في بعض المستشفيات الذي حصل في الأقسام الإدارية وفي أقسام العلاقات العامة والمواعيد وفي الأقسام المالية ، بل وصل الأمر إلى توظيف النساء حتى في أقسام الصيانة والهندسة التي يختص بها الرجال . وهنا يحصل الاختلاط ساعات طوال في مكتب واحد في بعض المكاتب الإدارية والمالية .
ومن ذلك أيضاً المشاركة والاختلاط في الأندية التي تكون في المستشفيات أندية ترفيه أو أندية اجتماعية أو غير ذلك ، بل لقد وصل الفساد وعدم الحياء ببعضهن إلى المجاهرة بالتدخين أمام الآخرين من الزملاء ، وليس ذلك في غرف القهوة والمطاعم فحسب ، بل على المكاتب الرسمية .
8. الدعوة إلى إتباع الموضة والأزياء وإغراق بلاد المسلمين بالألبسة الفاضحة ، ومسألة الموضة كما سبق ذكره والأزياء مسألة خطيرة ، فإن اللباس من شعارات الأمم ، وكل أمة لها لباس يخصها ، صحيح أن الإسلام لم يعين للرجل أو المرأة لباساً معيناً لا يجوز له أن يلبس إلا هو ، لكنه وضع ضوابط الشرعي في لباس المرأة وليس فيه تشبه فلا بأس من أي لباس كان مادام مباحاً ، أما إذا لبست المرأة المسلمة لباساً غربياً تقليداً للغربيات ، وتشبهاً بهن ، وإتباعا لهن ، وأخذا بالموضات كما هو حاصل فهذه المحظور الذي نخشاه ، وإن التشبه في الظاهر يؤدي إلى تشبه في الباطن ، وإلى تأثر بالأخلاق والعادات والعقائد كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه ( اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ) ولذا فإن المرأة المسلمة مطالبة بالابتعاد عن اتباع الغرب في موضاتهم وأزيائهم ، ولنعلم جميعاً أن المستفيد من ذلك هم تجار اليهود الذين يملكون بيوت الأزياء ومحلات صناعة الألبسة في باريس وفي لندن وفي غيرها .
كما أن من خطط العلمانيين إغراق بلاد المسلمين بالألبسة الفاضحة والقصيرة ، فأحدنا لا يستطيع أن يجد لابنته الصغيرة ، لباس ساتراً فضفاضاً إلا بشق الأنفس ، ولذا فنحن بحاجة إلى حماية لدين المستهلك مثل حماية المستهلك من جشع التجار فيحمى المستهلك من الغزو التغريبي للمرأة المسلمة في لباسها وفي لباس ابنتها ، وعلى التجار المسلمين أن يفرضوا ويشترطوا اللباس المقبول عند المسلمين الذي لا يحمل صوراً ولا كتابات وليس بلباس فاضح ولا بضيق ولا بكاشف ، والشركات الصانعة إنما تريد المال ولأجله تصنع لك أي شيء تريد فإذا ترك لها الحبل على الغارب صنعت ما يضر بأخلاق المسلمين .
9. ومن أساليبهم القديمة والتي وجدت في مصر وفي العراق وفي لبنان وفي غيرها :(47/135)
إنشاء التنظيمات والجمعيات والاتحادات النسائية ، فقد أنشأ الاتحاد النسائي في مصر قديماً جداً على يد هدى شعراوي كما سبق وذلك بدعم غربي سافر ، وكذلك أنشئت الجمعيات النسائية في العراق وفي غيره في وقت مبكر من الحملة التغريبية ثم تبعتها البلاد العربية الأخرى ، هذه الاتحادات النسائية والتنظيمات والجمعيات ظاهرها نشر الوعي الثقافي والإصلاح وتعليم المرأة المهن كالشك والتطريز والخياطة والضرب على الآلة وغير ذلك ، ولكن قد يكون باطنها سما زعافا فتعلم المرأة الأفكار والقيم الغربية الخبيثة التي تنقلها من الفكر الإسلامي النير المستبصر إلى الفكر المظلم من الغرب الكافر ، ولا ينكر أنه يوجد بعض الجمعيات التي تعمل بجد لتحقيق مصلحة المرأة على ضوء الإسلام الصحيح والتي نرجو الله – عز وجل – أن يوفقها لسلوك الطريق المستقيم ، وإذ نقول هذا نسأل المولى أن يمن على جميع الاتحادات والتنظيمات النسائية في العالم الإسلامي بالرجوع إليه – سبحانه – والرجوع بالمرأة المسلمة إلى الصواب الذي أراد الله – عز وجل – أن تسير عليه .
10. ومن أخبث أساليبهم وهي التي يثيرونها دائماً على صفحات الجرائد والمجلات وغيرها التظاهر بالدفاع عن حقوق المرأة وإثارة قضايا تحرر المرأة خاصة في الأوقات الحساسة التي تواجهها الأمة ، وإلقاء الشبهات ، فمرة يلقون قضية تحرير المرأة ومساواتها بالرجل ، ومرة يبحثون في موضوع التعليم المختلط وتوسيع مجال المشاركة في العمل المختلط وغير ذلك ، قد يتم ذلك باسم الدين ، وقد يتم ذلك باسم المصلحة ، وقد يتم ذلك بعبارات غامضة وهذه طريقة المنافقين التخفي خلف العبارات الغامضة الموهمة في كثير من الأحيان .
11. ومن أخبث طرقهم ووسائلهم : شن هجوم عنيف على الحجاب والمتحجبات وعلى العفاف والفضيلة وتمجيد الرذيلة في وسائل الإعلام بأنواعها وفي غيرها أيضاً ، سواء كان في المنتديات والأندية الثقافية والأدبية ، أو كان في الجلسات الخاصة وفي غيرها ، فهذه جريدة الوطن الكويتية في يوم السبت 19 صفر 1414هـ تكتب مقالاً بعنوان ( نحن بين الحجاب والسفور ) وهو مقال يقطر سماً وخبثاً ، والمقال بيد كاتب كويتي يقول : اختلفت الأقاويل في الحجاب والسفور ، فمنهم من يؤيده ، ومنهم من يعارضه ، فملؤوا صفحات الجرائد المحلية بآراء متضاربة فيها مندفع اندفاع كلياً نحو التحرر من الكابوس الثقيل وهو الحجاب ، والفئة الأخرى وهي التي تمثل الرجعية البغيضة تعارض بقوة شديدة السفور وتعتقد بل تجزم أنه سوف يفضي إلى نتائج مريعة تصيب المجتمع بأمراض جسيمة – ثم يقول برأيه التافه الساقط – وكل هذا وذاك لن يقف في الطريق ، ولن يحد من قوة التيار ، فالسفور آت لا محالة على فترات متتابعة شاءت التقاليد أم أبت .
نسأل الله عز وجل – أن يرده من الضلال إلى الهدى ومن الخطأ إلى الصواب .
وقد تولى كبر هذا الهجوم العنيف على الحجاب والمحجبات المجلات والجرائد المصرية والمجلات والجرائد الكويتية ، حتى كتب رئيس تحرير مجلة مصرية مشهورة يقول : إن المحجبات أو اللاتي تبن من الممثلات وتمسكن بالحجاب يعطين أموالاً من دولة أجنبية . وقد رد عليه مجموعة من هؤلاء التائبات على صفحات مجلة المجتمع وقلن فيه : إنهن رجعن إلى الله – عز وجل – وتركن ذلك العفن الفني إلى غير رجعة ، وإنهن قبضن من الله وعداً بأن من تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى غفر الله له وأدخله الجنة .
وكتبت جريدة المسلمون(18) تحت عنوان رائدات العلمانية والحوارات الوهمية تقول :
سنوات طوال والحوارات الوهمية بين رائدات التبرج والمجبرات على الحجاب لا تنقطع – طبعاً هذا حوار وهمي يعني ليس بصحيح ، بل تقصد العلمانية أو ذلك الكاتب العلماني الذي يبقى على مكتبه ويتخيل حواراً يشن فيه هجوماً على الحجاب ويظن أن المحجبات مكرهات فيكتب مقالة ثم ينشرها وهو هراء محض – من أبرز هذه الحوارات ذلك الذي جري بين كاتبة صحفية شهيرة ، زارت مدينة عدن ثم انتقلت لمدينة صنعاء وفي الأخيرة أجرت حواراً خيالياً مع فتاة يمنية نهرتها عندما مدت يدها محاولة كشف غطاء رأسها ، ثم ينتهي الحوار بضحكة عالية دوت في سماء صنعاء معلنة قرب ميلاد الفجر الجديد – يعني السفور والتحلل – قالت الجريدة : وما بين البداية القاسية للحوار والنهاية السعيدة به ، قالت فتاة صنعاء ضمن ما قالت : إنها مجبرة على ارتداء هذا القيد ، وأنها تتحايل من أجل الفكاك منه ، وأنها عندما تتوارى عنهم سرعان ما تخلعه ، أما الفجر الجديد فهو ذلك اليوم الذي ينزاح فيه المطالبون بتطبيق شرع الله وترك الناس للشرائع الغريزية بدعوى الحرية .
ولعل صاحبة هذا الحوار كانت بدورها تنتظر هذا الفجر – بفتح الفاء وضمها يعني الفُجر – غير أن ما حدث قد أصابها بسكتة صحفية نتمنى أن تدوم ، لقد تمكن اليمنيون بفضل الله ثم بفضل رؤية أصحاب العقول السليمة من تحديد طريقهم في الحياة وتسابق الجميع وفي مقدمتهم أبناء عدن في تأييد الأخذ بقوانين الشريعة الإسلامية ، إن داعيات التبرج ورائدات العلمانية يهاجمن الحجاب ، ويهاجمن المتحجبات ، ويفترضن أحاديث مكذوبة يزعمن فيها أن المحجبات ، يتمنين اليوم الذي يلقين فيه هذا الحجاب ، وهذا كله كذب ، فالحمد لله العالم الإسلامي كله من أقصاه إلى أقصاه يشهد رجعة وتوبة إلى الله العزيز الحكيم – جل وعلا- سواء من الرجال أو النساء ، وحينما تنظر إلى الجامعات وتدرس حالها قبل سنوات تجد قلة المتحجبات ثم انظر إليها الآن ، في كل جامعات الدول العربية الأخرى تجد كثرة المتحجبات في هذا الوقت بحيث أصبحن يشكلن الأغلبية في كثير من الجامعات بحمد الله وهذا ما أوغر صدور أولئك العلمانيين والعلمانيات .
12. ومن أساليب العلمانيين أيضاً تمجيد الفاجرات من الغربيات والممثلات والراقصات والمغنيات وغيرهن ، فتذكر بأنها النجمة الفلانية ، وأنها الشهيرة فلانة ، وأنها الرائدة في مجال كذا ، وأنها التي ينبغي أن تحتذي ، وأنها القدوة في مجال كذا ، وأنها حطمت الرقم القياسي في الألعاب الفلانية أو الطريقة الفلانية ، وهذه الصحف ، وهذه الكتابات العلمانية توهم المرأة المسلمة بأن هذا هو الحق وهذا هو الطريق الذي ينبغي أن تسلكه ، فتتمنى أن تكون مثلها وتحاول أن تتشبه بها ، ولهذا ضاق صدر أولئك بتلك الفنانات التائبات لأنهن سيمثلن قدوة مضادة لما يريدون .
13. ومن أساليبهم : الترويج للفن والمسرح والسينما ، وهذا من أخطر الأساليب العلمانية التي نجح العلمانيون في إغواء المرأة المسلمة من خلالها ، فهم قد ينشرون قصصاً لبعض الكاتبات ويقولون بقلم القاصة فلانة ، وأحياناً ينتشرون قصيدة للشاعرة فلانة ،ومرة أخرى ينشرون مقالة للأديبة فلانة ، وكذلك ينشرون دعاية لمعارض تشكيلية تقيمها الفنانة فلانة ، وقد يدعونها للمشاركة في التمثيل أو في المسرح أو غير ذلك مما يؤدي إلى أن تبهر هذه الفتاة وتغير أفكارها وينغسل عقلها ، ومن ثم تكون داعية للتغريب وللعلمنة ولتحلل المرأة المسلمة ، إذ أنها لابد لها من الانسياق كي تحافظ على مكانتها الوهمية فتنغمس – وهي لا تدري – في ذلك الخبث حتى تصبح لا تدرك خبثه ، ويصبح الطيب خبيثاً لديها ، والعياذ بالله من الانتكاس .
14. ومن أخبث أساليبهم المنتشرة : استدراج الفتيات المسلمات – خاصة النابغات – للكتابة أو للتمثيل أو الإذاعة لاسيما إذا كن متطلعات للشهرة أو للمجد أو لغير ذلك فتدعى هذه الفتاة للكتابة في الصحيفة وتمجد كتاباتها ، وقد تكتب قصة ثم يأتي مجموعة من الفنانين أو من الحداثيين أو من غيرهم فيقومون بتحليل هذه القصة وفي أثناء هذا التحليل ، يلقون في أرواع الناس أن هذه القاصة قد وصلت إلى المراتب العليا في هذا المجال وأنها أصبحت من الرائدات في مجال القصة ، ويلقون عليها هالة عظيمة – والشواهد معروفة – فتندفع بعض الفتيات المغرورات للكتابة والاتصال بهؤلاء من أجل أن ينشروا لهن ما يكتبن ، وقد يقوم بعضهم بكتابة مقالات بأسماء نسائية مستعارة ، ومثل هذا كثير من أجل إيقاع النساء المسلمات في حبائل هؤلاء الشياطين .
15. ومن أساليبهم أيضاً : تربية البنات الصغيرات على الرقص والموسيقى والغناء من خلال المدارس والمراكز وغيرها ، ثم إخراجهن في وسائل الإعلام فتجد فتيات في عمر الزهور يخرجن للرقص والغناء وهن يتمايلن وقد لبسن أجمل حلل الزينة ، فكيف يا ترى سيكون حال هذه الفتاة إذا كبرت ! إلى أين ستتجه إن لم تتداركها عناية الله ورحمته ؟والتالي يكون ذلك سبباً من أسباب اجتذاب عدد آخر من الفتيات اللاتي يتمنين أن يفعلن مثل هذه التي ظهرت على أنها نجمة ثم قد تكون في المستقبل مغنية أو ممثلة شهيرة ، عافانا الله والمسلمين .
16. ومن وسائلهم إشاعة روح جديدة لدى المرأة المسلمة تمسخ شخصيتها من خلال إنشاء مراكز يسمونها مراكز الطبيعي للسيدات ، وقد قامت مجلة الدعوة مشكورة بكتابة تقرير عن هذه المراكز في عدد 1328 الصادر في 3/8/1412 هـ ، إذ زارت إحدى الكاتبات بعضا من هذه المراكز وكتبت تقول : في ظل التغيرات والمستجدات التي تظهر بين وقت وآخر ظهر تغير سلبي وهو افتتاح مراكز تسمى مراكز العلاج الطبيعي للسيدات ، والحقيقة أن هذا المركز يخفي ورائه كثير من السلبيات من أبرزها فتح المجال للنساء لممارسة الألعاب الرياضية مقابل قيمة مالية ، وذلك بدعوى إيجاد وسيلة جديدة تمضي فيها المرأة وقتها وتجعلها تحافظ على رشاقة جسمها – كل مبطل يغلف دعواه بالإصلاح ويزخرف القول – قالت : ومع أن هذا سبب مرفوض أيضاً إلا أن هذه المراكز قد تؤدي إلى صرف اهتمامات المرأة المسلمة المحافظة على دينها وتغيير واجهة اهتماماتها وواجباتها الشرعية . ثم تمضي الأخت فتقول : ولمعرفة واقع تلك المراكز وما يدور فيها وما تقدمه لمرتادها قمت بزيارة بعضها والاتصال بالبعض الآخر منها كأي امرأة أخرى تسأل عنها قبل الالتحاق بها وذلك في محاولة للوصول للحقائق الكاملة ومعرفة ما يدور فيها ، وخلاصة التقرير :
- انتشار اللباس الغير ساتر في هذه المراكز ، بل واشتراطه .
- قيام بعض المراكز بتعيين أطباء من الرجال لابد من مرور المتدربات عليهم .
- انتشار الموسيقى الغربية في هذه المراكز ومن شروط بعض المراكز عدم اعتراض المتدربة على ذلك .
- وضع حمامات جماعية للسونا تلبس فيها النساء ملابس داخلية فقط ، ويكن مجتمعات داخله .
- انتشار هذه المراكز حتى في الفنادق والكوافيرات والمشاغل وتقديمها كخدمة مشتركة .
وكل هذا نمط جديد لم نعرفه من قبل ولو قامت النساء بعملهن في بيوتهن لما احتجن لهذا ، والله المستعان .
17. ثم أختم هذه الأساليب بهذا الأسلوب الخطير وهو إشاعة الحدائق والمطاعم المختلطة للعائلات والتي انتشرت مؤخراً :
فقد زار بعض الأخوة بعضا من المطاعم والحدائق العائلية والتي فيها محاذير كثيرة وفتح بها أبواب للشياطين جديدة ، مع أنها دخيلة على نمط الحياة الإسلامية وهي سمة غربية بحتة ، وبدأ النسوة يرتدنها إما منفردات أو يدعو بعضهن بعضا لتناول العشاء أو الغداء – ومن هؤلاء فضيلة الشيخ محمد الفراج جزاه الله تعالى خير الجزاء – ثم كتبوا تقريراً بينوا فيه ما تخفيه هذه المطاعم المختلطة ، وذكروا أن هذه المطاعم يكون فيها اختلاط الشاب بالفتاة ، وأنه قد تدخلها المرأة بدون محرم وجواز المرور بالنسبة للرجل أن يكون معه امرأة سواء كانت خادمة أو كانت طفلة أو غير ذلك ، وبذلك أصبحت مكاناً صالحاً للمواعيد الخبيثة ولغير ذلك ، وذكروا أن هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تواجه من هذه الحدائق وهذه المطاعم مشاكل كبيرة للغاية لأنها يجتمع حولها الشباب وبعضهم قد يدخل وبعضهم قد يبقى خارجها ، ثم بعد ذلك كتب فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن جبرين تأييداً لكلام هؤلاء الأخوة ، يقول فيه : الحمد لله وحده وبعد ، رأيت أمثلة مما ذكر في هذا التقرير مما يسترعى الانتباه والمبادرة بالمنع والتحذير )) ا.هـ .
وقد تكون هذه الحدائق والمطاعم أوجدت بحسن نية لكنها سبب مهم من أسباب تغريب المرأة إذ أنها تشيع مظاهر التغريب من اختلاط أو خلوة بالرجل الأجنبي عن المرأة ومن فتحها لباب الفواحش والدخول على النساء الشريفات فيفتن في دينهن وعفتهن مع غلبة الداعي للفحش بسبب كثرة المثيرات والله المستعان .
وأختم هذه الرسالة بخلاصة بحث لـ السيد أحمد المخزنجي الأثر السيكولوجي والتربوي لعمل المرأة على شخصية الطفل العربي جاء فيها : .
يرى الباحث من خلال تبني منهج (( التحليل المقارن )) للنتائج والإحصاءات التي كشفت عن سوء وضع المرأة الأوربية ( العاملة ) وكذلك الدراسات العربية الميدانية المماثلة التي أجريت في عدة دول عربية على هذه المشكلة ، أنه بالإمكان الوصول إلى خلاصة يمكن تركيزها في النقاط التالية :
أولاً : يؤكد الباحث على ضرورة إعادة النظر فيما يتعلق بوضع المرأة العربية العاملة استناداً إلى ما كشفت عنه الدراسة من نتائج سلبية تعدى أثرها شخصيتها إلى أطفالها تربويا ونفسياً . وهو ما دعا الباحث إلى المطالبة بضرورة إعادة صياغة الموقف العربي ( الرسمي ) إزاء الرغبة المطردة في تشغيل بناتنا ونسائنا في الدواوين والمصالح الحكومية ولاسيما التي لا تصلح لها المرأة قبل اختيار (( أنسب )) مجالات العمل صلاحاً لها ، والتي تتفق مع طبيعتها ودورها في هذا المجال .
ثانياً : بالرغم من كثرة الحديث عن الأصالة وعن القيم الإسلامية والعربية فإن فلسفة وأساليب رعاية الطفل في الأقطار العربية – بصفة عامة مقتبسة ، للأسف الشديد ، من نظم وسياسات المجتمعات الغربية ، الأمر الذي أدى ، بشكل محزن ، إلى وجود تبعية فكرية ( غربية ) في مجال رعاية الطفولة ، ومن ثم إلى نتائج سلبية خطيرة في مجتمعاتنا لا سبيل لإنكارها أو التغاضي عنها .
ولذا يظل السؤال الذي سبق أن طرحناه في مقدمة البحث : أليس من الممكن وضع إستراتيجية عربية تربوية ذات منظور إسلامي جديد ( معاصر ) تنقذ أطفالنا وأمهاتهم من هذا الواقع المؤسف والأشد إيلاما ؟!
يظل ذلك السؤال مطلباً قائماً بذاته يبحث عن إجابة علمية شافية ... نحسب أن فيما قدمناه رؤية موضوعية لتقدير مشكلة عمل المرأة يعد خطورة أو (( محاولة )) من محاولات بحثية مأمولة ومرجوة في هذا السبيل .
ثالثاً : يؤكد البحث على المطالبة بإلغاء سياسة تشغيل المرأة وخروجها للعمل واستبدال سياسة أنجح وأسمى بها ، وهي رعاية زوجها وتفرغها لتربية أولادها ، ولا يعني ذلك أننا نتبنى موقفاً (( ضدياً )) من تعليم المرأة أو المهمات التي تصلح لها مما يتفق وطبيعتها الإنسانية ، فالتعلم حق للمرأة ، بل وتخصصها فيما يناسبها منه حق لها كذلك ...... ولكن شتان بين أن تعلَّم المرأة في مجتمعاتنا بغرض (( التوظيف )) وأن تتعلم لغرض التعليم والإعداد لأداء دورها ومهمتها الكبرى ورسالتها التربوية السامية في الأسرة داخل البيت وليس خارجه .
رابعاً : إننا تؤكد – بعيداً عن أي شعور عاطفي أو تعصبي جامح – أن تخصيص نسبة مالية ثابتة ( نصف مرتب الزوجة مثلاً ) في ميزانية حكومات دولنا العربية الإسلامية التي تأخذ بسياسة تشغيل المرأة ، بدلاً من ذلك ودفع هذه النسبة بأي أسلوب تراه ، أو إضافتها إلى مرتب الزوج المشتغل ، سيعود على المجتمع العربي الإسلامي بالكثير من الفوائد والميزات :
أولها : تحقيق الاستقرار النفسي والعائلي للزوج في الأسرة وتخليصه من مشاكل زوجته العاملة : الصحية والنفسية والاجتماعية .
وثانيها : دفع الزوج إلى التفاني في العمل من أجل زيادة الإنتاج وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة وهو ما تسعى إليه القيادات السياسية الحاكمة في تلك البلاد عامة(19) .
ملحق
تجمع الأخبار الواردة من الغرب أن القيم والأخلاق في تدهور مستمر وأن المجتمع الغربي يعاني من تفكك مهول وفي هذا الملحق نستعرض بعضاً من هذه الأخبار مع نقول أخرى مناسبة :.
( المرأة الأمريكية تكتشف أن مكانها هو البيت )
، اكتشفت المرأة الأمريكية باقتناع كامل أن أكثر مكان مناسب لها هو البقاء في المنزل ورعاية شؤون أطفالها وعائلتها بل وأكد 48% منهن أن تحركات النساء ونشاطهن في مجال العمل خلال العشرين سنة الماضية جعل الحياة أكثر تعقيداً وصعوبة فقط ولم يؤد أي خير إطلاقاً .
هذا الاستنتاج جاء من استطلاع للرأي قامت به شركة سي إن إن الأمريكية المشهورة بالتعاون مع صحيفة يواس توادي ، وأظهرت نتائج ذلك الاستطلاع أن 45% من النساء يعتقدن أنه يتعين على الرجل العمل والكدح خارج المنزل لتوفير أسباب المعيشة لعائلته بينما يجب على المرأة أن تبقى في المنزل وتكريس حياتها ووقتها بشكل كامل وتام لشؤون العائلة أما نسبة الرجال الذين تم استطلاع آرائهم بهذا الشأن فإن 40% منهم فقط يؤيد بقاء المرأة في المنزل لرعاية شؤون الأسرة وآخر ما قالت في تقريرها هذا : ومن ناحية أخرى اعتبرت صحيفة يومية في كالفورنيا – هي مستنقع من مستنقعات الرذيلة في أمريكا فهي مكان منتدى السينما المشهور بهوليوود – ذلك الاستطلاع بأنه مؤيد ومتعاطف مع فكرة أن النساء يرغبن في العودة مرة أخرى إلى المطبخ والمقلاة .
جريدة الرياض في 29/4/1414هـ
إذا النساء الغربيات قد مللن وسئمن من حياة التحلل التي يسميها دعاة التغريب بالتحرر ويردن أن يراجعن ، والله – سبحانه وتعالى – قد كرم المرأة المسلمة وأنعم عليها بأنها منذ أن تكون جنيناً في بطن أمها إلى أن يواريها قبرها وهي في رعاية رجل .
*********************
( إن إحصائيات عام 1979 م تدق ناقوس الخطر ، فعدد اللواتي يلدن سنويا من دون زوج شرعي ! وفي سن المراهقة لا يقل عن ستمائة ألف فتاة بينهن لا أقل من عشرة آلاف فتاة دون سن الرابعة عشر من العمر ، وإذا أضيف عدد اللواتي يلدن بدون زوج بعد سن المراهقة فإن العدد الإجمالي يتجاوز المليون .........
ومما يزيد في حجم الكارثة ارتفاع نسبة الطلاق ، فقد بلغت في عام 1979 م ما يقرب من 40% من جميع حالات الزواج .....) والنسبة أكبر بكثير الآن .
( عمل المرأة في الميزان ص131 عن كاتب أمريكي في مجلة أمريكية كبرى )
- ( مطلقة بريطانية اسمها مانيس جاكسون عرضت ابنها الوحيد للبيع بمبلغ ألف جنيه ... والمبلغ يشمل الطفل وألعابه ، وقد قالت أنها ستبيع ابنها لأنها لا تستطيع الإنفاق عليه وليس لديها دخل لإعاشته ) .
الشرق الأوسط 15/9/1400 هـ
نقلاً عن عمل المرأة في الميزان ص119
****************************
- ( في رسائل النجمة السينمائية الراحلة غريتا جابو تقول : إنها قضت حياتها منعزلة عن العالم ، ولم تكن سعيدة في خلوتها وكانت تعاني من الإحباط وانتفاء الهدف وقلة المعنى في حياتها ) وهم يريدون أن تكون هذه هي قدوة المرأة المسلمة .
الحياة 25/10/1413هـ
**************************
على أية حال ليس ثمة دليل ولا في عصرنا الحاضر على أن وضع المرأة المسلمة في داخل الحريم ليس أكثر إرضاء للمرأة من وضعها في كباريهات الغرب .
ولا نشك في أن نسبة كبيرة من الـ 300 امرأة اللاتي جئن مع الحملة الفرنسية للترفيه كن سيفضلن الحريم عن العودة إلى مواخير باريس ، ولدينا حالة واحدة على الأقل تنفي هذا الزعم الذي طال ترديده عن أفضلية حياة الحانات في الغرب على حياة الحريم في الشرق ، فقد أتيح لامرأة غربية أن تختار واختارت ( أصر ديزيه على أن يرد إلى القدس عاملة فرنسية في أحد مطاعم الجيش وهي أرملة جاويش قتل في المعركة – وكان الباشا قد أخذها ليضمها إلى حريمه ، ووافق الصدر الأعظم ، ولكن زوجة الجاويش لم توافق – على العودة إلى فرنسا – وأعلنت أنها في غاية السعادة حيث هي ، وقد ظلت فعلاً تعيش في القدس سعيدة حتى عمرت ) .
ودخلت الخيل الأزهر – محمد جلال كشك ص 414 .
***********************
- تابع الدكتور ويل هوسمن وليوناردايرون من جامعة أمريكية في كاليفورنيا على مدى 20 سنة مسيرة 40 طفلاً وجدوا خلالها أن الفئة التي شاهدت برامج التلفزيون بكثافة وهي سن الحداثة كانت أقرب إلى ممارسة أنواع مختلفة من العنف لدى الجنسين .
الحياة 15/10/1413هـ
***************************
- في تقرير مفصل بعنوان مراقبة أمريكا : - وجد أن السهرة التلفزيونية الواحدة تحتوي حوالي 12 جريمة قتل و15 عملية سطو و20 عملية اغتصاب وتشليح إضافة إلى عدد كبير من الجرائم المتنوعة ، والواقع أن نسبة الجرائم حسب المعلومات الأمنية 5% بينما تصل على الشاشة إلى 65% هكذا يفعل الإعلام .
- تلميذان يتآمران لقتل معلمتهما باستخدام سكين المطبخ – طبعاً في أمريكا .
جريدة الرياض 15/10/1413هـ
*******************************
- 60% من أطفال الحضانات يعانون من المشاكل النفسية ، أهمها العناد والعدوانية .
جريدة الشرق الأوسط عدد 5250 .
****************************
- في تقرير أخير نشرته مجلة الطب النفسي الأمريكية عن الاعتداء الجنسي خلال العمل ذكرت أنه 42% من النساء العاملات يتعرضن له ، وأنه فقط أقل من 7% من الحوادث يرفع إلى الجهات المسئولة وأن 90% من المعتدى عليهن يتأثرن نفسياً و12% منهن يذهبن لطلب المعونة الطبية النفسية .
مترجم من مجلة الطب النفسي الأمريكية يناير 1994صـ 10 .
*******************************
- شرطة مانشستر تدعو النساء إلى الحجاب : جاء هذا في مجلة النهضة عدد 1181 في 1/12/1410هـ وذكر في الخبر أن الهيئة العامة للشرطة تنظيم حملة متعددة الجوانب للحد من هذه الجرائم ( حوادث الاغتصاب ) فأصدرت كتابين الأول منهما يحمل عنوان (( نصائح بسيطة للمرأة عن العنف الجنسي )) والثاني بعنوان (( نصائح بسيطة للرجل لتحاشي العنف الجنسي مع النساء )) وركز كتاب النساء على إزالة دواعي الاغتصاب ولاسيما الملابس التي ترتديها المرأة سواء كانت طفلة أو فتاة وطريقة ارتدائها لها بل يصل المؤلف إلى حد لوم المرأة على الخلاعة والكشف عن المفاتن إلى الحد الذي يثير الشباب الصعاليك والمهووسين جنسياً ويقول المؤلف إنه إذا (( اقتربت المرأة أو الفتاة من الحجاب ، فلن يلهث وراءها أحد وإلا فالمرأة أو حتى الطفلة هي الملومة أولاً وأخيراً لما يحدث لها ))
ونقول هذا واقعهم فلماذا يصر المستغربون أن نكون مثلهم !!!
******************************
- في بدايات 1990 م أقيم لقاء تلفزيوني مع رئيسة وزراء بريطانيا ما جريت تاتشر جاء فيها :.(47/136)
- تضاعف عدد الرجال والنساء المرتبطين بعلاقة غير شرعية ثلاث مرات في الفترة من 1979 حتى 1987 والمحصلة 000, 400 طفل غير شرعي وهذا دفع المعلقين إلى المطالبة بإعادة النظر في العلاقات الإنسانية :
- الحكومة سوف تتخذ من الإجراءات ما يجبر هؤلاء الآباء على تحمل نصيبهم من المسئولية .
وتقول لأن المرأة هي الخاسرة ، وهي التي تتحمل العبء الثقيل لهذا التحرر المزعوم .
الشرق الأوسط 21/1/1990 م
(1) محمد محمد حسين ، أزمة العصر ص105 والكتاب من أعظم من وقفوا في وجه الحملة التغريبية في بداياتها .
(2) محمد محمد حسين .................. باختصار .
(3) عودة الحجاب : القسم الأول ص 34جـ 4 . للشيخ الفاضل بن أحمد بن إسماعيل .
(4) المؤامرة على المرأة المسلمة د. السيد أحمد فرج ص 70 .
(5) وهو نصراني كما يظهر من اسمه .
(6) راجع عودة الحجاب القسم الأول فقد جمع فاستوفي أثابه الله .
(7) وهبي الألباني – المرأة المسلمة .
(8) راجع المرأة ماذا بعد السقوط لبدرية العزاز وفقها الله فقد أرخت لما حصل في الكويت
(9) المرأة العربية المعاصرة إلى أين ؟ د. صلاح الدين جوهر .
(10) مجلة المغترب تصدر سابقاً في الولايات المتحدة . وانظر أيضاً جريدة الوطن الكويتية في 14/ 6/ 1988 م . وفيها عرض لدراسة أكاديمية عن هذه المجلات .
(11) فتياتنا بين التغريب والعفاف للشيخ الفاضل د .ناصر العمر .
(12) المرجع السابق نقلها عن مقالة الدكتور حمود البدر
(13) التنمية الاقتصادية وأثرها في وضع المرأة في السعودية ، ص 39 .
(14) المرجع السابق : ص 76- 77- 88 .
(15) المرجع السابق : ص 172 – 182 .
(16) المرجع السابق : ص 265 – 267 . راجع المرأة وكيد الأعداء د . عبد الله وكيل الشيخ .
(17) فتياتنا بين التغريب والعفاف للشيخ الفاضل د .ناصر العمر .
(18) جريدة المسلمون في 10/ 3/ 1414 هـ
(19) مجلة رسالة الخليج العربي عدد 34 ص 310 .
ـــــــــــــــــــ(47/137)
الحجاب وأصول الإعتقاد
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه . أما بعد :
فلم يعد خافياً على أحد ما تشهده مجتمعات المسلمين اليوم من حملة محمومة من الذين يتبعون الشهوات على حجاب المرأة وحيائها وقرارها في بيتها؛ حيث ضاق عطنهم وأخرجوا مكنونهم ونفذوا كثيراً من مخططاتهم في كثير من مجتمعات المسلمين ؛ وذلك في غفلة وقلة إنكار من أهل العلم والصالحين ، فأصبح الكثير من هذه المجتمعات تعج بالسفور والاختلاط والفساد المستطير مما أفسد الأعراض والأخلاق ، وبقيت بقية من بلدان المسلمين لا زال فيها والحمد لله يقظة من أهل العلم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر حالت بين دعاة السفور وبين كثير مما يرومون إليه .
وهذه سنة الله عز وجل في الصراع بين الحق والباطل والمدافعة بين المصلحين والمفسدين .
ومن كيد المفسدين في مثل المجتمعات المحافظة مع وجود أهل العلم والغيرة أن أولئك المفسدين لا يجاهرون بنواياهم الفاسدة ؛ ولكنهم يتسترون وراء الدين ويُلبِسون باطلهم بالحق واتباع ما تشابه منه ، وهذا شأن أهل الزيغ كما وصفهم الله عز وجل في قوله : ((فّأّمَّا بَّذٌينّ فٌي قٍلٍوبٌهٌمً زّيًغِ فّيّتَّبٌعٍونّ مّا تّشّابّهّ مٌنًهٍ بًتٌغّاءّ بًفٌتًنّةٌ ابًتٌغّاءّ تّأّوٌيلٌهٌ)) [آل عمران : 7] .
وهم أول من يعلم أن فساد أي مجتمع إنما يبدأ بإفساد المرأة واختلاطها بالرجال ، ولو تأملنا في التاريخ لوجدنا أن أول ما دخل الفساد على أية أمة فإنما هو من باب الفتنة بالنساء ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : ((ما تركت فتنة هي أضر على الرجال من النساء )) [1]
وقوله صلى الله عليه وسلم : ((واتقوا النساء ؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ))[2].
وهذه حقيقة لا يماري فيها أحد ، وملل الكفر أول من يعرف هذه الحقيقة ؛ حيث إنهم من باب الفتنة بالنساء دخلوا على كثير من مجتمعات المسلمين وأفسدوها وحققوا أهدافهم البعيدة، وتبعهم في ذلك المهزومون من بني جلدتنا ممن رضعوا من ألبان الغرب وأفكاره، ولكن لأنهم يعيشون في بيئة مسلمة ولا زال لأهل العلم والغيرة حضورهم؛ فإنهم كما سبق بيان ذلك لا يتجرؤون على طرح مطالبهم التغريبية بشكل صريح لعلمهم بطبيعة تديُّن الناس ورفضهم لطروحاتهم وخوفهم من الافتضاح بين الناس ، ولذلك دأبوا على اتباع المتشابهات من الشرع ، وإخراج مطالبتهم في قوالب إسلامية وما فتئوا يلبسون الحق بالباطل .
ومن هذه الطروحات التي أجلبوا عليها في الآونة الأخيرة مطالبتهم في مجتمعات محافظة بكشف المرأة عن وجهها وإخراجها من بيتها معتمدين بزعمهم على أدلة شرعية وأقوالٍ لبعض العلماء في ذلك . ولنا في مناقشة هؤلاء القوم المطالبين بكشف وجه المرأة المسلمة أمام الأجانب واختلاطها بهم في مجتمع محافظ لا يعرف نساؤه إلا الحجاب الكامل والبعد عن الأجانب لنا في ذلك عدة وقفات :
الوقفة الأولى :
إن هناك فرقاً في تناول قضية الحجاب وهل يدخل في ذلك الوجه أم لا ؟ بين أن يقع اختلاف بين العلماء المخلصين في طلب الحق، المجتهدين في تحري الأدلة، الدائرين في حالتي الصواب والخطأ بين مضاعفة الأجر مع الشكر ، وبين الأجر الواحد مع العذر هناك فرق بين أولئك وبين من يتبع الزلات، ويحكم بالتشهي ، ويرجِّح بالهوى ؛ لأن وراء الأكمة ما وراءها ؛ فيؤول حاله إلى الفسق وَرِقَّة الدين ونقص العبودية وضعف الاستسلام لشرع الله عز وجل .
وهناك فرق بين تلك الفتاوى المحلولة العقال المبنية على التجرِّي لا على التحري التي يصدرها قوم لا خلاق لهم من الصحافيين ومن أسموهم المفكرين تعج منهم الحقوق إلى الله عجيجاً ، وتضج منهم الأحكام إلى من أنزلها ضجيجاً ، ينفرون من تغطية الوجه لا لأن البحث العلمتي المجرد أدَّاهم إلى أنه مكروه أو جائز أو بدعة كما يُرجفون ، ولكن لأنه يشمئز منه متبوعهم من كفار الشرق والغرب .
فاللهم باعد بين نسائنا وبناتنا وأخواتنا وبينهم كما باعدت بين المشرق والمغرب ) [3].
ولك أن تقدر شدة مكر القوم الذين يريدون من جانبهم أن يتَّبعوا التمدن الغربي، ثم يسوِّغون فعلهم هذا بقواعد النظام الإسلامي الاجتماعي .
ولقد أوتيت المرأة من الرخص في النظام الإسلامي أن تبدي وجهها وكفيها إذا دعت الحاجة في بعض الأحوال ، وأن تخرج من بيتها لحاجتها ، ولكن هؤلاء يجعلون هذا نقطة البدء وبداية المسير ، ويتمادون إلى أن يخلعوا عن أنفسهم ثوب الحياء والاحتشام، فلا يقف الأمر بإناثهم عند إبداء الوجه والكفين ، يل يجاوزه إلى تعرية الشعر والذراع والنحر إلى آخر هذه الهيئة القبيحة المعروفة، وهي الهيئة التي لا تخص بها المرأة الأزواج والأخوات والمحارم فقط، بل يخرجن بكل تبرج من بيوتهن، ويمشين في الأسواق، ويخالطن الرجال في الجامعات ، ويأتين الفنادق والمسارح ، ويتبسطن مع الرجال الأجانب .
ثم يأتي القوم فيحملون رخصة الإسلام للمرأة في الخروج من البيت للحاجة وهي الرخصة المشروطة بالتستر والتعفف؛ على أنه يحل لها أن تغدو وتروح في الطرقات ، وتتردد إلى المتنزهات والملاعب والسينما في أبهى زينة ، وأفتنها للناظرين ، ثم يتخذ إذن الإسلام لها في ممارسة أمور غير الشؤون المنزلية ذلك الإذن المقيد المشروط بأحوال خاصة يُتَّخذ حجة ودليلاً على أن تودِّع المرأة المسلمة جميع تبعات الحياة المنزلية ، وتدخل في النشاط السياسي والاقتصادي والعمراني تماماً وحذو القُذَّة بالقذة كما فعلت الإفرنجية .
وهاهو ذا الشيخ المودودي رحمه الله يصرخ في وجوه هؤلاء الأحرار في سياستهم ، العبيد في عقليتهم قائلاً : (ولا ندري أيُّ القرآن أو الحديث يُستخرَج منه جواز هذا النمط المبتذل من الحياة ؟ وإنكم يا إخوان التجدد إن شاء أحدكم أن يتبع غير سبيل الإسلام فهلاَّ يجترئ ويصرح بأنه يريد أن يبغي على الإسلام، ويتفلَّت من شرائعه ؟ وهلاَّ يربأ بنفسه عن هذا النفاق الذميم والخيانة الوقحة التي تزيِّن له أن يتَّبع علناً ذلك النظام الاجتماعي وذلك النمط من الحياة الذي يحرمه الإسلام شكلاً وموضوعاً ، ثم يخطو الخطوة الأولى في هذا السبيل باسم اتِّباع القرآن كي ينخدع به الناس فيحسبوا أن خطواته التالية موافقة للقرآن ؟) [4].
الوقفة الثانية :
وهي نتيجة للوقفة الأولى ، وذلك بأن ينظر إلى قضية الحجاب اليوم وما يدور بينها وبين السفور من معارك إلى أنها لم تعد قضية فرعية ومسألة خلافية فيها الراجح والمرجوح بين أهل العلم ، ولكنها باتت قضية عقدية مصيرية ترتبط بالإذعان والاستسلام لشرع الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة وعدم فصله عن شؤون الحياة كلها ؛ لأن ذلك هو مقتضى الرضى بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد
صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً .
إن التشنيع على تغطية المرأة وجهها والتهالك على خروجها من بيتها واختلاطها بالرجال ليست اليوم مسألة فقهية فرعية ولكنها مسألة خطيرة لها ما بعدها؛ لأنها تقوم عند المنادين بذلك على فصل الدين عن حياة الناس وعلى تغريب المجتمع وكونها الخطوة الأولى أو كما يحلو لهم أن يعبروا عنه بالطلقة الأولى .
وإن لنا في جعل قضية الحجاب اليوم قضية أصولية كلية مع أن محلها كتب الفروع إن لنا في ذلك أسوة في سلف الأمة ؛ حيث صنفوا بعض المسائل الفرعية مع أصول الاعتقاد لَمَّا رأوا أن أهل البدع يشنِّعون على أهل السنة فيها ويفاصلون عليها،
من ذلك ما ذكره الإمام الطحاوي في العقيدة الطحاوية في قوله عن أهل السنة والجماعة : ( ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر كما جاء في الأثر ) وعلق شارح الطحاوية على ذلك بقوله : ( وتواترت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسح على الخفين وبغسل الرجلين ، والرافضة ، تخالف هذه السنة المتواترة ) [5].
ومعلوم أن المسح على الخفين من المسائل الفقهية ؛ ولكن لأن أهل البدع أنكروه وشنعوا على مخالفيهم فيه نص العلماء عليه في عقائدهم .
إذن فلا لوم على من يجعل قضية الحجاب اليوم قضية أصولية مصيرية ، وذلك لتشنيع مبتدعة زماننا ومنافقيهم عليه ولحملتهم المحمومة لنزعه وجر المرأة بعد ذلك لما هو أفسد وأشنع من ذلك ، وأنها لم تعد مسألة فقهية يتناقش فيها أهل العلم المتجردون لمعرفة الراجح وجوانب الحاجة والضرورة فيه .
وقد صرَّح بعضُ العلماء بتكفير من قال بالسفور ورفْع الحجاب وإطلاق حرية المرأة ؛ إذا قال ذلك معتقداً جوازه .
قال الشيخ محمد بن يوسف الكافي التونسي في كتابه : ( المسائل الكافية؛ في بيان وجوب صدق خبر رب البرية ) [6]:
(المسألة السابعة والثلاثون) : من يقول بالسفور ورفع الحجاب وإطلاق حرية المرأة ففيه تفصيل :
فإن كان يقول ذلك ويُحسِّنُه للغير مع اعتقاده عَدَم جوازه ، فهو مؤمن فاسق يجب عليه الرجوعُ عن قوله ، وإظهارُ ذلك لدى العموم .
وإن قال ذلك معتقداً جوازه ، ويراه من إنصاف المرأة المهضومة الحق على دعواه ! فهذا يكفر لثلاثة أوجه :
الأول : لمخالفته القرآن : ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وبَنَاتِكَ ونِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ )) (الأحزاب : 59) .
الثاني : لمحبته إظهار الفاحشة في المؤمنين . ونتيجة رفع الحجاب ، وإطلاق حرية المرأة واختلاط الرجال بالنساء : هو ظهور الفاحشة ، وهو بيِّنٌ لا يحتاج إلى دليل .
الثالث : نسبةُ الحيف على المرأة ، وظلمها إلى الله تعالى الله عما يقول المارقون ؛ لأنه هو الذي أمر نبيه بذلك ، وهو بيِّنٌ أيضاً .
قلتُ : وظهور الفاحشة نتيجة لرفع الحجاب ، وإطلاق حرية المرأة ، واختلاط النساء بالرجال يَشهد به الواقعُ من حال الإفرنج والمتفرنجين الذين ينتسبون إلى الإسلام ، وهم في غاية البعد منه .
وصرح الشيخ محمد بن يوسف الكافي أيضاً بتكفير من أظهرت زينتها الخلقية أو المكتسبة ، معتقدة جواز ذلك ، فقال في كتابه المشار إليه ما نصُّه : (المسألة السادسة والثلاثون) : من أظهرت من النساء زينتها الخِلقية أو المكتسبة ؛ فالخلقية : الوجه والعنق والمعصم ونحو ذلك ، والمكتسبة ما تتحلى وتتزين به الخلقة كالكحل في العين، والعقد في العنق، والخاتم في الإصبع، والأساور في المعصم، والخلخال في الرِّجل، والثياب الملونة على البدن ، ففي حكم ما فعلتْ تفصيل :
فإن أظهرت شيئاً مما ذُكِرَ معتقدة عدم جواز ذلك ، فهي مؤمنة فاسقة تجب عليها التوبة من ذلك ، وإن فعلته معتقدة جواز ذلك فهي كافرة لمخالفتها القرآن ؛ لأن القرآن نهاها عن إظهار شيء من زينتها لأحد إلا لمن استثناه القرآن ، قال الله تعالى : ((ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ )) (النور : 31) .
قال هشام بن عمار : سمعت مالكاً يقول من سَبَّ أبا بكر وعمر أُدِّب ، ومن
سَبَّ عائشة قُتِل ؛ لأن الله يقول : (( يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) (النور : 71).
فمن سَبَّ عائشة فقد خالف القرآن ، ومن خالف القرآن قُتِل أي لأنه استباح ما حرَّم الله تعالى انتهى .
الوقفة الثالثة :
ليس المقصود في هذه الوقفات حشداً للأدلة الموجبة لستر وجه المرأة وكفيها عن الرجال الأجانب ووجوب الابتعاد عنهم ؛ فهي كثيرة وصحيحة وصريحة والحمد لله ويمكن الرجوع إليها في فتاوى أهل العلم الراسخين ورسائلهم كرسالة الحجاب للشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
ومن الكتب التي توسعت في هذا الموضوع وردَّت على شبهات المخالفين كتاب : (عودة الحجاب/ القسم الثالث) للدكتور محمد بن إسماعيل المقدم حفظه الله وإنما المقصود في هذه المقالة ما ذكر سابقاً من فضح نوايا المنادين بكشف الوجه والاختلاط بالرجال ، وأن وراء ذلك خطوات وخطوات من الفساد والإفساد ؛ ومع ذلك يحسن بنا في هذه الوقفة أن نشير إلى أن علماء الأمة في القديم والحديث من أجاز منهم كشف الوجه ومن لم يجزه كلهم متفقون ومجمعون على وجوب ستر وجه المرأة وكفيها إذا وُجِدَت الفتنة وقامت أسبابها ؛ فبربكم أي فتنة هي أشد من فتنة النساء في هذا الزمان ؛ حيث بلغت وسائل الفتنة والإغراء بهن مبلغاً لم يشهده تاريخ البشرية من قبل ، وحيث تفنن شياطين الإنس في عرض المرأة بصورها المثيرة في كل شيء في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ، وأخرجوها من بيتها بوسائل الدعاية والمكر والخداع ؛ فمن قال بعد ذلك : إن كشف المرأة عن وجهها أو شيء من جسدها لا يثير الفتنة فهو والله مغالط مكابر لا يوافقه في ذلك من له مُسْكَة من دين أو عقل أو مروءة .
وبعد التأكيد على أن أهل العلم قاطبة متفقون على وجوب تغطية الوجه إذا وجدت الفتنة يتبين لنا أن خلافهم في ذلك كان محصوراً فيما إذا أُمِنَتِ الفتنةُ ، ومع ذلك فتجدر الإشارة أيضاً إلى أن هذا القدر من الخلاف بقي خلافاً نظرياً إلى حد بعيد ؛ حيث ظل احتجاب النساء هو الأصل في الهيئة الاجتماعية خلال مراحل التاريخ الإسلامي.
وفيما يلي نُقُول عن بعض الأئمة تؤكد أن التزام الحجاب كان أحد معالم (سبيل المؤمنين ) في شتى العصور : قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى : ( كانت سُنَّة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحرة تحتجب ، والأَمَةُ تبرز ) [7].
وقال أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى : ( لم يزل الرجال على مر الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن متنقبات) [8].
وقال الحافظ ابن حجر : (لم تزل عادة النساء قديماً وحديثاً أن يسترن وجوههن عن الأجانب )[9].
وقد يتعلق دعاة السفور أيضاً ببعض الحالات التي أذن الشارع للمرأة فيها بكشف وجهها لغير محارمها كرؤية الخاطب لمخطوبته ، وعند التداوي إذا عدمت الطبيبة بشرط عدم الخلوة وعند الشهادة أمام القاضي ونحوها، وهذا كله من يُسْر الشريعة وسماحة الإسلام ؛ حيث رُخِّص للمرأة إذا اقتضت المصلحة الراجحة والحاجة الماسة أن تكشف عن وجهها في مثل هذه الأحكام ؛ وليس في هذا أدنى
مُتَعَلَّق لدعاة السفور؛ لأن الأصل هو الحجاب الكامل وهذه رخص تزول إذا زالت الحاجة إليه .
الوقفة الرابعة :
ومن منطلق النصح والشفقة وإقامة الحجة أتوجه بالكلمات الآتية إلى أولئك القوم الذين ظلموا أنفسهم وأساؤوا إلى مجتمعهم وأمتهم وخانوا أماناتهم وحملوا بذلك أوزارهم وأوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون فأرجو أن تجد هذه الكلمات آذاناً صاغية وقلوباً واعية قبل مباغتة الأجل وهجوم الموت ؛ حيث لا تقبل التوبة ولا ينفع الندم .
* أذكِّركم بموعظة الله تعالى ؛ إذ يقول : (( قُلْ إنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لله مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)) (سبأ : 46) .
فماذا عليكم لو قام كل فرد منكم مع نفسه أو مع صاحبه ، ثم فكرتم فيما أنتم عليه من إفساد وصد عن سبيل الله عز وجل ، هل أنتم مقتنعون بما تفعلون وبما تجرُّونه على أمتكم من الفتن ؟ وهل هذا يرضي الله تعالى ، ويجلب النعيم لكم في الآخرة ؟ إنكم إن قمتم لله عز وجل متجردين مثنى أو فرادى ، وفكرتم في ذلك فإن الجواب البدهي هو أن الفساد والإفساد لا يحبه الله عز وجل ، بل يمقته ، ويمقت أهله ، وسيأتي اليوم الذي يمقت فيه أهل الفساد أنفسهم، ويتحسرون على ما فرطوا وضيعوا وأفسدوا ، وذلك في يوم الحسرة ؛ حيث لا ينفع التحسر ولا التندم ، فعليكم بالتوبة قبل أن يحال بينكم وبينها .
* أذكِّركم بيوم الحسرة والندامة يوم يتبرأ منكم الأتباع وتتبرؤون من الأتباع ، ولكن حين لا ينفع الاستعتاب ولا التنصل ولا التبرؤ ، بل كما قال تعالى : ((وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا العَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) (سبأ : 33) .
* أذكِّركم بالأثقال العظيمة التي ستحملونها يوم القيامة من أوزاركم وأوزار الذين تضلونهم بغير علم إن لم تتوبوا ، قال تعالى : ((ولَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ولَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ القِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ)) (العنكبوت : 13).
وقال عز وجل : (( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ ومِنْ أَوْزَارِ الَذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ )) (النحل : 25) .
وإن الظالمين جميعهم رئيسهم ومرؤوسهم، تابعهم ومتبوعهم لهم يوم مشهود ويوم عصيب ، يوم يكفر بعضهم ببعض ، ويلعن بعضهم بعضاً، ويحيل التبعة بعضهم على بعض؛ ولكن حين لا يجدي لهم ذلك إلا الخزي والبوار .
* إن لم يُجْدِ واعظُ الله سبحانه والدار الآخرة فيكم فلا أقل من أن يوجد عندكم بقية مروءة وحياء تمنعكم من إفساد المرأة وإفساد المجتمع بأسره .
إن المتأمل لحال المتبعين للشهوات اليوم ليأخذه العجب والحيرة من أمرهم ! فما لهم وللمرأة المسلمة التي تقر في منزلها توفر السكن لزوجها وترعى أولادها ؟
ماذا عليهم لو تركوها في هذا الحصن الحصين تؤدي دورها الذي يناسب أنوثتها وطبيعتها ؟
ماذا يريدون من عملهم هذا ؟ !
ثم ماذا عليهم لو تركوا أولاد المسلمين يتربون على الخير والدين والخصال الكريمة ؟
ماذا يريدون من إفسادهم وتسليط برامج الإفساد المختلفة عليهم ؟ هل يريدون جيلاً منحلاًّ يكون وبالاً على مجتمعه ذليلاً لأعدائه عبداً لشهواته ؟ إن هذه هي النتيجة؛ وإن من يسعى لهذه النتيجة الوخيمة التي تتجه إليها الأسر المسلمة اليوم لهو من أشد الناس خيانة لمجتمعه وأمته وتاريخه .
إن من عنده أدنى مروءة ونخوة فضلاً عن الدين والإيمان لا يسمح لنفسه أن يكون من هؤلاء الظالمين، وما ذُكِرَ من إفساد الأسرة إنما هو على سبيل المثال لا الحصر؛ فيا من وصلوا إلى هذا المستوى من الهبوط والجناية ! توبوا إلى ربكم، وفكِّروا في غايتكم ومصيركم، واعلموا أن وراءكم أنباءاً عظيمة وأهوالاً جسيمة تشيب لها الولدان، وتشخص فيها الأبصار؛ فإن كنتم تؤمنون بهذا فاستيقظوا من غفلتكم وراجعوا أنفسكم ، والله جل وعلا يغفر الذنوب جميعاً، وإن كنتم لا تؤمنون بذلك فراجعوا دينكم ، وادخلوا في السلم كافة قبل أن يحال بينكم وبين ما تشتهون .
* يا قومنا ! أعدوا للسؤال جواباً وذلك حين يسألكم عالم الغيب والشهادة عن مقاصدكم في حملتكم وإجلابكم على المرأة وحجابها وقرارها في بيتها ، فماذا أنتم قائلون لربكم سبحانه ؟ إنكم تستطيعون أن تفروا من المخلوق فتدلِّسون وتلبِّسون ، وقد يظهر ذلك للناس في لحن القول وقد لا يظهر ؛ لكن كيف الفرار ممن يعلم ما تخفون وما تعلنون ؟ ((يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)) [الحاقة : 81] .
فتوبوا إلى علاَّم الغيوب ما دمتم في زمن التوبة ، وصحِّحوا بواطنكم قبل أن يُبعثَر ما في القبور ويُحَصَّل ما في الصدور .
وختاماً :
أوصي نفسي وإخواني المسلمين الحريصين على دينهم وأعراضهم وسلامة مجتمعاتهم من الفساد بأن يكونوا يقظين لما يطرحه الظالمون لأنفسهم وأمتهم من كتابات وحوارات مؤداها دعوة إلى سفور المرأة واختلاطها بالرجال الأجانب ، فما دامت المدافعة بين المصلحين والمفسدين فإن الله عز وجل يقذف بالحق على الباطل فإذا هو زاهق . وينبغي أن لا ننسى في خضم الردود على ما يكتبه المفسدون من الشبهات والشهوات ؛ ذلكم السيل الهادر الذي يتدفق من وسائل الإعلام المسموعة والمرئية في بلاد المسلمين ؛ وذلك بما تبثه الإذاعات والتلفاز والقنوات الفضائية من دعوة للمرأة إلى السفور ومزاحمة الرجال في الأعمال والطرقات ، والتمرد على الرجل سواء كان أباً أو زوجاً أو أخاً ؛ ولقد ضربت هذه الوسائل بأطنابها في بلاد المسلمين فكان لزاماً على المصلحين محاربتها وإبعادها عن بيوت المسلمين قدر الاستطاعة ، فإن لم يكن إلى ذلك سبيل فلا أقل من تكثيف الدعاية ضدها والتحذير
من شرها ووقاية المسلمين من خطرها ؛ وذلك بإصدار الفتاوى المتتابعة والخطب المكثفة حول أضرارها وأثرها المدمر للدين والأخلاق ؛ فإنها والله لا تقل خطراً عما تكتبه الأقلام الآثمة عن المرأة إن لم تزد عليه ، والمقصود أن لا يكتفي المصلحون بمحاربة ما يكتبه المفسدون في الصحف والمجلات عن المرأة فإن هم سكتوا سكت المصلحون وظنوا أن الخطر قد انتهى . كلا ! إن الخطر لم ينته وإن المعركة مستمرة ؛ لأن الخطر الأكبر لا يزال قائماً ما دامت الوسائل المسموعة والمرئية لا
تكفُّ عن المرأة والاستهزاء بحجابها وقرارها في بيتها وقوامة الرجل عليها، وإثارة الشبهات في ذلك .
أسأل الله عز وجل أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يعز دينه ويعلي كلمته ، وأن يرد كيد المفسدين في نحورهم . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
[1] رواه البخاري ، ح/ 6074 .
[2] رواه مسلم ، ح/ 5294 .
[3] انظر عودة الحجاب ، 3/ 734 .
[4] انظر مقدمة عودة الحجاب للدكتور محمد إسماعيل المقدم ، ص 22 ، 32 باختصار وتصرف يسير .
[5] شرح الطحاوية ، ص 683 .
[6] عن كتاب الصارم المشهور على أهل التبرج والسفور ، للشيخ حمد التويجري رحمه الله .
[7] تفسير سورة النور ، ص 56 .
[8] إحياء علوم الدين ، 4 / 927 .
[9] فتح الباري ، 9/423 .
ـــــــــــــــــــ(47/138)
تعريف العشق :
o لغة : يدل على تجاوز حد المحبة .
o اصطلاحاً : هو فساد الإدراك والتخيل والمعرفة فإن العاشق يخيل له المعشوق على خلاف ما هو به حتى يصيبه ما يصيبه من داء العشق .
- من أسماء العشق ، وذكر ابن القيم خمسين اسماً للعشق منها :
( المحبة ، العلاقة ، الهوى ...)
- أنواع العشق :
o عشق الرجال للنساء .
o عشق النساء للرجال .
o عشق الرجال للرجال .
O عشق النساء للنساء .
- خطر العشق وضرره .
- أسباب العشق :
1. الإعراض عن الله عز وجل .
2. الجهل بأضرار العشق .
3. الفراغ .
4. وسائل الإعلام .
5. التقليد الأعمى .
6. الانحراف في مفهوم الحب والعشق .
7. الاغترار ببعض الأقوال التي تبيح العشق .
8. التهتك والتبرج والسفور .
9. إطلاق البصر .
10. المعاكسات الهاتفية .
- كيفية التوبة من العشق .
- الأسباب المعينة على التخلص من العشق :
1. الإخلاص لله عز وجل .
2. الدعاء .
3. غض البصر ، ومن فوائد غض البصر :
تخليص القلب من ألم الحسرة .
أنه يورث القلب نوراً .
أنه يورث صحة الفراسة .
أنه يفتح له طرق العلم .
أنه يورث قوة القلب .
أنه يورث القلب سروراً وفرحاً .
أنه يخلص القلب من أسر الشهوة .
أنه يسد عنه باباً من أبواب جهنم .
أنه يقوي العقل ويزيده ويثبته .
أنه يخلص القلب من سكر الشهوة .
4. التفكر والتذكر .
5. البعد عن المحبوب المعشوق .
6. الاشتغال بما ينفع .
7. الزواج .
8. عيادة المرضى .
9. مواصلة مجالس الذكر .
10. قطع الطمع باليأس ، وقوة العزم على قهر الهوى .
11. المحافظة على الصلاة .
12. زجر الهمة الأبية .
13. شرف النفس وزكاؤها وحميتها .
14. التفكر في عيوب المحبوب .
15. تصور فقد المحبوب .
16. النظر في العاقبة .
17. أن يعلم المبتلى أن الابتلاء سبب في ظهور جواهر الرجال .
18. النظر فيما يفوته التشاغل بالعشق من الفضائل .
19. النظر في حال العشاق .
المرجع : رسائل في التربية والأخلاق والسلوك – محمد الحمد – دار ابن خزيمة – صـ 337
وللاستزادة : العشق – محمد بن إبراهيم الحمد – دار الوطن
ـــــــــــــــــــ(47/139)
مناصحة الرجل للمرأة الأجنبية عنه
المفتي ... اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء
رقم الفتوى ... 10059
تاريخ الفتوى ... 16/10/1425 هـ -- 2004-11-28
تصنيف الفتوى ...
السؤال ...
كانت هناك فتاة مسلمة معنا في المدرسة، وكانت متبرجة أي تبرج، وكانت تذهب إلى المراقص والملاهي الليلية، وتجلس مع شباب أوربيين، لم أتجرأ على دعوتها بالحديث معها مباشرة، ولكنني أرسلت لها رسالة نبهتها فيها على ما هي عليه من التبرج والسفور، وذكرتها ببعض الآيات والأحاديث، كل ذلك مصحوبًا بكتيب (فتاوى اجتماعية) والذي يتضمن فتواكم يحفظكم الله بشأن التبرج والسفور والسفر إلى الخارج.
والسؤال: هل ما قمت به جائز؛ لأنها فتاة غريبة عني؟
الجواب ...
إذا رأيت من مسلم مخالفة شرعية فعليك بنصحه، وإهداء الكتب المفيدة إليه؛ لأن هذا من التعاون على البر والتقوى، وما فعلته مع هذه الفتاة من المناصحة أمر واجب عليك، وتؤجر عليه إن شاء الله.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
ـــــــــــــــــــ(47/140)
ــــــــــــــــــــــ
مصدر الفتوى: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 17/ ص 72) [ رقم الفتوى في مصدرها: 17042] د
ـــــــــــــــــــ(47/141)
منع الولد لوالده من السفر إلى بلاد المشركين
المفتي ... الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان
رقم الفتوى ... 9925
تاريخ الفتوى ... 16/10/1425 هـ -- 2004-11-28
تصنيف الفتوى ...
السؤال ...
والدي فوق الستين عامًا من عمره، ويسافر كثيرًا إلى بلاد الكفر للفسق والسفور، وقد نصحته كثيرًا، وهو يوبخني بأنه يريد أن يمتع نفسه؛ فهل علي أن أطلب الحجر عليه ومنعه من السفر؟ أم أتركه وشأنه مرضاة لقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء: 23]؟
الجواب ...
يجب عليك مناصحة والدك عن السفر إلى بلاد الكفر، وحثه على التوبة، وإذا كان بإمكانك منعه من ذلك وجب عليك منعه؛ لأن ذلك من أجل مصلحته، ومن التعاون معه على البر والتقوى، ومن إنكار المنكر، أما إذا كنت لا تستطيع منعه؛ فيكفيك مناصحته والإنكار عليه.
وعلى كل حال؛ مناصحتك له ومنعه إن أمكن هو من أعظم الإحسان إليه؛ فهو داخل في قوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}.
ـــــــــــــــــــ(47/142)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(47/143)
ـــــــــــــــ
مصدر الفتوى: المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان - (ج 1/ ص259) [ رقم الفتوى في مصدرها: 157]
ـــــــــــــــــــ(47/144)
حكم خلع النقاب لدخول الامتحان، وطاعة الأب في ذلك
المفتي ... اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء
رقم الفتوى ... 8621
تاريخ الفتوى ... 27/9/1425 هـ -- 2004-11-10
تصنيف الفتوى ...
السؤال ...
التحقت بكلية الآداب قسم لغة عربية، وأنا ألبس النقاب، وكان ذلك في العطلة، أي قبل دخول الكليات، ولكن كما عرفتم ما حدث في مصر في سبتمبر 1981م، فمنع النقاب في الكليات، وكنت قد ارتديته دون موافقة والدي ووالدتي بعد أن بينت لهم أنه واجب من (تفسير ابن كثير)، و(رسالة السفور والحجاب)، و(تفسير آيات الأحكام)، و(أحكام النساء) وكثير من الكتب، وكلما وجدت دليلاً قلته لهم، ولكن لم يوافقوا، فلبسته دون موافقتهم، والآن أنا منتسبة إلى الكلية، ويعتبر النقاب فضلاً وليس فرضًا، ويريد مني خلعه، فمرة يكلمني بالهدوء والمسايسة، ومرة بالتهديد بخلعه بالقوة، وأنا في حيرة ما العمل؟ هل دخول الامتحان آخر العام يعتبر ضرورة تجعلني أخلع النقاب في هذه الفترة أم لا، وهل عدم سماعي لكلام أبي آخذ ذنبًا عليه؟ وإذا كان دخول الامتحان ليس ضرورة فماذا أفعل لإقناع أبي؟
الجواب ...
ليس دخول الامتحان ضرورة تبيح خلع النقاب، ولبس النقاب واجب ولا طاعة لوالدك في أمره لك بترك النقاب؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ(47/145)
ـــــــــــــــــــــ
مصدر الفتوى: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 17/ ص 261) [ رقم الفتوى في مصدرها: 6105]
ـــــــــــــــــــ(47/146)
منع الولد لوالده من السفر إلى بلاد المشركين
المفتي ... الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان
رقم الفتوى ... 8553
تاريخ الفتوى ... 27/9/1425 هـ -- 2004-11-10
تصنيف الفتوى ...
السؤال ...
والدي فوق الستين عامًا من عمره، ويسافر كثيرًا إلى بلاد الكفر للفسق والسفور، وقد نصحته كثيرًا، وهو يوبخني بأنه يريد أن يمتع نفسه؛ فهل علي أن أطلب الحجر عليه ومنعه من السفر؟ أم أتركه وشأنه مرضاة لقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء: 23]؟
الجواب ...
يجب عليك مناصحة والدك عن السفر إلى بلاد الكفر، وحثه على التوبة، وإذا كان بإمكانك منعه من ذلك وجب عليك منعه؛ لأن ذلك من أجل مصلحته، ومن التعاون معه على البر والتقوى، ومن إنكار المنكر، أما إذا كنت لا تستطيع منعه؛ فيكفيك مناصحته والإنكار عليه.
وعلى كل حال؛ مناصحتك له ومنعه إن أمكن هو من أعظم الإحسان إليه؛ فهو داخل في قوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}.
ـــــــــــــــــــ(47/147)
ـــــــــــــــــــــ
مصدر الفتوى: المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان - (ج 1/ ص259) [ رقم الفتوى في مصدرها: 157]
ـــــــــــــــــــ(47/148)
حكم السفور والاختلاط والخلوة بالأجنبية
المفتي ... اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء
رقم الفتوى ... 6707
تاريخ الفتوى ... 19/9/1425 هـ -- 2004-11-02
تصنيف الفتوى ...
السؤال ...
يوجد بعض المجتمعات، خصوصًا في جهات الجنوب، يحصل بينهم اختلاط الرجال بالنساء وبغير غطاء شرعي، ويحصل أحيانًا الخلوة بين الرجل وامرأة ليست له محرم، وإذا نصحوا من هذا لا ينتصحون، بل يقولون: قلوبنا طاهرة، وإذا قيل لهم: إن هذا الأمر أمر به الصحابة وقلوبهم أطهر من قلوبكم، لا يتعظوا بهذا، ويحاولون التملص من الحجة بأعذار واهية، فنطلب بيان حكم الشرع في هذا الأمر، ومن تقع عليه المسئولية تجاه هذا الأمر، وهل يجب على المرأة أنها تطبق الحجاب وتمتنع عن الاختلاط، حتى ولو لم يأمرها وليها أو زوجها بذلك، بماذا تنصحون في مثل هذا الأمر، وهل يجب على الرجل أن يمتنع عن اختلاطه بالنساء غير المحارم، ويمتنع عن الخلوة بالنساء غير المحارم، حتى ولو كان قلبه نظيف كما يزعم.
الجواب ...
كشف العورة حرام، سواء كان من رجل أم امرأة، واختلاط الرجال بالنساء اختلاطًا يثير الفتنة ويكون ذريعة للفساد حرام، وخلوة المرأة بغير محرمها وزوجها حرام. وعلى كل مكلف من الرجال والنساء أن يصون عرضه، ويلتزم بشريعة ربه، وعلى ولي الأمر الخاص والعام أن يأخذ على أيدي السفهاء، ويعزر من يتجاوز شرع الله وحدوده وآدابه.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
ـــــــــــــــــــ(47/149)
ــــــــــــــــــــ
مصدر الفتوى: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 17/ ص 54) [ رقم الفتوى في مصدرها: 7484]
ـــــــــــــــــــ(47/150)
حكم خلع النقاب لدخول الامتحان، وطاعة الأب في ذلك
المفتي ... اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء
رقم الفتوى ... 6075
تاريخ الفتوى ... 14/9/1425 هـ -- 2004-10-28
تصنيف الفتوى ...
السؤال ...
التحقت بكلية الآداب قسم لغة عربية، وأنا ألبس النقاب، وكان ذلك في العطلة، أي قبل دخول الكليات، ولكن كما عرفتم ما حدث في مصر في سبتمبر 1981م، فمنع النقاب في الكليات، وكنت قد ارتديته دون موافقة والدي ووالدتي بعد أن بينت لهم أنه واجب من (تفسير ابن كثير)، و(رسالة السفور والحجاب)، و(تفسير آيات الأحكام)، و(أحكام النساء) وكثير من الكتب، وكلما وجدت دليلاً قلته لهم، ولكن لم يوافقوا، فلبسته دون موافقتهم، والآن أنا منتسبة إلى الكلية، ويعتبر النقاب فضلاً وليس فرضًا، ويريد مني خلعه، فمرة يكلمني بالهدوء والمسايسة، ومرة بالتهديد بخلعه بالقوة، وأنا في حيرة ما العمل؟ هل دخول الامتحان آخر العام يعتبر ضرورة تجعلني أخلع النقاب في هذه الفترة أم لا، وهل عدم سماعي لكلام أبي آخذ ذنبًا عليه؟ وإذا كان دخول الامتحان ليس ضرورة فماذا أفعل لإقناع أبي؟
الجواب ...
ليس دخول الامتحان ضرورة تبيح خلع النقاب، ولبس النقاب واجب ولا طاعة لوالدك في أمره لك بترك النقاب؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ(47/151)
ــــــــــــــــــ
مصدر الفتوى: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 17/ ص 261) [ رقم الفتوى في مصدرها: 6105]
ـــــــــــــــــــ(47/152)
فتياتنا بين الحجاب وصرعة الأزياء
...
...
الاحد :27/11/2005
(الشبكة الإسلامية)
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> للشباب فقط >> قضايا شبابية
...
...
.
لا شك أن زي الفتاة ومظهرها دليل عفتها وطهارتها أو علامة على عكس ذلك، ومن خلال ما تلبسه المرأة يمكن في أكثر الأحوال الحكم على نوع ما تحمله من فكر وخلق.
ولا يستطيع أحد أن ينكر أن المرأة كلما كانت محتشمة في زيها متأدبه في مشيتها مع وقار في هيئتها كل ذلك ينم عن داخل نقي ومنبت زكي ونفس طاهرة، وبقدر ما يظهر ذلك على الفتاة بقدر ما تبتعد عنها همم اللئام وأفكار وأنظار الذئاب، وأطماع الكلاب، وتطلعات مرضى القلوب، ولصوص الأعراض.
والفتاة التي تتفنن في إظهار مفاتنها من خلال الموضات المثيرة التي تظهر أكثر مما تخفي سواء بإظهار مفاتن البدن من خلال لبس الأزياء العارية أو الضيقة التي تصف تقاطيع البدن أو الخفيفة التي تشف عما تحتها أو من خلال الموضات الصارخة والعجيبة والغريبة التي تلفت الانتباه وتعلق عين الناظر هذا كله يعرض الفتاة لأن يتعرض لها الفسقة ومرضى النفوس والقلوب .. وهي في ذات الوقت تعرض نفسها لخطر هي في غنى عنه.
والغريب أن فتياتنا وبناتنا بتن يلهثن وراء الموضات في سعار غريب ورغبة محمومة للبحث عن كل جديد حتى وإن كان يخالف شريعتنا وعقيدتنا بل وأعرافنا أيضا، وفي كثير من الأحيان تكون الحالة المادية للأسر لا تسمح بمثل هذا التطرف في اختيار الموضات الذي تصر عليه بناتنا وفتياتنا بحجة الظهور بالمظهر اللائق وعدم الإحراج أمام بقية البنات في المدارس أو الطالبات في الجامعة أو الزميلات في العمل..
ونظرة إلى واقع مدارسنا المتوسطة والثانوية وجامعاتنا وشوارع كثير من بلداننا مع إطلالة سريعة على ما تعرضه محلات الأزياء في أسواقنا تدلنا على واقعنا ومدى ما وصل إليه فكر نسائنا وبناتنا، وقد وصل الحال في بعض البلدان أنك لا تستطيع أن تفرق بينها وبين شوارع أوروبا وبلاد الغرب.. وهذا نذير شؤم أن يصل حال نسائنا يوما إلى ماوصل حال نسائهم إليه.
هذا الكلام أعلم أنه لا يعجب دعاة التحرر حملة لواء الاختلاط ودعوات المساواة .. وغيرها من المسميات المزيفة، الذين يرون في عفة المرأة ردة عن طريق الحرية وتخلفا عن طريق المدنية، وانتكاسا في المنظومة الفكرية!! وربما لا يعجب هذا الكلام أيضا بعض أخواتنا الفتيات ظنا منهن أن هذا افتئات على آرائهن الفكرية واختياراتهن التحررية، وحريتهن الشخصية. أو يرين أن الواقع على خلاف ما نقول وأن نظرتنا نظرة تشاؤمية أو مبالغا فيها..
ولذلك سنترك الكلام لمن سبقنا في هذا التحرر المزعوم ونال منه المطلوب وزيادة فكانت العاقبة ما أظهره استطلاع أجرته منظمة العفو الدولية في لندن، وشمل نحو 1000 رجل وامرأة، حيث كانت النتيجة أن السبب الأساسي لجرائم الاغتصاب التي يشهدها الشارع البريطاني، تعود لـ"عبث المرأة" و "لباسها الفاضح"، لتتحمل، بذلك، مسؤولية تعرضها للاعتداء.
وقد تفاجأ المشاركون في الاستطلاع بأن معظم جرائم الاغتصاب لا تتم من قبل غرباء كما كانوا يعتقدون، حيث تظهر الوقائع أن 80% من هذه الاعتداءات تحدث من قبل أصدقاء، أو أشخاص معروفين من قبل الضحايا.
وأعربت المشرفة على الاستطلاع كات ايلين، عن "قلقها الشديد" تجاه هذه الأرقام، مشيرة إلى ضرورة اتخاذ الحكومة البريطانية لخطوات تجاه هذه الجرائم. ولفتت إلى أن أغلبية المشاركين في الاستفتاء يعتقدون أنه توجد أكثر من 10 آلاف امرأة تتعرض للاغتصاب سنوياً، بينما يتجاوز الرقم الحقيقي لحالات الاغتصاب، بحسب الخبراء، الـ 50 ألف امرأة سنويا.
ومن النتائج التي خلص إليها الاستطلاع، اعتبار 30 % أن العديد من النساء يتحملن مسؤولية تعرضهن للاغتصاب لأسباب عدة منها اللباس الفاضح والمظهر المثير.(انتهى الخبر).
ومن هذا الاستفتاء نعلم أن هناك 137 حالة اغتصاب يوميا .. ولذلك ضج الغيورون وأصحاب العقول وأولياء الأمور في الغرب وضاقوا ذرعا بما وصل إليه حال المرأة هناك، وبدأ الكثيرون يطالبون باتخاذ إجراءات لإصلاح الأحوال في الوقت الذي يسعى أناس في بلادنا لنبدأ نحن الطريق من أوله بل من آخره إذ إن نهاية المرأة الغربية هو ما يريد دعاة السفور أن يكون بداية للمرأة المسلمة والعربية.
إن الله سبحانه لما كان أعلم بما يصلح العباد والبلاد والرجال والنساء، أمر المرأة أن تخفي مفاتنها وتستر نفسها عن كل من لا يحل له النظر إليها فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً" الأحزاب:59
فأمر الله المسلمة بالحجاب الذي هو علامة العفاف والطهارة يستر جميع بدنها، صفيقاًً لا يشف، فضفاضاً واسعاً لا يصف، لا يشبه ملابس الكافرات، ولا ملابس الرجال، وليس بزينة في نفسه، ولا بثوب شهرة.. فلا يلفت نظرا ولا يبعث على ريبة.. فإذا رأى منها أحد هذا الظاهر لم تطمح إليها عينه ولم يطمع فيها قلبه؛ فيحفظها حجابها ووقار ثيابها من التعرض للمعاكسات وسماع كلمات الغزل النابيات أوالتعرض لها بما هو أكبر من ذلك.
إن حجاب المرأة تشريف وتكريم لها، وليس تضييقا عليها، بل هو حلة جمالها وصفة كمالها، وهو أعظم دليل على إيمانها وسمو أخلاقها، وطاعة ربها واتباع نبيها "ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما".
ـــــــــــــــــــ(47/153)
ماذا يريد محررو المرأة
...
...
الاحد :26/09/2004
(الشبكة الإسلامية)
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> دعوة وإعلام >> الدعوة
...
...
سؤال يحتاج إلى وقفة، بل وقفات لمعرفة تلك الدعوة التي في ظاهرها حسنة مقبولة محببة، ما إن تسمع بها الفتاة إلا انجذبت إليها، وسارت في ركابها، مسحورة ببريقها الخداع، وزينتها الكاذبة، ووعودها الكثيرة المفتراة.
فماذا يريد هؤلاء الدعاة من ادعائهم تحرير المرأة، وما هي أهدافهم؟ وما الذي يسعون إليه، ويبذلون من أجله، ويضحون له؟
إن حركة تحرير المرأة، حركة علمانية، نشأت في مصر في بادئ الأمر، ثم انتشرت في أرجاء البلاد الإسلامية، تدعو إلى تحرير المرأة من الآداب الإسلامية والأحكام الشرعية الخاصة بها مثل الحجاب، وتقييد الطلاق، ومنع تعدد الزوجات والمساواة في الميراث وتقليد المرأة الغربية في كل أمر ... ونشرت دعوتها من خلال المجلات والجمعيات والاتحادات النسائية في العالم العربي.
ثم توسعت الدائرة إلى مؤتمرات بإشراف هيئات عالمية، تقوم بتقنين تلك الأفكار، والإلزام بتطبيقها، وحشد التأييد لها، والإنفاق السخي اللامحدود من أجلها، فلماذا كل هذا؟ وما الذي يريدون نشره والدعوة إليه تحت شعار تحرير المرأة؟
إنهم يريدون ويقصدون بتحرير المرأة ما يلي:
1- الحرية والانعتاق من أي سلطان أو التزام، وإبعادها عن الدين والقيم والأخلاق، وجعلها وفق التصور والمفهوم الغربي.
2- يريدون إخراجها من مملكتها العظيمة، ودارها المكينة، وسلطانها الوارف، وخيرها الدائم، ألا وهو البيت، لتزاحم وتنافس غيرها في تخصصاتهم، ثم يأتي من ينافسها في دارها، ويفسد عليها مملكتها.
3- يريدون لها السفور وأن تتخلى عن الحجاب، فتكشف مفاتنها لغير زوجها، ويطّلع على جمالها غير محارمها.
4- يريدون لها التزين والتطيب والتغنج لكل أحد، ولا تبقى خالصة لزوجها، وفي كل مكان حتى يصير البيت وغيره سواء.
5- يريدون لها مخالطة الرجال الأجانب، وفي كل المجالات في المدارس والجامعات والمؤسسات، والأسواق، من أجل هدم الحياء، وإزالة الحواجز النفسية، والاجتماعية.
6- يريدون لها المساواة بالرجل في كل شئ، حتى في التخصصات التي لا تصلح للمرأة ولا تقوى عليها، سواء لطبيعتها الأنثوية، أوضعف قدراتها الجسدية، وزادوا في المطالبة بالمساواة حتى تجرؤا على شرع الله، فقالوا بالمساواة في الميراث مع الرجل.
7- بل يريدون لها أكثر من ذلك، فلا مانع من أن توجد علاقات مع الأجانب غير المحارم، تبدأ علاقات تعارف وصداقة، ثم تتوسع إلى حرية جنسية مع غير الزوج والعياذ بالله.
8- يريدون لها حرية التحكم في الجنين الذي في أحشائها من حيث إبقائه، أو إسقاطه وإجهاضه.
9- يريدون لها حرية التصرف في جسدها كما تشاء دون ضابط شرعي، أو استشارة ولي، أو مراعاة عادات ولو كانت حميدة وسديدة.
10- يريدون لها ممارسة البغاء ومعاشرة الأخدان دون حياء، شأنها شأن الكافرات اللاتي لا يحرصن على عرض، فلا يعرفن البكارة ولا يحرصن عليها.
11- يريدون لها الابتعاد عن الزواج وتأخيره وتعقيد أمره بحجة التعليم والعمل، وصعوبة التعامل مع الأزواج .
12- يريدون منها رفض مبدأ تعدد الزوجات الذي شرعه الحكيم العليم، وتشويهه، والضغط على الزوج للاكتفاء بزوجة واحدة.
13- يريدون لها ترك الزواج، والأخذ بالبدائل المحرمة، كالصاحب والصديق والعشيق، وممارسة الزنى والسحاق، والدخول مع المماثل في ممارسة فعلية تؤدي إلى الاكتفاء به عن الشريك الطبيعي.
14- يريدون فرض مصطلحات جديدة لمفهوم الأسرة، يمكن أن تشمل الجنسين، وإبعاد الفوارق بين الذكر والأنثى، وتتضمن هذه النزعة فرض فكرة حق الإنسان في تغيير هويته الجنسية وأدواره المترتبة عليها، ومن ثَمَّ الاعتراف رسمياً بالشذوذ.
15- يريدون لها التهتك والإباحة والرقص والفجور وشرب الخمور والقمار، ثم الإلحاد وإنكار الأديان والكفر بالله وبالأنبياء، والسخرية بالدين وبالمتمسكين به.
16- يريدون لها ممارسة ثقافة الجنس والجسد بعيدا عن الدين والعرف الاجتماعي، وذلك من خلال ممارسة فنون صناعة الجسد وفنون الاهتمام باللذة الجنسية ومستلزماتها من الإعلان, والتجميل, والموضة, والعطور, والملابس الداخلية والخارجية, والإكسسوارات, ومسابقات الجمال, وعروض الأزياء, وفنانات ذوات أجساد.
17- يريدون لها أكثر مما مضى، وزادوا فجوراً ونكراً، فسموا العفة التي أمر الله بها في كل دين كبتاً، وصارت الدعوة سافرة إلى تخفيف هذا الكبت عن الشبان من الجنسين، بل صارت الدعوة علانية إلى البغاء، لا يستحي الداعون إليه، بل يريدون تنظيم البغاء حتى لا يضار الشبان من الكبت، فهؤلاء ملعونون فى كل دين وعلى لسان كل نبي.
18- يريدون إزالة الاختلافات بين الرجل والمرأة، واستخدام (التنمية) للتعبير عن الحرية الجنسية والانفلات الأخلاقي، واستخدام كلمة (السلم) لمطالبة الحكومات بخفض نفقاتها العسكرية وتحويل الإنفاق إلى خطط التخريب والتدمير للأيديولوجية النسوية الجديدة؛ حيث تلزم مقررات بكين مثلاً الحكومات المحلية بتنفيذ الأهداف الاستراتيجية للنظام العالمي الجديد فيما يتصل بإقرار الأيديولوجية النسوية الجديدة، وذلك بمساعدة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وبالطبع فإنه يستهدف من وراء ذلك ضرب مواطن القوة في الحضارات المخالفة له.
وكان استهداف المرأة من تلك الدعوة الماكرة للأسباب التالية:
1- لأنها اللبنة الأولى في الأسرة، فإن استطاعوا إصابتها، أصابوا البناء الحصين، الذي أراده رب العالمين، وهو الأسرة.
2- لأنها مربية الأجيال، ومنشأة الأبطال العظام، فإن شُغلت أو أُبعدت ضعف الإنتاج وقل، وهذا ما يسعى إليه العدو الماكر.
3- لأنه بانحرافها ينحرف الكثيرون سواء كانوا من أبنائها، أو من غيرهم ممن أوكلت بهم.
4- الضرب في الصميم لاستهداف الهوية الإسلامية والقضاء على النظم الاجتماعية التي أثبتت أنها القلعة التي حمت العالم الإسلامي من السقوط والانهيار، ولذا فإن الصراع مع الغرب انتقل من السياسي والاقتصادي إلى الديني والثقافي والاجتماعي المتصل بالهوية والوجود.
وأخيراً نقول لأختنا المرأة الفاضلة، انتبهي –بارك الله فيك- ولا تنخدعي بالشعارات البراقة التي تخفي ورائها سموما قاتلة، تكونين أنتِ الضحية بالدرجة الأولي، والله يحفظ الجميع، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــ(47/154)
حجاب المرأة المسلمة في الثقافة الغربية
...
...
الثلاثاء:28/10/2003
(الشبكة الإسلامية) غازي دحمان
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> ثقافة و فكر
...
...
ثمة ظاهرة في العالم الإسلامي بدأت في العقدين الأخيرين تثير انتباه علماء الاجتماع الغربيين، وخاصة أولئك المهتمين بقضايا العالم الإسلامي خصوصاً، أو المهتمين بالظواهر الاجتماعية المختلفة عموماً. وهي ظاهرة عودة الحجاب بكثافة في الوطن العربي، ولاسيما في المجتمعات التي كان للاستعمار تأثير اجتماعي وثقافي كبير فيها.
لقد أخذت هذه الظاهرة تفاجئ زوار المدن العربية في الحزام الشمالي من الوطن العربي: مصر، وسوريا، ولبنان، وتونس، والجزائر، والمغرب. وصارت تمثل لغزاً مبهماً أمام أعين المراقبين الخارجيين، ذلك أن هؤلاء الفتيات هنَّ في متوسط العمر، ومن المنتميات للأجيال الحديثة، فضلاً عن أنهنَّ قطعنَ شوطاً كبيراً في مضمار التعليم، والأهم أنَّ هؤلاء الفتيات قد تحجبنَ بإرادتهنَّ الحرة، بل وفي كثير من الحالات ضد رغبات آبائهنَّ.
مثار الاستغراب حسب عالم اجتماع غربي هو ( LOIS BECK) يعود لكون الحجاب كان لقرون عدة يرمز إلى "اضطهاد" المرأة العربية المسلمة، وإلى المركز "المتدني" الذي كانت تحتله في المجتمع، وفق النظرة الغربية السطحية.
عالم اجتماع غربي آخر هو( NIKKI KEDDIE ) يَردّ أسباب الاستغراب والإثارة إلى كون ظاهرة الحجاب قد جاءت إلى المجتمع العربي بعد حركة نسائية نشطة شهدتها المنطقة خلال النصف الأول من القرن المنصرم. وكان السفور أثناءها رمزاً لتصميم النساء على "التحرر من الأغلال" . ويضيف KEDDIE) ) أنَّ تلك الحركة نجحت فعلاً في صوغ قوانين للأسرة وللأحوال الشخصية في المنطقة.
هذه التساؤلات وغيرها دفعت علماء الاجتماع الغربيين إلى ربط هذه الظاهرة بالحداثة بمفهومها الغربي العلماني، متسائلين إن كانت هذه القضية تمثل نكسة ضد الحداثة. مستندين في ذلك إلى تصنيفات كثيراً ما تكون مقطوعة الصلة بمثل هذه الظواهر، ومختزلين الحداثة بشكل ظاهري سطحي وهو السفور والملابس العصرية والاختلاط الحر مع الجنس الآخر واللقاء "الرومانسي" بين الجنسين.
عالم اجتماع بريطاني هو (جودي مابرو) لخّص النظرة الغربية لظاهرة الحجاب وفق قراءة فيها شيء من الموضوعية في كتابه "تصورات الرحالة الغربيين عن النساء في الشرق الأوسط".
يقول مابرو: "شكلت النساء المسلمات مؤخراً موضوع نقاش كثيف في الصحافة الغربية، خاصة حين طالبت قلّة قليلة من الفتيات في فرنسا وإنكلترا بحقهن في ارتداء غطاء الرأس في المدرسة. ولقد عكس السجال الطويل الذي دار في فرنسا، والآخر المقتضب الذي دار في إنكلترا، تلك النظرة الغربية المتأصلة التي ترى أنّ السبب الأوحد لاضطهاد النساء المسلمات هو دينهن. إذ إنه ، يضيف مابرو، طالما اعتقدت أوروبا أن النساء المسلمات يعانين من الاضطهاد ما لا تعانيه غيرهن من النساء، فهذا ما وصفته كتب الرحلات الغربية والأدب الغربي. وما صوّره الفن الغربي على مر فترة مديدة من الزمن، لذا فقد أُخذ الأمر على أنه واقعة لا شك فيها، ويمكن للجميع أن يروها متجلية في الحجاب، وفي مؤسسة الحريم. هاتان الظاهرتان لا تزالان تثيران اليوم ردود فعل قوية شأنهما في أي وقت مضى.
يرى (مابرو) أنّ "الحجاب هو الذي يطلقه الغرب على كل وشاح يغطى به رأس المرأة، وهو تعبير يمكن أن يضلّل ويسوق إلى تعميمات زائفة ومغلوطة، لذا سرعان ما طفت على السطح مجموعة من الأفكار الخاطئة عن الإسلام والنساء المسلمات.
ومن الأمثلة التي يوردها مابرو على ذلك أنَّ مراسلاً للـ (جارديان) قام بتحقيق عن حالة تلميذتين في "أولتر بخشام" ارتدتا غطاء الرأس فطلب مقابلة والدهما لاقتناعه أن الإسلام دين يهيمن فيه الرجال، وأنَّ النساء المسلمات كائنات سلبية لا حول لها ولا قوة. غير أنَّ إحدى الفتاتين قالت له : إنَّ والدها مشغول، وعرضت عليه أن تساعده هي نفسها. ويقول هذا المراسل: من ثم فقد ساعدتني فاطمة طوال 40 دقيقة كاملة, ومع أنها لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها فإنَّ طلاقتها وثقتها بنفسها لو وجدتا في أي شخص في ضعف سنها لكانتا لافتتين للانتباه، فهي سيدة تعرف نفسها وتعرف ما تريد. ( الجارديان 19 يناير 1990 ).
مثال آخر يسوقه مابرو، ففي مايو 1989 تضمَّن برنامج تلفزيوني عن أفغانستان مقابلة أجراها رجل أيضاً مع بعض الفتيات في جامعة كابول، وحين أعربت الفتيات اللاتي يعشن في مدينة أنهكتها الحرب في رغبتهنَّ الجامحة في السلام، وعن استعدادهنَّ لقبول التسويات إذا ما كانت ضرورية لتحقيقه، أصيب المحاور البريطاني بصدمة. فقد كان واثقاً من أنَّ هؤلاء الصبايا اللاتي ترعرعن في فترة الحكم الشيوعي لا بد أن يجدن مكانة النساء أكثر أهمية من السلام. وحين طرح عليهن السؤال: "أأنتن مستعدات حقاً لارتداء الحجاب؟ أجبنَ جميعاً أنهنَّ مستعدات إذا ما كان لذلك أن يسهم في إحلال السلام في البلاد".
مثال آخر يضيفه مابرو موضحاً الرؤية الغربية لموضوع الحجاب والمرأة المسلمة عموماً. "يقول: نشرت مجلة "ماري كلير" ، وهي مجلة للأزياء في بريطانيا مقالاً بعنوان "جزيرة العرب خلف الحجاب" في سبتمبر 1988. يصفه مابرو "بأنه يعزف على وتر افتراضات بالية ورثها عن الرحالة الغربيين بخصوص النساء الشرقيات".
ومن المقال: "غالباً ما تأتي خبرة الغربيين بالحجاب من رؤيتهم زمراً من النساء القصيرات المتسربلات من الرأس إلى أخمص القدمين بنوع من الكتان الأسود الفاحم، وهن يطفنَ على مهل في متاجر المدن الكبرى. ومع أنَّ هؤلاء النساء يبدينَ بمثابة الشيء الشاذ والغريب وهنَّ يركبنَ ويترجلنَ من سيارات الليموزين التي تراها متوقفة بانتظارهنَّ أمام محلات " الماربل آرش لماركس وسبنسر في لندن " إلاَّ أنهنَّ قد يكنَّ في بلادهنَّ ساحرات الجمال وغامضات وفاتنات ومدهشات مثل نجد تلك الصحراء القاحلة في شبه الجزيرة العربية".
يرى مابرو: أنَّ كاتب المقال المذكور لا يُعنى بهؤلاء النساء إلا بوصفهنَّ موضوعات جنسية. كما يرى في مكان آخر أن أسباب وصف الأوربيين للمرأة المحجبة بالتخلف والبؤس إنما هو نتاج للمركزية العنصرية والإيمان بتفوق العنصر الأوربي".
وفق هذه الرؤية كثيراً ما يدرس علم الاجتماع الغربي هذه الظاهرة بناء على نظرة سطحية هشة. فضلاً عن كونها، كما أسلفنا، مقطوعة الصلة بظروفها وأبعادها ومضامينها الحقيقية. وهو ما عبر عنه الفكر الغربي في التجمعات العالمية التي نُظمت لدرس قضايا المرأة في العالم، كـ "المؤتمر العالمي للسكان والتنمية" الذي عقد في القاهرة في سبتمبر 1994، و"المؤتمر الرابع للمرأة" الذي عقد في بكين سبتمبر1995.
لقد تعامى الفكر الغربي تماماً في هذه المؤتمرات عن حقيقة أنّ النسق الاجتماعي في كل دولة يخلق أوضاعاً خاصة بها تسمح بإباحة حقوق للمرأة قد لا تتناسب مع دول أخرى لها نسق يتفق مع ظروفها، ومن ثم يختلف تناول قضية "تمكين المرأة"، وهو المصطلح الذي يسود حالياً، من مجتمع لآخر بحسب المعايير التي تشجع بها تقاليد كل مجتمع.
وهنا نعود لنتساءل مع عالم الاجتماع المصري "سعد الدين إبراهيم" حول حقيقة هذه الظاهرة ومدى أثرها على تطور المرأة وتخلفها كما تدَّعي تصنيفات علم الاجتماع الغربي. وحسب إبراهيم في كتابه الموسوم "النظام الاجتماعي العربي الجديد": "أنه إذا كانت الحداثة تعني السفور والملابس العصرية والاختلاط الحر مع الجنس الآخر واللقاء الرومانسي بين الجنسين، ففي هذه الحالة يمثل الفتيات المحجبات نكسة لقضية الحداثة؛ أما إذا كانت الحداثة من ناحية أخرى تعني اكتساب العلوم الحديثة والتكنولوجيا والإنسانيات، وإذا كانت تعني أيضاً الالتزام، ففي هذه الحالة تعدّ الفتيات المحجبات حديثات بكل المعاني".
ويصف الدكتور ابراهيم فوائد الحجاب بما يتناسب مع المنطق الغربي الفلسفي فيقول "إنّ هؤلاء الفتيات يؤكدنَ على واحد أو أكثر من المعاني التالية: هوية أصيلة في مواجهة تقليد أساليب الحياة الغربية, اعتراض على ما يبدو أمامهنَّ سلوكاً منحرفاً أو فاسداً في المجتمع، والحرص على السمعة الأخلاقية.
إنهنَّ بكل بساطة ينتقينَ من محتويات حقيبة الحداثة، ويأخذنَ من الحداثة ما تحتويه من علم وتكنولوجيا، ومن التزام بمستقبل مهني، ثم يتركنَ بقية هذه المحتويات، يحدوهنَّ شعور وقناعة عميقة بأنَّ ما اخترنه من هذه الحقيبة إنما يتسق مع تراثهنَّ ومع تعاليم الدين الحنيف، ومع الأصالة.
ويختم إبراهيم معلقاً: هذا هو سبيلهنَّ لكي يفرضنَ بعض النظام على عالم يبدو لهنَّ مفعماً بالفوضى والاضطراب.
بقي أن نذكر مثالاً أورده المفكر الأفريقي "فرانز فانون" عن المرأة الجزائرية أيام الاستعمار الفرنسي: "إن حجابها وسفورها كان جزءاً لا يتجزأ من تأكيدها لذاتها القومية والثقافية والحضارية. فعندما شجع الاستعماريون الفرنسيون النساء الجزائريات على السفور عمدنَ إلى التمسك أكثر بالحجاب كرمز للمقاومة، وعندما تطلبت المقاومة سفور بعض النساء للتسلل داخل صفوف المستعمرين الفرنسيين وزرع المتفجرات في الأحياء السكنية الأجنبية تخلت بعض النساء عن الحجاب" ، ولكن التخلي كان مؤقتا ولمصلحة بغية الجهاد في سبيل الله.
ـــــــــــــــــــ(47/155)
ـــــــــــــــــــ
لدعوة الفردية آمال ونصائح 2ـ2
...
...
الاحد :18/05/2003
(الشبكة الإسلامية)
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> دعوة وإعلام >> الدعوة >> دراسات في الدعوة
...
...
في كتابه "صناعة الحياة" ذكر الشيخ الراشد أنه: "في أواخر القرن السابع عشر تقريبا دفع أحد رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية بمحام يسمى هيوستن إلى مقاطعة من المقاطعات المجاورة للولايات المتحدة ، وقال له : إن أمريكا تحتاج إلى تلك المقاطعة ، وليس عندي من مال ولا عتاد ما أمدك به لتأتي إلي بهذه المقاطعة ، فجمع هيوستن ثيابه وذهب إلى تلك المقاطعة واستأجر مكتبا للمحاماة ، وفي بضع السنين عبر محاوراته ومقالاته في الصحف ومداولاته مع الوجهاء أقنع شعب تلك المقاطعة أن يطالب الانضمام إلى الولايات المتحدة ، وقد حدث المتوقع وتم الاستفتاء ، وضمت تلك الولاية التي سموها بولاية هيوستن امتنانا لجهود ذلك المحامي الذي لم يطلق رصاصة واحدة في سبيل ضم مقاطعة تعادل مساحتها مساحة نصف مساحة فلسطين تقريبا". فهل من مدكر ؟!!.
من خلال هذا الحدث تعلم قيمة الدعوة الفردية ومدى ما يمكن تحقيقه من خلالها ، وأنها يمكن أن تكون من أكثر طرق الدعوة تأثيرا في المجتمع .
ومن أراد أن يتصدى لهذا النوع من طرق الدعوة أو أن يحترف هذا السبيل وأن يتصدى لهذا الباب أن يتسلح بعدته، والتي أهمها الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
والحكمة وضع الأمور في نصابها ، والموعظة الحسنة هي التي لا غلظة فيها، والجدال بالتي هي أحسن هو ما كان مثمرا، لا الجدال العقيم الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتركه وحذر منه بقوله: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا) وحمله العلماء على الجدال غير المثمر .
وصايا هامة
وهذه بعض الوصايا نسوقها إليك لاعتقادنا الفائدة فيها، وأنها من الأهمية بمكان حتى تستطيع ممارسة دعوتك بصورة أفضل :
أولا : اقتنع بالقضية واعتبر نفسك الجندي الوحيد في الميدان ، وأن معركتك مع شيطان الهوى سيحسم بمجهودك .
ثانيا : تبرأ من حولك وطولك واستيقن أن الهداية بيد الله عز وجل .
ثالثا : اختر الزمان والمكان المناسب ، إلا في بعض الحالات التي تقتضي الصدع بالحق خوف فوات الفرصة .
رابعا : الأصل في سمتك الهدوء والابتسام ، فإذا احتجت إلى التجهم لصرامة الموضوع فلا بأس ، شريطة ألا يؤول ذلك إلى التنفير ، وأنت خبير بردود أفعال من أمامك .
خامسا : تكلم في المنكر الحالّ ، وتجنب النصح في أمور لا تعلم عن حال المدعو فيها شيئا ( إلا إذا كنت تعلم من المدعو أمرا بعينه يحتاج إلى النصح فيه ) ، فإذا رأيته يدخن فلتكن نصيحتك عن حرمة التدخين ، ولا تكلمه عن غض البصر مثلا حال كونك لا تدري : هل هو ممن يغض البصر عن المحرمات أم لا ؟
سادسا : الدعاة يتكلمون بلسان الشرع ، فلا بد من النطق بأحكام الشرع لا أحكام العرف ، فلا يناسب أن تنصح متبرجة قائلا إن السفور عيب ، بل يجب أن تعلم حكم الشرع فإن جهلته بينتَه لها .
سابعا : التنويع بين الترغيب والترهيب: فإن التخويف بالنار قد لا يصادف محلا عند البعض فلا بأس أن تميل بهم إلى الحديث عن البشارة ، وما أعد الله للطائعين ، ثم تردف ذلك بلفحة من نار جهنم .
ثامنا : البساطة والرشاقة : كن بسيطا في حديثك ، وتجنب التفيهق والتقعر واستخدام غريب الألفاظ والمعاني ، ومن لوازم الدعوة الناجحة رشاقة العرض ، ويكون ذلك بالتناسق بين تعبير الوجه ومعاني الكلمات وحسن المنطق وعدم التكلف في حركة الشفتين ولفظ الحروف ، وكذا التناسق بين تعبير الوجه ومعاني الكلمات مع حركة اليد ، ولتحرص على تناسب إشارة اليد مع حركة اليد لتكون معبرة عن ثقة في المتحدث وجدية في الحديث ، ويناسب عند الحديث عن الأمور الصارمة مثلا أن يشير بقبضة اليد ، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم شواهد على هذا المعنى .
تاسعا : ركز نظرك في وجه من تحدثه ، فللعين جزالة في التأثير وتعبير عن الصدق يفوق ما في فصيح الكلام .
عاشرا : لا تهجر نصوص الوحي المطهر عندما تحدث الناس ، فإنهم مخاطبون بكلام ربهم بالأصالة ، وليس بكلامك ، فاستيقن إذا أن في كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم من البركة في التأثير أكثر مما في كلامك .
الحادي عشر : لا تكثر من الكلام عن نفسك وعن غيرك ، فتقول أنا وفلان ، وفلان وأنا ، بل حاول أن تجعل من تحدثه في محل اهتمامك نظرا وحديثا ، فحاول إذا أن تستغل خصلة فيه محمودة فتمدحه عليها مكتسبا وده وإعجابه .
الثاني عشر : حاول أن ترطب الحوار ببعض الفكاهة إن اقتضى المقام ، وخاصة إلى احتدم الحوار، وذلك للإبقاء على ركن المودة الذي هو بابك إلى قلبه .
الثالث عشر : لا تجعل القيادة للحوار بيد أحد غيرك ، فإذا حاول أن يصول بك ويجول فالزم نقطة الحوار ولا تتشتت في أودية الحديث ، حيث لا جدوى من جراء ذلك إلا الجدال العقيم ، وقد علمت حكمه .
الرابع عشر : حاول أن تركز في موضوعك ، وأن تسوق له من الأدلة والشواهد الشرعية والمنطقية ما تغزو به ضميره ، فإذا احتللت مكانا في القلب فحافظ على هذا المكان ثم ابدأ هجومك الكاسح من ذلك الموقع (لا تتراجع أو تتأخر إلى مواقع سابقة).
الخامس عشر : حاول أن تستخلص من كلام من تحاوره ما يفسده ، مع التلطف في بيان وجه الاستدلال ، مبتعدًا في كل ما سبق عن حب الظهور والرياء والاستعلاء .
السادس عشر : ألا فاعلم أنك تتكلم بلسان الحق ، فاجعل له هيبة ووقارا ، وأحسن عرض ما عندك من الحق ، يزهد الناس في ما في أيديهم من الباطل ، واصبر على أذى لاحق من عنت من تدعوه فهذا ثمن الهداية ( لعلك باخع نفسك على آثرهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) .
كما ينبغي أن تعطي الاحترام المناسب بمقام وعمر من تحدثه ، فلا يناسب أن ينصح الصغير الكبير دون أن يضمن نصيحته بالغ التوقير وفائق الاحترام .
آثار مرجوة
وبعد قراءتك لهذه الوصايا ستحصل ما يلي - إن شاء الله - :
(1) الثقة بالنفس ، والثقة في الله .
(2) الاستعداد وعدم الارتجال .
(3) الهدوء والروية وعدم الاستعجال .
(4) التركيز وعدم التشتت وراء الموضوعات الفرعية .
(5) تلخيص نتائج دعوتك للخروج بفائدة واضحة .
وبعد أيها الداعية الأريب .. فإن للدعوة الفردية حديثا ذا شجون، وإنما ذكرنا هنا رؤوس الأقلام ، واختصرنا المقاصد لتكون منها على ذكر.. والله المستعان .
ـــــــــــــــــــ(47/156)
ـــــــــــــــــــــــــــ
بتصرف من كتاب "30طريقة لخدمة الدين"
ـــــــــــــــــــ(47/157)
لفتيات المسلمات يواجهن التحديات
...
...
السبت :16/03/2002
(الشبكة الإسلامية)
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> للشباب فقط >> قضايا شبابية
...
...
المرأة المسلمة تواجه تحديات جمة
كانت هموم وواقع النساء المسلمات في أنحاء العالم ، موضوع حوارات وتقارير ودراسات قدمتها وفود نسائية شابة من 45 دولة شاركت في الملتقى العالمي للفتيات المسلمات وتراوحت أعمار المشاركات الزائرات بين 16 و 20 عامًا .
ودارت المناقشات والتصورات حول كيفية التعايش مع مستجدات عصر العولمة ، وأساليب تقديم الإسلام للعالم بصورته الحضارية الحقيقية ، وطرق الرد على الافتراءات التي تشوّه سمعته ، سواء أكان ذلك من الحاقدين من غير المسلمين ، أم من المسلمين الذين يسيؤون بجهالتهم إلى دينهم العظيم .
وناقشت الحاضرات عدم وجود خطط مدروسة لمساعدة المسلمات في الخارج ، وهو ما يجعلهن يشعرن بأنهن يواجهن الضغوط والإغراءات وحدهن .
المسلمة الأندلسية :
عائدة روميرو ، من أسبانيا ، فتاة في العشرين من العمر تتحدث اللغة العربية الفصحى بطلاقة ، تعلمتها كما تعلمها أبواها اللذان أشهرا إسلامهما أيضًا ، وسافرت العائلة إلى مكة المكرمة لتتعلم الدين الإسلامي ، وأقاموا فيها مدة تسع سنوات ، وهناك أصبح والدها أستاذًا في الشريعة الإسلامية وصارت والدتها أستاذة في القراءة والتلاوة والتفسير ، وتقول : " الدين الإسلامي انتشر في نفوس أهل الأندلس بيسر وسهولة ، اعتنقوه وعرفوا عاداته وتقاليده التي مازلت باقية حتى الآن ، لكنه يجد أيضًا العوائق والأضرار الناتجة عن مؤامرات محاكم التفتيش ، التي حاولت بكل إمكاناتها تشويه صورة المسلمين ، فحولوا المساجد إلى كنائس ، ودمروا الثقافة الإسلامية ، وطردوا المسلمين ، وقالت : إن مشكلة الفتاة في البلدان الغربية أنها تتعلم دينها وسلوكها الإسلامي في منزلها بين عائلتها ، وفي بعض الحالات بين مجموعات صغيرة ومحدودة من المسلمين ، في المساجد والجمعيات المنتشرة في المدن الكبيرة .
والفتاة عندما تنتظم في دراستها مع رفقائها في المدارس الغربية النصرانية أو العلمانية ، تجد نفسها بين أمرين أولهما دينها وسلوكها الإسلامي ، الذي عليها أن تحميه وتتمسك به ، وثانيهما رفقاؤها في المجتمع الغربي المغري بالفساد والشبهات .
وأكدت ضرورة بناء مدارس ومعاهد إسلامية في البلدان الأوروبية والغربية ، على أن تكون معترفًا بها من الجهات الرسمية الحكومية ، وأعتقد أنه على الجمعيات والمنظمات الإسلامية في الأقليات المسلمة أن تتمسك ببعضها بعضًا ، وتعمل على كلمة واحدة ، حتى لا تشعر الفتاة المسلمة بالوحدة والغربة في المجتمع الغربي ، وحتى توقن أن دينها شرف كبير وتاج على رأسها .
وتضيف عائدة : أن المجتمع الغربي مهما بلغ من العلم والتقنية إلا أنه ملوث في جميع مجالاته ، وأشارت إلى إسهامات إسلامية في دعم المسلمين في أوروبا .
وتضيف قائلة : إن أسبانيا ، التي ظلّت دولة إسلامية مدة ثمانية قرون لا تعطي الآن أي اهتمام للغة العربية ، وكذلك للإسلام الذي لا يعرف أحد عنه شيئًا ، فيحاولون تشويهه بشتى السبل ، ويصورون المرأة المسلمة على أنها متخلّفة وجاهلة .
وذكرت أن الحكومات الغربية تفرض قيودًا وقرارات ، مثل الزواج ، وتعدّد الزوجات لا يقبلونه ، فالمرأة الثانية تعتبر كالعشيقة ولا يسمحون للرجل المسلم بأن يتزوج للمرة الثانية.
مدونة الأحوال الشخصية :
وتشير "مريم خنيجر " من المغرب ، إلى أن بلادها مقبلة على تطبيق مشروع الخطة الوطنية لدمج المرأة في التنمية ، خلال السنوات الأربع المقبلة ، وتعتبر أن هذا المشروع يلفظ آخر سمومه للقضاء على آخر حصن من حصون الإسلام المنيعة، وهي " مدونة الأحوال الشخصية ".
صوّر هذا المشروع الظروف ، التي تعيشها الفتاة المغربية المبنية على أُصول من الشريعة الإسلامية في صورة الانحطاط والتخلّف والظلم، وتؤكد مريم أن هذا المشروع ليس وطنيًا كما ادعى واضعوه ؛ لأنه عالج موضوع الأُسرة من منطلق أيديولوجي ضيق، وفي غياب العديد من الهيئات الوطنية ، فلم تتم استشارة العلماء ، أو حتى استقراء آراء المواطنين ، وجعل الطلاق في يد القاضي.
وقالت : إذا كان الطلاق من الحرية الشخصية التي يجب أن تقيد بسبب آثاره السلبية على المجتمع ، أفلا ينطبق الأمر بالأولى على الخمر ، والتي لها آثار مدمرة ، ليس على الأسرة فحسب ، ولكن على المجتمع برمته ؟ أليس الخمر من أسباب العنف ضد النساء .
وذكرت أن الأفكار التي ابتدعها المشروع تقسيم الملكية مناصفة بين الزوجين المنفصلين بالطلاق ، كما حدد سن الزواج بالنسبة إلى الفتاة ابتداءً من الثامنة عشرة ، واعتبرت ذلك نوعًا من القهر النفسي والاجتماعي ، والغريب في الأمر أنه في الوقت الذي ينادي المشروع بذلك ، نجده يشجع على العلاقات غير الشرعية بين المراهقين والمراهقات ، ونشر ثقافة الجنس في المدارس ، والدعوة إلى استعمال العازل الطبي ، حيث وصل الحال إلى توزيعه مجانًا في الأكشاك ، أليست هذه دعوة صريحة للجنس المحرم ، الذي اعتبره القرآن الكريم فاحشة ومقتًا ؟ ألا يعتبر 360 حالة أم عازبة تضع حملها في مستشفى " ابن رشد " في الدار البيضاء خلال سنة واحدة وفي مدينة واحدة مؤشرًا خطيرًا ، وكارثة وطنية؟.
قلب أفريقيا :
وتؤكد " فاطمة الزهراء " من جمهورية تشاد التي يشكل فيها المسلمون 85 في المئة من عدد السكان ، أن اللغة العربية هي اللغة المتداولة في تشاد ، رغم أن الاستعمار الفرنسي فرض اللغة الفرنسية ، إلا أن اللغة العربية لها قوتها وسيطرتها ، حتى أصبح في الدستور ، العربية والفرنسية لغتين رسميتين للدولة ، وذكرت أن تشاد موجودة في قلب القارة الأفريقية ، وليس لها منفذ بحري ، إلا أن الإسلام دخلها منذ زمن الهجرات ، وكانت لها ممالك إسلامية مثل " مملكة كانم ، وبرنو ، وودّاي ، وباقري " وكانت اللغة المتعامل بها العربية ودستورها الإسلام ، وعندما دخل الاستعمار عام 1900م أزال الممالك وفرض اللغة الفرنسية .
وأشارت إلى عدم تأثر البلاد بحركة التبشير باستثناء الجنوب ، حيث قامت حركات التبشير بإمداد السكان بالمعونات المادية وبناء المستشفيات والمراكز الصحية ، وقالت : إن للفتاة المسلمة في تشاد ميزة خاصة ، وهي أنها محتشمة وملتزمة بالأخلاق الحسنة ؛ لأن نشأتها في أُسرة إسلامية وأول نواة تعليمها هي " الخلوة " وفيها تتعلّم تلاوة القرآن الكريم والعلوم الدينية ، ثم تلتحق بالمدرسة الابتدائية ، وتكمل تعليمها .
وذكرت أن الفتاة التشادية كانت تسافر للدراسة في السودان وليبيا ونيجيريا وسوريا والجزائر ، كما أن لها دورًا في المجال الاقتصادي .
فقر وجهل :
وتؤكد " مناية أبو بكر " من غانا ، أن المرأة تعاني الفقر والجهل ، وهي في عمر الثلاثين تكون قد تزوجت ثلاث مرات ، وبشكل عام فإنها تسير وراء الصرعات الغربية ، وكل ما يصدره لنا الغرب من نمط حياة وسلوك ، والمرأة ا لمسلمة لا يوجد لها أي احترام ، والسبب في ذلك هو الجهل.
وتقول "كلثم كراسيروفا " من روسيا : نحن أقلية مسلمة ، وبالاجتهاد سوف ينتشر الإسلام ، لقد انتشر الفساد وتعاطي المخدرات بين الشباب من جميع الأعمار ، نحن نخشى على مستقبلنا ؛ لأنه لا يوجد من يلتزم بالدين ، أنا أدرس في المعهد الإسلامي في جمهورية "كازان " وهناك مكان واحد فقط في روسيا لتعليم الفتيات المسلمات ، ولابد أن نهتم بالعلم ، كما أوصت أول آية نزلت في القرآن الكريم : (اقرأ باسم ربك الذي خلق) .
وتضيف " نورا زكاي " من ألبانيا : إننا دولة يشكل فيها المسلمون 87 في المئة من السكان ، ويحتاجون دعم إخوانهم المسلمين ،منذ ثلاث سنوات بعد انتهاء الحرب في كوسوفا لم يزرنا أي وفد مسلم .
السفور بأمر الدولة :
وتقول " خالدة الرميثاء " من تركيا : لا يمكن أن أدخل من ساحة المدرسة وأنا أرتدي الحجاب ، كما أن المسلمات ممنوعات من ارتدائه على كل المستويات وفي المدارس والجامعات والدوائر الحكومية ، فمنذ عامين طردت أكثر من ألف امرأة من وظائفهن الرسمية بسبب قرار الحكومة منع الحجاب ، وأُجبرت أمي على ترك عملها في المدرسة ، وكذلك زوجة عمي ، وهي مهندسة نووية ، وبهذا فإن المسلمات في تركيا ، وخاصة المحجبات لن ينلن حقوقهن في التعليم والعمل .
شهادات :
وتتساءل " أمل البوعينين " من قطر عما تبقّى من الحضارة المدعاة في العالم في هذا القرن ، وتقول إن سحق الإنسان وإثقال كاهله بالمزيد من متاعب الحياة ربما يحظى باهتمام أكبر ، وتقول : إن نصيب المرأة قد يكون أوفر في تحمّل الأعباء خارج بيتها وداخله ، فهي اليوم باسم التطور السياسي تظهر كعبء على المجتمعات المتحررة في أوروبا ، فالفتاة المسلمة بغض النظر عن أنها عربية أو أوروبية تشغل بال أصحاب السياسة ، فمثلاً في الدنمارك الفتاة المسلمة " إسلام أمين " من عائلة تركية مسلمة أرسلتها المدرسة الثانوية للتدريب العلمي في فرع من فروع مركز تجاري شهير في كوبنهاغن ، فرفضتها إدارة المركز بحجة ارتداء الحجاب ، فما كان منها إلا أن قدمت شكوى لوزارة العمل الدنماركية ، التي أرسلت بدورها تحذيرًا لذلك المركز والمتاجر الأخرى بعدم التعرض لمسألة الحجاب ، ولم يلتزم ذلك المركز بهذا الأمر ، فلم تقف عن الدفاع عن حجابها قبل الدفاع عن تعليمها ، وقامت برفع دعوة قضائية أمام المحاكم وانتصرت فيها .
وتضيف قائلة : إن من نماذج التحدي الفاضح ، الذي تتعرض له المرأة المسلمة ، تلك البيانات التي صدرت عن مؤتمر السكان والتنمية في القاهرة ، والذي حطّ من شأن المرأة ، والتكوين الأُسري السليم الذي نادى به الإسلام ، فقد دعا إلى حرية الجنس للجميع دون أي التزام قانوني أو أخلاقي .
ــــــــــــــ
المصدر: زهرة الخليج
ـــــــــــــــــــ(47/158)
مظاهرات نسائية ضد السفور في باكستان
...
...
الاحد :01/04/2001
(الشبكة الإسلامية) إسلام آباد ـ محمود عبد السلام
الشبكة الإسلامية >> تقارير
...
...
يشهد الشارع الباكستاني تطورات كبيرة تتمثل في الوقوف أمام التيار العلماني والانفتاح الذي تنادي به بعض الاتجاهات الفكرية في البلد ، سيما والباكستان تشهد تنام إسلامي يتمثل بالجماعات الإسلامية التي بات الكثير من الدول الغربية يحسب لها حسابات لم يخفها أمام الساسة الباكستانيين معتبراً إياها حركات أصولية تهدد المنطقة ، وقد حاولت الحد من نشاطاتها التي تزايدت بشكل ملحوظ بعد وصول حركة طالبان الأفغانية إلى مقاليد الحكم في أفغانستان باستعمال الترغيب تارة والترهيب تارة أخرى .
وفي تطور ذي صلة شهدت بعض المدن الباكستانية مظاهرات نسوية إسلامية عارمة الأسبوع الماضي يحملن لافتات تندد بضعف الرقابة على الصحافة الباكستانية ، وطالبن الحكومة الباكستانية بوضع حد لمحاولات ما سمينه بالفساد الثقافي والقيمي في الصحف والمجلات و محطات التلفاز إضافة إلى القنوات الفضائية ونظام الكابلات الزهيد الثمن والتي بدورها تنقل للبيوتات الباكستانية الثقافات الدخيلة بما فيها الثقافة الهندية بشكل واسع وملحوظ ، حيث غزت هذه القنوات غالبية البيوت الباكستانية نظراً لاتساع انتشارها الفجائي والواسع النطاق ، كما طالبن بمنع استخدام المرأة الباكستانية كسلعة رخيصة الثمن لنشر الدعايات الفاضحة باعتبار أن هذا يتنافى مع حقوق المرأة حسب تصريحاتهن .
زعيمة القسم النسائي التابع للجماعة الإسلامية في مدينة بيشاور عاصمة الإقليم الحدودي الشمالي " بيكم عناية أمين " صرحت في مؤتمر صحفي بأن الوقوف في وجه الفساد الذي بات يهدد القيم الإسلامية واجب شرعي على كل مسلم ومسلمة ، وأكدت على أن الغرب يحاول جاهداً لتغيير التراث الإسلامي في هذا البلد الذي يعتبر قوة نووية مهددة ، مستعملاً ثقافات وشعارات غربية دخيلة تتنافى مع ثقافة المسلمين من خلال وسائل الإعلام المرئية والمقروءة ، وشددت على أن الغرب يسعى لإضعاف قوة المسلمين ليضمن بقاءهم في ربقة العبودية كي لا يتحرر منها ، كما انتقدت الإعلام الباكستاني متهمة إياه بالانجراف في هذا المزلق الخطير والتيار المنحل ، و ذكرت : " على الغرب أن يفهم بأن الأسرة المسلمة في هذه البلاد ستتمسك بدينها ، ولن تسمح بتفشي هذه الثقافة الدخيلة بينها ، سيما وهي التي مازالت متحدة ومحافظة على قيمها وثقافتها التي جعلت منطلقها الدين الإسلامي الذي بدوره يرفض ما يخالفه من ثقافات دخيلة " .
وحسب تصريحات متظاهرات أن موجة الفساد هذه باتت ملحوظة وتفاقمت بعد تدفق أعداد هائلة من النساء الأفغانيات اللاتي ينتمين إلى المجمع الفارسي في مدينة كابل وما يعرفن بـ " الكابليات " إلى باكستان حيث ينتمين إلى منظمة نسوية تعادي بدورها المنظمات الإسلامية الأفغانية التي جاهدت أيام الاحتلال السوفييتي لأفغانستان ، وقد وجهت الجماعات الإسلامية الباكستانية أكثر من مرة انتقادات للحرية التي تعطى لهذه التنظيمات النسوية حتى تحولت هذه الانتقادات إلى مصادمات لمنع النساء الأفغانيات المتظاهرات من التنديد بالإسلاميين وبما تسميهم إرهابيين أصوليين خاصة الشعارات الاستفزازية التي ترفعها من خلال ما تحتويه من سخرية للملتحين من الإسلاميين
ـــــــــــــــــــ(47/159)
كيف أقنع زوجتي بارتداء الحجاب
تاريخ الإستشارة : ... 2005-05-03 13:25:06
الموضوع : ... استشارات الأسرة والمجتمع
السائل : ... أمجد أبو عايشه
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
إنني رجل مسلم متزوج وأب لثلاثة أولاد، زوجتي تلبس لباساً غير شرعي(تغطي الرأس وتستر العورة)، أحاول دائماً إقناعها بالحجاب الشرعي ولكنها لا تحب ارتدائه، علماً بأنها مؤدبة وتميل إلى الالتزام، وأنا من النوع الذي لا يحب المشاكل العائلية وليس لي عليها جلد ولا أستطيع أن أستعمل القوة لذلك، أرجو إرشادي إلى طريقة أقنع بها زوجتي بارتداء الزي الشرعي.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أمجد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
أسأل الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل.
وأما بخصوص ارتداء زوجتك الحجاب، والأسلوب الواجب اتباعه في ذلك، فأولاً: أشكرك، وأسأل الله لك التوفيق والسداد، فقليلٌ من الشباب من يهتم بأمور دينه.
وأذكرك أخي ثانياً بأن تكون الحكمة والموعظة الحسنة هي شعارك في التعامل مع زوجتك، وابتعد عن الغلظة معها والشدة، وتحت هذا الشعار ابدأ معها مسيرة الإقناع، -كما أمرنا الله تعالى- وذلك بالآتي:
1- بالتحدث الهادئ، والأسلوب الطيب، ويا حبذا أن يكون معك كتاب يتناول هذا الموضوع، وذكرها بأن رضاء الله يجلب السعادة في الدنيا والآخرة، وهو في طاعته، ومن هذه الطاعة ارتداء الحجاب، وأن المرأة إذا خرجت سافَِرة لعنتها الملائكة حتى تعود لبيتها.
2- ذكرها برضائك أنت عنها مع الحجاب، وغضبك مع السفور.
3- لا بأس أن تهديها شيئاً على قدر استطاعتك، سواءً ذهب أو ملابس، توعدها بها إن هي تحجبت.
4- وليكن الحجاب لها على مراحل، فلتلبس الزي الإسلامي العام، ثم تنتقب... وهكذا.
5- إن لم تستجب، فأشعرها بغضبك منها، وليتبع غضبك هجرانها، ويجب أن تشعر أن سبب ذلك هو عدم التزامها بالحجاب، وإن لم تستجب فتحدث معها حول النساء المتحجبات وأنهن أجمل، وأن الفرد يعيش سعيداً معها، فهذا سيجعلها تتراجع كثيراً في إصرارها، وسوف تشعر أنها إن لم تلتزم بالحجاب، فربما أدى ذلك إلى فراقها والزواج بأخرى، وهنا ستلتزم لا محالة؛ لأنها لا يمكنها خراب بيتها بالفراق.
أخي، لا تستعجل النتائج، وعليك بالصبر حتى تتم العلاج؛ لأنك لو استعجلت لفراقها لتركتها للشيطان يلعب بها، وأنت كمسلم، فأنت داعية وطبيب، والداعية لا ييأس من الإصلاح أبداً .
وفقك الله لكل خير.
المجيب : ... د. أحمد محمد نصر الله
ـــــــــــــــــــ(47/160)
عجبت بفتاة في الجامعة لا ترتدي الحجاب فهل تنصحونني بخطبتها
تاريخ الإستشارة : ... 2006-06-18 10:53:25
الموضوع : ... استشارات الأسرة والمجتمع
السائل : ... سعد
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شاء الله أن أتعرف خلال دراستي في الجامعة على فتاة ملتزمة بالدين، ولديها أفكار عن الدين تجعلني أتعجب حينما أراها تتكلم بذلك، وبنفس الوقت لا ترتدي الحجاب، وترتدي ملابس ضيقة بعض الشيء، ولايعجبني ذلك! ومشكلتي أني معجب بها وأفكر أن أفاتحها بذلك - أي إعجابي بها وحبي لها - وللعلم فوالدها متوفي وتعيش مع والدتها وليس لها أقارب كثر، فأنا حاولت أن أقنعها أن ترتدي الحجاب والعباءة ولكنها تقول لي أنها تريد أن تفعل ذلك بإرادتها.
فما هو الحل برأيكم هل أبتعد عنها أم أبقى بجانبها حتى تغير فكرتها وأخبرها عن إعجابي بها وأسألها الزواج أم ماذا أفعل؟
ارجو منكم أن تساعدوني ولكم مني جزيل الشكر.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ سعد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإننا نحمد الله تعالى على ما وفقك إليه، من السعي في الالتزام بهذا الدين الكريم، وكذلك حرصك على الزواج بالفتاة الصالحة صاحبة الدين، ولا ريب أن هذا من توفيق الله تعالى إياك وحسن رعايته، خاصة وأن الزوجة الصالحة هي من أعظم ما يعين على طاعة الله تعالى، حتى ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة).
وقد ذكرت عن هذه الفتاة بأنها بحمد الله صاحبة دين وخلق، وأن الذي ينقصها هو الحجاب الشرعي الذي فرضه الله تعالى على المؤمنات، ومع أن هذا يثير العجب كما قد أشرت في كلامك، إلا أن له تفسيراً وإيضاحاً، فإن كثيراً من الفتيات المسلمات يحملن قلباً مؤمناً، ونفساً نقية طاهرة، مع مالهن من الأخلاق والأدب، إلا أنهن نشئن في بيئة فيها هذا النوع من التبرج والسفور، وفيها تهاون في كثير من الأحكام الشرعية، فغلب عليهن العادة والأوضاع التي اعتدنها ونشئن عليها، وهذا كثيراً لا يحصى في أحوال المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والمقصود، أن سعيك في الزواج بهذه الفتاة، هو سعي ممكن قبوله، وسعي لا بأس به، غير أن الطريقة التي تريد اتباعها في ذلك لا بد أن تكون مشروعة وواضحة في نفس الوقت، فلا يجوز لك مثلاً إقامة علاقة حب ولقاءات، ولو كان مقصدكما مقصدا شريفا عفيفا، بل الصواب أن تبين لها بوضوح ورفق وهدوء، أنك راغب في الزواج بها، ثم تبين لها أنك إنما رغبت فيها لما تعرفه عنها من الدين وحسن الخلق والأدب، وأنك تود أن تتقدم لها خاطباً، فأنت رجل واضح تعرف ما تريده وتطلبه، وبالأسلوب المرضي لله تعالى، وهو الأسلوب الواضح الصريح الذي لا شبهة ولا جهالة فيه.
وفي نفس الوقت تخبرها عما أنت عليه من التقدير لها، ومن نظرتك إليها كفتاة مؤمنة عاقلة، فتخبرها أنك راغب في أن تراها بحجاب الفتاة المؤمنة الذي يليق بأمثالها من الطاهرات العفيفات، لا لأنك فقط تريد ذلك، بل طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتبين لها أن الفلاح كله، والسعادة كلها في طاعة الله والتزام أوامره، وأن هذا هو النهج الذي لا بد أن يعيش عليه كل مؤمن ومؤمنة.
فبمثل هذا الوضوح، وبمثل هذه الخطوة المشروعة التي لا غموض فيها ولا التواء، تكون حققت كل مقاصدك بأسهل عبارة وأخصر طريق، ولا حاجة لك بعد ذلك لإقامة العلاقة التي لا تحمد عقباها، مع ما فيها من المخالفة لأمر الجبار جل جلاله، والغالب في مثل حالتكما أن تجد من الفتاة كل ترحيب واقتناع إن شاء الله تعالى، غير أننا نود لفت نظرك الكريم، إلى ضرورة تهيئة أهلك للتقدم لخطبة الفتاة، حتى تكون الشاب المؤمن الذي إذا وعد وفى بوعده.
فحاول أن تمهد مع أهلك سبيل إجراء لخطبة، بل ولو كان عقد زواج لكان خيراً وأفضل، لتتمكن من الكلام معها ومرافقتها دون حرج، ولو كان الزفاف بعد ذلك إن شاء الله تعالى، فإجراء العقد يحصل لكم مصالح كثيرة، مع كونه فرصة لزيادة دعوتها إلى الله تعالى، وتعليمها أحكام الدين ومعارفه بصورة أسهل وأفضل، مع ما في ذلك من إعفاف النفس، وقطع سبل الشيطان عنكما.
ونسأل الله الله لكما جميعاً التوفيق الهدى والفلاح، ونوصيك بصلاة الاستخارة، وبالدعاء والتضرع لله، ولن تخيب إن شاء الله تعالى.
المجيب : ... أ/ أحمد مجيد الهنداوي
ـــــــــــــــــــ(47/161)
ـــــــــــــــــــ
وجي ينظر إلى النساء فكيف أنصحه
تاريخ الإستشارة : ...
الموضوع : ... استشارات الأسرة والمجتمع
السائل : ... مها
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو من سماحتكم بأن ترشدوني لحل مشكلتي؛ لأنني إن لم أنته منها فسأدمر حياتي الزوجية.
أنا عمري 18 سنة، وأنا متزوجة منذ ستة أشهر، مشكلتي تكمن في غيرتي الشديدة! أنا ـ ولله الحمد ـ على قدر عال من الجمال، وزوجي يحبني جدا وأنا متأكدة من ذلك، ولكن المشكلة هي في عينيه، فهو ـ كما نقول بلهجتنا العامية ـ عيونه طويلة، دائما ألاحظ بأنه ينظر للنساء، لكنه يحاول أن يفعل ذلك دون أن أنتبه.
صارحته أكثر من مرة بأن هذا السلوك يثير جنوني، ولكنه يقول بأنه لا يقصد شيئا بنظراته، إنما هي نظرات عابرة! فهو فقط ينظر حتى يرى طريقه!! لا أدري كيف أبعد هذه العادة منه؛ لأنني وفي كل مرة أراه ينظر، يجن جنوني وتبدأ بينا المشاكل!
ماذا أفعل حتى يترك هذه العادة؟ وأيضا بالنسبة للأغاني، فزوجي دائم الاستماع لها، وأنا أحاول أن أنصحه بأن يبتعد عنها، وهو مدرك تماما بأن سماعه لها غلط في غلط، ولكنه دائما يقول: ادعي لي!
مع العلم بأن زوجي عنيد جدا، فأريد أن تنصحوني بطريقة إذا نصحته بها لا يعاندني أكثر، وجزاكم الله خيرا.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ مها حفظها الله!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فنسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك ويلهمنا جميعاً رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا!
فإن المؤمنين والمؤمنات مأمورون بغض أبصارهم وهذا يعينهم على حفظ فروجهم وتزكية وتطهير نفوسهم وأحسن من قال:-
كل الحوادث مبدأها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها *** في أعين الغير موقوفاً على الخطر
يسر ناظره ما ضر خاطره *** لا مرحباً بسرور عاد بالضرر
وأرجو أن تذكري هذا الزوج بأن إطلاق البصر مخالفة لأمر الله ومنافٍ لتوجهات رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي قال لبعض أصحابه: "لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وعليك الثانية" واجعلي غضبك لله، واجتهدي أيضاً في غض بصرك وصيانة نفسك.
وأرجو أن يعرف هذا الرجل أن صيانتنا لأعراضنا تبدأ بمحافظتنا على أعراض الآخرين، وقد ذكر ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ قصة ذلك الشاب الذي سافر وترك أخته مع أبويها فأوصاه والده بضرورة أن يعف نفسه عن الحرام؛ لأن ذلك صيانة لعرضه! ولأن الأبوين كانا كبيرين فقد كان بعض الباعة يأتيهم بالماء، وكانت الأخت تقابله وتستلم منه الماء في أدب واحترام، إلا أنه في يوم من الأيام حاول أن يمسك يدها فذكرت الخبر لأبيها فأمرها بحفظ الوقت والتاريخ الذي وقعت فيه الحادثة، فلما رجع الابن سأله أبوه عن الوصية وركز على أمر الأعراض فقال: "إلا في يوم من الأيام جاءتني امرأة لتشتري مني فأمسكت يدها" فقال له الأب: "دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا".
وليعلم هذا الرجل أنه إذا أطلق بصره في أعراض الناس فسوف يسلط الله عليه من ينظر إلى أخواته وأهله وزوجه فإن الجزاء من جنس العمل، وإذا كان يفعل هذه المخالفة مع محاولاته الجادة في إخفاء ذلك عليك، فهذا دليل على أنه يحترم مشاعرك، وأن فيه بقية من الحياء، ومن واجبنا أن ننمي هذه الجوانب من الخير مع ضرورة تذكيره بأن الله لا تخفى عليه خافية فهو سبحانه ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) وخائنة الأعين هي أن ينظر الإنسان إلى ما حرم الله دون أن يشعر به أحد أو يستخدم هذه الجارحة في السخرية والهمز واللمز لمسلم أو مسلمة.
والأغاني مزمار الشيطان، وهي تنبت النفاق في القلب كما ينتب الماء البقل وهي رقية الزنا وبريد الفواحش والعياذ بالله، والعلاقة واضحة بين إطلاق البصر وسماع الأغاني؛ لأن أكثر الأغاني في زماننا تدعو إلى الفحشاء والمنكر والإشراك بالله، وتصور محاسن السناء.
وإذا كنت متأكدة من حبه الشديد فأكثري له من الدعاء، واحمدي الله على ذلك، واجعلي شكرك لله عملاً بطاعته سبحانه، قال تعالى: { اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور}، واجتهدي في الأعمال الصالحة والتوجه إلى من يجب المضطر إذا دعاه، وهذا هدي الأخيار الذين أصلح الله حالهم ومآلهم ومدحهم فقال: {وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين}.
واعلمي أن المرأة لها وسائل كثيرة وأسلحة عديدة تؤثر بها على زوجها، فاختاري الأوقات المناسبة للتعبير عن عدم الرضا بما يفعله، واجعلي غضبك لله أولاً، واحرصي على أن تتجملي وتتزيني له دائماً، فإننا في زمان التبرج والسفور، وإذا تزينت الفاسقات في الطرقات وأغضبن رب الأرض والسموات، فاحرصي على عرض جمالك لزوجك حتى لا يرى منك إلا كل جميل ولا يشم عندك إلا أطيب الريح.
والله ولي التوفيق والسداد!
المجيب : ... د. أحمد الفرجابي
ـــــــــــــــــــ(47/162)
... أريد معرفة لماذا كل المشايخ لا يريدون الفتاة أن تتعلم
تاريخ الإستشارة : ... 2006-08-17 12:47:59
الموضوع : ... استشارات ومشاكل الشباب
السائل : ... هدى
السؤال
كل المشايخ حفظهم الله لا يريدون أن تدرس البنت وتتعلم وتعمل، وأنا حائرة! علما أني طالبة سنة ثانية طب بشري وأنا متوقفة فأتمنى أن أصبح طبيبة نساء وولادة.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هدى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فلا تتوقفي عن دراسة الطب، واقصدي بعملك رضى الرب، والتزمي بحجابك، وحافظي على حيائك ووقارك، وشكراً لك على تواصلك واهتمامك، ونسأل الله أن ينفع بك أهلك وأخواتك، وأن يحقق لك فيما يرضيه آمالك، ومرحباً بك وشكراً لك على سؤالك.
ولا أظن أن المشايخ يرفضون دراسة المرأة للطب أو لغيره من العلوم والتخصصات التي تناسب أنوثة المرأة ووظيفتها في الحياة، وإن وجد بين العلماء من يرفض دراسة البنت وتعلمها، فذلك لما في بيئة العلم من اختلاط وفساد، كما لأن طائفة من المتعلمات أصبحن حرباً على الفضيلة والحجاب، وجلبن لأهلهن الفضيحة والعار، وأصبحت معول هدم بيد الكفار.
ومع كل ذلك فليس العلاج في منع التعليم، ولكن الإصلاح يكون بتصحيح المسير، وإبعاد المرأة كل ما يجلب لها العار ويخرجها عن طاعة القدير، مع ضرورة أن نضع قول المشايخ في الاعتبار، وأن نلتمس لهم الأعذار، ونفعل ما يرضي ربنا الغفار، ويحقق مصلحة الصغار والكبار، ويحفظ لنسائنا حياءهن والوقار.
ونحن نتمنى أن تصبحي طبيبة تخاف الله وتتقيه، وتتخذ من ممارستها للطب طريقاً لنصح الغافلات ومعاونة الضعيفات، وإدخال السرور على المكروبات، فسيرى على درب رفيدة رضي الله عنها، والتزمي بحجابك، وتمسكي بكتابك ولا تغلقي دون المسلمات بابك.
وأرجو أن تعلمي أن المشايخ هم أحرص الناس على تعليم الفتاة لأنها أم الأبطال، ووراء كل عظيم امرأة، ولكن الواقع لا يسر أحداً، ونسأل الله أن يعين القائمين على أمر أمتنا حتى يباعدوا بين أنفاس الرجال والنساء، ويؤسفنا أن يدرك أهل الكفر خطورة ذلك بعد تجربتهم المرة التي أورثتهم الأمراض الجنسية والنفسية، وفتكت بالنسيج الاجتماعي، وهاهي أصواتهم ترتفع من أجل الفصل بين الرجال والنساء، وقد بلغت المدارس التي تباعد بين الرجال والنساء في أمريكا أكثر من ستين مدرسة، ولست أدري متى ننتبه نحن الذين يحرم ديننا هذا الاختلاط والتبرج والسفور؟
ونسأل الله أن يسهل الأمور ويغفر الذنوب، وبالله التوفيق والسداد.
المجيب : ... د. أحمد الفرجابي
ـــــــــــــــــــ(47/163)
... أريد لزوجتي لبس الخمار! فكيف لي أن أقنعها به؟
تاريخ الإستشارة : ...
الموضوع : ... استشارات الأسرة والمجتمع
السائل : ... م
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته!
أنا متزوج، وأعيش في مجتمع ترتدي نسائه الخمار والنقاب، وزوجتي ترتدي حجابا، وتكشف وجهها وكفيها (وملتزمة بالصلاة والصيام وكل شيء).
وأنا أريد لها الخمار! فكيف لي أن أقنعها به؟ وهل هناك كتب، أو مقالات في هذا الموضوع ينصح الاطلاع عليه؟
مع الشكر الجزيل!
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ م حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
نسأل الله أن يصلح لنا ولكم النية والذرية، وأن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا.
فزادك الله حرصاً وتوفيقاً، وشكر الله لزوجتك محافظتها على صلاتها وصيامها، وأرجو أن تمدح فيها هذا الحرص على الخير، وتذكرها بأن الذي أمر بالصلاة والصيام هو الذي أمر بالتستر، وأن الوجه هو مجمع الزينة، وبين لها حرصك على إكمال هذا الجانب، وهذا في إرضاء الله أولاً وإرضاءك، ورضى الزوج من طاعة الله.
وأرجو أن تحمدوا الله كثيراً على وجودكم في هذه البيئة التي تحرص نساؤها على الخمار والنقاب، وهذا بلا شك مما يعين على الطاعات، فإن التكاليف الشرعية إذا عمّت سهلت، ولا بد أن تعلم أن الإنسان لا ينبغي له أن يكون شاذاً في المجتمع يُخالف الناس، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، والمخالفة لما عليه الناس تجلب النفرة والكراهية، فكيف إذا كانوا على صواب وطاعة، وعليها أن تعلم أن جمال المرأة مُلكٌ لزوجها وليس للناس، ومن صفات الكمال في النساء أن تقصر جمالها ونظرها وقلبها على زوجها، وهذه من صفات نساء الجنة، وهي صفة كمال في كل امرأة، وهذا يجلب لها ولزوجها السعادة في الدنيا والآخرة.
ولا بد من معرفة أسباب رفضها للنقاب، وأرجو أن تجد في الصالحات من تساعدها على الالتزام، فإن المرأة تتأثر بأختها وجارتها من الصالحات، وإذا كانت هناك شبهات معينة، فالصواب أن نسعى في إزالتها.
وأرجو أن تشعر بغيرتك عليها، وحبك لها، وأن الرجل الذي يحب زوجته يحافظ عليها، ولا يحتمل نظر الناس الأجانب إليها.
وهناك رسائل كثيرة عن السفور للمشايخ الفضلاء رحمهم الله، كالشيخ ابن باز وابن عثيمين، وغيرهم من العلماء، ومن الكتب المهمة جداً في هذا الجانب كتاب (عودة الحجاب) لأنه يتناول مخططات الأعداء، وحرصهم على سفور المرأة، ويبين ملامح المؤامرة على حجاب المرأة المسلمة، ويكشف تاريخ وحقيقة من يقف وراء هذا المخطط الخطير.
والله الموفق.
المجيب : ... د. أحمد الفرجابي
ـــــــــــــــــــ(47/164)
... أريد أن ألتزم بارتداء الحجاب
تاريخ الإستشارة : ...
الموضوع : ... استشارات ومشاكل الشباب
السائل : ... mona
السؤال
من شهر رمضان، كان خطيبي يشجعني على ارتداء الحجاب فكانت نفسي الأمارة بالسوء تمنعني، كنت أقول له أننا لما نتزوج ـ إن شاء الله ـ سأرتديه، وبأني لا زلت مقصرة في صلواتي، لا أحافظ على صلاتي ولا أحفظ القرآن ولا أقوم الليل، فكيف أرتديه؟ سأحسب نفسي منافقة؛ لأن الحجاب ليس فقط لباسا بل هو أسمى من ذلك لأن المرتدية له يجب أن تطبق الدين كما هو.
المهم حاولت جادة أن أرتديه من شهر رمضان لحد الآن، فخطيبي كان دائما يشجعني على الاستمرار في ارتدائه، ويقول لي أن الحجاب سيشجعك على الحفاظ على صلواتك وأنك جميلة وستكونين أجمل بالحجاب، لكن ـ للأسف ـ لم أكن راضية على صلاتي فأنا أهمل الصلاة، لا أصلي في الوقت خصوصا مع ظروف عملي، فأصبحت في هذه الأيام أفكر بنزعه؛ لأني لا أقدر عليه، كما أصبحت أحس بأني مخنوقة.
أصبحت أنتظر وقت دخولي للمنزل حتى أزيله لكي أتنفس. صدقوني أنا أحب جدا الحجاب منذ صغري، وأحب البنات المحتجبات وأعرف أنه عفة خصوصا في هذا الزمن الذي أصبح فيه العجب، صديقاتي يقلن لي أنك أهملت نفسك منذ ارتدائك للحجاب، لكن لا أكترث لهن، وخطيبي يقول لي أني لا أتصور رؤياك بدون حجاب.
أنا في حيرة من أمري وفي دوامة، أرجوكم ألا تبخلوا علي بنصائحكم، فأنا محتاجة لها في هذا الوقت، كما أخبركم أني منذ صغري وأنا أعاني بمرض الحساسية بادناي (les oreilles) الشيء الذي يعطيني شيئا من الصداع والألم بهم، خصوصا بعد ارتداء الحجاب.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
أسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه، وأن يشرح صدورنا بنور الإيمان.
أرحب بك على موقع الشبكة الإسلامية، والذي نذر القائمون عليه أن يعيشوا مشاكل الشباب المسلم، ويعينوهم على حلها، فنرجو أن تجدي عندنا الحل.
ابنتي، ورد في الأثر أن القابض على دينه كالقابض على الجمر، لا سيما في هذا العصر؛ لأن العالم كله من حولنا بعيدٌ عن الدين وعن تعاليمه والتمسك به، ولذا فالذي يتمسك بهذا الدين سلوكاً وأخلاقاً يكون من المجاهدين؛ لأنه يجاهد الشهوات والرغبات، ويجاهد شياطين الإنس والجن.
ابنتي، إن الحجاب هو زينة الفتاة وجمالها وعفتها وكرامتها، ومحل طهرها، فإنك بحجابك تأمنين الكلاب البشرية التي تنهش الأعراض بعيونها.
لقد خلقك الله تعالى يا ابنتي لرسالة معينة، وهي عبادته وطاعته، وغداً ستلقيه طال عمرك أم قصر، وسيسألك عن كل شيء، فسيري في طاعته، ولا تلتفتي إلى همزات الشياطين فتضلك عن السبيل القويم.
واعلمي أن هناك بناتٌ من أجل أزواجهن اخترن التعري والسفور بعد أن كن محجبات وعفيفات، وأنت والحمد لله زوجك يعينك على طاعة الله، فنِعم الزوج المؤمن.
أنت تحتاجين لمزيدٍ من الغذاء الروحي، فأكثري من الصلاة والذكر، ولا سيما الصيام إن استطعت وتلاوة القرآن، فهذا غذاء للروح يقوي إيمانك، ويزيد تمسكك بدينك، فاجتهدي ولا تتركي للشيطان سبيلاً فيصدك عن سبيل الله.
نسأل الله أن يوفقك لما يحبه ويرضاه.
المجيب : ... د. أحمد محمد نصر الله
ـــــــــــــــــــ(47/165)
... كيف أتصرف مع خطيبي الذي يتحدث مع النساء وينظر إليهن
تاريخ الإستشارة : ... 2006-11-06 10:10:24
الموضوع : ... استشارات الأسرة والمجتمع
السائل : ... سلوى
السؤال
خطيبي تكلمه بعض الفتيات عبر هاتفه، وعندما طلبت منه الاستفسار عن ذلك، قال لي: بأنهن صديقات ويعتبرهن مثل أخواته، أنا أغار كثيرا عليه ونصحته بالتوقف عن ذلك لكن دون جدوى.
أرجوكم أرشدوني كيف أتصرف معه؟ وهل في تصرفه هذا إثم أم لا؟ كما أن خطيبي لا يغض بصره عن بعض الفتيات! ودائما أنصحه لكن لم يغير من سلوكه، ماذا أفعل معه؟ مع أنني فتاة متدينة أخاف الله، وهل ما يحدث معي امتحان من الله سبحانه وتعالى أم هل هو غضب من الله علي؟ أرجوكم ساعدوني إني في حيرة من أمري.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلوى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإن الله سبحانه أمر خطيبك وغيره من الرجال بغض الأبصار، فقال سبحانه { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون} ورغم دخول المؤمنات في هذا التوجيه إلا أنه كرر لهن الأمر فقال سبحانه {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} وقد أحسنت برفضك لما يفعله خطيبك وليس من مصلحته ما يفعله، وإطلاق البصر يغضب الله ويهدد استقرار الأسرة ويجلب الأذى للبصر ويسبب العجز الجنسي ويورث الحسرات والآهات ويشغل عن الطاعات.
ومن هنا فنحن ننصح هذا الشاب بالحرص على إتمام مراسيم الزواج، والاكتفاء بزوجته الحلال، وننصحك بالابتعاد عنه ليقترب منك، واعلمي أن الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج، لا تبيح لخاطب الخلوة بك ولا الخروج بك، وليس في التوسع في العلاقة معه مصلحة بل في ذلك أضرار ويكفى منها زهده في إتمام مراسيم الزواج، لأن الرجل إذا وجد ما يريد، فإنه يعتاد التأخير والتسويف وحق للمرأة أن تغار إذا التفت زوجها إلى غيرها، وأرجو أن يكون غضب الأخوات لله، فإن النظر إلى النساء من الأمور المحرمات ويجلب الشرور والآفات.
ونٍسأل الله أن يجمع بينكما على الخير وأن يرده إلى صوابه، وندعوك إلى الاهتمام بزينتك ومظهرك، ولكن بعد أن تصبحي في بيت الزوجية، فإن إهمال الزوجة لزينتها يدفع ضعاف الدين من الأزواج إلى التطلع إلى الغاديات الرائحات، ونحن – بكل أسف – نعيش في زمان التبرج والسفور والغناء والفجور.
ونسأل الله أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
وبالله التوفيق والسداد.
المجيب : ... د. أحمد الفرجابي
ـــــــــــــــــــ(47/166)
ـــــــــــــــــــ
... أعينوني على الحجاب
تاريخ الإستشارة : ...
الموضوع : ... استشارات ومشاكل الشباب
السائل : ... nona
السؤال
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته .
جزاكم الله عني وعن المسلمين جميعاً خير الجزاء.
أنا فتاة في الثامنة والعشرين من عمري ولم أتزوج، وأنا مؤمنة بالله سبحانه وأن هذا التأخير هو الخير لي ((وعسي أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسي أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)) ولكن المشكلة في أني أريد أن ألبس الحجاب الشرعي (النقاب)، ولكن كل من يكلمني يقول: انتظري حتى تتزوجي، وهذا الكلام يؤثر علي، وقد أثر علي رأيي الآن، فماذا أفعل، أرجو التشجيع منك أو إفادتي بالنصح المناسب ، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ نونا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
ابنتي العزيزة: نسأل الله العظيم أن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يرزقنا وإياك الثبات حتى الممات.
الحجاب شريعة الله، والإسلام هو الانقياد لله والاستسلام له سبحانه (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما)) [النساء:65] والمؤمن ليس له إلا أن يقول سمعنا وأطعنا ((وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)) [الأحزاب:36] فأرجو أن تسارعي بارتداء الحجاب، ولا تلتفتي لكلام من يدعوك إلى ترك الحجاب حتى تتزوجي، والإنسان لا يضمن أن يعيش إلى الغد.
وكم من عروس جهزوها لزوجها وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري
وهذه النية دليلٌ على بذرة الخير التي أرجو أن تنميها بتلاوة القرآن وطاعة الرحمن، واعلمي أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وإنما ننال التوفيق في حياتنا بالطاعة لا بالمعصية.
واعلمي أن الشباب ينظر إلى المتبرجات ولكنه عندما يتزوج لن يرضى إلا بالحريصة على حجابها وسترها، حتى لو كان هذا الفتى غير متدين فإنه يحرص على ذات الدين؛ لأنه لا يثق بالتي كانت بالأمس تعرض جمالها على كل من هب ودب ؛ لأن العاقل لا يرضى لزوجته أن تكون قد عرضت جسدها ومحاسنها لكل الناس، وهذا مصدر توتر في الحياة الزوجية مستقبلاً إذا تم الزواج من امرأة متبرجة .
فأرجو أن تعلمي أن طاعة الله أعلى وأغلى، وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سبحانه ، فاحرصي يا ابنتي على حجابك وصلاتك وطاعتك لله، واعلمي أن ما عند الله لا ينال بمعصية، وهذا تفكير غير صحيح ومفاهيم مغلوطة عن الحجاب، فبعض الناس يظن أن الحجاب للكبيرات في السن، ولكن العكس هو الصحيح، فالقواعد من النساء ليس عليهن جناح في ترك الحجاب، ومع ذلك قال تعالى : (( وأن يستعففن خيرٌ لهن والله سميعٌ عليم)) سميعٌ لكل ما يقال، عليمٌ بما في القلوب من النيات والمقاصد، فراقبي الذي يعلم السر وأخفى، وكوني مع الله لتكون الدنيا في خدمتك، واسأل الله أن يحفظك من التبرج والسفور.
أسأل الله أن يرزقك الزوج الصالح الذي يعينك على طاعة الله، والله الموفق.
المجيب : ... د. أحمد الفرجابي
ـــــــــــــــــــ(47/167)
فضيلة الحجاب وخطر التبرج والسفور
تاريخ الفتوى : ... 17 ذو الحجة 1424 / 09-02-2004
السؤال
أريد منكم موضوعاً في صورة رسالة يرغب الفتيات في ترك السفور وارتداء الحجاب الشرعي.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أختي الكريمة المؤمنة وفقك الله لكل خير وسددك ووقاك كيد الكائدين ومكر الماكرين.
اعلمي أن واجب المرأة المسلمة التي أذعنت لحكم الله وخضعت لشرع الله ورضيت بالله ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً ورسولاً، هو التزام أمر الله والوقوف عند حدوده ومن ذلك الحجاب، والحجاب هو عنوان الحياء ورمز العفة، إذا خلعته المرأة وفرطت فيه فقد جعلت نفسها سلعة رخيصة وعرضة لعبث العابثين، وفتنة وبلاء على المؤمنين، وهي قبل ذلك وبعده عصت أمر رب العالمين حيث قال تبارك وتعالى:يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب:59].
والمؤمنة التقية يجب أن يدل مظهرها على مخبرها، وأن يبدو إيمانها وتقواها في ملبسها كما يبدو في أقوالها وأعمالها، وأن يسطع الإيمان من كل تصرفاتها وأحوالها، بعيدة كل البعد عن فعل نساء الجاهلية من التبرج والسفور. قال تعالى:وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33].
ولا أدري كيف تتبرج مسلمة وهي تسمع قول النبي - صلى الله عليه وسلم : صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا . أخرجه أحمد ومسلم .
ومعنى كاسيات عاريات : أنهن لابسات ثياباً رقاقاً تصف مفاتنهن ومحاسنهن، وقيل : معناه أنهن يسترن بعض بدنهن ويظهرن بعضه، وقيل معناه : أنهن كاسيات من الثياب عاريات من لباس التقوى والعفاف.
وعلى كل المعاني فهذا هو التبرج وتلك صفات المتبرجات، وهذا الوعيد الشديد كاف لمن تؤمن بالله واليوم الآخر، في الزجر عن التبرج وإظهار الزينة لمن لا يحل له أن يراها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/168)
الحجاب من السائق والخادم واجب
تاريخ الفتوى : ... 17 محرم 1423 / 31-03-2002
السؤال
ماحكم رؤية السائق الأجنبي لوجه الفتاة البالغة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أفتى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى عن هذا السؤال فقال: السائق والخادم حكمهما حكم بقية الرجال يجب التحجب عنهما إذا كانا ليسا من المحارم، ولا يجوز السفور لهما ولا الخلوة بكل واحد منهما، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما" ولعموم الأدلة في وجوب الحجاب، وتحريم التبرج والسفور لغير المحارم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/169)
غض البصر عند انتشار الفجور ألزم
تاريخ الفتوى : ... 29 جمادي الثانية 1423 / 07-09-2002
السؤال
أصبح السفور سمة مجتمعاتنا العربية هل يصبح النظر حراماً ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالنظر إلى النساء الأجنبيات محرم بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، سواء كثر التبرج والسفور أم قلَّ، بل إن غض البصر عند كثرة الفتن أوجب، لأن الفتنة به أعظم، وقد مضى بيان حكم ذلك في الفتوى رقم:
5776.
وللتعرف على أسباب التبرج وعلاجه راجع الفتوى رقم:
20803.
ولمعرفة الوسائل المعينة على غض البصر راجع الفتوى رقم:
18768.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/170)
... العلاقة بين الحياء والحجاب هي علاقة تلازم
تاريخ الفتوى : ... 11 ربيع الثاني 1423 / 22-06-2002
السؤال
ما علاقة الحجاب بالحياء؟
وهل الحياء في المرأة يختلف عن الرجل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحياء شرعاً كما عرفه أهل العلم -هو خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق- هذا هو الحياء شرعاً، فإذا عرفنا حقيقته علمنا أن الاتصاف بهذا الخلق الكريم والتحلي به يمنع صاحبه من الإقدام على ماحرم الله تعالى مثل: السفور والتبرج بالنسبة للمرأة، إذ يجب عليها الستر الكامل والاحتشام، فإذا اتصفت بصفة الحياء منعها ذلك من فعل المحرمات والوقوع في القبائح.
وإذا تقرر هذا علمنا أن العلاقة بين الحياء والحجاب بالنسبة للمرأة هي علاقة تلازم بمعنى أنه لا يوجد الحياء في المرأة إلا وجد الحجاب والاحتشام.
أما الرجل فإنه يختلف عن المرأة هنا لأن ترك الحجاب في حقة ليس محرماً ولا مستقبحاً بل هو أمر مطلوب منه طلباً لازماً، فليس كالمرأة.
وبهذا يتبين للسائل أن الحياء الشرعي يكون مشروعاً أو واجباً في بعض الحالات على المرأة دون الرجل.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/171)
حافظي على غطاء وجهك في المدرسة وغيرها
تاريخ الفتوى : ... 27 ربيع الثاني 1424 / 28-06-2003
السؤال
أعمل في مدرسة مختلطة وارتديت النقاب لذلك، ولكني ملتزمة بارتدائه في العمل فقط، وسمعت بإن ذلك حرام حيث إنني طالما ارتديته فيجب علي عدم خلعه
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فأهل العلم متفقون على وجوب تغطية المرأة لوجهها عند خوف الفتنة بها أو عليها، وخلافهم كان محصوراً في ما إذا أمنت الفتنة، وأمن الفتنة أصبح اليوم أمراً لا يكاد يتحقق، فيجب عليك أن تستري وجهك في هذه المدرسة وغيرها من الأماكن التي يوجد بها رجال أجانب عنك يمكنهم النظر إليك، وقد فصلنا ذلك في الفتوى رقم 5224وهذا الوجوب ثابت في حق المسلمة سواء قامت بامتثاله وسترت وجهها أم تهاونت ولم تمتثله، فليس ستر الوجه واجباً على الساترة دون السافرة، بل كلتاهما مطالبة بالستر، متى كان هناك رجال أجانب يمكنهم النظر، ولا ريب أن ارتداءك النقاب في هذه المدرسة دون غيرها من الأماكن خير من استدامتك لكشف وجهك، وأقل إثماً من السفور الدائم، فإنك بارتدائه في هذه المدرسة تحققين بعض ما وجب عليك، فسارعي لاستكمال ما بقي تسعدي وتفوزي في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ( تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم). والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/172)
خطر السفور وحكم صلاة المرأة السافرة
تاريخ الفتوى : ... 17 ذو الحجة 1424 / 09-02-2004
السؤال
سفور المرأة ما حكمه وهل تجوز لها صلاة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى نهى النساء عن التبرج فقال: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) [الأحزاب: 33].
وأمر نساء المؤمنين بالحجاب فقال سبحانه: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) [الأحزاب: 59].
ونهى سبحانه نساء المؤمنين أن يبدين زينتهن لغير أزواجهن ومحارمهن وإمائهن ونسائهن، إلا ما ظهر من الزينة، قال سبحانه: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت إيمانهن) [النور: 31].
بل نهى الله سبحانه عن ضرب أرجلهن لإعلام الرجال بزينتهن الخفية، فقال سبحانه: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) [النور: 31].
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التبرج، فقد أخرج أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال لأميمة بنت رقيقة عندما جاءت تبايعه على الإسلام: "أبايعك على أن لا تشركي بالله، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي، ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى".
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن المتبرجات من أشد الناس عذاباً يوم القيامة. ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لايدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".
بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلعن هذا الصنف المتبرج من النساء فقد أخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات".
ووصفهن النبي صلى الله عليه وسلم بالنفاق، فقد أخرج البيهقي في السنن عن أبي أذينة الصدفي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية إذا اتقَيْنَ الله، وشرُّ نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم".
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي تتعطر وتخرج ليجد الناس رائحة عطرها بأنها زانية. فقد أخرج النسائي وأبو داود والترمذي وأحمد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة استعطرت ثم خرجت على قومٍ ليجدوا ريحها فهي زانية".
إلى غير هذا من النصوص الشرعية التي تحرم على المرأة المسلمة التبرج والسفور وإظهار زينتها للرجال الأجانب، فعلى المسلمة أن تتقي الله في نفسها، وأن لا تخرج من بيتها إلا محجبة محتشمة تفلة غير متعطرة، حافظة لحدود الله ملتزمة بشرعه.
وتبرج المرأة معصية عظيمة ولكنه لا يؤثر على صحة صلاتها ، بل صلاتها صحيحة إذا استوفت ما تصح به الصلاة من شروط وأركان ونحوها، ومن الشروط: أن تستر جميع بدنها أثناء الصلاة إلا الوجه والكفين. ومما يجدر التنبيه له أن الصلاة المستوفية لجميع الشروط والأركان والواجبات والسنن لابد أن تكون حاجزاً بين المصلي وتعاطي المنكرات ـ ومنها السفور ـ لقوله تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) [العنكبوت: 45].
كما أن التبرج لا يؤثر على صحة الصوم إذا استوفىشروطه وأركانه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/173)
... سلامة صدر الزوجة واستئذانه مطلب شرعي
تاريخ الفتوى : ... 29 جمادي الأولى 1422 / 19-08-2001
السؤال
ماحكم الإسلام في كثرة خروج زوجتي من البيت بغرض الشراء وعند عدم إعطائها نقودا تبدأ بالبحث عن مشاكل :أنت بخيل نت ما تحب تصرف علي وأنا أنظر للأمور نظرة إسلامية أن الزوجة يجب أن تكون فى بيتها
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمرأة الخروج من البيت بغير إذن الزوج، ولو بحجة شراء الأشياء من السوق، وعليها أن لا تكثر من الخروج، إلا للحاجة التي لابد منها، مع الالتزام بالضوابط الشرعية في اللباس، وعدم التطيب، وعدم السفور والتبرج ... إلخ، وإذا وفر الزوج لزوجته ما تحتاجه من مطعم ومشرب، وكسوة وغيرها، وكفاها في ذلك، فلا يجوز لها أن تتهمه بالبخل، بحجة أنه لا يجعل لها أموالاً في يدها، لأنه إنما يفعل ذلك حفاظاً على قرار زوجته في بيتها، ولكي لا تكثر من الخروج الذي قد يترتب عليه بعض المفاسد، وقد سبقت أجوبة مفصلة بخصوص ذلك نحليك عليها للفائدة برقم: 6478، 7996.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/174)
اظفر بذات الدين
تاريخ الفتوى : ... 13 ربيع الثاني 1422 / 05-07-2001
السؤال
أفكر في التقدم لخطبة فتاة ملتزمة ولكنها غير محجبة ولم أستطع إقناعها أفيدوني أفادكم الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن المرأة لا تكون ملتزمة حتى تتحجب بحجاب الإسلام وتلبس ملابس الحشمة والكرامة وتلزم أوامر الله تعالى في الظاهر والباطن فتسمى ملتزمة ، أي التزمت بحدود الإسلام . فإذا كانت تفضل السفور والانكشاف أمام الأجانب على الستر الذي أمرها لله تعالى وغيرها من نساء المسلمين به في قوله تعالى (( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين، وكان الله غفوراً رحيما ))الأحزاب (59) فلا تطمع فيها ، وعليك أن تبحث عن شريكة لحياتك تكون عند رأيك وأمرك وما أمرالله به في الخير والستر والصفات ، فاظفر بذات الدين تربت يداك ، وان استطعت أن تقنعها بالاتزام بأمر الله فباراك الله فيك ، والله نسأل أن يرشدك للخير و أن يوفقك لمن تعينك على أمر دينك ودنياك ، والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/175)
... السفور ليس بناقض للوضوء
تاريخ الفتوى : ... 13 ربيع الثاني 1424 / 14-06-2003
السؤال
هل عدم ارتداء الحجاب يعتبر من نواقض الوضوء؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن نواقض الوضوء قد حددها الفقهاء في كتبهم، وعدم ارتداء الحجاب ليس واحداً من هذه النواقض، ولمعرفتها تراجع الفتوى رقم: 1795. ثم إننا ننبه إلى أن المرأة يلزمها ستر جميع بدنها في الصلاة ما عدا وجهها وكفيها وقدميها، على خلاف في ستر الكفين والقدمين قد سبق بيانه في الفتوى رقم: 4523. ولعل من المناسب التنبيه أيضاً على أنه يلزم المرأة ستر جميع بدنها عن الرجال الأجانب، سواء كان ذلك في الصلاة أو غيرها، ولمزيد من الفائدة في هذا تراجع الفتوى رقم: 3350. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/176)
... لا يجوز للرجل أن يأمر زوجته بالسفور
تاريخ الفتوى : ... 03 جمادي الأولى 1424 / 03-07-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لقد من الله على بارتداء النقاب برضا زوجي وموافقته، ولكن ما إن مرت أيام حتى بدأ أهله ومن يحيطون بنا يضغطون علي لخلعه بحجة الخوف من الجهات الأمنيه في البلاد وأخذوا يسردون القصص عمن اعتقلوا ولحقهم الأذى الشديد لمجرد انتقاب زوجاتهم أو لصلاتهم في المساجد فخاف زوجي وبدأ يلح علي ويأمرني بخلع النقاب ويعلم الله كم يصعب علي هذا فقررت عدم الخروج من البيت حتى لا أعصيه ولا أسبب له الأذى ولا أعصي ربي ولكن حتى هذا الوضع غير مقبول فهو يريدني أن أزور أهله وأن أصطحب أولادي للنادي والمدرسة أفيدوني فأنا في حال لا يعلمه إلا الله؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد
فلا يجوز للرجل أن يفسح المجال لزوجته في السفور للرجال، ولا يليق به أن يكون ضعيفا ومتساهلا معها حتى تكشف وجهها أمام من ليس محرما لها، فليتق الله سبحانه وتعالى، وليحمد الله عز وجل الذي يَسَّرَ له مثل هذه الزوجة التي تريد أن تنفذ ما أمر الله به من اللباس الشرعي الكفيل بسلامتها من الفتن.
وقد حمل النبي صلى الله عليه وسلم الرجل المسؤولية في أهله فقال: الرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته. رواه البخاري ومسلم .
فكيف يليق به أن يستجيب لضغوط أهله بحجة الخوف ويُجبِر زوجته على كشف وجهها أمام الأجانب؟
وقد قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق: 4].
وراجع الجواب:
3198
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/177)
عنوان الفتوى : ... الأدلة والبراهين على مشروعية الزواج المبكر
تاريخ الفتوى : ... 25 ذو الحجة 1424 / 17-02-2004
السؤال
كنت في المسجد وحصلت مشادة كلامية مع أحد المحاضرين حيث إنه يدعو الناس إلى زواج بناتهم بأقصى ما يمكن اقتداء بأم المؤمنين عائشة حتى ولو عمرها 8-9 سنوات خشية الوقوع في أمور كثيرة وأنا لي أبنة ما زالت في الثامنة من العمر فلم أستطع قبول هذا الأمر فهل أنا على صواب أم لا؟ أرجو التوضيح.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ذكره أحد المحاضرين صحيح؛ إذ قد ثبتت مشروعية الزواج المبكر بالقرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع وعمل الصحابة، ثم عمل المسلمين من بعدهم، وتدل عليه مصالح الشريعة:
فالدليل من القرآن الكريم:
1- قوله تعالى: وَالْلآئِي يَئَسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتِهِنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَالْلآئِي لِمْ يَحِضْنَ[الطلاق:].
فجعل سبحانه للآئي لم يحضن - وهنَّ الصغيرات - زواجاً وطلاقًا وعدة؛ إذ العدة لا تكون إلا بعد فراق، والفراق لا يكون إلا بعد زواج.
2- ويقول الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَاب لَكُمْ مِنْ الْنِّسَاءَ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ[النساء:3]. قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في تفسير هذه الآية عندما سألها عنها ابن أختها عروة بن الزبير : يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها، تشاركه في ماله، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهنَّ إلا أن يقسطوا لهنَّ، ويبلغوا بهنَّ أعلى سنتهنَّ في الصداق. متفق عليه.
فقولها رضي الله عنها: فيريد أن يتزوجها..فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا يدل على مشروعية زواج الصغيرة التي لم تبلغ، إذ لا يتم بعد البلوغ، وإنما اليتم ما كان قبل البلوغ.
3- ويقول الله تعالى: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الْلآتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ [النساء:].
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: هي اليتيمة تكون في حجر الرجل قد شركته في ماله فيرغب عنها أن يتزوجها ويكره أن يزوجها غيره، فيدخل عليه في ماله فيحبسها، فنهاهم الله عن ذلك. متفق عليه.
وأما الدليل من السنة: فما ذكره المحاضر من زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها، وهي بنت ست سنين، وبناؤه بها وهي بنت تسع سنين، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست، وبنى بي وأنا ابنة تسع.
وأما الإجماع: فقد انعقد على جواز تزويج الصغيرة البالغة، وأن الذي يتولى تزويجها أبوها، وزاد الشافعي وآخرون الجد من جهة الأب أيضًا.
قال ابن قدامة في "المغني": أما البكر الصغيرة فلا خلاف فيها، قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز إذا زوجها من كفءٍ، ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها.
وقال البغوي كما في "فتح الباري": أجمع العلماء أنه يجوز للآباء تزويج الصغار من بناتهم، وإن كُنَّ في المهد، إلا أنه لا يجوز لأزواجهن البناء بهنَّ إلا إذا صلحن للوطء واحتملن الرجال.
وأما أعمال الصحابة: فالآثار الدالة على اشتهار الزواج المبكر بينهم من غير نكير كثيرة، فلم يكن ذلك خاصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم كما يتوهمه بعض الناس، بل هو عام له ولأمته، نذكر طرفًا منها:
1- زوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد ولدت له قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم، وتزوجها عمر رضي الله عنه وهي صغيرة لم تبلغ بعد. رواه عبد الرزاق في المصنف، و ابن سعد في "الطبقات".
2- عن عروة بن الزبير : أن الزبير رضي الله عنه زوج ابنة له صغيرة حين ولدت رواه سعيد بن منصور في سننه، وابن أبي شيبة في المصنف بإسناد صحيح.
وقال الشافعي في "كتاب الأم": وزوج غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته صغيرة.
ثم إن التأخير في تزويج البنات في كثير من بلاد المسلمين إنما هو حادث ومخالف لما درج عليه عمل المسلمين لقرون طويلة، بسبب التغريب، ودخول القوانين الوضعية عليهم، مما أدى إلى تغير في المفاهيم والأعراف لدى شريحة كبيرة من الناس، ولا يصح مطلقًا أن نجعل الأعراف والتقاليد في بلدٍ ما هي المقياس فنقيس بها، ونعطل ما قد ثبت بالأدلة القاطعة، بل لقد تأخر تزويج البنات بعد سن البلوغ كثيراً في بعض بلاد المسلمين، مما نتج عنه انتشار السفور والفواحش، وظهور الانحراف في الخلق والدين بين الشباب، وعدم الاستقرار النفسي لديهم، لفقدهم السكن والمودة والعفة والإحصان، كما أن في التأخير تقليلاً لنسل الأمة، وهو مخالف لأمره صلى الله عليه وسلم، ومعارض لمكاثرته بأمته الأمم والأنبياء.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/178)
نزع الصور عن الحائط أمر مطلوب
تاريخ الفتوى : ... 20 جمادي الأولى 1424 / 20-07-2003
السؤال
ما رأيكم في أنني قد رفعت صورتي أنا وزوجتي عن حائط في شقة والدها دون رضاهم وطبعا أهلها غير موفقين.. هذا لأن هذه الصورة لي ولزوجتي أيام الخطبة وقبل ‘التزامنا لطريق الحق وللعلم أيضا فإن زوجتي الآن منتقبة وكانت عندئذ سافرة فهل يجوز ما عملت لأنني لا أحب أن ترى زوجتي عندما كانت سافرة؟ أجيبوني عن هذا خاصة أنه حدث في بيت والد زوجتي الذي ليس لي حكم عليه ولا على البيت وهم يعلمون كراهيتي لوضع الصورة ومع ذلك غير راضين.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلقد أحسن الأخ السائل في نزعه لهذه الصورة، وعليه أن يجتهد في محاولة إقناع أهل زوجته بصحة ما فعله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ~إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة.~~ إضافة إلى ذلك، فإنه قد يرى هذه الصورة من لا تحل له رؤية المرأة وهذا محرم. وربما تسبب وجود هذه الصورة في أذية المرأة من قبل بعض من يريدها أن ترجع إلى ما كانت عليه من السفور. والحاصل أنه لا إثم على هذا الزوج في ما فعل، بل إن ما فعله أمر مطلوب منه. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/179)
الفتوى : ... نزع الصور عن الحائط أمر مطلوب
تاريخ الفتوى : ... 20 جمادي الأولى 1424 / 20-07-2003
السؤال
ما رأيكم في أنني قد رفعت صورتي أنا وزوجتي عن حائط في شقة والدها دون رضاهم وطبعا أهلها غير موفقين.. هذا لأن هذه الصورة لي ولزوجتي أيام الخطبة وقبل ‘التزامنا لطريق الحق وللعلم أيضا فإن زوجتي الآن منتقبة وكانت عندئذ سافرة فهل يجوز ما عملت لأنني لا أحب أن ترى زوجتي عندما كانت سافرة؟ أجيبوني عن هذا خاصة أنه حدث في بيت والد زوجتي الذي ليس لي حكم عليه ولا على البيت وهم يعلمون كراهيتي لوضع الصورة ومع ذلك غير راضين.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلقد أحسن الأخ السائل في نزعه لهذه الصورة، وعليه أن يجتهد في محاولة إقناع أهل زوجته بصحة ما فعله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ~إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة.~~ إضافة إلى ذلك، فإنه قد يرى هذه الصورة من لا تحل له رؤية المرأة وهذا محرم. وربما تسبب وجود هذه الصورة في أذية المرأة من قبل بعض من يريدها أن ترجع إلى ما كانت عليه من السفور. والحاصل أنه لا إثم على هذا الزوج في ما فعل، بل إن ما فعله أمر مطلوب منه. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/180)
جزاء من ماتت وهي مصرة على السفور
تاريخ الفتوى : ... 28 جمادي الأولى 1424 / 28-07-2003
السؤال
ما هو جزاء من تتوفى دون حجاب إذا كانت أخلاقها جيدة وكثيرة الصدقات؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن ترك الحجاب معصية تأثم بها المرأة، فإذا ماتت مصرة عليه ولم تتب منه فهي في مشيئة الله تعالى. كما سبق في الفتوى رقم: 27004. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/181)
... زوجة لا ترغب بالحجاب.. مشكلة وحلها
تاريخ الفتوى : ... 22 جمادي الثانية 1424 / 21-08-2003
السؤال
تزوجت قبل ثلاث سنوات، وهي لن تحتجب، فما الحكم في ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد نص الحكم في وجوب الحجاب على المرأة المسلمة الحرة البالغة، وذلك في الفتوى رقم: 1225.
وعلى هذا فنقول للسائل: عليك بالاجتهاد في نصح زوجتك وحضها على الالتزام بالحجاب، وخطورة السفور والتبرج، مخافة أن ينالها الوعيد في ذلك؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النّارِ لَمْ أَرَهُمَا. قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النّاسَ. وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا. وَإنّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا.
فإذا تابت زوجتك ورجعت عن هذه المعصية فبها ونعمت، وإلا فهي ناشز ترجى عليها أحكام النشوز. وانظر في ذلك في الفتوى رقم: 1867.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/182)
حكم وقوف الخطيبين في مكان عام
تاريخ الفتوى : ... 29 رجب 1425 / 14-09-2004
السؤال
تقدم لي زميل من كليتي وجاء إلي البيت هو وأسرته والحمد لله وفقنا الله، وتم القبول بين أسرتي وأسرته ولكن تم الاتفاق على تأجيل لبس خاتم الخطبة إلى آخر هذا العام إن شاء الله وذلك بسبب خوف والدي من الدراسة حيث إني أنا وهو في العام الدراسي الأخير فهل يعتبر هو الآن في حكم الخاطب؟ أم أن الخاطب لا يكون خاطبا إلا بلبس خاتم الخطبة؟ وهل الوقوف في الكلية في مكان مفتوح وسط الزملاء يجوز؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا كيفية الخطبة الشرعية، وبينا أن لبس الخاتم ليس من تلك الكيفية المشروعة، وذلك في الفتوى رقم: 7391 فالرجاء الرجوع إليه، ثم إن على السائلة الكريمة أن تعلم أن الخاطب في حكم الأجنبي لا يجوز لها الاختلاء به، ولا السفور أمامه، ولا الوقوف معه ولو كان ذلك في مكان مثل الجامعة أو غيرها ولو كان وسط الناس، وقد أمر الله المؤمنين والمؤمنات بغض أبصارهم خوف الوقوع في الفتنة، فعليها أن تتجنب خطيبها حتى يتم العقد، فإذا تم العقد حل لهما كل شيء.
وللعلاقة بين الخاطب ومخطوبته يرجى مراجعة الفتوى رقم: 31276 .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/183)
ـــــــــــــــــــ
الحجاب واجب شرعي على الخادمة وغيرها
تاريخ الفتوى : ... 04 رجب 1424 / 01-09-2003
السؤال
السلام عليكم كثير من الناس يأتون بالخادمات إلى بيوتهم ليساعدوهم في أعمال المنزل فهل يجب على الخادمة أن تلبس الحجاب الشرعي بحيث إنها تغطي وجهها بالكامل؟ أم لا ؟ وعندما تناقشت أنا وأحد الأقرباء قال إن هذه مسألة خلافية ولا تستطيع أن تجعل الخادمة تغطي وجهها لأنها عندما كانت في بيت أهلها لا تغطيه. فما رأيكم بهذا الكلام وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن هذا الكلام غير صحيح، وذلك لأن الخادمة قد يكون الحجاب ساقطا عنها إذا كانت في بيت أهلها لكون المقيمين معها هم محارمها، وقد تتركه دون أي مبرر شرعي، ولكن ذلك لا يسقط عنها التكاليف، ولا إنكار السفور عليها وأمرها بالحجاب، والحجاب واجب شرعي على سائر النساء، وتركه معصية، قال تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِن [النور: 31] وانظر الفتوى رقم: 33022. ولمزيد من الفائدة عن حكم تغطية المرأة وجهها وأقوال العلماء في ذلك تراجع الفتوى رقم:4470. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/184)
... البقاء في المنزل أولى من السفور
تاريخ الفتوى : ... 27 محرم 1426 / 08-03-2005
السؤال
أبي يرفض أن ألبس النقاب رغم الأدلة على وجوبه وقد استعملت معه اللين في الحديث وبذلت معه كل وسعي ولم أجد في النهاية حلا سوى رفض الخروج حتى إلى الكلية، مع المداومة على استرضائه، ولكنه يهدد بترك البيت وأنا على هذا منذ شهرين وأشعر أن الأمر بدأ في التأثير على صحته وأنا لا أطيق الخروج بغير النقاب، فماذا أفعل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا ننصحك بالاستعانة بالله وكثرة الدعاء في أوقات الإجابة، فتضرعي إليه وسليه أن يثبتك ويهديك ويهدي أباك للحق، ويمكن أن تطلعي الوالد على بعض المؤلفات في هذا الموضوع وتسمعيه بعض الأشرطة المؤثرة، واحرصي كذلك على إكرام الوالد وخدمته والبشاشة في وجهه واستعطفيه بما يمكن، وكلمي من يمكنه التأثير عليه من أقربائه أو أئمة المساجد لعله ينفعه نصحهم.
وإذا كان الالتزام بستر الوجه والكفين قد يلحقك منه ضرر فيمكن أن تخرجي أمامه سافرة الوجه وتستريه بعد ذلك في الشارع أو في الكلية، وذلك لوجود قول بجواز كشف الوجه، قال به كثير من أهل العلم، وإن استغنيت عن الخروج وأمكنك البقاء في المنزل فهو لا شك أولى، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20352، 31956، 50794، 19420، 12498.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/185)
... مسائل متعددة في الاختلاط
تاريخ الفتوى : ... 09 صفر 1426 / 20-03-2005
السؤال
أريد أن أعرف معنى كلمة الاختلاط بين الجنسين وما هي الحدود المشروعة فيه وماهي في الحدود غير المشروعة؟ وذلك في كل من مجال العمل العادي ومجال العمل الخيري، وما حكم المشاركة في المنتديات الإسلامية أو المنتديات الهادفة مع العلم بأني أقوم بالإشراف على ساحة من ساحات هذا المنتدى وإذا سمح لك الوقت بأن تتصفح هذا المنتدى لتدلنا على إذا ما كان هناك شيء غير مبرر وجوده في المنتدى وذلك لأننا لا نريد أن نكون من الذين يحسبون أنفسهم مصلحون وهم مفسدون في الأرض وذلك كله لأن هناك من يرى أن التعامل بين الشباب والفتايات في بعض المشاركات فتنة ونحن نريد أن نرضي الله قبل أي شيء واسم الموقع هوwww.bf4all.net، كما أريد معرفة حكم إرسال رسائل خاصة بين الجنسين عن طريق المنتدى في حالة وجود مشكلة حدثت في المنتدى قد نقوم بإرسال رسائل خاصة لكي نقوم بحل الموضوع وهذا بصفتنا من فريق عمل المنتدى(من المشرفين). وإذا فعلة أحد الاعضاء لحل الموضوع ونحن جميعا نبغي مرضات الله
كما أريد معرفة حكم المحادثة على الماسنجر (الشات) في الحالات الاتية كل على حدة 1. محادثة مدير المنتدى وذلك بالنسبة للمشرفين وبالنسبة لباقي الأعضاء وذلك للتحدث في تطوير المنتدى أو تنسيق زيارات أوغيرها من الأمور الخاصة بالموقع
2. عمل اجتماع خاص بين مشرفين المنتدى للتحدث فيما يواجهم من مشكلات الإشراف ومن مشكلات المنتدى وإبداء الرأي في تطوير المنتدى.3. التحدث بين مشرف أو مشرفة مع أحد الاعضاء من الجنس الآخر في موضوعات خاصة بالمنتدى وذلك على الماسنجر. 4. تحدث الأعضاء بعضهم مع بعض في الماسنجر وذلك بين الجنسين فيما يخص المنتدى وإذا كانت هذه الحالات أو بعضها لا يوجد ما يحرمها مع العلم بأنها مفيدة جدا بين مدير المنتدى واجتماع المشرفين أكثر من غيرها بل تصل إلى ضرورتها في غالبية الأحيان فارجو معرفة حكم كل هذه الحالات لأن من الممكن أن يتباسط أحد الاعضاء في هذه الاستخدامات وهناك من يتشدد في ذلك، كما أريد معرفة إذا كان الحوار بين الأعضاء يخص بعض الأمور العادية مثل التعرف على سن الشخص وتعليمه ووظيفته فما حكمه فهل هذا من الاختلاط المحرم أم المباح
وجزاك الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في عدة فتاوى سابقة تفصيل القول فيما سألت عنه، وبينا أن العمل الخيري يتعين أن يكون الرجال فيه على حدة والنساء على حدة، وأن يتجنب الاختلاط قدر الإمكان، وبينا أن تلاقي النساء والرجال يجوز بشرط التزام النساء بالحجاب وعدم الخضوع بالقول والتخاطب لغير حاجة، وأما إن كان يجعل السفور أو المزاح أو ترخيم الصوت عند الكلام فإنه محرم. وأما الخطاب عن طريق الإنترنت فإنه مثل الخطاب المباشر فيتعين فيه الانضباط بما ذكرناه سابقا، ويتعين أن يكون في ساحة مفتوحة. وراجعي لمعرفة التفصيل فيما ذكرنا الفتاوى التالية أرقامها: 1072، 56698، 3539 ، 57794 ، 9855 ، 10463 ، 15176 ، 35079 ، 48092 ، 26838 ، 30911 .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/186)
... خطوات التصرف مع الزوجة التي تأبى إلا السفور
تاريخ الفتوى : ... 18 شعبان 1426 / 22-09-2005
السؤال
شاب تزوج من فتاة دخلت في الإسلام حديثاً واتفق معها أنها بعد الزواج سترتدي ملابس محتشمة ريثما تتهيأ للتحجب ولكن بعد الزواج نقضت عهدها وأصرت على الملابس الضيقة والملفتة للنظر وأنها حرة بالتزامها أو عدمه ولا يمكن لزوجها أن يفرض عليها شيئاً وهذا الحوار يدور منذ ستة أشهر دون نتيجة من الناحية الشرعية ماذا يفعل يصبر عليها وإذا لم تلتزم هل عليه إثم إذا تابع حياته معها؟
نرجو النصح وجزاكم الله كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على الزوج إلزام زوجته بالواجبات الشرعية، ومنها الحجاب، وتقدم ذلك في الفتوى رقم: 57456.
وينبغي له أن يسلك سبيل الإقناع والنصح والأسلوب اللين السهل، لكي تلتزم به الزوجة عن قناعة، وتنوي به طاعة ربها فتحصل الأجر عليه، ولا بأس بالتدرج معها، لكن إذا لم تلتزم به عن طواعية فله أن يكرهها عليه، ويمنعها من الخروج بدون اللباس الشرعي، وليكن ذلك بالحكمة، ولا يجوز لها عصيان الزوج في هذا الأمر، فإن عصته وأبت إلا السفور فطلاقها خير، وانظر الفتوى رقم: 61905.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/187)
هل يجب على الأب إلزام الحجاب لابنته البالغة
تاريخ الفتوى : ... 14 رمضان 1426 / 17-10-2005
السؤال
أبي أقسم علئ أختي أن تتحجب(16سنة) أو لن يسجلها في المدرسة (مقيمون في إيطاليا) لكن بمساعدة أمي عارضت، أبي لتفادي تفكك الأسرة استسلم هل يعتبر ديوثا . وماذا تنصحوه أن يفعل ؟
شكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على البنت التي بلغت بعلامة من علامات البلوغ ومنها بلوغ سن الخامسة عشر أن تتحجب وتستتر ، ويجب على وليها أن يأمرها بذلك ، ويحرم على الأم أن تعين البنت على السفور وترك الحجاب، وسكوت والدك على الأمر إن قدر على إلزام بنته بالحجاب وترك إلزامها من أجل إرضاء زوجته يجعله داخلاً في عموم من يرضى السوء في أهله، وانظر الفتوى رقم : 9044 ، والفتوى رقم : 49407 .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/188)
تهافت الزعم بأن الحجاب لمجرد التمييز بين الحرة والأمة
تاريخ الفتوى : ... 23 شعبان 1427 / 17-09-2006
السؤال
فضيله الشيخ حفظكم الله : قرأت في أحد المواقع الإسلامية في المغرب مقالا خبيثا يقول بعدم فرضية الحجاب، وهذا هو النص فنرجو الإفادة : أصبح ديننا الإسلامي الحنيف للأسف مطية سياسية للبعض ممن يريدون تزييف وعي الناس وتخديرهم، وصار الدين الذي ينادي بالعقل ويحض على التفكير والتساؤل متدثرا بالخرافات واللاعقلانية وتحولت هذه العقيدة المتفردة المرنة إلى مجرد شكليات متصلبة من لحية وجلباب وحجاب.. إلخ، يصرخ من خلالها حزب المطوعين الجدد نحن هنا، وها نحن نعيش حاليا قضية سياسية ملتهبة خلقها موضوع من هذه المواضيع الشكلية وهو الحجاب، الذي يعرضه الجميع على أنه الفريضة السادسة للإسلام والذي على أساسه يجيشون جيوش التكفير لفرنسا التي تجاسرت على منع حجاب تلميذات المدارس الحكومية. شيراك لم يكن أول مسؤول يحاول تنظيم ظاهرة الحجاب والزي، ولم يكن أول حاكم يفهم الزي على أنه علامة تمييز، لكن هناك حاكما مسلما فعل مثله ولكنه لم يمنعه عن التلميذات لأن عصره لم يكن يعرف كلمة تلميذات أساسا ولكنه منعه عن الإماء، وهنا يكمن السؤال الذي يخشى الكهنوت الجديد أن يرد عليه: هل الحجاب أو ما يطلقون عليه الحجاب كان قد نزل أساسا لصيانة العفة وحماية الأخلاق كما يردد هؤلاء أم أن المسألة كانت تمييزا لا غير؟. الحقيقة التي يكتمونها عن البسطاء ممن يقرؤون لهم ويسمعونهم في الفضائيات أن الحجاب كان للتمييز فعلا الذي حتمته ظروف المجتمع حينذاك، وهذا ما فهمه الفاروق عمر بن الخطاب والذي أعتقد أنه كصحابي جليل وكرمز للعدل في الإسلام كان يفهم مقاصد الدين أكثر من كل أصحاب الفضيلة هؤلاء، ونبدأ سرد القصة والدلائل من أولها، ونطرح المسكوت عنه في التراث الإسلامي الذي أهال عليه فرسان الكهنوت التراب حتى يظلوا نجوم الساحة وملوك البيزنس وحائزي »السبوبة« من هبرة الموائد والفضائيات ولو كان الثمن عزومة »فتوى« بالكوارع!! نقرأ في كتاب طبقات ابن سعد الجزء السابع ص 127 أن »عمر بن الخطاب أمير المؤمنين كان يطوف في المدينة فإذا رأى أمة محجبة ضربها بدرته الشهيرة حتى يسقط الحجاب عن رأسها ويقول: فيما الإماء يتشبهن بالحرائر«، وقال أنس مرت بعمر بن الخطاب جارية متقنعة فعلاها بالدرة وقال يا لكاع أتتشبهين بالحرائر ألقي القناع .وروى أبو حفص أن »عمر كان لا يدع أمة تقنع في خلافته«، ويقول كتاب المغني الجزء الأول ص 351 عن ابن قدامة »إن عمر رضي الله عنه ضرب أمة لآل أنس رآها متقنعة وقال اكشفي رأسك ولا تتشبهي بالحرائر«، وفي سنن البيهقي الجزء الثاني ص 227 يروى عن أنس بن مالك »إماء عمر كن يخدمننا كاشفات عن شعورهن«... كل هذه المرويات وغيرها تؤكد على أن عمر بن الخطاب فهم الحجاب على أنه للتمييز بين الحرة والأمة كما تقول آية سورة الأحزاب التي سنعرض لتفسيراتها وأسباب نزولها فيما بعد، ولم نسمع أو نقرأ أن صحابيا واحدا قد عارض تصرف الفاروق، وكان هذا التمييز تمييزا طبقيا يستجيب للتقسيم الحاد الذي كان موجودا حينذاك ولوضع المرأة الأمة المتدني في هذا العصر. الآية التي فهمها عمر بن الخطاب على هذا النحو التمييزي هي الآية رقم 59 من سورة الأحزاب "ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما"، وإذا فهمنا أسباب نزول هذه الآية وتفسيرها سنعرف لماذا فهمها الفاروق مثل هذا الفهم الفطري قبل أن يخترع الفقه وقبل أن تصك العبارات الفقهية الشهيرة مثل أن الحكم يدور مع علته، يقول القرطبي في تفسيره "كانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول هذه الاية تتبرز للحاجة (في الصحراء) فيتعرض لها بعض الفجار يظن أنها أمة"، ويخبرنا ابن كثير في تفسيره "كان فساق أهل المدينة يخرجون بالليل فإذا رأوا المرأة عليها جلبابا قالوا: هذه حرة فكفوا عنها وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب قالوا: هذه أمة، فوثبوا عليها"، ويؤكد الطبري على نفس المعنى فيقول: يا أيها النبي قل لأزواجك ونساء المؤمنين لايتشبهن بالإماء في لباسهن إن هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن فكشفن شعورهن ووجوههن، ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن لئلا يتعرض لهن فاسق. وفي تفسير البيضاوي الجزء الرابع ص386"ذلك أدنى أن يعرفن يميزن من الإماء والقينات فلا يؤذيهن أهل الريبة بالتعرض لهن"، وفي كتاب الدر المنثور الجزء السادس ص 659 يقول:" كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن إذا كان الليل خرجن يقضين حوائجهن وكان رجال يجلسون على الطريق للغزل فأنزل الله ( الآية) حتى تعرف الأمة من الحرة، وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظى رضى الله عنه قال: كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين يؤذيهن فإذا قيل له قال كنت أحسبها أمة فأمرهن الله تعالى أن يخالفن زي الإماء ويدنين عليهن من جلابيبهن". بعد قراءتنا لكل هذه التفسيرات التي توضح قصد التمييز في مسألة الحجاب، تحضرني هنا بعض الأسئلة التي
أرجو من المعارضين الثائرين المنادين بتكفير كل من ينكر فريضة الحجاب المزعومة والتي يعدونها من ضمن المعلوم من الدين بالضرورة أن يجيبوني على هذه الأسئلة البسيطة والمشروعة: إذا كنتم تتحدثون عن الحجاب كرمز للعفة والطهارة والأخلاق فلماذا اقتصرت كل هذه المعاني النبيلة على الحرة فقط؟! إذا كان الحجاب يدل عندكم على معاني الستر والصلاح ويمنع الفساق من التعرض للمرأة فلماذا تحرم الأمة الغلبانة أو الجارية المسكينة من الحجاب حتى وإن كانت صالحة وعفيفة؟!، أم أنكم تعتبرونها مستباحة وليست لها كرامة وفي مرتبة أقل من الإنسانة؟! أليست الإماء اللاتي بالطبع هن أجمل بديل المكتوب عنهن في كتب التراث، ألسن أكثر فتنة وإثارة للرجال؟، وإذا كان الغرض هو حماية الرجال من الفتنة والحفاظ على الفضيلة أليس من الأولى حجب هاتيك المثيرات بل وتنقيبهن أم أن بوصلة شهوة الرجال وشبقهم مضبوطة على الحرائر فقط؟، وأليس الأولى إصلاح حال هؤلاء الرجال الفساق الذين يثبون على النساء في الصحراء؟! إجابة الأسئلة السابقة تضع حزب الكهنوت الجديد من حماة الفضيلة ومدعي الأخلاق أمام حرج شديد، فهم يريدون نزع قضية الحجاب من كونها مجرد مسألة تستجيب لظرف تاريخي مؤسف انتهى زمانه وانتفت مبرراته وهو ظرف التقسيم الطبقي ما بين حرة وجارية وسادة وعبيد، يريدون إلباسها رداء المطلق وإسباغ صفة الفريضة الدينية عليها، وتأكيدا لفرضية الظرف التاريخي النسبي التي أؤكد عليها أدعوكم إلى قراءة كيف ناقشت كتب الفقه مسألة عورة الأمة التي يحسب الكثيرون أنها محسومة، وسنعرضها باختصار وعلى من يريد التأكد والاستزادة أن يعود للمراجع الفقهية، فالمذهب الحنفي يقول إن عورة الأمة هي عورة الرجل مع ظهرها وبطنها وجنبها، والمذهب المالكي يقصرها على السوأتين والإليتين، والشافعي يقول إنها كالرجل، والحنبلي ما بين السرة والركبة.. إلخ ، حتى العورة مختلف عليها في كتب الفقه وتريدون لشيراك ألا يختلف ياسادة. الحجاب هو أسهل وأوضح رمز سياسي يقاتل من أجله قادة الجماعات الإسلامية السياسية، والحشمة نحن معها ونعرفها منذ زمن طويل في مصر وكانت موجودة بدون الحجاب ويكفي أن ينظر كل منكم إلى الصور الفوتوغرافية للأمهات والخالات والجدات في الخمسينيات والستينيات، هل كن كلهن كافرات؟ وهل هبط علينا الوحي فجأة في السبعينيات أم أن هناك أسبابا اجتماعية واقتصادية أخرى لعبت دورها في انتشاره؟ والمحجبة حرة في أن ترتدي ما تشاء بدون إدانة الأخريات من حاسرات الرأس بأنهن كافرات، وعلى الجميع أن يعرف أن الفضيلة لا تصنعها طرحة وأن الأخلاق تسكن العقول ولا تسكن قطع القماش؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ردد هذا الكاتب من شبهات وأباطيل حول الحجاب ينطبق عليه قول الأول:
إن بني ضرجوني بالدم **** شنشنة أعرفها من أخزم
ونود قبل الخوض معه في أمر تلك الشبهات أن نذكر بعض الأمور وهي :
1 ـ الأمر الأول : ليس لأحد أن يتكلم في دين الله تعالى بغير علم فالمرجع في كل فن من الفنون إلى أهل الاختصاص فيه، وفي فنون العلم الشرعي أولى، إضافة إلى أنه لا يصح ولا يقبل من أي أحد أن يتكلم في دين الله تعالى بكلام ليس له فيه سلف من هذه الأمة وخاصة إذا تعلق الأمر بأمور كانت موجودة وأشبعت بحثا وتمحيصا .
الأمر الثاني : أن هذا الكاتب جمع بين الجهل والكذب، فجهله بعدم تمييزه بين اصطلاحات العلماء في التفريق بين الفرض والركن، فأركان الإسلام خمسة والمفروض في الإسلام أكثر من أن يحصى ، وأما كذبه فنسبته لدعاة الطهر القول بأن الحجاب ركن سادس من أركان الإسلام، وخانه الجهل فقال فريضة سادسة .
الأمر الثالث : أن الكاتب يحسن الظن ببعض الكفرة الذين منعوا الحجاب مخالفين بذلك ما يدعون أنه من مبادئهم وهو الحرية التي حرمت منها الفتاة المسلمة عندهم ، وفي المقابل يسيء الكاتب الظن بدعاة العفة والطهر فيكيل لهم الشتائم .
الأمر الرابع : نقول لهذا الكاتب الجهول : إن كان القول بفرضية الحجاب تفكيرا متدثرا بالخرافة واللاعقلانية فهل القول بسفور المرأة عين الحكمة والعقل؟! أم أنت معجب بما في مجتمعات السفور من العهر والفجور!! .
ولنأت الآن إلى ما دندن حوله الكاتب هو أمر واحد مفاده أن الحجاب شرع لعلة واحدة وهي التمييز بين الحرائر والإماء، وكانت النتيجة عنده أن الحجاب ليس فريضة شرعية، وإنما للتمييز الذي حتمته ظروف المجتمع حينذاك ، نافيا أن يكون من حكمته أيضا صيانة العفة وحماية الأخلاق، ولنا معه الوقفات التالية :
الوقفة الأولى : أن الحجاب فريضة شرعية وقد دلت على ذلك أدلة شرعية بيناها في الفتوى رقم : 5561 ، وعلة فرض الحجاب كون المرأة أنثى بالغة ، وأما التمييز بين الحرة والأمة فحكمة من الحكم وليس هو العلة، وحكم فرض الحجاب كثيرة ، تراجع في الفتوى رقم : 55578 ، وتراجع في سبب التفريق بين الحرة والأمة الفتوى رقم : 46973 .
الوقفة الثانية : أن من العلماء من ذهب إلى أن الأمة في هذا الحكم كالحرة يجب عليها الستر، بل ومن ذهب إلى التمييز بينها وبين الحرة قال بوجوب الستر عليها إذا كانت جميلة يخشى الافتتان بها ، قال ابن قدامة في المغني : وسوّى بعض أصحابنا بين الحرة والأمة لقوله تعالى : ولا يبدين زينتهن ... الآية ولأن العلة في تحريم النظر الخوف من الفتنة ، والفتنة المخوفة تستوي فيها الحرة والأمة ، فإن الحرية حكم لا يؤثر في الأمر الطبيعي، وقد ذكرنا ما يدل على التخصيص ويوجب الفرق بينهما وإن لم يفترقا فيما ذكر افترقا في الحرمة وفي مشقة الستر؛ لكن إن كان الأمة جميلة يخاف الفتنة بها حرم النظر إليها ، قال أحمد بن حنبل في الأمة إذا كانت جميلة: تنتقب ولا ينظر إلى المملوكة ، كم من نظرة ألقت في قلب صاحبها البلابل. اهـ .
وفي مواهب الجليل : وفي التوضيح : واعلم أنه إذا خشي من الأمة الفتنة وجب الستر لخوف الفتنة لأنه عورة . اهـ .
الوقفة الثالثة : أن أمر العفة والأخلاق مقصد أساسي في تشريع الحجاب، وقد سبق ذكر ذلك في الفتوى المذكورة آنفا والتي بينت حكمة الحجاب. وننقل هنا كلاما يؤيد ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى : قال تعالى : وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ {النور: 60 } فرخص للعجوز التي لا تطمع في النكاح أن تضع ثيابها فلا تلقي عليها جلبابها ولا تحتجب وإن كانت مستثناة من الحرائر لزوال المفسدة الموجودة في غيرها؛ كما استثنى التابعين غير أولي الإربة من الرجال في إظهار الزينة لهم لعدم الشهوة التي تتولد منها الفتنة، وكذلك الأمة إذا كان يخاف منها الفتنة كان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب، ووجب غض البصر عنها ومنها . اهـ .
الوقفة الرابعة : أن الترخيص للأمة بوضع الحجاب تخفيف ورحمة لحاجتها لذلك كما سبق، ولا يعني هذا بأي حال اعتبارها مستباحة للفساق كما تساءل الكاتب ، ولكن إذا تعرض لها فاسق فهنالك ما يمكن أن يزجر به ويعزر من قبل الحاكم المسلم .
الوقفة الخامسة : أن من غريب أمر هذا الكاتب عدم أمانته العلمية! فإنه يستدل بأقوال من يرون خلاف ما يرى هو فيأخذ منها ما وافق هواه ويدع ما سوى ذلك، فلم يكن عمر رضي الله عنه -مثلا- يرى أن الحجاب ليس مقصودا منه الطهر والعفاف، فقد روى البخاري عنه أنه قال : قلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ، فأنزل الله آية الحجاب . وما زال علماء الأمة الثقات في مختلف العصور يقولون بوجوب الستر على المرأة المسلمة ولم يقل واحد منهم أن الحجاب لمجرد التمييز بين الحرة والأمة فإذا لم يوجد الإماء فلا شرعية للحجاب .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(47/189)
المدارس الأجنبية ...
عنوان الفتوى
... جعفر الطحلاوي ...
اسم المفتى
... 20932 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ألحقت بناتي بمدرسة أجنبية من المدارس المنتشرة في ديار المسلمين ووجدت بعض أقاربي ينكرون علي ذلك فما الخطورة علي أبناء المسلمين وبناتهم في التحاقهم بهذه المدارس والمعاهد في بلادنا العربية وغيرها
نص الفتوى
إنهم يدسون السم في العسل ويعملون جاهدين على تنشئة جيل من أبناء المسلمين تحت أعينهم يكون أداتهم الطيعة لتنفيذ مخططاتهم التي استحال عليهم القيام بها بأنفسهم ولسوف أستشهد هنا بما خرج من أفواه القوم، تقول إحدى الصليبيات (آنا مليجان) فيما أورده صاحب كتاب في مسألة السفور والحجاب قالت [ليس هناك طرق لهدم الإسلام أقصر مسافة من تعليم بنات المسلمين في مدارس التبشير الخاصة إن القضاء على الإسلام يبدأ من هذه المدارس التي أنشئت خصيصا لهذه الغاية. والتي تستهدف صياغة المرأة المسلمة علي النمط الغربي الذي تختفي فيه كلمة الحرام والحياء والفضيلة.. ليس هناك طريق لهدم الإسلام أقصر مسافة من خروج المرأة المسلمة سافرة متبرجة] من صفحات4:26 من الكتاب المذكور. هذا وتسلسل الانحلال في المجتمع أوله فساد المرأة وطغيانها بتجاوزها لحدود الله وتركها لهدى الله تبارك وتعالى جاء في كتاب (نظرات في إصلاح النفس والمجتمع) يجب أن نعلم أن قضية المرأة في المجتمع في عصرنا هي أهم ما يدور عليه صلاح المجتمع وفساده، وإذا نظرنا إلى الأحاديث التي تشير إلى هذا المعنى، وإلى تسلسل الانحلال الذي أوله فساد المرأة نجد أن النبي(صلى الله عليه وسلم) قال: (كيف أنتم إذا طغى نساؤكم وفسق شبانكم وتركتم جهادكم؟ قالوا وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟! قال:نعم، والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون، قالوا وما أشد منه يا رسول الله ؟ قال كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف ولم تنهوا عن منكر؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟! قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه؟ قال: كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه؟ قال كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ قالوا وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون يقول الله تعالى في حديثه القدسي فيما معناه: بي حلفت لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم فيها حيراناً - رواه أبو يعلى. سلسلة متصلة الحلقات تطغى المرأة فيتبعها فجور الشباب، ويغفل كل عن واجبه ويصير من الغريب أن تخرج المرأة محتشمة متسترة، ويترتب على ذلك ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم يتدرج الأمر إلى أن يكون المعروف منكرا والمنكر معروفا، ثم تكون الفتنة التي تجعل الحليم في الأمة حيرانا ولا يدري ماذا يصنع؟ صفحة 71 - وفي المقابل لا تجد أبدا السفارات الأجنبية وكذا الجاليات الأجنبية في البلاد العربية والإسلامية تقبل أن تلحق أولادها من ذكور وإناث في المدارس الإسلامية الحكومية منها ولا المدارس الخاصة، وإنما تقوم بإنشاء وافتتاح مدارس خاصة ومراكز ومعاهد ودورات تربي فيها أولادها لينشأوا على تقاليدهم وأعرافهم ومللهم ومعتقداهم. والطغيان - كما في الحديث طغى نساؤكم - هو تجاوز الحد في الظلم والغلو فيه. وذلك أن الظلم منه صغيرة ومنه كبيرة فمن تجاوز منزلة الصغيرة فقد طغى، ومنه قوله تعالى: "كلا إن الإنسان ليطغى" (العلق: 6) أي يتجاوز الحد في الخروج عن الحق وظلم المرأة يتمثل في تبرجها وسفورها وخروجها علي أمر الله وكتابه وهدي نبيه(صلى الله عليه وسلم) وقد تنبأ (صلى الله عليه وسلم) بطغيان النساء ومجاوزتهن الحد في العصيان والمعاونة على العصيان والفساد والإفساد وقد أدرك الغرب الكافر هذا فسعى بكل جهده لإفساد المرأة بشتى الوسائل والسبل المنظم منه والعابر ومن الإفساد المنظم إنشاء المدارس في ديار المسلمين لتعليم بنات المسلمين فنون الفجور وأنماط الفساد بحجة التعليم ودعوى الاهتمام باللغة الأجنبية والتركيز عليها فتألف البنت الجلوس إلى الولد وتخلع جلباب الحياء ورداء الفضيلة منذ نعومة أظفارها ومن شب على شيء شاب عليه وتتعدد مضار وأخطار الاختلاط وتعود البنت لرؤية المعلمة متبرجة وسافرة فتحاكيها وتترسم خطاها في حياتها وحرصا من هذه المدارس التنصيرية على قيامها بمنهجها المرسوم وخطها تعمل على الاكتفاء الذاتي ولا سيما في مجال المعلمين والمعلمات. وهذه المدارس والمعاهد تتخذ من مواقعها معابد تقيم فيها طقوس عباداتها الباطلة وهي بذلك تمثل بؤر فساد وفيروسات تأتي على بنيان المجتمع الإسلامي من الداخل إذ المرأة وعاء الحياة وهي وسيلة الإنتاج البشري وهي المؤثر الأول والأساسي في حياة الرجل، إذ إنها الأم والأخت والزوجة والابنة فلا شك أن صلاح المرأة يتبعه صلاح أسرتها وبالتالي مجتمعها كما يتبع فسادها وانحلالها فساد الأسرة ودمار المجتمع. من هذا كله يتضح لنا خطورة إلحاق أولادنا بهذه المدارس
ـــــــــــــــــــ(47/190)
النساء وزيارة المقابر ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19561 ...
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : ما حكم الدين في زيارة النساء للقبور، وبخاصة عند التزام جميع الآداب وعند إرادة الاتعاظ والخشوع ؟ .
نص الفتوى
أجاب : إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أولا عن زيارة القبور، قطعا لما كان عليه أهل الجاهلية من التفاخر بزيارتها لتعداد مآثر من فيها من الآباء والأجداد، الذي يشير إليه قوله تعالى {ألهاكم التكاثر . حتى زرتم المقابر } التكاثر: 1 ، 2 ، ثم رخص لهم بعد في زيارتها لتذكر الموت والاستعداد للحياة الآخرة ، كما بينه الحديث الذي رواه ابن ماجه بسند صحيح "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروا القبور فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة" وغير ذلك من الأحاديث التى رواها مسلم وغيره في هذا المقام .
وأجمع المسلمون على استحباب زيارة القبور، وأوجبها الظاهرية ، غير أنهم قالوا : إن ذلك خاص للرجال دون النساء ، لكن لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما في خروجهن من مفاسد نهاهن عنها ، واستمر الإذن للرجال ، وقال آخرون : إن النهى عن زيارتهن كان سابقا للنهى العام عن زيارة القبور. ثم جاء الإذن للرجال ، وبقى المنع مستمرا بالنسبة لهن .
ومهما يكن من شىء فإن فى زيارتهن أقوالا تتلخص فيما بأتى :
1 -التحريم مطلقا، سواء كانت هناك فتنة أو مفسدة عند زيارتهن أم لا، ودليله حديث "لعن اللَّه زوارات القبور" رواه الترمذى وقال : حديث حسن صحيح ، ولكن القرطبى قال يحتمل أن الحرمة منصبة على الكثرة، أخذا من التعبير بلفظ "زوارات " وهو صيغة مبالغة .
2 - التحريم عند خوف الفتنة أو المفسدة . وبهذا يحرم على الشابات زيارة القبور وكذلك على غيرهن إذا كن بزينة أو شيء يلفت إليهن الأنظار، وتجوز للعجائز اللاتي لا يفتتن بهن ، إلا إذا صاحبها شيء محرم كالنياحة وغيرها مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
والنساء لا يستطعن التخلص بسهولة من هذه العادات الشنيعة، ففي حديث أم عطية : أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم عند البيعة ألا ننوح ، فما وفت امرأة منا غير خمس نسوة... رواه البخاري . ولما بكى نساء جعفر ابن أبي طالب عليه لما استشهد أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً أن ينهاهن فلم يطعن الرجل مرتين ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحثو في أفواههن التراب ، رواه البخاري .
3 - الكراهة ، ودليلها القياس على اتباع الجنائز، الذي ورد فيه حديث أم عطية أيضًا : نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا . رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
4 - الإباحة ، ودليلها عدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة عندما ذهبت إلى البقيع -وهو مقبرة المسلمين -وعلمها ما تقوله عند زيارة القبور وهو"السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم اللَّه المستقدمين منا والمستأخرين ، وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون " رواه مسلم :
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على امرأة تبكى عند القبر فأمرها بالتقوى والصبر، ونهاها عن البكاء لأنه سمع منها ما يكره من نوح وغيره ، ولم ينهها عن أصل الزيارة .
5 - الاستحباب ، كما هي مستحبة للرجال ، ودليلها عموم الإذن بالزيارة في قوله صلى الله عليه وسلم "فزروها" .
والآراء الثلاثة الأخيرة محلها عند أمن الفتنة والمفسدة ، وإلا حرمت الزيارة ، وبهذا يعلم جواب السؤال ، وإن كنت أميل إلى كراهة زيارتهن على الرغم من عدم وجود محرم محظور ، كالسفور والنياحة واللطم والجلوس على القبر والمبيت عنده وما إلى ذلك ، فإن الأولى للمرأة أن تستقر في بينها لا تغادره إلا لضرورة أو حاجة ملحة ، صيانة لها من الفساد .
ـــــــــــــــــــ(47/191)
صورة من الخلوة بين الجنسين ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19712 ...
رقم الفتوى
... 18/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : هل يجوز ركوب امرأة أو مجموعة من النساء مع سائق أجنبى عنهم ليوصلهن إلى مكان قريب داخل المدينة أو فى سفر طويل ؟
نص الفتوى
أجاب : الخلوة المنهى عنها والتى هى مظنة الغلط تكون باجتماع رجل مع امرأة أجنبية فى مكان واحد لا يراهما فيه أحد ، أما الاجتماع فى الطريق والأماكن العامة كالأسواق ودور العلم ووسائل المواصلات فلا تتحقق به الخلوة المحرمة ، وإن تحقق به محظور آخر، كالسفور والنظر إلى المفاتن والكلام اللين والملامسة ونحوها .
ومحصل ما قاله العلماء فى اجتماع الجنسين هو :
1- إذا كان الاجتماع ثنائيا ، أى بين رجل وامرأة فقط ، فإن كان الرجل ، زوجا أو محرما جاز وإن كان أجنبيا حرم .
2 - وإذا كان الاجتماع ثلاثيا ، فإما أن يكون بين امرأة ورجلين ، وإما أن يكون بين امرأتين ورجل ، فإن كان الأول جاز إن كان أحدهما زوجا أو محرما ، وإلا حرم "النووى على مسلم ج 9 ص 159 " وإن كان الثانى فإن كانت إحداهما محرما جاز وإلا ففيه قولان ، وقد ذكر النووى فى شرح المهذب والخطيب على متن أبى شجاع "ج 2 ص 120 " جواز الخلوة بامرأتين .
3-وإن كان الاجتماع رباعيا فأكثر فإن كان رجل مع نساء جاز، وكذلك إذا تساوى العدد فى الطرفين ، وإن كانت امرأة مع رجال جاز إن أمن تواطؤهم على الفاحشة ، كمن دخلوا على زوجة أبى بكر الصديق أسماء بنت عميس وكان غائبا ، وإلا حرم .
ويشترط فى المحرم الذى تجوز الخلوة بالأجنبى مع حضوره ألا يكون صغيرا لا يستحيا منه ، كابن سنة أو سنتين ، وقال بعض العلماء :
تجوز الخلوة بالأجنبية إذا كانت عجوزا لا تراد، ولكن مع الكراهة ، أما الشابة مع كبير السن من غير أولى الإربة فقيل لا تجوز الخلوة به ، وقيل :
تجوز مع الكراهة .
هذا ملخص ما قاله العلماء فى الخلوة ومنه يعرف أن السائق الذى يوصل امرأة واحدة إن كان فى طريق مكشوف والناس ينظرون فلا حرمة فى ذلك ، وإن كان معه مجموعة من النساء فلا حرمة أيضا، أما الطريق الخالى من الناس كطرق الصحراء وغيرها فيحرم سفر امرأة واحدة مع سائق أجنبى ، أما مع مجموعة فينظر التفصيل السابق . ومثل السائق المدرس الخصوصى للبنت والبنات ، حتى لو كان يعلمهن القرآن الكريم .
ـــــــــــــــــــ(47/192)
تبادل الزيارات بين المسلمات وغير المسلمات ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 10029 ...
رقم الفتوى
... 24/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
لدي بعض الجارات من غير المسلمات ومسلمات أيضا ، لكن لي عليهن بعض الملاحظات ، ما حكم تبادل الزيارات فيما بيننا ؟
نص الفتوى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وبعد:
تبادل الزيارات في مثل هذا إذا كان للتوجيه والنصح والتعاون على البر والتقوى طيب مأمور به ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يقول الله عز وجل وجبت محبتي للمتحابين في والمتزاورين في والمتجالسين في والمتباذلين في) أخرجه الإمام مالك رحمه الله بإسناد صحيح ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم : رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) مثل بالرجلين ، والحكم يعم الرجلين والمرأتين ، فإذا كانت الزيارة لمسلمة أو نصرانية أو غيرهما لقصد الدعوة إلى الله وتعليم الخير والإرشاد إلى الخير لا لقصد الطمع في الدنيا والتساهل بأمر الله فهذا كله طيب ،
فإذا زارت المسلمة أختها في الله ونصحتها عن التبرج والسفور وعن التساهل بما حرم الله من سائر المعاصي ، أو زارت جارة لها نصرانية أو غير نصرانية كبوذية أو نحو ذلك لتنصحها وتعلمها وترشدها فهذا شيء طيب ويدخل في قوله صلى الله عليه وسلم : (الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة) فإن قبلت فالحمد لله وإن لم تقبل تركت الزيارة التي لم يحصل منها فائدة .
أما الزيارة من أجل الدنيا أو اللعب أو الأحاديث الفارغة أو الأكل أو نحو ذلك - فهذه الزيارة لا تجوز للكافرات من النصارى أو غيرهن . لأن هذا قد يجر الزائرة إلى فساد دينها وأخلاقها . لأن الكفار أعداء لنا وبغضاء لنا ، فلا ينبغي أن نتخذهم بطانة ولا أصحابا ، لكن إذا كانت الزيارة للدعوة إلى الله والترغيب في الخير والتحذير من الشر فهذا أمر مطلوب ، كما تقدم ، وقد قال الله سبحانه وتعالى في سورة الممتحنة : {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ} وَحْدَهُ الآية
ـــــــــــــــــــ(47/193)
نصح المؤمنة لأختها ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 10055 ...
رقم الفتوى
... 24/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
إذا كان المنكر الذي تراه الأخت المؤمنة : الاختلاط وعدم الحجاب ، فكيف تنصحهم ؟
نص الفتوى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وبعد:
تنصحهم ، تقول لأختها في الله الواجب عليك عدم الاختلاط ، وعدم السفور والاهتمام بأمر التحجب عن الرجال الذين ليسوا محارم لك ، قال الله تعالى : {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} وقال تعالى : {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} الآية .
فتأتي بالآيات والأحاديث التي في المقام ، وفيها إيضاح المطلوب والتحذير مما يخالف الشرع المطهر ، وتوضح لأخواتها في الله أن الواجب علينا جميعا أن نحذر مما حرم الله ، ونتعاون على البر والتقوى ، ونتواصى بالحق والصبر عليه .
ـــــــــــــــــــ(47/194)
حكم النصيحة إلى الوالد الذي يسافر لبلاد الكفار ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 16585 ...
رقم الفتوى
... 24/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
والدي فوق السّتِّين عامًا من عُمُره، ويسافر كثيرًا إلى بلاد الكفر للفسق والسفور، وقد نصحته كثيرًا، وهو يوبِّخُني بأنه يريدُ أن يمتع نفسه؛ فهل عليَّ أن أطلب الحجر عليه ومنعه من السفر؟ أم أتركُهُ وشأنه مرضاة لقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23.]؟
نص الفتوى
الحمد لله
يجب عليك مناصحة والدك عن السفر إلى بلاد الكفر، وحثُّه على التَّوبة، وإذا كان بإمكانك منعه من ذلك؛ وجب عليك منعه؛ لأنَّ ذلك من أجل مصلحته، ومن التعاون معه على البرِّ والتَّقوى، ومن إنكار المنكر، أما إذا كنت لا تستطيع منعه؛ فيكفيك مناصحتُه والإنكار عليه.
وعلى كل حال؛ مناصحتك له ومنعه إن أمكن هو من أعظم الإحسان إليه؛ فهو داخل في قوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}.
ـــــــــــــــــــ(47/195)
ما هو المنكر الذي ينبغي تغييره؟ ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 16672 ...
رقم الفتوى
... 01/01/1900 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما هو المنكر الذي ينبغي تغييره؟
نص الفتوى
الحمد لله
المنكر الذي يجب تغييره هو كل ما نهى الله عنه من المعاصي القولية والفعلية، وأعظم ذلك الشرك بالله عز وجل؛ قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13.]، ثم الزّنى واللواط وشرب المسكرات وتعاطي المخدرات وأكل الربا والتبرج والسفور وترك الصلاة والتكاسل عنها واستماع الأغاني الماجنة والنظر في الأفلام الخليعة والصور الفاتنة... إلى غير ذلك من المنكرات التي كَثُرت في بلاد المسلمين، فلا بد من المبادرة بالعمل على تغييرها وإزالتها من بلاد المسلمين.
ـــــــــــــــــــ(47/196)
ما الممارسات الخاطئة في تغيير المنكر؟ ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 16677 ...
رقم الفتوى
... 31/05/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما الممارسات الخاطئة في تغيير المنكر؟ وكيف يمكن علاجها؟
نص الفتوى
الحمد لله
الممارسات الخاطئة في تغيير المنكر تتلخص فيما يلي:
1ـ أن يقوم بتغيير المنكر من لا علم عنده بما يحل ويحرم وما هو منكر وما ليس بمنكر؛ فإن هذا يفسد أكثر مما يصلح، وقد يُحرِّم حلالاً ويُحِلُّ حرامًا. ولا يستطيع دفع الشبهات التي توجه إليه؛ فلا بد أن يكون القائم بذلك عالمًا بما يأمر عالمًا بما ينهى عنه، يستطيع المجادلة بالتي هي أحسن ودفع الشبهات التي توجه إليه من أصحاب الشهوات والمغالطات.
2ـ أو يقوم بتغيير المنكر من ليس عنده حكمة ووضع للأمور في مواضعها وترتيب للأولويات؛ فقد يقوم بإنكار منكر صغير وهناك ما هو أكبر منه وأولى بالبداءة بتغييره، أو يقوم بإنكار منكر يخلفه منكر أعظم منه؛ فلا بد من الحكمة في ذلك.
3ـ أو يقوم بتغيير المنكر بطريق العنف والشدة، ثم تقابل بمثل ذلك أو أشد؛ فلا يحصل المقصود، فلا بد أن يكون الآمر الناهي رفيقًا فيما يأمر به رفيقًا فيما ينهى عنه.
4ـ أو يقوم بإنكار المنكر وتغييره من ليس عنده صبر وتحمل فينقطع في أول الطريق ويترك التغيير لأنه أُصيبَ باليأس، ولا بد في الآمر الناهي من الصبر والتحمل، قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3.]، وقال تعالى عن لقمان: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان: 17.].
5ـ أو يقوم بذلك من لا يتقيد بدرجات الإنكار التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم فربما ينزل إلى درجة وهو يستطيع التي قبلها، أو يصعد إلى درجة وهو ليس من أهلها.
6ـ قد يكون من بعض الآمرين بالمعروف تسرُّع في بعض الأمور المهمة؛ بأن تكون له مبادرات لا يرجع فيها إلى أهل العلم والرأي والمشهورة الذين يقومون بدراسة الأمور ويعلمون تجاه كل شيء ما يناسبه، إن ارتكاب هذه الأخطاء أو بعضها تعوق مسيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد تُحدِث أمورًا عكسية، وقد يحصل منها نتائج غير كافية، فمثلاً الذي يقوم بإنكار المنكر الخفيف ويترك المنكر الذي هو أعظم منه لا يُنتِج عملُهُ كبير فائدة؛ فالذي يترك إنكار الشرك والبدع وينكر أكل الربا والسفور وغير ذلك من الأمور التي يوجد ما هو أعظم منها يكون قد بدأ من آخر الطريق وعالج جسمًا مقطوع الرأس وخالف منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ فقد كانوا يبدؤون بإنكار الأهم فالمهم، كانوا يبدؤون بإنكار الشرك وعبادة غير الله، فإذا صححوا العقيدة أولاً؛ التفتوا إلى إنكار المعاصي الأخرى.
خذ هذا مثلاً في منهج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد بقي في مكة ينكر الشرك ويدعو إلى التوحيد ثلاث عشرة سنة قبل أن ينكر الربا والزنى وشرب الخمر ويأمر بالصلاة والزكاة.
قد يقول قائل: هذا كان في مجتمع المشركين؛ أما نحن؛ ففي مجتمع مسلم عنده بعض المخالفات. فنقول: إن ما كان موجودًا عند المشركين في الجاهلية يوجد اليوم في غالب بلاد المسلمين ما هو مثله أو أعظم منه من الشرك بالله المتمثل في عبادة الأضرحة والطرق الصوفية والبدع في الدين؛ فالواجب على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في تلك البلاد أن يهتموا بذلك وأن يبدؤوا بإنكاره بجد وعزيمة حتى تطهر البلاد منه ثم يواصلوا مسيرتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بقية المخالفات.
ـــــــــــــــــــ(47/197)
حكم حجاب المرأة ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 16959 ...
رقم الفتوى
... 01/01/1900 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم الحجاب في حق المرأة المسلمة فكثيرًا ما تتعرض المرأة المحجبة عندنا للسخرية من الغير، فهل هو واجب في جميع المذاهب الأربعة؟ وما تفسير الآية الكريمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} الآية [سورة النور آية: 31.]، وهل معنى قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [سورة النور آية: 31.] أي يغطين رؤوسهن وصدورهن مع العنق وهل يدخل الوجه في ذلك إذا كان كذلك فما معنى قوله تعالى: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [سورة النور آية: 31.]؟
نص الفتوى
الحمد لله
الحجاب في الجملة واجب بإجماع المسلمين، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: آية 53.]، والضمير وإن كان لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم فهو عام لجميع نساء الأمة لقوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: آية 53.]، فهذا تعليل يشمل الجميع؛ لأن طهارة القلوب مطلوبة لكل الأمة، وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [سورة الأحزاب: آية 59.]، فهذا عام لجميع النساء من أمهات المؤمنين وبنات الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرهن من نساء المؤمنين، فالحجاب في الجملة واجب بإجماع المسلمين، والسفور حرام، وأما المراد بقوله تعالى: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [سورة النور: آية 31.]، فالصحيح من قولي المفسرين أن المراد بما ظهر منها: زينة الثياب والحلي، فالمراد بذلك الزينة التي تلبسها المرأة لا زينة الجسم، وإنما المراد بالزينة الظاهرة الزينة التي تلبسها المرأة إذا ظهر منها شيء بغير قصد، فإنها لا تؤاخذ على ذلك، أما إذا تعمدت وأظهرته فإنها تأثم بذلك ويحرم عليها، فقوله: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [سورة النور: آية 31.] أي: ظهر من غير قصد، فإذا ظهر شيء من زينة ثياب المرأة أو من حليها من غير قصد فإنها لا تأثم بذلك، ولكن إذا علمت بذلك وتركته أو تعمدت إخراجه وإظهاره فإنها تأثم لما في ذلك من الفتنة للرجال.
وأما قضية إسدال الخمار المأمور به في قوله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [سورة النور: آية 31.]، فالمراد بالخمار غطاء الرأس، والمعنى: أنها تغطي بخمارها وجهها ونحرها، فتدلي الخمار من رأسها على وجهها وعلى نحرها خلافًا لما كان عليه الأمر في الجاهلية، فإن نساء الجاهلية كن يكشفن نحورهن وصدورهن ويسدلن الخمار من ورائهن كما جاء في كتب التفسير، والله جل جلاله أمر نساء المسلمين أن يضربن بخمرهن على جيوبهن، والمراد بالجيب فتحة الثوب من أعلاه من الأمام، فهذا يستلزم أن تغطي المرأة وجهها ونحرها ولا يظهر شيء من جسمها، لأن الوجه أعظم زينة في جسم المرأة، وهو محل الأنظار، وهو محل الفتنة، وهو مركز الحسن والجمال، فهذا هو الصحيح في تفسير الآية الكريمة أن الوجه يجب ستره، وإن كان بعض العلماء يرى جواز كشفه وكشف الكفين، ولكن كلٌّ يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا القول لا يتناسب مع سياق الآية وما فسرها به أئمة السلف من الصحابة والتابعين حتى إن ابن عباس رضي الله عنهما لما سأله عبيدة السلماني عن معنى قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: آية 59.] أدنى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الغطاء على وجهه وأبدى عينًا واحدة [انظر "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (3/497).]، فهذا تفسير منه للآية، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يفسر قوله تعالى: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [سورة النور: آية 31.] بأن المراد زينة الثياب [انظر "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (3/274).] كما ذكرنا، وليس زينة الوجه كما قاله، من قاله فيكون ابن عباس إذًا رجع إلى قول ابن مسعود في آخر الأمرين كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه كان في أول الأمر يجوز للمرأة أن تبدي وجهها، ولكن بعدما نزلت آية الحجاب نسخ ذلك، وصارت يجب عليها تغطية وجهها [انظر "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (22/110).].
ـــــــــــــــــــ(47/198)
حكم لبس النقاب ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 16960 ...
رقم الفتوى
... 01/01/1900 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سائلة تقول: كثر الحديث حول النقاب ومدى حله أو حرمته، بماذا تنصحني فضيلة الشيخ حول هذا الموضوع؟
نص الفتوى
الحمد لله
الواجب على المرأة المسلمة التزام الحجاب الساتر على وجهها وسائر بدنها درءًا للفتنة عنها وعن غيرها.
والنقاب الذي تعمله كثير من النساء اليوم نوع من السفور، بل هو تدرج إلى ترك الحجاج، فالواجب على المرأة المسلمة أن تبقى على حجابها الشرعي الساتر، وتترك هذا العبث الذي تفعله بعض السفيهات من النساء اللاتي تضايقن من الحجاب الشرعي، فأخذن يتحيلن على التخلص منه.
ـــــــــــــــــــ(47/199)
عورة المرأة أمام المرأة ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 17705 ...
رقم الفتوى
... 01/01/1900 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
كثير من النساء يذكرن أن عورة المرأة من المرأة هي من السرة إلى الركبة، فبعضهن لا يترددن في ارتداء الملابس الضيقة جدًّا أو المفتوحة لتظهر أجزاء كبيرة من الصدر واليدين؛ فما تعليقكم؟
نص الفتوى
الحمد لله
مطلوب من المسلمة الاحتشام والحياء، وأن تكون قدوة حسنة لأخواتها من النساء، وأن لا تكشف عند النساء إلا ما جرت عادة المسلمات الملتزمات بكشفه فيما بينهن، هذا هو الأولى والأحوط؛ لأن التساهل في كشف ما لا داعي لكشفه قد يبعث على التساهل ويجر إلى السفور المحرم. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ(47/200)
ما حكم إجابة الدعوات التي يحصل فيها بعض المنكرات. ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 10678 ...
رقم الفتوى
... 27/05/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم إجابة الدعوات التي يحصل فيها بعض المنكرات مثل المراويس والطبول، علماً بأن الداعي إلى حضورها من المقربين، وفيها تلك المنكرات؟
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا يجوز إجابة مثل هذه الدعوة مع ظهور هذه المنكرات، وكذا إذا ظهر شرب الخمور أو الدخان أو الأفلام الخليعة أو الاختلاط بين الرجال والنساء، أو التبرج والسفور، لكن إذا كنت قادراً على إزالة المنكر أو تخفيفه، أو إذا حضرت احترموك وتركوا هذه المنكرات فعليك الحضور لذلك، وإلا فلا تحضر ولو كان من الأقارب إلا بشرط إزالة المنكرات.
ـــــــــــــــــــ(47/201)
حكم تولي المرأة القضاء ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 10939 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
هل يجوز حكم المرأة؟ أي هل يجوز أن تكون المرأة قاضية؟
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا يجوز للمرأة أن تتولى الوظائف العامة التي يحتاج معها إلى مخاطبة الرجال عموماً، والاختلاط بهم، وتكرار الخروج، وسؤال الرجال الأجانب، وإجابتهم المستمرة، فإن ذلك دليل رعونة المرأة وجرأتها، وهو مما يحملها على إسقاط الحياء وقلة الاحتشام، ورفع الصوت، وذلك ينافي أنوثتها وحياءها، وهكذا لا تتولى الإمامة، ولا الخطابة ولا المحاماة التي تستلزم التردد على المحاكم والدوائر التي يغشاها الرجال، وهذا من الترجل، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المترجلة من النساء أما الوظائف التي يحتاجها النساء فلا بأس أن تتولى ذلك، كالتدريس للطالبات، والطب، والتمريض للنساء، والعلاج بجميع أنواعه مما يتعلق بالإناث، وكذا العمل في الدوائر التي لا يراجعها سوى النساء حتى لا يضطر النساء إلى مخاطبة الرجال مما يكون سبباً في انتشار التبرج والسفور، وغيره من الدوافع إلى الفواحش والمنكرات، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ(47/202)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
الزواج العرفي
جمع إعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الزواج العرفي .. بدعة شبابية
خالد بركات
•العلماء: الزواج العرفي حلال..ولكن الصياغة الشبابية له جعلته باطلا
• النساء والأبناء ضحايا الزواج السري.. والكبت الثقافي والاجتماعي مع الجهل الديني أهم أسبابه
انتشر بين بعض فئات الشباب في الآونة الأخيرة ظاهرة الزواج العرفي ووجدوا فيه طريقا ملتويا للوصول لأغراض جنسية محضة وغلف هؤلاء الشباب هذا الطريق الملتوي وغير الشرعي بحجج وأسانيد واهية لم يقنعوا بها إلا أنفسهم ووجدوا في هذه الأسانيد الواهية ستارا دينيا يريحون خلفه ضمائرهم الغائبة، وفي حقيقة الأمر فقد وقع هؤلاء في الإثم بعينه.
والخطير في الأمر أن إحصائية جديدة أعلنتها وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية كشفت أن 255 ألف طالب وطالبة في مصر اختاروا الزواج العرفي، أي بنسبة 17% من طلبة الجامعات البالغ عددهم 5. 1 مليون، وهو ما يعني أن الظاهرة أصبحت تحتاج إلى تدخل عاجل.
في السطور التالية نناقش أبعاد هذه القضية وموقف الشرع منها.
عن مشروعية الزواج العرفي يقول الشيخ عطية صقر عضو لجنة الفتوى وأحد أبرز علماء الأزهر: يطلق الزواج العرفي على عقد الزواج الذي لم يوثق بوثيقة رسمية، وهو نوعان: نوع يكون مستوفيًا للأركان والشروط، ونوع لا يكون مستوفيًا لذلك.
النوع الأول: عقد صحيح شرعًا يحل به التمتع وتتقرر الحقوق للطرفين وللذرية الناتجة منهما، وكذلك التوارث، وكان هذا النظام هو السائد قبل أن توجد الأنظمة الحديثة التي توجب توثيق هذه العقود.
أما النوع الثاني: من الزواج العرفي فله صورتان: صورة يُكتفى فيها بتراضي الطرفين على الزواج دون أن يعلم بذلك أحد من شهود أو غيرهم، وصورة يكون العقد فيها لمدة معينة كشهر أو سنة، وهما باطلان باتفاق مذاهب السنة.
وإذا قلنا إن النوع الأول صحيح شرعًا تحل به المعاشرة الجنسية، لكن له أضرارا، وتترتب عليها أمور محرمة منها:
1- أن فيه مخالفة لأمر ولي الأمر، وطاعته واجبة فيما ليس بمعصية ويحقق مصلحة والله يقول: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [النساء: 59].
2- كما أن عدم توثيقه يعرض حقها للضياع كالميراث الذي لا تسمع الدعوى به بدون وثيقة وكذلك يضيع حقها في الطلاق إذا أضيرت، ولا يصح أن تتزوج بغيره ما لم يطلقها، وربما يتمسك بها ولا يطلقها.
ومن أجل هذا وغيره كان الزواج العرفي الذي لم يوثق ممنوعاً شرعًا مع صحة التعاقد وحل التمتع به، فقد يكون الشيء صحيحًا ومع ذلك يكون حرامًا، كالذي يصلي في ثوب مسروق، فصلاته صحيحة ولكنها حرام من أجل سرقته ما يستر العورة لتصح الصلاة.
وكذلك لو حج من مال مسروق فإن الفريضة تسقط عنه، ومع ذلك فقد ارتكب إثماً كبيرًا من أجل السرقة
فاسد وباطل !!
ويعلق الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق قائلا أن الزواج العرفي الذي يتم في الجامعات المصرية وغيرها من الأماكن فاسد وباطل ويخل بكل المبادئ والقيم الروحية ويؤدي إلي ضياع الأبناء وتشريدهم في المجتمع ولا تترتب عليه أي آثار شرعية ..
ويشير د . أحمد عبد الغني عبد اللطيف الأستاذ بجامعة الأزهر من خلال بحثه عن الزواج العرفي من الناحية الدينية إلي أن هذا النوع من الزواج يعتبر نوعا من أنواع الزنا لأنه لم تكتمل فيه أركان النكاح وفيه مخالفة لحدود الله ورسوله .. فوجود الولي ركن أساسي من أركان النكاح وقد قال صلي الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وعدم وجود الولي يجعل الزواج باطلا أصلا ويدخله في حيز الزنا ..
الموقف الاجتماعي:
أما عن الموقف الاجتماعي من هذا الزواج فتقول الدكتورة مديحة مصطفي أستاذة تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان إلي أن الزواج غير الرسمي "العرفي" هو ظاهرة عصرية يلتقي فيها الرجل بالمرأة تحت وثيقة ورقية عليها شاهدان لكنها ورقة ليست فيها قوة وثيقة الزواج لأن وثيقة الزواج شيء مقدس تحترمه المحاكم والمؤسسات الحكومية والمجتمع إلي جانب أن الزواج الحقيقي يعتمد علي الإعلان والإشهار وإعلام المجتمع به وهو تحصين للمرأة وصيانة لشرفها وحقوقها .
وبالإضافة إلى ذلك فإن الزواج العرفي تنتج عنه آثار اجتماعية سيئة أهمها ضياع حقوق الزوجة حيث أن دعواها بأي حق من حقوق الزوجية لا تسمع أمام القضاء إلا بوجود وثيقة الزواج الرسمية معها .. كما أن الأولاد الذين يأتون عن طريق الزواج العرفي قد يتعرضون لكثير من المتاعب التي تؤدي إلي ضياعهم وإنكار نسبهم .. وأن الزوجة قد تبقي معلقة لا تستطيع الزواج بأخر إذا تركها من تزوجها زواجا عرفيا دون أن يطلقها وانقطعت أخباره عنها بالإضافة إلي ذلك فإن الزواج العرفي كثيرا ما يكون وسيلة للتحايل على القوانين كأن يقصد به الحصول علي منافع مادية غير مشروعة مثل حصول الزوجة علي معاش ليس من حقها لو تزوجت زواجا رسميا ..
أسباب عديدة:
وفي دراسة أخرى حول الإعلام والزواج العرفي قام بها د . أحمد يحيي عبد الحميد الأستاذ بكلية التربية جامعة قناة السويس أشار إلى أن الزواج العرفي يفتقد البيانات الدقيقة والمعلومات الصحيحة نظرا لأن هذا السلوك يتسم بطابع شخصي وخفي ولا يعلن عنه في المجتمع بالإضافة إلي أنه لا يقتصر علي فئة معينة أو طبقة دون أخري.
وقد أشارت بعض دراسات الحالة إلى أن هذه الظاهرة موجودة بين الشباب والكبار والفقراء والأغنياء والمتعلمين وغير المتعلمين ... شباب الجامعات والعمال والموظفين ورجال الأعمال .. وهذا النوع من الزواج يتم شفاهة أو بعقد شخصي بوجود شاهدين دون أي ضوابط قانونية أو حقوق شرعية وخاصة للمرأة.
وأشارت الدراسات إلى أسباب أساسية تكمن وراء انتشار الزواج العرفي أهمها فقدان التكامل العاطفي داخل الأسرة نتيجة انشغال الأب والأم وعدم اهتمامهما بسلوك الأبناء وتركهم وسائل الإعلام وجماعات الرفاق لتشكيل ثقافتهم الجنسية والزواجية .. وكذلك الظروف الاقتصادية والمادية التي تحول دون إقامة زواج شرعي وتوفير متطلباته من مهر وشقة وأثاث وخلافه ، والكبت والحرمان الثقافي إلى جانب الحرية غير المسئولة سواء في الأسرة أو المدرسة أو الجامعة وضعف التثقيف الديني الذي يقوم به الإعلام تجاه هذه المشكلة وبالإضافة إلى ذلك فهناك أيضا التناقض الواضح والازدواجية بين الرموز والقيادات الإعلامية والدينية نحو الاتفاق على خطورة هذا النوع من الزواج على المجتمع ، وكذلك الانفتاح الإعلامي أو التبعية الثقافية الإعلامية في ظل ثورة الاتصالات وانعدام الرقابة وزيادة البحث عن المجهول من المعرفة الجنسية .. خاصة أن الثقافة الزواجية والأسرية لا تحظى بالقدر الكافي من اهتمام ورعاية من وسائل الإعلام على اعتبار أنها من المحرمات الثقافية .
المواجهة:
وتقول نوال المغربي مدير عام إدارة الأندية الثقافية والاجتماعية بوزارة الشئون الاجتماعية المصرية إن ندوة عقدتها الوزارة توصلت إلى عدة توصيات أهمها ضرورة التوعية المستمرة والحوار المفتوح مع أبنائنا وبناتنا لتحذيرهم من مخاطر الزواج العرفي وتوفير الرقابة الأسرية للتعرف علي كل ما يقوم به الأبناء في أوقات فراغهم وعلى جماعة الرفاق المحيطة بهم .
ولما كانت مشكلة الزواج العرفي هي إفراز العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وأهمها مشكلة الإسكان فقد أوصت الندوة بالتكاتف لتوفير المسكن المناسب وخاصة مسكن الغرفة الواحدة بمرافقها، وكذلك ضرورة تنسيق الجهود بين الجهات والوزارات المعنية بقضايا الشباب وذلك بتفعيل دور مكاتب التوجيه الأسري بوزارة الشئون الاجتماعية .
وطالبت الندوة الجامعات والمؤسسات التعليمية المختلفة بأن تبادر بتوعية الشباب بمخاطر الزواج العرفي وبيان أنه مخالف للشرائع السماوية بكل المقاييس وبأن تشمل المقررات الدراسية توضيح أركان الزواج الصحيح بالإسلام والأديان السماوية الأخرى.
المهم في الأمر أن بعض شبابنا قد وقعوا في براثن هذه المشكلة (الفتيات على وجه الخصوص ) وتركهن الأزواج معلقات لا يستطعن أن يتزوجن ولا يعرفن مكان الزوج وأصبحت مشكلة مترتبة على وضع خاطئ وهو الزواج العرفي وتحتاج إلى حل وهذا ما جعل المشرع المصري يسارع لمواجهة هذه المشكلة وذلك عن طريق ما يعرف حاليا في قانون الأحوال الشخصية الجديد بالطلاق العرفي .
28/06/2004
http://www.islamweb.net المصدر:
ــــــــــــــــــــــــ
الزواج العرفي والأرنب الجائع
بقلم فوزي محمد عويس
بداية نقول بأن الزواج العرفي لا يمثل ظاهرة في المجتمع الكويتي كما هو الحال في دول كثيرة كمصر مثلاً التي اعترفت وزيرة شؤونها الاجتماعية بوجود 170 ألف حالة زواج عرفي بين صفوف طلبة وطالبات الجامعات فقط التي يدرس فيها مليون طالب وطالبة، ولكن القول بذلك لا يعني أن هذا الزواج لا وجود له أو أنه مجرد حالات نادرة، ولا أقول هذا من فراغ فقد سبق لي التحقيق صحفيًا في هذا الموضوع (الأنباء - العدد 8153 - 26 يناير 1999) وكانت وجهتي بالطبع إلى الجامعة وهناك بين أسوارها وبعد جهد جهيد للغاية استمعت لحكايات مثيرة ومؤلمة سأسوق منها ما قل قليلًا ودل كثيرًا؟.. إحدى الطالبات مثلاً حدثتني عن تجربة زميلة لها هرب منها زوجها المزعوم بعد أن سلبها أغلى ما تملك؟ ولأن صوتها كان يتسم بالألم الممزوج بالندم فقد صوبت سهام نظري إليها فإذا بالدمع يكاد يترقرق في مقلتيها فاستشعرت أنها والله أعلم تتحدث عن نفسها،.. أخرى رفضت حياء التحدث مباشرة أمامي وقالت إنها تعرف حالة ستحدثني عنها هاتفياً وطلبت رقم هاتفي، وعبر أسلاك الهاتف اعترفت بأن الزواج العرفي توج قصة حب (تايتنك) التي عاشتها مع زميل لها لكن عريس الغفلة أدار لها ظهره بعد أن تحركت النطفة في أحشائها فسافرت إلى بلد عربي مع أختها التي صارحتها بما حدث وهناك أجهضت نفسها من وراء ظهر الأسرة، ولقد سترت نفسها مؤقتاً كما تقول لكنها أردفت: فضيحتي مؤجلة،..
ثالثة أقسمت بأنها صُدمت عندما سمعت بأذنيها زميلاً وزميلة لها بعد انتهاء المحاضرة يرددان صيغة التمليك (زوجتك نفسي!).. وأنا قبلت زواجك!!،..
رابعة أخذت تناقشني في شرعية هذا الزواج مُصرة على أنه حلال مليون في المائة ما دام هناك عرض وقبول سشتهده بأنه كان السائد في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -..
خامسة قالت: إن بعض الذين يقدمون عليه لا يبغون من ورائه سوى ورقة تؤمن عند اللزوم شرعية اللقاءات المحرمة إذا ما داهمت الشرطة عش غرامهم مؤكدة أنها عايشت أو استمعت لقصص عديدة في هذا السياق، والغريب أن بعض الطالبات أكدن لي أن الأساتذة دخلوا الحلبة ونافسوا طلبتهم وتزوجوا عرفيًا بطالباتهم،.. على الجانب الآخر كانت اعترافات الشباب مثيرة: الذين قال أحدهم إنه شهد سبع حالات زواج عرفي فيما أشار آخر إلى ما هو أخطر من الزواج العرفي "الصداقة بين الجنسين" والتي بدأت تأخذ أبعادًا خطيرة الله أعلم بنتائجها وانعكاساتها،.. ثالث قال بأنه عايش حالة زواج لم تكن الطالبة تعتزم الاستمرار مع زوجها وتساءل: فما بالك به هو؟
أكتفي بهذا وأقول بأن هذا النوع من الزواج اغتيال للشرف وللفضيلة وإهدار لكرامة المرأة وضياع لحقوقها وهو حتمًا كالوجبات الجاهزة والسريعة التي لا يمكن الاعتماد عليها دائمًا.
ولهذا فقد بات من الضروري مواجهة أمره وهو لا يزال في بدايته وقبل أن يصبح ظاهرة تمتد من الجامعات إلى المدارس الثانوية وتباع عقوده في المكتبات مع القرطاسية كما هو الحال في بعض البلاد فها هي المشكلة في مصر لم يتم محاصرتها منذ البداية فاستفحلت ورغم كل الجهود المخلصة التي تبذل لمواجهته ورغم مطالبة شيخ الأزهر والمفتي بسن قانون بتحريم هذا النوع من الزواج إلا أن الإحصائيات تشير إلى استمرار تفاقم الظاهرة.
إن العاقل من اتعظ بغيره ولهذا فإننا نناشد وزارات الأوقاف، التربية والتعليم العالي، الإعلام، الشؤون الاجتماعية، بضرورة تبني مواجهة هذا الأمر من خلال العمل بروح الفريق ويقيني أننا سننجح في تطويقه ومحاصرته خصوصًا وأن الناحية الاقتصادية ليست سببًا جوهريًا في إقدام البعض على هذا الزواج الذي قال ببطلانه معظم الفقهاء والعلماء.. فهل سيتم قبل هذا النداء؟.. ألا قد بلغت.. اللهم فاشهد.
http://www.islamweb.net المصدر:
ــــــــــــــــــــــــ
ظاهرة منحرفة انتشرت باسم الزواج العرفي
محمد أبو الهيثم
الحمد لله على نعمه وعلى مزيد فضله وإحسانه، والصلاة والسلام على من أكرمه الله بالرسالة وبها رفع من شأنه، وعلى آله وصحبه وكل من أحبه واتبع بيانه وساعد في الأرض على رفع سلطانه. ثم أما بعد:
فإن المتتبع لأحداث الأمة خاصة في المئة الأخيرة، وبخاصة المتتبع لخطوات التغير العقدي والنسيج الأخلاقي الحادث فيها يقف على كثير من الإلمام بما نحن فيه، وما نحن بصدده، وما يراد بنا فبدءاً بدخول المدرسة العقلية وانتشار فكرها على يد جمال الدين الأفغاني وتلميذه المخلص لمعلمه محمد عبده، ومروراً بظهور الشيوعية الإلحادية الإباحية واتخاذها ديناً، واتخاذ الاشتراكية منهجاً، ثم ظهور العلمانية وانتشارها ونتاجها القبيح والذي من أمثلته أن خرجت علينا ظاهرة عبدة الشيطان وأفراخها التافهين عقلياً وعقدياً، ومما ابتليت به الأمة أخيراً ظاهرة انتشرت بين حاملي راية العلم المادي والتقدم فيها وهو ما يعرف بالزواج العرفي الذي انتشر في بعض الجامعات العربية.
وقبل أن نتحدث عن هذه الظاهرة... فبداية ما هو الزواج العرفي في الأصل؟ وهل هذه الظاهرة الجديدة التي استحدثت بعد الزواج العرفي وانتشرت هي الزواج العرفي حقيقة أم أنها شيء آخر؟ ومن أين جاء هذا الشيء؟.
الزواج العرفي أصله: هو الزواج الغير موثق المكتمل الشروط، أي أنه زواج اكتملت فيه أركان الزواج الصحيح ولكنه لم يوثق من الحكومات القائمة قي هذا البلد الذي تم فيه العقد.
وهذه الصورة لا إشكالية فيها حيث أن الولي موجود وكذلك إعلان النكاح وإشهاره إلى غير ذلك فهو زواج طبيعي في بيئة حياتية غير مرتابة، والحقيقة أننا نعتبر التوثيق الآن من المصالح الهامة التي يرجى أن تتوفر مع العقد وذلك لضمان الحقوق المترتبة على العقد في حالة وفاة أو طلاق أو إثبات نسب أو غيره، وخاصة مع قلة الدين، وخراب الذمم... وهذا النوع هو الذي قد يعمى به على الناس فتجد بعض العلماء يفتون بجوازه مع أن المستفتي يقصد صورة أخرى تماماً.
أما الظاهرة التي نتحدث عنها والتي تلت الزواج العرفي وأطلق عليها اسمه فهي ظاهرة حديثة ابتدعها جند الشيطان وأوليائه ليخربوا بها الأمة من قبل الشاب والفتاة المراهقين خاصة في ظل هذا الاختلاط المتفشي وهوجاء الشهوات المستعرة.
يلجأ الشاب إلى حيلة للإيقاع بهذه الفريسة بدعوى الزواج ثم يعقد عليها عقداً دون ولي ولا إعلان شرعي، وإنما زواج سر محرم في غياب الضمير الإنساني، وتغلب الشهوة، وعدم وجود الوازع الديني الذي يحرك العواطف البشرية ويهذبها ليرتقي بها إلى أعلى درجات ممكنة من السمو..
فالشرع لا يحارب العواطف ولا الشهوات، ولكنه يروضها ويهذبها لتكون في خدمة الإنسانية جمعاء لتكوين البيت الهادئ المبني على أسس من الوعي الديني والهدوء العاطفي الذي يكفل إنجاح عملية بناء هذه اللبنة المباركة التي يتكون منها المجتمع وينتظر منها تكامل نجاحه وعزته.
الزواج العرفي من أين؟
البداية بعيدة... وهي هذا الانجراف الشديد في الخط العقائدي للأمة والذي صاحبه انحراف آخر في الخط التقدمي العلمي للأمة. هل هذا الانجراف وقع نتيجة للقعود عن الجهاد ونشر العقيدة في ربوع الأرض أم نتيجة الترف العقلي ومجابهة أصحاب الجدل بنفس الأسلوب أم أن وراء ذلك كيداً من أعداء الإسلام في محاولة تشويه صفاء هذه العقيدة وخلطها بالشوائب الغريبة عنها؟
يقول محمد القحطاني في رسالته"الولاء والبراء في الإسلام": (والذي يظهر لي – والله أعلم – أن هذه الأسباب مجتمعة لها دورها كل بحسب أهميته، إلا أنه من خلال تتبع قصة الترجمة في عهدها الأول يظهر لي: أن كيد أعداء الدين وافق هوىً عند بعض المسلمين خاصة بعض الحكام في العهد العباسي – كالمأمون مثلاً – فحدث ما حدث من ترجمة لكتب المباحث السوفسطائية اليونانية وغيرها.
ويصدق ذلك: أن المأمون بعث إلى حاكم صقلية المسيحي يطلب منه أن يبادر بإرسال مكتبة صقلية الشهيرة الغنية بكتب الفلسفة!!
وتردد الحاكم في إرسالها وجمع رجال دولته واستشارهم حول هذا الطلب فأشار عليه المطران الأكبر بقوله: (أرسلها إليه، فوالله ما دخلت هذه العلوم في أمة إلا أفسدتها) فأذعن الحاكم لمشورته وعمل بها.
أحضر المأمون حنين ابن اسحق وهو طبيب ومؤرخ ومترجم وأمره بنقل ما يقدر عليه من كتب حكماء اليونان القديمة إلى العربية وأجزل له في العطاء وصدق والله المطران الصقلي: إن هذه الكتب ما دخلت أمة إلا أفسدتها. ترى من أين جاءت محنة الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - في مسألة خلق القرآن ومن أين جاء اضطهاد علماء السنة ومحاربتهم وظهور المبتدعة أيام المأمون وغيره؟) انتهى من الولاء والبراء في الإسلام بتصرف بسيط.
وما زالت الأمة تعاني من هذه التشوهات العقدية الواردة لها من أعدائها وامتداداً لنفس هذا الخط السوفسطائي الذي سبق وبدأت به المحن والبلايا على تصورات الأمة وعلمائها امتداداً لنفس هذا الخط ظهرت نظريات حديثة مثل الشيوعية والعلمانية التي انبثقت من النظرية البرجماتية القائم عليها الفكر الأمريكي اليوم ونحن جميعاً صلينا بنار الشيوعية وفتنة العلماء المخلصين والشهداء الصادقين الذين نحتسبهم عند الله والذين ضحوا بأعمارهم في سبيل إظهار فساد الشيوعية والاشتراكية كنظام حياة والرضا بالإسلام واتخاذه وحده ديناً.
فالمتأمل لما سبق يعرف أن هذه الظاهرة التي تفشت بين شباب المسلمين وبناتهم والتي زينت لهم الإباحية والمنكر على أنه حق باسم الزواج العرفي إنما هي مكيدة من مكائد أفراخ الشيوعية والعلمانية الحديثة ومن لم يصدق فليراجع أحداث جماعات عبدة الشيطان التي ظهرت ببعض الدول العربية وما هو فكرها والمراد منها.
بيان الفساد الشرعي لهذه الظاهرة:
أولاً: أورد الإمام الشوكاني في كتاب النكاح باب: (لا نكاح إلا بولي) ما يلي:
1- عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا نكاح إلا بولي». [أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه].
2- عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل». [رواه الخمسة إلا النسائي وأخرجه الحاكم وأبو عوانة وابن حبان وحسنه الترمذي].
3- وعن أبى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها ». [رواه ابن ماجه والدار قطني وأخرجه أيضا البيهقي وقال الحافظ رجاله ثقات].
قال الشوكاني في شرح هذه الأحاديث: فيكون النكاح بغير ولي باطلاً كما هو مصرح بذلك في حديث عائشة المذكور وكما يدل عليه حديث أبي هريرة المذكور لأن النهي يدل على الفساد المرادف للبطلان. وقد ذهب إلى هذا علي وعمر وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وأبو هريرة وعائشة والحسن البصري وابن المسيب وابن شبرمة وابن أبي ليلى والعترة وأحمد وإسحق والشافعي وجمهور أهل العلم فقالوا: لا يصح العقد بدون ولي قال ابن المنذر إنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك.
ثانياً: في باب الدف واللهو في النكاح:
عن محمد بن حاطب قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح». [رواه الخمسة إلا أبا داود وحسنه الترمذي وأخرجه الحاكم. من كتاب نيل الأوطار باختصار].
ومما سبق يتضح لنا فساد هذه الظاهرة وبطلان هذا العقد بطلاناً بيناً لا يخالجه شك.
من المسئول؟
إذا تساءلنا من المسئول عن هذه الظاهرة الخبيثة أهي أختنا المسلمة التي أغواها الشيطان وأغوى بها أم أنه أخانا المسلم الذي وقع فريسة هواه وحبائل الشيطان فنغص على روحه صفائها، وعلى دينه طهارته، وعلى دنياه نقاءها وبهجتها الحقيقية من أجل متعة لحظية يتحمل بعدها مسئولية شخص آخر وقع معه في نفس البئر العميق، أو ربما يتطور الأمر فيتحمل مع النفسين نفساً ثالثة بريئة ليس لها ذنب أن تنشأ في ظل عار يفقد معه أبويه بهجة اللقاء به وتربيته بل يتحمل ذلاً ليس له فيه أي ذنب؟
الحقيقة... سألخص الأمر في بعض رسائل ونصائح أبعثها لمن أعتقد أنه مسئول عن هذه الظاهرة والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل:
إلى أخي الشاب المسلم:
والله يا أخي إني أحبك في الله ولا يكتمل لي دين إلا بمحبتك هذه، لذا فهذه نصيحة لك من أخيك أرجو أن تلقى من نفسك موضعاً...
يا أخي الفاضل بالله عليك مع كل ما يحدث الآن لأمتنا الغالية من هوان وذل لم تعهده من قبل و من محاولات مستميتة لاستئصال شأفة الأمة وأنت على هذا الحال؟ أفق يا أخي وارجع إلى ربك فهو أفرح بعودتك إليه مما تتخيل، ويكفيك هذا الحديث العظيم الذي يدل على عظمة الخالق سبحانه فقد أورد البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقول الله - تعالى -:من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه».
تقرب إلى الله وعد إليه فإنه يحب توبتك أتعلم أن الله الكبير المتعال الملك الجبار يفرح بتوبتك، نعم يفرح فهو يفرح بتوبة عبده وعودته إليه أكثر من رجل شردت دابته وعليها زاده وهو في مفازة (صحراء) قاتلة حتى أيقن الرجل الموت فوجد شجرة فنام تحتها ينتظر الموت، وبينما هو كذلك إذا براحلته فوق رأسه.... تخيل مدى فرحه بعودة الحياة إليه واعلم أن الله أشد منه فرحاً بعودة عبده العاصي إليه.
يا أخي... الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة في انتظار من أطاع الله فهلا كنت من الطائعين؟(48/1)
يا أخي أمتك بانتظارك فساعدك في سواعد إخوانك في كل مكان لرفع راية الإسلام وتصنع المعجزات - بإذن الله -، ولا تحقر نفسك أو جهدك ولا تستصغرها وإنما عد إلى ربك وستجد طريق الحق واضحاً، ودورك في الطريق مرسوم، وما عليك إلا أن تصدق النية مع الله فهو الذي وعد بذلك فقال: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}.ألا تستصغر نفسك عندما تتذكر مصعب ابن عمير أول سفير للإسلام.... هذا الذي كان في الجاهلية أكثر شباب مكة ترفاً، وأجملهم هيئة فلما ظهرت رسالة الحق أجاب النداء ولبى داعي الله، وصدق في الإجابة، حتى أسلمت المدينة على يديه ومهدها لمقدم الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم، ثم ختم الله له بالشهادة، هذا هو الشرف والاصطفاء الرباني والتكريم الحقيقي.
أما عما وقع منك في حق أختك المسلمة فبالله عليك هل ترضاه على أمك، أو هل ترضاه على أختك، أو هل ترضاه على خالتك وعمتك؟ يا أخي ما لا ترضاه على أهلك فلا ترضاه على المسلمين « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [حديث شريف].
إلى أختي الفتاة المسلمة:
والله يا أختاه أنت عندي أغلى من الدر المكنون واللؤلؤ المنظوم فالفتاة المسلمة كانت من قبل مريم البتول الطاهرة، وكانت من قبل فاطمة الزهراء بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيدة نساء العالمين، وكذلك أمها خديجة أم المؤمنين، وكذا عائشة الصديقة بنت الصديق...اعلمي يا أختاه أنك منهن وهن منك فلماذا ابتعدت؟ لماذا أراك قد أعطيت لهن ظهرك وارتعدت؟ أتعطين وجهك لأرباب العفن من الفنانات العربيات منهن والغربيات الكافرات وتصرفي وجهك عن أصلك، عن جذورك وشرفك؟؟ فهل تستوي من كانت الزهراء أسوتها ومن تقفت خطى حمالة الحطب.
بالله عليك كيف بوالدك ووالدتك وقد حنوا جباههم وانكسروا لفعلتك، بل كيف بإخوانك وأخواتك وقد تلوثوا بها، بل كيف بك أنت يا غالية يا من وصى بك الرسول - صلى الله عليه وسلم - وشدد في الوصية، بل كيف بولد يخرج إلى الحياة منكس الجبين.
والله يا أختاه إن الأمة وهي في كبوتها هذه لتنتظر منك أن تلدي لها خالد بن الوليد، وأن تلدي لها صلاح الدين، وأن تلدي لها قطز... تنتظر منك أن يكون بيتك قبلة وأن تكون نفسك قدوة، وأن يكون ولدك أسوة، فبالله عليك كوني من عوامل الإنقاذ، ولا تكوني من عوامل هدم الأمة، ولتعلمي - صانك الله وحفظك - أنك في قلب كل مسلم غالية حتى ولو تعثر بك الطريق... فمن منا لا يخطئ؟ ولكن العيب كل العيب هو الإصرار على الخطأ والمداومة عليه، عودي إلى الله عوداً صادقاً وتوبي إليه توبة نصوحاً فنحن ننتظر منك الخير كل الخير - إن شاء الله -.
إلى الآباء والأمهات:
إلى أخي الفاضل الأب المناضل والله أنا أقدر تعبك وكدك وعرقك ولكنها أمانة حملنا الله إياها إما أن نحملها بحقها وإما جهنم - والعياذ بالله -، ليس المطلوب منا المال لتمتلئ البطون فحسب فنحن لسنا بصدد مشروع تسمين، وإنما نحن بصدد إعمار أمة بشباب صالحين.
ليست البيوت تقوم على الدشوش والأغاني ورقى الشيطان وإنما تضاء وتزهر وتعمر بالقرآن، فتربية الأبناء في أحضان الدشوش والأفلام والمسلسلات خطأ كبير في حقك وحقهم، وهو غش للرعية التي استرعاك الله عليها فتستحق معها ما وعد الله به من غش رعيته بأنك لن ترح رائحة الجنة، فبالله عليك اتق الله، اتق الله، اتق الله فيما استرعاك عليه من رعية فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته».
وأنت أيتها الأم الفاضلة اقتربي من بنياتك، كوني لهن صديقة بدلاً من أن يتخذن صديقات السوء لهن خليلات، كوني لهن مرشدة ودليلاً إلى الخيرات، كوني لبناتك أختاً وقت الحاجة وأماً وقائدة عند الحزم فلا تدعي يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطيها كل البسط.
إلى الأمة:
يقول الحق - تبارك وتعالى -: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.
http://www.islamway.com المصدر:
ــــــــــــــــــــــــ
الزواج العرفي حكمه وأنواعه
الشيخ عطية صقر
السؤال:
يلجأ كثيرٌ من الناس إلى الزواج العُرْفِي الذي لا يُسجَّل في وثيقة رسمية، فهل هذا الزواج حلال؟
الجواب:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يُطْلَقُ الزواج العُرْفي على عقد الزواج الذي لم يُوثَّق بوثيقة رسمية، وهو نوعان: نوع يكون مستوفياً للأركان والشروط، ونوعٌ لا يكون مُسْتوفياً لذلك.
والأول عقدٌ صحيح شرعاً يَحلُّ به المتُّع وتَتَقَرَّر الحقوق للطرفين وللذُّرية الناتجة منهما، وكذلك التوارث، وكان هذا النظام هو السائد قبل أن تُوجد الأنظمة الحديثة التي توجِب توثيق هذه العقود.
أما النوع الثاني من الزواج العُرْفي فله صورتان: صورة يُكْتَفَى فيها بتراضي الطرفين على الزواج دون أن يَعْلَمَ بذلك أحدٌ من شهود أو غيرهم، وصورة يكون العقد فيها لمدة معيَّنة كشهر أو سنة، وهما باطلان باتفاق مذاهب أهل السنة.
وإذا قلنا إن النوع الأول صحيح شرعاً تحلُّ به المعاشرة الجنسية، لكنْ له أضرار، وتترتب عليه أمور مُحَرَّمة منها:
1 ـ أن فيه مخالفة لأمر ولي الأمر، وطاعته واجبة فيما ليس بمعصية ويُحَقِّق مصلحة، والله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيُعوا الله وأَطِيعُوا الرَّسُول وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ) (النساء: 59).
2 ـ أن المرأة التي لها معاش ستحتفظ بمعاشها؛ لأنها في الرسميات غير متزوجة، لكنها بالفعل متزوجة، وهنا تكون قد استولت على ما ليس بحقها عند الله؛ لأن نفقتها أصبحت واجبة على زوجها، فلا يصح الجمع بين المعاش الذي هو نفقة حكومية وبين المعاش المفروض على زوجها، وهذا أكل للأموال بالباطل وهو مَنْهِيٌّ عنه.
3 ـ كما أن عدم توثيقه يُعَرِّض حقها للضياع كالميراث الذي لا تُسمع الدعوى به بدون وثيقة، وكذلك يَضِيعُ حَقُّها في الطلاق إذا أُضيرَت، ولا يصح أن تتزوج بغيره ما لم يُطَلِّقْهِا، وربما يتمسَّك بها ولا يُطَلقها.
ومن أجل هذا وغيره كان الزواج العُرْفي الذي لم يُوَثَّق ممنوعاً شرعاً مع صحة التعاقد وحِل التمتُّع به، فقد يكون الشيء صحيحاً ومع ذلك يكون حراماً، كالذي يُصلِّي في ثوب مسروق، فصلاته صحيحة، ولكنها حرام من أجل سرقة ما يَسْتُرُ الْعَوْرَة لتصح الصلاة.
وكذلك لو حَجَّ من مال مسروق، فإن الفريضة تسْقُط عنه، ومع ذلك فقد ارتكب إثماً كبيراً من أجل السرقة. انتهى كلام الشيخ.
وجاء في كتاب بيان للناس الذي يصدره الأزهر تعريف للزواج العرفي والفرق بينه وبين الزواج السري، وهذا نص فتواه:
الزواج العُرْفي: اصطلاح حديث يُطلَق على عَقْد الزواج غير المُوَثَّق بوثيقة رسمية، سواء أكان مكتوباً أم غير مكتوب.
وهو نَوْعان: نوع يكون مستوفياً لأركانه وشروطه، ونوع لا يكون مستوفياً لذلك.
1ـ فالنوع الأول إذا تمَّ على هذه الصورة يكون عقداً صحيحاً شرعاً، وتترتب عليه كل أثاره من حِلَّ التمتُّع وثبوت الحقوق لكل من الزوجين، وللذرية الناتجة منه، وكذلك التوارُث عند الوفاة، وغير ذلك من الآثار، دون الحاجة إلى توثيقه توثيقاً رسميّاً، وكان ذلك هو السائد قبل أن تُوجَد الأنظِمَة الحديثة لتقييد العقود وسماع الدَّعَاوى والفصل في المنازعات.
ويُمكن إثبات هذا العقد أمام المحاكم بطرُق الإثبات المعروفة، وكان للتوثيق الرسمي أهميته في حفظ الحقوق الزوجية، ومنع سماع دعاوَى الزواج الذي يَتِمُّ لأغراض سيئة.
2 ـ والنوع الثاني يتم بعِدَّة صور، منها أن تجري صيغة العقد بين الرجل والمرأة دون شهود على ذلك، وهو الزواج السرِّي، ومنها أن يتم العقد أمام الشهود ولكن لفترة معينة.
وهاتان الصورتان باطلتان باتفاق مذاهب أهل السنة، لفُقْدان الإشهاد في الصورة الأولى، ولتحديد العقد في الصورة الثانية؛ لأن المفروض في عقد الزواج أن يكون خالياً من التحديد بمدة ليَتِمَّ السكَن والاستقرار في الأسرة.
والشيعة يَحْكُمون بصحة الصورة الأولى؛ لأن الشهادة ليست شرطاً عندهم لصحة الزواج بل هي مستَحَبَّة، وكذلك يحكمون بصحة الصورة الثانية؛ لأنه يكون زواج متعة وهو صحيح عندهم.
والذي يدعو إلى الزواج العرفي بنوعَيْهِ أمور، منها:
1ـ أن تكون الزوجة مُسْتَحِقَّة لمعاش من زوجها الأول، وتُريد أن تحتفظ به؛ لأنه يسقط بالزواج بعده إن وُثِّق، أو تكون مستحقة لمعونة أو مُتَمَتِّعة بامتيازات ما دامت غير متزوجة، كأن تكون حاضنة لأولادها تتمتَّع بالمسكَن وأجر الحضانة ووجود أولادها معها ولو تزَوَّجت زواجاً موثقاً من غير محرم لهؤلاء الأولاد سقط ما كانت تتمتع به.
2ـ أن يكون الزوج متزوجاً بزوجة أخرى، ويخشى من توثيق زواجِه الثاني ما يترتب عليه من مشاكل بينه وبين أسرته، وما يتعرَّض له من عقوبات تَفْرِضها بعض النظم.
3 ـ أن يكون الزوج مغترباً ويخشى الانحراف بدون زواج، لكن لو قيد رسميّاً تترتب عليه مشاكل فيلجأ إلى الزواج العرفي.
وإذا كان النوع الثاني من الزواج العرفي باطلاً ومحرماً باتفاق مذاهب أهل السنة، لعدم استكمال مقوماته؛ فإن النوع الأول ـ على الرغم من صحته ـ ممنوع للآثار التي لا يُقِرُّها الشرع، ومنها استيلاء صاحبه المعاش أو المُتَمَتِّعة بامتيازات أو مَعُونات أو حقوق على غير حقها الذي لا تستحقه بالزواج، ومعلوم أن أخذ ما ليس بحق حرام، فهو أكل للأموال بالباطل، وظُلْم لمَن يدفع هذا الحق، أو لمن ضاع عليه حق بسبب مُزاحمة الزوجة له، وكل ذلك حرام.
ومنها تعريض حقها أو حقه في الميراث للضياع، حيث لا تُسْمَع الدعوى بدون وثيقة، وكذلك حقها في النفقة على الزوج إذا هجرها، وكذلك في الطلاق إذا ضارَها، وفي الزواج من غيره إذا لم يطلقها، وفي غير ذلك من الحقوق التي تختلف النظُم في وسائل إثباتها وسماع الدعوى من أجلها.
ومن أجل هذه الآثار يكون الزواج العرفي الذي لم يُوَثَّق ممنوعاً ـ على الرغم من صحة المعاشرة الزوجية إن كان مستوفياً لأركانه وشروطه، فقد يكون الشيء صحيحاً ومع ذلك يكون حراماً، كالصلاة في ثوب مغصوب، والحج من مال حرام.
ولا مانع أن يتخذ أولياء الأمور إجراءات تُحِدُّ منه، وذلك لدَرْء المَفْسَدة في مثل الحالات المذكورة.أ.هـ
http://www.islamonline.net المصدر:
ــــــــــــــــــــــــ
الزواج العرفي
عبد الحي يوسف
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن الظاهرة التي كثر الحديث عنها في الأيام المتأخرة والتي اصطلح الناس على تسميتها بالزواج العرفي لا يمكن الخوض في الحكم عليها قبل أن نتصوّر حقيقتها؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره كما يقول أهل الأصول، ولا يمكن الحكم عليها قبل أن نتبيَّن موافقتها للأدلة الشرعية أو معارضتها لها، فنقول أولاً: إن هذا الزواج مبناه على اتفاق فتى وفتاة أو رجل وامرأة على الزواج دون علم ولي الفتاة مع جعل هذا الزواج سراً يتواطأ الزوجان والشهود على كتمانه، ونقول ثانياً: إن هذه الصورة ـ بالوصف الذي ذكرنا ـ لا يمكن عدُّها زواجاً شرعياً وذلك للاعتبارات التي نطقت بها الأدلة المتضافرة من الكتاب والسنة والعقل والواقع وتتمثل في الآتي:
1ـ أن علم الولي بهذا النكاح وإقراره إياه شرط في صحته؛ وذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)) وقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل)) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فإن العاهر هي التي تزوج نفسها)) وربنا سبحانه خاطب بالنكاح الأولياء ولم يخاطب النساء فقال – سبحانه -: (ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) أي لا تُزوّجوهم، وقال سبحانه: (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف) وسبب نزول الآية كما روى الإمام البخاري أن معقل بن يسار - رضي الله عنه - زوّج أخته لرجل من الأنصار فطلقها بعد حين، ثم رغب في مراجعتها وكانت هي كذلك راغبة لكن معقلاً أبى أن يرجعها له فنزلت الآية تخاطب أولياء المرأة ألا يمنعوها من مراجعة زوجها بعد طلاقه منها إن كانت راغبة في تلك الرجعة.
2ـ أن الزواج الشرعي لا بد فيه من الإشهار وهو أهم من الإشهاد؛ ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أعلنوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف)) وقال لعائشة - رضي الله عنها -: ((هلا أرسلت من يغنيهم أتيناكم أتيناكم)) وأمر - عليه الصلاة والسلام - من تزوَّج أن يولم ولو بشاة، كل هذا من أجل أن يحصل التفريق بين النكاح الذي مبدؤه الإعلان والإشهار وبين السفاح الذي مبدؤه الإسرار والإخفاء، وهذا الزواج العرفي ـ كما أسموه ـ يقوم على الكتمان والتخفي وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: ((الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس)) وفي موطأ مالك - رحمه الله - أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أتي بنكاح لم يشهد عليه إلاّ رجل وامرأة فقال: "هذا نكاح السر ولو كنت تقدمت فيه لرجمت".
3ـ أن الغرض الأسمى من الزواج الشرعي يتمثل في حصول السكينة والمودة والرحمة كما قال ربنا – سبحانه -: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) وكما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)) أي تدوم المودة والألفة، ومن أغراضه كذلك إيجاد الذرية الصالحة التي تعمر الأرض بطاعة الله، ومن أغراضه حصول التعارف بين الناس بالمصاهرة والنسب كما قال – سبحانه -: ((وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً)) والسؤال الذي يطرح نفسه: هل الزواج العرفي يتكفل بتحقيق تلك الغايات؟ أم أنه مجرد شهوة عارضة ونزوة عابرة دون نظر إلى مستقبل الأيام أو عمل على تحقيق مقاصد الشرع من ورائه؟ وكل منصف يعلم أن هذا الزواج مصيره إلى الفشل الذريع وأن العداوة والبغضاء سرعان ما تدب بين الزوجين المزعومين وذلك عند ظهور بوادر الحمل على الفتاة.
4ـ الزواج الشرعي يراد به الديمومة والاستمرار إلا إذا قدر الله أمراً آخر من وفاة أو طلاق، فهل الذي يقدم على الزواج العرفي غرضه البقاء مع تلك الزوجة أم أنه يحصر نفسه في قضاء الوطر دون استعداد لتحمل أي مسئولية مادية أو معنوية؟
5ـ يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) فنقول لمن يقع في مثل هذا الزواج الشائه ويفتي نفسه بحله: أترضاه لأختك؟ أترضاه لابنتك؟ أتحب أنك في بيتك أو مشغول بتجارتك أو وظيفتك فتتزوج ابنتك دون علمك؟ إن كنت لا ترضى هذا لنفسك فلمَ ترضاه لبنات المسلمين؟
وأخيراً نقول: ثبت يقيناً أن هذه الظاهرة لا يصح تسميتها زواجاً بل هي زنا وإن سماها الناس زواجاً، فماذا نحن فاعلون للتحذير منها ومن ثم القضاء عليها؟...
http://www.meshkat.net المصدر:
ــــــــــــــــــــــــ
الزواج العرفي
د.عمرو أبو خليل
المشكلة:
أنا فتاة عمري 26 عاماً، ومرتبطة بإنسان من نحو 7 سنوات، لكن ظروفه المادية لا تسمح له بالتقدم بي للزواج، ففكرنا في الزواج العرفي.
وأنا أريد معرفة أنواع الزواج العرفي، وما هي الخطوات الصحيحة التي يمكن القيام بها حتى يكون هذا الزواج صحيحاً؟ وقد عرض عليَّ أن أهبه نفسي بالزواج، وقال: بأن هذا من أنواع الزواج العرفي، وأنه صحيح؟
أنا أريد معرفة صحة هذا الزواج من عدم صحته، وشكراً.
الحل:
الأخت السائلة، رغم أن سؤالك يبدو أقرب إلى طلب الفتوى منه إلى طلب المشورة، فإننا آثرنا أن نشير عليك بما نراه، خاصة وقد لمحنا الخطر الشديد يحيق بك وأنت لا تشعرين أو لا تريدين أن تشعري؛ لأن المسألة ليست في أنواع الزواج العرفي أو في صحة الزواج من عدم صحته...
الحقيقة أننا استشعرنا - ونحن محايدون، لسنا طرفاً في خصومة ضد أحد - أن هذا الإنسان الذي ارتبطت به لمدة سبع سنوات به صفة خطيرة تجعلنا نطلب منك أن تراجعي موقفك منه من الأساس، وتفهمي وضعك معه.. هذه الصفة أنه بالرغم من طول مدة الارتباط، وبالرغم من حبك الشديد له والبادي من رسالتك، فإنه غير حريص عليك، ولا نريد أن نقول بأنه غير أمين؛ لأن الرجل المحبّ إذا عجزت إمكانياته المادية عن الارتباط بحبيبته لا يغرر بها ولا يضرها، ولا يوهمها بأمور هي من المعلوم من الدين لكل من يفهم ويسأل، ويطلب منها أن تهبه نفسها بالزواج، لماذا هذا الكلام العجيب؟ ولماذا هذه الصيغة المبهمة؟!
إذا كنتما قد قررتما أن تتزوجا ولو بدون علم الأهل وبدون موافقتهما وهو أمر لا نناقشه الآن، فلماذا يكون زواج الهبة؟ أو الزواج العرفي؟ ولماذا لا يكون الزواج الموثق عند المأذون الشرعي في السجلات الرسمية إذا كنتما قد قررتما ذلك بمحض إرادتكما وقررتما أن تتحملا كل النتائج فلماذا التهرب؟ ولماذا المراوغة ولماذا الدخول في النفق المظلم؟..هل تتخيلين ماذا سيكون مصير هذا الزواج غير المعترف به قانوناً؟ ماذا سيكون مصير أولادكما في المستقبل؟ ما الذي سيضمن حقوقكم إذا قرر زوجك التخلي عنك؟ ماذا سيكون موقفك أمام أسرتك وأصدقاءك بعد أن ينكشف أمر هذا الزواج؟..كيف ستواجهين المجتمع بعلاقة لا يعترف بها سواكما؟.
إذا كان يريدك وكنت تريدينه حقاً، فلماذا لا تحفظين حقوقك؟ ولماذا لا يحفظ لك حقوقك؟ إن الأمر هنا أصبح لا يتعلق بزواج عرفي أو زواج هبة، ولكن بعلاقة سرّية يريد أحد الطرفين أن يوهم الطرف الآخر أنها زواج حتى يفضّ يده منها بعدما يحصل على ما يريد، ولا ندري ما علاقة أن يكون الزواج موثقاً بالأسباب المادية لعدم القدرة على الزواج؟
إن الرجل يستغل عاطفتك الشديدة التي تكوّن سحابة على عقلك لا تجعلك ترين الأمور كما ينبغي. إذا كان ولا بد من الزواج فليكن الزواج عن طريق المأذون الشرعي؛ حيث تقعان في مسألة الخلاف الفقهي الخاصة بموافقة الولي، وهو أيضاً خلاف يعطي للولي الحق في طلب فسخ العقد إذا رأى الزواج غير مناسب، ولكنه لا يفسد العقد بعد وقوعه.
ولبيان ماهية الزواج العرفي، وحكم الشرع في صحته..نرجو منك مراجعة الفتوى التي بعنوان: الزواج العرفي.. بهذا الرابط:
http://www.islamonline.net/fatwa/arabic/FatwaDisplay.asp?hFatwaID27016
كما يبدو أن هناك خلطاً بين معنى أن تهب الفتاة نفسها للزواج، وبين تبعات هذه الهبه، وهي نقطة مهمة جداً يجب عليك الوعي بها..
وعندما نصل إلى هذه النقطة نقول أيضاً: إنه لا بد من محاولة استرضاء الأهل، وأن ندخل البيوت من أبوابها، وألا نفترض رفض الأهل قبل حدوثه، وأن نحاول أن يتقدم هذا الشاب، فربما لو رأى الأهل منه رجولة وجدية وحباً لابنتهم وارتباطاً من الابنة به ربما وافقوا أو ساعدوا، ويصبح الأمر ليس زواجاً موثقاً وفقط، بل زواجاً مباركاً من الأهل والمجتمع؛ لأن الشيطان يزين لنا أموراً ويعدنا بالفقر ويأمرنا بالفحشاء، في حين أننا لو طلبنا الحلال وسعينا إليه بإخلاص وجدية يعننا الله؛ لأنه حق على الله أن يعين من يطلب العفاف بالزواج..
http://www.islamonline.net المصدر:
ــــــــــــــــــــــــ
خواطر فكرية مبعثرة
الحلقة الأولى (1)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، أمّا بعد:
فهذه خواطر مبعثرة، في موضوعات شتّى، ليس بينها رابط يربطها سوى أنّها جالت في الذهن يومًا ما، ولا تحتمل مقالة كاملة فضلاً عن كتاب، فرأيت أن أبعثرها هنا نصحًا للأمّة، فما كان منها من صواب فهو من الله وحده لا شريك له، وما كان منها من خطأ فهو من نفسي ومن الشيطان، والله المستعان.
* ما يسمّى بـ (زواج الفرند) وإن كان مقصود من اقترحه صحيحاً شرعاً، إلا أنّ تسميته بهذا الاسم - في نظري - خطأ من وجهين:
- أحدهما: أنّ كلمة الفرند ـ بغض النظر عن معناها ـ كلمة أجنبية. وفي لغتنا العربية ما يغني عن مثل هذه الكلمات الأجنبية.
- والوجه الثاني: أنّ هذه التسمية موهمة، قد يفسّرها بعض الناس بالزواج العرفي، أو غيره من الأنكحة الباطلة المحرّمة، وقد نهى الشارع عن مثل هذه العبارات الموهمة.
* أقترح على دار الإفتاء، أو وزارة الشؤون الإسلامية، أو الحسبة تفريغ باحثين أَكْفَاء لمتابعة ما ينشر في الصحف المحلية وغيرها من وسائل الإعلام المختلفة، لشكر من يستحقّ الشكر، وتفنيد ما يحتاج إلى تفنيد، فالجهود الفردية وحدها في هذا المجال لا تكفي.
* يحتجّ بعض الناس على إباحة بعض الأمور بأنّ تحريمها لم يرد نصّاً في القرآن الكريم، وهذه حجّة باطلة لا تصدر إلا من جاهل، أو ملبّس، فإنّ من المعلوم أنّ القرآن الكريم لم يرد فيه تحريم كلّ محرّم بعينه، وإنّما تضمّن القرآن كليّات كبرى يندرج تحتها جزئيات كثيرة لا تحصى، بعضها وقع وبعضها ربّما لم يقع إلى هذه الساعة، ومهمّة العلماء الراسخين ردّ هذه الجزئيات إلى قواعدها الكليّة.
* الذين يجعلون الدولة الدينية في مقابل ما يسمّى بالدولة المدنية هم لا يعرفون حقيقة الإسلام، فدين الإسلام دين شامل مهيمن على جميع نواحي الحياة ولو كره أهل العلمنة، فإذا كانت الدولة المدنية تعني إقصاء الدين، والمساواة بين الكافر والمسلم، والسنّي والمبتدع، فهي دولة علمانية مارقة، أمّا إن كانت تخضع للدين وتأتمر بأمره ـ وهذا هو الواجب ـ، فهي لا تعدو أن تكون دينية، وإن اعتنت بمصالح الناس الدنيوية.
* الفئة التي تسمّي نفسها ( ليبرالية ) لا تجيد إلا النقد والجدل، إن بحقّ ـ وهو قليل ـ وإن بباطل، مع تعالم سمج ظاهر، حتى إنّك لو كتبت آيات محكمات من القرآن على غير ما هي عليه في المصحف، وعرضتها على أحدهم دون أن يدري أنّها من المصحف؛ لراح ينتقدها ويجادلك في زيفها بزعمه، وصدق نبينا ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل "..
* يقول بعض المفتونين: إنّ الاختلاط بين الجنسين يهذّب الغرائز، ويكبح جماح الشهوة، ويرشّدها!! والحقّ أنّه يقضي على الشهوة أو يضعفها، فيجعل الرجال أشباه رجال ولا رجال، لا يجيدون سوى التحرّش الظاهر، فلا يجدون ما يجده المسلم المحافظ البعيد عن مخالطة النساء الأجنبيات من القوّة والمتعة مع أزواجهم، وهذا أمر مجرّب، وما أحسن ما قيل: ( كثرة الإمساس تميت الإحساس ).
* إنّ ممّا يحتجّ به المنهزمون فكريّاً من أبناء جلدتنا للتقليل من شأن حضارتنا الإسلامية المجيدة وإعلاء شأن الحظيرة الغربية: قولهم إنّ المبرّزين من العلماء في الطب وغيره في الحضارة الإسلامية كابن سيناء وغيره قد حُكم عليهم بالكفر والزندقة والمروق من الدين، فهي حضارة دينية.. والجواب عن ذلك من وجوه:(48/2)
- أحدها: أنّ هذا ليس على إطلاقه، فهناك علماء أجلاء في الطب والرياضيات ـ وهم كثر ـ لا يُذكرون إلا بالخير، وهؤلاء الذين حُكم عليهم بالزندقة هم قليل من أولئك الكثير.
- الثاني: أنّ هؤلاء الذين حُكم عليهم بالزندقة لم يُحكم عليهم بذلك لبروزهم في العلوم الطبيعية، وإنّما حُكم عليهم لإلحادهم وانحرافهم العقدي، ولا تلازم بين الأمرين.
- الثالث: أنّ الفضل في بروز هؤلاء ليس لهم على الحضارة الإسلامية، بل للحضارة الإسلامية عليهم، فهي التي أبرزتهم، ولو عاشوا في بلاد الغرب المتخلّفة آنذاك لكانوا نسياً منسياً، ولم يكن لهم شأن يُذكر.
- الرابع: أنّ الحضارة الإسلامية - مع حكمها على هؤلاء بالزندقة - استفادت من علومهم الطبيعية التي توصّلوا إليها، وبنت عليها علوماً أخرى، مع نبذها لعلومهم العقدية المنحرفة، وهذه قمّة العدل والإنصاف.
* من الحجج التي يحتجّ بها دعاة التغريب والمفتونين بالحظيرة الغربية: قولهم إذا كنتم تكرهون الغرب فاستغنوا عن منتجاته التقنية!! وهي حجّة سمجة سخيفة، والجواب عنها من وجوه:
- أحدها: أنّ ما وصل إليه الغرب اليوم من التقدّم التقني المادّي ليس نتاجه وحده، وإنّما هو نتاج جهود تراكمية للحضارات السابقة، ومنها الحضارة الإسلامية، وعلى سبيل المثال: الطيران، كان صاحب فكرته الأولى: العربي المسلم المشهور عبّاس بن فرناس، وقس على ذلك مخترعات أخرى.
- الثاني : أنّ دول الغرب لم تنفرد بهذا التقدّم التقني، بل شاركها دول أخرى وثنية وإسلامية، وباتت تنافسها تنافساً محموماً، بل تفوقها في كثير من الأمور، ويمكننا الاستغناء بهذه الدول عن الغرب.
- الثالث: أننا لو استغنينا عن منتجات الغرب المادية - ونحن قادرون - فإنّ المتضرّر الوحيد هو الغرب نفسه إذ جلّ اقتصاده إنّما يقوم على تسويق هذه المنتجات، ونحن لو استخدمنا هذا السلاح - سلاح المقاطعة - لتمكنّا من تركيع الغرب المتغطرس لإرادتنا، وهزيمته بلا أسلحة ولا حروب مدمّرة.
* في العشر الأواخر من رمضان، وفي صلاة التهجّد، يقلّ المصلّين في المساجد، وتعلو أصوات الأئمّة في هدأة الليل وتتشابك! لذا أقترح على الجهات المعنيّة قصر صلاة التهجّد على الجوامع فقط دون سائر المساجد، وفي ذلك عدّة مصالح، فمنها:
- تكثير الجماعات في الجوامع بدلاً من تفرّقهم في جميع المساجد.
- التقليل من أصوات الأئمّة المنطلقة من مكبّرات الصوت، فبدلاً من انطلاقها من كل مسجد، يقتصر على الجوامع فقط.
- التخفيف على أئمّة المساجد، فبدلاً من قيام كلّ إمام وحده بصلاة التهجّد، مع ما في ذلك من المشقّة؛ يتعاون عدد من الأئمّة في مسجد واحد، مع ما في ذلك أيضاً من إزالة السآمة من الاستماع إلى صوت إمام واحد.
* الاقتصاد في الكهرباء في تلك الليالي الشريفة، فبدلاً من تشغيل طاقات جميع المساجد من المكيفات والإضاءة، يُقتصر على الجوامع فقط
ــــــــــــــــــــــــ
الاختلاط وأثره في التعليم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فلم يكن ما يسمى بالتعليم النظامي، على النحو المعروف الآن في كافة البلدان من اجتماع كافة الفتيات في مدارس خاصة، معروفا أو معمولا به، بل كان التعليم له طرق أخرى، في البيت، في القصور، في المساجد، هذا بالنسبة للمسلمين، أما غيرهم فكانت نسب التعليم ضعيفة جدا، تبعا للنظرة المهينة التي كان ينظر بها الجاهليون إلى المرأة، بعكس المسلمين الذين يعظمون المرأة ويقدرونها، فتاريخهم حافل بكثير من الشخصيات النسائية المتعلمة، كالمحدثة والفقيهة والشاعرة والقارئة.
ابتدأ التعليم النظامي في أوربا، منذ نحو من قرنين، ومع أن تاريخ المسلمين طويل في تعليم النساء، وهم أسبق في هذا، إلا أنهم لم يفكروا في تنفيذ مشروع كهذا المشروع(التعليم النظامي )، والغالب أن ذلك مرده إلى رسوخ الأمر الإلهي للنساء: (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)) (الأحزاب:33) في الذهنية الإسلامية، وحرصها عن البعد عن أسباب الفتن، والعمل على صون الفتاة، التي هي أمانة عند وليها، من أن تلجأ للخروج للتعلم مع إمكانية توفير ذلك لها في البيت، من خلال أحد محارمها أو إحدى النساء ..
والمتأمل في تاريخ تعليم المرأة في هذا العصر يعلم أن الغرض لم يكن التعليم في ذاته، إنما كان الغرض إخراج المرأة، لغايات محددة سلفا، معروفة لكل من يفهم، وهو الزج بالمرأة في مجتمع الرجال، لتحقيق التبرج والاختلاط ، وما يتبعه من إفساد الأخلاق، وما يترتب عليه من استعباد المجتمع.. ([1]) بطبيعة الحال، لم يكن تمرير هذه الخطة يسيرا، فقد لقي معارضة كبيرة، لكنها تبددت وتلاشت، ليس لأجل إصرار المناصرين للقضية، بل لأن المعارضين ما كانوا ينطلقون من عقيدة وقناعة صحيحة، نعم ربما كان منهم من يرى أن وظيفة المرأة هو بيتها، ويخشى أن يتبع خروجها فساد الأخلاق، إلا أن هؤلاء أيضا لم يكونوا يرون أية أهمية في تعليمها، حتى ولو لم يعارض وظيفتها الأصلية..
تلك المعارضة كانت سببا في تحرز المناصرين للقضية، والذي يبتغون غايات من وراء إخراج المرأة، حملتهم على تأخير ما يريدونه من التعليم زمنا، بل ومن باب التزيين والخداع، وضعوا الضمانات التي تطمئن أولياء الأمور على بناتهم، حتى حصل ما حصل في غالب الدول الإسلامية .
وفي هذه الورقات سنستعرض آثار الاختلاط على التعليم وستكون المحاور على نحو مما يلي :
المبحث الأول : نتائج الدراسات الغربية .
المبحث الثاني : نتائج الدراسات الإسلامية .
المبحث الثالث : أقوال أهل العلم .
المبحث الرابع : آثاره على الطلاب والطالبات .
المبحث الخامس : الفصل بين الجنسين رغبة الغالبية العظمى .
ـ ملحق بفتاوى العلماء .
أسأل الله تعالى التوفيق والسداد وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتبه
محمد بن عبد الله الهبدان
7 /3 /1425هـ
المبحث الأول
نتائج الدراسات الغربية .
تؤكد معظم الدراسات الحديثة بأن الفصل بين الجنسين في المدارس والجامعات والفصول الدراسية يؤدي إلى نتائج إيجابية أفضل من مثيلاتها المختلطة ، ولهذا السبب سنستعرض بعض نتائج الدراسات الحديثة المتعلقة بهذا الموضوع لعلها تساهم في تصحيح المفاهيم .
منذ ظهور دراسة اليزابيث تيدبال في العام 1973م التي أكدت فوائد التعليم غير المختلط ونادت به ، فإن الدراسات حول هذا الموضوع تكاثرت بشكل كبير جدا ومؤيده في معظمها نفس نتائج تيدبال ، ولقد خلصت إحدى الدراسات الحديثة من جامعة هارفرد بأن المدارس النسائية وبمقارنتها بالمختلطة تحقق الآتي :
ـ أهداف تربوية أعلى .
ـ يحقق الطلبة فيها درجة أعلى من القيم الذاتية ودرجة أفضل لنوعية الحياة .
ـ درجة أفضل في العلوم والقراءة .
ـ التخلص من النظرة النمطية التقليدية تجاه العلاقة بين الجنسين.
ـ درجة أقل من التغيب الدراسي ومشاكل عدم لانضباط السلوكي .
ـ مراجعة منزلية أفضل ودرجة أقل من ضياع الوقت في مشاهدة التلفزيون .
كما أن الباحثة بوني فير ـ بويست من جامعة غرب أونتارو في كندا تقول بأن التعليم المختلط يغش النساء بشعارات المساواة ، بينما الحقيقة تؤكد أن المساواة الحقيقة هي بالفصل وذلك لتمتع الجنسين بخصائص وامتيازات متباينة لا تركز عليها المدارس والجامعات المختلطة أكثر من التركيز على الخصائص والإمكانيات التي يتمتع بها الطلبة دون الطالبات ، وبعد مراجعة الكثير من الدراسات التي تؤكد على مثل النتائج التي توصلت إليها تقول بأن الجامعات والمدارس النسائية تحقق درجة أفضل في شتى العلوم وخاصة العلوم والرياضيات والتكنولوجيا ويصل إلى نفس النتيجة العديد من الباحثين والباحثات مثل الأستاذة ليزا رايرسون رئيسة جامعة ولز والتي تزيد على النتائج السابقة بقولها إن الجامعة النسائية تزيد الثقة بالنفس والطموح عند طلبتها بعكس الجامعات المختلطة ، وتضيف البروفيسوره نانسي بيدي في دراستها المقارنة لمصادر النجاح في أكاديميات القرن التاسع عشر والمنشورة في المجلة الأمريكية للتربية في العام 1999م بأن سر النجاح يكمن في وجود المدارس غير المختلطة وبناء عليه تقترح زيادة الدراسة في إمكانية قيام مدارس على هذا النمط في الوقت الراهن بناء على معطيات متطلبات السوق .
ولعل مثل هذه الدراسات قد فتحت آفاقا جديدة في أساليب التعليم ما حدا بحاكم كاليفورنيا بت ولسون بأن يخصص خمسة ملايين دولار لإنشاء عشر مدارس غير مختلطة كنوع من التجربة العملية للتحقق من النتائج ، ولقد شجعت هذه النتائج على قيام العديد من المدارس الحكومية والخاصة على أساس عدم الاختلاط في الأعوام السابقة في العديد من مناطق الولايات المتحدة الأميركية مثل نيويورك ، فيلادلفيا ، بالتيمور ، ديترويت وكاليفورنيا .
وعلاوة على ذلك فإن بحوثا كثيرة منذ الثمانينات قد أكدت إيجابية ومنفعة الجامعات النسائية على وجه الخصوص ، فلقد ذكرت البروفيسورة ليزا ويندل من جامعة كنساس بالولايات المتحدة الأميركية في بحثها القيم ( الوصول إلى القضايا في الجامعات النسائية) العديد من البحوث الحديثة التي تؤكد النتائج السابقة والتي تربو على الخمسين بحثا وكتابا ، وتحققا من نتائج تلك الدراسات فقد قامت بدراسة فريدة من نوعها تقوم على أساس الزيارة والمشاهدة الميدانية حيث خرجت بنتائج باهرة مفادها أن المدارس النسائية تحقق التركيز على العلم أكثر وتحقق درجة أفضل من التوقعات والطموحات عند الطلبة وتحسسهم بأهميتهم الاجتماعية والروح القيادية العالية ، بالإضافة إلى التسلح الأفضل لمواجهة الحياة العملية بعد التخرج ، ولعله من المفيد أيضا الإشارة إلى دراسة البروفيسورة أميلي لانجدون من جامعة نور برت التي قامت بدراسة إحصائية كمية مقارنة بين الجامعات المختلطة والنسائية .
وأهمية دراسة ( لانجدون ) تكمن في تفنيدها أحجية المناصرين للمدارس والجامعات المختلطة الذين يقولون إن سبب تحقيق نتائج أفضل في المدارس والجامعات النسائية يرجع إلى الخلفية الاجتماعية والاقتصادية الأفضل التي تتمتع بها طالبات الجامعات النسائية دون غيرهن من الجامعات المختلطة ، فبعد القيام بعمليات استبيانيه وإحصائية تبين بأن ليس هناك فروق في الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية بل على العكس فإن رواد الجامعات المختلطة أعلى بقليل في الدخول الاقتصادية وعندما بحثت في الأسباب الحقيقية الكامنة لاختيار الجامعات غير المختلطة من قبل الطالبات فقد تبين بأنها ترجع إلى درجة الطموح والسمعة الأكاديمية الأفضل ، وعندما سألت الذين أمضوا خمس سنوات على تخرجهم من كلا النوعين في الجامعات فيما إذا ودوا بالرجوع إلى الجامعة نفسها ، فقد استجاب خريجو الجامعات غير المختلطة بنسبة 52 % بينما استجاب خريجو الجامعات المختلطة بنسبة 38،7 % ، وهذا يؤكد حقيقة أن الجامعات غير المختلطة تؤهل خريجيها إلى الانخراط في الحياة العملية بصورة أفضل من الجامعات المختلطة ، والدليل على ذلك أن نسبة الذين يواصلون دراستهم العليا والذين يحصلون على وظائف أرقى وأداء أفضل في الحياة العملية أعلى في الجامعات النسائية من الجامعات المختلطة .
وهناك الكثير من الدراسات الأخرى التي أجريت في دول متعددة تكاد النتائج نفسها مثل دراسة مارش ورو المنشورة في دورية australiian journal education في العدد الثاني لسنة 1996م ودراسة أما نويل جيمنز ومار لين لوكهيد المنشورة في دورية Educational evalunation and policy analisis . في العدد الثاني لعام 1989 والتي طبقت في تايلاند ، ولا يسع المجال لذكر العدد الهائل من الدراسات الحديثة التي تؤكد إلى ما ذهبنا إليه . ولا أدعي بأن هناك من الدراسات التي تشير إلى الرأي الآخر مثل دراسة وندي كامينر المعنونة ( بمعضلة التعليم غير المختلط ) ولكن معظمها لا يتطرق إلى سلبيات التعليم غير المختلط أكثر من التشكيك في إيجابيات هذا النوع من المدارس والجامعات ، إضافة إلى المناداة بالمساواة وهو عذر قد فقد محتواه العملي والعقلي عندما تبينت حقائق فوائد التعليم غير المختلط ([2]) .
وصدق الرئيس الأمريكي جورج بوش أخيراً على مشروع قرار يقضي بمنع الاختلاط في المدارس العامة ، وتشجيعاً لهذا القرار الذي يقضي على وضع قائم منذ ثلاثين عاما، قرر إعطاء معونة مادية أكبر للمدارس التي تلتزم بتنفيذ هذا القرار وبالتأكيد فإن الرئيس الأمريكي لم يوافق على هذا القرار إلا بعد أن قدمت له دراسات علمية وعملية تربوية شاملة تبين صحة قراره ، البروفيسور الأمريكي ( اميليو افيانو ) وهو رجل القانون المتخصص في النظام التربوي في أميركا ذكر أن العديد من الدراسات تؤكد أن الفصل بين الجنسين في المجال الدراسي يساعد على اجتياز الفتيان والفتيات بصورة أفضل ، وأن الأولاد يفضلون الفصل في الدراسة حتى لا يتحتم عليهم الالتزام ببعض التصرفات أمام الفتيات ، وكذلك الفتيات يفضلن هذا الأمر حتى لا تضطررن إلى التزين قبل الذهاب إلى المدرسة ؛ لأنه يضيع وقتهن ويعرقل تقدمهن الدراسي .
الجمعية الوطنية لتشجيع التعليم في أميركا أيضا عرضت الدراسات التي قامت بها جامعة ( ميتشغان ) و التي تؤكد أن الفصل بين الجنسين في المدارس يعطي نتائج أفضل في المستوى التعليمي للبنات وللأولاد ([3]) .
و بدأ التربويون في أمريكا يميلون بشكل متزايد إلى تعليم الجنس الواحد. وقد دفعت نتائج بعض الأبحاث في هذا المجال التربويين لاتخاذ مثل هذا التوجه، خاصة تلك القائلة بأن أدمغة الأولاد تتعامل مع بعض أنواع المعلومات بشكل يختلف عن تعامل البنات معها.
تقول « لورا استيب » الباحثة التربوية في دراسة نشرت مؤخراً: " في مرحلة الستينات والسبعينات لم يكن هناك صوت سوى ذلك الداعي إلى التحلل و التفلت من القيود ، فقد انتهز العلمانيون فرصة سيطرتهم على مقاليد التوجيه في البلاد ليذبحوا التجارب التربوية الناجحة مثل كليات البنات والتعليم غير المختلط ، رغم أن الدراسات والواقع اليوم يدحض ويفضح التخبطات العلمانية بعد ارتفاع أسهم كليات البنات في أمريكا ، حيث شهدت هذه الكليات نمواً مطرداً وبلغ عددها 289كلية .
وأضافت: لكن بعد أن بدأت الحرب ضدها بإصدار قوانين تهدف إلى قطع الإعانات الحكومية عنها، لإرغام المجتمع على خوض تجربة التعليم المختلط استجابة لضغوط دعاة تحرير المرأة ، كادت كليات البنات أن تحتضر خصوصاً بعد صدور القانون التعليمي رقم (9) الذي فرض على الجامعات قبول نسبة كبيرة من الطالبات ليتساوى الجنسان في الجامعات الشهيرة مما قلص عدد كليات البنات إلى (124 )كلية عام 1988م .
غير أنه لم يمض عقد من الزمن حتى انقلبت الصورة أو بالأحرى اعتدلت ، فالإقبال على التعليم النسائي يتعاظم منذ عشر سنوات حيث تؤكد « ايلانور ساسفو » الموجهة التربوية باتحاد الكليات الوطنية أن فكرة التعليم غير المختلط تنتشر بسرعة انتشار النار في الهشيم.
وفي عام 1996م تحدثت « كريس ما يكل » الخبيرة التربوية ورائدة التعليم المنفصل في « فينتورا » عن تجربة تعليمية جديدة تجتاح الولايات المتحدة ، وهي تجربة تطبيق الفصول الدراسية المنفصلة في المدارس الثانوية الأمريكية ؛ فقالت : "بعد عامين من التجربة أثبت التطبيق الواسع لهذا النظام أن الطالبة في الفصول المتماثلة أكثر قدرة على التفكير وأسرع استجابة لتقبل المعلومة فضلاً عن أنها أكثر تركيزاً واستيعاباً للمادة بدلاً من الانشغال الذهني بزميلها المجاور .
وفي بعض المدارس بولاية فرجينيا أكد المسؤولون أن التجربة أثبتت نجاحها واعترف الطلاب بأنهم يشعرون بالارتياح وهم يدرسون في غياب زميلاتهم ، بينما اعترفت الطالبات أنهن يفضلن الدراسة وإجراء التجارب المعملية في غياب زملائهن، كما أثبتت الأبحاث أن طالبات المدارس غير المختلطة يتميزن بالثقة في النفس والحصول على أعلى الدرجات لا سيما في المواد العلمية.
وتقول الخبيرة التربوية «كريس ما يكل » : لقد نجحت التجربة بصورة أفضل بكثير مما كنا نتوقعه مما يغري المزيد من المؤسسات التعليمية الأمريكية بتبني هذا النمط من التعليم، وهو ما حدث بالفعل؛ فلغة الأرقام تشير إلى أن (12) ولاية أمريكية تتبنى سياسة الفصل بين الطلاب والطالبات، والعدد مرشح للزيادة بعد أن اكتوى الأمريكيون بنيران التعليم المختلط ([4]).
واعترف عدد من الدول الأوربية بفشل سياسة التعليم المختلط ، صرح « كينش بيكر» وزير التعليم البريطاني ، أن بلاده بصدد إعادة النظر في التعليم المختلط بعد أن ثبت فشله ، قال أحد أعضاء لجنة التعليم بالبرلمان الألماني ( البوندستاج ) انه يجب العودة بالأخذ بنظام التعليم المنفصل ـ الجنس الواحد ـ .
وأثبتت مجموعة من الدراسات والأبحاث الميدانية التي أجريت في كل من ألمانيا الغربية وبريطانيا انخفاض مستوى ذكاء الطلاب في المدارس المختلطة ـ بنين وبنات ـ واستمرار تدهور هذا المستوى ، وعلى العكس من ذلك تبين أن مدراس الجنس الواحد يرتفع الذكاء بني طلابها ، وقد ذكرت الدكتورة « كارلي شوستر » خبيرة التربية الألمانية أن توحد نوع الجنس في المدارس يؤدي إلى اشتعال المنافسة بين التلاميذ وبعضهم البعض أو بين التلميذات .
أما اختلاط الاثنين معا فيلغي هذا الدافع وأضافت أن الغيرة تشتعل بين أبناء الجنس الواحد عنها إذا اختلط أبناء الجنسين .
وأكدت دراسة أجرتها النقابة القومية للمدرسين البريطانيين أن التعليم المختلط أدى إلى انتشار ظاهرة التلميذات الحوامل سفاحا وعمرهن أقل من(16) عاما ، كما تبين أن استخدام الفتيات في المدارس لحبوب منع الحمل تزايد كمحاولة للحد من الظاهرة دون علاجها واستئصال جذورها .
كما أوضحت دراسة نقابة المدرسين البريطانيين تزايد معدل الجرائم الجنسية والاعتداء على الفتيات بنسب كبيرة ، وقالت الدراسة إنه يوجد تلميذ مصاب بالإيدز في كل مدرسة ، كما أشارت إلى ازدياد معدل السلوك العدواني عند فتيان المدارس المختلطة .
وذكرت دراسة أخرى أجرها معهد أبحاث علم النفس الاجتماعي ببون أن تلاميذ وتلميذات المدارس المختلطة لا يتمتعون بقدرات إبداعية ، وهم دائما محدودو المواهب قليلو الهوايات على العكس من ذلك تبرز محاولات الإبداع واضحة بين تلاميذ مدارس الجنس الواحد .
وأوضح بحث ميداني أذاعته إحدى قنوات التليفزيون البريطاني أن تلميذات وتلاميذ المدارس المختلطة يعجزون عن التعامل مع العالم الخارجي وأنهم انطوائيون ينتابهم الخجل دائما ولا يحسنون إقامة علاقات اجتماعية مع أقرانهم ([5]) .
المبحث الثاني
نتائج الدراسات الإسلامية
قامت عدة دراسات ميدانية في عدة دول عربية وأفريقية لدراسة آثار الاختلاط وقد وقفت على بعضها فمن تلك الدراسات :
الدراسة الأولى : قامت الباحثة فاطمة محمد رجاء مناصرة بدراسة أثر مشكلة الاختلاط على تعليم الفتاة المسلمة في الجامعات الأردنية فخرجت بالنتائج التالية ([6]) :
السؤال الأول : هل يعد الاختلاط في الدراسة بنظرك مشكلة ؟
ـ أجاب 77 % من الطلاب والطالبات بنعم .
السؤال الثاني : إذا كان الاختلاط مشكلة ، أذكر أهم السلبيات التي تعانيها بسببه ؟
فذكرت المشكلات التالية :
أ ـ مشكلات أخلاقية :
1ـ إثارة الفتنة .
2ـ التصنع في التصرفات من قبل الجنسين .
3ـ تعرض الفتيات لمضايقات الشباب .
4ـ ضعف الوازع الديني بسبب تعود الطلبة على الممارسات الخاطئة واستباحة المنكرات لكثرة تكرارها .
5 ـ انتشار ظاهرة السفور ، بسبب تبرج الطالبات ولباسهن المخالف للزي الإسلامي ، فطالبات الجامعة اللاتي يرحن ويرجعن بين البيت والجامعة سافرات متبرجات يلبسن ثياب رقيقة قصيرة ..
6 ـ انتشار الجرائم الأخلاقية مثل الزنا ، فإن كثرة المخالطة مع وجود عوامل الفتنة تؤدي إلى ارتكاب الفاحشة .
7 ـ فساد الأخلاق عند الطرفين .
ب ـ مشكلات أكاديمية :
1 ـ عدم الحرية في النقاش أثناء المحاضرات ، وهذا يظهر في عدم رغبة الطلاب والطالبات بالمشاركة في الدرس خيفة أن يخطئ أحدهم فيخرج أمام الجنس الآخر ، فتشوه صورته أمام من يود كسب رضاه من الجنس الآخر .
2 ـ تعاطف المدرسين مع الطالبات وذلك على حساب الطلاب.
3 ـ التغيب عن المحاضرات وعدم الالتزام بحضورها بسبب انشغال كل جنس مع الآخر .
4 ـ صعوبة ممارسة النشاطات الجادة والفاعلة وخاصة التي تمارس في ساحات الجامعة .
5 ـ تحويل الجامعة عن الغاية الأساسية التي وجدت من أجلها .
6 ـ فيه قتل للوقت لكثرة التفكير بالجنس الآخر .
6 ـ ضعف التحصيل العلمي .
ج ـ مشكلات اقتصادية
وقد حددها الطلبة بما يلي :
1 ـ محاولة إظهار كل من الجنسين كرمة وسخاءه أمام الجنس الآخر ، وبذلك يتحمل كل منهما مسؤوليات مادية كثيرة قد تضطره لإرهاق نفسه بالديون ، أو اللجوء إلى تصرفات غير مرغوب بها لتحصيل المال .
2 ـ المبالغة في النفقات على اللباس والمظهر الخارجي من قبل الجنسين وخاصة الطالبات .
د ـ مشكلات اجتماعية :
وتتلخص آراء الطلبة فيما يلي :
1 ـ التقليل من قدر المرأة في المجتمع حيث تصبح عارضة أزياء تلفت الأنظار ، فتعتبر نفسها كسلعة قابلة للعرض .
2 ـ له آثار سلبية في الحياة الأسرية للطلاب والطالبات المتزوجين ، فقد يكون سببا في دمار هذه الأسرة وتشتيت شملها بسبب تعرف الشاب على فتاة أخرى غير متزوجة مثلا !
3 ـ عزوف الشباب عن الزواج والاكتفاء بالعلاقات غير المشروعة .
وهذه المشكلات هي جزء من معاناة الشباب ، والضغوطات التي يسببها الاختلاط لهم والمآسي التي تترتب على ذلك .
هـ مشكلات نفسية :
ولقد ذكر الطلبة بعضاً من المشكلات النفسية منها :
1 ـ القلق والاضطراب والخوف من الجنس الآخر نتيجة ما يرى من ممارسات خاطئة .
2 ـ الصراع الداخلي في نفس الشاب .
السؤال الثالث : اذكر أهم المعوقات التي يسببها الاختلاط على تحصيلك العلمي ؟
هناك من اعتبر أن للاختلاط معوقات ، ومنهم من يرى أن ليس للاختلاط معوقات وكانت النسب على النحو التالي :
ـ أجاب 75 % بأن للاختلاط معوقات .
ـ وأجاب 25 % ليس للاختلاط معوقات .
ويبدو أن أهم المعوقات في نظر هذه المجموعة التي تعتبر أن للاختلاط معوقات هي :
1ـ الخوف من السؤال بصراحة خوفاً من التعرض لسخرية الآخرين واستهزائهم .
2 ـ تكرار التغيب عن المحاضرات للانشغال بالجنس الآخر .
3 ـ عدم المشاركة في المحاضرة خوفا من الوقوع في الخطأ.
4 ـ تعرض الأستاذ للحرج وعدم توضيح الكثير من القضايا لوجود الطالبات .(48/3)
5 ـ إعطاء الأستاذ أكبر قدر من الاهتمام للطالبات على حساب الطلاب .
6 ـ إذا كان المعلم أنثى ، فهذا يؤثر على نفسية الطلاب ولا يقبلون تلقي العلم من امرأة .
وبالتالي فإن كل هذا يؤدي إلى انخفاض مستوى التحصيل العلمي عند الطلبة .
السؤال الرابع : يدعي البعض أن العلاقة التي تنشأ بين الجنسين تحفز على زيادة التحصيل العلمي لكونها باعثاً للتعلم ، فما رأيك في ذلك ؟
ـ فأجاب 90 % : ليس للاختلاط حافز على التعليم.
ـ أجاب 10 % : الاختلاط يشكل حافزاً باعثاً على التعليم .
السؤال الخامس : هل وجود الجنسين في قاعة واحدة يعيق حرية الأستاذ في إيضاح عناصر الموضوع ؟
ـ أجاب 86 % يعيق .
ـ أجاب 14 % لا يعيق .
السؤال السادس : ما الآثار التي يسببها الاختلاط على حياتك الاجتماعية ؟ أذكرها ؟
ـ أجاب 86 % أن له آثارها سلبية .
فمن تلك الآثار :
1 ـ عدم الثقة الشباب بالفتيات وبالتالي العزوف عن الزواج .
2 ـ تفكك الروابط الاجتماعية وبروز المشكلات الأسرية.
3 ـ عدم قدرة الشباب على الزواج وبالتالي يتعرضوا للانحراف والفساد .
4 ـ كثرة التفكير في الجنس الآخر وإثارة الشهوة في النفس وتحررها من القيود التي يجب أن يلتزم بها .
5 ـ البعض يحبذ عند ذلك الانعزال والوحدة والابتعاد عن الآخرين حتى من بني جنسه لقلة ثقته بهم .
6 ـ قد يؤدي إلى الخجل والخوف من التعامل مع الجنس الآخر. 7 ـ آثار سلبية على علاقاتهم مع أهلهم في البيت ومع الآخرين في المجتمع .
الدراسة الثانية : قام عبد الحليم محمود السيد وآخرون بدراسة المشكلات النفسية والاجتماعية لدى عينة من طلاب جامعة القاهرة حجمها( 3987) طالباً وطالبة ، وكشفت نتائج هذه الدراسة فيما يتعلق بالمشكلات مع الزملاء من الجنس الآخر عن أن أكثر مشكلات الطلبة أهمية مع زميلاتهم تتمثل :
ـ المبالغة في الملبس .
ـ عدم الالتزام بتعاليم الدين .
ـ والتحرر من السلوك .
ـ والاختلاط الزائد عن الحد بين الجنسين .
ـ والخروج عن العادات والتقاليد .
أما بالنسبة إلى المشكلات التي تعاني منها الطالبات في علاقتهن بزملائهن من الطلبة الذكور فتتمثل في :
ـ عدم الالتزام بتعاليم الدين .
ـ والتحرر في السلوك .
ـ والاختلاط الزائد عن الحد بين الجنسين .
ـ وعدم مراعاة مشاعر الزملاء .
ـ وسوء الفهم المتبادل ( [7]) .
الدراسة الثالثة : ( قام فهد الثاقب بدراسة هدفت إلى الكشف عن موقف الكويتيين من مكانة المرأة ، وقد أجريت عام 1975م على عينة حجمها (431) أسرة كويتية ، منها 48% ربات أسر ، و 52 % أرباب الأسر ، وأوضحت نتائجها أن معظم المتعلمين ـ فيما عدا الجامعيين ـ يفضل عدم الاختلاط ، مقابل 36 % أبدوا رغبتهم في هذا الاختلاط ) ( [8] ) .
ومن يتتبع أقوال أهل التربية والتعليم يلحظ أن أقوالهم تكاد تتفق على خطورة الاختلاط على مستوى دين وثقافة الطالب والطالبة ، فمن تلك الأقوال :
ـ يقول الأديب الأريب علي الطنطاوي رحمه الله : ( إني لا أرى الاختلاط بين الجنسين في المدارس، ولا في كليات الجامعة، لا لموانع الدين فقط، فقد يكون من القراء من لا يحرص مع الأسف على تتبع أوامر الدين ونواهيه ، بل لأنَّ هذا الاختلاط إذا قلَّت نتائجه السيئة في فرنسا وانجلترا وأمريكا لطول اعتياد أهلها عليه، فإنَّ خطره شديد في بلاد خرجت رأساً من الحجاب السابغ إلى هذا الاختلاط، على قوة الغريزة، وشدة الرغبة، وطول الحرمان. وهذه مصر جرَّبت الاختلاط في الجامعة قبلنا ولا تزال إلى اليوم تشعر بأضراره، وقد ظهرت فيها رغبة طوية من الطالبات أنفسهن في الانفصال عن الشباب، ومن شاء فليقرأ خبر ذلك في جرائد مصر، وفي آخر عدد وصل إلى الشام من (أخبار اليوم).وأنا مستعد للمناقشة في هذا الموضوع بلسان الواقع والعلم لا بلسان الدين، فمن شاء فليناقشني. أمَّا التسرع إلى الرد عليّ بأنَّ هذه رجعية وجمود، فلا ينفع شيئاً، لأنَّه لو كان كل جديد نافعاً، وكان كل قديم ضاراً، لكان أشدّ الأشياء ضرراً العقل؛ لأنَّ العقل أقدم من التسرع، وكان أنفع الأشياء في هذا الباب مذهب العري وأن نمشي في الجامعة وغيرها مثل الحيوانات ؛ لأنَّ مذهب العري أحدث المذاهب!! ) ([9]) .
ـ ويقول رئيس الاتحاد الوطني لطلبة جامعة الكويت محمد الرشيد ( إن الأبحاث العلمية أكدت أن الاختلاط ما بين الجنسين يؤثر سلبا على تحصيل الطلبة دراسيا ..) ( [10]) .
ـ وقال الدكتور جاسم العمر ـ مرشح الدائرة الانتخابية العاشرة للانتخابات التكميلية ـ : ( إن الاختلاط بجامعة الكويت يعتبر سبباً رئيسيا لتراجع مستوى المخرجات التعليمية من مدرسين ومدرسات ذات تخصصات علمية حيث مازال أولياء الأمور يسعون إلى إدخال بناتهم في كليات التطبيقي كونها بعيدة عن الاختلاط الأمر الذي أدى إلى تكدس الطالبات في كلية التربية الأساسية فأصبحت المخرجات التعليمية للمدرسين من الإناث ) ([11]) .
ـ و يقول الأستاذ أحمد مظهر العظمة وقد أوفدته وزارة التربية السورية إلى بلجيكا في رحلة علمية زار فيها المدارس البلجيكية ، وفي إحدى الزيارات لمدرسة ابتدائية للبنات سأل المديرة : لماذا لا تخلطون البنين مع البنات في هذه المرحلة ؟ فأجابته : قد لمسنا أضرار اختلاط الأطفال حتى في سن المرحلة الابتدائية . ([12]) .
ـ تقول الدكتورة أسماء الحسين الأستاذ المساعد بكلية التربية : ( إن الاختلاط بين الجنسين لا يستند على قاعدة شرعية أو اجتماعية وهو فكرة غير سائغة. فالمرأة لم تسلم من المشاكسات وهي تحت الحجاب فكيف بالاختلاط ! ) ([13]) .
المبحث الثالث
أقوال أهل العلم .
لقد تتابع أهل العلم والفكر في التحذير من الاختلاط عامة ومن الاختلاط في التعليم خاصة ، وذكروا النصوص الشرعية المانعة منه ومن آثاره الخطيرة على الجوانب الدينية والتعليمية لدى الطالب والطالبة . فمن تلك الأقوال :
ـ قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة : ( اختلاط الطلاب بالطالبات والمدرسين بالمدرسات في دور التعليم محرم لما يفضي إليه من الفتنة وإثارة الشهوة والوقوع في الفاحشة ، ويتضاعف الإثم، وتعظم الجريمة ، إذا كشفت المدرسات أو التلميذات شيئا من عوراتهن ، أو لبسن ملابس شفافة تشف عما وراءها ، أو لبسن ملابس ضيقة تحدد أعضاءهن ، أو داعبَّن الطلاب أو الأساتذة ومزحن معهم أو نحو ذلك مما يفضي إلى انتهاك الحرمات والفوضى في الأعراض ) ([14]) .
ـ وقال الشيخ حمود بن عبد الله التو يجري رحمه الله : ( أقبح من ذلك ما يفعله بعض المنتسبين إلى الإسلام من خلط النساء بالرجال الأجانب في المدارس وصنوف الأعمال بحيث يجعل لكل رجل وامرأة أجنبية منه مجلس واحد لتتم العلاقة بينهما من قريب وتحصل الفتنة والفاحشة بينهما بأدنى وسيلة . وهذا مما دب إليهم من قبائح الإفرنج ورذائلهم فالله المستعان ) ([15]) .
ـ وقال الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد : (حُرِّم الاختلاط، سواء في التعليم، أم العمل، والمؤتمرات، والندوات، والاجتماعات العامة والخاصة، وغيرها ؛ لما يترتب عليه من هتك الأعراض ومرض القلوب، وخطرات النفس، وخنوثة الرجال، واسترجال النساء، وزوال الحياء، وتقلص العفة والحشمة، وانعدام الغيرة.) ([16]) .
المبحث الرابع
آثاره على الطلاب والطالبات ([17])
للاختلاط آثاره الخطيرة على الطلاب والطالبات ..فمن تلك الآثار :
1 ـ تفكير كل الجنسين بالآخر .
عندما يجلس الطالب بقرب الطالبة فإن جل تفكيره سيكون في الأساليب والطرق التي يكسب بها تلك الطالبة خاصة إذا كانت جميلة ، لقد نشرت مجلة ( المصور) بتاريخ 30مارس 1956م استفتاء أجرته بين طلبة الجامعات المصرية وطالباتها ..جاءت نتيجته أن 65% منهم قرروا أن تفكيرهم في الجنس الآخر أثناء الاختلاط يؤثر على دراستهم ، إذ أن ثلاثة أرباع وقت فراغهم يضيع بحثاً عن الحب واللهو ، لذلك يرون إنشاء جامعات خاصة بالبنات ) ([18]) .
وتقول ( أسماء فهمي ) التي كانت تعمل بوزارة المعارف بمصر على إثر رجوعها من رحلتها إلى أمريكا : ( إن الأمريكيين يرون الآن أن الاختلاط يشغل الفتيات عن الجد والنشاط العلمي بالملابس والزينة وما إلى ذلك ، مما لا يفكرون فيه عندما يفتقدون الفتيان) ([19]) .
وتقول (دير در ماك كان) البالغة من العمر 15 عاماً أنها تحب مدرسة الفتيات فقط التي تدرس فيها. وتضيف (دير در): كنا نشعر بالخوف عندما كان معنا أولاد... كان علينا أن نرتدي ملابس جميلة ونظهر أنيقات... إننا نشعر بالراحة أكثر الآن بوجودنا في محيط كله بنات ([20]) .
2 ـ تخنث الرجال واستر جال النساء .
فعندما يختلط الجنسان في المدارس والجامعات يأخذ كل جنس من صفات وأخلاق الآخر فيتخنث الرجال ويستر جل النساء، وهذا ما لاحظه المسؤولون عن التعليم في الفلبين؛ حيث أعلن وزير التعليم الفلبيني أنه يرغب في تعيين عدد أكبر من المدرسين لتدريس التلاميذ حتى يتحلوا بصفات الرجولة بدلاً من الصفات الأنثوية التي يكتسبونها من مدرساتهم .
يقول الأديب على الطنطاوي رحمه الله : ( إن من تشرف علي تربيته النساء يلازمه أثر هذه التربية حياته كلها ، يظهر في عاطفته ، وفي سلوكه ،في أدبه ، إذا كان أديباُ ، ولا تبعد في ضرب الأمثال ، فهاكم الإمام ابن حزم يحدثكم في كتابه العظيم الذي ألفه في الحب «طوق الحمامة » حديثاً مستفيضاً في الموضوع . خلق الله الرجال والنساء بعضهم من بعض ، ولكن ضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب . فمن طلب الرحمة والمودة واللذة والسكون والاطمئنان دخل من الباب ، والباب هو الزواج . ومن تسور الجدار أو نقب السقف ، أو أراد سرقة متعة ليست له بحق ، ركبه في الدنيا القلق والمرض وازدراء الناس ، وتأنيب الضمير ، وكان له في الآخرة عذاب السعير) ([21]) وقد ذكرت الطالبة عزة سيد ـ في كلية الآداب ـ : ( أن الاختلاط في الجامعة ...يؤدي إلى تشبه النساء بالشباب والشباب بالنساء ، فأصبحنا لا نستطيع أن نفرق بين الفتى والفتاة ..) ([22]) .
3 ـ انخفاض مستوى الذكاء .
(( أثبتت مجموعة من الدراسات والأبحاث الميدانية التي أجريت في كل من ألمانيا وبريطانيا انخفاض مستوى ذكاء الطلاب في المدارس المختلطة، واستمرار تدهور هذا المستوى، وذكرت خبيرات التربية الألمانية الدكتورة (شوستر) أن توحد نوع الجنس في المدارس يؤدي إلى اشتعال المنافسة بين التلاميذ بعضهم البعض، وبين التلميذات بعضهن البعض. أما اختلاط الاثنين معاً فيلغي هذا الدافع، إضافة إلى أن الغيرة تشتعل بين أبناء الجنس الواحد إذا اختلط أبناء الجنسين)) ([23]).
وهذه الحكومة البريطانية تعتزم تشجيع المدارس الحكومية المختلطة على إجراء دروس منفصلة للجنسين؛ من أجل تحسين مستويات التعليم لدى الصبيان، ويعتقد الوزراء البريطانيون أن الصبيان يحرزون نتيجة أفضل، إذا أقامت المدارس صفوفاً منفصلة للصبيان والبنات.
وتطالب الحكومة المدرسين بمحاولة إعادة إحياء الاهتمام الأكاديمي لدى الصبيان، باللجوء إلى وسائل مختلفة، وجعل أداء الصبيان له الأفضلية؛ وذلك بعد أن أظهرت نتائج الامتحانات الثانوية تراجع الصبيان خلف الفتيات؛ حيث حقق 53,2 % من الفتيات في إنجلترا وويلز خمس نتائج جيدة - على الأقل -، بالمقارنة مع 42,6 % في الصبيان ([24]).
كما حققت سبع مدارس فقط من بين (75) مدرسة بريطانية أفضل النتائج خلال العام الأكاديمي (1412/1413هـ -1992/1993م) ؛ لأن هذه المدارس كانت مختلطة تضم بنين وبنات.
وهذه الأرقام المذهلة جعلت العديد من الأشخاص يفكرون بالرجوع إلى النظام التعليمي السابق، الذي كان قائماً على الفصل بين مدارس البنين والبنات، حتى بلوغ مستوى الجامعة.
وكمثال على هذا الاتجاه قرر مدير مدرسة (شنفيلد) بمقاطعة (إيسكس) في بريطانيا – بعد أن لاحظ النتائج الجيدة التي حققتها المدارس غير المختلطة -، قرر الفصل بين البنين والبنات ابتداء من العام الأكاديمي (1413/1414هـ- 1993/1994م)، في مبان منفصلة.
وأكد مدير هذه المدرسة بأن كلاً من الجنسين سوف يحقق نتائج أفضل؛ حيث لن يكون هناك تشتيت للانتباه بوجود جنس آخر في غرفة الدراسة.
ويدرك مدير هذه المدرسة – كما تقول هذه الصحيفة – بأن قراره يجري في اتجاه معاكس لما يجري حالياً في المجتمع البريطاني.
وأضاف بأنه يعتقد أن العديد من الآباء يرغبون في فصل التعليم، وأنه يود أن يتيح لهم هذه الإمكانية، التي لا تعد شيئاً سهلاً في بريطانيا اليوم ([25]) .
ولأجل ما سبق فقد دعت مديرة كلية (تشليتنهام) للسيدات في بريطانيا الأستاذة (إينيد كاسل) ، بتفضيل التعليم غير المختلط الذي يدرس فيه الأولاد والبنات كل على حدة، كما جاء ذلك في مقال نشرته بصحيفة (التايمز) اللندنية، حيث قالت فيه: (( إن على الآباء أن يأخذوا في اعتبارهم التعليم غير المختلط عند إلحاق بناتهم بالدراسة، وإن أكثر النساء نجاحاً اليوم هن اللائي تعلمن في مدارس مخصصة للبنات، وهناك أدلة متزايدة، منها: أن نتائج الامتحانات تدل على أن البنات والأولاد يحصلون على نتائج أفضل، إذا تعلم كل منهم على حدة )) ([26]) .
(( كما طالبت ((الحركة النسائية في ألمانيا الغربية)) بعودة التعليم غير المختلط ؛ حيث الفتيات يتعلمن أفضل بدون وجود الذكور.
وحسب دراسات أجريت في الولايات المتحدة، والسويد، وألمانيا، تبين أن اللواتي درسن في مدارس غير مختلطة أفضل من اللواتي درسن في مدارس مختلطة)) ([27]).
4 ـ ضعف الإبداع ومحدودية المواهب :
(ففي دراسة أجراها معهد أبحاث علم النفس الاجتماعي في "بون" بألمانيا، تبين أن تلاميذ وتلميذات المدارس المختلطة لا يتمتعون بقدرات إبداعية ومواهبهم محدودة وهواياتهم قليلة، وعلى العكس من ذلك تبرز محاولات الإبداع واضحة بين تلاميذ مدارس الجنس الواحد ) ([28]) والسبب في ذلك انشغال كل جنس بالآخر مما يلهيه عن الإبداع والابتكار .
وقال رئيس الاتحاد الوطني لطلبة جامعة الكويت محمد الرشيد : ( إن الأبحاث العلمية أكدت أن الاختلاط بين الجنسين يؤثر سلبيا على تحصيل الطلبة دراسيا ) ([29]) .
5 ـ إعاقة التفوق الدراسي :
حيث أظهرت دراسة أجريت بمعهد (كيل) بألمانيا أن البنين عندما تم فصلهم عن البنات حققوا نتائج أفضل في شهادة الثانوية العامة، وارتفعت درجاتهم بنسبة تزيد أربع مرات عما كان الحال عليه عندما كان الفصل مختلطاً. وكذلك الأمر بالنسبة للبنات . وفي دراسة أخرى لمجلة « نيوزويك » الأمريكية أرقام وإحصاءات تفيد أنَّ الدارسات في الكليات النسائية (غير المختلطة) هن الأكثر تفوقاً ونجاحاً في الدراسة وفي حياتهن العملية بعدها.وقد ثبت بعد التحقيق الذي أجرته مجلة (الإثنين ) المصرية ([30]) أن الاختلاط في الجامعة مشغلة للفتيان والفتيات عن الدراسة الفعالة ، والتحصيل العلمي .. ([31]) ويقول مراقبون إن المبالغة في السفور والاختلاط بين الشباب والفتيات على مقاعد الدراسة كان السبب الرئيس في تردي مستويات التعليم ومخرجاته على مستوى الجامعات المصرية ([32]). وقال البر فسور « اميليو فيانو» وهو رجل قانون متخصص في النظام التربوي في الولايات المتحدة أن " العديد من الدراسات التي أجريت بمساهمة طلاب وطالبات أظهرت انه في بعض مراحل نموهم، ينجز الفتيان والفتيات دراستهم بطريقة أفضل حين لا يكونون مختلطين" .
( توجد حالة من الاستياء العام باتت تتزايد في المجتمع الفرنسي إزاء تواجد الذكور والإناث سويا حيث تبين أن مثل هذا الأمر يؤثر بشكل كبير على التركيز بين الفتيان بصفة خاصة ، لذا جرى في الوقت الحالي تجارب في إحدى الأكاديميات حيث يتم تنظيم الدروس الخاصة بالتربية الجنسية في شكل مجموعات غير مختلطة وذلك لتفادي الإحراج الذي قد ينجم عن الانزلاق اللفظي أو بسبب ما تثيره مثل هذه المواضيع من انزعاج طبيعي ) ([33]) .
( وقد تبين من الإحصاءات أن الطالبات يتفوقن أكاديمياً في الكليات التي يقتصر فيها الدراسة على البنات وحدهن ) ([34]) .
وذكرت الطالبة عزة سيد ـ في كلية الآداب ـ (أن الاختلاط في الجامعة يشغل الفتيان والفتيات عن الدراسة الفعالة والتحصيل العلمي) ([35]) .
6 ـ التعرض للكآبة والحزن :
في دراسة أمريكية صادرة عن الوكالة التربوية الوطنية، أفادت نتائج البيانات الإحصائية بأنَّ الفتيات الأمريكيات في الفصول المختلطة أكثر عرضة للقلق والاكتئاب والانتحار !
وفي دراسة أخرى لمجلة "نيوزويك" الأمريكية أرقام وإحصاءات تفيد أنَّ الدارسات في الكليات النسائية (غير المختلطة) هن الأكثر تفوقاً ونجاحاً في الدراسة وفي حياتهن العملية بعدها.
7 ـ قتل روح المنافسة :
ذكرت الدكتورة (كارلي شوستر) خبيرة التربية الألمانية أن توحد نوع الجنس في المدارس يؤدي إلى اشتعال روح المنافسة بين التلاميذ وبعضهم البعض أو بين التلميذات ، أما الاختلاط فيلغي هذا الدافع ) ([36]) .
( ولذا لاحظ معظم أساتذة في مدرسة ( أوزانام ) الكاثوليكية المتوسطة بمدينة ليموج أن أداء البنات في الفصول المدرسية غير المختلطة يكون أسرع في غياب الأولاد ) ([37]) .
8 ـ التحرشات الجنسية بالطالبات :
إذا كانت حالات الاغتصاب متزايدة في المدارس المختلطة ..فهل يتصور أن تقل حالات التحرشات الجنسية بين الطلاب والطالبات من خلال الحركات أو الكلمات البذيئة أو عرض الصور الماجنة للإثارة أو نحو ذلك .
ولذا أصدرت جامعة ((اكسفورد)) نظاما جديداً يعد الأقسى عقوبة والمعمول به في الجامعات البريطانية لمكافحة التحرش غير الأخلاقي داخل الجامعة .وإن دل هذا فإنما يدل على انتشار هذا الأمر في جامعاتهم المختلطة .
وقد بدأت هذه الجامعة العمل بقانون السلوك الجديد، بعد أن أوضح مسح أجري أن الطالبات أكثر عرضة للتحرش من قبل الطلاب منه من قبل الأساتذة.
وكانت (6من كل 10من400) طالبة شاركن في المسح قد ذكرن بأنهن تعرضن لتحرشات غير أخلاقية تتراوح بين النظرات غير المرغوب فيها، وبين التصرفات اللفظية وغير اللفظية.
وسيكون الفصل من الجامعة العقوبة القصوى التي توقع على الطالب الذي يدان بتهمة التحرش، وأقامت الجامعة نظاماً استشارياً لتلقي شكاوى ضحايا التحرش داخل الجامعة.
وتفكر جامعة ((كمبريدج)) في اتخاذ خطوات مماثلة، بعد أن طالبت [لجنة إدارات الجامعات] بتبني سياسات حول التحرشات غير الأخلاقية، ووضع عقوبات رادعة ([38]).
وهذه التحرشات غير الأخلاقية ليست مقتصرة على المدارس الأوربية، بل هي - أيضاً - في المدارس الأمريكية : (( فقد أوضحت دراسة بأن التحرشات غير الأخلاقية في مدارس الولايات المتحدة المختلطة، ربما تكون أكبر مما كان يتصوره الناس؛ حيث أوضحت مجلة (سفنتيز) الأمريكية ([39]) – التي أجرت الاستطلاع، أن أعداداً كبيرة من الفتيات يتعرضن لتحرشات غير أخلاقية ليست فقط في المدارس الثانوية، وإنما تبدأ – أيضاً – من المدارس الابتدائية؛ حيث يتعرضن لهذه المضايقات من التلاميذ الذكور، وكذلك من المعلمين!!.
وقالت المجلة بأن ما لا يقل عن 89 %من الفتيات المراهقات أوضحن بأنهن تعرضن لمعاملات غير مهذبة من زملائهن الطلاب.
وقالت فتيات المدارس المختلطة أن المضايقات غير الأخلاقية أصبحت الآن تحدث بشكل يومي للعديد من الفتيات، وأضحت سبباً في قلق البنات طيلة العام الدراسي.
وقالت كاتبة التقرير الأمريكية (نان أستين). : إنه أمر مفزع تماماً في اكتشاف حقيقة أن هذا السلوك غير الأخلاقي أصبح جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية ) ([40]).
( وفي استفتاء في جامعة كاليفورنيا في بركلي عام 1977م ظهر أن خمس الطالبات قد تعرضن لنوع من الاعتداء الجنسي من الأساتذة والمشرفين على الدراسات العليا ) ([41]) .
( ونشرت جريدة الأخبار في عددها الصادر بتاريخ 15/9/1975م الخبر الآتي :
نظام الاختلاط في المدارس سيتم إلغاؤه في مدينة مغاغة بمحافظة المنيا ، قررت المنطقة التعليمية عزل الطلبة عن الطالبات في مدارس خاصة بكل جنس ، اتخذ القرار بعد أن ضج الأهالي بالشكوى من المعاكسات التي يتعرض لها الطالبات .
بدأت المشكلة في مدرسة التجارة الثانوية التي كانت تسير على النظام المختلط ، فبالبرغم من وجود أخصائين اجتماعيين بالمدرسة فإن المشاكل كانت تحدث يوميا من جراء الاختلاط بين الطلبة والطالبات بالإضافة إلى معاكسات الطريق ، فبدأت شكاوى أولياء الأمور تطالب بوضع حد لمتاعب الطالبات ، وزادت الشكاوى حدة بعد أن امتدت المعاكسات لتشمل كل طالبات المدارس بالمدينة ، وبحثت المنطقة التعليمية المشكلة فقررت القيام بعمل عزل بين الجنسين وقامت بإعداد مدرسة ثانوية للبنات تجمع الطالبات في الثانوي العام والتعليم التجاري الذي كان ملحقا بالبنين .
كما خصصت مدرسة التجارة بنين بجوار الثانوي العام بنين ، كما تقرر أن يمتد نظام منه الاختلاط ليشمل المرحلة الإعدادية في المستقبل ، وقد قوبل القرار بجانب الارتياح من المواطنين . ) ([42]) .
9 ـ اغتصاب الطالبات :
من أبرز الحقائق التي أظهرتها دراسة رابطة الجامعات الأمريكية للنساء انتشار جرائم الاعتداء الجنسي على الفتيات بشكل واسع من قبل الأساتذة والطلاب؛ فالإحصاءات تشير إلى أن واحدة من كل أربع طالبات تتعرض للاغتصاب.
وفي جامعة هارفارد قالت إحدى الباحثات في بحث نالت به درجة الدكتوراه : إن الاغتصاب صار هستيريا تعم السكن الجامعي، الأمر الذي جعل التيار الليبرالي الداعي إلى التحلل الأخلاقي يتراجع، مما دفع الكثير من الآباء والأمهات - الذين أصبحوا اليوم أكثر محافظة عن ذي قبل – إلى المطالبة بإيجاد فصول منفصلة لبناتهم لتحسين وضعهن العلمي وتحصينهن من العبث بهن .
إن أكثر حوادث الاغتصاب تحدث في المدارس المختلطة، حيث يترصد الذكور الإناث في دورات المياه، وهناك ملتقى النجاسات الحسية والمعنوية؛ ولأجل ذلك أصدرت إحدى المدارس في نيويورك بلاغاً عممته على جميع المدرسات والطالبات، حذرتهن فيه من الذهاب إلى دورات المياه منفردات؛ وذلك بعد أن تعددت حوادث الاعتداء عليهن من قبل الطلاب الذكور في المدرسة. وعلى إثر ذلك قامت صيحات تنادي بفصل الإناث عن الذكور ([43]).
ويقول مسؤول شرطة مدينة ((ستيت كولج)) الجامعية الأمريكية، عن أماكن حوادث الاغتصاب في المدينة الجامعية: (( إن المناطق الخطيرة في الجامعة غير محدودة، وأكثر الحوادث وقعت في أماكن السكن الداخلي، وفي غرف الدراسة، وفي مواقف السيارات، وتدل الإحصاءات على أن 87 % من المجرمين هم من أصدقاء وأقرباء الضحايا ) ([44]).(48/4)
ولعل من أشهر حوادث الاغتصاب الجماعية في المدارس المختلطة الداخلية ما وقع في مدرسة (سان كيزيتو) بمنطقة (ميرو) وسط كينيا؛ حيث أقدم مئات من الطلاب على اقتحام المسكن الذي تقيم به الفتيات – اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين (15 و 18) عاماً – بعد منتصف الليل، وقاموا باغتصاب حوالي (71)طالبة ، ولقيت ( 19) طالبة مصرعهن، وأصيبت (75) طالبة من عدد الطالبات البالغ عددهن (271) طالبة.
وقد زار الرئيس الكيني هذه المدرسة، وأمر بإلقاء كل الأضواء على ما أسماه ( الجريمة المجنونة )، بينما أغلقت هذه المدرسة لمدة غير محددة.
كما هاجم - قبل أشهر من هذه الحادثة – عدد من طلبة مدرسة (كيرياني) الواقعة – أيضاً – في (ميرو) خمس فتيات واغتصبوهن، قبل أن يشعلوا النار في المبنى([45]).
انتشار الاغتصاب للطالبات بالكليات؟ ([46]) .
جدول يوضح انتشار الاغتصاب بعدد الضحايا وعدد الحوادث وأنواع الحوادث:
الضحايا
...
الحوادث
نوع الاعتداء
...
عدد الضحايا في العينة
...
النسبة المئوية في العينة
...
العدد بين 1000 طالبة
...
عدد الحوادث
...
العدد بين 1000 طالبة
اغتصاب كامل
...
74
...
1.7
...
16.6
...
86
...
19.3
محاولة اغتصاب
...
49
...
1.1
...
11
...
71
...
16
الجملة
...
123
...
2.8
...
27.7
...
157
...
35.3
من منظور السياسات بالكليات، قد ينزعج الإداريون كثيراً لحقيقة أنَّ بين كلّ 1000 امرأة في معهدهم التعليمي، قد تحدث 35 حالة اغتصاب في فصل دراسي (وفقاً لما ورد في البيان). وهذا يعني أنَّ أعداد الاغتصاب في حرم جامعي به ( 10.000 ) امرأة سيرتفع إلى أكثر من 350 طالبة.
( ونشرت وكالة CNN بأنه يدرس حالياً في مدينة ( نيوجرسي ) الأمريكية كيفية إجبار الطالبات على تعلم مقاومة الاغتصاب وذلك بعدما كشفت دراسة بأن نصف الطالبات الجدد يتم اغتصابهن في الفصل الأول من الالتحاق بالدراسة وهذا يدل على مدى الانحراف الذي أصاب المجتمعات الغربية كما يدل على خطورة الاختلاط بين الجنسين حيث تم الاغتصاب في مراحل التعليم وفي أماكن العلم التي يفترض بها التجرد والموضوعية !!
وهذا الذي يحدث في أمريكا وهي كما يشاع عنها دولة من دول العالم الأول!! العالم المتقدم المتحضر ؟؟ التي تحترم حقوق الإنسان وترعى المساواة بين البشر ، ولقد تزايدت في الآوانة الأخيرة المطالبة بفصل الإناث عن الذكور بل ذكرت تقارير صادرة عن منظمات حماية الطفولة أن سبب الانحراف هذا يرجع إلى فترة الطفولة حيث يتعرض البنات الإناث إلى ثلاث مرات للاغتصاب أكثر من الأطفال الذكور .
حيث إن الجرائم الأخلاقية التي تحدث في الغرب اليوم نتيجة طبيعية للانحراف عن الفطرة البشرية ودافع الغريزة ذلك ؛ لأن الذكر يميل بطبعه إلى الأنثى والعكس صحيح ، ولا يمنع من وقوع الجريمة كونهم في مجتمع تعليمي كالجامعة والمدرسة وجرائم الاغتصاب التي ارتفعت معدلاتها ارتفاعا ملحوظا في الآونة الأخيرة لم تقع في مجتمع يسود فيه الكبت ومنع الحريات بل تأتي في مجتمع يموج بالفوضى الخلقية والانفلات السلوكي والفكري ومع ذلك فمعدلات الجريمة في تزايد مستمر ) ([47]).
وقد وصل الاغتصاب حتى للمستويات العليا الذي يقال أنهم قد بلغوا مستوى من الإدراك والعلم وهي مرحلة الدكتوراة ، تقول الأستاذة المساعدة لعلم النفس في ولاية نيويورك والتي حصلت على درجة الدكتوراة بعد التضحية بعرضها لرئيسها المباشر ، تقول : ( وقد كنت أول امرأة تدخل إلى هذه الوظيفة ..ولولا رضوخي ذلك لما كانت هناك امرأة في هذه الدرجة !!) ([48]) .
ودعاة السفور والاختلاط يعرفون هذه الحقيقة ولكن يا ترى ما جوابه في ذلك ، يقول الدكتور محمد إسماعيل المقدم : ( لما وقعت فتنة الاختلاط بالجامعة المصرية ، كان ما كان من حوادث يندى لها الجبين ، ولما سئل طه حسين عن رأيه في هذا ، قال : لابد من ضحايا ، ولكنه لم يبين بماذا تكون التضحية ؟ وفي سبيل ماذا ؟ لابد من ضحايا ؟! وأي ثمرة يمكن أن تكون أغلى وأثمن من أعراض المسلمين ؟!! ) ([49]) .
10 ـ التمييز على أساس الجنس .
ففي المدارس المختلطة يكون الاهتمام، وتكون الحظوة عند المعلمين - في الغالب - للطلاب على حساب الطالبات، وفرص المشاركة في الإجابات، والحصول على المنح، وغيرها من الأمور التي تأتي لصالح الطلاب. ونذكر هنا مثالين من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، للتأكيد على هذا التحيز الجنسي :
- ففي بريطانيا: ( أكدت الباحثة في صحيفة التايم (جانيت ديلي). ، أن اعتماد الاختلاط بين الجنسين في المدارس ما هو إلا مؤامرة معادية للإناث، وذلك في دراسة أشارت فيها إلى عدة أمور، منها:
أ – أن المراقبة المنتظمة على المدرسين في الفصول المختلطة، أظهرت أنهم يعطون قدراً من الوقت والاهتمام لتلاميذهم الذكور، أكثر مما يعطونه للإناث.
ب – في المواد الرياضية والعلمية التي تتطلب استعمالاً مشتركاً للأجهزة، تبين أن الذكور يسيطرون على فرص استخدام الأجهزة، أكثر من الإناث اللاتي يجبرن على التفرج فقط. ويساعد على هذا ميل الإناث إلى الإذعان، وخوفهن من ازدراء الذكور لهن، أو بسبب قابليتهن لإشباع غرور الذكور .
ج – يلاحظ أن العائلات الآسيوية في بريطانيا، تصر على أن تدرس بناتها في مدارس غير مختلطة، استناداً إلى خلفيات دينية – حسب تعبير الباحثة –؛ لذا فإنه ليس من قبيل المصادفة أن تكون الفتيات الآسيويات، أفضل البنات درجات وخيرهن نتائج آخر العام الدراسي.
د – إن تجربة مدرسة (شينفيلد) في مقاطعة (إيسكس) - التي لا يختلط فيها الطلاب من الجنسين - تعتبر تجربة مشرفة، ومع نجاحها فقد هاجمها (الاتحاد الوطني للمعلمين)، الذي قال: إن المدرسة تسهم في إيجاد مناخ مصطنع لا يتواءم وطبيعة المجتمع البريطاني.
ثم تؤكد هذه الباحثة إدانتها للمدارس المختلطة، وتقول: (إن المدارس غير المختلطة أقدر على استخراج الذكاء والفطنة من البنات والبنين ، وتريحهم من التكلف التافه في الاختلاط) ([50]).
- وفي الولايات المتحدة: ( يواجه الأولاد والبنات توقعات متناقضة حول موضوع تشجيعهم للرياضيات، أو ممارسات الألعاب الرياضية، أو على تعلم الحاسب الآلي، ولكنهم يختلفون – أيضاً – في كمية ونوعية التعليم الذي يتلقونه في المدارس العامة، وذكر التقرير – الذي صدر عن دراسة أجريت على 3000 طالبة من كل أنحاء أمريكا حول هذا الموضوع في عام (1410هـ (1990م ) – أن الأولاد والبنات يدخلون المدارس العامة متساوين تماماً من حيث القدرات، ولكن البنات يظهرن متأخرات 12 عاماً عن زملائهن من الأولاد الذين معهن في نفس الفصل الدراسي، في الرياضيات والعلوم، وحتى على احترام الذات!. وأضاف التقرير يقول: إن الأولاد الذكور يسترعون انتباه مدرسيهم أكثر من البنات، وأن إمكانية حصولهم على منح دراسية جامعية أكثر من اللائي يتساوين معهم في الدرجات العلمية، أو أحسن منهن بقليل.
فقد أشار هذا التقرير إلى أن الاحترام الذاتي لدى البنات انخفض بحوالي 40% فيما بين مرحلتي التعليم الابتدائي والتعليم العالي، مقارنة بنسبة انخفاض 20% لدى الأولاد.
كما أشار هذا التقرير إلى أن البنات يتلقين اهتماماً من مدرسيهن أقل بصورة واضحة مما يتلقاه الأولاد. فالمدرسون – مثلاً – ينصتون عندما يصيح الأولاد في المدارس الابتدائية والمتوسطة بصوت عال، وبلا استئذان، ولكنهم – في المقابل – يوجهون اللوم للبنات إذا فعلن ذلك!!.
كما أشار التقرير إلى ارتفاع المتوسط للمستوى العلمي في الرياضيات لدى الأولاد بالمدرسة العليا من 2,61 إلى 3,04 من عام (1402هـ /1982م إلى عام 1407هـ/1987م)، ولكن ارتفع المتوسط نفسه لدى البنات من 2,46 إلى 2,93 .
وذكر التقرير أن المنح الدراسية عندما تمنح على أساس حصر اختبارات الجدارة الدراسية، نجد أن الأولاد أكثر جدارة للحصول على المنح الدراسية من البنات اللائي يحصلن على درجات دراسية مساوية، أو أحسن بقليل من الأولاد.
وذكرت رئيسة الاتحاد الأمريكي للاتحاد التعليمي النسائي الجامعي (إليس مكي) ، أن ما تضمنه هذا التقرير من حقائق تعتبر هائلة، فهو يمثل حقيقة دامغة على أن البنات لا يتلقين نفس النوعية والكمية من التعليم التي يتلقاها إخوانهن من الأولاد.
كما أن التحالف الوطني لمدارس البنات قد أشاد بهذا التقرير بقوله: لقد أظهر التقرير - مرة أخرى - أن البنات يعاملن - على الصعيد التعليمي - كمواطنات من الدرجة الثانية في بيئات التعليم المختلط.
وأخيراً فقد ذكرت مجموعة المدارس السبعة والخمسين من المدارس الحكومية والأهلية – التي جميع تلاميذها من البنات فقط – (أن الأبحاث أوضحت أن البنات اللواتي يلتحقن بالمدارس المخصصة للبنات فقط، يكسرن الأفكار المقولبة التقليدية، ويتفوقن على البنات اللواتي يتلقين تعليمهن في مدارس مختلطة) ([51]).
11 ـ ترك الدراسة :
قد يصل ببعض الفتيات إلى ترك الدراسة من جراء ما قد يصيبها من تحرشات جنسية أو اغتصاب أو اجحاف في الحقوق ونحو ذلك ، قالت شبكة [سي.إن.إن ] الإخبارية الأمريكية: إنه بسبب كثرة تعرض الفتيات لعمليات اغتصاب، فإن الكثيرات منهن يرفضن الذهاب إلى المدرسة مرة أخرى؛ لأن المئات من هذه الحالات - أي حالات الاغتصاب - توجد الآن في جنوب إفريقيا.
وأوردت صحيفة المدينة ([52]) خبراً جاء فيه: (( إن بعض طالبات إحدى المدارس الثانوية بغرب باريس، رفضن الدراسة في فصول مختلطة مع الشباب، وقررن الانقطاع عن الدراسة؛ حتى يتم تلبية مطالبهن، بإبعادهن عن الاختلاط، ووجهة نظرهن أنه غير مجد.
وقد رضخت السلطات للأمر، وأمرت بإبعاد الطالبات عن الطلبة مؤقتاً؛ ريثما يتم البحث عن حلول كفيلة تجاه المشاكل التي جلبها الاختلاط غير المشروع)).
12 ـ ضعف الحياء أو زواله لدى الطالبات :
يقول الطالب أحمد مصطفى بتقنية المعلومات بالكلية : ( ..إن أهم سلبياته ـ الاختلاط في التعليم الجامعي ـ من وجهة نظري إن «البنت فيه تفقد حياءها» وهذا أهم ما يميز الفتاة: الحياء والخجل لكنك في الاختلاط تجد الفتيات يضحكن ويقهقهن بصوت عال ويتحدثن مع الشباب في كل الموضوعات: الحب والعمل والزواج والطلاق وبشكل صريح وهذا يجعل الفتيات أكثر جرأة وقد تكون أكثر إقبالا على حياة اللهو أو لا قدر الله الانحراف الأخلاقي حيث إنني شاهدت في كليات كثيرة داخل وخارج الإمارات مشاهد لا تليق بالعادات والتقاليد والقيم العربية نتيجة لهذا الاختلاط الذي أحيانا ما يزيد عن حده ولذلك ترفضه الكثير من الأسر في الإمارات، وباختصار فإن للاختلاط الكثير من السلبيات والتي تتصل مباشرة بالأخلاق! ([53]) .
13 ـ الحرج من طرح بعض الموضوعات المهمة ([54]) .
يحتاج المعلم أو المعلمة أحيانا من طرح موضوعات خاصة بكل جنس مما يجد الحرج من طرحها إذ الجميع في مكان واحد ، مما يثير حياء بعض الطالبات ونظرات بعض الطلاب أو ضحكاتهم ونحو ذلك من التصرفات المريبة .
14 ـ العنف بكافة صوره وأشكاله .
من آثار الاختلاط الاعتداء على الطالبات إما بالضرب أو القتل وهذا يحدث كثيرا فمن تلك الحقائق :
سبب الاختلاط مخاطر كثيرة تتعرَّض لها الطالبات،ولذا أصدر مجلس النوَّاب الأمريكي قرار حقوق الطلاب لعام 1990م الذي يتضمَّن أمن الكليات والجامعات. وفي عام 1992م عدّل مجلس النواب القرار ليشمل ضحايا الاعتداءات الجنسية، والذي يتطلَّب من الجامعات والكليات أن تشتمل تقاريرهم السنوية، سياساتهم المتعلقة بالتعريف بالاعتداءات الجنسية وكيفية منعها وتوفير الحقوق الأساسية لضحايا الاعتداءات الجنسية.
وعُدِّل القانون مرة أخرى ليشمل الالتزامات بتقديم تقارير إضافية تشمل زيادة الإجراءات الأمنية بالحرم الجامعي ومتطلبات سجل يومي بالجرائم. وفي عام 1999 م قدَّمت وزارة العدل 8.1 مليون دولار إلى 21 كلية وجامعة لمنع ومقاومة الاعتداء الجنسي والعنف والمطاردة، وفي عام 2000م تمّ منح جامعات وكليات أخرى 6.8 مليون دولار ([55]) .
ومما يدل على ذلك أن المجتمع الأمريكي ضاعف الإجراءات الأمنية بالحرم الجامعي ، ففي عام 1999م قدَّمت وزارة العدل 8.1 مليون دولار إلى 21 كلية وجامعة لمنع ومقاومة الاعتداء الجنسي والعنف والمطاردة، وفي عام 2000م تمّ منح جامعات وكليات أخرى 6.8 مليون دولار.
( ولعل الحادث المأساوي الذي وقع في يوم 26 مارس 1998 حين قام صبيان أمريكيان بإطلاق النار على عشرات التلاميذ في مدرسة إعدادية بولاية أركنسو الأمريكية مما أدى إلى مقتل 4 تلميذات ومعلمة وإصابة 10 آخرين بجروح ..وأوضحت التقارير الأخبارية أن أسباب إطلاق النار ؛ هو أحدى الفتيات التي تركت صديقها ، فقام بالانتقام منها بهذه الطريقة الوحشية ) ([56])
(( وأقدم طالب أمريكي يبلغ من العمر 19 عاماً على إطلاق النار على أستاذه، داخل إحدى قاعات الدروس - في إحدى المدارس – في كاليفورنيا فأرداه قتيلاً على الفور، وذكر بيان لرجال الشرطة أن خلافاً قديماً كان قد نشب بين الطالب وأستاذه بسبب التنافس على حب إحدى الطالبات )) ([57]).
15 ـ دراسة موضوعات تكون مناسبة لجنس دون الآخر والعكس .
من المعلوم أن هناك فروقا بين الرجال والنساء فهناك موضوعات مهمة للمرأة لا تناسب الرجل والعكس أيضا ، وإذا صار التعليم مختلطا تولدت هذه المشكلة ، جاء في كتاب ( جنس الدماغ ) : ( عن النساء يتم التحكم باللغة والمهارات المكانية بواسطة مراكز موجودة في كلا الجانبين من الدماغ ولكن أماكن هذه المهارات عند الرجال تكون أكثر تحديدا في موقعها ، فالجانب الأيمن للمهارات المكانية والأيسر للمهارات اللفظية ..ففي النساء يمكن تقسيم وظائف الدماغ بين الجانبين الأيمن والأيسر أقل وضوحا وتمركزاً فكلا جانبي الدماغ يشتركان في القدرات اللفظية والبصرية ..وأدمغة الرجال أكثر تخصصا في وظائفها ) وتؤكد الدراسات بأن ( الفروق في تنظيم الدماغ عند الرجال والنساء يؤدي إلى فروق في الفاعلية التي يستطيعون بها أداء مهمات معينة ) [ص61] ، وكثيرة هي الفروق التي ذكرها المؤلفان في هذا الكتاب ، ثم يؤكدان بأن من مشاكلنا ( نعمد فعليا إلى تعليم الفتيات والأولاد بأسلوب متطابق.........) [ص 144 ] ([58])
16 ـ انتشار الزواج العرفي بين الطلاب والطالبات .
( الزواج العرفي بين طلبة الجامعات أصبح قضية الساعة وأصبح أيضا ظاهرة اجتماعية مفزعة تسئ إلى سمعة الأسر المصرية وتسئ إلى سمعة الجامعات والكليات المختلفة وتزلزل بنيان الأخلاق والفضيلة ؛ لأن الزواج في هذه الحالات ما هو إلا نزوة عابرة تتم دون أخذ رأي الأهل أو الوالدين أو ولي الأمر ويتم دون مهر أو توفير مسكن ودون توفير متطلبات الحياة ؛ لأن الزواج مازال طالبا بالجامعة !! وفي حالة الحمل يتم الإجهاض أو يرمي الطفل في ملاجئ اللقطاء وتكون الضحية هي الفتاة المراهقة التي سلمت نفسها لذئب غادر .
إنها لجريمة أخلاقية ونذير شؤوم بانحلال المجتمع فالظاهرة المفزعة تنتشر كانتشار النار في الهشيم والإحصائيات التي بين يدي تبين أن ما يقرب من 175 ألف طالبة تم زواجهن عرفيا فإلى متى ننتظر ؟!! هل ننتظر إلى أن يبلغ السيل الزنى؟!! ...إن القضاء على هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة يتمثل في إعادة النظر بالنسبة للتعليم المختلط في الجامعات المصرية فاختلاط الجنسين في الجامعات وفي سن المراهقة واشتعال الغرائز هو أصل الفساد فلا يمكن أن نضع الزيت بجانب النار ونضمن السلامة أو نضع الذئب بجانب الشاة ونضمن السلامة ، والدليل على صحة كلامي أن الزواج العرفي يكاد ينعدم بين طلاب جامعة الأزهر لعدم الاختلاط ) ([59]) .
17 ـ الجوع الجنسي لدى الطلاب والطالبات .
( نقلت جريدة الأحد اللبنانية في العدد [650] عن الفضائح الجنسية في الجامعات والكليات الأمريكية ، ماذا قالت الجريدة بالحرف الواحد ؟ ( الفضائح الجنسية في الجامعات والكليات الأمريكية بين الطلبة والطالبات تتجدد وتزداد كل عام ..وقال عميد الجامعة معقبا على حدث جنسي شاذ قائلا : إن معظم الطلاب والطالبات يعانون جوعاً جنسيا رهيبا ، ولا شك أن الحياة العصرية الراهنة لها أكبر الأثر في تصرفات الطلاب الشاذة )
ونقلت الجريدة عن المربية الاجتماعية ( مرغريت سميث ) حديثا قالت فيه : ( إن الطالبة لا تفكر إلا بعواطفها ، والوسائل التي تتجاوب مع هذه العاطفة ، إن أكثر من ستين بالمائة من الطالبات سقطن في الامتحانات ، وتعود أسباب الفشل إلى أنهن يفكرن في الجنس أكثر من دروسهن وحتى مستقبلهن ..... وأن 10 % منهن ما زلن محافظات ) ([60]) .
18 ـ تقيد حرية الطالبة .
مما لا شك فيه إن ( إحساس المرأة بالحرية وهي وسط مجموعة من بنات جنسها ..واضح لا يحتاج إلى حديث طويل ، وبيان مسهب ، ويلاحظه أي رجل يدخل مجتمعاً نسائيا ، حيث تتوقف النسوة عن الحديث ، ويفتقدن الحرية التي كن يشعرن بها .
ويظهر جلياً إحساسهن بأن دخول الرجل عليهن ..أوجد ما يشبه القيد على حرية تبادلهن الحديث ..بل وجلوسهن ..وضعهن عامة وهذا ما عبرت عنه قاضية سويدية اسمها ( بر يجيدا أولف هامر ) طافت عواصم الشرق ومدنه وقراه ، ودرست ـ لحساب الأمم المتحدة ـ مشاكل المرأة الشرقية العربية على الطبيعة ، فقد قالت هذه القاضية : إن المرأة الشرقية في قطاعات كثيرة من الحياة ، أكثر حرية من المرأة السويدية ، لأن الحرية ـ كما تقول ـ هي أن يكون للإنسان عالمه الخاص المستقل ، على العكس من حال المرأة السويدية ..التي ليس لها عالم لم يشاركها فيه الرجل ) ([61]) .
19 ـ انتشار الأمراض الجنسية بين الطلاب والطالبات .
الاختلاط في التعليم أصبح سبباً لانتشار مرض الإيدز، (( ففي سوازيلاند قرر المسؤولون إلقاء اللوم على التنورات القصيرة في انتشار مرض الإيدز. ويدعي هؤلاء المسؤولون أن فتيات المدارس اللاتي يرتدين هذه التنورات القصيرة، يعملن على إغواء مدرسيهن؛ مما يعرض المزيد من الناس لخطر مرض الإيدز. ويقول متحدث باسم وزارة التعليم في سوازيلاند: نحن نعيش في زمن صعب؛ بسبب تفشي فيروس مرض الإيدز، ونحتاج – كذلك – إلى معالجة مسألة اللبس وسط الطلاب والطالبات؛ لأن مرض الإيدز بدأ من هناك ([62]).
وبدءاً من العام القادم سيطلب من الطالبات فوق سن العاشرة ارتداء تنورات تغطي الركبتين )) ([63]).
المبحث الخامس
الفصل بين الجنسين رغبة الأغلبية العظمى
مما يلاحظ رغبة الطلاب والطالبات بانعزال كل واحد منهما عن الآخر ، فقد قال ( البروفيسور أميليو أفيانو ) : ( أن الأولاد يفضلون الفصل في الدراسة حتى لا يتحتم عليهم الالتزام ببعض التصرفات التي يرونها ضرورية في حضور الفتيات ، والأمر نفسه صحيح بالنسبة للفتيات حيث يعتبرن الاختلاط معرقلا لتقدمهن الدراسي ويضيع ويهدر كثيرا من وقتهن في التزين) ([64]) .
وأوردت صحيفة المدينة ([65]) خبراً جاء فيه: (( إن بعض طالبات إحدى المدارس الثانوية بغرب باريس، رفضن الدراسة في فصول مختلطة مع الشباب، وقررن الانقطاع عن الدراسة؛ حتى يتم تلبية مطالبهن، بإبعادهن عن الاختلاط، ووجهة نظرهن أنه غير مجد.
وقد رضخت السلطات للأمر، وأمرت بإبعاد الطالبات عن الطلبة مؤقتاً؛ ريثما يتم البحث عن حلول كفيلة تجاه المشاكل التي جلبها الاختلاط غير المشروع)).
كما أوردت وكالات الأنباء العالمية أن ثورة بدأت في معهد ((ميلز أوكلند)) النسائي، الخاص بولاية كاليفورنيا، حيث ترفض الغالبية العظمى من الطالبات القبول بانضمام شبان إلى المعهد ابتداء من العام المقبل.
وكانت هذه المؤسسة الجامعية المعروفة بهدوئها، والمتخصصة في الدراسات الفنية، تعج بالمظاهرات، في وقت بدأ فيه إضراب شامل عن الدروس، واستقبلت رئيسة الجامعة بالاعتراضات وصرخات الاحتجاج.
وسوغ مجلس الإدارة قراره – بوضع حد لسياسة عدم الاختلاط بين الجنسين التي يتبعها منذ 138عاماً – بضرورة رفع عدد الطلاب المسجلين في المعهد، ولا توجد - حالياً – سوى( 777 ) طالبة، في حين أن المطلوب هو( 1000) طالبة على الأقل؛ لتغطية كلفة المعهد.
وقالت إحدى الطالبات –التي عبرت عن معارضتها للقرار بحلق شعرها-: (لم أكن قادرة على التفكير بأنهم سيتجاهلوننا إلى هذا الحد). وأعرب الكثير من الفتيات عن رغبتهن في مغادرة الجامعة )) ([66]).
(( وما دامت تغطية تكاليف المعهد هي المبرر الذي ذكر مجلس الإدارة أنه وراء إصداره قرار قبول الطلبة الذكور، فقد استنفرت الطالبات، وبدأن في جمع التبرعات للمعهد، ونجحن خلال أسبوعين من جمع ثلاثة ملايين دولار للجامعة. وكسبن الجولة مع إدارة الجامعة، وعدل مجلس الإدارة عن قراره بفتح أبواب الجامعة أمام الذكور؛ لترجع الجامعة غير مختلطة، مقتصرة على الطالبات فقط.
وهذه الحادثة تشير إلى قوة الدافع في نفوس الطالبات برفض اختلاط الطلبة الذكور بهن في الجامعة. وتتأكد قوة الدافع الفطري في أمور هي:
- الإضراب الشامل عن الدروس.
- تظاهرات احتجاج شديدة وعنيفة.
- بذل جهود كثيفة لجمع ثلاثة ملايين دولار في زمن قياسي.
- إعراب كثير من الفتيات عن رغبتهن في مغادرة الجامعة ([67]).
ويوجد في كاليفورنيا معهدان نسائيان آخران، في حين أن عدد المعاهد والكليات المماثلة في كل الولايات المتحدة تبلغ المئات، وتلقى إقبالاً كبيراً من الفتيات في متابعة دراستهن فيها ([68]).
( وتقدمت الطالبات في أربع كليات في جامعتي أوكسفورد وكامبردج الشهيرتين في إنجلترا يطلبن المحافظة على وضع الكليات وعدم السماح للطلبة الالتحاق بها ) ([69]) .
وفي دولة عربية شقيقة ( الكويت ) جرى فيها حوارات ولقاءات في هذه القضية وكان ( معظم طلبة الجامعة يعارضون الاختلاط ما بين الجنسين وأكبر دليل على ذلك نتائج الانتخابات السنوية التي يصوت فيها الآلاف من الطلبة تجاه ممثليهم من معارضي الاختلاط موضحا أن نتائج التصويت البرلماني على قانوني منع الاختلاط في جامعة الكويت والجامعا الخاصة أكبر دليل على أن التوجه الشعبي مع منع الاختلاط ) ([70]) .
ويقول الدكتور بسام خضر الشطي : ( أجري في الجامعة أكثر من استبيان حول الجامعات المختلطة فكانت النتائج أن 93 % لا يرغبون في الاختلاط ، ولو أتيحت لهم فرصة وخيار آخر لجامعة غير مختلطة للجأوا إليها ) ([71]) .
وفي دراسة الأستاذة فاطمة مناصرة جاء فيها :
( السؤال الأول : هل يعد الاختلاط في الدراسة بنظرك مشكلة ؟
ـ أجاب 77 % من الطلاب والطالبات بنعم . )(48/5)
وأخيرا ..وبعد هذا العرض ...أيليق أن يبقى أناس يجرون الأمة إلى مستنقع الاختلاط القاتل للقيم والمبادئ والأخلاق ..وهذه تجارب أقوام ..واعترافاتهم ، فلماذا لا نتعظ من هذا الدرس العملي الذي رأيناه من خلال الدراسات والاعترافات .
نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين وأن يكفينا شر أنفسنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه .
ملحق بفتاوى العلماء
حكم الاختلاط في التعليم([72])
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد اطلعت على ما نشرته جريدة السياسة الصادرة يوم 24 / 7 / 1404 هـ بعددها 5644 منسوبا إلى مدير جامعة صنعاء عبد العزيز المقالح, الذي زعم فيه أن المطالبة بعزل الطالبات عن الطلاب مخالفة للشريعة.
وقد استدل على جواز الاختلاط بأن المسلمين من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يؤدون الصلاة في مسجد واحد، الرجل والمرأة وقال (ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد)، وقد استغربت صدور هذا الكلام من مدير لجامعة إسلامية في بلد إسلامي يطلب منه أن يوجه شعبه من الرجال والنساء إلى ما فيه السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولا شك أن هذا الكلام فيه جناية عظيمة على الشريعة الإسلامية؛ لأن الشريعة لم تدعُ إلى الاختلاط حتى تكون المطالبة بمنعه مخالفة لها، بل هي تمنعه وتشدد في ذلك كما قال الله تعالى (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )) (الأحزاب:33) ، وقال تعالى (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )) (الأحزاب:59)
وقال سبحانه (( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ )) (النور:31) إلى أن قال سبحانه (( وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ))
وقال تعالى (( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )) (الأحزاب:53) ، وفي هذه الآيات الكريمات الدلالة الظاهرة على شرعية لزوم النساء لبيوتهن حذرا من الفتنة بهن، إلا من حاجة تدعو إلى الخروج، ثم حذرهن سبحانه من التبرج تبرج الجاهلية، وهو إظهار محاسنهن ومفاتنهن بين الرجال،
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )) متفق عليه من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه وخرجه مسلم في صحيحه عن أسامة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنهما جميعا،
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )) ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الفتنة بهن عظيمة، ولا سيما في هذا العصر الذي خلع فيه أكثرهن الحجاب، وتبرجن فيه تبرج الجاهلية، وكثرت بسبب ذلك الفواحش والمنكرات وعزوف الكثير من الشباب والفتيات عما شرع الله من الزواج في كثير من البلاد، وقد بين الله سبحانه أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع فدل ذلك على أن زواله أقرب إلى نجاسة قلوب الجميع وانحرافهم عن طريق الحق، ومعلوم أن جلوس الطالبة مع الطالب في كرسي الدراسة من أعظم أسباب الفتنة، ومن أسباب ترك الحجاب الذي شرعه الله للمؤمنات ونهاهن عن أن يبدين زينتهن لغير من بينهم الله سبحانه في الآية السابقة من سورة النور، ومن زعم أن الأمر بالحجاب خاص بأمهات المؤمنين فقد أبعد النجعة وخالف الأدلة الكثيرة الدالة على التعميم وخالف قوله تعالى (( ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )) فإنه لا يجوز أن يقال، إن الحجاب أطهر لقلوب أمهات المؤمنين ورجال الصحابة دون من بعدهم ولا شك أن من بعدهم أحوج إلى الحجاب من أمهات المؤمنين ورجال الصحابة رضي الله عنهم لما بينهم من الفرق العظيم في قوة الإيمان والبصيرة بالحق فإن الصحابة رضي الله عنهم رجالا ونساء ومنهن أمهات المؤمنين هم خير الناس بعد الأنبياء وأفضل القرون بنص الرسول صلى الله عليه وسلم المخرج في الصحيحين، فإذا كان الحجاب أطهر لقلوبهم فمن بعدهم أحوج إلى هذه الطهارة أشد افتقارا إليها ممن قبلهم ولأن النصوص الواردة في الكتاب والسنة لا يجوز أن يخص بها أحد من الأمة إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص فهي عامة لجميع الأمة في عهده صلى الله عليه وسلم وبعده إلى يوم القيامة لأنه سبحانه بعث رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين في عصره وبعده إلى يوم القيامة كما قال عز وجل (( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا )) وقال سبحانه (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا )) وهكذا القرآن الكريم لم ينزل لأهل عصر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أنزل لهم ولمن بعدهم ممن يبلغه كتاب الله كما قال تعالى (( هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ))
وقال عز وجل (( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ )) الآية وكان النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يختلطن بالرجال لا في المساجد ولا في الأسواق الاختلاط الذي ينهى عنه المصلحون اليوم ويرشد القرآن والسنة وعلماء الأمة إلى التحذير منه حذرا من فتنته بل كان النساء في مسجده صلى الله عليه وسلم يصلين خلف الرجال في صفوف متأخرة عن الرجال وكان يقول صلى الله عليه وسلم (( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ))
حذرا من افتتان آخر صفوف الرجال بأول صفوف النساء وكان الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم يؤمرون بالتريث في الانصراف حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئلا يختلط بهن الرجال في أبواب المساجد مع ما هم عليه جميعا رجالا ونساء من الإيمان والتقوى فكيف بحال من بعدهم وكانت النساء ينهين أن يتحققن الطريق ويؤمرن بلزوم حافات الطريق حذرا من الاحتكاك بالرجال والفتنة بمماسة بعضهم بعضا عند السير في الطريق وأمر الله سبحانه نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن حتى يغطين بها زينتهن حذرا من الفتنة بهن، ونهاهن سبحانه عن إبداء زينتهن لغير من سمى الله سبحانه في كتابه العظيم حسما لأسباب الفتنة وترغيبا في أسباب العفة والبعد عن مظاهر الفساد والاختلاط،
فكيف يسوغ لمدير جامعة صنعاء هداه الله وألهمه رشده بعد هذا كله، أن يدعو إلى الاختلاط ويزعم أن الإسلام دعا إليه وأن الحرم الجامعي كالمسجد، وأن ساعات الدراسة كساعات الصلاة، ومعلوم أن الفرق عظيم، والبون شاسع، لمن عقل عن الله أمره ونهيه، وعرف حكمته سبحانه في تشريعه لعباده، وما بين في كتابه العظيم من الأحكام في شأن الرجال والنساء، وكيف يجوز لمؤمن أن يقول إن جلوس الطالبة بحذاء الطالب في كرسي الدراسة مثل جلوسها مع أخواتها في صفوفهن خلف الرجال، هذا لا يقوله من له أدنى مسكة من إيمان وبصيرة يعقل ما يقول، هذا لو سلمنا وجود الحجاب الشرعي، فكيف إذا كان جلوسها مع الطالب في كرسي الدراسة، مع التبرج وإظهار المحاسن والنظرات الفاتنة والأحاديث التي تجر إلى فتنة،
فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله قال الله عز وجل (( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ))
وأما قوله : ( والواقع أن المسلمين منذ عهد الرسول كانوا يؤدون الصلاة في مسجد واحد الرجل والمرأة ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد )
فالجواب عن ذلك أن يقال : هذا صحيح ، لكن كان النساء في مؤخرة المساجد مع الحجاب والعناية والتحفظ مما يسبب الفتنة ، والرجال في مقدم المسجد ، فيسمعن المواعظ والخطب ويشاركن في الصلاة ويتعلمن أحكام دينهن مما يسمعن ويشاهدن ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في يوم العيد يذهب إليهن بعد ما يعظ الرجال فيعظهن ويذكرهن لبعدهن عن سماع خطبته ، وهذا كله لا إشكال فيه ولا حرج فيه وإنما الإشكال في قول مدير جامعة صنعاء- هداه الله وأصلح قلبه وفقهه في دينه- : ( ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد ) فكيف يجوز له أن يشبه التعليم في عصرنا بصلاة النساء خلف الرجال في مسجد واحد ، مع أن الفرق شاسع بين واقع التعليم المعروف اليوم وبين واقع صلاة النساء خلف الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم ، ولهذا دعا المصلحون إلى إفراد النساء عن الرجال في دور التعليم ، وأن يكن على حدة والشباب على حدة ، حتى يتمكن من تلقي العلم من المدرسات بكل راحة من غير حجاب ولا مشقة؛ لأن زمن التعليم يطول بخلاف زمن الصلاة؛ ولأن تلقي العلوم من المدرسات في محل خاص أصون للجميع وأبعد لهن من أسباب الفتنة ، وأسلم للشباب من الفتنة بهن ، ولأن انفراد الشباب في دور التعليم عن الفتيات مع كونه أسلم لهم من الفتنة فهو أقرب إلى عنايتهم بدروسهم وشغلهم بها وحسن الاستماع إلى الأساتذة وتلقي العلم عنهم بعيدين عن ملاحظة الفتيات والانشغال بهن ، وتبادل النظرات المسمومة والكلمات الداعية إلى الفجور .
وأما زعمه- أصلحه الله- أن الدعوة إلى عزل الطالبات عن الطلبة تزمت ومخالف للشريعة ، فهي دعوى غير مسلمة ، بل ذلك هو عين النصح لله ولعباده والحيطة لدينه والعمل بما سبق من الآيات القرآنية والحديثين الشريفين ، ونصيحتي لمدير جامعة صنعاء أن يتقي الله عز وجل وأن يتوب إليه سبحانه مما صدر منه ، وأن يرجع إلى الصواب والحق ، فإن الرجوع إلى ذلك هو عين الفضيلة والدليل على تحري طالب العلم للحق والإنصاف . والله المسئول سبحانه أن يهدينا جميعا سبيل الرشاد وأن يعيذنا وسائر المسلمين من القول عليه بغير علم ، ومن مضلات الفتن ونزغات الشيطان ، كما أسأله سبحانه أن يوفق علماء المسلمين وقادتهم في كل مكان لما فيه صلاح البلاد والعباد في المعاش والمعاد ، وأن يهدي الجميع صراطه المستقيم إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
الاختلاط بين الرجال والنساء ([73])
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه ويطلع عليه من إخواني المسلمين وفقني الله وإياهم لفعل الطاعات وجنبني وإياهم البدع والمنكرات . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . أما بعد :
فمن واجب النصح والتذكر أن أنبه على أمر لا ينبغي السكوت عليه بل يجب الحذر منه والابتعاد عنه وهو الاختلاط الحاصل من بعض الجهلة في بعض الأماكن والقرى مع غير المحارم لا يرون بذلك بأسا بحجة أن هذا عادة آبائهم وأجدادهم وأن نياتهم طيبة فتجد المرأة مثلا تجلس مع أخي زوجها أو زوج أختها أو مع أبناء عمها ونحوهم من الأقارب بدون تحجب وبدون مبالاة .
ومن المعلوم أن احتجاب المرأة المسلمة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دل على وجوبه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح ، قال الله سبحانه وتعالى : (( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )) وقال تعالى : (( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )) ، وقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )) والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة . قالت أم سلمة رضي الله عنها : ( لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها ) .
وفي هذه الآيات الكريمات دليل واضح على أن رأس المرأة وشعرها وعنقها ونحرها ووجهها مما يجب عليها ستره عن كل من ليس بمحرم لها وأن كشفه لغير المحارم حرام . ومن أدلة السنة (( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( لتلبسها أختها من جلبابها )) رواه البخاري ومسلم . فهذا الحديث يدل على أن المعتاد عند نساء الصحابة ألا تخرج المرأة إلا بجلباب . فلم يأذن لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج بغير جلباب .
وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس » وقالت : لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء ما رأينا لمنعهن من المساجد كما منعت بنوا إسرائيل نساءها فدل هذا الحديث على أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون وأكرمها على الله عز وجل ، وأعلاها أخلاقا وآدابا وأكملها إيمانا وأصلحها عملا ، فهم القدوة الصالحة لغيرهم .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : « كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جاوزونا كشفناه » رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة ففي قولها ( فإذا حاذونا ) تعني ( الركبان ) سدلت إحدانا جلبابها على وجهها دليل على وجوب ستر الوجه؛ لأن المشروع في الإحرام كشفه فلولا وجود مانع قوي من كشفه حينئذ لوجب بقاؤه مكشوفا .
وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة منها الفتنة التي تحصل بمظهر وجهها وهي من كبر دواعي الشر والفساد ومنها زوال الحياء عن المرأة وافتتان الرجال بها . فبهذا يتبين أنه يحرم على المرأة أن تكشف وجهها بحضور الرجال الأجانب ويحرم عليها كشف صدرها أو نحرها أو ذراعيها أو ساقيها ونحو ذلك من جسمها بحضور الرجال الأجانب ، وكذا يحرم عليها الخلوة بغير محارمها من الرجال ، وكذا الاختلاط بغير المحارم من غير تستر ، فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل منها حياء ولا خجل من مزاحمة الرجال ، وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عظيم .
وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم من المسجد وقد اختلط النساء مع الرجال في الطريق فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق )) فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق به من لصوقها . ذكره ابن كثير عند تفسير قوله تعالى : (( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ )) فيحرم على المرأة أن تكشف وجهها لغير محارمها بل يجب عليها ستره كما يحرم عليها الخلوة بهم أو الاختلاط بهم أو وضع يدها للسلام في يد غير محرمها وقد بين سبحانه وتعالى من يجوز له النظر إلى زينتها بقوله : (( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))
أما أخ الزوج أو زوج الأخت أو أبناء العم وأبناء الخال والخالة ونحوهم فليسوا من المحارم وليس لهم النظر إلى وجه المرأة ولا يجوز لها أن ترفع جلبابها عندهم لما في ذلك من افتتانهم بها فعن عقبة ابن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال الحمو الموت )) متفق عليه . والمراد بالحمو أخ الزوج وعمه ونحوهما؛ وذلك لأنهم يدخلون البيت بدون ريبة ولكنهم ليسوا بمحارم بمجرد قرابتهم لزوجها وعلى ذلك لا يجوز لها أن تكشف لهم عن زينتها ولو كانوا صالحين موثوقا بهم؛ لأن الله حصر جواز إبداء الزينة في أناس بينهم في الآية السابقة وليس أخ الزوج ولا عمه ولا ابن عمه ونحوهم منهم وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : (( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم )) والمراد بذي المحرم من يحرم عليه نكاحها على التأييد لنسب أو مصاهرة أو رضاع كالأب والابن والأخ والعم ومن يجرى مجراهم " .
وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك لئلا يرخي لهم الشيطان عنان الغواية ويمشي بينهم بالفساد ويوسوس لهم ويزين لهم المعصية . وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما )) رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ومن جرت العادة في بلادهم بخلاف ذلك بحجة أن ذلك عادة أهلهم أو أهل بلدهم فعليهم أن يجاهدوا أنفسهم في إزالة هذه العادة وأن يتعاونوا في القضاء عليها والتخلص من شرها محافظة على الأعراض وتعاونا على البر والتقوى وتنفيذا لأمر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى مما سلف منها وأن يجتهدوا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويستمروا عليه ولا تأخذهم في نصرة الحق وإبطال الباطل لومة لائم ولا يردهم عن ذلك سخرية أو استهزاء من بعض الناس فإن الواجب على المسلم اتباع شرع الله برضا وطواعية ورغبة فيما عند الله وخوف من عقابه ، ولو خالفه في ذلك أقرب الناس وأحب الناس إليه . ولا يجوز اتباع الأهواء والعادات التي لم يشرعها الله سبحانه وتعالى؛ لأن الإسلام هو دين الحق والهدى والعدالة في كل شيء ، وفيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والنهي عما يخالفها والله المسئول أن يوفقنا وسائر المسلمين لما يرضيه وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه جواد كريم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
س/ : قام المركز الإسلامي في مدينتنا بتنظيم محاضرة للنساء ، وقام المحاضر بإلقاء المحاضرة مباشرة من دون حاجز أو حجاب رغم معارضة بعض النساء لذلك وعدم رضاهن ، ورغم وجود نساء كاشفات وجوههن وأيديهن ، وكان بالإمكان إلقاء المحاضرة من وراء ستار ونتيجة لذلك حدث نقاش طويل بين بعض المسلمين عندنا ، خصوصاً وان إدارة المسجد ممثلة في اللجنة المنظمة رفضت أن يقوم أحد طلبة العلم في نفس اليوم بإلقاء محاضرة من وراء حجاب ، وقد زاد من الخصومة أن المحاضر قال : ( إن آية (( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ)) خاصة نزولاً وحكماً بزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يجوز تطبيقها على غيرهن ؟ وقال أيضاً إجابة على سؤال حول الاختلاط : ( إن المحرم شرعاً هو الخلوة فقط ولذلك لا مانع من استضافة المرأة للرجل الأجنبي في حال عدم الخلوة ؟ وقال أيضاًًً : ( أنه لا يرى أن تنتقب المرأة في البلاد الغربية حتى لا تعطي صورة غير مقبولة عن الإسلام )؟
وسؤالنا يا فضيلة الشيخ :
ما رأيكم فيما حدث ؟ وهل يجوز ذلك شرعاً ؟ وما رأيكم فيما قاله المحاضر حول الاختلاط والنقاب ؟ وهل يجوز الإنكار عليه ؟
ج: لا شك أن ما فعله هذا المحاضر لا يجوز في الإسلام فإن وقوف الرجل أمام النساء المتبرجات من أعظم أسباب الفتنة ولو أمنه هذا الرجل لم يأمنه غيره ومتى فتح الباب لهم توصلوا إلى المحظور من النظر المحرم وما يجره من الفواحش ، وقد نهى الله تعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم عن التبرج بقوله (( وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)) (الأحزاب:33) وهذا الخطاب يعم كل المؤمنات لأن الوجه هو مجمع محاسن المرأة وبه تحصل الفتنة ويحصل التقارب ، فإن بقية جسدها قد لا يحصل به تفاوت بين النساء ولا شك أن النساء فتنة لكل مفتون ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( اتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )) ولما أذن لهن في الصلاة في المسجد قال : (( وليخرجن تفلات )).(48/6)
وقال : (( وبيوتهن خير لهن )) وذكرت عائشة أنه يشهد صلاة الفجر نساء متلفعات بمروطهن وقالت عائشة « لو شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثه النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل » ولما أمرهن بالخروج لصلاة العيد قلن : (( إحدانا ليس لها جلباب )) قال : (( لتلبسها صاحبتها من جلبابها)) والجلباب هو الرداء الذي تلتف به امتثالاً لقوله تعالى (( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ )) (الأحزاب:59) فالمرأة إذا تسترت واحتشمت عرف بصفتها وحيائها ودينها فلا يتجرأ أحد أن يؤذيها معاكسة أو مكالمة أو ممازحة ولذلك نهيت المرأة عن السفر بدون محرم حتى لا تتعرض لأذى من ذوي النفوس الرديئة وأما قوله تعالى (( فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ)) (الأحزاب:53) فهو وإن كان خطاباً لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وذلك لوجود العلة التي في قوله تعالى (( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ )) (الأحزاب:32) فإذا كان هذا الطمع في أمهات المؤمنين فلا بد أن يكون في غيرهن بطريق الأولى ، فإن الله اختار لنبيه أفضل النساء وأعفهن ومع ذلك أمرهن بالحجاب ونهاهن عن الخضوع بالقول صيانة لهن ،فغيرهن أولى بالصيانة والتحفظ والبعد عن أسباب العهر والفتنة وعلى هذا فيحرم أن تستضيف المرأة رجلاً أجنبياً ولو كان معه رجال أو معها نساء إذا كان هناك سفور وتبرج وعدم محرم للمرأة ، وقد وردت الأدلة على النهي عن خلوة الرجل بالمرأة إلا مع ذي محرم ، ولم يفرق بين وجود النساء أو الرجال الأجانب ، وعلى هذا فإذا احتيج إلى إلقاء محاضرة للنساء فلا بد من حاجز وستار قوي يمنع من النظر حتى لا تحصل الفتنة ويلزم المرأة أن تستر جميع بدنها بما في ذلك الوجه واليدان أمام الرجال الأجانب ، ولو كانت في بلاد الكفار حتى تظهر شعائر الإسلام وذلك يعطي صورة حسنة عن الإسلام وأهله ولا عبرة بمن استغرب ذلك و أنكره ممن قد يرون المنكر معروفاً والمعروف منكراً والله أعلم .([74])
خطر الاختلاط بين الجنسين في المدارس والجامعات
سئل فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين حفظه الله : شاب يقول إنه من أسرة غنية يدرس في مدرسة مختلط مما ساعده على إقامة علاقات شائنة مع الجنس الآخر وقد غرق في المعاصي . فماذا يفعل حتى يقلع عما هو فيه ؟ وهل له من توبة فماذا يفعل حتى يقلع عما هو فيه ؟ وهل له من توبة ؟ وما شروط هذه التوبة .
فأجاب : في هذا السؤال مسألتان :
الأولى : ما ينبغي أن نوجه للمسئولين في الدول الإسلامية حيث مكنوا شعوبهم من الدراسة في مدارس مختلطة لأن هذا الوضع مخالف للشريعة الإسلامية وما ينبغي أن يكون عليه الملمون .
ولقد قال صلى الله عليه وسلم (( خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها )) وذلك لأن الصف الأول قريب من الرجال والصف الآخر بعيد منهم فإذا كان التباعد بين الرجال والنساء وعدم الاختلاط بينهم مرغباً فيه حتى في أماكن العبادة كالصلاة التي يشعر المصلي فيها بأنه بين يدي ربه بعيداً عما يتعلق بالدنيا فما بالك إذا كان الاختلاط في المدارس ؟ أفلا يكون التباعد وترك الاختلاط أولى ؟ إن اختلاط الرجال بالنساء لفتنة كبرى زينها أعداؤنا حتى وقع فيها الكثير منا .
وفي صحيح البخاري عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه وهو يمكث في مقامه يسيراً قبل أن يقول قالت – نرى والله أعلم – أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال .
إن على المسئولين في الدول الإسلامية أن يولوا هذا الأمر عنايتهم وأن يحموا شعوبهم من أسباب الشر والفتنة فإن الله تعالى سوف يسألهم عمن ولاهم عليه وليعلوا أنهم متى أطاعوا الله تعالى وحكموا شرعه في كل قليل وكثير من أمورهم فإن الله تعالى سيجمع القلوب عليهم ويملؤها محبة ونصا لهم وييسر لهم أمورهم وتدين لهم شعوبهم بالولاء والطاعة .
ولتفكر الأمة الإسلامية حكاماً ومحكومين بما حصل من الشر والفساد في ذلك الاختلاط وأحلى مثال لذلك وأكبر شاهد ما ذكره هذا السائل من العلاقات الشائنة التي نحاول الآن التخلص من آثارها وآثامها .
إن فتنة الاختلاط يمكن القضاء عليها بصدق النية والعزيمة الأكيدة على الإصلاح وذلك بإنشاء مدارس ومعاهد وكليات وجامعات تختص بالنساء ولا يشاركهن فيها الرجال .
وإذا كان النساء شقائق الرجال فلهن الحق في تعلم ما ينفعهن كما للرجال لكن لهن علينا أن يكون حقل تعليمهن في منأى عن حقل تعليم الرجال . وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : جاءت امرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله فقال: (( اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا)) فاجتمعن فأتاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله ..الحديث وهو ظاهر في إفراد النساء للتعليم في مكان خاص إذ لم يقل لهن ألا تحضرن مع الرجال . أسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين عموماً للسير على ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لينالوا بذلك العزة والكرامة في الدنيا والآخرة .
أما المسألة الثانية : فهي سؤال السائل الذي ذكر عن نفسه أنه غارف في المعاصي بإقامة العلاقات الشائنة بالجنس الآخر ، ماذا يفعل وهل له من توبة وما شروطها فإني أبشره أن باب التوبة مفتوح لكل تائب وأن الله يحب التوابين ويغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها قال الله تعالى (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) (الزمر:53).
فإذا تبت عن هذا العمل الذي جرى منك فإن الله تعالى يبدل سيئاتك حسنات يقول الله تعالى (( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً)) (الأحزاب:68-71)
وأما شروط التوبة فهي خمسة :
الشرط الأول : أن تكون التوبة خالصة لله عز وجل لا رياء فيها ولا خشية أحد من المخلوقين وإنما تكون ابتغاء مرضاة الله تعالى لأن كل عمل يتقرب به الإنسان إلى ربه غير مخلص فيه فإنه حابط باطل قال الله تعالى في الحديث القدسي " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيها أحداً غيري تركته وشركه "
الشرط الثاني : أن يندم على ما فعله من الذنب ويتأثر ، ويرى نفسه خاطئا في ذلك حتى يشعر أنه محتاج لمغفرة الله وعفوه .
الشرط الثالث : الإقلاع عن الذنب إن كان متلبساً به لأنه لا توبة مع الإصرار على الذنب فلو قال المذنب إني تائب من الذنب وهو يمارسه لعد ذلك من الاستهزاء بالله عز وجل . إنك لو خاطبت أحداً من المخلوقين وقلت له إنني نادم على ما بدر مني لك من سوء الأدب وأنت تمارس سوء الأدب معه فكأنك تستهزئ به والرب عز وجل أعظم وأجل من أن تدعى أنك تبت من معصية وأنت مصر عليها .
الشرط الرابع : العزم على ألا يعود إلى المعصية في المستقبل .
الشرط الخامس : أن تكون التوبة في وقتها الذي تقبل فيه من التائب بأن تكون قبل أن يعاين الإنسان الموت وقبل أن تطلع الشمس من مغربها فإن كانت بعد طلوع الشمس من مغربها لن تنفع لقوله تعلى : (( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ)) (الأنعام:158) وهذا البعض هو طلوع الشمس من مغربها كذلك عند حضور الموت لأن الله تعالى قال : (( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً )) (النساء:18).
هذه الشروط الخمسة إن تحققت فيك فإن توبتك مقبولة إن شاء الله.
الاختلاط بين الرجال والنساء فتنة كبيرة
س/ سئل فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين حفظه الله :
في الجامعات عندنا بمصر اختلاط شديد بين الطلبة و الطالبات فماذا نفعل ونحن في حاجة لهذه الدراسة لخدمة الإسلام والمسلمين في بلدنا وعدم ترك هذه الأماكن لغير المسلمين يتحكموا بعد ذلك في شئون المسلمين الهامة مثل الطب و الهندسة وغيره ؟
الاختلاط بين الرجال والنساء فتنة كبيرة فتحرزوا منه ما أمكن وأنكروه ما استطعتم نسأل الله لنا ولكم السلامة .([75])
* * *
س / هناك مدارس في بعض البلاد تدعوا إلى التوحيد وإلى الكتاب والسنة غير أن هناك مشكلة وهي أن مدرسي هذه المدارس يعلمون الفتيات والنساء بدون أي حجاب بينهم وبعضهم كاشفات للوجوه . فما نصيحتكم لهؤلاء ؟ وهل يجوز لهم أن يعلموا أولئك الفتيات والنسوة على هذه الصورة ؟ أفيدونا بارك الله فيكم .
ج/ لا يجوز الجمع بن الفتيان والفتيات في محيط واحد ولو كن صغيرات ولا يجوز جمعهم للدراسة مع كون الفتيات متكشفات إذا وصلن إلى سن البلوغ أو نحو ذلك فإن جمعهن مع الصبيان في محيط واحد وسيلة إلى الفتنة وإلى وقوع الفاحشة و المنكر ونحو ذلك .
ونحن نقول : مادام إن هذه المدارس تعلم التوحيد وتعلم القرآن والسنة وتعلم الدين الصحيح فإن كانت هذه المدارس حكومية بخاصة فإن على القائمين بها أن يسعوا عند الحكومة في الفصل بينهم ولا يتخلون عنها ويقولون : لا نتولاها وهي على هذه الحلة . أو يقولون لأولياء الأمور .لا تدخلوا بناتكم فيه واقتصروا على تعليمهم التوحيد في منازلهن وفي بيوتهن .
وأما إذا كانت هذه المدارس أهلية يقوم عليها الأهالي بتبرعات ، منهم من يتبرع بعمله ومنهم من يتبرع بماله ونحو ذلك فإن تغييرها سهل يسير بأن يتفق الأهالي على أن يجعلوها قسمين كأن يكون العلوي للذكور والسفلي للإناث أو يحجزوا بينهم بحاجز ويفصلوا بينهم بفاصل . ويتولى البنات نساء مأمونات ويتولى الذكور رجال مأمونون.وبذلك تتم المصلحة ويزول المنكر إن شاء الله.([76])
س / ما حكم اختلاط الطلبة والطالبات في الدراسة الجامعية في الوقت الحاضر ، وبيان الإضرار التي تنجم عن الاختلاط ؟ ([77])
وقد أجاب على هذا السؤال العديد من أهل العلم فمنهم :
ما قاله فضيلة الشيخ علي بن حسن البولاقي ـ عضو هيئة تحرير الموسوعة الفقهية بوزارة الأوقاف بالكويت ـ : ( لا ينبغي أن يشك مسلم في أن الاختلاط المذكور حرام شرعاً لأنه من محركات الشهوات وعوامل إغرائها وتهييجها .
فليس هو أقل من الأمور التي حرمها الإسلام قصداً إلى تطهير الوسط الاجتماعي كالنظر واللمس والخلوة والتكشف وإظهار الزينة والتطيب والخضوع بالقول وإظهار صوت الخلخال ..) إلى أن قال : ( فاختلاط الطلبة والطالبات في الجامعة في الوقت الحاضر ليس كهذا الاختلاط المأذون فيه ، وقد علم بالتجربة أنه لو فتح هذا الباب لم يكن تقييده بالزام الطالبات الملابس الشرعية والأماكن الخلفية ولا بعدم السير مع الطلبة في ساحة الجامعة وبين طرقاتها وفي الصعود والهبوط على درجات السلم ولا بغير ذلك من القيود .
فالذي يفتي بجواز الاختلاط ويقيد فتواه بالقيود التي تجعله متفقاً مع مبادئ الإسلام لا يكون في فتياه ناظراً إلى الواقع لأن هذا الباب متى فتح ضرب بهذه القيود عرض الحائط ، فالفتيا بهذا خيانة لله والرسول والأمانة وقد قال الله تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )) ( الأنفال:27)
وأما النقطة الثانية وهي بيان الأضرار التي تنجم عن الاختلاط على ضوء تجارب الجامعات المختلطة فهي :
أن يروج في الأمة مستقبلا ما هو رائج في أمم الغرب الآن من فقد الحياء وزوال العفة وغلبة الفواحش فتقع الأمراض السرية كالأوبئة ويتبدد نظام العائلة والبيت ويكثر الطلاق والتفريق ويتربى الشبات والشابات على قضاء الشهوات أحراراً من كل قيد ويضيع الفتية والفتيات خير ما أوتوا من قوة العمل وصحة الجسم في شهواتهم المجاوزة لحدود الاعتدال . )
وقال فضيلة الشيخ أبو الأعلى المودودي ـ رئيس الجماعة الإسلامية في باكستان ـ : ( ..التعليم المختلط قد أسفر في أمريكا وأوربا عن نتائج سيئة تكاد تدمر المجتمعات فيها ، وقد بلغ الأمر فيهما إلى أن ما بين ستين بالمائة وسبعين في المائة من مجموع الفتيات اللواتي يدرسن في المعاهد المختلطة مارسن التجارب الجنسية قبل الزواج ، ونسبة اللواتي يحملن منهن أثناء التعليم مرتفعة جدا ، وكل ذلك بسبب التعليم المختلط ، ونرى الصحف الأمريكية والأوربية تصدر مملوءة بالتقارير والدراسات عن هذه الأحداث ..)
وقال فضيلة الشيخ محمد بن نمر الخطيب ـ رئيس جمعية الرابطة الإسلامية في لبنان ـ : ( إن الاختلاط بهذه الكيفية التي جاء شرحها في السؤال لا يختلف في حرمتها اثنان من المسلمين ولا ينكر مساوئها ومفاسدها من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، وكان ينبغي على إخواننا في الكويت أن يعتبروا بما حصل ويحصل في العالم العربي والإسلامي من فوضى خلقية ومفاسد متعددة لم تترك بيتاً ولا مكانا مما سبب هذا التأخير وهذه النكسات المتواصلة وهذا الذل المخيم على بلاد العرب والمسلمين من جراء مخالفتهم لله عز جل ، ومن أشد هذه المخالفات إثما عند الله هذه الفوضى الخلقية الناشئة من الاختلاط ومن ارتداء النساء للألبسة المغرية تقليدا لفجور الأجانب وانحرافا عن دين الله سبحانه وتعالى ..)
وقال فضيلة الشيخ نجم الدين الواعظ ـ مفتي الديار العراقية ـ ( لقد وردنا سؤالكم ...يتضمن إرادة البعض جواز اختلاط الإناث الذكور الذي لا يجوزه دين من الأديان السماوية ولا سيما دين الإسلام دين الغيرة والشهامة والمروءة والإنصاف ..إني لأعجب من العربي الأبي المسلم المملوء غيرة وشهامة أن يتساهل في أمر الاختلاط بين الجنسين وماذا يحدث عند تقارب النار مع البنزين وهذا لا ينكره منصف ولو بلغ من العمر الثمانين سنة ولقد جائتنا هذه العدوى من الأجنبي .
لا تربط الجرباء حول صحيحة خوفي على تلك الصحيحة تجرب فماذا دهاكم وأنتم عرب خلص معزولون عن الأغيار ..)
وقال فضيلة الشيخ عبدالله القلقيلي ـ مفتي المملكة الأردنية سابقا ـ : ( الاختلاط الذي يكون بجلوس الطالب إلى جانب الطالبة في المقاعد التي يستمع فيها الطلاب الدروس وفي الساحات والذي يتمكن فيه الطلاب من خلوة بعضهم ببعض ، هذا الاختلاط مما لا يبيحه الشرع الإسلامي بل يحظره ويكرهه وينكره ، وذلك لما يؤدي إليه من الفساد وذهاب الفضائل وهتك الحرمات وإنمحاء الآداب ومس الكرامات كما أنه يؤدي إلى امتناع الطلاب عن الدرس والجد في سبيل كسب العلوم والمعارف والانقياد إلى هوى النفس وذلك مما لا نزاع فيه ولا ينكره إلا كل مكابر للباطل منقاد ومناصر ، وأن ما كان كذلك فإن الشرع الإسلامي يمنعه ويحاربه ويمقته كما أنه من المعلوم من الإسلام بالضرورة أن من قواعده سد الذرائع إلى الشرور والمفاسد ..)
وقال فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : ( إن من الغريب أن يوجد في أمة مسلمة عربية اختلاط الجنسين في الجامعات والمدارس مع أن دين الإسلام الذي شرعه الخالق السموات والأرض على لسان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يمنع ذلك منعاً باتا والشهامة العربية والغيرة الطبيعية العربية المملوءة بالأنفة تقتضي التباعد عن ذلك وتجنبه بتاتاً وتجتنب جميع الوسائل المفضية إليه ...)
فهرس الكتاب
المقدمة .....................................................
...
1
المبحث الأول : نتائج الدراسات الغربية ...................
...
6
المبحث الثاني : نتائج الدراسات الإسلامية ................
...
17
المبحث الثالث : أقوال أهل العلم .........................
...
28
المبحث الرابع : آثاره على الطلاب والطالبات ..............
...
30
المبحث الخامس : الفصل بين الجنسين رغبة الغالبية العظمى
...
65
ملحق بفتاوى العلماء ......................................
...
70
(1) أول شرارة قدحت للاختلاط على أرض الإسلام من خلال: المدارس الاستعمارية الأجنبية والعالمية، وتبدأ من رياض الأطفال إلى التعليم الجامعي ، و أول ما فتحت هذه المدارس في بلاد الإسلام في: (لبنان) بإنشاء مدرسة للبنات في الإمبراطورية العثمانية سنة 1830م ؛ لأن البنات سيكن أمهات فإذا تربين في هذه المدارس النصرانية أثرن على أولادهن .. وكانت تُعنَى ببنات الأسر والبيوت الكبيرة اللاتي ستكون لهن السيطرة على الجيل المقبل ، ولهذا قال بعض دعاتهم : إن مدرسة البنات في بيروت هي بؤبؤ عيني . وفي الكويت ، أول مدرسة فُتحت عن طريق الإرسالية الأمريكية للتبشير سنة 1917م ، وقد تولت التدريس فيها مزميلرا ولكن قُوبلت بمعارضة شديدة من قبل الكويتيين مما أضطر إلى إغلاقها ، ثم فُتحت أول مدرسة للبنات سنة 1937م ، وفي عام 1956م انطلقت أول بعثة للطالبات الجامعيات للالتحاق بكليات جامعة القاهرة .( حراسة الفضيلة )
(1) جريدة الرأي العام 22/يونيو /2000 م مقال للدكتور عبد الله بن يوسف سهر ، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الكويت .
(1) جريدة الرأي العام الكويتية /29/07/2002م . محمد الصديقي ، كاتب كويتي . وانظر : مجلة المعرفة ص 149 . 01/10/2002م .
(1) انظر :موقع لها أون لاين تقرير كتبته سحر الأمير و نوال المجاهد بعنوان : ( التعليم المختلط ) .
(1) جريدة الوطن الكويتية 12/ يوينو /2000م .
(1) انظر : رسالة ماجستير بعنوان ( أثر مشكلتي الاختلاط والمنهاج التعليمي على تعليم الفتاة المسلمة في الجامعات الأردنية ) ص 32 إلى ص 46 .
(1) انظر : المجلة العربية للتربية المجلد السادس عشر ـ العدد الأول 1417هـ بحث بعنوان ( الاتجاه نحو الاختلاط بين الجنسين لدى عينة من طلاب جامعة الكويت ) د . عبد اللطيف محمد خليفة .
(2) المرجع السابق .
(1) موقع لها أون لاين بعنوان : ( المرأة والتعليم المختلط ) ..وقد نشرت في مجلة المرأة. دمشق. 1948م
(1) جريدة السياسة 2 /أكتوبر /2001م .
(2) جريدة السياسة /20/نوفمبر /2000 م .
(1) انظر : مكانك تحمدي ص 89 ـ 90 .
(2) موقع لها أون لاين : مقال بعنوان : ( التعليم المختلط ) .
(1) فتاوى النظر والخلوة والاختلاط ص 25 . جمع محمد المسند .
(1) الصارم المشهور ص 91 .
(2) حراسة الفضيلة ص 97 .
(1) استفدت في هذا المبحث من رسالة د . فؤاد آل عبدالكريم الموسومة بـ ( قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية ) ص 542 وما بعده .
(2) مكانك تحمدي ص 91 .
(3) مكانك تحمدي ص 87 .
(1) انظر : جريدة الوطن (595) .
(1) ذكريات الشيخ علي الطنطاوي ( 5/268 – 271 ) .
(2) آفاق عربية 28 / أكتوبر /1999م .
(1) انظر: إلى غير المحجبات أولاً/ محمد سعيد مبيض ص91.
(2) جريدة الرياض - العدد (( 11447 )) بتاريخ 18/7/1420هـ، الموافق 27/10/1999م.
(1) انظر: جريدة الرياض – العدد (( 9254 )) بتاريخ 10/5/1414هـ الموافق 25/10/1993م.
(2) جريدة المسلمون – العدد (( 411)) بتاريخ 24/6/1413هـ الموافق 18/12/1992م.
(1) مجلة المجتمع – العدد (( 916 )) بتاريخ 29/7/1411هـ.
(2) جريدة الوطن الكويتية 12/يونيو /2000 م .
(3) جريدة السياسة :2/ أكتوبر /2001 .
(1) يناير 1956م .
(2) انظر : مكانك تحمدي ص 89 ـ 90 .
(3) انظر : موقع لها أون لاين ...عنوان المقال / مصر: نائب إخواني يطالب بمنع الاختلاط .
(1) جريدة الرياض 27/9/2003 .
(2) جريدة المساء 29/10/2003م .
(1) آفاق عربية /28/أكتوبر /1999م .
(1) جريدة الوطن الكويتية 12/يونيو /2000م .
(2) جريدة القبس الكويتية/ 03ـ 03 ـ 2004 ، عن صحيفة لوفيغارو الفرنسية
(1) المرجع السابق.
(1) انظر: جريدة الرياض – العدد (9150) بتاريخ 26/1/1414هـ الموافق.
(2) المرجع السابق.
(1) عمل المرأة في الميزان ص 191 . د . محمد علي البار .
(1) كتاب الاختلاط بين الجنسين . ص 41 .
(1) مجلة المجتمع الكويتية – العدد (340) – 7/6/1400 - ص11.
(1) أفول شمس الحضارة الغربية/ مصطفى فوزي غزال ص156.
(2) انظر:جريدة الرياض عدد( 8425 ) بتاريخ 8/1/1412.
(1) بحوث حول: الاعتداءات الجنسية على الطالبات بالكليات فريق البحث :مايكل جي تيرنز ، فرانسيس تي كولن ص5 .
(1) جريدة الوطن الكويتية 21/يناير /2000 م . مقاله كتبه الدكتور / عبد الرحمن الجيران .
(2) عمل المرأة في الميزان ص 192 . د . محمد بن علي البار .
(1) عودة الحجاب (3/59) .
(1) جريدة المسلمون – العدد (( 480 )) بتاريخ 4/11/1414هـ الموافق 15/4/1994م.
(1) جريدة الرياض – العدد (( 8637 )) بتاريخ 13/8/1412هـ الموافق 16/2/1992م.
(1) في عددها رقم (( 9250 ))، بتاريخ 14/3/1413هـ.
(1) www.albayan.co.ae/albayan جريدة البيان الإماراتية /الثلاثاء 24 شوال 1422 هـ
(1) وهذا ما أكدت دراسة فاطمة محمد رجا مناصرة وقد تقدم ذكرها في مبحث الدراسات الإسلامية .
(1) بحوث حول: الاعتداءات الجنسية على الطالبات بالكليات فريق البحث :ما يكل جي تيرنز ، فرانسيس تي كولن.ص3 .
(1) جريدة البيان 2 فبراير 1999 م .
(2) جريدة الشرق الأوسط – العدد 147 – بتاريخ 4/12/1978م.
(1) جريدة الوطن الكويتية 12 ، يونيو ، 2000 م .
(1) جريدة الوفد 2 /يونيو /2000 مقال كتبه / محمد سعيد القارح .
(1) انظر : كتاب إلى كل أب غيور ص 29 . عبد الله علوان .
(1) من أجل تحرير حقيقي للمرأة . ص 169ـ 170 .
(1) لم يتطرق هؤلاء المسؤولون إلى أن الاختلاط بين الجنسين في التعليم، كان السبب في هذه المشاكل.
(2) جريدة الرياض – العدد 11794 – بتاريخ 11/7/1421هـ، الموافق 8/10/2000م.
((48/7)
1) مجلة المعرفة /1/10/2002 .
(2) في عددها رقم (( 9250 ))، بتاريخ 14/3/1413هـ.
(1) مجلة الدعوة – العدد رقم (( 1274 )) بتاريخ 24/6/1411هـ الموافق 10/1/1991م.
(1) من أجل تحرير حقيقي للمرأة/ محمد رشيد العويد ص 168،169.
(2) المرجع نفسه ص 168.
(3) جريدة المساء 29/10/2003 م .
(4) جريدة السياسة /2/اكتو بر /2001 .
(1) جريدة الأنباء 26 /يونيو /2000 م .
([72]) مجلة البحوث الإسلامية العدد 15 ص 6 إلى 11 .
[73])) مجموع فتاوى ومقالات_الجزء الخامس
[74])) النخبة من الفتاوى النسائية لابن جبرين 44-49(37)
([75]) فتاوى المرأة المسلمة :573-574.
([76]) فوائد وفتاوى تهم المرأة لابن جبرين :ص165-166.
([77]) هذا السؤال وجهته ( جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت ) إلى عدد من أهل العلم ننقل طرفا من كلامهم ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى الأصل وهو بعنوان ( حكم الإسلام في الاختلاط ) ط/1389هـ .
ــــــــــــــــــــــــ
الزواج العرفي ... بين الصمت الرسمي و الهمس الشعبي
سفيان علي آدم*
زواج عرفي صمت الرسمي وهمس الشعبي " كان زميلي في الجامعة , طبعا في البداية كنت أحس أنه أفضل انسان في العالم ، طيب وحنون وخفيف الدم , مثل الكثيرات من صديقاتي وجدت نفسي أسير في القطيع كالبهيمة التي لا عقل لها و تزوجنا على ورقة تباع على الرصيف أمام الجامعة يسمونها ( عقد ) الزواج العرفي ولقيت نفسي بين يوم وليلة زوجة لشاب تافه إكتشفت تفاهته من أول دقائق جمعتنا سوية لوحدنا إكتشفت كالحيوان لا يهمه إلا متعته فقط وبعدها يدوس على بالحذاء.
بدأ الندم من تلك اللحظة وسألت نفسي لماذا فعلت هذا ؟ وفعلا كرهته كما لم أكره أي إنسان في حياتي ولكن للأسف هذا تم بعد ما أفقدني عذريتي. بعدها جلست في البيت لمدة شهر كل يوم أبكي وامتنعت عن ذهاب الجامعة ولما قابلته طلبت منه أن نتطلق ولكن (الحقير) رفض بشكل مهين جدا وطلب أن يقابلني وحدنا مرة أخرى ويأخد حقوقه الزوجية بأسلوبه الدنيء فرفضت إلى الأبد.
مرت سنتان ونحن على هذا الحال زواج على ورقة واحدة كانت معه وعرفت بعد ذلك انه تزوج زميلة لي زواجا عرفيا أيضا . و للأسف لم يعلم بزواجنا سوى أنا وهو واثنين من الشهود لم أعرف من أين أتى بهم وأحسست بفظاعة ما فعلته عندما تقدم لي شاب على خلق وفي مركز مرموق ولا ترفضه أي فتاة , و رحب أهلي به جدا ولأول مرة في حياتي شعرت أنني وجدت فتى أحلامي في الشكل والمضمون وفي قمة فرحتي أبلغت أهلي بموافقتي والظاهر أن فرحتي الكبيرة أنستني أني ( متزوجة ) , طبعا الإنسان (الحقير) رفض أكثر أن يطلقني عندما علم أن أحدا تقدم لي , و كانت النتيجة أني إضطررت أن أضع حججا واتعامل بشكل سيء مع فتى أحلامي إلى أن ملّ مني و تركني .
الآن , موضوع زواجي مضى عليه ثلاثة أعوام , تخرجت و عملت في بنك محترم و يريد الكثيرون التقدم لي و لكن ليس باليد حيلة , فهل سأظل إلى الأبد على هذه الحالة ؟ أفيدوني ما هو الحل لو عرفتم ، هل أتزوج وأصبح (زانية) وأتعرض لتهديد من يسمى ب(زوجي) ليدمر حياتي الجديدة أم أبقى على هذا الحال إلى أن يضيع شبابي وجمالي أم أقتله وأستريح وأريح العالم من شره ؟"
ليست هذه الكلمات جزءا من مشهد سينمائي أو فصلا في رواية , و إنما قصة حقيقية وقعت أحداثها في إحدى الجامعات , أبطالها طلاب نشئوا في مجتمع يفترض أن يكون إسلاميا , كلماتها شاهدة على ما وصل إليه الحال في المؤسسات التعليمية , و تدق ناقوس الخطر للوباء القديم الحديث المسمى ب ( الزواج العرفي ) الذي و إن كان الحديث عنه ما زال همسا , إلا أن الهمس بدأ يرتفع بين الطلبة أنفسهم , و بين وسائل الإعلام .
فهل هذه الظاهرة حقيقية أم أن وسائل الإعلام ضخمتها لأغراض خاصة ؟ و إذا كانت حقيقية فما هو حجمها , و لماذا يتهرب الجميع من الحديث عنها ؟ و ما هي سبل علاجها إن وجدت ؟
,, طلبة الجامعات فلم يعد سرا لديهم أن الزواج العرفي بات ظاهرة في الجامعات لدرجة أن بعض الطلاب يدافع عنه جهارا نهارا بإعتبار أنه لا بديل عنه في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة ,,
بين التعتيم الرسمي و البوح الطلابي
حاولنا الإتصال ببعض الجهات الرسمية للتعليق على هذا الموضوع , أو إعطائنا أي إحصائية قريبة من الدقة حتى نستطيع أن نعتمد عليها في تشخيص هذه الظاهرة إلا أن الجميع رفض بحجة الدواعي الأمنية , إلا أن مسئولة في داخلية (سعاد طمبل) للبنات علقت بأنهم لديهم إحصائيات عن هذه الظاهرة لكنهم يرفضون البوح بها لأنها مصنفة ضمن المحظورات الأمنية !!..
أما طلبة الجامعات فلم يعد سرا لديهم أن الزواج العرفي بات ظاهرة في الجامعات لدرجة أن بعض الطلاب يدافع عنه جهارا نهارا بإعتبار أنه لا بديل عنه في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة , و و ......!!!!
لكن دراسة أعدتها وزارة الإرشاد و الأوقاف قبل 3 أعوام عن هذا الموضوع أشارت إلى أن الزواج العرفي ما زال ظاهرة معزولة في الوسط الطلابي , و أن67% من الطلبة الذين تم سؤالهم عن هذا الموضوع اشاروا إلى أنهم سمعوا عنه و لم يعرفوا حالات بعينها , كما أشارت الدراسة إلى أن معظم الذين أستطلعت آراؤهم أدانوا هذه الظاهرة .
و خلصت إلى أن هذه الظاهرة لا يمكن نفي وجودها بالكلية و لكنهها محصورة في نطاق ضيق و أنه ظاهرة في طور التكوين و أنه من ثم يمكن محاصرتها و القضاء عليها إذا ما عدنا للالتزام بهدى شرعنا و مقاصده عوداً حميداً .
و تقول دراسة لاستاذة جامعية في علم الاجتماع هي د.هاجر علي بخيت أن تدني سن الدخول للجامعات جعل كماً ضخماً من المراهقين و المراهقات يجابهون بصدمة الاختلاط و كثيرٌ من هؤلاء من مجتمعات محافظة . ومن هنا فالاختلاط هو البيئة المفرخة لعديد من الظواهر السالبة و منها هذا الزواج العرفي.
ماذا يقول الطلاب ؟!..
,, ظاهرة الزواج العرفي ظاهرة وافدة على المجتمع السوداني , إنتقلت إليه عبر وسائل الإعلام الهدامة كالفضائيات و ما تبثه من مسلسلات و أفلام , و للأسف وجدت هذه الظاهرة الوافدة قبولا ,,
الطلبة الذين إستطلعنا آراءهم حول هذا الموضوع أجمعوا على رفضه لكنهم عللوا إنتشاره بأسباب مختلفة بين من يلقي باللائمة على الحكومة التي تسمح بالإختلاط في الجامعات , و بين يضع اللوم على وسائل الإعلام , و من يرى أن الواقع المعيشي الصعب الذي يمر به الشعب السوداني هو وراء هذه الظاهرة ...
وسائل الإعلام و الدور الهدام..
محمد حبيب الله / كلية الآداب جامعة الخرطوم
ظاهرة الزواج العرفي ظاهرة وافدة على المجتمع السوداني , إنتقلت إليه عبر وسائل الإعلام الهدامة كالفضائيات و ما تبثه من مسلسلات و أفلام , و للأسف وجدت هذه الظاهرة الوافدة قبولا لدى عدد ليس بالهين من طلاب و طالبات الجامعات .
و حول الأسباب يقول : أرى أن هذا الأمر يرجع بالأساس إلى غياب الوازع الديني و التربية الإيمانية لدى الطلاب , كما أن العلوم التي تدرس بالجامعات لا تعمل في الغالب على غرس قيم الإستقامة و معاني التدين , و كذلك الجامعات المختلطة و غياب الرقابة الأسرية .
كما أن هذه الظاهرة غير مرتبطة بالفقر , فالكثير ممن وقعوا فيها هم من الأغنياء .
أما عن العلاج فإنه يتوقف على الدولة و أجهزتها و ذلك بأن تعمل على الفصل بين الجنسين في الجامعات و إنهاء الإختلاط الذي ظل ينخر في جسد القيم و الأخلاق الحميدة .
,, بعض الذين درسوا خارج السودان قد ساهموا في إنتشار هذه الظاهرة, و على الأسر تربية أبنائها تربية صالحة ,,
العوائق المادية..
الزبير عثمان بادي / كلية الآداب جامعة الخرطوم
الزواج العرفي موجود في الوسط الجامعي لكنه يمارس بخفية , و السبب فيه هو صعوبة تكاليف الزواج و القيود التي يضعها المجتمع من طلبات كثيرة و إلتزامات أسرية قاسية , مما يدفع ببعض الطلاب إلى هذا السلوك المشين في حالة إنعدام الإستقامة و التربية الدينية الفاضلة .
كما أن بعض الذين درسوا خارج السودان قد ساهموا في إنتشار هذه الظاهرة .
و على الأسر تربية أبنائها تربية صالحة و إلزام البنات بالزي الشرعي بالحجة و الإقناع . و ينبغي المسارعة إلى إنقاذ شريحة الشباب لتؤدي دورها في المجتمع و ذلك بإيجاد البرامج النافعة التي تستوعب طاقاتهم حتى لا ينصرفوا إلى ما هو مخالف للدين و الأخلاق .
القيم الغربية الوافدة و محاولة (شرعنتها ) !!
,, الذين وقعوا في هذا الأمر فالكثير منهم يرون أنه حرام , و لكنهم تمادوا بسبب الغفلة و ضعف الوازع الديني و بحجة أنه أخف من الزنا ,,
أيمن الطيب / كلية القانون
هذه المشكلة ترجع للتأثر بالحضارة و القيم الوافدة من الغرب , و بما أن الحضارة الغربية قائمة على التفسخ و الإنحلال فإن تطبيقها يستحيل في مجتمعاتنا المسلمة فيلجأ البعض إلى الزواج العرفي لإيجاد ما يعتبره ( شرعية ) لممارساته .
و عن الذين وقعوا في هذا الأمر فالكثير منهم يرون أنه حرام , و لكنهم تمادوا بسبب الغفلة و ضعف الوازع الديني و بحجة أنه أخف من الزنا .
أما الحل فيكمن في تيسير أمور الزواج – على الطلاب خصوصا – و أن تقوم إدارات الجامعات بإقامة حملات للزواج الجماعي .
الشباب و التهرب من المسئولية..
إنتصار محمد / دراسات عليا
الزواج العرفي موجود و منتشر في الجامعات و أسبابه تقع على الشباب , حيث تجد عندهم الرغبة في التهرب من المسئولية و تحمل الأعباء مع رغبتهم في إشباع غرائزهم و نزواتهم .
أما البنات فهن في الغالب يقعن ضحية الوعود الكاذبة و المعسولة بإسم الحب و الوعد بالزواج . و الشباب بعضهم لا يركن إلى الحياة المستقرة الهادئة لأن ذلك يستتبع مسئولية و أبناء و أسرة , و هو لا يريد المسئولية إنما يريد إشباع رغباته و شهواته فقط دون مقابل .
و تكون النتيجة لذلك أن تفقد الفتاة أعز ما لديها , و قد لا تعالج أسرتها الأمور بصورة طيبة , و تكون العاقبة وخيمة .و لعل إنتشار بعض أصحاب الشهادات الغربية و السيارات الفارهة و الشقق المفروشة له دور في إنتشار الزواج العرفي .
الإختلاط و الفقر..
منى محمد عثمان / كلية الإقتصاد
هناك دراسات و إحصاءات تثبت أن الزواج العرفي موجود و منشر في الجامعات بصورة كبيرة .
,,بعض الطالبات يواجهن ظروفا إقتصادية حرجة مع حوجتهن للمصروفات الدراسية و تكاليف الكسوة و المعيشة , فيجعل كل ذلك الفتاة ضعيفة أمام الإغراءات ,,
و أحد أهم أسباب إنتشاره هو الإختلاط , كذلك الدافع الإقتصادي , فبعض الطالبات يواجهن ظروفا إقتصادية حرجة مع حوجتهن للمصروفات الدراسية و تكاليف الكسوة و المعيشة , فيجعل كل ذلك الفتاة ضعيفة أمام الإغراءات .
و في الغالب يكون الذين يصطادون الفتيات لهذا المستنقع ليسوا طلابا , و إنما أصحاب أموال و موظفين تتوفر لديهم الإمكانيات .
و على الدولة أن توفر للطالبات ما يحتجنه بقدر الإمكان خصوصا في ضرورات المعيشة حتى لا يلجأن إلى سلوك مسلك آخر , كما ينبغي الإهتمام بمن وقعوا في هذه الخطيئة و إشعارهم بالإهتمام و محاولة إيجاد حلول لمشكلتهم هذه , و لا بأس من تزويجهم زواجا شرعيا حتى لا يصبحوا عوامل هدم في المجتمع .
إنعدام القيود و الرغبة بالتباهي ..
يقول كمال الدين أحمد يوسف خريج علم النفس :
الزواج العرفي ليس ظاهرة طلابية فقط إنما هو ظاهرة مجتمعية تشمل قطاعا واسعا من المجتمع , إذاً فهو موجود في كل شرائح المجتمع , لكنه يظهر في الوسط الطلابي لأنه أكثر وسط يتواجد فيه الذكور و الإناث في نطاق واحد دون قيود , و قيود الطلاب ليست كقيود الخدمة المدنية التي تضع للموظفين ضوابط و مسئوليات , فالطلاب غالبا يلتقون في أوقات مفتوحة خاصة في الكليات التي لا يكون فيها ضغط أكاديمي عال .
لذا , يؤدي لقاء الطلاب و الطالبات في وسط واحد و مفتوح إلى تولد الرغبة في الآخر , لكن هذه الرغبة لا تجد طريقها إلى التحقيق نسبة لظروف الواقع المعقدة , فيلجأ الطلاب إلى خيارات منها إقامة علاقات عاطفية أو الزواج عرفيا .
و هناك بعض البنات لديهن الرغبة في البذخ و الإسراف في الحياة , فتقبل بمن يوفر لها هذا البذخ و لو بطريقة غير شرعية .
رأي الشرع
: يقول الشيخ د . عبد الحي يوسف
الزواج لا يصح إلا بولي لقول النبي صلى الله عليه وسلم {لا نكاح إلا بولي} أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم، قال السيوطي رحمه الله: حمله الجمهور على نفي الصحة. وقوله {أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل} أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم كما قال الحافظ رحمه الله في فتح الباري. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه {لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها} أخرجه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي. قال الحافظ رحمه الله: رجاله ثقات.
وقد خاطب الله الأولياء بأمر النكاح فقال ((ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا)) وقال ((فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن)) وقال ((وأنكحوا الأيامى منكم)) ولو أن كل امرأة اشتهت رجلاً تزوجته بغير إذن وليها أفضى ذلك إلى فساد عظيم؛ لأن ولي المرأة ـ غالباً ـ أعرف بحالها وأبصر بمصلحتها، وإذا كان الولي بخلاف ذلك أي يتعمد عضل وليته أو يعطل أو يضرها في أمر زواجها نزعت الولاية منه وجعلت لمن يليه أو للسلطان.
ختاما ..
ها نحن هنا نسلط الأضواء على هذه المشكلة التي بدأت تستشري في مجتمعنا المسلم و بدأ يتعاظم خطرها , فما هو واجب الدولة عبر وزاراتها و مؤسساتها ؟ و ما هو واجب العلماء و أهل الرأي ؟ و ما هو الدور الذي يقع على عواتق وسائل الإعلام المختلفة في التحذير من هذه الظاهرة و محاولة علاجها ؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات كبيرة , فمن يجيب عنها ؟!!.
ــــــــــــــــــــــــ
ظاهرة الزواج العرفي ... ملامح وحلول
محمد عبد الله الغبشاوي*
ظاهرة الزواج العرفي ... ملامح وحلول الزواج العرفي هو الذي يفتقر إلى الإشهاد و الإشهار والتوثيق وولي الأمر، فهو صيغة سرية تربط بين رجل و امرأة قد يشهد عليه بعض الأصدقاء و قد يناب أحدهم عن ولي الأمر، وقد يوثقه بعض المحامين في أحيان نادرة و لكنه يكون مفتقراً دائماً إلى ركن هام من أركان الزواج وأخطرها (عدم الإشهار والإشهاد) و الذي بدونه يتعذر إثبات الحقوق والنسب. و قد راجت شائعات كثيرة عن تناميه و ذيوعه في الفترة الأخيرة مما ألزم وزراة الإرشاد والأوقاف إجراء استبيان ميداني شمل ألف حالة من الجنسين في جامعات ولاية الخرطوم من حكومية و أهلية.
وما نؤكده و نشهد به وفقاً لهذا الاستبيان الدقيق أنه لم يسجل أحد من أفراد العينة المستهدفة إقرارًا بممارسته لهذه الظاهرة، وكذلك لم يسجل استبيان مصاحب شمل خمسين مشرفة تعيين حالة واحدة، وهذا بالطبع لا ينفي وجودها بالكلية و لكنه محصور في نطاق ضيق وأنه ظاهرة في طور التكوين، وأنه من ثم يمكن محاصرتها والقضاء عليها إذا ما عدنا للالتزام بهدى شرعنا و مقاصده عوداً حميداً فيما سنفصله في هذا التقرير.
,, تدني سن الدخول للجامعات جعل كماً ضخماً من المراهقين والمراهقات يجابهون بصدمة الاختلاط و كثيرٌ من هؤلاء من مجتمعات محافظة . ومن هنا فالاختلاط هو البيئة المفرخة لعديد من الظواهر السالبة ومنها هذا الزواج العرفي ,,
أسباب الظاهرة:
(1) أول ما استرعى الإنتباه في نتائج الاستبيان أن نسبة غير المتزوجين من العينة المختارة تصل إلى 85% ، ودلالة هذا أن كل هؤلاء فوق سن الرشد وصمود كل هذا العدد إزاء الجاذبية الطبيعية بين الرجل والمرأة وفي مجتمع جامعي قاعدة اجتماعه الإنساني الاختلاط بين الجنسين وشذوذه الفصل بينهما أمر متعذر إن لم يكن مستحيلاً، وتساقط بعضهم أمر مرجح و محتمل خاصة وأن دراسةً من أستاذة جامعية في علم الاجتماع د.هاجر علي بخيت نبهت إلى تدني سن الدخول للجامعات مما جعل كماً ضخماً من المراهقين والمراهقات يجابهون بصدمة الاختلاط و كثيرٌ من هؤلاء من مجتمعات محافظة . ومن هنا فالاختلاط هو البيئة المفرخة لعديد من الظواهر السالبة ومنها هذا الزواج العرفي.
(2) البعد عن الوالدين ورعاية الأسرة مع استصحاب حداثة السن لكثير من طلبة وطالبات الجامعات يضاف إلى ذلك وجود عدد من الداخليات الخاصة التي تخلو من الإشراف الاجتماعي و تفتقر إلى ضابط، وهي وإن كانت قليلة العدد إلا أنها تمثل قابلية لاختمار التفلت الأخلاقي و التسيّب وعدم الانضباط.
(3) الأفلام و المسلسلات العاطفية التي تدغدغ المشاعر و تبدد القيم الأم وتشيع شكلاً من الإجماع المزيف بوجوب قيام ما يسمى بالحب، و عديد من المسلسلات و الأفلام عربية اللسان تروج لقيم غربية و تسوق لمفاهيم تتدرج بالمتلقي إلى ما ارتمت المجتمعات الغربية في حمأته.
(4) عدم وجود البرامج التربوية والثقافية والاجتماعية المصاحبة للتعليم عموماً و الجامعي منه على وجه الخصوص، فهناك فراغ إذا لم يملأ بالخير فلابد من زحف الشر عليه.
(5) تدني الإشراف الاجتماعي في الداخليات عما كان عليه من قبل وحداثة سن الكثير من المشرفات فالمشرفة في زمن مضى كانت تختار بحكم مؤهلات و عوامل عديدة من بينها السن المناسبة، نقول:كانت المشرفة بمثابة النائبة عن الأم و كانت قدوة تنزل توجيهاتها وملاحظاتها منزلة الأمر الذي لا ينقض ولا يراجع، وقد تراجع كثير من ذلك مع تدني المؤهلات و تلاشي الهيبة وهو أمر يستحق المراجعة والتوفر عليه.
,, ضعف التربية الدينية والثقافة الإسلامية في الأوساط الجامعية، ودليل ذلك أن 30% من أفراد العينة أجابوا بأن الزواج العرفي مباح وهي نسبة خطيرة، ,,
(6) ضعف التربية الدينية والثقافة الإسلامية في الأوساط الجامعية، ودليل ذلك أن 30% من أفراد العينة أجابوا بأن الزواج العرفي مباح وهي نسبة خطيرة، فإذا اعتقدت هذه النسبة حله فبعضها ولا ريب ممارس له أو قادم على ممارسته .
يضاف إلى ذلك أن الإجابات الأخرى يضطرب بعضها في الحكم عليه مما يعلي نسبة الجهل بأحكام الشرع إلى ما يقارب 50% و هو أمر مريع. يضاف إلى ذلك ومن واقع حوارات مباشرة مع بعض الطلبة و الطالبات زحف الفكر الشيعي في غيبة فكرنا الأم فكان من تمددات ذلك ثقافة الزواج العرفي وهذا أمر ينبغي الانتباه إليه.
(7) و حقيقة الفقر لا نستطيع تجاوزها في الأسباب فـ 49.8% من أفراد العينة أوضحوا أن ما يحصلون عليه من مصروفات لا تكفي لاحتياجاتهم، وهو نذير خطر كبير بلا أدنى ريب، و لا يخفف الركون إلى قوة التماسك الاجتماعي وتعمق القيم الأخلاقية وشيوع مدارك القناعة و الصبر و الجلد، فمؤشر الجهل بالشريعة الذي أشرنا إليه آنفاً يوشك أن يبدد كل ذلك. ومع تنامي العولمة الأمريكية و إملاءاتها بعدم المبالاة بالشرائح المجتمعية يبقى الفقر وحشاً مفترساً لكل من ضعف وازعه!!
(8) وآخر الأسباب التي نشير إليها ولكن بحذر شديد حتى لا يعمم القول ولا الإنطباع به؛ أثر الإنترنت فقد أشارت 51.9% من أفراد العينة إلى اشتراكهم في الإنترنت والصفحات المفضلة لهؤلاء هي: المراسلة - الأخبار - الفن - الاختراعات العلمية - الرياضة - الثقافة - صفحات الجنس ! و تأمل في هذا يوضح أن نسبة الاهتمامات غير الجادة ليست بالقليلة وبروز الصفحات الجنسية من بينها أمر مؤرق و مثول حالات من المروق و التفلت تأثراً بذلك أمر وارد بدون شك و الله المستعان.
ملامح و ملاحظات أخرى:-
تؤكد إجابات الإستبيان محدودية الظاهرة وإمكان محاصرتها بحزمة من الحلول الواقعية الميسورة سنشير لها فيما بعد، ولكن يهمنا في هذا المقام التوقف عند بعض إجابات عينات الإستبيان، ففي سؤال متعلق عن تعليل عدم الزواج العرفي أجاب 1.2% بعدم إقرار الدين له و 41% بعدم إقرار المجتمع له و8.7% بالاثنين معاً (الدين و المجتمع) أي أن هناك إقراراً مجمعاً عليه بالاعتبار لهما وهذا مؤشر إيجابي يستأنس به و إن انطوى على التقليد ومحض التبعية.
وفي سؤال آخر عن شرط موافقة ولي الأمر أجاب 85.1% من أفراد العينة بالإيجاب و14.9% بالسالب وهذا مؤشر على زحف مفاهيم غير إسلامية في شريحة غير قليلة العدد وإن كانت أقلية وهو دلالة على اختلال ما لمفاهيم الولاية للأبوين والبرّ بهما.
في سؤال مباشر للعينة عن احتمال زواجهم عرفيا أجاب 81.4% بالنفي التام لوقوع ذلك منهم، و16.6% أجابوا بنعم وهؤلاء منهم 78 من الذكور و28 من الإناث أي أنّ القابلية في أوساط الإناث بمقدار الثلث تقريبا منسوبة إلى العدد في أوساط الذكور وهو دليل ناهض على أن التفلت في أوساط بناتنا أقل بكثير من التفلت في أوساط أبنائنا. والدلالة العامة أن من بين ألف حالة توجد 28 امرأة يحتمل إقدامها علي ذلك و78 رجلا من ألف حالة. ويبقى التحدي المواجه للمجتمع والأمة هل تتنامي هذة الحالات أم تتناقص؟
,, الضحية الوحيدة لهذه الصيغة من المفاسد هي المرأة، فأكثر من يقدمون على الزواج العرفي ممن لا خلاق ولا مروءة لهم، وعادة ما يتخلون عن المرأة الشريك لأقل طارئ وكثيراً ما ينكرون نسبة الولد، وقد يتسبب ذلك في إزهاق أرواح بري ,,
الآثار المترتبة على شيوع الزواج العرفي :-
أهم أثر للزواج العرفي أنه يخلخل حالة الإجماع على صيغة وشكل الزواج المعروف شرعاً والذي أقرّ به المجتمع الإسلامي كصيغة شرعية وحيدة للعلاقة بين الجنسين منذ أن شُهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
وإشاعة الروح الإباحي أمر وارد لا سيّما حين التأمل في أنماط السلوك الجديدة التي برزت في الآونة الأخيرة بين الجنسين، ونحن نعلم أن النقلات القيمية المفاهيمية في المجتمعات لا تحدث طفرةً ومرةً واحدةً، وإنما عبر انتقال بطيء جداً وأنماط السلوك والممارسات، أما أن تكون إفرازاً لمفاهيم معينة والخشية من دبيب المفاهيم الإباحية دون أن يشعر المجتمع بذلك وظاهرة الزواج العرفي ناقوس خطر ينبة على ذلك.
ومعلوم أن الضحية الوحيدة لهذه الصيغة من المفاسد هي المرأة، فأكثر من يقدمون على الزواج العرفي ممن لا خلاق ولا مروءة لهم، وعادة ما يتخلون عن المرأة الشريك لأقل طارئ وكثيراً ما ينكرون نسبة الولد، وقد يتسبب ذلك في إزهاق أرواح بريئة فضلاً عما يسببه من اكتئاب وتدمير لكيان المرأة وحالات هروب وتفلت وربما انتحار.
ومجمل أثر ذلك سينصب على المجتمع الذي تكفيه ما فيه من نكبات وتعثرات.
الحلول المقترحة للقضاء على الظاهرة:-(48/8)
1- التشجيع والحث على الزواج المبكر وتذليل كل الصعاب المعترضة له مفاهيمية كانت أو مادية، وتبني ذلك علي مستوى رئاسة الجمهورية والمجلس الوطني والوزارات والهيئات الرسمية والمدنية ذات الصلة.
2- إشاعة الثقافة الشرعية في أوساط المجتمع وخصوصاً المجتمع الجامعي وتبني مشروع عاجل في محو الأمية الدينية وذلك في التعريف بما لا يسع الجهل به من شريعتنا السمحاء.
3- تثمين وتقويم ثورة التعليم العالي وإعادة النظر في الاختلاط بين الجنسين في الجامعات وبصفة عاجلة.
4- ضبط و تقنين سكن الطالبات الخاص واشتراط المشرفة المؤهلة في الترخيص له والتخطيط لتبعية كل الداخليات للصندوق القومي لرعاية الطلاب.
5- التدقيق في اختيار المشرفين والمشرفات الاجتماعيات ومراعاة السن المناسبة وكافة شروط القدرة والاقتداء. والاهتمام بتدريب هذا القطاع وإعادة تأهيلهم المتجدد.
6- الرقابة على وسائل الإعلام وتقوية فرق المشاهدة الطوعية والرسمية للقنوات الفضائية والالتفات الدائم لملاحظاتهم وتنبيهاتهم وتحليلاتهم لمضمون ما يبث.
7- الإعلام المكثف عن الأسرة ودورها وقيمتها وأهميتها وإدراج ذلك في مختلف المناهج الدراسية والبرامج الإعلامية.
8- تكثيف البرامج الجادة التي تسد كل فراغ وخصوصاً في الأوساط الجامعية.
9- المزيد من الدعم لصندوق رعاية الطلاب ليقوم بواجبه في درء الفقر وخاصة في أوساط الطالبات.
10- تكثيف برامج درء الفقر علي كل المستويات ومضاعفة البرامج العاملة علي ذلك وزيادة المصارف الاجتماعية وتيسير شروطها لتشمل أكبر شريحة ممكنة من أفراد المجتمع.
11- تفصيل برامج خاصة في التعريف بظاهرة الزواج العرفي وتوضيح آثاره السالبة وعواقبه الوخيمة على الفرد والأسرة والمجتمع.
ــــــــــــــــــــــــ
خطبة المرأة من نفسها ... الشيخ الأمين الحاج محمد أحمد
السؤال ...
هل تجوز خطبة المرأة من نفسها وإن لم يجز وحصل فما الذي يترتب على ذلك؟
الإجابة ...
الحمد لله, اللهم سلِّمنا وسلِّم منا:
المرأة لا تُخطَب إلا مِِن أوليائها, ولكن للشاب إن كان صادقاً وعازماً على الزواج وأراد أن يطمئن على رضا المرأة به وقبولها له قبل أن تقدم لخطبتها من أوليائها, أن يرسل أمه أو أخته أو إحدى قريباته لها ليتأكد من ذلك, قال تعالى: (وأتوا البيوت من أبوابها) وأكره أن يكون ذلك عن طريق الرسائل أو الهاتف ونحوهما.
ــــــــــــــــــــــــ
كم الزواج العرفي ... الشيخ الأمين الحاج محمد أحمد
السؤال ...
ما حكم الزواج العرفي؟
الإجابة ...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:
الزواج العرفي من المصطلحات الحديثة وقد ظهر لأول مرة بمصر وهو نوعان:
الأول: زواج صحيح وهو الذي تتوفر فيه كل أركان الزواج, وهي العاقدان والقبول والإيجاب. وسائر شروطه من الولي والشهود والمهر وربما الإعلان ورضا الزوجين وتعينهما. إلا أن الجهات الرسمية لا توثقه, لأنه يكون زواجاً ثانياً لمن له زوجه, ولا توافق الجهات الرسمية في مصر على توثيق الزواج الثاني إلا برضا الأولى الذي يعتبر من المستحيلات وفي عدم توثيق مثل هذا النوع من الزواج ظلم بيِّن ومخالفة شرعية ومحاداة لقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع).
الثاني: زواج فاسد باطل وهو الذي ظهر في الجامعات المصرية وانتقلت هذه العدوى الخبيثة إلى الجامعات السودانية وهو يتم عن طريق اتفاق الشاب والشابة على الزواج من غير الرجوع إلى الولي الذي يعتبر هو أسُّ شروط صحة الزواج لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) ولقول عائشة رضي الله عنها: "الزانية هي التي تزوج نفسها" ولهذا فهو باطل فاسد وهو أخو الزنا وأخو نكاح المتعة الذي هو عبارة عن اسم آخر للزنا.
ولا ينبغي لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتزوج بهذه الطريقة وأن يتلاعب بأعراض المسلمين ونسأل الله أن يحفظنا ويحفظ شبابنا وشاباتنا من التقليد الأعمى ومن هذه الممارسات المحرمة
ــــــــــــــــــــــــ
ل الزواج العرفي حلال؟ ... د. عبد الحي يوسف
السؤال ...
هل الزواج العرفي حلال؟
الإجابة ...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فالزواج لا يصح إلا بولي لقول النبي صلى الله عليه وسلم {لا نكاح إلا بولي} أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم، قال السيوطي رحمه الله: حمله الجمهور على نفي الصحة.أ.هـ وقوله {أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل} أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم كما قال الحافظ رحمه الله في فتح الباري. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه {لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها} أخرجه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي. قال الحافظ رحمه الله: رجاله ثقات.
وقد خاطب الله الأولياء بأمر النكاح فقال ((ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا)) وقال ((فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن)) وقال ((وأنكحوا الأيامى منكم)) ولو أن كل امرأة اشتهت رجلاً تزوجته بغير إذن وليها أفضى ذلك إلى فساد عظيم؛ لأن ولي المرأة ـ غالباً ـ أعرف بحالها وأبصر بمصلحتها، وإذا كان الولي بخلاف ذلك أي يتعمد عضل وليته أو يعطل أو يضرها في أمر زواجها نزعت الولاية منه وجعلت لمن يليه أو للسلطان؛ حتى تتحقق المصلحة والله تعالى أعلم
ــــــــــــــــــــــــ
الزواج العرفي
د. عبد الحي يوسف*
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
فإن الظاهرة التي كثر الحديث عنها في الأيام المتأخرة والتي اصطلح الناس على تسميتها بالزواج العرفي لا يمكن الخوض في الحكم عليها قبل أن نتصوّر حقيقتها لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره كما يقول أهل الأصول، ولا يمكن الحكم عليها قبل أن نتبيَّن موافقتها للأدلة الشرعية أو معارضتها لها، فنقول أولاً: إن هذا الزواج مبناه على اتفاق فتى وفتاة أو رجل وامرأة على الزواج دون علم ولي الفتاة مع جعل هذا الزواج سراً يتواطأ الزوجان والشهود على كتمانه، ونقول ثانياً: إن هذه الصورة ـ بالوصف الذي ذكرنا ـ لا يمكن عدُّها زواجاً شرعياً وذلك للاعتبارات التي نطقت بها الأدلة المتضافرة من الكتاب والسنة والعقل والواقع وتتمثل في الآتي:
1ـ أن علم الولي بهذا النكاح وإقراره إياه شرط في صحته؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)) وقوله عليه الصلاة والسلام: ((أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فإن العاهر هي التي تزوج نفسها)) وربنا سبحانه خاطب بالنكاح الأولياء ولم يخاطب النساء فقال سبحانه: (ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) أي لا تُزوّجوهم، وقال سبحانه: (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف) وسبب نزول الآية كما روى الإمام البخاري أن معقل بن يسار رضي الله عنه زوّج أخته لرجل من الأنصار فطلقها بعد حين، ثم رغب في مراجعتها وكانت هي كذلك راغبة لكن معقلاً أبى أن يرجعها له فنزلت الآية تخاطب أولياء المرأة ألا يمنعوها من مراجعة زوجها بعد طلاقه منها إن كانت راغبة في تلك الرجعة.
2ـ أن الزواج الشرعي لا بد فيه من الإشهار وهو أهم من الإشهاد؛ ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعلنوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف)) وقال لعائشة رضي الله عنها: ((هلا أرسلت من يغنيهم أتيناكم أتيناكم)) وأمر عليه الصلاة والسلام من تزوَّج أن يولم ولو بشاة، كل هذا من أجل أن يحصل التفريق بين النكاح الذي مبدؤه الإعلان والإشهار وبين السفاح الذي مبدؤه الإسرار والإخفاء، وهذا الزواج العرفي ـ كما أسموه ـ يقوم على الكتمان والتخفي وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس)) وفي موطأ مالك رحمه الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي بنكاح لم يشهد عليه إلاّ رجل وامرأة فقال:" هذا نكاح السر ولو كنت تقدمت فيه لرجمت".
3ـ أن الغرض الأسمى من الزواج الشرعي يتمثل في حصول السكينة والمودة والرحمة كما قال ربنا سبحانه: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) وكما قال عليه الصلاة والسلام: ((انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)) أي تدوم المودة والألفة، ومن أغراضه كذلك إيجاد الذرية الصالحة التي تعمر الأرض بطاعة الله، ومن أغراضه حصول التعارف بين الناس بالمصاهرة والنسب كما قال سبحانه: ((وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً)) والسؤال الذي يطرح نفسه: هل الزواج العرفي يتكفل بتحقيق تلك الغايات؟ أم أنه مجرد شهوة عارضة ونزوة عابرة دون نظر إلى مستقبل الأيام أو عمل على تحقيق مقاصد الشرع من ورائه؟ وكل منصف يعلم أن هذا الزواج مصيره إلى الفشل الذريع وأن العداوة والبغضاء سرعان ما تدب بين الزوجين المزعومين وذلك عند ظهور بوادر الحمل على الفتاة.
4ـ الزواج الشرعي يراد به الديمومة والاستمرار إلا إذا قدر الله أمراً آخر من وفاة أو طلاق، فهل الذي يقدم على الزواج العرفي غرضه البقاء مع تلك الزوجة أم أنه يحصر نفسه في قضاء الوطر دون استعداد لتحمل أي مسئولية مادية أو معنوية؟
5ـ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) فنقول لمن يقع في مثل هذا الزواج الشائه ويفتي نفسه بحله: أترضاه لأختك؟ أترضاه لابنتك؟ أتحب أنك في بيتك أو مشغول بتجارتك أو وظيفتك فتتزوج ابنتك دون علمك؟ إن كنت لا ترضى هذا لنفسك فلمَ ترضاه لبنات المسلمين؟
وأخيراً نقول: ثبت يقيناً أن هذه الظاهرة لا يصح تسميتها زواجاً بل هي زنا وإن سماها الناس زواجاً، فماذا نحن فاعلون للتحذير منها ومن ثم القضاء عليها؟...
ــــــــــــــــــــــــ
الزواج السري وليس العرفي
أ.د. عباس محجوب*
العرف في اللغة هو المعروف وهو بخلاف "النكر" وما تعارف عليه الناس في عاداتهم ومعاملاتهم كما جاء في "المعجم الوسيط" وفي "لسان العرب" العرف والعارفة والمعروف واحد ضد "النكر" وهو كل ما تعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه، والمعروف في الحديث اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله والتقرّب إليه والإحسان إلى الناس وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات أي أمر معروف بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه[1].
والمفهوم الفقهي للعرف لا يخرج عن المفهوم اللغوي مما يجعل وصف الزواج السرّي الذي يتحدث عنه الناس لا ينطبق عليه كلمة "عرفي" لأنه مما تنكره العادات والمعاملات ولا تألفه النفوس الخيّرة ولا تطمئن إليه، وهو مما لا يجيزه شرع ولا عرف ولا عادة.
وقد ظهر في عصرنا ثلاثة أنواع من أنواع الزواج، النوعان الأولان أقرهما عدد من العلماء المُحْدثين مراعاة لجوانب اجتماعية وإنسانية، والثالث منعوه وأنكروه. وتفصيل ذلك كالآتي:
النوع الأول: هو الزواج العرفي، وهو زواج كما يقول عنه الشيخ يوسف القرضاوي "زواج شرعي غير مسجل ولا موثق ولكنه زواج عادي يتكفل فيه الزوج بالسكن والنفقة للمرأة وفي الغالب يكون الرجل متزوجاً بأخرى ويكتم عنها هذا الزواج لسبب أو آخر"[2]. وهذا النوع من الزواج منتشر في مصر وبعض البلاد.
النوع الثاني: هو زواج"المسيار" وهذا النوع من الزواج ليس شيئاً جديداً كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي "إنما هو أمر عرفه الناس من قديم، وهو الزواج الذي يذهب فيه الرجل إلى بيت المرأة ولا تنتقل المرأة إلى بيت الرجل وفي الغالب تكون هذه زوجة ثانية وعنده زوجة أخرى هي التي تكون في بيته وينفق عليها".
فروح هذا الزواج هو إعفاء الزوج من واجب المسكن والنفقة والتَسْوية في القَسْم بينها وبين زوجته الأولى أو زوجاته تنازلاً منها فهي تريد رجلاً يعفها ويحصنها ويؤنسها وإن لم تكلفه شيئاً بما لديها من مال وكفاية تامة"[3].
وهذا النوع من الزواج منتشر في بعض دول الخليج حيث توجد كثرة عظيمة من الفتيات "العوانس" أو من أوشك قطار الزواج أن يفوتهن وهن يملكن المال الكثير ويعشن محرومات -لأسباب العنوسة أو الطلاق أو الترمل– من مطلبهن الفطري في الزواج و الأمومة لذلك تقبل هي بزوج يأتيها في أوقات معينة وتتنازل عن حقوقها المعروفة.
وهذا الزواج شرعي أقره العلماء مراعاة لظروفه فهو يتفق مع الزواج العرفي في تحقق أركان عقد الزواج الصحيح و شروطهما فيهما، وأول ذلك الإيجاب والقبول ممن هو أهل للإيجاب والقبول كما يقول القرضاوي الذي يضيف "وأن يتحقق الإعلام والإعلان به حتى يتميز عن الزنى واتخاذ الأخدان الذي يكون دائما في السر، وهناك حد أدنى في الشرع لهذا الإعلان وهو وجود شاهدين ووجود الولي في رأي المذاهب الثلاثة المعروفة مالك والشافعي وأحمد وألا يكون هذا الزواج مؤقتاً بوقت بل يدخله الرجل والمرأة بنية الاستمرار وأن يدفع الرجل مهراً قلّ أو كثر وإن كان لها بَعْدُ أن تتنازل عن جزء منه أو عنه كله لزوجها إن طابت نفسها بذلك"[4].
ويقول الشيخ القرضاوي "فإذا وجدت هذه الأمور الأربعة:
- الإيجاب والقبول من أهلها.
- والإعلام ولو في حدّه الأدنى.
- وعدم التوقيت.
- والمهر -ولو تنازلت عنه المرأة بعد ذلك–
فالزواج صحيح شرعاً وإن تنازلت المرأة عن بعض حقوقها"[5].
النوع الثالث: الزواج السري، وهذا النوع من الزواج السرّي -الذي يتحدث عنه الناس في السودان- يحمل كثيراً من المخاطر التي تمس المجتمع والأفراد ويمكن أن نجمل بعضها فيما يلي:
أولاً: يخالف هذا الزواج ما تعارفت عليه البشرية في الحضارات المختلفة من أن الزواج نظام اجتماعي ينبني عليه قيام أسرة جديدة في إطار النظم الاجتماعية التي تحددها المجتمعات والديانات.
ثانياً: الزواج الشرعي وسيلة لتحقيق أهداف المجتمع في التعارف والتزاوج وتوثيق الصلات ومقاصد الشرع في إيجاد السكن والمودة في الأسرة وبالتالي في المجتمع.
ثالثاً: الزواج السرّي يخلو من ضوابط الزواج الصحيح القائم على صيغة عقد وولي ومهر وشهود وإشهار.
رابعاً: الزواج السرّي يخالف الزواج الشرعي الذي يحقق الإشباع الجنسي والعفاف والمتعة الحلال وليس عبارة عن لقاءات جنسية عاجلة، ومتعة محرمة مسروقة، وعواطف محمومة لا تهديء نفساً ولا تروي ظمأً ولا تقنع عقلاً.
خامساً: مقاصد الشرع من الزواج المعلن أن يحقق الإنسان عن طريقه سر وجوده في الأرض: عبادة لله، وإعماراً للأرض، وتلبية نفسية وجسدية لغريزة الجنس بما يحقق العفاف والإحصان والسكن والمودة.
سادساً: الزواج السرّي سعار جنسي يتم بين شخصين يحركهما الجنس، وتدفعهما الشهوة دون الارتباط بالمسؤوليات الاجتماعية والخلقية المطلوبة من الزوجين، وهذا ما يفقد هذا الزواج الكفاءة بين الزوجين والتباين في الصفات، والتنافر في الأخلاق، والإغضاء عن كثير من الشروط المطلوبة في زوجين سويين يبحثان عن القيم التي تكفل استمرارية العلاقة وديمومتها.
سابعاً: معظم هذه الزيجات تنتهي بالفشل لأنها تحمل عوامل فشلها منذ بدايتها فهذه الزيجات لا تصمد أمام الخلافات الزوجية والاختلافات الطبعية في الحياة الزوجية السويّة لأنها تفقد الضوابط الأخلاقية، والضمانات المجتمعية التي تجعلها تجتاز الصعوبات و الطوارئ والمشكلات التي لا تخلو منها حياة زوجية.
ثامناً: لا يحقق هذا الزواج مقاصده الاجتماعية والإنسانية في تحقيق التآلف بين أسرتين يتحقق فيهما قول الله سبحانه وتعالى: (وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً و صهراً وكان ربك قديراً)[6]. فهذا الزواج لا يعرفه أسرة الولد أو البنت وليس فيه نفقة ملزمة ولا كسوة، ولا سكن ولا رحمة لأنهما يحرصان على كتمان أمرهما وإخفاء فعلهما ويتملكهما دائما الشعور بالإثم والخوف من المستقبل والقلق والاضطراب.
تاسعاً: يفتح هذا الزواج أبواباً للفساد لأن نهايته معلومة، وعواقبه الندم والحسرة والحقد، ولأنه قائم على أسس واهية فإن أول من يخرج عليه هو الزوج المزعوم لأنه يستمرئ هذه الحياة التي لا يرتبط فيها بعقد ولا مسؤولية فيلجأ لأخرى يخدعها بهذا الزواج المزعوم القائم على الرغبات والأهواء.
عاشراً: هذا النوع انتشر بين طلبة الجامعات في معظمه لأنهم يقضون وقتاً طويلاً مع بعضهم في دهاليز الجامعات وقاعات المحاضرات والمقاهي والحدائق فتحصل الألفة التي يظنونها حباً، فيحاولون إضفاء الشرعية على هذه العلاقات بكل وسيلة وغالباً ما تكون الضحية بعيدة عن حضن الأسرة ورقابة الأهل فتجد التعويض المؤقت في هذا الزواج السرّي الذي غالباً ما تعرف حقيقة ما أقدمت عليه بعد أن تفقد عفتها وكرامتها وربما زوجها الذي هجرها لأخرى أو اختفى من حياتها وما جاء سهلاً يذهب سهلاً. بل إن بعضهم اتخذ من هذا الزواج السرّي باباً لابتزاز الفتيات والتشهير بهن وبأسرهن وتحطيم حياتهن.
حادي عشر: الزواج الشرعي يترتب عليه حقوق وواجبات وأبوة وبنوة ونفقة وميراث وهذا ما لا يتوافر في هذا الزواج الذي لا يترتب عليه شيء لأنه سفاح وعلاقة لا يسمح بها عرف ولا يقرها شرع. يقول الإمام ابن قيم الجوزية في إعلام الموقعين عن رب العالمين "إن الشارع اشترط للنكاح أربعة شروط زائدة عن العقد تقطع عنه شبهة السفاح كالإعلان والولي ومنع المرأة أن تليه بنفسها وندب إلى إظهاره حتى استحب فيه الدف والصوت والوليمة لأن في الإخلال بذلك ذريعة إلى وقوع السفاح بصورة النكاح وزوال بعض مقاصده من جحد الفراش . ثم أكد ذلك بأن جعل للنكاح زمناً من العدة يزيد على مقدار الاستبراء وأثبت أحكاماً من المصاهرة وحرمتها من الوراثة زائدة على مجرد الاستمتاع فعلم أن الشارع جعله سبباً وصلة بين الناس بمنزلة الرحم كما جمع بينهما في قوله تعالى (وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً) وهذه المقاصد تمنع شبهة بالسفاح".
والخلاصة.. أن الأصل في الزواج هو الإشهار و عدم السريّة، فإذا اشترط في الزواج أياً كان مسماه الكتمان فهو باطل على رأي العلماء. كما أن الزواج المباح عرفاً أو غير ذلك إذا كان مؤدياً إلى ضرر وفساد فإن المنع هو المطلوب وجوباً أو استحباباً حسب مظنّة الضرر قرباً أو بعداً، كبر أو صغر، كما يقول القرضاوي. والزواج السرّي السائر بين الشباب فيه ضرر كبير على الأفراد وعلى المجتمع، وهو محاولة لتقنين العلاقات المحرّمة باسم الزواج وهو ليس كذلك.
----------
[1] ابن منظور – لسان العرب – ج 9 – ص 240 .
[2] د. يوسف القرضاوي – زواج المسيار – ص 15 .
[3] المصدر السابق – ص 9 .
[4] المصدر السابق – ص 11 .
[5] المصدر السابق ص 12 .
[6] سورة الفرقان: 54 .
ــــــــــــــــــــــــ
الزواج العرفي
...
...
2911
...
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب, فقه
...
...
الكبائر والمعاصي, النكاح, قضايا الأسرة
...
عبد الحي يوسف
...
...
الخرطوم
...
...
...
غير محدد
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
ملخص الخطبة
1- الشريعة معناها تحقيق مصالح العباد. 2- إباحة النكاح والحث على تسهيل وسائله. 3- الأنكحة المحرمة والفاسدة. 4- انتشار النكاح العرفي. 5- أدلة تحريمه والفرق بينه وبين النكاح الشرعي. 6- دواعي انتشار هذا النكاح وأسبابه.
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى, وخير الهدي هدي محمد , وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار, وما قلّ وكفى خيرٌ مما كَثُر وألهى, وإنّ ما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين.
أما بعد: أيها المسلمون، عباد الله، فإنّ شريعة الإسلام قد جاءت بإباحة كل حلالٍ طيب, وتحريم كل ضارٍ خبيث؛ كما قال رسول : ((بُعثت بالحنيفية السّمحة)).
كان دينه صلوات ربي وسلامه عليه قائمًا على الحنيفية في العقائد ملّة إبراهيم عليه السلام، وعلى السّماحة في الشرائع، فليس في شريعة الإسلام ما هو في غير نطاق طاقة العبد, لاَ يُكَلّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286]، وليس في شريعة الإسلام حرج ولا تكليفٌ بما لا يُطاق, بل شريعة الإسلام مبناها على اليسر, مبناها على السهولة, مبناها على الحكمة، ما أباح الله شيئًا من المطاعمِ والمشارب والملابس والمراكب والمناكح وغير ذلك إلا لأنّه نافعٌ طيّب, ولا حرّم علينا شيئًا إلا لأنّه ضارٌ خبيث.
ومما أباحته شريعة الإسلام ورغّبت فيه وحثّت عليه وأمرت بتيسير السُّبل الموصلة إليه الزواج الشرعي الذي يحصل به غضُّ البصر وإحصان الفرج وحفظ النسل وإغناء النفس وقضاء الوَطَر وغير ذلك من المنافع العظيمة، قال الله عز وجل: وَأَنْكِحُواْ الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32], وقال رسول الله : ((تناكحوا تناسلوا، فإني مكاثرٌ بكم الأنبياء يوم القيامة)), وصحّ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنّه قال لتلميذه سعيد بن جُبير رحمه الله: تزوّج فإنّ خير هذه الأمة أكثرها نساءً، يعني بذلك رسول الله والذي قال: ((النكاح من سنتي, فمن رغب عن سنتي فليس مني)).
هذا الزواج الشرعي مطلوبٌ منّا ـ أيها المسلمون عبادَ الله ـ أنْ يحثّ بعضنا بعضًا عليه, وأنْ يأمر بعضنا بعضًا به, لأنّ الله تعالى أمرنا, ولأنّ نبينا حثّنا وبيّن أنّ هذا النكاح سببٌ للإغناء: ((ثلاثةٌ حقٌ على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله, والناكح يريد العفاف, والمكاتب يريد الأداء)). هذا النكاح تقوى به الأواصر, وتعظم به العلاقات بين المؤمنين والمؤمنات, وتنتُج منه الذرية الصّالحة التي تعمُر الأرض بطاعة الله, تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
لمّا كان هذا النكاح بهذه المنزلة العظيمة وبهذه المكانة الجليلة فإنّ شريعة الإسلام قد سنت فيه أحكامًا ووضعت له ضوابط وحدّت له حدودًا، فليس كلُّ نكاحٍ صحيحًا, وليس كلُّ زواجٍ يُعدّ شرعيًا, بل لا بدّ من أركان, لا بدّ من شروط, إذا اختلت فإنه يقعُ فاسدًا, يقعُ باطلاً, لا تترتب عليه آثاره, ولا يحل الإقامة عليه.(48/9)