1ـ الحراني/ تحف العقول/ ص275/ ط2.
2ـ الطبرسي/ مجمع البيان / ج10 / ص396.
3ـ الشيخ عباس القمي/ سفينة البحار/ باب الحاء بعده السين/ ج1 / ص250 .
*ـ الكيِّس: الفَطِن، الحسن الفهم والأدب.
*ـ الأحمق: من الحمق، وهو قلة العقل أو فساد فيه.
4ـ الحر العاملي/ الوسائل/ ج11/ ص380/ ح9، والترمذي/ باب القيامة / ح25.
5ـ العاملي/ نفس المصدر السابق/ ص377.
6ـ جلال الدين السيوطي/ الجامع الصغير/ ج1/ ص469/ الحديث 3472. والشحّ: البخل والحرص.
7ـ الحراني/ تحف العقول/ ص457/ ط2.
8ـ المصدر السابق / ص 336.
9ـ الطبرسي/ مشكاة الأنوار/ ص107 / ط2.
10ـ الحرّاني/ تحف العقول/ ص489 /مواعظ الإمام العسكري/ ط2.
11ـ الطبرسي/ مشكاة الأنوار/ ص106/ ط2.
12ـ المصدر السابق .
13ـ العاملي / الوسائل/ ج 11/ص376، عن الإمام الصادق (ع).
14ـ لقد مرّ علينا الحديث في الصفحات السابقة.
15ـ العاملي/ الوسائل/ ج11/ ص379/ ح7.
16ـ المصدر السابق / ح8.
17ـ المصدر السابق / ص380/ ح10.
18ـ الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني/ سنن ابن ماجة/ ج2/ ص1423.
19 ـ الصدوق/ الخصال/ ج1/ ص11.
20ـ الإمام علي (ع)/ نهج البلاغة/ القسم الثاني/ ص191.
21ـ المصدر السابق /ص229.
22 ـ العاملي/ الوسائل/ ج11/ ص183/ ح1.
23ـ المصدر السابق / ص378/ ح3.
------------------------
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/251)
كيف يحقق الإسلام الأمن والسكينة والطمأنينة
* ناهد الخراشي
قال الله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهو مهتدون). (الأنعام: 82)
الحياة كنوز ونفائس أعظمها الإيمان بالله . . . وطريقها مناره القرآن الكريم فالإيمان إشعاعه أمان . . .
والأمان يبعث الأمل . .والأمل يثمر السكينة . . .والسكينة نبع للسعادة . . .والسعادة حصادها أمن وهدوء نفسي . .فلا سعادة إنسان بلا سكينة نفس، ولا سكينة نفس بلا اطمئنان القلب.
مما لا شك فيه أن كلاً منا يبحث عن السعادة ويسعى إليها، فهي أمل
كل إنسان ومنشود كل بشر والتي بها يتحقق له الأمن النفسي.
والسعادة التي نعنيها هي السعادة الروحية الكاملة التي تبعث الأمل
والرضا، وتثمر السكينة والاطمئنان ، وتحقق الأمن النفسي والروحي
للإنسان فيحيا سعيداً هانئاً آمناً مطمئناً.
وليس الأمن النفسي بالمطلب الهين فبواعث القلق والخوف والضيق
ودواعي التردد والارتياب والشك تصاحب الإنسان منذ أن يولد وحتى
يواريه التراب.
ولقد كانت قاعدة الإسلام التي يقوم عليها كل بنائه هي حماية الإنسان
من الخوف والفزع والاضطراب وكل ما يحد حريته وإنسانيته
والحرص على حقوقه المشروعة في الأمن والسكينة والطمأنينة
وليس هذا بالمطلب الهين فكيف يحقق الإسلام للمسلمين الأمن
والسكينة والطمأنينة.
إن الإسلام يقيم صرحه الشامخ على عقيدة أن الإيمان مصدر الأمان،
إذن فالإقبال على طريق الله هو الموصل إلى السكينة والطمأنينة
والأمن، ولذلك فإن الإيمان الحق هو السير في طريق الله للوصول
إلى حب الله والفوز بالقرب منه تعالى.
ولكن كيف نصل إلى هذا الإيمان الحقيقي لكي تتحقق السعادة والسكينة
والطمأنينة التي ينشدها ويسعى إليها الإنسان لينعم بالأمن النفسي.
إننا نستطيع أن نصل إلى هذا الإيمان بنور الله وسنة رسوله صلى الله
عليه وسلم، ونور الله هنا هو القرآن الكريم الذي نستدل به على الطريق
السليم ونأخذ منه دستور حياتنا . . وننعم بنوره الذي ينير القلب والوجدان
والنفس والروح والعقل جميعاً. أليس ذلك طريقاً واضحاً ووحيداً لنصل
إلى نعمة الأمن النفسي؟
لقد عُني القرآن الكريم بالنفس الإنسانية عناية شاملة . . عناية تمنح
الإنسان معرفة صحيحة عن النفس وقاية وعلاجاً دون أن ينال ذلك
من وحدة الكيان الإنساني ، وهذا وجه الإعجاز والروعة في عناية
القرآن الكريم بالنفس الإنسانية ، وترجع هذه العناية إلى أن الإنسان
هو المقصود بالهداية والإرشاد والتوجيه والإصلاح.
فلقد أوضح لنا القرآن الكريم في الكثير من آياته الكريمة أهمية الإيمان
للإنسان وما يحدثه هذا الإيمان من بث الشعور بالأمن والطمأنينة في
كيان الإنسان وثمرات هذا الإيمان هو تحقيق سكينة النفس وأمنها
وطمأنينتها.
والإنسان المؤمن يسير في طريق الله آمناً مطمئناً، لأن إيمانه الصادق
يمده دائماً بالأمل والرجاء في عون الله ورعايته وحمايته، وهو يشعر
على الدوام بأن الله عز وجل معه في كل لحظة، ونجد أن هذا الإنسان
المؤمن يتمسك بكتاب الله لاجئاً إليه دائماً، فهو بالنسبة له خير مرشد
بمدى أثر القرآن الكريم في تحقيق الاستقرار النفسي له.
فمهما قابله من مشاكل وواجهه من محن فإن كتاب الله وكلماته المشرقة
بأنوار الهدى كفيلة بأن تزيل ما في نفسه من وساوس، وما في جسده من
آلام وأوجاع، ويتبدل خوفه إلى أمن وسلام، وشقاؤه إلى سعادة وهناء كما
يتبدل الظلام الذي كان يراه إلى نور يشرق على النفس، ويشرح الصدر،
ويبهج الوجدان . . فهل هناك نعمة أكبر من هذه النعمة التي إن دلت على
شيء فإنما تدل على حب الله وحنانه الكبير وعطائه الكريم لعبده المؤمن.
إن كتاب الله يوجه الإنسان إلى الطريق السليم ، ويرشده إلى السلوك السوي
الذي يجب أن يقتدى به . . .يرسم له طريق الحياة التي يحياها فيسعد في
دنياه ويطمئن على آخرته.
إنه يرشده إلى تحقيق الأمن النفسي والسعادة الروحية التي لا تقابلها أي
سعادة أخرى ولو ملك كنوز الدنيا وما فيها.
إنه يحقق له السكينة والاطمئنان، فلا يجعله يخشى شيئاً في هذه الحياة فهو
يعلم أنه لا يمكن أن يصيبه شر أو أذى إلا بمشيئة الله تعالى ، كما يعلم أن
رزقه بيد الله وأنه سبحانه وتعالى قد قسم الأرزاق بين الناس وقدَّرها،
كما أنه لا يخاف الموت بل إنه حقيقة واقعة لا مفر منها، كما أنه يعلم
أنه ضيف في هذه الدنيا مهما طال عمره أو قصر، فهو بلا شك سينتقل
إلى العالم الآخر، وهو يعمل في هذه الدنيا على هذا الأساس، كما أنه
لا يخاف مصائب الدهر ويؤمن إيماناً قوياً بأن الله يبتليه دائماً في الخير
والشر، ولولا لطف الله سبحانه لهلك هلاكاً شديداً.
إنه يجيب الإنسان على كل ما يفكر فيه ، فهو يمنحه الإجابة الشافية
والمعرفة الوافية، لكل أمر من أمور دينه ودنياه وآخرته.
إن كتاب الله يحقق للإنسان السعادة لأنه يسير في طريقه لا يخشى شيئاً
إلا الله، صابراً حامداً شاكراً ذاكراً لله على الدوام ، شاعراً بنعمة الله
عليه . . يحس بآثار حنانه ودلائل حبه... فكل هذا يبث في نفسه طاقة
روحية هائلة تصقله وتهذبه وتقومه وتجعله يشعر بالسعادة والهناء،
وبأنه قويٌ بالله . . . سعيدٌ بحب الله ، فينعم الله عز وجل عليه بالنور
والحنان، ويفيض عليه بالأمن والأمان ، فيمنحه السكينة النفسية
والطمأنينة القلبية.
مما سبق يتضح لنا أن للقرآن الكريم أثر عظيم في تحقيق الأمن النفسي،
ولن تتحقق السعادة الحقيقية للإنسان إلا في شعوره بالأمن والأمان،
ولن يحس بالأمن إلا بنور الله الذي أنار سبحانه به الأرض كلها،
وأضاء به الوجود كله . . . بدايته ونهايته، وهذا النور هو القرآن الكريم.
ويؤكد لنا القرآن الكريم بأنه لن يتحقق للإنسان الطمأنينة والأمان
إلا بذكره لله عز وجل :
قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن
القلوب) [الرعد:28]
إذن علينا أن نتمسك بكتاب الله ونقتدي به ، ونتدبر في آياته البينات،
ونتأمل في كلماته التي لا تنفد أبداً :
قال تعالى: (قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ
كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً) [الكهف:109]
حتى نتحلى بالإيمان الكبير في هذه الرحلة الروحية مع آيات الله فنتزود
بما جاء به القرآن الكريم من خلق عظيم، وأدب حميد ، وسلوك فريد،
ومعرفة شاملة بحقيقة النفس الإنسانية كما أرادها الله عز وجل أن تكون،
وترتقي حيث الحب والخير والصفاء والنورانية، فننعم بالسلام الروحي
الممدود، والاطمئنان القلبي المشهود، والأمن النفسي المنشود.
* كاتبة اسلامية وعضو مجلس ادارة المجمع العلمي لبحوث القرآن والسنة
ــــــــــــــــــــ(42/252)
الوفاء بالوعد صفة أخلاقية من أجلّ صفات الإنسان . .
الوفاء بالوعد قاعدة أساسية من قواعد توفير الثقة في المجتمع ، ومنهج عملي في التربية على الالتزام الذاتي . .
فالإنسان عندما يقطع عهداً ، أو وعداً على نفسه ، إنّما يُنشئ عقداً والتزاماً ، وإلزاماً ذاتياً لنفسه ، فيكون مسؤولاً عن الوفاء به .
والوفاء بالوعد صفة من صفات الله تعالى . . وهذه المسألة كانت موضع خلاف بين الشيعة الإمامية والأشاعرة . . فقد ذهبت الشيعة الإمامية إلى أنّ الله سبحانه لا يمكن أن يخلف وعده . . فقد وعد بمعاقبة المسيء ، ومجازاة المحسن بالجنان والنعيم يوم الجزاء ، ويجب على الله الوفاء بوعده ، وهو سبحانه قد يعفو عن المسيء ، ولكنّه لا يضيع أجر المحسن . . ورد عليهم الأشاعرة بأنّ الله لا يجب عليه الوفاء بما وعد ، فهو عزّ وجل لا يُسأل عما يفعل . . وتلك إساءة فهم من الأشاعرة للآية الكريمة : (لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون ) .
تلك مسألة لا تحتاج إلى مثل هذا الجدل اللفظي . . فالقرآن ناطق بتلك الحقيقة ، قال تعالى : (وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) (الروم / 6) .
وكم أمر القرآن بالوفاء بالعهد وأثنى على إسماعيل (عليه السلام) لوفائه بالوعد ، وعرضه نموذجاً أخلاقياً في ذلك ، قال تعالى : (واذكر في الكتاب إسماعيل إنّه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً ) (مريم / 54) .
والرسول الهادي محمد (ص) كان المثل الأعلى في الالتزام الأخلاقي ، فهو القائل : «بعثت لأُتمم مكارم الأخلاق» .
والوفاء بالوعد خلق من أهم ما يحمله الإنسان من أخلاق فاضلة . .
فالزمان والمكان والموضوع الذي يعد الإنسان بفعله أو تركه له الأثر الكبير في حياة الانسان ، وليس من المعقول العبث بتلك العناصر الحيوية في حياة الإنسان . . وللوفاء بالوعد علاقة بالثقة بذلك الإنسان واحترامه لذاته وللكلمة التي يطلقها ذلك الواعد ، كما له علاقة باحترام الطرف الآخر الموعود . . احترام وقته وشخصيته ومشاعره النفسية ، والاهتمام بقضيته التي يعده بها وبمصلحته ، فكثيراً ما يضيّع خلف الوعد الوقت والمصلحة ، بل قد يجلب الضرر على الآخرين ، كما يفقد الثقة بمن يعد ولا يفي لغير عذر مشروع .
وفي دراستنا لسيرة الرسول (ص) العملية نجده مثال الوفاء بالوعد ، والصدق في القول والعمل . . وآثرنا في هذا البحث أن ننقل صورة رائعة من صور الوفاء النبوي الكريم :
فعن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنه قال : «كان رسول الله (ص) واعد رجلاً إلى صخرة فقال : أنا لك هنا حتى تأتي ، قال : اشتدت الشمس عليه ، فقال له أصحابه : يا رسول الله ، لو أنك تحوّلت إلى الظل قال : وعدته هاهنا ، وإن لم يجئ كان منه الحشر»(1) .
إنّها القدوة والتربية العملية لأصحابه (ص) على الوفاء بالوعد ، ولمن يقودهم ويتعامل معهم ، ويأمر بالصدق والوفاء . . إنّه لا يريد أن يتزحزح عن المكان ، ولو لخطوات ، وإن تحمل أذى الشمس وحرّها ليفي بكلمته التي أطلقها : «أنا لك هنا» . . لذلك يجيب أصحابه : «أنا وعدته هاهنا» .
إنّه الاحترام الصادق للوعد وللكلمة ، والتربية على الالتزام الذاتي ، وتركيز الثقة بالعهود والمواثيق .
* البلاغ
(1) الطباطبائي ، سنن النبي ، ص 13 ، نقلاً عن مكارم الأخلاق للطبرسي .
ــــــــــــــــــــ(42/253)
المراهق والتكيف الصحيح مع المحيط الذي يعيش فيه ..
* د. عبداللطيف معاليقي
تجمع الدراسات النفسية والاجتماعية اليوم، على أن نهاية أزمة المراهقة تتوقف على عوامل داخلية وخارجية، ولكنها تتمحور في شكلها العام بتحقيق شرطين أساسيين:
ـ الشرط الأول: أن تنتهي الاضطرابات العضوية التي تصاحب انتظام الوظائف الجنسية.
ـ الشرط الثاني: أن توظف الحياة الاجتماعية المراهق وتشغله.
في أكثر المجتمعات القائمة يحدث هذان الشرطان في وقت واحد. فالزواج والعمل في مهنة يمكنان الفرد من الانخراط في المجتمع ونظمه.
وقد تكون نهاية هذه الأزمة، بالنسبة لبعض المراهقين في نهاية دراستهم. وهي تتم بهدوء، خصوصاً لدى المراهقين والمراهقات الذين لم تبلغ أزمة المراهقة عندهم شدتها. ولكن التغير الجذري يحدث، في أغلب الأحيان، لدى التخرج والالتحاق بوظيفة ما، مما يخلق الشعور بالاستقلالية عن الأهل، والتخلص من الاتكالية الاقتصادية. ولكن التكيف الأكمل يتم بالزواج الذي ينظم الوظائف الجنسية والوظائف الاجتماعية، كون الزواج هو المؤشر القانوني للإنجاب ولتأسيس عائلة، وهو، في الوقت نفسه، مصدر للثقة بالذات والتوازن العقلي ولعلاقات جديدة ومتعددة بالمحيط.
فالعيش المشترك الذي يفرضه الزواج يستوجب تنازلات متبادلة وانفصال عن عادات كثيرة. فالأمومة والأبوة يؤديان إلى ظهور حاجات ومشاعر وأفكار جديدة تكبت هموم وصراعات المراهقين، فيحدث، نتيجة لذلك، تغير جذري في البنية النفسية، إذ تتغير طريقة التفكير ويتبدل أسلوب التصرف.
يرى ((دبس)) إنه إذا لم يحقق الزواج التكيف الجنسي والاجتماعي فإن الاضطرابات لدى الفرد تستمر أو تبعث من جديد. فحالات الطلاق هي نتيجة عدم التوافق في المزاج الذي تسببه رغبة أحد الزوجين، أو الإثنين معاً، في الحفاظ على ميوله وأفكاره وعاداته، أي البقاء كما كان مراهقاً)).
والزواج والعمل يحرران الفرد من عائلته ويجعلانه مستقلاً: أولاً تحرر في السكن، وثانياً استقلال اقتصادي. وكلاهما مؤشر على انتهاء آخر الروابط المفروضة، وبهما يصبح مطلب المراهق في الاستقلال حقيقة واقعة.
ولكن لا ينبغي أن نعتقد بأن المراهق يتخلى كلياً عن تمايزه وتفرده. إن كثيراً من الأفراد يتظاهرون بتكيفهم مع الواقع دون التنازل عن نرجسيتهم ومثاليتهم.
وفي حالات كثيرة، كما يقول ((دبس)) نجد لدى بعض المراهقين رفضاً واعياً أو غير واع للدخول في مرحلة الرشد، وميلاً إلى البقاء في مرحلة المراهقة، وهؤلاء هم الذين يطلق عليهم تسمية الراشدين المراهقين والراشدين الرومانسيين إضافة إلى المضطربين عقلياً، الذين يتصفون بعدم تكيف مع الواقع.
ــــــــــــــــــــ(42/254)
نظرية المعرفة في الاسلام وكيفية تكونها لدى الانسان
من الثابت علمياً ان الانسان يولد صفحة بيضاء، خالية من أي اتجاه أو تشكل للذات، وإنما يحمل الاستعداد لتلقي العلوم والمعارف وتكوين الشخصية والتشكل وفق خط سلوكي معين.لذا نجد القرآن الكريم يخاطب الانسان بهذه الحقيقة،ويذكِّره بنعمة العلم والتعليم والهداية.
قال تعالى: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لاتعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون). (النحل/78)
ويترجم الامام علي (عليه السلام) هذه الحقيقة العلمية فيقول:
(وإنّما قلب الحدث كالارض الخالية، ماألقي فيها من شيء قبلته)(3).
شرح العلامة الحلي مراحل تكوُّن المعرفة لدى الطفل فقال: (إعلم أن الله خلق النفس الانسانية في بداية فطرتها خالية من جميع العلوم بالضرورة، قابلة لها بالضرورة، وذلك مشاهد في حال الاطفال. ثم إنّ الله تعالى خلق للنفس آلات بها يحصل الادراك، وهي القوى الحساسة، فيحس الطفل في أوَّل ولادته، يحس لمس مايدركه من الملموسات، ويميز بواسطة الادراك البصري على سبيل التدرج بين أبويه وغيرهما.
وكذا يتدرج في الطعوم وباقي المحسوسات الى ادراك مايتعلق بتلك الالات، ثم يزداد فطنة فيدرك بواسطة إحساسه بالامور الجزئية الامور الكلية من المشاركة والمباينة، ويعقل الامور الكلية الضرورية بواسطة إدراك المحسوسات الجزئية، ثم إذا استكمل الاستدلال، وتفطن بمواضع الجدال، وأدرك بواسطة العلوم الضرورية العلوم الكسبية، فظهر من هذا أن العلوم الكسبية فرع على العلوم الضرورية الكلية، والعلوم الضرورية الكلية فرع على المحسوسات الجزئية)(4).
من هذا الشرح لمدلول الاية تتحدد نظرية المعرفة في الاسلام وكيفية تكونها لدى الانسان منذ نشأته الاولى، مؤصَّلة على قاعدة قرآنية.
وعلى هذا الفهم، وتلك الاسس العلمية لتلقي المعرفة وتكُّون الشخصية تبتني النظرية التربوية في الاسلام، ويبدأ تكليف الابوين في اعداد الطفل وتربيته وتعليمه.
والتربية في مراحلها الاولى هي مران وتدريب سلوكي عملي يتلقاه الطفل عن طريق الحس من أبويه فيكتسب منهما السلوك والاخلاق والعادات وطريقة التعامل.
لذا فان السلوك العائلي، ومحيط الاسرة الثقافي يؤثران تأثيراً بالغاً في تكوين الشخصية واتجاهها المستقبلي.
أما التعليم فهو تلقي العلوم والمعارف لتكوين عقلية الانسان وطريقة تفكيره وثقافته، وتشكيل صبغة الهوية الفكرية لشخصيته; لذا جاء في الحديث الشريف: (مامن مولود يولد إلا على هذه الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه)(5).
ولاهمية التربية في بناء الشخصية والسلامة النفسية من العقد والانحرافات وأثرها في سعادة الانسان وشقائه في مستقبل حياته وآخرته، ودورها الفاعل في حضارة المجتمع وتقدمه العلمي والتنموي اكّد الاسلام الاهتمام بالتربية وتوجيه الطفل والعناية الفائقة به سيّما في سنيّه الاولى. فالتربية تؤثر على أمن المجتمع، وصحته ونظافة بيئته، وإنتاجه الاقتصادي، واستقراره السياسي وتقدمه العلمي والحضاري.
فالطفل الذي ينشأ كسولاً مهملاً، لايمكن أن يكون إنساناً منتجاً يعرف كيف يوظف وقته وطاقته، ويطوِّر انتاجه وقدراته، أو يواصل تحصيله العلمي والخبروي.
والطفل الذي ينشأ مشرداً متمرداً نتيجة لسوء تعامل الابوين أو المدرسة أو السلطة من الصعب أن يكون إنساناً ملتزماً بالقانون، يحافظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي لبلده وأمته.
والطفل الذي يعيش في بيئة شاذة، أو يُربّى تربية منحطة تترك تلك التربية تأثيرها في سلوكه فتجني عليه، وتصنع منه انساناً مجرماً معذَّباً في حياته وشقياً في اخرته.
فقد أثبتت التجارب والاحصائيات العلمية التي أجراها الباحثون أثر التربية في تكوين الفرد والمجتمع فجاءت متطابقة مع تشخيص الرسالة الاسلامية ومقرراتها العلمية في التربية نذكر منها:
تقول معظم الدراسات التي اجريت في العالمين العربي والغربي بان سني الطفولة الاولى هي سني تكوين الشخصية الانسانية وتنمية المواهب الفردية. فالولد يكتسب من احتكاكه بمحيطه ردات فعل على المثيرات الخارجية بحيث تكتمل نصف ردات فعله الثابتة في حياته في السنوات الاولى من حياته. وبديهي ان يكون للقيم السلوكية الايجابية والسلبية السائدة في محيطه العائلي دور فعال ومؤثر في تكوّن طريقة تعامله مع الغير. وتثبت الابحاث التربوية ايضاً أن تكوّن الصورة الذاتية لدى الطفل منذ حداثة سنه تؤثر في نظرته الى نفسه طيلة سني حياته. فاذا تكونت لديه صورة سلبية عن مقدرته ومكانته في عائلته بأن شعر نفسه مهملاً، دون دور معين في محيطه العائلي، لايثير اهتمام أحد كأن وجوده أو عدمه سيّان نمت لديه صورة قاتمة عن مكانته في المجتمع، ماتلبث ان تترجم بتصرفات تؤدي الى اثبات الوجود عبر سياق تعويضي يتصف بالعنف أو بالمشاكسة أو بالانحراف. وبالعكس اذا وجد الرعاية والمحبة والعاطفة والتقدير والتشجيع بين افراد اسرته زهت صورته عن نفسه ونمت مقدراته ومواهبه واصبح يشعر باشراقة مضيئة تشع من شخصيته فتؤهله للقيام بدور فعال في حياته العائلية ومن ثم المدرسية والمهنية والاجتماعية.
اثبت التقرير الذي وضعه كولمان نتيجة لابحاثه التربوية المؤيدة بالابحاث التي قام بها المجلس الاستشاري المركزي للتربية في انكلترا ان خمسين بالمئة من ذكاء الاولاد البالغين السابع عشرة من عمرهم يتكون بين فترة تكون الجنين وسن الرابعة. وان خمسين بالمئة من المكاسب العلمية لدى البالغين ثمانية عشر عاماً تتكون ابتداءً من سن التاسعة. وان 33% من استعدادات الولد الذهنية والتصرفية والمقدامية والعاطفية يمكن التنبؤ بها في سن الثانية، وتصبح درجة التنبؤ 50% في سن الخامسة. وتضيف دراسة اخرى ان نوعية اللغة التي يخاطب بها الاهل اولادهم تؤثر الى حد كبير في فهم هؤلاء وتمييزهم لمعاني الثواب والعقاب وللقيم السلوكية لديهم ولمفاهيمهم ودورهم واخلاقيتهم(6).
ويعتبر الاسلام أن من أهم مكاسب الانسان في الدنيا أن يكون له ولد صالح، سوِّي الشخصية والسلوك.
فقد روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله) قوله: (من سعادة الرجل الولد الصالح)(7).
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (ميراث الله من عبده المؤمن الولد الصالح يستغفر له)(8).
البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/255)
الإنسان قيمة دينية وحضارية
إنّ القضية المحورية في منهج القرآن هي إنسانية الانسان واحترامها، وتعريفه حقّه تجاه ربّه وبني نوعه ، والحفاظ على تلك الحقوق من خلال تعامل خالق الوجود في هذا الوجود والمجتمع والسلطة معه ، ونظرته إلى ذاته .
فالذي لا يفهم قيمته الانسانية في هذا الوجود لا يستطيع أن يحقِّق لذاته قيمة لدى الآخرين في الأسرة والمجتمع والدّولة .
ويحدِّد القرآن هذه القيمة الانسانية من خلال حديثه عن كيفيّة تعامل خالق الوجود معه ، قال تعالى :
(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُم فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُم عَلَى كَثِير مِمَّن خَلَقْنا تَفْضِيلاً ). ( الإسراء / 70 )
والقرآن حين يتحدّث عن الانسان يتحدّث عنه كقيمة إنسانية ، وليس أجهزة ماديّة تُمارِس عملها بالطّرق البايولوجية والفسيولوجية، وإن أعطى هذا الجانب حقّه .
فهو تعامل مع الانسان بانسانيّته ، الإنسان العاقل المُدرِك ، الإنسان المُريد المختار، الإنسان الأخلاقي الذي يستحسن الخير والحبّ والجمال، ويستقبح القبح والشرّ في سلوكه والموضوعات من حوله ، ويستشعر قيمتها في وعيه ووجدانه .
وحينما يتصرّف الانسان كعقل وشعور وجداني ، وإرادة ومشاعر ، ويتحرّك ويعمل من حول قيم الحق والخير والجمال ، يكون قد تحرّك من خلال إنسانيّته ..
فهو يستطيع أن يفهم أ نّه إنسان عندما يُحقّ الحقّ ويُبطِل الباطل ..
ويستطيع أن يفهم أ نّه إنسان عندما يرفض الظّلم والعدوان على الآخرين ، ويميِّز بين العدل والظّلم ، فينصر المظلوم ويردع الظّالم ..
ويستطيع أن يفهم أ نّه إنسان عندما يتصرّف كعاقل مُدرِك مع الأشياء والوقائع ، وما يواجهه من مواقف وأفكار واطروحات تعاملاً عقليّاً ..
ويستطيع أن يفهم أ نّه إنسان عندما يواجه آلام الآخرين فيتحسّس تلك الآلام،ويشاركهم محنتهم..
ويستطيع أن يفهم أ نّه إنسان عندما يستعمل إرادته وعقله ، عندما يواجه إثارات تقوده فيها الغريزة والشّهوة والإنفعال ، ليتحرّك من غير إرادة ولا إختيار ، ثمّ يعود له وعيه ..
فعندما تتوارى المشاعر والأحاسيس الانسانية من نفسه ، ويغيب العقل والإرادة فلا يُفرِّق بين الحقّ والباطل، ولا يميِّز بين الحَسن والقبيح في فعله وقوله . ولا يقف إلى جانب المظلوم
والمضطهد ، ولا تتحرّك في وجدانه مشاعر الرّحمة تجاه المعذّب والمحروم، ولاتعيش في نفسه مشاعر الحبّ والخير للآخرين، ولايقابل الإحسان بالإحسان..
عندما تتكاثف تلك الحالات الظّلاميّة في نفس هذا الكائن ، يفقد إنسانيّته فيتحوّل في مفهوم القرآن إلى حيوان، لايستحقّ إسم الانسان.
(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إلاّ كالأنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ). ( الفرقان / 44 )
(وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَيُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذَانٌ لاَيَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كالأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الغافِلُونَ * وَللهِِ الأَسْماءُ الحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا ا لّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُون ).
( الأعراف / 179 ـ 180 )
والقرآن في هاتين الآيتين يوحي لنا بأنّ انسانيّة الانسان لاتتكامل إلاّ عندما يؤمن أنّ هناك أسماءً من الحقّ والعدل والعفو والرّحمة والإحسان والحبّ والخير والجمال ... هي أسماء الله التي سُمِّيت بها ذاته وصفاته وأفعاله ، فيتّجه نحوها ويجسِّد مفاهيمها قيماً سلوكيّة في حياته .
فيصنع الحياة بوحي من تلك القيم ، وبذا تتسامى ذات الانسان نحو الربّانيّة وتكتمل في الربّانيِّين الّذين اتّبعوا الدِّين، لذا يدعونا الرّسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن نحقِّق إنسانيتنا بالتخلّق بتلك الصِّفات التي سمّاها القرآن الحُسنى،فقال:«تخلّقوا بأخلاق الله».
ويأتي البيان النبويّ ليوضِّح العلاقة بين الإيمان والالتزام بالقيم الأخلاقيّة ، فيقول : «أكملكم إيماناً أحسنكم خلقاً» .
وعندما يسود المعمورة الحبّ والسّلام ، وتشرق شمس العدل في كل أفق من ربوع الأرض، ويلتزم الانسان بقيم الحق والعدل، ويتعامل الناس بالصِّدق والرّحمة، ويتسامون نحو الرّبّ ومبدأ الوجود ، يستطيع هذا الكائن أن يقول أنا إنسان .
أمّا الأسلحة والصّواريح والقنابل النووية والأسلحة الكيمياوية والجرثومية التي صنعها الانسان،وقدرات الانتاج المحتكرة التي تجلب على البشرية الظّلم والاستعباد والحرمان،فإنّها ومع غياب القِيَم الانسانية لاتصنع من هذا الكائن إنساناً،بل وتقترب به من الشيطانية والبهيميّة.
وتلك صورة الانسان عندما يتجرّد من إنسانيته كما يرسمها لنا القرآن :
(... إِنْ هُمْ إلاّ كالأنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ).
وهكذا تتجسّد لنا صورتان متقابلتان تعرضهما الآيتان ; صورة الانسان الأضلّ من البهيمة، إنسان الظّلم والكفر والحقد والشرّ والفساد والشحّ ، وصورة الإنسان المتمثِّل للأسماء الحسنى، إنسان الحقّ والعدل والحبّ والإيمان والإصلاح .
والإنسان الحضاري هو الانسان الذي يسعى القرآن لصنعه هو إنسان الحقّ والعدل والحب والرحمة ..
وكم حشّد القرآن من وسائل التوعية والتربية للخروج بالانسان من الارتكاس في وحل البهيميّة إلى سموّ القيم،وإنسانيّة الانسان.وهو يتحدّث عن الانسان كمحور في هذه الحياة،فهو الخليفة المخاطَب بالعهد والأمانة والخلافة،وكان الحق سبحانه إلى جنبه في معركته مع الشيطان منذ انطلقت كلمة القدر،وخلق الانسان على هذه الأرض،وبدأت المعركة بينه وبين الشيطان،قوّة الشرّ،ومصدر العذاب والشّقاء.. إنّه العدوّ الأكبر للإنسان.
والقرآن يخاطب الانسان بأ نّه الخليفة في الأرض ، ويشرح قصّة الخلق والصِّراع وخضوع القوى كلّها للإنسان عدى نزعة الشّرّ ، ثمّ يتحدّث عن الخطيئة والتوبة والعيش على هذه الأرض ، ثمّ الهدى والرِّسالة .
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فيها ويُسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لاَ تَعْلَمُون). (البقرة/30)
وفي هذا النص تصوير لممارسة الانسان الشرِّيرة على هذه الأرض،جريمة الفساد وسفك الدِّماء،ونكوص عن محتوى العهد والميثاق..والملائكة،عالم الطّهر والخير والنّقاء،ترى الوجود على الأرض تسبيحاً وتقديساً لخالق الوجود،وتجسيد الخير والسّلام،والإنسان يمارس جريمة القتل والإفساد في الأرض.لذا كان مجيء هذا المولود الجديد يثير التساؤل والاستفهام.
إنّ هذه المحاورة تشرح لنا رؤية القرآن للحياة على هذه الأرض إنّها رؤية الخير والسّلام، ورفض الجريمة، جريمة القتل والإفساد في الأرض ، فقد خلق الانسان ليعمر الأرض بالعمل الصالح ، والإنتاج والعطاء :
(وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً ، قَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إله غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُم فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَريبٌ مُجيب ). ( هود / 61 )
ويتحدّث القرآن عن الخلافة والإنسان الخليفة في الأرض، الإنسان الذي تحمّل كلّ هذه المسؤولية ، تحمّل الأمانة الكبرى :
(إِنّا عَرَضْنا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمواتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها ، وَحَمَلَها الإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً ).( الأحزاب / 72 )
وهو أيضاً صاحب عهد ومسؤوليّة وميثاق :
(وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما ). (طه / 115 )
(فَلْنَسْأَ لَنَّ ا لَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَ لَنَّ المُرْسَلِين ). ( الأعراف / 6 )
وكلّ تلك القيم تجعل من الإنسان كائناً حضاريّاً تقوده قيم الخير ، وترتقي بإنسانيّته نحو السّعادة والسّلام .
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/256)
كيف يتصرّف الشاب الرحمانيّ .. أو الفتاة الرحمانيّة ؟
1 ـ الرحمة بالوالدين :
لو فتشت عن سرّ الرحمة التي تعامل بها والديك ، لعرفت أ نّه بالاضافة إلى الرحمة الإلهية المودعة في قلبك البار النبيل ، فإنّك قد أخذت درسها الأوّل من والديك الكريمين الرحيمين بك . فرحمتهما علمتك كيف تكون رحيماً بهما وبالناس من حولك ، فللّه الفضلُ أوّلاً في ذلك ولهما ثانياً.
لقد عشتَ الرحمة بشكل عمليّ وأنت تدرج في طفولتك وصباك وفتوتك واستقيتها بالكلمة الدافئة والمعاملة الحسنة والابتسامة الحانية والشفقة الكبيرة كما يستقي الصغير اللبن من ثدي أمّه .
وحين بلغ أحدهما أو كلاهما الكبر أتتك دعوة الله بالإحسان إليهما في هذه المرحلة الحسّاسة من العمر ، كما أنت مطالب دائماً وفي كل مراحل عمرهما باللطف والرأفة بهما .
(وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه وبالوالدين إحساناً إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أُفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً * واخفض لهما جناح الذلّ من الرحمة وقل ربّ ارحمهما كما ربّياني صغيرا )(1) .
وقل ربّ ارحمهما كما عانيا في تربيتي ، وكما تعبا وسهرا على راحتي وإسعادي ، وكما بذلا من الجهود المضنية لتوفير احتياجاتي ، وكما قلقا في مرضي وسفري ، وكما دعوا لي في ظهر الغيب وفي أوقات الشدّة والحاجة إلى التوفيق والرحمة ، بل في كلّ وقت ، وكما شقيا ليسعداني ، وكما غرسا ـ في عقلي وقلبي ـ منابع الرحمة .
هل يكفي أن تدعو لهما بالرحمة الإلهية ؟!
أبداً ، بل أنت مدعوّ للرحمة بهما في القول وفي الفعل وفي العدل وفي البذل و (هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان )(2) ؟!
فالكلمة الرقيقة العذبة الدافئة مع والديك .. رحمة .
وكلمة الشكر والثناء والتقدير والاعتزاز بما قدّماه .. رحمة .
والتصرّف المهذّب الحاني معهما .. رحمة .
والدعاء لهما بالخير وطول العمر والعافية .. رحمة .
واستشارتهما والأخذ بنصائحهما وطلب رضاهما .. رحمة .
والإنفاق عليهما وإهداء ما جادت به نفسك ويدك من خير .. رحمة .
إنّ الرحمة بالأم أو الأب قد يكون سبباً لهدايتهما ، أو انتقالهما من حال إلى حال . ولعلّك قرأت قصّة ذلك الشاب النصرانيّ الذي دخل الاسلام وكانت أمّه على دين النصرانية ، فأوصاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمبالغة في رعايتها وإغداق اللطف والإحسان عليها ، حتى إذا لاحظت ذلك ولفت نظرها ، تساءلت : ما عدا مما بدا ؟ فأخبرها ابنها الخبر . فقالت له : إنّ الدين الذي يربّي أتباعه على الرحمة والتراحم لجدير أن يُتّبع ، فأسلمت كما أسلم .
أضف إلى ذلك ، أنّ الرحمة بين الأبناء وبين الوالدين تمتد إلى ما بعد الموت أيضاً ، فبإمكانك أن تقضي عنهما ما فاتهما من عبادات ، وأن تصلهما بإهداء الثواب في حج أو زيارة أو ختمة للقرآن أو وقف أو صدقة ، فالبرّ بهما ميّتين كالبرّ بهما حيّين ، ولعلّ حاجتهما إلى لطفك بعد الموت أكثر ، ففي الحديث : «يموت الرجل وينقطع إلاّ من ثلاثة : ولد صالح يبرّه .. » . وفي رواية : «يدعو له» .
2 ـ الرحمة بكبار السنّ :
الرجل المسنّ والشيخ الكبير والمرأة العجوز يمثلون أناساً صاغتهم التجارب وعركتهم الحياة وصقلت أرواحهم المعاناة ، فصاروا ينطقون بالحكمة والموعظة ، ولذا كان التواصل بين الأجيال مسؤولية الأجيال اللاّحقة والسابقة معاً ، فكما نحتاج إلى (همّة) الشباب نحتاج بدرجة مساوية إلى (حكمة) الشيوخ .
ولقد امتاز الاسلام بالتشديد على رعاية المسنين واحترامهم والإفادة من بركات عطائهم العقلي والروحي .
والشاب الرحمانيّ .. أو الفتاة الرحمانيّة .. إذا رأيا شيخاً مسنّاً أو امرأة أحنى الدهر ظهرها يدبّان على الطريق بعصا يتوكآن عليها .. أعاناهما في الوصول إلى مبتغاهما .
وإذا رأيتَ كبيراً في السن يحمل أثقالاً فساعده في حملها رحمة به .
وإذا رأيته يقف في الحافلة (سيارة النقل العام) قم ليجلس مكانك لترحم شيخوخته وضعفه .
وإذا أقبل إلى مجلس فافسح له المجال وأجلسه حيث يمكن أن يستريح .
وإذا رأيته مهموماً مغموماً فاجلس إليه وحادثه وفاكهه وسامره ونادمه حتى يزول ما به من غمّ .
وإذا رأيته وحيداً يستشعر الوحشة طردت عنه أشباحها بزيارته وتفقّده وقضاء حاجاته والإحسان إليه ولو بكلمة طيِّبة وابتسامة مودّة وعرفان .
فرحمتك بالمسنين شكر لما أنعم الله عليك من فتوة وقوّة ، وهو ادخار لرحمة تحتاجها في المستقبل ، وسيقيّض الله لك من يرحمك كما رحمتَ غيرك ، وسيبارك لك الله فيما أعطاك من منح ، فالرحمةُ منك تجرّ إلى رحمة أكبر منها جزاءً من عند الله الرّحمن الرّحيم .
ولذا ينبغي أن يتحوّل فعل الأمر «وقّروا كبارَكم» إلى واجب وفريضة ومسؤولية على كلّ مسلم شاباً كان أو فتاة القيام بها ، حتى ينعم المسنّون الذين هم بأمسّ الحاجة إلى اللطف والعناية والرعاية ، بالإحساس بالرحمة .
ولو نظرتَ لرأيتَ أنّ المسنّين في الغرب يحسدون المسنّين في الشرق وفي بلادنا الاسلامية تحديداً ، لأ نّهم هناك يحالون إلى (دور العجزة) أمّا في بلادنا ومجتمعاتنا فيتحوّلون إلى شموع مضيئة وبركات دائمة للكبار ، وأنس وبهجة للأحفاد والصغار .
3 ـ الرحمة بالأطفال :
وكما أوصى الاسلام بتوقير الكبير واحترامه ، أوصى كذلك بالعطف على الصغير والشفقة عليه .
فهناك رحمة .. وهنا رحمة .
هناك رحمة بالسنّ الكبيرة التي عجزت عن تحمّل أعباء الحياة .
وهنا رحمة بالسنّ الصغيرة التي لم تقوَ بعدُ على حمل تلك الأعباء .
وما بينهما رحمة بالقرناء الذين يماثلوننا أو يقاربوننا بالسنّ .
وقد وضع الاسلام منهجاً في التعامل مع الشرائح الثلاث غاية في الأدب والتهذيب ، وإليك نماذج منه :
فالإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) يعلّمنا أ نّنا إذا رأينا إنساناً كبيراً في السنّ فإنّنا نعتبره كـ (أب أو اُم) وإذا رأينا إنساناً صغيراً في السنّ فإنّنا نعامله كـ (ابن) وإذا رأينا من هو في مثل عمرنا أو ما يقاربه فإنّنا نعامله كـ (أخ أو أخت) وبالتالي فإنّ علينا أن نوقّر الكبير ونعطف على الصغير ونحترم القرين .
ويعلّمنا أيضاً طريقة راقية أخرى ، فيقول :
إذا رأيت مَنْ هو أكبر منّك سنّاً ، فقل سبقني إلى الفضل والهداية ، وإذا رأيت مَنْ هو أصغر منك سنّاً ، فقل سبقتهُ إلى المعاصي والذنوب ، وإذا رأيت مَنْ هو في مثل سنّك فقل : أنا أعلم بما في نفسي ولا أعلم بما في نفسه ، وبذلك فإنّك لن تتعالى على الناس ، ولا تنظر إليهم نظرة فوقيّة ، بل تنظر إلى شرائحهم المختلفة كباراً وصغاراً ومتوسطي العمر بعين المحبّة والانصاف والتواضع ، وبذلك تكسب ودّهم واحترامهم وتقديرهم لرحمتك وإحسانك .
4 ـ الرحمة بالمرأة :
يبدأ التعامل بالرفق وبالحسنى مع المرأة منذ الصغر .
فحيثما يكون تعاملك مع أمّك بالحنان واللطف والإحسان ، وتكون معاشرتك لأخواتك بالمحبّة والعطف والتعاون ، وتكون أخلاقك مع بنات الجيران بالاحترام والاحتشام والتهذيب ، وتكون علاقتك مع بنات الأقرباء بالمودّة والأدب والمداراة ، فحينذاك يمكن الحكم على تعاملك مع المرأة مستقبلاً زوجة كانت أو بنتاً أو أيّة امرأة أخرى .
فالقسوة مع الأخت ، والتعالي على جنسها كونك ذكراً وكونها أنثى ، واحتلال موقع الأب في تأديبها وتعنيفها ، سيترك أثره في تربيتك وشخصيتك وتعاملك مع زوجتك غداً .
ولذا فإنّ الرحمة بالمرأة تأتي من كونها إنسانة رقيقة ناعمة لطيفة تهزها المشاعر الدافئة ، والكلمات العذبة ، والتعامل المهذّب ، والتقدير الشاكر لجهودها ، ولذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «رفقاً بالقوارير» .
فكما أنّ الرفق بالقارورة ، وهي الزجاجة الهشّة الرقيقة ، يصونها من الكسر ، فإنّ اللطف مع المرأة ـ أيّاً كانت صغيرة أو كبيرة ، قريبة أو بعيدة ـ يساعدها على المزيد من الإبداع والعطاء والتفاني والتضحية والإيثار .
فأنت كشاب مؤمن ومثقّف وغيور على المسلمات لا تكتفِ بأن تردد «وراء كلّ عظيم امرأة» دون أن تحترم وترحم هذه التي تصنع العظماء ، بأن تشعرها بقيمتها كإنسانة عظيمة ، ليكون وراء كلّ عظيمة رجل أيضاً ، فكن أنت ذلك الرجل .
ففي دراسة عن النساء المبدعات ، اتّضح أنّ أحد أهمّ العوامل التي أعانتهنّ على تخطي الصعاب وبلوغ المآرب هي (الرحمة) الوالدية التي لم تفرق بينهنّ وبين إخوانهنّ الذكور ، وأعطتهنّ من الفرص ما أعطتهم ، واحتضنت مواهبهنّ وقابلياتهنّ كما احتضنت مواهبهم وقابلياتهم .
واتّضح أيضاً ، أنّ تلك التربية الرحيمة انعكست على تربيتهنّ لأبنائهنّ بالرحمة مما أنتج جيلاً معافى عقلاً وروحاً وسلوكاً سويّاً .
إنّ الرحمة بالمرأة : أمّاً ، وأختاً ، وزوجة ، وقريبة ، وغريبة ، يضاعف من إخلاصها وتفانيها واعتزازها بموقعها وردّها للجميل أضعافاً مضاعفة ، إرحم المرأة وسترى أنّها تردّ على الإحسان بأحسن منه !
5 ـ الرحمة بالأصدقاء والإخوان :
هناك من الصحبة ما يطول فلا يفرّقه إلاّ الموت ، بل يبقى حبل التواصل ممدوداً حتى بعد الموت ، فيما يقدّمه الحيّ منهما لصديقه الراحل من هدايا تصله إلى قبره ، كما كانت تصله هداياه إبّان حياته .
وهناك من الصحبة ما يفرّقها أوّل نزاع أو خلاف بسيط أو غير بسيط .
وللصحبة الطويلة أسباب منها (التراحم) بين الصديقين الحميمين أو الأخوين العزيزين ، فتراهما يتناسيان إساءات بعضهما البعض ، وتراهما يتقبّلان اعتذار بعضهما البعض ، وتراهما يتعاتبان ـ في حال الجفوة ـ عتاباً رقيقاً يحرص كلّ منهما أن يعيد من خلاله المياه الصافية إلى مجاريها ، خوفاً على علاقة متينة أقوم وأدوم من لحظات انفعال طارئة وإساءات عابرة .
إنّ الصفح والتسامح والتصافي بين الإخوان سرٌّ من أسرار الرحمة .
ومداراة الإخوان ورعاية مشاعرهم .. رحمة .
والبحث عن العذر للأخ أو الصديق المسيء .. رحمة .
ووضع النفس في موضع الأخ أو الصديق ، كما لو تقول : لو كنتُ مكانه ماذا كنت أفعل ؟ .. فتعذره لظرفه .. رحمة .
وصلة الإخوان والتباذل والتقارب والتهادي وذكرهم بالخير غياباً وحضوراً ، أمواتاً وأحياء ، لمن أجمل صور الرحمة .
إنّ عدم سماع قول الآخرين في أخيك ، وردّهم بما يمنعهم من الوقيعة بينك وبينه ، رحمة بكَ وبه وبصداقتكما الغالية .
وإنّ إقالة عثرة أخيك ، ومصارحته بأخطائه بينك وبينه ، وبالحكمة والموعظة الحسنة من أجل أن يبقى كما عهدته ، وأفضل مما عهدته ، رحمة يحبّها الله ورسوله والمؤمنون .
فلقد أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما آخى بين المهاجرين والأنصار في أوّل عهده بالمدينة المنوّرة ، أن يزرع بذور التراحم والتوادد بين المسلمين ، وقد نجح نجاحاً باهراً ، فكانت الأمّة التي صنعها القرآن بقول الله تبارك وتعالى ، وصنعها الاسلام بفعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خير أمّة أخرجت للناس .
6 ـ الرحمة بكل إنسان :
كما وسعت رحمة الله كلّ شيء ، وكلّ إنسان ، فإنّ رحمة الانسان المؤمن بالله وبرسوله وبالاسلام ديناً ومنهجاً وخلقاً وسلوكاً ، لا يحدّها حدّ ، فهي رحمة بالأقربين وبالأبعدين، وإن كان الأقربون أولى بالمعروف .
إنّ الآخر سواء كان كتابياً ـ أي على إحدى الديانات المعروفة ـ أو غير كتابي ، فإنّه يتطلّع إلى رحمتك به وإحسانك إليه لما يعرفه الكثيرون من أنّ الاسلام دين الرحمة والسلام والتعايش والتعاون .
وحتى لو لم يعرف الآخرون ذلك ، فأنت تتعاطف وتتراحم مع الناس من منطلق كونهم إمّا إخوة لك في الدين أو نظراء لك في الخلق ، وقد مرّ بك كيفَ أنّ الشاب النصراني الذي أسلم استطاع برعايته ورحمته بأمّه أن يجعلها تدخل دين الرحمة هي الأخرى .
إنّ رحمتك بالضعيف هي شكر على ما أنعم الله عليك من قوّة .
ورحمتك بالفقير شكر على ما أنعم الله عليك من ثروة .
ورحمتك بالجاهل شكر على ما أفاض عليك من علم .
ورحمتك بالمخطئ شكر على ما هداك إليه من استقامة .
وسلامك على مَنْ تعرفه رحمة به ، كما أن تحيتك لمن لا تعرفه رحمة به ، وهذا هو مغزى دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) «افشوا السلام» أي أشيعوا أجواء الرحمة بينكم لتتسع الأرض وتفيض ببركاتها ويعمّ النعيم والرخاء والمحبّة والإخاء .
فبروافد المحبّة النابعة من قلبي ، وروافد المحبّة النابعة من قلبك ومن قلوب الآخرين يغدو النهرُ كبيراً .. طافحاً بالخير ، ويكون للأرض وجهٌ غير الوجه الكالح الذي تراها عليه اليوم .
إنّ ما يعوز الأمّة والعالم ، هو الرحمة أوّلاً وقبل كلّ شيء .
7 ـ الرحمة بالحيوان :
ويطلق عليها (الرفق بالحيوان) فمثلما تتسع دوائر الماء إذا أسقطت عليه حجراً ، كذلك دوائر الرحمة في الاسلام تتسع وتتسع لتشمل الانسانية برمّتها . فمن الرحمة بالوالدين ، إلى الرحمة بالأقرباء والجيران ، إلى الرحمة بالأصدقاء والإخوان ، إلى الرحمة بالناس أجمعين ، إلى الرحمة بالحيوان .
هذا الكائن الجميل في تعدّد مناظره وأشكاله وألوانه وحجومه وأغراضه ، وما يعبّر عنه من دروس للانسان ، وما فيه من راحة فيما يساعد به الانسان من نقله هو أو نقل أثقاله ، له حقّ الرحمة أيضاً .
فالاسلام لا يرتضي لك أن تجيع الحيوان أو تعطشه ، ولا أن تثقل كاهله فوق ما يطيق ، ولا أن تضربه ضرباً مبرّحاً ، وأن تتيح له المجال في أن تستريح من تعب وعناء النهار فلا تجور عليه بالعمل ليلاً ونهاراً .
وقد أكّد الاسلام على الرفق بالحيوان ، وعدّ ذلك من أبواب الرحمة والمغفرة ، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أ نّه قال : بينما رجل يمشي بطريق اشتدّ عليه العطش ، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ، ثمّ خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغني منزل البئر فملأ خفّه ثمّ أمسكه بفيه حتى رقى ، فسقى الكلب ، فشكر الله عزّ وجلّ له ، فَغُفِرَ له .
فقيل : يا رسول الله ! إن لنا في البهائم لأجراً ؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «في كل ذات كبد رطبة أجر»(3) .
وهكذا غُفِر للرجل وحصل على رحمة الله لرفقه بالكلب وسقايته له ، وهكذا يقرر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن في سقاية كل مخلوق ذي كبد أجراً .
كما لم يرتضِ الاسلام حبس الحيوان وسجن الطير ، وشهيرةٌ هي قصة المرأة عذّبت في النار لأ نّها أذت قطة ، فقد روي عن الإمام (عليه السلام) ، قال : «إن امرأة عذّبت في هرّة ربطتها حتى ماتت عطشاً»(4) .
فلم يجز الاسلام تعذيب الحيوان أو التمثيل به ، فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا تجوز المُثلةُ ولو بالكلب العقور» .
ولقد جسّدَ المسلمون من أهل اليمن ـ وربّما كان هناك غيرهم ـ أخلاق الاسلام في الرحمة بالحيوان والرفق به في أحد أسواق صنعاء المعروفة بـ (سوق العرج) حيث تربط في إحدى ساحات السوق الخيول الضعيفة والحمير المتعبة أو التي كسرت أرجلها بعد أن يُهيّأ لها الماء والعلف حتى تنفق ، أي تترك هناك بلا استعمال حتى يأتيها الموت((5)) .
إنّ دعوة الاسلام للرفق والرحمة بالحيوان هي من باب أولى دعوة لاحترام الانسان والرحمة به ، فإذا كان الاسلام رحيماً بالكائن الذي لا ينطق ولا يعقل ولا يمتلك أحاسيس الانسان ومشاعره ولا كرامته وموقعه ، فما بالك بأكرم الخلق وأفضل الكائنات .
اقرأوا ما يفعله الطواغيت بالناس وبالمؤمنين وبالأحرار وبالصالحين لتعرفوا أنّ الحيوان اليوم أسعد حظّاً من الانسان ، فبعض الدول ترعى الكلاب والقطط وتدافع عن حقوقها ، ولا تقيم لمجزرة بشرية وزناً !
(1) الإسراء / 23 ـ 24 .
(2) الرّحمن / 60 .
(3) مسند أحمد بن حنبل ، ج 2 ، ص 516 ، ط . دار صادر ، بيروت .
(4) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ، ص 327 .
(5) اُنظر (المحراب والحياة) ، فيصل الكاظمي ، ص 123 .
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/257)
كيف أتعامل مع غرائزي وقدراتي ؟
إنّ الذات الانسانية تحمل مشاعر الحبّ والكراهية، والرِّضا والغضب، وغريزة الطّعام والجنس، وحبّ الذات والتسلّط، وحبّ المال ، والرّغبة في التفوّق على الآخرين . وهي التي تدفع الانسان إلى كثير من الأفعال الشرِّيرة والسيِّئة ; كما تدفعه إلى فعل الخير والمصلحة المشروعة .
لذا فإنّ الموقف الصحيح هو أن نفكِّر في عواقب الاُمور ، قبل أن نقدم على أي عمل، ونعرف ما ينتج عن فعلنا وموقفنا من خير أو شر..
كما إنّ من المفيد أيضاً الاستفادة من تجربة الآخرين واستشارة مَن نثق بهم: الأب ، الاُمّ، الأخ، الأصدقاء، أساتذتنا، أصحاب الاختصاص..
إنّ دوافع انفعاليّة عديدة تحرِّك الانسان، فقد يدفع الانسان الغضب ، أو الكراهية ، أو الأنانية ، إلى ارتكاب الجريمة ، أو التورّط في أفعال لا يستطيع التخلّص من نتائجها السيِّئة ، أو الاضطرار إلى الاعتذار .
وقد يستولي على الانسان الوهم والخيال ، ويتصوّر مشاريع وآمال وهميّة ، لتحقيق رغبات نفسيّة ، لاكتساب المال أو الشّهرة أو الموقع أو غير ذلك ، فيبذل جهوداً ووقتاً ومالاً ، دون أن يحقِّق نفعاً ، بل يذهب كلّ ذلك سُدى .
وقد تدفعه الشهوة والإحساس باللّذّة إلى ارتكاب أفعال ، وتعوّد سلوك سيِّئ شرِّير، كتناول المخدِّرات والتدخين والجنس المحرّم ... وغير ذلك ممّا يجلب له النّدامة والكوارث ، ولا يشعر بخطئه إلاّ بعد فوات الأوان .
إنّ من الحكمة ونضج الشخصية أن لا يكرِّر الانسان خطأ وقع فيه ، كما أنّ من الحكمة والوعي أن لا يقع الانسان في أخطاء غيره .. إنّ التجارب مدرسةٌ تعلِّم الانسان الخطأ والصّواب .. وعليه أن يستفيد من خطئه وخطأ الآخرين ..
وقديماً قيل : «مَن جرّب المجرّبات ، حلّت به النّدامة» .
وللإمام عليّ (عليه السلام) حكمة جديرة بالتفكّر والعمل ، قال (عليه السلام) :
« السّعيد مَن وُعِظَ بغيره » .
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/258)
الحياء.. رقيب على صاحبه
* د.محمد مسفر الزهراني
الحياء خلق نبيل يحول ببت من يتمتع به وبين فعل المحرمات وإتيان المنكرات ويصونه من الوقوع في الأوزار والأثام. والحياء بتعبير آخر هو الامتناع عن فعل كل ما يستقبحه العقل ولا يقبله الذوق السليم والكف عن كل ما لا يرضى به الخالق والمخلوق.
وبهذا يكون الحياء بمثابة الرقيب على صاحبه فلا يمكنه من تجاوز الحدود التي يرسمها له الإسلام.
ويعد الحياء دليلاً صادقاً على مقدار ما يتمتع به المرء من أدب وإيمان، وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الحياء من الإيمان )). وجاء في حديث آخر: ((إذا لم تستح فاصنع ما شئت)).
ويجب على المؤمن أن يتصف بالحياء تأسياً بالرسول (ص)الذي ضرب بأقواله وأفعاله المثل الأعلى في الحياء، والدليل على ذلك قول الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وهو: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذ ا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه )). وقد حثت الشريعة الإسلامية المسلمين على التحلي بفضيلة الحياء، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا الخلق الشريف السامي هو أبرز ما يتميز به الإسلام من فضائل، فقال(ص): ((إن لكل دين خلقاً وخلق الإسلام الحياء)). والحياء- كما جاء في السنة النبوية المشرفة ((لا يأتي إلا بخير)) وهو وسيلة من الوسائل التي توصل الإنسان إلى الجنة، كما أن عدم التحلي به من الأمور المؤدية- والعياذ بالله- إلى النار .وروي أن الرسول (ص)مر على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله: ((دعه فإن الحياء من الإيمان )).
وكان رسول الله (ص)يقول: ((خمس من سنن المرسلين: الحياء والحلم والحجامة والتعطر والنكاح )).
وخلق الحياء صفة حميدة يحبها الله سبحانه وتعالى في خلقه ومن أحبه الله أحبه الناس، وروي ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال لرجل حضر مجلسه: ((إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والحياء)) ويمكن تقسيم الحياء في الإنسان إلى ثلاثة أقسام هي:
1. الحياء من الله تعالى.
2. الحياء من الناس.
3. الحياء من النفس.
ويكون حياء الإنسان من الله سبحانه وتعالى،وهو أعلى درجات الحياء بامتثال أوامره وترك نواهيه،وعدم التقصير في طاعته.وهنا يكون الحياء دليلاً على صحة الدين وقوة الإيمان.
وقد روي عن الرسول (ص)أنه قال لأصحابه:((استحيوا من الله عز وجل حق الحياء))فقالوا:يا رسول الله إنا لنستحيي من الله والحمد لله.قال:((ليس كذلك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى،وتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا،فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق
الحياء)).
والمراد من هذا الحديث هو أن يحفظ الإنسان سمعه وبصره ولسانه فلا يستعملها إلا في طاعة الله. وأن يكون مأكله ومشربه من الرزق الحلال.
أما حياء الإنسان من الناس فيكون بالكف عن أذاهم، ورعاية حقوقهم الأمر الذي يؤدي إلى أن يثق به الناس ويحبونه.
ويكون حياء الإنسان من نفسه بأن يجعل حياءه حكماً عليه في كل ما يقوم به من أعمال سراً أو علانية، فإذا أراد القيام بعمل ما فإن كان ذلك العمل موافقاً لطاعة الله ورضاه فعله وإذا كان مخالفاً لذلك تجنبه وتحاشاه.
وإذا كمل حياء الإنسان من وجوهه الثلاثة وهي: حياؤه من الله، وحياؤه من الناس، وحياؤه من نفسه فقد اكتملت فيه أسباب الخير وانتفت عنه أسباب الشر.
ويعد الحياء زينة للإنسان وصفة حميدة له، فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله(ص): ((ما كان الفحش في شيء قط إلا شانه، ولا كان الحياء في شيء قط إلا زانه ))، وإذا فقد الإنسان فضيلة الحياء فإنه يصبح قليل المروءة، ضعيف الإيمان، لا يخجل من فعل الشر ولا يؤتمن على عرض أو مال أو سر، وهذا يؤدي إلى جعله مكروهاً عند الله وعند الناس. ويظهر هذا بوضوح في قول الرسول (ص):((إذا أبغض الله عبداً نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا بغيضاً مبغضاً )).
ويستحب الحياء في كل ما يصدر عن الإنسان من قول أو عمل؛ والحياء في القول هو أن يطهر الإنسان فمه من الفحش، وأن ينزه لسانه من العيب، وأن يخجل من ذكر العورات، فإن من سوء الخلق وسوء الأدب أن يتلفظ الإنسان بالكلمات البذيئة دون أن يحسب حساباً لما ينتج عنها من ردود فعل نحوه ونحو من كان يستمع إلى ألفاظه البذيئة. ومن الحياء أن يحرص المسلم على سمعته فلا يقول أو يفعل ما يشوه سمعته، ويعرضه للهزء والسخرية والاحتقار، ومن مصلحة الإنسان أن تظل سمعته نظيفة نقية بعيدة عن الإشاعات السيئة، والأقاويل المغرضة. وقد قال أحد الحكماء في هذا: ((من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه )).
وهكذا يجب أن يستحيي الإنسان من أهله وأصدقائه وأفراد مجتمعه فلا يقول أو يفعل إلا ما يرضي الله ورسوله.
وفيما يلي بعض الأقوال عن الحياء:
1. لا خير فيمن لا يستحيي من الناس.
2. القناعة دليل الأمانة، والأمانة دليل الشكر، والشكر دليل الزيادة، والزيادة دليل بقاء النعمة، والحياء دليل الخير كله.
3. لا وفاء لمن ليس له حياء.
4. إذا قل ماء الوجه قل حياؤه ولا خير في وجه إذا قل ماؤه
حياؤك فاحفظه عليك فإنما يدل على فعل الكريم حياؤه
5. إن من الحياء وقاراً، وإن من الحياء سكينة.
6. فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
7. وإني ليثنيني عن الجهل والخنا وعن شتم ذي القربى خلائق أربع
حياء وإسلام وتقوى وإنني كريم ومثلي قد يضر وينفع
8. إذا حرم المرء الحياء فإنه بكل قبيح كان منه جدير يرى الشتم مدحا والدناءة رفعة وللسمع منه في العظات نفور 9. الحياء في الطفل يدل على ذكائه وأدبه، والحياء في المرأة يدل على عفتها، والحياء في الرجل يدل على كرم أخلاقه. 10. أنفع الحياء أن تستحيى من الله أن تسأله ما تحب وتأتى ما يكره 11. إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستح فافعل ما تشاء فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذ ذهب الحياء يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء.
ــــــــــــــــــــ(42/259)
أسباب أزمة المراهقين في المجتمعات الإسلامية
* يوسف مدن
قلنا بأن الأزمة التي عصفت بالمراهقين في المجتمعات المسلمة لم تكن شاملة لجميع فئاتهم، وأنها انحصرت في الفئات التي لم تتعود على التكيف التربوي السليم الذي حدده المشرع الإسلامي أو الذي أقره النظام العام للمجتمع.
ربما لا يستطيع أحد أن يعزل العالم الإسلامي عن الرياح التي تهب عليه من المجتمعات المعاصرة في الغرب، وبخاصة أنه اقرب البلاد إلى هذه المجتمعات من الناحية الجغرافية، كما أنه الهدف الأول لعمليات الغزو الثقافي الذي مارسه الغرب ضد الأمم الأخرى، باعتبار ن العالم الإسلامي هو الواجهة العقائدية الذي له رصيد تاريخي يمنه القدرة على المواجهة، والمقاومة.
وبسبب صعوبة عزل العالم الإسلامي عن رياح التغير الجديد القادمة من العالم الصناعي المتطور تأثر المسلم تدريجياً بكثير من القيم الجديدة سواء الصالحة منها أو الخاطئة، وابتعد عن الأصول الثقافية للإسلام، وبدأت منذ ذاك الحين تظهر مشكلات أخرى، ويبدو أن هذا التأثر قد ساعد المجتمع المسلم على التغلب على بعض مشكلات التخلف، لكن هذه العلاقة الجديدة جعلته يعاني كذلك من مشكلات التغيير.
وقد امتدت هذه المشكلات إلى محيط التربية للناشئة، فشبّ كثير منهم دون أن يتلقوا تدريباً، وتكيفاً إسلامياً كافياً يعينهم على مواجهة التغيرات البيولوجية والنفسية والعقائدية، وبخاصة المراهقين الذين يمتازون بقابلية التغيير، والاستهواء، بل إن بعضهم اكتسب كثيراً من معايير السلوك الغربي، في وسط بيئة يؤمن أهلها بقيم الإسلام، وترتب عن ذلك حدوث مشكلات سلوكية للمراهقين، نشأ بعضها من واقع التخلف الذي عاشته الأمة، ونشأ البعض الآخر من قيم الثقافة الفردية المستحدثة، الوافدة التي نفذت إلى أعماق العقل المسلم.
وبالرغم من أن الثقافتين الإسلامية والغربية تحاولان الاستجابة لمطالب النمو النفسي لمرحلة المراهقة ومواجهة التغيرات الحيوية لهذه الفترة، غير أن طرائق معالجة كل منهما في هذه المواجهة مختلفة إلى حد كبير، وإن كانت ثمة نقاط مشتركة بينهما أحياناً، ولو في بعض الخطوط العامة، ومن الطبيعي أن تكون شخصية المراهق ضحية للتناقض الحاد في مواقف الثقافتين من المطالب النمائية له، فهو مسلم في الإطار العقائدي العام، ويعرف في ضوء تربية إسلامية مجزأة، حدود بعض القيم والمواقف الإسلامية مثل قضايا الجنس والاستقلال وعمليات الضبط، وإشباع الميول، لكنه مع ذلك يجد من حوله المثيرات التي تتعارض مع هذه القيم كما يحدث مثلاً في الأماكن العامة من عرض المثيرات المفتوحة للمتعة الجنسية، فهذه المثيرات تضغط عليه بقوة وإلحاح شديد، وهي مع الأسف مثيرات مضادة للإسلام وقيمه، وتغري المراهق في الوقوع في حبائلها بسهولة.
وهكذا فإن طابع الأزمة في سن المراهقة بالعالم الإسلامي اجتماعي وتربوي بالدرجة الأولى، ولم ينشأ من فراغ، فبعد أن تخلى البيت المسلم، والمدرسة الإسلامية، وكثير من المؤسسات التربوية العامة في المجتمع المسلم عن قيم التربية الإسلامية، وسلموا زمام التوجيه التربوي للثقافة الغربية الوافدة نشأت مشكلات المراهقين، بجانب مشكلاتهم السابقة الناجمة عن التخلف الاجتماعي لأمة قبل اتصالها بتيار الثقافة الغربية الوافدة.
إن الاسم ليس مسئولاً عن نشوء الأزمة رغم أن طابعها بيئي ما قلنا، ولو استطاعت الثقافة الوافدة، والثقافة التقليدية المنحرفة تفهم خصائص النمو عند المراهقين، وتمكنت من مواجهة ما يترتب عن هذه المرحلة من تغييرات هامة، لما ظهرت هذه الأزمة نهائياً في وسط المراهقين المسلمين، ولكان الجهاز القيمي الذي تلقوه من الثقافة منسماً مع هذه التغيرات، ولكن من أين تستطيع ثقافة قاصرة عن فهم طبيعة الإنسان أن تحقق انسجاماً مع المراهق أو غير المراهق؟
أما الفئة ـ من المراهقين ـ التي قيض الله لها بيوتات مسلمة مستقيمة إلى حد ما، وتمكنت خلالها من اكتساب قدراً معقولاً من معايير السلوك الإيماني الذي حددها المشرع، فإنها كما قلنا تعرف ما يسميه علماء الغرب بالأزمة، وليس بالطبع يخلو بعض أفراد هذه الفئة من المشكلات المختلفة، لكن شدتها لم تصل بعد إلى مستوى الأزمة، ويعود هذا الانضباط، وعدم ظهور أزمة حادة لدى هؤلاء المراهقين إلى قدرة التوجيه النفسي الإسلامي على تفهم الخصائص العامة لسيكولوجية المراهق، وإعداده مبكراً ومنذ طفولته الثانية على مواجهة التغيرات الحيوية المرتقبة لهذه الفترة، وعندما بلغ هؤلاء سن التكليف وجدوا أنفسهم بفضل الإعداد المبكر المستمر خلال مرحلة المراهقة نفسها أكثر تكيفاً مع هذه التغيرات.
فإذا واجه المراهق المسلم الملتزم تدفق النشاط الجنسي لديه توجه إلى إشباعه بالزواج إن كان مستطيعاً، أو يؤجل إشباع هذا الدافع إن كان غير قادر، أو يتسامى به ويوجهه نحو الأنشطة العبادية والاجتماعية والترويحية، لكنه في كل هذه الحالات مزودة بالمعايير الإسلامية التي تعينه على العفاف، فليس في الإسلام كتباً لنوازع الفطرة أو حرماناً من إشباعها بقدر الحاجة، وإنما هو إشباع معقول في الوقت المناسب أو إرجاء لإشباع الدوافع إلى حين مؤقت.
فمن أين إذن تنشأ أزمة جنسية في شخصية المراهق المسلم؟
وكما يفعل في السيطرة المبكرة على أشد الدوافع إلحاحاً في فترة المراهقة بالإعداد المسبق المنظم، يحاول كذلك إنماء الحاجات الأخرى والاستجابة لمتطلبات النمو الأخرى عند المراهقين، كإشباع الميول، واستقلال الذات، والبحث عن الهوية، والشعور بالكرامة والعزة، والقيم الجمالية والأخلاقية والروحية، وإشباع حاجاتهم للانتماء والتقدير، وتجنيبه أية تناقضات انفعالية، وعقائدية، وتحصين ذواتهم بمقاومة داخلية قوية ضد أية احتمالات سلبية مرتقبة، فالجهاز القيمي الفاضل الذي ينميه المربي المسلم خلال فترة الطفولة يكفي لتجنب الفرد أية صعوبات حادة تؤدي إلى أزمة عند المراهقين المسلمين.
وكذلك شأن المربي المسلم من إشباع حاجة المراهق للاستقلالية وتأكيد ذاته من خلال تنمية الإحساس بالمسئولية لديه، واحترام كيان شخصيته منذ البواكير الأولى من عمره، بل حتى وهو جنين في بطن أمه، كإيقاف توزيع التركة من الميراث بانتظار ولادته وتعيين نوع جنسه، وبعد ذلك يساوي من حيث القيمة الإنسانية بأي عضو آخر في الأسرة.
إن المواقف، والأزمات الحرجة في سنين المراهقة قد لا تكون مؤثرة إذا ما تفهم المربي المسلم كافة الأحكام الشرعية التي تنظم سلوك المراهقين، سواءً كانت مترتبة عن تطور بيولوجي أو جنسي محض أو ناتجة عن الأوضاع الثقافية، فهذه الأحكام تسم للمربي بمواجهة مختلف. المشكلات المرتقبة بموقف صحيح سواءً فيما يخص المسألة الجنسية، أو العلاقات الشخصية للمراهقين مع الآخرين، ومع الأهل، ومع جماعات الرفاق، وزملاء العمل أو ما يخص اختيار المهنة، والتمتع بنواحي الاستقلال الانفعالي والاقتصادي، واكتساب معايير السلوك الاجتماعي السوي الذي يحقق للأفراد تكيفهم، كما أن هذه الأحكام تتيح لنا تدريباً للفرد وهو ما يزال طفلاً على تحمل بعض المسئوليات تمهيداً للقيام بأعباء المرحلة القادمة، ولمواجهة التغيرات الجديدة المختلفة عن سابقاتها.
ــــــــــــــــــــ(42/260)
الرياضة والشباب
أجسادكم كشبان وكفتيات في حالة نموّ متسارع ، وسير دائب نحو النضج .. عظامكم في نموّ .. عضلاتكم في طور الاكتمال .. أعضاؤكم في تطوّر .. هل تتركون ذلك للأيام تفعل فعلها في أبدانكم دون مساعدة منكم ؟
يقول المختصّون إنّه لابدّ من تربية الجسد والاهتمام بصحّته وسلامته وتقويته حتّى يتمكّن من اداء وظائفه والفعاليات المناطة به .. فالحصول على القوّة البدنية ليس شيئاً ترفياً ، وإنّما هو جزء من مسؤوليتنا الاسلاميّة : (وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ) (1) .
وإذا كانت أعضاء الجسد ، أو الجسد برمّته أمانة الله لدينا ، فإنّ من حسن رعاية هذه الأمانة ، وأداء الشكر لهذه النعمة ، أن لا نعرّضها إلى التلف والأمراض والأوبئة التي تفتك بها ، مثلما علينا أن نطوّرها ليكون أداؤها أفضل ، وانجازها أكبر ، وبذلك نكون قد حفظنا الأمانة وقدّمنا الشكر على هذه النعمة «وبالشكر تدوم النعم» .
وفي فترة الشباب قد ينشأ الاضطراب النفسي ، ودواعيه في هذه المرحلة كثيرة ، ومن بين وسائل تسريب هذا القلق أو الاضطراب ، واقتصاصه والتنفيس عنه (الرياضة) ; فهي بما تمتصّ من شحنات النفس المتوترة ، تترك في نفسية الرياضيّ مرحاً وخفّة وثقة وانفتاحاً وحبّاً في المشاركة .
ثمّ أنّ الشبان والفتيات قد يصطحبون معهم إلى ساحة شبابهم ذيولاً من طفولتهم اللاّهية العابثة . وبما أنّ الرياضة نظام وقواعد واُصول فإنّها تعلّمهم كيفيّة الصبر والانضباط والتحمّل ، وبعضاً من الفضائل الأخلاقية كالمحبّة والتعاون والإيثار .
وباعتبار الشباب مرحلة النموّ البدنيّ ، فقد يتناول البعض من الشبان والفتيات ـ في هذه الفترة ـ كمِّيات كبيرة من الطعام مما يتسبّب في سمنتهم وترهّل أجسادهم إذا لم يصرفوا تلك الطاقة في الجهد والحركة . وتأتي الرياضة لتذوِّب الشحوم الزائدة ، وتُنقِّي الجسم من الشوائب والسموم التي تتركها الوجبات الغذائيّة الدسمة الثقيلة .
وفوق هذا وذاك ، ففي سنّ الشباب ينصبّ الاهتمام على الذات وبناء الشخصية ، وقد يتركّز اهتمام البعض من الفتيات والشبّان على بناء قواهم العقلية والروحية وينسون أو يتناسون قواهم البدنية ، في حين أنّ دور الرياضة دور إضافة القوّة المادية إلى القوّة غير المادية حتّى يتكامل المظهر مع الجوهر ، وتتناسق البسطةُ في العلم مع البسطة في الجسم .
وفي سنّ البلوغ ، حيث الفتيات أسرع نموّاً من الشبّان ، يرى المختصّون في الشأن الرياضي أنّ من المستحسن للفتيات أن يمارسنَ الرياضة الخفيفة للحفاظ على رشاقتهنّ ومظهرهنّ الجميل ، على أن يحاذرن من الرياضات العنيفة التي قد تؤدِّي إلى أضرار جسدية أو مضاعفات جانبية .
اللياقة البدنية في القرآن :
كيف نظر القرآن للقوّة البدنية ؟
لو راجعتَ الروايات التي تحدّثت عن هذه القوّة لرأيت أنّ الله سبحانه وتعالى لم يعط قيمة للقوّة الجسميّة المجرّدة ، بل اعتبر هذه القوّة ذات أهميّة فيما إذا وظّفت في طريق الخير ، أي في نفع الانسان والناس .
فهو حينما يحدِّثنا عن (طالوت) يقول : (وزاده بسطة في العلم والجسم ) (2) أي جمع القوّتين معاً : العلمية والعملية ، ذلك أنّ القوّة العضلية لوحدها هي قوّة حيوانيّة ، فالثور قويّ ، والحصان قوي ، والأسد قوي ، والذئب قوي ، والنمر قوي ، والفيل قوي ، والجمل قوي ، ولكنّها قوّة إمّا لحمل الأثقال ، وقطع المسافات الطويلة ، وإمّا قوّة افتراسية .. ضاربة .. ضارية .. متوحّشة .
ولذا فأنتَ حينما تقرأ قوله تعالى عن موسى (عليه السلام) : (قال ربّ بما أنعمتَ عليَّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين ) (3) تعرف أنّ القوّة الممنوحة لموسى (عليه السلام) كشاب يراد لها أن تكون مسخرة في الدفاع عن المظلومين ونصرة الحق ، وليس آلة ضاربة بيد الظالمين وإعزاز الباطل .
وحينما تمرّ بك قصّته (عليه السلام) مع بنتي شعيب (عليه السلام) فتراه يسقي لهما من بئر عليها حشد من الرّعاة ، يمارس قوّته الفتية في الحفاظ على عفاف البنتين ، ولذا فإنّهما حين رجَعتا إلى أبيهِما ، امتدحَتا موسى (عليه السلام) أمامه في قوّته وفي أمانته (يا أبتِ استأجره إنّ خير مَن استأجرتَ القويّ الأمين ) (4) ، فلم تنجَذِبا إلى قوّته البدنية فقط ، بل إلى أمانته الخلقية أيضاً .
والفتى محطّم الأصنام (إبراهيم الخليل) (عليه السلام) لم يندفع بقواه البدنية ليجرح هذا أو يقتل ذاك ، أو يتباهى بعضلاته المفتولة أمام الآخرين ، بل حمل فأسه ليحطّم أصناماً لا تضرّ ولا تنفع فيجعل قومه يتساءلون عن حقيقة هذه الأحجار التي لم تتمكّن من الدفاع عن نفسها : (فجعلهم جذاذاً إلاّ كبيراً لهم لعلّهم إليه يرجعون ) (5) .
وعند ما وجّهوا إليه أصابع الاتهام : (قالوا سمعنا فتى يذكرهم يُقال له إبراهيم ) (6) ، لم يرتعد خوفاً من التهمة ، ولم يفزع عندما اتّخذوا قراراً بإلقائه في النار حيث واجه مكيدتهم بقوّة أخرى ، هي قوّته الإيمانية الروحية العالية ، ثقة منه بأنّ الله سينصره ويخذل الكائدين له ، ممّا يؤكِّد أنّ القوّة البدنية ليست سلاحاً فعّالاً لوحدها .
وفي لقائه (نمرود) الطاغية القويّ مادّياً ، واجهه بقوّتين : عقلية وروحية ولم يواجهه بقوّة مادية لمعرفته أنّ قوّة نمرود المادية أقوى (قال فإنّ الله يأتي بالشّمس من المشرق فأتِ بها من المغرب فبهت الذي كفر ) (7) .
فالقوي في هذا المشهد هو إبراهيم (عليه السلام) والغلبةُ له وليس لنمرود الذي لم يكن قويّاً وإنّما يدّعي القوّة شأنه شأن كلّ الطواغيت والجبابرة .
ونلتقي في صفحات القرآن المضيئة بإبراهيم (عليه السلام) وابنه إسماعيل (عليه السلام) وهما يتعاونان على بناء بيت الله (الكعبة) المشرّفة ، حيث يحمل إسماعيل الابن الصخر وإبراهيم الأب يبني ، حتّى اكتمل البنيان .
وهذا رقم آخر يضاف إلى الأرقام السابقة أنّ القدرة البدنية في الاسلام يراد لها أن توضع في موضع الخدمة لبناء أيّ صرح علمي أو ثقافي أو تربوي أو عبادي أو خدمي .
ويذكّرنا هذا المثال ببناء المسجد النبوي الشريف ، حينما أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد الهجرة ببنائه ، فهرع المسلمون ـ مهاجرين وأنصاراً ـ لبنائه بأنفسهم ، فكان كلُّ مسلم يحمل حجراً وعمّار بن ياسر (رضي الله عنه)يحمل حجرين ، فبارك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) له فتوّته وهمّته .
ونلتقي في القرآن بالفتى داود (عليه السلام) الذي ينبري لقتال الطاغية جالوت رغم فارق السنّ والقوّة البدنية بينهما ، فلقد خرج داود وهو يحمل أحجاراً ومقلاعاً ، وما أنّ سدّد حجراً كبيراً لجبهة جالوت حتّى شجّها وخرّ صريعاً . إنّها فتوّة الإيمان لا فتوّة البدن .
كما نلتقي أيضاً بالعبد الصالح (ذي القرنين) الذي استثمر طاقاته المبدعة في الدفاع عن المستضعفين ، حيث يصنع لهم سدّاً يقيهم من هجمات الأعداء (يأجوج ومأجوج) . وقد طلب منهم أن يبذلوا طاقاتهم البدنية معه فيعينوه على ذلك العمل الكبير الذي أنقذهم من عدوان دائم يشنّه الأعداء عليهم .
فبناء سدّ حديديّ يحتاج ـ كما هو معلوم ـ إلى جهود كبيرة متضافرة ، ولذا تداعت السواعد الفتية إلى إنجازه لحمايتهم وحماية المستضعفين من أبناء مجتمعهم .
وفي قبال هذه القوّة المسخّرة في الخير ، نجد في القرآن القوى المادية المسخّرة في الشرّ والإثم والعدوان (ألم تر كيف فعل ربُّك بعاد * إرم ذات العِماد * التي لم يُخلق مِثلُها في البلاد * وثمود الّذين جابوا الصخر بالواد * وفرعون ذي الأوتاد * الّذين طغوا في البلاد * فأكثروا فيها الفساد ) (8) .
فهذه قوى مادية جبّارة ، لكنّها وضعت من أجل نشر الفساد في الأرض وتدميرها وتحطيم إنسانها وجعله تابعاً ذليلاً مهاناً .
فأيّ القوّتين نريد كشباب ؟
قوّة الخير ، ودعم الخير ، والدفاع عن الخير والخيرين ؟
أم قوّة الشرّ ، واسناد الشرّ ، والوقوف مع الشرّ والشريرين ؟
في أيّ صف نقف كرياضيين أبطال أو كرجال أشدّاء ؟
صف الأقوياء المؤمنين : إبراهيم وموسى وداود وذي القرنين ؟
أم صف الأقوياء الكفرة : نمرود وفرعون وهامان وجالوت ؟
نماذج إسلاميّة قويّة :
الإسلام لا يريد للمسلم أن يكون قويّاً في عبادته ضعيفاً في عمله ، بل يريد له أن يكون قويّاً في الإثنين معاً ، ولذلك فضل المؤمن القويّ في رجاحة عقله واتزان سلوكه وصلاح أعماله : «المؤمن القويّ خير من المؤمن الضعيف» .
والذين دافعوا عن حمى الاسلام في معاركه ضدّ الكفر والشرك والنفاق ، كانوا أبطالاً أكفّاء وأشدّاء وأقوياء من الطراز الأوّل في إيمان وفي وعي ، كما كانوا فرساناً شجعاناً يهابهم الأعداء في ميادين القتال وساحات التضحية والفداء : (محمّد رسول الله والّذين معه أشدّاء على الكفّار رحماءُ بينهم ) (9) .
فعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ هو ذلك الفتى الذي قال عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا فتى إلاّ عليّ» لأ نّه نذر فتوّته في خدمة الدِّين .
ويوم أراد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يهاجر من مكّة إلى المدينة ، وكانت قريش تتربّص به وتترصّد حركته لتقتله ، أمر عليّاً (عليه السلام) بالمبيت في فراشه فأبدى استعداده للموت فداء له .
فالشجاعة في خدمة الدين ونصرة أهدافه أعظم من جميع العبادات، لأ نّها هي التي تحفظ للعبادات وجودها .
وفي معركة خيبر الشهيرة ضدّ اليهود المتآمرين الذين كانوا متحصنين في قلعتهم بالمدينة ، قلع علي (عليه السلام) باب حصنهم الضخمة بقوّة قال عنها : إنّها ليست قوّة بدنية وإنّما هي قوّة ربّانية .
وليس معنى ذلك أ نّها قوّة ساحرة ، موهوبة ، منزّلة من الله ، وإنّما هي قوّة إيمانيّة صنعها إيمانه المطلق بالله وثقته العالية به ، واتكاله التام عليه ، فقوّة الإيمان هي التي تخلع على قوّة البدن القدرة على صنع الأعاجيب .
وفي معركة الطفّ ، حينما التقى الجيشان : جيش الحسين بن عليّ (عليه السلام)وجيش يزيد بن معاوية ، فرغم قلّة عدد جيش الإمام الحسين (عليه السلام)رأينا كيف أنّ الفتية من أصحابه صمدوا وقاتلوا وقُتلوا دفاعاً عن دينهم وعزّتهم وكرامتهم ، وولاءً لقيادتهم التي تمثِّل الاسلام .
من ذلك كلّه ، نفهم أنّ الإسلام ركّز على القوّة البدنية المقترنة بالقوّة الروحية والعقلية ، وأولى القوّة المعنوية اهتماماً أكبر ، حتّى أنّ عليّاً (عليه السلام)حينما كان يدرّب ابنه الفتى (محمّد بن الحنفيّة) على القتال ، كان يقدّم له دروس القوّتين المادية والمعنوية معاً ، قائلاً : «تد في الأرض قدمك .. إرم ببصرك في أقصى القوم .. أعر الله جمجمتك» !
* البلاغ
(1) الأنفال / 60 .
(2) البقرة / 247 .
(3) القصص / 17 .
(4) القصص / 26 .
(5) الأنبياء / 58 .
(6) البقرة / 258 .
(7) البقرة / 258 .
(8) الفجر / 6 ـ 12 .
(9) الفتح / 29 .
ــــــــــــــــــــ(42/261)
مفاهيم إسلامية في تحديد معنى القوّة والغلبة
مَنْ هو القويّ ؟
هذا سؤال أجاب عنه النبيّ (ص) في أكثر من حادثة ، نحاول أن نلتقط بعضها لأ نّها تأتي في سياق موضوعنا :
1 ـ مرّ رسول الله (ص) بقوم يرفعون أحجاراً ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : نختبر أشدّنا وأقوانا .
فقال : ألا أخبركم بأشدّكم وأقواكم ؟
قالوا : بلى يا رسول الله .
قال (ص) : أشدّكم وأقواكم الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل ، وإذا سخط لم يخرجه سخطه عن قول الحقّ ، وإذا ملك لم يتعاط ما ليس له بحقّ .
فالقوّة هنا قوّة أخلاقيّة ، وإلاّ فما قيمة قويّ في بدنه يصرع الأقوياء وهو لا يتورّع عن الدخول في الإثم والباطل والانحراف ، فهو هنا يُصرَع بسهولة ، رغم أ نّه يصعب التغلّب عليه هناك .
2 ـ مرّ رسول الله (ص) بجمع من الفتيان يتصارعون ، فسألهم عن ذلك ، فقالوا : نختبر أشدّنا وأقوانا .
فقال (ص) : ألا أخبركم بالصرعة ؟
فقالوا : بلى يا رسول الله .
فقال : الصرعة كلّ الصرعة (وكرّرها ثلاثاً) الرجل الذي إذا غضب يشتدّ غضبه ، ويحمرّ وجهه ، ويقشعر جلده ، ويطيع غضبه .
وقد قال (ص) لرجل جاءه يطلب النصيحة ، فقال له (ص) : «لا تغضب» وحينما رجع إلى قومه رآهم يتأهبون لقتال قوم آخرين ، فتدخّل لمنع القتال بتعويض قومه عن مغانمه ، وبذلك حقن دماء قومه ودماء الآخرين بحقنه غضبه وكظمه غيظه ، وفي ذلك يقول علي (عليه السلام) : «أشجع الناس مَنْ غلب حلمه غضبه» .
3 ـ كان المسلمون مولعين بسباق الخيل والجمال والرماية كجزء من فنون الحرب والقتال . وينقل أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يشترك في مثل هذه السباقات ، وكانت له ناقة معروفة بالجري لا تُسبق ، فظنّ بعض الصحابة بأ نّها سبّاقة لأ نّها ناقة النبيّ (ص) .
وذات يوم سابق النبيّ (ص) أعرابياً بناقته ، وكان الصحابة حاضرين يشاهدون السباق ، ولكنّ النتيجة جاءت بخلاف المعهود ، حيث سبقت ناقة الإعرابيّ ناقة النبيّ (ص) فصعق الصحابة ، فقال النبيّ (ص) : إنّها ترفّعت ، وحق على الله أن لا يترفّع شيء إلاّ وضعه .
وهي لفتة نبويّة لأولئك الرياضيين الذين يعيشون الغرور والتكبّر والعجب والخيلاء لمجرّد فوز في سباق ، ثمّ انّه (ص) رغم فوزه في السباقات السابقة ، لكنّه أراد أن يفنّد نظرتهم إلى أنّ ناقة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)لا تُسبق لعلاقتها بالنبيّ (ص) .
وممّا يروى في هذا الصدد ، أنّ النبيّ (ص) أجرى الإبل مقبلة من تبوك ، فسبقت العضباء (فرسه) وعليها أسامة بن زيد ، فجعل الناس يقولون : سبق رسول الله (ص) والرسول (ص) يقول : سبق أسامة، أي أنّ السبق للراكب وليس للمركوب .
فهذه المفاهيم الرياضية هي مفاهيم إسلامية في تحديد معنى (القوّة) ومعنى (الغلبة) .
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/262)
في زمن اضطراب القيم والمفاهيم,الوعي الإسلامي ومهمة الاستقامة
* معتصم الغنيمي
عندما تضطرب القيم والمفاهيم لدى أي مجتمع من المجتمعات تبدو الفوضى والعبثية هي السائدة فيما يصبح الإنسان مهددا في نفسه وعرضه وماله، لأسباب عديدة في مقدمتها هيمنة الظلم وغياب العدل وتهميش العقل والمنطق فضلا عما يترتب على ذلك من فساد الخلق والضمير الأمر الذي يوفر الأجواء الموبوءة التي تمرر من خلالها أساليب سيئة كثيرة لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين والإيقاع بهم بدون مسوغ أو مبرر.
وفي مقدمة تلك الأساليب السيئة (القذف والاتهام) حيث يكونان عادة قرينان للظلم وغياب العدل ففي زمن الظلم يصبح اضطهاد الإنسان وإلحاق الأذى به هو القاعدة فيما يبدو الانصاف وتحكيم العقل والمنطق هو الاستثناء وبناء على ذلك فإن مثل هذه الأساليب تعد جزء لا يتجزأ من الفوضى السياسية والاجتماعية السائدة وبعضها من المبررات المعنية بتشغيل آلة الظلم والإرهاب ولاشك ان مثل ذلك الواقع المجرد من الضوابط والقوانين الإنسانية المطلوبة يبدو وهو بأمس الحاجة إلى المفاهيم التربوية والأخلاقية الكفيلة بتنمية كوامن الخير والصفات الحسنة في المجتمع وصولا إلى إيجاد القوة الذاتية الرادعة والتي يمكن الاستعاضة بها ولو نسبيا عن تلك القوانين والضوابط المصادرة.
ومن هنا نجد ان هناك العشرات من الأحاديث والروايات المعنية بإيجاد القوة الذاتية في المجتمعات الإسلامية عندما تعيش أوضاع الفوضى والعبثية ومصادرة القيم والأخلاق كما هو سائد اليوم في بقاع عديدة من عالمنا الإسلامي.
ويلاحظ ان هذه الأحاديث الشريفة الواردة عن الأئمة من أهل البيت (ع) إضافة إلى الروايات الداخلة في هذا الإطار تلتقي جميعها على ذم الاتهام والقذف وتنهى عنهما نهيا شديدا حيث لا يمكن ان يجتمعا مع حسن السريرة ويقظة الضمير.
وفي حديث للإمام علي بن موسى الرضا (ع) يؤكد ان هنالك العديد من الأخطار الإنسانية والاجتماعية المترتبة على قذف المحصنات مثلا وطعنهن في أعراضهن حيث يؤدي مثل ذلك الفعل السيء إلى المساس بالكثير من الضوابط والقوانين الفقهية والاجتماعية الأمر الذي يوجد مشاكل وأضرار كثيرة تلقي بضلالها السوداء على مصائر العديد من الأشخاص الأبرياء.
يقول الإمام علي بن موسى الرضا (ع): (حرم الله قذف المحصنات، لما فيه من فساد الأنساب، ونفي الولد، وإبطال المواريث، وترك التربية، وذهاب المعارف وما فيه من المساوئ والعلل التي تؤدي إلى فساد الخلق).
وروي عن الإمام الصادق (ع) إنه قال: (أتى عمر بن الخطاب بجارية قد شهدوا عليها أنها بغت، وكان من قصتها أنها كانت يتيمة عند رجل، وكان الرجل كثيرا ما يغيب عن أهله، فشبت اليتيمة، وكانت جميلة، فتخوفت المرأة ان يتزوجها زوجها إذا رجع إلى منزله، فدعت نسوة من جيرانها فامسكنها، فأخذت عذرتها بأصبعها فلما قدم زوجها من غيبته، رقت المرأة اليتيمة بالفاحشة، وأقامت البينة من جاراتها اللاتي ساعدنها على ذلك فرفع ذلك إلى عمر، فلم يدر كيف يقضي فيها، ثم قال للرجل: ائت علي بن أبي طالب، وأهذب بنا إليه.
فاتوا عليا (ع) فقصوا عليه القصة فقال لامرأة الرجل: ألك بينة أو برهان؟ فقالت: لي شهود هؤلاء جاراتي يشهدن عليها بما أقول فأحضرتهن، فأخرج علي (ع) السيف من غمده وطرحه بين يديه، وأمر بكل واحدة منهن، فأدخلت بيتا ثم دعا امرأة الرجل فأدانها بكل وجه، فأبت ان تزول عن قولها، فردها إلى البيت الذي كانت فيه، ودعا إحدى الشهود وجثى على ركبتيه، ثم قال: تعرفيني، أنا علي بن أبي طالب، وهذا سيفي وقد قالت امرأة الرجل ما قالت ورجعت إلى الحق، وأعطيتها الأمان، فإن لم تصدقيني لأملأن السيف منك. فالتفتت إلى علي (ع) فقالت: يا أمير المؤمنين الأمان على الصدق؟ فقال لها (ع) فاصدقي. فقالت: لا والله ما زنت اليتيمة، إنها أي امرأة الرجل رأت جمالا وهيئة فخافت فساد زوجها، فسقتها المسكر، ودعتنا فأمسكناها، فافتضتها بإصبعها.
فقال علي (ع): الله أكبر، أنا أول من فرق بين الشهود الا دانيال النبي (ع) وألزم علي (ع) المرأة حد القاذف وأمر المرأة ان تنفى من الرجل ويطلقها زوجها، وزوجه الجارية).
وهكذا نجد ان الأبعاد التربوية المشتملة عليها هذه الرواية تضع أمام الوعي المسلم الشروط والضوابط الواجب مراعاتها ازاء الأخبار والمعلومات غير الدقيقة والمشكوك في مصادرها وأسبابها ودواعيها قبل ان يجري إطلاق الحكم واتخاذ الموقف والاجراء ولاشك ان ذلك مصداقا لقوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
وفي عصرنا اليوم حيث تشهد القيم والمفاهيم اضطرابا واهتزازا خطيرا جراء انتشار الظلم والاضطهاد والاستعاضة عن الشريعة بالأطروحات الوضعية والافكار الدنيوية تأخذ مثل هذه الظاهرة السيئة (الاتهام والقذف) مساحة واسعة على الأصعدة الاجتماعية والسياسية حيث تعتمد كوسيلة لتصفية الحسابات الشخصية أو الحصول على المنافع والمكاسب الأنانية عن طريق التزلف لأصحاب السلطة والجاه وهكذا نجد ان المخاطر المترتبة على انحسار القيم والمفاهيم السماوية تتحول إلى ممارسات تقليدية وتجاوزات شائعة قد لا يرى الكثير من التعاطي معها والقيام بمزاولتها ما يترتب عليه مساس بالإيمان أو طعن في الدين ولاشك ان مثل ذلك الاعتقاد ناتج عن جهل أولئك البعض الأمر الذي يجعلهم يعتقدون ان صلاتهم وصومهم كافيون لأداء ما يناط بهم من واجبات وفرائض فيما يتعمد البعض الآخر مثل هذه الممارسة جراء سوء الطبع وضعف الإرادة وهما أمران كثيرا ما تقترن معهما دوافع وأسباب عديدة من قبيل الحقد والغيرة والتنافس غير الشريف وجميع هذه الدوافع والأسباب تسهم اسهاما مباشرا في خلق الأجواء الموبوءة والصالحة الانتشار مثل تلك الظاهرة الذميمة والخطيرة.
وعلى خلاف ما هو شائع في الأوساط التي أدمنت مثل تلك الممارسات القبيحة حتى أصبحت أشبه بالعادة المألوفة لديها نجد أن الأئمة من أهل البيت (ع) يؤكدون على الابتعاد عن الاتهام والقذف سواء جاءا ضد الإنسان المؤمن أو المسلم أو تمت ممارستهما بحق المشرك أو الذمي من أهل الكتاب وذلك مراعاة لحقوق الإنسان وحفاظا على أمنه وأمانه بغض النظر عن توجهه أو إنتمائه.
روى عمر بن النعمان الجعفي أنه كان لأبي عبد الله (الإمام الصادق (ع)) صديق لا يفارقه إذا ذهب إلى مكان. فبينما هو يمشي معه في الحذائيين ومعه غلام سندي يمشي خلفه، إذ التفت الرجل يريد غلامه، ثلاث مرات فلم يره فلما نظر في الرابعة قال: يابن الفاعلة أين كنت؟
قال فرفع أبو عبد الله (ع) يده فصك بها جبهة نفسه، ثم قال: سبحان الله تقذف أمه؟
قد كنت أرى ان لك ورعا.
فقال: جعلت فداك، إن امه سندية مشركة.
فقال: أما علمت ان لكل أمة نكاحا؟ تنحى عني.
قال: (فما رأيته يمشي معه حتى فرق الموت بينهما).
إن واجب الإنسان المسلم ان يشيع الطيب من العمل والقول وان يتصدى للخبيث منهما قال تعالى: (مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة أجتثت من الأرض مالها من قرار).
ويقول الرسول الأكرم (ص):
(المسلم من سلم الناس من يده ولسانه).
ــــــــــــــــــــ(42/263)
أنا ونفسي والشيطان
* د . مصطفي محمود
نارك وجنتك بين جنبيك .. نارك وجنتك فيما تختار وما تعجل إليه من أقوال وأفعال وما تبادر اليه من
عمل وما تمتد اليه يدك من حلال وحرام ...
يدك هي التي تحفر بها قبرك وتصنع بها مصيرك ولسانك هو الذي يهوي بك الي الهاوية او يصعد بك الي أعلي عليين .. انت ما تقول وانت ما تفعل ...
انظر ماذا تفعل تعلم مسكنك وتشهد قيامتك قبل قيامتك وتعلم ساعتك قبل ساعتك قال لي شيطاني مستنكرا :
وأين أنت من قيامتك واين انت من ساعتك .. هذا الوسواس الشؤم الذي تصحو وتبيت فيه .. انظر حولك يافتي ... انت مازلت في الدنيا .. اقطف زهرتها وانعم بلذاتها وامامك فرص التوبة ممتدة بطول عمرك ... وانت ما عشت فأنت في رعاية التواب الغفار قابل التوب وغافر الذنب ... لا تعقد امورك واضحك للأيام تضحك لك .
قلت وأنا اتحسب كل كلمة ..
تضحك لي أو تضحك علي يا لعين ... ومن أدراني ان ما أقول الآن هو آخر أقوالي وما أفعل الآن هو ختام أفعالي وأني ميت اليوم ومن مات فقد قامت قيامته وبدأت ساعته .
قال شيطاني ... أعوذ بالله من غضب الله ...
ما هذا الكابوس الذي تعيش فيه , حياة كالموت وموت كالحياة , لم يبق إلا أن تصنع لنفسك تابوتا وتنسج لك كفنا تتمدد فيه .. أين أنت من هذا اليوم يارجل .
قلت :
ومن يدريني أن بعد اليوم بعد .
قال شيطاني .
هل أقمت من نفسك قابضا للأرواح وفالقا للاصباح أم أنك المتنبي الذي لا تخيب له نبوءة ... الزم غرزك يا رجل ما أنت إلا عبد من عباد الله .. عش يومك كأنك تعيش أبدا ...
قلت :
ما قالوها هكذا يالئيم .. بل قالوا ... اعمل لدنياك كانك تعيش أبدا واعمل لأخرتك كأنك تموت غدا ... أرأيت كيف تقلب كل الحقائق ...
قال شيطاني :
إنما اردت لك الحياة وأردت انت لنفسك الموت .. ومرادي كان دائما مصلحتك .
قلت :
بل موت النفوس كان مرادك وهلاكها في الجحيم كان شغلك الشاغل وهمك المقيم ياسمسار الجحيم .
هل كنت أكلم أحدا؟ ... أم كان يكلمني أحد هل كان حوارا بحق ... ام كان خيالا .. اتخيله .
إن حديث النفس حقيقة لاشك فيها ... وهو نوع من الاعجاز الرباني ... فهو حديث داخلي لايسمعه غيرك ولا يطلع عليه سواك .. ولا يستطيع اي جهاز الكتروني بشري ان يسجله عليك ... والنفس فيه طرف .. والطرف الآخر يمكن ان يكون النفس ذاتها ... ويمكن ان يكون الشيطان .. وابراهيم الكليم ابو الانبياء كلمه ربه .. وهكذا ترتفع المكالمة لكل نفس علي حسب قدرها ومستواها .
يقول ربنا مكلما موسي في سورة الأعراف الآية (144) قال ياموسي إني اصطفيتك علي الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما اتيتك وكن من الشاكرين [ الأعراف :144]
وحينما تكون وساوس النفس من المستوي الشيطاني .. يمكن ان يكون الشيطان طرفا في الحديث .. وحينما ترتفع النفس الي المستوي الملائكي .. يمكن ان يكون القرين المتحدث ملائكيا .. وكلما ارتفع مستوي الحديث ارتفع مستوي المتحادثين .
وللغيب علومه كما ان للفيزياء علومها وللذرة علومها وللنفس علومها .
والشيطان حقيقة وليس شخصية روائية خيالية من بنات خيال المؤلفين .
وفي آخر الزمان حينما تقوم القيامة سوف يعترف الشيطان بما فعل بضحاياه أمام الملأ وأمام الحشر المجتمع من كل الخلائق . وقال الشيطان لما قضي الامر ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا انفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي
إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب اليم [ إبراهيم :22].
وهكذا ينزل ستار الختام علي الدراما الكبري للوجود التي استغرقت اجيالا وقرونا من آدم اول الخلق الي الخاتم محمد بن عبد الله آخر الرسل عليه الصلاة والسلام ... في كلمات هائلة تتصدع لها القلوب ومشهد جامع يشيب لهوله الولدان .
وسوف نري الشيطان ساعتها وهو يتكلم في قلب الجحيم وسوف نسمع آخر كلماته .
إن الظالمين لهم عذاب اليم .
إن الشيطان حقيقة وليس أسطورة .
والنار حق
والعذاب حق .
إنها ليست أوبرا يا سادة .. يصفق بعدها الحضور وتنزل الستار ... كما يتصور الاوروبيون المتحضرون عشاق الفن .
والأمر ليس كما تصوره الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران في حديث تليفزيوني أجاب فيه علي المذيع الذي سأله .. ماذا تقول لله حينما تراه يا سيادة الرئيس .... فأجاب ميتران :
سوف أقول له ..SORRY
هكذا قال الرئيس ميتران في بساطة فرنسية .
ولا أظن أن الرئيس ميتران سوف يري الله ... ولا أظنه سوف يقوي علي مكالمته .
ولا أظنه سوف يجتمع له رشد أمام ذلك المشهد الرهيب او يبقي فيه لب لينطق .
وكان آخر ما شهدت من الرئيس ميتران مشهدا لا أنساه ايام حرب الابادة التي أعلنها الصرب علي مسلمي البوسنة .
رأيته وقد جاء مسرعا من فرنسا ليري بعينيه مصارع المسلمين في الأرض الأوروبية ... ووقف يتلفت حوله في ثقة واعتداد .
اخيرا جاء يوم الطرد النهائي للمسلمين من الأرض الأوروبية .
هكذا نطقت عيناه ... وإن لم تنطق شفتاه .
وقلت له في نفسي ساعتها .
بل لم تنته القصة بعد يا سيادة الرئيس .
وقد انتهت حياة ميتران ومات بالسرطان .
ولم تنته القصة بل تعددت فصولا .. فشاهدنا لها فصلا ثانيا في حرب كوسوفا ثم فصلا ثالثا في حرب الشيشان تخوضها روسيا بتمويل أمريكي ومساندة إسرائيلية وسكوت اوروبي . والحرب معلنة علي المسلمين في كل مكان هذه الأيام .
وللشيطان أعوان من شياطين الإنس بلا عدد .
ولله شهداء يختارهم كل يوم ليزين صدورهم بأوسمة البطولة .
والحرب مستمرة ... وسوف تتعدد فصولها الي آخر الزمان ... حينما ينزل ستار الختام .. وتعلن الحقائق في مشهد جامع هو يوم القيامة .
وأعترف بأني شديد الفضول لرؤية السيد ميتران ساعتها ... شديد الفضول لما سيقول ... هل سيقول لرب العالمين SORRY.. كما زعم في حديثه الكوميدي في التليفزيون .
ليرحمنا الله جميعا ...
فهذا مشهد يشق علي الجبابرة ...
فما بال الضعفاء امثالنا .
وما زلت أعجب كيف قالها ... بهذه البساطة الفرنسية .
إنه قطعا لم يتصور انه يتحدث عن واقع سيقع ... ولم يخطر بباله أبدا انه سوف يحدث كما تروي الكتب الدينية .
والأوروبي العادي يفتح فمه في دهشة اذا قلت له انه سوف يقوم من الموت ليقف بين يدي الله .. رب العالمين ... ولو انه ايقن بذلك وأمن به .. لما كان هناك استعمار ... ولما كانت هناك تلك المجازر البشعة والإبادة المنظمة التي زاولها الرجل الابيض في حروبه مع السود في أفريقيا وآسيا ومع المسلمين في كل مكان ..
وإنما الظلم كان يملأ صفحات التاريخ ليقين الظالمين بأنه لا قيام بعد الموت ولاحساب ولا مساءلة .
والكبار كلهم ظنوا انهم لا يموتون ولا يحاسبون .. والذين خطر لهم أنهم يمكن ان يموتوا كان يقينهم ان الله سيبعثهم ملوكا .. وان جنة الآخرة لهم ... كما كانت جنة الدنيا لهم ..
وشيطانهم صنع لهم ذلك الوهم واقنعهم به .
وكان قدماء المصريين أكثر من آمن بالبعث والحساب والميزان . ولهذا كان المصريون أكثر الشعوب إنسانية .
إنه إفك قديم قدم التاريخ حكاية انكار الناس للبعث .
وأكثر الشعوب تقدما وأقواها بأسا كانت أكثرها كفرا ... وهكذا كان ظن جاجارين حينما خرج من جو الأرض الي الفضاء ... بلا نهاية ... لا وجود لأحد هنا غيري ... ولم أجد الله .. وحيثما أتلفت لا اجد إلها ... لا أحد سواي ... ورددت ابواق الإذاعة الشيوعية في موسكو لفورها ... ان جاجارين جاء بالخبر اليقين وانه لم يجد إلها في السماوات .
هل تصور جاجارين انه سيجد الله في شرف استقباله وان موسيقي الملائكة سوف تعزف له السلام الملكي .
وقد مات جاجارين بعد ذلك بشهور في حادث تصادم .. ليس في الفضاء .. ولكن في الأرض ... وفي أزقة موسكو كأي كلب ضال ... ورأي ساعتها ما كان ينكره ... ولكن بعد فوات الأوان بعد ان أصاب لسانه الخرس وتوقف قلبه عن الخفقان .. ودفن مع سره في ظلام النسيان .
وسيظل ما بعد الموت طلاسم وظنونا وغيوبا مغيبة ولن يكشف السر الا بعد ان يغلق الباب الدائري خلف كل مرتحل ويستحيل التواصل بينه وبين أحد من الأحياء .. وفي ظلام الوحدة المطلقة سوف تتجلي له الحقيقة وسوف يري كل شئ ... وساعتها لن ينفع الندم ... فكتاب الأعمال أغلق ... وحياته انتهت ... وما بقي سوف تتقطع له نياط القلوب .
والويل لمن لا يفهم .
ان الله موجود , ليس لأن المسلمين يؤمنون بوجوده ولكن لأنه حقيقة مطلقة ازلية لا معني لأي شئ بدونها .
الله هو سر الجمال والرحمة والمودة والحرية والحياة وأسماؤه الحسني مطبوعة علي الوردة وعلي إشراقة الفجر وعلي ابتسامة الوليد وعلي إطلالة الربيع وعلي كفتي الميزان وعلي صولجان الحكم .. فهو العدل الحكم ... وبدونه يستحيل العدل وتستحيل الرحمة وينطمس الكون ويظلم فهو نور السموات والأرض .
وهو الذي يمسك السماوات والأرض ان تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ..
إن الدين يبدأ به .. والفلسفة تنتهي اليه ... والعقل يتوقف عنده ... فلا كيف ولاكم ولااين ولامتي !!!
وإنما ... هو ..
ولا إله إلا هو ...
ولايملك العقل الا السجود .. ولا تملك العين الا البكاء ندما .
رفعت الأقلام وجفت الصحف .
اسألوا لنا ولأنفسكم الرحمة ...
والتمسوا لنا ولأنفسكم النجاة .
لم يبق إلا التوسل ...
ــــــــــــــــــــ(42/264)
مبادئ القرآن في دعوته وتعامله مع الواقع والحياة..
(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة( الأحزاب/21.
( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( الحشر/7.
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون (التوبة/105.
( يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون( الصفا/2-3.
(لا تحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب اليم ( آل عمران /188.
تلك مبادئ القرآن في دعوته وتعامله مع الواقع والحياة.. وتلك مبادئ محمد( التي نادى بها، وطبقها سلوكاً وعملاً.. إن مشكلة المبادئ الكبرى التي يواجهها الانسان، هي الانفصام بين النظرية والتطبيق، والفارق بين القول والعمل، فما اكثر ما نقرأ في النظريات والمشاريع السياسية والاجتماعية، وفي متبنى الثورات والمبادئ التي يتقدم بها أصحابها لاصلاح أوضاع المجتمع، وإعادة بناء الحياة، ومعالجة المشاكل.. نقرأ شعارات الحرية وحقوق الانسان، والعدالة الاجتماعية، والحرص على مصالح الأمة وثروتها، ومكافحة الظلم والاستبداد، وإشاعة العفو والرحمة والإحسان.. ولكننا لا نرى من الكثيرين الاّ التنكر للشعارات والافكار المطروحة..
وكم نسمع من الوعاظ والكتاب والمتحدثين باسم الدين، أو الذين يرتدون زيّه المواعظ التي تدعو إلى الزهد والإحسان والتقوى ومكارم الأخلاق، والتجرد من الأنانية، وحينما نطّلع على سلوكية الكثير من هؤلاء الناس ومواقفهم العملية، وتعاملهم الفعلي، نجد البون شاسعاً، والمسافة بعيدة بين القول والعمل.. بل قد يوحي سلوك بعضهم بأنه كان مخادعاً بقوله ومظهره، ليغطي على فعله البعيد عن كل تلك المبادئ والقيم والشعارات بالضجيج الاعلامي، وصناعة الألفاظ.. ولكننا نجد الحق والحقيقة، وتطابق القول والعمل في سيرة رسول الله( وحياته العملية.
إن الانفصام بين النظرية والتطبيق في سلوك الاكثرين من دعاة المبادئ، بل وبعض دعاة الإسلام والوعاظ، وبعض المدعين بالحكم على أساس الاسلام، هو السبب في عدم الثقة بأصحاب المشاريع ودعوات الإصلاح، وبعض المؤسسات والكيانات الاجتماعية والسياسية.. وتكوين الصورة المشوهة للاسلام، لذا حمل القرآن على الذين يقولون ما لا يفعلون، بل ويخالفون مبادئ الإسلام التي يدعون إليها..
وأسوأ من أولئك جميعاً أولئك الذين يريدون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، ويوظفوا جهد غيرهم للمدح والثناء على شخصياتهم، إنهم أدعياء يدّعون بما لم يصدر عنهم ويضيفونه إلى أنفسهم.. لقد حمل القرآن على هؤلاء الأدعياء بالذم والتوعد بالعقاب فقال: ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسينهم بمفازة من العذاب..( .
لنعد إلى سيرة الرسول( ولندرسها مفردة مفردة فسنجد القول تعبيراً عن العمل..والعمل تجسيداً للكلمة، فالرسول( عندما يأمر بالعفو والرحمة، هو مثال العفو والرحمة.. وعندما يأمر بالزهد والتواضع، هو مثال الزهد والتواضع، وعندما يأمر بحسن التعامل مع المرأة واحترامها واعطائها حقوقها، نجده مثال الزوج والأب في التعامل مع أهله وأسرته..
لقد سار التطبيق إلى جنب التشريع والبيان والتبليغ جنباً إلى جنب طيلة ثلاث وعشرين سنة.. وها هم صحابة رسول الله( يتحدثون عن دعوة العلم والعمل، موضحين سيرة الرسول( العملية في قرن القول بالعمل:
عن عثمان وابن مسعود واُبي: (( إن رسول الله( كان يُقرئهم العشر فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يعلموا ما فيها من العمل، فيعلّمهم القرآن والعمل جميعاً ))1.
وعن أبي عبدالرحمن السلمي قال: (( حدَّثنا من كان يُقرئنا من الصحابة أنهم كانوا يأخذون من رسول الله( عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل))2.
تلك سيرة رسول الله( وذلك منهجه في الحياة: علم وعمل.
وكما هو واضح لدى المسلمين جميعاً أن فعل الرسول( كقوله: سنة وبياناً للأحكام، وتفسيراً للقرآن.. فمن يستقرئ سيرة الرسول( العملية يعرف عظمة الاسلام وعظمة الرسول( .. ويؤمن أن الإسلام دين سهل يسير، وأن تطبيقه بمستوى إمكان الإنسان.. وكم سيكون الإنسان سعيداً لو عمل بتلك المبادئ على مستوى الفرد والمجتمع والمؤسسات والدولة..
البلاغ
نصرة المظلوم والدفاع عن حقوق الإنسان
(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ( (النحل/90).
بهذه المبادئ جاء القرآن.. إنه يأمر بالعدل والإحسان، وينهى عن العدوان على كرامة الإنسان ونفسه وماله وعرضه.. وجعل مهمة تحقيق العدل وحفظ الأمن مسؤولية الدولة في الإسلام، كما هي مسؤولية كل إنسان في المجتمع.. والرسول( الداعية إلى هذه المبادئ نراه يعمل على الدفاع عن الحق ونصرة المظلوم، كفرد في مجتمع، وكنبي مبلغ للرسالة، وكحاكم منفّذ للشريعة والقانون.
ويحدثنا التأريخ عن موقف انساني فذ فريد للنبي محمد( قبل بعثته، أعطاه القيمة الكبرى بعد البعثة.. وهو موقفه في حلف الفضول..
إن حلف الفضول كان تجمعاً وميثاقاً إنسانياً تنادت فيه المشاعر الإنسانية، وإضاءة العقول، لنصرة الإنسان المظلوم، والدفاع عن الحق المضيع، لم تحدثه سلطات، ولا قوى دولية، بل أنشأته قوى اجتماعية بدوافع إنسانية، واحساس وجداني عميق بضرورة نصرة المستضعفين والمظلومين.. لنستمع للتأريخ، وهو يروي لنا قصة هذا الحدث الحضاري الكبير في عالم الإنسان:
روى اليعقوبي في تأريخه ما نصه: (( حضر رسول الله( حلف الفضول، وقد جاوز العشرين، وقال بعد ما بعثه الله: حضرت في دار عبدالله بن جُدعان حلفاً ما يسرني به؟ النعم، ولو دعيت إليه اليوم لأجبت))3.
ويحدث اليعقوبي عن سبب عقد حلف الفضول فيقول: ((وكان سبب حلف الفضول أن قريشاً تحالفت أحلافاً كثيرة على الحمية والمنعة، فتحالف المطيبون وهم بنو عبد مناف وبنو أسد وبنو زهرة وبنو تيم وبنو الحارث بن فهر على أن لا يسلموا الكعبة ما أقام حراء وثبير وما بَلَّ بحرٌ صُوفة . وصنعت عاتكة بنت عبد المطلب طيبا فغمسوا أيديهم فيه . وقيل إن الطيب كان لأم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب، وهي توأم عبد الله أبي رسول الله، وتحالفت اللعقة وهم بنو عبدالدار وبنو مخزوم وبنو جمح وبنو سهم وبنو عدي على أن يمنع بعضهم بعضاً، ويعقل بعضهم عن بعض، وذبحوا بقرة فغمسوا أيديهم في دمها، فكانت قريش تظلم في الحرم الغريب، ومن لا عشيرة له حتى أتى رجل من بني أسد بن خزيمة بتجارة فاشتراها رجل من بني سهم، فأخذها السهمي، وأبى أن يعطيه الثمن، فكلم قريشاً واستجار بها، وسألها إعانته على أخذ حقه، فلم يأخذ له أحد بحقه، فصعد الأسدي أبا قبيس فنادى بأعلى صوته :
يا أهل فهر لمظلوم بضاعته ببطن مكة نائي الأهل والنفر
إن الحرام لمن تمت حرامته ولا حرام لثوبي لابس الغدر
وقد قيل : لم يكن رجلاً من بني أسد، ولكنه قيس بن شيبة السلمي باع متاعاً من أبي خلف الجمحي وذهب بحقه، فقال هذا الشعر، وقيل بل قال :
يا لقصي كيف هذا في الحرم وحرمة البيت وأخلاق الكرم أظُلم لا يمُنع مني من ظلم فتذممت قريش فقاموا فتحالفوا ألا يظلم غريب ولا غيره، وأن يؤخذ للمظلوم من الظالم، واجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان التيمي. وكانت الاحلاف هاشماً وأسداً وزهرة وتيماً والحارث بن فهر، فقالت قريش: هذا فضول من الحلف، فسمي حلف الفضول. وقال بعضهم: حضره ثلاثة نفر يقال لهم الفضل بن قضاعة، والفضل بن حشاعة، والفضل بن بضاعة، فسمي بهذا حلف الفضول. وقد قيل إن هؤلاء النفر حضروا حلفاً لجرُهم فسمي حلف الفضول بهم، وشبه بالحلف في تلك السنة)).
إن هذه الوثيقة التأريخية تكشف لنا عن أبرز مبادئ الإسلام الإنسانية على المستوى الدولي، وهي نصرة المظلوم، والدفاع عن الحق، بغض النظر عن دين المظلوم ومذهبه وعشيرته وقوميته ووطنه.. ويعطينا هذا الحلف والميثاق أصلاً قانونياً، ودليلاً على تنظيم الإسلام للعلاقات الإنسانية على المستوى الدولي، والحث على الاشتراك في المنظمات الدولية الإنسانية التي تعمل على إغاثة المظلومين ونصرتهم، والدفاع عن حقوقهم، ومقاومة الظلم والطغيان في أي بقعة من بقاع العالم.. إن هذه القيم الإنسانية في حقلها الأخلاقي والسياسي لهي من أعظم القيم التي تحتاجها الإنسانية في عالمنا المعاصر، عالم التكتلات العدوانية، وعالم المنظمات المسخرة لخدمة الطاغوت العالمي، والقوى المتسلطة..
إن بامكان كل ذي حس أخلاقي ووعي سياسي، أن يشخص الدور العدواني لمجلس الامن الدولي مثلاً الذي تسيطر عليه أمريكا، وتستخدمه أداة للظلم والاضطهاد، كما كانت قريش الجاهلية تستخدم قوتها وأحلافها ونفوذها لظلم المستضعفين، فاندفع ذوو الضمائر الحرة، والمشاعر الإنسانية النبيلة، والخلق الرفيع لتشكيل (حلف الفضول) لنصرة المظلوم، وإرغام الظالم على انصافه.
وفي موقع آخر يجسد الرسول( تلك المبادئ سلوكاً وعملاً، فيخف لنصرة المظلوم والدفاع عن حقه، ولم يكن هذا المظلوم مسلماً، والرسول يومها نبي يحمل الدعوة إلى الناس وينادي فيهم: (( بالعدل قامت السماوات والأرض)).
إن لتلك الكلمة الخالدة دلالاتها وعطاءها في كل حركات الإنسان وسكناته.. والدعوة لاقامة العدل هي منهج القرآن، واساس في سيرة الرسول العملية، ومسؤولية الإنسان على امتداد وجوده على هذه الأرض.. وقد قيل قديماً: الكفر يدوم والظلم لا يدوم .. والثورة على الظلم والطغيان والانتصار للمظلوم قضية تشخصها العقول النيرّة، والمشاعر الإنسانية النبيلة، كما تشخصها الشرائع والأديان..
سجل لنا التأريخ مواقف عملية للرسول( في المرحلة الجاهلية لنصرة المظلوم والمضطهد، قرأناها في موقفه في حلف الفضول، كما نقرأها في موقفه العملي من أبي جهل في بداية الدعوة..يوم كان الرسول( مضطهداً محارباً مستضعفاً فلم يمنعه وضعه السياسي والاجتماعي المحاصر آنذاك من الانتصار للمظلوم، والمطالبة بحقه من أعتى طواغيت عصره، وأكثرها عدواة وخصومة له..
لنقرأ ذلك الموقف، ولنتخذه درساً ومنهجاً في حياتنا الاجتماعية والسياسية، فما أكثر الظلم والمظلومين، وما أقل الواقفين موقف رسول الله( في الدفاع والنصرة، وما احوج المجتمع إلى مؤسسات ومنظمات ومراكز للدفاع عن حقوق المظلومين والمضطهدين.. إن ذلك الموقف الصادر عن الرسول( ومثله الموقف في حلف الفضول يؤكد أن الدفاع عن الحق، ونصرة المظلوم مسؤولية يسأل عنها الإنسان، والقادر على القيام بها تجاه المظلومين والمضطهدين، وبغض النظر عن عقيدة المظلوم أو لغته أو طبقته الاجتماعية أو انتمائه السياسي.. لنقرأ موقف الرسول ( من مظلوم استغاث به لإنقاذ حقه، ولنتأمل في الظروف الصعبة التي كانت تحيط بالرسول( يومها.
نقل ابن الأثير عن سلسلة من الرواة تلك الحادثة فقال: (( قدم رجل من أراش بإبل له إلى مكة، فابتاعها منه أبو جهل بن هشام، فمطله بأثمانها، فأقبل الأراشي حتى وقف على نادي قريش، ورسول الله( جالس في ناحية المسجد، فقال: يا معشر قريش من رجل يعديني على أبي الحكم بن هشام، فإني غريب، وابن سبيل، وقد غلبني على حقي، فقال أهل المجلس: ترى ذلك، يهمزون به إلى رسول الله( لما يعلمون ما بينه وبين أبي جهل من العداوة، إذهب إليه، فهو يعديك عليه، فأقبل الأراشي حتى وقف على رسول الله( فذكر ذلك له، فقام معه فلما رأوه قام معه، قالوا لمن معهم: اتبعه فانظر ما يصنع؟ فخرج إليه رسول الله( حتى جاءه فضرب عليه بابه، فقال مَن هذا قال: محمد، فاخرج، فخرج إليه، وما في وجهه قطرة دم، وقد امتقع لونه، فقال: إعط هذا الرجل حقه، قال: لا يبرح حتى أعطيه الذي له، قال فدخل، فخرج إليه بحقه، فدفعه إليه، ثم انصرف رسول الله( وقال للأراشي إلحق لشأنك.. فأقبل الأراشي حتى وقف على المجلس، فقال: جزاه الله خيراً، فقد أخذ الذي لي..))4.
إن هذه الحادثة من سيرة رسول الله( العملية تكشف عن انسانية الدعوة ووقوفها إلى جنب الإنسان المظلوم، واستنقاذ الحق، رغم أن الظالم كان من أعتى طواغيت قريش، ورغم العداوة التي كانت بين الرسول وبين أبي جهل، فالرسول( لم يعتذر من الرجل لما يعلم من أبي جهل، بل صحبه إلى دار أبي جهل، ووقف بكل جرأة وشجاعة، بل وتحدٍّ للظالم، يطالبه بحق المظلوم..
والموقف كما يكشف عن مواجهة الظلم والطغيان، فإنه يكشف عن الاهتمام بالآخرين، ومشاركتهم بهمومهم والوقوف معهم لاستنقاذ حقوقهم الشخصية.. فالموقف هو دفاع عن حق، ومواجهة لظاهرة عدوانية في المجتمع.
مقابلة الإساء بالإحسان
ويحدثنا التأريخ عن أخلاقية الرسول( وسلوكه الانساني المتعالي على الحقد والكراهية والعداء، والمعبّر عن سمو الذات وتكامل الإنسانية فيه.. يحدثنا عن تعامله مع خصومه وأعدائه الذين أخرجوه من مكة وخططوا لقتله فأنجاه الله منهم ليلة الهجرة إلى المدينة المنورة..
أولئك الذين فرضوا عليه الحصار قبل ذلك بثلاث سنوات، هو وأصحابه وأعمامه، حتى اكلوا ورق الشجر ونبات الأرض، وعانوا من الجوع والاضطهاد ما يدمي القلب ويحزّ في النفس.. وآذوه أشد الأذى، حتى قال(: ((ما أوذي نبي مثل ما أوذيت)).. وأوغلوا في الجريمة والارهاب والعدوان فعذبوا أصحابه أشد أنواع التعذيب، والاضطهاد، وقتلوا صاحبه العظيم ياسراً وزوجته سمية (رضي الله عنهما) بالضرب والتعذيب، كما قتلوا عدداً من أصحابه في معركة بدر، كمصعب بن عمير وعبيدة وغيرهما، ثم قتلوا عمه العظيم حمزة بن عبد المطلب في معركة أحد، ومثّلوا بجسده أسوأ تمثيل .. ومنعوه من دخول مكة وأداء العمرة في العام الأدلة من الهجرة، وتحالفوا مع اليهود والمنافقين في معركة الأحزاب للقضاء على الدعوة الإسلامية ورسولها ودولتها في المدينة..
ومع كل ذلك كان الرسول ( المثل الأعلى في التعامل الانساني مع أولئك الاعداء، وبالشكل الذي أذهلهم، فما كانوا يتوقعون أن يحسن إليهم بهذا الإحسان، بعد أن عاملوه بتلك الإساءة.. لقد تحدث التأريخ وكتاب السير عن موقف إنساني نبيل للرسول محمد( ننقله عن بعض مصادره، قال المؤرخ الشهير اليعقوبي: ((..وبلغه ( ما فيه أهل مكة من الضر والحاجة والجدب والقحط فبعث إليهم بشعير ذهب، وقيل نوى ذهب، مع عمرو بن أمية الضمري، أمره أن يدفعه إلى أبي سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية وسهل بن عمرو، فامتنع صفوان بن أمية وسهل بن عمر من أخذه، وأخذه أبو سفيان كله وفرّقه على فقراء قريش، وقال: جزى الله إبن أخي خيراً، فانه وصول لرحمه..))5.
لنقف أمام هذا الموقف الأخلاقي الفريد..
الموقف الذي جسد فيه الرسول( مبادئ دعوته بالإحسان الى من أساء إليه.. جسدها سلوكاً وعملاً.. منطلقاً في ذلك من مبادئ القرآن الذي نادى بدرء السيئه بالحسنة، فقال في ثنائه على من يقابل الإساءة بالإحسان: (ويدرأون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى
الدار( الرعد /22.
وهكذا نقف أمام سلوك انساني معبّر عن أخلاقية الدعوة الإسلامية ورسولها العظيم.. لنقرأ هذا الموقف ولنتأمل فيه للعبرة والموعظة ونحن نتعامل مع من نختلف معهم في الفكر أو الموقف السياسي أو الاجتماعي، ولنقرأ قوله تعالى: ( لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة( .
الشورى في سيرة الرسول(
تشكل السيرة النبوية الصيغة التطبيقية، والمجال العملي للشريعة والقيم التي حملها الرسول إلى الناس في كل حقل من حقول الحياة.. الاخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، فهو ( المبلغ عن الله سبحانه، وهو المطبق للأحكام والمنفّذ لها ..
لذا فكل سلوكه شريعة، وكل ما يصدر عنه سنّة تتبّع، سواء القول أو الفعل أو التقرير.. ثبّت القرآن هذا المبدأ بقوله: ( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( .
وقوله: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة( .
من خلال الدراسة والتحليل العلمي للسيرة النبوية في كل مجالاتها وأبعادها نجدها ثروة تشريعية، وهدياً سلوكياً للانسانية على مدى العصور.. ويبرز مبدأ الشورى في حياة الرسول( السياسية والعسكرية والاجتماعية مبدأ أساسياً من مبادئ تنظيم المجتمع والدولة والاسرة والمؤسسات.. وبعد التشاور واستطلاع الآراء يكون القرار لصاحب القرار، الذي يحوّل الشورى إلى قرار وموقف بصلاحياته المخول بها..
إن الرسول ( هو الإنسان الأكمل برأيه وعلمه ووعيه، وهو المسدد بالوحي .. ومع كل ذلك فان الله سبحانه قد ثبت له مبدأ الشورى، وأمره أن يشاور أصحابه، ليدربهم هذا المبدأ، وليبعدهم عن روح الاستبداد والتسلط والفردية، وليربي فيهم روح الشعور بالمسؤولية، واحترام الرأي الآخر، والتفاهم مع الآخرين، لصنع القرار المتعلق بالمصير الشخصي أو الجماعي..
ثبّت القرآن هذا المبدأ للرسول الكريم( بقوله: ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين( آل عمران /159.
ولقد طبق الرسول( هذا المبدأ في حياته العملية، ليكون هذا التطبيق سنة ومنهجاً في حياة الإنسان المسلم بصورة عامة، وفي مجال السياسة والحقول الاختصاصية بصورة خاصة..
وللمزيد من الاستضاءة بهدي السنة فلنلتقط من سيرة الرسول ( موقفين فعليين يعبران عن احترام الرأي الآخر، والتنازل عن اقتراحه والأخذ برأي الآخرين.. حدث الموقف الأول في معركة أحد، أما الموقف الثاني فقد حدث في معركة الخندق، معركة الأحزاب، لكي تتضح لدينا تفاصيل تلك المواقف فلنستمع إلى تقارير المؤرخين وكتّاب السير، وهم يتحدثون عن ذلك:
قال اليعقوبي متحدثاً عن المشاورة التي سبقت معركة أحد :((وكان رأي رسول الله( ألاّ يخرج من المدينة لرؤيا رآها في منامه: أن في سيفه ثلمة، وأن بعيراً يذبح له، وأنه أدخل يده في درع حصينة، وتأولها محمد ( أن نفراً من أصحابه يقتلون، وأن رجلاً من أهل بيته يصاب، وأن الدرع المدينة فأشارت عليه الأنصار بالخروج، فلما لبس لباس الحرب ردت إليه الأنصار الأمر، وقالوا: لا نخرج عن المدينة، فقال الآن وقد لبست لأمتي، والنبي إذا لبس لأمته لا ينزعها حتى يقاتل أو يفتح الله عليه فخرج وخرج المسلمون وعدتهم ألف رجل حتى صاروا الى أحد، ووافى المشركون فاقتتلوا قتالاً شديداً..))6.
..وهكذا يتضح أن رأي رسول الله( هو أن يكون القتال داخل المدينة، لتتشتت قوى العدو، ولتتوفر الحماية لجيشه داخل المدينة وليشترك من يستطيع الاشتراك في إرباك جيش العدو من غير المقاتلين.. وعضَّد هذا الرأي برؤية تأولها بأن المدينة ستكون هي الدرع الحصين التي مدَّ يده فيها.. غير أن بعض أصحابه كان يرى القتال خارج المدينة أفضل من القتال داخلها.. ولحكمة ومصلحة لوحدة المقاتلين استجاب الرسول( لرأيهم، وتنازل عن رأيه، وخسر المسلمون المعركة..
إن هذا الموقف النبوي دليل فذ على احترام الرأي الآخر، والأخذ به، وممارسة الشورى ممارسة عملية، لتكون منهجاً للمسلمين في حياتهم الاجتماعية والسياسية والعملية، كما هي درس للأخذ بالرأي الاصوب، وإن قابله رأي الاكثرية..
ويوم الأحزاب يوم معركة الخندق مارس رسول الله( الشورى السياسية بأجلى صورها.. فقد كان رأي رسول الله( أن يتفق مع بعض قادة الجيش المعادي بإعطائهم ثلث ثمار المدينة في ذلك العام على أن ينسحبوا من جبهة القتال، لتخفيف الضغط العسكري الموجه على المدينة، وقد تفاهم مع إثنين من قادة قبيلة غطفان، المرابطة قرب المدينة فوافقا على ذلك.. ولم يكن رسول الله( وهو الرسول والقائد والحاكم ليستبد برأيه، بل شاور أصحابه في ذلك فحبذوا عدم اعطاء أي شيء من ثمار المدينة، وترك الأمور تجري على وضعها العسكري القائم، فاستجاب رسول الله( لرأيهم، وترك رأيه..
نقل ابن الأثير لنا تقريراً بتلك الحادثة فقال: ((.. فلمّا اشتد البلاء بعث رسول الله( إلى عيينة بن حصن، والحارث بن عوف المري, قائدي غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عن رسول الله ( فأجابا إلى ذلك، فاستشار رسول الله( سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، فقالا: يا رسول الله( شيء تحب أن تصنعه، أم شيء أمرك الله به، أو شيء تصنعه لنا؟ قال: بل {لكم} رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم، فقال سعد بن معاذ: قد كنا نحن معهم على الشرك ولا يطمعون أن يأكلوا منا ثمرة الاّ قِرىً أو بيعاً، فحين أكرمنا الله بالاسلام نعطيهم أموالنا، ما نعطيهم الاّ السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فترك ذلك رسول الله( ))7.
ثم بدأت المعركة وهزمت الأحزاب المجتمعة على حرب رسول الله( بعد أن قتل الإمام علي بن أبي طالب( أبرز أبطالهم عمرو بن عبد ود..
من خلال تلك المواقف والسيرة العملية للرسول( يتجسد مبدأ الشورى في الإسلام، والتنازل عن رأي القائد لرأي الآخرين.. إنه الدرس والعبرة والمنهج السياسي والاجتماعي الذي أراده القرآن والرسول ( أن يكون مبدأً دستورياً، ومنهجاً عملياً للحياة، يلتزم بها الحاكم والامة على حد سواء من خلال الاستشارة الفردية، أو المؤسسات والأجهزة الخاصة للشورى والاستشارة، أو استطلاع رأي الأمة في المجالات التي ينبغي أن يؤخذ فيها رأي الأمة.
أخلاقية القائد المنتصر
الغرور والاستعلاء والعجب بالنفس، من اخطر الأمراض الاخلاقية في المجالات الاجتماعية والسياسية والعلمية.. فالمتكبر المغرور يشعر بالاستعلاء على الآخرين واحتقارهم، وعدم الاهتمام بآرائهم وحرماتهم وممتلكاتهم وشخصياتهم وحياتهم.. وهذه العقدة المرضية هي السبب الأول في الاستبداد السياسي، واضطهاد الآخرين..
وتفيد الدراسات النفسية، والروايات الواردة عن الرسول ( وأهل بيته، ودراسات علماء الأخلاق.. تفيد أن التكبر شعور مَرضي يتكون عند الشخص المصاب بعقدة الاحساس بالنقص، فهذه السلوكية المرضية هي محاولة للتعويض عن الشعور بالنقص، وليست ظاهرة تعبّر عن قوة الشخصية، كما قد يتصور البعض..
والرسول( الإنسان الكامل بذاته ووعيه للكون والحياة، هو مثال التواضع، فهو يدري أن كل شيء يسير نحو الزوال والفناء، وأن البقاء لله وحده، والخلود هو في عالم الآخرة.. وأن ما يحققه الإنسان من نصر عسكري أو سياسي، أو تفوق علمي أو اجتماعي، يجب أن يوجه للخير واصلاح البشرية، وليس للعدوان والاستعلاء على الآخرين والانتقام منهم، والتسلط عليهم، فمنهجه الذي حدَّده القرآن له هو: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور( الحديد /23.(42/265)
ويسجل الرسول القائد المنتصر يوم فتح مكة أروع مثل في العفو والتواضع.. ثبت ذلك المبدأ لكل قائد منتصر للتعامل مع خصومه الذين حاربوه وأساؤوا إليه.. لقد دخل مكة فاتحاً منتصراً يردد عبارات التسبيح والشكر والثناء لله سبحانه منزهاً عن الغرور واستعلاء المنتصر.. وصف المؤرخون دخوله مكة يوم الفتح فقالوا: (( دخل رسول الله( مكة يوم الفتح وذقنه على راحلته متخشعاً..))8.
ووصفه ابن الأثير في مورد آخر بقوله:
((ولما وصل رسول الله( إلى ذي طوى وقف على راحلته، وهو مُعتجر بِبُرد خز أحمر، وقد وضع رأسه تواضعاً لله تعالى، حين رأى ما أكرمه الله به{من الفتح} حتى إن أسفل لحيته ليمس واسطة الرحل..))9.
لقد كان موقفه مثالاً عملياً لقوله تعالى: ( إذا جاء نصر الله والفتح( ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجاً( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا( (النصر).
لنقف بعد أربعة عشر قرناً من الزمان، ونرصد جيوش الفتح ورايات النصر تخفق حول الحرم.. ورسول الله القائد الفاتح المنتصر على خصومه مطأطئاً رأسه بهيئة السجود والخضوع والشكر لله ، وقد عفا عن أهل مكة ونادى مناديه: اليوم يوم المرحمة، اليوم تحمى الحرمة.. من خلال التعامل مع ذلك الموقف تتجلى لنا عظمة الرسول ( وعظمة المبادئ الإسلامية في الحرب والسلم..ففي النصر تواضع ورحمة، وفي العسرة والضيق صبر وعزة، وإرادة لا تلين..
وينقل لنا المؤرخون موقف هذا القائد العظيم، وتعامله مع الإنسان الخائف المضطرب.. تعامل الإنسان مع الإنسان.. بعيداً عن كبرياء السلطة، والتسلط على الآخرين ليؤكد في قوله وفعله أن القيادة الإسلامية عملية إنقاذ وهداية، ورعاية للإنسان.. في غمرة النصر وأحداث فتح مكة الصاخبة، وفي أجواء الخوف والرعب التي أشاعها طغاة مكة، جهد رسول( أن يشيع في أرجاء هذا البلد الآمن الطمأنينة والسلام، لتكون تلك السيرة هي المنهج والمنار لأمته، ولتكون درساً وعبرة للأجيال..
نقل لنا من حضر يوم الفتح حادثة معبرة عن أخلاقية القائد المسلم، واسلوب تعامله مع الآخرين.. فعن إبن مسعود: ((أن رجلاً كلَّم رسول الله يوم الفتح فأخذته الرعدة، فقال {النبي(} : هوِّن عليك فإنّما أنا إبن إمرأة من قريش تأكل القديد..))10.
ورواه آخرون بإضافة عبارة: ((لست بملك)).
((هوِّن عليك لست بملك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد))11.
ذلك هو الرسول( في خلقه وإنسانيتة، يؤكد للناس أن القائد المسلم ليس ملكاً، أي ليس جباراً ولا متسلطاً على الناس، ولا محتجباً عنهم بالكبرياء ومظاهر الارهاب.. إنه أحدهم.. إنه ابن إمرأة تعيش في مكة، كما يعيش الناس في حياتهم الاعتيادية، فلا مجال للخوف، بل جاء الإسلام لليشيع الأمن والسلام في ربوع الارض، ويأمن في ظله الناس على ارواحهم أموالهم وأعراضهم وكامل حقوقهم..
* البلاغ
1 ) تفسير القرطبي، ج1، ص39.
2 ) المجلسي، بحار الأنوار، ج19، ص28، باب فضل التدبر في القران.
3 ) تاريخ اليعقوبي: ج2، ص17.
4 ) البداية والنهاية، ج3، ص59-60.
5 ) تاريخ اليعقوبي،ج2، ص56.
6 ) تاريخ اليعقوبي،ج2،ص47 .
7 ) الكامل في التاريخ، ج2، ص180-181.
8 ) ابن الأثير، البداية والنهاية، ج4، ص335 .
9 ) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج2، ص246-247.
10 ) ابن الأثر، البداية والنهاية، ج4، ص335.
11 ) الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص16.
ــــــــــــــــــــ(42/266)
أهمية التربية في بناء الشخصية والسلامة النفسية
من الثابت علمياً ان الانسان يولد صفحة بيضاء، خالية من أي اتجاه أو تشكل للذات، وإنما يحمل الاستعداد لتلقي العلوم والمعارف وتكوين الشخصية والتشكل وفق خط سلوكي معين.لذا نجد القرآن الكريم يخاطب الانسان بهذه الحقيقة،ويذكِّره بنعمة العلم والتعليم والهداية.
قال تعالى: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لاتعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون). (النحل/78)
ويترجم الامام علي (عليه السلام) هذه الحقيقة العلمية فيقول:
(وإنّما قلب الحدث كالارض الخالية، ماألقي فيها من شيء قبلته)(3).
شرح العلامة الحلي مراحل تكوُّن المعرفة لدى الطفل فقال: (إعلم أن الله خلق النفس الانسانية في بداية فطرتها خالية من جميع العلوم بالضرورة، قابلة لها بالضرورة، وذلك مشاهد في حال الاطفال. ثم إنّ الله تعالى خلق للنفس آلات بها يحصل الادراك، وهي القوى الحساسة، فيحس الطفل في أوَّل ولادته، يحس لمس مايدركه من الملموسات، ويميز بواسطة الادراك البصري على سبيل التدرج بين أبويه وغيرهما.
وكذا يتدرج في الطعوم وباقي المحسوسات الى ادراك مايتعلق بتلك الالات، ثم يزداد فطنة فيدرك بواسطة إحساسه بالامور الجزئية الامور الكلية من المشاركة والمباينة، ويعقل الامور الكلية الضرورية بواسطة إدراك المحسوسات الجزئية، ثم إذا استكمل الاستدلال، وتفطن بمواضع الجدال، وأدرك بواسطة العلوم الضرورية العلوم الكسبية، فظهر من هذا أن العلوم الكسبية فرع على العلوم الضرورية الكلية، والعلوم الضرورية الكلية فرع على المحسوسات الجزئية)(4).
من هذا الشرح لمدلول الاية تتحدد نظرية المعرفة في الاسلام وكيفية تكونها لدى الانسان منذ نشأته الاولى، مؤصَّلة على قاعدة قرآنية.
وعلى هذا الفهم، وتلك الاسس العلمية لتلقي المعرفة وتكُّون الشخصية تبتني النظرية التربوية في الاسلام، ويبدأ تكليف الابوين في اعداد الطفل وتربيته وتعليمه.
والتربية في مراحلها الاولى هي مران وتدريب سلوكي عملي يتلقاه الطفل عن طريق الحس من أبويه فيكتسب منهما السلوك والاخلاق والعادات وطريقة التعامل.
لذا فان السلوك العائلي، ومحيط الاسرة الثقافي يؤثران تأثيراً بالغاً في تكوين الشخصية واتجاهها المستقبلي.
أما التعليم فهو تلقي العلوم والمعارف لتكوين عقلية الانسان وطريقة تفكيره وثقافته، وتشكيل صبغة الهوية الفكرية لشخصيته; لذا جاء في الحديث الشريف: (مامن مولود يولد إلا على هذه الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه)(5).
ولاهمية التربية في بناء الشخصية والسلامة النفسية من العقد والانحرافات وأثرها في سعادة الانسان وشقائه في مستقبل حياته وآخرته، ودورها الفاعل في حضارة المجتمع وتقدمه العلمي والتنموي اكّد الاسلام الاهتمام بالتربية وتوجيه الطفل والعناية الفائقة به سيّما في سنيّه الاولى. فالتربية تؤثر على أمن المجتمع، وصحته ونظافة بيئته، وإنتاجه الاقتصادي، واستقراره السياسي وتقدمه العلمي والحضاري.
فالطفل الذي ينشأ كسولاً مهملاً، لايمكن أن يكون إنساناً منتجاً يعرف كيف يوظف وقته وطاقته، ويطوِّر انتاجه وقدراته، أو يواصل تحصيله العلمي والخبروي.
والطفل الذي ينشأ مشرداً متمرداً نتيجة لسوء تعامل الابوين أو المدرسة أو السلطة من الصعب أن يكون إنساناً ملتزماً بالقانون، يحافظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي لبلده وأمته.
والطفل الذي يعيش في بيئة شاذة، أو يُربّى تربية منحطة تترك تلك التربية تأثيرها في سلوكه فتجني عليه، وتصنع منه انساناً مجرماً معذَّباً في حياته وشقياً في اخرته.
فقد أثبتت التجارب والاحصائيات العلمية التي أجراها الباحثون أثر التربية في تكوين الفرد والمجتمع فجاءت متطابقة مع تشخيص الرسالة الاسلامية ومقرراتها العلمية في التربية نذكر منها:
تقول معظم الدراسات التي اجريت في العالمين العربي والغربي بان سني الطفولة الاولى هي سني تكوين الشخصية الانسانية وتنمية المواهب الفردية. فالولد يكتسب من احتكاكه بمحيطه ردات فعل على المثيرات الخارجية بحيث تكتمل نصف ردات فعله الثابتة في حياته في السنوات الاولى من حياته. وبديهي ان يكون للقيم السلوكية الايجابية والسلبية السائدة في محيطه العائلي دور فعال ومؤثر في تكوّن طريقة تعامله مع الغير. وتثبت الابحاث التربوية ايضاً أن تكوّن الصورة الذاتية لدى الطفل منذ حداثة سنه تؤثر في نظرته الى نفسه طيلة سني حياته. فاذا تكونت لديه صورة سلبية عن مقدرته ومكانته في عائلته بأن شعر نفسه مهملاً، دون دور معين في محيطه العائلي، لايثير اهتمام أحد كأن وجوده أو عدمه سيّان نمت لديه صورة قاتمة عن مكانته في المجتمع، ماتلبث ان تترجم بتصرفات تؤدي الى اثبات الوجود عبر سياق تعويضي يتصف بالعنف أو بالمشاكسة أو بالانحراف. وبالعكس اذا وجد الرعاية والمحبة والعاطفة والتقدير والتشجيع بين افراد اسرته زهت صورته عن نفسه ونمت مقدراته ومواهبه واصبح يشعر باشراقة مضيئة تشع من شخصيته فتؤهله للقيام بدور فعال في حياته العائلية ومن ثم المدرسية والمهنية والاجتماعية.
اثبت التقرير الذي وضعه كولمان نتيجة لابحاثه التربوية المؤيدة بالابحاث التي قام بها المجلس الاستشاري المركزي للتربية في انكلترا ان خمسين بالمئة من ذكاء الاولاد البالغين السابع عشرة من عمرهم يتكون بين فترة تكون الجنين وسن الرابعة. وان خمسين بالمئة من المكاسب العلمية لدى البالغين ثمانية عشر عاماً تتكون ابتداءً من سن التاسعة. وان 33% من استعدادات الولد الذهنية والتصرفية والمقدامية والعاطفية يمكن التنبؤ بها في سن الثانية، وتصبح درجة التنبؤ 50% في سن الخامسة. وتضيف دراسة اخرى ان نوعية اللغة التي يخاطب بها الاهل اولادهم تؤثر الى حد كبير في فهم هؤلاء وتمييزهم لمعاني الثواب والعقاب وللقيم السلوكية لديهم ولمفاهيمهم ودورهم واخلاقيتهم(6).
ويعتبر الاسلام أن من أهم مكاسب الانسان في الدنيا أن يكون له ولد صالح، سوِّي الشخصية والسلوك.
فقد روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله) قوله: (من سعادة الرجل الولد الصالح)(7).
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (ميراث الله من عبده المؤمن الولد الصالح يستغفر له)(8).
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/267)
حتى لا تتحول المراهقة لفترة مرضية..
تعد مرحلة المراهقة من أصعب المراحل التي تواجه الآباء والأمهات في محاولة السيطرة على المراهق واستماعه إلى الإرشاد!! وينصح الخبراء أن ننظر لهذه المرحلة على أنها فترة مرضية لأن المراهق إنسان ما زال يبحث عن النضج .
ويؤكد د . يحيي الرخاوي أستاذ الأمراض النفسية والعصبية .. أن المراهق يبدأ غالبا في الانسلاخ من صداقاته القديمة وأنه يبدأ في اختيار أصدقاء جدد حيث إنه يسعى لبناء عالم جديد. وهذه الأنواع من السلوك تؤكد أنه يعيش في قلق عصبي شديد وهو في معظم الأحيان يحتاج إلى صداقة الأب والأم وفي الوقت نفسه يشعر بنوع من القيود التي تفرضها عليه أسرته. ومن هنا نجد أن الأب والأم مطالبان القيام بإرشاد الأبناء في عمر المراهقة إلى ما هو صواب وما هو خطأ ولابد للآباء من الالتزام بضرورة إرشاد الابن أو البنت إلى السلوك المعقول ليس بهدف السيطرة ولكن كنوع من التوعية. ويقع البعض في أخطاء شائعة عندما يتشددون في بعض الأمور ويتساهلون في قضايا مهمة . كما يجب أن ننظر للأبناء في هذه المرحلة بنظرة إنسانية يمكن أن تضمن لنا فهم المراهق كإنسان يعاني حقيقتين .. كل منهما تناقض الأخرى مثل إحساس المراهق بأهمية اعتماده على الأب والأم ، وعدم الثقة في نفسه كإنسان يمكن أن يكون ناضجا .. ويضيف : إن الإنسان المراهق يحاول أن يعرف رأي الآخرين في صفاته الحسنة أو الرديئة حيث إنه يبحث عن المثالية وإبهار الآخرين في لفت الأنظار إليه..
ولذلك فإن القلق الذي يصاحب فترة المراهقة قاس لأن المراهق يخاف من عدم القدرة على النضج، ويحاول أن تكون له بعض الطلبات التي لا يمكن أن يوافق عليها الكبار وعندما يرفض الوالدان ذلك تكون النتيجة ثورة المراهق وهنا يجب ألا يصغي الآباء والأمهات أمام هذه الثورة لأنها مجرد تطرف ويجب الإصرار علي موقفهم، فالمراهق في حاجة إلى الأرشد بصفة دائمة ، فالمراهق ما زال إنسانا في طريقه إلى النضج لكنه لم يصل بعد ، ويعرف المراهق أن التصرف المتزن يؤكد احترام الآخرين ويحقق له الثقة بالنفس .
ــــــــــــــــــــ(42/268)
الغرور...إطاعة الهوى
* رضا الصالح
خلق الله الإنسان وميزه عن باقي الكائنات بالعقل. فبه يثاب وبه يعاقب. ويحتاج الإنسان إلى جانب عقله، ركائز تدعم مسيرته في الحياة. وهذه الركائز تتجسد في الأخلاق الفاضلة التي هي خير دعامة في حياة الإنسان، بينما الأخلاق الرذيلة هي معول الخراب والهدم.
والغرور أحد المفاسد الأخلاقية التي يبتلي بها المؤمن، فما هو الغرور؟ سؤال نطرحه ونجيب عليه.
الغرور على ما عرفه بعض علماء الأخلاق، هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه. وهو من أسوأ الصفات النفسية لأنه الباعث الحقيقي للمساوئ الأخلاقية كحب الدنيا وطول الأمل والظلم والفسق والعصيان. والسبب الرئيسي للغرور هو الجهل، ومثال ذلك المال والعلم. اللذان يعتبران المحك الذي يعرف به معدن الإنسان، فالمال والعلم نعمتان من نعم الله يضفي بها على عبده، ولكن إذا كان المنعم عليه، جاهل بحقيقة الدنيا يغتر بهما، يقول سبحانه: ( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)(1) ويقول عزوجل( فلا يغرنكم الحيوة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور)(2) .
فهؤلاء عند امتلاكهم للنعم ينسون أنفسهم ويجهلون بأن هذه النعم زائلة لا تبقى، وإنها ليست خالدة كما يظنون، يقول تعالى: ( وما أظن الساعة قائمة)(3) ، فعن الإمام الصادق (ع) قال: «المغرور في الدنيا مسكين وفي الآخرة مغبون، لأنه باع الأفضل بالأدنى ، ولا تعجب بنفسك، فربما اغتررت بمالك وصحة جسدك، إن لعللك تبقى، وربما اغتررت بطول عمرك وأولادك وأصحابك لعلك تنجو بهم وربما أقمت نفسك على العبادة متكلفاً والله يريد الإخلاص.. وربما توهمت أنك تدعو الله وأنت تدعو سواه».
هكذا حال المغرورين يغفلون ولا ينتبهون إلا بعد زوال النعمة، يتمنون رجوعها قائلين، كما جاء في القرآن الكريم: ( ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت)(4) والعلاج من هذا المرض الأخلاقي السيء يكمن في إزالة الجهل بالتفكير الصحيح والعميق لفناء الدنيا وجميع ما فيها. يقول الله عزوجل: ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق)(5) ويقول تعالى: ( والآخرة خير وأبقى)(6) .
فلا خير في إقبال الدنيا على الإنسان، ولا في جمالها الخادع، بل الآخرة هي التي تستحق الإقبال من المؤمن لأنها أجمل وأبقى.
ولا يفهم من ذلك الإفراط في ترك الدنيا، بل المقصود التوازن، كما جاء في القرآن الكريم: ( وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين)(7) '، فمن حقك أن تأخذ نصيبك من الدنيا، لكن إلى جانبه يجب أن تعرف حقيقة الدنيا لكي لا يجرفك الغرور بموجه العارم.
وقال أمير المؤمنين علي (ع) : «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً». فالتوازن والوسطية هما المعيار الصحيح في السلوك الحياتي، وبهما يمكن علاج الأمراض الأخلاقية والنفسية بعد معرفة حقيقة المرض ودوافعه.
إضافة إلى ذلك، هناك طرق تعتبر صمام الأمان للإنسان من الإنزلاق في المساوئ الأخلاقية هي:
1 ـ الحضور في مجالس الوعظ والإرشاد.
2 ـ يجعل المؤمن لنفسه ومن نفسه واعظاً ورادعاً، وذلك بمحاسبة النفس فقد ورد في الحديث الشريف: «ما منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم».
3 ـ التواصي بين المؤمنين بالحق كما يقول عزوجل: ( وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) .
الهوامش:
1- سورة آل عمران: آية 185, سورة الحديد: آية 20
2- سورة لقمان: آية33, سورة فاطر: آية 5
3- سورة الكهف: آية36
4- سورة المؤمنون: آية 99
5- سورة النحل: آية 96
6- سورة الأعلى: آية 17
7- سورة القصص: آية 77
ــــــــــــــــــــ(42/269)
بعض المفاهيم الخاطئة السائدة بين الشبان
وإليك بعضاً من المفاهيم الخاطئة السائدة التي ربّما يتداولها بعض الشبان والفتيات من باب المسلّمات أو البديهيات وكأنّها قرآن منزل ، أو قول معصوم ، والغاية من مناقشتها هي التعريف بوجه الخطأ فيها ، وأن نعرف ـ من خلال ذلك ـ ما هو الصحيح أيضاً ، حتى نعتمد الثاني ونتبنّاه ، وننبذ الأوّل وننأى عنه ، لتستقيم ثقافتنا الاسلامية على المنهج الصحيح ، وأن يكون شبابنا هم الدعاة إلى ذلك والعاملون به .
1 ـ الدنيا مظاهر :
يهتمّ الشبّان بمظاهرهم ، وتولي الفتيات مظاهرهنّ عناية فائقة كجزء من لفت أنظار بعضهم لبعض . وقد يأتي الاهتمام بالمظهر الخارجي كصورة من التفاخر والتباهي على الأقران أصدقاء أو صديقات .
وإذا سألت أحدهم ، أو إحداهنّ عن السبب في المبالغة بالاهتمام بالمظهر ، يأتيك الردّ : «الدنيا مظاهر» .
والقرآن قد وصف الدنيا بأنّها دار لهو وغرور وزينة وتفاخر وتكاثر ، لكنّه أراد بهذا الوصف أن يذمّ هذا الوجه منها ، وإلاّ فهو قد دعا إلى الأخذ بنصيب الدنيا (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا )(1) أي التمتع بملذاتها في غير محرّم ، واغتنامها كفرصة للطاعة وللابداع الانساني الذي يخدم الانسانية ويعمر الأرض بالحق والخير والجمال والعدل .
إنّ تعبير (الدنيا مظاهر) ينمّ عن حالة ثقافية واجتماعية تولي العناية بالمظهر اهتمامها الأوّل بحيث يصبح مظهر الانسان لا جوهره هو القيمة .
فذو الملابس الفاخرة ، والسيارة الفارهة والقصر المنيف .. إنسان فاخر ، وذات الملابس الزاهية الغالية ، والزينة المترفة الباذخة من أساور وأقراط وقلائد ، إنسانة من الطبقة الراقية .
ولا بدّ من التنبّه إلى أنّ (الفخر) هناك و (الرقيّ) هنا ليسا حقيقيين وإنّما اعتباريان ، أي أنّ الناس وبسبب التخلّف الثقافي يعتبرون المظاهر فخراً ورقيّاً .
وقصّة ذلك الرجل الذي دخل إلى مأدبة فلم يأبه به أحد لأنّ الدعوة كانت مخصّصة لذوي المظاهر ، وحين ارتدى ملابس فاخرة لفت الأنظار وجذب الاهتمام ، معروفة ، حتى أ نّه حينما جيء له بالطعام لم يتناول منه شيئاً ، بل قدّمه إلى ملابسه ، وقال لها : كلي ، فهذا لك ! فتعجّب الحاضرون من هذا المشهد الذي يكشف عن أنّ الاهتمام كان منصباً على المظهر وليس على صاحب المظهر .
ولو أردنا أن نعرف حقيقة (الفخر) لقلنا أنّ من حقّ الانسان أن يفخر بقدراته ومواهبه وأفكاره وإبداعاته ومساهماته في خدمة المجتمع .
وأنّ (الرقيّ) الحقيقي هو في النمو المطرد الذي نلحظه على تفكير الانسان وتعامله أو تعاطيه مع الأشياء والأشخاص والأحداث .
إنّ واحدةً من أبلغ رسائل الحجّ التي يقدّمها الاسلام لأتباعه هي أنّ الله لا يعبأ بأشكال الناس وملابسهم ، بل بما انطوت عليه قلوبهم وسرائرهم ، ورسالة ثوبي الأحرام شبيهة إلى حدّ كبير بالكفن الذي يلفّ به جثمان الانسان في آخر المطاف .
إنّها رسالة تقول للانسان أنّ ما يميِّزك عن أخيك الانسان الآخر هو عملك وعلمك وتقواك ، وما عدا ذلك فلا قيمة له ولا اعتبار سواء لبست الحرير أو ارتديت الأسمال .
وهذا هو أحد جوانب الصورة .
أمّا الجانب الثاني ، فإنّنا لا نريد من الحديث عن المظاهر أن نهمل مظاهرنا وأن نرتدي الثياب المرقعة البالية ، فالزيّ الجميل والنظيف يضيف على حسن الانسان حسناً آخر ، لكنّنا نؤكد ونركز على الجوهر والمضمون أكثر من التركيز على المظهر والشكل .
فالثياب والزينة ـ حتى الفاخر والغالي منها ـ تبلى وتتغيّر ألوانها وتهبط أسعارها وربّما تسقط موديلاتها ـ إذا جارينا النظرة إلى الموضة ـ لكنّ أخلاق الانسان وفكره واسلوب تعامله وشمائله لا تبلى ، بل يمكن أن تتجدّد وتزداد قيمتها مع الأيام ، فالله لا ينظر إلى أجسامنا وأشكالنا وأزيائنا وإنّما ينظر إلى قلوبنا ، أي المحتوى الداخلي لكلّ منّا ، وفي ذلك يقول الشاعر :
إذا المرءُ لم يدنس من اللؤم عرضه***فكلّ رداء يرتديه جميلُ
2 ـ شرف البنت :
ومن المفاهيم المغلوطة الشائعة التي لا تستند على دليل قرآنيّ ولا على حكم شرعيّ ولا على قيمة اسلامية ، بل هي تتناقض مع المفاهيم الاسلامية ، هو التركيز على (شرف البنت) دون (شرف الابن) .
فالشرف واحد ، شرف البنت كشرف الابن ، وشرف الشاب كشرف الفتاة ، ولا ميزة للذكور في ذلك على الإناث ، وأي منتهك لحرمة شرفه ـ رجلاً كان أو إمرأة ـ مدان ومحاسب ، فإذا أهدرت الفتاة شرفها ، وأساءت لسمعتها ، وانحدرت في المباذل الرخيصة ، فإنّها تكون مساوية في التردّي الأخلاقي لذاك الشاب الذي ينغمس في الفواحش والمجون ويسكن المواخير والملاهي وبيوت الدعارة .
لماذا إذن التركيز على شرف البنت ؟
هي نظرة جاهلية لا تزال تعشش في عقول وأذهان الكثير من المسلمين ، أي أنّ رواسب الجاهلية التي كانت تئد البنات مخافة أن يتلوّث شرف القبيلة إن هي هزمت وسبيت نساؤها واعتدي على شرفهنّ ، ما زالت قائمة إلى اليوم .
فالنظرة العشائرية القبلية تعتبر الإساءة إلى شرف البنت إساءةً إلى شرف العشيرة أو القبيلة كلّها ، ولذا ـ فمن وجهة نظر عشائرية جاهلية ـ لا بدّ من (غسل العار) بقتل الفتاة التي استهانت بشرفها ، وبالتالي بشرف قبيلتها ، أو دفنها وهي حيّة ، أي وأدها تماماً كما كان يفعل الجاهليون مع الفرق في أنّ الأب في الجاهلية كان يئد ابنته وهي بعد طفلة صغيرة لا تعي من الحياة شيئاً ، والأب في الفهم العشائري للشرف يئد ابنته وهي في ريعان صباها وشبابها .
ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ الفارق الوحيد بين الفتاة والشاب في مسألة الشرف ، هو فارق في النتيجة الظاهرة ، أي في الحمل .
أمّا ما عدا ذلك فالشاب مرتكب الفاحشة والمستجيبة له بإرادتها كلاهما على درجة سواء فيما يتحمّلان من وزر عملهما المشين .
اُنظروا إلى التسوية في العقوبة الإلهية النازلة بالزاني وبالزانية : (الزانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة )(2) ، فالقرآن لا يميِّز في عقوبة الزنا تمييزاً جنسياً ، بل يوقع العقوبة على كلّ من مرتكبَي الفحشاء ويحمّل الطرفين المسؤولية فيها ، ولم يسقط أو يخفف العقوبة عن أحدهما تحيّزاً أو محاباة .
فشرف الرجل أو الشاب هنا قد انتهك وسقط وتمرّغ بالوحل بممارسة الزنا ، مثلما سقط شرف الفتاة وانتهك وتمرّغ بالوحل ، ولكنّ المجتمع الذكوري الذي تقدّم ويفضّل الذكر على الأنثى يتخذ موقفاً أشد من موقف الشريعة ، فهو يجلد المرأة أو الفتاة المرتكبة للفحشاء وحدها بسياطه ، ويلقي باللوم والتبعة والمسؤولية على الفتاة أو المرأة دون الشاب أو الرجل .
أمّا القول بأنّ شرف الفتاة من شرف أسرتها أو قبيلتها ، وإنّه إذا تعرّض إلى الأذى فكأ نّما تعرّضت الأسرة والعشيرة كلّها للنيل من شرفها ، مفهوم غير إسلامي ولا يقرّه القرآن البتة . فالله تعالى يقول : (ولا تزِرُ وازرة وزر أخرى )(3) أي لا يصحّ أن يؤخذ البريء بجريرة المسيء ، ولذا فما ذنب الأب أو الاُم إذا كانت البنت لم تحفظ شرفها وسمعتها ولوثتهما بالفاحشة ؟
إنّها وحدها التي تتحمّل ما جنته يداها من سوء وإثم ، ولا يتحمّل أهلها إثم ما فعلت إلاّ بقدر ما يساهمون في دفعها إلى ذلك . وإذا رجعنا مرة أخرى للعقوبة الإلهية المنزلة بالزانية والزاني ، فإنّنا لا نجد أيّ أثر لعقوبة ثالثة تنزل أو تترتب على المتعلقين بهما من ذويهما أو أهلهما سواء الأبوين أو الأقرباء أو العشيرة .
ومرّة أخرى نقول : إنّ النظر إلى مسألة الشرف هي نظرة اجتماعية أكثر منها نظرة إسلامية ، فمن الأمثلة الدارجة في مجتمعاتنا الشرقية قول بعضهم : «إنّ شرف البنت كعود الكبريت» يريدون بذلك أنّها إذا أباحت جسدها ـ في غير الطريق الشرعيّ ـ فإنّها تكون قد انتهت كإنسانة شريفة وعفيفة ، حتى أنّ قسوة بعض المجتمعات تصل إلى درجة أنّها لا تسامح حتى الفتاة أو المرأة (المغتصبة) علماً أنّها لم تقدم على العمل المشين طائعة مختارة ، وإنّما مورس معها تحت الضغط والعنف والإكراه .
ولا ينبغي التقليل من تأثير ذلك على سمعة الفتاة وكرامتها وصحّتها النفسية وعلاقاتها الاجتماعية ، سواء في نظرة الجنس الآخر لها ، أو حتى في ابتعاد بنات جنسها عنها . ولعلّ فيما يعرضه القرآن الكريم من قلق مريم (عليها السلام) وخوفها من اتهام قومها لها حينما حملت بعيسى (عليه السلام) وهي الطاهرة العفيفة النجيبة يدلّل على مدى حسّاسية هذا الأمر (يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسياً منسيّاً )(4) .
إنّ شرف البنت حسّاس ، لكنّ شرف الابن حسّاس أيضاً ، وقد لا يكون كعود الكبريت ، لكن ارتياد الأماكن الموبوءة ، ومعاشرة العاهرات والمتخذات أخداناً ، يجب أن يجعل من نظرة المجتمع إليه أن تكون من خلال شرفه أيضاً ، لا من خلال رجولته أو ذكورته أو فحولته ، وهذا ما تتناساه الكثير من المجتمعات الذكورية ذات النظرة المجاملة والمنحازة للرجل حتى ولو أهدر دماء شرفه .
3 ـ الإتكاء على السلالة أو (اللقب العائلي) :
لا زالت النظرة إلى اسم العائلة والشهرة واللقب والسمعة والصيت تلعب دورها في التأثير على هذا الشاب أو تلك الفتاة كونهما منحدرين من أسرة ذات بريق اجتماعي أخّاذ .
فكما أنّهما يتكئان على مجد الأسرة واسمها وسمعتها وبريقها الوهّاج ، فكذلك نظرة بعض الناس إليهم على أ نّهم من أبناء السادة النبلاء والأشراف أو الأسر العريقة مما يعكس عليهم بريقاً لم يشاركوا في صناعته .
وربّما لعب اسم الأسرة دوراً آخر في التغطية على العيوب والمثالب والأخطاء ، فابن الأسرة المعروفة المشهورة لا يُحاسب ـ اجتماعياً ـ كما يحاسب ابن الأسرة المجهولة المغمورة ، الأمر الذي نهى عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله : «إنّما أهلك مَنْ كان قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحدّ» .
والشريف هنا هو المتحدّر من أسرة أو سلالة معروفة في أوساط الناس ، إمّا لاشتهارها بالتجارة أو العلم أو الأدب أو السياسة أو الدين .
وهذا أيضاً من المفاهيم المغلوطة ، فإنّ ما ينبغي التركيز عليه هو : ماذا قدّم أو يقدّم هذا الشاب أو هذه الفتاة من أعمال تشير إلى قدراتهما ومهاراتهما وإنجازاتهما ، وذلك هو قول الشاعر :
ليس الفتى مَنْ قال : كان أبي***إنّ الفتى مَنْ قال : ها أنذا
فربّ (دكّة) يصنعها الشاب بجهده الشخصيّ خيرٌ له من (منبر) كان يتربّع عليه (أبوه) أو (جدّه) أو أحد أعمامه أو أخواله . أمّا إذا أراد الجلوس على ذات المنبر فليقدم من خلاله ما قدّم أبوه أو جدّه أو أكثر من ذلك ، حتى يليق باسمه هو لا بأسمائهم هم ، وإلاّ فالألقاب لا تُتوارث ، أي أنّني قد أحمل اسم العائلة واللقب الذي تتلقب به لكنني لا أحمل غير الاسم ، ولا أرث العلم أو السمعة التي اكتسبوها بجهدهم وجهادهم وطول صبرهم وأناتهم ، خاصّة إذا كنت قصير الهمّة فارغ المحتوى لا أعيش إلاّ على أمجاد الماضي .
وربّما يقع بعض الآباء أو الاُمّهات في الخطأ عندما يزوّجون ابنتهم من ابن العائلة الفلانية لمجرد الاسم الرنّان دون النظر إلى مزايا وخصال وخصائص شخصية المتقدم لطلب يد ابنتهم ، وقد يسعى بعض الآباء والاُمّهات في تزويج ابنهم من ابنة العائلة الفلانية للأسباب ذاتها ، في حين أنّ اسم العائلة لا دخل له في سعادة الزوجين ، وربّما إذا تمّ التركيز على الاسم فقط بقطع النظر عن المواصفات الأخرى ، فقد لا يحصد العريسان إلاّ الندم .
4 ـ الصداقة بين الجنسين :
وهذا مفهوم خاطئ آخر ، فليس هناك صداقة ـ بالمعنى الدارج للصداقة ـ بين الرجل والمرأة أو بين الشاب والفتاة ، فقد تتخذ العلاقة بين الجنسين صفة الصداقة في بادئ الأمر ، لكنها ـ ومن خلال تجارب كثيرة جداً ـ لا تبقى تراوح مكانها ، إذ سرعان ما تتطور إلى ما هو أكثر من ذلك ، أي إلى الحبّ والرغبة في الإقتران ، وحتى إذا لم تصل إلى هذا المستوى ، فإنّ حميمية العلاقة بين الجنسين لا تجعلها شبيهة بالعلاقة داخل الجنس الواحد إلاّ بين كبار السن ، فقد يعقد رجل متقدم في السنّ علاقة صداقة مع امرأة في مثل سنّه ، ولا يدخل (الجنس) كعامل حتمي فيها ، وحتى في هذه الحالة فإن هذه الصداقة ليست من لون وطبيعة الصداقة بين الجنس المتماثل .
فالحديث الشريف القائل : «ما اختلى رجل وامرأة إلاّ وكان الشيطان ثالثهما» لا يستثني عمراً معيّناً ، وإن كان ذلك في اللقاءات والعلاقات والخلوات التي بين الشبان والفتيات والرجال والنساء أوضح وأصرح ، ولا يخفى أن دخول الشيطان على خط العلاقة بين الجنسين هو ما يوحيه إليهما من انجذاب عاطفي وجنسي ، قد يبدأ وسوسة لكنه لا ينتهي بها .
إنّ الصداقة ـ سواء بين الشبّان أنفسهم أو بين الفتيات أنفسهنّ ـ كما هي الصداقة بين الرجال أنفسهم والنساء أنفسهنّ ، تعني الحاجة إلى علاقة اجتماعية يتم فيها التواصل والتباذل والتزاور والتفاني والتعاون والتشاور والمباثثة للهموم والآمال . وقد يكون ذلك أو بعضهُ موجوداً بين الجنسين ، لكنّ العلاقة هنا يدخل فيها عامل إضافي كشرط أساسي ـ وإن لم يكن شرطاً غير معلن ـ وهو عامل الجنس أو الحميمية الزائدة التي لا تسمّى صداقة ، وإنّما معاشرة من نوع آخر .
ولعلّ تجربة البلدان الغربية في إنشاء الصداقات كاشفة عن أنّ مصطلح الصديق الذكر (Boy Friend) والصديقة الأنثى (Girl Friend)ليس دقيقاً في التعبير عن طبيعة العلاقة الجارية بينهما ، فهي علاقة غرامية محمومة ، أو علاقة جنسية مباشرة ، وقد تؤجل ممارسة الجنس إلى سن معيّنة ولكنّه لا يسقط من الحساب في أيّة علاقة بين الجنسين .
وإذا أتيح لك أن تقرأ في صفحات التعارف في المجلاّت والصحف الغربية لرأيت أنّ طلبات الجنسين الراغبين في المعاشرة كأصدقاء تتحدّث أيضاً عن علاقة صداقة مرشحة للتطور إلى ما هو أكثر من ذلك .
5 ـ صداقات لتمضية الوقت :
وما دمنا في محيط الصداقة والأصدقاء ، فإن ثمة مفهوماً خاطئاً آخر يواجهنا في هذه الرابطة الانسانية التي يريد لها الاسلام أن تكون صحبة صالحة ، وعلاقة وطيدة تعين على الدنيا والآخرة .
فالصداقات اليوم ـ في العديد من نماذجها ـ هامشية سطحية تهدف إلى اللهو والثرثرة والسمر وتمضية الوقت ، إنّها أشبه شيء بالقميص الذي يملّ الشاب أو الفتاة من لبسه فيميلان إلى استبداله بآخر .
هذا اللون من الصداقات لا يقوم على أساس متين ، ولذلك فإن أركانه تنهار بسرعة سريعة ، فما أن يختلف الصديقان ، أو المتعارفان على أمر أو موقف أو حاجة معيّنة ، حتى يتحوّلا إلى عدوّين متصارعين لا يراعي أحدهما حقاً أو حرمة للآخر .
إنّها صداقات وزمالات تجتمع بسرعة وتنفرط بسرعة .. قد يجمعها العمر .. أو المدرسة ، أو المحلّة ، أو النادي ، ويفرّقها : خلاف بسيط في الرأي ، أو مهاترة كلامية ، أو نزاع على فتاة ، أو سخرية لاذعة ، أو خديعة ، أو الخضوع لإيقاع طرف ثالث .. وهكذا .
إنّ حجر الأساس القويّ الذي تحتاجه الصداقات الحقيقية ، هو الإيمان بالله ، والأخلاق الكريمة ، والتقارب الثقافي ، والانسجام العاطفي ، والمواهب المشتركة ، ومعرفة حقوق الصديق ورعايتها .
وإلاّ فصداقة لاهية ، أو عابرة ، أو مجرد تمضية وقت ، ستنقلب على أطرافها وبالاً (يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً * لقد أضلّني عن الذكر بعد إذ جاءني )(5) ، (الأخلاّء يومئذ بعضهم لبعض عدوٌّ إلاّ المتّقين )(6) .
إنّ اختيار الرفيق قبل الطريق قد يكون مهماً في السفر من مكان إلى آخر ، لكنّه أكثر أهمية في السفر الدنيويّ إلى الآخرة . فنحن بحاجة إلى الصديق الذي يقوّي إيماننا ، ويزيد في علمنا ، ويناصرنا على قول وفعل الخير والحقّ ، وينهانا عن قول وفعل الباطل والمنكر ، ويدافع عنّا في الحضور والغياب ، وليساعدنا وقت الضيق والشدّة ، ولذا قيل : «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم مَنْ يخالل» .
الصداقة إذن عقد وميثاق أخوّة وتناصر وتباذل تزداد مع الأيام والتجارب وثاقة ، وليس لعبة نقبل عليها للتسلية ثمّ إذا مللناها تركناها .
6 ـ عصر السرعة :
ومن المفاهيم الخاطئة السائدة بين بعض شباب اليوم وفتياته هي أ نّنا في عصر السرعة .
والعصر ـ والحقّ يقال ـ عصر سرعة ، في النقل والمواصلات ، والتواصل والاتصالات ، والفضائيات والمعلومات .
ولكن .. ما دخلُ ذلك في عمل أقوم به ويراد منِّي أن أنجزه على خير وجه وكما يرام ؟!
قد يكون دخله في أ نّه يهيِّئ لي مستلزمات العمل بسرعة أكبر من السابق . فبالأمس كنتُ ـ مثلاً ـ أستعين بمكتبة المدينة حتى أنجز بحثاً أو أعدّ دراسة ، الأمر الذي يتطلب مراجعات عديدة وأوقاتاً كثيرة وجهوداً طائلة ، واليوم المكتبة تقف ماثلة بين يديّ وتنتظر إشارة منِّي ، أو الضغط على أزرار معيّنة مما يمكنني من التسريع في إعداد البحث وإنجاز الدراسة .
لكنّ البحث نفسه يحتاج إلى زمن كاف حتى ينضج ويأتي مقنعاً متكاملاً ، ولا يعفي الكاتب أن يتذرّع بالسرعة إن كان بحثه أو دراسته غير مستوفية للشروط ، بل إنّ الإمكانات المتاحة ـ والمشار إليها ـ تجعل الحساب عسيراً على الباحث الذي يقصّر في بحثه ، فالإنتاج السريع غير المتأنّي كثيراً ما يكون باهتاً وعرضة للنقد وللنسيان بسرعة .
وقد تكون السيارة اختصرت لي الكثير من الوقت الذي كنت أضيّعه في الطريق إلى زيارة قريب أو صديق ، لكن طبيعة الزيارة ينبغي أن لا تقع تحت طائلة المقولة الشائعة (نحن في عصر السرعة) خاصّة إذا كانت الزيارة مما يوطّد العلاقات الاخوانية ، أو مما يعزّز صلة الرحم ، ويرطب الأجواء ويعيد ما تكدّر من مياه إلى صفائها ، أو حتى في دفع الهموم والغموم المتراكمة جرّاء اللهاث اليوميّ ، أو كانت مما يساعد في زيادة العلم والمعرفة .
لقد طالب الاسلام باختصار زيارتنا للمريض لأنّ المريض بطبيعة وضعه الصحّي والنفسي لا يتحمّل الإطالة في الحديث والإنفعال والمشاركة ، ولكنّه ـ أي الاسلام ـ لم يطالبنا باختصار زياراتنا لإخواننا وأصدقائنا الأصحّاء . نعم ، نهانا عن الإثقال عليهم واضطهادهم في البقاء لساعة متأخرة . أو البقاء عندهم رغم انشغالهم بأمور أهم .
السرعة مطلوبة في جوانب ومرفوضة في جوانب .
ففي أعمال البرّ والخير والإصلاح والإحسان ، العجلة مطلوبة ومحبوبة ولذا جاء في الحديث الشريف : «خير البرّ عاجله» .
وفي الأعمال التي تتطلب دقّة ومهارة وصبراً طويلاً وإتقاناً كبيراً ، تغدو السرعة كمن يضع المواد الغذائية في قدر يعمل بالضغط البخاريّ لأجل أن ينضج الطعام بسرعة قياسية ، والمتمتعون بذائقة جيِّدة للأطعمة يقولون إنّ الطعام حتى يكون لذيذاً شهياً فلا بدّ من أن يُطهى على مهل وليس على عجل .
لقد أصبحت السرعة طابعاً للعلاقات والصداقات والانتماءات السريعة ، وللزيجات السريعة ، والمعاملات السريعة ، والقراءات السريعة ، والمتابعات السريعة والوجبات السريعة ، ولذلك كثيراً ما انقلبت السرعة إلى ردّ فعل عكسيّ ، فالصداقة السريعة تتحول إلى عداوة مقيتة ، والزواج السريع إلى محاكم الطلاق ، والقراءة السريعة إلى الإستنتاجات الخاطئة ، والوجبات السريعة إلى المصحّات وعيادات الأطباء والصيدليات .
نعم ، لقد وصف الله تعالى الانسان بالعجلة في قوله : (خلق الانسان من عَجَل )(7) .
فهو يتعجّل الخير ، ويتعجّل النتائج ، ويتعجّل الصعود إلى القمّة ، ويتعجّل الوصول بسيارته إلى مقصده ، ويتعجّل قطف ثمار ما يزرع وهي فجّة ، ونسي أنّ «في العجلة الندامة وفي التأنّي السلامة» . ونسي في ظلّ عجلته وتسرّعه أنّ «من صبر ظفر ومن لجّ كفر» مثلما نسي أيضاً أنّ «مجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه» .
جميلٌ أن لا نضيّع أوقاتنا هدراً .
وجميلٌ أن نوظّف كل دقيقة من دقائق حياتنا ، بل وكلّ لحظة فيما ينفع الناس وينفعنا .
جميلٌ أن لا نؤجّل عمل اليوم إلى غد .
جميلٌ أن نعجّل بالبرّ .
ولكن الأجمل :
أن لا نضحي بالجودة والإتقان والدقّة والكفاءة العالية ..
وبدلاً من أن يكون شعارنا (اسرع .. فأنت في عصر السرعة) .. ليكن شعارنا «رحم الله امرأً عمل عملاً فأتمّه وأتقنه» .
* البلاغ
(1) القصص / 77 .
(2) النور / 2 .
(3) فاطر / 18 .
(4) مريم / 23 .
(5) الفرقان / 28 ـ 29 .
(6) الزخرف / 67 .
(7) الأنبياء / 37 .
ــــــــــــــــــــ(42/270)
من رائع الكلام في الزهد والحكمة والموعظة
* ابو صخر
من نادر كلام الحسين بن علي في التقوى والزهد صبيحة اليوم الذي استشهد فيه قوله بعد أن حمد الله : ياعباد الله اتقوا الله وكونوا من الدنيا على حذر فإن الدنيا لو بقيت على أحد لكانت الأنبياء أحق بالبقاء وأولى بالرضاء بالقضاء .
غير أن الله تعالى خلق الدنيا للفناء، فجديدها بال، ومقيمها مضمحل وسرورها مكفهر، والمنزل تلعة، والدار قلعة فتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقوا الله لعلكم تفلحون .
ومن رائع الكلام وبليغه في الزهد والحكمة والموعظة قول محمد بن علي الباقر وقد قيل له : من أشد الناس زهداً؟ فقال :
من لا يبالي الدنيا في يد من كانت
وقيل له : من أخسر الناس صفقة؟ فقال :
من باع الباقي بالفاني
وقيل له : من أعظم الناس قدراً ؟ فقال:
من لا يرى الدنيا لنفسه قدراً
من خطبة لعمر بن عبدالعزيز:
أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثاً ولم تتركوا سدى وإن لكم معاداً يحكم الله فيه بينكم فخاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحرم الجنة التي عرضها السموات والأرض واعلموا أن الأمان غداً لمن خاف ربه وباع قليلاً بكثير وفانياً بباق ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيخلفها من بعدكم الباقون، كذلك حتى تردوا إلى خير الوارثين .
ثم أنتم في كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله قد قضى نحبه وبلغ أجله ثم تغيبونه في صدع من الأرض ثم تدعونه غير موسد ولا ممهد قد خلع الأسباب وفارق الأحباب وواجه الحساب غنياً عما ترك فقيراً إلى ما قدم . وأيم الله إني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد منكم من الذنوب أكثر مما عندي ...
وأيم الله أن لو أردت غير هذا من عيش أو غضارة لكان اللسان مني ناطقاً ذلولاً عالماً بأسبابه لكنه مضى من الله كتاب ناطق وسنة عادلة دل فيها على طاعته ونهى فيها عن معصيته .
* البيان
ــــــــــــــــــــ(42/271)
الغرائز وعواقب استخدامه في غير محلّه
إيجابيات الغرائز وسلبياتها :
أيّة غريزة من غرائزك التي أنعم الله بها عليك سلاح ذو حدين . فغريزة الجوع تتحرك لتنذرك أنّ خزان الوقود في داخلك نفد أو أوشك على النفاد فتداركه ، أي أن إشارات أو إيعازات الإحساس بالجوع تنبّهك إلى أ نّك تحتاج إلى طاقة جديدة تستطيع بواسطتها المواصلة . وهي نفسها إذا علا صراخها وأنشبت في المعدة أظفارها ولم يجد الانسان قوته أو ما يلبّي به نداءها الطاغي الملحّ ، لجأ إلى السرقة وربّما القتل أو تناول الحرام .
وغريزة الجنس أرادها الله مركّبها في الانسان أن توظّف في الطريق السويّ السليم ، أي الطريق الشرعي وهو (الزواج) لتحفظ بقاء الانسان وامتداد سلالته في الأرض ، ولتؤمّن الاستقرار النفسي والانجذاب الغريزي إلى الجنس الآخر والاستمتاع بهذه اللذّة النعمة ، ولتجعل الجنسين حريصين على إنشاء الأسرة التي هي نواة المجتمع ، ويندفعان لتربية الأولاد وحمايتهما من المخاطر والشرور .
لكنّ الغريزة الجنسية إذا جمحت واشتعل أوارها واستبدّ سعيرها ولم توضع في طريقها السدود التي تحول دون طغيانها ، فإنّها تندفع إلى اقتراف المحرّمات لإشباع حاجتها ، فلا تتردد في اقتراف الزنا واللواط والسحاق والإعتداء الجنسي على الأطفال أو الحيوانات والإغتصاب وغيرها من الجرائم الجنسية التي يكثر الحديث عنها في الصحف والمجلاّت .
وغريزة الغضب والإنفعال غريزة مودعة في صميم الكيان الانساني للحفاظ على حياة الانسان إذا داهمته الأخطار ، وهي التي تجعله يدافع عن نفسه وماله وعرضه ومقدساته إذا تعرّضت للانتهاك أو المساس بها بسوء أو النيل منها بأيّ شكل من الأشكال . فإذا كان الانسان الذي يتعرض للإهانات والإذلال لا يلتقط الإهانة ولا يستشعر بجرح الكرامة فإنّه يصل إلى مرتبة أدنى من الحيوان ، لأنّ بعض الحيوانات تعيش الدفاع عن نفسها إن هي تعرضت إلى الاضطهاد ، أو تعرّض موطنها للإحتلال ، كما تدافع بحماسة وشراسة عن أولادها وصغارها وأليفها من أنثى الحيوان .
والغضب هو الذي يدفع إلى المحافظة على النظام وتطبيق الأحكام ، لأ نّه إذا حصلت التجاوزات والاختراقات ولم يكن هناك نظام جزائي أو ردعي أو تأنيبي فإنّ «مَنْ أمِنَ العقوبة أساء الأدب» ولذا فإنّ غضبك لله ولدينك ولقيمك هو الذي يوقف المعتدين عند حدّهم ، بل ويردّ كيدهم إلى نحورهم ، وهذا هو الوجه الإيجابي للغضب في استثارة غيرة المجاهدين ليهبّوا إلى سوح الوغى والجهاد ضد أعداء الله والأمّة .
فالغضب كغريزة له فوائده التي لا تنكر ، وأمّا المذموم منه فهو الإفراط فيه ، واستخدامه في غير محلّه ، تماماً كما هو الإفراط في الطعام والجنس والخوف ، ذلك أنّ الغضب المستشيط «يفسد الإيمان كما يفسد الخلّ العسل» .
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/272)
حتى تكون القدوة صالحة ،لا بدّ من ...
صفات القدوة الصالحة:
1 ـ إقتران القول والعمل :
فالقدوة الصالحة تقول خيراً وتعمل خيراً ، فلا تجد تناقضاً بين منطقها وسلوكها ، ولذلك كان الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) والأولياء قدوات صالحة لأ نّك تجد اندغاماً وانسجاماً واضحاً بين ما يقولون وبين ما يجسّدون من تلك الأقوال ، وهذا ما دعا القرآن إلى اعتبار التناقض أمراً ممقوتاً عند الله (يا أ يُّها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون * كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ).
2 ـ حيازة مؤهلات وصفات مؤثرة :
فلكي يكون شخصٌ قدوة لغيره لا بدّ أن يمتاز عليه بسمة أو سمات عديدة يفتقدها المقتدي أو بعضها ، فيسعى للسير على منوال القدوة من أجل اكتساب مثل ما لديه من مؤهلات وصفات حميدة .
وكلّما كانت القدوة حائزة على مؤهلات أكبر ، كانت قوّة الدفع أكبر ، ولذا يُنصح الشبان والفتيات بعدم حصر قدواتهم في النماذج المحدودة وإنّما الانطلاق نحو القمم ، ولذلك قال الشاعر :
ومَنْ يتهيّب صعودَ الجبال***يعش أبدَ الدّهرِ بينَ الحفر
3 ـ الثبات على المبادئ :
القدوة الصالحة ليست قدوة موسمية تؤثر لبعض الوقت أو في أماكن محدّدة ، إنّما هي ذات تأثير وجاذبية أينما حلّت وارتحلت (وجعلني مباركاً أينما كنت ) فالثبات يعطي الانطباع عن الصدق والصبر والتحدي والإيمان العميق بالمبادئ التي يحملها القدوة ، بعكس التذبذب أو التردد أو التراجع أو التساقط .
إنّ الإنسان الشاب أو الفتاة قد ينهار تحت الضغوطات لكنّه إذا تذكّر الثابتين الصامدين ، المقاومين في عناد ، خجل من نفسه واتّكأ على جراحه ، وواصل المسير .
4 ـ العمل على السجيّة وعدم التكلّف :
كلّما كانت القدوة تتصرّف بوحي من ثقتها بنفسها وإيمانها ، وعلى سجيّتها دونما تصنّع ولا تكلّف ولا تمثيل ، شدّ ذلك الأنظار إليها . فالقول الحسن لدى القدوة يطفح كما الماء من الينبوع بعفوية وتلقائية ، والفعل الحسن يصدر عنها كما يصدر الشعاع عن الشمس والعطر من الوردة ذاتها .
إنّ الوردة لو أرادت أن تتعطّر بعطر غير عطرها فلربّما فاح ذلك العطر مؤقتاً لكنّه لا يمثل أنفاس الوردة العاطرة ، وإنّما هو شيء طارئ ودخيل عليها . وكذلك القدوة ففعلها وقولها ليس طارئاً وإنّما هو من شمائلها .
والنفس الإنسانية ميّالة بطبعها إلى الإنسان الصادق مع نفسه ومع الآخرين ، والذي يتصرّف بنقاء شبيه بنقاء الماء والشعاع والعطر ، وهذا هو السبب الذي يجعل بعض الناس يؤثر فيك من غير أن يتكلّم معك ، فسلوكه وحده قدوة ، وهو السبب ذاته الذي يجعل الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) يقول : «كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم ، حتى يروا منكم الصدق والصلاح والورع ، فذلك داعية» .
وقد ثبت تربوياً أنّ (التربية غير المباشرة) العملية ، أكثر تأثيراً من (التربية غير المباشرة) القولية .
5 ـ آمرة مؤتمرة .. ناهية منتهية :
وهذا هو التطابق بين الإيمان وبين العمل ، فحتى تؤتي القدوة تأثيرها ، لا بدّ أن تعمل بما تأمر به ، حتى إذا رأى المؤتمرون فعلها بما تأمر صدّقوها وأخذوا بأوامرها .
كما لا بدّ أن تنتهي عمّا تنهى عنه من شر أو منكر أو سوء أو خبث أو بذاءة ، فإذا لم يلحظ المنتهون ذلك ، أو رأوا عكسه وبخلافه ، عابوها وانتقصوا من قدرها وسخروا منها ، وفي ذلك يقول الشاعر :
لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله***عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ
ولو راجعت قصص القدوات الصالحة لرأيت هذا الشرط واضحاً في سلوكهم فكانوا لا يأمرون بشيء حتى يسبقوا الناس إلى العمل به ، ولا ينهون عن شيء إلاّ ويسبقون الناس أيضاً بالإمتناع عنه .
6 ـ تعترف بالخطأ وتسعى لتصحيحه :
القدوة قدوتان .
قدوة معصومة لا يتطرّق الخطأ إلى أقوالها وأفعالها ، كما هم الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) الذين يشبههم البعض بالشموس الساطعة التي كلّها نور ، ولأنّ المراد منها أن تنير عقول الناس وقلوبهم وحياتهم ، فلا يصحّ أن يكون هناك شيء من الظلمة ولو قليلا .
وهناك قدوة غير معصومة ، قد يصدر عنها الخطأ لكنّها تسارع إلى معالجته وتفاديه والاعتراف به وعدم الإصرار عليه أو تكراره مستقبلاً ، وبذلك تكون قدوة حتى في صراحتها وشفافيتها ، وفي سعيها إلى تصحيح ما تقع به من أخطاء .
إنّ المتقين ، وهم قدوات صالحة ، يقعون في الخطأ أحياناً لكنّ ميزتهم عن سواهم ، أن سواهم تأخذه العزّة بالإثم فيكابر ويحاور ويناور لئلاّ يقال عنه أ نّه أخطأ ، فيما يؤوب المتقي إلى ربّه ويثوب سريعاً إلى رشده (إنّ الذين اتّقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون ).
و (طائف الشيطان) هو الخواطر الخبيثة والشريرة التي تخطر على بال الانسان ، لكنّه بما أوتي من قدرة إيمانية تصحيحية ، يعمل على طرد تلك الوساوس والتسويلات والخواطر ، ليعود إلى سابق عهده ونقائه ، كالنهر تتساقط بعض الشوائب لتلوثه لكنّه سرعان ما يعود إلى صفائه من جديد .
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/273)
الشباب والغرب بين الأصالة والمعاصرة
* السيد محمّد حسين فضل الله
إنّ قيمة الخطاب الاسلامي المعاصر ـ لا سيّما لدى الاسلاميين الحركيين ـ تتمثّل في قدرة الاسلام على أن يواجه مشاكل الانسان المتنوِّعة بطريقة واقعيّة لا تغيب في التجريد. ونحن ندرسُ القرأن الكريم، فنرى أنّ الله سبحانه الذي علا فلا شيءَ فوقَه قد دنا إلى خلقه فلا شيءَ دونَه، وخاطبهم من خلال آياته المتناثرة في الكون في عالم الحس، ومن خلال نعمه المتحرِّكة في مفردات حياتهم لينفتحوا على الغيب من موقع الشهود وعلى الخالق من خلال مخلوقاته.
إنّ ايماننا بالغيب لا يعني ابتعادنا عن الواقع من حولنا، بل إنّه يؤكِّدهُ ويقوِّيه ويوحي إليه أ نّه لا يتحرّك في فراغ، ولا يسقط في أجواء القلق والحيرة والفراغ عندما يواجه الصعوباتِ والضغوطَ القاسية والمشاكل المعقّدة والمتاهاتِ السّحيقة لأ نّه يعيش الاحساسَ بلطف الله ورحمته له ورعايته لحياته وإشرافه عليه من موقع الربوبيّة التي تربِّي للإنسان كلّ حياته، جسدَه وروحَه من دون أن تبعدَه عن ارادته واختياره وعن مسؤوليّاته العمليّة في بناء ذاته.
وهكذا نريد للإسلاميين أن يملأوا الخطاب الاسلاميّ بالله في روحانيّة الفكر وواقعيّة التحرّك من حيث أنّ الله ـ في كتابه ـ رعى الحركة الاسلاميّة الأُولى في خط الدعوة والحركة في إنطلاقة النبيّ محمّد (ص)، فكانت الآيات تراقب الواقع وترصده وتحاكمه وتقدِّم ـ في نهاية المطاف ـ وحي الرسالة الاسلامية ـ في سِلم المسلمين وحربهم ـ سواءً كانت فاشلة أو ناجحة، لتكتشف الصادقين والكاذبين ولتوجِّه المسيرة إلى المستقبل في
________________________________
(1) محاضرة اُلقيت في المؤتمر(31) لرابطة الشباب المسلم، الذي عُقِدَ في كانون الأوّل 1996، في لندن.
[7]
شجاعة الاعتراف بالخطأ ـ إذا أخطأت ـ وبطولة تغيير اتجاه المسار ـ إذا انحرف.
لقد كانت قيمة القرآن ـ الكتاب الإلهيّ الحركيّ ـ أنّه انطلق في أسلوبه ليعالج الواقع الممزوج بالغيب، فلم يبتعدْ الواقعُ عن واقعيّته في إطلالته على الغيب ولم يخرجْ الغيبُ عن عالمه في الوجدان في ملامسته لقضايا الواقع، لأنّ الخطاب كان للإنسان الذي هو حيٌّ في وجوده الجسديّ، وغيبيٌّ في أسراره الروحيّة وتطلّعاته الماورائيّة.
ولهذا فلا بدّ لنا أن يبقى خطابنا الاسلاميّ خاضعاً لخصوصيّاته وعناصره الذاتيّة في استنطاق النفس الانسانيّة في حركة الواقع، فلا يكون تجريديّاً يحلِّقُ في الخيال ولا يكون حسِّيّاً يغرق في ضباب المادّة، بل يأخذ من هذا قسماً يقترب فيه التجريد من الواقع، ومن ذلك قسماً ينفتح فيه الواقع على الغيب.
لقد أحببتُ الاشارة إلى هذه النقطة الحيويّة لأ نّني رأيت أنّ هناك اتجاهين متطرِّفَين في الخطاب الاسلاميّ، فهناك الاتجاه الغيبيّ التجريديّ الذي يدفعُك إلى أن تعيش في عالم كلّه غيب، فلا تحسّ بوجوده على الأرض، وهناك الاتجاه المادي الذي يلاحق الواقع ليخلدَ إلى الأرض ويستغرقَ في خصوصيّاته حتّى ينسى الله في أسراره الإلهيّة التي تمنحُ الانسان شيئاً من معنى الغيب في حركته في الحياة من خلال الامداد الغيبيّ الذي يرعى حركته ويقوِّمُ مسيرته ويملأ روحه بالثّقة والأمل.
إنّ علينا أن نعرف أنّ الاسلام دينٌ يستمدُّ خصائصه الحيويّة وجذورَه الفكريّة من الايمان بالله ورسله واليوم الآخر في عالم الغيب في العقيدة وفي عالم الشهود في الحركة والحياة، فلا بدّ للخطاب الاسلاميّ من أن يجمع ذلك كلّه لنعيش اسلامنا بطريقة متوازنة في عناصره ومتحرِّكة في أبعاده وتطلّعاته.
إنّ موضوع (الشّباب والغرب) يطرح قضيّةً من أكثر القضايا حسّاسيّة ومن أكثرها واقعيّة ومن أخطرها مستقبليّاً.
لأنّ المسألة تتّصل بالشباب الذي يمثِّل الطّليعة الانسانيّة التي بدأت حركة النموّ في الحياة من أجل أن تكون قاعدة الريادة والقيادة والانتاج في المستقبل لتخلّف جيل الآباء والأجداد الذين عاشوا تجربتهم السلبيّة في حركتهم في الماضي الذي يُطلّ بكل أثقاله على الحاضر ليترك تأثيراته على صناعة المستقبل.
ولعلّ من غير الواقعيّ أن نفكِّر بأنّ الشباب يمكن أن يخضع للقوالب الجاهزة
[8]
المصنوعة من قِبَلِ الجيل الذي عاصره أو سبقه، فيُغلِقَ فكره عن جديد الحياة، وروحَهُ عن تطوِّرِ الواقع، وحركتَهُ عن متغيِّرات السّاحة لأنّ الاُفق الذي ينفتحُ عليه يختلف عن الآفاق التي انفتح عليها الناس من قبله، فهناك أوضاعاً جديدة فرضت نفسها على الواقع الانسانيّ من خلال سيطرة فكر معيّن أو قوّة كبيرة ساحقة، وهناك مشاكل معقّدة تتحدّى الكثير من قضاياه وتطلّعاته، وهناك المتاهات الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي لا يزال الانسان المعاصر يتحرّك لاهثاً من أجل اكتشافِ الخطوط التي تَدلّهُ على اتجاه الطريق الذي يؤدِّي إلى السلام.
ولعلّ هذا الواقع الشبابيّ في عالمه الجديد الذي يريد أن يصنع واقعاً جديداً هو الذي توحي به كلمة الامام عليّ (ع): «لا تخلّقوا أولادكم بأخلاقكم فإنّهم خُلِقوا لزمان غير زمانكم»، فقد يكون المقصود بها أنّ لكلِّ زمان أوضاعه التي تصنعُ له أخلاقاً جديدة بكل ما تعنيه كلمة الأخلاق المتّصلة بالسلوك الفكري والعلمي وبالمنهج الحركي على مستوى العلاقات العامّة والخاصّة وقضايا الانتاج وحركة الوسائل والأهداف وكل الاُمور المتحرِّكة في ساحة القلق الانساني الباحث عن كل جديد في المعرفة والواقع.
إنّني لا أقصد من ذلك الحديث عن الحياة الشبابية التي تستغرق في كلِّ جديد بما يُنتجه أيّ فكر يتحرّك به عصره، بحيث ينطلق الشباب بعيداً عن كل جذوره الفكرية التاريخية وفارغاً من كل عقيدته الاسلامية ليتمثّل في صفحة بيضاء لم يكتبْ له فيها شيء في الفكر وفي المنهج وفي السلوك، لأنّ ذلك لا يمكن أن يكون مضمون الكلمة العلويّة الرائدة، باعتبار أنّ هناك القضايا العقيدية والشرعية والمنهجية الاسلامية المعدودة من الثوابت باعتبار أ نّها تمثِّل الحقيقة الالهيّة المنزلة على الانسان ليهتدي بها من خلال الوحي الإلهي على النبيّ محمّد (ص) ممّا لا مجال لإثارة الجدل فيه أو لتغييره إلاّ من خلال مناهج التغيير القرآنية أو النبوية ممّا يمكن أن يسمح به الخط الفكري الاسلامي في دائرته الحركية في الداخل.
بل إنّني أقصد ـ في هذا الاستيحاء ـ إنّ على الجيل القديم أن لا يفرض خصوصيّاته الذاتية على جيل الشباب، فليس من الضروري أن يفهم الشباب من النص التراثي ـ الكتاب والسنّة ـ ما فهمه الآباء والأجداد، لأنّ من الممكن له أن يأخذ بالقواعد العلمية في فهم النص وتحريكه ليفهم منه غير ما فهموه وليجتهد في تحريك مفرداته بغير الطريقة التي اجتهدوا فيها، فقد يكتشف بعض الخطأ في اجتهاداتهم لتأثّرهم ببعض الظروف
[9]
الموضوعية الثقافية والواقعية التي فرضت عليهم نوعاً من التصوّرات المعيّنة باعتبار أنّ من الصعب للمجتهد في أي موقع للفكر أن يتخلّص من ذاتيّات ثقافته الخاصّة في اجتهاده.
وليس من الضروري أن يكون فهم الشباب للحياة في أساليبها ووسائلها وعلاقاتها وحركيّتها ما فهمه الأوّلون أن تكون حاجاتهم المتحدِّدة هي حاجات آبائهم لأنّ التطوّر قد يصنع للانسان حاجات جديدة أو تكون أخلاقهم الاجتماعية هي نفس أخلاق المجتمع السابق.
إنّ هناك اُموراً ثابتة في العقيدة والشريعة والسلوك لا بدّ للمسلم أن يثبت عليها، وأنّ هناك اُموراً متحرِّكة يمكن للإنسان المسلم أن يحرِّكها في حياته أو يتحرّك من خلالها، وهذا هو الخط الفاصل بين الثابت والمتحرِّك والمتحوِّل في واقع الانسان المسلم في حركة الحياة عندما يريد أن يكسب نفسه وحياته ويصنع تاريخه ليتحمّل مسؤولية ذلك كلّه كما تحمّل الجيل الماضي مسؤوليته في صنع تاريخه كما جاء في قوله تعالى (تلك اُمّة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عمّا كانوا يعملون)، فلا بدّ أن يكون لهذا الجيل دور اختياري في انتاج كسبه الفكري والعلمي ليواجه مسؤوليّته عنه أمام الله، فلا يجوز له أن يقلِّد الاُمّة التي تقدّمته في الزّمن لأنّ ذلك لن يكون عذراً له أمام الله الذي يريد لكل نفس أن تجادل عن نفسها يوم يقوم الناس لربّ العالمين.
أمّا الغرب، فهو هذا العالم الجديد الذي يتميّز بفلسفته المادية المغرقة في عبوديّتها للحس بحيث عملت أن تحوِّل الغيب في تصوّراتها الدينية إلى عالم خاضع للأجواء المادية الحسية كما يتميّز بتصوّراته المطلقة في حرية الانسان التي تصنع القيمة الأخلاقية في السلوك بمقدار ما يقترب منها أو يبتعد عنها، وفي ضوء ذلك فانّ هناك بوناً شاسعاً بين التصوّر الاسلامي لله وللانسان وللحياة وبين التصوّر الغربي ـ في ذلك كلّه ـ كما هو الفرق بين الفلسفة التي تتصوّر الحياة خَلْقَ الله الذي أراد للانسان خليفته في الأرض ليديرها على أساس أن لا ينسى نصيبه في الأرض من حاجاته المادية عندما يريد التطلّع إلى الدار الآخرة التي تمثِّل العنوان المتحرِّك للقيم في الربط بين الوسيلة المادية والغاية الروحية لتتروّح المادّة ولتأخذ الرّوح إسلوباً ماديّاً في حركتها في الواقع فيكون الله كلّ شيء في معنى الانسان ويكون الانسان المخلوق الذي منحه الحرية في نطاق مسؤوليّاته أمامه في إدارة الحياة والفلسفة التي لا تجد لله دوراً في حركة الانسان في الواقع وفي عملية انتاج
[10]
الحياة.
ولكنّنا في الوقت نفسه لا ننكر إنّ هناك بعض المواقع التي نلتقي فيها مع الغرب، كما أ نّنا نعترف بالتقدّم العلمي والتقني الذي بلغه الغرب ممّا يمثِّل حاجاتنا الضرورية إليه في مسألة التعامل.
وهناك نقطة حيوية مهمّة، وهي أنّ مجتمعاتنا الاسلامية لا تتمثّل الكثير من الاسلام على مستوى التصوّر والحركة والعلاقات، فقد غرقت بالأجواء الملبّدة من آثار الجهل والتخلّف بفعل مرور السنين الضائعة في متاهات الانحراف، الأمر الذي جعل الاسلام يعيش الغربة في مجتمع ممّا تعنيه العقلانية والموضوعية والانسانية والحرية ونحو ذلك سواء على مستوى الواقع الاجتماعي أو السياسي.
ونجد في المقابل بعضاً من هذه القيم موجودة في علاقات الانسان الغربي بالإنسان الآخر في مجتمع، بحيث تخفِّف من حدّة الانفعال ومن الاستغراق في الشخص ومن التدخّل في شؤون الآخر ومن الظلم الاجتماعي بدرجات متفاوتة بالرّغم من وجود بعض السلبيات في هذا الجانب أو ذاك، ممّا يجعل الصورة ـ في بعض جزئيات الواقع ـ في المجتمع الاسلامي أكثر ظلاماً وفي المجتمع الغربي أقلّ من ذلك في هذا الموقع أو ذاك ممّا يترك تأثيره على انطباعات الشباب عندما يبدأون المقارنة بين مجتمعاتهم ومجتمعات الغرب بقطع النظر عن صوابيّة هذا الانطباع أو عدمه.
إنّني اُريد ـ في هذه العجالة السريعة ـ أن اُركِّز بشكل مختصر حول دائرتين من الخطاب.
الدائرة الاُولى، حديثي مع الشباب الذين قد يتطلّعون إلى الاستغراق في عالم الغرب كما لو كان هو الجنّة الموعودة التي تحقِّق له أطيب الأحلام، إنّ عليكم أن تفكِّروا في أصالتكم الفكرية والعملية المتمثِّلة في أصالتكم الانسانية في الثّبات على الخط الاسلامي في حركتكم في الحياة، ولست أقصد بالأصالة أن تأخذوا بالماضي جملة وتفصيلاً، بل أقصد بها أن تؤكِّدوا إسلامكم في أي إنفتاح على كل ما هو جديد في الفكر والسلوك، لأنّ الجديد ليس هو جديد العصر ليقول قائل لكم أنّ على الانسان أن يعيش عصره في كلّ تطوّراته الفكرية حتى لا يكون متخلِّفاً عن واقع المعاصرة بما يمكن أن يجعله غريباً بين الناس لأنّ الأفكار القديمة أو الجديدة هي صنع الانسان لا صنع الزمن، فقد يخضع
[11]
الناس لفكر معيّن بفعل القوى التي تملك السيطرة على الواقع وتفرضه على الحياة من دون أن يكون للحياة أي دور في انتاجه بفعل التطوّر.
وعلى ضوء هذا، فانّ من الضروري أن تدخلوا في عملية مقارنة ـ إذا كنتم في موقع الموضوعية الفكرية ـ بين الفكر الاسلامي الذي تنتمون إليه في إلتزامكم بالاسلام وبين الفكر الشائع لدى الناس بفعل عوامل القوّة التي فرضته على الواقع، فقد تجدون في الاسلام فكراً متقدِّماً منفتحاً على المصالح الانسانية الحقيقية، وتكتشفون في الفكر المعاصر فكراً متخلِّفاً بعيداً عن الواقعية في معالجة مشاكل الانسان المتعدِّد الأبعاد من حيث المادّة والرّوح.
إنّ المعاصرة في معناها الحيوي الانساني ليست شيئاً في حركة الزمن في المضمون، بل هي شيء في حركة الانسان في إنتاج إنسانيّته في قضاياه ومشاكله وأوضاعه، فلتكن لكم إرادتكم الفكرية في اختيار الفكر الذي تلتزمونه بوعي وانفتاح بعيداً عن كل الانفعالات المجتمعية التي تضغط على الانسان بفعل الأجواء العاطفية التي تستلب فكره بطريقة (العقل الجمعي) الذي يفقد الانسان معه استقلاله الفكري وخياره الحرّ في الاتجاه العملي.
إنّ الأصالة تمثِّل الجذور العميقة في إنسانية الانسان في الفكر الأصيل المنطلق من الله ورسوله الذي ينفتح على الزّمن كلّه والحياة كلّها فلا يخضع للماضي والحاضر والمستقبل في حدوده الزّمنية.
أمّا المعاصرة، فهي الانفتاح على العصر في حاجات الانسان وقضاياه الحقيقية في أبعادها المتنوِّعة بحيث يتمثّل الانسان فيها حياته بشكل متوازن من حيث التزامه بإسلامه وانفتاحه على قضايا عصره، من خلال وعيه لهذا وذاك في اجتهاداته الفكرية ووعيه الرّوحي ممّا يملك من عناصر الاجتهاد والوعي الذي يوهِّله ليدخل في حوار مع الفكر الآخر ومع الانسان الآخر.
وإذا كان الغرب يمثِّل القوّة العملية الكبيرة والتقدّم التكنولوجي الواسع، فإنّ علينا أن نفرِّق بين مفردات العلم في حركة الحضارة ومفردات الخطوط الفكرية والسلوكية في طريقة الانسان في علاقته بالله وفي نفسه وبالحياة، فلا نرى في النمو المعرفي والعلمي دليلاً على صحّة المنهج الفكري في قضايا العقيدة والأخلاق والسلوك وفي معاني الرّوح
[12]
والوجدان، بل يجب دراسة كل قضيّة بحسب عناصرها الذاتية وتأثيراتها الحيويّة على الواقع في خط الحقيقة.ژ
ثمّ.. لا بدّ من دراسة مسألة الحريات الانسانية في أكثر من جانب، فلا يجوز الانفتاح عليها من البعد الواحد الذي يمثِّل الحالة الفردية للانسان، بل لا بدّ من التأمّل الواعي للجانب الفردي والمجتمعي والعنصر المادي والرّوحي بالاضافة إلى الانتباه إلى حقيقة ايمانية واحدة هي انّ الانسان من خَلْقِ الله، وعليه أن يتحرّك من موقع إرادة الله في حركته في الحياة وفي إدارة شؤون نفسه وشؤون الأرض، ممّا يجعل القضيّة مرتبطة بعلاقة الانسان بربِّه وبنفسه وبالناس من حوله وبالأرض التي يتحرّك عليها في واقعها البيئي والتنموي وفي المخلوقات الحيّة أو النامية الموجودة على ظهرها، لتكون الحرية مسؤولة عن ذلك كلّه لأنّ الانسان ليس هو المخلوق الوحيد الذي يعيش المأساة في تقييد حرّيّته، فللمسأساة أكثر من موقع في مفردات النظام الكوني، الأمر الذي يفرض عليه أن لا يعيش معنى المأساة انفعالاً في ذاته التي تبكي من الحرمان الذاتي، بل يعيش معها وعياً لكلّ حاجات ما حوله ومَن حوله بالإضافة إلى حاجاته، فالكون ليس إنساناً وحده بل هي حيوان ونبات وبحر وبَر وسهل وجبل ومفردات متنوِّعة هنا وهناك، وكلّ واحدة من هذه تتطلّب من الاُخرى أن تتكامل معها في واقع الوجود ولا تتجاوزها لتُسقط كلّ أوضاعها الخاصّة والعامّة.
وهناك جوانب اُخرى لا يتّسع المجال للحديث عنها، ولكنّني أختصر الحديث في كلمة واحدة، وهي أنّ الشباب ليس لذّة وشهوة وانفعالاً وأحلاماً سعيدة، بل هو مسؤولية وجودية ترتبط بالوجود كلّه، وإنسانيّة تتّصل بالانسان كلّه، وروحيّة تنفتح على الله وعلى الدنيا والآخرة لتفكِّر في ذلك كلّه ولتحصل على سلامة المصير في كل أبعاده الدنيويّة والاُخرويّة.
الدائرة الثانية، هي دائرة العاملين للاسلام الذين يتابعون واقع الانسان المعاصر لدراسة كل أوضاعه وأفكاره وأبعاده ووسائله وأهدافه من أجل التخطيط للحركة التي تجمع ذلك كلّه لتنطلق في دراسة أفضل الوسائل لإنقاذ الانسان المسلم من سلبيّاته ولتوجيهه إلى الاستزادة من إيجابيّاته، ومن الطّبيعيّ أن تكون مسألة الشباب والغرب إحدى الاهتمامات الكبرى للحركة الاسلامية في حقل الثقافة والدعوة والحياة، في دراسة كل المؤثِّرات الفكرية والروحية والعلمية، السلبية والإيجابية، وكل القلق الفكري
[13]
والإنحراف العملي والضّياع الشعوري ومواجهته بالوسائل العملية التي تمنحه الفرصة ليعبِّر عن كلّ ما في نفسه من تساؤلات وقلق وتمرّد وضياع، للإجابة على كلّ سؤال لدية، ولعلاج أ يّة مشكلة أو التخفيف منها، ولاحتضان كل مشاعره وأحاسيسه، وتقدير كل ظروفه الموضوعية المحيطة بحياته من خلال معرفة نقاط ضعفه وقوّته، وعدم الاكتفاء بالحديث عن انحرافات الشباب وضياعهم وتسجيل النقاط الاتهاميّة أو التجريمية ضدّهم.
إنّ على العاملين في سبيل الله أن يتفهّموا شباب الاُمّة ويتعرّفوا حاجاتهم الفكرية والعملية ويفسِّروا لهم كل المجملات الاسلامية، لأنّ الشباب في قلقه الرّوحي يتطلّع إلى الوضوح في الرؤية والوعي في المعرفة.
وإذا كنّا نعرف أنّ للشباب حاجاته الترفيهية واللّهوية والاجتماعية، فقد يكون من الضروري أن نعمل على انشاء النوادي الرياضية والترفيهية التي تأخذُ بأسباب اللّهو الحلال بما يملأ فراغ وقته ويبعده عن الاتجاه إلى مواقع أخرى تمنحه اللّهو المحرّم الذي يلجأ إليه عندما يعيش الفراغ عن الأخذ باللّهو المحلّل، وربّما كان الطبيعي أن نبتعد عن الفكرة التي تتحدّث عن سلبيّة اللّهو في حاجات الانسان العملية، فقد جاء الحديث المأثور: «ينبغي أن يكون للمؤمن ثلاث ساعات، ساعة يُناجي فيها ربّه وساعة يروم فيها معاشه وساعة يُخلي بين نفسه وبين لذّتها فيما يحلُّ ويجملُ أو في غير محرم فإنّها عون على تينك السّاعتين».
ثمّ.. العمل على توفير المحاضن الاسلامية من مساجد وحسينيات ومدارس ونواد ثقافية وأجواء اجتماعية، ولا بدّ من التكامل بين الهيئات والجمعيّات، فلا يبدأ كل فريق من نقطة الصفر بل ينطلق كل واحد مع الآخر.
إنّني ألاحظ أنّ الحركات الاسلامية الموجودة في الغرب تتنوّع في أوضاعها بين حركة تستغرق في السياسة، فلا تعطي للثقافة ولا للأجواء الروحية أيّ بُعد حركيّ، وحركة تستغرق في الثقافة والعبادة فلا تمنح السياسة والوضع الاجتماعي أيّ دور، وحركة تنكمش في داخل ذاتيّاتها فتبتعد عن الواقع كلّه لتعيش في عزلة ثقافية وروحية وسياسية.
ثمّ.. هناك العصبيّات الحزبية التي تخرج عن الالتزام الاسلامي في حلال الله وحرامه،
[14]
وهناك المشاكل الهامشية والجزئية التي تأكل القضايا الأساسية والكلية ممّا يعطي للشباب الطّالع فكرة سلبية عن العمل الاسلامي، فيكفر بالشخصيات الاسلامية التي تتعصّب لذاتها أكثر ممّا تتعصّب لإسلامها ولربِّها ويكفر بالتجمّعات الاسلامية أحزاباً وحركات وجمعيّات التي تعمل على إسقاط الهيكل على رؤوس الجميع إذا لم يكن الهيكل لها وحدها، وتتعصّب للإطار الضيِّق الذي تحبس نفسها في داخله ولا تنفتح على الله والاُمّة والاسلام في الحاضر والمستقبل.
إنّ المرحلة التي نواجهها هي من أكثر المراحل صعوبة في حركة الاسلام ومسيرته، فانّ العالم المستكبر بدأ حرباً عالميّة ضدّ الاسلام كلِّه والمسلمين كلِّهم باسم الحرب على الاُصوليّة التي لا وجود لها ـ بحسب المفهوم الغربي ـ عندنا، وعلى الارهاب الذي لا مصداق له في حركتنا الاسلامية، فهل ننطلق من هذا الواقع لنواجه مسؤوليّتنا بالمستوى الذي نستطيع فيه أن نفتح ثغرة في الجدار الاستكباري الكبير الذي ينتصب ليكون حاجزاً بيننا وبين التقدّم إلى مواقعنا الاسلامية في مستقبل الحياة والإنسان.
إنّ الوحدة الاسلامية بين المذاهب والحركات والجماعات ليس مجرّد شعار نطرحه للاستهلاك، ولكنّه ضرورة حيويّة مصيريّة لكل الواقع الاسلاميّ لأنّ الاستكبارَ يريدُ رأسَ الاسلام كلِّه.. فهل نفهم طبيعة لعبة الاستكبار في واقعنا وحركتِنا وأهدافنا الكبرى؟
ــــــــــــــــــــ(42/274)
إنّني إنسان .. من الحق أن أفهم نفسي
وللإنسان قيمة كبرى في هذا الوجود ، وعليه مسؤولية خطيرة في هذه الحياة .. لقد ولدتُ على هذه الأرض مكرّماً محترماً .. لقد منحني الله سبحانه كلّ هذه الحقوق ، كما وهبني حقّاً ونصيباً في هذه الحياة ، قال تعالى :
(وَلَقَد كَرَّمْنا بَني آدَمَ وحَمَلْناهُم في البَرِّ والبَحْرِ وَرَزَقْناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُم عَلى كَثير مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً ). ( الإسراء / 70 )
كما ولدتُ على الفطرة ، وجوداً نقيّاً ، خالصاً من الشرِّ والسّوء ، وولدت معي غرائز ومشاعر ووجدان وأحاسيس . فنمت كما ينمو جسمي وتفتّح عقلي ، وبالعقل والغريزة بدأتُ أتعامل مع الحياة .. ومن الحقّ أن اُعبِّر عن كلّ ذلك تعبيراً سليماً .. واُدرِك جيِّداً أنّ على عاتقي مسؤولية الحفاظ على صفحتي بيضاء ناصعة في سجلّ الحياة ..
إنّ شخصيّتي ومُستقبَل حياتي أمانة بيدي، أتصرّف بهما كيف أشاء، وأقود نفسي كيف أشاء .. فطرق الحياة كثيرة مُتشعِّبة ، فيها التِّيه والضّياع ، وفيها الخير والرّشاد .
لقد انحدر اُناس كثيرون وما زالوا في سنّ مبكِّرة، بعضهم لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره ، فذهبوا فريسة النّزوات ، والتعامل السيِّئ مع الدوافع الغريزية ..
لقد استولى على هؤلاء الجهل أو الغرور ، أو استسلموا للأوهام وعالَم الخيال ، أو قادتهم اللّذّة والمُتع نحو الهاوية ، فتلوّثت صفحاتهم ، وثبّت القضاء ودوائر التحقيق الجنائي تلك الأعمال لوثة عار في ملفّاتهم ، وصار الناس ينظرون إليهم نظرة الاحتقار .. وقلّ ما نجد مَن يعطف عليهم ، ويسعى لإنقاذهم ممّا هم فيه .
كيف أتعامل مع غرائزي وقدراتي ؟
إنّ الذات الانسانية تحمل مشاعر الحبّ والكراهية، والرِّضا والغضب، وغريزة الطّعام والجنس، وحبّ الذات والتسلّط، وحبّ المال ، والرّغبة في التفوّق على الآخرين . وهي التي تدفع الانسان إلى كثير من الأفعال الشرِّيرة والسيِّئة ; كما تدفعه إلى فعل الخير والمصلحة المشروعة .
لذا فإنّ الموقف الصحيح هو أن نفكِّر في عواقب الاُمور ، قبل أن نقدم على أي عمل، ونعرف ما ينتج عن فعلنا وموقفنا من خير أو شر..
كما إنّ من المفيد أيضاً الاستفادة من تجربة الآخرين واستشارة مَن نثق بهم: الأب ، الاُمّ، الأخ، الأصدقاء، أساتذتنا، أصحاب الاختصاص..
إنّ دوافع انفعاليّة عديدة تحرِّك الانسان، فقد يدفع الانسان الغضب ، أو الكراهية ، أو الأنانية ، إلى ارتكاب الجريمة ، أو التورّط في أفعال لا يستطيع التخلّص من نتائجها السيِّئة ، أو الاضطرار إلى الاعتذار .
وقد يستولي على الانسان الوهم والخيال ، ويتصوّر مشاريع وآمال وهميّة ، لتحقيق رغبات نفسيّة ، لاكتساب المال أو الشّهرة أو الموقع أو غير ذلك ، فيبذل جهوداً ووقتاً ومالاً ، دون أن يحقِّق نفعاً ، بل يذهب كلّ ذلك سُدى .
وقد تدفعه الشهوة والإحساس باللّذّة إلى ارتكاب أفعال ، وتعوّد سلوك سيِّئ شرِّير، كتناول المخدِّرات والتدخين والجنس المحرّم ... وغير ذلك ممّا يجلب له النّدامة والكوارث ، ولا يشعر بخطئه إلاّ بعد فوات الأوان .
إنّ من الحكمة ونضج الشخصية أن لا يكرِّر الانسان خطأ وقع فيه ، كما أنّ من الحكمة والوعي أن لا يقع الانسان في أخطاء غيره .. إنّ التجارب مدرسةٌ تعلِّم الانسان الخطأ والصّواب .. وعليه أن يستفيد من خطئه وخطأ الآخرين ..
وقديماً قيل : «مَن جرّب المجرّبات ، حلّت به النّدامة» .
وللإمام عليّ (عليه السلام) حكمة جديرة بالتفكّر والعمل ، قال (عليه السلام) :
« السّعيد مَن وُعِظَ بغيره »(1) .
احترام الشخصية :
إنّ أعزّ ما يملك الانسان هي شخصيّته وهويّته الذاتيّة ، وهي أمانة في عنقه ، قد كرّمه الله بها ، وحرّم عليه أن يهين نفسه ، أو يذلّها ، أو يستهين بما عنده من كفاءة .
شرح الإمام الصّادق (عليه السلام) هذا المبدأ الهام بقوله :
«إنّ الله تباركَ وتعالى فوّض إلى المؤمن كلّ شيء إلاّ إذلاله نفسه»(2) .
إنّ مسؤوليات الانسان تجاه نفسه أن تحتفظ له الدوائر المختصّة بملف شخصي تظيف يُشكِّل تأريخه الاجتماعي، ومثل هذا الملف يكوِّنه الناس عنه في ذاكرة المجتمع ، وليس ملفّاً ملوّثاً يسيء السّمعة ، ويستحي منه صاحبه بعد فترة من الزّمن ..
إنّ مجالات احترام الذّات وتوفير الكرامة للشخصية كثيرة ، كما أنّ مجالات استهانة الانسان بشخصيّته وقدراته وكفاءاته وقيمته كثيرة أيضاً ..
فالكذب والاعتداء على الآخرين; سبب لجلب الإهانة على النفس..
وارتكاب المخالفات الأخلاقية سبب لجلب الإهانة ، والحطّ من قيمة الشخصية ..
وقبول الذِّلّ والمهانة والاحتقار سبب لتحطيم الذات ، وفقدان قيمتها ; سواء قَبِلَ الانسان ذلك من أجل المال أو الجنس أو اللّذّة ، أو الشّهرة ، أو بسبب الجبن أو النِّفاق ... إلخ .
والشعور بالنقص ، والإيحاء للنّفس بالعجز عن تحمّل الأعمال ، والمشاركة في العطاء والإبداع والإنتاج ، وخدمة المجتمع ، هو تحطيم للشّخصية من قِبَل صاحبها .
فقد وهب الله كلّ إنسان طاقة وكفاءات ومواهب ، وعليه أن يستثمرها ويوظِّفها ، ولا يستهين بما عنده من طاقة وكفاءة ..
إنّ الله سبحانه لم يحرم النّاس من المواهب .. فللبعض مواهب وقدرة على تلقِّي علوم الطِّب ، وآخرين على تلقِّي علوم اللّغة ، وثالث على الإنتاج والإبداع الفنِّي والثّقافي ، وآخر على العمل التجاري ، وغيرهم على الأعمال الحرفيّة واليدويّة ، وآخرين على الأعمال الإداريّة ، ولبعضهم القدرة على الجهد العسكريّ أو العمل السياسيّ ... إلخ .
وهكذا فإنّ الفرد يكتشف طاقته من خلال التجربة ، ولا يستهين بما عنده من قدرة وكفاءة .
وكم من الناس يضيِّع ما عنده من طاقة وقدرات فكريّة وعمليّة واستعدادات نفسيّة للعمل والإبداع بسبب التشاؤم، والإحساس بالنّقص والإنطواء على الذّات ، فيقتل بذلك إمكانيّاته الذاتيّة ، ويبخس نفسه حقّها ، ويفوِّت عليها الفرصة للتقدّم والنجاح .
إنّ الثِّقة بالنّفس والأمل والتفاؤل قوى نفسيّة تمنح الذّات ديناميكية وتصنع من الإمكان والإستعدادات الكامنة طاقة خلّاقة تعمل على تنمية الذّات، فإنّ التوكّل على الله، والثِّقة بالنّفس، مفتاح العمل والنجاح.
أنا والمجتمع :
المجتمع مجموعة من الأفراد والاُسر الّذين تربطهم روابط مختلفة ، كالعقيدة أو القرابة ، أو المصالح المشتركة ، والعلاقات التأريخية ... وغيرها .
فكلّ فرد يشعر بانتمائه إلى اُسرته وإلى مجتمعه ، وبأ نّه جزء من اُسرته ومجتمعه ..
إنّ الفرد يتبادل المنافع مع الاُسرة والمجتمع الذي يعيش فيه . كما يكتسب من اُسرته الأخلاق والسّلوك وطريقة العيش ، بل ويكتسب جزءاً من أفكاره وطريقة تفكيره ..
وللفرد مصالح وشخصيّة مستقلّة ، كما إنّ للمجتمع شخصيّة ومصالح مستقلّة. وكثيراً ما يحصل التناقض بين مصالح الفرد والمجتمع; لذا اهتمّت القوانين والأنظمة الوضعيّة والإلهيّة بتنظيم العلاقة ، وحلّ التناقض بين مصالح الفرد والجماعة في المجالات التي تتعارض فيها المصلحتان: الفرديّة والإجتماعية ..
وقد اهتمّت التعاليم الدينية بتنظيم الحياة المدنيّة للفرد والجماعة ; لحفظ الحقوق والواجبات الانسانية ، كذلك اهتمّت دراسات الأخلاق والآداب الاجتماعية بتنظيم حياة الفرد والمجتمع والموازنة بينهما على اُسس أخلاقيّة وإحساس وجدانيّ سليم..
فالبعض من الناس لا يفكِّر إلاّ بتحقيق مصالحه الشخصيّة ، ولا تعنيه مصلحة الآخرين ..
فالتاجر المحتكِر والبائع والمنتِج المتلاعِب بالأسعار ، لا يفكِّرون إلاّ بتحقيق الرِّبح الفرديّ ، ولا يعنيهم ما يقع على المستهلكين الفقراء من غلاء وأزمات ومشاكل معاشيّة ..
وصاحب الحاجة يفكِّر في سدِّ حوائجه ، ولا يعنيه أن تبقى حوائج الآخرين وأزماتهم قائمة تفتك بهم ، وتسبِّب القلق والمشاكل والمعاناة لهم ..
والّذي له هدف سياسي خاص يسعى لتحقيق هدفه الشخصيّ ، والحصول على موقع أو منصب يطمح إليه . فإذا حقّق ذلك ، لا يعنيه ما يصيب الآخرين من مشاكل ومعاناة أمنيّة ومعاشيّة وسياسيّة ..
والفلّاح الّذي يملك أرضاً زراعيّة ، لا يتضامن مع الآخرين لتوفير الماء أو العلاج إذا توفّر ذلك لزرعه .
فهذا الصِّنف من الناس لا ينظر إلى القضايا والمشاكل إلاّ من خلال مصالحه .
وقد شخّص الرسول الكريم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه المشكلة الاجتماعية الخطيرة ، وهذه الأنانيّة الضّارّة بمصالح الجماعة ، فحذّر منها بقوله :
«لا يؤمنُ عبد حتّى يُحِبّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِه من الخير»(3) .
وبذا يربط الرّسول الكريم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) بين التفكير بمصالح الجماعة، والخروج من الأنانيّة الفرديّة . فالأناني الذي لا يفكِّر بمصلحة الجماعة ليس بمؤمن صادق
الإيمان . ومَن لا يفكِّر بمصلحة الآخرين ، لا يفكِّر أحد بمصالحه .. وبذا تنهار وحدة المجتمع وبناؤه .
فما لم يتحقّق الشعور النفسي والتربوي السّليم لدى الفرد والجماعة ، وما لم تكن هناك قوانين تحفظ مصلحة الفرد والجماعة .. يتحوّل المجتمع إلى فوضى وأنانية ، وحرمان الأكثرية من أبناء المجتمع .. ومن ثمّ يفسح المجال أمام الأقوياء لقهر الضعفاء واستضعافهم ..
إنّ الإحساس الوجداني والأخلاقي في نفوسنا، والمبادئ الإلهيّة السّامية ، تدعونا إلى أن نحرص على مصلحة الجماعة ، كما نحرص على مصالحنا الفردية الخاصّة.. إذ إنّ كثيراً من المصالح الفرديّة تلحق الضّرر بمصلحة المجتمع ، لذا يجب الابتعاد عنها .
فتهريب الأرصدة المالية ، مثلاً ، يحقِّق مكاسب مادِّيّة كبيرة للأشخاص المزاولين لهذه الأعمال .. غير أنّ ذلك يُحدِث ضرراً كبيراً باقتصاد الاُمّة وثروتها ; لذا حرّمه القانون الإسلامي وعاقب عليه .
وفي سلوك الأبرار نجد المواقف المبدئية ، والتطبيق العملي للموازنة بين مصلحة الفرد والجماعة ..
من ذلك السلوك العملي ما رُوي عن إمام المسلمين ، أبي عبدالله ، جعفر بن محمّد الصّادق (عليه السلام).. روى أحد أصحابه المكلّف بإدارة شؤونه البيتية ، واسمه مُعتّب ، قال :
«قالَ لي أبو عبدالله، وقد تزيّد السِّعر بالمدينة: كم عندنا من طعام؟ قلتُ له : عندنا ما يكفينا أشهراً كثيرة ، قال : أخْرِجْهُ وبِعْه ، قال : قلتُ له : وليس بالمدينة طعام ، فقال : بِعْه ، فلمّا بِعْتُه ، قال : إشترِ مع الناس يوماً بيوم .
وقال ـ الصّادق ـ : يا مُعتّب ، إجعل قوت عيالي ، نصفاً شعير ، ونصفاً حنطة ، فإنّ الله يعلم أنِّي واجد أن أطعمهم الحنطة على وجهها ، ولكنِّي أحبّ أن يراني الله قد أحسنتُ تقدير المعيشة»(4) .
في هذه القصّة والموقف تعبير عمليّ عن الاهتمام الاسلامي بشؤون الجماعة .
فالإمام الصّادق (عليه السلام) يرفض أن يوفِّر الكفاية من الطّعام ، لعدّة أشهر من السوق لعائلته مرّة واحدة ويدّخره في بيته ، في حين يتعذّر على بقيّة أفراد المجتمع لظروف طارئة توفير حاجتهم اليومية ، وهو يريد بذلك أن يمتنع مَن كان قادراً على شراء كميّات كبيرة من الطعام عن شرائها لتبقى تلك الكميّات في السّوق، فتزداد كميّة العرض ـ عرض الطّعام في السّوق ـ فينخفض سعره ، ويتيسّر الحصول عليه للجميع .
تصرّف الإمام الصّادق (عليه السلام) مع هذه المسألة من مبدأ الاهتمام بشؤون المجتمع ، كما يهتم بشؤون اُسرته الشخصية . وتلك هي الصورة الصّادقة للإيمان .
جدير ذكره أنّ الإضرار بالمجتمع ، لا يبقى الفرد ، أيّاً كانت مصالحه الفرديّة متحقِّقة ، بمنأى عن الأذى ، إذ إنّ الانسان إجتماعي بالطّبع وبحاجة إلى أن يعيش في المجتمع السّليم والآمن .
الحقّ والواجب :
كلّ كائن في هذا العالم له علاقة متبادلة بغيره من الأشياء المحيطة به ، فهو يأخذ ويعطي . فالإنسان والنبات والحيوانات والطبيعة تتبادل المنافع; من الأوكسجين وثاني أوكسيد الكاربون والغذاء والدِّفئ والنور والمياه ... إلخ .
والإنسان الفرد يعيش في اُسرة ومجتمع ، ويتعامل مع الآخرين ، ويتبادل معهم المنافع .. فله حقوق على اُسرته ومجتمعه ، ولاُسرته ومجتمعه حقوق عليه ..
فكلّ فرد له حق ، وعليه واجب ، وتلك معادلة اجتماعية ، وقانون اجتماعي ، لا تتحقّق العدالة والإستقرار في المجتمع البشري إلاّ بالإلتزام به ..
ومَن يطلب الحقّ من غير واجب ، إنّما يظلم الآخرين ، ويريد أن يعيش عالة على الاُسرة أو المجتمع ، وعندئذ يرفضه الجميع ..
إنّ للفرد حقّ الحياة ، ومِن حقِّه أن يعيش ، وتتوفّر له سائر مستلزمات العيش المناسِبة .. ومِن حقِّه أن تفتح أمامه آفاق العمل ، وحرِّيّة الكسب ، والتملّك المشروع .. ومن حقِّه أن يحصل على نصيبه من خيرات الأرض التي يعيش عليها ..
نقرأ حقّ الإنسان هذا واضحاً في قوله تعالى :
(وَالأَرْضَ وَضَعَها للأَنام ). ( الرّحمن / 10 )
فهي وُضِعَت للجميع يستفيدون منها وينتفعون بها ، ولا يحقّ لأحد أن يحتكر المنافع لنفسه ويحرم الآخرين منها ..
فالإنسان عضو في هذا المجتمع ، وله حقّ الاستفادة من الخدمات والمنافع المتوفِّرة في مجتمعه ..
إنّ الاستئثار بالمنافع والمصالح والخيرات لصالح فئة أو جماعة ، وحرمان الآخرين منها ، ظلم وعدوان على قانون الحياة وعلى مبادئ الحقّ والعدل .. والقرآن الكريم يقرِّر هذا المبدأ بقوله :
(إنَّ اللهَ يأمُرُ بالعَدْلِ والإحْسان ). ( النحّل / 90 )
فـ «النّاس سواسية، كأسنان المشط» كما قال الرّسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم).
وعندما يسكت الناس عن الظّلم والحرمان يعمّ خطره فيرتد على الجميع ، وينتهي بتسلّط فئة من الطّغاة على عموم المجتمع واستضعافه .
وكما يسعى الفرد للحصول على هذا الحق ، فعليه أن يعترف به للآخرين ، ولا يُصادر منهم هذا الحق .
ومِن حقّ الإنسان أن يعيش آمناً مطمئناً على حياته وعرضه وماله ، وما يتعلّق به ، بعيداً عن الخوف والقلق . وسلب هذا الحق منه ظلم وعدوان يُعاقَب فاعله .
وكما له هذا الحق ، فإنّه حقّ للآخرين أيضاً .. وعندما يخلّ بأمن الآخرين ، أو يصدر منه ما يخيفهم ، أو ينشر الرّعب والقلق في المجتمع ، فإنّما يمارس الاعتداء على الهيأة الاجتماعية ، ويخلّ بأمنه الشخصي في نهاية المطاف .
لقد ثبّت الرسول الكريم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) قاعدة الأمن والاستقرار في المجتمع بقوله :
«إنّ المسلم أخو المسلم ، لا يغشّه ولا يخونه ولا يغتابه ولا يحلّ له دمه ولا شيء من ماله إلاّ بطيبة نفسه»(5) .
وقيمة الانسان في سمعته وكرامته ، لذا حرّمت الشريعة الاسلامية الغيبة والبهتان وإثارة الشّبهات وجرح الكرامة بقول أو فعل أو ممارسة، أو بالتجسّس عليه ونشر أسراره ، وهتك حُرمته .
وهذا القانون نفسه يلزم الفرد أن يحترم كرامة الآخرين، ولايتجاوز على حرماتهم الشخصية ..
قال تعالى :
(يا أ يُّها الَّذِينَ آمَنوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِن قَوم عَسَى أَن يَكُونوا خَيْراً مِنْهُم ولا نِساءٌ مِن نِساء عَسَى أن يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ ، ولا تَلْمِزوا أنْفُسَكُم وَلاتَنابَزوا بالألقابِ بِئْسَ الإسمُ الفُسوقُ بَعْدَ الإيمانِ ومَن لَم يَتُبْ فاُولئِكَ هُمُ الظّالِمون * يا أ يّها الّذينَ آمَنوا اجتَنِبُوا كثيراً مِنَ الظّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ وَلا تَجسَّسوا ولا يَغْتَبْ بَعْضكم بَعضاً أيُحِبُّ أحَدُكُم أَن يأكُلَ لَحْمَ أَخيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوه واتّقوا اللهَ إنَّ اللهَ توّابٌ رَحيم ). ( الحجرات / 11 ـ 12 )
وكما للإنسان حقوق تجاه المجتمع ، تقوم الدولة بتقديم معظم هذه الحقوق للفرد نيابة عن المجتمع ; كحقّ التعليم، والرّعاية، وحفظ الأمن ، وتوفير الخدمات الصحية والبلدية وغيرها ..
كما إنّ على الفرد واجباً تجاه مجتمعه ووطنه ، وما لم يعمل الفرد على حفظ مصالح الاُمّة ، والدِّفاع عنها ، وأداء ما عليه من واجبات يحدِّدها القانون الشرعي والأخلاقي ، فإنّ الحياة الاجتماعية تُعرّض للخلل والإنحلال . وعندئذ يصيبه ما يصيب الآخرين من الضّرر .
* البلاغ
(1) محمّدي الرّي شهري / ميزان الحكمة / ج 4 / (السّعادة) .
(2) ميزان الحكمة / ج 3 / (الذلّة) .
(3) ميزان الحكمة / ج 1 / (حقيقة الإيمان) / ص 395 .
(4) الكليني / الكافي / ج 5 / ص 166 / دار الكتب الإسلامية .
(5) اليعقوبي / ج 2 / خطبة الوداع / ص110 / ط دار صادر ـ بيروت .
ــــــــــــــــــــ(42/275)
الشباب العربي وملامح ثورة جديدة
* سليمان العسكري
القاعدة والهرم
المجتمع العربي يمر بتغيرات جذرية عميقة شملت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية, ورغم ما يبدو في العديد من النظم العربية من ثبات ظاهري على قمة الهرم السياسي, فإن قاع المجتمع العربي يمر بتيارات عنيفة من التغيرات, لا أظن أنها لن تؤثر على ثبات هذه القمم.
ولعل أكثر المتأثرين بهذه التغيرات المتلاحقة هم الشباب, ونعني بالشباب هنا تلك الفئة العمرية التي تمتد من سن 15 إلى 30 من العمر. وقد اختلف علماء التربية وعلم النفس في تحديد خصائص هذه المرحلة وطولها, ولكنها المرحلة التي تشهد تحوّلات وتغيرات جوهرية في اهتمامات الشباب وسلوكه الاجتماعي واتجاهه نحو الاستقلال والفردية. ولعل هذا هو ما يخلق التناقض بينه وبين البيئة التقليدية التي تحيط به. فهو يريد أن يحرر نفسه من قيود الأسرة والمدرسة التي قيّدته طويلاً, وهو يريد في تلك المرحلة أيضاً أن يختار محيطه الاجتماعي الذي يندمج فيه ويتكامل معه ويكون قادراً على اتخاذ القرار وتحقيق ذاته.
الشباب وعصر العولمة
ولعل هذه الفئة العمرية هي المعنية بعصر العولمة وقضاياه ومشكلاته, فالعولمة مشروع كوني للمستقبل كما يطمح واضعوه ومفكّروه والداعون إليه. لذا فإن الجيل الجديد هو الأسبق بالتعاطي مع هذه العولمة وأدواتها, فالكمبيوتر والإنترنت وشبكات المعلومات المعقدة أصبحت في متناول أيدي الشباب في سهولة ويسر, بينما تعتبر هذه الأشياء بالنسبة للأجيال الأكبر سناً معضلة لا حلّ لها. كما أن أنماط المعيشة التي تطرحها (العولمة) من مأكل ومشرب وعادات ثقافية موجّهة بالدرجة الأولى لأجيال الشباب, لأنهم الأقدر على الاستجابة والتقبّل السريع لأي مفاهيم جديدة خارجة عن المألوف, خاصة إذا كانت تقدم لهم بوسائل باهرة وبطرق تقنية تؤثر في نفوسهم.
إن أجيالنا الشابّة تشكّل اليوم نسبة غالبة في الدول العربية من مجموع السكان, وتدل الإحصاءات في الدول كثيفة السكان على أنهم يمثلون ثلث السكان. أما في الدول العربية مرتفعة مستوى المعيشة, فإن هذه النسبة تزداد إلى أن تصل أحياناً إلى النصف نظراً لقلة وفيات الأطفال بها وارتفاع درجة الوقاية الصحية والغذاء. نحن إذن أمام عشرات من الملايين من الشباب يتوقون - بالرغبة - إلى الأداء السريع وإحراز النتائج الفعّالة. أي أنهم يريدون أن يقفوا بعالمنا العربي على أبواب القرن الواحد والعشرين في الوقت الذي يعاني فيه هذا العالم كثيراً من تقاليد قبلية وفئوية وطائفية خانقة وتخلّفاً وفساداً مستشرياً في العديد من البنى السياسية والاجتماعية ومن محاولات مستميتة لإبعادهم وتهميشهم من أطر الحكم السائدة.
ملامح ثورة جديدة
إن أول ملامح الثورة الجديدة التي يطرحها علينا هذا القرن الجديد هو أنها تضع قيادة العالم في المرحلة القادمة في أيدي الشباب. وهناك ظواهر عدة تؤكد هذا الدور الذي بدأه الشباب في مجالات قيادة الشركات أو في الاستثمار أو داخل معامل الاختراع. فثورة المعلومات وتراكمها جعلا هذا الجيل الشاب يستفيد من إنجازاتها دون حاجة إلى انتظار تراكم الخبرة الحياتية, كما أن الشباب أصبح يمثل القوة الاستهلاكية المؤثرة, وهم يضعون في هذه السوق مداخيلهم المبكّرة من سوق العمل في نوعية جديدة وغير تقليدية من البضائع. وقد أصبحوا يمثلون المستهلك الخفيّ الذي يوجه احتياجات الأسرة, ويفرض رغباته في المأكل والملبس ونوعية السيارة ومكان الإجازة.
أين نحن مما يجري حولنا? وما هو حال شبابنا وحالنا معهم? وماذا أعددنا لهم من أدوات تساعدهم على أخذ مواقعهم أسوة بشباب العالم في مضمار الرقيّ والحضارة?
إن المشهد حزين جداً, ورغم أنني لست من المتشائمين, فإنه يجب علينا أن نشخّص هذه الحالة بدقة, لعل هذا يساعدنا على التقدم خطوة للأمام بدلاً من دفن رءوسنا في الرمل.
فشباب العالم العربي - الذي يمثل ثلثه أو نصفه - مازال يخضع لأنظمة تعليمية واجتماعية غير صالحة للعصر الذي يعيشون فيه, ولا تلبي أدنى مطالب حياتهم اليومية, فلاتزال المناهج التعليمية والمقررات الدراسية تنتمي لما قبل عصر المعلومات والاتصال والعولمة الجارفة, ولانزال نتوجس ريبة من الشباب وأفكارهم وطموحاتهم, ونضع الحواجز أمامهم لكبح جماح رغباتهم ومحاصرة طموحاتهم, ومازلنا ندفع بأعداد كبيرة منهم وخاصة المتعلمين إلى البحث عن مجتمعات جديدة تفتح لهم مجالاً لتحقيق طموحاتهم وتلبي رغباتهم وأحلامهم, فامتصت الدول المتقدمة نخبة المتعلمين والطموحين والجادّين من شبابنا العرب ووصلت أعدادهم في بعض الدول إلى عشرات آلاف, ومَن بقي حبيس مجتمعاته العربية تحوّل إلى أدوات متفجّرة سياسياً أحياناً واجتماعياً أحياناً أخرى, فجزء منه انجرف وراء الجريمة والمخدرات والكحول وهو جزء لا يستهان به في بعض دولنا العربية, وجزء كبير جذبته قوى التطرف وتحول إلى أدوات حادة ومعاول هدم لمجتمعاتهم ودولهم, وهذه ظاهرة لا ننفرد بها وحدنا, بل هناك كثير من المجتمعات التي فقدت زمام قيادة الشباب انجرف شبابها إلى مصائد التطرف والعنف وعالم المخدرات والكحول, والإحصاءات تشير إلى بلد مثل روسيا, ففي السنوات العشر الماضية, أي منذ انفراط عقد دولة الاتحاد السوفييتي انتشرت في المجتمع الروسي أمراض حادة مثل العنف والمخدرات بين جيل الشباب, شباب المدارس والجامعات.
الشباب وأزمة الاغتراب
إن الشباب العربي يعيش أزمة اغتراب حقيقي, وقد أكّدت الدراسات التي أجريت في العديد من الدول العربية, وبين مختلف الطبقات الاجتماعية هذه النتيجة, إن مواجهة الشباب بالأنظمة البيروقراطية وأنماط السلطة غير الديمقراطية لا تبقيه خارجها فقط, ولكنها تجعل دوره ينحصر في الخضوع لها والالتزام بقوانينها مما يشعره بالعجز وعدم القدرة على تحقيق ذاته. والاغتراب هنا هو مرحلة وسطى بين الانسحاب من المجتمع والتمرّد عليه. هو يلجأ إلى ثلاثة أنواع من التصرّفات: إما الانسحاب من هذا الواقع ورفضه, وإما الخضوع إليه في الوقت الذي يعاني فيه النفور, وإما التمرّد على هذا المجتمع ومحاولة تغييره ولو كان ذلك بقوة السلاح.
إن استمرار تجاهل قضية الشباب في مجتمعاتنا العربية وعدم معالجة ما يلاقيه من تدهور في مناهج التعليم, وابتعاد الشباب عن الاهتمام بالسياسة, وجهلهم بتاريخ أوطانهم, وموقف اللامبالاة مما يجري حولهم هو نتيجة حتمية لسياسات التجاهل لمواجهة قضاياهم, وقد حوّلتهم تلك المشاعر المتناقضة في داخلهم إلى مخزن يغرف منه كل من لديه مصلحة خاصة في تجنيدهم واستخدامهم.
شبابنا اليوم إما أن يكونوا الأداة الأولى في بعث نهضة حديثة لدولنا وشعوبنا, وإما أن يتحوّلوا إلى وسيلة لتدمير ما بنته الأجيال السابقة, ففي عصر العلم والعولمة, ليس أمامنا كثير من الخيارات, ولا الكثير من الوقت لنفكّر ونقرر, فنحن والزمن في سباق مميت, وعلينا - حكومات وقيادات في كل المواقع - أن نبدأ في وضع قضيتهم في مقدمة المسائل الوطنية, ونشرع في وضع الحلول وتطبيقها لمصلحة أجيال الشباب, هذا إذا أردنا أن نجتاز حاضرنا إلى مستقبلنا بأمان, وعلينا أن نعيد تنظيم مجتمعاتنا وحياتنا وفق واقعهم وحجم قوتهم ومدى تأثرهم بما يجري من حولنا في العالم, وأن نعترف بأن شبابنا لن يكونوا أقل تأثّراً بالدور الذي يقوم به نظراؤهم في بقية تلك القرية الكونية, فهم يراقبون وسيحاولون أن يكسروا قيود الواقع ويتمرّدوا عليه, ومؤشرات التمرّد بدأت منذ فترة وبأشكال مختلفة وحسب ظروف كل بلد, وسيحاولون أن يؤسسوا سلطتهم بمعزل عن مجتمعاتهم, وكذلك عن السلطات الاجتماعية والثقافية التي يعيشون تحت مظلتها, ولكي نتدارك الوضع, وقبل أن يتجاوزنا الزمن لابد من الاعتراف أولاً بأن نوعية تعليمنا ومستواه لا تتناسبان مع العصر وطموحات الشباب, فالعالم من حولنا يتحدث بشكل دوري عن (نوعية التعليم) الذي يحتاج إليه في كل مرحلة من التطور المجتمعي, وربط هذا التعليم بتطوّر الحياة في مجتمعاته, في الوقت الذي نتحدث نحن في مجتمعاتنا عن الأميّة وتزايدها وتدهور مدارسنا وتسرّب أطفالنا من المدارس الذي وصل في بعض الدول العربية إلى ملايين من الأطفال خارج المدارس, وفي بعض الدول العربية يتساءلون عن مدى مواكبة ما لديهم من تعليم لمتطلبات وحاجات مجتمعاتهم التي تتطور عشوائياً!
إعادة نظر شاملة
لابد لمواجهة هذا التدهور من إعادة النظر في فلسفة التعليم عندنا, والتحوّل من أسلوب الحفظ والتلقين, من دور الطالب متلقياً وقابلاً ومطيعاً لما يلقّنه إياه معلمه, إلى فلسفة التعليم عن طريق الحوار والمناقشة والتدريب على التعلم الذاتي, وأن ندمج التعليم بالثقافة بشكل متواز, وأن تصبح برامج الثقافة جزءاً من مناهج التعليم, كالفنون بكل أنواعها من موسيقى ومسرح ورسم وتربية بدنية إلى الثقافة العامة والقراءة الحرّة, وأن تصبح المكتبة جزءاً من المنهج الدراسي.
ومن ثم لابد من إقحام الشباب للمشاركة وسماع رأيهم في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وتوسيع دورهم في المشاركة في كل ما يتعلق بحياتهم وتطلعاتهم وطموحاتهم, ويأتي في مقدمة ذلك خفض سن الناخبين ليصبح عند الستة عشر عاماً, وأن يمثل الشباب في المؤسسات الديمقراطية والتشريعية, ويفسح في المجال لسماع مقترحاتهم والأخذ بها عند التطبيق, فالثقافة السياسية جزء وشرط مهم في ثقافة الشباب إن أردنا تدريبهم وتأهيلهم للقيادة في مرحلة لاحقة, ونحن بهذا ندخلهم في نسيج المجتمع بدلاً من أن يتحوّلوا إلى أدوات للهدم والتخريب, فوضع ثقافة متوازنة للشباب تراعي تراثهم وتاريخهم الوطني والقومي, وتسعى للحاق بالثقافة الحديثة المنفتحة على العلم والتكنولوجيا والفلسفة المعاصرة المتطلعة إلى مزيد من الكشف عن الكون وأسراره أمر لا مفر منه, وأن ندرّبهم على اكتشاف ثقافة الشعوب والأمم المعاصرة ليتمكّنوا من التعامل والتفاعل معها في هذا العالم الذي بدأت تتشابك فيه تلك الشعوب بثقافاتها المختلفة على درب التعاون والتلاقي والاندماج في ثقافة كونية تسعى لإشاعة السلام في العالم وتحتفظ في الوقت ذاته لكل شعب بخصائصه وعاداته وتقاليده وتراثه الديني والقومي ضمن حركة التفاعل مع الثقافات الأخرى.
إن نظرة سريعة على واقع شبابنا اليوم تكشف لنا مدى عزوف الشباب عن المشاركة في قضايا المجتمع, والابتعاد عن النشاطات السياسية والاجتماعية, وهذا ناتج عن طول أمد الاستبعاد الذي مورس ضد الشباب وعزلهم عن الحياة العامة وخاصة السياسية سواء في المدارس والجامعات أو في المنظمات الشعبية والديمقراطية المحدودة.
فشبابنا اليوم يسعى خلف الإعلام الخارجي باحثاً عن الحقيقة, التي بدأ يشك في صدقها في إعلامه الرسمي, متصوّراً أنه سيجدها عند الآخر, وهذا بداية الانسلاخ الثقافي وفقد الثقة في ثقافته والقائمين على تسيير شئونه, ومؤشر إلى سهولة السقوط تحت تأثير أي إعلام معاد له ولوطنه وتراثه الثقافي والحضاري, وسنرتكب أخطاء أكثر فأكثر إن نحن تصوّرنا أن بإمكاننا الاستمرار في إبعاد جيل الشباب في عالمنا عن المشاركة الكاملة في إدارة شئون حياته ورسم مستقبله, فالكبار, في عصر يقوده الشباب, لن يتمكنوا من ضبط إيقاع الحياة دون الشباب ومشاركتهم الكاملة, وقد دلت الدراسات والأبحاث الحديثة على أن المجتمعات, التي تتعرض للتغير التقني السريع لا يعود الآباء فيها يملكون ما يقدّمونه لأبنائهم, لأن معارفهم تفقد ملاءمتها للواقع الجديد والمستجد. فكيف بزمان كزماننا الذي فاقت سرعة التغير التقني فيه بملايين المرات سرعة التغيرات التقنية التي أصابت المجتمعات البشرية القديمة, فجيل الآباء في زماننا ما عادوا يملكون معظم الإجابات عن أسئلة أكثر وأعقد مما لا يقاس مما توافر لمن سبقهم, فهم يكادون أن يفقدوا الموقع الذي يخوّلهم أن يقولوا للصغار ماذا يفعلون وماذا لا يفعلون, وأصبحت العلاقة بين الطرفين بسبب التقنية الجديدة حواراً لا تلقين دروس وأوامر.
ــــــــــــــــــــ(42/276)
الشباب ودوائر الوعي :
هناك نقطة جوهرية يجب عدم إغفالها أو التغافل عنها ، فشبابنا وفتياتنا اليوم مستهدفون أكثر من أي وقت مضى في وعيهم وثقافتهم وهويتهم الدينية ، فهم المجال الحيوي الذي تعمل غالبية المؤسسات الرسمية والأهلية من أجل غسل دماغه ، أو تجييره لفكرة أو مشروع معيّن ، أو الهائه عن قضاياه الكبرى ، وما لم يكونوا مسلمين بالوعي فإنّ التيار جارف يكتسع كل معصوب العينين .
وعلى هذا ، يتعيّن أن يستحصل الشاب أو الفتاة موارد الوعي ومصادره في دوائره المتعددة ، وإلاّ كانوا ضحايا لأكثر من (مفترس) وقد لابيكون مفترساً في الظاهر لكنّه يعمل ـ من وراء ستار ـ لافتراسهم .. ولا نجاة إلاّ بمزيد من الوعي .
أوّلاً : وعي الأشخاص
لكي تبني جسراً من الثقة بينك وبين معارفك من الأصدقاء والزملاء والإخوان ، لا بدّ من أن تعي الأمور التالية :
1 ـ سيرته الذاتية : كيف هو تعامله معك ومع الآخرين ؟ ليس في أوقات المؤانسة واللعب والمسايرة ، بل في أوقات الشدّة والضيق والحاجة فـ «الصديق عن الضيق» .. اُنظر إليه في مواقفه .. هل هو متذبذب متقلب ؟ هل هو صادق صريح ؟ هل هو متعاون منفتح ؟ هل هو لطيف المعشر متسامح ؟ هل هو نفور غضوب ؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تحدد لك ملامح شخصيته .
هل تجد صعوبة في التحقق من ذلك ؟ هل تريد علاقات عابرة ؟ هل الصداقة عندك تمضية وقت ؟ تحمّل إذن وحدك نتائج العلاقات غير المدروسة .
2 ـ اختباره وتمحيصه : جرِّب صديقك في مواطن كثيرة .. جرِّبه إذا أغضبته .. جرِّبه إذا انتقدته .. جرِّبه إذا طلبت منه شيئاً .. جرِّبه إذا سافرت معه .. جرِّبه في نصرته لك أو خذلانه في المواقف الصعبة والمحرجة ، فإذا ثبت لك أ نّه حريص على إخوتك حضنين بصداقتك فلا يقاطعك أو يهجرك لأدنى اختلاف بينكما ، ولا يخذلك في أوقات الحاجة والشدّة ، ولا يظهر لك بغير الوجه الذي تعرفه فيه ، فهو الصديق الصدوق والأخ الثقة .. فاحرص عليه لأ نّه عملة نادرة .
3 ـ وقد يكون من المفيد أن تتعرّف إلى أسرته لتعرف من أي نبع يشرب وإلى أي ثقافة تربوية ينتمي ، فالأسر المعروفة بصلاحها والتزامها وتدينها وسيرتها الحسنة بين الناس ، غالباً ما ينحدر عنها أبناء صالحون .. ولكلّ قاعدة استثناءات .
ولكنّ وعي الأشخاص لا يقف عند حدود الذين نتعرّف عليهم حديثاً ، بل حتى الذين سبق أن تعرّفنا عليهم ، فكيف تعرف أمثال هؤلاء على حقيقتهم ؟
1 ـ اختبر نواياهم برفضك لطروحاتهم وعروضهم ، وانظر ما هو ردّ فعلهم ؟ هل سيلجأون إلى مزيد من الضغط عليك ولو باستخدام الإغراء ؟ هل سيهدونك بصراحة أو من طرف خفيّ ؟ هل سيتركونك بعدما ييئسوا منك ؟ أم انّهم فعلاً يريدون بك خيراً ؟
2 ـ أدرس لهجتهم في الحديث معك .. أي الكلمات يستخدمونها ، وأي المواضيع يطرحونها ، واطرح على نفسك أسئلة : لماذا قالوا ذلك ؟ وماذا يريدون بهذه الكلمة ؟ وما هو مرادهم من هذا التلميح ؟ لماذا أنت بالذات ؟
3 ـ سل عنهم مَنْ يعرفهم .. أي توثّق منهم بالسؤال والاستيضاح والتحرّي عن شخصياتهم ممّن يعرفونهم أكثر منك ، ولا تكتفي بالسؤال من شخص واحد .. سل أكثر من شخص حتى يسهل عليك اكتشاف النوايا .
4 ـ لا تتردد في قطع علاقتك بأي شخص مشبوه ، أو تدور حول علامات الاستفهام ، فبمجرد أن تعرف انّه قرين سوء أو يبيت لك شراً ، أو يريد أن يوقعك في مطب ، بادر على الفور إلى إيقافه عند حدّه وقطع علاقتك به نهائياً .
ثانياً : وعي الجماعات
والجماعات قد تكون جمعيات أو نقابات أو منظمات أو اتحادات ، أو هيئات ، أو منظمات ، أو أحزاب ، أو نواد اجتماعية أو ترفيهية أو ثقافية ، وحتى تتمكن من معرفة ما إذا كانت الجماعة على خطأ أو صواب ، أو على حق أو على باطل ، لا بدّ لك من معرفة أمرين أساسين :
1 ـ معرفة الأشخاص الذين يعملون ضمن هذه الجماعة : مَنْ هو رئيسهم ؟ ومَنْ هم البارزون فيها ؟ ومَنْ هم الأشخاص الذين تستقطبهم ؟ وما هي طرف الكسب لديهم ؟ ومَنْ هم الذين يموّلونها ويدعمونها مادياً ومعنوياً ؟ هل هي ـ أي الجماعة ـ معروفة مشهورة ؟ أم أنّها مجمولة مغمورة ؟
ذلك أنّ معرفة الأشخاص الذين ينتمون أو ينتسبون إلى جماعة معيّنة تفيدك في الاطمئنان إلى سلامة توجّه الجماعة ، فإذا كان الأشخاص ممّن عرفوا بالصلاح والسيرة الحسنة والأخلاق الحميدة ، زاد اطمئنانك إلى أنّ الجمعية ـ أياً كان عنوانها ـ لا تضم في صفوفها إلاّ الخيرين .
2 ـ معرفة أفكار وآراء وطروحات وأساليب عمل وأهداف الجماعة : ماذا تريد منك على وجه التحديد ؟ ما هي خططها الحاضرة والمستقبلية ؟ ماذا تريد تحقيقه من عملها ؟ هل لديها نشرات أو كتب أو أدبيات معيّنة .. اطلب الاطلاع عليها قبل ابداء الرفض أو الموافقة ؟ هل لديهم أهداف سرّية غير معلنة ؟ سل عن ذلك ممّن هم أعرف منك في هذه الأمور .. ولا تنسى أن تسأل أكثر من شخص ، فقد يكون أحد الأشخاص غير دقيق في تشخيصه ، أو أ نّه يتحسس من عمل الجمعيات أو العمل الجمعي بصفة عامة .. انظر إلى فكر الجماعة .. قارنه مع فكرك كانسان مسلم .. هل يلتقيان ؟ وأين يفترقان ؟ ناقش قبل الدخول .. اطرح أسئلتك كاملة وبوضوح شديد .. احصل على أجوبة صريحة كاملة ، ولا تقنع بالاشارات العمومية .
إن معرفة الأشخاص وحدها لا تكفي في الحكم على عمل الجماعة ، فالعصابة أيضاً جماعة وتعمل لأهداف محدّدة ، ولكنها جماعة منحرفة ، ولذا كان الاطلاع على فكر الجماعة وأساليبها وخططها وأهدافها ضماناً آخر لعدم انزلاقك أو تورطك في الانضمام إلى الجماعات المشبوهة أو المنحرفة .
ولا بدّ من الاشارة هنا ، إلى أنّ (وعي الأشخاص) و (وعي الجماعات) هو وعي اجتماعي وثقافي ايضاً يعتمد معرفة الناس واختلاف أصنافهم وطبائعهم وأفكارهم وأهدافهم ، وليس بوسعك كفرد أن تحصل على هذه المعرفة ، ولذا فليثس من العيب ولا من النقص أن تستشير العارفين حتى يطمئن قلبك .
ولعلّك تلاحظ أنّ المؤسسات اليوم لا تقبل عضواً فيها إلاّ بعد أن تطمئن إلى خلفيته ، وإلى الحصول على معلومات كافية بشأنه من خلال استبيان أو مقابلة ، بل تطلب منه أن يقدّم لها أسماء مَنْ يعرفونه جيِّداً حتى يمكن الاتصال بهم والتحقق من المعلومات التي أدلى بها ، فكيف تستكثر على نفسك وأنت الوحيد السؤال من الآخرين في قضايا مصيرية تهمّك ؟!
وينبغي أن يكون الشخص الذي تسأله ثقة وذا تجربة وقادراً على أن يشير عليك ، كأن يكون أبوك ، أو أخوك الأكبر ، أو أمّك ، أو خالك ، أو عمّك ، أو إمام المسجد الذي تصلّي فيه ، أو أي شخص ترجح وعيه وثقافته وقدرته على التشخيص والتمحيص .
ثالثاً : الوعي الديني
وهو وعي يتفرّع إلى وعيين :
1 ـ وعي الاسلام .
2 ـ وعي المسلمين .
فلأجل أن تعي الاسلام وعياً صحيحاً لا بدّ لك من أن تأخذه صافياً نقياً من منابعه ومصادره الأصلية (أي الكتاب والسنّة) وقد تكفّل الله بحفظ الكتاب المجيد مصوناً من التحريف والزيادة والنقصان فلا مشكلة .
أمّا السنّة النبويّة (أقوال النبي وأفعاله وتقريراته) فقد تعرّضت للكذب عليه والوضع والدسّ والتحريف ، وحتى تتحقق من صحّة السنّة اعرضها على كتاب الله فإن وافقته فخذ بها وإلاّ فاضرب بها عرض الجدار .
وتلك عملية ليست بالسهلة ، وهي مهمّة العلماء والباحثين والمحققين ، ولذا فإنّ الوعي الديني يتطلب أن تتعرّف على هؤلاء لتعرف نزاهتهم واخلاصهم ومدى علمهم ومعرفتهم ، فليس كل ما كتب أو قيل في الاسلام يمثل أصالة الاسلام ونقاءه .
أمّا وعي المسلمين فيتطلب منك أن تعرض المسلم على مرآة القرآن الكريم والسنّة المطهرة لترى كم هو قريب أو بعيد عن الاسلام .. أي اعرف الاسلام تعرف أهله .
كما أنّ وعيك بأخيك المسلم يستدعي أن لا تكفّره لأ نّه لا يلتزم الاسلام التزاماً كلياً ، أو لأ نّه يختلف معك في فهمه وتفسيره للنصوص ، فالنصوص الاسلامية مقدسة ولكن تفسيرها غير مقدس ، ولذلك تختلف التفاسير باختلاف المفسرين .
وعليك بالمسلمين يتطلب الرفق بهم ، والأخذ بأيديهم إلى درجات العلم والمعرفة والمعروف درجة درجة ، وأن لا تجور عليهم في أحكامك ، وأن تلتقي معهم على النقاط المشتركة التي توحّد الصف وتجعله بنياناً مرصوصاً .
ووعي المسلمين يتطلب أيضاً المعرفة الدقيقة بأئمة المسلمين ، فلا يغرك الاسم والرسم فتنظر إلى السطح وتتصوره العمق ، فقد يكون الزي الديني للخداع والتمويه .
ووعي المسلمين يقتضيك أن لا تتعصب لهم فترى أنّ أمّة الاسلام بمن فيها وما فيها هي أفضل الأمم .. ليكن لديك المعيار الذي تقيس وتميز به ، فالمسلم مسلمٌ ما سلم الناس والمسلمون ـ من باب أولى ـ من يده ولسانه ، وهو خير الناس ما نفع الناس .
والوعي الديني ـ بعد هذا وذاك ـ يستدعي معرفة المسؤوليات الدينية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية التي تتحملها سواء بالنسبة إليك كشخص أو إلى العائلة والمجتمع والحياة ، وأن تميّز بين (الاسلام) وبين (المسلمين) فلا تلقي اللوم والتقصير والتخلّف والازدواجية والتجاوز على عاتق الاسلام وتنسى أن بعض المسلمين لم يحسن اسلامهم ، وإلاّ فالاسلام خيرُ مربّ وخيرُ مصلح ومعلّم وهاد .
رابعاً : الوعي السياسي
يشتمل الوعي السياسى على فهم عدّة أمور ، منها :
1 ـ الحركات والأحزاب والمؤسسات ، وقد تحدثنا عن ذلك في مناقشة (وعي الجماعات) .
2 ـ الشعارات .
3 ـ الأحداث .
4 ـ الأخبار .
فأمّا وعي الشعارات ، وهي الآراء والأفكار المضغوطة في كلمات معدودات ، للتعبير عن هدف معيّن ، أو للتحريض على عمل معيّن أو الوقوف ضدّه ، فيحتاج إلى معرفة :
أ . مُطلق الشعار : إلجأ إلى الأسئلة دائماً ، وابحث عن الأجوبة شخصياً وبالتعاون مع الآخرين : مَنْ الذي أطلق الشعار ؟ وما هي هويته الفكرية والسياسية ؟ فقد ينطلي عليك الشعار السياسي الرنان البرّاق إذا لم تتعرف على هوية مطلقية .
ب . مضمون الشعار : هل يحتوي على ترويج للباطل أو الانحراف ؟ هل يريد الدفاع عن الحق ؟ هل هو (كلمة حق يراد بها باطل) فقد تكون الشعارات صادقة لكن يراد الوصول من خلالها إلى أغراض مشبوهة ودفيئة ، وقد تدّعي الدفاع عن حقوق الأكثرية لكنّها تبحث عن مصالح الأقلية .
كما يتطلب وعي المضمون دراسة لمعرفة ما إذا كان يلتقي أو يتناقض مع ما تحمله من فكر وعقيدة ، فقد يكون صحيحاً في الظاهر لكنّه مرفوض اسلامياً .
ج . المجال الذي يُطلق فيه : أي ، إلى مَنْ يراد توجيه الشعار ؟ إلى أي شريحة اجتماعية ؟ ومَنْ هم الذين يصدّقونه ويروّجون له ؟ وما هي تأثيراته الجانبية على متلقيه ؟
د . الغاية من الشعار : ويمكن التعرّف على غاية أي شعار من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية : لماذا في هذا الوقت بالذات ؟ وما هي الأمور التي يستهدفها حاضراً ومستقبلاً ؟
وأمّا وعي الأحداث المعاصرة أو التأريخية ، فيتطلب :
1 ـ معرفة شخصيات الحدث .
2 ـ معرفة مجريات الحدث .
وهذا ما يطلق عليه في بعض الدراسات بمعرفة (السند) و (المتن) فأيّما حدث سياسي ، ولنفترض إبراهم اتفاق أو معاهدة يحتاج لوعيه من معرفة القائمين أو الموقعين على الاتفاق ، ومعرفة بنود الاتفاق والدواعي التي دعت إليه ، ومن المستفيد منه ، وما هي انعكاساته الداخلية والخارجية ، الآنية والمستقبلية .
وأمّا معرفة ملابسات الحدث وتفاصيله وتداعياته والظروف المحيطة به : كيف بدأ ؟ وكيف نما وتطور ؟ وإلى أين انتهى ؟ وما هي الجوانب القاطعة منه ، فتعطيك تصوراً عن طبيعة الحدث وسياقه وافرازاته .
وحتى تتمكن من تحليل ورصد حدث معيّن لا بدّ لك من ملاحقة أو متابعة لمجرياته ، فلا يكفي أن تنظر إليه من خلال مقطع من مقاطعه ، بل لا بدّ من استقرائه من جذوره ، لتفق على العوامل والأسباب التي صنعته ، والتي صغّدته ، والتي انتهت به إلى ما وصل إليه .
وأمّا وعي الأخبار فيحتاج أيضاً إلى الإجابة عن مجموعة من الأسئلة :
مَنْ ؟ أي مَنْ الذي قال ؟ ومَنْ الذي فعل ؟
ماذا ؟ أي ماذا قال ؟ وماذا جرى ؟
متى ؟ أي في أي ظرف قاله ، وفي أي وقت ؟
أين ؟ أين في أي مكان حصل ذلك ؟
كيف ؟ أي التفاصيل الأخرى المتعلقة بالخبر .
وقد حذّر القرآن الكريم من تصديق الأخبار على علاّتها لئلاّ يكون ذلك سبباً لتخريب العلاقات الاجتماعية (يا أ يُّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )(1) .
وقد جاء في الحديث : «اعقل الخبر عقل رعاية لا عقل رواية» أي لا تأخذه كمسلّمة وإنّما ادرسه وتفحّصه جيِّداً ، قبل أن تنقله بدورك ، أو ترتب عليه أثراً .
خامساً : الوعي الإعلامي
وهذا الوعي يأتي كرديف أو مكمّل للوعي السياسي ، فثمة تلازم شديد بين الإثنين ، وإن كان للإعلام مساحاته المستقلة .
وفي الوعي الإعلام نحتاج إلى معرفة :
1 ـ الجهة الإعلامية المسوّقة (المُرسِل) .
2 ـ المضمون الإعلامي (الرسالة) .
3 ـ الجهة التي تبث إليها تلك الرسالة (المُتسقبِل) .
فمعرفة هذه الأمور الثلاثة ضرورية حتى لا نقع في التضليل الإعلامي ، لأنّ المتلاعبين بالعقول والعواطف في أجهزة الإعلام ووسائله المختلفة من الكثرة ، بحيث يندر الصفاء الإعلامي .
والمراد بالجهة الإعلامية المسوّقة ، تلك التي تقف وراء إعلام ما ، تخطط له وترسم له طرق الوصول إلى المتلقّي مشاهداً ومستمعاً وقارئاً ، وتضع له أهدافه الثابتة والمتغيرة ، وقد تكون جهة رسمية أو أهلية ، لكن معرفة ذلك وادراكه جيِّداً يحدد درجة الثقة بهذه الوسيلة الإعلامية أو تلك .
والمراد بالرسالة الإعلامية ، مضمون المواد والبرامج والفعاليات التي يقدمها الإعلام ، وبإمكانك أن تقرأ هوية الذين يقفون خلف هذه الرسالة من خلال الرسالة نفسها . فبالمتابعة الدقيقة والمستمرة سيتضح لك بأنّ طبيعة المادة الإعلامية المرسلة كاشفة ـ إلى حد بعيد ـ عن هويّة المُرسِلين ، وقد لا تعرفهم بالوجوه والأسماء ، لكنّك تعرفهم بالتوجهات .
وأمّا المراد بالمُستَقْبِل ، فهو أنت وأنا وسائر المستمعين والمشاهدين والقرّاء من مختلف الشرائح السنوية والرجالية والشبابية والأطفال ، أي إنّنا المُستهدفون من الرسائل الإعلامية التي تدرس طباعنا وأمزجتنا وأذواقنا وغرائزنا وردود أفعالنا لتخاطبنا من خلالها .
وما لم نعِ ما يراد بنا من خلال وسائل الإعلام فإنّنا واقعون في فخ التضليل الإعلامي والإثارة الإعلامية بل والشميم الإعلامي .
غير أنّ هذا لا يعني أن مواد الإعلام مسمومة كلّها ، فالوعي الإعلامي ، كما يفرز السلبي الردي ، يفرز الايجابي النافع ، وبذلك تتوازن النظرة إلى الإعلام .
سادساً : الوعي الاقتصادي
الوعي حلقات متكاملة غير منفصلة ، أي أن حلقات الوعي أو دوائره تنفّذ على بعضها البعض . فالوعي الاقتصادي وهو معرفة حركة الاقتصاد والمال في المنجم والمصنع والسوق والاستهلاك ، غير منفصل بالمرّة عن الوعي السياسي والوعي الإعلامي والوعي الثقافي والوعي الديني ووعي الأشخاص الجماعات .
فالمواد المصنّعة حيادية ، لكنّ الجهات المُصنّعة ليست بريئة دائماً ، وإنّما هي تحمل السلع والخدمات رسالتها أيضاً ، كما مرّ بنا في الجانب الإعلامي ، فما من سلعة أو بضاعة إلاّ ولها وجهان (وجه استهلاكي) ويتمثل بالانتفاع من استخدامها ، و (وجه ثقافي) يتمثل فيما تعبّر عنه من مضمون مادي أو معنوي .
إنّ غرس النزعة الاستهلاكية فيك هدف لغالبية التجّار حتى وإن طرحوا بضائعهم على أنّها توفر لك الراحة وتحقق المزيد من الرفاه . فالهدف الأوّل تحقيق أكبر نسبة من الأرباح للمنتج والمصدّر والبائع ، أمّا المستهلك فهو هدف لهؤلاء الثلاثة .
إنّ الموجة الإعلانية التي تغمرك طوال ساعات البث التلفزيوني في الترويج لبضائع عديدة ، لا تدعك حرّاً أو تفكر باستقلال تام ، فهي موجة إيحائية مؤثرة تصور لك ما هو ثانوي وكما لي على أ نّه أساسي وضروري ، وسمة من سمات العصر ، الأمر الذي يجعلك كمستهلك تدور في دوّامة (حمّى التسوّق) ليس على صعيد الأثرياء فقط ، بل حتى بالنسبة لدؤي الدخل المحدود أو المتوسط .
والوعي الاقتصادي لا يقتصر على معرفة الاستهلاك وخفايات ، بل يشمل كل الحركة الاقتصادية سواء من حيث الإنتاج والاستثمار والديون والشروط الموضوعة من قبل الدائنين ، والتبعية الاقتصادية التي تجر معها عجلة التبعية السياسية ، والتصرّف بأسواق النفط والعملات وما إلى ذلك .
فوائد الوعي :
وحتى نلخّص رسالة هذا الكتيب ، نقول إنّ للبصيرة أو الوعي فوائده الكثيرة ، ومنها :
1 ـ الغوص في الأعماق وعدم الوقوف عند السطح . فقد يكون السطح لامعاً برّاقاً لكنّ ما تحته خواء ، أو جيفة ، أو خطر محدق ، أو معدن مزيّف ، أي أنّ الوعي يجنبنا من الوقوع في الخداع والتغرير والتضليل والتزوير .
2 ـ الوعي يفيدنا في الربط بين الأشياء . فما قد يبدو في الظاهر منفصلاً عن بعضه ، هو ذو علاقة ـ بنحو أو بآخر ـ بغيره من الأشياء ، كما هي علاقة الإعلام بالسياسة وعلاقتهما بالثقافة وعلاقة الجميع بالتربية . وبمعنى آخر ، إنّ الواعي ينظر إلى الأمور والأشياء نظرة شمولية ، وليس نظرة تجزيئية ، حتى يدرك العلاقة بينها .
3 ـ إنّ التدين والإيمان يستلزم بالضرورة الوعي والبصيرة ، أمّا إذا كان تديننا بلا وعي وإيماننا بلا بصيرة ، فإنّه سيكون تديناً ساذجاً . ولذا فإنّنا حينما نقرأ في الحديث : «حبذا نومُ الأكياس وفطرهم» فإنّنا نفهم بأن قيمة (الوعي) أكبر من قيمة (التدين) فإذا اجتمعنا فهو الخير .
4 ـ الوعي ذو أثر أكبر من دائرة الشخص الواعي نفسه ، فهو بوعيه يمكن أن ينير الدرب للآخرين الذين تنطلي عليهم إلاّ لا عيب والخدع والشعارات والتصريحات والإعلانات والدعايات ، أي أ نّه يفتح عيونهم للأبصار أكثر ، وهذا ما يفعله أرباب الوعي الاسلامي العميق في كتاباتهم وخطاباتهم التي تزيد في وعينا وقدرتنا على التشخيص الدقيق .
5 ـ الوعي يفتح الأبواب المقفلة بالكثير من الاستيضاحات والأسئلة : مَنْ ؟ ولماذا ؟ ومتى ؟ وأين ؟ وكيف ؟ أي أن كلّ شيء بالنسبة للواعي مادّة للدرس ، يأخذ منها درساً وعبرة ويحلّلها ، ويقرأها بعيون ثانية ، فيزداد معرفة بالأشياء والأشخاص والأفكار والعلاقات .
(تزييف) الوعي :
السؤال الأخير : هل يمكن تزييف الوعي ؟
نحن نتحفّظ على هذا المصطلح ، لأنّ الوعي في اعتقادنا لا يزيّف ولا يحرّف ، فالوعي وعي والجهل جهل . نعم ، يمكن أن نتحدّث عن (تخريب لوعي) أو هدمه وتسميمه أو اغتياله ، كما تفعل الكثير من الجهات المضادة لحركة الوعي في المجتمعات . ويمكن الحديث أيضاً عن تضليل الرأي العام ، أمّا الوعي فلا يضلّل ولا يزيف لأ نّه (علم) ولأ نّه (نور) ولأ نّه (قوّة) وما دامت سمات الوعي هي هذه فهو غير قابل للتزييف .
الوعي ـ بكلمات مختصرة ـ بصر ونور داخلي يضيء تلقائياً إذا أطفئت الأنوار الخارجية وأحدق ظلام الجهل بالناس ، وذلك هو المعنى العميق لمقولة «وإن معي لبصيرتي لا لُبّست ولا التُبس عليَّ» .
* البلاغ
(1) الحجرات / 6 .
ــــــــــــــــــــ(42/277)
كيف نفهم الحياة ؟
الحياة التي نعيش فيها ، ونصنع وجودنا ومصيرنا بين أحضانها .. كيف نفهمها .. وكيف نتعامل معها ؟
حياة الإنسان هي هذه النشأة والفعاليات الجسدية والفكرية والروحية التي يمارسها الانسان بين فترتي الولادة والموت . والتي يصنع من خلالها وجوده .. وتكتمل ذاته وروحه وشخصيّته ..
إنّه يحقِّق ذلك من خلال ما يملك من حياة وعقل وقدرة على الاحساس بالعالم المحيط به ، والشعور باللّذّة والألم ، وإدراك العقل للموجودات ..
فنحنُ نأكل ونشرب ونلبس ونلهو ونلعب ونستمتع بالجمال والطيِّبات، ونمارس الجنس، ونحسّ بالحبّ والكراهية، والحزن والمسرّة، واللّذّة والألم ، ونضحك ونبكي، ونيأس وتنفتح الآمال أمامنا ..
ونفكِّر فنُبدِع ، ونستنتج ونكتشف أشياء ونضع اُخرى ، ونعبِّر عن أحاسيسنا بالكلمة والرّسم والشّعر والفرح والحزن .
وننطلق بوعينا وتفكيرنا خارج حدود هذا العالم، فنفكِّر في نشأته ، وكيفيّة صدوره . فنعرف مبدأ الوجود وخالقه ..
إنّنا نفكِّر ونحسّ ونعمل ونفعل ، فنصنع الحياة بفكرنا وإحساسنا ، وما يصدر عنّا من فعل ..
إنّنا جسد وروح وعقل ومشاعر ، وُهِبنا كلّ ذلك ، ونحنُ نصنع الحياة ، كما يصنع الرّسّام الصورة .. وحياة كلّ فرد منّا هي صورة ذاته ، فأيُّنا يحبّ أن تكون صورته شوهاء ..
إنّ الحياة ليست مُتعة ولذّة فقط ، ولكنّها مختلطة بالآلام والأحزان أيضاً ، وهي ليست فوضى .. بل هي مسؤولية .. مسؤولية أمام الله سبحانه، ومسؤولية أمام المجتمع والنّاس الّذين يعيشون معنا، ومسؤولية أمام القانون ، ومسؤولية أمام الضمير والوجدان .
قال تعالى : (فَلنسألنّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِم وَلَنَسْألَنَّ المُرْسَلين ). ( الأعراف / 6 )
وقال الرّسول الكريم ((ص)) : « كُلّكم راع ، وكُلّكم مسؤولٌ عن رعيّته » .
إنّ خالق الوجود يشرح طبيعة الحياة ، ويضرب المثل الذي يقرِّب الفهم إلى عقولنا .. ويوضِّح أ نّها عملية نشأة ونموّ وتكامل وازدهار ، ثمّ ذبول وانحلال وزوال .. وهكذا حياة كلّ فرد في عالم الحياة ..
(واضرِب لَهُمْ مَثَلَ الحياةِ الدُّنْيا كماء أنْزَلْناهُ مِنَ السّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ فأصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْء مُقْتَدِرا ).
( الكهف / 45 )
فالحياة رغم ما فيها من زينة وجمال ومُتع ولذّات ، فإنّها أحداث تقع وتنتهي ، كما ينشأ النبات وينمو ويزدهر ، ثمّ يذبل ويصفر ويتحوّل إلى هشيم تذروه الرِّياح ..
وعندما تنتهي هذه المرحلة من حياة الانسان ، تبدأ مرحلة اُخرى من حياته ، وهي عالم الآخرة . وذلك عالم الخلود .. عالم لا تغيّر فيه ولا زوال .. عالم النعيم والجمال والجنّات ، أو عالم الشّقاء والعذاب .
والذي يقرِّر مصير الإنسان في ذلك العالم ، هو طبيعة فعله وعقيدته في هذا العالم.. كما يقرِّر سعي الطّالب وتحصيله الدراسي نتيجته الامتحانية ومستقبله العلمي في الحياة ..
إنّ الإنسان يمهِّد في حياته إلى عالم الآخرة ، كما يمهِّد عالم الرّحم إلى عالم الدّنيا .
حدّثنا القرآن الكريم عن هذه الحقيقة بقوله :
(مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ، ومَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلاِنْفُسِهِمْ يَمْهَدُون ).
( الرّوم / 44 )
لذا جاءت الشّرائع الإلهيّة لتنظِّم نشاط الانسان وسلوكه في الحياة ..
فالإنسان قد ينساق وراء الشّهوات والمُتع واللّذّات، أو يسيطر عليه الغرور والجهل والعدوان. فتتحوّل الحياة عنده إلى عمليّات إشباع للّذّة والشّهوة ، أو طريقاً إلى الجريمة والفساد في الأرض وعبادة للّذّات من خلال سيطرة الأنا والإعجاب بالنّفس .
إنّ خالق الحياة قد وهبها للإنسان ليعيش فيها بسلام ، وليتمتّع بطيِّبات الحياة وزينتها ، وفق قانون حفظ الحياة ، وتنظيم سلوك الانسان بشكل يمكِّنه من أن يحقِّق الخير لنفسه ولمجتمعه الذي يعود بالخير عليه ..
وعندما يُخطئ الإنسان في فهم الحياة ، فإنّه يجني على نفسه ، ويقودها إلى الدّمار ، ولا يشعر بخطئه هذا إلاّ بعد فوات الأوان .
فالملايين من البشر قادتهم الشّهوات والملذّات والإحساس بالغرور إلى الكوارث والندم ، ولكن بعد فوات الأوان ..
لقد انتهت حياة الكثير من البشر إلى السّجون أو الانتحار ، أو الإصابة بالأمراض الجنسيّة ، أو الإدمان على المخدِّرات ، والتسكّع والقلق ، وفقدان السّعادة ..
ومعاهد الإحصاء وتقارير الدوائر المختصّة،كالمستشفيات والمصحّات النفسية ، ودوائر مكافحة الإجرام ، والإحصاء الجنائي تسجِّل أرقاماً مُذهلة ..
إنّ حياتنا هبة من الرّحمن ، وعلينا أن نتعامل مع الحياة وفق قانون السّلامة ، وحفظ الحياة ، وهو القانون الإلهي الذي حرّم كلّ ما هو ضار لنا ، وأباح لنا الخيرات والمُتع واللّذّات النافعة لنا ..
إنّ هناك وسائل لفهم الحياة ، علينا أن نرجع إليها ونعتمد عليها ، وتلك الوسائل هي :
1 ـ كتاب الله وهدي النبوّة ، فهما يقدِّمان لنا إيضاحاً كافياً لطبيعة الحياة ، ويوفِّران لنا منهجاً ودليلاً هادياً في الحياة . وعلينا أن نقرأهما بوعي وتأمّل عقلي وعلمي لنعرف ما فيهما من خير وحكمة .
2 ـ والمصدر الثاني لفهم الحياة هو العلم والاكتشافات العلمية . فقد زوّدنا العلم بالمعرفة والوعي ، فاستطاع أن يقدِّم لنا تعريفاً بما هو ضار ، وما هو نافع . فجاءت أبحاثه ودراساته متطابقة مع ما بيّنه القرآن في منهجه من حلال وحرام ..
لقد استطاع العلم أن يكتشف خطر الخمر والمخدّرات والممارسات الجنسية الشاذّة ، والرِّبا والإحتكار ، وفائدة النظافة والحبّ والتماسك بين أفراد العائلة ، وأثره في سلامة الانسان النفسية ، وأثر الإيمان في السعادة ، واستقامة السلوك ، والتخلّص من القلق والجريمة ... إلخ .
كما ساهم العلم مساهمة فعّالة في رفع مستوى وعي الإنسان وفهمه للحياة ، وتطوّر وسائل الانتاج ، وتوفير الخدمات ، وتنظيم المجتمع ، وحركة الحياة . فساهم بحلِّ مشاكل الانسان وتوفير حلول جديدة لمشاكل الحياة من حوله .
إنّ اكتشاف الكهرباء والذرّة والبترول والرّاديو والتلفزيون ووسائل الطِّباعة والنقل وغيرها ، قد فتحت للانسان وعياً آخر للحياة، وكلّما إزددنا فهماً ووعياً للحياة ، إزددنا فهماً ووعياً للدِّين ومعنى الإيمان . فالعلم داعية الإيمان ورفيقه في الحياة .
3 ـ العقل والتجربة : والعقل دليل الانسان في الحياة ، وعندما يستخدم الانسان عقله استعمالاً سليماً فإنّه يقوده إلى الخير ، وينجيه من الوقوع في الهلكة والضّياع والندم .
فالإنسان يُمارس في حياته أشياء كثيرة ، فتتوفّر لديه تجارب ، وعليه أن يستفيد من تجربته في الحياة ، كما عليه أن يستفيد من تجارب الآخرين في كلّ حقل ومجال من مجالات الحياة الشخصية والزوجية والاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها .
لذا دعانا القرآن إلى استخدام العقل والاستفادة من تجارب الاُمم السّابقة . فالتجربة الانسانية وأحداث الماضي والتأريخ ، وما أنتجه العقل البشري من معارف وثقافة وحكمة وآداب وفنون بنّاءة .. كلّها عطاءات تُساهم بإغناء الحياة ، وفتح آفاق جديدة لفهمها .
لذا يرشدنا القرآن إلى الاستفادة من تجارب الاُمم والأفراد، والتعمّق في التفكير واستخدام العقل ، فيقول :
(وَهُوَ الّذِي مَدَّ الاَْرْضَ وجعلَ فيها رَواسيَ وأَنْهاراً ومِن كلِّ الثمراتِ جعلَ فيها زوجَينِ اثنينِ يُغشي اللّيل النّهار إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون ). ( الرّعد / 3 )
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِم مِنْ أَهْلِ ا لْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي ا لاَْرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ا لَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الاْخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَ نَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ
الْقَوْمِ المجْرِمِينَ* لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاُِولِي ا لاَْ لْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلكِن تَصْدِيقَ ا لَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيء وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْم يُؤْمِنُونَ ). ( يوسف / 109 ـ 111 )
ويُخاطِب الإمام عليّ (عليه السلام) ولده الحسن (عليه السلام) بالإستفادة من تجارب الآخرين والاعتبار بها ، فيقول :
«... لتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته ، فتكون قد كفيت مؤونة الطّلب ، وعُوفيت من علاج التجربة ، فأتاك من ذلك ما كنّا نأتيه ، واستبان لك ما ربّما أظلم علينا منه ...»(1).
وعندما نوفِّر لأنفسنا فهماً سليماً للحياة ، على ضوء الشريعة والعقل والعلم ، نستطيع أن نتعامل معها بوعي ونجاح .
* البلاغ
(1) نهج البلاغة / تنظيم د . صبحي الصّالح / ص 393 .
ــــــــــــــــــــ(42/278)
أزمة الشباب بين الإفراط والتفريط
العنف وإن كان من الموضوعات الشائكة ولا يمكن معرفة ماهيته إلا عبر التعرف على طبيعته الذاتية إلا أنه ليس غريزة إنسانية بل سلوك متعلم، أي أنه يمكن أن نتعلمه إما من خلال الملاحظة أو من خلال التقليد، وكلما عزز أو أثيب الملاحظ أو المقلد بشكل مباشر أو غير مباشر لتقليده السلوك العدواني كلما أزداد احتمال ظهور هذا السلوك عند الفرد، كما أشارت إليه العديد من الدراسات والملاحظات اليومية.
ومن هنا يبدو الأمر محيراً عند التفكير في أسباب اتجاه بعض الشباب في مجتمعاتنا الإسلامية نحو التشدد والتطرف والإرهاب مع عدم أي مبرر للقيام بمثل هذه الأعمال الإجرامية التي تعود بالضرر أولاً وقبل كل شيء على أبناء المجتمع أنفسهم، حيث الوضع الاقتصادي المقبول مقارنة بالدول المجاورة والتزام الناس بالدين الإسلامي وتعاليمه المانعة من أي نوع من الأذى للنفس وللآخرين، فالسؤال إذن لماذا تولدت هذه الأعمال خلال الفترة الماضية واستمرت في تصاعد كبير؟
صحيح أن العنف ليس غريزة لكنه سلوك قد يستوطن في أعماق الإنسان اللاشعورية ليصبح تطبعاً سلوكياً يطوف في ظاهر وخارج الإنسان وقد يتحول حينئذ إلى أيديولوجية نافذة تبرر له سلوكه العنفي هذا. وقد يساعد على ذلك الغرائز النفسية والأجواء التربوية والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها، فيتحول الإحباط الناشئ من كل ذلك إلى تراكم مضغوط يمكن أن ينفجر في أي لحظة، فالإحباط يشكل سبباً رئيسياً في نشوء العنف عند علماء النفس باعتبار أنه حالة مؤلمة تنزع الذات إلى إبعادها والى الخلاص من الضغط الذي ينجم عنها، ويكون العدوان أحياناً السلوك الدفاعي للذات في سعيها وراء الخلاص من ضغط الإحباط.
فأهم أسباب التطرف لدى الشباب هو:
1- الفهم الخاطئ لمبادئ الدين الإسلامي وتعالميه، والذي يعتمد على حالة من التزمت والتشدد والغلو وإقصاء الآخر، إن سماحة الدين الإسلامي وسعة أحكامه تدعو إلى التسامح والتعددية والتنوع الفكري والتعايش السلمي الذي يؤمن بحرية الجميع في إبداء آرائهم وممارسة معتقداتهم سواء في الدائرة الإسلامية أو الإنسانية، وبذا ينظر المسلم إلى الآخرين بنظرة مساواة واحترام، لا بازدراء وتعالي، لكن الذي يبدو أن الثقافة القائمة في مجتمعاتنا لا تمنح للفرد المجال للتعاطي مع الآخرين بموضوعية وحب في المعرفة والإطلاع، بل تشحنه بمواقف مسبقة ضد الآخر سواء كان مواطناً أو وافداً إذا ما اختلف معه في بعض التفاصيل العبادية أو الثقافية أو المناطقية.
والخطاب الديني المعاصر لا زال يعيش الماضي ولا يتعاطى مع تطورات العصر الحديث ومفرداته ومعطياته العصرية، إنه يركز على الصور الجهادية التاريخية لرموز المسلمين الذين كانوا يعيشون عصر بناء الدولة الإسلامية وتأسيسها، ويحمس جيل الشباب للقيام بنفس الأدوار مع اختلاف الظروف الزمانية والمكانية، لا زال الخطاب الديني بعيداً عن الواقعية، ولا يلامس بموضوعية المشاكل والأزمات التي يعيشها الشباب، ولا يقدم حلولاً صادقة لها، بل يتعاطى معها بفوقية وتعالي على أنها من مخططات الأعداء ووساوس الشيطان دون التقرب من جوهرها أو الأخذ بما يراه أهل الاختصاص من علماء الاجتماع وغيرهم.
ينحى الخطاب الديني المتفشي بيننا في إطاره العام باتجاه الهدم لا البناء، فهو لا يفتح سبل الحوار والتقارب مع الآخر للبحث عن مشتركات التعايش، ولا يؤسس لثقافة التنوع الثقافي والديني ، ولا يدعو للتعايش السلمي بين أفراد المجتمع، ولا ينظر للمصالح سياسياً بل يؤدلج لكل القضايا ويجعلها ضمن منظومة فكرية مقفلة غير قابلة للبحث أو النقاش، فهو خطاب تناطحي وانتقائي وإقصائي، بالإضافة إلى جمود مناهج التعليم الديني والتي لا تخرج عن هذا الإطار، ففي ظل هذه الأنماط من الإرشاد تتربى الأجيال الشابة مشبعة بعقد الحدية والتزمت والغلو والتطرف، لا تجد للرأي الآخر مكاناً واحتراماً ولا تتحمل الاختلاف مهما قل.
إذن من الضروري أن يتحول الخطاب الديني إلى خطاب عصراني متنور وقادر على تشخيص المشاكل ووضع الحلول لها بكل صراحة وجرأة، بدلاً من الالتفاف حولها والتهرب منها، وأن يتعاطى بشفافية تجاه قضايا المجتمع، فالمعالجة يجب أن تكون من خلال الدعوة الجريئة والجادة لفتح الحوار بكل أشكاله وأنواعه على مصراعيه، وتجاوز المحاذير دون الصدام والعنف.
2- من الأسباب أيضاً، حالة الإحباط السياسي والاجتماعي التي يعيشها شباب هذا الجيل، فالظروف السياسية من حولنا تدفع باضطراد إلى مزيد من الحرية والمشاركة والشفافية، ولكن الشاب يرى نفسه أمام حالة من الجمود وعدم القدرة على الفاعلية، ولايرى بأن في وسعه المشاركة والتعبير عن رأيه وطموحاته حتى في أبسط الأمور.
فمثلاً قد يكون له راي في نظام المناهج التعليمية، أو طريقة القبول في الجامعة، أو دور رجال الأمن وما إلى ذلك، وكلها منطلقة من حسن نية ورغبة في التطوير - ولكنه لا يرى مجالاً ليعبر فيه عن رأيه أو يشارك الآخرين هذا الرأي فيشعر أنه مقموع داخلياً وعاجز عن التفاعل والمشاركة، بينما يرى بأن مجالس البرلمانات الآخرى في العالم تخصص أياماً محددة للشباب في الجلسات والاستماع إلى الآراء والتعبير عن آرائهم بحرية كاملة، كما يشاهد برامج الفضائيات تتيح للشباب حوارات حرة ومفتوحة في مختلف القضايا المتعلقة بهم.
3- والسبب الآخر هو حالة الخوف من المستقبل وبالخصوص في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية غير المستقرة في منطقتنا، فمع ازدياد تكاليف المعيشة، وارتفاع مستوى البطالة وصعوبة الحصول على مقعد جامعي، فإن الكثير من هؤلاء الشباب يعيش قلقاً كبيراً وهاجساً ضاغطاً على مستقبله الوظيفي والحياتي، مما يجعله عرضة للنزوع إلى اتجاهات متطرفة توجهه إلى اليأس من واقعه الحياتي المعاش وتعده بمستقبل أخروي رغيد.
فمثلُ هذه القضايا المتعلقة بمستقبل الشباب والشابات في مجتمعاتنا يجب أن تدرس بعناية فائقة ولا بد من تعاون مشترك منظم من الفاعليات الاجتماعية من رجال الأعمال وعلماء الدين ومسؤولي الدولة والإختصاصيين لوضع حلول علمية وعملية جادة وناضجة لمعالجة هذه الأزمة الاجتماعية، وفتح الأبواب لمشاريع تهدف إلى استيعاب الشباب واستثمار طاقاتهم وتطوير قدراتهم بما يعود بالنفع على جميع أبناء المجتمع
ــــــــــــــــــــ(42/279)
العوامل الرئيسة التي تخلق حالة الحسد
1 ـ اللؤم والخبث وسوء الطباع :
إنّ النفس أمّارة بالسوء إلاّ ما رحم ربّي ، فالذي تحزنه أفراح الناس ويسرّه شقاؤهم ، ويتمنّى ـ من أعماقه ـ لو تمحق النعمة التي أنعم الله بها عليهم ، أو اكتسبوها بجهدهم الجهيد ، إنسان سيِّئ السريرة ، أي انّه يعيش حالة من المرض الاخلاقي الذي يجعله يرى النقص والذلّ في نفسه ، ويرى الآخر وهو منعّم بما هو محروم منه فيحسده تارة بالرغبة بأن تنتقل النعمة إليه ، وتارة بأن تتلاشى آثار النعمة عنه ، وكلا التمنيين خبث ودليل على الطبع السقيم .
2 ـ التنافس والمزاحمة :
ولمّا كانت الدنيا دار لهو ولعب وتفاخر وتكاثر ، فإنّ السباق فيها محموم لدرجة الرغبة الطاغية لدى بعض المتسابقين أن يروا منافسهم مصاباً بإصابة معيقة حتى لا يدخل معهم ميدان السباق . فالتنافس إمّا أن يكون شريفاً بحيث يقود إلى النتائج الطيبة ويستنفر الطاقات
ويطوّر الإمكانات والمواهب في طريق الخير والإبداع وهو الذي عبّر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى : (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون )(1).
وإمّا أن يكون تنافساً مريضاً يؤدي إلى الحسد والبغضاء والتحاقد وربّما انتهى إلى الثأر والانتقام . ولذا تجد أنّ التحاسد بين أصحاب الحرفة أو المهنة الواحدة على أشدّه ، لأ نّهم يتنافسون على الزبائن وكسب السمعة وزيادة الأرباح ، وإزاحة المنافسين عن الطريق باتباع أساليب رخيصة في التشويش والتشويه ، فما لم يتمكّنوا من تحقيقه في خط مستقيم لا يتورعون عن بلوغه في السير بخط مائل .
3 ـ الأنانية :
فالحسود لا يفكّر إلاّ بنفسه حتى وهو يفكّر بالمحسود ، ذلك لأنّ تفكيره ينصبّ على مزايا الشخص المحسود لأ نّه يشعر بالنقص ويرى الكمال في محسوده ، في الوقت الذي يتوق فيه بل يتحرّق إلى أن يكون المتفوّق المتفرّد بين أصحابه وأقرانه ، ولأ نّه لا يرى إلاّ نفسه فهو لا يطيق رؤية غيره أفضل منه حتى ولو كانت أفضليته في شيء تافه أو حطام دنيوي لا قيمة معتبرة له .
4 ـ استكثار النعمة :
فالحسود يستكثر النعمة التي يتمتع بها المحسود ، وربّما رأى أ نّه لا يستحقها وبالتالي فهو يتهم الله في عدالته ، وكنتيجة لذلك تراه يزدري الحسود وينتقص من قدره ، ويحاول بصورة وبأخرى أن يشوّه نصاعة النعمة أو المزيّة التي يمتاز بها محسوده في محاولة خبيثة لذرّ الرماد في العيون حتى لا يرى غيره حسنات محسوده فيعجبون به ويميلون إليه .
5 ـ التقدير السيِّئ للأمور :
الحسود لا ينظر إلى الأمور نظرة طبيعية ، فالحسد الذي يغلي في داخله يجعله يبالغ في تقويم النعم والمزايا والمواهب التي يمتلكها الآخرون للدرجة التي يتصور معها أ نّه يتعذّر عليه الوصول إلى ما وصلوا إليه ، وهذا هو السبب الذي يدفعه إلى أن يتمنّى نسف تلك المزايا والنعم عنهم حتى لا يبدو الفارق كبيراً بينه وبين محسوديه .
ولو أنّ الحسود أعاد النظر في الأمور المبالغ فيها ، ورأى أنّها تقع في حدود الإمكان ، وأ نّه وإن افتقد بعض ذلك ، فهو يمتاز على غيره بما يفتقدونه ، وبالتالي فإن هذه النظرة المتوازنة سوف تجعله يحاصر خواطر الحسد في نفسه بل ويحاسبها عليها حتى لا تتحوّل إلى حالة سلبية ضاغطة تتحكم في مشاعره وسلوكه .
أضرار الحسد :
هناك نقطة جوهرية تسترعي انتباه الشبان والفتيات إليها ، ليس في الحسد وحده بل في سائر الأمراض الأخلاقية الأخرى ، وهي أن أيّ مرض من هذه الأمراض ، ونسمّيه مرضاً لأ نّه ليس حالة طبيعية أو سويّة أو صحّية ، هو مرض نفسيّ أو روحيّ ، وقد ثبت علمياً أنّ المرض النفسي ذو انعكاسات سلبية ـ طفيفة أو حادّة ـ على سلامة الجسم وأجهزته العضوية .
فما من مرض نفسي أو أخلاقي يصاب به الانسان إلاّ وتطفو آثاره على الجسد مرضاً ما . وقد يستخفّ البعض من المرضى بتشخيص الطبيب إذا قال له : إنّ هذا المرض الذي تعاني منه ولنفترض أ نّه (القرحة المعوية) هو مرض نفسي ، أو أنّ (الأرق) الذي يلازمك له أسباب نفسية . فقد تكون هناك أسباب وعوامل أخرى تؤثر على الصحّة البدنية ، إلاّ أنّ (الحسد) مثلاً يخلق حالة من التسمّم النفسي الذي يؤثر على إفرازات المعدة وأدائها فيربك عمليات الهضم والتمثيل ، وإذا اضطربت المعدة جرّاء الوضع النفسي الذي ينتجه الحسد أو غيره ، فإن ذلك سينعكس كمرض عضوي في واحد أو أكثر من أجهزتها الدقيقة والمتأثرة بما يجري في الخارج ، حيث ثبت أيضاً أنّ الأمراض المذكورة تزول بزوال المؤثر ، وقد لا تنفع معها الأدوية والعقاقير والمسكّنات ، فيما تنفع معها أساليب العلاج النفسي والابتعاد ـ ما أمكن ـ عن مواطن الإثارة ، وإلاّ ما الربط بين (الأرق) وبين قراءة القرآن ، أو الإكثار من الذكر ، أو الصلاة ، أو قراءة بعض الأحاديث والروايات ، أو بعض الأدعية ؟!
من ذلك نخلص إلى أنّ أضرار الأمراض الأخلاقية لا تنحصر في التسبّب باضطرابات نفسية وإنّما لها أعراض جانبية جسدية أيضاً ، ويمكنك التأكّد من ذلك من خلال قراءة المجلاّت أو النشرات الطبية والصحّية المتخصّصة التي تقدِّم نتائجها على ضوء دراسات ميدانية أو سريرية أو استبيانية كاشفة عن ذلك .
* البلاغ
(1) المطففين / 26 .
ــــــــــــــــــــ(42/280)
كيف أحتفظ برباطة جأشي ؟
رباطةُ الجأش أو الشكيمة هي ما يُصطلح عليه إسلامياً بـ (الحُلْم) . فالحليمُ الرابطُ الجأش عكس الانفعالي المتشنج الغضوب ، لأ نّه يسيطر على نفسه ، ويتحكم بانفعالاته ويكظم غيظه ، وبدلاً من أن يعبّر عنه بالإحتقان السلبي ينفّس عنه بطرق أخرى ، إليك أهمّها :
1 ـ لا تستهلك طاقة أعصابك :
تذكّر إذا دعاك موقفٌ ما إلى الغضب هذه الحقيقة العلمية :
إنّ العصبية الزائدة تستهلك الجهاز العصبي وتتلفه ، ولذا فإنّ أيّة حالة غضب سلبيّ تعتبر هدراً للطاقة التي يمكن توظيفها فيما هو نافع .
فالأطباء النفسانيون ينصحون بالاقتصاد في هذه الطاقة بتجنّب الحالات والأزمات النفسية الحادة لأ نّها تسيء إساءة بالغة للمزاج الصحيّ العام ، أي أنّ الغضب المحتدم يسمّم الجسد ويصيبه أو بعض أجهزته بأمراض خطيرة كالقرحة المعوية ، على سبيل المثال .
إنّ الاقتصاد أو ادخار الطاقة العصبية لما هو نافع ومفيد وإيجابي ، أمر ممكن ، وهو ما يصطلح عليه بـ (تحويل الطاقة)((1)) وهو ما يفنّد ادعاء البعض من أنّ كظم الغيظ أو العفّة ، أو الامتناع عن بعض الحلال المسموح ، أو غير ذلك من الرياضات النفسية والبدنية والروحية يعقّد الانسان ويصيبه بأمراض نفسية ، فهؤلاء لا يفرّقون بين (الكبت) الذي ينجم عن ضغوط خارجية لا سبيل لدفعها ، وبين الامتناع الذاتي الذي يزيد في المناعة .
2 ـ تدبّر عواقب الغضب الوخيمة :
دعنا نتأمّل في بعض ما يسببه الغضب من خسائر :
ـ الدخول في حرب لا هوادة فيها ، قد تطيح فيها الرؤوس والأيدي ، وقد تفقأ العيون ويُثخن الجسد بالجروح .
ـ القطيعة والهجران لمدّة طويلة((2)) ، وقد تصل العلاقة إلى مرحلة كسر العظم ونسف الجسور .
ـ المسّ بكرامة الطرف الآخر ، والإساءة إلى مشاعره وأحاسيسه . أمّا إذا كان مؤمناً فالحرمة أعظم ، لأنّ حرمة المؤمن ـ كما في الحديث ـ أعظم عند الله من حرمة الكعبة المشرّفة .
ـ تكسير وتحطيم الأشياء القريبة إلى متناول اليد ، كالأواني أو اللوحات الزجاجية ، وإغلاق وصفق الأبواب بعنف ، كجزء من حالة الانتقام التي يعيشها الغاضب المنفجر .
ـ حالة من الندم الكاشف عن الضعف وهشاشة موقف الانسان الغاضب ، بل وصورته التي يرثى لها وقد ركبته حالة من الجنون التي لا تبقي شيئاً من وقاره أو هيبته .
3 ـ غادر المشهد الذي انفجر فيه الغضب :
لا تبقَ طويلاً في المكان الذي تندلع فيه نيران الغضب لأ نّها لا تنطفئ سريعاً لا سيما إذا كان المحرّض على الغضب ، أو الذي استثاره في نفسك يُمعن في استفزازك ويلقي مزيداً من الحطب على نيران غضبك .
لا تدعه يتصرّف بك كما يحلو له .. ولا تستسلم لطعناته في البداية ثمّ يطفح الكيل .. لتكن لديك حاسّة أو حساسية لاستشعار الخطر قبل وقوعه ، فإذا عرفت أنّ الآخر ينوي جرّك إلى معركة .. انتقل على الفور إلى مكان آخر لتهدأ أعصابك وتبرد ، لأنّ بقاءك في المشهد أو المكان يجعل الآخر يمضي في الاستفزاز ويجعلك تحتدم أكثر .. والنتائج معروفة سلفاً .
تأمّل في المشهد التالي وتذكّره :
حينما بصق (عمرو بن عبد ودّ العامري) بوجه علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو يوشك أن يرديه قتيلاً ، لم يعجل عليّ بالانقضاض عليه ، بل استدار قليلاً ، ولما قيل له في ذلك ، قال : أردت أن أقتله غضباً لله لا غضباً لنفسي ، ولذا لم يعاجله على الفور ، وإنّما تركه برهة ثمّ صرعه .
4 ـ استبدل كلماتك الغاضبة :
المتصاعد على اللسان ـ أثناء الغضب ـ الكلمات البذيئة ، ولأنّ الغضب يحتاج إلى مهدّئات ، فإن بإمكانك أن تنفّس عنه بالكلمات ولكنّ الكلمات التي تعبّر عن طيب أخلاقك ولا تجعلك تندم على ما قلت في سورة الغضب ، قل لمن يثير غضبك : «سامحك الله» .. «غفر الله لك» .. «عفا الله عنك لم فعلت ذلك» .. «لا حول ولا قوّة إلاّ بالله» .. «إنّا لله وإنّا إليه راجعون» .. «أستغفر الله وأتوب إليه» .. «أصلحك الله وأصلحني» .. إلخ .
5 ـ نفّس عن غضبك بشكل آخر :
استخدام الكلمات السابقة لون من ألوان التنفيس الإيجابي عن الغضب ، وهناك طرق أخرى سنأتي عليها ، ولكننا نريد أن نذكر أن دعاة التنفيس عن الغضب بأيّ شكل من الأشكال غير مصيبين ، لأ نّهم يرون أنّ الاحتقانات النفسية لها آثار سلبية ، كمن يحبس النار التي تحرق أعصابه في داخله ، ولذا فهم يشجّعون الغاضب على الانفجار باكياً ، أو تكسير الأشياء المحيطة ، واطلاق الكلمات النابية حتى تهدأ فورته وثورته .
إنّ تعبير القرآن الكريم عن عملية السيطرة على النفس أثناء الغضب بـ (كظم الغيظ) ذو دلالة موحية بأنّ الغضب يكاد يطفح كما القدر الذي يغلي ، ولكنك تكظمه باغلاق فوهته ، أو كالذي يمسك القربة من فمها حتى لا يندلق ماؤها ، ولذا قيل (كظم القربة) أي منع ماءها أو لبنها من السيلان .
وهذا يعني أنّ اجتثاث الغضب غير ممكن ـ لمنافعه التي ذكرنا بعضها ـ ولكنّ الإمساك بزمامه لئلاّ يفلت ممكن .
فمن أساليب التنفيس الأخرى أن تلجأ إلى الله وتذكره وتتذكر أن كظم غيظك عن الناس سيكف غضب الله عنك ، ولذا فقد ورد أنّ الذكر عند الغضب واجب .
أمّا إذا استطعت أن تتوضأ وتصلي ركعتين فإن هذا الذكر سيفعل فعلاً أكبر في تبريد داخلك الساخن المتلاطم بأمواج الغضب .
فلقد مرّ (مالك الأشتر) بأحد الأسواق ذات يوم ، فأراد أحد الباعة أن يهزأ به ولم يكن يعرفه ، فرماه ببندقة ، فالتفت جاره إليه مؤنباً : أتعرف مَنْ هذا ؟ وأخبره بمكانته ومقامه ، فما كان من الرجل إلاّ أن ركض خلف (مالك) ليطلب الصفح والمغفرة منه ، وإذا بمالك قد دخل مسجداً قريباً ووقف ليصلّي ولم يكن الوقت وقت صلاة ، فلمّا فرغ من صلاته انكبّ الشخص الذي اعتدى عليه ، عليه يقبّله ويعتذر إليه ، فما كان من مالك إلاّ أن قال له : أتدري لماذا جئت أصلّي ؟ قال : لا ، قال : لأستغفر لك ربّي !
6 ـ اتقِ الغضب بأن لا تغضب :
ويمكنك أيضاً في حال اندلاع غضب شخص آخر أن لا تنجر إلى غضبه ، بل أن تمتصّ غضبه بعدم الردّ عليه بالمثل ، أو أن تقول له : «هدّئ من روعك» ، «لا تتلف أعصابك .. الأمر لا يستحق كل ذلك» ، «لِمَ هذا الانفعال .. لنؤجل الحديث في هذا لوقت نكون فيه أكثر هدوءاً» . كلّ ذلك من أجل أن لا تهبط معه إلى الدرك الأسفل من الغضب .
قال الحواريون لـ (عيسى) (عليه السلام) : «بِمَ نتقي الغضب ؟ قال : بأن لا تغضبوا» !
7 ـ أطفئ غضب الآخرة :
الرابطة بين الدنيا وبين الآخرة وثيقة .. والجسر بينهما موصول في كلّ لحظة ، فكلّ ما تعمله في الدنيا له منعكسٌ في الآخرة .. إنّ الله يغضب من معصيتك وذنوبك واجترائك عليه ، وغضبه ليس كغضبنا فالمعصية لا تضرّه ، لكنّه انتقام من الذين يتجبّرون ويجحدون ، وبإمكانك أن تطفئ غضب الربّ بأن تطفئ نيران غضبك عن الآخرين.
«أوحى الله إلى موسى (عليه السلام) : أن يا موسى أمسِك غضبك عمّن ملّكتُك عليه أكُفّ عنك غضبي» .
إنّها ليست واحدة بواحدة ، فهما ليسا متساويين ، لأ نّني إذا كففت عن الناس غضبي فقد أجنّبهم شرور هذا الغضب ، أمّا إذا رفع الله سخطه وغضبه عنِّي ، جنّبني النار التي سجّرها لغضبه .
8 ـ عضّ على شفتيك :
جاء أحدهم وهو يستشيط غضباً إلى أحد العلماء ، فقال له : أتدري ما صنع فلان ؟
قال له : ماذا صنع ؟
قال له : يسبّني في كل مجلس .
قال له : لا تسبّه .
قال الغاضب : إنّه يطعنني وتريدني أن لا أصرخ ؟!
قال له : عضّ على شفتيك !
قد يكون في هذه الوصفة شيء من الصعوبة على الغاضب الذي يقف أمام مَنْ يشتمه أو يسيء إليه ، ساكتاً أو لا مبالياً ، أو يردّ عليه بألفاظ مهذّبة ، لكنّ التمرين يجعلها ـ كما يجعل كل الأشياء الصعبة ـ سهلة يسيرة ، وإلاّ فهل تتصور أنّ الحُلُم ورباطة الجأش هي خصلة وراثية ، أم أنّها عادة مكتسبة وممارسة عملية ؟!
9 ـ تذكّر قصص الكاظمين الغيظ :
للقصّة الموحية والمعبّرة أثرها في النفس خاصّة إذا كانت نابعة عن موقف اسلامي رصين . فهي قادرة على أن تولّد مواقف مماثلة .
ففي رواية أنّ جارية لدى علي بن الحسين (عليه السلام) كانت تسكب الماء على يده فسقط الإناء على رأسه فشجّه ، فقالت : (والكاظمين الغيظ ) .
فردّ عليها : كظمتُ غيظي .
فقالت : (والعافين عن الناس ) .
فقال : عفوتُ عنك .
ثمّ قالت : (واللهُ يحبّ المحسنين )(3) .
فقال : أنت حرّة لوجه الله !!
وربّما لم يكن تلميذ القرآن البارّ علي بن الحسين (عليه السلام) بحاجة إلى تذكرة المرأة بكظم الغيظ والعفو والإحسان ، ولكنّه لبّى دعوة القرآن ليؤكد لها أ نّه نموذج الكاظم للغيظ والعافي والمحسن ، وأن غيظه لن يذهب بحلمه .
وفي رواية أخرى ، جاء شخص من إحدى القبائل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له : أوصني يا رسول الله . فقال له : هل أنت مستوص بما أنا موصيك به ؟ فقال : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله . فقال له : لا تغضب . فلمّا رجع إلى قبيلته رآها تعدّ العدّة لقتال قبيلة أخرى ، وبدلاً من أن ينساق مع الغضب الجارف للقتال تذكّر وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لقومه : إذا كنتم تريدون قتالهم فأنا أدفع لكم الديّة أو الفدية حتى تكفّوا عنهم ، وبذلك حقن دماء الفريقين ، وقديماً قيل : «عندما يتزوّج الغضب من الثأر ينجبان الشرارة» .
وفي رواية مماثلة : أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل من البادية ، فقال : إنِّي أسكن البادية فعلّمني جوامع الكلم . فقال له : آمرك أن لا تغضب ، فأعاد عليه الأعرابي طلبه ثلاث مرّات ، والجواب في كلّ مرّة نفس الجواب ، حتى رجع الرجلُ إلى نفسه ، فقال : لا أسألُ عن شيء بعد هذا ، ما أمرني رسول الله إلاّ بالخير !
الكفّ عن الغضب هو الوصية التي كان يكررها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على مَنْ يطلب منه النصيحة ، لأنّ الغضب مفتاح الكثير من الشرور .
10 ـ اعمل بالوصايا المجرّبة :
في الحديث الشريف : «أيّما رجل غضب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك فإنّه سيذهب عنه رجز الشيطان ، وأيّما رجل غضب على ذي رحم فليدنُ منه فليلمسه فإنّ الرحم إذا مسّت سكنت» .
وهذه الوصفة النفسية هي من ارقى الوصفات الطبية لعلاج الغضب : دعونا نتأمّل فيها جيِّداً :
إنّ الغاضب وهو قائم تشبّ النيران في قامته المنتصبة كلّها ، وإنّ الجلوس أو الاخلاد إلى الأرض ، وعدم التطلع في وجه مَنْ يغضب عليه ، وذكر الله كل ذلك يتظافر على إخماد نيران الغضب .. فالوصية هي نفسها التي يطلبها الأطباء من مرضاهم حادي المزاج بأن يسترخوا حتى يزول التشنج والتوتر والانفعال . وكذلك الاضطجاع ، فإن تغيير الحالة من القيام إلى الجلوس إلى الاضطجاع سوف يقلل من درجة الاشتعال تمهيداً لاطفائها بعكس ما لو بقي الغاضب واقفاً مشدود الأعصاب متوتراً هائجاً ، فإنّه بذلك يزداد اشتعالاً .
ثمّ أنّ مسّكَ لأخيك أو صديقك أو حبيبك أو أمّك أو أبيك سوف يسرّب شحنات غضبك ويبدّدها من نفسه ، وكأ نّك بتلك اللمسة ترسل إليه رسالة مودة واعتذار ، والمسّ قد يعني أن تمسكه من يده أو كتفه أو تضع يدك على رأسه أو تحتضنه ، وبذلك تردم الهوّة أو الفاصلة التي أحدثها الغضب بينك وبينه . وفي بعض الحِكَم الدينية : «لا تغرب الشمسُ على غضبكم» أي لا تدعوه يستمرّ طويلاً ، وكما ذكرنا سابقاً ليبادر أحدكما إلى رأب الصدع وإعادة المياه إلى مجاريها .
11 ـ خذ قسطك الكافي من النوم :
ثبت علمياً وبالتجربة أنّ الذي ينام قليلاً يظلّ عكر المزاج طوال النهار ، بل تتوتر أعصابه ويغدو شديد الانفعال لأسباب بسيطة ، وأنّ الذين ينامون جيداً لا ينفعلون بسرعة ، مما يبدو أن للنوم علاقة قيمة باسترخاء الأعصاب وتوترها ، وبالتالي بحالات الغضب التي قد لا يعرف لها سبب واضح .
12 ـ استحضر صورة الغاضب :
أشعِر نفسك بكراهة الغضب .. تمثّل صورتك في حالات غضبك وانفعالك ، ولو أن كاميرا التقطت لك صوراً متحركة وأنت في سورة الغضب لأنكرت شخصك ، وقلت إنّ الذي في الفيلم هو ليس أنت . لماذا تشعر بالقرف من حالة الهيجان الثائر الشبيه بحالة حيوان يريد أن يفترس آخر ؟
لأن تصرّفك بهذه الطريقة مخجل ، ولأ نّك ستندم عليه ، ولأ نّك في حلبة الغضب ستكون المصروع حتى ولو كنت صارعاً ، ولذا قيل : «أوّل الغضب جنون وآخره ندم» . وقيل أيضاً : «من ركبه الغضب ركب حصاناً وحشياً» .
13 ـ كافئ نفسك إذا نجحت في لجم الغضب :
اعطِ لنفسك نقطة أو علامة نجاح في كلّ حالة غضب تجتازها .. إبدأ أوّلاً بمكافحة حالات الغضب الصغير .. امتصها بسرعة .. إحمل دِلاءَ الماء السابقة (النقاط المارّة الذكر) واسكبها أو بعضها على بداية الحريق من قبل أن يصعب عليك احتواؤه .. لا تجعل رياح الغضب تصعّد من ألسنة اللهب .
وفي كل مرّة تخرج فائزاً في السيطرة على أعصابك ، قل لنفسك : الحمدُ لله .. أنا الآن أقوى من السابق !
إنّ خيط الغضب بيدك .. امسك به ولا تتركه كخيوط الطائرة الورقية .. فلا تمدّ فيه .. وتجنب حالات الاحتكاك والصدام حتى البسيط منها ، ففي هذه الحالات هناك طرفان .. أحدهما أنت .. فإذا لم يكن الآخر حليماً حصيفاً حكيماً ... فكن أنت ذاك .
(1) المراد بتحويل الطاقة هو تخزينها وتوظيفها في مجالات العطاء الخيِّر ، بدلاً من إنفاقها أو التفريط بها في الغضب والاسترسال في الشهوات . أي أن هذه الغرائز تستنفد الطاقة العصبية ، فإذا تصرّفنا بحُلم واعتدال تحوّلت هذه الطاقة إلى المزيد من الإنتاج والإبداع والإبتكار .
(2) في أدبياتنا الاسلامية وثقافتنا الأخلاقية أنّ المؤمن لا يجوز له أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، أي لا يحقُّ له هجران أو مقاطعة أخيه المؤمن أكثر من ثلاثة أيام ، وبعدها عليه أن يعيد المياه إلى مجاريها حتى ولو كان هو المعتدى عليه .
(3) آل عمران / 134 .
ــــــــــــــــــــ(42/281)
سؤال حائر في أفكار الشباب .. عقيدة أو لا عقيدة؟!
* محمد قطب
ما قيمة العقيدة؟ ما دورها في الحياة؟ هل يمكن أن يكون لها اليوم دور في عصر الآلة والإنتاج الكبير؟
وما غرض العقيدة؟ أوَليس هدفها إقامة الحياة البشرية على أسس صالحة؟ لقد تولى ذلك عنها العلم في العصر الحديث، فأقام نظماً اقتصادية واجتماعية من شأنها تنظيم العلاقات بين الناس على أسس الاشتراكية والتعاون، بحيث تجعلهما جزءاً من النظام العام، تشرف عليه الدولة، وتضع له التشريعات والقوانين.
فماذا بقي إذن من مهام العقيدة لم تقم به ((الدولة)) الحديثة؟ لقد كان للعقيدة دور هام تؤديه يوم كانت الدولة في طفولتها، وعلاقات الناس شخصية أكثر منها جماعية ونظامية. أما اليوم فقد صيغت العواطف نظماً والنوايا الطيبة أعمالاً منظورة. وتحول العدل الاجتماعي من دعوة ووعظ، إلى نظريات علمية وتطبيقات عملية. فما شأن العقيدة في العالم الحديث؟
كذلك يتحدث الشباب عن العقيدة .. مخلصاً حيناً، ومستمعاً حيناً إلى غواية الشياطين ينفثون في فكره، ويجرونه من خيوط الرغبة الهائجة والشهوة المجنونة.
والشباب دفعة الحياة الجارفة وطاقتها المذخورة. ولكنه كذلك ذخيرة خطرة حين ينحرف عن طريقه ويضل عن الهدف المنشود.
والضلال الأكبر الذي يشمل هذا الجيل من البشرية هو استغلاق روحه عن العقيدة، وانطماس بصيرته أن تستمتع بنورها الشفيف.
(ويحسبون أنهم مهتدون) ..
كانت الجاهلية الأولى تعبد أصناماً فجة الصنع أو فجة العقيدة. لذلك انهارت في يسر. وإن كان هذا اليسر النسبي قد استغرق بضعة قرون من الكفاح، وبضعة آلاف من أرواح البشر استشهدوا في الطريق.
والجاهلية الثانية تعبد أصناماً لا سبيل إلى كفاحها في يسر أو تحطيمها في هوادة، لأنها لا تقوم على باطل مطلق كأوثان الفراعنة والبدو، والإغريق والفرس، بل تقوم على ركيزة هائلة من ((الحق)) هي ركيزة العلم.
العلم حقيقة محايدة، لا تؤدي بذاتها إلى الخير أو الشر، ولا تؤدي بذاتها إلى الهدى أو الضلال. ولكن القلب الذي يستخدم هذه الحقيقة هو الخير أو الشرير، هو الذي يتجه بها إلى طريق الهدى أو طريق الضلال.
لو أفلت نظام الكون .. لو انحلت الرابطة التي تربط كوكباً بكوكب، وتسير الأفلاك في الكون العريض .. كيف يحدث؟
ولو أفلت نظام الذرة، وهي البنية التي يقوم عليها الكون، لو تفتت نواة الذرة التي تمسك حولها الكهارب المنطلقة في نشاط دائم .. كيف يحدث؟
هل يحدث إلا الفوضى المدمرة والضلال الرهيب .. ؟
ذلك ما حدث لهذا الجيل من البشرية. تفتت نواته. وانطلقت كهاربه المجنونة تصطدم وتتحطم، وتدمر كل ما تصادفه في الطريق.
وهل يمكن أن تكون النواة في الكيان البشري غير العقيدة؟
النواة هي الطاقة الموجبة في بناء الذرة. وهي التي تمسك الكهارب المنطلقة أن ينحل عقدها، وتنفلت إلى غير رجوع. هي التي تمسك البناء كله وتشده بعضه إلى بعض. هي التي تحفظ التوازن وتسير النظام. هي المركز الذي يدور كل شيء حوله، ويظل أبداً منجذباً إليه في رباط خفي ولكنه وثيق.
وحين تتحطم الذرة يحدث الخراب. تنطلق القوى التي كانت خيرة منذ لحظة، لأنها كانت ـ وهي مشدودة إلى النواة ـ تمثل النشاط الدائب الذي يعمل للبناء. تنطلق هذه القوى بلا ضابط، فتصبح هي قوى الشر وعوامل التدمير!
وكذلك الإنسان بلا عقيدة!
كتلة هائمة من النشاط المجنون. نشاط مدمر لأنه فقد المركز الذي يدور حوله، وفقد كذلك الرباط الوثيق بين أجزائه.
أو .. ميوعة وانحلال. تفكك ورخاوة. تفاهة سالبة، كالكهرب السالب بلا نواة تشده إليها وتحركه إلى هدف معلوم.
فهل رأت البشرية في تاريخها الطويل من دواعي القلق والفزع ما تراه اليوم من الحرب الذرية؟
وهل رأت من الانحلال الخلقي والتفاهة المشردة ما تراه اليوم في المراقص والحانات، والغابات والطرقات، والصحف العارية والسينما المبتذلة و ((الفن)) الخليع؟
نعم. مر على البشرية مَن كان ذلك ألوان. ولكنها لم تبلغ قط في حدتها وضراوتها ما بلغته في هذا الجيل.
يقولون لك: هذه ضريبة العلم.
كذبوا: إنها نتيجة الضلال.
ليس العلم شريراً في ذاته. وليس من الضروري أن تكون ضريبته هي هذا الشر الضارب في الآفاق.
ولكنه هو هكذا المخلوق البشري حين ينحل رباطه ويختل توازنه. هو هكذا يصبح قطعة من الشر، وصنوا للشيطان.
وتذكر الإحصاءات أن ما ينفق في المواخير ونوادي الميسر ووسائل الهبوط المختلفة، من ساعات العمر ومن الأموال التي تمثل الكد البشري، هو مئات الملايين.
يقولونها للتسلية والتندر.
ليس هناك إحساس حقيقي بكرامة البشرية أن تهبط إلى هذا المستوى من التفاهة والانحلال.
ليس هناك استخسار حقيقي للطاقة البشرية الضائعة في لا شيء، المنحدرة إلى الهاوية.
ليس هناك تقدير حقيقي لتلك الخامة العجيبة التي صنع منها المخلوق البشري. الخامة القادرة على الرفعة بقدر ما هي قادرة على الهبوط.
ليس هناك معرفة حقيقية بهذا الجوهر الفذ الذي نفخ فيه الله من روحه وخلقه على صورته.
ليس هناك عقيدة.
هل معنى ذلك أن نغمض أعيننا عن كل ما أحرزته البشرية في العصر الحديث من تقدم؟ ونلغي من حسابنا كل ما يسره العلم من الخدمات؟
كلا! ما قصدنا إلى شيء من ذلك. وإنه لضرب من المستحيل.
وإنما نقصد فقط أن نراجع الوسائل والأهداف.
لأي معنى نعيش؟
هل كل همنا أن نبدد طاقتنا الحيوية في متاع الجسد، أو نتصارع كالوحوش على الغلبة والسلطان؟
أو لشيء أعلى من ذلك نعيش؟
نستمتع بمتعة الجسد، ونتطلع مع ذلك إلى أفاق أخرى، آفاق تربط بين البشر برباط الأخوة وتهدف إلى الجمال؟ الجمال في كل شيء. جمال التعبير، وجمال الشعور. لا في عالم الفن المحدود وحده ولكن في نطاق الحياة كله ... وهل أجمل شعوراً في النفس من الحب؟ وأجمل تعبيراً من الخير في الحياة؟
والوسيلة هي العقيدة ..
والمخلوق البشري ككل شيء في بنية هذا الكون الأعظم (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت).
نواة موجبة الطاقة وكهارب سالبة تستمد منها الحركة الدائبة والهدف المحدد الاتجاه.
هذا .. أو الفوضى الضاربة الأطناب.
والعقيدة هي الرباط الذي يربط كيان الإنسان ويوحد اتجاهه. هي العقدة الصلبة التي تمنع انحلاله. هي التي تنظم غدوه ورواحه. وتوازن بين دفعاته المتشعبة الأهداف.
ولا شيء يستطيع أن يغني في ذلك غناء العقيدة. لا العلم. ولا الدولة ولا التنظيم الاجتماعي. ولا تنظيم الاقتصاد.
كلها جزئيات تشمل أجزاء من الكيان البشري ولا تجمعه كله. والويل لها إن لم يكن بينها ترابط يجمع شتاتها ويوزان بين دفعاتها المتشعبة الأهداف. فعند ذلك تمزق المخلوق البشري بين الشد والجذب، وتفسد أعصابه، وتدفع به إلى الجنون.
الجنون الذي يسمونه الحرب. أو الجنون الذي يسمونه صراع الحياة.
أو في القليل جنون التكالب على المتاع الجسدي المسعور.
والعقيدة هي الرقية من هذا الجنون.
إنها ليست بديلاً من العلم. أو الدولة. أو التنظيم الاجتماعي. أو تنظيم الاقتصاد.
وإنما هي الرباط الذي يربط كل ذلك، ويوجهه إلى طريق الخير. هي النواة التي تمسك كيان الذرة وتنظم ما فيها من النشاط.
والنواة ـ وهي ثابتة راكزة ـ لا تعيق نشاط الكهارب ولا تمنعها من الانطلاق.
تمنعها فقط من الفوضى والتصادم. تمنعها من الانفلات بلا غاية ولا دليل. لأنها عندئذ تفقد معناها. تفقد وظيفتها الحقة، وتصبح أداة للهدام فوق أنها هي ذاتها تضيع.
والعقيدة لا تمنع الاستمتاع بالطيبات من الرزق ولا تحرم زينة الله التي أخرج لعباده. ولا تمنع كذلك تقدم العلم وتنظيم المجتمع.
وإنما تجعل لكل ذلك غاية. غاية غير الصراع المجنون والتدمير الرهيب. غاية هي الشعور الجميل والتعبير الجميل. غاية هي الحب وهي الخير.
والحب هو الله.
والخير هو الله.
والله جميل يحب الجمال.
ــــــــــــــــــــ(42/282)
كيف تؤثر أدوات التغيير في حياة الشاب؟
لا يتغيّر الطبع أو العادة أو القناعة تغييراً تلقائياً عفوياً ، إذ لا بدّ من وجود أدوات للتغيير ، أهمّها :
1 ـ العقل :
إنّ إعمال العقل في أيّة مسألة من المسائل الفكرية أو الحياتية أو في الطبيعة الانسانية ، جديرٌ بأن يُحدث تحولاً فيها خاصّة إذا كان العقل متجرداً ويبحث بصدق عن إجابات مقنعة لأسئلته واستيضاحاته .
(إطرح أسئلتك وابحث عن أجوبتها واشغل عقلك بالتفكير ، وستجد أنّ التغيير في الانتظار) .
2 ـ الحواسّ :
تلعب الحواس (خاصّة السمع والنظر) دوراً مهماً في إحداث التغيير . فالسحرةُ رأوا بأمّ أعينهم أنّ عصا موسى (عليه السلام) ليست عصاً سحرية ، وإنّما هي آية ربّانية ، أي أنّ ثمة تواصلاً بين العين وبين العقل جعلهم يتغيّرون وهكذا الحال مع (بلقيس) .
أمّا (بشر الحافي) فالسمع هو الذي غيّره ، فلقد استمع إلى كلمة حقّ فهزّته من الأعماق وغيّرت مجرى حياته كلّها .
(مرّن حواسّك على التقاط الرسائل والإشارات المهمّة ، فإنّها نوافذ العقل للتغيير) .
3 ـ التجربة :
الذين اعتنقوا الاسلام من خلال اختلاطهم بالمسلمين وتعرّفهم على الاسلام عن كثب ، والاقتناع بأفكاره وتعاليمه ومناهجه من خلال أتباع هذا الدين وعلمائه ، كانوا قد لمسوا بالتجربة صدق المسلمين وإخلاصهم وسعادتهم ونبل أخلاقهم وتكافلهم وحريّتهم الحقيقية .
(استفد من تجاربك .. وظِّفها جيِّداً .. فإنّها بوابات التغيير) .
4 ـ القدوة :
للقدوة الصالحة أثر بالغ ودور كبير في إحداث التحولات الجذرية ، لأنّ الأفكار المجرّدة لا تؤثر لوحدها ، فإذا رآها الناس متحركة في الواقع ومتجسدة في أشخاص ساعد ذلك وشجّع على الاقتناع والاتباع .
(اتّخذ قدوة صالحة في حياتك .. لأ نّها ستغيّر الكثير من طباعك وعاداتك وأفكارك بشكل إيجابي) .
5 ـ التأمّل :
دعا الاسلام وشدّد على التفكير والتدبّر والتأمّل كسبل مهمّة في إحداث التغيير في الفكر والسلوك والعواطف .
إنّ تأمّل مشهد القبور الدوارس ينقلك إلى عالم آخر .. يذكّرك أنّ حياتك ذات أمد محدود ، وأن هناك حياة أخرى خيراً وأبقى ، وأ نّك ستنتقل من دار عمل ولا حساب إلى دار حساب ولا عمل ، ولذا قيل : «كفى بالموت واعظا» ، لأ نّه يهذب الكثير من الطباع .
كما أنّ التأمّل في مصير الظالمين وكراهية الناس للظلم وللنتائج الوخيمة المترتبة عليه ، يجعلك تفرّ منه ولا تتعامل به ، وتقف بوجه الذين يظلمون والذين يساندون الظلم .
(تأمّل في أي شيء ، وفي أي مشهد ، وفي كلّ حادثة ، وكل زمان ومكان ، وسيأتي التغيير مع التأمّل والاستغراق الفكري) .
6 ـ الاعتزال المؤقت :
وهو ما يصطلح عليه إسلامياً بـ (الإعتكاف) .. فأنت في خضمّ الحياة اليومية المتلاطمة قد لا تستطيع أن تراجع نفسك وتحاسبها ، ولكنّك إذا خلوت إلى نفسك بعيداً عن الجلبة والضوضاء والضجيج ، فإنّ صفاء عقلك وهدوءك النفسيّ ، واستجماع انتباهك ، قد يهديك إلى تحسين أوضاعك وتغيير بعضها كلية ، وإعادة النظر في القسم الآخر .
(اعطِ لنفسكَ فرصة الاعتزال المؤقت عن الناس .. وابدأ خلال ذلك مراجعة حساباتك ومحاسبة نفسك) .
7 ـ المحاسبة :
يؤكّد الاسلام على محاسبة المسلم لنفسه لأ نّها ـ أي المحاسبة ـ تنقّي النفس مما علق بها من شوائب ورواسب ، حتى اعتبر المقصّر في ذلك أو المهمل له ليس من المسلمين «ليس منّا مَنْ لم يحاسب نفسه في اليوم والليلة» .
المحاسبة هي استعراض الأعمال ونقدها ، فإذا رأيتَ خيراً استزدت منه ، وإذا رأيت شرّاً أو سوءاً أو تقصيراً تعوّذت منه وصمّمت على تفاديه ومعالجته وعدم اقترابه مستقبلاً .. وهل التغيير غيرُ هذا ؟
(حاسب نفسك على النوايا والأعمال والأهداف ، حتى تغيّر منطلقك ومسارك وغايتك إن كنت قد انحرفت عن الطريق الصحيح) .
8 ـ التلقين الذاتي :
وقد سبقت الإشارة إليه ، وهو أن توحي إلى نفسك أنّ هذا العمل صالح ولا بدّ أن أقبل عليه وآخذ به وآمر به أيضاً ، وأنّ هذا العمل غير صالح فلا بدّ أن أجتنبه وأمتنع عن تعاطيه وامنع مَنْ يتعاطاه .
النفس تلميذ عنيد .. لكنّك إذا درّبتها على الصائب والسليم وما هو حق وصدق مالت إليه واعتادته ، أي أن زمامها بيدك .
(أوحِ إلى ذاتك .. لقّنها .. أرسل إليها إشارات وإيعازات فعل الخير .. وادفع بإرادتك لتتعاون معها في تنفيذ ما تريد) .
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/283)
سبعة طرق لطرد حالة الشرود الذهني وضعف التركيز
وهذه الحالة أو الطبع يبتلى به العديد من الشبان والفتيات أيضاً ، خاصة أولئك الذين يستغرقون في أحلام اليقظة كثيراً ، ولو تركت هذه الحالة وشأنها لاستحالت إلى عادة ولأثّرت بشكل سلبي على تفكير الشاب واستيعابه لا سيما وأنّ التركيز مطلوب في مراحل التعلّم المختلفة .
ومرّة أخرى نقول لك : إنّ الخروج من هذه الأزمة أو المشكلة أمر ممكن إذا راعينا عدداً من الأمور :
أ . جرِّب أن تركّز على شيء معيّن لفترة طويلة نسبياً ، علّق نظراتك على لوحة فنّية معلّقة على الجدار .. ادرس كلّ دقائقها في اللون والظلال والحركات واللفتات حتى لا تغادر شيئاً منها .. ثمّ اغمض عينيك وراجع اللوحة في ذهنك .. اُنظر كم التقطت منها وكم فاتك ، وأعد المحاولة ، فإن هذا التمرين سيغرس فيك حالة التركيز .
ب . طريقك المعتاد الذي تمشيه أو تقطعه من البيت إلى المدرسة وبالعكس ، حاول أن تستذكره بقعة بقعة ومعلماً معلماً ، فهذا التمرين سينمّي لديك أيضاً حالة الانتباه والاستذكار ، ذلك أنّ التركيز وشدّ الانتباه يشبه إلى حدّ كبير أيّة قوّة عضلية أو عقلية تنمو بالمراس والمداومة ، وحتى تنشط ذاكرتك درِّبها ومرِّنها دائماً في التقاط المعلومات ومراجعتها لأ نّك إذا أهملت ذلك أصيبت الذاكرة بالضمور .
ج . لا تنتقل من فكرة إلى فكرة بسرعة .. أطل الوقوف عند فكرة معيّنة .. استغرق فيها ، كما لو كنت تتأمّل مشهداً أمامك .. فهذا يساعدك على التركيز وتثبيت الانتباه وجمعه .
د . تتبّع موضوعاً ما ، أو حدثاً ما خطوة خطوة ، منذ ولادته وحتى ختامه ، تابع أخبار زلزال وقع في منطقة معيّنة ، أو حريق شبّ في إحدى الغابات ، أو عدوان عسكري على مدينة أو دولة ، فالمتابعة وملاحقة التطورات والتفاصيل تثري في عملية التركيز .
هـ . احتفظ بدفتر مذكرات صغير (أجندة) .. دوّن فيها ما تريد القيام به من نشاط ، أي قائمة بأعمال النهار ومسؤولياتك .. أو اكتب على ورقة أو قصاصة ما تنوي عمله قبل أن تخرج من البيت ، وراجعها باستمرار ، وأشِّر على ما تمّ إنجازه .
و . قوّ حافظتك في حفظ القرآن والأحاديث الشريفة والحكم وأبيات الشعر الجميلة ، والنكات الظريفة ، والقصص المعبّرة ، فإنّ الذاكرة إذا قويت في جانب فإنّها يمكن أن تقوى في جانب آخر .
ز . وجِّه اهتمامك بما يقوله محدّثك لا بما يلبسه أو بما تحمله من ذكريات الماضي عنه .. واحصر ما يقوله في نقاط .. ويمكنك أن تعمد إلى كتابة ملخص بما يقول حتى تتمكّن من الردّ على كل النقاط أو أهم ما ورد في حديثه .
هذه وغيرها أساليب عملية التقطناها لك عن ممارسة وتجربة حياتية أثبتت جدواها .. جرِّبها فلعلّها تطرد عنك حالة الشرود الذهني وضعف التركيز .
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/284)
الشباب والثقافة والإنتماء الفكري
مما يميز إنسانية الإنسان أنه كائن عاقل مفكر يُنمّي فكره ومعارفه عن طريق التفكير والتجارب والتعلم من الآخرين، وإن من الغرائز الأساسية التي يشترك فيها الإنسان والحيوان هي غيرة التجمع، أو غريزة القطيع.
فالحيوان والطير والأسماك تتجمع في شكل جماعات ومجموعات في المراعي والسير والاستراحة والهجرة والبحث عن الطعام والشراب وقد عبر المثل العربي عن ذلك بقوله: (الطيور على أشكالها تقع) فنجد قطيع الغزلان، وتجمعات العصافير والحمام والغربان والأسماك المتماثلة، كما يتجمع الناس في المجالس والنوادي ومواقع الاجتماعات المتعددة.
ومن الواضح أن الطفل ينشأ في بيئة محددة الثقافة، والحضارة، والإنتماء الفكري والثقافي، فتساهم تلك البيئة النفسية والثقافية في تكوين شخصيته، ونمط حياته، فمنها يكتسب، وبها يتأثر.
والقرآن الكريم يرفض طريقة التبعية غير الواعية، ويهاجمها بشدة ويطالب بالوعي والتأمل، وتوظف العقل في محاكمات القضايا وتمحيصها، واختيار الطريق الأسلم، وتحديد الانتماء الفكري والسياسي الانتخابي على وعي وبصيرة. قال تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصير أنا ومَن ابتعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) يوسف/ 108.
ولقد استنكر القرآن طريقة الإنتماء البيئي غير الواعي أو تقليد الآباء والأجداد من غير فهم ولا تمحيص ولا تمييز بين الخطأ والصواب في العديد من آياته، منها قوله تعالى: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أوَلو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون) المائدة/ 104.
ويحدثنا القرآن الكريم عن معاناة الأنبياء والرسل من تبعية الإنتماء البيئي والتحجر الفكري، والوقوف على الموروث الثقافي المتردي لدى شعوبهم وأممهم، لذلك وجدناهُ يشخص تلك الظاهرة المعيقة في طريقة التفكير والإنتماء الفكري والسياسي، ويحذر منها، كما في قوله تعالى:
(وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على أثارهم مقتدون) الزخرف/ 23.
وحذر الرسول (ص) من تبعية الإمّعة الذي لا يحدد موقفه وانتماءه عن فهم ووعي وقناعة علمية سليمة، بل يعيش مقلداً تابعاً للآخرين، أو لظروف البيئة التي ولد فيها. فلا يكلف نفسه بمناقشة أو تمحيص ما وجد نفسه جزءاً منه، من فكر وعقيدة وسلوك وأعراف، ليتمسك بالصواب، ويرفض ما أخطأ السابقون بحمله، لتتم الغربلة والتنقيح عبر مسيرة الأجيال، وليتم التخلص من تراكمات الرواسب والأخطاء والممارسات غير السوية.
إنا نجد تحذير الرسول (ص) دقيقاً من خلال قوله (ص): ((لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا)).
إن من القضايا المتأصلة في أعماق الإنسان هي طبيعته الاجتماعية ـ كما أوضحنا ـ وانتماؤه الشعوري واللاشعوري إلى الجماعة، كالإنتماء إلى عنوان الأسرة والعشيرة، وإلى المدينة والإقليم والقومية والوطنية، وإلى الأمة والجماعة على أساس الدين والمذهب، وإلى الجمعية والمنظمة والحزب والطبقة المهنية والاجتماعية والنادي، بل والفريق الرياضي وغيرها من أُطر الانتماء أو التجمع والانحياز، وربما التعصب إليها.
وحالات الانتماء الجماعي، والتكتل ضمن إطار تجمع معين، كلها تنطلق من غريزة حب الاجتماع، أو ما يسميها علماء النفس بغريزة (القطيع) وشعور الفرد بجزئيته من تلك الجماعة والحاجة إليها، فيرى في الجماعة تعبيراً عن (الأنا) الجماعية عن الآخرين.
وتقوم اللغة بدور المعبر عن الحالة تلك. كما يشعر بالقوة والتخلص من الشعور بالضعف والوحدة من خلال الانتماء إلى الجماعة.
ومن الطبيعي أن الجيل الجديد يشهد تحولات اجتماعية، وأوضاعاً فكرية وسياسية جديدة، فالحياة حركة وتحول متواصل، ويختلف حجم وعمق تلك التحولات حسب ظروف المجتمع وأوضاعه، فجيل الشباب الذي عاصر الدعوة الإسلامية ومرحلة النبوة، مثلاً، كان قد واجه تحولاً فكرياً وحضارياً عظيماً في السعة والعمق والشمول.
فكان هو جيل الرسالة، وكان أنصار الإسلام هم من جيل الشباب والناشئين، في حين وقف الجيل القديم متعجرفاً عصياً على التفاعلات والتحولات الفكرية والاجتماعية الجديدة التي حملتها الرسالة الإسلامية.
وهكذا تشهد الإحصاءات أن جيل الشباب في عصرنا الحاضر هم حملة الإسلام، لا سيما في الجامعات والمعاهد والمدارس، ذكوراً وإناثاً.
فالشباب في البلدان الإسلامية مثلاً يمثلون طليعة التغيير والطموح، ويشغل اهتمامهم أوضاع المستقبل، ويتركز لديهم النزوع للتغيير، والثورة على الواقع غير المرضي، فهم في هذه المرحلة أكثر شعوراً بالتحديات، وإحساساً بالقوة التي تدفعهم لرد التحدي الدكتاتوري والظلم الاجتماعي.
للجمعيات والمنظمات والنوادي أثر بالغ في تربية الشباب، وتوجيه التفكير وتكوين نمط الشخصية في هذه المرحلة، لا سيما تلك التي تملك برامج ونظريات وثقافة مخصوصة تتبناها لتثقيف عناصرها.
وجيل الشباب المسلم، كما هو مهيأ لتقبل الفكر الإسلامي، والانتماء إليه بقوة وحيوية وإخلاص متناه، فإنه عرضة للانتماء إلى التيارات الفكرية والسياسية المنحرفة، وقد استحوذ الفكر الماركسي والغربي الرأسمالي على مساحة واسعة من جيل الشباب.
وتشهد المرحلة الحاضرة تحولات هائلة في عالمنا الإسلامي، تحولات الصراع الفكري والسياسي والاجتماعي في وقت يشهد فيه العالم تحولاً تقنياً وعلمياً هائلاً.
فالحضارة الماركسية انهار ودرست معالمها بعد أن استطاع في مرحلة بريقها بعد الحرب العالمية الثانية أن تجتذب تياراً واسعاً من جيل الشباب استهلك في الصراع، كما استهلك الذي تلاه حتى توارت الماركسية في متاحف التأريخ.
وكانت الحضارة الغربية قد غزت العالم الإسلامي بشكل تيار كاسح بعد الحرب العالمية الأولى، فوجدت فراغاً فكرياً هائلاً لدى جيل الشباب، فانبهر بها ذلك الجيل للفراغ، ولما صاحبها من تقدم علمي وتقني، وإعداد عسكري هائل، ولما يعيش فيه المسلمون من قلق ثقافي واقتصادي وعلمي على كل المستويات.
وكانت المشكلة الكبرى في هذا الإنتماء غير الواعي أنه كان منطلقاً من فهم خاطئ، منطلقاً من أن الإسلام هو سبب تأخر المسلمين، وأن التقدم العلمي والتقني والتطور يتطلب استبدال الإسلام كمنهج ونظام حياة بالحضارة الغربية.
وهكذا نجحت موجة الغزو الفكري لجيل الشباب المسلم، وكسبت مساحات واسعة من أبناء المسلمين، فانضموا إلى تلك التيارات، وآمنوا بها، ظناً منهم أنها الطريق إلى حل مشاكل التخلف العلمي والاقتصادي والاجتماعي، وتحقيق الحرية، والقضاء على الأنظمة الإرهابية التي كانت تحكم العالم الإسلامي، بتوظيف من قادة الحضارة الأوربية التي أوهم دعاتها المسلمين بأنها طريق الخلاص.
وكانت المدارس والجامعات والأحزاب السياسية العلمانية والأجهزة الإعلامية من سينما وتلفزيون وصحافة وكتب القصص والمسرحيات والشعر والأدب، وغيرها من وسائل النشر، هي الوسائل والأدوات لاحتواء جيل الشباب، واجتذابه إلى الحضارة الغربية المادية التي استخدمت الجنس والإثارة الجنسية، والتستر بالدعوة إلى الحرية، وحقوق المرأة تارة، والتقدم العلمي والتطور الثقافي تارة أخرى، مستغلين الظروف السيئة التي يعاني منها المسلمون، وفي طليعتهم جيل الشباب.
لم يع جيل الشباب ما انطوى عليه الموقف من خطط سرية، وأهداف عدوانية للقضاء على الإسلام، والإبقاء على تخلفا لمسلمين وغزوهم فكرياً وحضارياً، غير أن عوامل الوعي، ونشاط العاملين للإسلام، وانكشاف زيف الحضارة الغربية لأجيال المسلمين، أوجد حالة واسعة وعميقة من مراجعة الذات، والتأمل في الاندفاع نحو الفكر الغربي.
فقد اكتشفت جيل الشباب أن سبب مأساة الإنسانية، هو الحضارة المادية، والنظام الرأسمالي الإمبريالي، وأن الإنسان ضحية هذه الحضارة. فهي التي تمارس الإرهاب وقتل الشعوب ونهب خيراتها، واسناد الدكتاتورية.
إن كل ذلك أوجد تياراً واسعاً وعميقاً في جيل الشباب، عمق وصحح مفهوم الإنتماء إلى الإسلام، وخلق روح التحدي والمواجهة والثورة على الفكر الغربي.
وتمثل الوعي في تشخيص أسباب التخلف والإنتماء الفكري والسياسي الكامل للإسلام.
وتشكل الثقافة ركناً أساسياً من أركان شخصية الإنسان، وهي إحدى معالم هويته الشخصية، والعناصر المميزة له عن غيره. فنوع الثقافة وحجمها يطبع الشخصية بطابع معين. والثقافة هي غير العلوم المادية التجريبية والمهارات التي يكتسبها الفرد، وإن كانت تنمي ثقافته، وبشكل تقريبي، نستطيع القول أن العلوم الإنسانية والأفكار والنظريات والآراء التي تتعلق ببناء شخصيته، من حيث نظرة الإنسان إلى الوجود والحياة وخطر تفكيره وسلوكه، هي التي نطلق عليها الثقافة، كالثقافة السياسية والأدبية والتأريخية والعيدية والفلسفية والاجتماعية وأمثالها. ويتأثر بناء المجتمع والدولة والحضارة بلون الثقافة والفكر السائد في المجتمع. فرؤية الفرد وفهمه للحرية ولحقوق الإنسان، وللإيمان بالله، ولمسؤوليته تجاه نفسه ومجتمعه ولفهمه للحياة السياسية وأمثالها، هي إحدى المفردات الفكرية والثقافية التي ينبغي أن تكوّن حولها أفكار وآراء ثقافية وحضارية.
والمصادر الأساسية للثقافة الإنسانية هي الرسالة الإلهية، والفلاسفة والكتاب والمفكرون والأدباء والفنانون والمؤسسات الثقافية والإعلامية.
وفي المجتمع الواحد تتصارع عدة أفكار ونظريات وثقافات، يصل التناقض بينها أحياناً إلى حد الإلغاء. وكثيراً ما تجري التحولات الفكرية والثقافية في المجتمع بشكل حادّ ومتسارع، في حياة جيل أو جيلين، وفي كل الأحوال يكون جيل الشباب، هو الجيل الذي يعيش في دائرة الصراع، ويواجه الأزمات الفكرية، ويشهد التحولات الثقافية والحضارية.
ولابد للشاب من أن تكون لديه شخصية ثقافية وهوية حضارية واضحة المعالم. وهوية الشاب المسلم الثقافية هي الهوية الإسلامية، ولا يعني ذلك أن كل حصيلته الثقافية هي مجموعة من المعلومات الدينية التي تتعلق بالعقيدة أو السيرة أو الأحكام الفقهية، وإن كان الاهتمام بتلك المعارف مسألة أساسية في ثقافة الشاب المسلم. إنما نعني بالثقافة الإسلامية، هي وعي الحياة والمعرفة والسلوك والكون والطبيعة من خلال المنهج الإسلامي.
فالمثقف المسلم يتعامل مع مفهوم الحرية ومع السياسة والدولة، والجنس، والعلاقة مع الله والرسالة والمال والثروة والذات والفكر .. الخ من خلال الفهم والمنهج الإسلامي. وذلك يقتضي تكوين قاعدة فكرية، ورؤية إسلامية ينطلق منها، ويؤسس عليها.
فالشاب المسلم إذن بحاجة إلى فهم العقيدة الإسلامية وأصول الأحكام الشرعية، والسيرة النبوية، والتفقه في الدين، ومعرفة القرآن والسنة المطهرة، وأن يبدأ بتكوين ثقافته من خلال الكتّاب والمفكرين الإسلاميين، الذين يتمتعون بالأصالة والعمق في الفكر، والمنهج العصري في البحث والأسلوب، ليمتلك الأسس والقواعد الإسلامية في فهم القضايا، ويكون قادراً على التمييز بين ما هو إسلامي، وما هو غير إسلامي.
وكم كان الشاب ضحية الأزمات والصراعات الفكرية التي يعج بها المجتمع البشري، لا سيما في عصرنا الحاضر، عصر نقل المعلومات بواسطة الانترنيت، والتلفزيون العالمي، والإذاعة، والصحافة، والسينما، والكتاب، فلم يعد هناك حاجز يحجز بين الثقافات، لذا فإن التفاعل بين الثقافات مسألة يفرضها الأمر الواقع، وينبغي أن نميز بين الاستفادة من ثقافات الأمم، وفق المنهج الإسلامي الملتزم، وبين الذوبان وفقدان الهوية الثقافية، فيلجأ الفرد المسلم إلى التقليد الأعمى، والانبهار بما يطرح عليه من الثقافات الأجنبية، لا سيما الثقافة الغربية.
وثمة مسألة حيوية، وهي مسؤولية الكُتّاب والمفكرين الإسلاميين في عرض الثقافة الإسلامية عرضاً حياً متطوراً ضمن منهج الالتزام الفكري. فإن التحجر، وفرض صيغ متخلفة على الفكر الإسلامي تسيء إلى الإسلام، وتبعد جيل الشباب عن الفكر الإسلامي.
إن ما ينبغي العمل عليه، هو تناول مشكلات الإنسان الفكرية المعاصرة، كمشكلة الحرية والسلطة وحقوق الإنسان والجنس والسلوك والإيمان وعلاقة العلم بالحياة، وغيرها من المفردات وبحثها بحثاً علمياً، كما أراد المنهج القرآني ذلك، وبروح العصر ولغته.
كما ينبغي تقديم رؤية نقدية للأفكار والنظريات المعادية للإسلام، وحل الإشكالات التي يثيرها خصوم الفكر الإسلامي بروح علمية، ليتسلح الشباب المسلم بالوعي الثقافي، فيمتلكوا الأسس والقواعد الثقافية الإسلامية، ويكونوا على درجة كافية من فهم نقاط الضعف في الفكر الآخر، كما يكونون قادرين على رد الإشكالات والطعون الموجهة للفكر الإسلامي.
وفي كل الأحوال فإن تكوين الثقافة الذاتية، هي من مسؤولية الشاب المسلم، وعليه أن يخصص وقتاً من يومه، لتحصيل الثقافة والفكر الإسلاميين، ويتابع البرامج الثقافية الإسلامية التي تنشر في الصحف والمجلات والكتب والإذاعات وتتحمل المؤسسات الإسلامية المسؤولية الكبرى في تثقيف الشباب، فهي المعنية بإعداد الدورات والمحاضرات والمؤتمرات الثقافية الإسلامية وإصدار النشرات والدوريات وسلاسل الكتب المتخصصة بالفكر الإسلامي، ومتابعة التطورات الفكرية والأزمات الثقافية.
-------------------------------------
* المصدر: البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/285)
النوم الكافي يُحسِّنُ الطول والتحصيل الدراسي
* د. مفيد عبدالله
عادةٌ بدأت تأخذ طريقها إلى كثير من الشباب والصبايا، وذلك بتأخير النوم والسهر إلى ما بعد منتصف الليل. الأمر الذي يقلل من كفاءتهم البدنية والذهنية في اليوم التالي. ويرافق ذلك صعوبة في الاستيقاظ من النوم صباحا، والنوم على مقاعد الدراسة، والشعور بالتعب، وعدم التركيز، والمزاج العكر أو الإحساس بالكآبة.
ومن علامات النوم غير الكافي: النوم في النهار عندما يهدأ المحيط من حولك، مثل الحالة التي يكون فيها شرح المُدرّسةِ روتينيا وعلى وتيرة واحدة، أو أثناء قيادة السيارة في الطرق الخارجية.
النوم ليس مضيعة للوقت
وجد علميا أن أكثر الطلاب والطالبات يحتاجون لحوالي 9 ساعات من النوم؛ لتجنّب الوقوع في النوم في الفصل في اليوم التالي. كما أثبتت الدراسات العلمية أن للنوم المبكر والعميق والكافي تأثيرا مهما على نوعية التحصيل العلمي الدراسي، فقد حصل معظم الذين تمتعوا بنوم صحي عميق مدة 9 ساعات تقريبا في الليل على تقييم أ أو ب. أما "السهارى" فقد حصلوا على تقييم من نوع ج أو د. كما أثبتت الدراسات أن 20% من الطلاب والطالبات الذين يحرمون أنفسهم من النوم الكافي في الليل ينامون خلال الدرس.
إن هرمون "ميلاتونين" يساعد على النوم، وأكثر ما يفرز في الليل، وقد يؤدي الاضطراب في النوم الفسيولوجي الكامل إلى الإخلال في إفراز هرمون ميلاتونين فيفرز في النهار مما يؤدي إلى النوم أثناء الدرس.
وهناك حقيقة.. أنّ النوم الكافي يزيد من حصولك على التفوق العلمي، ففي فترة النوم يتباطأ عمل أعضاء الجسم المختلفة، وهو ما يسمى بـ "بطء التأيض"؛ فيهدأ القلب ويقل النبض، ويهدأ التنفس، بعد حياة يومية صاخبة؛ مما يوفر نشاطا كافيا لنهار اليوم التالي.
النوم وهرمون النمو
ووجد أن النوم الكافي المبكر يزيد من إفراز هرمون النمو، وهذا مهم لليافعين والأطفال؛ لأنه يحسن من طولهم وبنيتهم الجسدية ووظائف أعضائهم. ويبدو أن تأخير النوم يربك إفراز هرمون النمو في الليل، بل الغالب أنه يربك جميع الهرمونات والإنزيمات التي تفرز في الليل عادة خلال النوم. ولذلك خلق الله النوم؛ حتى يتفرغ الجسم لترميم ما تلف من خلايا، ويستكمل ما نقص من إنزيمات وهرمونات، وتوفير ما يلزم من الموصلات العصبية ومفردات جهاز المناعة لليوم التالي، فإن لم يستطع الجسم أن يقوم بهذه المهام بسبب يقظة الحواس الخمس، أو كانت استطاعة الجسم مضطربة؛ اضطرب النشاط البدني والذهني في اليوم التالي. إذ يساعد النوم الكافي والعميق والمبكر أنسجةَ الجسم على النمو بشكل صحيح، ويساعد في تكوين خلايا الدمّ الحمراء التي تحمل الأوكسجين إلى الدماغ، وتنبه نمو العظام ويزداد الطول.
للنوم الهادئ
ابتعد عن المنبهات، مثل القهوة والشاي والمشروبات الغازية وأي أطعمة أو أشربة صناعية تحتوي على مادة منبه مثل الكافيين بعد الساعة الرابعة مساءً.
ابتعد عن مشاهدة التلفزيون، خاصة تلك المشاهد العنيفة أو المخيفة أو المحركة للغرائز، أو المسلسلات اليومية؛ لأن البديل شهادات ودرجات عالية..
خذي غفوة في وسط النهار أو بعد انتهاء حصص الدراسة مدة لا تزيد على 30 دقيقة. لتكن الغفوة وأنت جالس على كرسي أو ما يشبه ذلك؛ لأنك لا تستطيع التحكم في مدة النوم إن أنت دخلت في الفراش. وهذا يمنعك من النوم المبكر.
قم بعمل جميع الواجبات الدراسية قبل حلول الليل؛ حتى لا تضطر للسهر فيؤدي ذلك إلى خلل في نظام النوم.
لا تستخدم الكمبيوتر قبل النوم؛ لأن ذلك من شأنه أن يعمل على تنبيه الدماغ فيؤدي إلى الإخلال بمواعيد النوم الصحيحة.
أغلق الهاتف أو الجوال بعد أن تخبر جميع اصدقائك وأقاربك أنك لا ترد على الاتصال بعد صلاة العشاء بساعة مثلا. وبذا تنعم بنوم ممتع مريح.
لا بأس بتمرين بسيط مساء، ولكن ليس قرب وقت النوم.
ليكن برنامجك في النوم منظما، وليكن النوم والاستيقاظ في نفس الوقت يوميا. مثل أن يكون النوم بعد صلاة العشاء بساعة مثلا، والاستيقاظ على أذان الفجر.
ليكن استيقاظك قبل طلوع الشمس حتى ينتظم إفراز الميلاتونين؛ لأن وقوع ضوء الشمس في العين يمنع إفراز الميلاتونين ثم يفرز في المساء في أول الليل، وهي مدة يحتاجها الهرمون للإفراز.
لتكن الأصوات والأنوار في غرفة النوم خافتة حتى تهدأ الأعصاب وتسترخي العضلات.
اقرأ الأدعية الواردة قبل النوم. وقد تحتاج إلى تَذكُّر واسترجاع دروس اليوم قبل النوم.. وهذا سلوك الأذكياء!
لا تفقد نظام نومك حتى في نهاية الأسبوع، واستيقظ مبكرا وابدء نشاطك اليومي بما هو أحلى وأفضل من النوم.
الأبوان قدوة
إن الأبوين هما القدوة، وهما المسؤولان عمن أنجباه. ويجب عليهما أن يوفرا لأولادهما الشروط المطلوبة للنجاح في الدنيا والآخرة. عليهما أن يضحيا ببعض ما يعتقدان أنه من حقهما، وعلى الأولاد السمع والطاعة. إن الأسرة الناجحة هي التي يكون جميع أفرادها في مهمة واحدة في الفترة الواحدة؛ أي لا يحق للأبوين أن يسهرا وتعلو أصوات أدوات لهوهما في الوقت الذي فيه على أولادهما أن يخلدا للراحة والنوم استعدادا لواجبات اليوم التالي!
الدراسة في الصباح أفضل من الدراسة في الليل
في الليل تستيقظ الخواطر والغرائز والخيالات التي تمنع من التركيز في القراءة والحفظ أو الفهم، حيث تمزج الكلمة المدرسية بالصور الجميلة والتخيلات الملونة، الأمر الذي يصعب معه تذكره وفصله لاحقا؛ وذلك لعدم تصنيفه وتخزينه في الدماغ. أما الدراسة في الصباح بعد صلاة الصبح فإنها تعادل أضعاف دراسة الليل؛ لأن الجسم يبدأ النهار بالجد والتحفز، ويكون الجهاز العصبي ـ بما فيه الدماغ ـ جاهزا نشيطا، وذلك بسبب إفراز الهرمونات والإنزيمات اللازمة لعمل النهار التالي، كما تخلو هذه الفترة من التخيل والتحليق.
ــــــــــــــــــــ(42/286)
المبادئ الأخلاقية في عصر التكنولوجيا .. مسؤولية مَن؟
* عبدالله أحمد اليوسف
إن التكنولوجيا بطبيعتها ((متعادلة القيمة)) والأشياء بذاتها لا تحمل قدرا من الخير أو الشر، وإنما البشر هم الذين ينفثون فيها الحياة باستخدامهم إياها ويضفون عليها خصائص معنوية وأخلاقية.
هل هناك تكنولوجيا تحمل طبيعة شريرة متأصلة فيها؟ إن ذلك وجهة نظر كل واحد منا. فعلى مر العصور كان البعض ينظر إلى تكنولوجيا ما على أنها مفيدة بينما يراها البعض الآخر مصدراً للضرر والأذى.
وعندما تستشري الأوبئة الاجتماعية، هل نوجه اللوم إلى التليفزيون أم إلى المجتمع الذي يسمح بتصوير العنف من خلاله؟ وهل نحن على استعداد للتضحية بالقيم الأخلاقية الأساسية لدينا، وبأمن وسلامة مجتمعنا على مذبح الحرية الشخصية؟ وهل للأفراد الحق في تصوير أفعال خادشة للحياء والأخلاق دون اعتبار لتأثيرها الواسع النطاق في المجتمع؟ إن كل هذه القضايا والتساؤلات يثيرها التيفزيون والصيغ الأخرى للتكنولوجيا الإعلامية، وهي على أي حال ليست وليدة التكنولوجيا.
ولسوف تجبر تكنولوجيات الإنفوميديا، وألعاب الفيديو، وكومبيوترات الوسائط المتعددة، مجتمعنا على التصدي لتلك القضايا. ففي الماضي، كان الناس يشاهدون العنف عبر التليفزيون، أما الآن فقد أصبح بإمكانهم أن يشاركوا في هذا العنف عبر ألعاب الفيديو والكومبيوترات المنزلية. إنه لأمر سيئ أن يمطرنا التلفيزيون بوابل من العنف، ولكن ما لا يقل سوءاً أن نشارك نحن في هذا العنف، حتى ولو بصيغة تخيلية. إن ما يمكن أن نطلق عليه عنف المشاركة لهو أمر يثير الرعب حقاً. إن ألعاب وبرامج الجنس والعنف قد تصل في تأثيرها على الناس إلى أبعاد قد لا نستوعبها الآن.
ثمة موضوع واحد لا يرقى إليه الشك وهو أن إلقاء التبعة على التكنولوجيا ليس هو الحل. فلننظر إلى ذواتنا ومجتمعنا، ونتأمل معاييرنا وقيمنا. وفي الوقت نفسه علينا أن نأخذ حذرنا في مواجهة أولئك الذين ينادون بوقف التقدم التكنولوجي باسم المحافظة على الأخلاق. إن تركيزنا يجب أن ينصب على كيفية استخدام الأدوات والوسائل التكنولوجية، ويجب ألا ينصب تفكيرنا على الأدوات والوسائل، بل على كيفية استخدامها.
وفي وقت أصبح تطور التكنولوجيا يسير بوتيرة متصاعدة وأكثر من سريعة، وبالرغم من أن التكنولوجيا ليست بذاهاه خيراً أو شراً، وإنما هي وسيلة وأداة يمكن توظيفها في الخير أو الشر، وبالرغم من كل ما تحمله ثورة التكنولوجيا من فرص وآفاق جديدة تخدم المعرفة والعلم والإنسان والحضارة إلا أنه يجب القول أيضاً أنها تفرض في الوقت نفسه على المجتمع الإنساني تحديات جديدة تمثل خطراً حقيقياً على المبادئ الأخلاقية والقيم الدينية والإنسانية.
والمبادئ الأخلاقية التي من أهم مفرداتها: الصدق، والإخلاص، والمسؤولية، والحياء، والمروءة، والشرف، والكرامة، والاحترام، والعزة، والإرادة.. هذه المفردات وغيرها من المبادئ والقيم الأخلاقية تواجه تدميراً حقيقياً في عصر لم يعد فيه الحياء مطلوباً، ولا إقامة علاقات غير شرعية ممنوعاً. وفي وقت أصبح فيه التليفزيون والكومبيوتر والإنترنت تبث إلى منازلنا أفلاماً خليعة، وصوراً خادشة للحياء والمروءة، فإن كل ذلك ليبعث على القلق والخوف الشديد.
ولمواجهة تلك المخاطر والتحديات يجب الاهتمام المضاعف بالتربية الدينية للشباب والمراهقين والأطفال، لأن التربية الدينية تنمي في أعماق الإنسان الوازع الديني، والوازع الديني خير ضمان لكي يمنع الإنسان نفسه بنفسه من مشاهدة أو استماع كل ما يحرمه الإسلام. كما يجب على الآباء مراقبة سلوك أبنائهم، وإشغالهم بالمزيد من الأعمال المفيدة والنافعة.
ومن الأهمية بمكان توظيف التكنولوجيا الفائقة في نشر الدين والخلق والعلم والثقافة والقيم والمثل الإنسانية العليا .. فهذا من أفضل الوسائل في توظيف التكنولوجيا فيما يخدم ثقافتنا وديننا ومجتمعنا. أضف إلى ذلك أنه يوفر بديلاً مفيداً عن الأفلام والمواقع الإباحية الموجودة على شبكة الإنترنت وكذلك على القنوات التليفزيونية الفضائية.
ولأن التكنولوجيا الحديثة، وخصوصاً تكنولوجيا الإعلام والاتصال، في تقدم مستمر، ولأنه لا يمكن لأحد أن يقاوم هذه الثورة التكنولوجية وما تقدمه للبشرية من خير أو شر، فليعمل جميع الشباب المسلم، ولتتضافر كل الجهود والإمكانات والقدرات .. للاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة في خدمة الدين والأخلاق بدلاً من ن نستسلم للواقع الذي تريد العولمة أن تفرضه على جميع الشعوب والأمم، ولنقدم رسالة الإسلام إلى جميع شعوب الأرض. وبناء على ذلك فإن كل شاب ومثقف وعالم دين وكاتب وخطيب .. يتحمل مسؤولية خاصة في عصر التكنولوجيا في الدعوة إلى الله ونشر الدين. وإذا كان في الماضي انتشر الإسلام من خلال التجارة والغزوات والهجرة والدعوة بالحسنى، فليكن اليوم نشر الإسلام من خلال القنوات التليفزيونية، وبرامج الكومبيوتر، وشبكة الإنترنت العالمية. بالإضافة إلى الوسائل الموروثة في مجال الدعوة إلى عقيدة التوحيد، وترويج شعائر الدين، وتعميق الارتباط بالقيم والمثل والأخلاق.
ــــــــــــــــــــ(42/287)
الشباب والبناء الروحي .. وقاية في مغريات المادة
عبدالله أحمد اليوسف
الإنسان كائن عجيب من حيث الخلقة والقدرة، فقد خلقه الله عزوجل مزدوج الطبيعة، فيه عنصر مادي طيني، وعنصر روحي سماوي، يقول الله تعالى: (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) ونتيجة لتركيبة الإنسان الممزوجة من عنصري الطين والروح، فإن عنصر الطين يشده إلى الأرض، وما ترمز إليه من شهوات وملذات وغرائز، وهو بحاجة إلى إشباع غرائزه وشهواته من مأكل ومشرب وملس ومسكن ومنكح .. في حين أن عنصر الروح يدفعه نحو إشباع ميوله ورغباته الروحية والمعنوية، كما يدفعه كذلك إلى الرقي في مدارج السمو الروحي، والتحليق في سماء المثل والقيم.
وقد زود الإنسان بالغرائز المادية التي تدفعه وتحثه على القيام بعمارة الأرض، وتكثير الجنس البشري، وإدارة الحياة. ولولا هذه الغرائز لانعدم التقدم والتطور والتحضر، ولا نقرض الجنس البشري منذ قديم الزمان كما انقرضت الديناصورات منذ ملايين السنين. كما زود الإنسان بالميول والرغبات والغرائز الروحية والمعنوية كي يقوم بعبادة الله عزوجل (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ولولا ذلك لما عبد الإنسان الله عزوجل، ولما شعر بالحاجة إليه، ولما تذوق لذة محبته.
ومن الضروري خلق التوازن بين الجسم والروح، كي لا يطغى جانب على حساب آخر، إذ لو طغى الجانب المادي (الطيني) في الإنسان على الجانب الروحي فإن ذلك يهبط به إلى مستوى البهائم أو أضل سبيلاً. ولو طغى الجانب الروحي على الجانب المادي فإن ذلك سيؤدي به إلى الرهبنة والتصوف والانعزال عن الحياة، ومن ثم ترك القيام بمسؤولية عمارة الأرض، وبناء الحضارة وإدارة الحياة، وبالخصوص لجيل الشباب. فلا تطغى قبضة الطين على نفخة الروح، ولا نفخة الروح على قبضة الطين، فالله عزوجل خلق الإنسان مزيجاً منهماً، ويريد منه أن يعيش كذلك!
والشباب حيث القوة والعنفوان والشعور بالعجب والاقتدار أحوج ما يكونون للتوازن الدقيق بين متطلبات الجسم ولوازم الروح، ولأن النفس أميل بطبيعتها إلى الانشداد إلى غرائزها وشهواتها المادية، فإن الشباب بحاجة قوية إلى مجاهدة النفس، وممارسة الرياضة الروحية، وترويض الذات على سلوك طريق الحق والهدى والصلاح.
وجيل الشباب حيث يعيش صراعاً قوياً ومحتدماً ويومياً بين شهواته ورغباته المادية من جانب، وميوله ورغباته الروحية والمعنوية من جانب آخر، يقع في امتحان عسير، فإن قدّم شهواته على مبادئه وقيمه ومُثُله، فإنه بذلك يكون قد اتخذ إلهه هواه، وأما أن ينتصر لمبادئه وقيمه ومُثُله الدينية، وعندئذ يكون قد اجتاز الامتحان بنجاح!
والإسلام لا يمانع من إشباع الغرائز المادية ولكن يجب أن يكون ذلك بالحلال، وبوسائل مشروعة، وضمن حدود وضوابط الشرع، وإلا فلا يمكن للإنسان أن يتجاوز ويتجاهل حاجاته المادية من أكل وشرب وجنس و مال.. وليس من الصحيح أن يكون الإنسان منعزلاً عن الجانب المادي في كيانه، وإنما نتحدث هنا عن الانسياق وراء الشهوات، والانغماس في الملذات بطرق غير مشروعة ومن دون حدود ولا قيود ... فهذا هو الممنوع والمحرم.
وبما أن الشباب هي مرحلة الهيجان واستيقاظ الغرائز لابد من الاهتمام بالجانب الروحي للشباب، فهم أحوج ما يكونون إلى الارتباط بالخالق عزوجل، والتقرب إليه، والتوسل به، وبذلك يقترب الشاب أكثر وأكثر من ربه وخالقه تبارك وتعالى.
وفي عصر طغت فيه المادية على كل شيء، وذلك بفعل الحضارة المادية والتي تركز على كل ما هو مادي، وتتجاهل كل ما هو روحي وقيمي، أصبح السباحة في بحر الشهوات والماديات هو شعار الفلسفة المادية الحديثة، وعنوان المدنية والتقدم والتحضر!
وقد قسمت الفلسفات المادية الحديثة المعرفة إلى طبيعية (فيزيقيا) وما وراءا لطبيعة (ميتافيزيقيا) فاعترفت بالأولى وأنكرت الثانية واعتبرتها مجرد خرافات وأساطير وتصورات ابتدعها الإنسان من وحي خياله وتفكيره، وهذا ما أدى إلى تقوية العلاقة بين الإنسان وعالم الطبيعة وكل ما هو مادي ومحسوس، والانقطاع عن عالم الروح وكل ما هو قيمي ومُثُلي، وقد انعكس هذا سلباً على سلوك الإنسان وممارساته المادية، فالإنسان في ظل الحضارة المادية أصبح يمارس كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة في سبيل الوصول إلى غاياته وأهدافه، وإن كان ذلك على حساب الأخلاق والقيم الإنسانية.
أما فلسفة الإسلام تجاه الإنسان فهي قائمة على التوازن بين أبعاد الإنسان ومكوناته الروحية والعقلية والجسمية، وهو لا يجيز الوصول إلى الغايات والأهداف النبيلة إلا من خلال وسائل وأساليب نبيلة أيضاً.
ووحدة الخالق وتوحيده حرر الإنسان من عبودية الذات، ومن عبودية الإنسان لأخيه الإنسان، وبذلك يتحقق للإنسان الحرية الحقيقية القائمة على توحيد الله عزوجل، والخضوع له، ورفض الخضوع لأي كائن آخر.
وتعتبر العبادات الشعائرية من صلاة وصيام وحج وزكاة .. وسائل مهمة لبناء الروح، وتنمية المثل والقيم الروحية في الإنسان. كما أن لتلاوة القرآن، والدعاء، والمناجاة الأثر الكبير في تنمية الروح وتغذيتها.
إن التزام الشباب بالصلاة والصيام والزكاة والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتلاوة القرآن والدعاء والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى هو الذي يحافظ على شعلة الدين في نفوس الشباب، وينمي الأبعاد الروحية لديهم، مما يجعلهم أقوياء أمام ضغوط النفس، وأعباء الحياة، ومغريات الحضارة المادية الحديثة.
والتمسك بالقيم الروحية والمعنوية هو أفضل حصانة للشاب من الانهيار أمام مغريات المادة، أو التحول إلى عبد من عبيد الشهوات، كما أن البناء الصلب للجوانب الروحية هو الذي يجعل الشاب قريباً من الله، محبوباً عنده، وعند الناس.
ــــــــــــــــــــ(42/288)
تمارين ترويض النفس00طرق متنوعة من الايحاء الذاتي لدى الشباب
البعض من الرجال والنساء والشبّان والفتيات يمارسون تمارين رياضية في تربية الإرادة ، وتقوية التحكّم بالنفس والسيطرة عليها ، وشعارهم الحديث الشريف : «أفضل الأعمال أحمزها» أي أشقّها وأصعبها ، والشجرة البرية أصلب عوداً وأكثر وقوداً . فهم قد يكونون بين خيارين : أحدهما سهل والآخر صعب فيختارون الصعب لأ نّهم بذلك يزيدون في متانة إرادتهم وتقوية عودها ، واكتساب المناعة واللياقة لمواجهة التحدّيات والشهوات والضغوط .
البعض مثلاً كان ينام في النهار لساعة أو ساعتين ، لكنّه قرّر أن يوقف هذه العادة ويلغيها من برنامجه اليوميّ .
شعر بالصداع ليوم أو يومين أو لبضعة أيام ، ثمّ ما هي إلاّ أيام أُخَر حتى اعتاد الوضع الجديد ، فرأى أنّ الصداع الذي ألمّ به بعد ترك عادة النوم ظهراً وهميّ ، أو أ نّه ردّ فعل طبيعيّ لترك عادة مستحكمة تحتاج إلى وقت حتى يزول تأثيرها .
البعض ترك الشاي .. وشعر أيضاً بالصداع .. لكنّه ما لبث أن قهر هذا الشعور وما لبث أن استقامت حياته بدون الشاي وكأنّ شيئاً لم يكن .
البعض ترك التدخين .. وشعر كذلك بالصداع والشوق إلى الدخان ، لكنّه تغلب عليه بالصبر والمران والمقاومة .
البعض كان إذا غيّر مكانَ نومهِ لا ينام ، بل إذا تغيّرت وسادته لا يأتيه النوم ويبقى أرقاً قلقاً حتى الصباح ، لكنّه بشيء من التصميم غلب هذه العادة وكسر هذا القيد .. جرّب أن ينام في غير فراشه وسريره .. أن ينام على الأرض ، وأن يضع أي شيء تحت رأسه حتى ولو كانت يده ، وربّما استغنى عن يده ونام بلا وسادة ..
في البداية تململ .. وتقلّب في ضجعته الجديدة عدّة مرّات .. لكنّه آلى على نفسه أن يتجاوز الحالة التي أسرته طويلاً .. ونجح .
هذه التمارين في تربية الإرادة والخروج على السائد والمألوف لا تتأطّر بالأمور المادّية فقط ، بل بكلّ شيء ، وهي دليل آخر نضيفه إلى أدلّتنا في أنّ تغيير الطباع والعادات ممكن ميسور .
وفي السياق نفسه ، يمكن الحديث عن (التلقين الذاتي) الذي قد يعتبره البعض خداعاً وتمويهاً وإيهاماً للنفس ، لكنّه سلاح مجرّب من أسلحة تغيير الطباع الذميمة والعادات السيِّئة .
فالنفسُ راغبةٌ إذا رغّبتها***وإن تُردُّ إلى قليل تقنع
إنّ قولك (سأحاول) ، (سأعمل) ، (سأبذل قصارى جهدي) (سأطبّق ما وعدت به) ، (سألتزم بما اتخذته من قرارات) قد يكون فيه شيء من التصميم على العمل ، لكنّ قولك : (أنا قادرٌ على فعل ذلك) أو (أعرفُ أنّ الأمر لا يخلو من صعوبة لكن بشيء من الصبر سأذلّل تلك الصعوبة) .. وخاطب نفسك : (ابذل جهداً آخر .. حاول ثانية .. خطوة أخرى وتصل ، لم يبق إلاّ القليل .. لستَ أقلّ من غيرك ممّن صمّموا فوصلوا إلى مبتغاهم .. كانت لديهم الإرادة وأنت تملكها .. ما ينقصك هو الإصرار على التنفيذ .. توكّل على الله فهو حسبك .. أليس الله بكاف عبده .. ما دام ذلك في عين الله فلا أبالي .. » إلخ .
هذه الطريقة من الإيحاء الذاتي تمنحك قوى معنوية إضافية ومواجهة نفسية تحتاج إليها في معارك الانتصار على الضعف والطباع الرديئة والعادات المخجلة .
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/289)
تهيئة الشباب للزواج
كيف يهيئ الشباب للزواج بحيث يمتلكون القدرة على متطلبات الزواج ومتى؟ كذلك مشكلة الاختيار أين هي؟ وأين هو؟ وكيف يلتقيان؟ وأسئلة عديدة تراود مخيلة الكثير من شبابنا يمكننا هنا الإجابة عن بعض هذه الأمور:
1 ـ المسألة التأهيلية تبدأ في الصغر فمثلاً على الوالدين تربية الأطفال منذ الصغر على أن الخلافات والمناقشات العائلية مثلاً شيء طبيعي وسيأتي بعدها الحبّ والودّ والتلاطف وهذا أفضل بكثير من إخفائها واعتبارهما عيباً وبذلك ينشأ الطفل غافلاً عن كثير من أمور ومتطلبات الحياة.
2 ـ مسألة الحوار مهمة جداً وتبدأ من الصغر على أن تستمر، لأن خوف الولد أو البنت من التحدث مع الأهل سيجعلهم يضعون نفسهم في موقع ضيق لايساعدهم في حل مشاكلهم، كما أنّ الانطواء والانفصال عن الأهل يؤدي إلى حدوث استقلالية متطرفة في الرأي وحدوث مشاكل ناتجة من عدم الخبرة.
3 ـ التعليم الجامعي يهيئ الشباب لأجواء الاختلاط حيث تتهيأ العقول والنفوس عند الطرفين في تقبل الآخر.
4 ـ التدريب علي الصبر وإحياء القيم الاجتماعية والاسلامية في مجتمعنا.
5 ـ القيم المثالية تكون ضمن إطار الاسلام وفهم معاني الزواج والحياة المشتركة والطمأنينة والسكن ومفهوم البذل والعطاء.
6 ـ إعطاء الخبرة للشباب حول شروط ومقومات الزواج الناجح من خلال الأهل أو المدرسة أو الجامعة أو من خلال إقامة دورات تدريبية لأن عدم الخبرة تؤدي إلى حدوث مشاكل كبيرة.
7 ـ توعية الشباب بأنّ النظر للمحبوب على انّه خالي من العيوب ووضعه في قالب خاص ينزهه عن بقية الناس هو مفهوم خاطئ لأنه قد يصدم بعد الزواج عندما يرى محبوبه انساناً عادياً كبقية البشر.
8 ـ توعية المجتمع أيضاً بالبعد الجنسي في موضوع الزواج إذ أن هناك طاقة عظيمة وحاجة لدى الشباب تحتاج لإطار شرعي وهناك أبعاد اقتصادية واجتماعية، لابد أن يجتهد المجتمع إذاً في إيجاد حل وسط لايكفي بأن نزوج الشباب ونرتاح منهم بل المهم هو ما بعد الزواج فهناك تساؤلات كثيرة بعد الزواج تتعلق بشؤون الأسرة، ماذا عن متطلبات الحياة اليومية؟ ماذا عن الحمل؟ وماذا عن الطفل إذا كان الوالدان لايستطيعان تحمل مسؤوليته؟ و ...
إذاً علينا التأمل بروية في الموضوع.
9 ـ والشباب أيضاً له دور كبير في تحمل المسؤولية فالشاب يريد أن يختار الفتاة بنفسه والبنت تريد أن تختار زوج المستقبل بنفسها والكل يدّعي النضج وتحمل المسؤولية ثم يقول الشاب لأهله زوّجوني، وفي ذلك تناقض، إذ الشاب يريد أن يكون صاحب قرار ثم يريد من والديه أن يزوجوه مساعدة الأهل في الموضوع لابأس بها ولكن اعتماد الشاب كلياً على أهله في زواجه يولّد مشاكل في الحياة الزوجية.
10 ـ رغبة الوالدين ي الضمان الاجتماعي والاقتصادي للبنت هو أمر طبيعي على أن لايتعدى الأمر إلى تعجيز الشباب.
نحن عندما نعالج الرغبة الملحة للزواج لدى الشباب لاتعني فقط غرفة النوم بل تعني كل ما يتعلق ببناء هذه الأسرة والتي تعد البنية الأساسية في المجتمع.
ــــــــــــــــــــ(42/290)
المخيلة + الاقدام النجاح
يقول أحد أصحاب الأعمال الناجحين : «يربح المرء نصف المعركة بمخيلته الخصبة ، وأمّا ربح النصف الآخر فإنّه يتوقّف على تحقيق المشروعات التي ترتسم مخططاتها في الذهن .. لقد تعلّمت أن فكرة واحدة قابلة للتنفيذ خير من مئة فكرة يهمل صاحبها تنفيذها» .
ويقول العارفون بشؤون التجارة : إذا سألت رجلاً من رجال الأعمال : ماذا تأخذ على الذين يعرضون عليك أفكاراً ومشاريع ؟ أجابك إنّه يأخذ عليهم أمرين : الأوّل : إنّهم يتقدّمون بمشاريع وآراء غامضة ، غير مدروسة ، والأمر الثاني : إنّهم لا يرفقون بمشاريعهم مخططاً يشرحون فيه كيفية تحقيقها .
وإليك هذه التجارب العملية التي قد تنفعك ذات يوم :
يقول (ر) : كلّفني مدير إحدى الشركات أن أختار شابين ليعهد إليهما بمهمّة معيّنة في أقسام البيع والعرض في الشركة ، فوقع اختياري على إثنين .
وبعد عام زرت المدير لشأن من الشؤون فأحالني على مساعده الذي لم يكن سوى أحد الشابّين ، وقد عرفت منه أنّ رفيقه ما زال مستخدماً بسيطاً في قسم المبيعات ، فسألت المدير عن السبب ، فقال : كلاهما ذو أفكار ، لكنّ أحدهما يتحلّى بالإقدام والاستعداد لوضع الفكرة موضع التنفيذ ، والآخر يتردد طويلاً ، وقلّما يقرن عرض فكرته باقتراح عملي .
فالإقدام هو مفتاح من مفاتيح النجاح ، ويقول أهل الخبرة :
المخيلة + الإقدام النجاح .
والإقدام ليس موهبة وإنّما يكتسب بالمران الطويل ، ويكون مؤثراً إذا اقترن بالتفكير السليم والتبصّر بعواقب الأمور .
ويقول مجرّبون : الحصول على عمل هو في أيامنا مسألة مهارة في إقناع المخدوم بأنّ استخدامك يعود عليه بفائدة ، ولكي يرتكز في ذهن صاحب العمل أ نّك عنصر مفيد ينبغي لك أن تتقدّم منه بفكرة أو مشروع يكون له طابع الطرافة ، أي الجدّة ، فإذا لم تسعفك مخيلتك تبنّ فكرة لسواك واجتهد في بسطها بحيث تبدو لمستمعك فكرة عملية .
ويؤكّدون : إنّ ذكريات ما عرفته بالأمس مضافة إلى انطباعات اليوم هي التي تولِّد الأفكار الجديدة ، ومما يساعد على التفكير أن تدوّن ما يمرّ في رأسك على الورق ، فالفكرة تولّد الفكرة ، فإذا دوّنت فكرة ما على ورقة أمامك تتبعها ثانية فثالثة فرابعة إلى أن تمتلئ الصفحة .
يقول أحد العاملين في الحقل التجاري : لا بدّ لكلّ إنسان ـ حتى المثقفين ـ من دخول السوق لأنّ أساليب التعامل هناك تعرّفهم أخلاق وأذواق وطبائع الناس .
لذا فالتاجر الناجح لا يقول للزبون : جئت أعرض عليك أصنافي ، بل يقول له : جئت أعرض عليك مشروعاً يدرّ أرباحاً طائلة ، وبذلك يستميله ويخلق الرغبة لديه للتعامل والتعاطي معه .
ألم يصادفك بائع ما وهو يقول لك : اُنظر إلى هذه البضاعة كم تساوي ؟ ويذكر لك مبلغاً أكثر من قيمتها ، لكنّه يعقّب ويقول : أمّا إذا أردت أن تتعامل معنا فإن سعرها (كذا) أي أقل من السعر المذكور أوّلاً .
ولذا قيل ـ من وحي التجربة ـ إن إتمام صفقة من الصفقات يتوقف بالدرجة الأولى على براعة البائع في القضاء على تردّد المشتري .
وينصح البائع أيضاً بأن يضع نفسه مكان المشتري وينظر بعيونه ويفكِّر بعقله ، ولذا شاع في الأوساط التجارية شعار يقول : «الحق مع الزبون دائماً» .
كما أنّ لأسلوب عرض البضاعة دوره في الترويج لها ، فلقد مرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم بالسوق فرأى شخصاً طويل القامة يبيع ثوباً قصيراً ، فقال له : اجلس وبعه فذلك أنفق لبضاعتك .
ولا يخفى عليك مغزى إشارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فالطويل الذي يعرض ثوباً قصيراً يبينُ قصرُ الثوب بالمقارنة مع طوله مما يبدو في عين الناظر قصيراً جدّاً .
ويعرّف فن إخراج البضاعة وعرضها بأ نّه استلفات النظر واستثارة الاهتمام .
ويروي صاحب كتاب (كيف تكسب المال) أنّ امرأة في ولاية نيوجرسي كانت تبيع الفاكهة في كشك صغير تزاحمه عشرات من الأكشاك الكبرى ، ولكنّه يفوقها جميعاً في تصريف الأصناف وإرضاء
الزبائن ، ذلك أنّ المرأة عندما تزن الفاكهة تضيف إلى كل وزنة تفاحة أو خوخة ، ثمّ تضحك وتقول : هذهِ إكراماً لكِ أو للصغير !!
وقد كان لهذه البادرة تأثيرها في نفوس المشترين .
ويقول بالنسبة للفتيات : تستطيعين يا آنستي أن تديري لحسابك مشروعاً ناجحاً كأن يكون لك محل للخياطة أو مكتبة أو متجر ، وكأن تحترفي الرسم أو الدهان (الصبغ) أو التجميل على أنواعه ، واعلمي أنّ فكرة موفقة هي رأسمال لا يقلّ شأناً عن الرساميل الحقيقية ، وأنّ التخصص في حقل من الحقول عامل من عوامل النجاح ، كما أنّ متابعة التطورات التي تطرأ على حقل النشاط الذي تعملين فيه ، عامل مهم آخر .
وفي حزيران 1998 نشرت مجلّة (الشباب) العدد (252) تحقيقاً موسعاً تحت عنوان (مَنْ هنّ أنجح 20 سيِّدة أعمال في مصر الآن ؟ ) نضع بين يدي الفتيات الطموحات نبذة عنه :
تقول إحداهنّ : رغم أنني لم أدرس الإدارة ، فقد تعلّمت هذا الفنّ من والدي .. المجموعة التي تعمل معي حوالي (40) عاملاً تتعامل كفريق عمل واحد ويشعر كلّ فرد فيه كأ نّه يمتلك المشروع ، وأشاركهم أفكارهم ومشاكلهم الشخصية .. أستمع لها وأحاول حلّها كأنّها مشكلتي الخاصّة ، وتوجد بيننا ثقة متبادلة ، وأنظّم لهم احتفالاً سنوياً ، كما أنظّم لهم رحلات هم وأسرهم وأجاملهم في المناسبات العائلية .
هذه السيدة هي صاحبة لمعمل لصناعة وبيع المفروشات ، وترى أنّ أسلوبها في التعامل مع فريق العمل هو أحد أهم أسباب نجاحها .
وتقول أخرى عملت في البداية في مجال اختصاصها (الهندسة) ثمّ تركتها لعمل آخر كان هواية ، حيث كانت شغوفة بالزرع ، وكانت ترى أنّ الأواني التي يوضع فيها عادية ، ففكرت في تصميم أوان بأشكال جمالية يمكن وضعها في صالونات المنازل ، وقامت بعرض منتجاتها فوجدت الإنبهار والإقبال بشكل لم تتوقعه .
وبعد أن كانت تعتمد على ورشة غيرها في تنفيذ هذه التصميمات فكّرت في افتتاح مصنع خاص بها ، ووصل إنتاجها إلى (4) آلاف منتج .
وتقول عن تجربتها : تجربتي نجحت لتوافر طموحي ، ولأنِّي تعوّدت على الاعتماد على النفس .. وأحاول دائماً أن أُجدِّد أفكاري وعملي وأنْ لا أكون نمطية ، وأنصح أيّة فتاة تتمنّى أن تكون سيِّدة أعمال مستقبلاً أن تفكِّر في تبنِّي المشروع الجديد غير المتوافر في السوق ، وأن يكون عملها مبتكراً ، وألاّ تدخل مرحلة التنفيذ إلاّ بعد تفكير واطّلاع .
وتقول أخرى وهي متخصصة في مجال التربية : تعلّمت من أمّي أنّ
السعادة في العطاء وحبّ الآخرين ، وعدم الخوف إلاّ من الله . وعلّمتني أيضاً أن أعمل بجدّية .. وأن أعتمد على التفكير السليم ، وألاّ أجعل من أيّة مشكلة عقبة تقلل من حماسي ، وأنّ التفوّق في العمل ليس بالأمر السهل ، والمهم هو حبّ العمل بإخلاص ، وتكريس الجهود من أجل إنجازه .
وتقول أخرى رأت أنّ عملها كموظفة لا يدرّ عليها سوى مال قليل ، ولمّا كانت تمتلك حاسّة فنّية وموهبة الحياكة ، فضّلت العمل الحرّ بتشجيع من صديقة لها .
وتروي تجربتها فتقول : «اكتشفت أنّ العمل الخاص يتّسم بعدّة مميزات لا تتوافر في الوظيفة الحكومية ، فلا توجد التزامات لمواعيد الحضور والانصراف ، كما أنّ العمل الخاص يتيح التعرّف على أناس جدد باستمرار ولا شكّ أنّ في ذلك متعة كبيرة ، بالإضافة إلى أنّ نجاح المشروع له فائدة على المستوى الشخصي لا تضاهيها فائدة أخرى على الجانب المعنوي والجانب المادي أيضاً» .
وتضيف عن تجربتها في فنّ التفصيل والخياطة : بدأت في الحصول على طلبات كثيرة من جهات مختلفة لإعداد الزيّ الخاص للعاملين في المستشفيات الخاصّة والمطار .. ورفضت أن أدخل مجال الملابس العادية ..
وتقول عن طموحها : أتمنّى أن أصل إلى مرحلة أكون مصدّرة للعديد من البلدان .
وعن تنمية مهاراتها : حاولت أن أكتسب بعض المهارات .. فحصلت على دورة تدريبية .. كما زرت عدّة مصانع مشابهة لمشروعي لاكتساب الخبرة العملية .. وأعتقد أنّ النساء يمكن أن يتفوقن لوجود اللمسة الجمالية لديهنّ .. وأنصح مَنْ ترغب في دخول العمل الخاص أن تدرس جيِّداً المشروع الذي تنوي عمله .. وتستشير أصحاب الخبرة ، ولا بدّ أن تتواجد في مكان عملها وتفهم كلّ صغيرة وكبيرة فيه .
ــــــــــــــــــــ(42/291)
كيف تعرفين أن شريك المستقبل يستحق حبك؟؟
إن مجرد التقارب بين الشاب والفتاة والضحكات المتبادلة لا يعني أبدا أن الشاب جاهز بالفعل لان يكون زوجا جديا في المستقبل، بحسب بيري يفينغتون ، مؤلفة كتاب "خدع نفسية للمحبين". ولحسن الحظ فإن الفتاة لا تحتاج إلى بذل طاقة كبيرة وكثير من العاطفة لتكتشف عدم جدية الشاب وأنه لا يناسبها".
السؤال الأول: ما مدى حبه لك ؟
كلما كان حب الشاب للفتاة أعمق ، كلما كانت احتمالات الالتزام لديه أعلى.
السؤال الثاني: هل حقق طموحاته؟
لدى معظم الشباب أهداف في الحياة يريدون تحقيقها بما في ذلك الاستقرار الوظيفي، بحسب ما تقول بات لف ، مؤلفة كتاب "الحقيقة حول الحب". وما لم يكن شريك المستقبل المحتمل قد حقق تقدما في طموحاته ، فإنه لن يركز على الحياة الزوجية.
وتضيف بات، "وحتى لو قال إنه شرع بتحقيق أهدافه، فإنك بحاجة إلى الشعور بأنه على الطريق الصحيح قبل الاستثمار به من الناحية العاطفية".
ولذا فإن على الفتاة أن تبحث بالتفصيل التقدم الذي حققه فتى أحلامها في طموحاته المهنية. وبطبيعة الحال، فإنه ليس بالضرورة أن يكون مسؤولا كبيرا ولكن يجب أن يكون قنوعا بمستوى عمله الحالي أو لديه على الأقل استراتيجية ثابتة للوصول إلى النقطة التي يريد أن يكون فيها.
وعلى كل حال، فإذا كان يدور في حلقة مفرغة في عمل لا يرضى عنه وليست لديه فرص لتحقيق شيء أفضل فإنه حينئذ لا يكون في وضع يؤهله للتفكير في مستقبل يجمعكما تحت سقف واحد.
يقول الخبراء إنه ليس مهما ما يسعى له الرجل طالما أنه يسعى لتحقيق شيء ما.
كذلك فإن الوضع المالي للشاب مهم ولكن لا حاجة له لان يكون أحد الأثرياء، بل إنه يكون مقبولا إذا كان يعتمد على نفسه. وإذا كان يملك عقارا فإن ذلك أفضل للاستقرار العائلي لان الفتاة تريد شابا بذل جهودا كبيرة لبناء عش الزوجية.
أما إذا كان الشاب لا يملك شيئا يساعده على شراء أثاث مناسب أو لدفع إيجار المسكن على الأقل فإنه غير مؤهل للزواج.
السؤال الثالث: ما هو سجل الشاب العاطفي؟
ينبغي على الفتاة أن تقوم بطريقة ماهرة بتقصي تاريخ الشاب من الناحية العاطفية. فباستطاعتها في بعض الأحيان التحدث حول مشاكل العلاقات وسماع جوابه. ومن جانبهم يحب الشباب أن يسألوا حول آرائهم ويمكن من خلال هذه الطريقة استدراجهم للتحدث حول ماضيهم.
السؤال الرابع: هل تخونه هذه الكلمات؟
يمكن للملاحظات العفوية أن تشكل في كثير من الأحيان مصدرا كبيرا للمعلومات . حاولي التنبه إلى اللحظات العفوية التي قد تخبرك كيف ينظر رجلك إلى العلاقات طويلة الأمد.
فعلى سبيل المثال فإن العبارات مثل، "اعتدت أن أكون شرسا في الكلية، ولكنني تخلصت من هذه الظاهرة"، تشير إلى أن الشاب يتمتع بحالة عقلية مستقرة. ولكنه حين يقول ،"أنا من النوع الذي يحتاج إلى كثير من الوقت" فإنه حينئذ يكشف عن أنه لاعب أكثر من شريك.
ويجب على الفتاة أن تقرأ بين السطور فيما يتعلق بعلاقات شريكها المحتمل السابقة مع صديقاته إن وجدت . فإذا قال مثلا "كن مهزومات" فإن ذلك لا يدل على أنه زوج صالح للمستقبل.
كذلك فإن الطريقة التي يشير فيها الشاب إلى عائلته يمكن أن توفر بعض التبصر. ويقول الخبراء إن بعض الكلمات الإيجابية غير المكتوبة تثبت أنه ملتصق بهم ويريدك أن تعرفي ذلك. ولكن انفصاله عنهم ينبغي أن لا يحرمه من الزواج إلا إذا كان يتغنى بأخطائهم اتجاهه أو إذا قام بحديث بذيء عنهم.
السؤال الخامس: هل يختبرك؟
وبأخذ معلومات حول ملاءمة الشاب للزواج منك في عين الاعتبار، فإن من المعقول القول بأنه يريد هو أيضا قياس درجة ولاءك له. لذا فعندما يوجه لك أسئلة حول عائلتك، وضعك المعيشي والحياة العاطفية، فإن ذلك ليس مجرد هدف لاستمرار المحادثة.
وقد لا يسألك الشاب حول كافة التفاصيل ولكنه سوف يحاول اكتشاف علاقاتك السابقة أيضا وسبب انتهاء هذه العلاقات إن وجدت. فإذا كشفت له بعض الحقائق حول علاقات سابقة لك وبقيت عيناه مسمرتان على التلفزيون فإن من المحتمل أن كليكما لا يصلح للآخر.
كذلك فإن الرجل الذي يهدف إلى الالتزام سوف يأتي بطرق لاختبار مستوى الحب. وقد يسألك الشاب أين ترين نفسك في المستقبل القريب كي يتمكن من معرفة أن كليكما يصلح لعلاقات طويلة الأمد.
وعليك أن تتوقعي بعض الأسئلة مثل، "هل ستبقين في عملك الحالي أم هل ستنتقلين إلى مجال آخر". إن الشاب في مثل هذه الحالة يهدف إلى أكثر من مجرد الحديث، إنه يأمل بسرية أن يثق بك من كل قلبه بنفس الطريقة التي يريدك أن تثقي به من كل قلبك.
ــــــــــــــــــــ(42/292)
الاختيار بالواسطة .. كيف يتم ومَن هم الوسطاء؟
يوسف ميخائيل أسعد
يعتمد هذا النوع من اختيار شريك الحياة على مساعدة يتلقاها الشاب أو الشابة من ثقات يحيطون به في عملية الالتقاء والتعرف والاتفاق على الشروط والتدابير التي سوف تتخذ لإتمام الزواج. وهناك في الواقع درجات يمكن الوقوف عليها في هذا النوع من الاختيار يمكن تحديدها فيما يلي:
أولاً ـ الولاية الكاملة في الاختيار: وفي هذه الطريقة من الاختيار بالواسطة لا يكون للشاب أو الشابة أي دور في عملية الاختيار أو أي دور في القبول أو الرفض. إنهما يكونان صغراً على الشمال في هذا الأمر. وفي كثير من المجتمعات يسود هذا النوع من الاختيار بالواسطة، وهو اختيار يمسك بزمامه أشخاص آخرون غير أحد العروسين أو غير العروسين جميعاً.
ثانياً ـ الترشيح والتزكية: وفي هذه الطريقة من الاختيار بالواسطة لا يكون دور الوسيط هو دور الولاية الكاملة والأخذ بزمام الأمر تماماً، بل يكون دور الوسيط بمثابة دور تمهيدي تبصيري. وبتعبير آخر فإن العروسين أو أحدهما يكون له دور في الاختيار. فلقد يعرض الوسيط أكثر من شخص واحد لكي يختار الشاب أو الشابة من بين الشخصيات المقترحة. ومعنى هذا أن دور الوسيط هنا لا يعدو أن يكون دوراً استشارياً ولا يكون دوراً إيجابياً إجرائياً، أو قل إنه يكون دوراً معرفياً أو إعلامياً أو مصدراً للمعلومات لا غير.
ثالثاً ـ الوساطة البعدية: وفي هذه النوعية من الوساطة لا يكون دور الوسيط متعلقاً بالوقوع على الخطيب أو الخطيبة، بل يكون دوره تكميلياً. فالاختيار يتم بداءة من جانب الشاب أو الشابة، ثم يتولى الوسيط دور الممهد للقاء أو دور المحدد للخطوات التي يجب اتخاذها لإتمام الخطوبة. فلقد يشاهد الشاب شابة فتعجبه ولكنه لا يستطيع التقرب إليها أوم فاتحتها، ومن ثم يلجأ إلى الوسيط أو الوسيطة لكي يضطلع بعملية الإبلاغ والمفاتحة والتمهيد وتذليل الصعاب وعرض الشروط وتزكية الطرف الراغب في الارتباط وإبراز مزاياه.
رابعاً ـ الوساطة غير المباشرة: من ذلك مثلاً إقامة حفل بمناسبة زواج أو عيد ميلاد أو بمناسبة العودة من الحج أو من سفر بعيد ودعوة الأهل والمعارف إليها، فيتم اللقاء بين الشباب والشابة وتكون الفرصة مواتية لتجاذب أطراف الحديث، وينتهي الأمر بالرغبة في الارتباط بالخطوبة ثم الزواج. ولقد تكون الوساطة هنا عفوية وقد تكون مقصودة.
خامساً ـ الوساطة الإعلامية: وفي هذا النوع من الوساطة يقوم الشاب أو الشابة بنشر أوصافه الجسمية ومؤهلاته الدراسية والمهنة التي يباشرها ودخله الشهري وإيراده الخارجي وحالته الاجتماعية وما لديه من إمكانيات متاحة كإحرازه لشقة أو سيارة أو تليفون أو نحو ذلك، ثم يعرض شروطه التي يبغي توافرها في العروس التي يرغب في القيام بخطبتها. وبعد أن يستلم الردود على ما نشره وفقاً للعنوان الذي أثبته في الجريدة فإن اللقاء يحدد موعده ثم الاتفاق بعد ذلك على كافة التفاصيل التي تجعل الخطوبة أمراً واقعاً.
ولعلنا نتساءل بعد هذا عن الأشخاص الذين يضطلون بدور الوساطة في الخطوبة، فنجد أن أولئك الأشخاص يتوزعون على النحو التالي:
أولاً ـ والدة الشاب أو والده أو أخته الكبرى أو إحدى قريباته: وهذا النوع من الوسطاء هو الشائع في كثير من الاسر. ذلك أن الشاب يكون مؤمناً بإخلاصهم كما يكون واثقاً في حبهم له ورغبتهم في تقديم أحسن عروس إليه. فالتحيز للعروس أو لأهلها يكون أضعف من التحيز له.
ثانياً ـ الخاطبة: وهي شخصية احترفت مهنة التوفيق بين القلوب بقصد الزواج. والواقع أن الخاطبة قد لعبت دوراً خطيراً وأساسياً في كثير من المجتمعات البشرية. وهي شخصية تحظى بثقة الناس من حولها كما أنها تؤتمن على أسرار الأسر، ومن مزايا الخاطبة أنها شخصية حيادية غير منحازة، كما أنها تكون في الغالب شخصية متمرسة على التفاوض والقيام بالمساومات التي تتعلق بالشروط التي يطرحها العريس وتطرحها العروس وأسرتاهما.
ثالثاً ـ رجال الدين: وهؤلاء أيضاً يلعبون دوراً ذا بال في عملية الاختيار. ولقد كان وما يزال لهم تأثير كبير في لم الشمل بين الشباب وإقامة وشائج أسرية فيما بينهم. ولعلك تلاحظ إذا ما قرأت رواية ((الشيخان)) لطه حسين أن اختيار شريك وشريكة الحياة كان موكولاً برمته إلى شيخ القرية أو بالأحرى إمام المسجد. وكذا الحال بالنسبة للأقباط في القرى وبعض المدن حيث يلعب الكهنة دوراً أساسياً في هذا المضمار. ولكن يبدو أن أهل المدن صاروا ينصرفون عن رجال الدين في هذا المجال.
رابعاً ـ الأندية والجامعات ومجالات العمل: فبعد أن تحررت المرأة وصارت تلتقي بالرجل في كثير من الأماكن العامة، فإن فرص الاختيار من بين كثير من الأفراد صارت متاحة أمام الشاب والشابة على السواء. ففي الأندية والجامعات ومجالات العمل يتم التعرف بالكثير من الشخصيات. بيد أن اتساع المجال في الاختيار قد يعمل ـ خلافاً للمتوقع ـ على صعوبة الاختيار. افترض أن أمام الشاب خمس شابات يختار واحدة منهن لكي يفاتحها في مسألة الخطوبة. واضح أن وقوعه على واحدة من الخمس شابات ليس من الصعوبة بمكان. ولكن افترض أن أمام الشاب خمسين شابة يريد أن يختار واحدة من بينهن، فإن قيامه بالاختيار يكون بأكثر صعوبة. ناهيك عن صعوبة أخرى في الاختيار هي مضاعفة عدد الاختيارات. لقد افترضنا أن الشاب يقوم باختيار واحدة من بين خمس شابات. وهذا الافتراض يعني في نفس الوقت أن الشاب هو صاحب السلطة الوحيد في الاختيار. ومن ثم فإن عملية الاختيار تكون سهلة لأنها من طرف واحد. ولكن في مجال النادي أو الجامعة أو العمل لا يكون الاختيار من طرف واحد هو طرف الشاب، بل إن الاختيار يكون في أيدي الشبان والشابات على السواء. فبالنسبة لوجود خمسين شابة أمام الشاب لكي يختار واحدة من بينهن، فإن الشابة بدورها يكون أمامها عدد مماثل أو كثر لكي تختار واحداً فقط من بينهم. ومعنى هذا أن الاختيارات قد زادت إلى الضعف فصارت مائة اختيار وليس خمسين اختياراً فحسب.
خامساً ـ الصحافة: لقد دخلت الصحافة في هذا المجال منذ وقت قريب. وما يزال كثير من الشباب يحجمون عن استخدام هذه الوسيلة للإعلان عن شروطهم في شريك أو شريكة العمر، كما أن الكثير منهم يحجمون عن اختيار شريك أو شريكة العمر عن طريق الإعلانات التي تنشرها الصحف بهذا الصدد. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيقتحم التلفزيون هذا المجال لكي يشارك في عملية اختيار شريك أو شريكة الحياة؟
ــــــــــــــــــــ(42/293)
الاختيار الشخصي .. مزايا وعيوب
يوسف ميخائيل أسعد
بينما نجد أن اختيار شريك الحياة يتم في بعض الأحيان وفي بعض المجتمعات بالواسطة، فإننا نجد أنه يتم في أحيان أخرى وفي مجتمعات معينة تتسم فيها العلاقات بالفردية والتخفف من الضغوط الاجتماعية ـ بالاختيار الفردي، وبالاعتماد على الإرادة الفردية في الوقوع على الخطيب أو الخطيبة.
والواقع أن الاتجاه العام في المدن ينحو إلى هذه النزعة الفردية في الاختيار. ولعلنا نعزو هذا إلى الأسباب التالية:
أولاً ـ ضعف الضغوط الأسرية على الأفراد بدءاً من الطفولة. فنحن نعلم أنه مع انتشار التعليم فإن الأطفال ينخرطون بالمدارس بدءاً بمرحلة الحضانة. فالطفل لم يعد تحت رعاية مباشرة للوالدين، بل إن مسؤولية الرعاية قد صارت موزعة فيما بين البيت والمدرسة، بل قل إنها قد توزعت على العديد من المؤسسات التي ينخرط فيها الطفل كالنادي والشارع وبيئة الجيران وغير ذلك من المجتمعات نشأت في أحضان المدينة.
ثانياً ـ تحرر الفتاة منذ طفولتها إلى ما تصير إليه من أعمار متباينة. فهي تتحرر من مراقبة وإشراف الأسرة عبر المراهقة والشباب والكهولة حتى الشيخوخة. فوصاية الرجل على المرأة قد خفت إلى حد بعيد، ولم يعد الرجل هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في الشؤون التي تتعلق بالمرأة وبمستقبلها. ولعلنا نقول إن إرادة المرأة قد تبلورت وبزغت للعيان بعد أن كانت إرادة مستخفية وعاملة من وراء الستار. من هنا فإن الفتاة صارت تشارك في عملية الاختيار لشريك الحياة بالطريق المباشرة أو بالطريق غير المباشرة.
ثالثاً ـ رجحان كفة الفائدة المادية والقيمة النقدية لكل شيء في الحياة العصرية على كفة القيم الأخرى. من هنا نجد أن العلاقات الاجتماعية قد أخذت تعتمد على مبدأ الفائدة وليس على مبدأ القيمة المطلقة. وإنك تجد أن الاختيارات التي كانت سائدة والتي كانت تعتمد على ما كان يأخذ به المجتمع نفسه قديماً قد ذبلت أو تلاشت، وصارت القيمة كل القيمة لما تجد فيه الفتاة أو يجد فيه الفتى مصلحته الشخصية، وهي مصلحة مادية محسوسة مباشرة في معظمها.
رابعاً ـ انتشار الأفكار والمبادئ التربوية التي تعتمد في أساسها على احترام حرية الطفل منذ نعومة الأظفار، وترك فرص الاختيار أمامه في كل شيء. وبذا فإنه يعتمد على نفسه في الوقوع على الاختيارات التي تروق له بغير اعتماداً على غيره في هذا الشأن. وبذا فإنه يعتاد على الاعتماد على نفسه في اختيار أشيائه وبالأولى في اختيار شريك الحياة. ولا يقتصر هذا على الشبان بل ينسحب أيضاً على الشابات سواء بسواء.
خامساً ـ قضاء الوقت الطويل في اختلاط أفراد كثيرين من الجنسين. فالطالب الجامعي، وكذا العامل بالمصنع والموظف بالمكتب يجدون أنفسهم جميعاً وسط شبكة متسعة الأرجاء من الاتصال والتعامل مع أفراد الجنس المقابل. ولا شك أن عناصر الألفة من جهة، وقضاء الوقت الطويل بعضهم مع بعض من جهة أخرى، ووجود اهتمامات ومشكلات مشتركة من جهة ثالثة، ومجابهة نفس النوعية من الظروف والمواقف والتحديات من جهة رابعة، والانسجام النفسي الناجم عن الانخراط في نفس المرحلة العمرية من جهة خامسة، لمما تعمل جميعاً على مساندة الاختيار الفردي من جانب الشاب أو الشابة.
ومن غير شك فإن هناك مزايا وعيوباً في عملية الاختيار الشخصي الفردي الذي يعتمد فيه المرء على فكره وإرادته الشخصيين. ويحسن بنا أن نبدأ بمدارسة مزايا هذا النوع من الاختيار، فنجد أن تلك المزايا تتحدد فيما يلي:
أولاً ـ يعتبر الزواج في الواقع عملية شخصية بالدرجة الأولى. فالزواج هو في النهاية علاقة جنسية واجتماعية ترتكز على قطبين وحيدين هما الزوج والزوجة ونحن نعلم في ضوء الاعتبارات السابق ذكرها التي شجعت على قيام هذا النوع من الاختيار الشخصي ـ أن النزعة الفردية هي التي صارت سائدة في العصور الحديثة بعد أن تقلصت العلاقات الأسرية وضعفت وشائجها، وبعد أن صار الفرد في مجابهة مباشرة بمسؤولياته في الحياة.
ثانياً ـ من المؤكد أن الأبناء من الجنسين لا يتطابقون في أمزجتهم وتقديراتهم الجمالية والجنسية مع أمزجة وتقديرات الوالدين. ومن هنا فإن الاختيار الذي يعتمد فيه المرء على نفسه يكون اختياراً مناسباً له في الغالب.
ثالثاً ـ لقد صار للتفاهم والتقارب النفسيين دور أساسي في عملية الاختيار للزواج. ومن هنا فإن الاختيار الشخصي يرتكز بالدرجة الأولى على ما يحس به الشاب والشابة من تجاذب طبيعي بينهما. وبذا فإن الزواج يقوم بصفة أساسية على ركيزة جوهرية لا يمكن الإغضاء عنها هي الركية النفسية في عملية الاختيار للارتباط بشريك الحياة بالخطوبة ثم بالزواج.
رابعاً ـ إن اختيار شريك الحياة المقبل بالاعتماد على الفكر والإرادة الشخصيين يجعل لذلك الاختيار قيمة خاصة في نظر الخطيبين. فهو أمر لم يفرض عليهما من خارج، بل إنه أمر نابع من دخيلتيهما وعلى مسؤوليتهما. وبتعبير آخر فإن الزواج الذي يقوم على أساس الاختيار الشخصي يشكل في الواقع مسؤولية تقع برمتهما على العروسين ومن ثم فإن فصم العرى بينهما يكون من الصعوبة بمكان.
خامساً ـ أن الاختيار الشخصي للخطيب أو الخطيبة إنما هو تأكيد للتمتع بالحرية الفردية في شق أهم طريق من طرق حياة المرء. فلا يقل اختيار المرء لشريك حياته عن اهمية اختيار العمل الذي يضطلع في الحياة. ولا شك أن إيكال الاختيار إلى آخرين يعني العجز عن الاختيار أو يعني أن أولئك الآخرين يحجرون على المرء بإزاء جانب أساسي من جوانب حياته، ويسلبونه حقاً رئيسياً من حقوقه في الحياة.
أما عن عيوب هذا النوع من الاختيار فإننا نستطيع أن نلخصها فيما يلي:
أولاً ـ إن الشاب والشابة يكونان في الغالب قليلا الخبرة في الحياة. فعدم أخذهما المشورة من آخرين تكون لهم بصيرة واسعة بالحياة، إنما يحرمهم من حسن الاختيار. ولذا فإن الاستقلال في الاختيار بإزاء هذا الموضوع الجوهري الذي تعتمد عليه السعادة في مستقبل الحياة برمتها يكون مجازفة خطيرة تحمل في طياتها مخاطر جسيمة.
ثانياً ـ كثيراً ما يندفع الشاب أو تندفع الشابة إلى عقد أواصر الخطوبة أو حتى عقد عرى الزوجية تحت تأثير الانبهار بناحية واحدة كجمال الخلقة أو خفة الدم أو توهم الرقى أو الرفعة في الطرف الآخر. ولكن ما أن تقع الفأس في الرأس كما يقال، حتى يتلاشى الانبهار وتظهر الحقيقة المرة التي كان يمكن تحاشيها لو أن الشاب أو الشابة كانا قد أخذا مشورة الآخرين من الكبار ولم يندفعا بحماس الشباب بدعوى التمتع بحق الاختيار الشخصي وعدم الخضوع لفكر وإرادة الكبار من حولهم وبخاصة الوالدين.
ثالثاً ـ كثيراً ما يندفع الشباب نحو عقد الخطوبة بغير بصر بالمسؤوليات المادية أو بغير الانتهاء من الدراسة أو بغير الامتهان بمهنة. فإذا ما انكشف الغطاء وانجلت الأمور وخفت وطأة الحماسة وأحس الشاب والشابة بمسؤولية إعداد الذات قبل الإقدام على الخطوبة والزواج، فإن ما يكونا قد توهماه من آمال عريضة لا يكون إلا كسراب أو كسحابة صيف.
رابعاً ـ إن الخطوبة والزواج ليسا مجرد علاقة بين شاب وشابة، بل هما أيضاً علاقة بين أسرة الشاب وأسرة الشابة. من هنا فمن الواجب أن تكون هناك مناسبة وانسجام بين الأسرتين وليس فقط بين العروسين. والواقع أن الكثير من الخطوبات تفشل لأن الانسجام لم يكن إلا بين العروسين ولم ينشأ بين الأسرتين النسبيتين.
خامساً ـ ليست الخطوبة والزواج مجرد تعلق قلبين وإحساس بميل جنسي بين طرفين متحابين، بل إن الخطوبة والزواج بمثابة عقد ـ أو هما في الواقع عقد ـ يتضمن شروطاً بعضها شروط مادية بحتة. وفي الغالب يكون الشابان غير مؤهلين لتحمل مسؤولية التفاوض بإزاء الشروط المتعلقة بالمهر ومؤخر الصداق وتكاليف المسكن والأثاث وغير ذلك من نفقات. وليس يعزب عن البال أن الكثير من الخطوبات الشخصية تبوء بالفشل نتيجة الاصطدام بهذا الأمور.
ــــــــــــــــــــ(42/294)
الاختيار لاعتبارات مادية .. بين القبول والرفض
يوسف ميخائيل أسعد
مما لا شك فيه أن المال يعتبر ركيزة أساسية من الركائز التي يقوم عليها بناء الأسرة. ذلك أن الأسرة بمثابة مؤسسة اجتماعية لها قوامها الخاص بها، ومن ثم يجب أن يكون لها دخلها الذي يكفيها لسد نفقاتها بحيث يتحقق لها الاستقلال الاقتصادي عن غيرها من أسر أو من شخصيات. فمن المؤكد أن الأسرة التي لا تقوم على أساس اقتصادي مكين لا تستطيع أن تزعم لنفسها الاستقرار مهما كانت وشائج الحب والوئام قوية بين الطرفين المؤسسين لها، أعني الزوج والزوجة.
بيد أن هناك مَن يرجحون كفة الناحية المادية في الاختيار لشريك المستقبل محتجين بالحجج التالية:
أولاً ـ إن تأسيس أسرة جديدة بحاجة إلى دفعة مالية قوية بحيث لا يمكن الاعتماد على الدخل العادي في هذا الصدد. فلابد من توفير المسكن والأثاث ونفقات عقد القران والتكاليف النثرية الكثيرة التي تتواكب مع الأيام أو الأشهر الأولى للزواج. من هنا فإن توافر المال عند الطرفين لا يعد من قبل الترف، بل هو ضرورة لا مناص منها حتى يتسنى تسيير الأمور في مجراها الطبيعي.
ثانياً ـ إن توافر المال لدى الطرفين يوفر الظروف التي تحول دون نشوء الكثير من المشكلات والمصادمات التي يمكن أن يسببها العوز أو التقصير في جانب ما من الجوانب الأساسية في تشييد الأسرة الجديدة. وبتعبير آخر فإن نقص المال يمكن أن يسبب الكثير من المشكلات التي قد تنتهي بزعزعة الوشائج العاطفية التي كانت متوافرة قبل مجابهة الموقف المالي.
ثالثاً ـ وكذا فإن توافر المال أمام الخطيبين ـ ثم الزوجين فيما بعد ـ يضمن لهما الكثير من فرص المتعة بالحياة، ومن ثم استشعار السعادة، بينما يعمل الفقر على إتعاسهما وحرمانهما من الكثير من أسباب السعادة والرفاهية.
رابعاً ـ ولا شك أن تحقيق الجمال في كل شيء يرتبط ارتباطاتً وثيقاً بما يحوزه المرء من مال فلقد جعلت الحضارة من الجمال سلعة تشتري بالمال. فبالمال يمكن تغيير لون الشعر والبشرة وتصفيف الشعر وارتداء الملابس ذات الألوان الجميلة وذات الموديلات المتجددة. ولا شك أن الجمال يعتبر من أهم عوامل الجذب بين قلبي الخطيبين، وبعد ذلك الزوجين في مستقبل العلاقة بين شريكي الحياة.
ولكن بالرغم من وجاهة هذه الحجج الخمس التي يسوقها أولئك الذين يحتفلون بالجانب الاقتصادي في اختيار شريكي الحياة، فإن هناك حججاً أخرى مناهضة يمكن تلخيصها فيما يلي:
أولاً ـ إن الاختيار الذي ينبني أساساً على الجانب المادي لا يكون قائماً على أساس متين، بل يكون قائماً على أساس واه. فالمال لا يصنع الحب ولا يدعم الوشائج القلبية حتى وإن تظاهر الطرفان بحب بعضهما بعضاً.
ثانياً ـ وحتى عندما لا يكون الدافع لعقد الخطوبة هو الطمع في المال، فإن الطرف الغني المحبوب بصدق يصعب عليه أن يصدق أنه شخصية محبوبة لذاتها. فهو يتشكك في صدق حب الطرف الآخر له معتقداً أنه يتظاهر بالحب حتى يستفيد من ماله.
ثالثاً ـ كثيراً ما يكون توافر المال لسبباً لنشوء المنازعات بدرجة تزيد عن درجة وشدة المنازعات التي تحدث بسبب الفقر. فتوافر المال لأحد الخطيبين أو للخطيبين معاً لا يكفل السعادة لهما، بل إنه قد يسبب لهما التشكك في نيات بعضهما أو قد يدفع بالواحد منهما إلى اتهام الآخر بالبخل أو بالتبذير، وهو اتهام لا يمكن توجيهه إلى الفقراء.
رابعاً ـ إن توافر المال للخطيبين يحرمهما من لذة المعاناة والشعور بوجود صعوبات وعوائق أمامهما عليهما تحديها واقتحام أسوارها حتى يتحقق الزواج. ولا شك أن الشيء الذي يحصل عليه المرء بصعوبة يكون عزيزاً لديه لأنه حصل عليه بالكفاح خلافاً للشيء الذي يحصل عليه المرء بغير أن يبذل فيه جهداً يذكر. إنه يهمله أو يرذله وينفض منه يده بسهولة، أو حتى لقد يشمئز منه وينفر من الإبقاء عليه والذود عن حياضه.
خامساً ـ توافر المال أمام الخطيبين يحرمهما من لذة بناء الأسرة لبنة لبنة. ذلك إنهما يحققان جميع أهدافهما المادية المتعلقة بالأسرة دفعة واحدة. والواقع أن الحياة الخالية من الأهداف، أو الحياة التي لا تتجدد فيها الأهداف، إنما تكون حياة سقيمة جوفاء وخالية من المضمون. وعلى العكس من هذا نجد إن إحساس الخطيبين بأن أمامهما شوطاً طويلاً يجب أن يقطعاه معاً، لمما يعمل على إحساسها بالسعادة كلما تمكنا من تحقيق أحد الأهداف بينما تكون أمامها أهداف أخرى لم تتحقق بعد.
ــــــــــــــــــــ(42/295)
الاختيار لاعتبارات اجتماعية .. وتأثيراتها على الخطيبين
يوسف ميخائيل أسعد
من الخطأ أن تقول إن المرء حر فيما ينتحي إليه في اختيار شريك الحياة تمام الحرية بحيث يكون صادراً في ذلك عن دخيلته وعن إرادته الشخصية بغير أن يكون متأثراً في ذلك بالضغوط الاجتماعية المتباينة التي تجعل اختياره متمشياً، أو قل مصبوباً، على قد القوالب الاجتماعية التي تفرض نفسها عليه وتلزمه باحترامها والتواؤم مع متطلباتها وهيآتها. ولعلنا نحدد تلك الضغوط أو القوالب الاجتماعية فيما يلي:
أولاً ـ الضغوط الدينية: فأنت لا تستطيع أن تختار خطيبتك إلا من الفئة الدينية التي تنتسب إليها. وحتى إذا كان دينك يسمح لك بأن تختار شريكة حياتك من فئة دينية غير الفئة الدينية التي تنتسب إليها، فإن مثل ذلك الاختيار يكون مستهجناً في الغالب ويقابل بالمقاومة من جانب ذويك وأصدقائك وجميع مَن تربطك بهم علاقات اجتماعية.
ثانياً ـ الضغوط العرقية: وهذه الضغوط تتعلق بالجنسية أو بالأصل العرقي. فمن الصعب أن يختار المرء شريك الحياة من أبناء جنس آخر مختلف عن جنسه. ويدعم تلك الصعوبة اختلاف اللغات والعادات والتقاليد الاجتماعية من شعب لآخر الأمر الذي يجعل الاتصالات وإقامة العلاقات والوشائج الوجدانية من الصعوبة بمكان.
ثالثاً ـ الضغوط القبيلية والأسرية: فمن العوائق التي تقف حائلاً يصعب تخطيه في عملية اختيار شريك الحياة ما تقوم به القبيلة أو العشيرة أو الأسرة من ضغوط على أبنائها في عملية الاختيار. ففي كثير من المجتمعات البشرية تكون لاختيارات مقيدة بما تأخذ به تلك المجتمعات من أعراف متينة لا يمكن فك أواصرها أو التحلل منها بسهولة.
رابعاً ـ الضغوط القانونية: فلقد يمثل القانون وما يتضمنه من تشريعات حائلاً يقوم دون الاختيار الفردي الحر. من ذلك مثلاً أن تكون الشابة التي يرغب أحد الشبان في التقدم إليها مخطوبة، ومن ثم يكون من المرفوض قانوناً عقد الخطبة الجديدة حتى برغم موافقة الطرفين على عقدها. فلابد أن تفصم الخطوبة السابقة فصماً قانونياً قبل الإقدام على عقد أواصر خطوبة جديدة.
خامساً ـ سمعة الشخص بين معارفة: فالواقع أن شخصية المرء تتحدد في ضوء ما يصدر عنه من تصرفات وأقوال، وكذا في ضوء ما يتسم به من اتجاهات وما يعرف عنه من أخلاق وسلوك. وكثيراً ما تكون الصورة التي تتحدد للشخص في أذهان معارفه وأهل بيئته الاجتماعية وأقربائه غير مواتية بحيث يصير شخصية مرذولة ومرفوضة. فعندما يرغب ذلك الشخص في عقد أواصر الخطوبة على إحدى الشابات من معارفة، فإن سمعته السيئة تسبقه إلى ذويها الأمر الذي يحول دون إتمام الخطوبة.
ومن الطبيعي أن يكون لهذه الضغوط الاجتماعية الخمسة فيما يتعلق باختيار شريك الحياة بعض الفوائد وبعض الأضرار. ولنبدأ باستعراض المزايا والفوائد التي تترتب على وجود واعتمال تلك الضغوط الاجتماعية. أولاً ـ إن الضغوط الاجتماعية فيما يتعلق باختيار شريك الحياة تعمل على الحفاظ على كثير من القيم التي نعتز بها ونتمسك. فالمسألة ليست مجرد ميل شخصي يعتمل في القلب، بل إنها أكثر من ذلك. فثمة قيم مقدسة يجب أن يحني لها نداء القلب رأسه. فلا يكفي أن يحس نحوها أو نحوه بالحب، بل يجب أن تعطى الأولوية للقيم الدينية ولغيرها من قيم ذات قيمة ذاتية لا يمكن الإغضاء عنها أو صرف النظر عنها أو الضرب بها عرض الحائط.
ثانياً ـ إن الضغوط الاجتماعية في مسألة عقد أواصر الخطوبة تضمن التماسك العرقي وعدم تحلل الأنساب. صحيح أن الحضارة قد قضت على كثير من التقاليد الاجتماعية المتعلقة بتماسك القبائل والعشائر والأسر ذات التقاليد والقيم والأعراف العريقة، ولكن هذا لا يحول دون القول بأهمية تماسك ونقاء الأنساب.
ثالثاً ـ إن الضغوط تعمل في النهاية على توفير السعادة للخطيبين ثم للزوجين. فهي في مجموعها ضغوط وجيهة ولها قيمة ذات بال. فما تستنه تلك القيود من حدود وما تفرضه من قيود يكون في نهاية المطاف بمثابة الدرع الواقي والسند الأكيد لتحقيق مستقبل آمن للخطيبين ولما يتوقان إليه من زواج سعيد.
رابعاً ـ إن الضغوط الاجتماعية فيما يتعلق باختيار الخطيبة أو الخطيب تعد مقوماً أساسياً من المقومات الاجتماعية التي تنبني عليها الخطوبة والزواج جميعاً. ذلك أن الخطوبة والزواج ليسا مجرد تصرفين فرديين، بل هما في الواقع وبالدرجة الأولى تصرفان اجتماعيان، بل إن الأسرة التي تقوم على أساسهما لا تعدو أن تكون مؤسسة اجتماعية بمعنى الكلمة.
خامساً ـ يمكن اعتبار الضغوط الاجتماعية هادياً ومرشداً للشاب والشابة في مسألة الاختيار. ويخطئ مَن يعتقد أن تلك الضغوط الاجتماعية وسائل للقسر أو الاستعباد. فهي وإن كانت عوامل ضغط وإجبار على نحو ما، فمن الممكن اعتبارها من جانب آخر عوامل إرشاد وتوجيه وتبصير بخير الشاب والشابة المقبلين على اختيار شريك الحياة المقبلة.
أما بالنسبة للأضرار التي يمكن أن تحملها تلك الضغوط الاجتماعية في ثناياها، فإننا نستطيع تلخيصها فيما يلي:
أولاً ـ لا شك أن الضغوط الاجتماعية بمثابة كبت ومصادرة للحرية الفردية في اختيار الخطيبة أو الخطيب. ولعلنا نقول إن ثمة صراعاً قائماً بين الإرادة الفردية وبين الإرادة الخارجية القاهرة التي تتمثل في الوالدين أو مجموع الأفراد المحيطين بالمرء. وانتصار هذه الإرادة الجمعية بمثابة حرمان من التعبير عن الإرادة الفردية.
ثانياً ـ تتمثل الضغوط الاجتماعية في محاولة المطابقة بين الرغبة الجمعية وبين الرغبة الفردية في الاختيار. ولكأن لسان حال المجتمع يقول ((بما أني قمت بالاختيار، فعليك أيها الفرد بأن ترغب فيما أرغب أنا فيه)) ولكن هيهات أن تخضع الرغبة الفردية للرغبة الجماعية. فما يقوم المجتمع باختياره للفرد يغلب أن ينبو عن الاختيار الذي ينحو إليه الفرد، بل إن المفارقة تكون شديدة بين المزاج الجمعي وبين المزاج الفردي.
ثالثاً ـ كثيراً ما يأتي الاختيار الجمعي تالياً للاختيار الفردي فيحاول محقه وإلغاءه. فالشاب يقع اختياره على شابة، وأيضاً العكس ولكن ما أن يفاتح ذويه فيما تم له اختياره حتى يقاوموه ويعرضوا عليه اختيارهم ويرغموه على قبوله. ومن ثم ينشأ صراع بين الاختيارين ويكون عليه أن يرضي نفسه فيغضب المجتمع، أو أن يرضي المجتمع فيكون بذلك قد خان الشخصية التي هفا إليها بقلبه وبلور حولها وجدانه.
رابعاً ـ غالباً ما تكون الاختيارات الجمعية لأسباب بعيدة كل البعد عن الجوانب الذاتية، وإن هي تعلقت بالجوانب الذاتية فإنها تكون بمثابة تعبير عن أذواق آخرين لا ترتبط من قرب أو بعد بالمزاج الشخصي للطرفين الرئيسيين، أعني الخطيب والخطيبة.
خامساً ـ لا تسير الضغوط الاجتماعية وفق القانون الطبيعي لنمو العواطف الإيجابية التي تعتبر الوشيجة الرئيسية للعلاقة بين الشاب والشابة اللذين يصيران خطيبين ثم زوجين فالعلاقة بين الخطيبين ـ بفرض أن تكون علاقة سوية وقائمة على أسس طبيعية ـ يجب أن تكون نقطة الانطلاق فيها صادرة عنهما وعن قلبيهما ولا تكون مفروضة عليهما من الخارج.
سادساً ـ أخيراً فإن الضغوط الاجتماعية كثيراً ما تخنق الوشائج الوجدانية الطبيعية التي تبدأ في الترعرع بين قلوب الشباب من الجنسين، ومن ثم فإنها تقطع الوصال الذي كان ليضمن حياة زوجية في المستقبل تسبقها خطوبة ناجحة. بيد أن الضغوط الاجتماعية تخنقها قبل ترعرعها ونضجها.
ــــــــــــــــــــ(42/296)
الاختيار لاعتبارات ثقافية ومزاياه
يوسف ميخائيل أسعد
لا نعني بكلمة ((ثقافة)) المعرفة، بل نعني الخبرة. ولفظ ((خبرة)) أشمل بكثير من لفظ ((معرفة)). ذلك أن المعرفة حدودها العقل بما يشتمل عليه من مدركات ومتذكرات وأخيلة وتصورات مجردة. أما الخبرة فإنها تتضمن إلى جانب المعرفة بمضامينها الإدراكية والتذكيرية والخيالية والتصويرية ما يمكن أن يكتسبه المرء من عواطف واتجاهات وجدانية، ومن مهارات يدوية ومهارات اجتماعية وقيم تذوقية، سواء كان التذوق تذوقاً دينياً أم تذوقاً جمالياً أم تذوقاً أخلاقياً أم تذوقا اجتماعياً بإزاء العلاقات الاجتماعية بين المرء وغيره من أفراد أو بينه وبين المجموعات الاجتماعية المتباينة التي تقوم بينه وبينها وشائج وعلاقات ومواقف.
وبهذا المعنى الواسع للفظ ثقافة نتدارس اختيار شريك الحياة وقد أخذ في اعتباره ما سبق له اكتسابه من ثقافة. ولعلنا نحدد فيما يلي الحالات التي يتم فيها الاختيار في ضوء الاعتبارات الثقافية:
أولاً ـ امتهان الطرفين بمهنة واحدة فيجدان لغة مشتركة تجمع بينهما وتسمح لهما بالاتصال بعضهما ببعض ذهنياً ووجدانياً وأدائياً. من ذلك مثلاً أن يختار أحد الأطباء طبيبة تعمل معه ويجد رغبة في نفسه لربط حياته بحياتها. فحبه لمهنة الطب يحمله على أن يختار زوجة المستقبل من نفس الفئة التي تمتهن بهذه المهنة.
ثانياً ـ اختيار شريكة الحياة من أبناء مهنة أو حرفة مكملة أو مساعدة لمهنته أو حرفته. من ذلك مثلاً اختيار الطبيب لصيدلانية أو لإحدى الحكيمات لكي يربط حياته بها. وفي مثل هذه الحالات يكون الاهتمام موجهاً إلى التكامل لا إلى التطابق. فبالنسبة للنوع السابق من الاختيار يكون التطابق بين المهنتين هو الأساس. أما في هذا النوع من الاختيار فإن الأساس يكون التكامل، حيث تكمل مهنة أو حرفة الخطيب مهنة أو حرفة الخطيبة.
ثالثاً ـ الاختيار من مجموعة ثقافية مباينة تماماً عن المجموعة الثقافية التي ينتمي إليها المرء. وفي هذه الحالة لا يتم الاختيار في ضوء التطابق أو التكامل، بل يتم في ضوء التباين. وهنا نجد أن أمزجة أفراد هذه الفئة التي تنحو في اختيارها إلى مبدأ التباين الثقافي تنفر من مبدأي التطابق والتكامل وتأخذ نفسها بمبدأ التنوع الثقافي أو تباين الثقافة التي يحملها المرء بين أضلعة عن الثقافة التي يحملها الطرف الآخر ويأخذ بها.
رابعاً ـ الاختيار القائم على أساس منهج التفكير وليس على أساس مضمون التفكير. والذين يأخذون أنفسهم بهذا النوع من الاختيار ينحون إلى البحث عن الشخصيات التي تتفق معهم في طريقة التفكير في شتى مجالات الحياة. ومن أهم مناهج التفكير المنهج التحليلي الذي يتناول الشيء أو الفكرة ويأخذ في تحليلها إلى بسائطها، ثم المنهج التركيبي الذي يتناول فيه أصحابه الأجزاء أو البسائط ثم يعمدون إلى إنشاء مركبات متباينة منها، ثم المنهج العلائقي الذي يعمد الآخذون به إلى إقامة علاقات متباينة وكثيرة ودقيقة فيما بين الأشياء أو فيما بين الأفكار بعضها وبعض، ثم المنهج القياسي الذي يعمد الأخذون به إلى استنباط نتائج من أقيسة كأن يقول الواحد منهم ((إن المعادن تتمدد بالحرارة. وهذه القطعة الموجودة أمامي معدن، إذن فهي تتمدد بالحرارة))، ثم المنهج الاستقرائي فيخلص من يأخذ به إلى نظريات عامة مستفادة من مشاهدات علمية أو من خبرات محسوسة واقعية.
خامساً ـ الاختيار القائم على أساس نزعات وجدانية مشتركة. والآخذون بهذا النوع من الاختيار يجتهدون في أن يقعوا على شخص من نفس النوعية المزاجية التي ينخرطون فيها. فإذا كانوا ممن يميلون إلى الضحك، فإنهم يبحثون عن الشخصيات التي تميل إلى المرح. وإذا كانوا ممن يميلون إلى الشاعر الهائجة والمواقف التي تتضمن الإثارة للعواطف، فإنهم ينحون إلى أشباههم في هذا الصدد.
ولنا أن نتساءل عن مزايا هذا النوع من الاختيار الذي يعتمد فيه المرء على المكتسبات الخبرية التي سبق له اكتسابها والتي سبق للطرف الآخر اكتسابها أيضاً. إننا نستطيع تلخيص هذه المزايا فيما يلي:
أولاً ـ لا شك أن الخبرات التي سبق للمرء اكتسابها تصير من لحم كيانه النفسي. فهي ليست رقعاً مضافة إضافة إليه، بل هي مجرى سار فيه نمو شخصيته. من هنا فإن إقامة الاعتبار أهم الاعتبار لما سبق للمرء اكتسابه من ثقافة ثم الإقدام على اختيار شريك الحياة في ضوء ما تم له تحصيله واستيعابه من ثقافة خليق بالتقدير والترجيح. ولعلنا نزعم أن الاختيار على الأساس الثقافي يعتبر في نظرنا من أهم الركائز التي يقوم عليها الزواج الناجح في مستقبل العلاقة بين الخطيبين.
ثانياً ـ إن تحرر المرأة ووجود رأي لها في مستقبلها يجعل من الضروري أن تقوم علاقات ثقافية بينهما وبين الكثير من أفراد الشباب، الأمر الذي يسمح لها بأن تختار كما هو حال الشبان من بين أفراد الجنس المقابل وقد أخذت في اعتبارها الركائز الثقافية لديها ولدى الشاب الذي تقبله شريكاً لها في مستقبل حياتها.
ثالثاً ـ إن تنوع الاختيارات الثقافية، وهي الاختيارات التي فرعناها قبلاً إلى خمسة فروع، لمما يسمح بخصوبة الاختيار، وهذا مما يساعد على توفير الفرس أمام الشباب من الجنسين للوقوع على شريك الحياة الملائم لتحقيق خطوبة ناجحة، ثم لتحقيق زواج ناجح بعد ذلك.
رابعاً ـ تعتبر الخيارات الثقافية بمثابة نقط التقاء بين شريكي الحياة وذلك. يضمن نجاح الخطوبة والزواج. ولا شك أن التفريعات الخمس التي عرضنا لها آنفاً لا تعني أن يقتصر أمر الاختيار على تفريعة واحدة منها دون باقي التفريعات الثقافية الأربع الأخرى. والمهم بإزائها جميعاً توفير نقط التقاء وركائز يجب الاعتماد عليها في العلاقة بين الطرفين اللذين يختاران بعضهما بعضاً ويتجاوبان بعضهما مع بعض.
خامساً ـ من الممكن مثلاً أن يأخذ المرء في اعتباره الاتساق الوجداني مع الطرف الآخر حيث تكون الأمزجة المكتسبة أو الموروثة ـ كحب المرح مثلاً ـ متساوقة بالإضافة إلى أن يأخذ في اعتباره الظروف الاجتماعية التي عرضنا لها في الموضوع السابق.
ــــــــــــــــــــ(42/297)
اضطرابات التوافق لدى الشباب.. الاسباب والعلاج
* ديانا هيلز
لكل واحد منا، نحن البشر، مصاعبه التي تواجهه لكي يتكيف مع أزمات الحياة. لكن البعض يكونون أكثر عرضة من سواهم، حينما تجابههم بعض المواقف الجديدة الصادمة كما يحصل لهم عندما يغادرون أول مرة منازل آبائهم كما ألفوها، أو حينما يتقاعدون من العمل بعد حياة طويلة حافلة بالنشاط والعطاء. عمر الإنسان وحياته عامل مؤثر في تكيفه وفي تصرفه. فالشاب وهو في الثلاثين من العمر مثلاً يكون أقل تعرضاً للتأزم النفسي من الرجل وهو في الستين من عمره حينما يدرك أنه قد يصعب عليه أن يجد عملاً جديداً. وكذلك الحال بالنسبة للمرأة التي لا ولد لها فتواجه موقفاً صعباً إذ تحس أنها وحيدة، بخلاف المرأة المتوسطة العمر ولها أولاد تشعر أنها يمكن أن تلجأ إليهم عند الحاجة. فحال المرأة الأولى إحساس بفراغ ومن ثم خوف من مجهول، وشعور الثانية اطمئنان واسترخاء. وإن التكيف يختلف في الحالين لا شك.
اضطرابات سوء التوافق لا تقتصر على عمر دون آخر. فقد تبين نتيجة للبحوث والدراسات أن معظم الناس الذين ينشدون العون للتخلص من اضطراباتهم هذه هم في العشرينات من أعمارهم. لكن الأمر لا يتوقف عند هذه الأعمار. فالمراهقون، مثلاً، كثيراً ما يجلبون عناصر اضطرابات الضغوط الحياتية لأنفسهم بأيديهم: مثلاً تصدر عنهم:
1_ عوامل الهروب من مدارسهم.
2_ إهمال واجباتهم المدرسية.
3_ التسكع في الشوارع.
4_ السرقة من المخازن والبقالات.
5_ ارتكاب أعمال سلوكية أخرى مناهضة للمجتمع.
أما من هم أكبر سناً من المراهقين والشباب، فإنهم في الغالب يهوون فريسة للإكتئاب.
ما هي أسباب سوء التوافق
الضواغط النفسية psychological stressors يمكن أن تتخذ في ظهورها إشكالاً شتى، من ذلك مثلاً:
1_ حوادث وأحداث عالمية كالحروب، أو القحط والجوع.
2_ احداث وطنية تقتصر على مجتمع بعينه، كحدث معين يهز كيان أبناء ذلك الوطن جميعاً.
3_ أحداث أو حوادث إقليمية كالزلازل التي تصيب منطقة معينة.
4_ حوادث تخص جماعات محددة، كما في حالات التمييز العنصري.
5_ حالات محدودة، كما في حالة خسارة مباراة في لعبة كرة القدم الدولية، حيث يمنى فريق بهزيمة فيها.
6_ حالات على المستوى الفردي، كما في حالة الإصابة بمرض، مثلاً، أو عندما يصدم الفرد بخيانة صديق له إذ يتبين أنه أودع صديقه كل ثقته فإذا بهذا الصديق لم يكن صديقاً حقاً.
فالأمر في جميع هذه المواقف يتوقف على ما تعينه هذه المواقف للشخص الذي يتعرض لها. إذ من المستبعد أن يستجيب شخصان بنفس الطريقة لموقف مؤثر يتعرضان له.
والمفتاح الأساسي لفهم الاستجابات للضغوط هنا لا يعتمد على طبيعة الضواغط ومصادرها وإنما يتوقف الأمر في حقيقة الوضع على الكيفية التي بها يستجيب الفرد إلى تلك الضغوط. فبعض الناس ينهارون، بينما ترى غيرهم يتماس ويجتهد للتعامل مع الظرف الطارىء الضاغط.
لماذا كل ذلك؟
الجواب على هذا يتمثل في حقيقة سيكولوجية تلك هي: أن لكل شخص (نقطة انهيار) نفسي psychological breaking point، تختلف تمام الإختلاف عن أي شخص آخر. والوضع كله يتوقف على جملة عوامل، منها مثلاً:
1_ طبيعة الضغوط ومصادرها.
2_ بنية شخصية الفرد.
3_ مزاج الشخص الذي يتعرض للضغوط.
4_ عمر الشخص.
5_ الجنس: ذكوراً كانوا أم نساءاً.
6_ الصحة الجسمية للفرد.
وأياً كانت الحال، فإن الأمر يعتمد على شدة الضغوط، وعلى مصادر الضغوط، وعلى تكرار الضغوط، وعلى نوعية الضواغط، وعلى تجارب المرء في الحياة.
كيف يحس المصاب باضطراب سوء التوافق
تختلف الأحاسيس المرتبطة باضطراب سوء التكيف اختلافاً كبيراً من درجاتها، ومن حيث حدتها، ومن حيث تباين خبرات الأفراد الذين يتعرضون لها. فإذا كان القلق، مثلاً، هو أساس المشكلة، فإن الفرد يصبح خائفاً، متطيراً، وجلاً، فتراه عصبياً طول الوقت أو معظمه. وفي حالة اقتران سوء التوافق بالاكتئاب، فإن الانفعالات المرافقة لذلك الاكتئاب تكون أكثر حدة فتظهر على الفرد أعراض مثل:
1_ الحزن،
2_ البكاء،
3_ الإحساس بالعجز أمام أي شيء،
4_ فقدان الأمل،
5_ الإحساس باليأس.
وبعض الناس يلازمهم نوع مزيج من سوء التكيف يتمثل بتداخل القلق مع مشاعر الكآبة. وهذه الحالات كثيراً ما تستمر مع الأشخاص الذين تنتابهم عوامل مختلطة من سوء التكيف والقلق والإكتئاب. ومثل هؤلاء الأشخاص تبدأ أعراض سوء التوافق تظهر عندهم بعد مرور ثلاثة أشهر تقريباً من بدايات تداخل عناصر مشكلاتهم المرضية المذكورة. لكن مدة استمرار الاضطراب تتفاوت من فرد إلى آخر، ومن حدث إلى سواه: ففي حالة الحوادث الصادمة العنيفة، أو في طول فترة المرض، تبقى الآثار المرضية عالقة بأصحابها فترات أطول، ويتوقف الأمر كذلك على عنف الضواغط stressor التي يتعرض لها المرء في حياته، وللإرادة هنا وعمق التجارب دخل كبير في التخفيف من وطأة الصدمة وعنف الضواغط.
ومن المضاعفات الخطيرة التي تترتب على سوء التوافق، في حالة عدم علاجه، أنه ينتهي بالفرد إلى الاكتئاب الشديد المزمن، والقلق المرضي باضطراباته المزعجة.
علاج سوء التوافق
الهدف من علاج اضطرابات سوء التوافق يرمي دائماً إلى تحسين قدرة الفرد لتمكينه مع بيئته. وأن الوسيلة الأساسية في هذا العلاج هي التحدث إلى الشخص المضطرب. لكن الكلام العلاجي هذا يجب أن يكون صادراً من مختص بالطب النفسي، ووفق أسس علمية معروفة لدى المختصين. وذلك يتم بصب المخاوف المؤلمة المختلطة بالمشاعر في قوالب من الألفاظ، وهذا من شأنه أن يقلل الضغط المتسبب عن الضواغط الحادة ويرفع من معنوية الفرد ويشحذ قدرته على التصدي للمشكلة التي هو فيها، وأن مرور الزمن يعد عاملاً مساعداً على الشفاء؛ وذلك بتضافر عنصري العلاج والوقت معاً. إذ أن تفهّم الخبرة المؤلمة وكيفية مواجهتها بالعلاج المطلوب يفضيان إلى مواقف يتمثل فيها النجاح. وفي الحالات التي تكون فيها الأزمة النفسية حادة ووقعها أشد إيلاماً واستمرارها لا يشير إلى إنتهاء، فإن ما يطلق عليه في التحليل النفسي (العلاج الرافد) supportive theorapy، يعد أنجع وسيلة في هذا المجال. فهذا العلاج المعين يساعد كثيراً على إزالة المشكلة والتخفيف من وطأتها.
وهناك في مثل هذه المواقف، ما يسمى بالعلاج النفسي العاجل أو السريع، وهذا مما يساعد الشخص على أهمية الحدث ومسبباته، ويجعله في صورة الحدث الذي هو فيه، ويجعله يواجه مشكلته بشكل ادعى إلى الموقف الصحي الصحيح، فيمكّنه من مواجهة الضغوط النفسية بشجاعة وفعالية، كما في الحالات التي تتم فيها العناية بالمسنين. ومما يجدر إتباعه من نصائح في هذه الحالات هي أن تشجّع الأشخاص على مواجهة المشكلات التي كانوا يتحاشون مواجهتها، هذا بالإضافة إلى:
1_ أن يدوّنوا في مذكرات خاصة بهم فترات الأعراض التي مروا بها، وخلال الأيام التي يراجعون فيها للعلاج.
2_ تعلمهم طرائف وتقنيات التخفيف من شدة الضغوط.
3_ تشجعهم على الانضمام إلى جماعات يأنسون الالتحاق بها غايتها التعاون فيما بين أفرادها لإزالة آثار المعزلة وتبديد مشاعر الخوف من الغربة النفسية. وفضلاً عما تقدم ذكره، فإن هناك أساليب أخرى العلاج، من ذلك مثلاً:
أولاً: العلاج الجمعي، وفيه يتم جمع كل الأفراد الذين لديهم نفس الاضطرابات، على صعيد واحد ومن ثم يتم علاجهم. وهذا من شأنه أن ينسيهم آلامهم، ويمتص انفعالاتهم، ويجعلهم يحسون بجو من الاطمئنان.
ثانياً: العلاج ببعض العقاقير الطبية النفسية، وهناك عقاقير تصنّع الآن لهذا الغرض الخاص بحالات سوء التكيف. ولكن يجب استعمالها بإرشاد الطبيب النفسي المختص.
ثمة ما يسمى بالعلاج الذاتي self-help، وأول خطواته هي أن تعترف في قرارة نفسك أنك تواجه ضغطاً من الضغوط النفسية. تلي ذلك خطوات أخرى، أهمها:
1_ العناية بالتغذية الصحيحة.
2_ تنظيم أوقات النوم.
3_ إجراء التمارين الرياضية المناسبة لكل عمر.
4_ التحدث عما تشعر به إلى شخص تثق به.
ــــــــــــــــــــ(42/298)
انتبه طباعك قابلة للتغيير
حتى تغيّر شيئاً اُنظر إليه نظرة مغايرة ، لأنّ النظرة التقليدية تجعلك تقتنع بما أنت فيه فلا ترى حاجة للتغيير .. ذلك أنّ أيّة عملية تغيير أو تبديل في أيّ طبع أو عادة تحتاج إلى شعور داخلي أن هذا الطبع أو العادة ليسا صالحين ولا بدّ من تغييرهما .
دعنا ـ في البداية ـ نطرح عليك بعض الأسئلة :
ـ هل جرّبت أن تعدّل سلوكاً معيناً إثر تعرّضك إلى نقد شديد ؟
ـ هل قرأت مقالة ، أو حديثاً ، أو حكمة ، أو قصّة ذات عبرة ودلالة ، فتأمّلتها جيِّداً ، وإذا بها تحدث في كيانك هزّة ، لتعيد النظر على ضوئها في أفكارك أو تصرّفاتك ؟
ـ هل التقيت ـ ذات مرّة ـ بشخص غير اعتيادي ، وحينما حادثته شعرت أنّ لأفكاره قابلية النفوذ إلى قلبك وعقلك ، أو أنّ سلوكه من التهذيب والنزاهة والاستقامة ما يجعلك أن تتأسّى به ؟ بل وتعيد حساباتك القديمة ؟
ـ هل حدث أن مشيت في طريق لمسافة طويلة ، ثمّ اكتشفت أنّ هذه الطريق ليست الطريق التي تريدها ، ولا هي التي توصلك إلى هدفك ، ورغم معاناتك في السير الطويل وتعبك الشديد ، تقرّر أن تسلك طريقاً أخرى تهديك إلى ما تريد ؟
ـ هل سبق أن كوّنت قناعة معيّنة حول شيء ما ، وقد بدت لبعض الوقت ثابتة لا تتغيّر لكن وقع ما جعلك تراجع قناعتك .. كفشل في تجربة ، أو تعرّضك لصدمة فكرية أو روحية ، أو تشكّلت لديك قناعة جديدة إمّا جرّاء الدراسة والبحث ، أو من خلال اللقاء بأناس أثّروا في حياتك ، فلم تُكابر ولم تتعصب تعصب الجاهلين ، لأ نّك رأيت القناعة المغايرة الأخرى أسلم وأرشد وأهدى ؟
ـ هل سكنتَ في منطقة ، أو بقعة من الأرض ، لفترة طويلة فألفتها وأحببتها وتعلّقت بها لأ نّها كانت مرتعاً لذكرياتك، ثمّ حصل ما جعلك تهاجر منها أو تستبدل بها غيرها لظروف ذاتية أو خارجية ، وإذا بك تألف المكان الجديد ، وقد تجد فيه طيب الإقامة وحسن الجوار ؟
إذا لم تكن ـ لحدّ الآن ـ تعرّضتَ لأيّ من الحالات السابقة ، فالحياة كفيلة بتغيير بعض قناعاتك ، وبعض أفكارك ، وبعض السبل أو الوسائل التي تعتمدها في حياتك ، وبعض الطباع التي أدمنتها وداومت عليها .
تغيير القناعات أمر طبيعيّ ، ويدلّل في الكثير من الحالات على درجة من النضج والوعي والمرونة .
دعنا نراجع الأمثال السابقة من وجهة نظر أخرى ، وقبل ذلك نسأل :
ـ هل الأقوال المارّة الذكر مقدّسة لا تقبل النقد أو الطعن ؟
ـ هل هي توقيفية أي وقفت على معنى ثابت لا يتغيّر ؟
إذا لم تكن لا هذا وذاك فهي قابلة للنقد والنقاش والطعن والتفنيد وربّما التعديل .
إنّ العادة التي في البدن قد تكون مادّية كالشراهة في الأكل ، وقد تكون معنوية كالكذب . وبالرغم أنّ الاعتياد والإدمان يجعل الترك أو التخلّي والتخلّص من هذه العادات صعباً عليك ، لكن بإمكانك أن تسأل الكثير من الشرهين والشرهات الذين كسروا هذه العادة ، وقنّنوا وانتظموا واعتدلوا في طعامهم ، ولك أن تسأل عن كيفية نجاحهم .
لا شكّ أن تمارين التقنين الغذائي (الرجيم) التي التزمها بعض الرجال وبعض النساء أتت بنتائج باهرة ، إذ مَنْ كان يتصوّر أنّ الذي فاق وزنه المائة كيلوغرام يغدو رشيقاً إلى هذا الحدّ ؟
وتلك البدينة التي أثقلها حملها من اللحوم والشحوم ، مَنْ يصدّق أنّها هذه التي أصبحت خفيفة لطيفة ؟
ـ كيف نجحوا ؟
ـ بالإرادة !
وحتى الكذب ، أو أيّة خصلة سيِّئة أخرى ، حينما عقد المبتلون بها العزم على معالجتها والقضاء عليها ، وصدقوا في عزمهم وقرارهم ، استهجنوا تلك الخصال الذميمة ، وعملوا على استبدالها بأضدادها ، وندموا على الماضي الملوّث بها ، وعادوا انقياء منها كما هو الثوبُ الملوّث بعد الغسل .
أمّا مقولة «مَنْ شبّ على شيء شاب عليه» فقد أسيء فهمها ، وتركزت النظرةُ إليها في الجانب السلبيّ ، أي مَنْ اعتاد على خصلة ذميمة في شبابه فإنّها ستلازمه حتى مشيبه ، والحال أنّ المقولة أو الحديث ناظر إلى إهمال العادات والطباع وتركها لتستفحل دونما معالجة ، حتى لتصبح بعد حين جزءاً لا يتجزّأ من الجسد ، أي أنّ المقولة ليست قاعدة ثابتة أو قانوناً صارماً ، وإنّما هي توصيف لحالة استعباد العادة للشباب .
كما أنّ المقولة تحمل وجهاً آخر ، وهو أن اعتياد الأمور الإيجابية والخيّرة ، والمواظبة على الحسنات والأفعال الصالحة يجعل منها ملكات يصعب قلعها .
وأمّا الأمثال التي تصوّر الطبع أو العادة قميصاً من حديد ، والتي تبيّن استحالة تغيير الطباع بما يوحي بحالة من اليأس من ذلك ، فلا تصمد أمام النقد .
إنّ القميص الحديدي قابل للكسر والتقطيع إذا كانت النار الموجهة إليه حامية ، أو أن منشاراً كهربائياً سلّط عليه ، أو أنّ حديداً أقوى وأصلب منه يلويه ، ألم تقرأ في الأمثال «لا يفلّ الحديد إلاّ الحديد» .
إنّ ما يوصف بـ (الإرادة الحديدية) قابلة أن تكسر الطباع والعادات التي تبدو في الظاهر حديدية ، ودونك قصص أصحاب الإرادات الفولاذية وما صنعوا ، فتأمّل فيها .
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/299)
زواج الغربة.. فرصة جديدة للحياة أم ماذا؟
لأسباب عديدة يقصد الشاب بلاد الغربة، وعندما يقرر الزواج فإنه غالباً
سيختار العروس من بلاده، وطريقة التعارف تنوب فيها الصورة الفوتوغرافية وشريط الفيديو إضافة إلى الهاتف والرسائل البريدية والآلات الإلكترونية مكان اللقاء المباشر، أما إذا تم اللقاء قبل تحديد موعد الزواج فإنه يتم بمدة زمنية قياسية، تستعد فيها الفتاة لتلحق بزوجها في بلاد الغربة.
ما رأيك بزواج الغربة؟
هناك صعوبات
تقول رائدة وهي فتاة في السابعة والعشرين من العمر، وتعد حالياً أوراقها للسفر إلى زوجها في ألمانيا تقول" تقدم لخطبتي عن طريق الأهل، فهو مغترب في ألمانيا، تحدثت إليه مرات عدة عن طريق الهاتف، وشعرت بأنني أستطيع أن أتابع حياتي معه، فوافقت، وأنا الآن أنهي أوراقي للحاق به، وأتوقع أن هناك صعوبات لكن سأحتملها لأن الحياة في البلاد الأجنبية ستؤمن لي حياة أكثر رفاهية ويسرا وحرية من تلك التي أعيشها هنا، كما أن الغربة تجعلنا نتعرف على بلد آخر مختلف بتقاليده وعاداته وشعبه وحضاراته، ولا شك أنني سأفتقد أسرتي وأصدقائي، وقد أعاني من صعوبة تكوين علاقات جديدة ضمن مجتمع غريب، لكن إذا كان الشخص جيدا فإن الفتاة بشكل عام تتشجع أكثر لخوض هذه التجربة، وعندما تكون سعيدة مع زوجها، ستجد الراحة أينما حلت.
عن طريق الأهل!
أما خالد عربش وهو متزوج الآن من فتاة تعرف إليها عن طريق الهاتف يقول"في البداية لم أفكر بالزواج، فأنا أعيش في ديار الغربة، واعتدت على حياة العزوبية، وكل ما يريده الإنسان من متطلبات الحياة يستطيع أن يوفرها بنفسه، دون أية صعوبة في هذا الأمر، لكن عندما فكرت أنه يجب أن يكون لي أطفال، وأنني سأكون في سن متقدم من العمر عندما يصبح أولادي في سن الشباب، قررت أن أدخل قفص الزوجية، وبما أنني في الغربة، كان لا بد أن أفكر بفتاة من الوطن تعيش التقاليد والعادات التي تربينا عليها، واقترح الأهل على فتاة معينة، تحدثت معها في البداية عن طريق الهاتف، وكانت هناك رسائل كثيرة بيننا، وعندما عدت إلى الوطن التقيت بها وجلسنا وتحدثنا في أمور كثيرة وكنت دائما أبحث عن صيغة للتفاهم بيننا، وكان أن اتفقنا، وأنا إلى الآن سعيد في زواجي وأعتقد أنها هي أيضا سعيدة، وسأعود بعد فترة إلى الدانمارك حيث كنت أقيم، وطبعاً برفقتها".
لم نتفق
ويعد زواج فادي نموذج آخر من زواج الغربة حيث تزوج هو من فتاة تعيش في الغربة تعرف إليها أيضا عن طريق الهاتف، والأهل دفعوه للزواج بها، والسفر لينال الجنسية الدنماركية، ويأخذ فرصة جديدة من الحياة، فجاءت هي إلى البلاد شريطة أن يتم الزواج، وفعلاً جاءت وتمت مراسم العرس، وغادر هو البلاد بعد أن أتم الأوراق المطلوبة، ولكن وبعد مرور شهرين يفاجأ الأهل بابنهم يقرع الباب وبيده حقيبة السفر التي غادرهم بها، ولدى سؤاله عن سبب عودته أجاب: " لم ولن نتفق أبداً" وكان أن خسر المال الذي انفق على تكاليف العرس والسفر، وما حلم به من حياة أصبحت بين يديه، ولازالت القضايا في المحاكم إلى الآن لإنهاء إجراءات الطلاق.
آراء مختلفة
ولكن ما رأي الشباب غير المتزوج في هذه الظاهرة هل هي حقاً فرصة جديدة أما أنها خطأ كبير.
طارق يرى أن هذا النوع من الزواج خطأ كبير إذا لم يتم التعارف مسبقاً، لأن الحوار يكشف كلا منهما للآخر، واللقاء مهم جداً، فقد يرتاح الإنسان للشكل الخارجي لكن عندما يتحدث مع الآخر لا يتقبله، الزواج عن طريق أشرطة الفيديو أو الصورة الشخصية، هو أسلوب لبداية التعارف فقط، وأعتقد أن الزواج أمر آخر يحتاج إلى دراسة متعمقة وبحث في إمكانية التوافق بين الشخصين، ومقدرة كل شخص على استيعاب الآخر، وهذا لا يؤمنه اللقاء الواحد أو الاتصال الهاتفي".
فرصة جيدة
وبالنسبة لدلال وهي فتاة في 23 من عمرها فتعتبر نفسها من الجيل الجديد تقول: "إن زواج الغربة يعطي فرصة كبيرة لحياة وتجربة جديدة وغنية، تكون شخصية الإنسان وتصقلها، والصعوبة الأكبر بالنسبة لي هي أن يبقى الإنسان معتمداً على أهله وأصدقائه في أمور حياته، والغربة تعطي فرصة لاختبار قدرات الشخص وامتحان نفسه في الصعوبات والقدرة على التحمل، لكن شرط أن يكون الشاب ذا أخلاق حميدة، محافظا على عاداته وتقاليده وعلى دينه، فالغربة قد تكون أثرت بصورة سلبية بحياته، فلا بد أن تتعرف الفتاة عليه عن قرب ولمدة زمنية كافية قبل أن تقرر".
العنوسة أفضل!
أما مها يوسف وهي فتاة في 25 من عمرها، عاشت وسط أجواء حدثت فيها الكثير من هذه الزيجات تقول " وأتعس زواج هو زواج الغربة، لأسباب عدة منها أن الفتاة ستقترن بشخص لا تعرف طباعه أو شخصيته بصورة جيدة، وعندما يقع الزواج تكون الصورة التي كونتها عن زوجها غير مكتملة، وقد يكون بعكس ما وصف به نفسه، وتبدأ عندها المشكلات، وأغلب هذه الزيجات تكون نهايتها الفشل، وغالباً يكون زواج مصلحة، وموافقة الأهل تكون نابعة من رغبتهم في فسح المجال لبقية أفراد أسرتها بالسفر، أو لتحسين أوضاعهم المادية، وغالباً هذا هو التفكير السائد لدى الأهل الذين يوافقون على تزويج بناتهم بهذه الطريقة، ولكن الفتاة قد تنخدع بحياة "الحرية" التي تفتقدها الفتاة في مجتمعنا الشرقي، وأعتقد أن الزواج لهدف الحصول على حيز من الحرية أوسع وأكبر تكون صاحبته مخطئة، فهو سبب غير كاف مقابل ما قد تواجهه من وحدة في بلاد الغربة".
الفتاة وقوة الشخصية
أما أم باسم وهي سيدة في 55 من عمرها قالت " إذا كان الشخص جيد فلتسافر ابنتي معه أينما يذهب، كثير من الفتيات تغربن عن أسرهن، ويعشن حياة سعيدة في الغربة، على كل المستويات، والمسألة بحاجة فقط للمغامرة، وعلى الإنسان أن يغامر في هذه الحياة، لأن الغربة تؤمن حياة مادية واجتماعية أفضل، ولكن الأمر يعود بالنهاية إلى قوة شخصية الفتاة إذا كانت قادرة على خوض غمار هذه التجربة أم غير قادرة، ويبقى النصيب هو السيد في هذه الأمور فقد تعيش الفتاة في كنف أسرتها، وتكون غير سعيدة في زواجها، لكن لا بد أن يلتقيا مدة كافية قبل الزواج ليفهم كل منهما الآخر، إضافة إلى ضرورة استشارة الأهل فهم لهم رأيهم الذي يساعد في إتمام قرار الزواج بحكم خبرتهم.
ــــــــــــــــــــ(42/300)
شباب يتعلمون طرق الامساك بزمام النفس عند الغضب
تنقل (ل) تجربتها في التحكّم بمشاعرها الهائجة والثائرة في حالات الغضب والانفعال الشديد ، فتقول :
إنّ كظم الغيظ ليس بالعملية السهلة ، لكنّه أمر ممكن لمن أراد أن يسيطر على انفعالاته ، وقد قرّرت ذلك وجرّبت ونجحت ، فكيف كان ذلك ؟
في البداية رحت أراقب الغاضبين الثائرين ، فرأيت أنّ حركاتهم وتصرّفاتهم إبّان الانفعال الهائج مضحكة ومؤسفة في آن واحد ، بل وتثير الشفقة ، فقلت في نفسي : هل هكذا أبدو في حال غضبي وانفعالي ؟ فقرفت واشمأزّت نفسي .
وبالتجربة أيضاً ، تأكّد لي أنّ الردّ السريع المتعجّل تعقبه الندامة ، فكنت أفضّل أن أترك فاصلة زمنيّة مناسبة حتى يهدأ روعي وتذهب ردود الفعل الأولى التي غالباً ما تكون متشنجة ، حتى إذا تحدّثت مع مَنْ أثارني تحدّثتُ بهدوء ورويّة وتأثير أكبر عليه .
وجرّبت أيضاً في المواقف المثيرة للأعصاب أن أنسحِب من ساحة المعركة لئلاّ تزداد الخسائر ويحدث ما لا تحمد عقباه ، كأن أدخل إلى غرفة أخرى ، أو أخرج من البيت لحين عودة الهدوء إلى الساحة .
فبالتجربة ثبت لي أنّ السكوت وعدم الردّ أحياناً يهدِّئ الموقف ولا يصعّده ، لأنّ كلمة نابية منك وكلمة نابية من الآخر تحدث شرارة لمعركة ، أمّا إذا أطلقها هو وتجنّبت الردّ بالمثل تكون قد حددت نهاية المعركة .
وجرّبت أحياناً أن أنفّس عن غضبي وانفعالي بكلمات باردة تطفئ لهيب المواقف الساخنة مثل : «سامحك الله» ، «غفر الله لك» ولم ألجأ إلى كلمات تزيد النار حطباً مثل : أنا قادرة على الردّ ولكنني أفضل الصمت ، أو أنا قادرة على أن أردّ الصاع صاعين لكنني أترفّع عن ذلك .. أو لا أريد أن أكون حمقاء مثلك .
كما جهدت على أن أطبّق ما ورد من نصائح عملية في بعض الأحاديث الشريفة من أن أجلس إذا كنت واقفة ، لأنّ الوقوف أثناء المشاجرة يزيد في حدّة التوتر والانفعال ، أو أنني أستلقي على فراشي لفترة محدودة لأقوم بعملية تسريب للشحنات التي تعتري أعصابي .
وفي النتيجة ، حصلت من تجاربي مع الإمساك بزمام النفس عند الغضب على إنّني كنت أبدو في كل موقف أملك فيه السيطرة على انفعالاتي ، كبيرةً في نفسي ، وإنّني أحسن ممّن أراد إغضابي وأكرم منه ، وإنّني كسبت مودّة بعض الناس بدلاً من كسب عداواتهم .
البلاغ كوم
ــــــــــــــــــــ(42/301)
كيف تحول انتقاد الاخرين الى عملية اهداء للعيوب
يروي (س) تجربته مع النقد سواء في توجيهه للآخرين أو في استقباله منهم ، فيقول :
بحثت في تراثنا الإسلامي الأخلاقي عن استعمال للفظة (نقد) فلم أجد ، ووجدت مفردات بديلة مثل (التسديد) و (إهداء العيوب) و (إقالة العثرات) و (الوعظ) و (المحاسبة) و (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) و (النصيحة) ..
والتقيتُ ـ في أثناء البحث ـ بأساليب (نقدية) تربوية رائعة ومنها هذان المثالان :
فلقد جرى حوار بين الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) (أحد أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في العصر العباسي) وأحد أصحابه المعروفين (صفوان الجمّال) الذي كان يؤجّر جماله إلى (هارون الرشيد) ، فقال له :
«كلّ ما فيك حسن ما خلا خصلةً واحدة» .
فتوجّه صفوان بكلّ مشاعره لهذه الخصلة ، قائلاً :
ـ وما هي يا مولاي !
فقال : «اكراؤك الجمال من هذا الرجل (ويقصد هارون) » .
فاللاّفت هنا أنّ الإمام الكاظم (عليه السلام) ابتدأ بنقد صفوان بطريقة مهذبة ولطيفة ورقيقة لم يشعر معها بالجرح أو الحرج ، بل بالعكس تفتحت مسامعه كلّها للاستماع إليها .
فحينما تقول لانسان (كلّ ما فيك حسن) فإنّك تبتدئ بالإيجابي ، ولقد رأيت ـ من خلال تجربتي ـ أنّ الإبتداء بالنقاط الإيجابية يجعل (المنقود) مستعداً لتقبّل النقد .
ومثل ذلك (نقد) الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) لشخص منحرف اسمه (الشقراني) حيث قال له :
«الحسن من كل أحد حسن وإنّه منك أحسن لمكانك منّا ، وانّ القبيح من كلّ أحد قبيح وإنّه منك أقبح لمكانك منّا» .
فالإمام هنا بدأ بالنصيحة بأمر إيجابي أيضاً (الحسن من كلّ أحد) كما انّه ركّز على أ نّه محسوب على المسلمين ، ومَنْ كان منهم حريّ به أن يكون في مثل أخلاقهم .
ولقد جرّبت ذلك فوجدت أثره عظيماً ، فهو اسلوب رفيق رقيق ليس فيه تجريح ولا تشهير ولا تسقيط .
وكنت قد استفدت أيضاً من قول آخر للإمام الصادق (عليه السلام) في اسلوب النقد السليم ، ذلك هو «مَنْ وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ومَنْ وعظه علانية فقد شانه» .
فرأيت أنّ النقد والوعظ والنصيحة في حضور الآخرين لها مردود سلبيّ على نفسية (المنقود) وقد يكون عكسياً ، أي قد تجعله يتشبّث بموقفه وخطئه ، وأنّ المحاسبة والنصيحة البينيّة ، أي بينك وبين صاحبك تأثيرها أعظم .
بهذه الأساليب الرائعة تحوّل نقدي للآخرين إلى عملية إهداء للعيوب بالحكمة والموعظة الحسنة . وقد عَلّمني أحد الإخوة درساً عملياً آخر .
فلقد أسأتُ إليه بكلمة جارحة فتأ لّم منِّي لكنّه كتمها في نفسه ولم يبدها في الحال ، فزرته في بيته بعد يومين لأعتذر إليه فاستقبلني مهللاً مرحباً ، فقلت : إنّها بداية طيِّبة .. ويبدو أ نّه تناسى كلمتي ، فقلت له :
ـ لقد جئتك معتذراً .
فقال باستغراب : عن ماذا ؟!
قلت : عن الخطأ الذي صدر منِّي قبل يومين .
قال : لقد استغربته منك في حينها ، لكنني حينما رجعت إلى نفسي ، تذكّرت أنّ لدي أمثال هذا الخطأ الكثير ، فعذرتك !
وفي الحال تذكّرت الحديث الشريف الذي يقول : «خيرُ إخوانك مَنْ نسب ذنبك إليه وذكر إحسانك إليه» . ومن يومها وأنا أحمل تصرّفات إخواني على الوجه الحسن ، وأجد لهم العذر ، فإذا لم أجد خلقت لهم عذراً من عندي ، وبهذا طابت صحبتي معهم وصحبتهم معي !
أمّا تقبّلي لنقودهم وملاحظاتهم فجاء نتيجة عهد عهدته مع نفسي أن لا أتسرّع في الدفاع عن نفسي ، بل أترك للملاحظات النقدية فرصة المراجعة ، فإن كنتُ كما يقولون غيّرت وعدّلت وبدّلت ، وإن كنت ليس كما يقولون غفرت لهم واستغفرت .
كما تعاهدت مع بعضهم على أن نكون مرايا فعلية لبعضنا البعض ، أي أن أنقل له ملاحظاتي عنه بصراحة تامّة ، وينقل لي ملاحظاته ومؤاخذاته بصراحة كاملة ، ولم ننسَ أن نضع ذلك كلّه في إطار من المودّة والمحبّة والحرص المتبادل والإخلاص فيما بيننا .
البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/302)
خطط عملية لحياتك اليومية
يرفض كثير من المراهقين النصائح التي يقدمها لهم الوالدان والخاصة بسلوكيات حياتهم بالرغم من احتياجهم من وقت إلي آخر بمن يذكرهم بها ..
* الامتناع عن تدخين السجائر لأضرارها الصحية المؤكدة سواء علي المدخن أو علي من حوله .
* الإقلاع فورا عن تدخين الشيشة لخطورتها في نقل عدوي الدرن الرئوي ( السل ).
* المواظبة علي اداء التمرينات الرياضية المتنوعة والسباحة والمشاركة المستمرة في احدي الألعاب الرياضية سواء فردية أو جماعية .
* الحرص علي تناول غذاء صحي متوازن وتجنب زيادة الوزن والسمنة , وكذلك تجنب اللجوء للريجيم القاسي لإنقاص الوزن بصورة سريعة .
* تجنب كثرة استعمال المحمول ( الموبايل ) لفترات طويلة لتأثير الكهرومغناطيسية علي الجسم !!
* الابتعاد عن التوتر والقلق النفسي لتأثيرهما في زيادة حدة بعض الأمراض الجلدية بين الشباب خاصة حب الشباب وتساقط الشعر .
* عدم الافراط في استخدام مستحضرات التجميل بأنواعها مثل البارفانات ـ مزيلات العرق ـ صبغات الشعر ـ ظل الجفون ـ أحمر الشفاة .
* تجنب التعرض للشمس خاصة في الفترة من 11 صباحا إلي الرابعة عصرا مع استخدام الكريمات الواقية من أشعة الشمس خاصة لذوي البشرة البيضاء .
* لابد أن يكون المراهقون علي دراية بالأمراض التناسلية التي تنتج عن الانحراف الأخلاقي والعواقب المستقبلية من هذه الأمراض .
ــــــــــــــــــــ(42/303)
كيف تتغلب على نقاط الضعف في حياتك النفسية وتتحكم بغرائزك؟
كيف تتحكّم بغرائزك ؟ وتسيطر على انفعالاتك ؟ وتتغلّب على نقاط الضعف في حياتك النفسية ؟ .
هذه بعض الإرشادات التي يقدِّمها لك مَنْ تمكّنوا من التحكّم بإراداتهم :
ـ الحقيقة التي أثبتتها التجارب ـ الرجالية والنسائية ـ أنّ السيطرة على النفس أمر يمكن تحصيله ، والإرادة وحدها التي تجعل المستحيل ممكناً ، أي الجهد الواعي لمنع شيء أو اكتساب شيء .
ـ السيطرة على النفس ـ وكما ثبت بالتجربة ـ تساعدك في توسيع ممكناتك وخياراتك وإدخال التحسينات التي تريدها على حياتك . ويضربون لك مثلاً : فلو كان أمامك صحن فيه عشر تمرات ، وكان بإمكانك التهامها جميعاً ، لكنّك اكتفيت بسبعة أو خمسة كتدريب على الضبط النفسي ، فإنّك ستربّي بذلك إرادتك .
ـ وعليك أيضاً الاهتمام المستمر بمراقبة نفسك : هل هي في تطوّر ملحوظ ؟ هل هي تتأخر أو تتراجع ؟ هل هي مسترسلة مع الغفلة والشهوات ؟ هل لديك مفاتيح أو أزرار للسيطرة عليها في قبال المغريات ؟
ففي مجال الجنس يجمع علماء الجنس ـ ومن خلال تجارب ميدانية ـ على أنّ الامتناع عن العمل الجنسي لمدّة طويلة لا يحدث خطراً على الصحّة الفكرية أو الجسمية .
وينقل بعض الشبان تجاربهم في ذلك فيقولون : إنّ التقنين الغذائي وتنقيته مما يحرّك الشهوة من حلوى وتوابل ومواد دهنية ، وتنظيم أوقات الراحة والعمل ، والإنشغال بمهارة أو مهنة أو هواية معيّنة يحبّها الشاب أو الفتاة ، والابتعاد ـ ما أمكن ـ عن الأجواء المثيرة للغريزة كالأحاديث الشهوانية والمطالعات الماجنة ، ومشاهد الغرام والإباحية ، بالإضافة إلى الرياضة بمختلف أشكالها ، نافعة في هذا المجال ، وكذلك تربية الوازع الديني والجانب الروحي في الشخصية .
وفي مجال الإدمان ، فإنّ المدمنين على التدخين الذين تمكّنوا من الإقلاع عنه يروون تجاربهم فيقولون :
ـ في وسع المدخن أن يتجنّب الإفراط في الإستجابة لعادته بأن يضع فواصل زمنية بين لفّافة ولفّافة ، ثمّ تتّسع الفواصل يوماً بعد يوم إلى أن ينقطع نهائياً عن التدخين . ثمّ يمتنع عن التدخين يوماً كاملاً في الاسبوع ، واسبوعاً في الشهر ، وشهراً في السنة ، على أن يكون التقليص في استخدام اللفافات (السجائر) مستمراً .
ـ وهناك طريقة ثانية وهي الاستعاضة عن عادة التدخين بعادة نافعة تنسخها وتحل مع الزمن محلّها ، فمن يتعوّد التدخين في وقت معيّن يمكنه أن يمارس التمارين الرياضية في ذلك الوقت ليألف الرياضة وينفر من التدخين .
ـ وهناك مَنْ استعاض عن التدخين باستعمال الحلوى ، أو تناول أي شيء نافع للصحّة بدلاً عنها .
ـ لكن أقدر الذين سيطروا على أنفسهم وامتنعوا عن التدخين أولئك الذين تأمّلوا في أضرارها الكثيرة قياساً بمنافعها الضئيلة ، ثمّ اتخذوا قراراً مصيرياً بهجران التدخين إلى الأبد .
ـ وإليك هاتين التجربتين ذاتي العبرة والدلالة :
فلقد أصابت أحد المؤمنين العاملين للإسلام نزلة صدرية إثر التدخين فنصحه الطبيب بترك التدخين ، فقال المؤمن العامل : لا أستطيع ذلك ، فقال له الطبيب : إنّك تقول لشارب الخمرة المدمن اتركها فشربها لا يجوز ، وتقول للزاني الأسير لشهوته : اترك الزنى فهو حرام ، ولا تستطيع أن تحرِّر نفسك من عادة تضرّك ؟!
يقول المؤمن العامل : فشعرت بالحياء والحرج ولم أعد إلى التدخين من ساعتي !
والثانية أنّ شخصاً شجاعاً أتعب الجلاّدين بثباته ، ولأ نّه كان مدمناً على التدخين انهار وطلب سيجارة مقابل الاعتراف على جماعته .
أرأيت كيف يفعل الإدمان بصاحبه لتعرف ما معنى الحديث الشريف : «ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذلّه» ؟!
ولتحكيم الإرادة والسيطرة على النفس وجه آخر ، وهو التمكّن من زرع القيم الصالحة والسلوك المستقيم والعادات السليمة .
يقول بعض مَنْ جرّبوا اكتساب الفضائل الخلقية : إنّنا كنّا إذا أردنا اكتساب فضيلة ما ، عمدنا إلى ممارستها والعمل بها لمدّة أربعين يوماً متتالية حتى إذا أصبحت ملكة وعادة جارية ، انتقلنا إلى غيرها ، وربّما أخذوا ذلك من الحديث الشريف : «مَنْ أخلص لله أربعين صباحاً أجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه» .
ويقول أحد المواظبين على القراءة ، عوّدت نفسي على أن أقرأ (50) صفحة من كتاب صباح كلّ يوم بعد الصلاة ، وها أنذا منذ شبابي الأوّل ملتزم بذلك .
ويقول أحد الذين تغلبوا على الكذب : منذ اطّلعت على قصة ذلك الفتى الذي طلب النجدة من رفاقه الذين يسبحون معه في النهر فهرعوا لنجدته من الغرق فاكتشفوا أ نّه يكذب عليهم ، وحينما كرّر طلب النجدة في حالة الغرق الفعلي لم يستجب له أحد ، وأنا مدرك تماماً أنّ الكذب يقوّض الثقة وأنّ الصدق وحده هو الذي يبينها ، وأنّ الكذب مهما طال حبله فهو قصير .
ويقول شخص تغلّب على اغتياب الناس : لقد درست الغيبة فرأيت أنّها عملية طعن في الظهر ، فهي غدر وخيانة ، وبالتالي فهي مظهر من مظاهر الجبن ، لأنني لو كنت شجاعاً لصرّحت بأخطاء وعيوب الآخرين باهدائها لهم وجهاً لوجه ، ولأنني أكره أن أكون جباناً آليت على نفسي أن لا أتحدّث بسوء عن شخص في غيابه .
ويقول (س) : كنت أعاني من الحسد ، لكنني رحت أراقب نتائجه السلبية على صحّتي ، فرأيت أنّ أضراره كبيرة لما يسببه لي من ألم وكآبة ، فماذا فعلت ؟
رحت أوّلاً أقرأ الكتب التي عالجت الحسد فانتفعت من إرشاداتها في أن أقلب (الحسد) إلى (الغبطة) بأن أغبط أخي صاحب النقمة ولا أتمنّى زوال نعمته ، كأن أقول : أللّهمّ ارزقني مثلما رزقته .. أللّهمّ أعطني كما أعطيته وزد لي يا كريم .. أللّهمّ بارك له فيما أعطيته وهب لي مثله وبارك لي فيما أعطيتني ..
وقرأت قول الشاعر :
لله درّ الحسد ما أعدله***بدأ بصاحبه فقتله
ورجعت إلى نفسي فرأيت صدق مقولته وانطباقها عليَّ لما كنتُ أشعر به من حالات التسمّم النفسيّ الذي يصيبني عند الشعور بالحسد .
ثمّ عملت على ترقية ما لديَّ من مواهب وطاقات لارتقي في سلّم الحياة ، فلاحظت أنّني كلّما تفوّقت في جانب تقلّصت مساحة الحسد في نفسي ، وعملت أيضاً على الاستفادة من تجارب بعض مَنْ كنت أحسدهم ، فعرفت الطريق إلى نجاحهم فسلكته وحصلت على ما أريد .
وخير طريقة ساعدتني على معالجة الحسد في نفسي هي التأمّل في حقيقة الأشياء ، فرأيت أنّ بعضها تافهٌ لا قيمة له ، وأنّ بعضها أقل قيمة ممّا كنت أتصوّر ، وأنّ بعضها يمكن تحصيله بالجهد والإرادة ، وأنّ بعضها يمكن التفوّق به على غيري .
ــــــــــــــــــــ(42/304)
بين ثقافة الشاب الاعرابي والشاب الجنتلمان
خالد القشطيني
هناك مشكلة مهمة تواجهها هذه الملايين من المسلمين والعرب المغتربين لم يلتفت اليها احد حسب علمي. وهي مشكلة خطيرة لأن ابعادها تتصل بالارهاب والاصولية المتطرفة. لا يوجد فرق ثقافي كبير في بلادنا بين الاغنياء والفقراء، والخاصة والعامة. فسائق السيارة يتكلم نفس لغة سيده ويطرب لنفس الموسيقى والاغاني ويحمل نفس الذوق في معظم الميادين. وربما يكون السائق اكثر الماما بالادب والشعر والسياسة من سيده. الفرق الوحيد هو الثروة، وربما الشهادة ايضا. فقد يحمل سيده دكتوراه او ماجستيرا. لهذا انصب كل اهتمامنا التربوي على تمكين اولادنا من نيل الشهادات وكسب دخل جيد. قلما يفكر احدنا باعداد اولاده فنيا وادبيا وحضاريا. ليس بيننا من يأتي بمعلم يعلمهم الموسيقى او الرسم او الرقص او لعب التنس. ولا احد منا يعبأ بتحسين ذوق اولاده او سلوكهم الاجتماعي.
الموقف ليس كذلك في الغرب. قلما يعبأون في بريطانيا بالشهادات، حتى في الحصول على الوظائف، ويعتبرون التبجح والتباهي بها قلة ادب وسوء تربية. وما زالت هناك عوائل تقليدية تأبى ارسال بناتها للجامعات. يأتون بمعلمين لهن يعلمونهن الموسيقى والرقص والفنون واساليب الحياة الراقية، ثم يبعثونهن الى ما يسمى بمدارس التنهية Finishing School في سويسرا ليختمن ثقافتهن العامة والتكلم بالفرنسية وتنمية اذواقهن وشخصياتهن.
يحرصون منذ الطفولة على تزويد الاولاد بثقافة الجنتلمان التي تشمل عزف وتذوق الموسيقى والفنون الاخرى والاطلاع على الادب والفلسفة واتقان اساليب وقيم الحياة الراقية اعتبارا من المأكل الى الملبس، كآداب المائدة والمحادثة والاحترام. ترى الأم او المربية تركض بالطفل من متحف الى متحف، ومن معرض الى معرض، ومن حفلة موسيقية الى اخرى، وحتى في الدخول الى الجامعات ترى الاسر الارستقراطية تختار الدراسات المختلطة كالبي بي إي (الفلسفة والسياسة والاقتصاد) لضمان الحصول على ثقافة شاملة وآفاق واسعة.
هذا هو سر البون الطبقي الثقافي بين الخاصة والعامة المتمثل باختلاف اللغة والذوق والشخصية بين الطبقتين. ابن العامل يستمع لمادونا وابن الاستاذ يستمع لبتهوفن. قلما انتبهت العوائل المسلمة لهذه المسألة. جاءوا محملين بذهنية الحصول على الشهادات والفلوس. ولهذا برز اولادهم في ادائهم المدرسي والاكاديمي وتفوقوا على الانجليز فيه. ولكنهم تجاهلوا ذلك الجانب الذي يجعل من الشاب الخريج جنتلمانا. بقوا على تخلفهم الحضاري بمقياس حضارة الدولة المضيفة. وقدر لهذا الاختلاف بين البدوي والجنتلمان ان يؤدي الى نتائج محزنة.
هذا ميدان عرفته وخبرته بصورة شخصية، النتيجة الاولى هي ان الشاب المسلم يبقى معزولا ومرفوضا. فعندما يجلس بين زملائه الجامعيين والخريجين الانجليز يجدهم يتحدثون عن آخر مسرحيات ستوبارد وبرامج اوبرات غلنبورن والمعرض الصيفي للاكاديمية الملكية ونحو ذلك من المواضيع التي لا يعرف عنها اي شيء، يجلس ساكنا كاليتيم في مأدبة اللئام. اخيرا يفتح فمه بالشيء الوحيد الذي يعرفه، قضية فلسطين والاستعمار فيلاحظ الزملاء ينفضون من حوله ويبدأون بتحاشي مجالسته. يعود للبيت متذمرا فيقول هؤلاء الانجليز قوم جهلاء لا يعرفون اي شيء عن فلسطين. وتبدأ الهوة.
يصل المهني العربي قمة مهنته طبيبا او محاميا او مهندسا او عالما، ولكنه يبقى شخصا نابيا واحيانا مرفوضا بين اصحابه. تتعاظم الهوة بانسحابه التدريجي من عالمهم فيموت دوره كمواطن بريطاني ويعيش على هامش هذا المجتمع.
يصبح المواطن المسلم مستهجنا او مرفوضا، عندما يكشف عن اخفاقه ايضا في اكتساب الاساليب الحضارية المتعارف عليها في هذه الحضارة الغربية. يتكلم في القطار والباص بصوت عال، لا يعطي المرأة ما تتوقعه من رجل جنتلمان. يحضر حفلة وهو يفوح بروائح الثوم والبصل والكاري، يكشف عن سوء ذوقه وفقره الفني في كل شيء يختاره او يفعله، في ما يلبسه ويأكله وفي ما يؤثث به بيته، ولا اريد ان اسهب هنا بكل عاداتنا الذميمة التي يستهجنها حتى اهلنا ومجتمعنا في بلادنا.
ــــــــــــــــــــ(42/305)
انحراف الشباب .. الاسباب , المظاهر وطرق الحماية
الانحراف هو الخروج عن الخطّ والميلان عنه .
فإذا خرج السائق عن خطّ السير نقول إنّه انحرف عن الطريق .
وإذا سار النهرُ باتجاه آخر غير مجراه الرئيس ، نقول إنّ النهر انحرف عن مجراه .
وإذا خرجت المركبة الفضائية عن مدارها ، قلنا إنّ المركبة انحرفت عن المدار .
وإذا خرج المسلمُ عن ضوابط الدين وقواعد الشريعة ، نقول عنه كما نقول عن السائق أو النهر أو المركبة ، إنّه خرج عن خطّ السير أو منهاج الشريعة .
2 ـ هل خطّ السير قيد ؟
ربّما كان في الظاهر كذلك .
لكنّنا يمكن أن نسمّيه بالقيد الايجابي الذي فيه مصلحة للانسان المسلم ، أي الذي يحفظ له سلامته البدنية والعقلية والنفسية ، ويحميه من عدوانه على نفسه ، أو عدوان الغير عليه .
الانحراف إذن خروج عن الحدّ .. فهو (شطط) و (شذوذ) و (تطرّف) والقرآن يعبّر عنه تارة بـ (الفسق) وهو خروج كل ذي قشر عن قشره ، فيقال فسقت النواة أي خرجت عن التمرة ، والمراد به اصطلاحاً العصيان وتجاوز حدود الشرع ، فحينما يقال فسق عن أمر ربّه أي خرج عن طاعته .
فـ (الفسق) انحراف .
ويعبّر عنه تارة أخرى بـ (الزيغ) وهو الميل عن المقصد ، أو الميل عن الطريق ، أي الاعوجاج بعد الاستقامة .
فـ (الزيغ) انحراف .
ويعبّر عنه ثالثة بـ (الضلال) وضلَّ يعني تاه .
فـ (الضلال) انحراف أيضاً .
هناك إذن خط سير لكلّ شيء ، وهو ما يعبّر عنه القرآن بكلمة (الهُدى) : (الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى )(1) ، (الذي خلق فسوّى * والذي قدّر فهدى )(2) وكما للسير أو المرور في الطريق قواعده وقوانينه التي تحمي السائق والمارّة من المخاطر ، فكذلك لكلّ مخلوق وكائن حيّ قواعد وقوانين تنظّم له حياته .
هل بإمكانه أن يخرج عنها ؟
نعم ، فهو حرّ في السير عليها أو الانحراف عنها ، لكنّ خروجه عن حدّ أو خطّ السير سيكلّفه ويكلّف الآخرين الكثير .
أما رأيتَ كيف أنّ خروج السائق أو انحرافه عن الجادّة يؤدي إلى حوادث مؤسفة ؟ وإنّ خروج النهر عن مجراه ـ خاصّة في أيام الفيضانات ـ كيف يؤدي إلى ازهاق الأرواح وتدمير البيوت والمزارع والممتلكات ؟
وكيف أنّ المسلم الفاسق الذي لا يراعي حرمة لشيء ، ينتهك القوانين والمقدسات ، ويضرب الضوابط والتعاليم عرض الجدار ، فيعتدي على الأموال والأعراض والأرواح ولا يبالي ؟
ماذا بعدَ الانحراف ؟
إذا ازداد الانحراف أو تُرك من غير علاج ، فلم يثب المنحرف إلى رشده ، ولم يرجع إلى خط السير فإن انحرافه سيقوده إلى (الضياع) . فالانحراف مقدمة أو خطوة على طريق الضياع .
هل حصل لك أن خرجت عن الطريق العام أو المعتاد ، وسلكت طريقاً لم يسبق أن مشيت فيه ، وإذا بك بعد شوط من المسير في الطريق غير المعهود تجد نفسك قد تهت وضللت الطريق ولا بدّ من أن تسأل العارفين به : أنا تائه أين الطريق ؟!
المزيد من الانحراف يعني ضياعاً ، وإذا كان بإمكان المنحرف أن يؤوب إلى الطريق ، فإنّه كالسائق الذي انتبه سريعاً وعاود السير على الطريق العام ، ليتفادى المخاطر المحتملة من قبل أن تودي بحياته .
أمّا المنحرف الذي ترك لنفسه الإنزلاق التام ، والانحدار مع الانحراف يأخذه أين يشاء ، فإنّه سوف يضيع ، وليس كلّ مَنْ ضاع عاد إلى مكانه الصحيح ، وليس كلّ مريض تماثل للشفاء ، ولا كلّ منحرف رجع إلى خط الاستقامة .
(1) طه / 50 . (2) الأعلى / 2 ـ 3 .
ــــــــــــــــــــ(42/306)
ما هي مواصفات المنحرف
هل للشاب المنحرف أو الفتاة المنحرفة صفات معيّنة يُعرفان بها ؟
ليس صعباً عليك أن تميّز المنحرف من غير المنحرف ، إذا عرفت (خط السير) . فأنت تنظر إلى الطريق العام فترى رتل السيارات يسير في طابور أو خط واحد ، أو خطوط محدّدة متوازية ، فإذا شذّت سيارة وخرجت عن الطريق لتسير إلى يمينه أو شماله مبتعدة شيئاً فشيئاً عن الطريق الذي يوصلها إلى هدفها ، فالسير قد ينتهي بها إلى الاتجاه المعاكس .
أنتَ لكَ خط سير أيضاً .. حدّده لك القرآن الكريم في معالمه العامّة ، ورسمته سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بتفاصيله الخاصّة . فإذا كان القرآن قد دعا إلى الوحدة بين المسلمين ، وترى بعض المسلمين يمزّق أوصالهم ويفرّق جمعهم ويبدّد شملهم ، تقول عنه إنّه (منحرف) .
وإذا كانت الجماعة المؤمنةُ تسير في اتجاه معين ، وتتفق على منهاج عمل موحّد ، وابتعدت عنهم لغرور ركبك ، أو هوى استولى عليك ، فإنّك بذلك (تنحرف) عن الجماعة ، وفي الحديث : «إنّما يأكل الذئب من الغنم القاصية» .
والقرآن دعا إلى (الزواج) كطريق شرعي لتلبية نداء الغريزة الجنسية ، وحرّم (الزنا) كطريق منحرف لذلك ، فإذا رأيت مسلماً يزني ، تقول عنه إنّه (منحرف) .
والقرآن نهى عن الغيبة والتجسّس ، فإذا رأيت في المسلمين مَنْ يقترف التجسس والغيبة ، قلت عنه إنّه (منحرف) .
وليس ضرورياً أن يكون الانحراف كلّياً حتى نقول عن شخص ما أ نّه منحرف ، فقد تكون للانحراف بدايات .. فالمغتاب يخرج عن خط السير في هذه النقطة ، والزاني يخرج عن الخط في نقطة معيّنة ، وربّما كان ملتزماً بالسير في غير ذلك .
هل الانحراف كفر ؟
الانحراف ليس كفراً ، وإنّما هو حالة من حالات التجاوز والانعطاف والعصيان والتمرّد والخروج على قواعد السير ، وقد ينتبه المنحرف من (غفلته) ويعود إلى يقظته مجدداً ، ولكنّه إذا تمادى في الانحراف وقع في الكفر .
هل المؤمن ينحرف ؟
نعم ، لكنّ الفرق بينه وبين غيره أ نّه سرعان ما يعود إلى الطريق ، أي قد يغفو أو يسهو أو ينزلق عن الطريق الصحيح لفترة ثمّ ينتبه من غفلته ويثوب لرشده (إنّ الذين اتّقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون )(1) .
لماذا انحراف الشباب ؟
ينحرف بعض الشبان وبعض الفتيات لأسباب كثيرة سنأتي عليها ، لكنّ وقوع هؤلاء في الانحراف يعود بالدرجة الأساس إلى حداثة عهدهم بالحياة وتجاربهم الغضّة الفتية ، أي أن تجربتهم بحاجة إلى صقل ونضج أكبر ، كما إنّهم بحاجة إلى ثقافة وتربية على ما هو الصحيح وما هو الخطأ ، وما هي الاستقامة وما هو الانحراف .
ما هي خطورة الانحراف ؟
تتجلّى خطورة انحراف الشباب في الآثار الذاتية والاجتماعية .
فأنت إذا انحرفت ، أي خرجت عن خط الالتزام ، فإنّك سوف تضع قدمك على أوّل المنزلق ، فإذا لم تتماسك وترجع عن الاسترسال مع خطوات الانحراف اللاّحقة ، قادكَ الانحراف الأوليّ إلى انحراف ثان وثالث وهكذا حتى تكون خطواتك الانحرافية الأخيرة هي (الضياع) .
أمّا أثر انحرافك على الذين من حولك فهو في إساءتك لهم بشكل مباشر أو غير مباشر . فالشاب الذي يغتاب يسيء إلى الذي اغتابه ،
والمتبرّجة تسيء إلى جوّ الحشمة والعفاف ، والسارق يسيء إلى الأمن والأمانة ، والسكّير يسيء إلى نفسه وإلى غيره . وقد تلقى من ضعاف النفوس من الشبان والفتيات مَنْ يستهويهم انحرافك فيجارونك فيه ، وبذلك تكون ضالاًّ مضلاًّ ، فاسداً مفسداً .
هل الانحراف ممكن العلاج ؟
نعم ، فهو بداية المرض وليس المرض في مراحله المتطورة ، أي لم يستفحل بعد ولم يتحول إلى مرض مستعص ، وهذا هو الذي يجعلنا نتحرك سريعاً لمعالجته مخافة أن يتفاقم وتقع مضاعفات خطيرة يصعب علاجها .
(1) الأعراف / 201 .
ــــــــــــــــــــ(42/307)
أسباب انحراف الشباب
هناك جملة عوامل وأسباب تعمل منفردة ومتظافرة في حرف الشباب عن خطّ السير ، أو منهج الاسلام الصحيح . وأهمية معرفة هذه الأسباب تنبع من أن ذلك يعدّ تمهيداً ومدخلاً لمعالجتها ومكافحتها والقضاء عليها . ومن بين هذه الأسباب :
1 ـ تراجع دور الأُسرة :
كانت الأسرة وما تزال حجر الأساس في العملية التربوية ، وإذا كان دورها قد تراجع((1)) في الآونة الأخيرة ، فلأ نّها هي التي فسحت المجال لغيرها من الوسائل أن تأخذ مكانها ، بدلاً من أن تكون بمثابة أياد مساعدة لها في دورها الأساس .
«لقد قامت بعض الدول كالصين والاتحاد السوفيتي (قبل انهياره) بتكوين منظمات معلنة ومؤسسات غير معلنة لأداء دور الأسرة ليتمكنوا من نقل القيم التي يريدونها هم ، لا الأبوان ، إلى الأطفال ، وأهم ما استند إليه هؤلاء في الإقدام على عملهم هذا أنّ المربين ذوي
الخبرة والتجربة ، هم أقدر على نقل هذه القيم إلى الأطفال من الوالدين الذين تعوزهم التجارب والخبرات وخاصة الأميّين منهم»(2) .
التجربة أثبتت فشل هذه المحاولات حيث كان للفصل بين الأطفال والوالدين تبعاته الثقيلة وثماره المرّة ، لكنّ المجتمعات المعاصرة راحت توكل جانباً أو جوانب من دورها المعهود إلى مؤسسات أخرى قد تكون منافسة لكنّها قطعاً ليست بديلة .
إنّ انشغال الأب أو الأبوين في العمل خارج المنزل طوال النهار سوف يؤثر على مستوى تربيتهما ومتابعتهما لأبنائهما وبناتهما ، مما يفتح الباب لدخول الانحراف بلا صعوبات لا سيما إذا كانت خلفيات الأبناء والبنات هشّة ، أي لم يبذل الوالدان الجهد المطلوب في إعدادهم وتربيتهم لتحمل مسؤولياتهم ووعيهم لمخاطر الانحراف وآثاره .
العديد من الدراسات الميدانية التي أجريت على شرائح وعينات من الشبان والفتيات أودعوا السجن بسبب انحرافهم وجرائمهم ، أثبتت أن انصراف الأبوين أو انشغالهما كان أحد أهمّ ، بل لعلّه أوّل الأسباب ، التي جعلتهم يصلون إلى ما وصلوا إليه .
إنّ المشاكل التي تعصف بالأسرة ، والنزاع الدائر بين الوالدين وعدم اتفاقهما على كلمة سواء في تربية الأبناء ، أو ما يشهده البيت من التصدّع المستمر ، يجعل الأبناء إمّا انطوائيين ، وإمّا أن يهربوا من البيت ليرتموا بأحضان الأصدقاء قليلي التجربة ، وربّما استغلّ هؤلاء الظروف البيتية التي يعاني منها هذا الشاب وتلك الفتاة لدفعهما في طريق الانحراف .
أمّا إذا كان الأبوان منفصلين ويعيش الأبناء إمّا تحت رحمة أمّ جديدة ، أو في اجواء الطلاق النفسية التي تخيِّم بظلالها القاتمة على نفوس الأبناء والبنات ، فإنّ ذلك يكون دافعاً آخر إلى الانحراف لانعدام الرعاية والمراقبة ، والحرمان من العطف والحنان والتوجيه السليم .
وما ينبغي الالتفات إليه هنا ، هو أنّ بعض الأسر تعمل ـ وبغير قصد في أكثر الأحيان ـ لدفع فلذات أكبادها للانحراف ، إذا أساؤوا التصرف معهم فبدلاً من أن يكونوا الصدور المفتوحة ، والعقول المفتوحة ، والآذان المفتوحة التي يركن إليها الأبناء والبنات في الحاجة إلى المشورة وبث الهموم والتعاون في حل المشكلات ، يكونون غرباء عن أبنائهم ، أو لا يشعرون بالمسؤولية إزاءهم سوى مسؤولية الإطعام والإكساء ، حتى إذا وقع الابن أو البنت في مشكلة عويصة ، أو انزلقا إلى منحدر خطير ، صرخ الوالدان كمن أفاق من نومه فزعاً : ماذا هناك ؟ لم نكن أبداً نتوقع ذلك !
وقد لا تكون الصدمة جرّاء انحراف أحد الأولاد ، وإنّما جرّاء الحرج الشديد الذي يمكن أن يسبّبه انحرافه في الوسط الاجتماعي الذي سيطلع على ذلك .
إن تراجع دور الأسرة واضح وخطير ، فالأم التي كانت تتولى تربية ابنتها لتكون زوجة صالحة ، وأمّاً صالحة ، تترك لها اليوم أن تتلقى ذلك من الروايات والقصص والأفلام والمسلسلات التي تخرّج جيلاً أقل ما يقال عنه أ نّه هجين .
2 ـ تراجع دور المدرسة :
ينصبّ اهتمام المدارس اليوم على العلم والتعليم أكثر من التربية والتهذيب ، وإذا كان ثمة اهتمام بهذه الأمور فثانوي ، أو يطرح بشكل أكاديمي أيضاً ، أي ان دروس التربية والأخلاق شأنها شأن دروس الكيمياء والفيزياء تعطى للطالب للاختبار فقط .
المدرسة هي البيت الثاني والمحضن الآمن المهم بعد الأسرة ، فإذا تراخت أو تراجعت عن أداء دورها ورسالتها فإنّ الكارثة محدقة . وإذا افتقد الطالب الشاب أو الطالبة الشابّة لدور الموجّه الحقيقي والمرشد الناصح والمسدّد الأمين ، ولم يشعر ذاك أن معلمه أب وهذه بأن معلّمتها أمّ ، فإنّ ساحة المدرسة تتحول من ساحة للبناء والتربية إلى ساحة للانحراف والضياع وتبادل الخبرات المتدنيّة والسيِّئة والمخلّة بالآداب .
وإذا كانت المدرسة مختلطة فالسوء أعظم والخطر أكبر .
3 ـ ضعف الوازع الدينيّ :
قد ينحدر الشاب أو الفتاة من أسر متديّنة لكنهم ينحرفون ، لأنّ التديّن لدى بعض الأسر المسلمة أوامر ونواه وقواعد عسكرية صارمة ، وليس طريقاً لبناء الشخصية القوية الملتزمة العاملة التي تقف بوجه الانحراف فلا تتداعى أمامه ، بل تساهم في إزاحته عن الطريق .
ولذا قلنا ضعف الوازع الديني ، فهؤلاء متدينون لكنّ انحرافهم وعدم شعورهم بالتأنيب يدلّل على أنّ الدين لم يرتكز في نفوسهم كوعي وطاقة ومناعة ، وإنّما هو مجرد فرائض وواجبات وخطوط حمر وعقوبات .
ولو أ نّك أجريت دراسة ـ والدراسات التي في هذا المجال كثيرة ـ بين عيّنات شبابية (فتيان وفتيات) لرأيت أنّ الانحراف بين أبناء وبنات الأسر غير المتديّنة أو غير الملتزمة دينياً أكبر بكثير ، إذ مما لا شكّ فيه أنّ الدين عامل حيوي من عوامل التحصين وغرس الوازع الديني إذا أحسن الأبوان تقديمه إلى الأبناء ليس في المحتوى فقط وإنّما بأسلوب العرض أيضاً .
4 ـ وسائل الإعلام :
وسائل الإعلام اليوم أكثر المؤسسات المهتمة في حرف الشباب عن طريق الإيمان والأخلاق . ويأتي في المقدمة من هذه الوسائل (التلفاز) الذي يمثّل ـ في حال عدم تقنين المشاهدة ـ الخطر اليوميّ الداهم الذي يعيش في البيت كفرد من أفراد الأسرة ، والذي يحتل أحياناً موقع المعلّم للعادات الغريبة والسيِّئة التي يجتمع الصوت والصورة واللون على تشكيل رسالته .
إنّ رسالة الإعلام ليست نزيهة ـ في الأعمّ الأغلب ـ لأ نّها رسالة موجهة ، وهي تختبئ في مكان ما في هذا البرنامج أو هذا الإعلان أو تلك المسلسلة أو هذا الفيلم ، أو هذه الاستعراضات .
وقد تكون الرسالة واضحة صريحة لا تلبس قناعاً أو تتستر بشيء ، والمشكل المريب أن أكثر البرامج المخصّصة للشباب تعمل على بلورة الشخصية الانحرافية لديه .
الدراسات الجنائية كشفت عن أنّ أحد أسباب السرقة والعنف هو مشاهدة الأفلام التي يتفنّن فيها السارقون باقتحام المنازل والبنوك ، وأنّ أحد أسباب الدعارة والخلاعة هو الأفلام الهابطة وعرض الأزياء والحفلات الماجنة . وإن سبباً مهما من أسباب السكر والتدخين وتعاطي المخدرات هو ظهور ممثلين ونجوم سينمائيين يزاولون ذلك وهم في حالة انتشاء . وأنّ أحد دوافع الهجرة والتغرب هو ما يكشفه التلفاز من فوارق طبقية صارخة بين الطبقات الدنيا والمتوسطة وبين الطبقة الثرية المرفهة التي تعيش البذخ والرفاهية وتحوز على أثمن المقتنيات من القصور والسيارات وتجتذب إليها أجمل نساء المجتمع .
تكرار أمثال هذه اللقطات ـ والتكرار أسلوب إعلامي ـ يعمل كمنبّه أو كجرس يقرع بشكل دوري لمخاطبة الغريزة أو ما يسمّى بالعواطف السفلية لدى الشبان والفتيات ، فلم يبق شيء يرمز إلى الحياء والعفّة والالتزام إلاّ وهتك التلفاز أستاره .
خطورة المنحى الإعلامي تأتي بالدرجة الأولى من أسلوب العرض المشوّق والجذّاب والمغري للدرجة التي تنطلي فيها الرسالة الإعلامية على المشاهد فلا يلمسها أو يقتنصها لأ نّه يسترخي ويسترسل أمام التلفاز فلا يحاكمه ولا ينتقده إلاّ نادراً ، فالمشاهد ـ إلاّ ما رحم بي ـ يستقبل مواد البث التلفازي كمسلّمات ، الأمر الذي يزرع في وعيه أو لا وعيه (ثقافة) ((3)) السرقة والعنف والغش والخداع والتهالك على المادة وشرب الخمر والدخان والمخدرات .
وما يقال عن التلفاز يقال عن وسائل الإعلام الأخرى بدرجة أقلّ ، إذ يبقى التلفاز أشدّ خطورة من الصحف والمجلاّت والإذاعة وغير ذلك ، لأ نّها إمّا سمعية أو بصرية ، أمّا التلفاز فسمعي بصري والسمع والبصر إذا اجتمعا كانا بوابتين للتلقي غير المحسوب .
وباختصار ، فإن كلّ هذه الوسائل تسرّب وتشيع العديد من القيم الهابطة والدخيلة والمضلّلة وإن بدرجات متفاوتة .
5 ـ الفراغ والبطالة :
ذلك الشاعر الذي اعتبر (الفراغ) أحد الأسباب المؤدية إلى
الانحراف والفساد ، كان قد وضع اصبعه على مشكلة أو مدخل مهم من مداخل الانحراف :
إنّ الشبابَ والفراغ والجدة***مفسدة للمرء أيّ مفسدة
فالفراغ أو البطالة لا يتناسبان مع شريحة عمرية ممتلئة بالحيوية والنشاط والاندفاع وحبّ الحياة . قد ينسجمان مع الشيوخ والمتقاعدين ، أمّا الشاب مثلك الذي يحبّ أن يعمل ويبدع وينتج ، فالفراغ قاتل بالنسبة له ، ولذا فهو قد يملأُه بالسلبيّ إذا لم يُملأ بالايجابي((4)) .
وبالدراسة أيضاً ثبت أنّ البطالة أو الفراغ كان سبباً للعديد من الجرائم والجُنح والجنايات والانحرافات خاصّة إذا لم يكن الشاب أو الفتاة من ذوي المهارات أو المواهب أو الاهتمامات الثقافية والعلمية والرياضية .
6 ـ قرناء السُّوء :
وهم الأصحاب الذين يُمثّلون دور المزيّن للانحراف والمرغّب والمغري به ، أي أ نّهم شياطين يوسوسون بالمعصية وتجاوز الحدود وارتكاب الجرائم ويصوّرون ذلك على انّه متعة خاصّة ، أو شجاعة نادرة أو مفخرة ، وقد ينصّبون من أنفسهم (فقهاء) لزملائهم فيفتون بغير علم ، ويقولون لك إن هذا أمر مقبول وكلّ الناس تفعله ولا حرمة فيه وأ نّهم يتحمّلون خطاياك ، بل ويتطوعون للردّ على إشكالاتك الشرعية التي تدور في ذهنك لتُقبل على العمل الشرير وأنت مرتاح الضمير !
إنّ دور قرناء السوء ـ في مجمل الانحرافات التي يتعرّض لها الشبان والفتيات ـ خطير جدّاً ، وما لم ينتبه الشاب أو الفتاة إلى تسويلات وتزيينات قرناء السوء فإنّه سينخرط في الانحراف ليقوّيه ، وبالتالي ، فإنّه وأمثاله من المُستدرَجين يحولون الأفراد إلى (عصابة) وأعمالهم إلى (جرائم) .
وكما يزينون السوء في الجريمة ، يزينون الانحراف في العبادة ، باهمال الطاعات والعبادات ، فيأتون إلى المستحبات ويقولون لك إنّها ليست واجبة ويكفيك القيام بما هو واجب ، حتى إذا تركت المستحبّات
جاؤوا إلى الواجبات وقالوا لك إن تأخيرها ساعة أو ساعتين لا يضرّ ، وهكذا بالتدريج حتى تضمحل روحك ويفتر اهتمامك ويبرد تعاطيك مع الصلاة ومع غيرها : (يا ويلتى ليتني لم أتّخذ فلاناً خليلاً * لقد أضلّني عن الذِّكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا )(5) .
7 ـ الكتابات المنحرفة :
دوافع الانحراف وأسبابه ـ كما قلنا ـ كثيرة ، وقد لا يلعب عامل واحد دوراً متفرداً في انحراف الشباب ، بل تلتقي عدّة عوامل لتخلق حالة الانحراف .
فالكتابات المنحرفة التي تنهج نهجاً خرافياً أو تغريبياً أو تخريبياً في تصوير العلاقة بين الجنسين على أنّها الحرية الشخصية والتمتع بمباهج الحياة ، والتي تطرح صورة الشاب العدواني العنيف على أ نّه (البطل) الذي يهابه الآخرون ، والشاب المسترسل مع شهواته ونزواته وأطماعه على أ نّه الشاب العصريّ المثاليّ ، والفتاة التي تنتقل بين الأحضان على أنّها منفتحة وتمارس حياتها كما يحلو لها من غير قيود ..
هذه الكتابات فاسدة مفسدة ، وضالّة مضلّة ، أي أنّها منحرفة بذاتها وتشجّع على الانحراف أيضاً . فلقد ذكرنا في البداية أنّ لكلّ انسان خط سير ، وأنت كانسان مسلم لك خط سيرك الخاصّ ، وأمثال هذه الكتابات المنحرفة لا يهدأ لها بال حتى تجعلك تنحرف ثمّ تتوجه إلى غيرك .
وبعض الكتّاب يبعدك عن الدين بتصويره صوراً بشعة مقرفة مقزّزة ينبو عنها الذوق ويمجّها الطبع ، فمنهم مَنْ يرى أ نّه ترويج للخرافات والأساطير . ومنهم مَنْ يقول انّه مخدّر يغرّر به البسطاء والضعفاء ، ومنهم مَنْ يصف المتدينين والمتدينات بأ نّهم مرضى نفسيّون ، وإنّ علماء الدين تجّار وأصحاب مطامع ومصالح ذاتية ، وإنّ الدين هو هذه القشور التي يدفعون من أجلها الأموال حتى يعشعش الجهل والتخلّف في صفوف الشباب .
كلّ ذلك لدقّ الأسفين بين أبناء الأمّة من الشبان والفتيات وبين رموز الوعي ، وعلماء الدين والشريعة ، والشخصيات الهادية إلى الطريق ، وتسأل : مَن المستفيد ؟ فلا تجد إلاّ أعداء الأمّة .
8 ـ الجهل :
الجهلُ طامّة كبرى ، والشابّ الجاهل الذي لا يعرف كيف يبدأ ؟ وكيف يسير ؟ وإلى أين ينتهي ؟ كالأعمى يقوده جهله إلى المهالك والمزالق والانحرافات وهو لا يدري أ نّه يسير سيراً عشوائياً ، وأ نّه يقع في المطبّ أو الحفرة ذاتها عدّة مرّات ، وأ نّه قابل للإغواء والاستدراج والتغرير والخداع ببساطة .
والجهل يأتي ليس من ضعف الجانب الثقافي فحسب ، بل من هشاشة التجربة في الحياة ، وأحياناً من عدم الاستفادة من التجارب ، فقد يكون للجاهل تجاربه لكنّه يرتطم بالمشاكل المتماثلة مراراً لأ نّه ساذج ومغفّل وسطحي جدّاً ، وقد لا ينتبه إلى انحرافه إلاّ مؤخراً ، أي بعد أن يكون قد دفع ضريبة جهله ثمناً باهضاً ، سجناً ، أو طرداً من البيت ، أو هجراناً من قبل الأصدقاء ، وبكلمة أخرى يصبح منبوذاً اجتماعياً يتبرّأ أهله وأصحابه منه .
9 ـ الفقر الشديد والثراء الشديد :
وقد يبدو هذا العامل متناقضاً لأوّل وهلة ، لكن هذه هي الحقيقة ، فلكلّ من الفقير المدقع الفقر ، والثري الفاحش الثراء انحرافاته . فإذا كان الفقر يدفع إلى السرقة والحسد والحقد والانتقام من المجتمع ، فإنّ الثراء الشديد يدعو إلى الميوعة والمجون والاستغراق في اللهو والملذات والشهوات والتبذير .
إنّ استعجال بعض الشبان والفتيات الثراء قد يجعلهم ينحرفون في سبيل تحقيق أحلامهم ، ويسلكون طرقاً معوجة لنيل مآربهم ، وقد يحققون بعض ذلك لكنهم ـ إذا قدّر لهم أن يراجعوا أنفسهم وحساباتهم ـ فإنّهم سيجدون أن ما تكبّدوه من خسائر أكثر مما جنوه من أرباح ، هذا إذا صحّت تسمية ما نالوه بالطرق المنحرفة أرباحاً !
10 ـ الحرية اللاّ مسؤولة :
تحت شعار الحرية هوى كثير من الشبان والفتيات في وديان الانحراف . لم يكن ثمة تمييز بين الحريّة المسؤولة وبين الحريّة غير الملتزمة أو المنضبطة بضوابط معيّنة . فليس من الحريّة في شيء أن أترك لشهواتي الحبل على الغارب ، وليس من الحريّة أن أبيع عزّتي وكرامتي أو أذلّ نفسي ، وليس من الحريّة أن أتكلّم بالسوء على مَنْ أشاء ، ولا من الحريّة أن أخرج كفتاة نصف عارية إلى المجتمع .
حريّتنا في الاسلام تستبطن المسؤولية ، فما دمت حرّاً أنت مسؤول وتتحمل تبعات أعمالك ، وتراعي قانون الشريعة وخط السير ، وإلاّ فأيّ انفلات أو انحراف أو خروج على ذلك يعني انتهاكاً للقانون وإساءة للحريّة .
إنّ الشاب الذي يصمّ سمعه ولا يريد الاستماع إلى النقد أو النصيحة أو المحاسبة بحجّة أ نّه حرّ ، والفتاة التي لا تراعي ضوابط العفّة والاحتشام بذريعة أنّها حرّة ، والشباب الذين يمارسون بعض المنكرات التي تسيء إلى العادات والتقاليد بدعوى أ نّهم أحرار ، هؤلاء يسيئون للحريّة من حيث لا يشعرون ، وكم جرف الانحراف شباناً وفتيات إلى أحضان الرذيلة والجريمة واللصوصية والإدمان والمسوّغ هو الحريّة السائبة التي جنت على أبنائها من المسلمين يوم لم يتعظوا بما جرّته على أمثالهم من الشباب في الغرب .
11 ـ نقص التجربة وغياب المعايير :
المنحرفُ ـ شاباً كان أن فتاة ـ قد يقع في الانحراف لأنّ الأمور تختلط لديه ، فلا يمتلك القدرة على التشخيص أو الفرز بين ما هو صواب وما هو خطأ ، وما هو خير وما هو شرّ ، وما هو حسن وما هو قبيح . وإذا أضيف إلى ذلك أنّ بعض الشبان والفتيات يستنكفون من استشارة أهل العلم والخبرة والتجربة بما في ذلك الوالدين أو الأصدقاء المخلصين ، ازداد الطين بلّة .
الجهل ، والغرور ، وضعف الحس الاجتماعي هي التي تسبب حالة
الاختلاط هذه ، والأهم من ذلك الجهل بالشريعة الاسلامية ، فقد ترى بعض الشبّان يمارسون الحرام ويظنّونه حلالاً ، ويقترفون الجرائم ويحسبونها فتوّة ، وينفلتون من الضوابط ويقولون إنّها حريّة .
اختلاط المفاهيم ، إذا اجتمع مع نقص التجربة ، نتج عنه ضحايا للخداع والتغرير والحيل والشعارات ، وأمّا إذا كان المجتمع الذي يعيش فيه الشاب منحرفاً أو يشجّع على الانحراف ويشيعه فإن مستوى المناعة يهبط إلى الصفر بحيث يصبح الانحراف هو القاعدة العامّة والشواذ هم الذين يسيرون على الخط المستقيم .
(1) حديثنا عن تراجع دور الأسرة ليس عامّاً مطلقاً ، وإنّما عن ظاهرة تعيشها المجتمعات غير الاسلامية والاسلامية أيضاً ، وإلاّ فما زالت هناك أسر تتحمل مسؤولياتها في تنشئة جيل صالح .
(2) حول مشاكل الأسرة المسلمة في الغرب ، المؤتمر السنوي الرابع ، ص 96 .
(3) نسمِّي ذلك ثقافة لأ نّه يعلّم الشبان والفتيات أساليب خبيثة ما كانوا ليعرفونها لولا المَشاهِد التي تتحرك بتقنية عالية ودرجة من الإقناع شديدة أنّ هذا الذي يرونه هو ما ينبغي أن يكون .
(4) ليس ذلك شرطاً أساسياً ، فالفراغ إذا لم يعبّأ بالايجابي من الأعمال المنتجة ، يمكن أن يُشغل بالايجابي من القراءات والهوايات والرياضات وتنمية المهارات والعبادات ، ولكنّنا نتحدّث عن مساوئ وسلبيات البطالة بشكل عام .
(5) الفرقان / 28 ـ 29 .
ــــــــــــــــــــ(42/308)
مظاهر الانحراف لدى الشباب
لا يمكن حصر الانحرافات الشبابية ضمن نقاط محدّدة ، فهي تتعدّد بتعدّد البيئات والأجواء وطبيعة العصر وتربية الشباب أنفسهم . لكن ثمة مظاهر للانحراف تكاد تكون مظاهر مشتركة ، ومنها :
1 ـ الاختلاط((1)) والتحرّش الجنسي :
فتحت أجواء الاختلاط المفتوح بين الجنسين المجال واسعاً لحالات التحرّش الجنسي اللفظي أو الفعلي ، أي جعلت من تبادل الكلمات الخارجة عن الحياء ، والتي ترتفع فيها الكلفة أو الحرج بين الشاب والفتاة أمراً عادياً لا يثير التساؤل أو الاستهجان . وقد يتعدّى الأمر حدود الكلمات إلى ما هو أكثر من ذلك :
نظرةٌ فابتسامة فسلامُ***فكلامٌ فموعدٌ فغرامُ
مما يجعل من الاختلاط البعيد عن المراقبة ، واللقاءات الثنائية ، والخلوات ، ساحة خصبة للانحراف عن خط العفّة .
ففي مثل هذه الأجواء يجري التساهل في أمرين :
ـ (الستر) من قبل الفتاة .
ـ (النظر) من قبل الشاب .
وكلاهما داعيتان من دعاة الانحراف ، حيث أثبتت الدراسات واستطلاعات الرأي أنّ الفتاة التي تتزيّن وتتبرّج وتخرج بملابس مثيرة وتقوم بحركات إغوائية لافتة ، عرضة للتحرّش بما لا مقارنة مع الفتاة المستترة المحجّبة . وإذا حصل بعض الانحراف في أوساط بعض المحجبات فلا بدّ أن يكون السبب في ذلك راجعاً لواحد من أمرين :
أ . أن تكون صاحبة الحجاب ارتدته مكرهةً وبناء على ضغط أسري أو اجتماعي خانق ، وعن عدم قناعة شرعية أو دينية في أ نّه مطلبٌ إلهيّ لحماية المجتمع من الانحراف ، وليس إرادة أبوية أو اجتماعية فقط .
ب . أن تكون محجّبة في الظاهر ومتساهلة في الداخل ، أي أنّها تمارس أفعال غير المستترات سواء في تبادل الكلمات التي لا تراعي الحياء ، أو مجاملة الشبان التي قد تتعدّى حدود المصافحة إلى توزيع الابتسامات والغمزات والإشارات ، فلا يكون الحجاب هنا سوى قشرة خارجية خفيفة سهلة الكسر أو الإزاحة ، ومردّ ذلك هو التناقض أو ازدواجية الشخصية لدى الفتاة التي استترت ظاهراً وتبرّجت عملاً .
2 ـ السفور والتبرّج :
أراد الاسلام للفتاة أن تستتر كجزء من مسعىً شامل للحفاظ على أجواء العفّة بين الجنسين ، وطلب إليها إلى جانب ذلك أن تمتنع عن
استخدام أساليب الإثارة من قبيل اظهار زينتها ، أو ترقيق صوتها ، لأن ذلك مما يثير الريبة أو يُطمع الذي في قلبه مرض من الشبان .
فإذا خرجت الفتاة سافرة تكشف عن شعرها أو أجزاء من جسدها ، ومتبرّجة بزينتها ، فإنّها تكون قد انحرفت عن الخط الذي رسمه الاسلام لها في هذا المجال ، وأثارت بأنوثتها المثيرة الانحراف لدى الشباب ، والنتيجة هو ما سبقت الإشارة إليه من حالات ومظاهر التحرّش الجنسيّ ، فالسافرة والمتبرّجة ـ ومن خلال رصد ميداني ـ تتعرّض إلى الحالات السلبية التالية :
أ . التغزّل بها وبجمالها بغية الإيقاع بها في الفخ .
ب . إسماعها كلمات جنسية بذيئة وقحة ومكشوفة .
ج . مطاردتها هاتفياً .
د . ملاحقتها في مسيرها اليومي من البيت إلى المدرسة وبالعكس وفي أي مكان آخر ، ومضايقتها في الأثناء بشتّى المضايقات .
هـ . تعرّض البعض إلى الخطف والإغتصاب .
3 ـ الإدمان على المخدّرات :
الإدمان ـ كما هو أي انحراف آخر ـ يبدأ خطوة صغيرة قد لا تثير
الإنتباه ، كما لو كان الشاب أو الفتاة يجرّبان نوعاً من أنواع المسكرات أو التدخين للاستمتاع في حفلة أنس وطرب وإغراء ، أو تقليد الآخرين حتى لا يقال عن الشاب أ نّه (معقّد) أو انّه ليس برجل ، وما إلى هناك من طرق خبيثة يجيدها المنحرفون الذين يعملون دائماً على كسب زبائن جدد حتى لا يكونوا ثلة شاذّة أو منبوذة ومحتقرة .
ثمّ تتبع الخطوة خطوات ، وقد تتسارع الخطوات التالية وتتسع ، فلا يقتصر الأمر حينذاك على الاحتفالات وجلسات السمر والاستمتاع العابر ، وإنّما تتحول إلى إدمان ومعاقرة .. وهكذا تقع الطامّة الكبرى .
4 ـ التقليد الأعمى((2)) (انسحاق الشخصية) :
سواء كان التقليد الأعمى تقليداً لما يطرحه الشارع من انحرافات تأتي إلينا من الخارج كما هي الموضة ، أو مما هو مصنوع محلياً من بذاءات وإساءات ، هناك مَنْ يروّج لها ويدفع الثمن حتى تأخذ طريقها إلى الشبان والفتيات .
وسواء كان تقليداً للحياة الغربية التي تتّجه إليها الأنظار على أنّها حياة (الرقي) و (التقدّم) و (التطور) و (السعادة) ، فإنّ التقليد هنا لا يراعي الهوية أو الخصوصية . وبعض ما يأتي به الغرب لا غبار عليه ، فالأمم تتعارف فيما بينها وتنتفع بتجارب وخبرات بعضها البعض ، لكنّ الشاب الذي يأخذ عن الشاب الغربيّ حريّته المنفلتة ، وضعف انتمائه الأسري ، واستغراقه في اللهو والعبث والشهوات ، وضعف اهتمامه الديني والتحلّل من مسؤولياته الاجتماعية والدينية والأخلاقية ، هذا الشاب لا يقلّد تقليداً مدروساً وإنّما يلتقط من الشارع الغربيّ جيِّده ورديئه .
لماذا كان التقليد الأعمى انحرافاً ؟
لأ نّه خروج عن خط السير ، فالميوعة والتهالك على الملذّات والحصول عليها بأي ثمن ، والانصراف عن المسؤوليات والواجبات ، والاهتمام المفرط بالمظهر ونسيان الجوهر ، وتربية البدن واهمال العقل ، وما شاكل ، هي التي خرّجت أجيالاً من الجناة والجانحين والعصاة والمتمردين والشاذّين ، والناقمين على الدين ، ليس في ديار الغرب فقط بل في ديارنا أيضاً .
5 ـ ارتياد الأماكن المريبة وهجران الأماكن الصالحة :
ومن مظاهر الانحراف في أوساط الشبان والفتيات هو الإقبال الشديد على أماكن اللهو والمتع الرخيصة أو المشبوهة ، أو التي تصرف عن الاهتمامات الأساسية ، والانحسار الشديد عن المراكز التربوية والتثقيفية والدينية كالمساجد والندوات الهادفة ، ومراكز التأهيل الاجتماعي ، والمنتديات الشبابية الجادّة وأماكن التسلية السليمة .
(1) الاختلاط سمة من سمات عصرنا الحاضر ، فحتى لو فصلنا بين الجنسين في المدارس فإنّ الأسواق والشوارع والمنتزهات ودور السينما وقاعات الإحتفال والأعراس كلّها فرص مناسبة ، وإن كانت المدرسة أو الجامعة الفرصة الأوسع ، ولذا فإن ما ينبغي أن يراعى ليس منع الإختلاط وإنّما تربية الوازع الديني والأخلاقي لدى كل من الشاب والفتاة .
(2) يرد هذا التعبير أو الاصطلاح كثيراً في كتاباتنا وهو يشير إلى التقليد السلبي ويعني أن هناك تقليداً آخر يمكن أن نسمِّيه (التقليد الواعي) . فالتقليد ليس مذموماً دائماً ، وإلاّ فالإقتداء مثلاً هو لون من ألوان التقليد الإيجابي الواعي ، والكثير من المبدعين بدأوا مقلدين ثمّ شقّوا لهم طريقاً خاصاً تميّزوا به .
ــــــــــــــــــــ(42/309)
نتائج الانحراف وآثاره
لانحراف الشباب ، الذي يمثل بداية الإنزلاق نحو الهاوية ، والابتعاد عن الخط الصحيح ، آثاره السلبية ونتائجه الوخيمة التي لو نظر إليها الشاب والفتاة نظرة متفحّصة لرأفوا بأنفسهم وخافوا عليها وثابوا إلى رشدهم وما فضّلوا على الاستقامة والاعتدال شيئاً . فمن بين النتائج التي يفرزها الانحراف :
1 ـ الاسترسال والمضي في طريق الانحراف أشواطاً أخرى .
فليس المدمن هو الذي أدمن تعاطي المخدرات أو الخمر أو التدخين فقط ، فالذي يدمن التحرّش الجنسي ، والألفاظ البذيئة ، والتهاون في العبادات ، والتساهل في أحكام الشريعة ، هو مدمن من نوع آخر ، أي أنّ هذه الأمور تصبح ـ مع الإصرار والمداومة ـ صفات ملازمة ولصيقة ومتحكّمة بالشاب أو الفتاة ، مما يشكل فاتحة لعهد الانحراف الذي إذا لم تغلق بابه مبكراً دخلت منه الشرور كلّها .
2 ـ الانحراف عن طريق معيّن قد يؤدي إلى الانحراف عن طريق آخر .
كما لو أنّ الشاب أو الفتاة انحرفا ابتداءً بإقامة علاقات غير مدروسة مع قرناء السوء ، فإنّ الانحرافات التي تستتبع ذلك ستكون
نتائج حتمية للانحراف الأوّل ، ولو تتبعت انحرافات بعض الشبان لرأيت إنّها ابتدأت بانحراف واحد ، ثمّ أهمل فتطوّر فجرّ إلى انحرافات أخرى .
3 ـ الأمراض والاضطرابات النفسية التي تنجم عن الانحراف .
إنّ الانحراف عن خطّ السير يجرّ إلى انحراف في الصحّة سواء البدنية أو النفسية أو الروحية أو العقلية أو السلوكية العملية . فالسارق قد لا تبدو عليه علائم الانحراف بدنياً لكن سرقته ستترك أثرها في نفسيته وقد يعيش حالة التأنيب الداخلي ، ولكنّ المدمن على المخدّرات يعاني من اضطرابات كثيرة بدنية وعقلية ونفسية وروحية وسلوكية .
إنّ الكثير من حالات الكآبة والقلق والأرق والتشاؤم واليأس والإحباط والشعور بالعجز وتأنيب الضمير ، والإعراض عن الطعام والهزال والانطواء ، هي ثمار للعديد من الانحرافات التي يبتلى بها الشباب ، وقد يدفع بعضها إلى البرم والنرفزة وضيق الصدر بالآخرين ، وإلى الملل والسأم السريعين ، والاستمناء ، والرغبة بالانتقام ، والحقد ، والميل إلى الأفكار السلبية ومنها الانتحار .
4 ـ التدهور الإيماني : إنّ ضعف الإيمان أو الوازع الديني الذي
اعتبرناه عاملاً من عوامل الانحراف ، هو سبب ونتيجة أيضاً ، فالمنحرف إذا تعايش مع انحرافه واستفحل لديه ازداد تدهوره القيمي والديني والأخلاقي فلا يعود يقيم وزناً للعفّة والطهارة والنزاهة والاستقامة ونبل الشخصية ومكانتها بين الناس ، ولا يعود يأبه بالالتزامات العبادية حيث تبدأ مؤشرات الانحراف عنده بالشعور بعدم جدواها أوّلاً ، ثمّ بالتقصير في أدائها ، ثمّ ينتهي إلى إهمالها تماماً .
5 ـ ضعف الأداء العملي : ففي الكثير من الحالات ، لا يبقى المنحرف مواظباً على تقديم نفس المستوى من النشاط والفعالية والجدية والتجاوب مع الأفكار الإيجابية والإبداع . فكما يضعف التزامه الديني يضعف كذلك مستواه الدراسي والثقافي والأخلاقي والاجتماعي ، أي أن منعكسات الانحراف لا تقف عند حد واحد ، فالسارق يلجأ إلى السرقة الدراسية فيغشّ ، ويرى أن لا حاجة للتحصيل العلمي طالما أ نّه يمكن أن يؤمّن احتياجاته بالسرقة ، كما أ نّه يشعر بالاستغناء عن أسرته باستقلاله المالي وهكذا يضعف ارتباطه بأسرته ، وهذه كلّها انحدارات وانحرافات متلاحقة تضعف الأداء في مختلف المجالات .
6 ـ النفور الاجتماعي : أي أنّ الشاب المنحرف أو الفتاة المنحرفة سيجدان إعراضاً وصدوداً وجفاء بل امتعاضاً من الناس والمجتمع
الذي يعيشان فيه خاصة إذا كان للمجتمع تقاليده وأعرافه والتزاماته التي يُراعيها . وإذا أمعن أحدهما في الانحراف فإن ذلك قد يؤدي إلى مقاطعته تماماً حتى يجد نفسه بعد حين منبوذاً مما يخلق له متاعب كان في غنى عنها ، فلا يجد مَنْ يؤويه أو يوظّفه أو يزوّجه بل لا يجد مَنْ يصادقه مخافة أن يُتهم به ، أللّهمّ إلاّ النفر الضالّ الذي يماثله في انحرافه على طريقة «شبيه الشيء منجذب إليه» . وبالتالي فإن أجواء الانحراف التي ستحتضنه ستوقعه في المزيد من الارتكاس والتردّي في مهاوي الانحراف والضياع .
7 ـ ضعف الإرادة وانحلالها وفقدان السيطرة على النفس : وهي أيضاً سبب ونتيجة ، فالإرادة الواهية تقود إلى الانحراف ، والانحراف يزيد في ضعفها وانحلالها حتى ليغدو الشاب المنحرف كالمريض الضعيف البنية يسهل على الجراثيم والميكروبات والفيروسات افتراسه فيصاب لأدنى عارض ، أي أن قابليته على الإصابة تزداد بسبب نقص المناعة أو اندثارها .
ــــــــــــــــــــ(42/310)
سبل الحماية من الانحراف
نحتاج في توفير الحماية للشباب من الانحراف أن نجيب على سؤالين :
أوّلاً : ما هي الطرق التي نسلكها لتأمين هذه الحماية ؟
ثانياً : الحماية مسؤولية مَنْ ؟
أوّلاً : سبل تأمين الحماية
1 ـ إيجاد فرص عمل متكافئة : فلا يمكن التخلّص من شرور الفراغ والبطالة التي يعاني منها الشباب إلاّ باتاحة المجال للطاقات الشابة أن تأخذ موقعها على خريطة العمل والإنتاج ، فلقد ثبت أنّ الشبان العاملين أقلّ تعرّضاً للإصابة بالانحراف بسبب استغراقهم في أعمالهم التي ترفع من إحساسهم الإيجابي بشخصياتهم واستقلالهم المالي ، وتغلق المنافذ التي تتسرب منها الخواطر الشيطانية التي تغري بالانحراف والتجاوب مع أجوائه ومع المتعاطفين معه أو الذائبين فيه .
2 ـ الابتعاد ما أمكن عن الأجواء الفاسدة أو الداعية إلى الفساد : إنّ مقولة «مَنْ حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه» مقولة مستوحاة من معرفة بالطبيعة الانسانية الميّالة إلى الانحراف (إنّ النفس لأمّارة بالسُّوء إلاّ ما رحم ربِّي )(1) وهي تنظر إلى لبّ المشكلة ، فالذي يعيش في أجواء تفوح منها الروائح النتنة قد يقرف منها ابتداء ، ثمّ إذا طال تردده عليها زال القرف شيئاً فشيئاً ، وربّما في وقت لاحق لا يرى الشاب الذي زلّت قدمه أن تلك الروائح نتنة بعد ما يكون أنفه قد تشبّع منها .
إنّ الابتعاد عن الأجواء المنحرفة أو المشجّعة على الانحراف لا يكفي وحده في حماية الشباب من الانحراف إذ لا بدّ إلى جانبه من لقاحات المناعة الإيمانية التي توفرها (الأجواء البديلة الصالحة) التي تملأ الفراغ النفسي والعقلي والروحي لدى الشاب .
وعلى هذا فإنّ اختيار البيئة المناسبة للسكن ـ إن كان ذلك ممكناً وميسوراً ـ سيجنّب الأبناء والفتيات الكثير من احتمالات الوقوع في الانحراف . كما أنّ اختيار الأصدقاء الصالحين الثقات الذين يعيشون الطهارة الروحية والصدق والإخلاص سيكون صمام أمان كبيراً ضدّ الانحراف بما يعرّفون أصدقاءهم من عيوبهم ، وما يبذلونه من جهد في مكافحة انحرافهم وما يقدمونه من قدوة حسنة من أنفسهم وسلوكهم القويم .
3 ـ التفقّه في الدين : ولا نعني به وعي الشريعة الاسلامية في مسائل الحلال والحرام فقط ، وإن كان ذلك من صمامات الأمان المهمّة أيضاً ، ولكنّه معرفة بكلّ معالم الطريق عقيدة وشريعة ومنهاجاً .
إن استحضار الشاب لله تعالى في أعماله كلّها ومعرفته «إنّ الشاهد هو الحاكم» و «إنّ الناقد بصير» و «لا تنظر إلى المعصية ولكن اُنظر إلى مَنْ عصيت» وأن تكون أحكام الشريعة أجراساً ومنبهات توقظه إذا غفل ، وتعيده إلى خط السير إذا انحرفت عربته عن المسار ، وأن يعرف أنّ الذئب إنّما يأكل من الغنم القاصية لأ نّها شذّت وانحرفت وانفصلت عن الجماعة الصالحة التي توفر لها الحماية .
وإن وعي الشاب لدوره في الحياة ، ولما أراده الله منه ، ولما ينتظره اسلامه ومجتمعه والمستقبل منه ليس خارجاً عن التفقّه في الدين وتوفير سياج يحمي من الانحراف .
4 ـ تفعيل دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : بأن تتحول هذه الفريضة العظيمة إلى حالة من (الرقابة الاجتماعية) التي توفّر أرضية التحصين من الانحراف . فالشاب المنحرف الذي يلقى صدوداً من أهله وأصدقائه وزملائه وأقربائه سيجد نفسه محاصراً ، وأنّ شعوره بأ نّه منبوذ سيضغط عليه لمراجعة مواقفه ، وهذا هو دور النهي عن المنكر .
وفي موازاة ذلك ، إذا وجد مَنْ يحتضنه ويرعاه ويوجهه التوجيه الصحيح ويأخذ بيده برفق وأناة كما يفعل الطبيب مع مريضه ، فإن احتمالات الشفاء من الانحراف ستكون كبيرة ، ذلك أن ترك المريض يكابد مرضه قد يفتك به ، وهذا هو دور الأمر بالمعروف .
ولا نغالي إذا قلنا إنّ إسقاط دور هاتين الفريضتين من التعامل الاجتماعي اليومي ، أو من برنامج الانسان المسلم والتزامه الصمت واللاّ أبالية ، هو الذي أسفر عن هذه القائمة الطويلة من الانحرافات حتى بات المنكر معروفاً والمعروف منكراً .
وكما أنّ الأسرة والمدرسة بحاجة إلى إعادة اعتبار ، لا بدّ أيضاً من إعادة اعتبار لهاتين الفريضتين المتكاملتين اللتين تبشران بالايجابي وتجذّرانه ، وتنذران من مساوئ السلبي وتقمعانه ، فما دبّ الانحراف في صفوف الشباب والفتيات ـ وغيرهم من الشرائح الاجتماعية ـ إلاّ بعد أن تخلّينا عن تفعيل دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واعتبارهما أعظم العبادات كلّها ، ذلك أ نّك كشاب لا بدّ أن تعرف أنّ غاية العبادات هو الوصول إلى مستوى العمل بهاتين الآليتين في تحجيم المنكر وحصره في أضيق نطاق وتجفيف منابعه وموارده ، وإفساح المجال للمعروف بأن يسود .
5 ـ تكثير عدد القدوات في المجتمع : لا يكفي في سبيل دفع الانحراف وتحذير الشباب منه أن نقدّم مواعظ طويلة عريضة ، فالأب القدوة ضمانة أكيدة لابنه ضدّ الانحراف ، والأم النموذج الصالح حارس لابنتها من الوقوع في الانحراف . والعالم العامل المتقي الورع صمام أمان لشرائح واسعة من الناس ، والمعلّم المربّي الذي علّم نفسه أوّلاً وربّاها خشبة إنقاذ بما يغرسه في نفوس النشء ـ شباناً وفتيات ـ من معاني وقيم الصلاح والاستقامة .
إنّ لغة القدوة أبلغ في التعبير من لغة الخطاب المجرّد «كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم حتى يروا منكم الورع والاجتهاد والتقوى ، فذلك داعية» .
8 ـ تحديد المعايير والمصطلحات بوضوح : قيل لحكيم الصين الشهير (كونفوشيوس): ما هو أوّل شيء تعمله إذا أصبحت امبراطوراً للصين ؟ قال : أطلب من الناس أن يحدّدوا معاني الكلمات ! وهذه اللفتة الحكيمة من هذا الحكيم لم تُراعَ لحدّ الآن ، فالناس في اختلاف وصراع حول المراد بالمصطلحات المتداولة .
فالشرف كلمة رجراجة .. والعيب يجتهد العرف في تحديد معناه ، والحسن والقبيح ذوق اجتماعي يختلف من مجتمع إلى آخر .. وهكذا ، الأمر الذي يجعل المعيار أو المرجعية غائبة . فإلى ماذا نحتكم إذا اختلفنا كشباب ؟
بالطبع إلى المعيار الصحيح المتفق عليه وهو القرآن والسنّة المطهرة وما يقول به علماء الأمّة المعروفون بوعيهم للأمور وإلى عقولنا التي جعلها الله منارات هدى .
فإذا غاب المعيار أو غيّبه الناس ، أو اختلط وتعدّد وتشابه على الشباب أو كان شأناً مزاجياً أو اجتهادياً ، فإنّ الانحراف يدبّ للجهل بمعاني العفّة والتقوى والطاعة والولاء والانتماء والطيب والخبيث والأصيل والدخيل والخطأ والصواب .
9 ـ الاهتمام ببناء شخصيات شبابية قويّة وواعية : إنّ الدوائر المسؤولة عن بناء وتربية الشباب معنية بتركيز مقومات الشخصية الاسلامية ، وتعميق الإحساس بالوازع الديني ، أو ما يسمّى بـ (الضمير) أو التقوى ، والتعريف بما هو إيجابي ، ذلك أن من الأمور التي تجعل الانحراف معزولاً ومحشوراً في زاوية ضيّقة وغريباً ، هو أن نزرع إلى جانبه أشجار الخير والمحبّة والتعاون والاستقامة حتى ليبدو لعيني الشباب الفارق الكبير بينها وبين أشجار الانحراف المائلة والصفراء والموخزة بشوكها والعارية من الثمار والأزهار .
10 ـ إتاحة المجال للزواج بشروط ميسّرة : لقد تأكّد أنّ التعقيد في شروط الزواج وارتفاع تكاليفه الباهضة سواء غلاء المهور أو الشروط التعجيزية التي ما أنزل الله بها من سلطان ، هي التي جعلت الكثير من الشبان والفتيات يلجأون إلى الطرق غير الشرعية للتنفيس عن رغباتهم الجنسية .
ولذا فإنّ الزواج المبكر إذا توفرت إمكاناته ، والزواج الجماعي الذي يقلّص حجم النفقات ، وتأسيس الصناديق الخيرية التي تيسّر السبيل إلى بناء البيوت السعيدة ، أو المصارف التي تقدم القروض والسلف للراغبين بالزواج أو حديثي العهد بالزواج بشروط ميسّرة وأقساط مريحة ، كل ذلك يساهم في التخفيف من وطأة الانحراف وسد منافذه .
11 ـ فتح أبواب التفاؤل والرحمة : إنّ الشاب المنحرف أو الفتاة المنحرفة أشدّ ما يكونان حاجة إلى القلوب الرحيمة المتفهّمة لظروفهما وأسباب انزلاقهما ، وايجاد المخارج التي يمكن أن يهربوا من انحرافهم من خلالها .
وعلى المربين أن يتعلّموا لغة الخطاب القرآني مع المنحرفين ويخاطبوهم بمثلها (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا
من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً )(2) وهي لغة (إنّ الله غفور رحيم) و (توّاب رحيم) و (رحمتي وسعت كلّ شيء) أي لغة أنّ المنحرفين ليسوا مرفوضين تماماً ، فأبواب الصفح والمسامحة مفتوحة و (مَنْ تاب تاب الله عليه) .. المهم أن لا يبقى الشاب المنحرف مصرّاً على انحرافه مأخوذاً بالعزّة بالإثم .
ثانياً : مسؤولية الحماية في عاتق مَنْ ؟
صلاح الأفراد من صلاح المجتمع ، كما أنّ صلاح المجتمع من صلاح أفراده ، فصلاح كلّ منهما ينعكس على الآخر ، فالمجتمعات الآمنة المطمئنة التي تقلّ فيها حالات الانحراف ، ولا نقول تنعدم فليس هناك مجتمع ملائكي على وجه الأرض كلّها ، هذه المجتمعات تنتج أفراداً صلحاء ، كما أنّ الأفراد الصالحين يقوّون بدورهم النهج الإصلاحي في المجتمع بما يشيعونه من سلوك نظيف يحدّ بدوره من قذارة الانحراف ، ويجعل المنحرف متردداً في فعل يفعله ، وقد يمارسه بعيداً عن مرأى الناس وسمعهم ، وإذا حصر الانحراف أو المنكر في الدائرة الضيقة سهلت السيطرة عليه وتطويقه((3)) .
وبناءً على ذلك ، فإن مسؤولية مكافحة الانحراف وحماية الشباب منه مسؤولية تضامنية تنهض بها الجهات والمؤسسات التالية :
1 ـ الأسرة : الأسرة المحضن الأوّل للشاب وللفتاة على حدّ سواء ، وعلى مدى التربية التي يتلقاها كلّ منهما في صغره يتحدّد مستقبلهما . فإذا حظيا بأسرة صالحة رجح أن يكونوا صلحاء ، والعكس صحيح .
وقد تلعب عوامل خارجية كثيرة دورها في انحراف الشباب والفتيات ، لكن يبقى دور العامل الأسري في الحماية والوقاية والصيانة من أهم العوامل على الاطلاق : (قُوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة )(4) .
الأسرة هي الحجر الأساس في البناء التربويّ ، وكلّما كان متيناً أمكن التنبؤ بمستقبل يبشِّر بالخير والصلاح ، وبخلافه إذا كان هشّاً فإنّه لا يصمد أمام الضغوط والتحدّيات ، وحينها لا بدّ من جهود ذاتية استثنائية كبيرة يبذلها الشاب حتى يعوّض حرمانه من ذلك البناء ببناء آخر متين وهو (الدين) .
إنّ الأمّ التي تسمح لابنتها أن تطل على ضيوف أبيها وهي شبه عارية ، والأب الذي يطلب من ابنته أن ترقص وتغني أمام ضيوفه ، والأبوين اللذين لا يعارضان زيارة الأصدقاء الشباب لبيوتهم دون مراعاة لوضع بناتهم ، والأب الذي يبتسم بفخر لابنه الذي استطاع أن يحتال على شخص فيغلبه ويعتبر ذلك سمة من سمات رجولته ، هؤلاء إنّما يدفعون أبناءهم وبناتهم بكلتا يديهم إلى الانحراف .
أمّا الأبوان اللذان يحتاطان ويحترزان ويقدّران مخاطر أمثال هذه التصرفات في الحاضر والمستقبل ، وإذا رأيا أنّ البيئة التي تعيش الأسرة فيها موبوءة أو ملوّثة ومحفّزة على الانحراف ، عمدا إلى تغيير محل السكن حفاظاً على سلامة الأبناء والبنات ، واللذان يقدمان التربية بشقيها المباشرة بالموعظة والحكمة ، وغير المباشرة بأن يكونا قدوة لأبنائهما وبناتهما ، إنّما يتصرفان بوحي المسؤولية الاجتماعية والدينية ، ذلك أنّ الأسرة التي (تراقب) و (تحاسب) و (تخاطب) و (تشاور) الأبناء والبنات وتستخدم لغة الحوار والإقناع ستقلل ـ إذا لم تقطع نهائياً ـ احتمالات الانحراف .
2 ـ المراكز التعليمية والتربوية : المدارس والمعاهد والمراكز التعليمية والتربوية الأخرى هي البيوت الثانية للشبان والفتيات ، ولعلك تشترك معنا في الرأي إذا قلنا أنّ (المعلم) إذا كان مربياً مخلصاً ، نجح في انتشال الأجيال من براثن الانحراف .
فقد يفتقد الشباب القدوة في بيوتهم لكنّهم يجدونها في مدارسهم ، فإذا تمسّكوا بها ولم يتأثروا بالأجواء البيتية فقد اجتازوا عقبة كبيرة وأمنوا من تبعات الانحراف .
ولذا فإنّ رسالة التربية التي يجب أن تضطلع بها مدارسنا الاسلامية يجب أن تتقدّم على رسالة التعليم ، أو لنقل انّها ينبغي أن تسير بشكل متواز معها وأن لا تتخلّف عنها ، فربّ كلمة من معلم أو معلمة تهدي شاباً أو فتاة وتنقذهما من الوقوع في هاوية لا قرار لها .
دور المعلم الذي ينظر إلى التلميذ على أ نّه ابنه الثاني ويتابعه ويرشده ويهديه ويسدّده ويقوم سلوكه قد يفوق دور الوالدين في بعض الأحيان . أمّا إذا تظافرت الجهود التربوية وانضمّ الجهد الأسري إلى الجهد المدرسي فإن ذراعين رحيمين سيحتضنان الجيل .
3 ـ علماء الدين والمؤسسات الدينية : المراجع والعلماء والفقهاء هم آباء الأمّة والمشرفون على خط سيرها والمسدّدون لخطاها ، ودورهم في حماية الشباب من الانحراف يتمثل في التثقيف المباشر
بالاسلام ، أو تشكيل لجان ومؤسسات تربوية مسؤولة ترعى هذه الشريحة وتومّن لها سبل الحماية ، وتشعر أبناءها من كلا الجنسين أ نّهم محطّ عنايتها ومحبّتها واحتضانها الأبويّ .
وللمؤسسات الدينية والحوزات العلمية دورها المساند في تحصين الشباب ضدّ التحديات الثقافية والفكرية والسلوكية سواء بالتعريف بالاسلام بوجهه الصحيح وبأساليب عصرية مشوقة ، أو بتقديم الحلول المناسبة لمشكلات الشباب الدينية والاجتماعية والنفسية برؤية معاصرة تخلق لغة تفاهم مشتركة بين هذه المؤسسات وبين الشباب .
هناك فراغ واضح وملحوظ يعاني منه الشبان والفتيات في المكتبة الاسلامية الشبابية ، فلا تزال نادرةً الكتب التي تهتم بقضايا وهموم وشؤون ومشاكل وآمال الشباب ، فلا بدّ من توجيه العناية إلى أن يتخصّص بعض الروائيين والروائيات بطرح ذلك كلّه بلغة أدبية شفافة ونظيفة .
إن عدم نزول الكثير من علماء الدين إلى الميدان الشبابي أوجد هوّة أو غربة بين الإثنين حرمت الشباب من الأفكار والمفاهيم والأساليب التي يمكن أن تحصّنهم وتبني شخصياتهم بناءً متيناً .
وردم الفجوة يحتاج إلى فتح قنوات حوار ، وإعادة نظر في الأساليب التبليغية والدعوية والإرشادية التقليدية ، فالكثير منها بات منفّراً ، أو في الأقل لم يعد صالحاً للزمن الذي يعيشه الشاب فلا يستهويه ، خاصة إذا عقد مقارنة بين أساليب التربية والتوعية الحديثة
ذات الطرح العلميّ الذي يعالج المشاكل معالجة موضوعية تجيب على ما يدور في أذهان الشباب من أسئلة أياً كان نوعها ، وبين أساليب التوعية الدينية التي ما زالت تراوح مكانها إلاّ ما ندر .
4 ـ الكتّاب والأدباء والمثقفون : ما لم تتوجه عناية الكتّاب والأدباء والمثقفين الاسلاميين إلى الشباب ، ويتخصّص بعضهم في دراسة أسباب ومظاهر وآثار وطرق معالجة الانحراف ، ووضع خطّة شاملة في بناء الوعي الاسلامي فكراً وأدباً وثقافة ، فإنّ الشباب إمّا أن يلجأوا إلى كتابات غير منسجمة مع هويتهم ، وإمّا أن يعيشوا الفراغ الذي ألمحنا إليه .
إنّ الدراسات الميدانية واستطلاعات الرأي ، والبحوث والدراسات الشبابية ، التي تضطلع بها جهات معيّنة متخصصة لا تكافح الانحراف فحسب ، بل تقدم البدائل الصالحة للتربية مسؤولية مشتركة لا ينهض بها إلاّ مَنْ يحمل رسالة قلمه وأمانة الجيل الذي ينتظر عطاءه .
5 ـ الثقافة الإصلاحية : ثمة أسلوب معاصر في المعالجة على
المستوى التثقيفي يُطرح على شكل منشورات ملوّنة ومصوّرة وصغيرة ، تناقش كل نشرة مشكلة انحرافية محددة وبشكل مكثف ، أي إنّها تجيب على أسئلة محددة ، فيمكن لنشرة من هذه النشرات أن
تعالج ظاهرة التدخين بين الشباب والفتيات ، وتتساءل : ما هي مضار التدخين ، وكيف تجتنبه ؟
هذه النشرات أشبه شيء بالمنشورات الصحّية التي تعالج مرضاً معيناً وبمستوى ما يصطلح عليه بـ (الثقافة الشعبية أو الجماهيرية) أي الثقافة التي تقدم وجبة سريعة من المعلومات المنقّطة والمضغوطة والنافعة كأوليات في التثقيف بالمرض وبسبل معالجته .
6 ـ مواقع الشبكة المعلوماتية الخاصّة بالشباب : تتولّى هذه المواقع الشبابية مسؤولية جسيمة في رصد الظواهر الانحرافية وطرحها على صفحات مواقعها الشبابية والنسوية ، ذلك أنّ الأنظار اليوم متجهة إلى هذا الاختراع الذي يشدّ الانتباه ويسترق الكثير من الوقت وينافس العديد من وسائل التثقيف التقليدية .
فدور المواقع الشبابية هو جزء لا يتجزأ من رسالتها أن توجد حالة من التثقيف الأوسع بالظاهرة الانحرافية وطرق تفاديها ، سواء باستشارة أخصائيين أو باجراء استطلاعات للرأي ، أو بالردّ على أسئلة الشباب بأبوابها المختلفة ، أو إدارة الحوارات التي يشرف عليها مختصون للخروج بأفضل الصيغ وأنسب الحلول .
7 ـ الخطباء : وهم أئمة المساجد والجوامع والجماعة والجمعة والذين يعتلون المنابر والمنصّات للوعظ والإرشاد الديني وإحياء المناسبات الاسلامية ، بل حتى الذين يمارسون مهمات التبليغ والدعوة الاسلامية ، حيث إنّهم معنيون برصد الظواهر الانحرافية وهي في المهد ، والتعريف بمخاطرها ، وأن يكونوا قدوة للشباب في الصلاح والاستقامة ، وأن ينتقلوا من مرحلة القاء الموعظة والتلقي السلبيّ الذي لا يعطي مجالاً للشبان في الحوار وطرح أسئلتهم ومداخلاتهم بشكل مباشر .
8 ـ مؤسسات الدولة : الدولة هي المسؤول الأكبر عن حماية الشباب من الانحراف بما لديها من قدرات ضخمة لا يمتلكها غيرها ، فهي الأقدر ـ إن قدّرت ذلك وعملت باتجاهه ـ على تنظيف الساحة الاجتماعية والشبابية تحديداً من أوضار ومضارّ الانحراف .
فالوسائل التربوية والمناهج التعليمية والمراكز الشبابية تقع تحت إشرافها . ووسائل الإعلام ـ في الغالب ـ تدار من قبلها وهي التي ترسم خططها وتضع رسالتها ، وهي التي تسنّ القوانين والقرارات التي من شأنها توفير الحماية ضدّ الانحراف .
فالدولة التي تضع قانوناً يحرّم تعاطي المخدرات وتعاقب على تجاوزه ، وتفتح المصحّات التي تعالج المدمنين لإعادة تأهيلهم إلى
الحياة الكريمة ، والتي تستخدم وسائلها التعليمية والإعلامية لتثقيف الشبان والفتيات ضدّ الإدمان تساهم مساهمة فعّالة وأعظم من أيّة دائرة أخرى من دوائر المسؤولية .
9 ـ الشباب أنفسهم : وتبقى مسؤولية الشاب عن نفسه في حماية نفسه من الانحراف من أهمّ المسؤوليات ، فقد لا تنفع الدوائر الأخرى في حمل الشباب على الإقلاع عن ظاهرة انحرافية معيّنة ، لكنّ الفتيان والفتيات ـ بما أوتوا من همّة عالية ـ قادرون على الوقوف بوجهها إذا تنبّهوا إلى مخاطرها الحاضرة والمستقبلة ، ذلك أنّ الشاب وحده الذي بيده قرار الاستسلام للانحراف والانسياق مع المنحرفين ، وبيده وحده قرار الممانعة والمقاومة ورفض الضغوط أو الإغراءات التي يلوّح بها الانحراف .
من هنا تأتي ضرورة أن يعمد الشاب أو الفتاة إلى تربية أنفسهما منذ وقت مبكر على الإحساس بالمسؤولية وتحمل نتائج الأعمال ومعرفة الصواب من الخطأ ، والرجوع إلى ذوي الخبرة والاختصاص في حال عجزوا عن ذلك .
إنّ دوائر الوعي والتغيير السابقة تعمل كلّها في اتجاه واحد ، وهو أن تضع الشباب في دائرة الوعي الثقافي بالظاهرة الانحرافية وكيفية النجاة منها .
لكنّ الشباب أنفسهم باعتبارهم موضوع الانحراف ، يلعبون دوراً غاية في الأهمية في قطع دابر الانحراف ، فالانسان طبيب نفسه ، ويمكنك كشاب أن تتفادى الانحراف بالمزيد من الرقابة الذاتية والتحسّب للنتائج والمخاطر المترتبة عليه ، والتواصي فيما بينك وبين الآخرين من الأصدقاء والاخوة على مكافحته ومساعدة الدوائر الأخرى في القيام بدورها على أكمل وجه .
(1) يوسف / 53 .
(2) الزمر / 53 .
(3) إنّ الإفطار العلني يعدّ انتهاكاً لحرمة الصوم والصائمين في المجتمع الاسلامي ، ولذلك يعاقب كل مَنْ ينتهك هذه الحرمة ، لكنّ الذي يريد أن يعصي الله فيفطر في داره ولا يعلم به أحد ، لا يؤثر على الجوّ العام للصيام والله هو الذي يتولى أمره ، وهكذا في الأمور الأخرى .
(4) التحريم / 6
ــــــــــــــــــــ(42/311)
مقاومة الكسل الروحي ... تجارب ونصائح
تقول (ف): كنت أشعر بعدم الإلتذاذ بصلاتي، وكنت ـ لهذا السبب ـ أؤخّرها أحياناً ، بل وكنت أشعر بضعف الارتباط بالله سبحانه وتعالى بشكل عام ، ولم أكن في البداية أعتبر ذلك مشكلة .
وبينما كنت أتحادث مع إحدى الأخوات المؤمنات ذات يوم حتى انتهى الحديث إلى ما أنا فيه فصارحتها بالأمر ، فقالت : لقد كنت أعاني ما تعانين ، وإليك تجربتي :
لقد قرأت حديثاً شريفاً يقول : «أحيِ قلبك بالموعظة» فرحت أستزيد من المواعظ ، ورأيت أنّ في كلّ موعظة منشّطاً روحياً .
وقرأت حديثاً يقول : «خير الأعمال ما داوم عليه العبد وإن قلّ» فعرفت أنّ المداومة والاستمرار على قليل العبادة أفضل من الاستغراق فيها لفترة قصيرة ثمّ تركها .
وقرأت أيضاً : «للقلوب إقبال وإدبار فإنْ أقبلت فاحملوها على النوافل وإن أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض» . فاتّخذت قراراً أن لا أثقل على قلبي وأن لا أتركه على هواه ، فإن رأيت شهيته مفتوحة للعبادة استزدت بأن أقرأ القرآن إلى جانب الصلاة ، وإن رأيته على غير ذلك اكتفيت بالصلاة .
وقد رأيت أنّ التفكّر بنعم الله وما أراده منِّي وما أريده لنفسي كمسلمة يشعل جذوة حبّ الله في نفسي .
وكان لاطّلاعي على قصص وسير القدوات الصالحة كالأنبياء والرسل والمؤمنين والمؤمنات ، ومواقفهم وعباداتهم وعلاقتهم بالله وبالناس وبالحياة ، أبلغ الأثر في طرد الكسل الروحي الذي كنت أعاني منه .
وهنا قالت (ف) لصديقتها : وأحبّ أن أضيف إلى ما قلتِ شيئاً آخر وهو أنّ اللقاء بالأخوات المؤمنات أمثالك عامل آخر من عوامل التنشيط الروحي .
البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/312)
لكي لا تختلف عليكم المفاهيم يا شباب!
المفهوم هو مصطلح تسالم الناسُ على فهم معيّن ومحدّد له ، فأصبح معروفاً في دلالاته لدى المتداولين له بحيث لا ينصرف الذهن إلى غيره .
فـ (الصبر) ـ مثلاً ـ يعني في فهم الناس له : القدرة على التحمّل في مواجهة صعوبة أو مصيبة أو مشكلة أو كارثة .
ولأنّ الناس حملوا في أذهانهم صورة معيّنة عن (الصابر) وهو الانسان الذي يبتلى بمحنة ما ، ويقف منها موقف المتماسك لا المنهار ، عرفوا أنّ قيمة الصبر هي في مفهومه الدالّ على هذه القابلية في تحمّل نتائج الإنكسار أو الخسارة أو الهزيمة بصدر رحب ، وتسليم تام بقضاء الله وقدره .
لكنّنا يمكن أن نميِّز بين صابرين :
فلو تعرّض أحد الباعة لصدمة مالية عنيفة ، بأن خسرت البضاعة التي يبيعها ، ثمّ تحمّل الخسارة بروح عالية ، فلم يتذمّر أو يبالغ في الشكوى ، أو يلقِ اللوم على غيره ، فهذا صابر .
ولكنّه لو اصطدم بعقبة الخسارة ، وامتصّ زخم الصدمة بعقلانية ، بأن درس أسبابها المؤدّية إلى ذلك ، وقرّر تجاوزها بحكمة وهدوء واستعداد لتحمّل نتائجها مهما كانت ، فهو صابر من نوع آخر .
فالصبر الأوّل يمكن تسميته بـ (الصبر) السلبيّ ، أو الحد الأدنى من الصبر . وأمّا الصبر الثاني فهو صبر (إيجابيّ) أو الحد الأعلى من الصبر .
وهناك نوعٌ ثالث ، قد يطلق البعض عليه صبراً وما هو بصبر ، وهو ما يمثله ذاك الذي وقع في بئر وراح يصرخ ويستغيث ، فلمّا سمعه أحدهم قال له : اصبر حتى آتيك بحبل لاُخرجك ، فردّ عليه الذي في قعر البئر : صبرتُ أم لمْ أصبر فأنا في البئر !
فهذا ليس صبراً ، وإنّما هو اضطرار ، وهو ما عبّر عنه الشاعر بقوله :
إذا لم تكنْ غيرُ الأسنّة مركباً***فما حيلةُ المضطرّ إلاّ ركوبُها
نعم ، إذا مرّ وقت ولم يجد الساقط في البئر مَنْ يسعفه ، ثمّ يحاول أن يتشبّث بالأمل وبالنجاة من خلال رحمة الله ، والسعي بإعمال ذهنه في الخروج من المأزق ، فهو خير الصابرين .
فوائد تحديد المفهوم :
إنّنا اعتبرنا اللون الثاني من الصبر ، صبراً إيجابياً لأنّ فيه تحملاً وجلداً ومقاومة ، فهو يفوق الأوّل بأ نّه يتحرّك بصاحبه ليخطو خطوة أوسع ، فهو لا يصبر على الخسارة ومرارتها وغصّتها فقط وإنّما يصبر على إعادة البناء من جديد ، أو التعويض عن الخسارة بروح مصمّمة في عناد على تجاوز ردّ الفعل الأوليّ الذي سبّبته الخسارة ، واتخاذه دافعاً لعطاء أكبر .
فإذا فهم الشاب أو الفتاة الصبر بمعناه الثاني ، وتعاطى معه على هذا الأساس فإنّه سيكون صابراً ذا عزيمة راسخة وإرادة صلبة ، وليس صابراً ذا قدرة على التحمّل ، أو الاضطرار للتحمل .
وعلى مقدار فهمنا المشترك لـ (المفهوم) أو (المصطلح) يكون تعاملنا في مختلف القضايا والمواقف ، فإذا اتّفقنا على فهم واضح محدّد لمصطلح معيّن ، استطعنا أن نحدّد على ضوء ذلك طريقة التعاون فيما بيننا ، وذلّلنا الكثير من الصعاب أو المشكلات الناشئة نتيجة سوء الفهم ، أو جرّاء النظر من زاوية مختلفة .
فـ (العيب) مصطلح سائد في أوساطنا الاجتماعية ـ نحن المسلمين ـ وكلٌّ يراه بمنظار .
فهناك مَنْ يراه بأ نّه المخالفة للعرف الاجتماعي الدارج والمتوارث .
وهناك مَنْ يراه بأ نّه المخالفة لإيقاع العصر .
وهناك مَنْ يراه في المخالفة الشرعية لحكم ثابت .
وهناك مَنْ لا يراه عيباً إطلاقاً .
وهناك مَنْ يراه نتاجاً لتربية بيتية ضيّقة وصارمة ومتشدّدة في اعتبار لباس معيّن ، أو كلمات بعينها ، أو التصرّف بسلوك ما ، حتى ولو لم يكن في ذلك مخالفة شرعية ، عيباً ، وما ذاك إلاّ لأنّ ذلك يحمل تصوراً معيّناً عن العيب تراكم مع الزمن وتوارثته الأجيال كما ترث مقدّساتها .
وجرّاء هذا الاختلاف في تحديد مفهوم (العيب) يعيش الكثير من الشبان والفتيات صراعاً نفسياً مريراً مع الأسرة والمجتمع . مع العادات والتقاليد التي تتضارب مع الشريعة الاسلامية وقد تضربها في بعض الأحيان .
وقد يكون للمفهوم الواحد أكثر من فهم واحد بسبب تعدّد البيئات الاجتماعية والثقافية والدينية ، فقد ترى هذه البيئة الخروج بزيّ معيّن عيباً ، وقد لا تراه الثانية كذلك ، بل تراه سمة من سمات العصر والحضارة .
وثمة فائدة أخرى ، وهي أنّ تحديد المفهوم بشكل واضح وصريح لا لبس فيه ، ولا تعددية في تفسيره وتأويله ، يجنّبنا الوقوع في شراك الخداع والتضليل .
فُتِحت عناوين (الحريّة) و (الديمقراطية) و (التقدّم) و (العولمة) وسقط الكثير من الشبان والفتيات ضحايا التغرير والتصوير والتزوير والتحوير ، لا سيما عندما تؤخذ هذه المفاهيم وما شاكلها أخذ المسلّمات دونما نقد أو نقاش أو تحرٍّ عن أبعادها ومراميها .
كما أنّ من بين فوائد تحديد المفاهيم ، وتوحيد النظرة إليها ، إنّك تعيش الثقة في التعامل بمكيال واحد مع الآخرين ، لأنّ مفهوم (القيمة) ـ مثلاً ـ إذا جرى الاتفاق على أ نّه قيمة العطاء الانسانيّ ، لا قيمة الدخل المالي ، أو الرصيد المصرفيّ ، أو العقارات ، أو الوجاهة ، أو الموقع ، أو الجمال الخارجي ، أي كما عبّر الحديث الشريف : «قيمة كلّ امرئ ما يحسنه» فإن ذلك جدير بزرع الثقة في النفوس التي تنزع إلى تقدير قيمة الإبداع ، وقيمة الاصالة ، وقيمة النبل والأخلاق ، وقيمة البذل والعطاء .
يضاف إلى تلك الفوائد ، أنّ تحديد المفهوم يساعدنا على رسم معالم هويّتنا بشكل مستقر لا بشكل متذبذب رجراج يخرج على الناس كلّ يوم بفهم معيّن ، أي أنّ المفاهيم الصحيحة تحدّد النظرة العامّة لشخصيتنا الاسلامية الدينية والعملية . فالمفهوم ليس بلفظه بل بما يرمز إليه وبما يوحي به .
فمفهوم (الشجاعة) ـ من وجهة النظر الاسلامية ـ يتعدّى الشجاعة في ساحات القتال ، إلى شجاعة الاعتراف بالخطأ ، وشجاعة مصارحة الآخرين بأخطائهم وعيوبهم وجهاً لوجه وليس بطريقة الاغتياب العاجزة ، وشجاعة تحمّل نتائج العمل وعدم تحميلها أو إلقائها على عاتق الآخرين .
وأخيراً ، فإنّ المفهوم إذا تحدّد وأصبحت له صورة واضحة في الأذهان ، وصورة واضحة في التجسيد الخارجي العملي ، فلا يتبادر إلى الذهن شيء غيره ، فإنّه يساعدنا على التمييز بين ما هو (خطأ) وبين ما هو (صواب) وبين ما هو (صحيح) وبين ما هو (سقيم) ويجنبنا من الدخول في دائرة المجادلة المغلقة التي يرى فيها كلّ منّا المفهوم على ذوقه وهواه وبحسب تصوّره ، لا بحسب ما هو في الأصل .
ــــــــــــــــــــ(42/313)
مميزات السلوك الرومانتيكي لدى الشباب
* محمد زريق
يتميز هذا النوع من السلوك بأمور ثلاث:
1 ـ الاهتمام بتحليل الذات: وتأمل ما يجور في داخل الذات، ووصف هذه المشاعر الداخلية.
2 ـ حب الطبيعة: والهيام بها حباً يبلغ شأواً بعيداً.
3 ـ التمرد على الوضاع القائمة والتقاليد الموروثة ومن ثم على المجتمع بوجه عام.
وكل هذه الأمور تغشي حياة الشاب بغلالة من الحزن والشجن ويزداد هذا الحزن والشجن كلما أمعن الفرد في عزلته عن المجتمع وولهه في حب الطبيعة.
الرغبة في تأكيد الذات:
ينظر الشاب إلى نفسه على أنه لم يعد ذلك الطفل الذي كان يُنظر ولا يُسمع، يبدأ بالإحساس بأن له شخصية يجب أن تؤكد ذاتها في عالم الوجود، لأن الاضطراب النفسي يجذب انتباهه إلى نفسه كما جذب الاضطراب الجسمي انتباهه إلى جسمه، وهكذا يحس أنه يخوض غمار عالم جديد يختلف عن عالم المراهقة.
لهذا يسعى الشاب ليكون له مركز بين جماعته، فيميل للقيام بأعمال تلفت النظر إليه، ووسائله في ذلك متعددة فهو تارة يلبس ملابس زاهية الألوان والمصنوعة على أحدث الطراز، كما يحاول التصنع في طريقة كلامه وضحكه ومشيته، أو يقحم نفسه في مناقشات تكون فوق مستواه وهو لا يفعل ذلك عن عقيدة بل حباً في المجادلة والتشدق بالألفاظ الرنانة. ويتوهم الشاب أن تدخينه وسيلة لتأكيد ذاته وتدعيم الشعور بالاستقلال الذاتي.
كتابة المذكرات:
وهي من أهم الظواهر دلالة في حياة الشاب، لأنها مظهر لعزلته ولقدرته على التحليل الذاتي ولرغبته في الهرب من القلق النفسي.
وقد لا يبدأ الكتابة من تلقاء نفسه بل يدفعه إلى ذلك خبرات خاصة كالوقوع في حبه الأول أو كارثة تحيق به كالرسوب أو وفاة عزيز أو كالتنبه فجأة لجمال الطبيعة. هناك يحس بحاجة لتناول القلم لتسجيل مشاعره الجديدة.
وكثيراً ما تكون المذكرات بديلاً عن صديق، يبثها الشاب أشجانه ويدلي لها باعترافاته، تخففاً من شعوره بالذنب ويبوح لها بآماله ومشاريعه، فهي إذن وسيلة للتنفيس ولتأكيد الذات، ولذا كانت بالنسبة إليه عزيزة فهو يخفيها في أماكن لا تصل إليها الأيدي ولا تقع عليها الأعين، وهو في الوقت نفسه يخجل خجلاً شديداً من بعض مضمونها، فالإحساس بالذنب يمد جذوره فيها، ولذا يعمد أحياناً لاستخدام رموز يبتكرها لتسجيل الأمور التي يخشى أن تكتشف، وهذه السرية ظاهرة شائعة في مذكرات الشباب.
والشاب لا يسمح لأحد بالاطلاع على مذكراته إلا بعد تعديه مرحلة الشباب، أو لصديق عزيز يثق به كل الثقة.. وقد كتب أحد المراهقين على مذكراته عبارة (تُحرق بعد موتي ويُذرَ رمادها على قبري).
إنها سجل حي لنفسيته في هدوئها واضطرابها وعرض قوي لمختلف انفعالاته وعواطفه.
حب الطبيعة:
وهنا يبدو الشاب كما لو اكتشف الطبيعة فجأة فهو يُقبل عليها ويرى في معالمها ما لم يكن يراه فيها وهو طفل، ففي كل مظهر من مظاهرها معنى جديد يكتشفه الشاب، معنى يتصل بوجدانه وإحساسه ومشاعره.
ويذكر (الدكتور عبدالمنعم المليجي): أن الهيام بجمال الطبيعة ليس إلا الوجه الثاني للهيام بالذات والرغبة في تحليلها، ذلك أن تحليل الذات التي اكتشفها الشاب فجأة يتطلب العزلة والبعد ع الناس، الأمر الذي لا يحققه إلا قضاء الساعات خارج المدينة في حديقة شاسعة أو غابة كثيفة أو على شاطئ بحر ثائر الأمواج أو في صحراء ممتدة...
وقد يكتفي المراهق بتأمل الطبيعة ويطلق لخياله العنان، وقد يتناول الريشة ليسجل مشاهدها إذا كان ذا قدرة فنية، وقد يمسك بالقلم ينظم القصيد أو يسطر الوصف المطول.
الرغبة في مقاومة السلطة:
يرى الشاب نفسه في هذه المرحلة جديراً بالوقوف من المجتمع موقف الناقد يمتحن نظمه وعقائده وتقاليده، ويفكر في رأي أسرته فيه ومعاملتها له، وغالباً ما تكون الأسرة غير آبهة به ولا مقرة برجولته وحقوقه كشخص ذي قيمة خاصة، ويغيظه عجزه عن تحقيق آماله الواسعة وهو لا يرى هذا العجز راجعاً إلى قصور إمكاناته وضآلة قدراته، وإنما يراه رجعاً لعقبات تضعها الأسرة في طريقه، أو يضعها المجتمع على العموم، وتكون النتيجة أن تثور في نفسه رغبة في مقاومة السلطة، ومن هنا تحتدم في نفسه الرغبة في تأكيد ذاته تأكيداً يتوقف شكله على إمكانات الشاب وقدراته وعلى موقف البيئة منه، ولكنه في جوهره تمرد على المجتمع (خفياً كان أو ظاهراً) تمرد قد يؤدي أحياناً إلى عواقب وخيمة، ولكنه وسيلة تكيّف بالنسبة للطور الجديد، وخطوة جديدة للنضج واكتمال النمو النفسي.
ــــــــــــــــــــ(42/314)
كيف تتحكم بإرادتك؟
كيف تتحكّم بغرائزك ؟ وتسيطر على انفعالاتك ؟ وتتغلّب على نقاط الضعف في حياتك النفسية ؟ .
هذه بعض الإرشادات التي يقدِّمها لك مَنْ تمكّنوا من التحكّم بإراداتهم :
ـ الحقيقة التي أثبتتها التجارب ـ الرجالية والنسائية ـ أنّ السيطرة على النفس أمر يمكن تحصيله ، والإرادة وحدها التي تجعل المستحيل ممكناً ، أي الجهد الواعي لمنع شيء أو اكتساب شيء .
ـ السيطرة على النفس ـ وكما ثبت بالتجربة ـ تساعدك في توسيع ممكناتك وخياراتك وإدخال التحسينات التي تريدها على حياتك . ويضربون لك مثلاً : فلو كان أمامك صحن فيه عشر تمرات ، وكان بإمكانك التهامها جميعاً ، لكنّك اكتفيت بسبعة أو خمسة كتدريب على الضبط النفسي ، فإنّك ستربّي بذلك إرادتك .
ـ وعليك أيضاً الاهتمام المستمر بمراقبة نفسك : هل هي في تطوّر ملحوظ ؟ هل هي تتأخر أو تتراجع ؟ هل هي مسترسلة مع الغفلة والشهوات ؟ هل لديك مفاتيح أو أزرار للسيطرة عليها في قبال المغريات ؟
ففي مجال الجنس يجمع علماء الجنس ـ ومن خلال تجارب ميدانية ـ على أنّ الامتناع عن العمل الجنسي لمدّة طويلة لا يحدث خطراً على الصحّة الفكرية أو الجسمية .
وينقل بعض الشبان تجاربهم في ذلك فيقولون : إنّ التقنين الغذائي وتنقيته مما يحرّك الشهوة من حلوى وتوابل ومواد دهنية ، وتنظيم أوقات الراحة والعمل ، والإنشغال بمهارة أو مهنة أو هواية معيّنة يحبّها الشاب أو الفتاة ، والابتعاد ـ ما أمكن ـ عن الأجواء المثيرة للغريزة كالأحاديث الشهوانية والمطالعات الماجنة ، ومشاهد الغرام والإباحية ، بالإضافة إلى الرياضة بمختلف أشكالها ، نافعة في هذا المجال ، وكذلك تربية الوازع الديني والجانب الروحي في الشخصية .
وفي مجال الإدمان ، فإنّ المدمنين على التدخين الذين تمكّنوا من الإقلاع عنه يروون تجاربهم فيقولون :
ـ في وسع المدخن أن يتجنّب الإفراط في الإستجابة لعادته بأن يضع فواصل زمنية بين لفّافة ولفّافة ، ثمّ تتّسع الفواصل يوماً بعد يوم إلى أن ينقطع نهائياً عن التدخين . ثمّ يمتنع عن التدخين يوماً كاملاً في الاسبوع ، واسبوعاً في الشهر ، وشهراً في السنة ، على أن يكون التقليص في استخدام اللفافات (السجائر) مستمراً .
ـ وهناك طريقة ثانية وهي الاستعاضة عن عادة التدخين بعادة نافعة تنسخها وتحل مع الزمن محلّها ، فمن يتعوّد التدخين في وقت معيّن يمكنه أن يمارس التمارين الرياضية في ذلك الوقت ليألف الرياضة وينفر من التدخين .
ـ وهناك مَنْ استعاض عن التدخين باستعمال الحلوى ، أو تناول أي شيء نافع للصحّة بدلاً عنها .
ـ لكن أقدر الذين سيطروا على أنفسهم وامتنعوا عن التدخين أولئك الذين تأمّلوا في أضرارها الكثيرة قياساً بمنافعها الضئيلة ، ثمّ اتخذوا قراراً مصيرياً بهجران التدخين إلى الأبد .
ـ وإليك هاتين التجربتين ذاتي العبرة والدلالة :
فلقد أصابت أحد المؤمنين العاملين للإسلام نزلة صدرية إثر التدخين فنصحه الطبيب بترك التدخين ، فقال المؤمن العامل : لا أستطيع ذلك ، فقال له الطبيب : إنّك تقول لشارب الخمرة المدمن اتركها فشربها لا يجوز ، وتقول للزاني الأسير لشهوته : اترك الزنى فهو حرام ، ولا تستطيع أن تحرِّر نفسك من عادة تضرّك ؟!
يقول المؤمن العامل : فشعرت بالحياء والحرج ولم أعد إلى التدخين من ساعتي !
والثانية أنّ شخصاً شجاعاً أتعب الجلاّدين بثباته ، ولأ نّه كان مدمناً على التدخين انهار وطلب سيجارة مقابل الاعتراف على جماعته .
أرأيت كيف يفعل الإدمان بصاحبه لتعرف ما معنى الحديث الشريف : «ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذلّه» ؟!
ولتحكيم الإرادة والسيطرة على النفس وجه آخر ، وهو التمكّن من زرع القيم الصالحة والسلوك المستقيم والعادات السليمة .
يقول بعض مَنْ جرّبوا اكتساب الفضائل الخلقية : إنّنا كنّا إذا أردنا اكتساب فضيلة ما ، عمدنا إلى ممارستها والعمل بها لمدّة أربعين يوماً متتالية حتى إذا أصبحت ملكة وعادة جارية ، انتقلنا إلى غيرها ، وربّما أخذوا ذلك من الحديث الشريف : «مَنْ أخلص لله أربعين صباحاً أجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه» .
ويقول أحد المواظبين على القراءة ، عوّدت نفسي على أن أقرأ (50) صفحة من كتاب صباح كلّ يوم بعد الصلاة ، وها أنذا منذ شبابي الأوّل ملتزم بذلك .
ويقول أحد الذين تغلبوا على الكذب : منذ اطّلعت على قصة ذلك الفتى الذي طلب النجدة من رفاقه الذين يسبحون معه في النهر فهرعوا لنجدته من الغرق فاكتشفوا أ نّه يكذب عليهم ، وحينما كرّر طلب النجدة في حالة الغرق الفعلي لم يستجب له أحد ، وأنا مدرك تماماً أنّ الكذب يقوّض الثقة وأنّ الصدق وحده هو الذي يبينها ، وأنّ الكذب مهما طال حبله فهو قصير .
ويقول شخص تغلّب على اغتياب الناس : لقد درست الغيبة فرأيت أنّها عملية طعن في الظهر ، فهي غدر وخيانة ، وبالتالي فهي مظهر من مظاهر الجبن ، لأنني لو كنت شجاعاً لصرّحت بأخطاء وعيوب الآخرين باهدائها لهم وجهاً لوجه ، ولأنني أكره أن أكون جباناً آليت على نفسي أن لا أتحدّث بسوء عن شخص في غيابه .
ويقول (س) : كنت أعاني من الحسد ، لكنني رحت أراقب نتائجه السلبية على صحّتي ، فرأيت أنّ أضراره كبيرة لما يسببه لي من ألم وكآبة ، فماذا فعلت ؟
رحت أوّلاً أقرأ الكتب التي عالجت الحسد فانتفعت من إرشاداتها في أن أقلب (الحسد) إلى (الغبطة) بأن أغبط أخي صاحب النقمة ولا أتمنّى زوال نعمته ، كأن أقول : أللّهمّ ارزقني مثلما رزقته .. أللّهمّ أعطني كما أعطيته وزد لي يا كريم .. أللّهمّ بارك له فيما أعطيته وهب لي مثله وبارك لي فيما أعطيتني ..
وقرأت قول الشاعر :
لله درّ الحسد ما أعدله***بدأ بصاحبه فقتله
ورجعت إلى نفسي فرأيت صدق مقولته وانطباقها عليَّ لما كنتُ أشعر به من حالات التسمّم النفسيّ الذي يصيبني عند الشعور بالحسد .
ثمّ عملت على ترقية ما لديَّ من مواهب وطاقات لارتقي في سلّم الحياة ، فلاحظت أنّني كلّما تفوّقت في جانب تقلّصت مساحة الحسد في نفسي ، وعملت أيضاً على الاستفادة من تجارب بعض مَنْ كنت أحسدهم ، فعرفت الطريق إلى نجاحهم فسلكته وحصلت على ما أريد .
وخير طريقة ساعدتني على معالجة الحسد في نفسي هي التأمّل في حقيقة الأشياء ، فرأيت أنّ بعضها تافهٌ لا قيمة له ، وأنّ بعضها أقل قيمة ممّا كنت أتصوّر ، وأنّ بعضها يمكن تحصيله بالجهد والإرادة ، وأنّ بعضها يمكن التفوّق به على غيري .
البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/315)
كيف تتغلّب على الخجل ؟
يقول الذين تمكّنوا من مقاومة الخجل في أنفسهم : مهما بلغ بك الخجل فإنّ باستطاعتك أن تكون جريئاً ومتماسكاً وحازماً .
فهناك أناس بلغوا ذروة المجد ، وكانوا من قبل يتوارون من الناس حياءً ، ويعتزلون كلّ محفل خجلاً ، ولكنّهم بحثوا ودرسوا إلى أن اكتشفوا ما تختزن نفوسهم من مواهب ، وعرفوا ما يكمن فيها من معان حتى وفّقوا إلى الانتصار على الخجل .
فلقد كان رئيس الولايات المتحدة الأميركية (إبراهام لنكولن) الذي حرّر شعبه من العبودية ، رجلاً خجولاً شديد الخجل ، وكذلك كان (غاندي) محرّر الهند .
وتؤكِّد تجارب الخجولين أنّ معرفة أسباب الخجل مهمّة في معالجته . كما يؤكّدون أن عوامل الثبات هي : معرفة أ نّك كائن تنطوي على طاقات كامنة كثيرة ، والعزم دون المبالاة بالعواقب «إذا هبت أمراً فقع فيه فإنّ شدّة توقّيه شرٌّ من الوقوع فيه» .
وينصحون الخجلين بأخذ ورقة وقلم وكتابة تفاصيل ما يعانونه من آلام الخجل ، ويقولون لك : حرِّر ذهنك منها .. وسجِّل نقاط القوّة في شخصيتك ، فالإيجابيات موجودة في كلّ إنسان .. نمّ ثقافتك .. تكلّم بهدوء ووضوح واختصار .. تكيّف بسرعة وفقَ الحالة الجديدة ، فمثلاً لو نقلتَ فكرة وقيل إنّها مطروقة فيمكنك أن تبادر إلى القول : وما الضير في ذلك .. الكثير من الأفكار مطروق .. ولكن انظروا هل هي صحيحة أو عملية ؟! أو قلْ : حسناً .. ولكن هل أنتم معها ؟! أو : طَيِّب .. ما رأيكم بإمكانية تطويرها ؟ أو : لا بأس .. أنا أذكر ذلك على نحو التذكير .. أو : هذا ما عندي .. دعني أستمع إلى ما عندك .. وما شاكل كثير .
ولو ضحك الآخرون من خطأ صدر منك أو انتقدوه بشدّة ، فعالج الموقف على الفور بالقول : مَنْ منكم لا يُخطئ ؟! أو .. ليس المهم أن لا نُخطئ ، المهم أن نتعلّم من أخطائنا .. أو .. كنت أنتظر منكم تصحيح الخطأ لا السخرية منِّي !! وما إلى ذلك .
ولو سقط من يد فتاة إناء وانكسر ، فيمكنها أن تعبِّر عن الاعتذار للضيوف بلباقة ، كأن تقول : آسفة .. سأقوم بإصلاح كل شيء .. أو .. لا عليكم .. أكملوا حديثكم وأنا سأتولّى الأمر .. أو .. معذرة .. سأستبدله بغيره .. أو إخراج الموقف بطريقة طريفة ، كأن تقول : شغلني حضوركم السعيد فنسيت ما دونه .. وهكذا .
كما ينصح الذين قاوموا الخجل أ نّك إذا كنت في مجلس فقل في البداية أيّة كلمة تكسر صمتك .. قل مثلاً : إنّ الجو لطيف .. أو إنّ الجلسة معهم ممتعة .. أو انّ المكان جميل .. أو أنّها فرصة طيبة للاستفادة منهم ، أو أي موضوع آخر يسهل عليك الحديث فيه ، وإذا لم تكن متكلماً جيِّداً فكن ـ على الأقل ـ مستمعاً جيِّداً ، وستتحسّن الأمور تباعاً .
-------------------------------
بلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/316)
أوراق عمل وتجارب في عالم الشباب
أ . في القراءة :
يقول شخصٌ مغرم بالقراءة ، ويوصف بأ نّه دودة كتب : أنا لا أملّ من القراءة أبداً ، فالكتاب صاحبي وأنيسي وإذا تعبت من القراءة فإنّني أستريح بالقراءة .
فإذا تعبت من قراءة الكتب العلمية والفكرية الدسمة فإنّني ألجأ إلى الكتب الخفيفة التي تهوّن متاعبي ، وتلك هي الكتب الأدبية التي أجد فيها متعة القراءة ومتعة الذوق والفنّ معاً .
ب . التدوين وتسجيل الملاحظات :
رأيت شخصاً ذا ثقافة عالية وعلاقات اجتماعية واسعة مع المحيط الثقافي والسياسي والفكري ، وقد لفت انتباهي أ نّه لا يغادر قلمه وورقته ، فهو يسجّل دائماً أيّة فكرة طريفة ، أو معلومة جديدة ، أو رقماً مهمّاً ، بل وحتى النكتة التي تزرع الابتسامات على الوجوه .
وقد عرفت منه أنّ الذاكرة لا تستطيع أن تحمل ذلك كلّه ، فلا بدّ من تسجيله على الورق للعودة إليه كلّما دعت الحاجة والضرورة .
وتذكّرت أنّ في تراثنا الإسلاميّ ما يشجّع على ذلك ، فلقد قيل : «ما كتب قرّ وما حفظ فرّ» فالكتابة أبقى من الحافظة ، وأقوى من الذاكرة .
فكم هو جميل أن يكون لدى أحدنا مفكرة لتدوين رؤوس الأقلام أو النقاط المهمة واللفتات الذكيّة ، وما يدرينا فلقد نجد في أرشيفنا ذات يوم ما لم نكن نقدّر قيمته في حينه .
ج . الإيحاء الذاتي :
إذا رأيتَه تعجبك همّته ، فهو حركة لا تفتر ، ولولب لا يهدأ ، ولقد راقني أن أتعرّف على سرّ ذلك فيه ، فقال :
ألسنا سنفد ذات يوم على ربّ العالمين .. في يوم نسمِّيه بـ (يوم القيامة) ؟
قلت : بلى .
قال : ألسنا نقف في ذلك اليوم الرهيب العصيب لنقدم حساباتنا بين يدي بارئ الخلائق أجمعين ؟
قلت : بلى .
قال : أليس يتمنّى المقصّرون منّا لو أ نّهم لم يقصّروا ، وأ نّهم لو عادوا إلى الدنيا لعملوا أضعاف ما عملوه يوم كانوا فيها ؟
قلت : بلى .
قال : أنا أستحضر ذلك كلّه ، وأشعر كما لو كنتُ سجيناً في سجن مؤبّد ، ثمّ يتلطّف ربّي ومولاي ، فيقول لي : سأكتب لك الحريّة من جديد شرط أن تعمل لرضاي فبم تعدني ؟ فأقول له على الفور : لك أن أعمل في رضاك ما دمت حيّاً .
وهكذا كلّما بردت همّتي ، وفتر سعيي ، وتقلّصت حركتي وجدتُ ما أوحي به لنفسي أنّ الحياة ساعة فلأجعلها طاعة .. وهكذا كان !
د . العلاقات الإجتماعية :
نقل لي صديق أ نّه كان ذات يوم نزيلاً في أحد الفنادق ، وكان في باب ذلك الفندق رجل تبدو عليه علامات الهدى وسمات الصلاح والإيمان ، وكانت له دكّة بسيطة يبيع فيها بعض احتياجات الناس ، وبعدما توثّقت الصحبة ، سألته : أراك لست بحاجة إلى مثل هذا العمل .
فتبسّم ، وقال : بالفعل ، فأنا بفضل الله ميسور الحال .
فسألته : ولِمَ إذن قعودك من الصباح حتى المساء في هذا المكان لتكسب القليل من المال ؟
فتبسّم ثانية ، وقال : لكنني أكسب من خلاله الكثير من الأصدقاء .. وها أنت واحد منهم !
فطلبت منه أن يوضِّح لي أكثر ، فقال :
إنّ هذا الفندق أشبه بمحطّة يأتي نزلاؤها من كلّ مكان ، ولأنني منذ مطلع شبابي كنت أبني علاقات اجتماعية مع شرائح مختلفة من الناس لأنتفع من تجاربهم ، ولأساعد مَنْ يحتاج منهم إلى المساعدة ، وأتفهّم مشكلة مَنْ يعاني من مشكلة وأعينه على إيجاد حلّ مناسب لها ، فلذا قرّرت أن لا أترك هذه (الهواية) مع دخولي مرحلة الشيخوخة ، وقد تفتّق ذهني عن هذه الدكّة التي جلبت لي زبائن كثيرين اشتريت منهم أكثر مما بعت لهم !
فما أحوج الشاب والفتاة إلى علاقات إيمانية وإنسانية هادفة يتعرّفان من خلالها على الناس ليزدادا ثقافة وتجربة ووعياً في التعامل ، وقدرة على الفرز والتشخيص ، وسعة في الأفق الاجتماعي والنفسي والعملي .
هـ . زكاة المشاعر :
قرأت على إحدى صفحات الانترنيت ما كتبته إحدى الأمّهات عن مشاعرها في يوم عيد الفطر السعيد ، حيث تقول :
«دخلت دار رعاية اليتيمات بلا إعداد مسبق ، فقابلتني عيونهم البريئة المليئة بالدموع .. وتمسّحوا بي كالقطط الصغيرة .. فوجدتني أقف للحظة ثمّ أحملهم بحب غير مبالية بحالتهم وهيئتهم ، وجلسنا معاً لساعات لم أشعر بمرورها ، ولم أكن أحمل معي إلاّ قليلاً من الحلوى ، ولكن ما كانوا يحرصون عليه هو أن أضمّهم إلى صدري وأقبِّلهم .
وخرجت وقد امتلأ قلبي بمشاعر فيّاضة وصفاء نفسي كنتُ أفتقده من قبل فسبحان الله ما أحوجني إليه .
شعرتُ يومها بنسياني لنعم كثيرة لا أحمدها ولا أشعر بها .. أبسطها وأعظمها أنّ لي أباً وأمّاً ، وأنِّي لستُ مجهولة النسب والهويّة ، وأنّ لي مَنْ يرعاني ويضمّني ويمنحني الدفء العاطفي والأمان .. » .
إلى هنا وينتهي حديث زائرة الميتم ، لكنني تركتُ هذه المشاعر الرقيقة والدافئة تتسلل إلى نفسي ، فشعرت بها تكهربني ويهتزّ لها كياني .. وقلت : لم تكن اعتباطاً التوصية الشديدة اللهجة التي ذكرها القرآن بشأن اليتيم (فأمّا اليتيم فلا تقهر )(1) .
والوصيّة التي أوصى بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بضرورة كفالة اليتيم حتى اعتبر كافله رفيقه في الجنّة .
ورميت ببصري في الشارع ، فرأيتهم أبناء الفقراء والشهداء والحروب التي أكلت آباءهم وحرمتهم من أبسط وأغلى حقوقهم .. الرعاية الأبوية .. فدمعت عيناي وانفطر قلبي وجاشت مشاعري .. فقلت :
ربّما لا تملك ما تكفل به يتيماً .. لكنّك حينما تملك (زكاة المشاعر) أن تمسح رأس أحدهم برقّة وحنان .. وأن تحتضنه .. وتقبِّله .. وتسمعه كلمات حلوة تشعره أنّ المسلمين إخوته وآباؤه وأرحامه .
و . لمعالجة الكآبة :
لا نقدِّم لك وصايا الأطباء وعلماء النفس فلعلك واجدها هنا وهناك ، وما أكثرها هذه الأيام التي يعيش فيها بعض الشباب السأم والضجر والملل والكآبة ، إنّما ننقل لك بعض تجارب شباب عاشوها ونجحوا في التغلّب عليها .
يقول أحدهم : اُعالجها بقراءة القرآن .. كانت آيات الرحمة والنعمة واللطف الإلهي والجنّة والنعيم ، وتصوير ما في الدنيا بأ نّه لعب ولهو ، وأنّ الحياة الحقيقية هي الدار الآخرة ، وأنّ السعيد الذي يعمل صالحاً فيهنأ في الدنيا ويسعد في الآخرة .. فرأيت في (عيادة القرآن) من العلاج والدواء ما لم أجده في صيدليات العالم كلّها .
ويقول آخر : اُعالجها بالكتابة .. فأنا أسرد عواطفي وخواطري وهمومي وسمومي على الأوراق .. فأشعر ببرد الخاطر وهدوء البال وسكينة النفس .
ويقول آخر : اُعالجها بالصحبة الصالحة .. فكلّما ضاق صدري زرت أخاً في الله مؤمناً .. يزيد في صبري وثقتي بالله وإحساسي بتفاهة الدنيا ، واعتزازي بالقيم والفضائل ، وينقل لي من تجارب الصالحين ما يبدّد آية كآبة أشعر بها .
ويقول آخر : اُعالجها بالمرور والتوقف ملياً أمام بعض الأحاديث الشريفة والروايات والحكم ، لأرى أنّ حالي ليس فريداً ، وأنّ مَنْ عاش القرب من الله أنساه همومه الصغيرة وشغله بالهمّ الأكبر .
ويقول آخر : أعالجها بزيارة الأحياء الفقيرة لأشكر الله على ما أنعم عليَّ .. وربّما زرت المستشفى لأتفقد بعض المرضى ولأشعر بعظمة نعمة الصحّة التي أنعمها الله عليَّ .. وربّما زرت المقبرة لينشرح صدري أنّ حدود الدنيا هي هذه ، وأنّ ما بعدها خير وأبقى .
ز . مدرستي الثانية :
تقول إحدى الفتيات المثقّفات بعد أن نالت حظاً من التعليم لابأس به :
لقد كان إلى جانب مدرستي ـ التي تعلّمت فيها ـ مدرسة ثانية .. تلك هي أمّي .. ففي كل يوم كنت آخذ منها درساً لا تقدِّمه المدرسة لي .
فلقد رأيتها وهي تدير البيت والأسرة بحكمة عالية ، فلديها سعة صدر عجيبة .. فإذا جاء أبي متعباً أو متألماً أو شاكياً من أمر رأيتها : الصديق الصدوق ، والممرضة الحانية .. والمعين الذي لا يبخل بنصح وبكلمة طيبة وبمشورة رائعة .. كانت تتحدّث معه وكأنّها خبيرة نفسية .
وإذا عانى أحد أولادها وبناتها من أمر دراسي أو حياتي أو أي شيء آخر ، تراها كالمستنفرة لا تهدأ حتى يزول ما به من شعور بالضيق أو الألم أو الإنزعاج .
عجيبة هذه (الإسفنجة) التي تمتصّ كلّ ما بنا .. وتكتم ما في نفسها فلا يعلمه أحياناً إلاّ الله .
تعلّمت منها .. أنّها قريبة جدّاً من الله تعالى ، فهي تجد عنده كلّ شيء .. عافيتنا .. ونجاحنا .. وسلامتنا .. وتوفيقنا .. ورزقنا .. ولا يفتر فمها من الدعاء لنا .
وفوق هذا وذاك .. كانت ذات حكمة في التعامل البسيط والعميق مع المشكلات التي تواجه الأسرة .. فقد نتحيّر في مسألة ، حتى إذا جاء دور (ماما) قالت بلطفها المعهود : «ضيِّقها تضيق .. وسِّعها تتوسّع» .
وكم هي تنظر إلى البعيد .. كانت تشير عليَّ أن لا أصحب فلانة .. وكنت أتضايق من بعض آرائها رغم أنّها تبيّن لي بعض الأسباب .. لكنها تقول أيضاً : غداً ستدركين أنّ ما أشرت به عليك هو الصواب .. ويأتي الغد وهو يحمل صواب رأيها .
أمّي مدرستي الثانية التي تعلّمت منها الحياة .. وإنِّي لأنصح أخواتي الفتيات أن يتعلّمن دروس الحياة من أمّهاتهنّ خاصّة إذا كنّ على وعي وإيمان وفهم عميق للحياة .
ح . العبادة العملية :
نقل لي شخص يعرفه عن كثب ، قال :
في ليلة القدر الماضية سألني : ما هي أعظم الأعمال في هذه الليلة ؟
فقلت له : الصلاة ، الدعاء ، قراءة القرآن ، وما إلى ذلك مما ذكر في الكتب من برامج عبادية لإحياء هذه الليلة العظيمة .
فقال : هذا كلّه صحيح ، لكنني أزيدك أن تنال معي ثواب هذه الليلة بأن تسأل لي عن عائلة لا معيل لها ، تعاني العوز والفاقة .
وبعد السؤال والتحرّي عثرت على عائلة مسحوقة فأخبرته عنها ، فقال : هَلم إليها ، فذهبنا ، وقال : إسأل عن احتياجاتها ، فسألت وأخبرته ، فحمل مبلغاً من المال في ظرف ، وقال : قدِّمه إليهم .
وفي طريق العودة فاجأنا حادث حريق في أحد البيوت فالتفت لي صاحبي وقال : هذا جزء آخر من إحياء هذه الليلة ، وقد عملنا على نقل المصابين إلى المستشفى والسهر على راحتهم ، وقد دفع المحسن أجور علاجهم .. وبقينا هناك .. حتى مطلع الفجر .. وحينها رأيت وجه صاحبي متهللاً مستبشراً ، فسألته عن ذلك ، فقال : أسأل الله أن يكون قد تقبّل إحياءنا لهذه الليلة العظيمة .
إنّ ساحة العبادة واسعة سعة الحياة .. وبإمكان كل شاب وفتاة أن يجعلا من موقع العلم والصداقة والكلمة الطيِّبة والنصح والرحمة بالآخرين .. والصبر والتحمل موقعاً للعبادة .
لقد كان هناك طبيبٌ يحمل في حقيبته أدوات الفحص المعروفة حتى في زياراته للأصدقاء والأقارب والجيران ، وكان يجري في نهاية الزيارة الفحص مجاناً على كبار السنّ والأطفال ، ويتلطف في التعبير عن أمله بالشفاء للمريض وسعادته للأصحّاء منهم . وكان يطالبهم بإراءته الأدوية الموجودة لديهم ليخبرهم بالصالح والنافع منها ، ومجال استخدام كلّ دواء .. وكان يعتبر ذلك عبادة .
فهل لك أن تبحث عن مجالات تُمارس فيها العبادة بهذا المعنى ؟!
ط . تدبّر آية يومياً :
هذه تجربة شخص دخل الاسلام بعد أن كان يدين بدين آخر((2)) ، فلقد وجّه عنايته لقراءة القرآن والتدبّر في آياته ومعانيه ، حيث يقول :
«واصلت دراساتي عن الاسلام ، واقتنعت بأنّ القرآن الكريم كتاب متفرّد ليس من وضع البشر ، بل هو بحقّ كتاب الحياة والموت ومنهاج السماء للأفراد والجماعات ، فيه كلّ شيء بدءاً من السلوك الشخصي للانسان إلى المناهج الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الرائعة للانسانية كلّها» .
ويضيف قائلاً : «وأستطيع أن أؤكِّد عن يقين أنّني أدركت ذات الحقيقة حقّ الإدراك وأنا أقرأ القرآن ، فلقد وجدت في كلّ آية فيه فكرة متكاملة لا يرقى إلى قولها بشر .
لهذا جعلت في نظام حياتي اليومية أن أقرأ كلّ يوم آية وأتدبّرها ، وكلّما جرّدت عقلي من كلّ شائبة قوي إحساسي بأنّ هذا القرآن إنّما جاء من ذات عليا سامية أعلم من كلّ البشر .. تتحدّث للانسان وهي تخدم ذاته .. وإذا استقامت ترشده إلى المسلك الصحيح في حياته» .
ي . جمعية محاربة المنكر :
كانوا مجموعة من الفتيان حباهم الله ببصيرة واعية ، وكانوا يتألمون لمرأى المنكرات تشيع بين الكبار والشبان ، فتمخّضت حسّاسيتهم لهذا الوضع عن فكرة التقت عليها آراؤهم جميعاً ، وهي أن يكتبوا رسائل إصلاحية تتضمن بعض الآيات والأحاديث الشريفة التي تنهى عن خلق معيّن يمارسه الشخص الذي يبعثون له برسالة ..
وقد تطلب ذلك أن يقرأوا القرآن ويتعرّفوا على الأحاديث الشريفة المطهّرة ، وأن يردفوا ذلك بعبارات مهذّبة فيها دعوة للشخص أن يبادر ـ قبل فوات الأوان ـ لتجاوز المنكر الذي هو فيه ، من قبل أن يأتي وقت لا تنفع فيه حسرة ولا ندامة .
ومن خلال مراقبة سلوك الذين كانوا يرسلون لهم هذه الرسائل الإصلاحية، انتهى فعلاً بعض مَنْ كانوا يمارسون المنكر وهم لا يعلمون أي رسل بعثهم الله إليهم ليرسلوا لهم هذه الرسائل التي كانت سبباً في هدايتهم .
إنّنا يمكن أن نبتكر وسائل كثيرة لإصلاح الناس وهدايتهم بشكل رفيق ورقيق ومؤثر .. المهم أن نكون من أهل الصلاح ، وأن نعرف ما هو صالح وما هو طالح لنمارس أعظم مسؤولية إسلامية ، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وبعد ،
فالتجارب كثيرة .. والنافع منها الذي أثبت نجاحه وتأثيره جديرٌ أن يعمّم وينشر .. انقل تجربتك لصديقك .. انقلي تجربتك لأختك .. وخذا من تجاربهما الصالح والمفيد ، فإناء حياة الواحد منّا أوسع من تجاربه وحده فلنضمّ إليها تجارب الآخرين أيضاً .
البلاغ
(1) الضحى / 9 .
(2) هو الدكتور فاندوبيك الذي تسمّى فيما بعد باسم (محمد المهدي) .
ــــــــــــــــــــ(42/317)
تمرد الشاب على أسرته.. ما هي أسبابه؟
* معروف زريق
ليس التمرد على الأسرة مقتصراً على مرحلة الشباب وحدها، وإنما يوجد في كثير من مراحل حياة الانسان وخاصة حين تصطدم رغبات الانسان مع موانع الأسرة ويكون المرء معتقداً بصحة آرائه أو أن الحق بجانبه، يحدث هذا في الطفولة كما يحدث في المراهقة وكما يحدث في سني الشباب والرجولة والكهولة.
لكن المشكلة تبدو حين يكون سلوك الأهل طبيعياً لا غبار عليه، وحين يكون تصرف الأبوين سليماً لا شذوذ فيه، وعندها يثور الشاب ويتمرد على أسرته..!
وتمرد الشاب على الأسرة إنما يعبر في جوهره عن ميل الشاب للتحرر من قيودها وموانعها، ليكون حراً طليقاً لا سلطان عليه إلا نفسه ولا موجه له غلا شخصيته الجديدة التي بدأ يشعر بها.
هذا التمرد على الأسرة هو عملية تدريجية بطيئة وليست وليدة المراهقة، وإنما تبدأ من الطفولة المبكرة، وهي تعبير طبيعي عن الإحساس بالقوة والسيطرة وعن الرغبة في التصرف والحكم في المواقف المختلفة، والذي يحصل أنه في المراهقة مع سرعة النمو الكبيرة تأخذ هذه الناحية وضوحاً كبيراً وهي الرغبة في الاستقلال.
ويفلسف (الدكتور عبدالمنعم المليجي) هذه الناحية فيقول:
إلى هذه الغاية يوجّه المراهق طاقته النفسية على غير وعي منه، فلا عجب إذن أن يكون تمرده على أقرب الناس إلى قلبه وأشدهم عطفاً عليه، طالما هو يشعر أن هذا العطف قيد وجداني يعرقل التقدم إلى الغاية المرجوة، ولا عجب أن يكون شعور المراهق نحو الأب أو الأم أو مَن يقوم مقامهما مزيجاً من الحب والعدوان أحياناً.
أي أن مصدر الصراع نفسي أليم، لا يخلو من الشعور بالذنب الناجم عن الرغبات العدوانية تجاه أناس بذلوا له الحب وقدموا الرعاية، وهناك صراع بين رغبتين متناقضتين.
أولاهما: الرغبة اللاشعورية في الركون إلى دعة الطفولة وما يحظى به المرء فيها من رعاية حب وتحرر من التبعية.
وثانيتهما: التطلع إلى التحرر والاستقلال وما ينجم عنهما من نضج، والسعيد من الشباب مَن يجد في ا لسلطة التي يتمرد عليها مبرراً لتمرده كالقسوة أو الإهمال لشأنه فهو حينئذ بمنجاة من الشعور العنيف بالذنب، أو مَن يجد من الأسرة عوناً على توجيه طاقته النفسية وجهة إنتاجية وعلى التحرر في غير عنف من التبعية الطفلية.
تمرد الشاب على السلطة العائلية إذن لا يرجع إلى أسباب في العائلة ذاتها بقدر ما يرجع إلى الأسباب النفسية التي تبرز في مرحلة الانتقال من الطفولة إلى النضج، وقد تكون أحوال الأسرة طيبة والظروف ملائمة للشاب مما يقلل من حدة التمرد فلا يظهر في شكل إيجابي صريح دون أن يعني ذلك انعدام عنصر التمرد.
ولا تخلو مذكرة أي شاب عمد إلى تسجيل حالاته النفسية من نزعة التمرد على أسرته مع تفاوت في مثيراتها وحدتها ومدى ما تنطوي عليه من صواب، وينبغي ألا يغيب عن بالنا ما ينطوي عليه شعور الشاب نحو السلطة الوالدية من تناقض وازدواج عاطفي، بمعنى أنه يتمرد عليها ويصارحها بالعدوان، ولكنه في الوقت نفسه في حاجة إلى عطفها ورعايتها.. وتتضح هذه الحاجة بعد سورات الغضب حين يخلو الشاب إلى نفسه فيعض بنان الندم على ما بدر منه، أو حين يضطر للرحيل بعيداً عن الأسرة فيكتب للوالدين من الرسائل ما يفيض بالحب والشوق ويستجلب الشفقة ويستدرّ الحنان.
هذا في محيط الفتيان، أما بالنسبة للفتيات فهن أقل من الفتيان جحوداً لتقاليد الأسرة وهن في الغالب أقل ثورة من الأولاد عند إبداء احتجاجهن على القيود المفروضة عليهن وتبدو هذه الظاهرة جلية عند بنات الأسر ذات التقاليد المرعية، أو مَن كانت حالتهن الاجتماعية والاقتصادية ملائمة، وتأخذ أحياناً مقاومة الفتيات لسلطة الأسرة بعض الصور غير المباشرة كتفضيل الزواج المبكر، أو إيجاد عمل لهن يحققن بواسطته ما ينشدن من حرية واستقلال أو يتركن أنفسهن هدفاً لأحلام اليقظة.
ــــــــــــــــــــ(42/318)
ما تحمله تجاربك الشخصية وتجارب الاخرين
في مستهلّ حياتك العمليّة ، بل وعلى مدار حياتك كلّها يمكنك أن تستفيد من تجربتين :
أوّلاً : تجاربك الشخصية والتي تختلف ـ غنىً وفقراً ـ من شخص إلى آخر ، بحسب خلفيّة كلّ شاب أو فتاة ، وما عاشه كلٌّ منهما في حياته من تجارب ومعاناة وأخطاء ، وما اكتسبه من خبرات ومعارف .
وليس هناك إنسان قطّ بلا تجارب ، فحتى الطفل الصغير له تجاربه . وتجاربنا ككرة الثلج تنمو مع الأيام باطّراد . وهناك مَنْ ينتفع وهناك مَنْ لا ينتفع من تجاربه .
ثانياً : تجارب الآخرين ، سواء الشبّان منهم أو الكبار ، القريبين أو البعيدين . فكتابُ الحياة مفتوحٌ للجميع ، وحقوقه ليست محفوظة ، بل هي حقّ مشاع لأيّ إنسان .
وتجربةٌ عاشها أكثر من إنسان ، وخلصوا منها بنتائج معيّنة تكفيك مؤونة خوضها من جديد ، فلقد قيل : «مَنْ جرّب المجرَّب حلّت به الندامة» مثلما قيل أيضاً : «إنّ في التجارب علماً مستفاداً» أو «في التجارب علمٌ مستأنف» .
فتجارب الناس الذين عاشوا قبلنا ، أو الذين يعيشون معنا ، هي معينٌ لا ينضب ، يمكن لكلّ شاب وفتاة أن يغترفا منه ، ويستأنفا أو يبدآ حياتهما من عنده ومن خلاله .
والتجاربُ ـ بعد ذلك ـ ليست قوالب جامدة ، فقد تحتاج إلى بعض التحوير والتطوير لتناسب الوضع الذي نحن فيه ، ولكنّها كدروس واستخلاصات ونتائج وعبر ، ثروةٌ حريّ بنا أن نستفيد منها ، فهي كالحكمة العمليّة أينما وجدناها أخذنا بها ، بعد أن ندرس مدى صلاحيتها وملاءمتها لأوضاعنا وظروفنا .
إنّ تجربة شخص كان يعاني الخجل الشديد ، وقد تغلّب عليه ضمن خطوات عملية معلومة تنفعني كشاب أو كفتاة أعاني من الخجل .
وتجربة آخر نجح في دراسته أو تفوّق في عمله تنفعني كانسان يتطلّع إلى حياة أفضل .. وتجربة مبتكر مبدع ، فتح اُفقاً أو آفاقاً جديدة في مجال اختصاصه وحقل عمله ، تزيد في وعيي الابتكاريّ ، ذلك أنّ تجارب الناجحين في الحياة هي تجارب قابلة للتعميم ، شريطة أن تتوافر الظروف المماثلة ، والارادة القادرة على تذليل الصعوبات نحو النجاح .
ولذا ، فإنّنا نستوحي القرآن الكريم ، حينما ندعو إلى دراسة تجارب الآخرين ، اُمماً وأفراداً وجماعات : (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها )(1) .
فمن الضروري لكلّ شاب وفتاة يريدان أن يتثقّفا بثقافة الحياة ، وأن يستفيدا من تجارب الآخرين ، أن يقرآ كتب السيرة ، والتراجم الذاتية وكتب المذكرات ، فهي خلاصة تجارب حياتية تثري حياتنا ، فكأ نّنا نضيف إلى رصيدنا الفعليّ أرصدة أخرى .
أمّا قصص الصالحين والناجحين والمبدعين ـ في مختلف الأزمنة والأمكنة ـ فهي الأخرى رصيد غني يمكن أن نتوافر على تحصيله باستمرار من الكتب التي تتخصّص في نشره .
بل يمكن الاستفادة أيضاً من جلوسنا إلى كبار السنّ ـ نساء ورجالاً ـ لنغنم من تجاربهم الكثير .
فلا يقولنّ شاب : إنّ جدّي كبير السنّ ، وقد مضى زمنه ، ولي زمني ، فلا ينفعني في شيء .
ولا تقولنّ فتاة : إنّ جدّتي ـ لأبي أو لأمّي ـ بلغت من الكبر عتيّاً ، فما جدوى الاستفادة من إنسانة لا تعيش عصري .
فليس المطلوب أن ننسخ تجاربهما نسخاً ، لكنّ الكثير من تلك التجارب يحمل أساليب وطرق التعامل الاجتماعي الناضج الذي لا علاقة له بالزمن ، فهو يؤتي ثماره الآن وغداً ، كما آتى ثماره بالأمس ، أو توحي تجاربهما لك بأفكار تنفعك في الجديد من الحياة .
وخلاصة القول إنّ التجارب (معرفة) و (عقل) وأيّاً كانت معرفة الانسان وعقله ، فهو بحاجة إلى معارف وعقول الآخرين «مَنْ شاور الناس شاركها في عقولها» .
من هنا جاءة فكرة هذا الكتيب الذي يضع بين يديك بعضاً من تجارب الآخرين في مجالات معرفية وعملية مختلفة ، عسى أن تجد فيها ـ أو في بعضها ـ ما يلبّي حاجتك .
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/319)
وسائل الإثارة الحديثة.. كيف يتغلب الشباب عليها؟!
يتعرض الشباب في فترة المراهقة وما بعدها، إلى سيطرة الهاجس الجنسي على تفكيرهم على نحو ملح ومسيطر.
وبسبب صعوبة الزواج الذي يؤمن الممارسة الجنسية المشروعة، ومسؤولياته وتكاليفه الباهظة التي تؤخر سن الزواج لدى الشباب في مجتمعاتنا، يعمد بعض الشباب إلى وسائل الإثارة لإرواء رغباتهم..
أبرز وسائل الإثارة الجنسية:
ولعل أبرز وسائل الإثارة، المشهد العاطفي الحار الذي يمكن أن يشاهده الشاب في التلفزيون، في سياق فيلم سينمائي عربي أو أجنبي، وهو مشهد بات طبيعيا في عرف الرقابة عموما.
وثمة الصور شبه العارية التي باتت تحفل بها المجلات، أو التي يتم تداولها بين المراهقين ، وصولا إلى المحطات التي تعرض أفلاما جنسية إباحية، والتي قد يقع الشاب عليها مصادفة هو يقلب بين المحطات الفضائية، لكنه قد يجد نفسه بعد فترة منساقا للبحث عنها. وثمة النكت الجنسية أو قصص المغامرات المبالغ بها التي تروى بكثرة في المجالس الاجتماعية.
سبعة طرق لمقاومتها:
وهنا يمكن القول إن الشباب بإمكانهم أن يقاوموا كل وسائل الإثارة تلك، متى وضعوا نصب أعينهم، أن الانجراف فيها، أمرا يحمل لهم الضرر والأذى، فيلتهم وقتهم، ويستنزف أموالهم وصحتهم، وقد يحول دونهم ودون بلوغ ما يبحثون عنه من نجاح دراسي أو مهني.
إلى جانب القناعة وقوة الإرادة، ثمة وسائل وخطوات يمكن ابتاعها في حياتنا اليومية.
1- غض البصر عموما عما تعتقد أنه يمكن أن يشكل عامل إثارة جنسية بالنسبة لك، وأنت أقدر على تحديد ما هي تلك المثيرات بنفسك.
2- الابتعاد عن الوحدة، والاندماج في الجلسات الأسرية والعائلية ، لأن وجودك في غرفة مغلقة لوحدك، يؤدي إلى التفكير بأن لديك الفرصة لكي تقوم بعمل ما لا تستطيع عمله وأنت بين آخرين.
3- ممارسة هواية فكرية أو فنية أو ذهنية مثل القراءة أو الرسم أو التصميم الغرافيكي.. أو أية هواية تحبها يمكن أن تملأ وقت فراغك.
4- ممارسة هواية رياضية تتطلب جهدا جسديا، لأن هذه تؤدي إلى تفريغ طاقتك الفائضة
5- الابتعاد عن تناول الأطعمة التي تؤدي إلى تحقيق نوع من الإثارة أو الحرارة الجسدية مثل البهارات والشوكولا والأطعمة الحارة.
6- تحديد أهداف وطموحات مرحلية تسعى لتحقيقها، بما يخلق لديك حالة إصرار وترقب تغطي قليلا على الفراغ العاطفي.
7- إقامة علاقات صداقة مع زملاء أو رفاق تثق بهم، وتشاركهم نشاطاتك الخاصة
لكن رغم ذلك، يبقى التأكيد على أهمية الإيمان الشخصي والإرادة، والتفكير المتوازن، والنظر إلى الدافع الجنسي باعتباره حالة مرتبطة بالزواج المشروع هو السند الحقيقي لأية مقاومة تصل بك إلى بر الأمان.
ــــــــــــــــــــ(42/320)
رأي الدين في صفات الشريك المرغوبة
* محمد حسين فضل الله
ـ ركز الاسلام على الجانب الديني والجانب الخلقي في الشريك، وهذا ما نقرأه في قول النبي (ص): ((إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته يخطب إليكم فزوجوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)). وقد ورد في الحديث، أيضاً، أن شاباً سأل النبي (ص): ((مَن أتزوج؟)) قال: ((عليك بذات الدين)). والتدين بمعناه العميق، هو الذي يكون فيه العقل والقلب والجسد متدينين، ويكون تفكير الانسان معه مقيداً بالضوابط الدينية في علاقته بنفسه وبالآخر. بهذا المعنى، فإن الانسان المتدين لا يمكن أن يعصي الله بشيء في حياته كونه يلتزم حدود الله في كل ماله وما عليه من حق، فإن التدين يصبح ضماناً هاماً لنجاح الحياة الزوجية.
كما أكد الاسلام على الخُلق في الشريك المختار، باعتبار أن الأخلاق تعزز الرابط الروحي الذي يجمع الاثنين، حيث يكون كلا الطرفين صادقاً مع الآخر، وأميناً عليه، ورحيماً به، ومنفتحاً على آلامه، ومهتماً باستجلاب الخير له، وهي أمور تتجسد فيها أخلاقية الانسان، لذا فإن العلاقات الانسانية، بنظر الاسلام، والعلاقة الزوجية إحداها، لا بد من أن ترتكز على قاعدة الأخلاق. فالاسلام قائم أساساً على الأخلاق، هذا ما نستوحيه من قول الرسول (ص): ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)). وعماد العلاقة الزوجية، من وجهة نظر إسلامية، الأخلاق. يقول تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) النور/ 32.
أما وضع الشريك الاقتصادي، فلم يعطه الاسلام كبير أهمية، قال تعالى: (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله)، وورد عن الرسول (ص): ((شؤم المرأة غلاء مهرها))، لأن الوضع الاقتصادي أمر متحرك، ولا يدخل في تكوين شخصية الانسان، فمن الممكن أن يعيش الانسان مع شريك بكل إخلاص ومودة، دون أن يملك ذاك الشريك مالاً كثيراً، لأن المال ليس شرطاً في نجاح العلاقات الانسانية، فهو يلعب دوراً في تغطية حاجات الانسان، إلا أنه لا علاقة له في تشكيل إنسانية الانسان.
ـ في حال خيرت المرأة بين أمرين: الامتناع عن الزواج، أو اختيار انسان لا تتوفر فيه الصفات الإيجابية من وجهة نظر إسلامية، ماذا تختار؟
ـ إذا لم يكن زواج المرأة بإنسان كهذا يؤدي إلى إضعاف دينها أو إلى إثارة المشاكل الصعبة في حياتها، وكان المتقدم للزواج منها مجرد إنسان عادي فقط لا تتوفر فيه الصفات التي تطلبها المرأة في الزوج، فإن الزواج هو أفضل من العزوبية.
ــــــــــــــــــــ(42/321)
كيف تتّخذ قراراتك ؟
أوّلاً وقبل كلّ شيء ، لا بدّ من أن تتذكّر أنّ الحريّة ـ حقّ الحريّة ـ هي الامتناع عن أي استجابة لأيّ ضغط سلبيّ يستهدف النيل من عزّتك وكرامتك وشخصيتك وإيمانك .
لقد رفض أبو ذرّ الغفاريّ (رضي الله عنه) عطيّة من معاوية حملها إليه أحد عبيده الذي وعده معاوية بالعتق إنْ قبلها أبو ذر ، فقال العبد لأبي ذرّ : إنّ في قبولك إيّاها عتقي . فقال له أبو ذر : ولكنّ في قبولي إيّاها رقّي !!
اُنظر ماذا فعل أبو ذر ؟
فمن جهة لم يستجب لضغط معاوية الذي أراد أن يسترقّه بعطائه ، ومن جهة ثانية لم يستجب لضغط العبد النفسيّ عليه في استعطافه لنيل حريّته ، فبقيت حريّته الشخصية وكلمة (لا) أعزّ من هذا وذاك .
وقد يجهل بعض الشبان من حديثي العهد بالتجربة الحياتية ، معرفة الصحيح من الخطأ في اتخاذ القرار ، فيقعون تحت ضغط الجهل مترددين ، أو قد يقدمون دون مراعاة أو حساب للنتائج ، ولأجل أن تخفف من وطأة الضغط في اتخاذ القرار المناسب ضع أسئلة لاكتشاف الصحيح ، من قبيل :
ـ هل هذا العمل يسيء إلى شخصيّتي ، أو أحد ممّن تربطني به علاقة حب واحترام ؟
ـ ماذا يقول عقلي وضميري عن ذلك ؟
ـ هل هذا من العدل والإنصاف ؟
ـ ما ردّ فعلي لو فعله غيري ؟
ـ ما شعوري لو فعلته ، هل سأكون راضياً مقتنعاً ، أو نادماً متألماً ؟
ـ ما هو رأي الذين أثق بهم وأحترمهم من الكبار في هذا العمل أو الخيار ؟
ـ هل هذا يرضي الله سبحانه وتعالى أم يسخطه ؟
ـ ما هي عاقبته ونتائجه ؟
ـ ما هي نسبة سلبياته في قبال إيجابياته ؟
ـ ما هو المعنى المحدّد للألفاظ والمصطلحات الواردة فيه ، فمثلاً ما معنى (العيب) : هل هو ارتكاب المحرّم شرعاً ؟ أم الذي يبيحه الشرع ويستنكرهُ الناس ؟ أو الحرج النفسي الشديد الذي تسببه لي تربيتي البيتية ؟
إنّ معرفة الإجابة عن هذه الأسئلة أو بعضها يقيك الوقوع تحت مطرقة الضغط ، وكلّما كانت ثقافتك الإسلامية أوسع ، كان الضغط عليك أخفّ .
ومن هنا فإنّ المراد بـ (التفقّه في الدين) هو الثقافة الاسلامية بإطارها الواسع ، وليست الثقافة الشرعية الواردة في كتب الفقه والرسائل العملية والمتضمنة لمسائل الحلال والحرام .
ــــــــــــــــــــ(42/322)
دور العقل والعاطفة في سمفونية حياتك
وهي ـ في الغالب ـ ضغوط نفسيّة تنجم إمّا عن تنازع واصطراع بين ما يريده العقل وما تريده العاطفة . وإمّا عن التزاحم بين الأعمال والهوايات ، أو الإخفاق في تحقيق مسعى أو هدف معيّن ، أو العجز عن نيل درجة أو حاجة أو موقع معيّن .
فكثيراً ما يعيش بعض المراهقين صراعاً غرائزياً حاداً بين ما تهواه نفوسهم وما تتحكم به عقولهم من ضرورة الصبر والتريث حتى يحين موعد النضج والقدرة على الوفاء بمتطلبات الحياة الزوجية .
وقد يصابون بضغوط نفسية شديدة نتيجة الفشل الدراسيّ ، أو مواجهة مشكلة معيّنة ، كأن يكون ضعيفاً في مادة دراسية ، وبدلاً من أن يصمّم على اجتياز هذه العقبة بمزيد من الدرس والفهم والاستيعاب والمواظبة وطلب المعونة ، تراه يعيش العقدة والكراهية لتلك المادة مما يجعله يعيش ضغطاً نفسياً يصل إلى درجة التأفّف والاختناق ، كلّما تذكّر أ نّه مطالب باجتيازها .
أو تراه يرغب بالوصول إلى القمّة بسرعة خاطفة ، حتى إذا اصطدم بحقيقة صعود السلّم درجة درجة ، عانى من الضغط أو الألم النفسي المبرّح لأنّ غيره سبقه إلى القمّة وهو ما يزال على السفح ، من غير أن يدقّق النظر في أنّ الذين على القمّة لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه بطريقة الإزاحة أو التسلّق أو حرق المراحل ، وإنّما جدّوا واجتهدوا وزرعوا وحصدوا .
وغالباً ما يكون التزاحم بين عملين ، لا تحسم الأرجحيّة لصالح أحدهما ، سبباً في الضغط النفسيّ ، فقد يخيّر التلميذ أو التلميذة نفسيهما بين مسؤولية الدراسة وأداء التكاليف المدرسية ، وبين مشاهدة فيلم جميل ، أو مباراة مهمّة ، وقد يقبلان على المشاهدة لكنّهما يجدان المتعة منغّصة وغير كاملة ، لأنّ الوقت يمضي والتكاليف تنتظر .
وقد يقع التزاحم بين التلفاز والصلاة ، فيكون الضغط النفسي ناتجاً عن تأخير الصلاة ، والتقاعس عن أدائها في وقتها ، والشعور بأنّها أقلّ أهميّة من مادة تلفزيونية .
وربّما يكون بين متطلبات الدراسة والرغبة في النزهة أو اللعب أو زيارة الأصدقاء ، أو إنجاز بعض المسؤوليات البيتية .
إنّ حلّ هذه الأزمات الصغيرة ، أو تجاوز هذه الضغوط ـ أنّى كان حجمها ـ لهو بيد الشاب أو الفتاة نفسيهما .
فتنظيم الوقت ، وترتيب سلّم الأولويات ، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه ، وتقديم ما لا يحتمل التأخير ، أو يكون في تأخيره خسارة معيّنة ، سوف يبدّد الكثير من الضغوطات الطارئة . ذلك أ نّك أحياناً قد تشعر بالانقباض النفسي ولا تدري سبباً لذلك ، ولو قمت بتحليل شعورك هذا لرأيت أنّ مكوّناته هي ضغط صغير هنا ، وضغط صغير هناك اجتمعا فضيّقا الخناق عليك .
وقد تأتي الضغوط الداخلية من جرّاء الضجر والرتابة والملل ، ولذا فإنّ التغيير الايجابي البسيط ربّما يحوّل سمفونية حياتك الرتيبة إلى نغمات عذبة ودافئة ومسلية .
حاول ـ مثلاً ـ تغيير الشارع الذي تسير فيه إلى مدرستك أو عملك ، أو غيِّر طريق العودة منهما ، استبدل قميصاً بآخر وليس من الضروري أن تشتري جديداً ، استبدلي العطر الذي تستعملينه ، أو تسريحة شعرك .
وربّما كان زيارة لصديق أو نزهة في حديقة ، أو قراءة في كتاب تميل إلى الاستزادة في موضوعه ، وغير ذلك مما يتفنّن كلّ شاب وفتاة ، ففي الحديث : «إنّ القلوب تملّ كما تملّ الأبدان فتخيّروا لها طرائف الحكمة» .
والمراد بـ (طرائف الحكمة) كل ما هو جديد ، أو فيه مسحة أو نفحة من التجديد ، ذلك أنّ «لكلّ جديد لذّة» حتى لو كان التجديد في تغيير مكان الطاولة من الزاوية التي تقبع فيها .
إنّ زيارة الصديق المخلص الثقة الذي تحبّه ويحبّك وتشتاق له ويشتاق إليك ، وترتاح له ويرتاح إليك ، لا سيما إذا كان مؤمناً محبّاً للخير ودوداً ، من أهم أساليب الترويح عن النفس ، والتخفيف من الضغوطات المتراكمة عليها ، علاوة على ما فيها من قربة لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)
ــــــــــــــــــــ(42/323)
حل غير تقليدي لمواجهة البطالة
*عزيزة الحمامصي
مشكلة البطالة بين شبابنا الخريجين مشكلة تؤرقنا .. شبابنا يعاني فراغا واسعا يساهم في تكوينه البيت والمدرسة والجامعة ثم المجتمع , كما يشارك في اتساعه وسائل الإعلام . وبرغم ما يتاح له من وسائل المعرفة الحديثة إلا أنه يخرج من الجامعة ولم تتبلور شخصيته البلورة الكافية التي تجعله يتحمل المسئولية وهو بعد التخرج يواجه تحديات عدة , قد لا يجد العمل الذي يتناسب ومؤهلة الدراسي , قد لا يجد العمل الذي يتناسب ومستواه الاجتماعي , قد لا يجد العمل الذي يتناسب وقدراته الذهنية أو قدراته الجسمانية , قد لا يجد العمل أصلا . وإن وجده فأمامه طابور من المنتظرين ممن لهم اتصالات , تفوق اتصالاته . وحينئذ يواجه أمراضا اجتماعية تهلكه تؤثر علي قدراته كما تؤثر علي أمننا الاجتماعي , لقد حدثت في المجتمع بعض متغيرات ترتب عليها تحولات في مسار شبابنا الخريجين احتضنت قيامهم بأعمال تتباين وتخصصاتهم لكن تحتاجها سوق العمل :
ولعلنا نتساءل هل زادت نسبة البطالة بسبب زيادة عدد الخريجين؟ قد يكون , ولعلنا نتساءل أيضا هل زادت نسبة البطالة بسبب التحول الاقتصادي وما تمخض عنه من خصخصة وعولمة ومن ايجابيات وسلبيات؟ قد يكون من بينها :
1 ـ اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء بين أطفال هؤلاء وأطفال هؤلاء , مما جعل التواصل بين أبناء الجيل الواحد أصعب من الفواصل بين الجيلين .
2 ـ غياب البعد الإنساني في التعاملات التجارية بين الدول وبين أبناء الجيل الواحد حتي أصبح الوصول إلي المال غاية كل نشاط تنموي .
والحقيقة أن النشاط الأهلي في كل العالم قد تأثر بهذه السلبيات بدليل ما نادي به بعض أصحاب المذاهب الفكرية بضرورة إنشاء هيئة دولية تضع إعلانا عالميا بأخلاقيات العولمة والخوصصة , أما منظماتنا الأهلية فلم تتأثر كثيرا بأخلاقيات العولمة والخوصصة لأنها أو لأن معظمها مازال يقوم بدور رعائي .. وهي برغم تعددها وتنوعها لم تعمل في استراتيجيات تحقق اعتمادها علي نفسها , كما تحقق التغيير المطلوب من هذه المنظمات للفئات المستهدفة من نشاطها حتي تتحول هذه الفئات المستهدفة من مجرد متلقية إلي مجموعات فاعلة تشارك في وضع وتنفيذ القرار أو إلي ما يعرف اليوم باسم GRASSROOTSN.G.O.S, ولعلنا نتساءل هل قامت منظماتنا غير الحكومية بجهود كافية لحل مشكلة البطالة بين شبابنا الخريجين؟ أعتقد أن جهودها كانت محدودة , ومخرجنا الوحيد الان هو التدريب التحويلي .. بالآتي :
1 ـ ضرورة تطوير مناهج التعليم لتتواءم مع متغيرات العصر اجتماعيا ـ اقتصاديا . إلخ
2 ـ ضرورة تغيير نظم التدريب بما يتناسب وهذه المتغيرات .
3 ـ ضرورة دراسة ما تحتاجه أسواقنا المختلفة من العمالة المدربة أسواقنا المحلية والعربية والافريقية
وقد شاهدت تجارب عدة في التدريب التحويلي قامت بها منظمات غير حكومية فيها بعض الطرافة ..
1 ـ دورة تدريبية عقدت سنة 1961 في بركلي كاليفورنيا لخريجات في مستويات مختلفة في مجال إدارة مكاتب لشركات طيران أعدها ونفذها اتحاد الجامعات الأمريكي في بروكلي .
ــــــــــــــــــــ(42/324)
حرية الشاب بين الاهل والهوى
فلكلّ أسرة نظامها الحياتي ، ولكلّ عائلة برنامجها وقيودها والتزاماتها ، وهي تؤثر ـ بلا أدنى شك ـ على قرارات الشاب أو الفتاة اللذين يجدان في أحيان كثيرة أنّ عليهما أن يمتثلا لتلك الضوابط والقيود ، مما يشكّل ضغطاً على بعض حرّيتهما ، وبعض قراراتهما ، وبعض اختياراتهما .
ولا بدّ من التنبيه ، أنّ ضغوط الأسرة ليست كلّها سلبية ، ففيها أيضاً الإيجابيّ الذي يصبّ في مصلحة الشاب أو الفتاة ، والنابع من الحبّ والشفقة والحرص عليهما ، والتقدير لحداثة عهدهما بالتجربة .
فمن الضغوط البيتية التي يواجهها بعض الشبان والفتيات ، ضغوط تمارس عليهم في اختيار الفرع الدراسي الذي يريدون الدخول فيه . ومع أنّ هذه المشكلة راحت تتقلّص في الكثير من الأسر ـ نتيجة الوعي الثقافي والاجتماعي المتزايد ـ لكنّها ما زالت في أخرى قائمة إلى اليوم ، وقد تحدث في بيوت وأسر يتمتع فيها الوالدان بمستوى ثقافي جيِّد .
فالشاب يرغب في كلّية الآداب والأب يطالبه بكلّية الطبّ ، والفتاة ترغب بالتعليم وأمّها تضغط عليها بالهندسة ، وهكذا . ولم يلتفت بعض هؤلاء الآباء والأمّهات إلى حقيقة واقعة ، وهي أنّ عدداً
لا يستهان به من المستجيبين لضغوط الأهل في هذا الجانب ، فشلوا في اختصاصاتهم أو فروعهم التي دخلوها رغماً عنهم ، أو لم يكونوا ـ في الأقلّ ـ من المبدعين المتفوقين فيها .
ولذا ، فلا بدّ من حوار عقلانيّ هادئ يخوضه الأبناء مع أسرهم وإقناعهم برغباتهم هم ، وأنّ الإملاءات لا تؤدي إلى نتائج طيّبة . وإذا كان الشاب أو الفتاة على قناعة تامّة بما يريدان ، فإنّهما سوف ينجحان في إقناع والديهما في رغبتهما الشديدة بهذا الفرع التخصصي أو ذاك . أمّا إذا كانت القناعة ناقصة أو مهزوزة ، أو لم يكن الشاب أو الفتاة يعلمان ماذا يريدان بالضبط ، فإنّ قناعة الأبوين هي التي تفرض نفسها في مثل هذه الحالات .
وقد يرتئي الشاب أو الفتاة الحاجة إلى وساطة آخرين مؤثرين لاقناع الأهل بالتراجع عن ضغوطاتهم السلبية ، كأن يقوم العم أو الخال أو صديق مخلص للعائلة في التفاهم مع الأبوين في المشروع الدراسي ، وأنّهم قد يكسبون طبيباً لا يشكل سوى رقم عادي في قائمة الأطباء الطويلة العريضة ، لكنهم يخسرون أديباً بارعاً قد يفوق الأقران في أدبه .
ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ الضغط عادة لا يكون علمياً بل هو ماديّ بحت ، أي ليست الغاية هي أن نحصل على طبيب يداوي الناس ويعالج أمراضهم ويسكِّن آلامهم ، بل على مهنة تدرّ مالاً أكثر وربّما أوفر ، الأمر الذي يتطلب ثقافة أعمق في تقدير الإبداع والموهبة والميل النفسي لهذا الاختصاص أو ذاك .
ولا يخفى أنّ الأبوين اللذين يمارسان الضغط باتجاه معيّن ، يقعان هما أيضاً تحت ضغط آخر ، وهو ضغط الثقافة الاجتماعية العامّة التي تقوم على تفضيل الطب والهندسة على ما سواهما من مهن أو حرف .
ومن الضغوط الأسريّة ، التدخل في مسألة الزواج واختيار زوج أو زوجة المستقبل ، حتى مع عدم قناعة هذه أو ذاك باختيار الأهل .
وقد لا يكون الضغط بالغ الشدّة ، لكنّ مجرد شعور بعض الأبناء والبنات أنّ الأب أو الأم أو كليهما غير راضيين عن اختيارهما ، قد يجعلهما تحت ضغط نفسي ربّما يدفعهما إلى التنازل عن قرارهما واختيارهما ، والنزول عند رغبة والديهما .
أمّا في حالات العناد والإصرار على الزواج ببنت العم ، أو الخال ، أو زواج الفتاة بابن عمّها أو ابن خالها ، فإنّ الضغوط قد تصل إلى درجة براءة الذمّة أو المقاطعة ، أو خلق المشاكل والمتاعب ، مما يجعل من مشروع يفترض له أن يكون سعيداً ، وهو مشروع الزواج ، غصّة في قلب الشاب أو الفتاة .
ولقد كان الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) مقدّراً لخطورة هذا الضغط
على حياة الشباب ، عندما جاءه شاب ، وقال له : أبواي يريدان تزويجي ممّن لا أهوى ، وإنِّي لأرغب بالزواج من فتاة أخرى أهواها ، فقال له الإمام (عليه السلام) : «خذ ما هويت واترك هوى الوالدين» .
فالنظرة هنا في المدى البعيد ، فقد أرضي والديّ في بداية الزواج لأنني استجبت لضغطهما في الزواج بمن يريدان ، لكنني سوف أغضب نفسي في حياتي الزوجية التي ربّما تنتهي إلى الطلاق في حال عدم الانسجام والتوافق .
وترخيص الإمام (عليه السلام) باختيار الشاب الفتاة التي يُحبّ ، وترك اختيار الوالدين يدلِّل أنّ ذلك ليس معصية لهما ، وإنّما رفض لضغط سلبي لا معنى له سوى إملاء الإرادة.
ولقد أباحت الشريعة الاسلامية للفتاة التي يُمارس الضغط الأسري عليها في الزواج بمن لا ترغب ، أن تتحلّل من عقد الزواج المكرهة عليه ، وأن تتزوّج مَنْ تختار ، ولا يحقّ لولي أمرها أباً كان أو جدّاً أو حتى أخاً أن يفرض عليها مَنْ لا تحب ، بل ويعتبر العقد في مثل هذه الحالات باطلاً .
ومن ضغوط الأسرة أيضاً ، اختيار نوع العمل ، وهو مشكلة شبيهة بمشكلة اختيار الفرع الدراسي . فقد يميل الشاب أو الفتاة إلى ممارسة عمل يقع ضمن نطاق هوايتهما أو رغبتهما الخاصّة ، وقد تختلف أو تتقاطع رغبة الأب أو الأم مع رغبتهما ، مما يجعلهما ـ أي الوالدين ـ يمارسان شتى الضغوط النفسية والعاطفية عليهما من أجل التراجع عن العمل المرغوب والانخراط في عمل يفضلانه عليه .
ونتائج مثل هذا الضغط كنتائج الضغط على اختيار الفرع الدراسي ، فقد يؤدي إلى فشل عمليّ وخسارة مادية ومعاناة نفسية وتوتر داخل المحيط العائلي ، ما لم يحسم الأمر لصالح الرغبة الذاتية .
-ــــــــــــــــــــ(42/325)
تعلم كيف تقول (لا) للضغوط السلبية
كلمة (لا) صغيرة في لفظها وكتابتها ، لكنّها كبيرة في معناها ومغزاها .
هي ضغط أو تكثيف لرفضك وإبائك وممانعتك ، فلا تستهن بمقدرتها على إنقاذك في المواقف المحرجة والضاغطة سواء التوريطية ، أو الترهيبية ، أو الترغيبية .
لقد كان أوّل شيء علّمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للناس المشركين الذي جاء يدعوهم إلى توحيد الله هي هذه الـ (لا) حيث خاطبهم بالقول : «قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا» .
إنّها سلاحك الذي به تقاتل الضغوط السلبية صغيرة كانت أو كبيرة ، ولا تنسَ أنّ بعض الضغوط الصغيرة إذا استهنت بها ، ولم تقل لها (لا) فإنّها تكبر وتستفحل وتنشط لافتراسك حتى تغدو ضغوطاً كبيرة قد تعجز عن مواجهتها .
قل (لا) لأيّ ضغط سلبيّ ، مهما كان شكله ونوعه وحجمه والمصدر الذي يأتي منه .. فكما أ نّك تتدرّب على حمل الأثقال لبناء عضلات متينة مفتولة ، فإنّ (لا) تحتاج إلى تدريب حتى تصبح عضلات الإرادة قويّة متماسكة .. بمعنى أن تكون رافضة ، مقاومة ، ممانعة .
كن صادقاً مع نفسك وقيمك وأهدافك ، ولا تجامل أحداً على حسابها . هل ترضى أن تجامل الآخرين ـ من السادرين في غيّهم ـ بأن تدخل في حلقة اغتياب ، وأنت تعلم أنّ الله يبغض الغيبة والمغتابين ويصف المغتاب بأ نّه آكلٌ لحم أخيه ميتاً ؟ كيف إذن تبيح لهم أن يستدرجوك لمواقع الزلل والوقوع في مطبّ المعصية قولاً كانت أو عملاً ؟
ولكي تقول (لا) بالفم الملآن ، لا بدّ أن تتحمّل مسؤولية موقفك ونتائج عملك بشجاعة فـ (لا) مكلفة .. ولها ضريبة باهضة ، لكن فوائدها جليلة ونتائجها باهرة .
من السهل عليك أن تقول (نعم) لأيّ ضغط سلبي ، فليس في ذلك جهدٌ يُذكر أو عناء يُطلب ، ولكنّ الضعفاء هم مَنْ يقولون (نعم) دائماً حتى إذا لم يقبلوا بشيء ، أو لم يكن يروق لهم .
ولـ (نعم) وجهان :
(نعم) إذا كنت مقتدراً على أداء شيء ، وطلب منك ذلك ، ولم تترك استجابتك أي مردود سلبي عليك ، فـ (نعم) هنا حلوة ، لكنّها دَين ، أي أ نّك إذا قلت لشيء نعم فعليك أن تفي باستجابتك ، كما لو يقال لك انّك لطيف المعشر ، محبوب من الجميع ، فلو تدخلت في الإصلاح بين صديقين متنازعين ، وقلت (نعم) فلا بدّ من أن تسخِّر وجاهتك في إصلاح ذات البين بينهما .
هذه (النعم) إيجابية ، وهناك (نعم) سلبية ، وهي نوع من أنواع الاستجابة للضغط ، فقد تستجيب للضغط وأنت مكره ، وقد تستجيب للضغط ولا إكراه عليك ، وتلك هي الـ (نعم) المذمومة ، فلأ نّك ـ مثلاً ـ رأيت بعض الشبان يدخّنون ، رحتَ تدخّن تقليداً لهم وليس بضغط أو تشجيع منهم ، فأنت قلت (نعم) من غير أن يُطلب منك أو تُكره على قولها .
ومع ذلك فقول (لا) صعب .. لأ نّه يعني الرفض والمقاومة ، والرفض ـ في العادة ـ ممقوت . فإذا لم تستجب لبعض رغبات النفس الهابطة ، فربّما ألحّت عليك ، وعاونها الشيطان في تحبيب الرغبة ، وأ نّك لست مضطراً لحرمان نفسك من هذه المتعة أو تلك اللّذة .
والرفض ممقوت أيضاً من قبل الضاغطين الذين يعرضون عليك الاستجابة لرغباتهم أو طلباتهم فتصدّهم بقولك (لا) وربّما مارسوا عليك ضغوطاً أخرى حتى يخضعوك لإرادتهم .
تذكّر أنّ الكبار .. أصحاب النفوس الكبيرة .. والإرادات العظيمة .. والمقاومين الأبطال لم يصبحوا كذلك بلمسة سحرية .. لقد قالوا ـ في أوّل الأمر ـ للضغوط الصغيرة (لا) وحينما نجحوا في رفضها وقهرها ، كانوا على أتمّ الاستعداد لرفض وقهر ما هو أكبر منها .
ــــــــــــــــــــ(42/326)
كيف تتصرف حينما تكون عاطلاً عن العمل؟
رضا علوي سيد أحمد
عندما تكون ملتحقاً بعمل معيشي ما، ويحدث أن تُقال، أو تستقيل من عملك، رغبة منك في الحصول على عمل أفضل، وتظل فترة من الزمن بلا عمل، تبحث عن العمل الجديد..
وعندما ما تملي عليك الظروف أن تظل مدة طويلة من الزمن وأنت تبحث عن وظيفتك الأولى..
في كل الحالات كيف يجب أن تتصرف؟.
هل تستسلم إلى البطالة، فتصبح حياتك أكلاً، وشرباً ولذة، ونوماً، وفراغاً؟.
أم أنك تنظر إلى قضية وقتك نظرة جدية مسؤولة؟.
هناك من الناس مَن يستسلم للبطالة إذا وقع فيها، ويُمضي شهوراً ـ وربما سنوات ـ من الوقت فارغاً، بلا طائل..
ولكن هذا ليس هو الموقف الصحيح من حالة العطل بلا عمل، إذ بإمكانك إذا كنت عاطلاً أن تقوم بما يلي:
أ ـ تناول ورقة وقلماً، وقل لنفسك: حسناً، إنني عاطل عن العمل، فلكي أجد عملاً مناسباً ماذا يمكنني أن أفعل. ثم فكّر في مجموعة أعمال، ودوّنها على الورق، وحاول أن تقوم بزيارات لتقديم طلبك للعمل إلى تلك الجهات المختصة. أو فكّر في مجموعة أعمال أنت تصطنعها وتدرّ عليك مالاً تدير به عجلة معيشتك..
ب ـ ولنفترض أنك حاولت كثيراً من أجل الحصول على عمل ولكن من دون جدوى، فلا تستسلم، بل واصل في البحث عن عمل، وقد يستدعي الأمر أن تهاجر إلى بلد آخر للحصول على عمل إذ أمكنك ذلك: يقول الإمام علي (ع) في الشعر المنسوب إليه:
وإذا رأيت الرزق ضاق ببلدة وخشيت فيها أن يضيف المكسب
فارحل فأرض الله واسعة الفضا طولاً وعرضاً شرقها والمغرب
ـ وبالإضافة إلى مواصلة البحث عن عمل، يمكنك أن:
ـ تدرس لغة حيّة تختارها..
ـ تحدد لنفسك مجموعة من الكتب النافعة فتقرأها..
ـ تتعلم فنّاً جديداً يساعدك في الحصول على مهنة جديدة. كأن تتعلم فن إصلاح محرّكات السيارات، أو فنّ إصلاح أجهزة الراديو والتلفزيون أو صناعة البرامج الكومبيوترية، وغيرها لتقوم بعد ذلك. بمزاولة هذه الحرفة..
ـ تقرأ في المجلات والصحف النافعة..
ـ تتعلم فنّ الكتابة، إذا كنت ترغب في ذلك..
ـ أن تؤلف كتاباً إذا كنت تمتلك القدرة على ذلك..
ـ أن تكتب الشعر إذا كانت لديك قدرة على ذلك..
ـ أن تقرأ مجموعة من الكتب حول الأعمال وإدارتها إذا كنت ترغب في ذلك..
ـ أن ترفع مطالبك إلى الجهات الحكومية المختصة، مطالباً إياها بالعمل الجادّ لحل حالة أو أزمة البطالة، وأن تستمر في ذلك..
وهناك الكثير جداً من الأعمال التي يمكن للانسان أن يزاولها حينما يكون عاطلاً، حتى يحصل على عمل مناسب. وبكلمة: إذا أصبحت عاطلاً عن العمل بإرادتك، أو شاءت الظروف والأحوال لك ذلك، فلا تتذمّر، ولا تلجأ إلى الفراغ، ولا تستسلم له، بل كافح من أجل الحصول على عمل، واستمر في ذلك، مع ممارسة ما يمكنك ممارسته من العلوم والفنون والأعمال التي تعود بالنفع والفائدة عليك وعلى الاجتماع.
ــــــــــــــــــــ(42/327)
أيهما أفضل للشاب.. العمل بغير اختصاصه أم البطالة؟
أصبح الحصول على وظيفة مناسبة من أعقد المشاكل التي يواجهها الشباب، وذلك نتيجة لتزايد أعداد الشباب المؤهلين للعمل، وتقلص الوظائف المتاحة، وما يشهده الاقتصاد العالمي في ظل العولمة الاقتصادية من تغيرات وتحولات وغيرها من العوامل والأسباب أصبح يعاني الكثير من الشباب في الكثير من المجتمعات من البطالة وعدم القدرة على تأمين عمل مناسب.
وإذا كان من الصعب لبعض الشباب الحصول على وظيفة حكومية أو ضمن القطاع الخاص فإنه من الممكن البحث عن عمل من الأعمال الحرة كالتجارة والزراعة والصيد وغيرها من الأعمال الحرة التي يمكن أن توفر للانسان دخلاً مالياً أكثر بكثير من الدخل المحدود والمؤطر براتب محدد ضمن العمل في القطاع العام أو الخاص.
ومن المهم لكل شاب القيام بأي عمل من الأعمال المشروعة، فالحياة سعي وعمل، ولا مكان لمن لا عمل له، ولا تقدير ولا احترام لمن يكون كلاً على غيره، فلا بد وأن يتحمل الشاب المسؤولية، ويبذل الجهد، ويسعى بقدر ما يستطيع كي يؤمن لنفسه عملاً محترماً سواء كان ضمن وظيفة حكومية أو ضمن القطاع الخاص، أو أي عمل مر الأعمال الحرة، ولن يعدم الباحث بجد عن عمل من الحصول على ذلك.
ومشكلة بعض الشباب استسلامهم عندما لا يحصلون على وظيفة جاهزة، فلا يبحثون بجد عن عمل، ولا يقبلون بأي عمل ولو كان مؤقتاً، على هؤلاء أن يدركوا أن العمل الشريف والحلال فخر للانسان ولو كان بسيطاً، وإن كان من الضروري وضع الرجل المناسب في العمل المناسب، ولكن على الشباب أيضاً أن يتعاملوا مع الواقع، ويبحثوا عن الفرص الممكنة ريثما يحصلون على العمل المناسب.
وبالرغم من تفهم معاناة الشاب عندما يتخرج من الجامعة ولا يجد له وظيفة مناسبة لتخصصه، إلا أن ذلك يجعله أمام خيارين: إما أن لا يعمل إلا ضمن العمل المرغوب فيه ويبقى عاطلاً عن العمل، أو يعمل ضمن أي عمل متاح سواء كان ضمن وظيفة بأجر محدد، أو ممارسة عمل حر، ولا شك أن الخيار الثاني هو المنهج الصحيح.
وفي سيرة النبي (ص) وأهل بيته أروع الأمثلة للعمل الدؤوب والمتواصل، وعدم الترفع عن العمل ولو كان بسيطاً بالمقاييس الاعتبارية ((فقد كان النبي (ص) في حال فراغه القصير يعمل في دبغ الجلود بالقرض، بالإضافة إلى أنه (ص) بنفسه الشريفة كان يعمل في البناء وذلك حيث بنى بنفسه مع المسلمين (المسجد النبوي الشريف)، كما أنه (ص) بنفسه عمل في حفر الخندق حتى عرق رسول الله (ص) وعبى، كما أنه 0ص) غرس خمسمائة نخلة.
وأمير المؤمنين الإمام علي (ع) كان يذهب للزرع، وقد رأيت في بعض التواريخ ما يدل على أنه (ع) غرس النخيل وما أشبه فيما يقارب من خمسمائة كيلومتر مربع بما يعادل خمسين هكتاراً من الأراضي، كما أنه (ع) حفر أربعمائة عين ماء وبعضها موجودة إلى الآن)).
وكان أمير المؤمنين (ع) يضرب بالمر ويستخرج الأرضين.. وإن أمير المؤمنين أعتق ألف مملوك من ماله وكد يده.
وقال الإمام الصادق (ع): كان أمير المؤمنين (ع) يحتصب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة تطحن وتعجن وتخبز.
وقد مارس الأنبياء (ع) مهن الزراعة والصناعة والخياطة والرعي وغيرها من المهن مع ما لهم من مكانة اعتبارية في المجتمع ومقام رفيع عند الله سبحانه وتعالى. وقد حدثنا القرآن الكريم عن ذلك، يقول تعالى: (وما تلك بيمينك يا موسى (17) قال هي عصاي أتوكؤا عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى)، ويقول تعالى عن النبي داود: (وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون)، يقول الإمام علي (ع): ((أوحى الله عز وجل إلى داود (ع) إنك نعم العبد لولا أنك تأكل من بيت المال، ولا تعمل بيدك شيئاً. قال: فبكى داود (ع) أربعين صباحاً، فأوحى الله إلى الحديد أن لن لعبدي داود. فألان الله عز وجل له الحديد.
ــــــــــــــــــــ(42/328)
الشك الديني لدى الشباب.. لماذا؟
تتيقظ في عقلية الشاب المحاكمة والنقد والتعليل وتنمو بشكل ملحوظ، ويكتسب من المجتمع كثيراً من الخبرات الاجتماعية والمفاهيم العقلية المجردة، ويقف أمام ما يُعرض أمامه موقفاً يتصف بالشك فيه ريثما يتقبله العقل ويقتنع به.
إن الدين في حياة المرء هو اقتناع وانفعال، فيه أمور نأخذها بالمنطق والبرهان، وفيه أمور نسلم بصحتها ونتقبلها عن طريق الإيحاء.
وهنا نلاحظ أن الشاب يناقش في هذه الأمور الدينية، ويحاول ألا يُدخل في خبراته الدينية الجديدة إلا ما وافق عليه العقل وسايره الواقع المحسوس، يساعده في ذلك ما اكتسب من مفاهيم جديدة حيث تقترب مفاهيمه في مستوياتها العليا من التعميم الرمزي، ولهذا يستطيع الشاب أن يفهم معنى الخير والفضيلة والعدالة بينما يعجز الطفل عن إدراكه لهذه المفاهيم والمدركات، ولذا نرى الشاب ينغمس في مجادلات دينية واسعة النطاق ويتحمس لها كثيراً، لا سيما بعد أن زاد محصوله من الألفاظ والأفكار والمفاهيم، ولذا فكثيراً ما نراه يجادل في أمور دينية للمجادلة في حد ذاتها وتشدقاً بالألفاظ.
يضاف إلى ذلك ما يشعر به مجدداً من أن له شخصية يجب أن يجعل الآخرين يعترفون له بها، وعن طريق المجادلة في غيبيات الدين وما وراء الطبيعة يعتقد أنه يثبت ذاته، ويكتسب احتراماً في نظر الآخرين.
أما الأهل والمجتمع فإنه يفسر سلوك الشاب على أنه عناد وتمرد وشذوذ.
ويذكر (الدكتور عبدالمنعم المليجي) سبباً آخر للشك الديني عند الشباب فيقول:
ليس من الضروري أن يكون مبعث الشك الديني هو نمو العقل وظهور القدرة على النقد، فهو في الغالب نتيجة ظروف شخصية تفعل فعلها دون أن يعيها الفرد، وليست في كل الأحيان نتاج التأمل الفلسفي أو التفكير المنطقي.
وفيما يلي أقوال شاب في الحادية والعشرين من عمره يصور فيها كيف وقع في الشك، جاء في مذكراته:
((إني شخصياً لا أفرق بين الدين والفلسفة، فإذا كانت لي تأملات دينية فربما تتخللها تأملات فلسفية.
أما نشأة هذه الأفكار، فمنذ سنوات اعتراني تفكير غريب من الوجهة الدينية، وكنت لا أعتقد بوجود إله عادل يحكم بين الناس، وإنما وجدت هذه القوة لكي تصيب الناس في معاشهم وتفسد عليهم سعادتهم، فأحضرت والدتي أستاذاً لكي يرشدني إلى الطريق القويم في الدين، ولكنني كنت أضيع هذه الدروس في مناقشات حادة.
سألتُ الأستاذ يوماً: إنك تقول أن الله يعلم كل شيء سيحدث قبل حدوثه، فلماذا يدخلنا النار إذن وهو عالم بما سنرتكبه من شر، وكان في إمكانه أن يبعدنا عن الشر ثم لا يعاقبنا بعد ذلك.!؟)).
تكشف مذكرات هذا الشاب بوضوح عن العنصر الانفعالي المصاحب للشك، وحالة الاضطراب والصراع بين الشعور الديني والتفكير. ونستطيع أن نتبين فيها أموراً أربعة:
أولاً ـ أن الشك قد ينبعث عن كارثة كتلك التي حلت بالحالة السابقة، إذ لم يكن شكه إلحاداً، أو إنكاراً لوجود الله تعالى، بل جاء نوعاً من العتب على الله تعالى الذي أمات والده مخلفاً أمه بآلامها، هو شك شخصي صرف ليس نتيجة تأمل منطقي.
ثانياً ـ أن الشك جعله يتوهم وجود تناقض في بعض الأفكار الدينية.
ثالثاً ـ أن مشكلة هذا الشاب هي شدة ارتباطه بأمه وشقاؤه من أجلها، وعذابه عذاباً شديداً إن فعل ما يعتقد أنه يخالف رغبتها، وهذا يدلنا على أن علاقة شخصية ما قد تؤثر في تشكيل فكرة الشاب عن الدين.
رابعاً ـ أن عدم الاهتداء إلى رأي حاسم في الدين يسبب حالة من الإجهاد النفسي قد يكون لها أسوأ الأثر على حياة المراهق، وكلما كان ضمير الفرد قوياً مسيطراً على أهوائه ونزعاته الغريزية كان الصراع في نفسه أكثر عنفاً وحدة، إذ ينظر إلى الشك في هذه الحالة نظره إلى الخطيئة، ولكنه مع ذلك يظل أخلاقياً متحفظاً.
هذه حالة شك نتيجة ظروف شخصية لها مثيل في حياة كثير من رجال الفكر في تاريخ العالم، أمثال (شوبنهور) الذي كان شكه وتشاؤمه نتيجة ما ألم به من كوارث وانعكاساً لحالة أوربا المخضبة بالدماء عقب حروب نابليون.
فالشك ليس انعكاساً لحالة الفرد النفسية فحسب، بل لحالة المجتمع السائدة من حيث الكوارث الاجتماعية أو الاستبداد أو الحروب أو التقلقل... إلخ، على أن كثيراً من الشباب يشكون نتيجة تأمل منطقي، وهذا ما يحدث غالباً في نهاية مرحلة المراهقة حين يبرز العنصر العقلي عن ذي قبل.
والذي أراه من جانبي:
أن رغبة الشاب في المجادلات الدينية يجب أن تُشبع في نفسه، ولكن في غير استرسال حتى لا تؤول في النهاية إلى مناقشات عديمة الجدوى، وجدلاً للجدل في حد ذاته.
يقول (الدكتور مصطفى فهمي): إنه يحسن بنا اعتبار هذه النزعة لا على كونها مظهراً من مظاهر الإلحاد والكفر، بل هي فأل حسن يدل على نضوج الشاب وتحرره في التفكير. إن المراهق في هذه الفترة يحتاج إلى من يشجعه على التحدث في مشكلاته، ويبعد عنه ما يؤرقه من أفكار وشكوك، ولا شك أن أمثال هذه المناقشات تعيد إلى المراهق اتزانه، وتبعث في نفسه الطمأنينة، أما إذا كان سلوكنا نحو هذا الاتجاه، قائماً على العنف والتحقير، فقد يؤدي ذلك في حالات خاصة إلى نوع من الاستهتار الديني.
ــــــــــــــــــــ(42/329)
شبابنا والتعبير عن المشاعر
* د . حامد طاهر
في وسط الأحداث التي تركزت بؤرتها أخيرا في منطقة الشرق الأوسط , من حق أي شاب عربي أن يسأل : ماذا أفعل؟ وكيف أتصرف؟ ومن واجب الكبار وأصحاب التجارب أن يساعدوه في التوصل إلي الإجابة الصحيحة , بدلا من أن يترك وحده متحيرا في البحث عنها . والواقع أن تلك الحيرة ترجع في جانب كبير منها إلي ما تبثه وسائل الإعلام المختلفة من معلومات وتعليقات يتعارض بعضها مع البعض , ويكذب أحدها ما يؤكد الآخر صحته . كذلك فإن حيرة الشباب مردها إلي غياب التاريخ الحقيقي للظواهر السياسية والاقتصادية التي نشأت قبل أن يولدوا بقليل , وتطورت بينما كانوا في مرحلة الصبا , ثم راحت تتفاقم نتائجها أمامهم وهم في مقتبل العمر . ولو أنهم كانوا علي معرفة ببداية الأحداث , وعلي وعي بتسلسلها وتشابكها لظهرت أمامهم الصورة علي نحو أكثر وضوحا . والمشكلة هنا أننا تركنا صفحات الكتب والمراجع واقتصرنا علي شاشات التليفزيون . وقد كان من الممكن أن تعرض الحقائق كاملة علي هذه الشاشات , لكن ثورة الاتصالات الحديثة لها جانبان أحدهما إيجابي يحقق السرعة والكفاءة والآخر سلبي يحتوي علي قدر كبير من التشويه والتحريف .
في العالم العربي أصبحت لدينا قضيتان , إحداهما خاصة بشعب فلسطين الذي جري ومازال يجري انتزاع أرضه , وتشريد أهله , ومحاولة الإطاحة بأبسط حقوقه في الحياة , والثانية تتعلق بشعب العراق الذي يجري التعامل معه علي طريقة الدبة التي قتلت صاحبها عندما حاولت أن تزيح من فوق عينيه الذباب . والمقصود هنا تلك المحاولة العسكرية لتحرير شعب العراق من نظام حكمه , وتقديم الديمقراطية له علي طبق من فضة ! الشباب العربي في حاجة لأن يعرف الحقائق , كما أنه في حاجة لأن يتعامل مع الأحداث التي تمر بأوطانه من ناحية , وبمختلف أنحاء العالم من ناحية أخري . وقد مر زمن طويل دون أن نزود هؤلاء الشباب بالثقافة المتكاملة , التي تقنع عقولهم , وتنفذ إلي قلوبهم ومشاعرهم , وتصبح بالتالي طابعا لسلوكهم . عندما رأي الشباب العربي المظاهرات في كل أنحاء العالم تندد بالحرب ضد العراق , وسمع في الوقت نفسه الكثير من التعليقات عن تقاعس الشارع العربي , وجد أنه متهم في وطنيته وقوميته , وكان عليه أن يرد من خلال التظاهر الذي لم يتعود عليه , فحدثت تجاوزات , وجري الاعتداء علي ممتلكات ومنشآت , ولم يدرك أن التظاهر للتعبير عن الرأي إذا كان حقا فإنه لا يلغي حقوق الملكيات الخاصة , ولا المنشآت الحكومية . وأن أي مسيرة في العالم لا تخرج إلا بعد أن تكون لها قيادة تنظيمية , تستأذن السلطات المحلية بوقت وطريق المظاهرة , وهنا يصبح من واجب السلطات نفسها حماية المظاهرة , ومساعدتها علي تحقيق الهدف منها , وهكذا فإننا نشاهد مظاهرات يتجاوز عدد المشاركين فيها المليون دون أن تحدث أي تلفيات في المكان الذي يتظاهرون فيه . وهكذا يصبح التعبير الجماهيري عن الموقف , أي موقف , منظما وواضحا ومؤثرا . وفي هذه الحالة يصبح تعبيرا حضاريا يليق بشعبنا الذي سبق إلي تكوين أولي حضارات العالم .
ــــــــــــــــــــ(42/330)
أي اصناف المحجبات انت؟
* البلاغ
إنّ الأسباب التي تدعو الفتاة أو المرأة إلى الالتزام بالحجاب ( الستر الشرعي ) كثيرة ، فليست كلّ محجّبة أو مستترة هي حقّاً إمرأة مؤمنة بهذا الضابط الشرعي للعفّة .
ولقد تحدّث بعض الكتّاب عن تصنيف المحجّبات على ضوء الدافع الذي يقف وراء التزامهنّ بالحجاب .
فالبعض اعتبر الدافع اجتماعياً ، وهو خشية الملتزمة بالستر من أن تكون غرضاً لكلام الناس . أو أ نّها تقوم بعملية تقليد إلزامية للمجتمع الذي يأخذ بأسلوب الستر ، فهي ملتزمة لا عن إيمان وقناعة بل عن تقليد ومحاكاة .
والبعض الآخر اعتبر الدافع ذاتياً ، وهو حبّ الظهور وجذب الأنظار .
واعتبره آخرون ازدواجية في الشخصية ، أي أنّ هناك تناقضاً بين المحتوى الداخلي لشخصية المحجّبة ، وبين ما يضفيه الشكل الخارجي ، أو يحدثه من انطباع بالايمان والالتزام بالحشمة . أي أنّ المحجّبة تقوم بعملية تمويه ، فهي في الخارج مستترة ، وفي الداخل مخالفة للاسلام في كلّ شيء ، أو في أشياء كثيرة .
ونظر إليه آخرون نظرة اقتصادية ، فاعتبروه لوناً من ألوان الاشتراكية ، وإلغاءً للفوارق الطبقية .
واعتبره قسم آخر تعبيراً عن صدمة عاطفية ألجأت الفتاة أو المرأة المصابة بالصّدمة إلى اتخاذ الحجاب أسلوباً احتجاجياً ، أو ردّة فعل لما تعانية من صدمة ، أو ما تشعر به من حالة إحباط شديد .
واعتبره آخرون حالة من حالات التصوّف والانعزال ، وربّما الانغلاق في شعور الفتيات المحجّبات ـ حسب أصحاب هذا الرأي ـ أنّ طبيعة الحياة المعاشة لا تُبشِّر بالأمل والسعادة ، فلا بدّ من العودة إلى الايمان .
وهناك المحجّبة المنطلقة في سترها من منطلق إيماني راسخ ، وشعور حقيقي بالانتماء للاسلام ، والتزام واع بمقرّرات الشريعة الاسلامية ، ومعرفة بضرورة تحصين المجتمع بالعفّة والاحتشام .
ويجمع أصحاب هذه الآراء على أنّ المظهر لا يمكن اعتماده دليلاً وحيداً على نقاء الداخل وطهارة السريرة ، فقد تتحجّب الفتاة أو المرأة ، ولكن سلوكها العام لا يوافق ما ترتديه من زي اسلامي ولا يدلّ على معناه .
ومع أ نّنا مأمورون إسلامياً أن نأخذ بظواهر الأمور ، لكنّ مناقشة هذه الآراء ستعين على مواجهة الشبهات التي تُثار ضدّ الستر الشرعي ( الحجاب ) وتدفع إلى التمسّك والالتزام به أكثر فأكثر .
فبالرغم من أنّ خشية الفتاة من كلام الناس ونقدهم يُعدّ عاملاً مساعداً من عوامل الحفاظ على أجواء العفّة ، ولا بدّ من مراعاته تجنّباً للخدش في سمعتها ، إلاّ أ نّنا يمكن أن نعتبر الالتزام بالحجاب سواء بسبب التقليد الاجتماعي للاُمّهات أو الجدّات أو النساء المؤمنات ، أو الخوف من ألسِنة الناس ، لا يمكن أن يصمد طويلاً .
فعندما تتعرّض الفتاة لأوّل حالة اهتزاز أو ضغط عنيف ، فإنّها يمكن أن تتخلّى عن حجابها ، أو في الأقل تتساهل فيه ، لأنّها أساساً لم تنطلق من قناعة ذاتية أو فكرية أو تشريعية للالتزام به .
وأمّا الصنف المتناقض الذي يبدو في الخارج ملتزماً ، وفي الداخل بعيداً عن الالتزام ، فإنّ الفتاة من هذا الصنف إنّما تقوم بعملية تجزئة للإلتزام وللإيمان ، فهي تراهُ شكليّاً ، ولذا فهي تلتقي مع الفتاة الاُولى في التخلِّي عن حجابها إذا دعتها الظروف الخارجية الضاغطة ، أو البقاء عليه رغماً عنها .
فالالتزام إذاً كلّ متكامل ، سواء في الداخل أو في الخارج . والعفّة النفسية والسلوكية أهمّ بكثير من العفّة المظهرية ، بل هي التي تعطي زخماً لعفّة الشكل لكي يكون فاعلاً مؤثِّراً ، بل وقادراً على المقاومة .
ولا يخفى أنّ الفتاة التي تتظاهر بالالتزام بالستر وتخالفه في واقعها الحياتي ، إنّما تقدِّم بذلك نموذجاً سيِّئاً للفتاة أو المرأة المسلمة ، فهي فتاة منافقة تتقيّد بالشكل وتهمل الجوهر .
وأمّا تلك التي تحجّبت حبّاً في الظهور ولأجل أن تتجه الأنظار إليها ، لأنّها تعيش في مجتمع يسود فيه الالتزام والمحافظة على العفّة ، ولذا فهي تخشى من عدم الزواج ، إلاّ إذا كانت محجّبة ، فهي تندرج تحت عنوان الالتزام السطحي بالحجاب الذي لا يرمز إلى عُمق إيماني ، ولا يُعبِّر عن حالة روحية تنعكس في السلوك عفّة واحتشاماً .
وأمّا اعتبار الحجاب حالة من التصوّف والانعزال ، احتجاجاً على واقع الحياة المزري والمتردِّي، فقد يكون ظاهر هذا الرأي الحق وباطنه الباطل .
فأن تعتزل الفتاة حالة الانهيار الأخلاقي والفحش والفساد ، وتركن إلى ما يقيها من مهاوي الانفلات والانزلاق ، أمر تُحمَد عليه ، وهي من الصنف الملتزم المحتشم عن قناعة ووعي وإيمان .
وأمّا أن تصبح في حالة من حالات الانكماش والانغلاق عن المجتمع ، فلا تمارس دورها الاجتماعي والعملي والرسالي بسبب ذلك ، فإنّ هذا ممّا لم يقل به الاسلام .
أمّا أولئك الذين يعتبرون الزيّ الاسلامي ينطوي على اشتراكية وتكاليف أقلّ وتذويب للفوارق الطبقية ، لأ نّه يوحِّد الشكل أو المظهر من حيث اللباس الخارجي على الأقل ، فحتى على فرض أنّ النتيجة كانت كذلك بحيث تتقلّص الفوارق ويكون هناك نوع من التضامن بين لابسات الزيّ الواحد أو الموحّد ، فإنّ هدف المشرِّع الاسلامي أعمق من ذلك ، إذ يمكن اختراق هذه المحصّلة بالأقمشة التي تُصنع منها حجابات ونقابات المرأة من حيث الرخص والغلاء ، وبالتالي فكلّه ستر شرعي . فالمسألة ليست اقتصادية بالدرجة الاُولى بقدر ما هي المحافظة على الجوّ الاجتماعي والنفسي والروحي عفيفاً نظيفاً .
وأمّا اعتبار الحجاب في بعض الحالات تعبيراً عن صدمة عاطفية في نفسية الفتاة كانفصال الأب عن الاُم ، أو وفاة أحد الأعزّاء في الاُسرة ، فلا تجد مهرباً من صدمتها سوى التقرّب إلى الله بالزهد والحجاب ، كما يعبِّر بعض أطبّاء علم النفس ، فإنّ حالة الالتزام هنا طارئة سوف تزول بزوال السبب المؤثِّر ، وسرعان ما تعود الفتاة إلى وضعها السابق .
يقول طبيب نفساني : «وقد صادفتني عدّة حالات تتحجّب فيها المرأة مع بداية المرض النفسي ، وعند شفائها من المرض تخلع حجابها وتعود إلى طبيعتها، والعكس صحيح، وبعض المحجّبات يخلعن الحجاب عندما يبدأ المرض ، وبعد شفائهنّ يعدنَ إلى لبس الحجاب».
وإذا كان تشخيص الحالة صحيحاً ، فإنّها كأيّة حالة مرضيّة خاضعة لمدّة المرض وشدّة تأثيره ، ولا يمكن اعتبار حجاب من هذا النوع حجاباً إسلامياً ثابتاً ، لأنّ الدوافع التي دفعت إليه نفسية قلقة .
ويبقى الصنف الأخير هو الأهم ، وهو الصنف الذي ركّزنا حديثنا عليه في هذا الكُتيِّب . وهو المثال الذي نتمنّى على فتياتنا وبناتنا ونسائنا الالتزام به للدواعي الكثيرة التي تقدّم ذكرها .
لكنّنا ـ كفتيات ملتزمات بالحجاب أو على أهبة الالتزام به ـ يجب أن لا يخفى علينا أنّ بعض مَن يصنِّفون المحجّبات بهذه التصنيفات يحاولون الطّعن بالسّتر الشرعي من خلال هذه الاعتبارات .
وعلينا أن لا نعتبر كلّ فتاة سافرة ساقطة خلقياً ، فقد تكون نشأتها أو ظروفها الخاصّة هي التي أجبرتها على ذلك ، وقد تكون مستعدّة لإصلاح أمرها إذا توافرت الأجواء المناسبة أو القناعات اللاّزمة .
كما يمكن الإفادة من حجاب أيّة محجّبة لأسباب غير شرعية ، كمقدّمة لإقناعها بالالتزام به دائماً ، فقد يُعبِّر ذلك عن استعداد للالتزام بالعفّة والحشمة والحياء ، وخطوة أولى على الطريق الصحيح .
ــــــــــــــــــــ(42/331)
دعونا نفكر من جديد كيف نفهم الحياة ؟
الحياة التي نعيش فيها ، ونصنع وجودنا ومصيرنا بين أحضانها .. كيف نفهمها .. وكيف نتعامل معها ؟
حياة الإنسان هي هذه النشأة والفعاليات الجسدية والفكرية والروحية التي يمارسها الانسان بين فترتي الولادة والموت . والتي يصنع من خلالها وجوده .. وتكتمل ذاته وروحه وشخصيّته ..
إنّه يحقِّق ذلك من خلال ما يملك من حياة وعقل وقدرة على الاحساس بالعالم المحيط به ، والشعور باللّذّة والألم ، وإدراك العقل للموجودات ..
فنحنُ نأكل ونشرب ونلبس ونلهو ونلعب ونستمتع بالجمال والطيِّبات، ونمارس الجنس، ونحسّ بالحبّ والكراهية، والحزن والمسرّة، واللّذّة والألم ، ونضحك ونبكي، ونيأس وتنفتح الآمال أمامنا ..
ونفكِّر فنُبدِع ، ونستنتج ونكتشف أشياء ونضع اُخرى ، ونعبِّر عن أحاسيسنا بالكلمة والرّسم والشّعر والفرح والحزن .
وننطلق بوعينا وتفكيرنا خارج حدود هذا العالم، فنفكِّر في نشأته ، وكيفيّة صدوره . فنعرف مبدأ الوجود وخالقه ..
إنّنا نفكِّر ونحسّ ونعمل ونفعل ، فنصنع الحياة بفكرنا وإحساسنا ، وما يصدر عنّا من فعل ..
إنّنا جسد وروح وعقل ومشاعر ، وُهِبنا كلّ ذلك ، ونحنُ نصنع الحياة ، كما يصنع الرّسّام الصورة .. وحياة كلّ فرد منّا هي صورة ذاته ، فأيُّنا يحبّ أن تكون صورته شوهاء ..
إنّ الحياة ليست مُتعة ولذّة فقط ، ولكنّها مختلطة بالآلام والأحزان أيضاً ، وهي ليست فوضى .. بل هي مسؤولية .. مسؤولية أمام الله سبحانه، ومسؤولية أمام المجتمع والنّاس الّذين يعيشون معنا، ومسؤولية أمام القانون ، ومسؤولية أمام الضمير والوجدان .
قال تعالى : (فَلنسألنّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِم وَلَنَسْألَنَّ المُرْسَلين ). ( الأعراف / 6 )
وقال الرّسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) : « كُلّكم راع ، وكُلّكم مسؤولٌ عن رعيّته » .
إنّ خالق الوجود يشرح طبيعة الحياة ، ويضرب المثل الذي يقرِّب الفهم إلى عقولنا .. ويوضِّح أ نّها عملية نشأة ونموّ وتكامل وازدهار ، ثمّ ذبول وانحلال وزوال .. وهكذا حياة كلّ فرد في عالم الحياة ..
(واضرِب لَهُمْ مَثَلَ الحياةِ الدُّنْيا كماء أنْزَلْناهُ مِنَ السّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ فأصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْء مُقْتَدِرا ).
( الكهف / 45 )
فالحياة رغم ما فيها من زينة وجمال ومُتع ولذّات ، فإنّها أحداث تقع وتنتهي ، كما ينشأ النبات وينمو ويزدهر ، ثمّ يذبل ويصفر ويتحوّل إلى هشيم تذروه الرِّياح ..
وعندما تنتهي هذه المرحلة من حياة الانسان ، تبدأ مرحلة اُخرى من حياته ، وهي عالم الآخرة . وذلك عالم الخلود .. عالم لا تغيّر فيه ولا زوال .. عالم النعيم والجمال والجنّات ، أو عالم الشّقاء والعذاب .
والذي يقرِّر مصير الإنسان في ذلك العالم ، هو طبيعة فعله وعقيدته في هذا العالم.. كما يقرِّر سعي الطّالب وتحصيله الدراسي نتيجته الامتحانية ومستقبله العلمي في الحياة ..
إنّ الإنسان يمهِّد في حياته إلى عالم الآخرة ، كما يمهِّد عالم الرّحم إلى عالم الدّنيا .
حدّثنا القرآن الكريم عن هذه الحقيقة بقوله :
(مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ، ومَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلاِنْفُسِهِمْ يَمْهَدُون ).
( الرّوم / 44 )
لذا جاءت الشّرائع الإلهيّة لتنظِّم نشاط الانسان وسلوكه في الحياة ..
فالإنسان قد ينساق وراء الشّهوات والمُتع واللّذّات، أو يسيطر عليه الغرور والجهل والعدوان. فتتحوّل الحياة عنده إلى عمليّات إشباع للّذّة والشّهوة ، أو طريقاً إلى الجريمة والفساد في الأرض وعبادة للّذّات من خلال سيطرة الأنا والإعجاب بالنّفس .
إنّ خالق الحياة قد وهبها للإنسان ليعيش فيها بسلام ، وليتمتّع بطيِّبات الحياة وزينتها ، وفق قانون حفظ الحياة ، وتنظيم سلوك الانسان بشكل يمكِّنه من أن يحقِّق الخير لنفسه ولمجتمعه الذي يعود بالخير عليه ..
وعندما يُخطئ الإنسان في فهم الحياة ، فإنّه يجني على نفسه ، ويقودها إلى الدّمار ، ولا يشعر بخطئه هذا إلاّ بعد فوات الأوان .
فالملايين من البشر قادتهم الشّهوات والملذّات والإحساس بالغرور إلى الكوارث والندم ، ولكن بعد فوات الأوان ..
لقد انتهت حياة الكثير من البشر إلى السّجون أو الانتحار ، أو الإصابة بالأمراض الجنسيّة ، أو الإدمان على المخدِّرات ، والتسكّع والقلق ، وفقدان السّعادة ..
ومعاهد الإحصاء وتقارير الدوائر المختصّة،كالمستشفيات والمصحّات النفسية ، ودوائر مكافحة الإجرام ، والإحصاء الجنائي تسجِّل أرقاماً مُذهلة ..
إنّ حياتنا هبة من الرّحمن ، وعلينا أن نتعامل مع الحياة وفق قانون السّلامة ، وحفظ الحياة ، وهو القانون الإلهي الذي حرّم كلّ ما هو ضار لنا ، وأباح لنا الخيرات والمُتع واللّذّات النافعة لنا ..
إنّ هناك وسائل لفهم الحياة ، علينا أن نرجع إليها ونعتمد عليها ، وتلك الوسائل هي :
1 ـ كتاب الله وهدي النبوّة ، فهما يقدِّمان لنا إيضاحاً كافياً لطبيعة الحياة ، ويوفِّران لنا منهجاً ودليلاً هادياً في الحياة . وعلينا أن نقرأهما بوعي وتأمّل عقلي وعلمي لنعرف ما فيهما من خير وحكمة .
2 ـ والمصدر الثاني لفهم الحياة هو العلم والاكتشافات العلمية . فقد زوّدنا العلم بالمعرفة والوعي ، فاستطاع أن يقدِّم لنا تعريفاً بما هو ضار ، وما هو نافع . فجاءت أبحاثه ودراساته متطابقة مع ما بيّنه القرآن في منهجه من حلال وحرام ..
لقد استطاع العلم أن يكتشف خطر الخمر والمخدّرات والممارسات الجنسية الشاذّة ، والرِّبا والإحتكار ، وفائدة النظافة والحبّ والتماسك بين أفراد العائلة ، وأثره في سلامة الانسان النفسية ، وأثر الإيمان في السعادة ، واستقامة السلوك ، والتخلّص من القلق والجريمة ... إلخ .
كما ساهم العلم مساهمة فعّالة في رفع مستوى وعي الإنسان وفهمه للحياة ، وتطوّر وسائل الانتاج ، وتوفير الخدمات ، وتنظيم المجتمع ، وحركة الحياة . فساهم بحلِّ مشاكل الانسان وتوفير حلول جديدة لمشاكل الحياة من حوله .
إنّ اكتشاف الكهرباء والذرّة والبترول والرّاديو والتلفزيون ووسائل الطِّباعة والنقل وغيرها ، قد فتحت للانسان وعياً آخر للحياة، وكلّما إزددنا فهماً ووعياً للحياة ، إزددنا فهماً ووعياً للدِّين ومعنى الإيمان . فالعلم داعية الإيمان ورفيقه في الحياة .
3 ـ العقل والتجربة : والعقل دليل الانسان في الحياة ، وعندما يستخدم الانسان عقله استعمالاً سليماً فإنّه يقوده إلى الخير ، وينجيه من الوقوع في الهلكة والضّياع والندم .
فالإنسان يُمارس في حياته أشياء كثيرة ، فتتوفّر لديه تجارب ، وعليه أن يستفيد من تجربته في الحياة ، كما عليه أن يستفيد من تجارب الآخرين في كلّ حقل ومجال من مجالات الحياة الشخصية والزوجية والاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها .
لذا دعانا القرآن إلى استخدام العقل والاستفادة من تجارب الاُمم السّابقة . فالتجربة الانسانية وأحداث الماضي والتأريخ ، وما أنتجه العقل البشري من معارف وثقافة وحكمة وآداب وفنون بنّاءة .. كلّها عطاءات تُساهم بإغناء الحياة ، وفتح آفاق جديدة لفهمها .
لذا يرشدنا القرآن إلى الاستفادة من تجارب الاُمم والأفراد، والتعمّق في التفكير واستخدام العقل ، فيقول :
(وَهُوَ الّذِي مَدَّ الاَْرْضَ وجعلَ فيها رَواسيَ وأَنْهاراً ومِن كلِّ الثمراتِ جعلَ فيها زوجَينِ اثنينِ يُغشي اللّيل النّهار إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون ). ( الرّعد / 3 )
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِم مِنْ أَهْلِ ا لْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي ا لاَْرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ا لَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الاْخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَ نَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ المجْرِمِينَ* لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاُِولِي ا لاَْ لْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلكِن تَصْدِيقَ ا لَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيء وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْم يُؤْمِنُونَ ). ( يوسف / 109 ـ 111 )
ويُخاطِب الإمام عليّ (عليه السلام) ولده الحسن (عليه السلام) بالإستفادة من تجارب الآخرين والاعتبار بها ، فيقول :
«... لتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته ، فتكون قد كفيت مؤونة الطّلب ، وعُوفيت من علاج التجربة ، فأتاك من ذلك ما كنّا نأتيه ، واستبان لك ما ربّما أظلم علينا منه ...».
وعندما نوفِّر لأنفسنا فهماً سليماً للحياة ، على ضوء الشريعة والعقل والعلم ، نستطيع أن نتعامل معها بوعي ونجاح .
ــــــــــــــــــــ(42/332)
أزمات الشباب بين الواقع والطموح
د. محمد جمال طحّان
إن أزمة الشباب تختلف شكلاً ومضموناً وعمقاً بحسب المجتمع الذي ينشأ الشاب فيه، ويعكس ، بالتالي ، في أزمته الظروف الاجتماعية التي ينشأ فيها.
هناك تغيّرات تحدث داخل الشاب ، تؤثّر ، لكن الأثر الكبير إنّما مردّه إلى طريقة تعامل المجتمع مع الظروف التي أدّت إلى تحوّل الأشبال إلى مرحلة الشباب . غالباً مايكون التغيّر الفيزيولوجي غامضاً ، حيث لم يعد الشاب يعامَل معاملة الطفل ، وبالوقت نفسه لايُسمح له بإبداء الرأي وبالمشاركة في أعمال الكبار ، فيشعر الشاب بالاغتراب لأنّه لايعرف من هو بعد أن أُخرج من مرحلة الطفولة وأساليب التعامل معها ، في حين لايُعامل معاملة الراشدين فيشعر بأنّه هامشي غير مرغوب به .
إن حاجات الشاب تتوزّع على الشكل الآتي :
1 - حاجات فيزيولوجية : تتكون من دوافع متنوعة تحتاج إلى إشباعها .
2 - حاجات نفسية : تتطلّب فهم الذات وتقبّلها وفهم الآخرين لها بمنح الشاب استقلالاً نسبياً لاتّخاذ القرارات الهامة التي يكون لها دور رئيس في تقرير مصيره ، وفي تشكيل سيرة حياته .
3 - حاجات اجتماعية : تتركّز في قبوله بمجتمع الراشدين ، ومنحه الحب ، ومنحه فرصةً لتأكيد الذات من خلال عمل مهم يقوم به للمجتمع .
لكن الإحباطات التي يعانيها على الصُعُد المختلفة ، تؤثّر في توجّهاته ، وفي طريقة تعامله مع العالم الخارجي الذي يبدو عدائيّاً في كثير من الأحيان .
إن الوضع المربك للشاب العربي تشكّل من وضع العرب غير المرضي لطموحه ، فلا هو ينتمي إلى دولة قوية تستطيع مجابهة التحديات العالمية ، ولا هو يأخذ فرصته في السعي إلى تحقيق ذلك .
هذا فضلاً عن ملاحظته وجود فئات اجتماعية متفاوتة ومتناحرة في مجتمع استهلاكي يعاني من بيروقراطية تعيق حركة الشباب هذا في حين أنهم يلاحظون تقدّم العالم علمياً بشكل كبير ، في حين أنهم ورثوا حيرتنا بين التراث والغرب .
إن السرعة المتزايدة في التقدّم التكنولوجي المستجلَب من الخارج يربك شبابنا ، لأننا لم نستعد كفاية للتكيّف مع هذا التقدّم في منظومة قيم مناسبة ، كما أننا نكتفي باستيراد منجزات العلم الحديث من غير أن نتمكّن من امتلاك مفاتيح أسراره .
وهذا يتركنا عرضة للاستلاب والتبعية الدائمة لمن يمتلك - في أي وقت - إرسال فيروس يشلّ كل التقنيات التي ننعم بها ( بفضل ) مايقدّمه الغرب من ( فتات ) لنا ، خاصة من المصانع أو الأسلحة التي ترغب الدول المتقدّمة في التخلّص منها .
هذا في حين أننا نطالب الشباب بالتعلّم موضّحين أهمية العلم وضرورته ، ثم نسد بوجوههم الطرق إليه .
نطالبهم بالحصول على معدّلات عالية خلال سنة واحدة ( تاسع ) ( ثانوية عامة ) من خلال امتحانات إرهابية تجعل المعلم والتلميذ خصمان لامتعاونان لإنجاز المهمة التعليمية . نمنع التعليم الخاص والدورات .. في حين يتّجه العالم إلى التعليم عبر الانترنيت والجامعة المفتوحة وحرية اختيار الكليّة .
إن اختيار الكليّة للشاب لايعني أننا نجعله بارعاً في مجال ما ، يبقى اختياره ، وله أن يبحث عن مهنة مناسبة واختصاص مناسب . إن انشتاين الذي كان كسولاً في دروس الحساب برع في الرياضيات ، ولو أننا أطّرناه تَبَعاً لدراسته لما استطعنا معرفة شيء عن النسبية .
إن معظم المواد الدراسية لاتعبّر عن اهتمامات الشباب ولا تجيب عن الأسئلة الملحّة التي يفكّرون بها ، ولا تتيح لهم فرصة لفهم الواقع .
بل تقدّم إليهم المعلومات وكأنّها شيء صحيح ونهائي ولا نقاش فيه ، وهم ملزمون بطباعته في الذاكرة للحصول على أكبر قدر من العلامات ، ثم يلقون به خارج أدراج الذاكرة بعد ذلك ، لأنهم تدربّوا على أن مهمّة الحفظ تنتهي بالحصول على نتائج الامتحانات .
كما أن اختبار الذاكرة لايجدي في عصر نحتاج فيه إلى ملكات العقل الأخرى لنصل إلى مرحلة الابتكار ، وامتلاك القدرة على إيجاد الحلول لمشكلاتنا .
تتعامل المدرسة مع الشاب بوصفه ( مجموعاً ) أو رقماً حسابياً لاغير ، ولا يشعر الشاب أنه متميّز فيها .
وبعد أن ينجز الشباب مهمّة الحصول على العلامات ، ويتوزّعون في الفروع الجامعية والمعاهد التي رُسمت لهم ، ويتخرّجون فيها ، يجد كثير منهم أنفسهم عاطلين عن العمل . وإذا وجد فإن العمل الذي يُتاح لهم لايناسب استعداداتهم وخبراتهم وميولهم ، بل كثيراً مايتعارض معهم . ويصبح العمل - حينذاك - نوعاً من التعذيب . ويقابل الشاب العمل - تدريجياً - باللامبالاة .
وهكذا فإننا ننتج حرفيين بلا وعي أو شعور بالمسؤولية ، وغير قادرين على ربط النظرية بالعمل أو بالواقع العملي .
وهم - أيضاً - يعانون من فقدان الثقافة التي يحتاجونها في مراحل تغيّراتهم العمريّة.
فلا تُقدّم لهم ثقافة جنسية ، وهم بأمس الحاجة إليها ، فيتبادلون المعلومات الخاطئة سرّاً ، وسط شعور بأنّ مجتمع الكبار لايبالون بمشكلاتهم ولا يعيرونها أي انتباه .
وبدلاً من ذلك يُرهَق الشباب بمواد ، يعرف المدرّسون والتلاميذ بأنها حُشرت في المناهج من دون أدنى فائدة ، في حين وُضعت برامج لأنشطة فنيّة وثقافية ورياضية من غير أن يُعنى أحد بها ، لأنها لاتدخل في المجموع العام المطلوب للشهادات ، والشهادات التي تتطلّب مجاميع عالية تخلو من هذه المواد ، فلِمَ يضيّع الأساتذة والتلاميذ أوقاتهم بها ؟!
إن أزمات مجتمعنا العربي هو السبب الرئيسي في تفريخ أزمات الشباب ، حيث لم يعد للتعليم جدوى في نظر الشباب وإنما الشهادة هي الشيء المطلوب ، وهذا يؤدّي إلى تهاوي أحلام الشباب في العمل المنتج المحبّب ، ويتهاوى الحلم في وجود أمة عربية موحّدة في ظل تقسيمات طال أمدها من دون أي تغيير أو تقدّم .
لقد حلم الشباب طويلاً بسعة الرزق بعد التخرج ، وبتكوين أسرة آمنة ، ثم لاحظوا أن ذلك يتطلّب معجزة إلهيّة . نقول للشباب: نعمل من أجلكم ، أنتم المستقبل ، وهم يرون أننا نستخدمهم أدوات لتنفيذ مايصبو إليه الكبار .
والواقع إنّ تغيّرات الشباب ليست أزمة لايمكن تفاديها ، على الصعيد النفسي الذاتي للشاب ، إذا تمكنّا من ضبط المحيط بشكل يتلاءم مع المتغيرات . وذلك بالابتعاد عن الضبط القسري الصارم ، والتعامل بمرونة ومحبّة ، وبشكل صريح وواضح وفي إزالة التعارض بين القيم المعلنة والسلوك الفعلي ، وعدم التفريق بين الاختصاصات الدراسية بطريقة تُشعر بعض الشباب بالاستعلاء وبعضهم الآخر بالدونيّة .
لابد من احترام مختلف المهن ، والمساواة في المعاملة ، بصرف النظر عن الترتيب في العائلة . والنظر إلى قضايا الجنس والحياة والعمل على أنها موضوعات علمية تهم الصغار والكبار ، وليست محرّمة على أحد ، وإلغاء السريّة على بعض الحقائق الجنسية والبيولوجية التي يريد أن يعرفها الأطفال والشباب ، وتعليم الشباب الاعتماد على النفس بلا قسر أو تدليل . والشدة مطلوبة هنا في جعل الشاب يتحمّل تبعات اختياراته ، من غير السعي إلى تقديم مايحتاجه على طبق من ذهب ، ومن غير أن يشعروا بلامبالاة المجتمع الذي يزجّ بهم في معترك الحياة من غير أن يراعي أوضاعهم واختلافاتهم الفرديّة .
بل لابد أن نوضّح للشاب أنّه أصبح في مرحلة أخرى من حياته ، تحتاج تدريبات مناسبة ومهارات خاصّة . إن أزمات الشباب هي مسؤولية مجتمع الكبار ، بالدرجة الأولى ، ولكنّ الحل لايكون بأن نرسم لهم مانريده نحن ، بل بأن نقدّم لهم مفاتيح صحيحة لفهم العالم والتعامل معه ، وبأن ندرّبهم على أسلوب التفكير الحرّ الذي يستطيع أن يستوعب المشكلات ويستنبط الحلول اللازمة لها .
وبغير ذلك لانستطيع وصف الشباب المشاغب أو المتمرّد بالانحلال ، ولن يحقّ لنا اتّهامه بالفساد ، لأنّه - بطريقة أو بأخرى - يحاول أن يفرّغ شحناته وطاقاته الهائلة بطرائقه الخاصة ، مادمنا لانساعده نحن على ذلك ولا نتيح له الفرصة ليكون فاعلاً في مجتمعه .
إنّ التغريب والاغتراب والصراع النفسي ، أمور نزجّ بها نحن في طريق الشباب حين لانمنحهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم بوسائل مشروعة ، فيها كثير من الحب ، وقليل من الحزم اللازم للضبط الاجتماعي
ــــــــــــــــــــ(42/333)
الدعاة الجدد بين الفتيا والدعوة
* إمام محمد إمام
كثرت الانتقادات التي يوجهها بعض الكتاب ضد الدعاة الجدد. وفي رأيي الخاص ان كثيراً من هذه الانتقادات فيها تحامل وتجن عليهم، لأن هؤلاء الدعاة الجدد ينطلقون في دعوتهم من قول الله تعالى: «ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين» ومن قوله صلى الله عليه وسلم «بلغوا عني ولو آية». وفي سبيل ذلك يركز أغلبهم قدر استطاعتهم على النهل من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثهم ومحاضراتهم وندواتهم سواء في البرامج التلفزيونية أو منابر المساجد وقاعات المحاضرات، للحث على الفضائل والقيم والأخلاق النبيلة، ودعوة الأفراد والمجتمع الى الالتزام بالسلوك الاسلامي في معاملاتهم، والتفاعل والانفعال بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «الدين المعاملة» سلوكا ونمطا حياتيا.
ولا شك ان اساليبهم في الدعوة غير تقليدية، مما اكسبهم شعبية واسعة وحضوراً متميزاً، فوجدت تلك الاساليب صدى طيبا عند البعض واستياءً ظاهراً لدى البعض الآخر. فإن هؤلاء الدعاة الجدد نجدهم يحرصون في اساليبهم على التأكيد والتشديد على أهمية الدعوة الى الله عن طريق الحكاية والاقناع، ليس المباشرة والتغليظ. ويلجأون الى اساليب الترغيب بالتركيز على الحديث عن مغفرة الله تعالى والأجر العظيم ورحمته التي وسعت كل شيء، وهو الغفور الرحيم، ويدللون على ذلك مما درسوه أو قرأوه في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته عليهم رضوان الله. مما جذب الى مجالسهم وأحاديثهم الشباب زُمراً وفرادى يستمعون ويناقشون ويتأثرون ويهتدون بفضل الله «من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً».
والأمر الذي يستوقف المرء في دراسة ظاهرة الدعاة الجدد خلال السنوات القليلة الماضية ان الشباب وجدوا فيهم قواسم مشتركة منها لغة سهلة ميسرة وأسلوب سهل مبسط، فيسر ذلك لهم فهم ما استشكل عليهم من أمور دينهم، ورغبهم في الالتزام مسلكا وسلوكا بالاسلام وتعاليمه السمحة.
ولم يدع عدد كبير من هؤلاء الدعاة الجدد أنهم مؤهلون للتصدي للفتيا، ادراكاً منهم ان هذا من الامور الصعبة التي تتطلب جهداً عظيما وعلما غزيرا وينأون بأنفسهم من الخوض في الفتيا، لأن الفتيا بغير علم من الامور الخطيرة، لأنها تدخل في القول على الله بغير علم، وان الله تعالى جعلها أعظم من الشرك، وذلك في قوله تعالى: «قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون». فمسألة الفتيا كانت من مداخل الطعن والانتقاد الذي وجه لهؤلاء الدعاة الجدد. ولذلك بادر بعضهم الى نفي اشتغالهم بالفتوى درءا للفتن وتركوا أمرها لكبار علمائنا وفقهائنا وللهيئات والمجامع الفقهية المعتبرة في العالم الإسلامي.
كما إنني أدعو هؤلاء الدعاة الجدد الى تجنب الفتيا لأنها من الأمور التي تثير الفتن والبلبلة بين المسلمين والنأي عنها سياسة حكيمة. وليترك أمر الفتيا للعلماء والفقهاء المتخصصين في الفقه للاجتهاد واستنباط الاحكام الشرعية في قضايا المستجدات المعاصرة.
وعلى هؤلاء الدعاة الجدد الاستفادة من بعض هذه الانتقادات في تقديم اساليبهم الدعوية، لأن بعض هذه الانتقادات تشير الى قضايا مهمة كاعتمادهم في احاديثهم ومحاضراتهم على الاسرائيليات وضعاف الاحاديث، مما يعني مراجعة مصادرهم والتنبه الى هذه المحاذير للنأي عن مواطن الخلل ومواقع الزلل. وعليهم الوقوف تأملا وتدبرا في بعض هذه الانتقادات التي تشير تلميحا وفي بعض الاحيان تصريحا الى ان أمور الدعوة اصبحت تجارة. فالاحاديث الدعوية تخصص لها تذاكر وبطاقات دخول بأسعار هذه وغيرها بعض المطاعن والانتقادات التي تستحق منهم التأمل والمراجعة. وليتذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من دل على هدى كان له مثل أجر من اتبعه من غير ان ينقص من أجورهم شيء».
ــــــــــــــــــــ(42/334)
الشباب .. استقلالية نافعة أم تبعية مهلكة !!
مما يميز الإنسان أنه كائن عاقل مفكر يُنمّي فكره ومعارفه عن طريق التفكير والتجارب والتعلم من الآخرين، وإن من الغرائز التي جبل عليها الإنسان غريزة حب التجمع والعلاقة مع الآخرين، سواء في المجالس أو الأندية أو حتى في أماكن العمل، والتلقي والاستفادة منهم.
ولا شك أن الإنسان عندما ينشأ في بيئة معينة فإن ثقافتها وحضارتها وانتماءها الفكري يسهم في تكوين شخصيته ونمط حياته، وكذلك الحال عندما يجالس أشخاصا معينين فإنه ولا شك سيتأثر بهم.
ولعل الشباب باعتبار قوة انطلاقه وقدرته على التكيف يعتبر من أكثر الفئات تأثرا، ولهذا كان الواجب ألا يترك الشاب لنفسه العنان ليتأثر بكل ما حوله دون تفكير أو تعقل، فإن مجرد تقليد الآخرين ومحاكاتهم حتى الآباء والأجداد دون وعي ولا بصيرة أمر مستنكر ومستقبح، وهو يعني ضعف الشخصية وشدة التبعية.
ويكفي أن القرآن الكريم قد استنكر مثل هذا التصرف في قوله تعالى: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله والى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أَوَلو كان آباؤهُم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون).
فالشاب العاقل البصير هو الذي يرفض طريق التبعية غير الواعية، ويهاجمها بشدة، ويطالب بالوعي والتأمل، وتوظيف العقل في الحكم على القضايا وتمحيصها، واختيار الطريق الأسلم، وتحديد الانتماء الفكري والثقافي بما يتلاءم مع شخصيته وتطلعاته على أن يكون ذلك موافقا لشرع ا لله ودينه الحنيف.
وهذا الرسول( ص )يحذر أمته من موقف الإمعة الذي لا يحدد موقفه وانتماءه عن فهم ووعي وقناعة علمية سليمة؛ بل يعيش مقلداً تابعاً للآخرين، أو لظروف البيئة الّتي ولد فيها، فلا يكلّف نفسه بمناقشة أو تمحيص ما وجد نفسه جزءاً منه؛ من فكر وعقيدة وسلوك وأعراف، ليتمسك بالصواب، ويرفض ما أخطأ السابقون بحمله؛ ليتم التخلص من الأخطاء والممارسات غير السوية.
الشباب بين الاستقلال والتبعية
جدير بالشاب اليوم وهو يواجه تلك التحولات الاجتماعية، والفكرية والسياسية الجديدة، أن يجعل نفسه في طليعة التغيير والطموح، ويشغل اهتمامه بأوضاع المستقبل، ويتركز لديه النزوع للتغيير إلى الأحسن، والثورة على الواقع غير المُرضي، لا أن يكون إمعة للآخرين خاصة من الغربيين تابعا لما يملونه عليه من ثقافة وفكر وعادات وتقاليد.
ليس من العقل والحصافة أن يردد بعض الشباب ما يذاع في الغرب من أن الإسلام مثلا هو سبب تأخر المسلمين، وأن التقدم العلمي والتقني والتطور يتطلب استبدال الإسلام كمنهج ونظام حياة، والتزام منهج الحضارة الغربية، دون أن يفكر هؤلاء الشباب في أن المسلمين الأوائل هم الذين أنشأوا الحضارات في ظل تمسكهم بالإسلام، وأن الحقيقة أن كثيرا من المسلمين اليوم لم يعودوا متمسكين بالإسلام، فهم مسلمون بالاسم فقط.
وليس من العقل والبصيرة أن يقبل الشباب على تقليد الغرب في الأكل والملبس وطريقة الكلام ظنا منهم أن ذلك يعني تقدمهم ورقيهم وسبيل حريتهم وسعادتهم، ويغفل هؤلاء الشباب عن أن السعادة الحقيقة تكمن في تحقيق الغاية النبيلة والهدف السامي، وأن الحرية التامة هي التي تحرر الإنسان من أسر الشهوات وسجن الملذات.
لا بد أن يعي الشباب أنهم عماد الأمة وأساسها، وأن تفوق الأمة وتحررها وتقدمها وقيادتها يعتمد عليهم بعد الله سبحانه وتعالى، فلا بد من وقفة تفكير صحيح وتعقل تام لكل تصرف وفعل يصدر منهم، ولا بد من الاستقلال بالشخصية الإسلامية الرفيعة والالتزام بالمنهج الرباني المستقيم الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والبعد عن التقليد الأعمى للثقافات الغربية والأفكار الفوضوية.
ــــــــــــــــــــ(42/335)
هل الزواج من خارج بلدك ...ناجحا ؟
ان التقدم في وسائل الاتصال وانتشار الانترنت في معظم دول العالم مما جعل العالم كالقرية الواحدة .ولكثرة مواقع الزواج فيه . اصبح الاتصال امرا سهلا بين راغبي الزواج. ومن هنا نجد ان الزواج هاجس كل رجل وفتاة وهو حق خاص لكل منهما . يقرر شريك حياته اذا راى ان لك مناسبا له ولديه القناعة بذلك .
فالرسول عليه الصلاة والسلام قال : " اذا اتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه .
لذا يجب التنبه . واخذ الحذر والحيطة . وعدم الاستعجال.
اذا اقدم االرجل او الفتاة على الزواج من خارج وطنه .
بمراعاة الاتي :-
- حسن الاختيار والتأكد من تقوى وصلاح من يشاركه حياته.
- مناقشة كل الامور المتعلقة بهذا الزواج بين الطرفين .
-الصدق والصراحة والوضوح لان كل كلمة تقال محسوبة على كل منهما .
-مراعاة الفروق في العادات والتقاليد بين بلديهما ووضع الحلول لها.
-النية الحسنة بأن يكون الهدف تكوين بيت وأسرة.
-البعد عن الاهداف السيئة . كطمع الزوجة في مال او غيره
او يكون هدف الرجل الاستمتاع فترة من الزمن .
- المصارحة بوضع الرجل المالي وقدرته على جميع النفقات .ويجب ان يعلم الزوج ان تكاليف السفريات باهضة
- ان لاينخدع الرجل من قلة المهور في بعض البلدان فالزواج يترتب عليه مصاريف اخرى .
- ان لاتنخدع الفتاة من ان الرجل من بلد ثري وتعتقد ان لدية الاستعداد ان يحقق جميع طموحاتها .
- معرفة انظمة وقوانين بلدانهم وهل هي تسمح بذلك لتجنب كثيرا من المشاكل .
ان تقوى الله سبحانة وتعالىفي السر والعلن هي مفتاح السعادة في الدنيا والاخرة . لذا يجب ان تكون النوايا صادقة . ونتذكر دائما ان التوفيق بيد الله ."
ــــــــــــــــــــ(42/336)
الشباب فرصة لن تتكرر
عباس المدرسي
إن أهم فرصة بعد فرصة الحياة هي: فرصة الشباب وبالرغم من أن هذه الفرصة هي جزء من فرصة الحياة الكبرى، غلا أنها تعتبر صفوة حياة الانسان، فهي من جهة تحتوي على كل عناصر الفرص الأخرى من الفراغ والقوة والنشاط ومن جهة أخرى فإن موقف الانسان من هذه الفرصة يحدد شكل حياته في المستقبل.
ولكن: هل يقدر الانسان أهمية فرصة الشباب؟ القليل فقط يدركون قيمة مرحلة الشباب، وقد لا يكون هناك شخص واحد يستطيع أن يشعر بأهمية هذه الفرصة عندما يعيش فيها، أما بعد أن يفقد شبابه فإنه حتماً يتندم على تفريطه تقصيره، لذلك يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): ((شيئان لا يعرف فضلهما إلا من فقدهما: الشباب والعافية)).
وقد يكون أكبر خطأ يرتكبه الانسان تجاه الفرص التي يواجهها في الحياة هو: عدم تقديرها، لأن هذا الإهمال يؤدي إلى ضياع الفرصة دون الاستفادة منها، وينشأ هذا النوع من عدم التقدير والإهمال من نقطة تفكير خاطئة هي: التصور بأن الفرصة باقية.. لا تنتهي، إن عدم إدراك عنصر الزوال والانتهاء في الفرص هو الذي يؤدي إلى التماهل في استغلالها.
وفرصة الشباب تنتهي ـ كأية فرصة أخرى في الحياة، وبما أنها تزول ببطيء ولكن بسرعة فإن الشاب يتصور انه شاب دائماً، فلا يع لنفسه مجالاً للتفكير بأنه سوف يفقد قوة الشباب وحيويته ـ وينتقل بحكم الضرورة إلى مرحلة الشيخوخة حيث لا قوة ولا حيوية ولا نشاط.
يقول الإمام أمير المؤمنين: ما أقرب الشيب إلى الشباب! ولكن ما أبعد الشباب عن مثل هذا التفكير؟!
والحقيقة ان الانسان لا يدرك قيمة النعمة عندما يكون غارقاً فيها ويدرك هذه القيمة، فقط عندما يفقدها، جرب هذه الحقيقة: الآن أنت صحيح تماماً، ولا تشعر بأي نوع من المرض والألم، ولكنك لا تشعر بقيمة العافية إلا بعد أن تصاب بألم بسيط في أسنانك عندئذ فقط تدرك قيمة الصحة والعافية.
والسؤال هو: هل هناك طريقة للشعور بقيمة النعم التي يتمتع بها الانسان؟
الجواب: هناك طريقة بسيطة هي أن تتأمل حالة أولئك الأشخاص الذين يفقدون هذه النعمة، فلكي تشعر بنعمة الصحة أذهب ساعة واحدة إلى أحد المستشفيات لترى ماذا يجري على المرضى هناك؟ ولكي تشعر بنعمة العقل والسمع والبصر.. وبقية النعم التي تفضل بها الله عليك لاحظ: كيف حال من يفتقد هذه النعم؟
هكذا بالنسبة لنعمة الشباب لكي تدرك قيمة هذه النعمة أنظر إلى ذلك الشيخ الهرم الذي يشكو من الضعف الجسدي والنفسي.. وانهيار القوى.. الخ. ثم قل من أعماق قلبك: الحمد لله رب العالمين!
ولكي يقدر الانسان فرصة الشباب عليه أن يضع أمام نفسه الحقائق التالية:
1 ـ الشباب مرحلة من مراحل عمر الانسان وهي كبقية المراحل تزول بشكل سريع.
2 ـ الشباب: هو أفضل مرحلة من مراحل العمر، فمرحلة الطفولة ليست إلا مقدمة لمرحلة الشباب لأن الانسان لا يملك فيها أية قدرات عقلية أو جسدية قابلة للاستثمار، ومرحلة الشيخوخة هي مرحلة النكس والرجوع إلى ضعف الطفولة وهوانها.
على هذا الأساس ينبغي أن يقدر الانسان فرصة الشباب ويستغلها، ليس فقط من أجل الدنيا وحدها ولكن من أجل الدنيا والآخرة معاً.
وينبغي أن نعرف أن نعمة الشباب وراءها مسؤولية ومحاسبة، فالذي يستغل هذه النعمة من أجل استخدامه في الحرام والأجرام سيعاقب أشد العقاب، كما أن من يستخدمه في سبيل الحق والخير والصلاح يثاب أحسن ثواب. يقول الرسول الأكرم:
((إن العبد لا تزول قدماه يوم القيامة حتى يسئل عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟))
ففي يوم القيامة: العمر له حساب خاص، والشباب له حساب آخر، وهذا يدل على مدى أهمية هذه الفرصة!
والذين يخسرون شبابهم لا يدركون عمق الجريمة التي ارتكبوها بحق أنفسهم.. إلا بعد أن يدق ناقوس الشيخوخة في حياتهم.. عندئذ فقط ينتبهون على واقعهم المؤلم: ذهب الشباب إلى غير رجعة، وذهبت معه القوة والنشاط.. والحيوية، وجاءت الشيخوخة التعيسة.. جاء الضعف والضجر والهوان.
ــــــــــــــــــــ(42/337)
عندما يفقد الشباب ثقتهم بأنفسهم!
عباس المدرسي
مشكلة بعض الشباب إنهم لا يثقون بأنفسهم إلا بعد مرور فترة طويلة يتأكدون بعدها انهم قد وصلوا إلى مرحلة النضج الكامل وهذا ما يجعل بعض الشباب يعيشون في مرحلة الطفولة من ناحية أفكارهم وآمالهم، بينما هم يعيشون في مرحلة الشباب من ناحية العمر والزمن.
والثقة بالنفس مفتاح النجاح في الحياة، فالذي يثق بنفسه يستطيع أن يصنع كل شيء في الحياة والذي لا يثق بنفسه لا يقدر على أي شيء على الاطلاق.
اقرأ تاريخ الناجحين في الحياة لتجد أنهم كانوا يثقون بأنفسهم دائماً.. عكس الفاشلين الذين كانوا لا يرتفعون بمستواهم الفكري إلى مرحلة الثقة بالنفس.
وبإمكانك أن تجرب نفسك شخصياً، فأنت تشعر بقدرة خارقة عندما تعطي الثقة لنفسك، وبذلك تستطيع أن تحقق آمالك وأهدافك، بينما تفشل في القيام بعمل بسيط عندما تبدأ بنزع الثقة من نفسك.
ما هو سر الثقة بالنفس؟
وكيف يمنع المرء قدرة خارقة على تحقيق آماله؟ إن تحقيق أي عمل في الحياة بحاجة إلى شيئين:
الأول: القدرة المادية.
الثاني: القدرة النفسية.
والقدرة النفسية لها أهمية كبيرة لأنها تحرك القوة المادية وتنقله من مرحلة الممكن إلى مرحلة الواقع.
من هنا.. فإن ضعف الثقة بالنفس يؤثر على هذه القدرة النفسية ويجعله في مستوى أخفض من العمل الذي يريد القيام به.
إن تحقيق الأعمال بحاجة إلى إعداد نفسي بقدر ما هي بحاجة إلى إعداد مادي، أي انه يجب أن يكون إزاء أي عمل ثقة بالقدرة على تحقيقه بنفس المستوى.
ولكن ما هي الطريقة الأفضل لتحقيق الثقة بالنفس؟
أفضل طريقة للثقة بالنفس هي:
أن تعتقد بأنك أصبحت شخصاً قادراً ومسؤولاً في الحياة.
هناك بعض الأشخاص يتصورون انهم لا يزالون يعيشون في مرحلة الطفولة بالرغم من أن عمرهم يتجاوز العشرين عاماً، ولذلك فإن آمالهم وأحلامهم وأفكارهم كلها تتصف بصفة: الطفولية. وهم غالباً لا يثقون بأنفسهم.. ولا يتصورون أن بإمكانهم القيام بأعمال كبيرة، فعندما نضع أمامهم مشاريع ضخمة.. أو مسؤوليات كبيرة يقولون لك بدهشة: نحن نقوم بهذا العمل!!
نعم: أنتم وليس غيركم.
إن على المرء أن لا يتصور انه صغير وحقير، وغير قادر على العمل.. الخ يجب أن يطرد مثل هذه الأفكار عن ذهنه فوراً ويبدأ بالعمل كرجل قادر واثق من نفسه.
وإذا أصابك الفتور في أية لحظة تذكر أن عظماء التاريخ فتحوا باب العظمة عندما حصلوا على مفتاح الثقة بالنفس.. فالإمام أمير المؤمنين (ع) تحمل مسؤولية الخلافة الاسلامية وهو صبي يبلغ عمره الثالثة عشر سنة وذلك عندما طالب الرسول الأكرم زعماء قريش أن يتحملوا هذه المسؤولية الضخمة في يوم الدار فرفض الجميع بينما قبلهما الإمام.. وأسامة بن زيد ترأس أكبر جيش جهزه الرسول الأكرم في حياته لمحاربة أكبر عدو وأقوى عدو وهو: الروم ولم يكن حينذاك قد تجاوز 18 سنة ومصعب بن عمير أصبح سفيراً للرسول الأكرم في المدينة المنورة ولما يتجاوز العشرين سنة وكل عظماء التاريخ حققوا العظمة عن طريق الثقة بالنفس.
هل ان عظماء التاريخ كانوا يملكون عقلاً أكبر؟ أو طاقات أكثر؟
أبداً.. إنما كانت لهم ثقة أكبر بالنفس!
إذن: فلا داعي للشعور بالضعف طالما إننا نملك مثلما يملك العظماء من طاقات نفسية وقدرات مادية، وأخيراً فلكي تثق بنفسك ضع أمامك الحقائق التالية:
1 ـ أنت شخص مسؤول عن تصرفاتك، وقادر على تحمل كل المسؤوليات والواجبات.
2 ـ الثقة بالنفس طريق الوصول إلى العظمة، والعظماء لم يكونوا يملكون طاقات أكثر إنما كانوا يملكون ثقة أكبر بالنفس.
3 ـ أنت واثق من نفسك وقادر على تحمل أكبر المسؤوليات والقيام بأعظم الأعمال.
ــــــــــــــــــــ(42/338)
هل أنت مستعد لاستثمار الزمن؟
عبد الله أحمد اليوسف
من أجل تنظيم واستثمار الوقت بصورة علمية وعملية، عليك بتطبيق القواعد الذهبية الآتية:
1 ـ حدد قائمة بأهدافك:
لكل شخص منا أهداف يرغب في تحقيقها، ومن المهم تحديد قائمة بالأهداف التي تسعى للوصول إليها، سواء كانت على الصعيد الشخصي أو العائلي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو العلمي أو المهني.. فوضوح الأهداف وبلورتها تعتبر الخطوة الأولى لاستثمار الزمن بطريقة فعالة، في حين أن الضبابية، وعدم وضوح الرؤية، وعدم تحديد الأهداف بدقة يجعل الانسان يتخبط في حياته كلها، وقد لا يصل إلى أي شيء مما يطمح إليه.
إن بعض الشباب يضيعون حياتهم لأنهم لم يحددوا لأنفسهم الأهداف التي يرغبون في تحقيقها، وبالتالي يتعاملون مع الوقت كسلعة زهيدة!
فإذا كنت ممن يرغب في الاستفادة من الوقت وإدارته بطريقة صحيحة فعليك في البداية تحديد قائمة بأهدافك في الحياة بدقة ووضوح، ثم اعمل بجد واجتهاد من أجل الوصول إليها.
2 ـ رتب قائمة بأولوياتك:
بعد تحديد الأهداف بدقة، يجب ترتيب الأولويات، عملاً بالقاعدة القائلة: (ابدأ بالأهم ثم المهم) وهذا يعني أن تحدد قائمة بأولوياتك حسب الأولوية والأهمية.
خذ مثلاً على ذلك: أنت تريد أن تتزوج، وتشتري سيارة فاخرة، وتبني لك منزلاً فخماً، فمن أي هذه الأمور ترغب في تحقيقها أولاً؟ هل الزواج ثم السيارة ثم المنزل؟ أم السيارة ثم الزواج ثم المنزل؟ أم المنزل ثم السيارة ثم الزواج؟! وعلى ذلك قس بقية الأمثلة.
وهكذا، فإن تحديد قائمة بالأولويات له الدور الأكبر في سير الأمور كما يجب، وفي الوصول إلى الأهداف المرسومة، وإلا تحولت حياتك إلى خبط عشواء قد يصعب تنظيمها فيما بعد، وقد تخسر الكثير من الفرص، وقد تصبح في نهاية القافلة!
3 ـ ضع خطة يومية:
من المهم جداً تحديد قائمة بالأعمال التي يجب إنجازها خلال اليوم الواحد، وعليك بتدوين تلك الأعمال في ورقة صغيرة أو دفتر مذكرات، كي لا تنسى ما يجب عليك عمله وذلك عملاً بالقاعدة المعروفة: (لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد) لأنه سيكون في الغد أعمال جديدة، وإلا تراكمت عليك الأعمال، وقد تتزاحم إلى درجة قد لا تستطيع معها إنجاز أي عمل حقيقي.
ومشكلة الكثير من الشباب هو التأجيل المستمر، والتسويف الدائم، والتأخير بلا مبرر، وهكذا يمضي الزمن، بدون أي إنتاج أو عمل، وقد لا يدركون هذه الحقيقة إلا عندما يصبحون غير قادرين على العمل والإنتاج بفاعلية!
إن على كل من يريد استثمار وقته بطريقة منظمة، أن ينجز أعماله في الوقت المحدد، وأن لا يؤجل عمل اليوم إلى الغد، وإلا فسوف يؤجل إنجاز أعمال الغد إلى ما بعد الغد.. وهكذا يستمر التأجيل والتأخير والتسويف، ويتقلص العطاء والإنتاج والفاعلية، وتتراكم الأعمال بعضها فوق بعض، وهذا هو سر من أسرار من يكون في نهاية الطريق، وإن شئت أن تكون في البداية والطليعة والرواد فليكن شعارك: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد!
4 ـ استثمر الوقت الضائع:
الوقت الضائع يعني ذلك الجزء من الوقت الذي خصصته لإنجاز أعمال ذات أهداف معينة إلا أنه حال دون تحقيقها وجود معوقات غير متوقعة.
والأمثلة على ذلك كثيرة: فقد تكون ذاهباً للسفر بالطائرة، فيتأخر موعد الإقلاع لفترة قد تقصر أو تطول، وقد يتأخر الضيف الذي تنتظره على الغذاء أو العشاء عن الموعد المحدد، وقد يكون الصف طويلاً جداً حتى يصل إليك الدور سواء في البنك، أو لشراء تذكرة سفر، أو لإنجاز معاملة ما في دائرة ما، وعلى ذلك قس بقية الأمثلة.
في مثل هذه الحالات وما أشبه عليك استثمار وقتك فيما يفيد ويمتع، كأن تقرأ كتاباً أو صحيفة أو مجلة، أو تمارس رياضة التفكير، أو تتحاور مع من يكون بجانبك، أو تمارس الكتابة، أو تنجز أعمالاً صغيرة، وربما تستطيع إنجاز بعض الأعمال الكبيرة ولو من خلال الاستفادة من وسائل الاتصال السريعة كالهاتف والانترنت.
5 ـ تعامل مع الطوارئ بذكاء:
إذا طبقت القواعد الأربع التي ذكرناها ـ فيما سبق ـ فإنك تكون قد خططت ونظمت وقتك بطريقة فعالة ومنتجة، ولكن مع ذلك عليك أن تضع في حسبانك ما قد يحدث من طوارئ قد تضطرك إلى الإخلال بجدولة أوقاتك، والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها:
ـ زيارة غير متوقعة من أحد الأصدقاء أو الثقلاء من غير موعد مسبق!
ـ اتصال هاتفي يستغرق وقتاً طويلاً وبدون أن يكون له أي ارتباط بالعمل أو أية فائدة تذكر!
ـ مرض أحد أفراد العائلة، أو حدوث مشكلة غير متوقعة أصلاً!
ـ عطل في السيارة يلغي كل برنامجك أو بعضه في الوقت الحرج!
وفي مثل هذه الحالات الطارئة وغير المتوقعة عليك أن تتعامل معها بذكاء وهدوء، ولا تجعل التوتر يسيطر عليك بل عليك في بعض الأحيان أن تتسم بالمرونة، وفي أحيان أخرى بالحزم والشجاعة، فلكل حالة طريقة من المعالجة. والمهم أن تكون خطتك جاهزة للتعامل مع الطوارئ.. فهل أنت على استعداد ذلك؟!
والآن.. خذ قلماً ودفتر مذكرات، وقم بهندسة وقتك وتنظيمه حسب القواعد الذهبية في التعامل مع الوقت.. فهل أنت جاهز لذلك؟
ــــــــــــــــــــ(42/339)
كيف تحافظ على نجاح خطبتك؟
خطوات لنجاح الخطبة:
تعد فترة الخطبة هي مرحلة الإعداد والتعارف الذهبية التي تكلل بالزواج السعيد الذي يستمر طوال رحلة الحياة.
فكيف تضمن نجاح الخطبة لتحقق حلم العمر؟ وكيف تستفيد من الخطبة في إرساء قواعد الزواج الناجح الذي يتمتع بالاستقرار وبالسعادة؟
وماذا يفعل الخطيبان إذا تسرب للعلاقة بينهما بعض من الملل أو الفتور، أو ظهرت بعض المشكلات التي تهدد استمرار الخطبة وتتويجها بالزواج؟
وحتى تنجح فترة الخطبة وتكلل بالزواج المستقر الهانئ، ينصحك الخبراء النفسيون بالاهتمام بالأمور التالية:
ـ لا تتسر في إصدار الحكم على شخصية الخاطب أو المخطوبة، إذ إن جوانب الشخصية ومميزاتها لا تظهر إلا من خلال التعامل.
ـ من المهم ألا تلجأ إلى الارتباط بالخطبة تحت ضغط ظروف معينة، أو هرباً من مشكلة أو صدمة ما أو تحت ضغط أحد أفراد الأسرة بدون موافقتك الشخصية. فأساس نجاح الخطبة هو الاقتناع الكامل المتبادل من الطرفين، الذي لا يزال أو يتغير بتغير الظروف.
ـ المصارحة والأمانة في عرض الحقائق من البداية، توفران الكثير من المشكلات التي قد تظهر بعد ذلك.
ـ يجب ألا تكون نظرتك إلى الطرف الآخر نظرة خيالية بحيث يخيل لك أن هذا الشخص سيصنع الأعاجيب، وسيقتحم كافة الصعوبات، حتى يحقق لك سعادتك. فالواقع يتطلب مشاركة كل من الطرفين مشاركة واقعية.
ـ في بداية فترة الخطبة، عادة ما ينشغل الخطيبان بفرحة إتمام الخطبة، وتهنئة الأهل والأصدقاء، ويشعر كل منهما بأنه الأول في حياة الطرف الآخر، مما يؤدي إلى صرف النظر ـ لبعض الوقت ـ عن بعض نقاط الضعف في شخصية الآخر. وهنا يجب عليك أن تسأل نفسك فور ظهور أي شيء قد لا يتفق مع ميولك أو مزاجك في شخصية الآخر: هل يمكن أن أتغاضى عن هذه النقطة؟ وهل نستطيع تغييرها معاً في المستقبل بود وتفاهم؟ أو هل سأنجح في التكيف مع هذا العيب مثلاً؟
ولا تنس أن تسأل نفسك كذلك عن نقاط ضعفك التي تتطلب تفاهماً وقبولاً من الطرف الآخر.
ــــــــــــــــــــ(42/340)
التفاخر والإسراف في الزيجات الطريق الأقصر إلى الفشل والطلاق!
تحفل المجتمعات العربية بصور استفزازية لحفلات زفاف أسطورية في فنادق وقصور فخمة تتكلف مئات الآلاف ، بينما هناك عشرات الملايين من الشباب بلغوا سن الزواج ولم يستطيعوا تدبير نفقاته، حيث عرف عن ولائم الأفراح أنها تهدر فيها كميات فائضة كبيرة من الطعام بسبب العادات والتقاليد البالية، إذ يحرص الجميع على الظهور بمظهر الفخر، وهي حالات للأسف يستدين فيها العريس ويبقى لعدة سنوات لسداد ماجلبته عليه هذه المظاهر الكاذبة.
وقد ذكرت إحدى المتزوجات وهي من العوائل ذوات النسب الرفيع أن عرسها كلف مئات الالوف، وهو كما تقول دليل على تقدير العريس لها، وتقول فتاة أخرى اشترط أهلي على زوجي أن يقيم ليلة العرس في قصر معين أقيمت فيه حفلات لقريبات لي حتى لا أكون أقل منهن، ولم يكن زوجي يملك المبلغ المطلوب، فاضطر إلى الاستدانة، وأنا الآن أدفع الثمن، فبعد 5 سنوات مرت على زواجنا ونحن في السنة السادسة، وما زلنا نسدد الدين، وقد انعكس هذا على كثير من الأشياء في زواجي، وتضيف: السعادة ليست في القصور الفخمة، بالعكس هناك لحظات كثيرة تمر علي أشعر فيها بضيق اليد وضيق النفس، وأتمنى أن لو عادت الكرة ماتمنيت القصر والحضور، فأنا وزوجي وطفلي ندفع الثمن الآن.
ومن مظاهر الإسراف المذموم مايوضع في بعض الأفراح، وهو مايروى على ألسن النساء من نقش اسم العروسين على كل الأكواب التي يشرب فيها المدعوون، وتسليط أشعة الليزر ذات الألوان المتعددة على صورة العروس وهي في سن صغيرة، ووضع ورود مضاءة في ذيل فستان العروس بها إضاءة تضيء وتظلم مثل المصابيح.
في المقابل نجد فئات أخرى لم تمنعها ظروفها الصعبة من الزواج، إذ أن الهدف هو اعفاف النفس وإعداد الوليمة حسب الاستطاعة، حيث تقول إحدى المتزوجات إن حفل زفافها اقتصر على العائلة فقط وفي المنزل كان أهلي وأهل زوجي، وكانت الوليمة ذبيحة واحدة، وسعدنا بذلك وتم الفرح في جو بعيد عن الإسراف والتبذير، ، والمهم هو إرضاء الله.ورضاء العائلتين والعريسين وادخال السرور الى انفسهم وفي هذا الكثير.
ــــــــــــــــــــ(42/341)
أمراض الحب
د.علي السيد سليمان
عندما ننظر إلى الحب على أنه إشباع جنسي مشترك، وكذلك على أنه عمل مشترك، وعلى أنه شاطئ الأمان وسفينة النجاة من العزلة القاتلة ومن الوحدة والغربة، فإن هذا يعكس لنا صوراً عديدة من صور الحب المنحرف أو الحب المريض في المجتمع الحديث. فالمجتمع الحديث هو الذي يحدد شروط وأشكال الأمراض التي تصيب الحب. والأمراض التي تصيب الحب لها أشكال متعددة، ومنها ما قد ينتهي بالانسان إلى المعاناة النفسية والتي يذهب أخصائيوا العلاج النفسي والأطباء النفسيون في تشخيصها على أنها نوع من المرض النفسي العصابي.
وسنعرض فيما يلي بعضاً من نماذج الحب المرضي:
يقوم الحب المرضي في حقيقته على أساس أن يكون أحد الزوجين أو كلاهما قد حدث عنده تثبيت أثناء نموه المبكر على الأم أو على الأب. وفي هذه الحالة فإن مشاعر المرأة أو الرجل وآماله ومخاوفه والتي كانت مرتبطة في الماضي بالأم أو بالأب قد حدث لها ما يسمى في التحليل النفسي بعملية النقل أو الطرح، أي نقل المشاعر النفسية القديمة وطرحها على موضوع الحب الحالي. والأشخاص الذين ينطبق عليهم هذا الوصف، هم أشخاص لم يستطيعوا حتى الآن أن يخرجوا من مرحلة الطفولة النفسية، إنهم أشخاص لم يتم فطامهم النفسي بعد، ولذلك فهم يبحثون عن ذلك الارتباط الطفلي بالوالدين حتى وهم كبار. وفي مثل هذه الحالات يكون الانسان هنا ليس أكثر من طفل لم يتخط سن الثامنة أو الخامسة أو الثانية عشرة على الأكثر، وذلك على الرغم من أن نموه من الناحية العقلية ومن الناحية الجسمية يتفق مع عمره الزمني الحقيقي.
وهنا يؤدي عدم النضج العاطفي والانفعالي في مثل هذه الحالات إلى إحداث اضطرابات في العلاقات الاجتماعية، وفي بعض الحالات يبدأ المرض بالصراع النفسي والاضطرابات في العلاقات الحميمة فقط.
ومثل هؤلاء الناس يكونون غالباً طيبي القلب، ظرفاء عندما يحاولون الفوز بحب امرأة ما، وعندما يسعدهم الحظ يحتفظون بطيبتهم وبظرفهم وبجاذبيتهم. علاقة الواحد منهم بالمرأة ـ مثل علاقته بأي انسان آخر ـ تظل علاقة سطحية وليست واعية كما أنها متقلبة. ويهدف كل واحد من هؤلاء الناس إلى أن يكون هو موضوع الحب من الآخرين ولا يهتم هو نفسه بأن يحب الآخرين. وغالباً ما يجد الانسان عند هؤلاء الناس قدراً كبيراً من الغرور والتعالي، وأيضاً قدراً ما من الأفكار الجيدة. وعندما يجد الواحد منهم المرأة المناسبة فعلاً يشعر بالأمان، ويشعر بأنه في مكانة مرتفعة عن العالم، وبالتالي يستطيع أن يعبر عن طيبته وظرفه وجاذبيته للآخرين.
ومثل هؤلاء الرجال يخلطون عادة بين سلوكهم الرقيق الجذاب ورغبتهم في إسعاد الآخرين وبين الحب الحقيقي، ويتوصلون إلى النتيجة بأن الآخرين قد عاملوهم بطريقة لا انسانية، طريقة ظالمة وغير عادلة. إنهم يتخيلون أنفسهم نموذجاً أعلى للحبيب أو الزوج.
وفي صورة مرضية أخرى أشد حدة من الصور السابقة يكون الارتباط بالأم أكثر عمقاً وأشد انفعالية في هذا المستوى، وتكون الأعراض الرزمية للمريض ليست أعراضاً للتعبير عن العودة إلى أحضان الأم وإلى صدرها الدافئ الذي يمنح الحماية كما يمنح الغذاء، وإنما العودة إلى داخل الأم، العودة الكاملة إلى داخل الرحم بتدمير نفسه تدميراً كاملاً. وإذا كان جوهر الصحة النفسية هو الخروج من رحم الأم إلى الحياة والنمو فيها، فإن جوهر المرض النفسي الخطير هو الانسحاب من الحياة إلى مرحلة ما قبل الحياة.
وهناك صور أخرى من أشكال المرض النفسي يظهر فيها الارتباط بالأب:
وأول الأمثلة على ذلك الرجل الذي تكون أمه مبتلدة العواطف والمشاعر والتي تكون محرومة من الجرأة، في حين يكون الأب زائد العطف والاهتمام بالطفل. أنه أب جيد، ولكنه في نفسا لوقت أب متقلب، نجد أنه عندما يعجب بسلوك ابنه فإنه يمتدحه ويغدق عليه النعم والهدايا، وبمجرد أن يفعل الابن شيئاً يغضب الأب فأنه ينسحب بحبه بعيداً عن الابن، أو يقوم بتأنيب الابن. وفي مقابل حنان الأب على ابنه، فإن على هذا الابن أن يرتبط ارتباط الرقيق بسيده، فالهدف الأساسي في حياته هو إسعاد الأب، فإذا تمكن الابن من تحقيق هذا الهدف فإنه يشعر بأنه انسان محظوظ وسعيد، وبأنه أكثر ثقة بالنفس، وبأنه قد حصل على الإشباع الذي يريده. أما عندما يخطئ هذا الابن، وعندما لا يتمكن من أن يقوم بفعل أي شيء يعجب أباه ويرضيه فإنه يشعر بالخواء النفسي، وبأنه غير محبوب، وبأنه غير مرغوب فيه. وفي فترة لاحقة من حياته سيحاول هذا الابن الذي أصبح رجلاً أن يجد نموذجاً للأب ليربط نفسه به بطريقة مشابهة لارتباطه القديم بأبيه في صغره. إن حياته كلها ستصبح خاضعة لشروط النجاح في الحصول على رضاء الأب، أو الفشل في تحقيق هذا الهدف. ومن وجهة النظر الاجتماعية سنجد أن مثل هؤلاء الأشخاص غالباً ما يكونون ناجحين، إنهم ذوي ضمائر، ويمكن الوثوق بهم، كما أنهم دائماً مجتهدون. إن كل واحد منهم يفهم جيداً نموذج الأب الذي اختاهر. وفي علاقتهم بالنساء يظلون متراجعين وخوافين، فالنساء ليس لهن عند هؤلاء الرجال معنى مركزي، وهذا ما نجده في صورة اهتمام الواحد منهم بالمرأة اهتماماً أبوياً ما لو كانت طفلة صغيرة. يستطيع هؤلاء الأشخاص في البداية أن يتركوا أثراً في النساء عن طريق سماتهم الذكرية أو سمات الرجولة فيهم، ثم تصاب المرأة بعد ذلك بالإحباط وخيبة الأمل عندما تكتشف هذه المرأة بأنها لا تأتي في نظر رجلها إلا في الدرجة الثانية من الاهتمام، وذلك لأن الأب يحتل المكان الأول في حياة زوجها. ولا يتغير هذا المعيار إلا إذا كانت المرأة هي الأخرى مرتبطة بالأب، ولذلك فإنها ستكون سعيدة مع رجلها الذي يقيم معها علاقة قريبة من علاقة الأب بطفله.
هناك نوع آخر من الحب المرضي أكثر تعقيداً مما سبق، وهو حب يكمن في نوع آخر تماماً من العلاقة بالوالدين، وهذا النوع يظهر فقط عندما لا يحب الوالدن كلا منهما الآخر، وإنما يريد أن يتحكم فيه ويسيطر عليه، وهذا يؤدي إلى الشجار الدائم بينهما كما يؤدي إلى التعبير عن عدم رضائهما وعن عدم سعادتهما. وفي نفس الوقت نجد أنهما في علاقتهما بطفلهما ـ والتي تكون علاقة مضطربة ـ ليسوا أحراراً وليسوا طبيعيين.
وتوجد أحد أشكال الحب المرضى بصورة متكرر في خبرة الحب التي يطلق عليها (الحب الكبير) أو (الحب الأكبر) وهذا الشكل من الحب نجده في قصص الحب والغراميات كما نجده أيضاً في قصص أفلام الحب. وخبرة الحب المرضي في هذه الحالة تقوم أساساً على فكرة التأليه أو التقديس. فعندما لا يستطيع انسان ما أن يصل إلى درجة يشعر فيها بالتوحد مع مشاعره وأحاسيسه، فإنه يميل إلى تقديس الشخص الذي يحبه، وهنا نجد أن الشخص الذي يمارس هذا النوع من الحب شخص يشعر بالغربة عن نفسه وعن ذاته، شخص يشعر أن ملكاته وقدراته غريبة عنه، فهو شخص يرى أن وجوده كله مرهون بشخص محبوبته التي تعتبر بالنسبة له هي الحياة وهي مصدر النور ومصدر الحب ومنبع السعادة. في هذه الحالة يفقد الانسان وعيه بطاقاته وبامكانياته.
هناك شكل آخر من الحب المرضى وهو ذلك النوع من الحب الذي يمكن أن نطلق عليه الحب الوهمي أو الحب الكاذب. وتكمن حقيقة هذا الحب في أنه حب لا يوجد إلا في خيال هذا الشخص المحب وفي أوهامه، وهو حب لا يرتبط أساساً بشخص محدد موجود فعلاً.
وأحد المظاهر الأخرى للحب الوهمي أو الحب الكاذب هو الهروب من حياة الحاضر والعيش على اجترار قصص الماضي وذكرياته. كم من المخطوبين أو المتزوجين حديثاً يحلمون بالمستقبل السعيد، بينما هم في الوقت الحالي قد بدأ كل منهما يشعر بالملل تجاه الآخر، ولما يأت المستقبل بعد.؟ هذا التفكير في المستقبل السعيد يتفق مع الاتجاه العام الذي أصبح يميز الانسان الحديث، فالانسان المعاصر لا يعيش حاضره، إنه يجتر ذكريات الماضي ويعيش عليها بعيداً عن الحاضر، كما أنه قد يعيش على أحلام المستقبل أيضاً بعيداً عن الحاضر، وما هذا الأسلوب إلا نوع من الخداع النفسي. فالحب الوهمي هنا هو المخدر الذي يتعاطاه الناس ليهربوا من الواقع المؤلم الذي يشعرون فيه بالغربة والعزلة والانفصال.
ويكمن أحد أشكال الحب المرضي العصابي في ميكانزمات الإسقاط، أي محاولة الهرب من المشكلات الخاصة، والتركيز على أخطاء المحبوب وعلىنقاط ضعفه. ويظهر هذا الشكل في بعض الحالات التي يهرب أصحابها من ذواتهم حيث نجد أن سلوكهم يصطبغ بصفة دينية أو بصفة قومية. وفي الحقيقة فإن هؤلاء الناس لديهم درجة عالية من الحساسية حتى للأخطاء الصغيرة التي تصدر عن الآخرين، في الوقت الذي يغمضون فيه عيونهم عن أخطائهم، ونقاط ضعفهم، أو يتجاهلونها وذلك بشغل أنفسهم بإلقاء اللوم وتوجيه العتاب إلى الآخرين على ما صدر منهم، وذلك بهدف تعليمهم وتوجيههم. فإذا حدث وكان لدى شخصين نفس اهتمامات البحث عن أخطاء الآخرين، فإن علاقة الحب بينهما ستقوم على عملية نفسية هي عملية الإسقاط المتبادل.
ومن أشكال الحب المرضى الأخرى التي تعتمد على عملية الإسقاط، ما يحدث من إسقاط الانسان لمشاكله الخاصة على الأطفال، وذلك من خلال رغبة الانسان في أن يكون له طفل. وهنا نجد أن الرغبة في الحصول على طفل هي رغبة نابعة بالدرجة الأولى من مشكلة وجود ذلك الانسان في حد ذاته، ثم تتحول إلى رغبة في إنجاب طفل. فعندما يشعر شخص ما بأنه من الصعب عليه أن يجعل لحياته معنى ما، فإنه يحاول أن يجد هذا المعنى المفقود في حياة الطفل الذي يرغب في إنجابه. وهذه المحاولة في حل المشكلة الذاتية، إن هي إلا محاولة محكوم عليها بالفشل سواء بالنسبة للفرد ذاته أو بالنسبة للطفل، وذلك لأن مشكلة وجود ذلك الشخص لا يمكن حلها إلا بالنسبة لهذا الشخص فقط وبطريقة مباشرة وليس عن طريق استخدام نائب أو بديل يقوم بتقديم الحل لهذه المشكلة.
وغالباً ما يكون الأطفال في هذه الحالة مجرد ميكانزمات نفسية في نظر مثل هؤلاء الأفراد، وخصوصاً عندما تواجه الزوجين مشكلة الانفصال عن بعضهما بالطلاق. وفي هذه الحالة نسمع كثيراً من مثل هذين الزوجين ـ خصوصاً عندما تفشل علاقتهما الزوجية ويقفان على أبواب الطلاق ـ إنهما لا يريدان الإقدام على خطوة الطلاق حتى لا يحرما أطفالهما نعمة الحياة في جو الأسرة، والذي يعتبرونه جواًَ ضرورياً لنمو الأطفال نمواً سليماً.
أضف إلى كل ما سبق أن هناك حالات أخرى محيرة: فهناك توهم بأن الحب لا بد أن يكون حباً بلا عقبات وبلا مشاكل وكأنه أحد الأحلام الجميلة. يؤدى هذا التوهم أو الاعتقاد إلى اعتقاد آخر يرى أنه من الضروري تجنب كل الآلام وتجنب الأحزان بأي طريقة من الطرق حتى تظل الحياة وردية.
وهنا نجد أن الانسان المعاصر يفترض أن الحب يعني اختفاء جميع أنواع الخلافات والصراعات. ويحاول الانسان أن يدلل على ذلك بطريقة جيدة وذلك بالقول بأن الخلافات الزوجية أو الخلافات التي تعتري الحب لا تؤدي إلا إلى تدمير الحب، ولا تدر أي نفع على الانسان، ولذلك فمن الأجدى تجنب هذه الاختلافات. ولقد أثبتت الدراسات أن السبب الحقيقي وراء الصراعات النفسية التي يعاني منها الانسان في حياته يكمن أساساً في الصراعات التي يعاني منها ذلك الانسان أثناء محاولته تجنب الصراعات الحقيقية. ولقد وضحت الدراسات أن هناك فروقاً واختلافات بين خصوصيات الانسان الدقيقة وبين الخصوصيات الجانبية التي يعيشها هذا الانسان نفسه.. هذه الصراعات لا تعتبر صراعات مدمرة، بل على العكس فإنها تؤدي إلى الوضوح، كما تؤدى إلى تنقية الانسان نفسه.
وعند هذا الحد نعود فنوجز القول بأن الحب يكون فقط ممكناً إذا استطاع شخصان أن يخرجا بذواتهما من الدائرة المغلقة حول نفس كل منهما وأن يرتبطا ببعضهما، وعندما يستطيع كل منهما أن يمر بخبرة وجوده مع الآخر بعيداً عن مركز الجذب الذي يشد كلا منهما إلى ذاته فقط. وهذه الخبرة الأساسية هي الحقيقة الانسانية، وهنا فقط تكون الحياة، وهنا تكمن أسس الحب. ومثل هذه الخبرة بالحب ما هي إلا دعوة للخروج من أنانية النفس، أنها ليست دعوة إلى مكان هادئ جميل، وإنما هي مجهود مشترك ونمو مشترك وعمل مشترك حتى يصبح الالتقاء بينهما التقاء مشتركاً، ويصبح الخلاف أيضاً خلافاً مشتركاً، ويكون فرحهما وسعادتهما مشتركة، ويكون حزنهما مشتركاً، كل هذه المشتركات توضح أن كلاً منهما قد استطاع الخروج من دائرة الأنانية الذاتية بالفعل. وبهذا الخروج أو التحرر إذا صحت التسمية، يكون بإمكانهما هما الإثنان أن يتحولا إلى شخص واحد، وفي هذه الحالة سيكون بإمكانهما أن يعيشا خبرة التوحد ويتغلبا على الشعور بالعزلة والغربة والانفصال. والدليل على وجود الحب في هذه الحالة هو الارتباط العميق والحيوية والنشاط التي تميز كلا من طرفي الحب، وهذا في حد ذاته هو الثمرة التي تدل على وجود الحب بالفعل.
لقد ارتبطت العقيدة الدينية أخيراً بالعلاج النفسي الذي يهدف إلى مساعدة الناس في حياتهم الجديدة التي تعتمد على عقد الصفقات. لم يعد الانسان المادي (في السنوات الأخيرة) يدعو ربه لمساعدته وشد أزره وتعزيز شخصيته، فقد بدأ يحل محل العقيدة الدينية لدى الكثيرين طرقاً وأساليباً مختلفة على هيئة كتب وإرشادات في كيفية كسب الأصدقاء واجتذاب اهتمام الآخرين والتأثير عليهم، وفي كيفية تحقيق الربح السريع. وقد استفاد رجال الكنسية في دول الغرب من هذا الاتجاه العقلي، فأدخلوا هذه الأفكار الجديدة إلى الكنيسة في ثوب ديني جديد. ومن الملاحظ أيضاً أن الكثير من الكتب الاسلامية الجديدة قد بدأت تتجه لتنبيه الناس إلى مدى ارتباط الحياة بالدين، حتى تغير مفهوم الكثير من الناس عن الدين، وتبين لهم أن الدين لا يقتصر على مجرد التعبد والصلاة بين جدران المساجد.. لقد بدأ الانسان يدرك أن الصلاة والعبادة هي التي تقرب الانسان من الله، كما أنها تبعث في نفس الانسان الثقة في الله وفي النفس، وفي أن الله مع هذا الانسان فعلاً ولن يتخلى عنه. وقد بدأ الكثيرون من المعالجين النفسيين ينصحون مرضاهم بالنصائح الدينية، ويبينون لهم أن حب الله سيجعلهم أكثر ثقة ونجاحاً. (اجعل الله تجاهك) تعنى هذه العبارة لدى الكثيرين أن الله هو الشريك في العمل وهو المساعد في تحقيق الهدف. ولكن هذا لا يعني الاتحاد مع الله في الحب ولا في العدالة ولا في الحق. وكما هو في حالة حب الآخرين حيث نجد أن الانسان قد بدأ يستبدل هذا الحب بالسلوك المهذب مع الآخرين، فإن الله قد أصبح بالنسبة للانسان الحديث هو المدير العام للمؤسسة العامة، ومن الصعب الدخول إليه، فالانسان يعرف أنه موجود، وأنه يدير المؤسسة ـ وإن كان البعض قد بدأ يتجاهل ذلك ـ ولكن الانسان لا يراه، ومع ذلك فإنه يعترف بقيادته ويؤدي ما عليه من واجبات.
-----------------------------
المصدر: الحب بين الفلسفة والعلم
ــــــــــــــــــــ(42/342)
هل يعاني الشباب حقاً من مشكلة؟
د. محمد سعيد البوطي
الحقيقة إن الشبان (بحد ذاتهم) أينما كانوا ليست لهم مشكلة ما. أي ليسوا متشاكسين مع أنفسهم أو عقولهم، في أي أمر من الأمور. ولا في أي مكان أو زمان، ما داموا من صنف العقلاء الخاضعين لسلطان البشرية وقانونه الطبيعي.
إنهم كانوا، وما يزالون، يتصرفون في شؤونهم الفكرية والنفسية، تصرفاً منسجماً مع مقتضيات الطبيعة البشرية والنوازع الفكرية والعقلية. قد يخطئون أو ينحرفون، ولكن ذلك ليس تابعاً من مشكلة خاصة بهم من حيث إنهم شباب، بل إنهم في ذلك يشتركون مع الفئات الأخرى من الناس. يقودهم في ذلك قاسم مشترك واحد، كعوامل العصبية أو الردود النفسية أو الانصياع للتقاليد والعادات.
إذن فمن أين ظهر هذا العنوان الضخم الذي راح يرتسم بأحرف كبيرة جداً بحيث كاد يغطي بقاع العالم كله، حتى أصبح الحديث عن (مشكلات الشباب) معالجة لموضوع عالمي خطير، تشترك في معالجته والحديث عنه جميع وسائل الإعلام، إلى جانب جميع مجلات الدنيا إلى جانب طائفة كبيرة من النشرات والكتب والرسائل التي ظهرت في هذا البحث؟!..
لقد كان هذا العنوان تشخيصاً سطحياً لمرض اتخذ مظهره في صنف الشبان دون غيرهم. فحسب السطحيون إن عنصر الشباب هو ينبوع هذا المرض وسببه، وإن شذوذاً ما قد تسلل إلى التركيب النفسي أو العقلي لهؤلاء الشبان!. فانطلقوا يبحثون ويعالجون ويضعون الوصفات العلاجية المختلفة لأشخاصهم. ويلفتون أنظار العلماء والمربين إلى سوء حالهم وضرورة العمل على تدارك أمرهم.
الشباب ليسوا هم المرضى، وإنما هم بمثابة انعكاس لحالة مريض آخر!.. فمن هو هذا المريض؟
إنه المجتمع الذي يعيشون فيه!.. وما ظاهرة المشكلة التي تتمثل في سلوكهم وحياتهم إلا أثر من آثار مرضه هو.
وإن الذي يبصر ما يسميه بـ (مشكلات الشباب) ثم يحصر نظره وفكره في شأنهم وغرائزهم زاعماً أنه يحاول بذلك أن يطببهم ويربيهم ـ أشبه بمن خاض بسيارته في طريق مستوعر مملوء بتضاريس الحجارة والأخاديد، فلما رآه تضطرب وتتقلقل ولا تتثبت في سير أو اتجاه، نزل منها وراح يحملق في محركاتها ودخائلها، ساعات من الزمن ليكتشف ما فيها من خلل وعطب!.
ليس في عقول الشباب ولا في نفوسهم ـ أينما كانوا ـ أي مرض أو آفة يعانون منها، ولكنهم بمثابة جهاز حساس يرتسم عليه كل ما قد يكمن في المجتمع الذي هم فيه، من مظاهر الفوضى والتخلخل والاضطراب. ولو كان الكهول والشيوخ يتمتعون بنفس تلك الحساسية التي عند الشباب لاشتركا معهم في معاناة المشكلات ذاتها.
ولكي تزداد هذه الحقيقة وضوحاً، ينبغي أن تعلم أن الانسان إنما يخوض معترك الحياة بسلاح من الطاقة العقلية والنفسية. بيد أن كلا منهما لا يزيد في طوره الأول، على أن يكون مثل النواة الصغيرة من الشجرة الباسقة. وإنما تتحول نواة كل من العقل والنفس مع الزمن إلى شجرة مثمرة متفرعة الأغصان، بما يكسبه صاحبها على المدى الطويل، من التجارب والخبرات وبما يربو بين جوانحه من العواطف والوجدانات المختلفة.
والبعض من هذه التجارب والخبرات يكون موجهاً ومقصوداً، وهو ما يطلق عليه علماء التربية: العوامل التربوية المقصودة كالمدرسة ونحوها، والبعض الآخر ـ وهو الأكثر والأهم ـ يكون عفوياً لا يندفع إليه بأي قوة موجهة، وهو ما يسميه علماء التربية بالعوامل غير المقصودة، كالبيئة والوراثة ونحوهما.
وهكذا فإن شخصية الشاب الفكرية والنفسية إنما يتكامل معظم نسيجها عن طريق المجتمع بوساطة عوامل تؤثر فيه بشكل مباشر أو غير مباشر.
فلا جرم إن الشاب يكون بذلك أدق لوحة تنعكس عليها حالة المجتمع الذي هو فيه إن خيراً فخير أو شراً فشر.
ولا جرم أن ما تراه من مظاهر الخير أو الشر على هذه اللوحة، إنما هو صورة للحالة السليمة أو الفاسدة التي يتسم بها المجتمع لا أكثر.
ستقول: ولكن ما الفرق؟ ولماذا لا تكون الحالة التي ينطبع عليها المجتمع صورة للحالة السليمة أو الفاسدة التي يتلبس بها شباب الأمة بدلاً من العكس؟
ويمكنك أن تتبين الجواب من خلال السطور السابقة. فلقد تبين لك مما ذكرنا إن الشاب هو الذي يتلقى تربيته المباشرة أو غير المباشرة من المجتمع، وليس المجتمع هو الذي يتلقى تكوينه من الشاب الواحد.
وما هو المجتمع؟.. إنه البيت، والمدرسة، والشارع، والمسجد، والملهى، والحانوت، والمعمل، والدائرة، بما قد يكتنف ذلك كله، من المعاني والقيم والأفكار.
ولا شك إن القوة الموجهة في هذه المرافق كلها، إنما تجمعت فيها بتأثير أفراد وقوانين وأفكار علماء وموجهين. ولكنها بعد أن امتلأت بهذه الشحنة، انتقلت من دور التأثر إلى دور التأثير، فأصبح لها سلطانها التربوي والتوجيهي على الأفراد لا سيما الشباب.
غير أن سلسلة هذا التفاعل في التأثر والتأثير تظل مستمرة.
فالأفراد والعلماء الذين يؤثرون في المجتمع، إنما يؤدون أمانة استودعها عندهم المجتمع السابق بما كان له عليهم من سلطان وتأثير.
وهكذا، فإن مجتمع كل عصر من العصور متأثر بسابقيه ومؤثر في لاحقيه.
----------------------------
المصدر: الاسلام ومشكلات الشباب
ــــــــــــــــــــ(42/343)
كيف أذاكر..السؤال الأول لدى الطلاب؟
نرى العديد من الطلاب يومياً .. وبمختلف مستويات الذكاء والتفوق .. ولكن مما يسترعي الانتباه هو وجود عدة طلاب بمستويات متقاربة من الذكاء والاهتمام بالدراسة .. ولكنك تجد أن أحدهم متفوق والآخر يحاول دون أن يصل للمستوى الذي يريده ..
فما السر ؟؟
السر بكل بساطة أن المتفوقين منهم قد اهتدوا إلى طريقة مكنتهم من استغلال قدراتهم ووقتهم في الدراسة .. أما ذلك أولئك الذين يحاولون دون الوصول إلى ما يصبون إليه، فتجدهم يتخبطون باحثين عن طريقة للوصول إلى الطريقة المثلى ..
إذاً ما الحل ؟؟
لابد للطالب من إيجاد خطوات يتبعها في الدراسة بحيث توفر له عدة أمور مهمة .. مثل :
1- الدراسة بأقصر وقت ممكن .. بمعنى توفير الوقت واستغلاله
2- بذل أقل الجهود الممكنة .. بمعنى استغلال الطاقة بالطرق الصحيحة
3- الاحتفاظ بالمعلومات أطول مدة ممكنة .
وبشكل عام هناك ثلاث طرق متبعة للدراسة .. ولو أدركها الطالب لتمكن من ايجاد الطريقة المناسبة له ولموضوعة ومن ثم تحقق له ما يريد ..
هذه الطرق هي:
1- الطريقة الكلية: وهي أن يقرأ الطالب الموضوع بشكل عام لتتضح له الفكرة العامة ثم يعيد قراءة الموضوع لاستيعاب بقية الأفكار ..
وهذه الطريقة تفيد في المواضيع القصيرة المترابطة الأفكار .
2- الطريقة الفقرية: أي تقسيم الموضوع إلى فقرات حسب ترابط الأفكار وتقبل المتعلم لهذا الترابط .. فالمتعلم هنا هو الذي يتحكم بطريقة التقسيم حسب ما يوافقه .. ثم ربط هذه الأفكار جميعاً معاُ ..
وهذه الطريقة تفيد في المواضيع الطويلة والتي تتميز بعدم تسلسل الأفكار فيها.
الطريقة المختلطة: وهي الجمع بين الطريقتين السابقتين .. بحيث يأخذ المتعلم الفكرة العامة ثم يقسم الموضوع إلى فقرات ..
ذلك ليس كل شيء .. فما زال هناك موضوع مهم في هذا المجال .. ألا وهو .. توفير بيئة دراسية سليمة .. بمعنى آخر توفير الجو الدراسي المناسب.
توفير بيئة دراسية مناسبة في المنزل :
هناك مجموعة من القواعد والتي لابد من مراعاتها أثناء المذاكرة، وللطالب تطويعها حسب ظروفه واحتياجاته .. منها:
1- تقسيم الوقت بين المواد بوضع جدول دراسي يتقيد به المتعلم قدر المستطاع، ويتناسب مع الجدول الدراسي اليومي.
2- عند الشعور بالتعب أخذ قسط من الراحة.
3- اختيار المكان المناسب للدراسة وذلك من حيث:
أ - الإضاءة المناسبة والابتعاد عن الخافتة
ب - التهوية الجيدة للغرفة وترتيبها .. فالترتيب يبعث على الراحة
ج - الابتعاد عن المذاكرة في غرفة النوم .. وإن صعُب ذلك فأقله الابتعاد عن السرير أثناء المذاكرة.
4- دراسة المواد العلمية مثل الرياضيات والكيمياء والفيزياء وحتى الأحياء لا تنفع بصورة شفهية، وإنما لابد أن يصاحبها استخدام الورقة والقلم .. فذلك أثبت للمعلومات فيها.
الابتعاد عن مصادر الإزعاج بكل أنواعها .. فالراحة النفسية تدفع المتعلم للدراسة
6- الاهتمام بالغذاء
7- أخذ القسط الكافي من النوم دون زيادة أو نقصان .. فكلاهما ضار
ــــــــــــــــــــ(42/344)
الشباب وأيام المرح والمزاح!!
انتشار وخلق أجواء المرح بين جيل الشباب من الظواهر الإيجابية في مفهومها العام، وهي نقطة حيوية لها تأثيرها الكبير في أفراد المجتمع ككل، وعنصر الفكاهة والمرح من العادات التي يتم اكتسابها من التربية، وليس بسبب البنية الوراثية، لذا يمكن أن يكون من اكتسب هذه الصفة قادرا على التأثير بها في الغير، فالشاب المرح خفيف الظل يتمتع في الغالب بمزايا مهمة، يشملها سعة الخيال والإدراك والذكاء والثقة وامتلاك أسلوب الإقناع والتحفيز.
الشباب بين المغالاة والتجافي
ويتفاوت الشباب في تقييم هذه العادة بين مغالين ومجافين، فحين يرى البعض بأن المرح من ضروريات الحياة التي لا غنى عنها، يرى آخرون هذا الجانب بعين النفور والاشمئزاز.
وعندما ننظر إلى الموضوع من زاوية محايدة نجد فعلا أن المزاح والمرح أمر محبذ في وقته وحينه، فالحياة إذا طغى عليها جانب المزاح والمرح فإنها تفقد بلا شك إحدى مقوماتها الأساسية، وهي التفكر والعمل الجاد والحزن لأجل الغير، وإذا كان الشخص يتعامل مع الغير بأسلوب جاف فإنه يساهم في إحباط وتثبيط من يعيشون حوله ومن يتعاملون معه، فالمزاح والمرح في الجملة أمر مطلوب مع الالتزام بالضوابط الشرعية والأخلاقيةوإذا ما عرفنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير خلق الله، وأعظمهم خلقا، وأهداهم رشدا.. كان يمزح مع أهل زمانه؛ كبيرهم وصغيرهم، رجالهم ونسائهم، أبيضهم وأسودهم.. فما المانع من أن نسلك طريقه ونقتدي بسلوكه، وهذا يكشف خطأ البعض في تصورهم أن الإنسان كلما ازداد إيمانا وتمسك بدينه، لا بد أن يبتعد بقدره عن المزاح، فهل من المعقول أن تكون الوجوه المكفهرة دليل الإيمان، والبشر يعلو وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
النبي صلى الله عليه وسلم بين المرح والمزاح والجد والاجتهاد
إن النبي صلى الله عليه وسلم ليضرب المثل الأعلى في الوسطية الحقة في كل شيء فهو العبد القانت لله جل وعلا المخبت له وفي نفس الوقت يقبل على المرح والمزاح بما يزيل تعب النفس ونصبها دون أن يطغى ذلك عليه .
.
ومن أمثلة مزاحه صلى الله عليه وسلم هو قوله للعجوز الأشجعية: )يا أشجعية؛ لا تدخل العجوز الجنة). فرآها بلال باكية، فوصفها للنبي صلى الله عليه وآله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (والأسود كذلك).
فجلسا يبكيان، فرآهما العباس فذكرهما له، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (والشيخ كذلك). ثم دعاهم وطيب قلوبهم، وقال: (ينشئهم الله كأحسن ما كانوا) وذكر أنهم يدخلون الجنة شبابا منورين، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أهل الجنة جرد مرد مكحلون)
وقال صلى الله عليه وسلم لامرأة قد ذكرت زوجها: (أهذا الذي في عينيه بياض؟) فقالت: لا ما بعينيه بياض!! وحكت لزوجها، فقال: أما ترين بياض عيني أكثر من سوادها؟
نعم؛ كانت لرسول الله لحظات مزاح مع أهل زمانه، لا يمكن إنكارها. وقد سئل ابن عباس: أكان رسول الله صلى الله عليه وآله يمزح؟ فقال: كان النبي صلى الله عليه وآله يمزح.
بل كان يداعب أصحابه إذا رآهم مغمومين، هذا ما أكده أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله ليسر الرجل من أصحابه إذا رآه مغموما بالمداعبة).
هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في المزاح، يمزح ولا يقول إلا صدقا، يمزح ولا يفحش في الكلام ولا رفث في القول حتى إذا ما أتى وقت الجد وجدته القدوة في ذلك.
.
ــــــــــــــــــــ(42/345)
كيف تكون مؤهلاً لاختيار شريك العمر؟
بدءاً نقول بأن هناك شروط في صحة اختيار الفتاة لشريك العمر وهذه الشروط هي:
1 ـ البلوغ: أي أن تكون الفتاة قد بلغت سن التكليف.
2 ـ الرشد: فلا يكفي في تصحيح عملية الاختيار أن تكون الفتاة بالغة سن التكليف، بل لا بد أن تكون راشدة بحيث تستطيع أن تميز في اختيارها بين الرجل المناسب لها وغيره.
فسن التكليف الشرعي للفتاة وهو تسع سنين لا يمنح الفتاة القابلية على التمييز في اختيارها، إذ لا يعقل أن نقول بأن مدارك من بلغ تسعاً تؤهله لأن يحسن الاختيار في موضوع خطير وحساس كموضوع الزواج الذي تخضع فيه الفتاة لأحكام شرعية ليس في وسعها التحلل منها فيما لو أساءت الاختيار. فقد ورد عن رسول الله (ص) قوله: ((بنتك كريمتك، فانظر لمن ترقها)).
وهذا التعبير عنه (ص) ـ ترقها ـ وإن كان مجازياً حيث أن الاسلام لا يظلم البنت في أحكامه، ولكنه ينظر إلى أن الاسلام كان قد قدس الحياة الزوجية وأمر المرأة فيها بالطاعة للزوج نيلاً للإستقرار العائلي. عليه يجب أن تكون البنت في المستوى الذي يؤهلها لأن تختار الاختيار الأنسب وأن تميز في اختيارها.
فما هي المواصفات التي يجب على الفتاة أن تطلبها في الزواج.
ورد في كتاب المستطرف في كل فن مستظرف:
((إن نوح بن مريم قاضي مرو أراد أن يزوج ابنته فاستشار جاراً له مجوسياً فقال المجوسي: سبحان الله، الناس يستفتونك وأن تستفتيني؟
فقال: لا بد أن تشير علي.
قال: إن رئيسنا كسرى كان يختار المال، ورئيس الروم قيصر كان يختار الجمال، والعرب كانت تختار الحسب والنسب، ورئيسكم محمد كان يختا الدين، فانظر بأيهم تقتدي)).
كما ورد أن رجلاً قال للإمام الحسن (ع): إن لي ابنة فمن ترى أن أزوجها له؟
قال: زوجها ممن يتقي الله عز وجل، فن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.
وقيل لرجل من الحكماء: فلان يخطب فلانة.
فقال: أموسر هو من عقل ودين؟
فقالوا: نعم.
قال: فزوجوه إياها.
مما ذكر، وغيره من الأخبار التي وردت في باب اختيار الفتاة نستخلص الشروط الواجب توفرها في الرجل لكي يكون مؤلهاً لاختياره كزوج وهي:
1 ـ أن يكون ذو دين: إذ أن الدين يمنع الانسان عن أن يسير بالعائلة غير الوجهة الصحيحة كما يمده بالتعاليم القويمة التي تساعده في وظيفته العائلية.
2 ـ أن يكون ذو خلق: فقد ورد في الأخبار القول:
((من جاءكم ترضون دينه وخلقه فزوجوه)).
3 ـ أن يكون متقياً يخشى الله تعالى لأن التقوى تحجز الانسان عن معصية الله وخصوصاً في موارد ظلم الآخرين لا سيما العائلة فقد تقدم قول الإمام الحسن (ع) في هذا المورد:
((زوجها ممن يتقي الله عز وجل، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها)).
4 ـ أن يتميز برجاحة عقله: وذلك أنه سوف يكون قائداً ركب العائلة، فلا يعقل أن يكون ربان العائلة يعاني نقصاً في عقله لأن ذلك سوف يقود العائلة إلى الهاوية.
-----------------------------
المصدر :العنف الاسري
المؤلف :حيدر البصري
ــــــــــــــــــــ(42/346)
الهجرة.. حلم يداعب أحلام الشباب
" 55 ألف فرصة هجرة إلى أمريكا سنويًا بنظام القرعة الرسمية
" شروط الهجرة: الحصول على مؤهل دراسي أو خبرة لمدة سنتين في العمل
" مهاجرون عرب يؤسسون شركات لخداع أقاربهم الراغبين في الهجرة.
لا يفتأ حلم الهجرة يداعب عقول الشباب في الوطن العربي على امتداد أقطاره.. يدفعهم إلى ذلك صعوبات كثيرة تواجههم في أوطانهم الأم، من بينها التكافؤ في الحصول على فرص العمل والدخل المحدود وتدني الخدمات الاجتماعية ونقص الحريات.
وعادة ما ترتبط أحلام المهجر في رؤوس الشباب بالثراء السريع والكفاءة العلمية والوجاهة الاجتماعية، إضافة إلى متعة الانتماء إلى الحضارة المنتصرة، وهو الأمر الذي يوقعهم كثيرا ضحية لإعلانات الهجرة المضللة التي تنشر في الجرائد، وتستغل الطموح الزائد وقلة الخبرة لدى الشباب لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
ولكن ما حدث بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 دفع الكثيرين إلى التروي قبل الإقدام على المغامرة التي اعتادوا القيام بها قبل التهيؤ لها، ودفعهم أيضا إلى مراجعة انبهارهم ببلاد المهجر التي لم تعد الفردوس المفقود للمهاجرين.
الهجرة العشوائية
ومن أشهر طرق الهجرة إلى الولايات المتحدة التي يندفع إليها الشباب ما يسمى بـ "اليانصيب الأمريكي"، وهو البرنامج السنوي الذي يفتح الطريق أمام راغبي الهجرة إلى أمريكا عن طرق القرعة العشوائية، ويتيح هذا البرنامج 55 ألف فرصة للهجرة والإقامة والعمل في إطاره سنويا، ويكون من حق هؤلاء بعد سنوات معدودة الحصول على الجنسية الأمريكية.
وعملية السحب في هذا "اليانصيب" تتم عن طريق الكمبيوتر لاختيار الفائزين، ورغم ذلك لا يخلو الأمر من محاولات استغلال الشباب لأخذ أموالهم، فعندما يقترب موعد برنامج اليانصيب السنوي تبدأ شركات أمريكية، بنشر إعلانات في الصحف عن تقديمها للمساعدة للشباب للحصول على الجرين كارد ورخصة للعمل في أمريكا، وعندما يتصل بهم الشاب يطلبون منه دولارات مقابل ملء الاستمارة الخاصة ببياناته، وهي ذات البيانات المطلوبة في برنامج الهجرة العشوائية، وكل الدور الذي تقوم به هذه الشركات هو إرسال هذه الاستمارات إلى العنوان المحدد لاستقبال الطلبات في أمريكا، بعد كتابة الاستمارات على الكمبيوتر.
ضياع ميزة المجانية
وبذلك فبدلا من أن يستفيد الشاب من ميزة المجانية في هذا البرنامج فإنه يتحول إلى وسيلة للشركات التي تمارس الخداع للتغرير بالشباب، وهي في النهاية لا تتعرض لأي مساءلة قانونية لأن أوراقها تنص على أنها مجرد وسيط بين الراغب في الهجرة وبين الجهة التي ستتولى إجراء القرعة بنظام الكمبيوتر، وأنها لا تتدخل إطلاقا في عملية الاختيار أو ترجيح طلبات بعينها، لأنهم -كما يشيرون في إعلاناتهم- مكاتب مستقلة لا تتبع الحكومة، وهي معلومات حقيقية، ورغم كونها غير مطمئنة إلا أن الشباب يقبل على المغامرة بدافع أنه لن يخسر أكثر مما يخسره إذا استمر موجودا داخل وطنه.
ويتولى هذه الشركات في الأغلب محامون يقومون بإعداد معلومات تسهل مهمة الراغب في الهجرة، وتوضح له الشروط المطلوبة والبيانات المراد استكمالها باللغة العربية، وهي ذات البيانات الموجودة على موقع إدارة الهجرة الأمريكية باللغة الإنجليزية مجانا لمن أراد.
تفاصيل النظام
وإذا راسلت أحد هذه المكاتب سيرسل إليك الوثيقة رقم 16 التي تتضمن تفاصيل نظام الهجرة باليانصيب الحكومي والاستمارة التي يجب على صاحب الطلب استيفاء بياناتها وهي عبارة عن عدة أوراق:
الورقة الأولى: تشمل رد المكتب على الرسالة، وتوضح كيفية الاشتراك في نظام الهجرة المتنوع المعروف باسم يانصيب الجرين كارد، وتمنح التأشيرة لمواطني عدة دول، ومن ينجح في الفوز بهذه الفرصة يحق له العمل والإقامة الدائمة في الولايات المتحدة الأمريكية سواء الشاب بمفرده أم الأسرة المكونة من الزوجة والأولاد، وتقوم وزارة الخارجية الأمريكية بتحديد مكان سحب القرعة وتوقيتها، لذا دائما ما ينصح المكتب بسرعة المبادرة والاشتراك في اليانصيب لأن الفترة المتبقية محدودة، والتسجيل السريع من خلال هذا الإعلان يضمن للمشترك مكانا بين باقي المشتركين في الهجرة، ودائما ما يتوقع المكتب سرعة إغلاق باب الهجرة قريبا، وفي نهاية هذه الورقة يوصي المسؤول عن المكتب بسرعة الاستجابة باستيفاء البيانات المدونة بالاستمارة، وسوف يقوم المكتب بإعداد ملف للمشترك والرد في حالة الفوز في القرعة، وتتم الإجابة عن أي استفسار أو تساؤل بالفاكس أو البريد.
الورقة الثانية في "الوثيقة 16" تقول: مصاريف الفرد 50 دولارا و75 دولارا للأسرة، وفي الحالة الأخيرة يتم عمل طلب لكل فرد في الأسرة، وهذا معناه مضاعفة فرص الفوز، ويتم دفع المصاريف بالدولار الأمريكي، أو بالعملات الدولية المتداولة، ودائما ما يحاول المكتب الوسيط وصف نفسه كوكالة ذات صبغة قانونية.
الورقة الثالثة: تضم الإجابة عن عدة أسئلة تهم الراغب في الهجرة، فنظام اليانصيب الحكومي يخضع لإشراف الكونجرس الأمريكي لاختيار أعداد محددة من دول بعينها بطريق القرعة العشوائية، ولكي يشترك الشخص في هذه القرعة عليه أن يستوفي البيانات، وفي حالة فوزه يتم الاتصال به لتحديد موعد لإجراء مقابلة شخصية في أقرب قنصلية أمريكية لمنزله.
أما بالنسبة للحقوق الممنوحة للفائزين، فهي تعطي لهم حق الإقامة الدائمة والعمل داخل الولايات المتحدة وشغل الوظائف الحكومية المتاحة والتمتع بكافة الخدمات التي يحصل عليها المواطن الأمريكي مثل العلاج والتعليم، وأيضا الحق في ضمان أقاربهم الراغبين في الحصول على الجرين كارد مستقبلا، والمهاجر يمكنه الاحتفاظ بجنسيته الأصلية والحصول على الجنسية الأمريكية بعد عدة سنوات من إقامته هناك.
والشباب الذين يحق لهم الاشتراك في هذا اليانصيب، سواء كان زوجا أم زوجة أو عَزَبَ، من كان محل ميلاده في إحدى الدول التي يطبق عليها اليانصيب الحكومي للهجرة، والذي يشمل كل دول العالم ماعدا كندا والصين وكولومبيا وجمهورية الدومينيكان والسلفادور والهند وجاميكا وكوريا والمكسيك والفليبين وتايوان وإنجلترا وفيتنام.
أما الشروط المطلوبة للالتحاق فهي الحصول على مؤهل عال أو عامين من الخبرة في عمل ثابت، وتقديم عدد من الأوراق الرسمية ومنها صحيفة الحالة الجنائية وضمان اللياقة العقلية والصحية، وألا يكون الشاب قد سبق له الإصابة بمرض معد أو أدمن المخدرات.
وحصول الزوج على الجرين كارد يعني حصول الزوجة على نفس الفرصة وكذلك الأبناء غير المتزوجين تحت 21 سنة، والأوراق المطلوب إرسالها أيضا صورة جواز السفر وطلب الاستخدام وشيك بالمصاريف المطلوبة.
الهجرة إلى كندا
أما الهجرة إلى كندا فلا يتبع فيها نظام القرعة، ولكن تتم عن طريق التقدم بطلب إلى السفارة يتم بحثه، وعقد امتحانين للمتقدم لتحديد إمكانية قبوله بناء على درجة إجادته للغتين الرسميتين في البلاد (الإنجليزية والفرنسية) إضافة إلى مدة خبرته، ونوع التخصص الذي يجيده، ومستوى تعليمه، ووجود أقارب له في كندا من عدمه.
وفي حالة موافقة السفارة على عقد امتحان للمتقدم، فإنها تطلب منه رسوما باهظة تكون غير مضطرة إلى ردها في حالة رسوبه في الامتحان.
ولعبا على وتر زيادة فرص النجاح، يجد بعض المهاجرين السابقين إلى كندا من أصول عربية الفرصة سانحة لاستدرار أموال من جيوب أبناء شعوبهم الأصلية، ولذلك فإن الإعلانات تنشر في الصحف المصرية -مثلا- عن مكاتب تعمل على تسهيل الهجرة إلى كندا، ويدفع في مقابل الخدمات التي يقدمها هذا المكتب مبلغا كبيرا، ليزوده المكتب بنصائح حول كيفية التقدم والإجابة بنجاح على أسئلة الامتحان الشفهية والتحريرية، وكيفية اختيار الولاية التي يهاجرون إليها، وأفضل أشكال الهجرة التي يمكن قبول صاحبها.
إلى نيوزيلندا
وبالمثل لا يختلف أسلوب الهجرة إلى نيوزيلندا التي تقع في آخر محطة في قطار العالم - على بعد 2000 كيلو متر جنوب استراليا، و2000 كيلو متر أخرى شمال القارة المتجمدة الجنوبية- لا يختلف أسلوب الهجرة إلى تلك الجزيرة النائية عن الهجرة إلى كندا التي تحتل معظم مساحة أمريكا الشمالية بتعداد سكان لا يزيد في الأولى (نيوزيلندا) عن 4 ملايين نسمة، وفي الثانية (كندا) عن 30 مليونا.
ولكن المفارقة التي يفاجأ بها الشاب هناك هو أن الدولة لا تقدم له خدمات كبيرة كمهاجر، وتترك عليه بالكامل عبء البحث عن عمل، ومواجهة صعوبات الحياة.
وربما لهذا السبب فإن الهجرة إلى كندا أو نيوزيلندا لا تصلح إلا لمن يملكون مخزونا وافرا من المال، وإلا فإن الراكب سيضطر إلى تكبد تكاليف تذكرة غالية الثمن للعودة من هناك خالي الوفاض.
ــــــــــــــــــــ(42/347)
عندما تصبح الحرية وباءا
لا نتحدّث هنا عن الحرِّيّة المنضبطة فهي طموحنا جميعاً ، وقد عمل الاسلام على تحرير الانسان من أي قيد يشلّ إرادته ويغلق عقله، بأن جعله عبداً لله فقط، ورفض أيّة عبودية أخرى ، ليعيش الانسان حرِّيّته في حدود ما رسمه الله له .
أمّا الحرِّيّة المنفلتة.. أو التي لاتراعي قيداً ولا شرطاً ولا نظاماً ، أو تلك التي أباحها القانون الغربي في الجنس والخمر في سنّ معيّنة ، فإنّنا لا نعتبرها حرِّيّة ، فكلّ ما يعرّض الانسان والمحيطين به إلى المخاطر والأذى فهو فساد ، وهو ليس بحرِّيّة ، بل هو قيد واستعباد وأسر .
فمدمن المخدّرات ـ مثلاً ـ الذي لا يتمكّن من الإقلاع عنها ، مقيّد بقيد شديد ، وهو عبد للعقار الذي يتعاطاه ، لأ نّه يسيّره كما يريد ، وهو يستجيب له كلّما ألحّ عليه ، مثلما كان يفعل (السيِّد) بـ (العبد) أيّام الرقيق .
ولذلك فعندما نقرن بين (الحرِّيّة) وبين (الجريمة) فلأنّ هذا هو الذي يحصل الآن ، ففي قبال أيّة حرِّيّة مطلقة تجد ثمة جريمة أو عدّة جرائم . فحرِّيّة الجنس تقابلها جرائم: اختلاط الأنساب، الاجهاض، الاغتصاب ، الاعتداء الجنسي على الأطفال ، الشذوذ الجنسي ،
ناهيك عمّا ينجم من ممارسة هذه الحرِّيّة من أمراض أعيت الطبّ عن علاجها .
إنّ من حقّ كلّ شاب وفتاة أن يعيشا إنسانيتهما بلا تعسّف ولا قمع ولا اضطهاد ، لكن ليس من حقّهما أن يسيئا إلى هذا الحقّ ، فالحرِّيّة التي يدعو إليها الاسلام وننادي بها ليست التي تنتهي عندما تبدأ حرِّيّة الآخرين فحسب ، بل الحرِّيّة التي لا تعدّي ولا ضرر فيها على صحّة وسلامة وأخلاق الفرد نفسه .
يقول بعض المعنيين بتربية الشباب : "إنّ الذين ينسجمون مع قرارات الخلق، ومعايير المجتمع، إنّما يمتازون بوجدان هادئ وضمير مطمئن ، وهؤلاء يتمكّنون من أن يقضوا عمرهم براحة مع سلامة المعنويات وراحة البال . وبعكسهم المصابون بانحرافات ، والذين يميلون إلى الأساليب غير القانونية والأخلاقية والمكبوتون" .
وهذا يعني أنّ الحرِّيّة المنفلتة أو المطلقة لا تحقق السعادة ، كما هو تصوّر بعض الغربيين ، وبعض الشرقيين الذين يعيشون الكبت والحرمان ، بل الحرِّيّة الملتزمة هي التي تحقق ذلك .
ــــــــــــــــــــ(42/348)
ماذا وراء السلوكيات المضطربة للمراهق
التربية في المنزل .. المناخ المدرسي ..وسائل الإعلام الواقع الذي نعيشه .. رفض النصيحة... افتقاد القدوة .. الغزو الفكري من الغرب .. أصدقاء السوء .. كلها عوامل أكد الشباب أنها الأساس الحقيقي للاضطراب السلوكي التصرفات الخاطئة التي تصدر من المراهق .
يقول [نجلي 22] سنة للأسف أعاني من غياب القدوة الحسنة في المحيط الذي أعيش فيه وأعتقد أن غياب الوعي والالتزام الديني يجعلني منشغلاً بالمشاكل العاطفية يضاف إلى ذلك أن الفراغ الموجود في حياة أي شاب يوقعه في ارتكاب الآثام بينما إذا توفر له ما يشغل وقته ويستثمر طاقاته فبالتأكيد سينأى بنفسه عن ذلك.
وعن سيطرة الآباء على أبنائهم يرى : [نجلي] أن هذا الشيء جيد بشرط أن يكون لدى الأب الوعي بحدود هذه الرقابة وأن تكون في حدود المعقول بشرط أن يُعطى ابنه قدرًا من الحرية يتيح له تحمل المسؤولية والتعبير عن وجهة نظره .
ويشير إلى معاناة جيله من الشباب فيقول: أنه يعاني من علل كثيرة مثل سطحية الإعلام في تناول القضايا التي تخصه الأمر الذي يسبب ضحالة في المستوى الثقافي لهذا الجيل فضلاً عن تزايد مشكلات الأسرة وإدمان بعض الشباب للمخدرات أو على الأقل التدخين من مطلق اعتقاده في فترة المراهقة بأن ذلك هو الطريق ليصبح رجلاً ..!
ويقول [خالد عمرو ـ 31 سنة] : إن الشاب في فترة المراهقة يريد أن يستقل بشخصيته ولكن أحيانًا يتم ذلك بطريقة خاطئة كشرب السجائر أو مصاحبة أصدقاء السوء وتقليد كل ما هو غربي تحت شعار مسايرة الموضة فضلاً عن مشاهدة القنوات والأفلام الخليعة من منطلق الحرية الشخصية والتي عادة ما تفهم بطريقة خاطئة في هذه السن.
ويلتمس [خالد] العذر لنفسه ولجيله حيث يؤكد على غياب التوعية في المدرسة والأسرة بل للأسف أجد أحيانًاـ والكلام على لسانه .. كبارًا يرتكبون أفعالاً مشينة لا تليق بسنهم كمدرس مثلاً يقيم علاقة عاطفية مع تلميذته أو أب يدخن وغير ذلك، الأمر الذي يترك مردودًا سيئًا على الشاب في نهاية الأمر ، ويشير [خالد] إلى أمر يراه هامًا بالنسبة للشاب المراهق وهو معاملة الأسرة له والتي ـ أحيانًا ـ تترك له الحبل على الغارب ، كما يقولون وبالتالي سيسقط في بؤرة المشاكل والانحرافات أو أسرة تفرض العديد من القيود على أبنائها بل وتتمادى في وصايتها فتجبر أبناها على الالتحاق بكلية معينة لا يرغب في الدراسة فيها ويكون الفشل هو مسيره المحتوم الأمر الذي يراه [خالد] يحتم على الأسرة أن تقوم بدورها في التربية الصحيحة لابنها وأن يكون الأب بمثابة الصديق لابنه يسمع منه وإليه ويحمله جزءًا من مسؤولية البيت وأن تعاونه الأسرة في تحقيق طموحاته عن طريق التحاور معه بشأنها وليس فرض أمر تهواه الأسرة رغمًا عنه.
ويشتكي [عبد الغفار ـ 19 سنة] من قيود الأسرة المفروضة عليه والمبالغ فيها لدرجة كبيرة وبالتالي عدم صعوبة التحرك بحرية كيفما يريد مما يحمله ضغوطًا نفسية تسبب الكثير من الإحباط والاكتئاب.
ويضيف أن الأسرة أحيانًا تكون على قدر ضعيف من الوعي الثقافي مما يعرقل تعاملها بصورة جيدة مع ابنها خاصة في فترة المراهقة ما تشهده من اهتمامات عاطفية بالجنس الآخر مما يعني خطورة هذه المرحلة التي تستلزم التعامل مع الشاب بحكمة وعقلانية بدون تعنيف أو قسوة في التعامل وهو ما قد يدفعه للانزلاق في مشكلات أكبر وأخطر! ويؤكد [عبد الغفار] أن الأسرة بإمكانها أن تنشئ ابنها على الأخلاق الحميدة وبعيدًا عن مظاهر الفساد والانحراف ومن شب على شيء شاب عليه .
[نجاة شاور] مديرة مدرسة إسلامية تقول: لا شك أن هناك أسبابًا قلبت الموازين كالحرية المطلقة التي نادوا بها فالتربية الحديثة القائمة على النقاش واختلاف الرأي لمجرد الاختلاف. ووسائل الإعلام وخاصة التلفزيون وهو الجهاز الرهيب الذي يشد الشباب والصغار إليه ولا تكون هناك ضوابط لمشاهدته. وأين التوجيه السليم من الأسرة التي تركت الحبل على الغارب وخاصة إذا كان الأب والأم مشغولين بالعمل أو السعي خارج البلاد وترك الصغار مع من لا يهمهم أمرهم ولا يجدون رقابة على أعمالهم ؟
ويرى [إسماعيل السيد] مدير مدرسة الهدى الإسلامية أن مرحلة المراهقة تُحدِث تغييرًا عامًا في تفكير الفتى لا يجد مواكبة من البيت أو المدرسة، وقد يجد المصدر الثقافي الصحيح الذي يقوّم سلوكه، ومن هنا تأتي المشكلة وهي اعتماده على أصدقاء ليس لديهم الخبرة السليمة فتشيع بينهم السلوكيات الخاطئة.
ومناخ المدرسة له دور كبير فالمناهج التعليمية سواء كانت دينية أو علمية لا تفي بالحاجة ولا ترد على التساؤلات التي تدور في ذهن الفتى في هذه المرحلة.
وعن طبيعة هذه المرحلة يقول الدكتور [جاب الله روان] أستاذ علم النفس: أن مرحلة الثانوية باعتبارها مرحلة المراهقة يتعرض فيها الفتى لبعض التغيرات في وظائف الأعضاء الداخلية فيترتب عليها تغيرات نفسية تتسم ببعض الخصائص في التفكير حيث يسعى لإثبات ذاته وتحقيق أهدافه الشخصية وقدر من التمرد على العادات والتقاليد والسياق الاجتماعي ويصاحب ذلك تغيرات انفعالية، ومشاكل الشباب الرئيسة في هذه المرحلة تدور حول الحب والزواج والأفكار التي تسيطر عليهم خاصة المرتبطة بالجنس الآخر وأحلام اليقظة المستمرة وعدم التركيز أما المشكلات الأخرى فهي ثانوية ويؤكد [جاب الله] أنها مرحلة عدم استقرار نفسي، لكنها لا تمثل أزمة مطلقًا إذا ما أحسن تهيئة المراهق وتهيئة المناخ الطبيعي للتعامل معه ويضيف الدكتور [جاب الله] أن الأسرة هي حجر الزاوية في الوقاية والعلاج والأسباب من جانب الأسرة في وجود الظواهر المنحرفة متعددة ففيها التفكك الأسري، وعدم الرقابة، وانفصال الوالدين، وعدم غرس الوازع الديني خلال المراحل المبكرة، وعدم إكسابهم القيم والمبادئ العليا، وافتقاد الفتى القدوة التي يحتذي بها في الأسرة أو خارجها. والتدليل الزائد أو العكس المتمثل في التربية المتسلطة أيضا، والصداقات السيئة، وتقليد ما تعرضه وسائل الإعلام.
وترى الدكتورة [سامية الجندي] أستاذة الدراسات الإنسانية أن هناك قصورًا في تدريس المناهج الشرعية من ناحية التربية الدينية والأخلاقية ويجب متابعة تدريس المناهج الشرعية والعناية بها والتوسع فيها من التعليم الابتدائي إلى آخر مراحل التعليم ويجب أن نبتعد عن المناهج الأجنبية التي تشمل عادات بعيدة عن الإسلام وتحارب فضيلة العفة، وتطالب بأن يكون التعليم الديني عمليًا وتهذيبيًا، ففي الإسلام الكثير من القيم والمبادئ التي يمكن بثها عن طريق القصص الدينية والاقتداء بالصحابة والصحابيات، وتطالب بأن تعد برامج توعية للأم لكي تعرف كل شيء عن هذا المرحلة حتى تستطيع أن تعد جيلاً واعيًا يواجه الغزو الثقافي في ظل قيمنا ومبادئنا الإسلامية.
وتؤكد الدكتورة [عبلة الكحلاوي] أستاذة الفقه مسؤولية الأسرة عن سلوكيات أبنائها إذ يقول الله تعالى: [يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون]، كما قال صلى الله عليه وسلم: [الزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم].
وترى الدكتورة [عبلة] أن المناهج الدينية لا تتناسب مع الدور المطلوب منها، فنحن بحاجة إلى مناهج دينية مدروسة ترسخ العقيدة فيسهل التزام الشباب السلوكيات والعادات الإسلامية.
وترى الدكتورة [سامية الساعاتي] أستاذة علم الاجتماع أن وجود الأب والأم لابد أن يكون وجودًا نفسيًا واجتماعيًا قبل أن يكون وجودًا جسمانيًا، وكثيرًا من الآباء [حاضر غائب] فقد لا يكون مهاجرًا خارج البلاد ولا منفصلاً عن الأم ولكنه يتركهم بلا رعاية أو توجيه فلا يلتقون به، وفي هذه الحالة تلعب الأم الدورين وقد لا تستطيع أن تواجه الأزمات والمشاكل وحدها حتى في حالة الحياة الخالية من المشاكل فالطفل محتاج إلى صورة الأب والحنان والحب والعطاء النفسي والروحي الأبوي بصرف النظر عن الحزم والعقاب.
الأم وحدها ليست رادعًا فغياب الأب سبب للانحراف وسبب في اتخاذ الفتى قرناء السوء خاصة إذا كان في بداية المراهقة.
وتقول الدكتورة [وفاء عبد الجواد] مدرسة علم النفس التربوي: أن الأسباب وراء اضطراب سلوكيات المراهقة متعددة أهمها غياب الوالدين أو الوجود غير السليم لهما أو الإفراط والتفريط في التدليل والمقارنات الشديدة بين الأبناء في الشكل والقدرات، ووسائل الإعلام تعطي قدوات سيئة للعنف والقتل والجرائم المختلفة تذيب الشباب الذي عنده استعداد التنشئة الاجتماعية مشيرة إلى أن البيت هو الأساس في التنشئة الاجتماعية فغياب الوالدين والمشاحنات بينها وعدم استقامة الحياة الزوجية مما يشعل الحرب في البيت، وإغراق الأطفال في الماديات تعويضًا عن فقدان الحنان والرعاية والوجود الإنساني والتدليل الزائد وتحقيق كل رغبات الأولاد ومنحهم المال بلا حساب أو العكس يدفع المراهق إلى السلوكيات غير السوية.
ويؤكد الدكتور [المختار المهدي] الأستاذ بكلية الشريعة على ضرورة تربية النشء على المنهج الإسلامي منذ أول لحظة تدب قدماه على الأرض بل قبل أن تدب باختيار المحضن الصالح والبيئة السوية للتنشئة السليمة من أبوين كلاهما حريص على الدين والخلق يستمد سلوكه من مبادئ الإسلام حيث الحرص على تطبيق المنهج الإسلامي في التربية؛ وهذا ينتج أيضًا من إيمانهم بأنه المنهج الأقوم
ــــــــــــــــــــ(42/349)
المسؤولية .. طرق ونتائج تنميتها
بداية المسؤولية :
ها أنت تغادر مسرح طفولتك وملعب صباك لتطأ أعتاب شبابك .. تلك مرحلة انطوت لم تكن فيها مسؤولاً .. أبوك وأمّك كانا يتوليان رعايتك ويقومان بمسؤولية تربيتك والإنفاق عليك .. اليوم اختلف الأمر .. ما زلت قريباً منهما وتحظى بعنايتهما لكنّك لم تعد ذلك الطفل الصغير اللاّهي .. لقد تغيّرت فيك أشياء كثيرة سواء في جسدك أو في مداركك العقلية .. إنّك الآن تدخل عالم الكبار .. تتحوّل من طفل إلى رجل .
هذا التغيّر الذي يحصل لكل فتى وفتاة يمثل إنتقالة طبيعية لكلّ منهما ، لكنّه أيضاً يمثِّل مرحلة جديدة في عالم المسؤوليات .. فمن (طفل لاه) إلى (رجل مسؤول) أو (امرأة مسؤولة) .
في هذه السنّ التي يطلق عليها بـ (المراهقة) يصبح الشاب والشابّة مسؤولين أمام الله سبحانه وتعالى ضمن تكاليف وفروض وواجبات عليهما أن يمارساها خلال فترة حياتهما .
ماذا يعني ذلك ؟
يعني أنّ الشابّ ـ فتى كان أو فتاة لا فرق ـ سيقف منذ اليوم هو والأكبر سناً منه على قدم المساواة في ساحة المسؤولية والمحاسبة ، فأنا ـ حديث العهد بالإلتزام بالمسؤولية ـ وأبي وأمّي اللذان سبقاني إلى تحمّل مسؤولياتهما مطالبون بأداء نفس المسؤوليات .. هما يتحملان مسؤولية أعمالهما وأنا أتحمّل مسؤولية أعمالي أداءً وتقصيرا ..
لقد ولّى عهد التواكل والإسترخاء واللهو والعبث الطفولي ، ودقّت ساعة العمل الجادّ ، ففي هذا المعمل الواسع الكبير الذي اسمه الكون لك موقعك بين مواقع العمل المسؤول ، وهو أشبه شيء بورشات متعددة تعمل باتجاه هدف واحد هو كسب مرضاة الله سبحانه وتعالى : (يا أ يُّها الإنسانُ إنّك كادحٌ إلى ربِّكَ كدحاً فمُلاقيه )(7) .
على طريق المسؤولية :
1 . المسؤوليات معرفة : اعرف تفاصيل المسؤولية لتعرف ماذا يراد منك ؟ .. واعرف أهميّتها حتى تتفاعل معها وتسعى لتحقيقها .
2 . "كن مشغولاً بما أنت عنه مسؤول" ، فمن اشتغل بغير المهم ضيّع الأهم .. فليس في الحياة متّسع للهوامش والقشور والتوافه من الأمور .
3 . الروتين والرتابة يقتلان روح المسؤولية .. حاول أن تجدد في أسلوب التعامل مع مسؤولياتك ولا تجمد على حالة معينة .. فالركود والتقليد الأعمى ، يحولان المسؤوليات إلى أعباء لا يطيق الكاهل حملها .
4 . لا تؤجِّل المسؤوليات لأ نّها تتراكم وبالتالي فقد تهمل لصعوبة القيام بها . ففي الحديث : "إيّاك والتسويف فإنّه بحر يغرق فيه الهلكى" .
5 . تعاط مع المسؤولية بروح منفتحة وكأ نّك أنت الذي أخذتها على نفسك حتى تتمكّن من انجازها على أحسن وجه .. احبب المسؤولية يتحسن إنتاجك .
6 . المسؤولية إثراء لأبعاد الشخصية .. فبقدر ما تأخذ المسؤولية من وقتك وجهدك تعطيك عقلاً أنضج ، وقدرة على التحمل أكبر ، وتجربة أغنى ، ومعرفة أوسع .
7 . الكسل والضجر عدوان لدودان للمسؤولية "إيّاك والكسل والضّجر ، فمن كسل لم يؤد حقّاً ، ومن ضجر لم يصبر على حق" .. الكسل خمول وفتور في الهمة ، والضجر ملل وسأم وتبرم وانصراف عن القيام بالمسؤولية .
8 . الروح الجماعية في انجاز المسؤوليات تساعد على التخفيف من ثقلها ، وعلى الابداع في انجازها ، وعلى الشعور بالمسؤولية في تحقيق مهام مشتركة تقرب الأهداف البعيدة .
9 . قراءة كتاب الله المجيد والأحاديث الشريفة الصحيحة التي توافق كتاب الله أفضل مجال للتثقيف بالمسؤوليات .. ما هي ؟ وكيف يجب أن نعمل بها ؟ وكيف نتحمّل متاعبها
بصدر رحب ؟ وكيف نتبيّن نتائجها الحاضرة والمستقبلة ؟ فلا بدّ للشاب والفتاة المسلمين من الرجوع إلى هذين المرجعين الكبيرين ليزدادا معرفة بمسؤولياتهما .
نتائج الالتزام بالمسؤولية :
إنّ العمل بأيّة مسؤولية والقيام بمهامها على أكمل وجه سيؤدِّي إلى واحدة أو أكثر من النتائج التالية :
1 . إنّ الأخذ بمبدأ المسؤولية يفتح باب الحرِّيّة بطريقة منظمة لا تعدِّي فيها ولا ظلم ، وبالتالي فإن من شأن المسؤوليات أن تغلق الباب بوجه الفوضى والانحراف واللاّ نظام .
2 . كما أن من طبيعة المسؤولية الإسلامية انّها تفتح الآفاق واسعة على مجالات الخير كلّه ، فليس هناك حد محدود للاستزادة من الخير في المسؤوليات كلّها .
3 . المسؤولية توجه نشاط الإنسان وتجعله ذا موقف وإرادة وتقرير للمصير ، أي أنّ الإنسان المسؤول يتحول بتحمله لأعباء المسؤولية إلى إنسان هادف لاينطلق ولايتحرّك إلاّ نحو هدف مرصود .
4 . كما تهدف المسؤولية إلى إحداث حالة من التطابق بين الأفكار وبين السلوك ، فما يحمله الشاب المسلم أو الفتاة المسلمة من نظرة أو رؤية عن أيّة مسؤولية يتبلور ويتجسد من خلال ما تفرضه تلك المسؤولية من التزامات ، يهب الشاب أو الفتاة للقيام بها كما ينبغي ، فلا تناقض ولا ازدواجية .
5 . المسؤولية الإسلامية لا هويّة جغرافية لها ، فمساحتها العالم كلّه ، صحيح أنّ الأقربين أولى بالمعروف لكنّنا مسؤولون عن الإصلاح في الأرض كلّها ، ولو اقتصرت المسؤولية على حدود الوطن والأمّة لما شهدنا انتشار الإسلام في بقاع الأرض وأرجاء الدنيا .
6 . إنّ المسؤولية ، بما تفرض من روح الالتزام ، تقلص وتحجم دوائر الانحراف والجريمة والتهاون والخيانة والذلّة وكل أشكال السقوط والتواكل والكسل والتبعية ، فالإنسان المسؤول يراعي متطلبات دوره في حركته في الحياة فينضبط وينتظم من خلالها .
7 . المسؤولية في الإسلام تخلق حالة من الانسجام بين إرادة الله تبارك وتعالى وبين ارادة العبد المسلم ، فلا تكون هناك إرادتان ، إنّما هي إرادة واحدة .. الله يطلب والعبد يستجيب ويمتثل ، أي أ نّه يمضي إرادة الله ويحققها في الأرض ، مما يقدم صورة ناصعة عن كونه خليفة صالحاً : (إنّما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون )(45) .
8 . النماذج الإيجابية الناهضة بمسؤولياتها على ما يرام تعمل كأدوات محرضة أو محفزة على الاحتذاء والتأسي من قبل المتقاعسين أو المتنصلين أو المتساقطين أو المتخففين من أعبائها .. فما دام بوسع الشاب الآخر أو الفتاة الأخرى القيام بهذه المسؤولية أو تلك فإنّ بإمكاني النهوض بها أنا الآخر .
9 . إن منظومة المسؤوليات ـ الإسلامية ـ تتكفل بإصلاح الحياة وتغيير ما فسد منها من أفكار وعواطف وعلاقات ومواقف وأخلاق ولا يكون ذلك إلاّ من خلال الفرد المسؤول والمجتمع المسؤول .
10 . وبقدر تحمل أعباء المسؤولية في الدنيا تتحدّد مستويات الثواب والعقاب في الآخرة ، فهي أشبه شيء بالسعي السنوي للتلميذ في المدرسة ، الأمر الذي يجعل إمكانية الحصول على مزيد من الثواب مفتوحة لكل راغب في ازدياد .
ــــــــــــــــــــ(42/350)
مواهبنا ، كيف نُنَمِّيها ؟
الموهبة هي استعداد طبيعي لدى الانسان ، فالانسان يولَد وهو مُزوَّد بها ، وليس له دخل في وجودها .. كالذكاء والحفظ والقابلية الفنية ، مثل القدرة على الرسم والخط ، أو الموهبة الشعرية والكتابية والخطابية ، أو القدرة على الاختراع والعمل والابتكار ، وتعلّم الأشياء ، واكتساب الخبرات ... إلخ .
إنّ كلّ تلك المواهب والقابليات هي هبة من الله سبحانه .. وإنّ هذه المواهب الراقية هي التي صنعت من أصحابها مشاهير وعظماء وقادة كباراً ، أحدثوا تغييراً عظيماً في أوضاع البشرية الفكرية والسياسية والعلمية والاقتصادية والعسكرية والفنية والاجتماعية ... إلخ .
وكلّ إنسان قد اُعطي موهبة من المواهب ، وزُوِّدَ بقابلية واستعدادات ، ولكن بدرجات متفاوتة ، فهي تبدأ من مستوى النوابغ والعباقرة ، وتتدرّج إلى مستويات أقلّ درجة .. وتلك المواهب والقابليات هي نعمة من الله سبحانه ، وفضل منه ..
إنّ كلّ واحد منّا يحمل مواهب واستعدادات ، ولكن الكثير منّا لم يكتشف تلك القابليات والمواهب المتوفرة لديه .. إنّها كنز ثمين يختبئ في نفس الانسان ، كما يختبئ البلاتين والذهب والماس في المناجم .. وما لم يكتشف العلماء والخبراء هذه المناجم ، لا يمكن الاستفادة من تلك المواد الثمينة ..
إنّ مواهبنا وقدراتنا العقلية أو الفنية أو الجسدية أو التصنيعية أمانة بأيدينا ، علينا أن نكتشف هذه المواهب الذاتية الكامنة فينا ، كما يكتشف العلماء المعادن الثمينة ..
إنّ الطالب يدرس في مراحله الدراسية علوم الرياضيات والهندسة والفيزياء والكيمياء والشعر والتاريخ والفقه والقرآن الكريم والاقتصاد والرسم والخط والإنشاء والنحو ... إلخ ، ويشعر في نفسه أنّ له ميلاً وقدرة متفوِّقة على فهم بعض هذه الدروس والعلوم والرغبة فيها أكثر من غيرها .. وعن هذا الطريق يكتشف قدرته بصورة أوّلية ..
فعندما ترى قدرتك على الخط ، وأ نّك تملك خطّاً جميلاً ، حاوِل أن تُنمِّي هذه القدرة بتقليد الخطّاطين ، ودراسة أصول الخط والمشاركة في المعارض المدرسية ... إلخ ..
وعندما ترى قدرتك الفنية على الرسم أو التخريم أو بعض الفنون .. حاوِل أن تنمِّي هذه الموهبة بالرسم والتخريم والاستفادة من خبرات الرسّامين والفنّانين ورسم اللّوحات الفنية ..
وعندما تجد فيك ميلاً وموهبة لتلقِّي علوم الرياضيات أو الهندسة أو الفيزياء أو الكيمياء ، وحلّ المسائل والمعادلات ، أكثر من قدرتك على تلقِّي علوم التاريخ واللّغة .. حاوِل أن تُركِّز جهدك على دراسة الرياضيات أو الفيزياء أو الكيمياء أو الهندسة ، حسب ميلك النفسيّ ، ومقدرتك العقلية ..
وعندما تختار فرعك الدراسيّ في المستقبل ، إختر الفرع الذي تتفوّق فيه ، وتجد في نفسك ميلاً إليه .. إنّك إذا اخترت فرعاً من فروع الدراسة الذي لا يناسب قدرتك العقلية ، وليس لديك رغبة نفسية فيه ، قد تفشل في المستقبل ، وتُضيِّع موهبتك ، ولن تكون متفوِّقاً في تلك المادّة .
وقد تكون لديك قدرة مبكِّرة على الاختراع وصناعة بعض الأجهزة واصلاحها .. فحاوِل أن تُمارِس ذلك وتنمِّيه بتجميع بعض قطع تلك الأجهزة ، كشراء بعضها من السوق ، أو الحصول عليها من بعض الأجهزة القديمة .. وباشِر بصناعة الجهاز الذي تستطيع صناعته ، أو مارِس عملية إصلاح الأجهزة التي لديك مَيْل إلى إصلاحها .. فانّها مقدِّمة لاكتشاف موهبتك وتنمية قدرتك على الاختراع والصناعة ..
وعندما تعترضك مشكلة في هذا العمل، عليك أن تستعين بشخص متخصِّص بتلك الأجهزة ، كالمهندسين والعمّال والفنيين ، وأصحاب الأعمال المتخصِّصين ... إلخ .. لا تترك هذه الموهبة لديك تذهب هدراً ، قد تكون في المستقبل مخترعاً كبيراً ، وذا قدرة على الابتكار والإبداع وصناعة الأجهزة والآلات المتطوِّرة ..
وعندما تجد في نفسك القدرة على حفظ القرآن الكريم وتجويده ، سارِع الى وضع برنامج لحفظ القرآن بالاعتماد على القراءة المسجّلة لأحد القرّاء المشهورين ..
وعندما تجد في نفسك القدرة على نظم الشعر .. حاوِل أن تكثر من قراءة الشعر وحفظه واقتناء دواوين الشعراء ، أو قراءة المجلّات الأدبية لتتكوّن لديك ثروة أدبيّة ، ولتنمي مواهبك الشعرية .. وحاوِل أن تنظم الشعر ، وتعرضه على مدرِّس اللّغة العربية ، أو على أشخاص ينظمون الشعر ، أو يعرفون أصول الشعر وأوزانه ، لا تترك هذه الموهبة المتوفرة لديك تذهب هدراً ..
وقد تجد في نفسك القدرة على كتابة المقالة .. من خلال درس الإنشاء ، وقراءة الكتب والمجلّات ، فاعمل على تنمية هذه الموهبة بالإكثار من القراءة والمطالعة .. وحاوِل أن تبدأ بتلخيص كتاب صغير بعد أن تقرأه ، أو كتابة مذكّراتك ، ثمّ انتقل إلى كتابة المقالة بعد أن تُحدِّد الأفكار الأساسية للموضوع على شكل نقاط ، ثمّ باشِر بصياغتها ، أو كتابة قصّة قصيرة .. ثمّ اعرض ذلك على شخص لديه الخبرة في الكتابة والتأليف .. إنّك إن واظبتَ على ذلك ستكون شاعراً أو كاتباً أو صحفيّاً في المستقبل ..
إنّ الله سبحانه قد وهب كلّ شخص منّا موهبة .. وعندما يكتشف تلك الموهبة وينميها بالتدريب واكتساب الخبرة ، سيستفيد هو من خبرته ومواهبه ، كما تستفيد اُمّته والإنسانية ، وقد تكون واحداً من النوابغ والمشاهير والمتفوِّقين ..
ــــــــــــــــــــ(42/351)
التطبيقات العملية للشخصية الصالحة الجذّابة ؟
إنّ العيّنات التي يمكن أن تُذكر هنا كثيرة جدّاً ، فما مرّ معنا من قواعد وآداب للسلوك لم تكن مجرّد شعارات أو توصيات معلّقة في الفضاء وإنّما خضعت لتجربة إنسانية طويلة كشفت عن مدى أثرها في التعامل الاجتماعي ، ونظراً لضيق المجال سنورد بعض الأمثلة للتدليل لا للحصر :
1 ـ أمسك غضبك كما تمسك فم القربة الملآن :
« جاء عن أنس ، قال : كنت مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليه بُرد غليظ الحاشية ، فجذبه أعرابي بردائه جذبة شديدة حتّى أثرت حاشية البُرد في صفحة عاتقه ، ثمّ قال : يا محمّد ! إحمل لي على بعيريّ هذين من مال الله الذي عندك، فإنّك لاتحمل لي من مالك ولا مال أبيك. فسكت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمّ قال : المال مال الله وأنا عبده ، ثمّ قال : ويقادُ منك يا إعرابي ما فعلت بي ؟ قال : لا . قال : لم ؟ قال : لأ نّك لا تكافئ بالسيِّئة السيِّئة ، فضحك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمّ أمر أن يُحمل له على بعير شعير ، وعلى الآخر تمر » .
2 ـ أحسن وفادة أخيك وأكرمه .. تكسب قلبه :
«عن أبي محمّد الحسن العسكري (عليه السلام) قال : ورد على أمير المؤمنين أخوان له مؤمنان ، أب وابن ، فقام إليهما واكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه ، وجلس بين يديهما ، ثمّ أمر بطعام فاُحضر فأكلا منه ، ثمّ جاء قنبر (خادمه) بطست وابريق خشب ومنديل ، فأخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) الإبريق فغسل يد الرجل بعد أن كان الرجل يمتنع من ذلك ، وأقسم له أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يغسل مطمئناً ، كما كان يغسل لو كان الصابّ عليه قنبر فغسل ، ثمّ ناول الإبريق محمّد بن الحنفية ( إبنه ) وقال : يا بنيّ ! لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده ، ولكنّ الله عزّ وجلّ يأبى أن يسوّي بين ابن وأبيه إذا جمعهما في مكان ، ولكن قد صبّ الأب على الأب ، فليصبّ الابن على الإبن ، فصبّ محمّد بن الحنفيّة على الابن » .
3 ـ أسلوب النقد الحكيم يفتح أسارير المنقود لتقبّل النقد :
« مرّ الحسن والحسين (عليهما السلام) على شيخ يتوضّأ ولا يحسن ، فأخذا في التنازع ، يقول كلّ واحد منهما أنت لا تحسن الوضوء ، فقالا : أ يُّها الشيخ ! كن حكماً بيننا ، سيتوضّأ كلّ واحد منّا ، فتوضّآ ثمّ قالا : أ يُّناً يُحسن ؟ قال : كلاكما تحسنان الوضوء ، ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن وقد تعلّم الآن منكما » .
4 ـ اللّباقة في فضّ المنازعة فنٌّ يجدر أن نُحسنه :
جرى بين الحسين وبين (أخيه) محمّد بن الحنفية كلام ، فكتب ابن الحنفية إلى الحسين : « أمّا بعد يا أخي فإنّ أبي وأباك علي لا تفضلني فيك ولا أفضلك ، وأمّك فاطمة بنت رسول الله ، لو كان ملء الأرض ذهباً ملك أمّي ما وفّت بأمّك ، فإذا قرأت كتابي هذا فصر إليَّ حتّى تترضاني، فإنّك أحقّ بالفضل منِّي، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته». ففعل الحسين (عليه السلام) فلم يجرِ بعد ذلك بينهما شيء .
5 ـ أعظم أسلوب في فنّ التواصل .. مقابلة الإساءة بالإحسان :
« وقف على عليّ بن الحسين (عليه السلام) رجلٌ من أهل بيته فأسمعه وشتمه فلم يكلِّمه ، فلمّا انصرف قال لجلسائه : لقد سمعتم ما قال هذا الرجل وأنا أحبّ أن تبلغوا معي إليه حتّى تسمعوا منِّي ردّي عليه . فقالوا له : نفعل ، ولقد كنّا نحبّ أن تقول له وتقول ، فأخذ نعليه ومشى وهو يقول : (والكاظمين الغيط والعافين عن النّاس والله يحبّ المُحسنين ) فقلنا : إنّه لا يقول له شيئاً . قال : فخرج حتّى أتى منزل الرجل ، فصرخ به ، فقال : قولوا له هذا عليّ بن الحسين . قال : فخرج متوثباً للشرّ وهو لا يشكّ إنّه إنّما جاء مكافئاً له على بعض ما كان منه . فقال له عليّ بن الحسين : يا أخي ! إنّك وقفت عليّ آنفاً وقلت ، فإن كنت قلتَ ما فيّ فأستغفر الله منه ، وإن كنت قلتَ ما ليس فيّ فغفر الله لك !! قال : فقبّل الرجل بين عينيه ، وقال : بل قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحقّ به » !
6 ـ لا تتميّز على الآخرين .. كُن كأحدهم يمحضوك الحب :
« كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سفر فأمر باصلاح شاة ، فقال رجل : يا رسول الله ! عليَّ ذبحها ، وقال آخر : عليّ سلخها ، وقال آخر : عليّ طبخها ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : وعليّ جمع الحطب ، فقالوا : يا رسول الله ! نحن نكفيك ، فقال : قد علمت أ نّكم تكفونني ، ولكن أكره أن أتميّز عليكم فإنّ الله يكره من عبده أن يراه متميِّزاً بين أصحابه ، وقام فجمع الحطب » .
7 ـ أنصف الناس من نفسك .. إعطِ لكلّ ذي حق حقّه .. تُسعِد وتَسعَد :
« قال سوادة بن قيس للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في أيّام مرضه : يا رسول الله ! إنّك لمّا أقبلت من الطائف استقبلتك وأنت على ناقتك العضباء وبيدك القضيب الممشوق، فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة فأصاب بطني ، فأمره النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقتصّ منه ، فقال : اكشف لي عن بطنك يا رسول الله ، فكشف عن بطنه ، فقال سوادة : أتأذن لي أن أضع فمي على بطنك ، فأذن له ، فقال : أعوذ بموضع القصاص من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من النار يوم النار . فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا سوادة بن قيس ! أتعفو أم تقتصّ ؟ فقال : بل أعفو يا رسول الله ، فقال : اللّهمّ اعف عن سوادة ابن قيس كما عفا عن نبيّك محمّد » !
8 ـ تعلّمتُ من الحياة .. أنّ الشتيمة تعاقب نفسَها :
« سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) رجلاً يشتم قنبراً ، وقد رام قنبر أن يردّ عليه ، فناداه أمير المؤمنين (عليه السلام) : مهلاً يا قنبر دع شاتمك مهاناً ، ترضي الرّحمن وتسخط الشيطان ، وتعاقب عدوّك ، فوالذي خلق الحبّة وبرأ النسمة ما أرضى المؤمن ربّه بمثل الحلم ، ولا أسخط الشيطان بمثل الصمت ، ولا عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه » .
9 ـ أفضل السعي في سبيل الله.. قضاء حاجة أخيك المؤمن:
« دخل على جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) رجل وشكا له تعذّر الكراء، فقال (عليه السلام) لصفوان الجمّال : قم وأعن أخاك على قضاء حاجته، فقام صفوان وذهب مع الرجل فيسّر الله له كراه ، ثمّ رجع صفوان إلى مجلس الإمام (عليه السلام) فسأله : ما صنعت في حاجة أخيك ؟ قال : قضاها الله . فقال (عليه السلام) : أمّا إنّك إذا أعنت أخاك المسلم أحبّ إليَّ من طواف أسبوع في البيت الحرام » !
ــــــــــــــــــــ(42/352)
فكِّر قبل أن تكون حرّا
ولكي أكون حرّاً يجب أن أختار فعلي وموقفي اختياراً ينبع من حرّيتي وإرادتي .. ولا أكون كذلك حتّى أفكِّر أوّلاً بأي فعل أريد أن أقوم به .. أدرسه وأتأمّل فيه .. أتأمّل بنتائجه الضارّة والنافعة فأختار النافع وأرفض الضار .. وكثيراً ما يحدث صراع في داخل النفس بين الشهوة واللذّة والرغبة في الفعل من جهة ، وبين العقل من جهة اُخرى ، فتتغلب الشهوة واللذّة والرغبة في الفعل على العقل أحياناً ..
وبهذا الموقف يكون الإنسان فاقد الإرادة والحرّية ، قد سيطرت عليه الشهوة واللذّة الضارّة ، كما يسيطر عليه الحاكم السياسي المستبد ، أو الآخرون اللذين يخدعونه ويحرمونه من استعمال الحرّية .. وقد يواجه الإنسان موقفاً لا يستوجب الغضب والانفعال الشديد ، ولكن بعض الناس، يثور وبغضب ويفعل بشكل غير طبيعي فيستولي الغضب والانفعال غير الطبيعي على عقله ، ويعطل إرادته ، فيقدم على أفعال ضارّة ، بل قد يقدم على جريمة ، ومخالفة خطرة أو تصدر عنه عبارات فتسبب له الضرر ، وتجلب عليه الخطر .. عندما يخضع الإنسان لهذه الانفعالات يفقد إرادته وعقله وحرّيته ..
وقد يتّصل بالإنسان بعض الناس السيِّئين فيقدمون له الإغراء ويخدعونه فيتناول المخدّرات ، أو يورطونه بأفعال جنسية محرمة ، أو جرائم ومخالفات ، وعندها سيكون إنساناً فاقد الإرادة والحرّية ، لأ نّه أصبح أسيراً لهم .. معتاداً على تناول المخدّرات والكحول لا يستطيع التخلّص منها .. خاضعاً لإرادة اُولئك المجرمين الذين ورطوه في الجريمة ، فلا يستطيع الإفلات منهم .. فيكون عبداً خاضعاً لهم وللاعتياد على تناول المخدّرات .. إنّ هؤلاء المجرمين هم الذين سمّاهم القرآن شياطين الأنس الذين يخدعون الناس ، ويسلبون إرادتهم وحرِّيّتهم ثمّ يستولون عليهم ، ويخضعونهم لما يريدون ، لأ نّهم أصبحوا تحت سيطرتهم وتصرّفهم ، بعد أن ورطوهم بارتكاب الجريمة ، والعمل الشاذ وتناول المخدّرات ... إلخ .
إنّ القرآن يحذرنا من تلك الإغراءات الخداعة فيصوِّر لنا كيف يعمل اُولئك الشياطين على مخادعة الآخرين بالأماني المادية والإقناع بالكلام البراق والمخادع ..
قال تعالى : (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلاّ غرورا ).
( النساء / 120 )
(وكذلك جَعلنا لكلِّ نبيٍّ عدوّاً شياطين الإنسِ والجنِّ يوحي بعضهم إلى بعض زخرفَ القولِ غرورا ولو شاء ربّكَ ما فَعلوه فَذَرهُم وما يَفترون * ولتصغى إليهِ أفئدة الّذينَ لا يؤمنونَ بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون ). ( الأنعام / 113 )
والقرآن يحدِّثنا في موضع آخر عن سيطرة الشيطان على إرادة الإنسان الذي يخضع نفسه له ، كما يخبرنا أنّ الذين يفكِّرون في عواقب الاُمور ، ويستعملون عقولهم ، ويهتدون بنور الإيمان وهدى الرّحمن .. إنّ هؤلاء ليس للشيطان عليهم من سيطرة ولا سلطان وهم الأحرار الذين يملكون إرادتهم وقرارهم .. لنقرأ هذه الآية ونتأمّل فيها ، قال الله تعالى :
(فإذا قَرأت القرآن فاستَعِذ باللهِ مِنَ الشّيطانِ الرّجيم * إنّهُ ليسَ لهُ سلطان على الّذينَ آمَنوا وعلى رَبِّهِم يتوكّلون * إنّما سُلطانه على الّذينَ يتولّونه والّذين هُم بهِ مُشرِكون ). ( النحل / 98 ـ 100 )
(وقالَ الشّيطان لما قضي الأمر إنّ الله وعدكُم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كانَ لي عليكُم من سُلطان إلاّ أن دعوتكم فاستجبتُم لي فلا تَلوموني ولوموا أنفسكم ... ). ( إبراهيم / 22 )
(إنّ عبادي ليسَ لكَ عليهم سُلطان إلاّ مَن اتّبعكَ مِنَ الغاوين ).
( الحجر / 42 )
إنّ القرآن يوفِّر لنا الوعي الكامل لمفهوم الحرّية ، ويريد أن تكون لنا إرادة تقوم على العقل والوعي للأشياء ، والحساب الدقيق لأي فعل نقدم عليه أو نتركه ; لذا نجده يذم اُولئك الذين لا يستعملون عقولهم ، ولا حواسهم للتمييز بين الخير والشر والنافع والضار .. ويصفهم بأ نّهم كالبهائم ، بل هم سيكونون أسوأ من ذلك عندما يفقدون الموقف العقلائي والوعي السليم فيفقدون إرادتهم ، قال تعالى :
(ولَقد ذَرأنا لجهنّم كثيراً مِنَ الجنِّ والإنسِ لَهُم قلوبٌ لا يفقهونَ بها ولَهُم أعينٌ لا يبصرونَ بها ولَهُم آذانٌ لا يسمعونَ بها اُولئكَ كالأنعامِ بَل هُم أضلّ اُولئكَ هُم الغافلون ). ( الأعراف / 179 )
ومعنى الآية انّ هؤلاء قد عطّلوا عقولهم وأبصارهم وأسماعهم وإرادتهم واختيارهم القائم على أساس العقل والوعي ، ولذا إنساقوا كالبهائم وراء الشهوات والانفعالات ، فهي التي تقودهم ، وليس العقل والوعي والشعور بالمسؤولية والتفكير بعواقب الاُمور .. ويرشدنا الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أن نفكِّر ، ونستعمل عقولنا ، قبل أن نقدم على فعل أي شيء ، لتتخذ القرار بوعي وإرادة حرّة ، غير خاضعة لمؤثرات الإغراء أو الضغط الذي يوجهه الآخرون علينا، وغير خاضع لدوافع الشهوة والانفعال والجهل بعواقب الاُمور ..
وإذاً فليس من الصحيح أن تقودنا الحرّية في الظلام .. وانّ السلوك الصحيح هو السلوك الذي يحدِّده لنا العلم والعقل والإسلام ، وليس الشهوة والتروات والدوافع النفسية الجامحة .. إنّ تحرير إرادة الإنسان من عبادة الشهوة هو الطريق لتحرير العقل والإرادة .
ــــــــــــــــــــ(42/353)
العوامل التي تفسد العلاقة ؟
لا شكّ أنّ فنّ التعامل مع المجتمع يتطلّب معرفتين معاً : معرفة العوامل التي تقوِّي وتنشِّط العلاقات ، ومعرفة العوامل التي تضعفها وتمزِّقها ، ذلك أنّ معرفة الجانب الثاني كفيلة في جعلنا نبتعد عن المنفّرات في العلاقات الاجتماعية ، كما تجعلنا نتحسّس استياء الآخرين من اُولئك الذين لا يراعون آداب اللِّياقة فنجتنب كلّ ما هو مسيء أو بذيء ، وبكلمة مختصرة فإن كلّ واحد منّا هو بمثابة مرآة للآخر يرى فيها الآخرون الجانب المشرق والجانب المعتم كما يرى في الآخرين الجانبين معاً .
وحتّى تكتمل الصورة سنضع بين يديك عدداً من المنفّرات عسى أن نحرص على تحاشيها كجزء من اجادتنا لفنّ التعامل :
1 ـ في كتاب الله الكريم أكثر من لفتة قرآنية لما اصطلحنا عليه بالمنفّرات ، ومنها :
أ ـ السخرية : وهي الاستهزاء بالآخرين ظنّاً منّا أ نّنا أفضل منهم، ناسين أ نّهم قد يفوقوننا في أشياء كثيرة ، وأنّ ما قد نسخر منه قد يكون ابتلاءً لا دخل للمصاب فيه كالأعرج أو الأعور أو الأصمّ أو الأبكم . يقول تعالى : (لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِن قَوْم عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِن نِسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ )(1) .
ب ـ اللّمز : وهو الوخز والطعن بالعيب ، وهو من أسرة المنفّرات المزعجات ، وهو أن تطّلع على عيب في أخيك فتعيِّره به ، أو تهزأ به أمام الآخرين ممّا يسبِّب له جرحاً عميقاً ، في حين أنّ الاسلام يحبّ الستر ويدعونا إلى أن نستر ما نراه من عيوب الآخرين . يقول تعالى : (وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ )(2) .
ج ـ التنابز : وهو التنادي بما يسيء لإخواننا ويكرهونه، فالألقاب الساخرة والأسماء اللاذعة ، وأدوات التخاطب المخدشة تعبِّر عن هبوط في الشخصية ، ولقد مرّ معنا أنّ الإسلام يطالبنا بأن ننادي إخواننا بأحبّ الأسماء إليهم . يقول تعالى : (وَلاَ تَنَابَزُوا بِالاَْلْقَابِ )(3) .
د ـ سوء الظنّ : وهو أن تفسِّر كلّ حركة وسكنة من أخيك تفسيراً سيِّئاً ، وهو عكس ظنّ الخير الذي دعت إليه الأحاديث التي استعرضناها، وهو كذلك كاشف عن نفس تنطوي على خبث وسوداوية فلا ترى من أفعال الناس وأقوالهم إلاّ المشين . يقول تعالى : (يَا أَ يُّهَا ا لَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ )(4) . وقد ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله : « إيّاكم والظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث » .
هـ ـ التجسّس : فكما أنّ عدم الثقة يقودك إلى سوء الظنّ وهو عمل باطني ، فكذلك يقودك إلى عمل ظاهري وهو التجسّس والتقاط العثرات وتتبّع الأخطاء وترصّد الهفوات ، فالتجسّس هو تتبّع عورات وعثرات المؤمن . يقول تعالى : (وَلاَ تَجَسَّسُوا )(5) .
و ـ الغيبة : وهي ذكرك أخاك بما يكره ، فإن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته . وهي جهد العاجز الجبان الذي لا يقوى على مواجهة الآخرين بالصراحة فينال منهم في غيابهم فهو كمن يطعن في الظهر .. وأخطر ما فيها أ نّها توسع من دائرة المطلعين على العيب ممّا يسبِّب هتك حرمة المؤمن ، ولنتأمّل في هذه الصورة المقزّزة المنفّرة والنابية عن كلّ ذوق ، يقول تعالى : (وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ )(6) .
ز ـ النميمة : وهي نقل ما يسمعه أحدنا من شخص إلى آخر ليوقع بينهما ، وهذا من سوء الطبع والسريرة ، فبدلاً من أن نعمل على اصلاح ذات البين ونقل الصور الطيِّبة عن كلّ صديق نعمد إلى تشويه صورته في نظر الآخر ، ولذلك قال تعالى : (وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّف مَهِين * هَمَّاز مَشَّاء بِنَمِيم )(7) . وجاء في الحديث : « من نمّ لك نمّ عليك » . وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « ألا أنبِّئكم بشراركم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : المشّاؤون بالنميمة ، المفرِّقون بين الأحبّة » .
ح ـ هتك الحرمة : إنّ كلّ ما سبق من منفّرات تشكّل هتكاً لحرمة المؤمن التي توصف ـ حسب الروايات ـ بأ نّها أعظم من حرمة الكعبة، ولكن يضاف إليها كلّ ما من شأنه أن يسيء أو يشوّه سمعة المؤمن بحيث يسقطه اجتماعياً . يقول تعالى : (إِنَّ ا لَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ا لْفَاحِشَةُ فِي ا لَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَا لاْخِرَةِ )(8) . وفي الحديث : « لا تذهب بالحشمة بينك وبين أخيك .. أبقِ منها فإنّ ذهابها ذهاب الحياء » . وفي المحصلة يحرم إيذاء المؤمن وتحزينه وإهانته وخذلانه واحتقاره واسخاطه . يقول الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) : « من آذى مؤمناً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله » .
ط ـ ومن المعاول التي تهدم الاخوّة وتخرِّب بيت الصداقة : ( الشحناء ) وهي البغضاء، و ( المعاداة ) وهي اعتبار أخيك عدوّاً لك ، و ( الملاحاة ) وهي أشدّ الخصومة حتّى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : « من لاحى الرجال سقطت مروءته وذهبت كرامته » . و ( المشارّة ) وهي التسبّب في الشرّ للآخر ، و ( المشاجرة ) والشجار أوّل الخصومة ونوع من أنواعها ، و( القيل والقال ) وهو من النميمة والغيبة والتسقيط ، و ( التباغض ) الذي يقطع جسور الوصل حتّى جاء في الحديث « إنّ في التباغض الحالقة ـ ولا أعني حالقة الشعر ـ ولكن حالقة الدين » ، و (المراء ) وهو الاسلوب الملتوي في التعامل .
يقول عليّ (عليه السلام) : « مَن بالغ في الخصومة أثِم ، ومن قصّر فيها ظُلم ، ولا يستطيع أن يتّقي الله من خاصم » .
ي ـ إحصاء العثرات : وهي عمليّة تنمّ عن خبث واستعداد نفسي للإطاحة بالآخر من خلال احصاء عثراته وزلاّته ، وهي أشبه بما تقوم به قوى المخابرات من الاستدراج للإيقاع بالضحيّة . يقول جعفر الصادق (عليه السلام) : « من أحصى على أخيه المؤمن عيباً ليشينه به ويهدم مروءته فقد تبوّأ مقعده من النّار » . وقد وصفته أحاديث اُخرى بأ نّه من الغدر .
ك ـ الهجر : قد تصل العلاقة بيني وبين أخي وصديقي إلى درجة المقاطعة المؤقتة ، وذلك أمر طبيعي في حال تعصّب كلّ منّا لموقفه ، ولكن إذا حصل وانتهى الأمر بالقطيعة فلا ينبغي أن يصل إلى درجة الهجران الكلّي أو الدائم فذلك ممّا ينافي اسلام المسلم وإيمان المؤمن ، يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : « أيّما مسلمين تهاجرا فمكثا ثلاثاً لا يصطلحان إلاّ كانا خارجين من الإسلام ، ولم يكن بينهما ولاية ، فأيّهما سبق إلى كلام أخيه كان السابق إلى الجنّة يوم الحساب » .
وفي قواعد السلوك وآدابه : « لا تنفعل ولا تجادل ولا تضغط ولا تصعّد الموقف .. إكسب الجدال بأن تتجنّبه .. انّ كلمة (أنت مخطئ) هي أقصر طريق لجلب العداوة .. سلّم بالخطأ حين تخطئ .. ولا تنتقد نقداً عقيماً يكسر القلب ويذلّ النفس فذلك أساس النكد » .
--------------------------------
(1) الحجرات / 11 .
(2) الحجرات / 11 .
(3) الحجرات / 11 .
(4) الحجرات / 12 .
(5) الحجرات / 12 .
(6) الحجرات / 12 .
(7) القلم / 10 ـ 11 .
(8) النور / 19 .
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفهرس العام
جمع وإعداد ... 1
الباحث في القرآن والسنَّة ... 1
علي بن نايف الشحودعناية الإسلام بالجسم والعقل ... 1
عناية الإسلام بالجسم والعقل ... 4
التأثر بالمناظر المثيره وأثره على الغسل ... 6
إذا انتقض وضوء الإمام ماذا يفعل؟ ... 8
هل الغسل بعد المجهود أو العمل يجزئ عن الوضوء إذا أحضرت النية أم يجب عليّ إسباغ الوضوء ؟ ... 9
هل يجزئ في الاستنجاء أن يصب الرجل الماء على ذكره مرة واحدة، ... 10
المقصود ببيت الخلاء! ... 11
التحدث والاستماع في الحمام ... 13
القراءة داخل الحمام ... 14
غسل الدبر من الريح ... 15
تيمم المرأة خشية التكشف عند الأجانب ... 16
التيمم مع قلة الماء ... 17
أحكام التيمم ... 18
ما حكم المذي؟ ... 20
التأثر بالمناظر المثيره وأثره على الغسل ... 21
الغسل من الجماع بحائل ( الواقي الذكري ) ... 23
كيف أتوضأ؟ ... 26
هل يجوز تيمم العروس ليلة الزفاف ؟ ... 28
ما هي صفة الغسل من الجنابة ؟ ... 31
الاستنجاء بالورق ... 32
ما هى آداب قضاء الحاجة؟ ... 33
هل قيء الآدمي طاهر أم نجس؟ ... 37
هل مس الذكر بدون قصد ينقض الوضوء أم لا ؟ ... 40
تدريس التربية الجنسية في المدارس والجامعات ... 42
التربية الجنسية.. متى وكيف؟ ... 45
التربية الجنسية.. متى وكيف؟ ... 49
تتويج البلوغ بتاج المعرفة ... 54
مفتاح التفاهم: اللمسة الرفيقة والكلمة الرقيقة ... 58
علموا أولادكم الجنس ... 63
الهوية الجنسية عند طفل الثالثة ... 66
ثقافة جنسية بلا إثارة ... 68
نمو الأطفال الجنسي.. كيف نتعامل معه؟ ... 70
الإعلام الجنسي وثقافة الاستعفاف ... 76
ثقافة الاستعفاف ...أساس التربية الجنسية ... 81
تصفح المواقع الإباحية : نصيحة واجبة ... 85
مشاهدة الأفلام الإباحية والصور العارية ... 87
النظر بين الجنسين : حكمه وضوابطه ... 89
عورة المرأة أمام محارمها ... 93
الجنس الإلكتروني: حكمه وعواقبه ... 96
التربية الجنسية وحكم تعليمها للشباب ... 99
عندما لا يستر الحجاب! ... 101
محجبات أشكال وألوان ... 105
أوصاف اللباس الشرعي للمرأة ... 109
تقبيل الرجل ابنته في فمها ... 113
تقبيل الآخرين .. حكمه وضوابطه ... 115
زينة المرأة أمام المحارم ... 118
كتابة المحامي لعقد الزواج العرفي ... 122
الزواج العرفي حكمه وأنواعه ... 125
الحصول على الجنسية الأجنبية هل يخالف الإسلام؟ ... 129
أخذ الجنسية من بلد غير إسلامي ... 130
حكم السفر للحصول على الجنسية ... 131
الزواج للحصول على الجنسية ... 132
مطالعة الكتب الجنسية ... 133
الصداقات عن طريق الشات ... 134
الهاتف والشات: وسائل اتصال لا تواصل ... 140
إنقاذ ضحايا الشات ... 143
لماذا فرض الله الحجاب؟ ... 157
عواقب التبرج ... 160
خلع الحجاب وبر الوالدين ... 163
القنوات الإباحية.. كن شاباً يوسفياً ... 165
مشاهدة الأفلام وسماع الأغاني وأثرهما على الصوم ... 171
مشاهدة الأفلام الإباحية والصور العارية ... 173
مصافحة الرجل للمرأة : الحكم والضوابط ... 175
العادة السرية : حكمها وأضرارها وكيفية علاجها ... 187
حكم الغزل والحب ... 193
حكم الغناء : بين المانعين والمجيزين ... 195
خطورة الخلوة و الاستمتاع بالأجنبية ... 214
الاستمناء بين الحل والحرمة ... 217
الرد على شبهات أنصار الاختلاط المفتوح ... 220
الزواج للحصول على الجنسية ... 226
أخذ الجنسية من بلد غير إسلامي ... 227
حدود الخلوة ... 228
خطورة الزنى وأثره على الفرد والمجتمع ... 230
حكم مشاهدة الأفلام الجنسية ... 233
حكم النظر بشهوة ... 234
حكم مصافحة النساء ... 236
ما حكم النظر إلى المرأة السافرة فى التليفزيون؟ ... 248
حكم العدسات اللاصقة ... 254
التحدث بين الجنسين عبر الإنترنت ... 257
التربية الجنسية للمراهقين ... 258
كيف تُكلم المراهق عن العادة السرية؟ ... 265
اضطراب الهوية الجنسية في الطفولة ... 268
بين الذاتية الجنسية والانحراف الجنسي ... 272
الصداقة..الحوار..التفاهم ..مفاتيح المراهق ... 279
ابنتي ترفض الحجاب....ليست مشكلة ... 285
المراهقات ..الصلاة.. الحجاب ..برنامج للاقتراب ... 290
البنات والموضة وحرية الاختيار ... 295
ابنتي ترفض الحجاب.. المقدمات والنتائج ... 299
لباس المرأة المسلمة: حكمه وأوصافه ... 303
المراهقة و عالم الأسئلة المحرجة ... 308
علموا أولادكم الجنس ... 312
التربية الجنسية.. متى وكيف؟ ... 315
التربية الجنسية.. متى وكيف؟ ... 320
حكم السفر للحصول على الجنسية ... 324
حكم المحادثة بين الذكور والإناث على ا[نترنت ... 325
حكم النظر للصور الجنسية في وسائل الإعلام ... 326
حكم معاشرة امرأة بعلاقة صداقة في بلد أجنبي ... 327
مقاطعة السجائر ... 330
يوميات اللدغ والعسل: صفحتنا تبرير وتغيير ... 332
نادية وسامح والدكتور مصطفى !! ... 336
كفانا صراخا.. نصرة قضايانا بالكتابة للأطفال ... 340
أحتقر نفسي..أخطاء حب منتهي ... 343
أبي.. ذلك الشرير كيف أتعامل معه؟!..متابعة ... 346
أنا وزميلتي.. لماذا الحب ولماذا الزواج؟! ... 351
أنا وأصدقائي .. لا اطيقهم ولا أستغني عنهم ... 356
على أعتاب النضوج.. حدود المسئولية ... 360
مريض الفصام.. هل الزواج ممكن؟ ... 363
ميليشيا الطلبة.. الضغط يولد الانفجار! ... 367
سكن الطالبات.. البحث عن الحرية المفقودة! ... 372
الحب هو ...نادية وسامح والدكتور مصطفى !! ... 377
الخيانة الإلكترونية.. غواية الخجلاء ... 380
المهنة: حبيب.. عفوًا.. طبيب نفسي! ... 383
عندما تختلف الأحلام أوقف شلال الحب ... 387
تحيا الحرية ..حتى في الحب ... 390
أخت صديقي أحبها.. فهل أصارحها؟ ... 395
يرحل الحب ويترك مساحات إنسانية أخرى ... 398
تخلى عن حبه فكان الفشل حليفه ... 402
جروح القلب.. يداويها الجفا ... 407
التكافؤ هام حتى يدوم الحب ... 410
رسالة حب على المحمول ... 415
كيف أفاتحها؟ .... لا تفاتحها ... ... 420
حواء.. ليست شيطانًا ولا ملاكًا ... 422
الحب تحت العشرين ... غموض وتناقض ... 424
الحب تحت العشرين ... غموض وتناقض ... 426
توابع ضياع الحب الأول ... 428
الحب الأول.. هكذا تكون الصدمات ... 430
التاريخ النفسجنسي لشاب عادي في بلادنا ... 433
يريد قناعا جلديا.. متابعة ... 441
الطريق إلى الزواج, اختيار شريك الحياة, الخطبة ... ... 443
أبي.. ذلك الشرير كيف أتعامل معه؟! ... 445
قريبتي شكاءة بكاءة سليطة السلوك ... 448
أبناء عمي.. والطاقات المهدرة ... 452
زمن الوصاية على الأب ... 460
في البيت.. رأي الزوج استشاري!! ... 462
أحوال المحتار: رشاقة نانسي، وتسالي الحب البديل ... 466
لواط بين أخوين.. ومن "أسرة محافظة"!! ... 476
الشذوذ الجنسي ...الحكم والعلاج ... 483
علاج مشكلة الشذوذ ... 489
اللواط والسحاق في ميزان الإسلام ... 492
أخي يعاني.. ونحن السبب!! ... 498
تميمة لإصلاح الأب! ... 501
أكره أن أشبه أبي.. هل أنا طبيعي؟ ... 504
ازرع برا.. تجني حبا ... 508
الهروب من الزواج.. مشاكل وحلول ... 512
أسرتي.. لا حرمني الله من صراخكم ... 518
أحلام الفتى المثقف: طموح وخائف ومتردد ... 524
اغفر لتنسى.. وسامح لتنعم بالحياة ... 527
سمين وعنيف وهزلي: كيف أساعد قريبي؟! ... 533
جيل الإنترنت يتحدث مع الأهل ... ... 538
الحب بالهاتف : طائر الخيال ، وصخور الواقع ... 540
السموات المفتوحة: طائر في العنق ... 543
الأب الحيران ومواقع الرذيلة ... 545
التحذير من الشات: تجربة مثيرة ... 547
الإنترنت والترفيه: زوجة بديلة أم جليس سوء؟ ... 550
العلاج النفسي بالكمبيوتر.. وَهْم أم حُلْم؟ ... 554
الحب بالشات واقع أقرب للخيال ... 556
فتيات الإنترنت والتلفاز ... 561
المواقع الساخنة.. الاستمناء .. وداعاً للإدمان ... 563
ميليشيا الطلبة.. الضغط يولد الانفجار! ... 573
بعد 7 سنوات تقدم فاختارت صديقه ... 578
شاب يسأل..هل أنا مصاب بالمثلية الجنسية ؟ ... 586
هل العادة السرية رياضة جنسية؟؟ ... 588
الزنا والشذوذ.. هل هناك فرق؟! ... 590
أخونا والنساء والجنس: تساؤلات وحكايات ... 593
في التخطيط لقيادة الأمة سؤال عن فقه الاستمناء! ... 611
اختلاس النظرات في مدرسة البنات ... 615
صديقنا يسأل عن "الصنبور" ... 619
ما بين "العادة" والعبادة.. أين قلبي؟ ... 622
يا يوسف هذا العصر..أبشر ... 626
صديقنا أحب.. فأقلع عن "العادة" ... 628
الذاتي والمشترك: بين الزواج والعادة السرية ... 630
رسالة إلى "مساجين العادة".. قصة نجاح ... 632
نظرة.. فلمسة.. فقبلة.. فكارثة.. فتوبة !! ... 637
قلب كبير جدا.. يتسع لكل النساء ... 640
الشهوة بين التوظيف والإخماد: عقاقير العفة ... 643
قص جناح الشُّحرور.. ... 645
التنويم المغناطيسي لعلاج العادة السرية ... 650
قبلة الفم بين الرجال ... 654
ليس حبًا في الله ... 656
الحب المرضي : الميول المثلية وحدود الصداقة ... 658
بل اكسري قلوبهن ... 661
شاب يحب صديقه.. علاقة خطرة ... 663
تعليم الجنس.. تساؤلات ومقترحات ... 665
سرعة القذف وسراب المتعة غير المسبوقة ... 669
السائل الغليظ ... أمرُُ يحتفل به الرجال ... 673
الفاحشة ..إدراك وممارسة ... 677
الإهمال في الصغر واللواط في الكبر ... 680
بنت العاشرة لا إرادة لها ... 682
الأعتداء في الصغر/اللواط في الكبر ... 684
الجنس: ضعف الفهم أم قصور التفهيم، مناشدة ... 686
الجنس : ضعف الفهم أم قصور التفهيم .. متابعة ... 693
الردع.. بعد خمسين عامًا من الفساد ... 695
تحرش بأخته وتاب.. كيف يجبر الكسر؟ ... 699
"سمكة الصحراء" تبحث عن العودة للماء.. تعقيب ... 702
إذا أهمل الوالدان فأين العقل والإيمان؟ ... 709
في بيوتنا.. ظاهرة الأنثى المتمردة ... 716
أنا وأبي.. عواقب التنصت ... 721
في بيت العائلة: جهل وتحرش وتعتيم ... 724
لبس الحجاب" ليس معركة" ... 729
أمي .. أحبك رغم هجرك ... 735
أنا وأبي: مطارق وقواقع وصخور ... 738
جريئة ومرحة ورائعة إلا في البيت.. ... 741
الأب يشاهد الأفلام الجنسية: موقف الابنة! ... 750
أبي همي الكبير.. لماذا ؟! ... 753
بين العادة و الشات ..رحمة الله أوسع ... 759
غير عنوانك.. للنجاة من الحب الإليكتروني ... 766
علاقات الإنترنت.. الأول مات والثاني مفلس ... 769
الاستمتاع.. بقناع وبدون قناع ... 772
حبيبي الإلكتروني أمريكي ... 775
أختي بين خيوط العنكبوت.. مدمنة إنترنت!! ... 782
الفضاء الإلكتروني والعودة إلى الذات ... 789
بعيدًا عن العيون.. صداقة أون لاين.. (متابعة) ... 801
حلم أم سراب.. حب في الفضاء؟ ... 806
ثانوية عامة.. غموض الصديق الإلكتروني ... 811
بعيدا عن العيون.. صداقة أون لاين ... 815
الفارس الإلكتروني.. هل هو حاطب ليل؟ ... 822
العريس الرومانسي وحسابات العقل ... 829
الحب في الصغر ..ترعاه المسئولية ... 833
محبطة و مكتئبة.. الغرق في هموم عربية ... 836
من ينساك أنساه حتي تستمر الحياة ... 843
فضفضة فتاة على أعتاب العنوسة ... 850
خجلها المفرط يهدد حياتها الزوجية ... 855
وحيدة وأحب اثنين ... 858
فتاة في مهب الريح..لا غشاء ولا رقابة ... 863
عذاب وآلام.. راغبة في الانتقام ... 868
صغيرتي تبوح فقلبها مجروح.."مشاركة" ... 872
الوسادة الخالية.. ولوعة الفقدان ... 875
أنا وحبيبي: قبلات وندم.. نبقى أم ننفصل؟ ... 884
الحب بالخيال: نبهتني صديقتي فنسجت القصص ... 887
أي "السوائل" يسبب الحمل ؟ ... 894
السائل المنوي ... اللون والقوام ... 896
قبل أسبوعين من خطبتها.. الغشاء يرعبها ... 897
تمارس العادة السرية وتكافح للخلاص منها ... 901
التحرش فى الصغر يقود إلى جحيم فى الكبر ... 903
تشك فى بكارتها وتخشى كشف الطبيب ... 907
غشاء البكارة.. كشف بمجرد النظر ... 910
تساؤلات أخرى, العلاقة الجنسية بين الزوجين ... 912
شكوى من متفوقة.. النحلة تأخذ الرحيق وتعطي العسل! ... 916
فعل بي وبه: ذاكرة التحرش الجماعي ... 935
صغيرة على الهم.. يتحرش بها العم ... 937
التحرش بالمحارم.. السكوت أخطر من الفعل ... 940
حبيبي " يحترق ".. كيف أقنع أبي ؟ ... 945
بين التحرش.. والعادة.. والأمل في المستقبل ... 952
ضحايا التحرش : حتى لا تقع فريسة جديدة ... 955
ذكريات الطفولة ، والنفور من الزواج ... 957
ضحية الاعتداء الجنسي.. الجحيم الحي ... 960
على أعتاب النضوج.. حدود المسئولية ... 962
مراهقة تسأل.. كيف أكون "مرحة"؟ ... 965
هواجس حول الحب و"النقاب" ... 968
هواجس حول الحب و"النقاب" ... 975
تساؤلات فتاة صغيرة على الحب ... 982
معاناة مراهقة مع الحب ... 986
أفتقد الحنان.. مشاعر مراهق ... 989
شبابنا يعاني فمن يستمع لهم؟ ... 990
عند البلوغ ..قشور العلم لا تجدي ... 993
أراني جميلة.. لكن لا أثق بجمالي ... 997
سؤالك طريقك لقلب أبيك ... 999
بيني وبينه 15 عاما..وامرأة ... 1004
بين العقل والقلب: انا وصديقتي وصديقها ... 1008
مراهقة وحيدة في مجتمعاتنا الجديدة ... 1013
الانتحار حرام.. فما هو الحلال؟ ... 1017
تقدير الذات.. مفاهيم وأدوات! ... 1021
مفاتيح للذكاء الاجتماعي ... 1028
مهووس بالبنات.. أوقف قطار الأفكار ... 1031
إدمان العلاقات الهاتفية.. تشريح نفسي ... 1033
إذا أهمل الوالدان فأين العقل والإيمان؟ ... 1039
الدراسة بين الحلم والواقع ... 1046
الحرية أنانية.. والزواج تفاهة! "مشاركة مستشارة" ... 1049
الزنا والشذوذ.. هل هناك فرق؟! ... 1052
الزواج كطموح.. والدراسة مابين الطب والحاسوب ... 1055
عامي السادس عشر: خوف وحياء ورغبة ... 1059
صلة بدون علاقة ... 1062
عادة الطفولة ليست عادة سرية ... 1067
في التخطيط لقيادة الأمة سؤال عن فقه الاستمناء! ... 1069
جريئة ومرحة ورائعة: ثرثرة صيفية ... 1073
الخطوبة السابقة.. هل هي جريمة؟! ... 1081
ابن أختي مراهق ... 1083
حائر بين الجميلة.. ورائعة الجمال ... 1088
اختبار الحب الحقيقي.. "مشاركة" ... 1092
اختبار الحب الحقيقي! ... 1096
وردة ورسالة حب.. الشرطية العاشقة ... 1099
حزب المضطهدات: أمية الأمهات! ... 1106
كره أن أشبه أبي.. هل أنا طبيعي؟ ... 1110
بدلا من الشات: ماما والخالة والعمة ... 1114
لست مغرورة ولا أنانية .. مشاركة ... 1118
إدارة الوقت وليس ميكنته! ... 1120
إلا في البيت.. العالم الداخلي للفتاة العربية "متابعة" ... 1124
ذات الخمسة عشرة: أكره أبي "مشاركة" ... 1132
لست مغرورة.. ولا أنانية ... 1135
لبس الحجاب" ليس معركة" ... 1138
التدرج علاج الخوف ... 1144
حديث القلوب على الهواء ... 1146
ذات الخمسة عشرة: أكره أبي ولا أريد الزواج ... 1150
يا بني.." احفظ الله يحفظك" ... 1153
نقابي بين جدتي ورغبتي ... 1156
الحب الخطر.. سقوط في الهاوية ... 1160
وماذا بعد الحب؟؟ ... 1163
الحب مسئولية وليس حركات ... 1166
إبداع خامد ...كيف نفعَله؟ ... 1168
صغير على الحب! ... 1171
صغيرتي تذكري.. "هونًا ما"!! ... 1177
أسرتي.. لا حرمني الله من صراخكم ... 1179
أنا وصديقتي.. افترقنا ... 1185
أنا وأبي: مطارق وقواقع وصخور ... 1189
تماثل أم تكامل.. كيف أختار صديقة؟! ... 1192
القلق من القلق.. والتفكير من التفكير! ... 1195
إلا في البيت.. جريئة ومرحة ورائعة ... 1200
"على أعتاب النضج .. أول دقة قلب" ... 1209
أفكار في المهجر: كيف أرشد مراهقاً ... 1212
أحلام الفتى المثقف: طموح وخائف ومتردد ... 1214
"أسطورة الريجيم".. ووهم "فتاة الغلاف" ... 1217
نظرة.. فلمسة.. فقبلة.. فكارثة.. فتوبة !! ... 1225
أحلام اليقظة.. لا للمقاومة.. نعم للترشيد ... 1228
من كتائب الجهاد المدني.. "رابطة محاربة العُري" ... 1231
مشكلة الإنجليزي تهدد حياتي بالانهيار "متابعة" ... 1237
عيب صغير: حبيبي لا يصلي فكيف أقنعه؟! ... 1240
متاعب بنت 17: أكره المذاكرة وزواج الأقارب ... 1243
شوكة بالعنق: طيب ومسالم ومسكين ... 1247
ثالث متوسط: كيف أستذكر قبل الإمتحان؟! ... 1250
خالف واتفق: سر الشخصية المثالية ... 1252
مراهقة عادية أم مقدمة انحراف ... 1258
أنا والأصدقاء.. تساؤلات تحت العشرين ... 1261
اغفر لتنسى.. وسامح لتنعم بالحياة ... 1264
رسالة إلى كل وزراء التعليم ... 1270
عزيزي المراهق.. اكتشف نفسك.. واقتنع بهدفك ... 1273
لكل مراهق.. وصفة للقوة والاستقلال ... 1276
تحت العشرين.. مراهقة المشاعر "مشاركة" ... 1279
أخ سكير.. وأب مغلوب على أمره ... 1283
المثالية والشعور بالذنب ... 1287
عندما تتحدث الورود عن نفسها ... 1289
هل للطهر ان يعود من جديد ... 1292
هذه هي الشمس.. هذا هو الشيطان المراهق ... 1298
ثقي بنفسك.. وابني مستقبلك ... 1300
تقلبات المراهقة وأحلام الشهادة ... 1304
في الخامسة عشر.. يبحث عن عروس ... 1310(42/354)
التأقلم على حياة الجامعة.. كسر الانطواء أولا ... 1312
هو لا ينام.. فهل تنامي أنت؟؟ ... 1314
اكتشفي نفسك.. حددي رسالتك ... 1318
لا آكل اللحوم... ... 1323
ائذن لي في "الحب" ... 1325
كيف نستثمر "الزملات" ؟! ... 1327
المتعة والشعور بالذنب : هل أنت قسرية ؟ ... 1330
المراهقة.. أحلام وآمال.. وحيرة ... 1337
"المثالية".. نموذج الأوهام ... 1341
جسر المراهقة : اضطراب.. كآبة.. ضعف ... 1343
فتاة الخامسة عشرة.. تبحث عن فريسة ... 1348
ا يعرف سوى اسمي .. إنه " أبي" !! ... 1350
تحت العشرين : الحب.. والدراسة.. والأم ... 1353
البحث عن أب في الخيال ... 1357
تكتب وأكتب : في حب البنات للبنات ... 1359
مدارس البنات : هل الضرب ينقض الوضوء ؟ ... 1362
الدراسة.. ضرورة ثقيلة الظل ... 1364
عدوى المرض النفسي : الابن مفتاح العلاج ... 1366
في وجود الميسرات: الطاعة أقرب أم المعصية ؟ ... 1370
يحدث بين الطلبة والطالبات: هواجس ملتزم ... 1372
تحت العشرين : لفت انتباه الجميلات ... 1379
في عطلة الصيف.. هو وهي معًا بالإجبار! ... 1381
صداع المذاكرة.. أعراض هروبية ... 1386
البحث عن المثالية.. بعيون سلبية ... 1388
تساؤلات المراهقة ... 1390
الحب عام 2002 ... 1392
ملكوت السماوات أم أسفل الدركات؟ ... 1395
سياسة حافة الهاوية ... 1402
تحت العشرين : لا أحلام.. لا طموح ... 1404
الأذن والعين.. أبواب الحب وآلامه ... 1406
الطفل لم يعد طفلا ... 1414
لعب المراهقين ... 1416
بنات المدرسة : يركبن مع أي شاب ... 1418
بنت الثانوي.. استغاثة من معلمة ... 1421
الباحثة عن الحقيقة ... 1423
كراهية الخُلُق أم كراهية المخلوق؟ ... 1427
وقالت: هيت لك.. قال: معاذ الله ... 1430
وهل أنت على صواب ؟ ... 1432
الثانوية العامة والنجاح المنشود ... 1434
إذا اشتعل رأسهما شيبًا.. فقد أموت بكاء ... 1436
"قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم" ... 1439
حائرة بين الزوج والابن والابنة ... 1441
بل اكسري قلوبهن ... 1444
أنت بخير.. التدريب هو الحل ... 1446
مزاج الأهل الثقيل : الناضج أقل تأثرًا ... 1448
الطريق إلى القدس : الدّعم ثم الدّعم .. ... 1450
بعد الطموح .. الحكمة والخبرة ... 1453
بين سماء الرومانسية وأرض الواقع ... 1455
الدّعم ثم الدّعم ثم الدّعم .... ثم الاستشهاد ... 1457
لا للاستقلال التام.. لا للاستسلام التام ... 1460
معاناة مراهق ... 1463
هل أنفي طويل ؟ ... أخي وزميله الجميل ... 1466
تحت العشرين : خيال وصداقة وعاطفة مكبوتة ... 1468
تصورات العمر المتوتر : حدود الأماني والنصائح ... 1470
تقلب الصواب خطأ.. الهدوء هو الحل ... 1473
حائرة في أمره : فهو يدرس ، ووالده شبه متوفى ... 1476
عاصفة المراهقة : تحذير من العلميات الانتحارية ... 1479
عن الحب والإعجاب: المعاني في الأغاني ... 1482
تحت العشرين وحيدة وجادة.. وأفكر بالأولاد ... 1485
أعراض الوحدة في غياب الأهل بالخارج ... 1488
تحت العشرين : سلامة القصد لا تحمي الغافلين ... 1491
تحت العشرين : ترياق الحب الضائع ... 1493
ونحن نسألك : هل كل الرجال أشرار ؟ ... 1495
بعيدًا عن المزعجين : علاقة غامضة ... 1498
وحيدة في سجن الأهل : السلطة والقرار ... 1500
بين الفتيات : ينتشر في مدارسنا منذ زمن ... 1502
لا للاستقلال التام.. لا للاستسلام التام ... 1506
معاناة مراهق ... 1509
هل أنفي طويل ؟ ... أخي وزميله الجميل ... 1512
تحت العشرين : خيال وصداقة وعاطفة مكبوتة ... 1514
تصورات العمر المتوتر : حدود الأماني والنصائح ... 1517
تقلب الصواب خطأ.. الهدوء هو الحل ... 1520
حائرة في أمره : فهو يدرس ، ووالده شبه متوفى ... 1523
عاصفة المراهقة : تحذير من العلميات الانتحارية ... 1526
عن الحب والإعجاب: المعاني في الأغاني ... 1529
تحت العشرين وحيدة وجادة.. وأفكر بالأولاد ... 1532
المراهقة والمبالغة ... 1535
أعراض الوحدة في غياب الأهل بالخارج ... 1538
تحت العشرين : سلامة القصد لا تحمي الغافلين ... 1541
ونحن نسألك : هل كل الرجال أشرار ؟ ... 1543
بعيدًا عن المزعجين : علاقة غامضة ... 1546
وحيدة في سجن الأهل : السلطة والقرار ... 1548
بين الفتيات : ينتشر في مدارسنا منذ زمن ... 1550
الثانوية العامة: حوار هادئ ونصائح عاجلة ... 1554
مشكلة تؤرق الشباب من الجنسين ... 1558
في العشق الجنوني: ألوان الجحيم المعروفة ... 1560
ليس حبًا في الله ... 1564
الأخ الأصغر: ناصح أم أب بديل ... 1566
تحت العشرين: عاطفية جدًّا من ناحية الشباب ... 1568
دواء الغفلة: ملاحظات قبل الزنا ... 1570
جيل الإنترنت يتحدث ... 1575
تقديم النصيحة ... 1577
صفعة على الوجه ... 1579
تحت العشرين: رهانات الحب والمخاطرة ... 1581
البحث عن الذات.. أنا جوقة ... 1587
تحت العشرين: مشاعر ما بعد الطلاق ... 1589
كيف أعلّم أخي أمور المُراهَقة؟ ... 1592
أحب أمي.. ولكن علاقتي بها سيئة ... 1593
دموع الغضب سؤال وعلاج ... 1595
انفصال الأب والأم.. والدراسة ... 1596
تحت العشرين: بناء المجد أم معاناة السعير ... 1599
وما زالت أسئلة الحب من الأعماق ... 1602
معًا إلى الله .. خطوة بخطوة .. قصة ملتزمة ... 1604
موم الشباب البازغة: الوسيطة حلاً ... 1614
آية العجز التضييق.. رسالة من سجن الأسرة ... 1617
تحت العشرين ... بعض متاعب الأنوثة ... 1620
بنات ثانوي والعلاقة بالجنس الآخر ... 1622
أحلام اليقظة: مرض أم علاج؟! ... 1625
المذاكرة بين وجود الرغبة وغياب الإدارة ... 1629
أملنا الأخير غالبًا.. مسافر زاده الخيال ... 1633
قصص حب ساخنة.. البنات يحلمن ... 1637
خائفة على بناتي ... 1640
ابن العاشرة يتشاغل عن الصلاة ... 1642
لماذا ينعزل الطفل؟ ... 1644
أهلي وبلدي أم الحب المجهول؟ ... 1646
آباء وأبناء ..قصة كل بيت ... 1649
تحت العشرين ..شكاوي معتادة "متابعة " ... 1651
تساؤلات تحت العشرين.. الدراسة ستبدأ ... 1653
مخاوف حول قصر القامة ... 1655
تحت العشرين.. خلافات وعقبات غامضة ... 1658
الغيرة بين الأطفال ... 1660
تحت العشرين.. سنوات القلق والشك ... 1662
تحت العشرين.. شكاوى معتادة ... 1664
تحت العشرين .. الأوضاع تدفع للجنون ... 1666
تحت العشرين.. العبور دون خجل ... 1669
المزاح باليد ... 1672
تحت العشرين.. العذاب الجميل ... 1673
معاناة من الأفكار ... 1674
تبول الأطفال ... الجواب في السؤال ... 1675
الزواج ... والصدمة الأولى ... 1677
ابن الرابعة عشرة .. كيف نعامله؟! ... 1680
خلاف بين جيلين.. مظاهر الرجولة ... 1685
الامتحانات على الأبواب ... 1688
كلهن يحببنه!! ... 1691
إني أغرق وأنهار ... 1693
الاستيقاظ لصلاة الفجر ... 1696
ثانوية عامة.. الخوف من المجهول ... 1698
ماذا وراء حمرة الخجل؟! ... 1700
التواصل مع الجنس اللطيف ... 1701
ابنتي الصغيرة تكذب وتسرق ... 1702
ضريبة الكفاح..أم شماعة للتقصير؟ ... 1704
تحت العشرين.. الإسلام والمنطق ... 1706
ضحية اغتصاب.. روعة التسامح ... 1708
الاحتواء لا المقاطعة.. لترك الخمر ... 1712
أريد أن أموت... اضطراب التعلقات ... 1716
مثاليتي .. يكرهها زوجي والناس ... 1719
نظرات في مشكلات الشباب.. ومحاولات الحل ... 1724
الطلبة المصريون... ومواجهة رعب الامتحانات ... 1729
الشباب.. والعناية بالقرآن الكريم ... 1732
صمت المراهقين.. من المسؤول؟ وما العلاج؟!! ... 1740
المراهقات .. وتجاهل الأمهات ... 1745
عزيمة الشباب.. حينما تتحدى الشلل ... 1747
الرجولة بين المظهر والمضمون ... 1750
فتياتنا بين الحجاب وصرعة الأزياء ... 1756
الألغام تحصد شباب كردستان ... 1759
يوسف وامرأة العزيز .. ودرس في العفة للشباب ... 1763
معاكسات الشباب.. والاستهتار بالأعراض ... 1769
عوامل الانحراف عند الشباب ... 1776
مقاهي الإنترنت تختطف الشباب ... 1780
إدمان الإنترنت ينتشر بين شباب العراق ... 1786
المخدوعة ... 1788
الثقافة الجنسية .. متى وكيف؟ ... 1789
في الجزائر: الكتب والأشرطة الإسلامية بدل الأغاني ... 1792
الزواج المبكر ... 1796
لماذا سير شباب الصحابة؟ ... 1799
طالباتنا في الجامعة...ماذا يقرأن؟ ... 1803
تربية السلف للشباب ... 1808
تيسير زواج الشباب ... 1811
شركات في باريس تنغص عيش الشباب ... 1814
الشباب وتنمية المجتمع في عهد الخلفاء الراشدين ... 1818
من مدرسة النبوة للشباب ... 1822
استنفار يمني لتسهيل زواج الشباب ... 1827
عزيزي الشاب،عزيزتي الشابة:من قدوتك؟ ... 1830
هل نحن جيل عازف عن الزواج؟ ... 1834
واجه شعورك بالنقص! ... 1837
الشباب والعادة السرية.. أحكام وضوابط ... 1843
إقبال شباب سعوديين على الاستشارة النفسية عبر الإنترنت ... 1847
الزواج العرفي .. بدعة شبابية ... 1852
الجامعة السورية: محاضرات في "الهنغار" ... 1857
تشات يوفر الحب الافتراضي المدمر أحياناً! ... 1860
قليل من الزينة وكثير من الحنين في بيوت المغتربين ... 1863
مراهقو مصر يطالبون ببرامج تبتعد عن الوعظ ... 1866
اللغة العربية تدخل أسواق العمل الكندية ... 1870
الشباب بين الأهواء ومتطلبات الحياة ... 1873
هل فقد الحلم الأميركي بريقه في عيون الشباب؟ ... 1879
بعض طلاب "هارفارد" لا يعرف أين يقع العراق! ... 1881
مليون تلميذ عراقي تسربوا من المدارس إلى الشارع ... 1886
الإيدز يزيد انتشارا بين الشباب العربي ... 1889
الشباب العربي والتدفق الإعلامي ... 1893
الإنترنت في العراق منقذ من عنوسة وملل ... 1897
شباب بريطانيون يعتنقون الإسلام ويطالبون بـ"عودة الخلافة"! ... 1901
"متدينو المناسبات" يستغلون رمضان للتكفير عن باقي الشهور! ... 1904
كيف يصبح المراهق صاحب قرار؟ ... 1907
أتوب ثم أعود للمعصية فماذا أفعل؟ ... 1910
معاناة النشء الفلسطيني الدراسية في ظل الاحتلال ... 1913
البطالة .. قنبلة موقوتة ... 1920
خريجو الثانوية ومفترق الطرق ... 1923
الشباب .. ووضوح الهدف ... 1927
زواج الكاسيت.. شقق مشتركة وحفلات في الكافتريا ... 1929
شبابنا وثقافة الإنترنت ... 1933
الشباب العربي المعاصر ... ونهج البطولة في الإسلام ... 1935
جنوح الشباب ومشكلات الانحراف ... 1941
عودة الطيور المهاجرة ... 1947
حكايات من واقع الشباب!! ... 1950
الشباب .. وأزمة "الانتماء" ... 1953
الشباب وثقافة الغرب ... 1956
الشباب والقات في اليمن بين الإباحة والتحريم ... 1959
الشباب والإجازة .. ... 1964
الشباب الفلسطيني .. إحباط ويأس وأوضاع متردية ... 1968
شبان وشابات يتحدَّون الثورة الجنسية في أمريكا وكندا ... 1973
قطر : الشباب عازفون عن الزواج ! ... 1976
الهجرة.. حلم يداعب أحلام الشباب ... 1980
التوجيه نحو الاستقرار الاجتماعي للشباب المسلم ... 1986
الشباب المغاربي.. يتفاعل مع هموم أمته الإسلامية ... 1989
هل أخذ نجم المدارس بالأفول ؟ ... 1994
الشباب المسلم والسياحة الغربية .. حقائق وآراء ... 2001
مشاكل الشباب العربي ... 2008
العنوسة تؤرق المجتمع وتهدد استقراره ... 2013
الفضائية "زين" ... 2019
نداء من طلبة فلسطين إلى شباب العالم العربي والإسلامي ... 2024
آداب شبكة الإنترنت ولياقات التواصل عبرها ... 2027
شباب اليوم .. كيف يفهم الرجولة ؟ ... 2029
الفتيات المسلمات يواجهن التحديات ... 2034
شبابنا .. والإعلام المعاصر ... 2039
الانترنت تسبب أزمات نفسية للشباب ... 2047
الشباب الأمريكي يفضل المرح و الجنس على الزواج ... 2050
أزواج وزوجات لليلة واحدة ... 2052
التجنيد عامل بناء أم ... ... 2056
" من عانس إلى مطلقة.. يا قلبي لا تحزن " ... 2061
بشرة مستوردة ... 2064
مشكلة الإدمان بين النشء والشباب.. محاولات للحل ... 2065
البوزكاشي .. رياضة لا تقل عنفا عن الحروب! ... 2067
الإبراهيمي وحديث مع الشباب ... 2069
رسالة إلى شاب ... 2071
القراءة وشباب الألفية الجديدة ... 2076
ظاهرة الالتزام في أوائل الثانوية المصرية ... 2078
أخي الشاب.. دع العنف وابدأ بالسلام ... 2083
من الشيخ ابن باز .. إلى أبنائه الشباب ... 2086
الانترنت..وسيلة إبداع أم إيقاع؟ ... 2088
إضاءات في حل مشاكل الشباب ... 2093
الثقافة البيئية..لماذا نحن بحاجة اليها؟ ... 2098
شباب العصر وتفجير الطاقات ... 2104
كيف تنشأ المشكلة لدى الشاب؟ ... 2106
مبدأ اللاّ عنف في حياتنا ... 2110
مجالس اللهو البريء الشبابية ... 2112
دعنا نبتهج.. إنّه شبابنا الذي لا يعود ... 2114
الشباب و حمى الموضة !! ... 2116
البرامج الشبابية.. نظرة نقدية ... 2118
النفور من النصائح.. هل هي عادة الشباب؟ ... 2120
ثقافة «الهمبرغر».. متقنة وعصرية أم؟ ... 2122
الحبّ .. شرط أم لا ؟ ... 2125
هل أنت مؤمن بـ (لعبة الحظّ )؟ ... 2127
الكتابة السرّيّة والأمن الاجتماعي للشبان ... 2130
موضة الغرف الخاصّة ! ... 2132
كيف أتصرف عندما أكون في مقاهي الانترنت؟ ... 2134
فوضى الوقت في حياة الشاب! ... 2136
شبّان لا يقرأون ..هل البدائل الاخرى هي السبب؟ ... 2138
الشباب.. والعناية بالقرآن الكريم ... 2141
الفجوة الرقمية بيننا وبينهم ! ... 2148
12 سبباً تجعل من الميزانية أمراً حيوياً في حياتنا ... 2150
زهايمر الشباب..ضيف ثقيل يغتال الذاكرة ... 2152
العلاقات بين الأجيال ..تواصل أم صراع؟! ... 2160
دور القراءة في حياتنا الاجتماعية المعاصرة ... 2167
طريقة قضائك للوقت تحدد نوع الحياة التي تحياها ... 2175
كيف نستثمر المدح في بناء الإنسان؟ ... 2177
نصائح لعلاج انطواء المراهقين ... 2180
كيف تبدّد المخاوف التي تحدق بك ؟ ... 2183
ما تحمله تجاربك الشخصية وتجارب الآخرين ... 2185
كيف يحقق الإنسان شعورا بذاته؟ ... 2188
العلاج الإرشادي لقلق المنافسات الرياضية ... 2195
الشباب والصيف ..هل من حل حقيقي لهذه المشكلة ؟ ... 2199
اللامبالاة والانطوائية عند الشباب ... 2203
لكي ننجح في كل عمل! نصائح لا تقدر بثمن... ... 2210
الأدباء الشباب والملاحظة ... 2212
الشباب والحاجة الى حياة نظامية جديدة ... 2216
الامن النفسي وحسن اختيارك للحياة ... 2223
ما الذي يجعل البعض متميزا بالعطاء والحب؟ ... 2225
كيف تتزوج الفتاة من شاب مسافر؟ ... 2227
كرة القدم الاستثناء الأجمل في العولمة ... 2231
هل الشباب بحاجة إلى قدوة ... 2233
آليات عبور المراهق إلى بر الأمان ... 2235
تأملات الشاب إلى ذاته .. الطموحات والأحاسيس ... 2238
حذار من أصدقاء السوء ... 2241
كن مثقفاً بعشر دقائق ... 2244
هل من الأفضل أن تقتل المراهقة في شخصيتك أم.. ؟ ... 2245
الشجاعة هي التماسك الذاتي ... 2249
الحرية والبناء التكويني للمرء ... 2254
متى تطالع وأين؟ قواعد عملية مفيدة للبدء بالمطالعة ... 2256
التغيير اما ان يطورك او يدمرك..أيهما تختار ؟ ... 2260
لكي تحقق الكلمة الطيبة في نفسك ... 2262
مجالس اللهو البريء وحدود المشاركة فيها ... 2264
تأملات في التضحية والفداء ... 2269
تربية العقل بين الإيمان وتحديات العصر ... 2274
أنت عبقري إذا أردت.. ... 2280
التأخر الدراسي .. أسبابه وعلاجه* ... 2285
نعم للحرية المنضبطة .. ... 2294
خطوات كي نعالج الحسد .. ... 2296
ما هي مسؤوليّتنا في حال نشوب مشكلة؟ ... 2305
للشباب ...ليس هناك ظلام مطلق ... 2309
كيف أواجه مصيري وقد أصبحت رجلاً بالفعل ؟ ... 2312
حدد هدفك.. ماذا تريد من رمضان؟ ... 2317
من طرق السيطرة على آفة الجنس ... 2321
التأخر الدراسي .. الأعراض وأساليب التشخيص ... 2322
عندما أكتشف ذاتي ما الذي سيستجد؟؟ ... 2324
برنامج علاجى لحالات الشذوذ الجنسى فى المجتمعات العربية ... 2332
كيف نبتعد عن شرور الحياة ؟ ... 2339
المسالمة والعدوان.. أسبابه وعلاجه؟ ... 2344
أيها الشاب..كيف تبني القيم الايجابية وتعزز مكانتها؟ ... 2350
الشباب والسفر: سياحة ودراسة وهجرة ... 2353
لماذا العنف ياشباب؟ ... 2366
تدبر العاقبة قبل الإقدام ... 2370
فلنغرس ثقافة الأمل بين شبابنا ... 2371
افة السرقة وسبل حلها ... 2373
خمسة وعشرون طريقة لكي تبقى شاباً ... 2376
كيف نواجه المخدّرات ؟ ... 2379
مبدأ اللذة لايصلح لمجتمعنا ... 2381
نصائح لعلاج انطواء المراهقين ... 2383
' لست وحدك 'سلاح متعدد الاستخدامات ... 2386
الغلمة وكيفية علاجها؟ ... 2391
المراهقة هي عمر العبقرية ... 2393
السلام الاجتماعي والتربية على القيم الروحية ... 2401
مميزات السلوك الرومانتيكي لدى الشباب ... 2409
ماذا يحدث عندما يهبط الخيال إلى أرض الواقع؟ ... 2412
هل من علاج للبلطجة ؟ ... 2417
تأثيرات الالعاب الالكترونية على الجسد, والنفس ... 2425
الاحتلام .. صحة أم مرض؟ ... 2431
أخلاقية الأسلوب في الحوار ... 2435
إبداع الشاب ... الحوافز والعوائق ... 2440
أمراض معدية في سن الشباب ... 2449
أيها الشاب خمسة فوائد لعملك ... 2452
هذه المشاكل الجنسية في حياة الشاب وهم وخيال ... 2458
كيف نعالج المعصية..؟ ... 2462
هل الزواج الناجح.. صُدفة حظ? ... 2467
شباب اليوم...هل الجيل الحالي متمرد؟! ... 2474
الاعتدال العبادي.. تطبيقات عملية ... 2476
كيف لي أن أكون رحيماً ؟ ... 2481
الآثار السيِّئة التي يخلّفها عدم الاعتدال ... 2485
الإعلام وسلوك الشباب ... 2487
التمرّد السلبي في حياة الشباب ..كيف يمكن معالجته؟ ... 2490
رؤية واقعية لفهم معنى المسؤولية ... 2495
كيف تتعلّم من اخطاء الاخرين دروسا كثيرة ... 2498
الشباب والوشم.. تقليد أعمى أم تمرد على الواقع؟!! ... 2499
الشباب والحياة الجنسية ... 2504
تصحيح بعض المفاهيم الشبابية المغلوطة ... 2507
كيف تبدّد المخاوف التي تحدق بك ؟ ... 2513
قصص القران والحياة ... 2518
الشباب والتشاور ... 2521
مجالات للحوار الشبابي ... 2524
مساوئ الغلوّ والتطرّف ... 2526
الشباب وعقد الطفولة ... 2528
التعلق بالتدخين .. وهمٌ أم حقيقة؟! ... 2530
الاعلام وسلوك الشباب ... 2533
مشجب القضاء والقدر في حياتنا ... 2536
التعلق بالتدخين .. وهمٌ أم حقيقة؟! ... 2538
أنا والمجتمع ... 2541
كيف تواجه الفترة الحرجة ما بين المعصية والاستقرار؟ ... 2545
حركة الوعي في حياتنا ... 2548
إدمان الكحول.. اسوأ أمراض العصر ... 2550
الشباب والهروب من الوالدين والمربين ..لماذا وكيف ؟ ... 2554
كيف ننظر إلى المال نظرة واقعية ؟ ... 2559
ورجعت فى كلامى ... 2560
الأبعاد التي يجب الاهتمام بها في بناء شخصية الشاب ... 2562
مراحل التطور الديني للشباب ... 2563
إلى الشباب ... 2568
الإيمان .. ينبوع السعادة ... 2569
كيف يجد الشباب الأمان والسلامة النفسية ؟ ... 2575
مسائل وملاحظات بخصوص توجيه جيل الشباب ... 2578
التجارب ثروة ... 2580
سرعة وكسل الشباب .. كيف يتّفقان؟ ... 2583
أقراص الانسجام .. خطر يجب حماية شبابنا منه ... 2585
كيف نواجه الضغوط الخارجية? ... 2587
نحن والحياة ... 2596
وصايا للشباب قبل عقد الزواج ... 2598
شباب: الكمبيوتر صديقنا .. المدمر!! ... 2604
الدهر يومان : يوم لك و يوم عليك ... 2611
أهمية القدوة الحسنة في تبليغ الدعوة ... 2613
العمل والشريعة الإسلامية ... 2622
الحياة كرة قدم..ينبغي التخطيط لها ... 2624
كيف نساعد الشباب المعرضين لخطر الانتحار؟ ... 2626
الرياء .. الشرك الخفي ... 2629
كيف تتوقف عن التدخين ؟ ... 2633
قضية مدرسة وبيت ومجتمع .. التحصيل الدراسي ... 2637
زواج "الهواء الطلق".. دعوة للشباب ... 2647
من المسؤول عن تربية الشباب؟ ... 2652
دور المال في الحياة وعلاقة الانسان به ... 2657
فعاليات الشباب الدينية والأمن الداخلي للدولة ... 2659
الإتكاء على السلالة ومدى تأثيرهاعلى الشباب ... 2665
هل الدنيا مظاهر . . أم! ... 2667
أخلاقيات التحرر من التعصب ... 2669
كيف تنشأ اسس الصداقات الحميمة ... 2671
الاثار الخفية للرياضة البدنية والروحية ... 2675
موقف الإسلام من المهاجرين، يهدينا إلى أي ضرورة في الحياة؟ ... 2678
الاسلام وتلبية مطالب الاشواق الروحية من خلال أفضل السبل ... 2681
دور التلفزيون في قضاء وقت الفراغ ... 2686
هل التغييرات النمائية لمرحلة الشباب تعتبر محاولة لتبرئة اخطائهم السلوكية؟ ... 2687
نظرية الفكر الإسلامي لتفسير نشأة الروح وعلاقتها بالبدن ... 2691
الأسباب والعوامل الاجتماعية والحضارية التي تشكل أزمة الشباب ... 2696
في زمن اضطراب القيم والمفاهيم,الوعي الإسلامي ومهمة الاستقامة ... 2702
حسان الظن بالاخرين ... 2706
الآثار النفسية للمعصية ... 2710
كيف يتعامل التوجيه الاسلامي مع الحالات النفسية للمريض ... 2712
النقد والمحاسبة أداتان رئيستان من أدوات تصحيح السلوك والفكر ... 2718
كيف يحقق الإسلام الأمن والسكينة والطمأنينة ... 2730
الوفاء بالوعد صفة أخلاقية من أجلّ صفات الإنسان . . ... 2734
المراهق والتكيف الصحيح مع المحيط الذي يعيش فيه .. ... 2736
نظرية المعرفة في الاسلام وكيفية تكونها لدى الانسان ... 2738
الإنسان قيمة دينية وحضارية ... 2742
كيف يتصرّف الشاب الرحمانيّ .. أو الفتاة الرحمانيّة ؟ ... 2746
كيف أتعامل مع غرائزي وقدراتي ؟ ... 2755
الحياء.. رقيب على صاحبه ... 2757
أسباب أزمة المراهقين في المجتمعات الإسلامية ... 2761
الرياضة والشباب ... 2765
مفاهيم إسلامية في تحديد معنى القوّة والغلبة ... 2771
في زمن اضطراب القيم والمفاهيم,الوعي الإسلامي ومهمة الاستقامة ... 2773
أنا ونفسي والشيطان ... 2777
مبادئ القرآن في دعوته وتعامله مع الواقع والحياة.. ... 2783
أهمية التربية في بناء الشخصية والسلامة النفسية ... 2796
حتى لا تتحول المراهقة لفترة مرضية.. ... 2800
الغرور...إطاعة الهوى ... 2802
بعض المفاهيم الخاطئة السائدة بين الشبان ... 2805
من رائع الكلام في الزهد والحكمة والموعظة ... 2816
الغرائز وعواقب استخدامه في غير محلّه ... 2818
حتى تكون القدوة صالحة ،لا بدّ من ... ... 2820
الشباب والغرب بين الأصالة والمعاصرة ... 2823
إنّني إنسان .. من الحق أن أفهم نفسي ... 2833
الشباب العربي وملامح ثورة جديدة ... 2842
الشباب ودوائر الوعي : ... 2848
كيف نفهم الحياة ؟ ... 2859
أزمة الشباب بين الإفراط والتفريط ... 2864
العوامل الرئيسة التي تخلق حالة الحسد ... 2868
كيف أحتفظ برباطة جأشي ؟ ... 2871
سؤال حائر في أفكار الشباب .. عقيدة أو لا عقيدة؟! ... 2879
كيف تؤثر أدوات التغيير في حياة الشاب؟ ... 2884
سبعة طرق لطرد حالة الشرود الذهني وضعف التركيز ... 2887
الشباب والثقافة والإنتماء الفكري ... 2889
النوم الكافي يُحسِّنُ الطول والتحصيل الدراسي ... 2896
المبادئ الأخلاقية في عصر التكنولوجيا .. مسؤولية مَن؟ ... 2900
الشباب والبناء الروحي .. وقاية في مغريات المادة ... 2903
تمارين ترويض النفس00طرق متنوعة من الايحاء الذاتي لدى الشباب ... 2906
تهيئة الشباب للزواج ... 2908
المخيلة + الاقدام النجاح ... 2910
كيف تعرفين أن شريك المستقبل يستحق حبك؟؟ ... 2915
الاختيار بالواسطة .. كيف يتم ومَن هم الوسطاء؟ ... 2918
الاختيار الشخصي .. مزايا وعيوب ... 2922
الاختيار لاعتبارات مادية .. بين القبول والرفض ... 2926
الاختيار لاعتبارات اجتماعية .. وتأثيراتها على الخطيبين ... 2929
الاختيار لاعتبارات ثقافية ومزاياه ... 2933
اضطرابات التوافق لدى الشباب.. الاسباب والعلاج ... 2936
انتبه طباعك قابلة للتغيير ... 2941
زواج الغربة.. فرصة جديدة للحياة أم ماذا؟ ... 2944
شباب يتعلمون طرق الامساك بزمام النفس عند الغضب ... 2948
كيف تحول انتقاد الاخرين الى عملية اهداء للعيوب ... 2950
خطط عملية لحياتك اليومية ... 2953
كيف تتغلب على نقاط الضعف في حياتك النفسية وتتحكم بغرائزك؟ ... 2954
بين ثقافة الشاب الاعرابي والشاب الجنتلمان ... 2958
انحراف الشباب .. الاسباب , المظاهر وطرق الحماية ... 2961
ما هي مواصفات المنحرف ... 2963
مظاهر الانحراف لدى الشباب ... 2975
نتائج الانحراف وآثاره ... 2979
سبل الحماية من الانحراف ... 2982
مقاومة الكسل الروحي ... تجارب ونصائح ... 2992
لكي لا تختلف عليكم المفاهيم يا شباب! ... 2993
مميزات السلوك الرومانتيكي لدى الشباب ... 2997
كيف تتحكم بإرادتك؟ ... 3000
كيف تتغلّب على الخجل ؟ ... 3004
أوراق عمل وتجارب في عالم الشباب ... 3006
تمرد الشاب على أسرته.. ما هي أسبابه؟ ... 3014
ما تحمله تجاربك الشخصية وتجارب الاخرين ... 3017(42/355)
وسائل الإثارة الحديثة.. كيف يتغلب الشباب عليها؟! ... 3020
رأي الدين في صفات الشريك المرغوبة ... 3022
كيف تتّخذ قراراتك ؟ ... 3024
دور العقل والعاطفة في سمفونية حياتك ... 3026
حل غير تقليدي لمواجهة البطالة ... 3029
حرية الشاب بين الاهل والهوى ... 3031
تعلم كيف تقول (لا) للضغوط السلبية ... 3034
كيف تتصرف حينما تكون عاطلاً عن العمل؟ ... 3036
أيهما أفضل للشاب.. العمل بغير اختصاصه أم البطالة؟ ... 3038
الشك الديني لدى الشباب.. لماذا؟ ... 3041
شبابنا والتعبير عن المشاعر ... 3044
أي اصناف المحجبات انت؟ ... 3046
دعونا نفكر من جديد كيف نفهم الحياة ؟ ... 3050
أزمات الشباب بين الواقع والطموح ... 3055
الدعاة الجدد بين الفتيا والدعوة ... 3060
الشباب .. استقلالية نافعة أم تبعية مهلكة !! ... 3062
هل الزواج من خارج بلدك ...ناجحا ؟ ... 3064
الشباب فرصة لن تتكرر ... 3065
عندما يفقد الشباب ثقتهم بأنفسهم! ... 3068
هل أنت مستعد لاستثمار الزمن؟ ... 3071
كيف تحافظ على نجاح خطبتك؟ ... 3074
التفاخر والإسراف في الزيجات الطريق الأقصر إلى الفشل والطلاق! ... 3076
أمراض الحب ... 3078
هل يعاني الشباب حقاً من مشكلة؟ ... 3085
كيف أذاكر..السؤال الأول لدى الطلاب؟ ... 3088
الشباب وأيام المرح والمزاح!! ... 3090
كيف تكون مؤهلاً لاختيار شريك العمر؟ ... 3091
الهجرة.. حلم يداعب أحلام الشباب ... 3094
عندما تصبح الحرية وباءا ... 3099
ماذا وراء السلوكيات المضطربة للمراهق ... 3101
المسؤولية .. طرق ونتائج تنميتها ... 3106
مواهبنا ، كيف نُنَمِّيها ؟ ... 3110
التطبيقات العملية للشخصية الصالحة الجذّابة ؟ ... 3113
فكِّر قبل أن تكون حرّا ... 3117
العوامل التي تفسد العلاقة ؟ ... 3120(42/356)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
الاشتراط في النكاح
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(43/1)
أقسام الشروط في عقد النكاح، وحكم كل شرط
تاريخ الفتوى : ... 11 محرم 1428 / 30-01-2007
السؤال
أنا صاحب السؤال رقم 2138063 وقد أحلتموني إلى فتاوى مفيدة جدا ولكنكم أغفلتم حفظكم الله نقطة من سؤالي ماذا لو سألت الزوجة أو المخطوبة زوجها وخطيبها هل زنا أم لا وقد زنا واستتر بستر الله أيكذب أم هو الرد المناسب وقد قرأت في أحد الفتاوى على إسلام أون لاين أن شخصين تم خطبتهما فاعترف أحدهما للآخر بذنب زنا ليس بزنا أي كان دون البلوغ استنادا للحديث " المسلمون على شروطهم " حيث اشترط كلاهما على الآخر المصارحة أرجو الإيضاح بالتفصيل وأعتذر إن كنت قد أثقلت.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق فيما أحلناك عليه من فتاوى أنه لا يجوز للمسلم أن يخبر بذنبه فيما بينه وبين الله، ومن فعل ذلك فقد ارتكب ذنبا آخر، وهتك ستر الله تعالى الذي ستره به.
ولذلك إذا سألته مخطوبته أو زوجته أو غيرهما سؤالا فيه ما ذكر، فلا يجيبها، ولا يخبرها، وله أن يبين لها الحكم الشرعي، وإن كان لا بد من الإجابة فله التورية عنها؛ كأن يقول: لم أزن -يريد بعد التوبة- ونحو ذلك، وإن كذب في هذه الحالة فلا نرى عليه بأسا للحاجة، وانظر الفتوى رقم: 52199.
وأما مسألة اشتراط المصارحة بين الزوجين في العقد فإن الشروط في عقد النكاح أقسام ثلاثة:
فمنها: ما يجب الوفاء به لأنه من مقتضيات النكاح ومقاصده كالنفقة.
ومنها: ما يحرم الوفاء به لمنافاته لمقتضى العقد؛ كأن تشترط المرأة ألا يقسم لضرتها أو نحوه.
ومنها: ما هو مختلف فيه؛ كاشتراطها ألا ينقلها من منزلها إلى منزله ونحو ذلك مما فيه مصلحة للزوجة.
وقد ذهب الحنابلة إلى أن كل شرط يعود على المرأة بالنفع يجب الوفاء لها به. وشرط المصارحة ليس من مقتضى العقد، ولا مما يعود على المرأة بالنفع في هذه المسألة بالذات ما دام الزوج قد تاب توبة صادقة؛ ولذلك لا يجب الوفاء به، بل إنه ربما أدى إلى الحرام وهو التحدث بالمعصية كما سبق، وقد قال صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم؛ إلا شرطا حرم حلالا، أو أحل حراما. رواه الترمذي
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
يقدم رفض الوالدين على اشتراط أهل الفتاة
تاريخ الفتوى : ... 28 شوال 1427 / 20-11-2006
السؤال(43/2)
لقد تقدمت لابنة العم فاشترطوا أن أمكث معهم في بلدهم بورسعيد وأنا أقيم في سوهاج مع الأهل ولكن هذا الشرط قوبل بالرفض مني ومن والداي، مع العلم بأني أحبها وهي، كما قال صلى الله عليه وسلم: (...عليك بذات الدين تربت يداك)، ولا أتصور أني سأعيش مع أحد غيرها وفي النهاية خيرتني أمها بين العيش معهم وإما ترك هذا الموضوع لأنه تقدم لها شخص آخر غيري جزاه الله خيراً، وأنا في حيرة لا يعلمها إلا هو سبحانه ماذا أفعل بالله عليكم، دلوني فهم ينتظرون الرد والله أكتب هذه الكلمات وأنا حزين؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المرأة إذا اشترطت عند عقد النكاح شرطاً يعود عليها بمنفعة مثل أن لا يسافر بها، وأن يقيم معها في بلدها، يجب الوفاء به على الصحيح من قولي أهل العلم، وقد تقدم بيان ذلك في الفتوى رقم: 32542.
ولذلك لا ننصح الأخ بالزواج بهذه المرأة إذا أصرت على هذا الشرط إلا بموافقة والديه لأن في قبوله بهذا الشرط مخالفة لوالديه، وعصيانا لهما، ثم إن النساء غيرها كثير، ونذكر الأخ بقوله تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216}، ويمكن أن تستعين بمن يقنع الفتاة ووالديها بعدم وجود ضرر من انتقالها عنهم لا سيما مع ترددها لزيارتهم ونحو ذلك، فإن رضوا فالحمد لله.. وإلا فالأمر كما بينا لك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
للمرأة أن تشترط على زوجها البقاء في الوظيفة
تاريخ الفتوى : ... 17 ذو القعدة 1426 / 18-12-2005
السؤال
تقدم لخطبتي شاب مناسب وأنا مقتنعة به تماما و لكن هناك مشكلة أرجو مساعدتي بها فأنا أعمل بمكان جيد جدا وأتقاضى راتبا أكثر من كاف أستطيع به أن أساعد أهلي وأن أعيش حياه جيدة وهذا الشاب ظروف عمله تجعله يفضل زوجة لا تعمل وهو يلمح كثيرا لذلك ولكن لا يطلبه مباشرة وأنا في المقابل لا أفضل ترك عملي بسبب مميزاته الكثيرة التي تجعلني لا أعتمد على أحد وبالرغم من ذلك فأنا لا أحب العمل وأفضل المكوث بالمنزل للمرأة وخاصة المتزوجة وأكون سعيدة جدا وفي حالة نفسية هادئة أثناء إجازاتي من العمل ولكن خوفي من أن أتنازل عن المال وخوفي أيضا من عدم نجاح الزواج وهو أمر وارد في مجتمعنا يجعلني غير مقتنعة تماما بترك عملي وأيضا عملي يجعلني أساعد أهلي في النفقات فلو تركت العمل بعد الزواج سوف أتنازل عن هذا كله وماذا أيضا إن كان بخيلا؟ فكل هذه أسئلة تدور بذهني تجعلني أرفض تماما فكرة ترك العمل بالرغم من أنني أعرف أنني إذا تزوجت هذا الشخص بالذات بظروف عمله هذه سوف تكون علاقتي به أفضل و(43/3)
طبعا سوف أهتم بمنزلي أكثر وسوف أكون أكثر هدوءا لو تركت العمل حيث أنني سوف أضطر أن أجلب خادمة لترعي شؤونه وشؤون المنزل وأنا أعمل فما الحل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أولاً أن المرأة لن تقوم بعمل أعظم ولا أكثر نفعاً لها ولأسرتها ولمجتمعها من أن تقر في بيتها تربي أبناءها تربية صالحة، وترعى حق زوجها تحفظ له ماله وبيته وعياله ، ومع ذلك إن كان عملك غير مختلط ، وكان في الاستمرار فيه رعاية والديك وإعانة زوجك مع عدم التفريط في حياتك الزوجية ، وعدم التفريط في حقوق أبنائك إن رزقك الله إياهم فلا مانع من الاستمرار ، ونحن نرى أن تقبلي الزواج بهذا الرجل إن كان مرضياً في دينه وخلقه ، ولك أن تشترطي عليه بقاءك في العمل إن كان العمل بالوصف الذي ذكرنا ، فإن لم يرض بذلك فاستخيري الله تعالى في زواجك منه، وشاوري العقلاء من أهلك، واعلمي أنه إن أمرك الزوج بترك العمل وجبت عليك طاعته ، وما تتخوفين منه أيتها الأخت في المستقبل فهي أمور مظنونة متوهمة لا يبنى عليها موقف .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل تاثم إذا اشترطت عدم ذكر الزوجة الأولى في الوثيقة
تاريخ الفتوى : ... 25 رجب 1426 / 30-08-2005
السؤال
صديقتي تعمل بإحدى الدول العربية وتعرفت على شخص يعمل بنفس البلد وتزوجته بالبحرين على شرط أن لا تعلم زوجته التي تعيش بأمريكا بصفة دائمة ، صديقتي طلبت منه ألا يكتب في عقد الزواج بها أنه متزوج وقد فعل والآن مر على زواجها منه 7 سنوات وكانت غير ملتزمة بتعاليم الله عز وجل وهداها الله إلى الطريق الصحيح ولكن تشعر بتأنيب الضمير وتريد أن تعرف هذا الزواج صحيح أم لا؟ وهل من الممكن تصحيح ما كتب بالقسيمة؟ وتسأل ما جزاؤها من الله عز وجل؟ وهل توجد كفارة لهذا الذنب؟
أفيدونا أفادكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزواج إذا تم بالشروط المبينة في الفتوى رقم: 1766 فهو زواج صحيح، وإذا اختل شرط من الشروط كالولي أو الشهود فيكون العقد باطلاً، ولم نفهم وجه الإشكال عند الزوجة من عدم النص في قسيمة الزواج على أن الرجل متزوج من قبل، وتأثير ذلك على صحة الزواج، فقسيمة الزواج ليست شرطاً لصحة النكاح، وإنما لتوثيق الزواج وحفظ الحقوق، وعدم ذكر زواج الرجل من زوجته الأولى في القسيمة لا يؤثر على صحة الزواج.(43/4)
اللهم إلا أن تكون تظن أن هذا من نكاح السر المنهي عنه، فقد ذهب المالكية إلى أن نكاح السر هو ما أوصى الشهود بكتمه، لكن الراجح الذي هو مذهب الجمهور أن نكاح السر هو ما كان خالياً من الإشهاد.
ولكن إذا ترتب على عدم النص في قسيمة الزواج أن الرجل متزوج حرمان الزوجة الأولى من شيء من حقوقها فيجب تصحيح الوضع، وإذا لم يترتب عليه شيء فلا بأس في ذلك ولا إثم على الزوجة الثانية.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
: ... لا يجوز للزوج اشتراط تملك شيء من مال الزوجة في عقد النكاح
تاريخ الفتوى : ... 10 رجب 1426 / 15-08-2005
السؤال
عندي سؤالان :- صديق لي تزوج و وضع في عقد زواجه شرط الاشتراك في الملكية مع زوجته(مبطلا العقد). فكيف يفعل ليجعل زواجه صحيحا وخاصة وأن له أبناء. وماهي الكفارة.- طلبت من خطيبتي أن أشتري لها ذهبا كمهر لها في زواجنا إن شاء الله. فبالله عليكم إن كان ما أفعله صحيحا ماهو الحلي الحلال الذي يمكنني شراؤه ؟ وماهو الذي يجب علي الابتعاد عنه (الحلي الحرام)إن كان في ذلك نص شرعي.
وجزاكم الله خيرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للزوج أن يشترط في عقد النكاح على زوجته أن يشاركها في مالها لأن في ذلك جمعا بين النكاح والبيع وهو محظور، وإن وقع النكاح فسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل، قال ابن عاصم في تحفة الحكام : وشرط كسوة من المحظور*** للزوج في العقد على المشهور.
قال شارحه ميارة: يعني أن اشتراط الزوج على الزوجة كسوة له في نفس عقد النكاح محظور وممنوع على المشهور من المذهب لأنه جمع بين النكاح والبيع وذلك ممنوع لافتراق أحكامهما لأن البيع مبني على المكايسة وتجوز فيه الهبة والنكاح مبني على المكارمة ولا تجوز فيه الهبة فافترقا إلى أن قال : فإن وقع فسخ قبل البناء وثبت بعده بصداق المثل. اهـ. وبناء على هذا فإنه مادام قد وقع الدخول فإن هذا النكاح أصبح صحيحا ولا يلزم المرأة إعطاء ذلك للزوج بناء على ذلك الشرط، نعم إن تبرعت هي بعد ذلك لزوجها بشيء من مالها وهي عاقلة رشيدة صحت هبتها.
أما بخصوص الشق الثاني من سؤالك فهو غير واضح ولكن إن قصدت به أنك طلبت من خطيبتك أن تحدد لك قدرا معينا من النقود لتصرفها في شراء الذهب لها، على أن يكون ذلك الذهب المشترى صداقا لها فهذا لا حرج فيه لأن الذهب بجميع أنواعه يصح أن يكون صداقا ويباح للمرأة استعماله، إلا أن يكون إناء نقد أو قمقما(43/5)
أو مبخرة أو مكحلة أو مرودا ونحو ذلك فإنه مما لا يجوز اقتناؤه. هذا ونشير إلى أنه لا حد لأكثر الصداق لقول الله تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِينا *وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً {النساء:20ـ21}. والقنطار قيل إنه اثنا عشر ألف درهم، ومع هذا فقد ندب الشرع إلى تقليل المهر بل جعل ذلك من أعظم النكاح بركة لما روى أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة. وبالنسبة للإرشادات والنصائح فنحيلك على الفتوى رقم: 10267.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
اشترطت على زوجها إن ضربها (يكون آخر ما بينهما) فضربها
تاريخ الفتوى : ... 16 جمادي الأولى 1426 / 23-06-2005
السؤال
ما حكم المرأة التي تتفق وتشرط على الخطيب عدم الضرب وإن حدث يكون آخر ما بينهما ويوافق الزوج خاصة أنها مطلقة من شخص آخر وتعرضت للإساءة الجسدية مما عمل لديها عقدة وبالفعل قام بضربها والحين هي اعتبرت أن الطلاق تم ورفض أن ينفذ فرفعت قضية خلع، السؤال: ما حكمها هل تعتبر طالقا منه أم مازالت على ذمته؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخلو الأمر من حالتين:
الأولى: أن يكون المتلفظ به في الشرط كلمة الطلاق وإنما عبرت السائلة بقولها (آخر ما بينهما) بالمعنى.
الثانية: أنها تلفظت في الشرط بهذه الكلمة، وعلى كل فإن كان المتلفظ به الطلاق فقد اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في اشتراط المرأة على زوجها عند عقد النكاح شرطاً يعود عليها بمنفعة على قولين، سبق بيانهما في الفتوى رقم: 32542.
وعلى القول الراجح وهو أنه يلزم الوفاء به، فإذا اشترطت المرأة على الرجل (عدم الضرب وإن حدث تكون طالقاً فإذا ضربها فإن الطلاق يقع) ولمزيد من الفائدة يطلع على الفتوى رقم: 40210.
وإن كان المتلفظ به كلمة (آخر ما بينهما) فهي ليست صريحة في الطلاق، فتحتمل الطلاق وتحتمل غيره فيرجع فيها إلى النية، فإن نوت بها الطلاق فيقع وإن لم تنو الطلاق فلا يقع حينئذ، ولم نقل في الحالة الأولى بالنية لأن لفظ الطلاق الصريح لا يحتاج إلى نية، وإنما يحتاج إلى النية في ألفاظ الكناية وهذه منها، والمحكمة الشرعية هي المختصة بالفصل في مثل هذه القضايا فننصح بالرجوع إليها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(43/6)
ـــــــــــــــــــ
اشتراط المرأة أن تسكن قريبا من أهلها
تاريخ الفتوى : ... 11 ربيع الأول 1426 / 20-04-2005
السؤال
أنا شاب قمت بخطبة قريبة لي واتفقنا على الزواج وأنا أقطن في مكان بيني وبينها حوالي ساعتين من السفر ولما شرعت في البحث عن شقة واتفقت مع مالك واحدة ودفعت مقدما لصاحبها والشقة في المكان الذي أقطن فيه كانت في البداية موافقة على السكن فى هذا المكان وبعد فترة قالت لي إنها لا تستطيع وإنها وافقت على هذا الأمر من أجلي وإنها لا تستطيع السكن في المكان الذي أسكن فيه وتريد السكن في منطقة قريبة من مكانها الذي تسكن فيه مع العلم أني أسكن مع أبي وأمي والشقة التي اتفقت مع صاحبها قريبة منهم وهي تريد أن أسترد المال الذي قمت بدفعه في الشقة والشروع في شراء شقة في مكان قريب منها فما العمل.
جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن للزوج أن يسكن زوجته حيث شاء سواء كان ذلك في بلد الزوجة أو بلد آخر غيره ، فإن أبت المرأة عدت بذلك ناشزا، قال الرملي نقلا عن الماوردي: وأما التمكين فيشتمل على أمرين لايتم إلا بهما أحدهما تمكينه من الاستمتاع بها والثاني تمكينه من النقلة معه حيث شاء في البلد الذي تزوجها فيه وإلى غيره من البلاد إذا كانت السبل مأمونة فلو مكنته من نفسها ولم تمكنه من النقلة معه لم تجب لها النفقة لأن التمكين لم يكمل. لكن إن حصل من الزوج تنازل عن هذا الحق ترضية لخاطر زوجته فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى ، هذا بعد العقد، وأما قبله فللمرأة أن تشترط أن لايخرجها من بلدها ويلزم هذا الشرط عند كثير من أهل العلم، وعلى العموم فالذي ننصحك به أن تحاول اقناع خطيبتك هذه بحاجتك إلى السكن في قريتك حتى تتمكن من القيام بحقوق والديك، ولابأس أن توسط في ذلك من تراه مقبول الجاه عندها، فإن أصرت على موقفها من سكناك في بلدها فلا جناح عليك في قبول ذلك مالم يكن فيه تفريط في حقوق الوالدين كأن يكونا محتاجين إلى رعايتك وخدمتك ولا يوجد من يقوم بذلك غيرك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم اشتراط المرأة على زوجها أن لا يمنعها من العمل
تاريخ الفتوى : ... 10 ربيع الأول 1426 / 19-04-2005
السؤال
سيدي الفاضل, أود أن أستشير حضرتكم في موضوع خاص وهو: لقد تقدم لخطبتي شاب والحمدلله متدين وملتزم وحسن الأخلاق والأهم من هذا أنه قد تم قبوله المبدئي بيننا، وقد أُعجبت بشخصيته كثيرا، ولكن المشكلة أنه يطلب مني أن أترك عملي(43/7)
بحكم أنه في مجال مختلط، مع العلم بأنني ملتزمة بجميع حدود الشرع في تعاملي وسلوكي في العمل مع علمي بأنها مسألة خلافية لدى الفقهاء.. المهم أنني لا أعارض ذلك ولكن عندي بعض الالتزامات المالية التي يجب أن أنهيها بالإضافة لإعانتي أهلي بجزء من ذلك المال.. المهم بأنه يريدني أن أترك عملي في حال لم يتوفر لي عمل في مكان ليس فيه اختلاط نهائيا مباشرة عند الزواج.. وهو موضوع غير قابل للنقاش عنده.. فهل يجوز أن يكون هذا السبب سببا في عدم إكمال الزواج، أرجو منكم الإفادة في أقرب فرصة للأهمية.. وثقتي بكم كبيرة؟ جزاكم الله كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن حق الزوج أن يمنع زوجته من الخروج من البيت، وليست هذه المسألة خلافية بين العلماء، ولكن إذا كان عليك التزامات مالية أو نفقات على أهلك كأبيك أو أمك وليس لديهم مال ينفقون منه على أنفسهم ولو تركت العمل لحدث لهم الضرر فاشترطي على هذا الرجل أن لا يمنعك من العمل، فإن وافق وإلا فمن حقك الامتناع عن الزواج به، لأنه لا يلزمك الزواج من شخص بعينه، والحكم على الإقدام والإحجام راجع إلى المصلحة ومعرفة الظروف والملابسات.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم اشتراط الزوجة ألا تحمل إلى بيت الزوجية حتى يقام حفل الزفاف
تاريخ الفتوى : ... 13 صفر 1426 / 24-03-2005
السؤال
هل يجوز شرعا أن تشترط المرأة في عقد الزواج أن لا يحملها زوجها إلى بيت الزوجية حتى يقام حفل الزفاف مع العلم أن العرس سيقام على نفقه الزوجة بسبب فقر الزوج
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز اشتراط هذا النوع من الشروط في النكاح لأنها لا تخالف مقتضى العقد، ولكن في الوفاء بها خلاف بين أهل العلم، حيث ذهب جمهورهم إلى أن الوفاء بها مستحب وليس بواجب، وذهب الحنابلة إلى أنه إن وقعت وجب الوفاء بها، ودليلهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج. متفق عليه.
وراجع الفتوى رقم: 1357.
وعلى هذا، فلا حرج أن تشترط المرأة على زوجها أن لا يحملها إلى بيت الزوجية حتى يقام حفل الزفاف في المكان الذي تريده هي.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(43/8)
الشروط في النكاح من حيث الوفاء به وخلافه
تاريخ الفتوى : ... 03 صفر 1426 / 14-03-2005
السؤال
أغيب عن منزلي بداعي العمل لشهر وأعود لشهر، أرغب في الزواج لكن من اخترتها ترفض السكن مع والدي في حالة غيابي عنهم وحين أكون معهم في إجازتي لا مانع لديها، ما رأي الدين في ذلك، أي أن شرطها إن كنت أنا موجودا ستبقى معي بمنزل والدي وإن لم أكن موجوداً فلا، ما رأي الدين في ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشروط في النكاح على أقسام ثلاثة: فمنها ما يجب الوفاء به لأنه من مقتضيات النكاح ومقاصده كالنفقة، ومنها ما يحرم الوفاء به لمنافاته لمقتضى العقد كأن تشترط المرأة ألا يقسم لضرتها أو نحوه، ومنها ما هو مختلف فيه، قال الشوكاني نقلا عن الخطابي: الشروط في النكاح مختلفة؛ فمنها ما يجب الوفاء به باتفاق وهو ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ومنها ما لا يوفى به اتفاقاً كسؤال المرأة طلاق ضرتها، ومنها ما اختلف فيه كاشتراط ألا يتزوج عليها، أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله. انتهى.
والذي عليه الجمهور في هذا القسم الأخير أنه يستحب الوفاء ولا يجب، قال الباجي في شرحه للموطأ: قال ابن حبيب: وقدا ستحب مالك وغيره من أهل العلم أن يفي لها بما شرط، وأن ذلك غير لازم للزوج، وعليه جمهور الفقهاء. انتهى.
وذهب الحنابلة إلى أن كل شرط يعود على المرأة بالنفع يجب الوفاء لها به، قال ابن قدامة في المغني: الشروط في النكاح تنقسم أقساما ثلاثة: أحدها: ما يلزم الوفاء به، وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته مثل ألا يخرجها من دارها أو بلدها.... انتهى.
ودليلهم في هذا ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج.
وبناء على ما تقدم فإن هذا الشرط الذي تنوي هذه المرأة اشتراطه عليك لا مانع منه، ويستحب لك الوفاء به على مذهب الجمهور، وعلى مقابله يجب الوفاء، ولا شك أنه الأحوط.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من حق الرجل: مطالبة زوجته بترك العمل خارج البيت،و الخلوة والاستمتاع بها بعد العقد
تاريخ الفتوى : ... 10 رمضان 1425 / 24-10-2004
السؤال
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
أنا شاب أعمل مهندساً مدنياً ونويت الزواج فقدر الله بأن ترى أمي فتاه دكتوره تعمل في معمل تحاليل وهي والحمد لله فتاة متدينة وعندما ذهبنا لبيتها وقابلتها هي وأمها(43/9)
وأختها وتكلمت معها وكان من ضمن شروطي ألا تعمل لأني أؤمن بأن خروج المرأة من بيتها لغير سبب شرعي لا يرضي الله كما أنه بداية فساد وانهيار الأسرة خصوصا أنها تعيش في أسرة ميسورة الحال وهي إنما تعمل لشغل وقت فراغها فقط لاغير حيث كانت تعمل صباحا ومساء فقلت لها إن العمل مساء مرفوض من الآن فوافقتني أما بالنسبة لعمل الصباح فقالت لي أتركني فيه وسأتركه بالتدريج إلى أن أتركه عند زواجنا فوافقت وقضينا فترة الخطوبة لمدة ثلاثة أشهر ونصف وكان منها أن تركت العمل نهاراً لأنها أحست أن ذلك يرضيني ثم عقدت عليها على أن يكون الدخول بعد ستة أشهر حيث أني فضلت كتب الكتاب حتي أتمكن من الجلوس معها بحرية أكثر وحتي أتمكن من الخروج معها وفي المقدمة لأني ارتضيتها زوجة لي ولكي أرضي الله وبعد شهر من العقد وجدتها تكلمني في موضوع ألا وهو:
1- أنها تريد استكمال الدراسات العليا في كليتها بحجة أنها تحب هذا العلم وأني ليس لي الحق في التدخل في مثل هذا الأمر.
2- أنها نادمة على أنها تركت العمل صباحا حتي ولو قبل الدخول.
واتهمتني بأني أناني وكلما تقول لي أن تعمل أو تخرج تأخذ دورات كمبيوتر أرفض بحجة أنها سوف تنشغل بعد الزواج وسوف تكون مسؤولة وتقول لي أني المفروض أتزوج فتاة معها إعدادية ليس في عقلها سوي الأكل والشرب والزوج وأصيبت بحالة من الاكتئاب وذهبت عند أختها وتركتني وبعد خمسة أيام جاءت لبيتها فكلمتها واعتذرت لي والحمد لله عادت الأمور لمجاريها
السؤال:
1- هل أنا أخطأت في معاملتها حيث إني لم أستطع أن أشغل وقت فراغها وذلك لظروف عملي وكيف أعالج مسألة الفراغ القاتل عندها حيث أنها تقرأ القرآن وكذلك بعض الكتب التي أحضرتها لها ولكن هذا لا يمثل ثلاث ساعات في اليوم.
2- ماذا يجوز لي أن أراه من زوجتي في هذة الفتره قبل الدخول هل لي أن أقبلها وأضمها أم هذا حرام؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يجمع بينكما على خير، وأن يبعد عنكما أسباب الاختلاف والتخاصم، والذي اتضح من سؤالك وجود قدر كبير من التوافق والتفاهم بينك وبين زوجتك، وليس عندها مشكلة سوى الفراغ، فإذا امتلأ وقتها وحياتها بزوجها وأبنائها فلن تكون هناك مشكلة بإذن الله.
وأما اشتراطك عليها ترك العمل، فهذا من حقك، وعليها طاعتك في ذلك بعد أن وافقت، وهي قد فعلت ولكن بقي الفراغ هو الذي يجعلها تحس بالندم على ترك العمل والتفكير للعودة إليه من جديد.
فالمطلوب منك أن تشغل وقت زوجتك إما بالإسراع في الدخول بها أو بالسماح لها بممارسة عمل مباح منضبط بالضوابط الشرعية المبينة في الفتوى رقم: 5181 ورقم: 22863 أو بالسماح لها بمواصلة دراسة لا يكون فيها خروج من البيت بشكل دائم أو غير ذلك من أنواع الاهتمامات المفيدة، وإن كنا نرى أن الحل الأمثل(43/10)
هو الدخول بها والعيش معاً تحت سقف واحد، لما في ذلك من سكن نفسي وطمأنينة روحية لكل منكما، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم: 21}.
وأما بشأن سؤالك الثاني، فإذا تم عقد القران بين الرجل والمرأة صار كل منهما حلالاً للآخر، فيجوز أن يستمتع كل واحد منهما بالآخر، ولمزيد الفائدة عن هذا الموضوع تراجع الفتوى رقم: 5859.
هل يلزم الزوج بالتوقيع على قائمة المنقولات
تاريخ الفتوى : ... 26 شعبان 1425 / 11-10-2004
السؤال
أختي الصغيرة تم عقد قرانها على شاب ملتحي بعد أن توسمنا فيه الصلاح والتقوى ولا نزكي على الله أحداً، وبعد أن عقدنا القران وددنا أن نكتب القائمة بالمنقولات وهي من العرف هنا في مصر ووافق الشاب على القائمة قائلاً اكتب يا عمي ما تريد وأنا سوف أوقع عليها فاطمأننا لذلك ولما كتبناها رفض التوقيع متعللا بأنها مبالغ فيها، علماً بأنها أقل من أسعار شرائها وأظهر أمامنا الموقف عده أشياء منها أنه عندما يغضب لا يتحكم في نفسه ومما قال لأبي لو لحيتي مضايقاكم أحلقها، علما بأنه فهم الحديث بصورة خاطئة ثم برر هذه الكلمة لأختي تبريراً لا يقنع ونحن قلقون جداً، فماذا نفعل وأبي قال إنه لو علم ذلك قبل العقد ما أتم العقد؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان عقد النكاح قد تم فليس لكم التراجع ولو تبين لكم سوء أخلاق هذا الرجل بل عليكم تسليم زوجته متى وفاها مهرها إلا إذا رضي بتطليقها ولو في مقابل أن تردوا عليه ما دفع، وينبغي إحسان الظن بالمسلم فقد يزل الإنسان في موطن ومن هو المنزه عن الزلل، فلا ينبغي بناء حكم على شخص بسبب موقف غلط فيه.
وأما تراجعه عن التوقيع على قائمة المنقولات فقد يكون الحق فيه في جانبكم وقد يكون في جانبه والحكم في ذلك يحتاج إلى اطلاع على تفاصيل الأمر.
وأما بشأن قائمة المنقولات فنرجو توضيح هل الذي دفع ثمنها الزوج أم أهل المرأة، ثم على افتراض أن الذي دفع الثمن هم أهل المرأة فهل توقيع الزوج على هذه القائمة توقيع ضمان أي أنه يضمن هذه المنقولات في حال تلفها أم ما هو العرف عندكم، والذي نوصي به أن تيسروا أمر الزواج ولا ينبغي أن يكون الحائل هو المال، وتذكروا أن أكثر النساء بركة أقلهن مؤونة، وراجعوا الفتوى رقم: 49087.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا تعتبر الثيب غاشة لزوجها ما لم يشترط عليها أن تكون بكرا
تاريخ الفتوى : ... 25 شعبان 1425 / 10-10-2004
السؤال(43/11)
تعرفت على طالبة أوربية تدرس معي, وبعد أزيد من عام من البحث والنقاش في حق الإسلام ومصداقيته,انشرح قلبها وأعتنقت الإسلام ولله الحمد. بعد تبيني من ذلك استخرت الله ثم أخبرت والدي واقترحت الزواج بالفتاة فسر بالخبر. طلبت الزواج بها(ومن والديها أيضا لعل الله يهديهما)فتم القبول. وبعد زواجنا بيوم سألتني عما هي أهمية وثيقة ملانا فيها حالتنا العائلية وذالك مباشرة قبل عقدالقران. أفهمتها أنه من حقها وحقي أن نتبين من حالتنا الزوجية قبل عقد القران, بتوقيعناعلى ذلك قد أشهدنا عليه. واخفاؤه أو عدم التصريح به له عواقب ونتائج... قالت إنها كانت بالفعل متزوجة لفترة وتم الطلاق منذ مدة, ولن يرضيني أن تكون مطلقة وما فيه فائدة في قوله, فكتمته, أما أثناء ملء الوثيقة أمام الشيخ فقد استحيت من ذكر ذلك.... لقد تأثرت بذلك, وبأني غفلت عن هذا الموضوع، لا أعتقد أنها أخفت عني بأنها كانت مطلقة عن سوء القصد, لكني رغم ذلك أستشيركم في قراني إن كان صائبا وأسألكم النصيحة في أمري هذا, وجزاكم الله كل الخير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي هدى هذه المرأة على يدك للإسلام، وكونها قد تزوجت وطلقت، ليس عيبا يستدعي تطليقها، بل أحسن إليها واحرص على تعميق مبادئ الإسلام عندها، ونسأل الله أن يرزقك السعادة معها.
وبما أنك لم تشترط عليها أن تكون بكراً فليست غاشة لك. وفقك الله لما يحبه ويرضاه، علماً بأن هذه المرأة لايصح أن يكون والدها الكافر هو وليها في النكاح إذ لا ولاية لكافر على مسلمة، ولمزيد الفائدة حول هذا الموضوع تراجع الفتوى رقم: 44241. ولايصح النكاح بولاية الكافر لابنته المسلمة، قال ابن قدامة في المغني: ولا يزوج كافر مسلمة بحال. قال .. زكريا الأنصاري وهو شافعي: ولا يزوج الكافر مسلمة إذ لا موالاة بهما، بل يفسخ هذا النكاح الذي تولى فيه ولاية المسلمة الكافر. قال العدوي وهو مالكي عند معرض كلامه على موانع الولاية: فلو زوجها فسخ أبدا. أي فلو زوج الكافر وليته المسلمة فسخ النكاح ابداً. وبناء على متقدم من كلام أهل العلم يتبين لك أنه إن كان هذا النكاح تم بولاية كافرٍ سواء كان أباً أو غيره فإنه يجب فسخه في الحال، ثم إن شئتما فاعقدا عقداً جديداً فليكن ولي المرأة مسلماً من أقاربها إن وجد وإلا كانت ولايتها لجماعة المسلمين في البلد الذي أنتم فيه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يجب الوفاء باشتراط الزوجة أن لا يتزوج عليها
تاريخ الفتوى : ... 05 شعبان 1425 / 20-09-2004
السؤال
أنا أخ ملتزم بديني والحمد لله تزوجت منذ أكثر من عشر سنين والآن أريد أن أتزوج امرأة ثانية لأسباب عدة منها ما التمسته من زوجتي الأولى من ضعف في دينها وعقلها وتقصير من جوانب عدة وغير ذلك من الدوافع الدينية والدنيوية, غير(43/12)
أن زوجتي رفضت وطلبت مني الطلاق بحجة أنها لمّا خطبتها اشترطت علي عدم الزواج عليها, وكنت آنذاك ولا زلت إلى الآن أعتقد أن هذا الشرط باطل ولا يصح منها اشتراطه علي مستندا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) أو كما قال عليه الصلاة والسلام ...السؤال هو كالتالي : هل يجوز لها أن تشترط علي هذا الشرط... وهل يجب علي الوفاء به..... وهل أنا آثم إذا تزوجت من ثانية ولم ألتفت إلى شرطها حتى ولو أدى ذلك إلى الطلاق ؟؟
أفيدونا مأجورين وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في اشتراط المرأة على الرجل أن لا يتزوج عليها، وما إذا كان ذلك مباحا أو غير مباح، وهل يجب الوفاء به إذا وجد.
والذي نراه راجحا من أقوالهم هو وجوب الوفاء بمثل هذا الشرط، وراجع فيه فتوانا رقم: 32542. وإذا قلنا بوجوب الوفاء بهذا الشرط، فإن من ترك الوفاء به فقد فعل محرما وهو ترك الواجب. أما من طلق هذه المرأة وتزوج بأخرى فإنه لا يعد آثما بهذا الطلاق إلا إذا ترتب عليه فعل محرم. وراجع الجواب: 12963.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما ينبني على تراجع أي من الزوجين عما اشترط في العقد
تاريخ الفتوى : ... 01 شعبان 1425 / 16-09-2004
السؤال
لقد خطبت فتاة منذ سنة وأربعة أشهر، وقد اتفقنا أننا سنعيش في بيت والدي- فلا يسكن في هذا البيت سوى أنا وأبي وأمي وهي عندما نتزوج-. وقد وضعت شرطا أن تعمل بعد الزواج -وهذا الشرط مكتوب في العقد-. الآن تشترط حتى يتم الزواج أن يكون لها بيت مستقل. فهل يحق لها التراجع عن الذي اتفقنا عليه. وهل يحق لي التراجع عن السماح لها بالعمل بعد الزواج. وإذا تراجع أحدنا عن هذه الأشياء فهل يكون من تراجع قد فسخ العقد. وماذا يترتب على ذلك. أرجو إجابتي بأسرع ما يمكن
شكرالله لكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أنه ينبغي لمن وافق على أمر مشروع لا ضرر عليه فيه أن ينفذ ما وافق عليه ورضي به، ففي شعر الحكمة:
من قال لا في حاجة مسئولة فما ظلم **** وإنما الظالم من يقول لا بعد نعم.
وعليه، فمن الوفاء بالعهد والصدق في التعامل أن تفي الزوجة بما وافقت عليه من الرفق بزوجها والسكن معه في بيت أهله إن كانت لا تتضرر بالسكن معهم، أما إن(43/13)
كانت تتضرر بالسكن معهم فلا حرج عليها أن تتراجع عما وافقت عليه ولو كان شرطا كما سبق في الفتوى رقم: 28860.
أما بالنسبة للزوج الذي اشترطت عليه زوجته عند العقد مواصلة عملها فليس له منعها مما اشترطت عليه كما سبق في الفتوى رقم: 1357
وعلى كل حال فإن تراجع أي من الزوجين عما وافق عليه أو اشترط في العقد لا يؤثر على عقد النكاح ولا يوجب فسخه، غاية ما في الأمر أن الزوجة إذا اشترطت شرطا جائزا وقالت لزوجها إن لم تف به فأمري بيدي، ووافق على ذلك أن ذلك لها. أي أنه إذا لم يف الزوج بما اشترط عليه يكون للزوجة الحق في أن تطلق نفسها، أو أن تبقى مع زوجها. ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 40210.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقي
ـــــــــــــــــــ
حكم اشتراط الزوج على الزوجة منع أبويها من زيارتها
تاريخ الفتوى : ... 12 رجب 1425 / 28-08-2004
السؤال
أفتونا جزاكم الله خيراً، بنت عقدت على رجل شرط عليها أن لا تدخل أمها بيته وأن لا يدخل بيتها، فهل هذا الزوج آثم شرعاً لمنع الأم من زيارة بيت بنتها، وهل البنت آثمة لتقبلها هذا الشرط لإتمام الزواج، وهل يصح لأهل العروس معاملته بالمثل وقطع علاقتهم بهذه البنت غير البارة بأهلها، وهل يصح شرعاً منعها من الميراث الشرعي كعقاب لخروجها عن أمر أبويها، علما بأن العقد قد تم وشرط الزوج بعد هذا الشرط لإتمام البناء؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزواج في الإسلام ليس اجتماعاً بين الزوجة والزوج فقط، ولكنه اجتماع بين أسرتين أو بين قبيلتين أسرة المرأة وأسرة الرجل، وقبيلة المرأة وقبيلة الرجل، وإلى هذا أشار القرآن بقوله: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا {الفرقان:54}، قال الأصمعي: الصهر قرابة النكاح فقرابة الزوجة هم الأختان، وقرابة الزوج هم الأحماء، والأصهار يقع عاماً لذلك كله. انتهى.
وإذا كان الأمر كذلك فإن اشتراط الزوج على زوجته أن لا تأذن لوالديها في زيارتها في بيته، شرط يخالف مقصدا من مقاصد الشرع من النكاح، وهو سبب موصل إلى قطيعة الرحم وفساد ذات البين، وما كان كذلك فإن الشرع يمنعه، وقد نص أهل العلم على أنه لا يجوز للزوج منع والدي الزوجة من زيارتها، جاء في مطالب أولي النهى: وليس له -أي الزوج- منعها -أي الزوجة- من كلامهما -أي أبويها- ولا منعهما من زيارتها لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إلا مع ظن حصول ضرر لعرف بقرائن الحال فله منعها إذن من زيارتها، دفعاً للضرر. انتهى.(43/14)
وقال في الإنصاف: لا يملك الزوج منع أبويها من زيارتها على الصحيح من المذهب... وجزم به في الحاوي الصغير.
وقيل له منعها: قلت الصواب في ذلك إن عرف بقرائن الحال أنه يحدث بزيارتها أو أحدهما ضرر فله المنع، وإلا فلا. انتهى.
فالمقصود أنه لا يجوز للزوج منع أبوي الزوجة أو أحدهما من زيارتها في بيته وإن شرط ذلك فشرطه باطل، ولا يلزم الزوجة الوفاء بهذا الشرط إلا في حالة أن يصيبه ضرر من زيارتهما لها فله عندئذ المنع، دفعاً للضرر، وفي الحديث الذي رواه النسائي وأبو داود: وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته.
وليس للأهل أن يقطعوا بنتهم إذا قطعتهم، لأن صلة الرحم واجبة ولا يسقطها عن المرء أن الطرف الثاني قطعها، ففي صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.
وليس لهم كذلك منعها من إرث أحد مورثيها إذا مات، لأن الميراث حق لها ولا يسقطه قطيعتها لرحمها، قال الله تعالى: لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا {النساء:7}، ونسأل الله لهذه الأسرة أن تتراحم وتتواصل وتزيل ما صار بينها من ضغائن.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم النكاح إذا اشترط البكارة فتبين أنها ثيب
تاريخ الفتوى : ... 25 جمادي الثانية 1425 / 12-08-2004
السؤال
ما حكم عقد الزواج المذكور فية "البكر الرشيد" علما بأن الزوجين قد سبق لهما الزنا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فذكر البكر في العقد إما أن يكون بشرط من الزوج أو لا:
فإن كان بشرط من الزوج أي أن الزوج اشترط بكارتها فبانت ثيبا فالنكاح صحيح، وللزوج الخيار عند الشافعية مطلقا وإن كان زوال البكارة بوثبة أو خلقت بلا بكارة، وأما المالكية فقالوا كما في "بلغة السالك": من تزوج امرأة يظنها بكرا فوجدها ثيبا فإن لم يكن شرط فلا رد مطلقا، علم الولي بثيوبتها أم لا، وإن شرط العذارة فله الرد مطلقا أو البكارة، وكان زوالها بنكاح، وإن شرط البكارة وكان زوالها بوثبة أو زنا، فإن علم الولي وكتم على الزوج كان له الرد، وإن لم يعلم الولي ففيه تردد، قال الدسوقي: في حاشيته مبينا لقول خليل وفي بكر تردد: محله ما لم يجر عرف بمساواة البكر للعذراء، كما هو عندنا بمصر، وما لم يعلم وليها بثيوبتها عند شرط الزوج أو وكيله، وإلا فله الرد قطعا.(43/15)
وهذا كله إذا لم يعلم الزوج بحال الزوجة، أما لو علم فليس له الرد وانظر الفتوى رقم: 3154، والفتوى رقم: 35204.
وأما إن لم يشترط الزوج بكارتها فالنكاح صحيح وليس له الرد.
وأما إن كان المراد هو السؤال عن صحة عقد النكاح مع كون الرجل والمرأة قد وقعا في الزنا مع بعضهما فنقول إن وقوعهما في الزنا لا يؤثر في صحة عقد النكاح إن كانا تابا من الزنا.
وأما في حال عدم التوبة فهذا النكاح صحيح عند الجمهور فاسد عند الحنابلة، وانظر الفتوى رقم: 38866.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم اشتراط الأولياء الحصول على مال للموافقة على زواج موليتهم
تاريخ الفتوى : ... 23 جمادي الثانية 1425 / 10-08-2004
السؤال
أنا شاب كانت لديه علاقة مع فتاة يتيمة الأب, دون أي ملامسة لها, وقد تربت الفتاة في بيت جدها ولدى الفتاة أربعة أعمام, وقد تقدمت لخطبتها فرفض الأعمام طلبي للزواج بدون أي سبب يذكر, مع العلم أن الفتاة راضية فإني والحمد لله شاب مستقيم محافظ على صلوات الخمس وبقية الفرائض, ولدى الفتاة أخ شاب. وقد تدخل بعض الأصدقاء لطلبي ثم تم الزواج لكن بشرط وهذا الشرط يقلقني من الناحية الشرعية من جهة حله أو حرمته وهذا الشرط هو دفع (60) مثقال من الذهب أي ما يعادل 300 غرام لأخ الفتاة مقابل زواجي لها. وقبل الزواج نصحني أحد أصدقائي بأن دفع اي مبلغ مقابل الزواج حرام, وسؤالي هنا هل أنا آثم أم أعمام وأخ الفتاة الذين طلبوا منى المال, وأنا أيضا رفضت هذا الشرط ولكن دفعت المبلغ في سبيل زواجي لها الأنني أحبها, مع العلم بان أمها وجدها كانا رافضين لهذا الشرط أيضا, ولكن لا حول ولا قوة لنا مع أعمامها. أفتوني مأجورين بالتفاصيل.
جزاكم الله خير الجزاء.......
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد شرع الإسلام الزواج ليكون وسيلة للعفاف، ولحفظ وصيانة المجتمع من الوقوع في الرذيلة، فحيثما يتقدم للفتاة شاب عرف عنه دينه وحسن خلقه فلا ينبغي رده ووضع العراقيل في طريق زواجه منها، روى الترمذي و ابن ماجة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.
وقد حث الشرع الحكيم على تخفيف مؤونة النكاح، ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ألا لا تغالوا صدقة النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله صلى الله عليه وسلم، ما علمت رسول صلى الله عليه وسلم نكح شيئا من نسائه ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من ثنتي عشر أوقية. رواه(43/16)
الترمذي. وإذا رغب في تخفيف الصداق وهو من شروط صحة النكاح، فأولى أن لا يشترط شيء من المال لمصلحة أولياء الفتاة. لكن مع هذا كله فلا إثم على أوليائها في اشتراطه ولا حرج عليك في إعطائهم إياه، وننبه إلى أن الجد المذكور في السؤال إذا كان أب الأب فهو الأولى بتزويجها عند عدم وجود الأب. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 32759، ولا يفوتنا أن نوصيك بتقوى الله والتوبة إلى الله من جميع الذنوب وخاصة من تلك العلاقة التي كانت بينك وبين هذه الفتاة قبل الزواج، فالعلاقة بالأجنبية محرمة تحريماً غليظاً ويشمل ذلك النظر إليها والحديث معها والاسترسال في التفكير فيها، وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه. رواه مسلم
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الزواج بنية الطلاق.. رؤية شرعية
تاريخ الفتوى : ... 16 جمادي الأولى 1425 / 04-07-2004
السؤال
أرجو الرد على سؤالي،
لأنه يهم شريحة كبيرة من الشباب، أنا شاب عمري 30 سنة، ومتزوج والحمد لله، وعندي طاقة قوية ولا أستطيع الزواج بواحدة أخرى من السعودية لغلاء المهور ومتطلبات الحياة، وخوفي من الوقوع في الحرام أسافر إلى إندونيسيا وأتزوج هناك بمهر بسيط جدا، وزواجي هذا فيه ولي (أبو البنت) وشهود وعقد ومهر وموافقة العروس وكذلك أهلها، وأما بالنسبة لي أنا فأنا ناوي عدم الاستمرار في الزواج وطلاق العروس قبل مغادرتي البلاد، علما أن في إندونيسيا مكاتب للزواج وهم يعلمون أني سوف أطلقها وإن لم أتكلم، لأنه عرف متعارف عليه عندهم من غير ما أقول أنا ولكن لا يعرفون متى سوف أطلقها بالضبط. أرجو توضيح الحكم لي لأني في رقبتكم. هل هو زنا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جمهور أهل العلم على جواز الزواج بنية الطلاق دون أن يكون ذلك مشروطا في العقد، قال الإمام الشافعي في الأم: وإن قدم رجل بلدا وأحب أن ينكح امرأة ونيته ونيتها أن لا يمسكها إلا مقامه بالبلد، أو يوما أو اثنين أو ثلاثة، كانت على هذا نيته دون نيتها، أو نيتها دون نيته، أو نيتهما معا، ونية الولي، غير أنهما إذا عقدا النكاح مطلقا لا شرط فيه فالنكاح ثابت، ولا تفسد النية من النكاح شيئا لأن النية حديث نفس، وقد وضع عن الناس ما حدثوا به أنفسهم، وقد ينوي الشيء ولا يفعله وينويه ويفعله، فيكون الفعل حادثا غير النية. وكذلك لو نكحها ونيته ونيتها، أو نية أحدهما دون الآخر أن لا يمسكها إلا قدر ما يصيبها، فيحللها لزوجها، ثبت النكاح. وسواء(43/17)
نوى ذلك الولي معهما أو نوى غيره، أو لم ينوه، ولا غيره، والوالي والولي في هذا لا معنى له أن يفسد شيئا ما لم يقع النكاح بشرط يفسده.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو كانت بينهما مراوضة فوعدها إن نكحها أن لا يمسكها إلا أياما، أو إلا مقامه بالبلد، أو إلا قدر ما يصيبها، كان ذلك بيمين أو غير يمين، فسواء. وأكره له المراوضة على هذا، ونظرت إلى العقد، فإن كان العقد مطلقا لا شرط فيه فهو ثابت، لأنه انعقد لكل واحد منهما على صاحبه ما للزوجين، وإن انعقد على ذلك الشرط فسد وكان كنكاح المتعة، وأي نكاح كان صحيحا وكانت فيه الإصابة أحصنت الرجل والمرأة، إذا كانت حرة وأحلت المرأة للزوج الذي طلقها ثلاثا، وأوجبت المهر كله، وأقل ما يكون من الإصابة حتى تكون هذه الأحكام أن تغيب الحشفة في القبل نفسه.انتهى.
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى في المغني: وإن تزوجها بغير شرط إلا أن في نيته طلاقها بعد شهر، أو إذا انقضت حاجته في هذا البلد، فالنكاح صحيح في قول عامة أهل العلم، إلا الأوزاعي، قال: هو نكاح متعة. والصحيح أنه لا بأس به، ولا تضر نيته، وليس على الرجل أن ينوي حبس امرأته، وحسبه إن وافقته، وإلا طلقها.انتهى.
وقال الشيخ الدردير في شرحه لمختصر الشيخ خليل: وحقيقة نكاح المتعة الذي يفسخ أبدا أن يقع العقد مع ذكر الأجل للمرأة أو وليها، وأما إذا لم يقع ذلك في العقد ولم يعلمها الزوج بذلك وإنما قصده في نفسه وفهمت المرأة أو وليها المفارقة بعد مدة فإنه لا يضر، وهي فائدة تنفع المتغرب.انتهى.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، كما في الفتاوى الكبرى: عن رجل ركاض يسير البلاد في كل مدينة شهر أو شهرين، ويعزل عنها ويخاف أن يقع في المعصية، فهل له أن يتزوج في مدة إقامته في تلك البلدة، وإذا سافر طلقها وأعطاها حقها، أو لا؟ وهل يصح النكاح، أو لا؟
الجواب: له أن يتزوج، لكن ينكح نكاحا مطلقا، لا يشترط فيه توقيتا، بحيث يكون إن شاء أمسكها وإن شاء طلقها، وإن نوى طلاقها حتما عند انقضاء سفره كره في مثل ذلك، وفي صحة النكاح نزاع، ولو نوى أنه إذا سافر وأعجبته أمسكها، وإلا طلقها، جاز ذلك، فأما أن يشترط التوقيت فهذا نكاح المتعة الذي اتفق الأئمة الأربعة وغيرهم على تحريمه.انتهى.
وعليه؛ فليس الزواج بنية الطلاق نكاح متعة فضلا عن أن يكون زنا، ولأن من تزوج بنية الطلاق قد يعدل عن هذه النية وتدوم العشرة ويصلح الحال.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
اشترطت عليه ألا يدخل التلفاز في منزل الزوجية فهل يلزمه الوفاء
تاريخ الفتوى : ... 07 ربيع الثاني 1425 / 27-05-2004
السؤال(43/18)
أشكركم على مساعيكم وإجاباتكم المنهجية، وإخباري بالجواب السابق، وإني أكن لكم كل التقدير، وأسأل الله لكم وللشيخ عبد الله الفقيه التوفيق والسداد.
السؤال: كلمت فتاة ملتزمة بالدين والشريعة السمحة، في شأن خطبتها لنفسي، فأجابت بعد فترة من الوقت بالقبول، وقد استخرنا الله تعالى، فلله الحمد والمنة، غير أنه ثمت إشكال أحرجني، وهو أن الأخت اشترطت عليّ أن لا أدخل التلفاز إلى البيت، فرفضت وطلبت منها التنازل أو أن يكون طلبا غير شرط حتى تراعيني وأراعيها، وسبب طلبها هذا هو خوف فتنة التلفاز.
لكن، طمأنتها أني لست ممن يتابعون التلفاز، وإنما لي أوقات مخصوصة، أتابع فيها حصصا دينية علمية، وأخبار العالم الإسلامي، نحو قناة إقرأ وحصة الشيخ القرني، وقناة الشارقة وحصة الآستاذ الدكتور الفقي والشيخ القرضاوي وحصته الشريعة والحياة... إلخ، كيف لي مستقبلا أن أنجح في بيتي، مراعاة لطلب خطيبتي الطيبة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشرط المذكور يعتبر من الشروط التي لا تتنافى مع ما يقتضيه العقد، وعليه فلو وقع فإنه لا يؤثر في صحة العقد، ولكن هل يجب الوفاء به هذا محل خلاف بين العلماء، فالجمهور من العلماء ومنهم مالك والشافعي وأبو حنيفة لا يوجبون الوفاء به على الزوج، بينما ذهب الإمام أحمد بن حنبل والأوزاعي وآخرون إلى لزوم الوفاء به، وقالوا إن الزوج إذا لم يف به كان للزوجة طلب الطلاق قضاء، واستدل القائلون بلزوم الوفاء بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وهي العهود وإن أحق وأوجب ما يوفي به من الشروط ما استحلت به الفروج، فعن أبي مسعود عقبه بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج. متفق عليه.
هذا وإنا ننصح السائل الكريم ألا يكون هذا الشرط عائقاً له عن أن يتزوج هذه الفتاة الطيبة التي تخاف من الفتن في زمن تتنافس فيها نظيراتها فيما لا يرضى الله ورسوله، فإن أصرت على اشتراط ذلك فعليك أن توافق فإن اطمأنت بعد ذلك وعرفت أنك لست من أهل متابعة الفضائيات وبينت لها أن الأخبار والبرامج الدينية لا شيء فيها فقد تتراجع عن شرطها وتوافق على طلبك، وعلى كل حال فإن وفيت بالشرط في حال اشتراطه فذلك الأولى والأحسن، وإن لم تف به وقلدت مذهب الجمهور فلا حرج إن شاء الله، وللمزيد من الفائدة عن أحكام التلفاز راجع الفتوى رقم: 1886.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الاستمرار في العمل أم قبول الخاطب
تاريخ الفتوى : ... 05 ربيع الثاني 1425 / 25-05-2004
السؤال(43/19)
أبعث برسالتي هذه وأتمنى أن تردوا عليها بسرعة لأنه يتوقف عليها اتخاذ قرار هام بالنسبة لي.
أسفة مقدما على الإطالة ولكن أود أن أوصل ما أشعر به وما حصل لي قدر الإمكان.
أنا طبيبة أمراض نساء وتوليد, تخرجت منذ فترة وبعدما عملت لعدة سنوات في بلدي العربي سافرت لبريطانيا على نفقة الوالد بغرض الحصول على الزمالة البريطانية والعمل للحصول على الخبرة اللازمة والموازية للزمالة وأقيم طوال هذة الفترة مع أختي.
حصلت لي عدة عراقيل أولا أثناء عملي في بلدي وكان سفري رغبة مني ومن والدي الذي تضايق جدا مما حصل لي في إثبات قدرتي ورد اعتباري. وفي بريطانيا أيضا واجهت الكثير من المشاكل والعراقيل وحتى الأمور التي لم تشكل عقبة عند الآخرين كانت مشكلة بالنسبة لي. في النهاية قررت التركيز على الدراسة وفعلا حصلت على الزمالة البريطانية وبدأت البحث عن عمل ولم أوفق ولكن أخيرا بدا بعض الانفراج في الأمور.
في هذه الفترة وعن طريق صديقة لي تقدم لي شخص بشهادة الجميع هو إنسان ممتاز وملتزم دينيا وله نشاط ملحوظ في مجال الدعوة , تقدم وهو يعلم بأني طبيبة وأرغب في العمل ويعلم بكل ما واجهته . طلب أن نتقابل ونتحدث وقد استخرت قبل اللقاء ولم تكن الرؤية واضحة ففكرت أن الاستخارة ستكون أفضل بعد اللقاء.
التقينا وتحدثنا وأصارحكم بأني ارتحت إليه كثيرا وترك انطباعا جيدا لدي ولم يتأثر هذا بكونه مطلق ولديه أربعة أطفال حتى أنه لم يكن لدي مانع إذا طلب بقاء الأطفال معه. لكن أثناء حديثنا تبين لي بانه يمانع تماما فكرة العمل وقد حاولت إقناعه بأن رغبتي في العمل ناتجة عن حبي لهذا المجال وليس رغبة في الخروج من البيت أو في المال وأنه من الضروري وجود نساء في هذا المجال وأنه لو كان أي عمل آخر لما كان لدي أي تردد في التوقف عنه. بالمقابل حاول هو إقناعي بضرورة بقاء المرأة في البيت وعدم الاختلاط وطاعة الزوج وقد بينت له أنه رغبتي في طاعته هي التي دفعتني لإيضاح الأمور وعدم الوعد بشيء لا أكون مقتنعة به.
طلب مني أن أستخير عدة مرات في أثناء حديثنا وهذا كان قراري من البداية ولكن عندما وجدت أن كلاً منا مصر على موقفه فكرت (ولا أدري الآن إن كانت فكرتي خطأ) بأنه لا تصح الأستخارة في هذه الظروف وقلت له بالفعل كيف أستخير والأمور واضحة وعندما شعرت أن ليس لديه ما يقوله بعد أن طلب مني لآخر مرة أن أستخير وأنه محرج من أن ينهي هو اللقاء أنهيت الأمور عند هذا الحد وأكدت له بأنه لا ضرورة لشعوره بالحرج لأنه غير ملزم بأي شئ وأنه لم يعد بأي شيء قبل لقائنا.
رجعت إلى البيت وأنا مرتاحة ومقتنعة بصواب قراري وكلمت الأهل وكان لهم نفس الرأي ولكن بعد عدة ساعات وبدون رغبة مني أخذ كلامه يتبادر مرة أخرى إلى ذهني وكلما استعدت أي كلمة قالها كان شعوري يزداد بالقلق الشديد والخوف من أن أكون مخطئة في قراري ليس من فكرة رفضة كشخص لأني مؤمنة بقول(43/20)
الرسول أن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا ولكن خشيتي كانت من فكرة أني ربما أكون أصر وأكابر على شيء فيه مخالفة لديني وربي. تضايقت جدا لدرجة أني فكرت أن أكلمه لأسمع منه هو شخصيا أني دينيا محقة وأن هذا هو رأيه الشخصي الذي يصر عليه وينتهي الأمر عند هذا الحد.
ما أرغب به هو أولا رأيكم في الاستخارة في هذه الظروف هل تصح أم لا. ثانيا رأي الدين في عمل المرأة في هذا المجال وهل كان خطأ ما فعلتة لأني مستعدة للرجوع عن رأيى هذا وحتى إخباره هو بذلك دون أن أشعر بأي غضاضة أو انتقاص من قدري لما رأيت منه من أخلاق ومن قدرة على الإقناع أحسست بأنها نابعة من قناعته التامة بما يقول وهذا الذي جعلني أشعر بما أشعر به الآن من ضيق هذا حتى ولو علمت بأنه صرف النظر نهائيا عن موضوع الزواج.
أخيرا أقول للعلم وليس لإثبات صحة موقفي بأني من أسرة محافظة جدا وذهبت إلى الحج والعمرة عدة مرات وأضع لنفسي قائمة طويلة للممنوعات وأساسا لا أحب الاختلاط والخروج وقد أخبرته بذلك. أيضا أرغب في تعويض والديّ وخاصة والدي عن كل ما فعلوه لأجلي تعويضا معنويا وليس ماديا وذلك لرغبتهم الشديدة في رؤيتي بمستوى علمي جيد.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هذا الرجل مرضيا في دينه وخلقه -كما قلت- فالذي ننصحك به المبادرة إلى الزواج منه وذلك لجملة من الأسباب منها:
1ـ أن الشرع دعا إلى ذلك؛ بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه الترمذي.
2ـ أن رفض المرأة للخطاب قد يولد كراهية وعزوفا للرجال عنها، ولا يخفى مافي ذلك من تفويت فرصة عظيمة للزواج الذي هو وسيلة شرعية لتحقيق الرغبة والحصول على الولد.
وما تحججت به من حب العمل لا يعد موجبا كافيا لرفض الزواج، وذلك لأن الأصل أن المرأة محلها البيت والقيام بشؤون زوجها وتربية أبنائها، وخروجها إلى العمل ولو كانت محتاجة إليه يحتاج إلى ضوابط شرعية، راجعيها في الفتوى رقم: 5181، ولا شك أن هذه الضوابط شبه معدومة في البلد الذي أنت فيه، فإن وُجِدَت وهذا مالا نتوقعه،أو انتقلتما إلى بلد إسلامي فلا ينبغي لزوجك أن يحرمك ذلك لانتفاء مخالفة الشرع في ذلك، بل ربما كان فضيلة وعملا جليلا لما فيه من مصلحة الأمة، وعلى كل حال لاتتركي الاستخارة في أي أمر هممت به، وأخيرا نوصيك بقطع العلاقة مع هذا الرجل فلا تحتكي معه ولا تخضعي له في القول إلى أن يشرح الله صدوركما لهذا الزواج فأنت أجنبية عنه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(43/21)
من صور نكاح الشغار
تاريخ الفتوى : ... 24 صفر 1425 / 15-04-2004
السؤال
مااسم الزواج الذي يشترط فيه أهل الخاطب أننالانأخذ ابنتكم إلا إذا أخذتم ابنتنا لابنكم علما بأن أخا المخطوبة يرغب في الزواج بأخرى وأهل الخاطب يعرفون ذلك وهم يضغطون على أهله لكي يقنعوا ابنهم بذلك وإلا فلن يتم الزواج,, ما رأي الشرع في ذلك؟ وما اسم هذا الزواج؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا النوع من النكاح يعرف عند الفقهاء بنكاح الشغار، وهو ثلاثة أنواع سبق لنا ذكرها مع أحكامها في الفتوى رقم: 6903 فراجعها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم زواج من رقعت بكارتها بشخص دون إخباره
تاريخ الفتوى : ... 23 صفر 1425 / 14-04-2004
السؤال
بنت زنت. وعملت عمليه ترقيع لغشاء البكارة.هل يجوز زواجها بعد ذلك من شخص آخر.أم هذا يعد غشا . وهل يكون عقد زواجها صحيحا لأنها ليست بكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا جرم عظيم وذنب جسيم وفاحشة شنيعة، ويجب على من وقع فيه أن يتوب إلى الله من ذلك.
أما عن عملية ترفيع غشاء البكارة، فقد تقدم الكلام عن ذلك في الفتاوى التالية: 5047، 32177، 12317.
وأما عن زواج من رقعت بكارتها بشخص دون إخباره بذلك، فإن لذلك حالتين:
الأولى: أن يشترط الرجل أن تكون بكرا، فيجب حينئذ بيان ذلك، وإذا لم تبين الفتاة ذلك، فإنها غاشة، وللرجل بعد ذلك الخيار في الفسخ.
والثانية: ألا يشترط ذلك، وفي هذه الحالة لا يشترط البيان، بل إن الأفضل هو الستر والكتمان.
وفي كلا الحالتين العقد صحيح، إلا أنه في الحالة الأولى يثبت الخيار للرجل وليس كذلك في الثانية.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... اشتراط كون الطلاق بيد الزوجة(43/22)
تاريخ الفتوى : ... 15 صفر 1425 / 06-04-2004
السؤال
أنا امرأة مسلمة أعيش في مصر عندي بنت عمرها 12 عاماً، وأنا مطلقة كنت أريد أن أتزوج من أجل إنجاب أطفال ويكون لبنتي أخ أو أخت، ولكن لم أجد شخصاً مناسباً وابنتي لم ترد أن أتزوج وضحيت من أجل ابنتي، ولكن الآن ضروري أن أتزوج، لأني أعمل في التجارة وأتعامل مع رجال كثير وأنا أخشى على نفسي، المشكلة كلهم رجال الذين أعرفهم طلاب أو من غير العمل وأصغر مني سنا، ولكنهم رجال صالحون للزواج، هم محتاجون لي وأنا محتاجة لهم في العمل ولكن يحموني من طمع الرجال، المشكلة لا يتجرؤوا طلب يدي، وأنا أيضاً لا أتجرأ لي أطلب منهم الزواج، لأن الذي أعرفه أن الرجل الذي يطلب الزواج وليس المرأة، وأريد أن تكون العصمة في يدي إذا أساء لبنتي ولي كي لا أتعب في طلب الطلاق، من فضلكم أريد حلاً ماذا أفعل، أنا ضعيفة في اللغة العربية؟ أريد الرد بسرعة من فضلكم. شكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز لك أن تعرضي نفسك على من ترينه مناسباً من الرجال للزواج بك إن كان متصفاً بالدين والخلق، والأولى أن يكون ذلك بواسطة امرأة من محارمه، فإن تعذر ذلك فلا مانع من مباشرته بذلك لما في الصحيحين عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله إني وهبت لك نفسي، فقامت طويلاً... الحديث.، وانظري الفتوى رقم: 26711.
ولا يضر كون الرجل الذي ترغبين فيه أصغر منك أو أكبر، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج خديجة رضي الله عنها وهي أسن منه بعشرين عاماً، وتزوج عائشة رضي الله عنها وهي أصغر منه، وراجعي الفتوى رقم: 6079، والفتوى رقم: 6563.
أما بخصوص اشتراط كون الطلاق بيدك فلا مانع من ذلك إن كان الشرط مما يعود نفعه إليك بحيث لو أخلَّ زوجك بالشرط جاز لك فسخ النكاح، قال ابن قدامة في المغني: الشروط في النكاح تنقسم ثلاثة: أحدها: يلزم الوفاء به وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته مثل أن يشترط لها ألا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها أو لا يتزوج عليها ولا يتسرى عليها فهذا يلزمه الوفاء لها به، فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح. ثم ذكر القسمين الباقيين.
وننبهك إلى أن عمل المرأة في مكان تختلط فيه بالرجال الأجانب محرم، كما هو مبين في الفتوى رقم: 19233.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الإنجاب مقصد أساسي في النكاح
تاريخ الفتوى : ... 29 شوال 1424 / 24-12-2003(43/23)
السؤال
تزوجت وهي عمرها 30 سنة رجلآ عمره 55 عاماً كانت قد ماتت زوجته وله منها 3 أولاد، عند الزواج اشترطت عليه إنجاب الأطفال فوافق وبعد 4 سنين لم ترزق بأولاد منه، قال لها الأطباء ليس لديها أي مانع ولكن هو لا يريد أن يفحص نفسه مدعياً أنه قد أنجب من زوجته السابقة التي ماتت فماذا تفعل وخصوصاً أنها تريد الإنجاب؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزوجة المذكورة في السؤال، إما أن تكون اشترطت على زوجها الإنجاب على أية حالة، وإما أن يكون شرطها عليه أن يأخذ بالأسباب فيتعالج لينجب، فإن كان الأول فهو شرط باطل لأنه اشتراط ما ليس في استطاعة المخلوق، وإن كان الثاني فإنه شرط لا يناقض المقصود من النكاح، بل هو المقصود الأساسي في النكاح، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم. ، وفي رواية: فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة. رواه أبو داود والنسائي وأحمد.
وروى أبو داود والترمذي من حديث أسامة بن شريك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد: الهرم.
وبناء على ذلك فإن من واجب هذا الزوج، ومن حق زوجته عليه أن يجري الفحوصات والعلاجات المناسبة ويسعى في الموضوع بقدر طاقته، فإن فعل كل ذلك ولم يحصل إنجاب لم يكن مطالباً بغير ذلك، وإن رفض التداوي وبقي مصراً على رفضه، كان لها الحق في المطالبة بالطلاق، وانظرالمزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 23762.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... ليس من شروط صحة الزواج كتابة قائمة الشروط
تاريخ الفتوى : ... 02 شوال 1424 / 27-11-2003
السؤال
أريد أن أعرف من سيادتكم حكم القائمة التي تكتب عند عقد الزواج فى الإسلام، وماهي شروطها وما هو الذي يكتب بالضبط، وهل هي ضرورية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن النكاح إذا استكمل الشروط وانتفت عنه الموانع، وهي التي ذكرناها في الفتوى رقم: 964، كان نكاحاً صحيحاً تترتب عليه آثاره، من حيث جواز الاستمتاع ووجوب النفقة ولحوق الولد، ونحو ذلك. وليس من شروط صحة النكاح التوثيق في المحاكم أو(43/24)
غيرها، ولا كتابة قائمة الشروط، إلا أنه لو فعل كان أحسن، خاصة في هذا الزمان، لقطع الحجة على كل من الطرفين فيما إذا أراد النكران. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
للزوجة أن تشترط على زوجها التطليق إذا تزوج بأخرى
تاريخ الفتوى : ... 24 رمضان 1424 / 19-11-2003
السؤال
امرأة تسأل عن إمكانية إبرام عقد مع زوجها ينص على أنها تكون طالقا منه تلقائيا إذا تزوج من أخرى دون علمها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في اشتراط المرأة على زوجها ألا يتزوج عليها على قولين سبق بيانهما في الفتوى رقم: 32542. وعلى القول الراجح فللزوجة أن تشترط على زوجها التطليق عند تزوجه بأخرى دون علمها، فإن رضي بالشرط وتزوج فإن الطلاق يقع تلقائياً، وأما إذا قال لها عند الشرط إن تزوجت بغير علمك فأمرك بيدك أو اشترطت هي ذلك، ثم تزوج بغير علمها فلها الخيار بين الفراق وبين الطلاق. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما يترتب على عدم إخبار الزوجة بزواجها السابق
تاريخ الفتوى : ... 21 جمادي الثانية 1424 / 20-08-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة وبركاته أود أن أسال سؤالا أنا تزوجت ولم أخبر زوجي بأني كنت متملكة، وبعد الزواج عرف زوجي بأني كنت متملكة ويريد أن يطلقني وأنا لا أريد الطلاق، وهو يريد أن يطلقني ويريد أيضا أن يأخذ المهر، هل علي شيء بعدم إخباره بأنني كنت متملكة مع العلم بأنه لم يدخل بي ويريد هذا الأمر حجة له لكي يأخذ المهر أريد حلا لمشكلتي بأسرع وقت ممكن , ودمتم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فعدم إخبارك إياه بالزواج السابق له حالتان: الأولى: أن يكون الزوج السابق لم يدخل بك، فلا يلزمك حينئذ إخبار من يريد التقدم للخطبة بالزواج السابق لكنه أفضل تفادياً للخصومة. الثانية: أن يكون الزوج السابق قد دخل بكِ (زالت البكارة بوطء) ولهذه الحالة حالتان: الأولى: أن يشترط الخاطب البكارة، فيجب حينئذ بيان عدم البكارة، فإن حصل الزواج بدون بيان فللزوج الخيار ما لم يستمتع، فإن اختار الفسخ أخذ المهر. الثانية: ألا يكون اشترط في ذلك فلا يلزم حينئذ البيان، لكنه الأفضل تفادياً للخصومة، كما سبق، وإذا حصل الزواج بدون اشتراط فلا خيار حينئذٍ، وإذا طلقك الزوج والحالة هذه قبل الدخول، فإن كان المهر مسمى فلك نصف المهر، وإن لم(43/25)
يكن مسمى فلك المتعة، قال تعالى: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ * وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:236-237]. وإن طلقك بعد الدخول استحققت جميع المهر ولا تحق له المطالبة بشيء منه، قال الله سبحانه: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً [النساء:20-21]. ولتفاصيل أكثر راجعي التفاوى التالية: 7128، 3154، 35204. وننصحك برفع قضيتك إلى
المحكمة الشرعية ليحلوا هذه المشكلة. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم تزوج الرجل امرأة من أجل الحصول على جواز
تاريخ الفتوى : ... 29 جمادي الأولى 1424 / 29-07-2003
السؤال
ما حكم من يتزوج من أجل أخد جواز سفر دولة معينة؟ وقد سبق أن اتفق مع الزوجة على ذلك مقابل مال معين.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإذا تزوج الرجل امرأة من أجل الحصول على جواز أو أي منفعة أخرى فإن الزواج يعتبر نافذًا إذا استكمل شروطه وانتفت موانعه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ~ثلاث جدهنَّ جد وهزلنَّ جد: النكاح والطلاق والرجعة.~~ رواه أصحاب السنن. ويستأنس لجواز الزواج بالغرض المذكور أعلاه بقوله صلى الله عليه وسلم: ~تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها. فاظفر بذات الدين تربت يداك.~~ متفق عليه. ولمزيد من الفائدة والتفصيل نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 23845. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
شتراط الزوجة الثانية عدم إرجاع الأولى بين الجواز وعدمه
تاريخ الفتوى : ... 29 جمادي الأولى 1424 / 29-07-2003
السؤال
أنا أب لطفلين، وكنت قد طلقت أمهما لمشاكل قد حدثت، وعندما تزوجت من ثانية اشترطت شرطا وهو ألا أراجع مطلقتي. وعندما أراجع مطلقتي ما حكم الشرع في الزوجة الثانية بالشرط التي اشترطتها؟ وجزاكم الله كل خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(43/26)
فإن كانت الزوجة الثانية قد اشترطت عليك عدم إرجاع الأولى، وإذا فعلت ذلك تكون هي طالقًا، فإن هذا الشرط يلزم الوفاء به؛ لأن فيه منفعة لهذه الزوجة. قال ابن قدامة في المغني مقسمًا الشروط إلى ثلاثة أقسام: أحدها: ما يلزم الوفاء به، وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته، مثل أن يشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها أو لا يتزوج عليها ولا يتسرى، فهذا يلزمه الوفاء به عند أحمد، فإن لم يفعل فلها الفسخ.
ويروى هذا عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم. وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد وطاووس والأوزاعي وإسحاق وحجة أصحاب هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم: إن أحق ما وفيتم به الشروط ما استحللتم به الفروج.
ومحل هذا -والله أعلم- هو ما إذا كانت عدة الزوجة الأولى المطلقة انتهت أو كانت بائناً، أما إذا كانت الزوجة الأولى مازالت في العدة من الطلاق الرجعي فإن اشتراط عدم إرجاعها لا يجوز ولا يصح لأنها في حكم الزوجة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها. رواه البخاري.
ويقول صلى الله عليه وسلم: ما بال أناس يشترطون شرطاً ليس في كتاب الله، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط. متفق عليه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
"أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة"
تاريخ الفتوى : ... 28 ربيع الثاني 1424 / 29-06-2003
السؤال
استخرت الله وأقدمت على الزواج وهداني الله إلى فتاة ترعى حقوق الله وعند إتمام الخطبة أشار أهلها إلى التيسير فى الزواج وفرحت بذلك وتم الاتفاق، ولكن بعد مرور أشهر على الخطبة فوجئت بوالدها يريد تعديل الاتفاق ويعسر علي فى طلباته ولو كان فى استطاعتي لنفذت ولكن تعلم ظروف الشباب واستند على أحاديث بما معناه أن المرأة لوكان عندها خادم يجب أن يوفر لها زوجها خادماً ويبيع الدرع للزواج ولكني لا أملك سوى ما يزوجني زواجاً كريماً لتملكي المسكن وأستطيع تأسيسه تأسيساً مناسباً أفتوني ماذا أفعل وهل تغييره لنية تيسير الزواج محرم مع العلم بأني خطبتها لدينها؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيراً على تخيرك للفتاة التي ترعى حقوق الله عز وجل، ونسأل الله عز وجل أن يوفقك في نكاحها، والذي ننصحك به تجاه والدها هو أن تسعى بقدر ما تستطيع أن تبين له وجه رغبتك في ابنته، وتعلمه بظروفك، وتوسط من له تأثير عليه في إقناعه بالموافقه وألا يكلفك ما لا تطيق، وأعلمه أن النبي صلى الله عليه(43/27)
وسلم قال: أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة. رواه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
وأعلمه أنه لو كان في مقدورك لفعلت وأما قوله (لو كان عندها خادم يجب أن يوفر لها زوجها خادماً)، فهذا محل خلاف بين أهل العلم، والراجح خلافه كما بين ذلك في الفتوى رقم: 13158.
وأما قوله (ويبيع الدرع للزواج) هذا دليل عليه، وهو أن ولي المرأة يقبل في الفقير مهراً ولو قل حسب قدرته واستطاعته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: فالتمس ولو خاتماً من حديد.
وأما الموسر فلا حرج عليه في أن يمهر امرأته ولو بقنطار وهو المال الكثير كما قال الله تعالى: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً [النساء:20].
وأما تراجع والد زوجتك عما اتفقتما عليه أولاً فهو خلاف المندوب، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 24942.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تفصيل القول فيما لو اشترطت الزوجة ألا يتزوج عليها أخرى
تاريخ الفتوى : ... 24 ربيع الأول 1424 / 26-05-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته السؤال: هل يجوز للمرأة أن تشترط فى عقد النكاح أن لا يتزوج عليها زوجها بأخرى، أفتونا بذلك مأجورين؟ والسلام عليكم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن المرأة إذا اشترطت عند عقد النكاح شرطا يعود عليها بمنفعة مثل أن لا يتزوج عليها أو لا يسافر بها، فللعلماء رحمهم الله تعالى في ذلك مذهبان: المذهب الأول:يرى أن الزواج صحيح، وأن هذه الشروط ملغاة لا يلزم الزوج الوفاء بها،وهو مذهب الشافعي وآخرين، وأدلتهم كالتالي: 1-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما. رواه الترمذي. وقالوا:وهذا الشرط الذي اشترط يحرم الحلال، وهو التزوج والتسري وغير ذلك. 2-قوله صلى الله عليه وسلم: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل،وإن كان مائة شرط. متفق عليه. وقالوا: وهذا ليس في كتاب الله،لأن الشرع لا يقتضيه. 3-قالوا: إن هذه الشروط ليست من مصلحة العقد ولا مقتضاه. المذهب الثاني: أن الزواج صحيح والشرط صحيح يلزم الوفاء به،وهو مذهب كثير من الصحابة وآخرين من غيرهم، منهم الأوزاعي والحنابلة والمالكية، واستدلوا بما يلي: 1-قوله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]. 2-قوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه البخاري. 3-الحديث المتفق عليه من رواية عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج. 4-روى الأثرم بإسناده أن رجلا تزوج امرأة وشرط لها دارها ثم أراد نقلها(43/28)
فخاصموه إلى عمر بن الخطاب، فقال: لها شروطها: (مقاطع الحقوق عند الشروط). 5-ولأنه شرط لها فيه منفعة ومقصود لا يمنع المقصود من النكاح،فكان لازما كما لو شرطت عليه زيادة المهر. قال ابن قدامة مرجحا هذا القول ومفندا للرأي الأول: وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: كل شرط إلى آخر الحديث. ، أي ليس في حكم الله وشرعه،وهذا مشروع،وقد ذكرنا ما دل على مشروعيته على أن الخلاف في مشروعيته،ومن نفى ذلك فعليه الدليل. انتهى. وقولهم: إن
هذا يحرم الحلال: قلنا لا يحرم حلالا،وإنما يثبت للمرأة خيار الفسخ إن لم يف لها به. وقولهم: ليس من مصلحته:قلنا: لا نسلم ذلك،فإنه من مصلحة المرأة وما كان من مصلحة العاقد كان من مصلحة عقده، وقال ابن رشد في بداية المجتهد: وسبب اختلافهم معارضة العموم للخصوص، فأما العموم فحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال في خطبته: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط. وأما الخصوص: فحديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج. والحديثان متفق عليهما، إلا أن المشهور عند الأصوليين القضاء بالخصوص على العموم، وهو لزوم الشرط، وقال ابن تيمية: ومقاصد العقلاء إذا دخلت في العقود وكانت من الصلاح الذي هو المقصود لم تذهب عفوا ولم تهدر رأسا كالآجال في الأعواض،ونقود الأثمان المعينة ببعض البلدان، والصفات في المبيعات، والحرفة المشروطة في أحد الزوجين،وقد تفيد الشروط ما لا يفيده الإطلاق بل ما يخالف الإطلاق، وبهذا يظهر أن هذا النوع من الشروط يشتمل على مصلحة للمرأة، ويلزم الوفاء به نظرا للأدلة الواضحة التي تدعم هذا القول، وللمزيد من التفصيل يمكن الرجوع إلى الفتوى رقم: 1357. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم إسقاط الشروط للزوجة والولي
تاريخ الفتوى : ... 18 ربيع الأول 1424 / 20-05-2003
السؤال
هل للمرأة الحق في أن تسقط عن الشخص الذي عقد عليها شروطا اشترطها وليها؟ وهل للولي الحق في إسقاط شروط ابنته؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كانت المرأة ثيباً فيجوز لها إسقاط الشروط التي اشترطها وليها، ولا يجوز للولي إسقاط شروطها إلا بإذنها، وذلك لأن الشرع قد جعل للثيب الأمر بيدها، فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها.
وإن كانت المرأة بكراً فلا يجوز لها إسقاط شروط وليها، وجاز للولي إسقاط شروطها، لأن أمرها بيد وليها، هذا فيما إذا كان وليها أباها أو الموصى بإجبارها، فإن كان وليها غيرهما فلا يجوز له ذلك، جاء في المدونة: قلت: أرأيت الثيب التي(43/29)
زوجها الولي ولم يفرض لها إن رضيت بأقل من صداق مثلها أيجوز هذا والولي لا يرضى؟ قال: قال مالك: ذلك جائز وإن لم يرض الولي، قلت: والبكر إذا زوجها أبوها أو وليها فرضيت بأقل من صداق مثلها؟ قال: قال مالك: لا يكون ذلك لها إلا أن يرضى الأب بذلك، فإن رضي بذلك جاز عليها ولا ينظر إلى رضاها مع الأب. انتهى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حول اشتراط الزوجة إكمال الدراسة
تاريخ الفتوى : ... 15 ربيع الأول 1424 / 17-05-2003
السؤال
قبل الزواج وعدتها بتكملة دراستها حيث تم قبولها في كلية جامعية(كلية العلوم) وفي الحقيقة لم أكن أريد أن أمنعها من هذا الشيء ولكن شاءت الأقدار أن يتأخر الإنجاب ((علما بأن الجامعة في السودان وهي معي هنا في السعودية)) وعليه بعد شد وجذب تركنا موضوع الدراسة ورزقنا بطفلتين، لكن ينتابني إحساس بأني حرمتها بعض حقوقها خصوصا أن البعض من أهلها ليس على وفاق معي بعد هذا الموضوع، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه أبو داود، وأوجب وأحق ما يوفي به الشخص من الشروط شروط النكاح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج. متفق عليه.
فإذا كانت الزوجة قبلت الزواج بسبب هذا الوعد ولولاه لما قبلت الزواج، جرى هذا الوعد مجرى الشرط الذي اشترط في النكاح، ووجب عليك أن توفي به إلا إذا ترتب على وفائك به محرم، كأن تسافر المرأة بدون محرم أو أن تكون الجامعة مختلطة، ونحو ذلك من المحرمات، وراجع الفتوى رقم: 1357، والفتوى رقم: 4554.
وإذا كان وعدك لها بتكملة الدراسة مجرد وعدٍ وليس بشرط ولا يترتب على الوفاء به الوقوع في محرم، فقد اختلف أهل العلم في لزوم الوفاء به على ثلاثة أقوال:
الأول: يجب الوفاء به.
الثاني: لا يجب الوفاء به إنما يستحب فقط.
الثالث: التفريق بين الوعد الذي يدخل بسببه الموعود في شيء يضره التراجع عنه فيجب الوفاء به وما عدا ذلك فيستحب.
والراجح -والله أعلم- هو وجوب الوفاء بهذا الوعد مطلقاً، وهو وجه عند الحنابلة اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال عنه صاحب الفروع: وهذا متجه، وقاله من الفقهاء ابن شبرمة.
ومما يدل على ذلك عموم قوله تعالى: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:3].(43/30)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. متفق عليه، وانظر للأهمية الفتوى رقم:
25233.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يشترط لصحة الزواج من الثانية رضا الوالدة لكنه أولى
تاريخ الفتوى : ... 02 ربيع الأول 1424 / 04-05-2003
السؤال
إذا كان هناك رجل متزوج وله أولاد وهو في الثلاثينيات من العمر ويريد أن يتزوج مرة أخرى بفتاة يحبها كثيراً وأمه ترفض زواجه مرة أخرى خوفا عليه من أن يكون موزعا بينهما وتحصل خلافات فما رأي الدين هل يسمع كلام والدته؟ وإذا تزوج من غير رضاها فهل عليه ذنب؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالرجل يباح له الزواج من أربع نسوة فأقل، يجمع بينهن بشرط أن يأنس من نفسه القدرة على العدل بينهن، لقول الله تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا [النساء:3].
ولا يشترط لصحة الزواج بأكثر من واحدة أي شرط غير القدرة على العدل، فلا يشترط رضا الوالد أو الوالدة، وليس عليه إثم في الزواج بغير رضاهما.
إلا أنه ينبغي له أن يبذل جهده في إقناع والديه بذلك، خاصة إذا لم يكن هنالك مسوغ شرعي يدعوهما للاعتراض على زواجه، بل هو مجرد خوف أن يكون موزعاً بين اثنتين فأكثر.
فإن أصرت والدته أو والده على موقفهما في منعه من الزواج، فالأولى به تركه التماساً لرضاهما، فإن: رضا الرب في رضا الوالدين، و سخطه في سخطهما. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يجوز منع الزواج من ابنة العم بناءعلى عادة متبعة
تاريخ الفتوى : ... 24 صفر 1424 / 27-04-2003
السؤال
هناك قبيلة فى دولة تشاد تسمى التبو من عادتهم ان لا يتزوجوا من ابناء عمومتهم أي من بعضهم البعض وهناك شاب اراد ان يتزوج ابنة عمه ولكن والده لم يوافق على هذا الزواج متبعا بذلك عاداتهم وتقاليدهم، فما الذى على الابن فعله ؟(43/31)
افيدونا افادكم الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزواج من بنت العم وبنت الخال ونحوهما ممن يحل زواجها من القريبات مباح قال تعالى ( يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك... ) وقد أجمع أهل العلم عليه، فلا يجوز منعه بناء على عادة متبعة في بلد ما أو عند قبيلة ما، قال الله عز وجل ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) [الشورى:21] ، وقال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) [المائدة:87].
فعلى هذا الولد أن يجتهد في إقناع والده وإرضائه حرصاً على بره، فإن " رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخطه " رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وصححه.
ولعل هذا الولد يكسر بزواجه من ابنة عمه هذا الحاجز المبني على تحكيم العادة وتقديمها على الشرع.
فإن لم يوافق أبوه فلعل ترك الزواج من هذه البنت هو الأقرب لبر والده.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز الإخلال بما اشترطته الزوجة عند العقد
تاريخ الفتوى : ... 25 محرم 1424 / 29-03-2003
السؤال
أيها الشيخ الفاضل لقد عاقبت امرأتي بمنعها من الدراسة، والذهاب للجامعة لأنها تحدتني وتمردت على أوامري مع العلم بأنني وعدتها بتعليمها عند الزواج، وكتب ذلك في العقد ووفيت بوعدي ولكن عند تمردها علي فعلت ذلك، فما حكم الشرع في ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1].
وقال صلى الله عليه وسلم: إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به من الفروج. متفق عليه.
وهذا يدل على وجوب الوفاء بالعقود عموماً وما اشترط فيها، وبعقد الزواج خصوصاً، لما فيه من الخطورة الكامنة في استحلال الفروج، وحصول النسل وما يترتب عليه من إثبات نسبه، وغير ذلك.
والواجب على كل من الزوجين الوفاء بما اتفقا عليه قبل العقد، ما لم يؤثر ذلك الوفاء على أداء الحقوق الواجبة الأخرى، ولذا فإننا نقول للزوج: يجب عليك الوفاء بما اشترطت عليك زوجتك عند العقد من إكمال تعليمها، كما يجب عليك الوفاء(43/32)
بنفقتها وسكناها وكسوتها. ونقول للزوجة يجب عليك طاعة زوجك في المعروف، كما يجب عليك ترك الدراسة إذا تعارضت مع الوفاء بحقوقه. ولتعلمي أن خير ما تقربت به المرأة لربها هو طاعة زوجها في غير معصية الله، وإن من طاعة الزوج ترك تحديه والتمرد عليه، قال نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم: المرأة إذا صلت خمسها، وصامت شهرها، وأحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت. رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني في المشكاة.
وفي مسند أحمد بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا.
وراجع أيها الزوج وأنت أيتها الزوجة الفتاوى التالية: 17322، 23844، 1357، 15475.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم الزواج لغرض الحصول على الجنسية
تاريخ الفتوى : ... 25 محرم 1424 / 29-03-2003
السؤال
هل يجوز الزواج من أجنبيه لفترة معينة بغرض الحصول على الجنسية؟ علمًا بأنه لا مورد للرزق غير ذلك.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا تم تحديد مدة في العقد ينفسخ بعدها فهو نكاح متعة وهو باطل باتفاق أهل العلم، وإذا كان هذا العقد قد تم دون اشتراط مدة معينة ولكن ينوي الزوج ذلك، فلا يجوز على الراجح من أقوال أهل العلم لما فيه من الغش والتدليس والشبه بنكاح المتعة.
وكذلك الحكم فيما لو علمت الزوجة بأن النكاح ينفسخ أو أن الزوج يطلقها بعد أن يتم حصول غرضه من الحصول على الجنسية دون أن يذكر ذلك في العقد؛ لأن المنوي كالمشروط على الصحيح من أقوال العلماء لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات. متفق عليه.
ولا سيما أن القانون يحدد مدة معينة لأجل الحصول على الجنسية، وانظر للتفصيل الفتوى رقم:
3458، والفتوى رقم: 11173.
واعلم - وفقك الله - أن الزواج بغير المسلمات فيه كثير من المفاسد، وخاصة إذا كان لغرض الحصول على الجنسية فإن مثل هذا النكاح تستهين به المرأة، إذا أقدمت عليه وهي تعلم بغرض الزوج من هذا النكاح، وترى نفسها كأنها عقدت صفقة تجارية، فمن أين يأمن الزوج من تلويث عرضه وأن تلحق به من الأطفال ما ليس منه، وقد تقدمت لنا فتوى ذكرنا فيها شروط الزواج من الكتابيات فانظرها تحت الرقم: 7819، وانظر أيضاً الفتوى رقم: 1158.(43/33)
وأما قولك: لا مورد للرزق إلا ذلك فليس بصحيح، فموارد الرزق كثيرة، لن يعدم من يلتمسها أن يجد الكثير منها، قال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6].
وقال جل وعلا: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ [الذاريات:23]. وانظر لمزيد من الفائدة الفتوى رقم:
7768.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم تراجع الزوجة عن شرط السكن مع أم الزوج
تاريخ الفتوى : ... 15 ذو الحجة 1423 / 17-02-2003
السؤال
أنا شاب متزوج حديثا ولي أخت متزوجة ووالدتي امرأة عاملة حيث أنها منفصلة عن والدي وعمري 6 أعوام ولذلك اشترطت علي زوجتي أن تشاركنا والدتي المنزل قبل زواجي بها على أمل أنهما سيتعايشان في سلام ولكن للأسف لم يحدث هذا فهل إذا أخذت شقة منفصله لزوجتي يعتبر هذا عقوقاً لوالدتي ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على الزوجة أن تفي بما اشترطت عند العقد، لأن السكن المنفصل حق من حقوقها، وقد تنازلت عنه, وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ": أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج. رواه البخاري عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
لكن إذا ترتب على سكنها مع الأم ضرر محقق على الزوجة جاز لها المطالبة بسكن منفصل عنها ولو مع وجود الشرط المذكور, وبهذا قال المالكية - وهو الراجح - حفاظاً على عورة الزوجة وأحوالها التي لا تحب أن يطلع عليها أحد، ونفياً للنزاع المعتاد بين الأم والزوجة، وعملاًً بالأصل في حق المرأة بالانفراد بسكن خاص.
قال في بلغة السالك : وللشريفة - أي ذات القَدْر - الامتناع من السكن مع أقاربه ولو الأبوين في دار واحدة لما فيه من الضرر عليها باطلاعهم على حالها والتكلم فيها، إلا لشرط عند العقد أن تسكن معهم، فليس لها امتناع ما لم يحصل منهم الضرر أو الاطلاع على عوراتها. انتهى
وبناء على ذلك.. فلا حرج عليك في أخذ شقة مستقلة، ولا يعد ذلك عقوقاً لوالدتك، إذ لا تنافي بين بر الأم وإسكان الزوجة وحدها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أقوال العلماء فيمن تزوج ينوي مدة معينة يطلق بعدها(43/34)
تاريخ الفتوى : ... 13 ذو الحجة 1423 / 15-02-2003
السؤال
السلا م عليكم
السؤال هل يمكن فسخ عقد الزواج بعد مدة محددة في بعض المذاهب ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أنه متى تم اشتراط مدة معينة في عقد النكاح، ينفسخ العقد بعدها، فالنكاح باطل باتفاق الأئمة، لأن هذا هو نكاح المتعة الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما في صحيح مسلم وسنن ابن ماجه وغيرهما عن الربيع بن سبرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة..... ولأن التأجيل يخل بمقصود النكاح من المودة والرحمة والسكن، ويجعل الزوجة بمنزلة المستأجرة.
واختلف العلماء فيمن تزوج وهو ينوي مدة معينة يطلق بعدها هل يصح؟ على أقوال:
الأول: أن النكاح لا يصح والحالة هكذا، وهو الصحيح المنصوص عليه في مذهب الحنابلة قياساً على نكاح المتعة في عدم الصحة، نُقِلَ في الفروع ومطالب أولي النهى، وكشاف القناع والفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام، عن أحمد من رواية أبي دواد: قولُه: هو شبيه بالمتعة، لا، حتى يتزوجها على أنها امرأته ما حييت.
ونقل شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: أن أحمد قال في رواية عبد الله: إذا تزوجها وفي نيته أن يطلقها أكرهه هذه متعة... ثم قال شيخ الإسلام: وهذا يبين أن هذه كراهة تحريم لأنه شبهه بالمتعة والمتعة حرام عنده.
الثاني: أن النكاح صحيح، وإليه ذهب الحنفية ولأن إضمار التأقيت في النكاح لا يؤثر في صحته ولا يجعله مؤقتاً، فله تزوجها وفي نيته أن يمكث معها مدة نواها، فالنكاح صحيح، لأن التأقيت إنما يكون باللفظ، قال في كنز الدقائق: ولو تزوجها مطلقاً، وفي نيته أن يقعد معها مدة نواها فالنكاح صحيح.
وذهب المالكية إلى أن التأقيت إذا لم يقع في العقد، ولم يُعْلِمْها الزوج بذلك، وإنما قصده في نفسه، وفهمت المرأة أو وليها المفارقة بعد مدة فإنه لا يضر. ونقل في فتح العلي المالك عن الإمام مالك في الذي يتزوج المرأة مدة ثم يفارقها إذا سافر -مثلاً- أي ينوي فراقها إذا سافر إذا أعلمها بذلك فسد، وإن لم يعلمها وفهمت ذلك جاز. انتهى
وإليه ذهب ابن قدامة من الحنابلة، جاء في المغني أنه: إن تزوجها بغير شرط، إلا أن في نيته طلاقها بعد شهر، أو إذا انقضت حاجته في هذا البلد، فالنكاح صحيح في قول عامة أهل العلم إلا الأوزاعي، قال: هو نكاح متعة.
الثالث: الكراهة وإليه ذهب الشافعية، لأن كل ما لو صرح به أبطل يكون إضماره مكروها عندهم، ومما يحتج به لمذهب الحنابلة أنه لو تم بعلم المرأة أو وليها فلا(43/35)
فرق بينه وبين نكاح المتعة المحرم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.
وإن كان بدون علم المرأة أو وليها فهو غش إذ لو علموا لم يزوجوه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من غش فليس مني. رواه مسلم.
وقال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. متفق عليه.
ولا شك أن هذا احتجاج وجيه.. فلا أقل من أن يكون الموضوع محل شبهة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يراعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه. من رواية النعمان بن بشير.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الزواج بنية الطلاق.. حكم خاص أم عام
تاريخ الفتوى : ... 30 ذو القعدة 1423 / 02-02-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....... وبعد
عرفنا أن الزواج بنية الطلاق جائز في حالات مثالها / طالب علم في بلاد غربة خاف على نفسه
الوقوع في ما يغضب الله، فيجوز له الزوج بنية الطلاق دون الاشتراط في العقد أو علم الزوجة ؟؟؟؟؟؟ ولكن الذي يسكن في بلاده وهو قادر على الزواج وحاله متيسر جدا، ويقول إنه يخاف الوقوع في الزنا ويريد أن يتزوج وفي نيته الطلاق دون علم الزوجة .. فما الحكم في هذه الحالة ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن الزواج بنية الطلاق، وذلك في الفتوى رقم:
3458.
وما ذكرناه فيها يشمل الغريب، والذي يسكن في بلاده، ومن كان حاله ميسوراً، ومن كان خلاف ذلك، ومن كان يخاف الوقوع في الزنا ومن لا يخاف، سواء كان ذلك بعلم الزوجة الأولى أو بدون علمها، فكل ذلك فوارق غير مؤثرة في الحكم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
إصرار والد الفتاة على إتمام الزواج يلغي شرطها عدم الوطء خلال مدة ما
تاريخ الفتوى : ... 13 شوال 1423 / 18-12-2002
السؤال
عقدت قراني على زوجتي في 6/9/2002 وهي طالبة في كلية الطب وقبل عقد القران كانت تطلب مني عدم إكمال الزواج قبل التخرج (عامين) وكنت أوافقها في(43/36)
ذلك وقد اشترط والدها علي إكمال الزواج في فبراير القادم. بعد عقد القران طالبت بحقوقي ولم تستجب بحجة اشتراطها عدم الدخول إلا بعد عامين ما هو موقفها وموقفي شرعا ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لم يرد في سؤالك ما يدل على أن زوجتك اشترطت عليك عدم وطئها بعد الزواج في تلك المدة، وإن كان قد حصل ذلك فإن والدها ألغاه بإصراره على إتمام الزواج قبل المدة المذكورة، والظاهر أن هذا كان بموافقتها.
وما دام الأمر كذلك فالواجب عليها طاعتك إلى ما تدعوها إليه من الفراش، وإلا كانت عاصية لله عز وجل لحديث أبي هريرة المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
النكاح لغرض الإقامة ودفع مال لذلك...رؤية شرعية
تاريخ الفتوى : ... 09 شعبان 1423 / 16-10-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته والصلاة والسلام على رسول الله:
أنا أعيش في إسبانيا ولدي جارة في المغرب تطلب مني الزواج فقط ليكون لديها الحق في الإقامة في إسبانيا كل ذلك بثمن تعطيني إياه فهل يجوز ذلك؟ جزاكم الله خيراً...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني.
فعقد النكاح، لا يدخله الهزل، ولا الإلجاء فمتى عقد رجل على امرأة مع استيفاء العقد شروطه فقد أصبحت زوجته، فالسائل إن كان يريد أن يتزوج هذه المرأة أو كانت هي التي تريده أن يتزوجها فلا بد من استكمال العقد أركانه وشروطه من الولي والشاهدين.
وأما المهر فإن النكاح لا يجوز إلا به، قال العلامة الباجي رحمه الله في شرحه لموطأ الإمام مالك رحمه الله قال: لا خلاف أنه لا يجوز نكاح بدون مهر لغير النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل في ذلك قوله تعالى: وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين. انتهى كلامه رحمه الله.
فلا بد من المهر ولو كان قليلا، بل ولو كان منفعة من المنافع كتعليم المرأة شيئاً من القرآن على الراجح من أقوال أهل العلم.(43/37)
فإذا استكمل العقد أركانه وتم العقد فقد أصبحت المرأة زوجة لهذا الرجل، ولها بعد ذلك أن تسقط حقها من النفقة والمبيت، ولكنها زوجته إذا دعاها لحاجته لم يكن لها أن تمتنع إلا لعذر شرعي كمرض ونحوه، وأما ما ذكره السائل من أخذه مالاً من المرأة مقابل أن يتزوجها فإنه لا يحل أخذ ذلك المال، وهو من أكل أموال الناس بالباطل.
وننبه الأخ السائل إلى ضرورة مراجعة فتاوى سابقة حول الإقامة في بلاد الكفار، فليراجع مثلاً الرقمين التاليين:
2007
18462.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... حكم من تزوج بفتاة لقيطه شارطاً عليها عدم الإنجاب..
تاريخ الفتوى : ... 07 شعبان 1423 / 14-10-2002
السؤال
هل يجوز لرجل متزوج ولديه أولاد ويرغب بزوجة ثانية وهو مقتدر صحياً ومادياً أن يتزوج بفتاة لقيطة سوف يؤمن لها العيشة الكريمة التي تحلم بها وقد اشترط عليها عدم الإنجاب لأن أصلها مجهول والعرق دساس وهي موافقة على ذلك وراغبة بالرجل
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج عليك في نكاح هذه الفتاة اللقيطة، لاسيما إذا كان بغرض صونها، والنفقة عليها ونحو ذلك، وإذا وافقت على نكاحها بشرط عدم الإنجاب صح النكاح؛ لأن الإنجاب حق لها، وقد أسقطته بنفسها، وينبغي التنبه إلى أنها متى ما أرادت الرجوع عن هذا الشرط فإن لها ذلك، وتكون أنت مخيرًا بين إمساكها مع القبول بالإنجاب، وبين فراقها .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يصح الاشتراط على الزوج أن لا يتزوج على الزوجة
تاريخ الفتوى : ... 03 جمادي الثانية 1423 / 12-08-2002
السؤال
هل يجوز للأب أن يشترط على خاطب ابنته ألا يتزوج عليها بزوجة ثانية كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع ابنته فاطمة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(43/38)
فالراجح -والله اعلم- أن هذا الشرط جائز، ويجب الوفاء به، لعموم قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة:1].
وقوله صلى الله عليه وسلم: "أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج" متفق عليه.
وقد سبق بيان هذا الحكم في الفتوى رقم: 1357.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 8398، والفتوى رقم: 4554.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... النظرة الشرعية لمن عاهدت زوجها أن لا تتزوج بعد موته
تاريخ الفتوى : ... 29 ربيع الأول 1423 / 10-06-2002
السؤال
كان معقود قراني ( لم ندخل ) على شخص متدين وذي خلق رفيع، وحين كنا نتحدث ذات مرة قال لي احلفي لي أنني إذا مت لن تتزوجي من بعدي ولشدة إلحاحه وشدة حبي له حلفت بأنني سأخسر دنياي وديني إذا تزوجت من بعده , ولقد توفي - رحمه الله - في حادث قبل أن يدخل بي والآن لقد مر 3 سنوات تقدم لي الكثير لكني خائفة من قسمي .فماذا أفعل ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلقد أخطأ زوجك -رحمه الله- بأن طلب منك أن لا تتزوجي من بعده، إذا مات، فهو بهذا طلب ما لا حق له طلبه، أخرج الطبراني بإسناد حسن عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، خطب أم مُبّشر بنت البراء بن معرور، فقالت: إني شرطت لزوجي أن لا أتزوج بعده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا لا يصلح.
يقول العلماء: لو شرط أحد الزوجين على الآخر أن لا يتزوج بعده فالشرط باطل في القياس، ووجهه أنه ليس في ذلك غرض صحيح بخلاف حال الحياة الإنصاف- كتاب النكاح.
وأخطأت أنت من جهات:
الأولى: حلفك بأن تخسري دينك ودنياك، وهذا النوع من الحلف لا يجوز. أخرج النسائي وصححه من حديث بريدة عن أبيه يرفعه: من قال: إني بريء من الإسلام! فإن كان كاذباً فهو كما قال، وإن كان صادقاً لم يعد إلى الإسلام سالماً.
الثانية: حلفك على الامتناع عن الزواج بلا مسوغ شرعي وهذا لا يجوز، وكان عليك الحنث في هذا اليمين وقبول من تقدم لخطبتك من أهل الصلاح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه.
على أن هذا اللفظ الذي حلفت به ليس يميناً ولا تلزمك فيه كفارة في الأصح من أقوال العلماء.(43/39)
الثالثة: أنه مرَّ عليك ثلاث سنوات وأنت ترفضين من تقدم لك، وأنت بهذا تخالفين أمر الله الذي دعا إلى الزواج فقال تعالى:وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32]، وتخالفين أمر رسوله صلى الله عليه وسلم: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
والخلاصة أنه لا يلزمك ما عاهدت عليه زوجك من عدم الزواج بعده، وليست عليك كفارة إذا تزوجت.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... قبول اشتراط الكتابية أخذ الأولاد للكنيسة حرام
تاريخ الفتوى : ... 09 صفر 1423 / 22-04-2002
السؤال
هل يجوز للزوجة الكتابية أن تشترط اصطحاب الأبناء إلى الكنيسة وتعميدهم لتوافق على إصطحاب الأب لهم للمسجد علما بأن الإقامه في بلد الزوجة .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز هذا الشرط في العقد ولا بعد العقد، لأنه يصادم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا يجوز لك أن توافق على مثل هذا أبداً، إذ كيف ترضى أن يذهب أبناؤك إلى الكنيسة التي يُشرك فيها بالله عز وجل؟ وهذا الشرط إذا حصل فهو باطل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " المسلمون عند شروطهم فيما أُحل " رواه الحاكم عن أنس بن مالك .
والحاصل أنه لا يجوز الوفاء به لأنه لا يحل، وإذا لم ترض الزوجة إلا بهذا الشرط فلا خير في زواجها، وفي نكاح المسلمات ما هو خير من الزواج من مثل هذه التي تشترط تهويد أو تنصير أبنائك، ولا دخل للإقامة في بلد الزوجة في هذا الأمر، فالإسلام يعلو ولا يُعلى عليه في أي مكان كنت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الإسلام يعلو ولا يعلى عليه " رواه البيهقي بإسناد حسن، قال المناوي في فيض القدير: قال البيهقي : قال: قتادة يعني إذا أسلم أحد أبوين فالولد مع المسلم، فالعلو في نفس الإسلام بأن يثبت الإسلام إذا ثبت على وجه ولا يثبت على آخر، كما في المولود بين مسلم وكافر، فإنه يحكم بإسلامه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
توهم المفسدة لا ينبني عليها تعسف الزوج في استيفاء حقه
تاريخ الفتوى : ... 09 صفر 1423 / 22-04-2002
السؤال(43/40)
زوجتي تدرس في جامعة مختلطة (رجال ونساء) هل أترك زوجتي تواصل الدراسة وقد اشترطت عليَّ قبل الزواج أن تواصل الدراسة وماذا أفعل؟
أفيدوني جزاكم الله ألف خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي الحديث المتفق عليه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحق الشروط أن توفوا به، ما استحللتم به الفروج" ، وهذا يدل على وجوب الوفاء بالشروط التي تشترط عند إجراء العقود، وخصَّ منها عقد النكاح لما فيه من الخطورة الكامنة في استحلال الفروج، وما يترتب عليها من أحكام، فعلى هذا يجب الوفاء بكل شرط يشترط عند العقد، لكن إذا أدى الوفاء بهذا الشرط إلى الوقوع في محرم، فإنه شرط مهدور، لأنه لم يصادف حقاً، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلمون عند شروطهم، ما وافق الحق من ذلك" رواه الحاكم عن أنس ، وفي رواية الطبراني : "المسلمون عند شروطهم فيما أُحل" وهما صحيحتان.
وبناءً على ما سبق، فإن على الزوج عدم الوفاء بالشرط إذا أدى إلى محرم، لكن ينبغي عليه كذلك ألا يتعسف في استعمال حقه، فيمنعها من التعلم بناءً على توهم المفسدة، بمعنى أنه ينبغي أن تكون المفسدة التي يمنعها من أجلها محققة أو غالبة على الظن، ولا شك أن الاختلاط بين الرجال والنساء في التعليم وغيره باب عظيم للفساد يجب تجنبه، ونحن ننصح الزوجين بالتفاهم في هذا الأمر، وعدم المبالغة في الشقاق من أجله، وحله بالحكمة والموعظة لا بالتعنيف، ويمكن التوصل إلى حل وسط، تُحل به المشكلة، وهو أن تتم الزوجة دراستها بالمنزل، أو بالبحث عن جامعة غير مختلطة، ولو أدى ذلك إلى أن تكون مصاريف الدراسة أكثر.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما يترتب على مخالفة الزوجة ما اشترطه عليها زوجها
تاريخ الفتوى : ... 10 محرم 1423 / 24-03-2002
السؤال
1-لي صديق عقد قرانه على فتاة و كان متفقا معها قبل عقد القران أنها لا تعمل وبعد عقد القران خالفت الاتفاق وعملت وطلبت الطلاق فما حكم الشبكة والمهر المقدم والمؤخر مع العلم أنها هي طالبة الطلاق ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على هذه الزوجة هو الوفاء بما اشترط عليها زوجها قبل النكاح - وهو عدم مواصلتها للعمل- فإن أصرت على العمل أو الطلاق، فالزوج مخير في هذه الحالة بين أن يأذن لها بالعمل المشروع، وبين أن يطلقها بدون طلب المهر، أو أن يطلقها بشرط رده، وحينها يكون خلعاً، ويلزمها رد المهر الذي دفعه لها الزوج، ويدخل فيه كل ما دفع لها على أنه مهر، إما بشرط، وإما بجريان العرف بذلك.(43/41)
وعليه، فإن كانت الشبكة ونحوها قدمت للزوجة على أنها من المهر فهي منه، وإن قدمت لها على أنها هدية وتبرع فليست منه، ولا يجوز للزوج طلبها ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم 6066
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... من عقد على امرأة بنية الحصول على إقامة في أوروبا
تاريخ الفتوى : ... 16 رجب 1422 / 04-10-2001
السؤال
هل يجوز العقد على امراة ولكن ليس بنية النكاح ولكن فقط للحصول على أوراق الإقامة بإحدى الدول الأوروبية ؛ مع العلم أنني متزوج وأب لطفل؟ وجزاكم الله عنا خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا تم عقد النكاح بشروطه نفذ ، وترتبت عليه آثاره ، سواء نوى العاقد النكاح أم لم ينو ، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد ، وهزلهن جد: النكاح ، والطلاق ، والرجعة." رواه أصحاب السنن.
وانظر الفتوى رقم: 8003
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
اشتراط الزوجة إكمال دراستها عند العقد هل يلزم الوفاء به؟
تاريخ الفتوى : ... 06 ربيع الأول 1422 / 29-05-2001
السؤال
تزوجت منذ حوالي سنة ولكن زوجتي تدرس في منطقة تبعد حوالي 400 كيلو مترا وبقيت سنة على زوجتي حتي تنهي دراستها وحيث إني أخاف على نفسي من الحرام وليس باستطاعتي الزواج فهل يحق لي منع زوجتي من الدراسة علما بأنها قد اشترطت علي أن تكمل دراستها قبل الزواج ووافقت علي ذلك.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأظهر - والله أعلم- لزوم وفائك لزوجتك بما اشترطت عليك عند العقد من إكمال دارستها، لقوله صلى الله عليه وسلم: " إن أحق الشروط أن توفوا بها، ما استحللتم به الفروج" متفق عليه.
إلا أن بإمكانك أن تقنعها بالانقطاع عن الدراسة، أو أن تتوسطا إلى حل وسط يخفف من معاناتكما، كأن تلتقيا في الشهر أو كل نصف شهر على ما تسمح به الظروف، فإن عدمت الحلول فاعتبر نفسك بحال الأعزب، وامتثل وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالصوم، يخفف الله عنك معاناتك، وكان الله في عونك.(43/42)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... رد شبهة حول: الزواج بنية الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 20 جمادي الأولى 1425 / 08-07-2004
السؤال
أنا فتاة مسيحية كنت أطلع على موقعكم هذا .. وقد ساءني ما نشرتم فيه بأن زواج الرجل من كتابية بنية الطلاق لا بأس به .. و كأن الكتابيات أمثالنا بغال تستحلونهم .. بينما في فتوى أخرى قلتم بأن الزواج بنية الطلاق مكروه .. فهل لنا أن نعرف كيف يكون الإسلام بهذه الصورة؟ وكيف ترون بأن شهوة الرجل فوق الخداع وفوق كرامة المرأة والضرر بها؟.. ونحن نحرم الطلاق حتى وقت الضرر بسبب عمق الصلة بين الزوجين ؟؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالزواج بنية الطلاق اختلف فيه علماء الإسلام، فمنهم من أجازه، لكون العقد مشتملاً على أركانه وشروطه من وجود الولي، والشاهدين والمهر، وحصول التراضي، ولكون هذه النية أمرا خفياً لا يطلع عليه إلا الله تعالى، وقد تتغير.
ومنهم من منعه لأمر خارج عن العقد، وهو اشتماله على الغش والخداع للزوجة غالباً، لأن أكثر النساء لو علمن بنية الزوج الطلاق لم يقبلن الزواج به.
وهذا ما رجحناه في الفتوى رقم 3458
ومنهم من رآه مكروهاً، ولم يقو على القول بأنه حرام.
وهذا الأمر ليس خاصاً بالكتابية ولا محصوراً فيها، بل هذا ينطبق على المسلمة أيضاً، وإنما جاء ذكر الكتابية في أحد الأجوبة مراعاة لمقتضى حال السائل وسؤاله، واقتصرت الفتوى على ذكر القول بالجواز مراعاة لذلك أيضاً.
فقولك: (وكأن الكتابيات أمثالنا بغال تستحلونهم) لا وجه له، فالأمر ليس خاصاً بالكتابيات ـ كما سبق ـ وأيضا فالمسلم إذا تزوج الكتابية أكرمها وأحسن إليها، وصارت شريكة حياته وأما لأولاده، مما يمنع وصفها أو تشبيهها بما ذكرت.
وأما قولك: (ونحن نحرم الطلاق في وقت الضرر بسبب عمق الصلة بين الزوجين).
فليس الأمر راجعاً إلى عمق الصلة بين الزوجين كما ذكرت، وإنما هو نوع من الحرج والضيق الموجود في دين النصرانية، وقد امتن الله تعالى على المسلمين برفع الإصر والحرج عنهم، فشرع لهم الطلاق عند وجود أسبابه ودواعيه، وأعطى الزوجة حق المخالعة لدفع الضرر عن نفسها عند إباء الزوج إنصافها. فالطلاق من مآثر الإسلام، وهو دليل على ما في هذا الدين العظيم من الحكمة والرحمة:
1- فقد تكون طبيعة الزوج مخالفة لطبيعة الزوجة اختلافاً تعجز الوسائل العادية عن تذويبه وحله، فأي حكمة في أن يبقى كل منهما مبغضاً للآخر نافراً منه، مجبراً مع(43/43)
ذلك على البقاء معه؟ أليس هذا مدعاة لوقوعها في الحرام، وبحثها عن المتعة خارج بيت الزوجية؟
وفي هذا يقول الدكتور يوسف القرضاوي: إنما الطلاق الذي شرعه الإسلام هو أشبه ما يكون بالعملية الجراحية المؤلمة التي يتحمل الإنسان العاقل فيها آلام جرحه، بل بتر عضو منه حفاظاً على بقية الجسد، ورفعاً لضرر أكبر.
فإذا استحكم النفور بين الزوجين، ولم تنجح كل وسائل الإصلاح، ومحاولات المصلحين في التوفيق بينهما، فإن الطلاق في هذه الحالة هو الدواء المر، الذي لا دواء غيره. ولهذا قيل: إن لم يكن وفاق ففراق، وقال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: (وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته) [النساء: 130].
وما شرعه الإسلام هنا هو الذي يفرضه العقل والحكمة والمصلحة، فإن من أبعد الأمور عن المنطق والفطرة، أن تفرض بقوة القانون شركة مؤبدة على شريكين لا يرتاح أحدهما للآخر، ولا يثق به.
إن فرض هذه الحياة بسلطان القانون عقوبة قاسية، لا يستحقها الإنسان إلا بجريمة كبيرة، إنها شر من السجن المؤبد، بل هي الجحيم الذي لا يطاق. وقديما قال أحد الحكماء: إن من أعظم البلايا معاشرة من لا يوافقك ولا يفارقك.
وقال المتنبي:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدواً له ما من صداقته بدّ
وإذا قيل هذا في الصاحب الذي يلقاه الإنسان أياماً في الأسبوع، أو ساعات في اليوم، فكيف بالزوجة التي هي قعيدة بيته، وصاحبة جنبه، وشريكة عمره؟
إلى أن قال: (ولقد حرمت المسيحية الطلاق تحريماً باتا عند الكاثوليك، وباستثناء على الزنا عند الأرثوذكس، فكانت النتيجة أن خرج الكثيرون من المسيحيين على هذا التحريم، مما اضطر معظم الدول المسيحية إلى سن قوانين وضعية تبيح لهم الطلاق بعيداً عن تعليمات الكنيسة، فلا عجب أن صاروا يطلّقون لأتفه الأسباب، وأن صارت حياتهم الزوجية عرضة للانحلال والانهيار) انتهى من كتاب (ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده).
وما كثرة القبائح والرذائل، وانتشار العشيقات والخليلات إلا ثمرة من ثمار استمرار حياة زوجية تعيسة، فرضت بسلطان الدين!!.
وقد أصبح سهلاً على تلك المجتمعات أن تطالع أخبار الماجنات، وقصص الغرام المحرم من مشاهير ومسؤولين، فضلاً عن عموم الناس، بينما يتظاهرون بالإنكار على شريعة الطلاق وتعدد الزوجات. فهل هذا من الإنصاف والصواب؟
2- وربما كان المتزاوجان لا يتعاونان على النسل ، فإذا بدلا بزوجين آخرين تعاونا فيه ، وهذا معلوم مشاهد في حياة الناس.
وبعد فإننا ندعوك بهذه المناسبة إلى تأمل شرائع الإسلام وأحكامه بهدوء وحياد، ونحن نحب لك الخير، ولكل الناس. ويسرنا أن نراك مسلمة في القريب العاجل، ونحن مستعدون للإجابة على أية شبهة تعرض لك بإذن الله. والحمد لله على نعمة الإسلام. والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(43/44)
ـــــــــــــــــــ
موقف الشرع من الفحص الطبي قبل الزواج أو بعده
تاريخ الفتوى : ... 12 شوال 1421 / 08-01-2001
السؤال
ما موقف الإسلام من الفحوصات الطبية قبل الزواج أو بعده إذا أظهر بعض الأمراض المتعدية ؟
وإذا كانت نتيجة الفحص تثبت إصابة الأولاد بأمراض حسب رأي الطب فهل يجوز رفض هذا الزواج؟ أو الفراق بعده، أو منع الحمل. وما هو الدليل من القرآن أو السنة؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن كان سليماً معافى لا يشكو مرضاً، فلا حاجه به إلى هذه الفحوصات، وعليه أن يحسن الظن بالله تعالى، وقد يعطي الفحص نتيجة غير صحيحة، تورث صاحبها الهم والقلق.
هذا هو الأصل العام عند غلبة السلامة والصلاح على المجتمع.
ولو قدر وجود الإنسان في مجتمع تشيع فيه المنكرات والرذائل، وخشي إصابة الرجل أو المرأة ببعض الأمراض الناتجة عن عدم العفة، كان القول بإجراء هذه الفحوصات قولاً وجيها.
والمعول عليه في أمر الزواج هو اختيار صاحب الخلق والدين، وكذلك اختيار صاحبة الخلق والدين، وإلا فقد يسهل على غير أهل الاستقامة تزوير نتائج الفحوصات، وخداع الآخرين.
ومما ينبغي أن يعلم أنه يجب على كل من الزوجين إخبار الآخر بما فيه من العيوب، والأمراض المنفرة، التي تمنع الاستمتاع، كالجب والعنة والخصاء والرتق والقرن، أو تمنع كمال المعاشرة، كالجنون والبهاق والبرص والأمراض المعدية.
فإن كتم أحدهما ذلك كان غاشاً مخادعاً آثماً.
وللطرف الآخر حق الفسخ، إذا تم النكاح دون علمه بالعيب. وجمهور العلماء على حصر العيوب الموجبة للفسخ في نوعين:
الأول: العيوب التي تمنع الوطء.
الثاني: العيوب المنفرة أو المعدية. ويمثلون لها بالجذام والبرص والباسور والناسور والقروح السيالة في الفرج.
ومنهم من توسع في ذلك كالإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ حيث يقول: (والصحيح أن النكاح يفسخ بجميع العيوب كسائرالعقود، لأن الأصل السلامة ... وكل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من المودة والرحمة فإنه يوجب الخيار). انتهى.(43/45)
وحيث علم أحد الزوجين بمرضه وأخبر الآخر فرضيه جاز لهما عقد النكاح، ولو قيل إن هذا المرض سينتقل إلى الأبناء، لأنها قضية مظنونة وقد تتخلف، والواجب إحسان الظن بالله تعالى، وتفويض الأمر إليه.
فإن كان قد تم الفحص وأثبت الأطباء الموثوقون بعلمهم وأمانتهم أن النسل سيولد مريضاً وراثياً بدرجة لا يستطيع العيش بها حياة عادية، فحينئذ لا بأس بعدم الزوج، أو الفراق بعده إذا رغب الزوجان، أو أحدهما في ذلك.
وإن عملا على منع الحمل بالموانع المؤقتة، فلا بأس بذلك، فقد يجد الطب مستقبلاً حلاً لمثل هذه الأمراض، وقد أورد الشافعي رحمه الله في كتاب الأم عند ذكر العيب في المنكوحة أن الجذام والبرص من العيوب التي يفسخ بها النكاح، وعلل ذلك بانتقاله إلى الولد والنسل قائلاً: والجذام والبرص فيما زعم أهل العلم بالطب يعدي ولا تكاد نفس أحد تطيب أن يجامع من هو به ولا نفس امرأة بذلك منه، وأما الولد فقلما يسلم، فإن سلم أدرك نسله، نسأل الله السلامة والعافية. انتهى.
فمضمون كلامه رحمه الله أن المرض المنتقل إلى الذرية والنسل من العيوب التي يثبت بها خيار فسخ النكاح. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... اشتراط تطليق الزوجة الأولى للزواج بثانية شرط فاسد
تاريخ الفتوى : ... 22 رمضان 1421 / 19-12-2000
السؤال
ماحكم من عقد على زوجة ثانية ودخل بها على شرط أن يطلق الأولى وبعد الزواج رفضت الأولى الطلاق فهل يجب عليه الوفاء للثانية بتطليق الأولى رغم رفضها للطلاق منه أم ماذا؟ مع الإشارة إلى أن هذا الشرط كان باتفاق مع الأطراف الثلاثة في البداية أفيدونا أفادكم الله .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اشتراط المرأة على الرجل طلاق ضرتها من الأمور المنهي عنها، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، أو يبيع على بيعه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في صحفتها أو إنائها، فإنما رزقها على الله تعالى.
وعليه فإن ما تراضيت أنت وزوجتاك عليه أمر منهي عنه، والنهي يقتضي الفساد، وعليه فلا يجب الوفاء به، بل لا يجوز . هذا عن حكم الوفاء بالشروط .
ثم إننا ننبه السائل الكريم إلى أن الطلاق من خصوصيات الزوج فمتى ما أوقعه نفذ، شاءت الزوجة أم أبت.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الرد على عدة استفسارات تتعلق بالزواج من زوجة ثانية(43/46)
تاريخ الفتوى : ... 22 رمضان 1421 / 19-12-2000
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم ..
وددت أن أعرض عليكم أمراً قد التبس علي حكمه،
ذلك أني قرأت في إحدى المواقع أن ظاهرة قد بدأت الانتشار في السعودية.. ألا وهي: الزواج من الخادمة.
وقد يبدو أن هذا الأمر ليس فيه ما يدعو للغرابة، لكن بعد التأني في التفكير ستجد أن هذا الأمر قد ألبس ثوب التقى والورع. والورع بعيد عنه، و الأمر كما قرأته:
إن الرجل صاحب البيت، يخشى على نفسه من فتنة الخادمة، و في نفس الوقت يرى أن بقاء الخادمة في البيت بلا محرم لا يجوز، لذا يقوم بالزواج منها، دون علم الزوجة الأولى، و يشترط عليها في ذلك أن لا تنجب، وأن لا تطالب بمعاملة خاصة، وأن يكون الزواج سريا حتى وقت مغادرتها.
ولا شك عندي أن من يقوم بهذا الأمر قد أراد قضاء شهوته بأسوأ الطرق، ذلك أن لهذا الزواج أمورا مستورة أحب أن أحدثكم عنها كي أحصل على حكم واضح فيه، إذا كان باطلا أم لا؟
أولاً: هذا الرجل يضع في نيته الزواج من الخادمة قبل إحضارها، فيذهب لمكتب الأيدي العاملة، ويختار واحدة توافق هواه، ثم يتزوج منها قبل إحضارها للبيت، و يجب أن تعرف أنه في بعض الأحيان تكون الزوجة الأولى هي التي تدفع راتب الخادمة، والتي تكون ضرتها في نفس الوقت، ولا علم لها بذلك .. فهل لهذه الدرجة المرأة ليست لها كرامة تصان ومشاعر تحتسب في الاسلام؟ ألهذه الدرجة يمكن أن نحط من مشاعر المرأة واحترامها لأن التعدد مباح؟
أما من الناحية الدينية فلي مآخذ كثيرة على الموضوع.
أولاً: لا يجوز للرجل ان يعدد إذا (خشي) أن لا يعدل، فما بالك بمن يعلم علم اليقين عدم قدرته على العدل بل ويجعله شرطاً للزواج؟
كما أنه يجعل من إحداهن خادمة للثانية، ويحرم إحداهن من الإنجاب، و يفرض عليها السرية، ولا يحقق العدل في المبيت، ولا في النفقة، ولا يحقق العدل في التعامل. حيث أنه يسمح للزوجة الأولى بالتعدي على الثانية، بل قد يساعدها في ذلك كي لا يفضح أمر نفسه، والرجل هنا يأخذ كل حقوقه دون أن يؤدي واجباته.. فهل يجوز ذلك؟؟
من ناحية أخرى أرى أن هذا الزواج بني بنية المتعة.. وأرى أنه لا يختلف عن زواج المتعة في شيء سوى عدم إظهاره، و تبييت ذلك في نية الرجل، فهو يتزوج منها لمدة سنتين، ثم يطلقها، ثم يتزوج بالخادمة الجديدة و هكذا، وقد نسي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله كل مزواج مطلاق".
وقد يقول البعض إنه طالما الزوجة لا تعلم بأن الرجل ينوي طلاقها بعد فترة معينة، فلا بأس في هذا الزواج، لأنه لا يعتبر زواج متعة، وأنا أقول إن العبرة بالنية، وليس بالعقد، بل أنا أرى أن فيه ظلماً أشد، لأنه تغرير بالزوجة وغش لها، والله لا يرضى أن تكون المرأة لعبة في يد الرجل. إن كان هناك بعض المشايخ الذين وافقوا(43/47)
على زواج المتعة، بشرط أن يكون الرجل مثلا غير قادر على الزواج، وفي غربة ويخشى العنت، وإن كنت أرى أيضا أن هذا ليس تبريرا لزواج المتعة، إلا أن من يتزوج بخادمته لا تنطبق عليه الأمور السالفة الذكر فهو يعتبر محصنا لأنه متزوج بالأصل.
من ناحية ثالثة إن هذا الزواج يتم بدون ولي حقيقي، ففي شركة الأيدي العاملة، يدعي رجل بأنه ولي لأكثر من 20 خادمة، فتلك أخته والأخرى بنت عمته وهلم جرا . وهذا كله كذب.
كما أنه هنا يتزوج بامرأة غير معروفة، وهذا مما أعلم أنه لا يجوز في ديننا، بل قد تكون زانية في بلدها، لأن الزنا منتشر في تلك المجتمعات، وقد أخذ البعض على هذا الموضوع أنه طالما هناك شهود وعقد فهو زواج صحيح، وأنا أعترض على ذلك لعلمي أن زواج التحليل باطل بالرغم من توفر تلك الشروط، ذلك أن النية تكفي لجعل الزواج باطلاً
فهل تكفي هنا نية الرجل بالمتعة المؤقتة لجعل الزواج باطلا؟؟
فهو إن أخبر الخادمة بنيته الزواج منها لفترة مؤقتة يكون زواج متعة، وإن لم يعلمها بنيته أصبح غشا و تغريرا بالزوجة، وإن أصبح هذا الأمر حلالاً لفتح الباب على مصراعيه للرجال أن يتزوجوا مع تبييت نية الطلاق بعد فترة معينة، طالما أن الأمر مقبول .. بل قد تلجأ النساء أيضا إلى الزواج وفي نيتهن طلب الطلاق بعد فترة، لأمر ما في نفس يعقوب .. مثلا من أجل أن تغيظ الزوج السابق لها، أو لأمور أخرى.
أخي الكريم لقد أعطى الله الكثير من الرخص للرجل، ومنها التعدد، ولكن ما يقوم به هنا هو استهتار بقيم الإسلام، وما أسوأها من صورة للرجل المسلم أن يظهر بمظهر الرجل صاحب الغريزة، والذي بمقدوره أن يقوم بخداع اثنتين بكل وقاحة في بيت واحد من أجل ملذاته، فما هي الصورة التي ستنقلها تلك المرأة عن الإسلام عندما تعود لبلدها ؟؟؟ وماهي كرامة المرأة المزعومة إن كانت مخدوعة في أقرب الناس لها وفي عقر دارها، فهل بقي بعد ذلك كلمة طيبة نقولها عن الإسلام؟
وعذرا لطول رسالتي.
والسلام عليكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا بعد استعراض السؤال عن حكم الزواج بالخادمة وجدناه يشتمل على النقاط التالية:
1- اشتراط عدم الإنجاب. 2- عدم المطالبة بمعاملة خاصة.
3- دفع مرتب الزوجة من قبل الزوجة الأولى.
4- كونها خادمة للأولى. 5- عدم تحقق العدل في المبيت أو النفقة أو نحو ذلك.
6- الزواج بدون علم الزوجة الأولى. 7- الزواج قبل إحضار الخادمة الزوجة.
8- الزواج من امرأة غير معروفة. 9- أن يكون الزواج سريا حتى وقت المغادرة.
10- الزواج مع نية الطلاق. 11- الزواج بدون ولي حقيقي.(43/48)
هذا هو أهم ما ورد في السؤال: والجواب ـ والله تعالى أعلم ـ أن اشتراط النقاط الخمس الأولى داخل في الشروط التي تعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره، ولا يضر الجهل به، فاشتراطها لا يؤثر على صحة العقد، لأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض، فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد. وقد مثل الفقهاء للشروط الفاسدة التي تلغى ويصح العقد بها: إذا اشترط الزوجان أو أحدهما عدم الوطء، أو قسمة أقل من ضرتها، أو أكثر منها، أو اشترط الزوج العزل عنها. فقالوا بصحة العقد في هذا ومثله مع بطلان الشرط، ولأنه ينافي مقتضى العقد لتضمنه إسقاط حق قد وجب بالعقد قبل انعقاده.
أما النقاط: السادسة والسابعة والثامنة فلا تأثير لها على صحة النكاح، فلا يشترط علم الزوجة الأولى بزواج زوجها من ثانية، كما لا يشترط حضور الزوجة الجديدة لمجلس العقد، بل ولا معرفة عينها، وإن كان المستحب النظر إلى ما تدعو إليه الحاجة من المخطوبة. وكونها غير معروفة لا تأثير له أيضا على صحة النكاح، وكل فرد من أفراد المسلمين فهو محمول على الطهارة والعفة، ما لم يثبت ضد ذلك.
أما النكاح مع نية الطلاق، وليس نكاح المتعة كما أطلق عليه في السؤال ـ وهي النقطة العاشرة ـ فهو أمر مختلف فيه، والذي عليه الجمهور أنه صحيح، وكون هذا الزواج سرياً حتى وقت المغادرة، إذا كان المقصود من سريته أنه بدون ولي ولا شهود فهو باطل، لأن الولي والشهود من شروط صحة النكاح، وإذا كان المقصود أن الزوجة الأولى لا تعرفه، أو أنه محاط بشيء من الكتمان، فهذا لا يضر. قال صاحب الإقناع: ولا يبطل النكاح بالتوصي بكتمانه، فإن كتمه الولي والشهود والزوجان قصداً صح العقد وكره لأن السنة إعلان النكاح.
وأما بالنسبة للنقطة الأخيرة، والتي هي كون هذا الزواج بدون ولي حقيقي، فبتحديده نفياً أو إثباتاً يتفرع الحكم على هذا الزواج بالصحة أو الفساد، فلو تحقق من خلو هذا الزواج من ولي وشهود فهو باطل، كما صرحت بذلك الأحاديث، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وابن حبان وغيرهم . وأخطر من ذلك ـ وهو ما لم يذكر في السؤال ـ أن يقع العقد على من هي في عصمة زوج آخر، وقد وقع فيه بعض من غرر بهم، وهو ناتج عن التخلي عن الشروط الأخرى من الولي الحقيقي والشهود. فالله المستعان.
وبعد هذا كله فتلخيص ما وصلنا إليه في حكم زواج الخادمة على النحو السابق في السؤال هو:
أنه لا يجوز ابتداء، لما فيه من قلب الحياة الزوجية المبنية على المودة والرحمة إلى حياة أخرى مغايرة لها تماماً، ولما يترتب عليه أيضا من إسقاط الحقوق الواجبة للزوجة، أو التساهل بها على الأقل، وتعريضها للأهواء، وأنه بعد الوقوع ماض، وتلغى الشروط التي تنافي مقتضى العقد، هذا إذا كان بولي وشهودٍ، وإلا فهو باطل. والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(43/49)
الرد على عدة التفسارات تتعلق بالزواج من زوجة ثانية.
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم ..
وددت يا سيدي أن أعرض عليك أمراً قد التبس علي حكمه.
ذلك أني قرأت في إحدى المواقع أن ظاهرة قد بدأت الانتشار في السعودية.. ألا وهي: الزواج من الخادمة.
وقد يبدو أن هذا الأمر ليس فيه ما يدعو للغرابة، لكن بعد التأني في التفكير ستجد أن هذا الأمر قد ألبس ثوب التقى والورع. والورع بعيد عنه، و الأمر كما قرأته:
إن الرجل صاحب البيت، يخشى على نفسه من فتنة الخادمة، و في نفس الوقت يرى أن بقاء الخادمة في البيت بلا محرم لا يجوز، لذا يقوم بالزواج منها، دون علم الزوجة الأولى، و يشترط عليها في ذلك أن لا تنجب، وأن لا تطالب بمعاملة خاصة، وأن يكون الزواج سريا حتى وقت مغادرتها.
ولا شك عندي إن من يقوم بهذا الأمر قد أراد قضاء شهوته بأسوا الطرق، ذلك إن لهذا الزواج أمور مستورة أحب أن أحدثكم عنها كي أحصل على حكم واضح فيه، إذا كان باطلا أم لا؟.
أولاً: يا سيدي هذا الرجل يضع في نيته الزواج من الخادمة قبل إحضارها، فيذهب لمكتب الأيدي العاملة، ويختار واحدة توافق هواه، ثم يتزوج منها قبل إحضارها للبيت، و يجب أن تعرف أنه في بعض الأحيان تكون الزوجة الأولى هي التي تدفع راتب الخادمة، والتي تكون ضرتها في نفس الوقت، ولا علم لها بذلك .. فهل لهذه الدرجة المرأة ليست لها كرامة تصان ومشاعر تحتسب في الاسلام؟ ألهذه الدرجة يمكن أن نحط من مشاعر المرأة واحترامها لأن التعدد مباح؟.
أما من الناحية الدينية فلي مآخذ كثيرة على الموضوع.
أولاً: لا يجوز للرجل ان يعدد إذا (خشي) أن لا يعدل، فما بالك بمن يعلم علم اليقين عدم قدرته على العدل بل ويجعله شرطاً للزواج؟.
كما أنه يجعل من إحداهن خادمة للثانية، ويحرم إحداهن من الإنجاب، و يفرض عليها السرية، ولا يحقق العدل في المبيت، ولا في النفقة، ولا يحقق العدل في التعامل. حيث أنه يسمح للزوجة الأولى بالتعدي على الثانية، بل قد يساعدها في ذلك كي لا يفضح أمر نفسه، والرجل هنا يأخذ كل حقوقه دون أن يؤدي واجباته.. فهل يجوز ذلك؟؟
من ناحية أرى أن هذا الزواج بني بنية المتعة.. وأرى أنه لا يختلف عن زواج المتعة في شيء سوى عدم إظهاره، و تبييت ذلك في نية الرجل، فهو يتزوج منها لمدة سنتين، ثم يطلقها، ثم يتزوج بالخادمة الجديدة و هكذا، وقد نسي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله كل مزواج مطلاق".
وقد يقول البعض إنه طالما الزوجة لا تعلم بأن الرجل ينوي طلاقها بعد فترة معينة، فلا بأس في هذا الزواج، لأنه لا يعتبر زواج متعة،وأنا أقول إن العبرة بالنية، وليس بالعقد، بل أنا أرى أن فيه ظلماً أشد، لأنه تغرير بالزوجة وغش لها، والله لا يرضى(43/50)
أن تكون المرأة لعبة الرجل. إن كان هناك بعض المشايخ الذين وافقوا على زواج المتعة، بشرط أن يكون الرجل مثلا غير قادر على الزواج، وفي غربة ويخشى العنت، وإن كنت أرى أيضا أن هذا ليس تبريرا لزواج المتعة، إلا أن من يتزوج بخادمته لا تنطبق عليه الأمور السالفة الذكر فهو يعتبر محصنا لأنه متزوج بالأصل. من ناحية ثالثة إن هذا الزواج يتم بدون ولي حقيقي، ففي شركة الأيدي العاملة، يدعي رجل بأنه ولي لأكثر من 20 خادمة، فتلك أخته والأخرى بنت عمته وهلم جرا . وهذا كله كذب.
كما أنه هنا يتزوج بأمراة غير معروفة، وهذا مما أعلم أنه لا يجوز في ديننا، بل قد تكون زانية في بلدها، لأن الزنا منتشر في تلك المجتمعات، وقد أخذ البعض على هذا الموضوع .. أنه طالما هناك شهود وعقد فهو زواج صحيح، وأنا أعترض على ذلك لعلمي أن زواج التحليل باطل بالرغم من توفر تلك الشروط، ذلك أن النية تكفي لجعل الزواج باطلاً
فهل تكفي هنا نية الرجل بالمتعة المؤقتة لجعل الزواج باطلا؟؟
فهو إن أخبر الخادمة بنيته الزواج منها لفترة مؤقتة يكون زواج متعة، وإن لم يعلمها بنيته أصبح غشا و تغريرا بالزوجة، إن أصبح هذا الأمر حلالاً لفتح الباب على مصراعيه للرجال أن يتزوجوا مع تبييت نية الطلاق بعد فترة معينة، طالما أن الأمر مقبول .. بل قد تلجأ النساء أيضا إلى الزواج وفي نيتهن طلب الطلاق بعد فترة، لأمر ما في نفس يعقوب .. مثلا من أجل أن تغيظ الزوج السابق لها، أو لأمور أخرى.
أخي الكريم لقد أعطى الله الكثير من الرخص للرجل، ومنها التعدد، ولكن ما يقوم به هنا هو استهتار بقيم الإسلام، وما أسوأها من صورة للرجل المسلم أن يظهر بمظهر الرجل صاحب الغريزة، والذي بمقدوره أن يقوم بخداع اثنتين بكل وقاحة في بيت واحد من أجل ملذاته، فما هي الصورة التي ستنقلها تلك المرأة عن الإسلام عندما تعود لبلدها ؟؟؟ وماهي كرامة المرأة المزعومة إن كانت مخدوعة في أقرب الناس لها وفي عقر دارها، فهل بقي بعد ذلك كلمة طيبة نقولها عن الإسلام؟
وعذرا لطول رسالتي.
والسلام عليكم.
الفتوى
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... يجب على الزوج الوفاء بما قبل به من شروط قبل الزواج.
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
فضيلة الشيخ ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد لي ثلاث أخوات متزوجات يعملن ، أصغرهن متزوجة منذ أكثر من ثماني سنوات وزوجها يطالبها بدفع نصف إيجار المنزل وتحمل نصف نفقات المنزل ونفقات الخادمة والسائق كاملة ولا يبقى لها الشيء الكثير من راتبها ولم تتمكن من ادخار أي مبلغ حتى الآن ، في الآونة(43/51)
الأخيرة حدث خلاف بينهما حول شراء أرض بالشراكة مع إحدى أخواته ورفضت أختى ذلك وهنا بدأت تظهر جميع عيوب أختى في عين زوجها وطلبت مني التدخل لحل هذه المشكلة ولحل هذا الموضوع طلبت منه عدم التصرف في راتبها وطلبت من أختي أن تتكفل براتب الخادمة والسائق وجميع مصاريفها الشخصية وأن تسلمني نصف راتبها شهرياً لأضعه في البنك باسمها وادخاره لها حتى يكتمل مبلغ لا بأس به لشراء قطعة أرض أو دار تفيدها هي وأبنائها مستقبلاً فرفض زوجها تصرفي هذا واعتبره تدخلاً مني في حياته الزوجية وطلب مني أن تتوقف أختي عن العمل وتجلس في المنزل ويقوم بالصرف عليها في حدود إمكانياته مع العلم أنني اشترطت عليه قبل عقد النكاح أن تكمل دراستها وأن تعمل بعد التخرج. فهل لزوجها الحق في التصرف براتبها دون موافقتها؟ وهل له الحق بإجبارها على الاستقالة من العمل والجلوس بالمنزل. وهل لي الحق في التدخل للحفاظ على مصالح أخواتي وخصوصاً وأنني ولي أمرهن وأكبرهن لوفاة والدي. أفيدوني أفادكم الله كما أرجو التكرم بذكر اسم فضيلتكم مع الفتوى لعرضها على زوج أختي لإقناعه بالحسنى وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يحق للزوج أن يأخذ من مال زوجته شيئاً إلا إذا أذنت له في ذلك، أو جرى العرف أن يأخذ كل منهما من مال الآخر ما يحتاجه في حدود المعروف، ويجب عليه الإنفاق عليها مهما بلغ مالها كثرة.
وانظر الجواب رقم: 1693
وليس له أن يجبرها على الاستقالة من العمل إن كان قد وافق على الشرط الذي ذكرته قبل العقد، وكان عملها مضبوطاً بالضوابط الشرعية، فتخرج إليه محتشمة متحجبة، وتسلم فيه من الاختلاط بالرجال الأجانب، ولم يكن فيه تضييع لما أوجب الله عليها من حقوق للزوج والأبناء.
وفي الصحيحين عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج " وفي سنن الترمذي من حديث عمرو بن عوف المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " المسلمون على شروطهم ،إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً"
أما تدخلك للحفاظ على مصالح أخواتك فيجب أن يكون في حدود ما أحل الله تعالى لك أن تتدخل فيه فقط: من رفع الظلم عنهن، وإصلاح ما بينهن و بين أزواجهن، ويكون ذلك بحكمة وتأن، والامتناع عما يزيد المشاكل تفاقماً، وننصحك أن تحث أختك على التنازل عن بعض حقها تفضلاً منها لتحافظ على حياتها الزوجية مستقرة، وننصح الزوج ألا يستخدم سلطته كزوج لأخذ مال زوجته أو إجبارها على بذل شيء من النفقة الواجبة عليه، فإن هذا ظلم لها ووقاية لماله، وليكن ضابط العلاقة بين الزوج وزوجته كتاب الله: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) فإن أمسكها فليكن له في رسول الله أسوة حسنة فقد قال عليه الصلاة والسلام: " خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" نسأل الله أن يصلح ذات بينكم.(43/52)
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... اشتراط معرفة أهل الخاطب .
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
هل على الولي لزواج أخته أن يشترط أو يجبر المتقدم للزواج منها أن يخبر أمه أو أهله قبل زواجه من أخته.مع العلم أن العريس المتقدم متزوج ولديه أطفال ومقتدر و على دين و خلق .والعروس عمرها ستة و ثلاثون عاماً و ليس لديها إلا هذا الأخ من الأب كولي لها.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ليس لولي الزوجة وهو الأخ - في هذه الحالة - أن يشترط على المتقدم للزواج من أخته أن يخبر أمه وأهله، إلاّ إذا علم من قرائن الأحوال أن عدم علم أهل الزوج بهذا الزواج سيسبب لأخت الولي مشاكل يعسر تحملها، وغلب على ذلك الظن فله حينئذ أن يشترط ، وهذا الشرط خارج عن العقد وهو لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً .
وما دام هذا الرجل متزوجاً وذا أولاد ، فربما يمانع أهله من زواجه بثانية فيحدث من جراء ذلك مشاكل لأخت المتقدم لها ، وهذا الشرط ربما يكون عوناً على تلافي بعض المشاكل التي قد تنجم عن الزواج بثانية ، وبخاصة إذا كان الزوج المتقدم يسكن مع أهله .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الزواج بنية الطلاق محرم لا يجوز
تاريخ الفتوى : ... 26 شوال 1421 / 22-01-2001
السؤال
هل يجوز أن يتزوج الإنسان بنية الطلاق؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالزواج بنية الطلاق: لا يخلو من حالتين: إما أن يشترط في العقد بأنه يتزوجها لمدة شهر أو سنة أو حتى تنتهي دراسته فهذا نكاح متعة وهو حرام، والعقد فاسد.
وإما أن ينوي ذلك بدون أن يشترطه، فمذهب الجمهور عدم منعه، والمشهور من مذهب الحنابلة أنه حرام وأن العقد فاسد، لأنهم يقولون: إن المنوي كالمشروط، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى" متفق عليه، ولأن الرجل لو تزوج امرأة من شخص طلقها ثلاثا من أجل أن يحللها له ثم يطلقها فإن النكاح فاسد، وإن كان ذلك بغير شرط ،لأن المنوي كالمشروط، فإذا كانت نية التحليل تفسد العقد فكذلك نية المتعة تفسد العقد. هذا هو قول الحنابلة.(43/53)
والقول الثاني لأهل العلم: أنه يصح أن يتزوج المرأة وفي نيته أن يطلقها إذا فارق البلد كهؤلاء الغرباء الذين يذهبون إلى الدراسة ونحو ذلك، قالوا: لأن هذا لم يشترط، والفرق بينه وبين المتعة أن المتعة إذا تم فيها الأجل حصل الفراق شاء الزوج أم أبى، بخلاف هذا فإنه يمكن أن يرغب في الزوجة، وتبقى عنده وهذا أحد القولين لشيخ الإسلام ابن تيمية. وهذا الكلام صحيح، من جهة أنه لا ينطبق عليه تعريف المتعة، ولكن لقائل أن يقول إنه محرم من جهة أنه غش للزوجة وأهلها، وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم الغش والخداع.
فإن الزوجة لو علمت بأن هذا الرجل لا يريد أن يتزوجها إلا لهذه المدة ما تزوجت به، وكذلك أهلها كما أنه هو لا يرضى أن يتزوج ابنته شخص في نيته أن يطلقها إذا انتهت حاجته منها، فكيف يرضى لنفسه أن يعامل غيره بما لا يرضاه لنفسه؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" متفق عليه. ومثل هذا الفعل غش وخداع وتغرير، ولأن فتح هذا الباب يترتب عليه مفاسد كبيرة، حيث إن أكثر الناس لا يمنعهم الهوى من تعدي محارم الله، وقد كرهه مالك رحمه الله.. وقال: إنه ليس من أخلاق المسلمين. وعلى القول بالحرمة فلافرق في الحكم بين المسلمة والنصرانية فالغش حرام ومذموم في التعامل مع أي إنسان كان. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... إذا اشترط الرجل البكارة في زوجته فكان خلاف ذلك فله الخيار
تاريخ الفتوى : ... 26 ربيع الأول 1422 / 18-06-2001
السؤال
كيف يستطيع الرجل التفريق بين البكر والثيب؟ وماذا يترتب على ذلك؟ إذا لم يحدث ما كان عليه الاتفاق في عقد الزواج؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فالبكر:هي التي لم توطأ من قبل.
والثيب: هي التي وطئت من قبل وزالت بكارتها.
ويعرف ذلك الرجل إذا عاشر المرأة لأول مرة، لكن قد تزول البكارة بغير اتصال جنسي، فقد تزول بوثبة، أو الركوب على حادٍ، أو عملية جراحية اقتضاها مرض معين.
وإذا وجد الرجل المرأة على خلاف ما حصل عليه الاتفاق عند العقد، فإن له الخيار فيما إذا اشترطها بكراً فبانت ثيباً بجماع، على الراجح.
أما إن اشترطها ثيباً فبانت بكراً، ففي ذلك خلاف بين أهل العلم، والراجح أن للزوج الخيار إذا ثبت أن له قصداً معتبراً في اشتراط الثيوبة. أما إن اشترطها بكراً فبانت ثيباً بغير جماع، بأن كان زوال بكارتها بوثبة أو نحوها، فإنه لا خيار للزوج، لأن ذلك مما يخفى على الولي، بل ويخفى على الزوجة نفسها.(43/54)
وإنما يثبت الخيار للزوج في هذا كله بشرط أن لا يكون له علم سابق قبل العقد بأنها على خلاف ما اشترط، وأن لا يلتذ بها بعد علمه بذلك فإن كان على علم سابق أنها على خلاف ما اشترط، أو التذ بها بعد ما علم سقط خياره بلا خلاف.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
يجب على الزوج والزوجة الوفاء بشروط العقد
تاريخ الفتوى : ... 26 ربيع الأول 1422 / 18-06-2001
السؤال
إذا تزوجت المرأة العاملة (طبيبة مثلا) واشترطت على زوجها أن تستمر في عملها بعد الزواج وكان ذلك أمام الشهود، ولكنه لم يسجل في عقد الزواج وقد قبل الزوج بذلك . هل يجوز للزوج أن يمنعها من العمل مستقبلا لمجرد التحكم والسيطرة فقط ؟ وهل يجوز له أن يأخذ راتبها كله أم جزءا منه مع عدم موافقتها ؟جزاكم الله عنا كل خير والسلام عليكم .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزوجة إذا اشترطت على الزوج - هي أو وليها - أثناء العقد أو قبله شرطاً مما لا يقتضيه العقد ولا ينافيه، وإنما هو أمر خارج عن معنى العقد، كالشروط التي يعود نفعها على الزوجة مثل: أن تشترط أن تستمر في عمل معين، أو لا يخرجها من دارها، أو لا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها، فإن اشتراط هذه الشروط لا يؤثر على صحة العقد، ولكن هل يجب على الزوج الوفاء بها؟ اختلف أهل العلم في ذلك على قولين: الجمهور ومنهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والليث والثوري لا يوجبون على الزوج الوفاء بها، فيما أوجبه أحمد بن حنبل والأوزاعي وآخرون، وقالوا: إن الزوج إذا لم يف بها كان للزوجة طلب الطلاق قضاء، وهذا القول الأخير هو الراجح لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) [المائدة :1]، فأمر تعالى بالوفاء بالعقود وهي العهود، وأوجب وأحقّ ما يوفي به الشخص من الشروط التي اشترطها على نفسه هي الشروط في النكاح، فعن أبي مسعود عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج" متفق عليه، ولا فرق بين أن يشترط ذلك في العقد أم لا، ما دام الشرط متقدماً على العقد، وعليه فإنه يجب على الزوج أن يوفي بهذا الشرط الذي أخذه على نفسه.
وأما إن اشترط الزوج مبلغاً من المال تدفعه المرأة له نظير سماحه لها بالعمل، فله أن يأخذ ما اشترط عليها، وإذا لم يشترط شيئاً، فلا يأخذ منها شيئاً، ولكن إذا كانت نفسك ترضى بهذا وتطيب به، فمن حسن العشرة بين الزوجين أن تساعدي زوجك، خاصة إذا احتاج لذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(43/55)
ـــــــــــــــــــ
أبوها يرفض تزويجها بحجة إتمام الدراسة فهل تسقط ولايته
سؤال:
أنا فتاة عمري 17 سنة , أسلمت منذ سنة , أبي مسلم وأمي مسيحية . أبي لا يدعني أرتدي النقاب ويمنعني من الزواج بدعوى إتمام دراستي العليا لدرجة أني مرة فررت من المنزل , ولم أرجع إلا بتعهد أبي أمام إمام المسجد وبحضور شاهدين , أني أستطيع لبس النقاب وأتزوج بمن هو كفؤ لي إلا أن أبي لم يف بعهده وهو يمنعني حتى الآن من الزواج . وأحيطكم علما أنه يصلي تارة و يدعها أخرى ، ويشرب أحينا الخمر.
الآن سؤالي : هل تسقط ولايته عني لأني أريد الزواج وهناك من يخطبني ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نهنئك ونبارك لك إسلامك ، ونسأل الله تعالى أن يزيدك إيمانا وعلما وتقى .
ثانيا :
ستر المرأة وجهها عن الرجال الأجانب ، واجب في أصح قولي العلماء ، وقد بينا أدلة ذلك في الجواب رقم (11774) .
فلا يجوز للأب أن يمنع ابنته من ارتداء النقاب .
ثالثا :
إذا كان الأب متهاونا في الصلاة ويشرب الخمر أحيانا ، فهو فاسق ، وولايته للنكاح محل خلاف بين الفقهاء ، فمذهب الشافعية والحنابلة أنها لا تصح ، وذهب فقهاء الأحناف إلى صحة ولاية الفاسق ، وهو مشهور مذهب المالكية. إلا أنهم كرهوا ولاية الفاسق . وينظر : "نهاية المحتاج" (6/238) ، "الإنصاف" (8/73) ، "حاشة ابن عابدين" (3/55) ، "حاشية الدسوقي" (2/230) ، "منح الجليل" (3/289) .
وعلى القول بعدم ولايته ، فإن الولاية تنتقل لمن بعده من العصبات . وأحق الناس بتزويج المرأة بعد أبيها: الجد ، ثم ابنها ، ثم الأخ الشقيق ، ثم الأخ لأب ، ثم أبناؤهم ، ثم الأعمام ، ثم أبناؤهم ، ثم عمومة الأب ، ثم السلطان (القاضي) .
انظر "المغني" (7/346).
رابعا :
من منع موليته من التزوج بالكفء المرضي في دينه وخلقه ، كان عاضلا لها ، تنتقل الولاية منه إلى من بعده .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ، ورغب كل واحد منهما في صاحبه . قال معقل بن يسار : زوجت أختا لي من رجل ، فطلقها ، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ، فقلت له : زوجتك ، وأفرشتك ، وأكرمتك ، فطلقتها ثم جئت تخطبها ! لا والله لا تعود إليك أبدا. وكان رجلا لا بأس به ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : ((43/56)
فلا تَعْضُلُوهُنَّ ) فقلت : الآن أفعل يا رسول الله . قال : فزوجها إياه . رواه البخاري .
فإن رغبت في كفء بعينه ، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها ، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته ، كان عاضلا لها.
فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك ، ولا يكون عاضلا لها " انتهى من "المغني" (9/383).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : " متى بلغت المرأة سن البلوغ وتقدم لها من ترضاه دينا وخلقا وكفاءة ، ولم يقدح فيه الولي بما يُبعده عن أمثالها ويُثْبت ما يدعيه ، كان على ولي المرأة إجابة طلبه من تزويجه إياها ، فإن امتنع عن ذلك نُبّه إلى وجوب مراعاة جانب موليته ، فإن أصر على الامتناع بعد ذلك سقطت ولايته وانتقلت إلى من يليه في القربى من العصبة " انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم "رحمه الله (10/97).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه ، فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة ، الأَوْلى فالأولى ، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب ، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي ، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي ، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة .
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقا وتسقط عدالته وولايته ، بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته فلا يصح أن يكون إماما في صلاة الجماعة في المسلمين وهذا أمر خطير .
وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفا يرد الخطاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن وهم أَكْفاء . ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج ، وهذا أمر واقع ، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد ، أيهما أشد مفسدة : أن تبقى بلا زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زوّجها ، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها .
لا شك أن البديل الثاني أولى ، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك ؛ ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها ، فإن غيرها سوف يقدم كما أقدمت ، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردعا لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء ، أي أن في ذلك ثلاث مصالح :
مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج .
مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليتبعنه .
منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من نساء ، على مزاجهم وعلى ما يريدون .(43/57)
وفيه أيضا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) .
كما أن فيه مصلحة خاصة وهي قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكفاء في الدين والخلق " انتهى ، نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/148).
وقال الشيخ ابن عثيمين أيضاً : " وليت أنَّا نصل إلى درجةٍ تجرؤ فيها المرأة على أنه إذا منعها أبوها من الكفء خُلقاً وديناً تذهب إلى القاضي ويقول لأبيها : زَوِّجْها أو أُزوجها أنا أو يُزوجها وليٌ غيرك ؛ لأن هذا حقٌ للبنت إذا منعها أبوها ( أن تشكوه للقاضي ) وهذا حقٌ شرعي . فليتنا نصل إلى هذه الدرجة ، لكن أكثر الفتيات يمنعهن الحياء من ذلك " انتهى نقلا عن "اللقاء الشهري" وينظر جواب السؤال رقم (10196) .
فإذا امتنع أبوك من تزويجك من الكفؤ الذي ترضينه ، فإنه يكون بذلك عاضلا ، وتنتقل الولاية إلى من بعده من العصبات حسب الترتيب الذي ذكرنا ، فإن امتنعوا من تزويجك أو لم يوجدوا ، انتقلت الولاية إلى القاضي الشرعي ، وينوب عنه المركز الإسلامي في البلاد التي لا يوجد فيها قضاء شرعي .
ولا يجوز بحالٍ أن تتزوجي من دون ولي ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود ( 2085 ) والترمذي (1101 ) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ) رواه أحمد ( 24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2709) .
نسال الله لك الثبات والتوفيق ، ولوالدك الهداية والمغفرة .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
حكم الزواج العرفي ، وهل يجوز للزوجة أن تنتقل لولي آخر بإرادتها؟
سؤال:
تعج بلدنا ببؤر الشر والفساد ، ويزداد الأمر سوءاً في الجامعات ، ولهذا السبب فإن الطلاب يتطلعون للزواج قبل تخرجهم ، لكن الأهل يمثلون أكبر عائق أمامهم ، وفيما يتعلق بالشاب فإننا نسمع أنهم لا يحتاجون لإذن من أوليائهم ، لكن بالنسبة للفتيات فنحن نروغ من هذا عن طريق التقدم بالخطبة ، وإذا تحجج والد إحداهن بسبب غير إسلامي ، مثلا : أنا لا أريدك أن تتزوجي الآن ، أنا لا تعجبني قبيلته ، أنا غير مسرور من بنطاله الوسيع أو لحيته أو دينه ، إذا كان الشاب سنيّاً صالحاً وكان ولي الفتاة على خلاف ذلك : فإننا نتركه ونذهب للجد أو الأخ ، وإذا رفض أي منهما فإننا نتمم الزواج بإذن أمير جماعتنا - جماعة الطلاب المسلمين - هل فعلنا هذا صحيح ؟ وكيف يتم ذلك بطريقة صحيحة ؟ أرجو أن توضح كل شيء حول هذه المسألة ؛ لأنها الطريقة الوحيدة ، وهذا الإجراء منتشر الآن بشكل واسع حولنا(43/58)
، وإذا كان خطأ فكيف يتصرف أولئك الذين تزوجوا بهذه الطريقة وبعضهم له أبناء الآن ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يجوز للمسلمة أن تتزوج بغير إذن وليِّها ، بل لا بد لها من ولي لها يزوجها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود (2085) وصححه الشيخ الألباني ؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل ) رواه الترمذي وحسَّنه ( 1102 ) وأبو داود ( 2083 ) ابن ماجه ( 1879 ) من حديث عائشة ، صححه الألباني في "إرواء الغليل" (1840) .
وقال الترمذي تعليقا عليه :
" والعمل على هذا عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأبو هريرة وغيرهم وهكذا روي عن بعض فقهاء التابعين أنهم قالوا : لا نكاح إلا بولي ، منهم سعيد بن المسيب والحسن البصري وشريح وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز وغيرهم ، وبهذا يقول سفيان الثوري والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ومالك والشافعي وأحمد وإسحق . انتهى .
وفي جواب السؤال ( 2127 ) تجد تلخيصا مهمّاً لشروط النكاح وأركانه ، وشروط الولي .
وفي جواب السؤال ( 7989 ) تفصيل آخر مهم خاص باشتراط الولي لصحة النكاح .
ثانياً :
وقد أمر الله تعالى الأولياء أن يزوِّجوا من تحت ولايتهم من النساء ، وأن لا يعضلوهن بمنعهن من النكاح لغير سبب شرعي ، قال سبحانه : ( وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) النور/32 .
وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأولياء ألا يمتنعوا من تزويج من ولاهم الله عليهن من النساء في حال تقدم الخاطب الصالح في دينه وخلقه فقال : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ) رواه الترمذي ( 1084 ) وحسَّنه ، حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1868) .
وفي كل من الآية والحديث المذكورين دلالتان واضحتان وهما :
1. أن الشرع خاطبَ الوليَّ بالتزويج ، وهذا يدل على أن الأمر متعلق به لا يتم النكاح إلا بأن يباشر هو تزويج موليته لخاطبها ، وما ذكرناه من الأحاديث يوضح هذا ويؤكده .
2. أنه لا يحل للولي عضل موليته ومنعها حقها في النكاح وأن ذلك من الظلم الذي يؤدي إلى الفساد الكبير في الدين والدنيا .(43/59)
وإذا عمل كلٌّ من النساء وأوليائهن بمقتضى ذلك حصل الأمن الأسري ، وارتفع كثير من الشر والفساد في الدين والأخلاق .
فإن امتنع الولي من إعطائها حقها في الزواج بغير عذر شرعي : جاز أن تتجاوزه إلى الولي الأبعد كأخيها الأكبر أو عمها أو جدها ، على أن يكون ذلك من قبَل القاضي الشرعي ، لا من قبَلها هي ولا من قبَل أوليائها ، فإن تعذر الولي من أهلها جاز أن يتولى تزويجها القاضي أو من في حكمه ؛ لما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) وسبق تخريجه وتصحيحه .
وبناء عليه فلا حرج على المرأة إن منعها وليها حقها في الزواج أن ترفع الأمر إلى القاضي الشرعي فيجعل الولاية لجدها أو عمها أو أخيها الأكبر .
وقد سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان عن مسألة قريبة من هذه فأجاب :
" لا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها ، فإن زوجت نفسها فنكاحها باطل عند جمهور أهل العلم سلفاً وخلفاً ؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى خاطب بالتزويج أولياء أمور النساء قال : ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ) .
أما ما ذكرت السائلة من أنها قرأت في بعض كتب الفقه أن المرأة تزوج نفسها : فهذا قول مرجوح ، والصحيح الذي يقوم عليه الدليل خلافه .
وأما ما ذكرتْ من واقعتها وأن لها رأياً يخالف رأي أبيها لأن أباها يريد لها زوجاً ذا حسب ونسب يكافئها ، وهي لا ترى ذلك ، وإنما تميل إلى أن تتزوج شخصاً ترى أنه ذو دين وإن لم يكن ذا حسب ونسب ، فالحق مع أبيها في هذا ، وأبوها أبعد منها نظراً ، فقد يخيل إليها أن هذا الشخص يصلح لها في حين أنه لا يصلح ، فليس لها أن تخالف أباها ما دام أنه ينظر في مصلحتها ، وإذا تحقق أن شخصاً غيره يصلح لها ويكافئها في مقامه وحسبه ودينه وأبى أبوها أن يزوجها به : فإنه حينئذ يكون عاضلاً وتنتقل الولاية إلى من بعده من بقية الأولياء ، ولكن هنا لابد فيه من مراجعة القاضي لينقل الولاية من الأب العاضل إلى من بعده من بقية الأولياء ، وليس لها هي أن تتصرف أو يتصرف أحد أوليائها بدون رضى أبيها ، لا بد من الرجوع إلى القاضي الشرعي وهو ينظر في الموضوع وملابسات الواقعة ، وإذا رأى نقل الولاية إلى آخر نقلها حسب المصلحة : فلا بدَّ من ضبط الأمور في الزواج . . . " انتهى .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 5 / 242 ، 243 ) .
ثالثاً :
ومن تزوجت بطريقة غير شرعية ، كأن تتزوج المرأة من غير ولي : فنكاحها فاسد ، ويجب التفريق بينهما فوراً ، والأبناء ينسبون إلى من تزوجها إن كانوا يظنون أن ما فعلوه جائزاً ، فإن كانوا يعلمون بطلان نكاحهم فلا ينسب الأبناء إلا إلى أمهم .(43/60)
ولهذا النكاح الباطل مفاسد كثيرة تترتب عليه ، منها : ضياع حقوق المرأة ؛ لعدم وجود ما يثبت هذا النكاح ، فلا يثبت لها مهر ، ولا نفقة به . ومنها : انتشار الرذائل والفساد في المجتمعات ، وخاصة الطلابية منها ؛ إذ يمكن من خلال هذه العقود الفاسدة أن تدَّعي كل امرأة حامل ، أو رجل وامرأة وُجدا في وضع مشين ، أنهما متزوجان زواجاً عرفيّاً . ومنها : أنه لا يمكن من خلال هذا الزواج إثبات نسب الأولاد حال وجودهم - كما ذكرنا - ؛ وهو ما يعني ضياعهم وضياع نسبهم .
والسبيل إلى تصحيح هذا الوضع : هو بالذهاب إلى الولي ومصارحته بما حصل ، ثم يتم العقد مرة أخرى بموافقته ، فإن لم يوافق فُرِّق بينهما .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل يصح أن يكون والد الزوج شاهدا على عقد نكاحه؟
سؤال:
أنا متزوج منذ عامين ولكن زواجي تم بالطريقة التالية : بعد مرور عامين على الخطبة قررنا كتابة العقد فذهبت مع والدي وخطيبتي آنذاك ووالدها عند العدول ولكن وجدنا موثقا واحدا وصاحبه كان غائبا مع العلم بأنه سيوقع هو وصاحبه على العقد والموثق الحاضر يعرف أبي ، أخذ الموثق بكتابة العقد فسأل والد زوجتي عن الصداق وهل تسلمه فقال له بأنه تسلمه ، في حين لم يتسلم سوى النصف وأمضينا على العقد ، حين خرجنا لم أرتح لهذا فسألت والدي عن مدى مشروعية العقد حيث يجب حضور شاهدين ولم يكن سوى واحد فأجابني والدي بأن لا شيء في ذلك ، فسكت وإلى الآن لم أقتنع بهذا ، ولهذا أسال هل زواجي مشروع وهل فيه من محظور وهل يمكن اعتبار والدي كشاهد وإن كان غير مشروع فما هو الحل؟.
الجواب:
الحمد لله
العقد المذكور صحيح ، ويعتبر والدك شاهدا على نكاحك ، وهو مذهب الإمام الشافعي وأحد القولين للإمام أحمد رحمهما الله .
انظر : "نهاية المحتاج" (6/218) ، "الإنصاف" (8/105) .
وذلك لأنه ليس وليا في النكاح ، فصح أن يكون شاهدا ، بخلاف والد الزوجة .
وقد اختار القول بالصحة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، فقد قال بعد أن ذكر القول الأول في المسألة وهو عدم جواز شهادة أحد من أصول الزوجين أو فروعهما على النكاح ( والمراد بالأصول هنا الآباء والأجداد ، وبالفروع الأبناء وأبناؤهم ) ، قال : "والقول الثاني : أن ذلك يصح ، وهو أن يكون الشاهدان أو أحدهما من الأصول أو الفروع . . .
ثم قال :
فالصواب إذاً أنه يصح العقد ، وهو رواية عن أحمد واختارها كثير من الأصحاب" اهـ . الشرح الممتع (5/163) .(43/61)
ثم إنك قد ذكرت أنك متزوج من عامين ، والغالب أنه يكون قد حصل إعلان للنكاح وإشهار له بمثل دعوة الناس وما أشبه ذلك مما اعتاده الناس الآن . وهذا يكفي لصحة النكاح ، ولو لم يشهد عليه شاهدان عند بعض أهل العلم . وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، قال رحمه الله : " لا ريب في أن النكاح مع الإعلان يصح ، وإن لم يشهد شاهدان " اهـ .
الاختيارات (ص 210) .
وقد أخطأ والد الزوجة في قوله إنه تسلم الصداق والواقع أنه لم يتسلم إلا نصفه، لكن ذلك لا يؤثر على صحة عقد النكاح .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
أجبرت على الزواج ممن لا تريده ، فهل تستخدم حبوب منع الحمل
سؤال:
لقد تزوجت منذ فترة قصيرة ، ولكنني غير سعيدة مع زوجي ، وقد أجبرني أهلي على الزواج منه ، ومشكلتي أنني لا أرغب في الإنجاب منه ، فهل يجوز أن أدعو الله أن لا يرزقني أولاداً منه أم لا يجوز ؟ وقد قرأت أنه لا يجوز استخدام حبوب منع الحمل بدون إذن الزوج ، فهل هذا صحيح ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للولي سواء أكان أبا أو غيره أن يزوج مَنْ كانت تحت ولايته دون رضاها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما : ( الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها ) رواه مسلم (1421)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تُنْكَح الأيم حتى تُسْتَأمر ، ولا تنكح البكر حتى تستأذن . قالوا : يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت ) رواه البخاري (4843) ومسلم (1419)
كما لا يجوز للولي أن يتعنت في تزويج موليته ، أو يعضلها عن الزواج ممن ترغب إذا كان كفؤاً لها ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسم - : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) رواه الترمذي (1084) وحسنه الألباني وانظر السؤال رقم (32580)
أما ما حصل معك ، فلك الخيار في الاستمرار أو عدمه ، فاستخيري الله عز وجل ، فإن رضيت فلك الاستمرار على هذا الزواج ، وإن لم تقبلي الاستمرار في زواجك فلك الحق في طلب الفسخ ، لأنه وقع بدون رضاك .
فعن خنساء بنت خذام الأنصارية : أن أباها زوجها وهي ثيب ، فكرهت ذلك ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه . رواه البخاري (4845) ، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - : أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم ،(43/62)
فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة ، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم . رواه أبو داود (2096) وصححه الألباني .
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المرأة إذا زُوِّجت بدون رضاها فإن العقد باطل ، لأنه عقد محرم ، فلا يمكن تصحيحه ، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة .
ومذهب الحنفية ، وهو رواية عن الإمام أحمد : أن العقد موقوف على إجازة المرأة ، فإن أجازته صح ، وإلا فلها الفسخ . انظر المغني 7 / 364 ، فتح الباري 9 / 194
لكن ما دام أن المحكمة حكمت بالنكاح ، فإن الأولى أن يرجع في مثل هذا الأمر إلى المحكمة.
قال الشيخ ابن عثيمين في مسألة إجبار الوالد بنته على النكاح : إجبار الرجل ابنته على الزواج برجل لا تريد الزواج منه محرم ، والمحرم لا يكون صحيحاً ولا نافذاً ، لأن إنفاذه وتصحيحه مضاد لما ورد فيه من النهي ، لأن مقصود الشرع بالنهي عن أمر ما ، أن لا نتلبس به ولا نفعله ، ونحن إذا صححناه فمعناه أننا تلبسنا به وفعلناه ، وجعلناه بمنزلة العقود التي أباحها الشارع .....
وعلى هذا فالقول الراجح يكون تزويج الوالد ابنته هذه بمن لا تريده زوجا ، تزويجا فاسدا ، والعقد فاسد ، يجب النظر فيه من قبل المحكمة
انظر الفتاوى ص 760 ، وانظر أيضاً فتاوى الشيخ ابن إبراهيم 10 / 73 – 78
أما أخذك لحبوب منع الحمل دون علم الزوج ، فهذا ليس حلا للمشكلة ، لأن هذا معناه مكوثك تحت من لا ترضين ، وقد نص بعض أهل العلم كما في فتاوى الشيخ ابن إبراهيم الموضع السابق ، على أنه إذا ظهر من المرأة الرضى بزواجها ممن تزوجت منه جبرا ، فإنه يسقط حقها في طلب الفسخ ، وإذا سقط الحق في طلب الفسخ صار الرجل زوجا شرعيا لك ، وإذا كان كذلك لم يجز لك أخذ حبوب من الحمل إلا بعلمه عند وجود ما يدعو إلى ذلك .
ويراجع السؤال (5196) (22760) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل يتزوج بغير رضى والده ؟
سؤال:
هل يجوز أن يتزوج الرجل بمن يعجبه دينها وخلقها ووالده غير راض عن ذلك ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لم يخطئ الابن في اختياره ذات الدين والخُلُق فهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم للراغب في النكاح ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تُنكح المرأة لأربعٍ : لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك " .
رواه البخاري ( 4802 ) ومسلم ( 1466 ) .
وإليك نصيحة لوالدك ولك من فضيلة الشيخ ابن عثيمين تتعلق بموضوعك :(43/63)
قال الشيخ – رحمه الله – :
هذا السؤال يقتضي أن نوجه نصيحتين ؛ النصيحة الأولى لوالدك حيث أصرَّ على منعك من الزواج بهذه المرأة التي وصفتَها بأنها ذات خلق ودين ، فإن الواجب عليه أن يأذن لك في تزوجها إلا أن يكون لديه سبب شرعي يعلمه ويبينه حتى تقتنع أنت وتطمئن نفسك ، وعليه أن يقدِّر هذا الأمر في نفسه لو كان أبوه منعه من أن يتزوج امرأة أعجبته في دينها وأخلاقها ، أفلا يرى أن ذلك فيه شيء من الغضاضة وكبت حريته ؟ فإذا كان هو لا يرضى أن يقع من والده عليه مثل هذا فكيف يرضى أن يقع منه على ولده مثل هذا ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " .
فلا يحل لأبيك أن يمنعك من التزوج بهذه المرأة بدون سبب شرعي ، وإذا كان هناك سبب شرعي فليبينه لك حتى تكون على بصيرة .
أما النصيحة التي أوجهها إليك أيها السائل : فأنا أقول : إذا كان يمكنك أن تعدل عن هذه المرأة إلى امرأة أخرى : فإرضاء لأبيك وحثّاً على لمِّ الشمل وعدم الفرقة فافعل .
وإذا كان لا يمكنك بحيث يكون قلبك متعلقا بها وتخشى أيضا أنك لو خطبت امرأة أخرى أن يمنعك أبوك من زواجك بها – لأن بعض الناس قد يكون في قلبه غيرة أو حسد ولو لأبنائه فيمنعهم مما يريدون – أقول : إذا كنتَ تخشى هذا ولا تتمكن من الصبر عن هذه المرأة التي تعلَّق بها قلبك : فلا حرج عليك أن تتزوجها ولو كره والدك ، ولعله بعد الزواج يقتنع بما حصل ويزول ما في قلبه ، ونسأل الله أن يقدر لك ما فيه خير الأمرين .
" فتاوى إسلامية " ( 4 / 193 ، 194 ) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
ملخّص مهم في أركان النّكاح وشروطه وشروط الوليّ
سؤال:
ما هي أركان عقد النكاح ؟ وما شروطه ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أركان عقد النكاح في الإسلام ثلاثة :
أولا : وجود الزوجين الخاليين من الموانع التي تمنع صحة النكاح كالمحرمية من نسب أو رضاع ونحوه وككون الرجل كافرا والمرأة مسلمة إلى غير ذلك .
ثانيا : حصول الإيجاب وهو اللفظ الصّادر من الولي أو من يقوم مقامه بأن يقول للزوج زوجتك فلانة ونحو ذلك .
ثالثا : حصول القبول وهو اللفظ الصّادر من الزوج أو من يقوم مقامه بأن يقول : قبلت ونحو ذلك .
وأمّا شروط صحة النكاح فهي :
أولا : تعيين كل من الزوجين بالإشارة أو التسمية أو الوصف ونحو ذلك .(43/64)
ثانيا : رضى كلّ من الزوجين بالآخر لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ ( وهي التي فارقت زوجها بموت أو طلاق ) حَتَّى تُسْتَأْمَرَ ( أي يُطلب الأمر منها فلا بدّ من تصريحها ) وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ ( أي حتى توافق بكلام أو سكوت ) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا ( أي لأنها تستحيي ) قَالَ أَنْ تَسْكُتَ رواه البخاري 4741
ثالثا : أن يعقد للمرأة وليّها لأنّ الله خاطب الأولياء بالنكاح فقال : ( وأَنْكِحوا الأيامى منكم ) ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ " رواه الترمذي 1021 وغيره وهو حديث صحيح .
رابعا : الشّهادة على عقد النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بوليّ وشاهدين ) رواه الطبراني وهو في صحيح الجامع 7558
ويتأكّد إعلان النّكاح لقوله صلى الله عليه وسلم : " أَعْلِنُوا النِّكَاحَ . " رواه الإمام أحمد وحسنه في صحيح الجامع 1072
فأما الولي فيُشترط فيه ما يلي :
1- العقل
2- البلوغ
3- الحريّة
4- اتحاد الدّين فلا ولاية لكافر على مسلم ولا مسلمة وكذلك لا ولاية لمسلم على كافر أو كافرة ، وتثبت للكافر ولاية التزويج على الكافرة ولو اختلف دينهما ، ولا ولاية لمرتدّ على أحد
5- العدالة : المنافية للفسق وهي شرط عند بعض العلماء واكتفى بعضهم بالعدالة الظّاهرة وقال بعضهم يكفي أن يحصل منه النّظر في مصلحة من تولّى أمر تزويجها .
6- الذّكورة لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا . " رواه ابن ماجة 1782 وهو في صحيح الجامع 7298
7- الرّشد : وهو القدرة على معرفة الكفؤ ومصالح النكاح .
وللأولياء ترتيب عند الفقهاء فلا يجوز تعدّي الولي الأقرب إلا عند فقده أو فقد شروطه . ووليّ المرأة أبوها ثمّ وصيّه فيها ثمّ جدّها لأب وإن علا ثمّ ابنها ثم بنوه وإن نزلوا ثمّ أخوها لأبوين ثم أخوها لأب ثمّ بنوهما ثمّ عمّها لأبوين ثمّ عمها لأب ثمّ بنوهما ثمّ الأقرب فالأقرب نسبا من العصبة كالإرث ، والسّلطان المسلم ( ومن ينوب عنه كالقاضي ) وليّ من لا وليّ له . والله تعالى أعلم.
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
الزواج من الكتابية هل تنصحون به ؟
سؤال:(43/65)
هل يجوز للمسلم السلفي أن يتزوج بامرأة نصرانية ؟ البعض يقول بأن هناك العديد من الشروط لهذا ، فأرجو ذكر هذه الشروط إن وجدت .
الجواب:
الحمد لله
في جواب السؤال رقم ( 45645 ) حكم الزواج من كتابية وأنه حلال بالنص ، وذكرنا الشروط الواجب توفرها في المرأة الكتابية ، ولم نحبذ الزواج منهن لما في ذلك من الضرر وعدم تحقق بعض الشروط في بعضهن .
وفي أجوبة الأسئلة : ( 12283 ) و ( 20227 ) و ( 44695 ) ذكرنا بعض مفاسد الزواج من الكتابية في هذا العصر ، ومنها ما قاله الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :
لكن في هذا العصر يُخشى على من تزوجهن شر كثير ، وذلك لأنهن قد يدعونه إلى دينهن وقد يسبب ذلك تنصر أولاده ، فالخطر كبير ، والأحوط للمؤمن ألا يتزوجها ، ولأنها لا تؤمن في نفسها في الغالب من الوقوع في الفاحشة ، وأن تعلّق عليه أولاداً من غيره .
انتهى .
وتجد في جواب السؤال رقم ( 2527 ) شروط الزواج من الكتابية ، فانظره فهو مهم .
وليعلم أنه من ترك مثل هذه الزيجات ابتغاء الأفضل لدينه ودين أبنائه فإن الله تعالى يعوِّضه خيراً ، إذ أن " من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه " كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
حكم زواج المسلم من غير المسلمة والعكس
سؤال:
لدي شبه حول الإسلام فهل يمكن أن توضحها لي ؟ هل يجوز لمن يدين بالإسلام أن يتزوج ممن لا يدين بالإسلام دون أن يتحول للإسلام حتى بعد الزواج ؟.
الجواب:
الحمد لله
يحل للمسلم أن ينكح غير المسلمة إن كانت نصرانية أو يهودية ، ولا يحل له أن ينكح امرأة من غير المسلمين تدين بغير هاتين الديانتين والدليل على ذلك قوله تعالى : ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان .. ) المائدة/4 .
قال الإمام الطبري في تأويل هذه الآية : " ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) يعني : والحرائر من الذين أعطوا الكتاب وهم اليهود والنصارى الذين دانوا بما في التوراة والإنجيل من قبلكم أيها المؤمنون بمحمد من العرب وسائر الناس أن(43/66)
تنكحوهن أيضاً ، ( إذا آتيتموهن أجورهن ) يعني : إذا أعطيتم من نكحتم من محصناتكم ومحصناتهم أجورهن وهي مهورهن " ( تفسير الطبري 6/104 ) .
ولكن لا يحل له أن ينكح المجوسية ولا الشيوعية ولا الوثنية أو ما يشبههم .
والدليل على ذلك قوله تعالى : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم .. ) البقرة/221 .
والمشركة هي الوثنية التي تعبد الأحجار من العرب أو غيرهم .
ولا يحل للمسلمة أن تتزوج بغير المسلم من الديانات الأخرى لا من اليهود والنصارى ولا من غيرهم من الكفار ، فلا يحل لها أن ينكحها اليهودي أو النصراني ولا المجوسي ولا الشيوعي والوثني أو غير ذلك .
والدليل على ذلك قوله تعالى : ( ... ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه وبيين آياته للناس لعلهم يتذكرون ) البقرة/221 .
قال الإمام الطبري :
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ) يعني تعالى ذكره بذلك : أن الله قد حرم على المؤمنات أن ينكحن مشركاً كائناً من كان المشرك من أي أصناف الشرك كان ، فلا تنكحوهن أيها المؤمنون منهم فإن ذلك حرام عليكم ، ولَأَنْ تُزَوّجُوهنّ من عبد مؤمن مصدق بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله خير لكم من أن تُزَوّجُوهنّ من حر مشرك ولو شرف نسبه وكرم أصله وإن أعجبكم حسبه ونسبه ..
عن قتادة والزهري في قوله : ( ولا تنكحوا المشركين ) قال : لا يحل لك أن تنكح يهودياً أو نصرانياً ولا مشركاً من غير أهل دينك . ( تفسير الطبري 2/379 ) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
الولاية على نكاح المرأة وأموالها
سؤال:
نعلم أنه إذا أرادت المرأة أن تتزوج فيجب أن يكون وليها هو من يعقد لها ، ولكن كيف لها أن تحدد الولي ؟ وهل يجب أن يقوم الولي بإتمام جميع معاملات المرأة ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
أسباب ولاية النكاح خمسة : المُلْك ، والقرابة ، والولاء ، والإمامة ، والوصاية .
الولي شرط في صحة النكاح ، ولا يجوز للمرأة أن تتولى نكاح نفسها أو غيرها بسبب من الأسباب ، لا أصالة ولا نيابة ولا وكالة ، لو باشرت العقد كان النكاح باطلاً .
للمرأة البالغة العاقلة الرشيدة أن تتولى مالها ، وتتصرف فيه كما تشاء بعوض أو بغير عوض كبيع أو شراء ، أو إجارة ، أو إقراض ، أو تصدق أو هبة كله أو جزء(43/67)
منه ، وليس لأحد أن يمنعها من ذلك ، ولا تحتاج إلى إذن أحد ، سواء كانت بكراً ذات أب ، أو غير ذات أب ، أو ذات زوج .
يجوز للمرأة أن تتصرف في مال أولادها من أكل وغيره ، كما هو مسموح للرجل في مال أولاده ، ويجوز لها أن تتصرف وتأكل من مال أبويها بما هو مباح لها .
وللأم ولاية مال أولادها الصغار والمجنون ، لأنها أشفق على ولدها من غيرها .
ليس للمرأة أن تتصرف وتتصدق من مال زوجها إلا بإذنه ، سواء كان الإذن صريحاً أو مفهوماً من العادة والعرف .
ويجوز لها أن تكون وصية ، فلها ولاية المال بالوصاية إذا توفر فيها شروط الوصي ، سواء كانت أم الأطفال ، أو أجنبية عنهم .
يجوز للمرأة أن تكون ناظرة وقف ، وتكون لها ولاية النظر على الوقف والتصرف فيه باتفاق .
ولاية المرأة في الفقه الإسلامي ص 691.
ـــــــــــــــــــ
عوائق في زواج نصرانية من مسلم
سؤال:
صديقي مسلم وهو يواجه مشاكل مع والديه حتى يقبلوا بي . هما لم يقابلاني مطلقا ، لكن والدته أخبرته مرارا بأنه إن لم يتركني ، فإنه لن يدخل البيت أبدا ، وقد هددته بأنهما سيتوقفان عن الحديث معه . وأنا لا أعرف موقف والده، وهو يتحدث إلى والدته في أغلب الأحيان . ( ومما أفهمه أن التحدث إلى الوالد غالبا ما يكون صعبا عند المسلمين ).
وأعلم أيضا أنه يجوز للمسلم الزواج من النصرانيات أو اليهوديات إذا كن عفيفات ، وأعلم أيضا أنه لا يجوز لوالديه أن يهجراه لمجرد أنهما لا يوافقانه على علاقته بي ، لكن كيف نتصرف وهما لا يسمحان حتى بمناقشة هذا الموضوع ؟ ماذا أفعل وهما قد حكما عليّ حتى قبل أن يتعرفا عليّ ؟ أنا وهو صديقان ، والإسلام لا يقبل بهذه العلاقة ، لكننا نرغب في الزواج . ( وسوف ينشأ أطفالنا على الإسلام ، كما أني عازمة أن أتعرف على الإسلام ، ولذلك فلا تعارض في المسألة ).
صديقي لا يريد أن يجرح أي شخص ، خصوصا والده ووالدته ، فهو يكن لهما الاحترام الشديد . لقد أخفق في أن يظهر لوالديه أنه يحبني كثيرا وأني فتاة جيدة . وأنا لا أستطيع مساعدته بالتحدث إليهما ، حيث أخبرني أنه من غير المقبول أن يأتي الشاب بفتاة إلى منزل والديه . فكيف أساعده في هذا الموضوع ؟ لماذا يُمنع التحدث في موضوع كهذا ؟ كيف يمكن حل المشاكل إذا كان حتى مجرد النقاش غير ممكن ؟ ألم يخلق الله الناس ليعرف بعضهم بعضا ؟ أنا أؤمن بالله ، وأحاول أن أكون امرأة صالحة ، وأدعو لذلك كل يوم .
والداي نشآني على النصرانية ، لكني منذ أن أخذت أتعرف بعض الشيء على الإسلام وأنا لا أستطيع الإيمان بالطرق النصرانية أبدا . أظن أن الإسلام (هو الدين المناسب لي) لكني اتفقت مع صديقي أن نركز على هذا بعد أن تحل مشكلتنا –(43/68)
وهي قبول والديه بنا . أريد أن تكون علاقتي بالله صافية وألا تؤثر عليها أمور أخرى ؛ فالصديق لا يمكن أن يكون السبب في قبولي للإسلام ، أليس كذلك ؟
هل أكون مستحقة للملامة إن أنا قبلت الإسلام - وأستمر في إيماني بالله حسب اعتقادي فيه الآن - لا لشيء إلا لتسهيل الأمور بالنسبة لنا، حيث أن الوالدان يريدان ذلك؟ أعلم أن المسلم الحقيقي لا يفكر في نفسه فحسب بل عليه أن يفكر في جميع الناس حوله ، لكني لا أستطيع أن أقبل بأن حبنا يجب أن يتوقف ، لمجرد أن والديه يريدان ذلك . أهذه مشيئة الله ؟ أرجو أن تنصحنا حول هذا . لماذا لا يتحدثان معي ؟ كيف يمكن أن نفهمها أنهما لا يمكنها الحكم عليّ قبل أن يتعرفا عليّ ؟ وهل لديك أي نصائح له، وهل سيكون القرار قرارا شديد الصعوبة ؟.
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله عز وجل أن يمن عليك بالهداية ، وسلوك طريق الرشاد ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
أولاً : نشكرك على طرح السؤال وتوجيهه إلى هذا الموقع الإسلامي مما يدلّ على ثقتك ورغبتك في معرفة الجواب الصحيح .
ثانياً :
إن عدداً من الاستغرابات التي أوردتيها في سؤالك تعتبر عندنا معشر المسلمين أموراً مسلّمة ، بينما تعتبر عند غيرنا مستنكرة.
ومعرفة السبب معهم ، وهو أن المسلم ينطلق في مواقفه وآرائه من التسليم لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن الطاعة المطلقة للخالق الرازق المحيي المميت ، لأنه أوجب علينا ذلك وهو أعلم بما يصلحنا .
فعلى سبيل المثال : أنت تستغربين جداً استنكار والدي عشيقك للعلاقة بينكما لأنك ترين بما تربيت عليه واعتدتيه وألفتيه في الواقع غير الإسلامي الذي تعيشين فيه أن هذه العلاقة أمر طبيعي وعادي ومألوف وتقارب بين نفسيات البشر وارتياح عاطفي أو غريزي ، وقد يؤدي لك خدمات وتؤدين له خدمات في المقابل ، ويلين معك بالكلام ، وأنت تلاطفينه أيضاً وبينكما هداياً .. إلخ
والإسلام لا يحرّم حسن الكلام وطيب المعاملة والهدايا ولكن ليس لرجل مسلم أن يخلو بامرأة أجنبية ويستمتع بها خارج إطار الزواج لأن مفسدة هذا ومضرّته في الإسلام من فقدان العفّة والوقوع في الزنا ، وانتهاك العرض والحمل بالولد الحرام وإضاعة النسب أخطر بكثير وأسوأ من تعاملات لطيفة وتبادل للهدايا .
ولولا استمتاع كل منكما بالآخر ربما لم يحصل مثل هذا التعامل .
وكذلك فإن وجود نيّة أكيدة وعزم على الزواج في المستقبل وإنجاب أولاد يعيشون مسلمين لا يبرر أبداً إقامة مثل هذه العلاقة المحرّمة التي تحدث فيها كثير من المحظورات الشرعية إسلامياً .
ولنا أن نتساءل إذا كانت العلاقة حميمة وقويّة إلى هذه الدرجة والنيّة صادقة في الزواج لماذا لا تتم توبة كلّ منكما من هذه العلاقة المحرّمة والدخول مباشرة في علاقة شرعية إسلامية قائمة على الزواج الذي شرعه الله .(43/69)
أما العقد الشرعي في الإسلام فليس أمراً صعباً ومعقداً بل يسير وسهل وراجعي سؤال رقم ( 2127 ) و ( 813 ) للتعرف على المزيد من صفة عقد النكاح في الإسلام .
ثالثاً : ليس صحيحا أن التحدث إلى الوالد صعب عند المسلمين ، فإنه ليس هناك مجتمع يتميز بالتماسك الأسرى ، والترابط فيما بين أفراده مثل المجتمعات الإسلامية ، بل نظرة سريعة في حال الأسرة في الغرب ، يجد الإنسان فيها أن الولد بعيد عن أبويه كل البعد ، وأن الوالدين لا يقوم أحد بحقوقهما ، فضلا عما يسببه ذلك من تشرد الأولاد ، وضياع البنات ، والإسلام يفرض على الأولاد نوعاً من الاحترام والتوقير للوالدين ، يعلم هذا جيّداً من يفتقده من غير المسلمين ، ونظراً لما تتمتع به الأم من اللين والعطف والحنان على أولادها ، وما يتمتع به الأب من الحزم والنظر إلى الأمور بتعقّل بعيداً عن العواطف ، فإن كثيراً من الأولاد يجدون أن الحديث مع الأم أسهل من الحديث مع الأب لاسيما في المشاكل التي تتعلق بعواطف الأولاد ومشاعرهم ، وليس معنى ذلك أن الحديث مع الأب صعب عند المسلمين .
ولكن قد يكون بعض الناس تربى تربية فيها بعض الأخطاء ، فأثرت بالتالي على بعض سلوكياته ، ولكن بشكل عام ، فإن المسلم يحب أخاه المسلم الغريب ، فكيف بالقريب ، فكيف بالابن والأب ، فالكل يحرص على مصلحة الآخر ، ويراعي أموره ، ويحب له الأفضل ، وهذا ما ينقلنا إلى النقطة الثانية ، ألا وهي :
ثانياً : أن رفض والديه لهذا الزواج ليس من باب التحكم ، أو أنهم قد حكموا عليك ولم يروك ، بل كل أب ( خاصة المجتمع المسلم ) يحب لابنه أن يعيش أفضل عيشة ، وبحكم خبرة الأب الكبيرة في الحياة ، وبحكم كبر سنه ، وعلمه بالأمور كيف تسير ، فإنه لا يحب أن يقع ابنه في مغامرة ، بحيث يتعجل أمرا ، ثم يندم عليه .
إن الأب يحاول أن يبعد ابنه عن كل شيء اسمه " فشل " ، لذلك هو لا يحبه أن يخوض غمار مثل هذا الزواج ، خاصة أن الزواج في الإسلام علاقة قوية ، لا تدوم لفترة محددة كحب العاشقين المحرم ، بل هو علاقة بين الزوجين المقصود منها الاستقرار والدوام ، فالاختيار لا بد أن يكون عن دراسة جادة ، وتأن واضح ، واستشارة لمن هم أعلم منا في هذه الحياة ، ومن الطبيعي أن يكون اختلاف الدين –سببا في الشقاق بين الزوجين ، أو حدوث مشاكل في المستقبل خاصة بعد وجود الأبناء ، وقد مر علينا في هذا الموقع العديد من تلك المشاكل .
نعم ، الإسلام لا يمنع المسلم من تزوّج النصرانية أو اليهودية العفيفة فإن الإسلام يبيح هذا ، ومع هذه الإباحة فإن الإسلام لا يحبّذه ولا يدعو إليه ، فقد حثّنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم على اختيار الزوجة الصالحة صاحبة الدين والخلق .
لذلك كان حكم أبويه على هذا الزواج بالرفض ، ليس من باب استعجال الحكم ، بل من باب المعرفة بالأمور كيف تسير .
قد تقولين : إن زواجي بهذا الشاب مختلف ، لكنهم لا يدركون ذلك ؟(43/70)
فأعود وأقول : وإن كان مختلفا ، لكن كل أب لا يحب لابنه أن يخوض تجربة هو في غنى عنها ، خاصة وأن العلاقة الآن بينكما محرمة في دين الإسلام الطاهر النقي .
رابعاً : قولك : هل علي ملامة إن قبلت بالإسلام – يعني صوريا – وبقيت على اعتقادك في الله كما أنت ؟
فالجواب أن هذا أمر عظيم ، فإن ديننا الحنيف لا يقبل من إنسان أن يدخله متلاعبا ، أو مستغلا له لأغراض شخصية ، ولهذا كان من أسس هذا الدين { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها } ، وإذا دخل الإنسان فيه دين الله متلاعبا ، حقت عليه لعنة الله ، وكان مع القوم الكافرين ، كما قال تعالى { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } .
خامساً :
أما حل المشكلة فإنه يمكن أن يكون بعدة أمور ، أولاها وأفضلها وأسرعها أن تبدئي التعرف الحقيقي على الإسلام ، وشمولية هذا الدين ، وموافقته للفطر السليمة ، والطبائع المستقيمة ، فتعرفي على دين الإسلام ، لا لشيء ، إلا لرغبة الوصول إلى الحق ، والخروج من دوامة الآراء المتخبطة ، والأفكار المنافية للفطر والعقول السليمة .
حينئذ – وبالمثابرة والاجتهاد – ستعلمين الحق المبين ، وسيلوح لك نور اليقين الساطع ، وسيتيسر لك – بإذن الله – أمر الزواج ، ولا حرج في أن يكون أمر زواجك من ذلك الرجل سببا في تعرفك على دين الإسلام .
لكن أن تبدئي بهذه الخطوة أولى وأوجب من أن تتزوجي ثم تفكري في الإسلام .
إن الأسرة إذا تكونت من بدايتها من زوجين مسلمين ، فإن الله تعالى يبارك فيها ، ويرعاها بعنايته ، فكلا عمودي الأسرة محبوب لله ، لأنه مسلم .
ولعل إعلان توبتك أنت وهذا العشيق وعقد القران حسب الشريعة الإسلامية يخفف من هجوم والدي زوجك وموقفهما السلبي .
وإذا أعلنت دخولك في الإسلام فسيرضى أيضاً عن ذلك من هو أهم من الجميع ، وهو الله عز وجلّ ، وإذا أرضيت الله ولو سخط من سخط من أهلك فسيرضى الله عليك ويُرضي عنك الناس
وقد يكون من المناسب ـ وهذا يحتاج إلى تفكير وتوقيت سليم أن تقومي بزيارة والدته أنت شخصياً دون أن يكون عشيقك هذا مرافقاً لك ولا موجوداً معك ، وتعربين لها عن رغبتك في الإسلام والتوبة من العلاقة المحرّمة والزواج من ابنها على شرع الله وحكمه.
وإذا كنت تقرين أن الإسلام يبيح الزواج من غير المسلمات العفيفات فلماذا لا تنتقلين إلى حياة العفّة والطهر وتمتنعين عن أي علاقة تخالف ذلك .
وقولك الصديق لا يمكن أن يكون السبب في قبول الإسلام له معنى صحيح ، وهو أنك ستسلمين ليس محبة في هذا الشخص ولكن محبة في الحقّ ومحبة لله الذي(43/71)
رضي الإسلام ديناً للبشر ، وأدلّة هذا واضحة وبيّنة ولا تحتاج إلى قوة عاطفية تدفع . لأن الأدلة والبراهين على الحق كافية جداً .
ولا ننسى قبل أن نفارق هذا الجواب أن نثني على تلك العبارة التي وردت في سؤالك وهي قولك : " أخذت أتعرف بعض الشيء على الإسلام وأنا لا أستطيع الإيمان بالطرق النصرانية أبدا " . وهذا يدل على قربك من الحق جداً وأن قناعاتك تتكون بشكل سليم وعلى أن الحقّ والباطل لا يلتقيان عندك وهذه بشائر خير .
فاسألي الله الهداية إلى طريق الحق ، وافتحي بصرك وبصيرتك للنور القادم ، وفقك الله لسلوك طريق الهداية ، والله أعلم .
للمزيد ( 33656 ، 20884 ، 2527 ) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
مسلمة جديدة تزوجت مسلماً بدون علم والديها
سؤال:
أنا فتاة من الصين ، تزوجت من رجل مسلم لبناني ، وهذا هو السبب الأول والرئيس لإسلامي .. ولقد تزوجنا بطريقة إسلامية ، ولكن هذا الزواج تمّ بدون علم عائلتينا بسبب بعض الظروف الصعبة . هل تعتقد أن هذا حرام ؟ أعنى في هذا مخالفة للقرآن .
الجواب:
الحمد لله
دلت الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية على أن المرأة لا تتزوج بغير وليّ يحتاط لها ويتحرى مصلحتها مخافة أن يخدعها شياطين الرجال ، وقد قال تعالى : ( فانكحوهنّ بإذن أهلهن )
وعن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا نكاح إلا بوليّ ) رواه الخمسة وصححه ابن المديني .
قال الترمذي : والعمل في هذا الباب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بوليّ ) عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، منهم عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأبو هريرة وغيرهم . اهـ .
فإذا كان أحد من أوليائك مسلماً كالأب أو الإخوة أو الأعمام أو أبناء الأعمام فهو وليّك في النكاح ، ولا يصحّ نكاحك من غير إذنه ورضاه . فيباشر هو العقد بنفسه أو يوكّل من يعقد لك الزواج نيابة عنه .
فإن كان أولياؤك كلهم من غير مسلمين فإنه لا ولاية لكافر على مسلم .
قال ابن قدامة : أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال ، بإجماع أهل العلم .
قال ابن المنذر : أجمع عامة من نحفظ عنهم العلم على هذا .
وقال الإمام أحمد : بلغنا أن علّياً أجاز نكاح الأخ ، وردّ نكاح الأب وكان نصرانياً .
المغني (7/356) .
بل لا ولاية لمسلم على أولاده الكفّار في النكاح .(43/72)
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية ، عن رجل أسلم هل يبقى له ولاية على أولاده الكتابيين ؟
فأجاب : لا ولاية له عليهم في النكاح ، كما لا ولاية له عليهم في الميراث ، فلا يزوج المسلم كافرة سواء كانت بنته أو غيرها ، ولا يرث كافرٌ مسلماً ولا مسلمٌ كافراً ، وهذا مذهب الأئمة الأربعة وأصحابهم من السلف والخلف ، والله سبحانه وتعالى قد قطع الولاية في كتابه بين المؤمنين والكافرين وأوجب البراءة بينهم من الطرفين ، وأثبت الولاية بين المؤمنين (32/35)
ولكن ينبغي للمسلمة أن تخبر بذلك أهلها وأن تترضاهم لعل ذلك يكون سبباً في تألفهم على الإسلام .
والسؤال هنا : كيف تصنع المسلمة التي ليس لها ولي مسلم ؟
فالجواب :
أنه يزوجها مسلم ذو سلطان ومكانة كرئيس المركز الإسلامي أو إمام مسجد أو عالم من العلماء فإذا لم تجد جعلت أمرها إلى رجل عدل من المسلمين فيباشر تزويجها .
قال شيخ الإسلام : أما من لا ولي لها فإن كان في القرية أو المحلة نائب حاكم زوجها .. ورئيس القرية وإذا كان فيهم إمام مطاع زوّجها أيضاً بإذنها . (32/35)
قال ابن قدامة : فإن لم يوجد للمرأة وليّ ولا سلطان ، فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها (7/352)
وقال الجويني : إذا لم يكن لها وليّ حاضر ، وشغر الزمان ( أي خلا ) عن السلطان ، فنعلم قطعاً أن حسم باب النكاح مُحال في الشريعة ، ومن أبدى في ذلك تشككاً فليس على بصيرة بوضع الشرع ، والمصير إلى سد باب النكاح يضاهي الذهاب إلى تحريم الاكتساب . الغياثي (388) ، ثم ذكر أن الذي يباشر ذلك هم العلماء .
والخلاصة :
إن كان عقد النكاح قد تمّ بهذه الصورة ، وقد زوجك منه إمام المركز الإسلامي عندكم أو رجل عدل من المسلمين فالنكاح صحيح ، وأما إن كنت باشرت عقد النكاح بنفسك فعليك الذهاب مع زوجك إلى أقرب مركز إسلامي وإعادة عقد النكاح ، ويتولى رئيسه مثلاً ـ تزويجك .
أما بالنسبة لزوجك فإنه لا يلزمه أن يُعلم عائلته ، لأنه لا يُشترط الولي للزوج .
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
نظرة واقعية للزواج من الكتابيات
سؤال:
هل يحق للرجل المسلم الزواج من امرأة نصرانية أو يهودية كما تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بمارية القبطية ؟.
الجواب:
الحمد لله(43/73)
لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم مارية القبطية ، بل كانت أمَة له ، وكان قد أهداها له المقوقس صاحب مصر ، وذلك بعد صلح الحديبية .
والأمة يجوز الاستمتاع بها ومعاشرتها حتى لو لم تكن مسلمة لأنها من ملك اليمين والله تعالى أباح ملك اليمين من غير شرط الإسلام قال تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون* إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) سورة المؤمنون/5-6
أما الزواج من نصرانية أو يهودية فهو جائز بنص القرآن بقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ) المائدة / 5 .
قال ابن القيم :
ويجوز نكاح الكتابية بنص القرآن ، قال تعالى : { والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } ، والمحصنات هنا هن العفائف ، وأما المحصنات المحرمات في سورة النساء فهن المزوجات ، وقيل : المحصنات اللاتي أُبحن هن الحرائر ، ولهذا لم تحل إماء أهل الكتاب ، والصحيح : الأول لوجوه – وذكرها - .
والمقصود : أن الله سبحانه أباح لنا المحصنات من أهل الكتاب ، وفعله أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم ، فتزوج عثمان نصرانية ، وتزوج طلحة بن عبيد الله نصرانية ، وتزوج حذيفة يهودية .
قال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن المسلم يتزوج النصرانية أو اليهودية ، فقال : ما أحب أن يفعل ذلك ، فإن فعل فقد فعل ذلك بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
" أحكام أهل الذمة " ( 2 / 794 ، 795 ) .
ونحن وإن قلنا بالجواز ، ولا نشك بذلك للنص الواضح فيه ، إلا أننا لا نرى أن يتزوج المسلم كتابية ، وذلك لأمور :
الأول : أن من شروط التزوج من الكتابية أن تكون عفيفة ، وقلَّ أن يوجد في تلك البيئات من هن عفيفات .
والثاني : أن من شروط التزوج من الكتابية أن تكون الولاية للمسلم ، والحاصل في هذا الزمان أن من يتزوج من بلد كافر فإنه يتزوجهن وفق قوانينها ، فيطبقون عليه نصوص قوانينهم وفيها من الظلم والجور الشيء الكثير ، ولا يعترفون بولاية المسلم على زوجته وأولاده ، وإذا ما غضبت المرأة من زوجها هدمت بيته وأخذت أولادها بقوة قانون بلدها ، وبإعانة سفاراتها في كافة البلاد ، ولا يخفى الضعف والعجز في مواجهة تلك البلاد وسفاراتها في بلدان المسلمين .
والثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم رغَّبنا بذات الدين من المسلمات ، فلو كانت مسلمة توحد الله لكنها ليست ذات دين وخلق فإنه لا يرغب بزواجها ، لأن الزواج ليس هو الاستمتاع بالجماع فقط ، بل هو رعاية لحق الله وحق الزوج ، وحفظ لبيته وعرضه وماله ، وتربية لأولاده ، فكيف يأمن من يتزوج كتابية على تربية أبنائه(43/74)
وبناته على الدين والطاعة ، وهو تارك لهم بين يدي تلك الأم التي تكفر بالله تعالى وتشرك معه آلهة ؟ .
لذا وإن قلنا بجواز التزوج من كتابية إلا أنه غير محبَّذٍ ولا يُنصح به ، لما يترتب عليه من عواقب ، فعلى الإنسان المسلم العاقل أن يتخيّر لنطفته أين يضعها . وأن ينظر نظراً مستقبلياً لحال أولاده ودينهم ، وألا يعميه عن النظر الواعي شهوة جارفة ، أو مصلحة دنيوية عاجلة أو جمال ظاهري خادع ، فإنما الجمال جمال الدين والأخلاق .
وليعلم أنه إن ترك مثل هذه الزيجات ابتغاء الأفضل لدينه ودين أبنائه فإن الله تعالى يعوِّضه خيراً ، إذ أن " من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه " كما أخبر بذلك الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى عليه صلوات الله وسلامه . والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل . انظر جواب السؤال رقم : ( 2527 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل اليهود والنصارى في هذا العصر مشركون وهل يجوز الزواج منهم؟
سؤال:
ما حكم الزواج باليهودية أو النصرانية ؟ وهل نعتبر نصراني و يهودي هذا العصر كتابيا أم مشركا .
الجواب:
الحمد لله
الزواج من اليهودية أو النصرانية جائز في قول جماهير أهل العلم ، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (7/99) : ( ليس بين أهل العلم , بحمد الله , اختلاف في حل حرائر نساء أهل الكتاب . وممن روي عنه ذلك عمر , وعثمان , وطلحة , وحذيفة وسلمان , وجابر , وغيرهم .
قال ابن المنذر : ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك . وروى الخلال , بإسناده , أن حذيفة , وطلحة , والجارود بن المعلى , وأذينة العبدي , تزوجوا نساء من أهل الكتاب . وبه قال سائر أهل العلم ) اهـ .
والأصل في ذلك قوله سبحانه : ) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين َ) المائدة/5
والمراد بالمحصنة هنا : الحرة العفيفة ، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : ( وهو قول الجمهور ههنا ، وهو الأشبه ؛ لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة فيفسد حالها بالكلية ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل : حشف وسوء كيل ، والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات : العفيفات عن الزنا ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : ( مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَان ٍ) النساء/25 . انتهى .(43/75)
والنصارى واليهود كفار مشركون بنص القرآن ، لكن إباحة نسائهم مخصص لقوله سبحانه :
( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ) البقرة/221 وهذا أظهر الوجوه في الجمع بين الآيتين .
وقد وصفهم الله بالشرك في قوله : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) التوبة/31
فهم كفار مشركون ، لكن الله تعالى أحل ذبائحهم ونساءهم إذا كن محصنات ، وهذا تخصيص لعموم آية البقرة .
لكن ينبغي أن يعلم أن الأولى والأسلم ترك نكاح الكتابيات ، لاسيما في هذا الزمن ، قال ابن قدامة رحمه الله : ( إذا ثبت هذا , فالأولى أن لا يتزوج كتابية ; لأن عمر قال للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب : طلقوهن . فطلقوهن إلا حذيفة , فقال له عمر : طلقها . قال : تشهد أنها حرام ؟ قال : هي جمرة , طلقها . قال : تشهد أنها حرام ؟ قال : هي جمرة . قال : قد علمت أنها جمرة , ولكنها لي حلال . فلما كان بعدُ طلقها , فقيل له : ألا طلقتها حين أمرك عمر ؟ قال : كرهت أن يرى الناس أني ركبت أمرا لا ينبغي لي . ولأنه ربما مال إليها قلبه ففتنته , وربما كان بينهما ولد فيميل إليها ) اهـ . المغني 7/99
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : ( فإذا كانت الكتابية معروفة بالعفة والبعد عن وسائل الفواحش جاز ؛ لأن الله أباح ذلك وأحل لنا نساءهم وطعامهم .
لكن في هذا العصر يُخشى على من تزوجهن شر كثير ، وذلك لأنهن قد يدعونه إلى دينهن وقد يسبب ذلك تنصر أولاده ، فالخطر كبير ، والأحوط للمؤمن ألا يتزوجها ، ولأنها لا تؤمن في نفسها في الغالب من الوقوع في الفاحشة ، وأن تعلّق عليه أولادا من غيره ... لكن إن احتاج إلى ذلك فلا بأس حتى يعف بها فرجه ويغض بها بصره ، ويجتهد في دعوتها إلى الإسلام ، والحذر من شرها وأن تجره هي إلى الكفر أو تجر الأولاد ) اهـ .
فتاوى إسلامية 3/172
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل تقبل الزواج مع أنها لم تحض
سؤال:
لم أكمل تماما سن البلوغ ، فهل صحيح أنه يمكن للفتاة أن تتزوج قبل أن تحيض ، أم أنه أسطورة تقليدية ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
زواج الصغيرة قبل بلوغها : جائز شرعاً بل نقل فيه إجماع العلماء .(43/76)
أ . قال الله عز وجل { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } الطلاق / 4 .
وفي هذه الآية : نجد أن الله تعالى جعل للتي لم تحض – بسبب صغرها وعدم بلوغها – عدة لطلاقها وهي ثلاثة أشهر وهذا دليل واضح بيِّن على أنه يجوز للصغيرة التي لم تحض أن تتزوج .
قال الطبري رحمه الله :
تأويل الآية : { واللائي يئسن من المحيض ... فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } يقول : وكذلك عدة اللائي لم يحضن من الجواري لصغرهن إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول .
" تفسير الطبري " ( 14/142 ) .
ب . عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين ، وأُدخلت عليه وهي بنت تسع ومكثت عنده تسعاً .
رواه البخاري ( 4840 ) ومسلم ( 1422 ) .
قال ابن عبد البر :
أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة بنت ست سنين أو سبع سنين أنكحه إياها أبوها .
" الاستذكار " ( 16 / 49 - 50 ) .
ثانياً :
لا يلزم من تزوج الصغيرة جواز وطئها ، بل لا توطأ إلا إذا صارت مؤهلة لذلك ؛ ولذلك تأخر دخول النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل تجب طاعة أبي في اختيار الزوج وكيف أعدّل من أخلاقه
سؤال:
يظن والدي إن من سيتزوج ابنته يجب أن يكون من نفس جنسيتنا ، يحب والدي التحكم في جميع تصرفاتنا ، هل يمكن أن تعطيني دليلاً على أن الفتاة لها حق اختيار زوجها بغض النظر عن جنسيته ، ما دام متديناً ووضعه جيد ، يعتقد والدي بأن الفتاة ليس لها حق الاختيار وهذا الحق له هو وحده ، ولكنني أظن بأنه سيختار شخصاً لمركزه ولجنسيته ، فهل يجوز للفتاة أن تختار بنفسها إذا وجدت الشخص الكفء حتى لو كان والدها غير موافق عليه بسبب جنسيته ؟
كما أن والدي يختار من الدين ما يوافق هواه ، فهو يحب أن يري الناس ثروته وسلطته وقوة اسمه ، هل يمكن أن تعطيني أي دعاء أدعو به لتتحسن أخلاقه ويصبح شخصاً سهل المعاملة ؟ أرجو المساعدة .
الجواب:
الحمد لله(43/77)
أولاً :
اشتراط الولي شرط من شروط النكاح ، ولا يصح زواج المرأة بدون هذا الشرط ، وهذا هو الصحيح وهو قول جمهور العلماء . راجع سؤال رقم ( 2127 )
وأحق الناس بالولاية هو الأب ، لكن إن ثبتت عدم أهليته انتقلت الولاية إلى من يليه ، كالجد مثلا .
ويراجع في تفاصيل هذه المسألة وأدلتها السؤال رقم ( 7193 ) ورقم ( 31119 ) .
ثانيا :
أما الشروط والموصفات الشرعية التي ينبغي اعتبارها في الزوج ، فأهمها الدين ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) أخرجه الترمذي (1005) وصححه الألباني في صحيح الترمذي ( 1084 ) .
وراجع السؤال رقم ( 6942 ) و ( 5202 ) .
ثالثا :
أن من الشروط الشرعية رضا الزوجة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن ، قالوا : يا رسول الله ، وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت " أخرجه البخاري (4741) ، ومسلم (2543) .
فليس لأحد إجبارها على الزواج من شخص ما ، وفي الحين نفسه ليس لها أن تزوج نفسها بغير إذن وليها .
فوجود الولي شرط مهم لصحة النكاح ، وهي لا تُجبر على الزواج ممن لا ترغب في الزواج منه ، ولا تعتبر عاقةً بذلك ، قال شيخ الإسلام : " وليس للأبوين إلزام الولد بنكاح من لا يريد ، فإن امتنع لا يكون عاقاً ، كأكل ما لا يريد " الاختيارات ص 344 .
رابعا :
بالنسبة لوالدك وما هو عليه ، فننصحك بالتالي :
الأول : الدعاء له بظهر الغيب ، وليس هناك دعاء معين ، فادعي الله أن يصلحه ، وأن يفتح على قلبه .
ثانيا : الاستعانة ببعض زملاء الوالد أو الأقارب ممن يثق فيهم في محاولة إصلاحه .
ثالثاً : توفير ما تستطيعين من كتيبات وأشرطة بلغتك يكون فيها ترغيب في حسن الخلق ، وترهيب من ضده وإهداؤها له بأسلوب لطيف عسى الله أن يجعله سبباً في صلاحه .
نسأل الله أن يوفقكم لما يحبه ويرضاه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
حكم العقد على المرأة وهي حائض(43/78)
سؤال:
هل يجوز عقد النكاح إذا كانت البنت في فترة الدورة الشهرية ؟.
الجواب:
الحمد لله
الأصل في ذلك الجواز ولم يأت بالمنع منه كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس صحيح . ولا أعلم أحداً من أهل العلم حرّم ذلك أو كرهه . غير أن بعض الفقهاء يكره زفَّ المرأة لزوجها وقت الحيض لئلا يواقعها في ذلك فيبوء بالإثم .
وقد يلتبس على العامة حكم هذه المسألة بحكم الطلاق في الحيض ، وليس بينهما جامع .
فالعقد على الحائض جائز اتفاقاً وطلاق الحائض المدخول بها حرام اتفاقاً .
الشيخ / سليمان بن ناصر العلوان
ـــــــــــــــــــ
إعلان النكاح
سؤال:
ذكرت في سؤال عن الزواج " إعلان الزواج "، فما هو السبب ؟.
الجواب:
الحمد لله
إعلان النكاح واجب والسبب في ذلك :
1- أن السنة وردت بالأمر به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أعلنوا هذا النكاح ) رواه أحمد وحسنه الألباني في صحيح الجامع ( 1072 )
2- كي يتميز النكاح الشرعي الصحيح الذي جاء به الشرع عن السفاح لان الزنى هو نكاح السر ، أما النكاح الشرعي فهو النكاح المعلن والمظهر لكي يتميز هذا عن هذا ، لذا كان من الحكمة إعلان النكاح .
د . خالد بن علي المشيقح
ـــــــــــــــــــ
دفع مهر البنت من مال أخيها
سؤال:
إذا كان للوالدين ابناً وبنتاً وبعد بحث طويل وجدا زوجاً لابنتهما ولكن العريس طلب مهراً وكان الوالدان ليس لديهم المقدرة على دفع هذا المهر لذلك فهما يحاولان أن يجدا مهراً لابنهما لكي يدفعوه مهراً لابنتهما . بالتأكيد فهم لن يستعملوا مهر ولدهما إلا ليدفعا مهر ابنتهما. أرجو تسليط بعض الضوء وانصحنا لكي نواجه تلك المشكلة.
الجواب:
الحمد لله
ـ من الغريب العجيب أن في بعض البلدان يكون المهر من الزوجة أو أهلها ويدفع المهر إلى الزوج أو أهله ، وهذا خلاف الأصل حيث أن الرسول صلى الله عليه(43/79)
وسلم قد أمر الرجل المتزوج أن يلتمس مهراً ولو خاتماً من حديد فلما لم يجد جعل مهرها أن يعلمها مما يحفظه من القرآن .
والمهم أن يكون في مسمى العقد شيء من المهر على الزوج ولو قليلاً .
عن سهل بن سعد قال : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني وهبت منك نفسي فقامت طويلا فقال رجل : زوِّجْنيها إن لم تكن لك بها حاجة ، قال : هل عندك من شيء تصدقها ؟ قال : ما عندي إلا إزاري ، فقال : إن أعطيتَها إياه جلستَ لا إزار لك ، فالتمس شيئاً ، فقال : ما أجد شيئاً ، فقال : التمس ولو خاتَماً مِن حديد ، فلم يجد ، فقال : أمَعَكَ من القرآن شيء ؟ قال : نعم ، سورة كذا وسورة كذا - لِسُورٍ سمَّاها - فقال : زوَّجناكها بما معك من القرآن . رواه البخاري ( 4842 ) ومسلم ( 1425 ) .
فالحديث فيه دلالة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرض للرجل أن يتزوج إلا بمهر يدفعه للمرأة ولم يسأل المرأة شيئاً .
ثم إن من مفهوم القوامة التي أوجبها الله تعالى للرجال على النساء أن يكون الرجل هو الذي يدفع للمرأة لأنه هو معيلها وهي ضعيفة عنده .
قال الله تعالى : { الرجال قوَّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا مِن أموالهم . . . } النساء / 34 .
ثم إن المهر حق للمرأة لأن الرجل يستمتع بها والمهر هو بدل الاستمتاع .
قال الله تعالى : { . . . فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة . . .} النساء/24 .
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - :
( وقوله تعالى : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } أي : كما تستمتعون بهن فآتوهن مهورهن في مقابلة ذلك كما قال تعالى : { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض } ، وكقوله تعالى { وآتوا النساء صدُقاتهنَّ نِحلة } ، وكقوله { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً } . " تفسير ابن كثير " ( 1 / 475 ) .
عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " . رواه الترمذي ( 1102 ) وأبو داود ( 2083 ) وابن ماجه ( 1879 ) . قال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث حسن .
فمن هذا يتبين أن المهر يكون من الرجل للمرأة لا من المرأة للرجل .
قال الشيخ عبد الله بن قعود : " المهر حقٌ للزوجة ويجب أن يُسمى ولا يجب على الزوجة أو أهلها شيء إلا أن يتطوعوا " .
وبناءً عليه لا يجوز لكم أن تأخذوا من مال الولد لتدفعوه مهراً للبنت ، قال الشيخ البراك : " إذا كان لا يجوز للولد أن يأخذ المبلغ أصلاً فلا يجوز أخذه للبنت " .
وإذا اتقيتم الله فسيجعل الله لابنتكم فرجاً ومخرجا ، فعليها أن تصبر وتحتسب ، وتلح على الله بالدعاء ، والله عند حسن ظن العبد .(43/80)
وينبغي على علماء بلدكم ووجهائها وعامة الناس العمل على تغيير هذه العادة السيئة واتباع السنة ، والصواب الذي لا يجوز مخالفته ، وذلك بإقامة الحجة على الناس من القرآن والسُنَّة وأقوال العلماء .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
الزواج من ثانية مع عدم القدرة على إعالة زوجتين
سؤال:
تقدم رجل مسلم لخطبتي وهو أكبر مني بعشرين سنة ، ولا يزال مع زوجته الأولى ، ساعدني كثيراً في حياتي ودلني على بداية الطريق للإسلام ، والداي مسلمان ولكنهما لم يعلماني شيئاً عن الصلاة أو الصيام أو الزكاة .
يريد هذا الرجل أن يتزوج امرأتين ولكنه ليس بقادر على إعالتهما معاً .
سألت عن هذه المشكلة والبعض كان رأيه إيجابي والبعض لم يوافق ، أكن احتراماً لهذا الرجل ولكنني لست متأكدة من قدرتي على العيش معه .
أرجو أن تنصحني .
الجواب:
الحمد لله
ألزم الله تعالى الرجل إذا أراد أن يتزوج بأكثر من واحدة بأشياء قبل إقدامه على الزواج الثاني ، ومنها القدرة على العدل في النفقة والمبيت والسكن ، فإن علِم من نفسه عدم القدرة أو غلب على ظنه ذلك : فلا يحل له أن يتزوج أكثر من واحدة .
قال الله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا } النساء / 3 . قال مجاهد : لا تتعمدوا الإساءة ، بل الزموا التسوية في القسم والنفقة ، لأن هذا مما يستطاع .
" تفسير القرطبي" ( 5 / 407 ) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : وأما العدل في النفقة والكسوة فهو السنَّة أيضاً اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يعدل بين أزواجه في النفقة كما كان يعدل في القسمة ...
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 269 ) .
وقال ابن القيم رحمه الله : وكان يقسم صلى الله عليه وسلم بينهن في المبيت والإيواء والنفقة ... . ولا تجب التسوية في ذلك - أي الحب والجماع - لأنه مما لا يملك .
" زاد المعاد " ( 1 / 151 ) .
قال الحافظ ابن حجر : فإذا وفّى لكلِّ واحدةٍ منهنَّ كسوتها ونفقتها والإيواء إليها : لم يضرَّه ما زاد على ذلك من ميل قلب أو تبرع بتحفة ( أي هدية ) ...
" الفتح " ( 9 / 391 ) .(43/81)
فهذا هو الذي أوجب الله تعالى على من أراد أن يتزوج أكثر من واحدة ، فإن كان الرجل قادراً على ذلك فلا حرج من قبول الزواج به ، وإلا فلا ننصح بذلك ، بل لا يجوز له – أصلاً – أن يُقدِم هو على الزواج .
وأما قولك : ( أنه غير قادر على إعالة زوجتين ) فإن كان الرجل صاحب دين وخلق وترين من نفسك الصبر على ضيق العيش وتحمل ذلك فلا حرج عليك من قبول الزواج به ، وقد وعد الله تعالى الرجل الفقير الذي يريد الزواج بالغنى فقال تعالى : ( إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) النور / 32 ، حتى كان بعض السلف يتزوج طلباً للرزق عملاً بهذه الآية الكريمة ، وإذا كنت ترين من نفسك عدم الصبر على ضيق العيش فلا حرج عليك من رفض الزواج به ، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة بنت قيس لما خطبها معاوية رضي الله عنه بألا تتزوجه فقال : ( إنه صعلوك لا مال له ) رواه مسلم ( 1480 ) .
ونرجو أن لا تكون بينكما علاقة غير مشروعة سواء الآن أو بعد رفضكِ الزواج منه ، ولو كان له فضل عليكِ في الدلالة على الخير والعلم فإن هذا ليس مسوِّغاً للقاء والمراسلة والمحادثة الخاصة وما يشبه ذلك .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
تزوج امرأة بدون ولي
سؤال:
أعيش في بلد أجنبي وتزوجت فتاة نصرانية أجنبية عن هذا البلد أيضاً وليس لنا أي أقارب فتقدمت لها فقبلتني ثم تلونا صيغة الإيجاب والقبول ونسيت المهر ثم دفعت لها مبلغاً وليس لها وصي فهي بالغة ومستقلة ولم يكن هناك شهود
هل هذا زواج صحيح . فقد تزوجنا بغض النظر عن تقاليد المجتمع فقد كان هدفنا الله ورضاه . ولخشية أن لا يكون زواجنا صحيحاً فقد طلق بعضنا بعضاً فهل هذا صحيح . هل يجب أن أجري عقد الزواج مرة ثانية أمام شهود وأي ولي لها ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً : لا يحل لرجل أن يتزوج امرأة من غير إذن وليها بكراً كانت أم ثيباً وذلك قول جمهور العلماء منهم الشافعي ومالك وأحمد مستدلين بأدلة منها :
قوله تعالى : { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } .
وقوله تعالى : { ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } .
وقوله تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم } .
ووجه الدلالة من الآيات واضح في اشتراط الولي في النكاح حيث خاطبه الله تعالى بعقد نكاح موليته ، ولو كان الأمر لها دونه لما احتيج لخطابه .
ومن فقه الإمام البخاري رحمه الله أنه بوَّب على هذه الآيات قوله : " باب من قال " لا نكاح إلا بولي " .
وعن أبي موسى قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا نكاح إلا بولي " .(43/82)
رواه الترمذي ( 1101 ) وأبو داود ( 2085 ) وابن ماجه ( 1881 ) .
والحديث : صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الترمذي " ( 1 / 318 ) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له .
رواه الترمذي ( 1102 ) وأبو داود ( 2083 ) وابن ماجه ( 1879 ) .
وصححه الألباني في إرواء الغليل ( 1840 ) .
(اشتجروا ) : أي تنازعوا
ثانياً : فإن منعها وليها من الزواج ممن تريد بغير عذر شرعي انتقلت الولاية إلى الذي يليه فتنتقل من الأب إلى الجد مثلاً .
ثالثاً : فإن منعها الأولياء كلهم بغير عذر شرعي فإن السلطان يكون وليها للحديث السابق ( ... فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) .
رابعاً : فإن عدم الولي والسلطان زوجها رجل له سلطان في مكانها ، ككبير القرية ، أو حاكم الولاية ما أشبه ذلك ، فإن لم يوجد فإنها توكل رجلاً مسلماً أميناً يزوجها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وإذا تعذر من له ولاية النكاح انتقلت الولاية إلى أصلح من يوجد ممن له نوع ولاية في غير النكاح كرئيس القرية وأمير القافلة ونحوه . الإختيارات ( ص : 350 ) .
وقال ابن قدامة : فإن لم يوجد للمرأة ولي ولا سلطان فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها . المغني ( 9 / 362 ) .
وقال الشيخ عمر الأشقر:
إذا زال سلطان المسلمين أو كانت المرأة في موضع ليس فيه للمسلمين سلطان ولا ولي لها مطلقا كالمسلمين في أمريكا وغيرها فإن كان يوجد في تلك البلاد مؤسسات إسلامية تقوم على رعاية شؤون المسلمين فإنها تقوم بتزويجها ، وكذلك إن وجد للمسلمين أمير مطاع أو مسؤول يرعى شؤونهم . " الواضح في شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني " ( ص 70 ) .
ويجب أن يشهد على عقد النكاح رجلان مسلمان بالغان عاقلان . انظر سؤال رقم ( 2127 )
ولذا فإن زواجكما الأول باطل فعليك أن تعيد العقد ولابد من وجود ولي للمرأة كما سبق وشاهدين .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
كافر تزوج مسلمة ثم أسلم
سؤال:(43/83)
هندوسي تزوج مسلمة أرملة وبعد عدة سنين أسلم الرجل نظراً لحسن تعامل زوجته فهل يجب أن يعيدا الزواج أم أن زواجهما الأول لازال قائماً ؟
المسلمون في الهند يقرءون الصلوات النارية 4444 مرة لكي يحصلوا على الأجر ويتجنبوا الفواجع ، مع أننا شرحنا لهم بأنه يكفي الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما قال هو وأن لا نتلو الصلوات النارية فإنهم لا زالوا يتلونها وقالوا بأنه لا بأس بها .
هل يجوز قراءتها وأرجو التوضيح إذا كان هناك أي شرك مقرون بمعنى الصلوات النارية ؟.
الجواب:
الحمد لله
1. زواج المسلمة من الكافر أياً كان ديانته باطل شرعاً ولقاؤهما سفاح ، ويجب التفريق بينهما لقول الله عز وجل : ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ) . البقرة / 221 .
وقال تعالى في بيان عدم حل نساء المسلمين للكفار ( لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ) الممتحنة / 10
قال القرطبي رحمه الله تعالى في كتابه الجامع لأحكام القرآن ( 3/72 ) : وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام . أ.هـ
وإذا أسلم الرجل – كما في السؤال – فإنه يجب أن يعقد على المرأة عقداً جديداً ، لأن العقد الأول باطل ولا عبرة به شرعاً .
وقال الشيخ عطية محمد سالم في إكماله لأضواء البيان (8/164-165):
لماذا حلت الكافرة من أهل الكتاب للمسلم ، ولم تحل المسلمة للكافر من أهل الكتاب ؟
والجواب من جانبين :
الأول : أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه والقوامة في الزواج للزوج قطعا لجانب الرجولة ، فقد يؤثر الرجل على امرأته فلا تستطيع القيام بدينها كما يجب ، وقد تترك دينها بالكلية . وكذلك الأولاد سيكونون تابعين لأبيهم في الدين .
والجانب الثاني : شمول الإسلام وقصور غيره ، وينبني عليه أمر اجتماعي له مساس بكيان الأسرة وحسن العشرة ، وذلك أن المسلم إذا تزوج كتابية ، فهو يؤمن بكتابها ورسولها ، فسيكون معها على مبدأ من يحترم دينها لإيمانه به في الجملة ، فسيكون هناك مجال للتفاهم ، وقد يحصل التوصل إلى إسلامها بموجب كتابها ، أما الكتابي إذا تزوج مسلمة ، فهو لا يؤمن بدينها ، فلا تجد منه احتراما لمبدئها ودينها ، ولا مجال للمفاهمة معه في أمر لا يؤمن به كلية ، وبالتالي فلا مجال للتفاهم ولا للوئام ، وإذاً فلا جدوى من هذا الزواج بالكلية ، فمنع منه ابتداءً . اهـ بتصرف .
وعليه فيجب إنشاء عقد جديد والله تعالى أعلم .
وبالنسبة للسؤال عن الصلاة النارية فيراجع السؤال رقم ( 7505 ) .(43/84)
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
عن التمثيل ، وحكم تزويج البنات الصغيرات
سؤال:
1- ما هو حكم الإسلام في التمثيل في الأفلام ؟ إذا كان ذلك جائزا فأي نوع من الأفلام ؟ وما هو دور النساء في الأفلام ؟
2- لماذا يسمح الإسلام بتزويج الأطفال من الفتيات بأعمار أقل من عشر سنين بدون إذنهن .
( يقال إنه بالنسبة للأطفال يتطلب اهتمام أهلهم فقط ، أنا أعلم أنه يتطلب الإذن بالنسبة للبالغين) في الحقيقة الزواج يجب أن يكون بين الأشخاص الذين لديهم بعض النضج ، ولكن بين الأطفال لا يحصل ذلك ، هل يمكنكم إيضاح حكم الشرع في زواج الأطفال ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
سبق الجواب عن التمثيل وما يتعلق به في السؤال رقم ( 10836 ) ، فيرجى مراجعته ، ونضيف إليه :
قال الشيخ بكر أبو زيد - حفظه الله - : المروءةُ مِنْ مقاصدِ الشرعِ ، وخوارمها من مسقطات الشهادة قضاءً ، والشرع يأمر بمعالي الأخلاق ، وينهى عن سفاسفها ، فكم رأى الراؤون الممثل يفعل بنفسه الأفاعيل في أيِّ عضوٍ مِن أعضائه ، وفي حركاته وصوته واختلاج أعضائه ، بل يمثل دور مجنونٍ أو معتوهٍ أو أبلهٍ... وعليه : فلا يمتري عاقل أنَّ التمثيل مِن أولى خوارم المروءة ، ولذا فهو مِن مسقطات الشهادة قضاءً ، وما كان كذلك : فإنَّ الشرع لا يُقرُّه في جملته... .
انظر : " المروءة وخوارمها " (ص221 ) لمشهور حسن .
ثانياً :
زواج الصغيرة قبل بلوغها : جائز شرعاً بل نقل فيه إجماع العلماء .
أ . قال الله عز وجل : ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ) الطلاق / 4 .
وفي هذه الآية : نجد أن الله تعالى جعل للتي لم تحض – بسبب صغرها وعدم بلوغها – عدة لطلاقها وهي ثلاثة أشهر وهذا دليل واضح بيِّن أن الله تعالى جعله زواجاً معتدّاً به .
ب . عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين ، وأُدخلت عليه وهي بنت تسع ومكثت عنده تسعاً .
رواه البخاري ( 4840 ) ومسلم ( 1422 ) .
“ تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين “ رواه البخاري ومسلم وعنده "سبع سنين" .(43/85)
ولا يلزم من تزوج الصغيرة جواز وطئها ، بل لا توطأ إلا إن صارت مؤهلة لذلك ؛ ولذلك تأخر دخول النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها .
قال النووي :
وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها : فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة : عُمل به ، وإن اختلفا : فقال أحمد وأبو عبيد : تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها ، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : حدُّ ذلك أن تطيق الجماع ، ويختلف ذلك باختلافهن ، ولا يضبط بسنٍّ ، وهذا هو الصحيح ، وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعا ، قال الداودي : وكانت عائشة قد شبَّت شباباً حسناً رضى الله عنها .
" شرح مسلم " ( 9 / 206 ) .
والمستحب أن لا يزوج الوليُّ ابنته وهي صغيرة إلا إذا كانت هناك مصلحة من ذلك .
قال النووي :
واعلم أن الشافعي وأصحابه قالوا : يستحب أن لا يزوِّج الأب والجد البكر حتى تبلغ ويستأذنها لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة ، وهذا الذي قالوه لا يخالف حديث عائشة ؛ لأن مرادهم أنه لا يزوجها قبل البلوغ إذا لم تكن مصلحة ظاهرة يخاف فوتها بالتأخير كحديث عائشة ، فيستحب تحصيل ذلك الزوج لأن الأب مأمور بمصلحة ولده فلا يفوتها ، والله أعلم .
" شرح مسلم " ( 9 / 206 ) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
زواج حديث الإسلام ، وهل يشترط أن تكون من نفس العرق الذي ينتمي إليه
سؤال:
أحتاج نصحك ، لقد أسلمت قبل 5 سنوات ، وأنا مؤمن بالله ، أصلي الخمس وأصوم رمضان . وأنا أبحث عن الزواج ، لكني عندما قابلت المسلمة التي رغبت فيها ، وجدت أنه لأن أهلها ليسوا من نفس العرق ، فإنهم لن يقبلوا بي زوجاً لابنتهم .
المذكورة متمسكة بالإسلام وهي ترجع لأصل هندي / آسيوي / باكستاني / بنغالي ، ومن المعروف أن هؤلاء لا يسمحون لأبنائهم (وبناتهم على وجه الخصوص) بالزواج من أناس لا ينتمون لنفس ثقافتهم ، حتى وإن كان المتقدم مسلما مستقيما .
المهم أني لن أتمكن من الزواج بها (من أجل أني مستقيم على الإسلام فحسب) . وبما أن أغلب المسلمين المستقيمين في هذا البلد هم من شبه القارة الهندية ، فسأسأل عن التالي :
1- كيف يمكن لمسلم حديث عهد بالإسلام نسبيا مثلي أن يتزوج ؟
2- هل يقتصر زواج المرء الذي دخل في الإسلام من امرأة دخلت هي أيضا في الإسلام وحسب ؟ وهل هناك أي أساس لمثل هذه التفرقة بين الثقافات في الإسلام ؟.
الجواب:(43/86)
الحمد لله
أولاً :
فبالنسبة للسؤال الأول ، والثاني فإنك بمجرد دخولك في الإسلام قد أصبحت فرداً من المسلمين لك ما لهم وعليك ما عليهم ، وعليه فإنه يجب عليك أن تسعى في تحصين فرجك بالزواج من امرأة مستقيمة صالحة عملا بقوله صلى الله عليه وسلم " فاظفر بذات الدين تربت يداك " رواه البخاري (5090) ومسلم (1466) ، سواء كانت هذه المرأة حديثة الإسلام أو لم تكن ، المهم أن تكون صالحة كما ذكرت لك .
ثم إذا تقدمت لخطبة امرأة مستقيمة ، ولم توافق هي أو لم يوافق أهلها ، فعليك بالصبر ومواصلة البحث مع مداومة الدعاء بأن ييسر الله لك المرأة الصالحة التي تعينك على طاعة ربك .
ثانياً :
وأما بالنسبة للتفرقة التي أشرت إليها فإن الله تعالى يقول : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الحجرات / 13 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى ، أبلغت ؟ قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه أحمد ( 5 / 411 ) وصححه الألباني في " غاية المرام " ( 313 ) ونقل تصحيح إسناده أيضاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية في " الاقتضاء " ( 69 ) .
وفي الحديث الآخر عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : " لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ ..أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَاب " أخرجه الترمذي ( 3890 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح سنن الترمذي " برقم ( 3100 ) ، وفي " غاية المرام " ( 312 ) ونقل تصحيح الترمذي وشيخ الإسلام له .
" والجُعَل " : بِضَمِّ جِيمٍ وَفَتْحِ عَيْنٍ وَهُوَ دُوَيْبَةٌ سَوْدَاءُ تُدِيرُ الْغَائِطَ يُقَالُ لَهَا الْخُنْفُسَاءُ .
ومعنى " يُدَهْدِهُ " : أَيْ يُدَحْرِجُهُ " بِأَنْفِهِ ، وَالْخِرَاءُ بِكَسْرِ الْخَاءِ مَمْدُودًا وَهُوَ الْعُذْرَةُ .
وعُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ " بِضَمِّ الْعَيْنِ ِ وَكَسْرِ الْباءِ الْمُشَدَّدَةِ وَفَتْحِ الياءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ نَخْوَتَهَا وَكِبْرَهَا .
وبهذا يتضح لك بجلاء أن الإسلام لا يفرق بين أي مسلم وأخيه بأي مقياس أرضي من لون أو حسب أو مال أو بلد ، بل المقياس الوحيد الذي يتفاضل به الناس عند الله هو التقوى ، بل إن الشرع أمر ولي المرأة أنه إذا وجد الشخص المرضي في الدين والخلق المأمون على المرأة أن يبادر إلى تزويجه وحذر من رده وعدم قبوله كما قال عليه الصلاة والسلام : "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَاد .ٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَالَ إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ(43/87)
تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ " رواه الترمذي ، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي ( 866 ) .
وللاستزادة يراجع سؤال (13993) .
نسأل الله أن ييسر لك الزواج بالمرأة التي تعيينك على طاعة ربك .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل يتزوج نصرانية ويرغمها على الإسلام
سؤال:
أنا معجب بفتاة وسنتزوج في المستقبل ... وأبواي موافقان تماماً على قراري ، وأيضا أبواها ، وكل شئ على ما يرام ... المشكلة التي تواجهني هي أنها مسيحية ، وأثناء مناقشتنا معا سألتها أن تعتنق الإسلام وأعطيتها الكثير من المعلومات عن الإسلام حتى تفهم كل شيء ، ولكن يبدو أنها لا تريد أن تعتنق الإسلام فكما قالت "أنا مسيحية قويَّة جدّاً جدّاً ولا أستطيع أن أقبل أي دين آخر غير المسيحية ولا يمكن أن أصير مسلمة " ، وهي لا تأكل الخنزير ولا تشرب الخمر ، فهي امرأة طاهرة في مشاعرها الحقيقية ولها قلب نقى ، وفي الحقيقة هي لا تعترض على ديني وتوافق أن تتقبلني كما أنا وتريدني أن أتقبلها بدينها والأطفال سيكونون مسلمين ، هذا ما قررناه حتى الآن .
بعض أصدقائي نصحوني أن أرغمها على دخول الإسلام أي : أهددها " لن أتزوجك إن لم تعتنقي الإسلام " هذا ما نصحني به أصدقائي ولكن على قدر علمي هذا لن يكون عدلا لها على الإطلاق ، أرجوك أخبرني هل يجب أن أجبرها على الإسلام ؟ أعتقد أنه لتكون مسلمة يجب أن يكون لديها الإحساس بأن الله واحد ويجب أن يكون لديها مشاعر حقيقية وليست مزيفة ، وأنا لا أريد أن أرغمها لأني أخاف أنها إذا أصبحت مسلمة لتريني وتتزوجني فقط فإن هذه ستكون خطيئة على ... أريدها أن تصبح مسلمة بمشاعرها الحقيقية وإحساس حقيقي بوحدانية الله وأنا أبذل قصارى جهدي لأمدها بمعلومات عن الإسلام وأريها الطريق الصحيح ... أرجوك أخبرني هل يجب أن أرغمها ؟ وإذا رفضت أن تعتنق الإسلام هل من الممكن أن أتزوجها ؟ هل من الممكن أن نتزوج و نعيش كزوج وزوجة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
أباح الله تعالى الزواج من اليهودية والنصرانية ، بشرط أن تكون محصنة – أي : عفيفة عن الزنا - ، وأن تكون الولاية للمسلم عليها .
قال تعالى : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ } المائدة / 5 .(43/88)
والمراد بالإحصان العفة من الزنا .
قال ابن كثير :
وهو قول الجمهور ها هنا ، وهو الأشبه ، لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة ، فيفسد حالها بالكلية ، ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل : " حشفا وسوء كيلة " والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنا .ا.هـ.
" تفسير ابن كثير " ( 3 / 55 ) .
وأما شرط الولاية فيدل عليه قوله تعالى : { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } النساء / 141 .
ومع هذا فإننا لا ننصحك – أخي الفاضل – بالتزوج من غير مسلمة ، بل لا ننصحك بالتزوج من أي مسلمة ، فليست الحياة الزوجية قائمة – فقط – على الجمال والإعجاب ، بل لا بدَّ للمسلم العاقل أن ينظر بعين بصيرته إلى ما هو أبعد من ذلك ، فهو محتاج إلى حفظ بيته في غيابه ، وهو محتاج إلى تربية أولاده ، وهو لن يجد هذا ولا غيره مما ينشده كل زوج عاقل إلا في ذات الدين من المسلمات ، وهي وصيَّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تُنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك .
رواه البخاري ( 4802 ) ومسلم ( 1466 ) .
قال النووي :
الصحيح في معنى هذا الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع وآخرها عندهم ذات الدين ، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين ، لا أنه أمر بذلك .
وفي هذا الحديث : الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وبركتهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم .
" شرح مسلم " ( 10 / 52 ) .
وفي الزواج من الكتابيات مفاسد كثيرة ومنها :
1. مجاملته – على حساب دينه – لزوجته هذه ، خاصة وأنها " ملتزمة جدّاً " بدينها ، وهذا سيترتب عليه تعليقها للصليب وذهابها للكنيسة ، ولا يؤمن الأولاد عندها والحالة هذه .
2. وهي لن تحافظ على اغتسالها من الحيض ولن تمانع من إتيانه لها في حيضها ، وهو ما سيسبب له حرجاً شرعيّاً وأذىً جسديّاً .
3. وقوعه في الإحراج نتيجة لتساهلها في لباسها واختلاطها بالرجال ومخاطبتهم .
4. وقوف دول وحكومات هؤلاء الكتابيات معهن في ضم الأولاد إليهن عند الاختلاف ووقوع الطلاق ، وهو ما يسبب ضياعاً لأولاده ووقوعهم في الكفر ، والقضايا في هذا أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تُعد .
وقال بعض الشعراء :
زواجُ النَّصَارى قبحُهُ متزايدٌ *** يؤدِي إلى كُفرِ البنينَ مؤكَّدا(43/89)
ومَنْ يرضَ كُفرَ ابنٍ له فهو كَافرٌ *** وإنْ زعَمَ الإسْلامَ قَولاً مفنَّدا
وقد يكفر الزوج اتباعاً لزوجهِ *** فيدخلَ في نارِ الجَحيمِ مخلَّدا
عليكَ بذاتِ الدين إن كنتَ راغباً *** زواجاً صحيحاً تبدُ فيه مسدَّدا
وذَرْ عنكَ أهلَ الكفر واحذرْ زواجهمُ *** فشَرهموا يبدوا كثيراً مُندَّدا
وأولادُ هذا العقدِ ليسوا لرشدةٍ *** فيكثرُ جيلُ الخبثِ فَرعَاً ومَحتَدا
ثانياً :
لا يجوز لك أن ترغم زوجتك النصرانية – إذا تزوجتها – على الإسلام ، قال الله تعالى : { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } البقرة / 256 .
قال ابن كثير :
يقول تعالى : { لا إكراه في الدين } أي : لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام فإنه بيِّن واضح جليٌّ دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يُكره أحدٌ على الدخول فيه ، بل مَن هداه الله للإسلام وشرح صدره ونوَّر بصيرته دخل فيه على بيِّنة ، ومَن أعمى الله قلبَه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسوراً ، وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية في قوم من الأنصار وإن كان حكمها عامّاً .
" تفسير ابن كثير " ( 1 / 311 ) .
ونوصيك – مرة أخرى – بتركها ودعاء الله سبحانه وتعالى أن يصرف قلبك إلى ما هو أصلح لدينك ، وما دام هذا الترك لله فقوِّ يقينك بأن الله سيبدلك خيراً منها ، إذ من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
تزوجت بغير رضا والدها
سؤال:
تزوجت أختي رجلا كان مسلمًا نعم ، لكنها تزوجته دون موافقة أبي . وقد رفض أبي ـ المتدين ـ هذا الرجل لسوء أخلاقه ، مما دفع أختي إلى الهروب والزواج بدون ولي . وسؤالي : هل هذا الزواج صحيح ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لقد أحسن والدُك بعدم موافقته على الزواج من ذلك الرجل سيئ الأخلاق ، وقد جعله الله تعالى مستأمناً على بناته ومن يعول ، ويجب عليه أن يحسن اختيار الزوج المناسب من الناحية الشرعيَّة .
ولقد أساءت أختك عدة إساءات ، منها : سوء اختيارها لهذا الرجل سيئ الأخلاق ، ومنها : الهروب من بيت والدها ، ومنها – وهو أعظمها - : الزواج بغير ولي .
وواحد من إساءاتها تلك يكفيها لأن تعلَم مدى ما صنعت وارتكبت في حق ربها ونفسها وأهلها ، فكيف بها مجتمعة ؟ .(43/90)
أما الزواج : فهو باطل غير صحيح ، وموافقة الولي ركن في الزواج الصحيح ، وهو ما دلَّت عليه نصوص القرآن والسنَّة :
1- قال تعالى { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } البقرة / 232 .
2- وقال تعالى { ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } البقرة / 221 .
3- وقال تعالى { وأنكحوا الأيامى منكم } النور / 32 .
ووجه الدلالة من الآيات واضح في اشتراط الولي في النكاح حيث خاطبه الله تعالى بعقد نكاح موليته ، ولو كان الأمر لها دونه لما احتيج لخطابه وخاصة في الآية الأولى كما سيأتي .
ومن فقه الإمام البخاري رحمه الله أنه بوَّب على هذه الآيات قوله " باب من قال " لا نكاح إلا بولي " .
وأما من السنَّة :
1- عن أبي موسى قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا نكاح إلا بولي " .
رواه الترمذي ( 1101 ) وأبو داود ( 2085 ) وابن ماجه ( 1881 ) . وصححه الألباني رحمه الله في " صحيح الترمذي " ( 1 / 318 ) .
2- عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها المهر لما استحل من فرجها ، فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له .
رواه الترمذي ( 1102 ) وأبو داود ( 2083 ) وابن ماجه ( 1879 ) . والحديث : حسَّنه الترمذي وصححه ابن حبان ( 9 / 384 ) والحاكم ( 2 / 183 ) .
فعلى أختك التوبة والاستغفار ، والرجوع إلى والدها وطلب المسامحة منه ، ولتعلم أن نكاحها باطل وعقدها مفسوخ وعلى هذا فلا يجوز لها البقاء مع هذا الرجل لكونه ليس زوجاً شرعياً لها . فإما أن يتم تجديد العقد بوجود وليها إن رضي باستمرارها مع هذا الرجل بعد مقارنته بين مفسدة سوء خلقه ومفسدة مفارقتها له . وإن لم يرض باستمرارها فإن عقدها ينفسخ تلقائياً ، ويُلزم هذا الرجل بتطليقها دفعاً لما قد يبقى من شبهة بقاء العقد الباطل .
ويجب عليها أن ترضى بمن يختاره لها والدها والذي عليه أن يبحث عن سعادة ابنته مع من يخاف الله من أهل الدين والخلق الحسن .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
يجب إعادة العقد الفاسد ولو مضى عليه عشر سنين
سؤال:
نعلم أن زواج المرأة بدون موافقة وليها لا يتم ، وذلك حسب الشريعة الإسلامية . هناك الكثير من الحالات حيث يتفق الاثنان وتهرب الفتاة معه ويتزوجان .
سؤالي هو : إذا كان الزواج غير صحيح فكيف لهؤلاء الناس أن يجعلوه صحيحاً ، فلنقل بعد 5 أو 10 سنوات من الزواج ولديهما أطفال ؟(43/91)
سؤالي الآخر : إذا هرب الاثنان وتزوجا وبعد مدة من الزمن ولنقل سنتين أو أربع قرر الوالدين الموافقة على الزواج ، فهل يصبح الزواج صحيحاً ؟ كيف يجعل الشخص هذا الزواج صحيحاً ؟.
الجواب:
الحمد لله
المرأة التي تزوجت بدون موافقة وليها نكاحها باطل ولا يصح ولو مضى عليه عشر سنوات ، ولو كان لديهما أطفال ، ويجب إعادة العقد بعد موافقة الولي ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بوليّ وشاهدين ) رواه أحمد وأهل السنن إلا النسائي انظر صحيح الجامع 7558
وقد جاء الوعيد الشديد في حق من تزوج نفسها ، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا . " رواه ابن ماجة (1782) وهو في صحيح الجامع (7298)
وبالنسبة للسؤال الثاني : وهو فيما لو وافق الولي ، فالواجب إعادة العقد لأن العقد الأول غير صحيح .
وعلى الزوجين التوبة العظيمة إلى الله مما فعلا والله غفور رحيم.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
أحبته وأحسن إلى يتمتها وأهلهما يرفضان زواجهما
سؤال:
ارتبطت أنا وإنسان فاضل جداً بقصة حب شديدة ولكن أهله يرفضوني بشدة ، السبب الأول في الرفض أني كنت متزوجة قبل ذلك وعندي طفلة ، والسبب الآخر هو أني قد خدعتهم بكذبة كبيرة قبل ذلك ولكني ـ والله العظيم ـ أكفر عن هذه الكذبة الآن ، وأدعو الله أن يسامحني وأن يسامحوني ، وأنا الآن والحمد لله أصبحت أكثر التزاماً بالدين وارتديت النقاب وأحفظ كتاب الله ـ والحمد لله ـ
والسؤال الآن : هل يصح زواجنا بدون موافقة أهله ؟ وهل زواجه بي يعتبر عقوقاً لهم ؟ رغم أننا متحابَّين جدا ، واعترف والحمد لله أن هذا الشخص غيَّر أشياء كثيرة بي وجعلني أكثر تديُّناً
وهل يجوز لي الزواج بدون ولي لأن والدي أيضا يصر علي موافقة أهله ، أو يرفض أي شئ طالما أن أهله رافضين ، مع العلم أن أبي يتركني ولا يسأل عنيَّ إلا نادراً ، وهذا الرجل ـ جزاه الله كل خيرـ هو الذي يرعاني أنا وابنتي ، ويعطي لنا كل الحب والأمان ، ويعطي ابنتي اليتيمة مكانة الأب المتوفى ، يعمل معها ما لم يعمله معها أهلها من حب ورعاية ، سيدي الفاضل أنا وابنتي في حاجة شديدة لحبه ورعايته لنا . أرجو من سيادتكم الإفادة ولكم جزيل الشكر .
الجواب:
الحمد لله(43/92)
سؤالك ـ رعاك الله ـ يتضمن عدة أمور ، بعضها توجه إليه السؤال ، وبعضها يحتاج إلى التنبيه عليه :
فمما ورد السؤال عنه : سؤالك عن موافقة والدك : فلا بدَّ أن تعلمي أن الشرع قد اشترط الولي لصحة العقد لأدلة كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم " لا نكاح إلا بولي " . رواه الترمذي ( 1101) وأبو داود ( 2085 ) وابن ماجه ( 1881 ) وهو صحيح كما في " إرواء الغليل " للألباني رحمه الله ( 6 / 235 ) .
ولله تعالى الحكمة البالغة فيما شرعه من اشتراط الولي ، منها أن الأصل في الرجال أنهم أكمل عقلاً وأدرى بالمصالح وأشد إطلاَّعاً على أحوال الرجال ومعرفة ما يناسب المرأة وأقدر على اتخاذ القرار ، لاسيما وأن المرأة قد تغلبها عاطفتها وتغطي عليها ، ولو فُرض وجود عائق في الولي لا يجعله أهلاً لتولي شئون موليته أو كان حابساً لها عن الزواج بالأكفاء وليس له عذر شرعي انتقلت الولاية إلى الذي يليه فتنتقل من الأب إلى الجد مثلاً . ( وراجعي في تفاصيل هذه المسألة السؤال رقم 7193 في الموقع ) .
أما موافقة أهله : فإنها ليست شرطاً لصحة الزواج لأن الرجل هو ولي نفسه فزواجه لا يحتاج إلى موافقة أهله ، وليس لهم أن يمنعوه من الزواج بغير سبب شرعي ، أما مراعاته لرضاهم لا سيما الوالدين فهو أمر مستحسن ، ويمكن الوصول إليه من خلال الإحسان إلى الوالدين ، وإظهار ما يمكن أن يجعلهم يوافقون على اختياره ، ويستعين على هذا بالدعاء والمناقشة بالحسنى وسلوك سبيل الإقناع الهادئ ويسعدنا أيتها السائلة أن نهنئكِ على ما منَّ الله به عليكِ من التوفيق إلى التقيُّد بالحجاب الشرعي ، وما يسّره لكِ من حفظ كتابه الكريم ، ونسأله أن يجعلنا وإيَّاك من العاملين به .
ونودُّ أن ننبهك أيتها الأخت الكريمة إلى بعض ما ذكرتيه في السؤال من قولك " بقصة حب شديدة " ، " إننا متحابين جدا " , " يعطي لنا كل الحب " و " أنا وابنتي بحاجة شديدة لحبه " ، فينبغي عليك أن تعلمي أن على المسلم والمسلمة أن يصون نفسه عن أسباب تعلُّق القلب بمن ليس زوجاً له ، ومع التسليم بأن من المحبة ما لا يد للإنسان فيها ، إلا أن هناك الكثير من الأمور التي يقوم بها المرء مما يحصل بها زيادة التعلُّق ، وهذه هي التي يتوجه إليها النهي ، ومن أمثلة ذلك الحديث بين الرجل والمرأة الذي يترتب عليه تحرك لهذه العواطف والغرائز ، وكالزيارات المتكررة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والدخول على النساء ) رواه البخاري ( 4934 ) ومسلم ( 2172 ) . فإن هذه الأمور تحرم سداً للباب ودفعاً لما قد ينشأ عنها ، ومن حكمة هذا ألاَّ يتعلق القلب بمن قد لا يتيسر له الزواج منه فيحصل في هذا الأمر من التعذُّب للطرفين ما يُعلم مثله من أحوال من المحبين في القديم والحديث ، ويسبِّب هذا الأمر إشغالاً للقلب عن ما يجب عليه من محبة الله تعالى وطاعته . وقد أفاض في الكلام عن أضرار هذا التعلُّق ابن القيم في بعض كتبه ككتاب " الداء والدواء" و " إغاثة اللهفان " فيحسن أن ترجعي إليهما ، ويمكنك الرجوع إلى السؤال رقم 9465 .(43/93)
والذي نوصيك به مادام الله تعالى قد وفقك للحجاب أن تُكمِّلي حجاب الثوب بحجاب القلب بأن تنظري بكل تجرُّد إلى العلاقة الحالية معه ، وأن تبتعدي عن كل ما يُثير عندك التعلُّق به ، من مثل التحدث معه أو زيارته لكم ، أو نحو ذلك مما يكون محرماً أو مشتبهاً فيه ، وأن يحرص هو ـ وهو على ما ذكرت ِمن التدُّين ـ أن يكون أشدَّ بعداً عن هذه الأمور ؛ خشية دخول الشيطان بينكما .
أما إحسانه إلى ابنتك فنسأل الله أن يأجره عليه ، ولكن يجب ألاَّ يلزم من ذلك محظور كدخوله عليكِ وليس معكِ غير ابنتك ؛ لأن وجودها معك لا يزيل الخلوة المحرَّمة التي حذَّر منها النبي صلّى الله عليه وسلَّم بقوله ( لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ) . رواه أحمد والترمذي في سننه 2091 وهو في صحيح الجامع 2546. ويمكنك الرجوع إلى السؤال 2986 .
أما ما ترجينه من خير في زواجك به ، ورجاؤك أن يتم ذلك فإننا نوصيك بأمور :
1. الإكثار من صلاة الاستخارة حتى يختار لك مولاك سبحانه وتعالى الأصلح لك في أمر الدنيا والآخرة . ويمكنك مراجعة كيفيتها في السؤال رقم 2217 .
2. الابتعاد عمّا تمت الإشارة إليه من أسباب التعلُّق ، إذ إن من أهم ما يتوصل به العبد للمطلوب الذي يريده امتثاله لشرع الله وتقيُّده به .
3. السعي لتخفيف حَدِّة ما ورد ذكره في السؤال من هذه المحبة من خلال إدراك خطرها ، وربط القلب بالله تعالى والتدبُّر في كلامه سبحانه الذي زيًّن الله قلبك بحفظه .
4. التقرُّب من والدك والإحسان إليه والحرص على برِّه ، لعلّ ذلك أن يلِّين قلبه وأن يجعله يحرص على ما يكون فيه سعادتك واستقرارك .
5. الاعتذار إلى أهل الزوج ومعاملتهم بما يدلُّ على ندمك عمَّا بدر منكِ تجاههم لعل الله أن ييسر قبولهم بهذا الزواج ، مما ييسر من أمر قبول أبيك .
6. تهيئة النفس وتوطينها على الرضا بما يقدِّره الله ـ ولو لم يكن محبوباً للنفس ـ وتوقُّع أشدِّها على النفس ، كعدم تيسُّر الزواج مطلقاً ، إذ من فوائد هذا التوطين للنفس ألاَّ تحدث صدمة عند وقوع ما لا يحبه الإنسان فتؤدي إلى إحباط أو ضعف في الإيمان ، أو ظن سيئ بالله تعالى وحكمته .
7. الحرص على تنشئة هذه اليتيمة التي جعلها الله تحت يدك تنشئة إسلامية ، والإحسان إليها ، إذ في تربية اليتيم وكفالته من الأجر ما لعله أن يكون سبباً جالباً للبركة لكِ في وقتكِ والتوفيق في جميع أمورك .
نسأل الله تعالى أن يتمم عليك نعمه ، وأن يثبت الإيمان في قلبك ، وأن يوفقك لكل خير ، وأن ييسر هذا الزواج إن كان الخير لكما فيه ، وأن يهدينا جميعاً إلى سواء الصراط . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
هل يلزمه الزواج من قريبته التي لمسها بالحرام
سؤال:(43/94)
أنا في وضع مزعج للغاية. فقد وقعت في ذنب حيث قمت بملامسة امرأة غير متزوجة، وهي من أقاربي. أنا لم أجامعها، لكني لامستها وهي لامستني أيضا. وبما أنها من الأقارب (ابنة خالي)، فأنا أخاف أن تخبر الآخرين . لقد كيفت حياتي بما يتفق والشريعة الإسلامية، ولذلك فإن الناس يحترموني كثيرا . أنا لست متزوجا ، لكني سأتزوج من فتاة صالحة (قريبا). فهل علي أن أتزوج بالمرأة التي لمستها ؟ أنا أخاف كثيرا من هذه المرأة، فهي جارة عائلتي . ماذا علي أن أفعل كي أتخلص من هذا الوضع؟ أعلم أني ارتكبت معصية. وأنا أدعو الله أن يغفر لي ذنبي. أنا لا أستطيع تخيل الزواج بهذه المرأة التي كانت دائما ما تستخدم الحيل لتلفت انتباهي . أنا الآن في ورطة . هل علي أن أخبر والداي بالأمر؟ هل علي أن أخبر الفتاة التي سأتزوج بها عن القصة ؟ هل يمكن لهذه الفتاة التي لمستها أن تجبرني على الزواج بها وفقا للشريعة الإسلامية ؟.
الجواب:
الحمد لله
أما بعد فيجب عليك أن تستغفر الله تعالى وتتوب إليه مما بدر منك ، وأن تعزم على عدم العود لذلك أبدا . ولمسك لهذه المرأة لا يوجب زواجك منها ، وليس في الشريعة ما يجبر المكلف على الزواج من امرأة لا يرغب فيها ولا يختارها ، ولا يصح النكاح إلا بعقد مستوف لشروطه ومنها رضا الزوج المكلف.
ولا يلزمك إخبار والديك ولا الفتاة التي ستتزوجها بما حدث ، بل أنت مأمور بالستر على نفسك ، والتوبة فيما بينك وبين ربك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها ، فمن أَلمَّ فليستتر بستر الله عز وجل " رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 663
والقاذورة هي الفعل القبيح والقول السيء مما نهى الله عنه ، سبل السلام (3/31)
ألّمَ أي ارتكب وفعل
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
شرطت عليه إن تزوج عليها فزوجته الثانية تكون طالقاً
سؤال:
رجل تزوج وشرطوا عليه في العقد أن كلَّ امرأةٍ يتزوج بها تكون طالقاً ، ، ثم إنَّه تزوج ، فما الحكم في المذاهب الأربعة ؟.
الجواب:
الحمد لله
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية السؤال السابق فأجاب :
هذا الشرط غير لازمٍ في مذهب الإمام الشافعي ، ولازم له في مذهب أبي حنيفة متى تزوج وقع به الطلاق ، ومتى تسرَّى عتقت عليه الأمة ، وكذلك مذهب مالك ، وأما مذهب أحمد : فلا يقع به الطلاق ولا العتاق ، لكن إذا تزوج وتسرَّى كان الأمر(43/95)
بيدها ، إن شاءت أقامت معه ، وإن شاءت فارقته ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج " ؛ ولأن رجلاً تزوَّج امرأة بشرط أن لا يتزوج عليها ، فرفع ذلك إلى عمر ، فقال : " مقاطع الحقوق عند الشروط " .
فالأقوال في هذه المسألة ثلاث :
أحدها : يقع به الطلاق والعتاق .
والثاني : لا يقع به ، ولا تملك امرأته فراقه .
والثالث : وهو أعدل الأقوال : أنه لا يقع به طلاق ولا عتاق ، لكن لامرأته ما شرط لها ، فإن شاءت أن تقيم معه ، وإن شاءت أن تفارقه ، وهذا أوسط الأقوال .
" الفتاوى الكبرى " ( 3 / 125 ).
ـــــــــــــــــــ
لماذا لا يجوز للمسلمة أن تتزوج بكافر
سؤال:
يجوز للمسلمين الزواج من نساء لسن مسلمات ، فلماذا لا يُسمح للمسلمات أيضا بالزواج من رجال يدينون بغير الإسلام ؟.
الجواب:
الحمد لله
يجوز للمسلم أن يتزوج الذمّية من أهل الكتاب يهودية كانت أو نصرانية دون غيرهما من طوائف الكفر كما قال تعالى : ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا أتيتموهن أجورهن ) يعني العفيفات من الكتابيات دون الفاجرات . ولا يجوز للمسلمة ان تنكح مشركا غير مسلم مهما كانت ديانته قال تعالى : ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار ) ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه كما هو مقرر في دين الإسلام .
الشيخ عبد الكريم الخضير
ومعلوم أن الرجل هو الطرف الأقوى وصاحب هيمنة على الأسرة من الزوجة والأولاد فليس من الحكمة أن تتزوج مسلمة كافراً يهيمن عليها وعلى أولادها ويكون من جراء ذلك الخطر الكبير باحتمال أن يحرفها عن دينه وأن يربي الأولاد على دينه هو .
والله اعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
نساء يجوز الزواج منهن في حالة ولا يجوز في حالة أخرى
سؤال:(43/96)
هل هناك حالات في الإسلام يجوز الزواج من امرأة في حالة ولا يجوز الزواج من نفس المرأة في حالة أخرى ؟.
الجواب:
الحمد لله
نعم ، يوجد ذلك وفيما يلي أمثلة توضح ذلك :
1- يحرم تزوج المعتدة من الغير ، لقوله تعالى : ( ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله ) ومن الحكمة في ذلك أنه لا يؤمن أن تكون حاملاً ، فيفضي ذلك إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب .
2- ويحرم تزوج الزانية إذا علم زناها حتى تتوب وتنقضي عدتها ، لقوله تعالى : ( والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) .
3- ويحرم على الرجل أن يتزوج من طلقها ثلاثاً حتى يطأها زوج غيره بنكاح صحيح ، لقوله تعالى : ( الطلاق مرتان ... ) إلى قوله : ( فإن طلقها ) يعني الثالثة ، ( فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ) .
4- ويحرم تزوج المحرمة حتى تحل من إحرامها .
5- ويحرم الجمع بين الأختين ، لقوله تعالى : ( وأن تجمعوا بين الأختين ) ، وكذا يحرم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تجمعوا بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها ) متفق عليه ، وقد بين صلى الله عليه وسلم الحكمة في ذلك حين قال عليه الصلاة والسلام : ( إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم ) ، وذلك لما يكون بين الضرائر من الغيرة ، فإذا كانت إحداهما من أقارب الأخرى ، حصلت القطيعة بينهما ، فإذا طلقت المرأة وانتهت عدتها ، حلت أختها وعمتها وخالتها ، لانتفاء المحذور .
6- ولا يجوز أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة ، لقوله تعالى : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من تحته أكثر من أربع لما أسلم أن يفارق ما زاد عن أربع .
والله اعلم
الملخص الفقهي لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان 2/271 .
ـــــــــــــــــــ
زوَّجها أخوها من غير رضا الأب ثم وافق بعد سنة
سؤال:
تزوجت منذ عام ، وقد كان أخي وليا عني ، لأن أبي كان يعارض تزويجي . وبعد مرور عام ، قبل والدي زواجي وهو سعيد بذلك . لكني أتريب أحيانا بخصوص صحة نكاحي وشرعيته .
الجواب:
الحمد لله
أولاً : نوجه نصيحة للآباء .
الواجب على الآباء البِدَار بتزويج من لهم ولاية عليهم من النساء إذا تقدَّم لخطبتهن أحد ، وكان كفؤاً ورضيت المرأة بذلك ، ومن يخالف ذلك فإنما هو مخالف لما أمر(43/97)
به النبي صلى الله عليه وسلم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إذا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ) رواه الترمذي ( النكاح/1004) وحسَّنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (865 ) ، ولا يجوز عضلهن لأي غرض من الأغراض التي لم يشرعها الله ورسوله .
والعضل كما عرَّفه ابن قدامة قال : وَمَعْنَى الْعَضْلِ مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنْ التَّزْوِيجِ بِكُفْئِهَا إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ , وَرَغِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ . انظر المغني ج/7 ص/24 ، فينبغي على الأولياء التعجيل في تزويج مولياتهم وذلك لأن فيه حفاظاً لهن عن الوقوع فيما حرّمه الله ، وحتى لا يقع الولي أيضاً فيما حرّمه الله من الإثم بالعضل . والأَصْلُ أَنَّ عَضْلَ الْوَلِيِّ مَنْ لَهُ وِلايَةُ تَزْوِيجِهَا مِنْ كُفْئِهَا حَرَامٌ ; لأَنَّهُ ظُلْمٌ , وَإِضْرَارٌ بِالْمَرْأَةِ فِي مَنْعِهَا حَقَّهَا فِي التَّزْوِيجِ بِمِنْ تَرْضَاهُ , وَذَلِكَ لِنَهْيِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ فِي قَوْلِهِ مُخَاطِبًا الأَوْلِيَاءَ : ( فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُن َّ) البقرة/232
ثانيا :
الحكم في هذه المسألة له صورتان :
الصورة الأولى : إذا كان الوليّ الأقرب عاضلاً للمرأة ـ وتقدَّم تعريف العضل ـ فإنه يصح أن يزوِّج الولي الأبعد حتى مع وجود الأقرب لأنه يكون حينئذٍ لا ولاية له .
قال المرداوي : قَوْلُهُ ( وَإِنْ عَضَلَ الأَقْرَبُ زَوَّجَ الأَبْعَدُ ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ . وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ .. . وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله مِنْ صُوَرِ الْعَضْلِ : إذَا امْتَنَعَ الْخُطَّابُ مِنْ خِطْبَتِهَا , لِشِدَّةِ الْوَلِيِّ .
الإنصاف ج/5 ص/74
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : وَإِذَا رَضِيَتْ رَجُلا وَكَانَ كُفُؤًا لَهَا وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهَا كَالأَخِ ثُمَّ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِهِ , فَإِنْ عَضَلَهَا وَامْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا , زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ الأَبْعَدُ مِنْهُ ..
الفتاوى الكبرى ج/3 ص/83
قال ابن قدامة : إذَا عَضَلِهَا وَلِيُّهَا الأَقْرَبُ , انْتَقَلَتْ الْوِلايَةُ إلَى الأَبْعَدِ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .. المغني لابن قدامة ج/7 ص/24
قال الشيخ ابن عثيمين : إذا منع الأب تزويج بنته لكفء فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى .
فتاوى إسلامية ج/3 ص/149
الصورة الثانية : إذا زوَّج الأبعد مع وجود الولي الأقرب ولم يكن الولي عاضلاً لها :
قال المرداوي : ( وَإِذَا زَوَّجَ الأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِلأَقْرَبِ , أَوْ زَوَّجَ أَجْنَبِيٌّ : لَمْ يَصِحَّ ) الإنصاف ج/8 ص/82 .
وقال البهوتي : ( وَإِذَا زَوَّجَ الأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِلا قُرْبٍ ) لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ ... لأَنَّ الأَبْعَدَ لا وِلايَةَ لَهُ مَعَ الأَقْرَبِ . كشَّاف القناع ج/5 ص/56 .
ويتفرَّع من هذه المسألة ، ما إذا أجاز الولي الأقرب هذا النكاح فما حكمه ؟(43/98)
إن أجاز الوليّ الأقرب هذا النكاح هل تصحح إجازته النكاح أم لا ؟!
قال العلماء : مَسْأَلَةٌ : ( وَإِذَا زَوَّجَهَا مَنْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ , وَهُوَ حَاضِرٌ , وَلَمْ يَعْضُلْهَا , فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ ) . هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامٍ ثَلاثَةٍ ; أَحَدُهَا , أَنَّهُ إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ الأَبْعَدُ , مَعَ حُضُورِ الْوَلِيِّ الأَقْرَبِ , فَأَجَابَتْهُ إلَى تَزْوِيجِهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ , لَمْ يَصِحَّ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ مَالِكٌ : يَصِحُّ ; لأَنَّ هَذَا وَلِيٌّ , فَصَحَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِإِذْنِهَا كَالأَقْرَبِ .
الْحُكْمُ الثَّانِي , أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَقَعُ فَاسِدًا , لا يَقِفُ عَلَى الإِجَازَةِ , وَلا يَصِيرُ بِالإِجَازَةِ صَحِيحًا , ...وَالنِّكَاحُ فِي هَذَا كُلِّهِ بَاطِلٌ , فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ . وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ .
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى , أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى الإِجَازَةِ ; فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ , وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ فَسَدَ .
( إنْكَاحُ الْفُضُولِيِّ ) والفضولي :
وهو َفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ يُطْلَقُ الْفُضُولِيُّ عَلَى مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِلا إذْنٍ شَرْعِيٍّ وَذَلِكَ لِكَوْنِ تَصَرُّفِهِ صَادِرًا مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ وَلا وَكَالَةٍ وَلا وِلايَةٍ . الموسوعة الفقهية ج/32 ص/171
وقد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إنْكَاحِ الْفُضُولِيِّ مِنْ غَيْرِ وِلايَةٍ أَوْ نِيَابَةٍ عَلَى أَقْوَالٍ منها :
لِلْحَنَابِلَةِ , وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ : هُوَ أَنَّ إنْكَاحَ الْفُضُولِيِّ بَاطِلٌ لا تُؤَثِّرُ فِيهِ إجَازَةُ الْوَلِيِّ . ( أي لا بد من إعادة العقد من جديد ) .
وَالثَّانِي : لأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ , وَأَبِي يُوسُفَ : وَهُوَ أَنَّ إنْكَاحَ الْفُضُولِيِّ صَحِيحٌ , لَكِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ , فَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ , وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ .
الموسوعة الفقهية ج/32 ص/175
والخلاصة : أن بعض العلماء قد قال بصحَّةِ العقد إذا أجازه الوليّ ـ كما رأيت ـ وإن كنتِ تريدين مزيداً من الاطمئنَانِ والخروج من خلاف أهل العلم فأعيدوا عقد النكاح ، ولا يلزم لذلك إلا الإيجاب من ولِّيك ـ وهو الأب ـ والقبول من الزوج ، وشهادة رجلين مسلمين ، مع التوبة بما حصل قبل ذلك .
ونسأل الله لك التوفيق .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
لا ينبغي اعتبار كون المرأة أكبر من الرجل مانعاً من الزواج
سؤال:
أنا شاب مسلم أبلغ من العمر 21 عاماً . أُريد أن أتزوج في القريب العاجل . وبالأخص أريد أن أتزوج مِن مَن تكون أكبر مني سناً (مثلا أكبر بحوالي سبع سنوات) . هل هناك شيء "خطأ" في فعل ذلك ؟ أعرف أن زوجة الرسول الأولى كانت تكبره بخمسة عشر عاماً . قد يعتقد البعض أن ما أفضله شاذ بعض الشيء ، فهذا أمر لا يحدث كثيراً في أيامنا هذه .(43/99)
الجواب:
الحمد لله
الكبر لا يضر ، ولا حرج أن تكون المرأة أكبر ، ولا حرج أن يكون الزوج أكبر ، فقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وهي بنت أربعين وهو ابن خمس وعشرين ، والذي ينبغي للرجل أن يعتني بالمرأة الصالحة ذات الدين ولو كانت أكبر منه إذا كانت في سن الشباب وسن الإنجاب ، فالحاصل أن السن لا ينبغي أن يكون عذراً ولا ينبغي أن يكون عيباً ما دام الرجل صالحاً والفتاة صالحة أصلح الله حال الجميع .
باختصار من فتوى الشيخ ابن باز كتاب فتاوى إسلامية ج/3 ص/107
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
تُنزع ولاية النكاح ممن لا يؤمن بالسنة
سؤال:
هل يمكن أن يكون مسلم منحرف وليَاً (في الزواج لابنته) ذات العقيدة السليمة ؟ مثلاً هل يمكن لأب لا يؤمن بوجوب اتباع الحديث والسنة أن يكون ولياً لامرأة تقبل الإسلام (القرآن والسنة) ؟.
الجواب:
الحمد لله
1. ذكر أهل العلم رحمهم الله شروطاً لولي المرأة في النكاح ، منها ما اتفقوا عليه ، ومنها ما اختلفوا فيه . فأما التي اتفقوا عليها :
أ. الإسلام
قال ابن قدامة : أما الكافر فلا ولاية له على المسلمة بحال بإجماع أهل العلم .أ.هـ
ونقله كذلك عن ابن المنذر .
" المغني " ( 7 / 356 ) .
ب. العقل .
ت. البلوغ .
ث. الذكورة .
قال ابن رشد : اتفقوا على أن من شرط ولاية : الإسلام ، والبلوغ ، والذكورة . أ.هـ
" بداية المجتهد " ( 2 / 12 ) .
وقال ابن قدامة : الذكورية شرطٌ للولاية في قول الجميع . أ.هـ
" المغني " ( 7 / 356 ) .
وأما الشروط التي اختلفوا فيها ، فمنها :
أ. الحرية .
واشتراط الحرية هو قول أكثر أهل العلم ، وخالف في ذلك الحنفية .(43/100)
وتعليل من اشترط الحرية هو : أن العبد لا ولاية له على نفسه ، فعدم ولايته على غيره أولى.
انظر : المرجعين السابقين .
ب. العدالة
وإلى اشتراطها في الولي ذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد .
والمقصود بالعدالة هنا : العدالة الظاهرة ، ولا يشترط أن يكون الولي عدلاً ظاهراً وباطناً ، وإلا أوجب ذلك حرجاً ومشقة ، وأفضى إلى بطلان غالب الأنكحة . كذا في " كشاف القناع " ( 3 / 30 ) .
وهنا تنبيه وهو أنه قد يكون للسائل رغبة في المرأة ، ثم يناقش وليها في مسألة أو أكثر فيختلفان ، فيتهم الزوج الوليَّ أنه لا يؤمن بالرجوع إلى الكتاب والسنَّة !. وهذا تعدّ خطير وإثم كبير أنه فيه اتهام لمسلم بما يخرجه عن الملّة .
وأما إن كان ولي الزوجة حقيقة لا يؤمن بالسنة مثل هذه الطائفة الذين يتسمون بالقرآنيين فإنه يُناقش ويبين له الحق وتُزال شبهته وتُقام عليه الحجة فإن أصر فهو كافر ، ولا يجوز له أن يتولى على أمرأة مسلمة في النكاح ولو كانت ابنته ، وتُنزع ولايته حينئذ وتعطى لأقرب ولي مسلم لهذه المرأة . والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
من هي الكتابية التي يجوز للمسلم الزواج بها
سؤال:
السؤال :
أود أن اعرف ما تعنيه بعبارة ( تزوج العفيفات ) من أهل الكتاب المسيحيات أو اليهوديات ؟ فهل اللمس والتقبيل يحول دون الزواج من الكتابية ؟ لقد قرأت في إجابتك أن المسلم يجب أن يتزوج المرأة العفيفة فهل ينطبق ذلك فقط على المرأة الكتابية أم يشمل أيضا الفتاة المسلمة ؟ وهل اللمس والتقبيل يدخل ضمن تعريف كلمة العفاف ؟ وما هي النصيحة التي يمكنك تقديمها إلى شاب مسلم يعتقد بأن اللمس ضروري قبل الزواج ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في " جامع البيان عن تأويل آي القرآن "(8/165) في تعريف المُحصنة :
حَصُنت هي فهي تَحصُن حَصَانة إذا عفَّت ، وهي حاصنٌ من النساء عفيفة ... ويقال أيضا ، إذا هي عفت وحفظت فرجها من الفجور : " قد أحصنت فرجها فهي محصنة كما قال جل ثناؤه " ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها " بمعنى حفظته من الرِّيبة ، ومنعته من الفجور . ثم ذكر الأقوال في تأويل قوله تعالى ((43/101)
والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ... ) ومما ذكره :
وقال آخرون إنما عنى الله بقوله { والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } العفائف من الفريقين إماء كن أو حرائر فأجاز قائل هذه المقالة نكاح إماء أهل الكتاب الدائنات دينهم بهذه الآية وحرموا البغايا من المؤمنات وأهل الكتاب . " ثم ذكر رحمه الله الآثار على هذا القول .
وقال أيضا : " ثم اختلف أهل التأويل في حكم قوله " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " أعام أم خاص ؟ فقال بعضهم : هو عام في العفائف منهن لأن المحصنات العفائف وللمسلم أن يتزوج كل حرة وأمة كتابية ، حربية كانت أو ذمية . واعتلوا في ذلك بظاهر قوله تعالى " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، وأن المعنىَّ بهن العفائف ، كائنة من كانت منهن . وهذا قول من قال : عنى بـ "المحصنات " في هذا الموضع : العفائف ..
وقال آخرون : بل ذلك معنيّ به نساء أهل الكتاب الذين لهم من المسلمين ذمة وعهد . فأما أهل الحرب ، فإنَّ نساءهم حرام على المسلمين .
وذكر رحمه الله شرطا مهما لنكاح الكتابية ينبغي أن يتمعّن فيه ويقف عنده كلّ مسلم يريد أن يتزوج منهن في بلاد الكفر وهذا الشّرط هو : " أن تكون بموضع لا يخاف الناكح فيه على ولده أن يُجبر على الكفر " .ا.هـ ومن أوضح تطبيقات هذا الكلام في واقعنا أن لا يكون في بلاد الكفر ما يُجبر المسلم على تنشئة ولده على دين أهل الكفر بحيث يُدرّس الولد إجباريا شيئا من دين النصارى مثلا أو يُؤخذ إلى الكنيسة يوم الأحد أو يكون القانون في صفّ المرأة الكافرة بحيث تأخذ الولد إذا شاءت فتربيه على دين قومها ونحو ذلك نسأل الله العافية ونعوذ به من الخذلان .
وقال الشيخ السعدي في تفسيره (1/458) :
{و} أحل لكم { المحصنات } أي : الحرائر العفيفات { من المؤمنات } ، { والمحصنات} الحرائر العفيفات { من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } أي : من اليهود والنصارى وهذا مُخصِّص لقوله تعالى :{ ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } .
.. وأما الفاجرات ، غير العفيفات عن الزنا ، فلا يباح نكاحهن ، سواء كن مسلمات ، أو كتابيات ، حتى يتبن لقوله تعالى : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ) الآية .
والله تعالى أعلم
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
ولي النصرانية التي أسلمت
سؤال:
السؤال :(43/102)
أنا من أسرة مسلمة، نشأتُ على العقيدة الإسلامية. وعلى الرغم من ذلك فقد مررت بمرحلة من مراحل حياتي أعتبرها (مرحلة الظلام). وفي هذه المرحلة مارست بعض الأعمال الجاهلية لعدة سنوات ( وهي تلك الأفعال الآثمة غير المسئولة).
ولكن ولله الحمد قد أنعم الله علي بالهداية وأعادني إلى صراطه المستقيم.
وخلال تلك الفترة كانت لي علاقة بفتاة نصرانية والتي بحمد الله أسلمت حديثا بإرادة الله. ونحن نخطط للزواج بعد أن نستقر .
إحدى المشاكل التي واجهتنا أنها من أسرة نصرانية متدينة، بالإضافة إلى أن والدها قس نصراني. وعندما علمت الأسرة بارتباطنا حاولت فصلنا بشتى الوسائل مع أننا لم نخبرهم بإسلام صديقتي.
والآن قد وصلت علاقتنا ببعضنا إلى درجة أنها على استعداد لمعارضة جميع أسرتها والهرب معي.
على الرغم من علمنا بصعوبة المضي في هذا الأمر ، إلا أننا نحب بعضنا حبا شديدا. وكما أعلم أن الشريعة الإسلامية تطلب عند النكاح وجود ولي للمرأة، والذي -حسب علمي- يشترط أن يكون من عائلة المرأة.
وسؤالي الأول: هل تخطيطنا للزواج بدون موافقة أسرتها متوافق مع الشريعة الإسلامية ؟
والثاني: إذا كان ذلك جائزا ، فمن يمكن أن يكون ولي المرأة ؟ حيث أنه لا يوجد أحد من أفراد عائلتها يوافق على الزواج.
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
أولا : نحمد الله صاحب المنّة والفضل على أن هداك لطريق الحقّ بعد رحلة الجاهلية المضنية المظلمة وبعد الحيرة في دروب التيه والضياع والله يهدي من يشاء وعليك الآن شكر النّعمة بالقيام بحقّ الله وترك ما يُغضب الله وأن يكون الله أحبّ إليك من كلّ شيء وأن تسعى في استدراك ما فات من عمرك وتضاعف الجهد في فعل الطاعات والمسارعة من الخيرات .
ثانيا : حيث أنّ هذه المرأة قد أسلمت ولله الحمد فليس لأحد من أقربائها الكفرة ولاية عليها لأنّه لا ولاية لمسلم على كافر فإن كان في البلد التي هي فيه صاحب سلطان مسلم فإنّه يصير وليّها لقوله صلى الله عليه وسلم : لا نِكَاحَ إِلاّ بِوَلِيٍّ وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لا وَلِيَّ لَهُ * رواه ابن ماجة رقم 1880 والإمام أحمد وهو في صحيح الجامع رقم 7556
فإن لم يكن هناك سلطان مسلم فيُلجأ إلى مرجع المسلمين في تلك الناحية وصاحب الكلمة المسموعة بينهم كمدير المركز الإسلامي أو إمامه وخطيبه يعقد لها عقد نكاحها . وانظر جواب سؤال رقم ( 2127) .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(43/103)
ـــــــــــــــــــ
الزواج بغير المسلمة للحصول على حقّ الإقامة
سؤال:
السؤال : أريد أن أتزوج بكافرة من أجل الحصول على حقّ الإقامة في البلد وعلى جواز السّفر ؟ وهل يجوز أن أتزوجها لهذا الغرض فقط ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
الحمد لله ، عرضنا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فأجاب بما يلي :
إذا كانت ممن يحل نكاحها فلا حرج في ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تنكح المرأة لأربع .. فذكر المال " .. وهذا مثله ، فإذا تزوجها من أجل الحصول على الإقامة فلا بأس بشرط أن لا يكون في نيته أنه إذا حصل على الإقامة طلّقها .. والله أعلم
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ـــــــــــــــــــ
تحب رجلاً من غير أهل السنة وتريد الزواج منه
سؤال:
أعرف رجلا شيعيا يحبني كثيرا ويريد أن يتزوجني زواج دائم وليس زواج متعة ، أعرف أن معتقد الشيعة مختلف عن معتقد السنة فناقشت هذا معه ووافق على أن يبحث عن الفروق بين المعتقدين ، وأتمنى أن هذه الطريقة سوف تمكنه من أن يكتشف بنفسه الطريق الصحيح .
المشكلة أنني لم أستطع العثور على موقع على الإنترنت يزودني بمعلومات عن هذا الموضوع ويوضح الفروق ولا يتهم الشيعة مباشرة بأنهم مخطئين .
أتمنى أن أتحدث مع شخص عن هذا الموضوع لأن عندي أسئلة كثيرة وأحتاج مساعدة وأتمنى أن أتحدث مع شخص ما أو أن أحصل على مصدر يسهل عليه البحث ولا يجعله متهما أو أن يحط من قيمة مذهبه.
أعتقد أن الحديث معه بأسلوب جيد وبلطف تجعله أكثر قابلية للقبول والسماع من محاولة إقناعه بأنه على خطأ.
الجواب:
الحمد لله
نحن معشر أهل السنة نحب الخير للجميع ، ونسأل الله تعالى أن يهدي كل ضال ، ويثيب كل مطيع ، ونرجو الله أن يهدي أولئك الرافضة ..
إن الفروق بين مذهب أهل السنة والرافضة جذرية وكبيرة جداً منها أن الرافضة يقولون بتحريف القرآن الكريم ، ويطعنون ويضللون جمهور الصحابة رضي الله عنهم ، ويغلون في أئمتهم ويعبدونهم ، ويفضلونهم على الأنبياء والملائكة ، ويحجّون إلى المشاهد والقبور ، ويمارسون عندها أنواعاً من الشرك بالله تعالى ،(43/104)
كما يعتقدون بالنفاق ويسمونها ( التقية ) ، كما يقولون بالبداء والرجعة والعصمة المطلقة للأئمة ، وعقيدة الطينة .. وننصحك بقراءة رسالة الخطوط العريضة لمحب الدين الخطيب أو كتاب مختصر التحفة الأثني عشرية للدهلوي ، أو فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة لناصر القفاري ، وننصحك بعدم التفكير بالزواج منه .. ومن ترك شيئاً لله عوضه خيراً منه ، نسأل الله لك التوفيق والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة .
ونذكّرك بالامتناع عن إقامة العلاقة مع الرجال الأجانب كما تجدين توضيحه في سؤال رقم 1114و9465و2005، نسأل الله أن يوفقك لكل خير .
الشيخ محمد آل عبد اللطيف
ـــــــــــــــــــ
يدعي الإسلام ولكن لا يطبقه ومستعد للتعلم فهل تتزوجه
سؤال:
هل يمكن أن أتزوج رجلاً لا يعرف عن الإسلام شيئ ووالداه مسلمان ولم يعلماه دينه واحتفظا بإسلامهما لنفسيهما ولكن هذا الشخص عندما يكلمه أحد عن الدين يكلمه بسعادة وشغف ويطبق ما عرف عندي شغف بديني رغم أنني لست متعمقة في الإسلام عارفة جداً واحب هذا الشخص جداً وأعتقد أنني بعد الزواج سوف أضعه على الطريق الصحيح إن شاء الله ؟
الجواب:
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين :
فأجاب حفظه الله بقوله :
إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقد أسلم ، فتحل له . والله أعلم .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ـــــــــــــــــــ
مواصفات الزوج
سؤال:
السؤال :
أنا مسلمة من لبنان وعمري 24 عاماً وأعيش في أوتاوا بكندا بعيداً عن وطني وأحس أنني بحاجة إلى مزيد من الإرشاد.
ماذا يجب أن يكون في الرجل غير كونه مسلماً؟
هل هناك نصيحة في تربية الأبناء حتى يكونوا قريبين من الإيمان؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
أولاً : أنصحكِ بأن تحضري إلى أحد المساجد أو المراكز القريبة ، وأن تحرصي على الحضور إليها كلما أمكنك ذلك فهذا سببٌ لأن تتعرفي على بعض الأخوات الصالحات ، وأن تستفيدي مما تسمعينه منهن .(43/105)
ثانياً : الرجل الذي ترضاه المرأة زوجاً لها ينبغي أن يكون متمسكاً بالإسلام ملتزماً بأحكامه ، متخلقاً بأخلاقه ، وما سوى ذلك من الصفات أمرٌ يختلف فيه الناس .
ثالثاً : أما ما يتعلق بتربية الأبناء فمن أهم الأمور التي تعين على تربيتهم تهيئة البيئة الحسنة لهم : ومن ذلك اختيار الزوج المناسب ، واختيار السكن المناسب بحيث يجاور الصالحين ومن يرضى أن يكون صديقاً لهم ، واختيار المدرسة المناسبة لهم ، وإبعاد وسائل الفساد عن المنزل ، ومن ذلك أن تكون العلاقة حسنة بين الزوجين ، وأن يتفقا على أمور التربية والتعامل مع الأطفال فلا يحصل هناك تناقضٌ بينهم ، كما أنه من المهم للوالدين أن يقرءا بعض الكتب المناسبة حول تربية الأولاد ، وأن يستفيدا ممّن يرون أنه متميزٌ في تربية أولاده ، وأن يكون الوالدان قدوةً حسنة لهما .
الشيخ محمد الدويش
ـــــــــــــــــــ
تزوج نصرانية بحضور أخيها الكافر
سؤال:
السؤال :
زنيت بنصرانية ثم حملت ، من جهلي شعرت بأني يمكن أن أصحح الأمر بأن أتزوجها ، تزوجنا في المسجد بحضور الإمام وأخ مسلم وأخيها وأمها كشهود ، لم تكن مسلمة ذلك الوقت ثم أسلمت قبل أن تلد . فما هو حكم زواجنا ؟ ما حكم هذا المولود ؟ ما حكم أولادي الآخرين منها ؟ ندمت على ما فعلت ولا أريد أن أعود لما كنت عليه ، ولكنني أخشى أن لا يكون زواجي شرعياً وبذلك فسأكون في نفس الذنب الذي كنت عليه .
ماذا أفعل لأريح نفسي من المأزق الذي وضعت نفسي فيه ؟.
الجواب:
الجواب :
نعتبر هذا العقد فاسداً لأنه وقع وهي حامل من الزنى ، ولأنه فقد أحد الشروط وهو حضور شاهدين ذكرين والإيجاب من وليها فعلى هذا يلزم تجديد العقد من وليها المسلم أو من القاضي المسلم فأما الأولاد فإنهم ينسبون إلى والدهم الذي ولدوا على فراشه ولا يتبرأ من أحدٍ منهم فإن الولد للفراش .
والله أعلم .
كتبه : ابن جبرين .
ـــــــــــــــــــ
اعترض الأب على الزواج فما الحلّ
سؤال:
السؤال :
عندي سؤال حول الزواج . إذا اعترض الأب على الزواج لأسباب عنصرية أو لأن المتقدم للزواج على منهج السلف ، ولا يوجد قاض شرعي في المنطقة ، مثل الكاريبي ، فماذا يستطيع الشخص أن يفعل وفقا للقرآن والسنة ؟(43/106)
يتزوج أو لا يتزوج
من المهم جدا أن أحصل على إجابة عن هذا السؤال .
الجواب:
الجواب :
أولاً : لا يحل لرجل أن يتزوج امرأة من غير إذن وليها بكراً كانت أم ثيباً وذلك قول جمهور العلماء منهم الشافعي ومالك واحمد مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم :
" لا نكاح إلا بولي " . رواه الترمذي ( 1101) وأبو داود ( 2085 ) وابن ماجه ( 1881 ) وهو صحيح كما في " إرواء الغليل " للألباني رحمه الله ( 6 / 235 ) .
وقوله " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر لما استحل من فرجها ، فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له " . رواه الترمذي ( 1102 ) وحسَّنه وأبو داود ( 2083 ) وابن ماجه ( 1879 ) .
ثانياً : فإن منعها وليها من الزواج ممن تريد بغير عذر شرعي انتقلت الولاية إلى الذي يليه فتنتقل من الأب إلى الجد مثلاً .
ثالثاً : إن منعها الأولياء كلهم بغير عذر شرعي فإن السلطان يكون وليها لحديث " ... فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له " . والسلطان هو الحاكم الشرعي .
والولي ليس له أن يعضل ويمنع المرأة من الزواج لهواه دون عذر شرعي .
عن الحسن ، قال : حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه قال : زوَّجتُ أختاً لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ، فقلت له : زوَّجتُك وفرشتُك وأكرمتُك فطلقتَها ، ثم جئتَ تخطبها لا والله لا تعود إليك أبداً ، وكان رجلا لا بأس به ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله هذه الآية { فلا تعضلوهن } ، فقلت : الآن أفعل يا رسول الله ، قال : فزوجها إياه . رواه البخاري ( 4837 )
وفي رواية قال :
ففيّ نزلت هذه الآية : { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهنّ فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ } [ سورة البقرة /232 ] .
رابعاً : فإن عدم الولي والسلطان فيصير أمرها إلى الوالي أو من يقوم مقامه فإن عدم فإلى المحاكم الشرعية فإن عدمت فإلى رجل رئيس في قومه عدل في دينه . فإن عدم فأي رجل ثقة عدل يصلح أن يكون ولياً .
يقول ابن قدامة : فإن لم يوجد للمرأة ولي ولا سلطان فعن أحمد ما يدل على أن يزوجها رجل عدل بإذنها . " المغني " 7 / 352 .
ويقول الشيخ عمر الأشقر : إذا زال سلطان المسلمين أو كانت المرأة في موضع ليس فيه للمسلمين سلطان ولا ولي لها مطلقاً كالمسلمين في أمريكا وغيرها فإن كان يوجد في تلك البلاد مؤسسات إسلامية تقوم على رعاية شؤون المسلمين فإنها تقوم بتزويجها . وكذلك إن وجد للمسلمين أمير مطاع أو مسؤول يرعى شؤونهم . " الواضح في شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني " ( ص70 ) .(43/107)
وكل ذلك يكون بشرط موافقه الفتاة وعدم ترتب مفاسد أعظم من منفعة زواجك منها وبشرط أن يكون سبب المنع غير شرعي كما أوضحت .
خامساً : ولا يحل للولي أن يرفض الزوج لأنه ليس على منهجه في الدعوة ! أو لأنه ليس من قبيلته أو أهل بلده ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتزويج أهل الدين وعدم رفضهم وإلا ترتب على ذلك المنع مفاسد وفتن .
فعن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " . رواه الترمذي ( 1084 ) وابن ماجه ( 1967 ) وصححه الألباني رحمه الله في " السلسلة الصحيحة " ( 1022 ) .
سادساً : وكذلك لا يجوز للمرأة أن تسوغ لنفسها التزوج بمن تشاء بحجة أن هذا على منهجها في الدعوة ، فيكفيها أن يكون المتقدم لها صاحب دين وخلق .
وليراقب الجميع ربهم تبارك وتعالى .
والله اعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
كيف تتأكّد من إسلام شخص تحبّه لتتزوّجه
سؤال:
السؤال :
أحب شخصاً غير مسلم ، ولكنه يريد أن يسلم ، ولكن إذا لم تأت من القلب فلن يكون إسلامه مقبولاً ، أعلم بأن والداي لن يقبلا به لأنه من أبوين أسود وبيضاء ، لا أريد أن أخسر والداي ، وحتى لو أسلم الرجل فكيف أتأكد بأنه سيتمسك بالإسلام ولا يرتد عنه ؟.
الجواب:
الجواب :
1. اعلمي وفقكِ الله وثبتك على الإسلام أنه لا يحلّ للمسلم أن يحب الكافر لقول الله عز وجل :{ لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}[ المجادلة 22 ].
2. وأما قولك بأنك قد أحببْتِه فإنّ عليك ترك هذا الحب لأجل الله عزّ وجلّ ومن ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه .
3. إذا أظهر هذا الشاب إسلامه وخشيت أن لا يكون صادقا في إسلامه لقول الله عز وجل : {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهن ولا هم يحلون لهم}[ الممتحنة 10 ].
وامتحانه يكون بسؤاله عن الله ودينه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وكذا عن دينه هو الذي أظهر تركه .(43/108)
وكذلك يُمكن التأكّد من إسلامه بالنّظر لمداومته على العبادات الواجبة كالصلاة وخصوصا إذا كان هناك مسجد قريب وكذلك الصيام .
والشّخص الجادّ في إسلامه تتبيّن جديّته أيضا من أمور مثل اهتمامه بالسؤال عن أحكام الحلال والحرام وخصوصا المسلم الجديد .
وكذلك يتبيّن الاهتمام بتغيير الحال التي كان عليها من شعائر الكفر وتركه للمنكرات والمحرّمات التي كان يقارفها أيّام جاهليته .
ويتبيّن كذلك حُسْن إسْلامه بكرهه لما كان عليه من الكفْر ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ . " رواه البخاري 21
ونريد التأكيد على عدم إقامة أيّ علاقة محرّمة لأنّ المرأة المسلمة لا يحلّ لها أن تفعل ذلك فلا تلمس ولا تخلو بأجنبي ، ونسأل الله أن يختار لك الخير وأن يقدّره لك ويحفظك من كل سوء ، وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
تزوجت دون علم والديها فما الحكم ؟
سؤال:
السؤال :
هل الزواج السري جائز ؟ صديقتي ذهبت للمسجد بدون علم والديها وتزوجت هناك وكان هناك شاهد واحد فقط ، فهل هذا الزواج قائم ؟
أرجو الجواب وبارك الله فيك.
الجواب :
الحمد لله
الزواج لابد فيه من ولي وشاهدي عدل لحديث ( لا نكاح إلا بولي ) ( وأيما امرأة تزوجت بدون إذن وليها فنكاحها باطل ) . وعلى هذا لابد من تجديد العقد إن رضي وليها بحضور شاهدين عدلين انظر السؤال رقم 2127 .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
اختيار الزوج
سؤال:
السؤال :
ما هي أهم الأمور التي على أساسها تختار الفتاة زوجها وهل رفض الزوج الصالح لأغراض دنيوية يعرضها لعقوبة الله ؟
الجواب:
الجواب :(43/109)
الحمد لله
أهم الأوصاف التي ينبغي للمرأة أن تختار الخاطب من أجلها هي الخلق والدين أما المال والنسب فهذا أمر ثانوي لكن أهم شيء أن يكون الخاطب ذا دين وخلق لأن صاحب الدين والخلق لا تفقد المرأة منه شيئاً إن أمسكها أمسكها بمعروف وإن سرحها سرحها بإحسان ثم إن صاحب الدين والخلق يكون مباركاً عليها وعلى ذريتها . تتعلم منه الأخلاق والدين أما إن كان غير ذلك فعليها أن تبتعد عنه ولا سيما بعض الذين يتهاون بأداء الصلاة أو من عرفوا بشرب الخمر والعياذ بالله .
أما الذين لا يصلون أبداً فهم كفار لا تحل لهم المؤمنات ولا هم يحلون لهن والمهم أن تركز المرأة على الخلق والدين ، أما النسب فإن حصل فهذا أولى لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ) .
ولكن إذا حصل التكافؤ فهو أفضل .
من فتاوى الشيخ ابن عثيمين من كتاب فتاوى المرأة .
ـــــــــــــــــــ
موافقة الأب وإسلام الخاطب شرطان للزواج من مسلمة
سؤال:
السؤال :
أنا مسلم وأختي مخطوبة من نصراني وقد وَافَقَت وخططوا للزواج . الرجل يريد أن يعتنق الإسلام ، لا أدري ما الذي عليّ فعله ، هل لي الحق في أن أمانع هذا الزواج ، والدايّ معارضان بالكلية على هذا الزواج ويساورهما قلق عميق وذلك بسبب رئيسي هو أن الرجل من بيئة ( ثقافة) أخرى ، وليس من الأقارب .
أرجو منك نصيحتي ماذا أفعل لأنني مضطرب والوقت يمضي سريعاً . شكراً
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز لأختك أن تتزوج هذا الرجل إلا إذا توفّر أمران :
الأول : دخول هذا الرّجل في الإسلام
الثاني : موافقة أبيك وهو وليها الذي سيزوجها
فإذا لم يحصل أيّ منهما فعليك بالسعي لمنع هذا المنكر بكلّ سبيل . والله الموفق
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
عقد النكاح إذا لم يُشهدا عليه يُعاد بوليّ وشاهدين
سؤال:
السؤال :
قالت المرأة للرجل قبلتك زوجا وكذا قال لها وأشهدا الله على ذلك دون حضور أحد من الناس وعملا بعد ذلك احتفالا أخبرا به الناس أنهما قد تزوجا فما الحكم ؟
الجواب:(43/110)
الجواب:
الحمد لله
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا نكاح إلا بوليّ وشاهدين " . حديث صحيح بشواهده : إرواء الغليل رقم 1858
قال الإمام الترمذي رحمه الله : وَالصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ لا نِكَاحَ إِلا بِبَيِّنَةٍ .. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا لا نِكَاحَ إِلا بِشُهُودٍ .. جامع الترمذي 4/235
فإذا لم يلتزم المعنيان بالسؤال ذلك فعليهما إعادة العقد بالوليّ والشاهدين . والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
زواج المسلم من نصرانية ولم يكن نصرانيا من قبل
سؤال:
السؤال :
هل يمكن للمسلم أن يتزوج من نصرانية كاثوليكية بدون أن يصبح نصراني أو أن يكون نصرانيا سابقا ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوّج كافرا أبدا مهما كانت ديانته لقوله تعالى ( ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ) . ويجوز للمسلم أن يتزوج امرأة نصرانية إذا كانت عفيفة وذلك لقوله تعالى : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) .
ونعيد تذكير المسلمين في الخارج بأنّ عليهم أن يتريّثوا ويفكّروا مليا إذا ما أرادوا الإقدام على خطوة كهذه وإن كانت في الأصل مباحة ، لأنّ احتمال تنصّر أولادهم وارد جدا وخصوصا إذا كان القانون مع الأم الكافرة ، والواقع مليء بمآسٍ كثيرة .
نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
زنا بكافرة مرارا ثم أسلمت ويريد الزواج منها
سؤال:
السؤال :
أنا مسلم أدرس بأوروبا منذ خمس سنوات وأثناء دراستي قابلت فتاه من XXX وأحببتها لعامين وأنا أعترف أني قد ارتكبت معها كبيرة الزنا وفي الشهور القليلة الماضية اعتنقت الفتاة الإسلام وأنا الآن أود الزواج منها على سنة الله ورسوله فهل(43/111)
يباح لي الزواج بها وهل هناك أي إجراء خاص يجب علي اتخاذه ؟ جزاك الله خيرا .
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
قال الله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا (32) سورة الإسراء .
قال ابن كثير رحمه الله : يقول تعالى ناهيا عباده عن الزنا وعن مقاربته ومخالطة أسبابه ودواعيه "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة" أي ذنبا عظيما "وساء سبيلا" أي وبئس طريقا ومسلكا . وقد قال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هارون حدثنا جرير حدثنا سليم بن عامر عن أبي أمامة أن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ائذن لي بالزنا فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا : مه مه ، فقال : " أدنه " ، فدنا منه قريبا فقال : " اجلس " ، فجلس فقال : " أتحبه لأمك " ؟ قال لا والله ، جعلني الله فداك ، قال : " ولا الناس يحبونه لأمهاتهم " ، قال : " أفتحبه لابنتك " ؟ قال لا والله يا رسول الله ، جعلني الله فداك ، قال : " ولا الناس يحبونه لبناتهم " ، قال " أفتحبه لأختك " ؟ قال لا والله ، جعلني الله فداك ، قال : " ولا الناس يحبونه لأخواتهم " ، قال " أفتحبه لعمتك " ؟ قال لا والله ، جعلني الله فداك ، قال : " ولا الناس يحبونه لعماتهم " ، قال " أفتحبه لخالتك " ؟ قال لا والله ، جعلني الله فداك ، قال : " ولا الناس يحبونه لخالاتهم " ، قال فوضع يده عليه وقال : " اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وأحصن فرجه " ، قال فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء . انتهى
وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) سورة الفرقان
ولا يجوز زواج الزاني من الزانية إلا إذا تاب كل منهما توبة صحيحة إلى الله عزّ وجلّ بحيث يزول عنهما وصف الزنا وذلك لقوله تعالى : ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ(3) سورة النور .
فعليك بالتوبة العظيمة إلى الله عزّ وجلّ وأتبع كبيرتك التي تكررت منك بحسنات كثيرة لعلّ الله أن يتجاوز عنك فإذا صدقت توبتك وتوبتها والتزمتما بشرع الله فلا بأس بعد ذلك من زواجك بها ، والله يتوب على من تاب .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
هل يصح النكاح إذا قالت المرأة لخاطبها زوجتك نفسي في حضور وليها ؟(43/112)
سؤال:
هل عقد النكاح صحيح إذا باشرت المرأة العقد بنفسها مع خاطبها بقولها له : (زوجتك نفسي ) بحضور وليها وهو أبوها وإذنه بالزواج وشاهدين عدلين وكثير من أهلها وأهل الخاطب وتم الإيجاب والقبول على ذلك بإذن وليها وهو أبوها وموافقته على الزواج .
الجواب:
الحمد لله
ليس للمرأة أن تباشر عقد النكاح بنفسها ، في قول جمهور العلماء ، سواء أذن لها الولي أم لم يأذن ، والواجب أن يباشر ولي المرأة بنفسه عقد النكاح أو يوكل رجلاً يتولى العقد نيابة عنه .
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : 0 لا نكاح إلا بوليّ ) رواه أبو داود (2085) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1839) .
وروى ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تزوج المرأة المرأة ، ولا تزوج المرأة نفسها ) قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام : رجاله ثقات .
وصححه أحمد شاكر في "عمدة التفسير" (1/285) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1848) .
قال الصنعاني في سبل السلام :
" فيه دليل على أن المرأة ليس لها ولاية في النكاح لنفسها ولا لغيرها ، ..فلا تزوج نفسها بإذن الولي ولا غيره ، ولا تزوج غيرها بولاية ولا بوكالة ، وهو قول الجمهور " انتهى باختصار
وقال في "مغني المحتاج" من كتب الشافعية (4/239) : " ( لا تزوج امرأة نفسها ) أي لا تملك مباشرة ذلك بحال لا بإذن ولا بغيره ، سواء الإيجاب والقبول ; إذ لا يليق بمحاسن العادات دخولها فيه لما قصد منها من الحياء وعدم ذكره أصلا .
وروى ابن ماجه: ( لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها ) وأخرجه الدارقطني بإسناد على شرط الشيخين " انتهى باختصار .
وعلى هذا ، فإن كان قد تم عقد النكاح بالصورة المسئول عنها ، فإنه لا يصح ، ويلزم إعادته ويتولاه الولي بنفسه أو من يوكله .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
والدها يرفض زواجها من هذا الشخص وهي تحبه
سؤال:
أنا واقعة في مصيبة ، وأرجوا أن تقفوا بجانبي : تقدم لخطبتي شخص ذو خلق ودين ، وحالته المادية جيدة ، وبصراحة : أنا أحبه !! لكن والدي رافض لأسباب غير مقنعة ، يقول إنه لا يحب أهل البلد التي منها هذا الشاب !! وقد استخرت الله تعالى ، ولا أعرف ماذا أفعل ، أفيدوني أفادكم الله ؟(43/113)
الجواب:
الحمد لله
لا بأس عليك أيتها السائلة الكريمة ، فكل مصيبة تهون إلا مصيبة الدين ؛ فاللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا !!
إن المسلم يعلم أن دار الدنيا دار ابتلاء وامتحان ، وأنه متى تلقى المصائب والمحن بقبول حسن ؛ من الصبر الجميل ، والرضا بقضاء الله وقدره ؛ فإنها تصير في حقه هبات وعطايا من رب العالمين ؛ تُرفع بها الدرجات ، وتُكَفَّر بها الخطيئات :
روى الإمام أحمد (21833) وأبو داود (3090) عن أبي خالد السُّلَمي رضي الله عنه أَنَّهُ خَرَجَ زَائِرًا لِرَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِهِ ، فَبَلَغَهُ شَكَاتُهُ [ يعني : بلغه أنه مريض ] . قَالَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَتَيْتُكَ زَائِرًا ، عَائِدًا وَمُبَشِّرًا !!
قَالَ : كَيْفَ جَمَعْتَ هَذَا كُلَّهُ ؟!!
قَالَ : خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ زِيَارَتَكَ ، فَبَلَغَتْنِي شَكَاتُكَ ، فَكَانَتْ عِيَادَةً ، وَأُبَشِّرُكَ بِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ، ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ ، ثُمَّ صَبَّرَهُ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ ) صححه الألباني بشواهده في الصحيحة (2599) .
واعلمي أيتها الأخت المسلمة أن الله تعالى لما شرع لعباده ألا تزوج المرأة نفسها ، واشترط أن يكون وليها هو الذي يتولى تزويجها ، إنما شرع ذلك رحمة منه بعباده ، وحفاظا على مصالحهم العظيمة التي تضيع هدرا حينما يتهاون الناس في ذلك ؛ واسألي عن قصص الزيجات التي بنيت على ذلك ، وكيف تحولت عيشتهم إلى هم وندم ، هذا إن دامت بينهم عشرة .
على أننا لا نحتاج إلى التجربة لكي نطيع أمر ربنا عز وجل ، أو نعرف ما فيه من المنافع والمصالح الدينية والدنيوية لنا ، فوظيفة المؤمن أمام أمر الله تعالى أن يقول : سمعنا وأطعنا!!
[ يمكن مراجعة السؤال (2127) (31119) حول اشتراط الولي في النكاح ] .
فالذي ننصحك به ـ أختنا الكريمة ـ ألا تستبدي بأمرك ، ولا تجعلي العاطفة هي مقياس الحكم على الأمور ، ولا تنظري إلى مشكلتك بعين واحدة ، بل استعيني بالناصح الأمين من أهلك والأقربين منك ، ممن يعرفكم ويعرفه ، ومن له ود عند أبيك ، وقبول في نفسه ، ويثق والدك في رأيه .
ثم استخيري الله عز وجل ، واعلمي أنك متى استخرت ربك ، وأنت صادقة في اللجوء إليه ، والافتقار إلى عونه وتوفيقه ، فإن الله تعالى لا يقدر لعبده المؤمن إلا الخير ، وسواء كان ما قضاه موافقا لما تحبين وتطلبين أو مخالفا ؛ فإن أمر المؤمن كله خير ، فارضي حينئذ بما قدره الله ، وجعله من نصيبك .
ولك هنا أن تستعيني بمن يمكنه إقناع والدك بأن يزوجك ممن ترغبين ، إذا كان الحال على ما ذكرت من الدين والخلق .
ولكي تستفيدي من ذلك ، لا بد من ترك الفرصة للوالد في التفكير ، ولا تحاولي أن تحسمي الأمر معه مبكرا ، بمعنى أنني لا أنصحك بإبداء الإصرار الكبير من البداية(43/114)
على الزواج من هذا المتقدم ، ولا تحاولي أن تدخلي في جدال أو مشادة مع الوالد ، فيؤدي ذلك إلى تعنته وتشدده ، بل حاوريه بالحسنى فقط ، واستخدمي ألفاظ التفويض والولاية ، كأن تقولي له : أنت والدي وولي أمري وتعرف مصلحتي فأرجو أن تعيد التفكير وتقلبه ، ونحو ذلك من الأساليب التي تترك مجالا للحوار ، ولا تتعجلي الجواب من الوالد ، فكلما طال الأمر والانتظار اقترب الفرج إن شاء الله .
ثم قبل ذلك كله وبعده ، أرى أن معك حلا صائبا إن شاء الله ، هو بلا شك أنفع من كل ما سبق ، ولا أراه يخيب أبدا ، وهو الإلحاح على الله في الدعاء ، لا أقول الدعاء فقط ، بل الإلحاح والتذلل والانطراح على أبواب رحمة الله ، وسؤاله الخير والفرج والسعادة ، وإذا رأى الله منك صدق الدعاء ، أعطاك بإذنه سبحانه ما تحبين ، كيف لا وهو الجواد الكريم .
ولا نحب لك - أختنا الكريمة - وأنت في غمرة الشعور باللوم للوالد ، والنظر إليه على أنه متعنت في منعك من هذا الزواج ، واستعمال ولايته عليك ، لا نحب لك أن تنسي أن علاقة بين رجل وامرأة أجنبية عنه ، لا بد أنها لم تصل إلى تلك الدرجة من التعلق القلبي بينهما إلا بقدر كبير من التفريط في مراعاة حدود الله ، وحفظها وعدم تعديها ؛ من كلام ، ووعد ، ونظر ...
فعليك أختنا بتقوى الله عز وجل في السر والعلن ، وإياك ومصيبة الدين ، فتلك هي المصيبة حقا ، وأما أن زوجا يذهب أو يجيء ، ومال يكتسب أو يضيع ... ، فكل ذلك يهون أمام المصاب في الدين :
من كل شيءٍ إذا ضيعته عوضٌ وليس في الله إن ضيعته عوضُ
فإذا كان قد صدر شيء من ذلك منكما فسارعا إلى التوبة منه ، فقد يكون الله تعالى قد أخر عنك قبول والدك حتى يرى صدقكما في الالتزام بأمره سبحانه ، ألم يقل الله تعالى في محكم كتابه : ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ، وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ، إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2-3
والله أعلم .
ويمكنك مراجعة بعض النصائح والأحكام المتعلقة بمشكلتك في موقعنا في الإجابات التالية :
(6398) (10196) (23420) (36209)
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
إذا عضلها الأولياء وعلمت أن القاضي لا يحكم في قضايا العضل
سؤال:
أنا فتاه أشرفت على بلوغ ال 25 عاما وبضاعتي في الجمال قليلة ، لم يتقدم لي إلى الآن أحد ممن أرجو خلقه ودينه ويكون كفئاً لي . تقدم لي شاب يبلغ من العمر 28 عاما على خلق ودين ، كفؤ لي من حيث المستوى العلمي والاجتماعي ، ولكن أهلي رفضوه لا لعيب فيه ، ولكن لأنه ليس من جنسيتي .(43/115)
أهلي يعضلوني وأنا أريد هذا الإنسان ، وتعلقت به ، فأرى فيه من يحفظني ويحفظ لي ديني في هذا الزمن المليء بالفتن .
وهنا في بلدي قضايا العضل لا تقبل ، وإن قبلها القاضي فإنه لا يحكم للفتاة ، لتجنب المشاكل ، وهذا عن علم ممن يعمل في القضاء .
لا يعلم بأمر هذا الخاطب إلا أمي وأختي ، واثنان من إخوتي الرجال الأربع ، أحدهما ضربني وأهانني بسبب طلبي هذا الأمر ، ويجبروني على أن أبدو أمام الناس طبيعية وإلا ضربت وأهنت مرة أخرى ، يطلبون مني ما لا أقوى عليه ، فأنا في كرب وهم وحزن شديد ، أبي متوفى ولي عم واحد واثنان من أبناء عمي وهم بنفس تفكير أهلي العاضلين لي وأشد ، ولا يعلمون بأمر هذا الخاطب وأستطيع أن أؤكد أنهم سوف يعضلوني إن علموا بالأمر ، ووصولي لهم وإبلاغهم صعب للغاية ، خاصة أبناء عمي ، فأنا ليس لي أي علاقة بهم ، ولا أعرف كيفية الوصول إليهم في ظل تحجر إخوتي معي ، وظلمهم الشديد لي ، والأذى الذي يقع علي منهم ، فهل عضل إخوتي لي وعلمي المسبق بعضل عمي وأبناء عمي مع الضرر الأكبر الذي قد يقع علي إن علموا يسقط ولايتهم علي أجمعين ، فأختار أنا ولياً صالحاً لي يزوجني مع عدم قدرتي على اللجوء للقضاء ، لأنه لا يطبق شرع الله ، وهل إن فعلت ذلك أكون عاقة لأهلي وأمي التي تعارض الزواج لنفس السبب ، مع العلم أنها من نفس جنسية هذا الخاطب !.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يصح النكاح إلا بولي ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود ( 2085 ) والترمذي (1101 ) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل . . . فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) رواه أحمد ( 24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2709) .
ثانيا :
إذا منع الولي موليته من الزواج بكفء رضيتْ به ، فقد عضلها . وبعض أهل العلم يشترط لثبوت العضل أن يتكرر المنع ، فإذا تكرر منعها من الكفء ، فهو عاضل ، تنتقل الولاية لمن بعده من العصبة ، ثم إلى القاضي .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/383) : " ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ، ورغب كل واحد منهما في صاحبه. قال معقل بن يسار : زوجت أختا لي من رجل ، فطلقها ، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ، فقلت له : زوجتُك ، وأفرشتك ، وأكرمتك ، فطلقتها ثم جئت تخطبها ! لا والله لا تعود إليك أبدا. وكان رجلا لا بأس به ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ، فأنزل(43/116)
الله تعالى هذه الآية : ( فلا تعضلوهن ) فقلت : الآن أفعل يا رسول الله . قال : فزوجها إياه . رواه البخاري.
وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه ، وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد .
فإن رغبت في كفء بعينه ، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها ، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته ، كان عاضلا لها.
فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك ، ولا يكون عاضلا لها " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى ، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب ، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي ، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي ، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقا وتسقط عدالته وولايته بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته فلا يصح أن يكون إماما في صلاة الجماعة في المسلمين وهذا أمر خطير.
وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفا يرد الخطاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن وهم أكفاء . ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج، وهذا أمر واقع ، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد ، أيهما أشد مفسدة : أن تبقى بلا زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زوجها ، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها.
لا شك أن البديل الثاني أولى ، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك ؛ ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها ، فإن غيرها سوف يقدم كما أقدمت ، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردع لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء ، أي أن في ذلك ثلاث مصالح :
مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج .
مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليتبعنه.
منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من نساء ، على مزاجهم وعلى ما يريدون.
وفيه أيضا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) .
كما أن فيه مصلحة خاصة وهي قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكفاء في الدين والخلق " انتهى ، نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/148).
ثالثا :(43/117)
الذي يظهر من سؤالك أن إخوانك لم يمنعوك من كفء آخر ، وعليه فلا تتعجلي الأمر ، فقد يسوق الله إليك من ترضين دينه وخلقه ، ويرضى به إخوانك .
على أنه قد يكون إخوانك معذورين لرفضهم هذا الخاطب ، لأنه من غير جنسيتك ، وقد ثبت في الواقع حصول كثير من المشكلات بسبب مثل هذا الزواج .
فإذا تكرر منعهم من تزويجك ممن يكافئك ، كان لك الحق في الذهاب إلى القضاء ، فإن كان القاضي جباناً ، فلم يزوجك خوفاً من أوليائك ، فما بقي أمامك إلا أن تأخذي بقول الإمام أبي حنيفة رحمه الله : وتزوجي نفسك ، ويكون هذا موضع ضرورة .
والأولى لك أن تولي أمرك لرجل صالح من المسلمين يعقد لك النكاح .
هذا هو الحكم في مثل هذه الحالة .
إلا أننا لا نشير عليك أن تتزوجي بدون رضا أهلك ، لأن من تختار ذلك – في الغالب – قد خسرت أهلها إلى الأبد ، وعلى هذا ، فقبل الاختيار ، لا بد من المقارنة بين أمرين :
إما أن تتزوج بهذه الطريقة وتخسر أهلها ، وإما أن تصبر وتنتظر لعلها يأتيها من يرضاه أهلها ، ويكون مرضياً عندها أيضاً .
والمقارنة بين هذين الأمرين تختلف باختلاف الأحوال ، فقد يكون الخيار الأول مقبولاً عند من كبر سنها ، وتضاءلت أمامها فرص الزواج ، ويكون الخيار الثاني مقبولاً ، عند من دونها في السن ، وترجو إن هي انتظرت سنة أو سنتين أن يوفقها الله لزوج صالح ، ويزيل شكايتها .
وأخيرا . . الأمر كله بيد الله تعالى ، فعليك بالالتجاء إليه ، ودعاؤه أن يهدي أهلك ، ويرزقك الزوج الصالح والذرية الصالحة التي تقر بها عينك .
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك ، ويفرج كربك .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
-ـــــــــــــــــــ
لا يشترط لصحة الإسلام إعلانه أمام شهود ؟
سؤال:
أنا شاب متزوج من مسلمة وأهلها غير مسلمين ، وكانت قد أسلمت وتعلمت بعض السور والصلاة عن طريق الإنترنت وبعد الزواج سألتها على يد من أسلمتِ ؟ قالت : أسلمت وحدي ، فقلت لها : يجب نطق الشهادتين فنطقت بهما أمامي فهل هذا صحيح ؟
مع العلم لقد تزوجنا في المسجد أمام الشيخ وعدد من الشهود وكذلك حصلت على تعريف يفيد بأنها مسلمة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :(43/118)
لا يشترط حتى يكون المرء مسلماً أن يعلن إسلامه بين يدي أحدٍ من الناس ، فالإسلام أمر بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى ، وإذا أشهد على إسلامه لتوثيق ذلك في وثائقه الخاصة فلا بأس , لكن دون جعل ذلك شرطاً في صحة إسلامه .
وقد سبق بيان هذا في أكثر من جواب ، فلتنظر أجوبة الأسئلة : ( 11936 ) و ( 655 ) و ( 6542 ) و ( 6703 ) .
ثانياً :
ولا يصح عقد نكاحٍ أحد بغير ولي للزوجة ، ولا ولاية لكافرٍ على مسلمة ، فإن لم يوجد وليٌّ لها مسلم فيقوم القاضي أو إمام المسجد أو مفتي المنطقة مقام الولي .
وفي جواب السؤال ( 7714 ) و ( 7989 ) تجد تفصيل حكم المرأة في بلاد الكفر حيث لا يوجد لها ولي مسلم .
ونسأل الله تعالى أن يبارك لكما , ويبارك عليكما , ويجمع بينكما في خير .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
حكم زواج المرأة بمن يحضر الموالد وعنده بعض البدع
سؤال:
لدي سؤال صعب ، فأخت زوجتي ستتزوج قريباً ، وهي متخوفة من نوعية الشخص الذي ستتزوج به ، وحتى أكون واضحاً معك ، فقد سألتْني ما إذا كان يصح الزواج برجلٍ يؤيِّد بشدة المولد أو الاحتفال بمولد النبي – صلى الله عليه وسلم - أنا أفهم أن هذا العمل في ذاته بدعة في الإسلام ، لكن ، الصعوبة تكمن في ما إذا كان يمكن للمسلمة أن تتزوج بمن يقيمون الموالد ، وفي البلد الذي أقيم فيه فإن الناس الذين يقيمون هذا العمل يفعلونه كعبادة ، وفي هذه المناسبة يدعى الناس لحضور الاحتفال حيث تقرأ بعض الأحاديث وتُغنى بعض الأغنيات ويقال الدعاء ، والناس في الحقيقة يقفون ويغنون ! وأنا أتمنى أن يكون هذا هو الفعل الذي تشير إليه الفتوى في موقعك . أما عن السؤال فهو : هل يجوز للمسلمة الزواج بمن يفعل هذا الفعل ؟ والسؤال الأصعب والذي أخشى من طرحه هو : هل مَن يفعل هذا الفعل يعتبر مسلماً ؟ .
الجواب:
الحمد لله
وبعد : فأما ما يتعلق بحكم المولد ، وهل يعتبر فاعله مسلماً : فالجواب تجده بالتفصيل في زاوية " مواضيع في المناسبات " من هذا الموقع ، وخلاصته : أن الذين يفعلون هذا الأمر هم أصناف كثيرة بحسب ما يقومون به من أعمال ـ وإن كان المولد في حد ذاته بدعة ـ لكن الحكم على فاعله يختلف بقدر ما يرتكبه في هذا المولد من مخالفات ، وبالتالي فقد يصل الأمر إلى حد الشرك والخروج من الملة ؛ إذا ارتكب في هذا المولد شيئاً مِن المكفرات المعلومة ، كدعاء غير الله ، أو وصف النَّبي صلى الله عليه وسلم بصفات الربوبية ، أو ما شابه ذلك ، وأما إن كان لم يصل إلى هذا الحد فهو فاسق وليس بكافر ، ويتفاوت فسقه بقدر ما يرتكب في هذا المولد من مخالفات وبدع .(43/119)
وأما مسألة الزواج من الرجل الذي يشارك في مثل هذه الموالد فحكمه يختلف بحسب حال هذا الرجل ؛ فإن كان يقع في المكفرات فلا يجوز الزواج منه بحال من الأحوال لأن الله يقول { وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُم } البقرة/221 والعقد يعتبر باطلاً ، وهذا بإجماع أهل العلم .
وأما إن كان المبتدع لم يصل ببدعته إلى حد الكفر ؛ فإن العلماء قد حذروا من مناكحة أهل البدع تحذيراً شديداً ، ولذا قال الإمام مالك رحمه الله : " لا ينكح أهل البدع ؛ ولا ينكح إليهم ، ولا يسلم عليهم .. " المدونة " 1 / 84 ، وقريب منه قول الإمام أحمد رحمه الله .
وقد قررّ الأئمة الأربعة رحمهم الله أن مسألة الكفاءة في الدين بين الرجل والمرأة في النكاح من الأمور المعتبرة ؛ فالفاسق ليس بكفؤ للمسلمة المتدينة المستقيمة لأن الله قال : ( أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون ) ولاشك أن البدعة في الدين من أشد أنواع الفسق ، ومعنى اعتبار الكفاءة في الدين : أنه لو اكتشفت المرأةُ أن الزوج فاسقٌ أو تبيَّن لأوليائها أن الزوج فاسق بعد أن تمَّ العقد فإنه يحق للمرأة أو لأوليائها الاعتراض على هذا العقد وطلب فسخه ، أما إذا أسقطوا هذا الحق برضاهم فإن العقد صحيح .
ولذا فينبغي الحذر من مثل هذ1النكاح ؛ خصوصاً وأن القوامة تكون للرجل فربَّما ضايق المرأة ؛ وأجبرها على ارتكاب بعض البدع ، أو ألزمها بمخالفة السنَّة في بعض الأمور ؛ أما الأولاد فشأنهم أخطر ، فهم عرضة لأن يربيهم على بدعته فينشئون مخالفين لأهل السنَّة ، وفي هذا من الحرج والضيق على الأم المتبعة لمنهج أهل السنة والجماعة ما فيه .
وخلاصة القول : أن نكاح المرأة لرجل مسلم من أهل البدع مكروه عند أهل السنة كراهة شديدة ، لما يترتب عليها من المفاسد ، وتعطيل كثير من المصالح .
ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه .
راجع " موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع " د . إبراهيم الرحيلي ( 1 / 373 – 388 ).
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
نصرانية تسأل عن صحة زواجها من مسلم
سؤال:
أنا امرأة نصرانية، وقد تزوجب منذ فترة قريبة بمسلم. وبسبب اختلاف عقائدنا، فقد تم عقد زواجنا في دار العدل، الذي يقابل المسجد (عندكم). فهل ينظر الإسلام إلى هذه الزيجة على أنها صحيحة "حقيقية"؟ لقد بحثت عن هذا، وتفاجأت عندما قرأت أن الإسلام لا يعترف ولا يعتبر (مثل) هذا زواجا حقيقيا صحيحا؟ أرجو أن تؤكد هذا .. أنا أحب هذا الرجل كثيرا.
الجواب:(43/120)
الحمد لله
أولاً : إذا تم النكاح بوجود :
1ـ الإيجاب من ولي أمرك ـ وهو أبوك أو من يقوم مقامه إن لم يوجد بشرط أن يكون على دينك ـ وذلك بأن يقول ـ مثلاً ـ زوجتك ابنتي .
2ـ والقبول من الزوج بأن يقول ـ مثلاً ـ قبلت .
3ـ وأن يكون العقد بحضور شاهدين مسلمين .
فإن النكاح صحيح ، ( لمزيد من التفصيل حول شروط النكاح يراجع السؤال رقم 2127 وكذلك ملف شروط النكاح الموجود في الصفحة.) ، وإذا نقص شرط من هذه الشروط فإن النكاح لايصح ، ويلزمكما إعادة العقد من جديد . ومكان العقد لا يؤثّر في صحة النكاح
ثانياً : لقد لفت هذا السؤال انتباهنا وذلك لحرصك أيتها السائلة الحصيفة على معرفة أحكام الدين الإسلامي الحنيف في هذه القضية ،ولعل هذا يكون سبباً للبحث عن الحقيقة الأكبر ، والأهم وهي ما هو دين الحق ؟
فاسمحي لنا أيتها السائلة أن نتوجه لك بهذه الأسئلة :
هل تريدين الحياة السعيدة ؟ وهل تفكرين في الطمأنينة ؟ وهل تبحثين عن الحقيقة ؟
وهل تريدين لأولادك حياةً مستقيمة ؟؟؟؟؟
إذاً فاعلمي هدانا الله وإياك إلى الحق ...
أن الله خلق الخلق لغاية عظيمة ، ألا وهي عبادة الله وحده لا شريك له ، قال الله تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون . ما أُريد منهم من رزق وما أُريد أن يطعمون . إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) سورة الذاريات (57) .
فأرسل الله الرسل لدعوة الناس إلى هذه الغاية ، قال الله تعالى : " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(36).
ثم ختم الرسالة بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام فكان آخر الأنبياء والرسل قال الله تعالى : ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) سورة الأحزاب/40 .
وقال الله تعالى : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ الله وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) سورة الفتح/29 .
وكان من حكمة إرسال الرسل هو إقامة الحجة على الناس لئلا يقولوا ما جاءنا من رسول ولم يُخبرنا أحدٌ بأمر الله لنا بعبادته قال الله تعالى : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ، وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ، رُسُلاً(43/121)
مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) سورة النساء/163-165 .
فنحن ندعوك أيتها السائلة وندعوا كل من لا يدين بدين الإسلام أن يبادر بامتثال أمر الله بالإيمان به وحده لا شريك له والإيمان بنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله للخلق أجمعين من إنسٍ وجن ، فقد أمرهم الله بذلك في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى الله إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِالله وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَكَفَى بِالله وَكِيلاً ) سورة النساء/170-171 .
وقد أخبر الله في كتابه الكريم (القرآن) بأنه لا يقبل من أحدٍ ديناً سوى دين الإسلام ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنْ الْخَاسِرِينَ ) سورة آل عمران/85 ، وقال تعالى : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ الله فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) سورة آل عمران/18-19 .
ثم لا تنسي أن إسلامك أفضل للأولاد أيضاً حتى لا يقعوا في شتات ذهني وعذاب نفسي فيقولوا أبونا مسلم وأمنا نصرانية فبمن نقتدي ؟
ولعل المزيد من التأمل والتعقل يقود إلى نتيجة طيبة بإذن الله ، واحرصي أن تقرئي ترجمة صحيحة للقرآن الذي يعتبر معجزة نبي الإسلام ، ثم اقرئي سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وكيف أن الله جعل العاقبة الحميدة له ولأصحابه ، وكيف أجرى الله على يديه المعجزات من خوارق العادات ، كنبع الماء من بين أصابعه وانفلاق القمر فلقتين عندما طلب منه المشركون آية فأمر القمر أن ينفلق ، فانفلق فلقتين ، وغير ذلك مما هو موجود في السيرة ، وكذلك إخباره عن المغيبات التي لايمكن أن تُعلم إلا عن طريق الوحي كإخباره بفتح مملكة الفرس والروم قبل فتحهما ، وغير ذلك مما يدل على نبوته . نسأل الله الهداية للجميع .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
وسطية الفتوى: ضوابط وأحكام ... العنوان
الكل يتحدث عن الوسطية ، فهل يمكن أن تكون هناك معايير يمكن تطبيقها ، حتى يصل المفتي إلى ما يمكن أن نطلق عليه وسطية الفتوى؟ أو كيف تكون الفتوى وسطية بين التساهل والتشدد؟
... السؤال
15/01/2007 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي(43/122)
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
يقول الشيخ عبد الله بن بيه عضو المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث :
الوسطية في الفتوى تعني : المقارنة بين الكليّ والجزئيّ والموازنة بين المقاصد والفروع والربط بين النصوص وبين معتبرات المصالح فيالفتاوى والآراء فلا شطط ولا وكس.
وهي ناموس الأكوان وقانون الأحكام تتعامل مع الوقائع من خلال النصوص والواقع مما سماهبعض العلماء فقه الموازنات وهو في حقيقته توازن بين الثوابت والمتغيرات
وتقوم وسطية الفتوى على أربعة ركائز:
الأولى: قاعدة تغير الفتوى بتغير الزمان:
وكان عمر – رضي الله عنه – ممن له نصيب في تأصيل هذه القاعدة ، فمن ذلك أنه لم يعط المؤلفة قلوبهم مع ورود ذلك في القرآن ورأى أن عز الإسلام موجب لحرمانهم.
وكذلك إلغاؤه للنفي في حد الزاني البكر خوفاً من فتنة المحدود والتحاقه بدار الكفر لأن إيمان الناس يضعف مع الزمن.
ومن ذلك أمر عثمان بالتقاط ضالة الإبل ، مع ورود النهي عن هذا الفعل ؛ وذلك لما رأى من فساد الأخلاق وخراب الذمم وورث تماضر الأسدية لمّا طلقها عبد الرحمن في مرض موته..
وأمير المؤمنين علي رضي الله عنه يضمن الصناع بعد أن كانت يد الصانع أمانة قائلا : لا يصلح الناس إلا ذاك.
وقد وردت هذه القاعدة في مجلة الأحكام العدلية بعنوان : لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان".
غير أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها ، فالمأموريات والمنهيات المعلومة من الدين بالضرورة لا تخضع لقاعدة التغير بسبب الزمان .
فالذي يتغير هو الأحكام الاجتهادية وأما القطعيات من الأحكام فلا تتغير فلا يمكن أن تتغير المواريث بدعوى أن المرأة أصبح لها شأن ولا يمكن أن يتغير تحريم ربا النسيئة في بلاد الإسلام ولا تحريم أكل الميتة والخنزير.
وتغير الفتوى لا يكون إلا لترجح مصلحة شرعية لم تكن راجحة في وقت من الأوقات أو لدرء مفسدة حادثة لم تكن قائمة في زمن من الأزمنة.
والأمثلة في المذاهب كثيرة ، منها ما نقله ابن عابدين في حاشيته من أن المتقدمين من فقهاء المذهب يرون بطلان الإجارة على الطاعات ، ولكن جاء المتأخرون ، وصححوها على تعليم القرآن ، ثم جاء من بعدهم وصححوها على الأذان والإمامة، وذلك للضرورة، والحفاظ على تعليم القرآن وإقامة الشعائر.(43/123)
وفي مذهب الأحناف أيضا أن المرأة إذا قبضت معجل المهر ، فعليها اتباع زوجها حيث شاء ، ثم جاء المتأخرون وأفتوا بخلاف ذلك ، ورأوا بأن المرأة لا تجبر على السفر مع زوجها إلى مكان إذا لم يكن وطناً لها وذلك لفساد الزمان والأخلاق.
ثانياً: قاعدة العرف:
وهذا أصل هام من أصول الفتوى ، نطق به العلماء ، حيث قال ابن عابدين:" ليس للمفتي ولا للقاضي أن يحكما بظاهر الرواية ويتركا العرف، والله أعلم.
وقال الإمام القرافي في حديثه عن العرف :" وعلى هذا القانون تُراعى الفتاوى على طول الأيام فمهما تجدد في العرف اعتبره ومهما سقط أسقطه ، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك لا تجره على عرف بلدك واسأله عن عرف بلده وأجره عليه وأفته به دون بلدك والمقرر في كتبك فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات أبداً ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين، وعلى هذه القاعدة تتخرج إيمان الطلاق والعتاق وصيغ الصرائح والكنايات، فقد يصير الصريح كناية يفتقر إلى النية، وقد تصير الكناية صريحاً مستغنية عن النيّة" .
ثالثاً: قاعدة النظر في المآلات:
ومما يصب في جداول المصلحة ويسير في دربها قاعدة النظر في المآلات في الأقوال والأفعال وقد نص الشاطبي على أن المفتى عليه أن ينظر في مآل فتواه. وقد فصل الإمام الشاطبي في هذا الأمر ، ورأى أن المفتي عليه أن يتمهل وأن ينظر ما يؤول الأمر في فتواه ، فقد يكون هناك شيء مشروع لجلب منفعة ، أو لدرء مفسدة ، ولكنه له مآل على خلاف ما قصد، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به ولكن له مآل على خلاف ذلك.
وتأصيل ذلك قوله تعالى:( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم)، وقوله صلى الله عليه وسلم :" لولا قومك حديث عهد بكفر لأسست البيت على قواعد إبراهيم " وقوله في تعليل انصرافه عن قتل المنافقين:دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ، أخاف أن يتحدث الناس أن محمد يقتل أصحابه". البخاري.
والصحابة رضوان الله عليهم كانوا يفهمون مقصد الشارع ، ويتصرفون وفقا لهذا الفهم ، فهذا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يترك تغريب الزانى البكر مع وروده في الحديث حيث قضى عليه الصلاة والسلام بجلده مائة وتغريب سنة وذلك لما شاهد من كون التغريب قد يؤدي إلى مفسدة أكبر وهى اللحاق بأرض العدو وقال لا أغرب مسلماً.
وقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : كفى بالنفي فتنة.
وأيضا فإن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لمّا تولى الملك أجل تطبيق بعض أحكام الشريعة فلمّا استعجله ابنه في ذلك أجابه بقوله : أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدفعونه جملة ويكون من ذا فتنة..
وهذا الإمام ابن تيمية – رحمه الله – حين رأى صاحبا له يكلمه عن التتار يشربون الخمر ، وأنه واجب عليه أن ينهاهم ، فقال له : إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن(43/124)
ذكر الله وعن الصلاة وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذّرية وأخذ الأموال فدعهم .
وقد قال الشاطبي أنه ينبغي على المجتهد: النظر فيما يصلح بكل مكلف في نفسه بحسب وقت دون وقت وحال دون حال وشخص دون شخص إذ النفوس ليست في قبول الأعمال الخاصة على وزّان واحد. فهو يحمل كل نفس من أحكام النصوص ما يليق بها بناء على أن ذلك هو المقصود الشرعي في تلقي التكاليف.
وسد ذرائع الحرج والمشقة وقد يسميه البعض بفتح الذرائع لأنه ترك لبعض فضائل الأعمال خوفاً من إعنات المكلفين كما ترك عليه الصلاة والسلام تأخير صلاة العشاء قائلا: هذا وقتها لولا أن أشق على أمتي". ، وترك الأمر بالسواك عند كل صلاة ، وترك بناء البيت على قواعد إبراهيم، وترك قتل أهل النفاق ، خشية على صورة الإسلام .
وعلى هذا ينبني كثير من قرارات المجلس الأوربي حيث يمنع أئمة المساجد من عقد النكاح قبل أن يعقد عقداً مدنياً أمام السلطة لأن من شأن تلك العقود وإن كانت مستوفية الشروط أن تؤل إلى خصومات وربما حرمان المرأة من حقوقها وحرمان الأولاد من نسبهم لعدم توثيق العقد وهذا من باب النظر في المآلات.
وليس في هذا تساهل ، و بهذا نقرر أن التسهيل غير التساهل فالتسهيل مطلوب ومرغوب لانبنائه على قاعدة التيسير أما التساهل فمبني على الهوى.
رابعاً: قاعدة تحقيق المناط في الأشخاص والأنواع:
وتحقيقُ المناط في الأنواع واتفاقُ الناس عليه في الجملة مما يشهد له كثير من الأدلة، من ذلك : ما ورد عن ابن سيرين؛ قال: كان أبو بكر يُخافِت، وكان عمرُ يَجهر -يعني في الصلاة- فقيل لأبي بكر: كيف تفعل؟ قال: أناجي ربِّي وأتضرع إليه، وقيل لعمر: كيف تفعل؟ قال: أوقِظُ الوَسْنانَ، وأُخثأُ الشَّيطان، وأُرضي الرحمن. فقيل لأبي بكر: ارفعْ شيئاً، وقيل لعمر: اخْفِض شيئاً.
وفي "الصحيح": أن ناساً جاءوا إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالوا: إنا نجدُ في أنفسنا ما يتعاظم أحدُنا أن يتكلَّمَ به. قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال: ذلك صريحُ الإيمان.
وقال عليُّ: حدثوا الناس بما يفهمون، أتريدون أن يكذَّبَ اللهُ ورسوله؟" فجعل إلقاء العلم مقيداً؛ فَرُبَّ مسألةٍ تصلُح لقوم دون قوم، وقد قالوا في الرَّباني: إنه الذي يُعلِّمُ بصغارِ العلم قبل كِباره؛ فهذا الترتيب من ذلك.
وقد فرَّع العلماء على هذا الأصل؛ كما قالوا في قوله تعالى (إنما جزاء الذي يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا) الآية
إن الآية تقتضي مطلق التخيير، ثم رأوا أنه مقيَّدُ بالاجتهاد؛ فالقتل في موضع، والصلب في موضع، والقطع في موضع، والنفي في موضع، وكذلك التخيير في الأساري من المَنِّ والفداء.
وكذلك جاء في الشَّريعة الأمرُ بالنِّكاحِ وعدُّوه من السُّنن، ولكن قسَّموه إلى الأحكام الخمسة.
والله أعلم(43/125)
ملحوظة : هذا ملخص بحث للشيخ في الموضوع بعنوان : معايير وسطية الفتوى، وهو بحث مقدم لمؤتمر : الوسطية منهج حياة ، والذي انعقد بالكويت عام 2005
ـــــــــــــــــــ
زواج الرجل بمن أفسدها على زوجها ... العنوان
صديقي وقع في غرام امرأة متزوجة وملكت عليه فؤاده وحاول شيئا فشيئا أن يقترب منها ويتودد إليها وأباح لها بمكنون فؤاده ولعب الشيطان دوره ونصب شباكه فغلف المعصية لتبدو في مظهر حسن فسمى الفجور حبا ، وزينه في أعين المفسدين ، ومع مرور الوقت لم يجد صاحبي بدا إلا أنه يحرض الزوجة على أن تطلق من زوجها وقد كان له ما أراد وبعد ذلك استطاع أن يتزوج منها؟ فما حكم هذا الزواج هل هو زواج صحيح أم لا؟
... السؤال
08/01/2007 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
إفساد المرأةعلى زوجها من الذنوب العظيمة، وهو من فعل السحرة الذين يفرقون بين المرء وزوجه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من خبب امرأة على زوجها" ، والتخبيب هو إفساد الزوجة على زوجها.
وقد اختلف الفقهاء في حكم نكاح الرجل بمن أفسدها على زوجها ، فجمهور العلماء على أن نكاح المخبب بمن خبب بها صحيح على الرغم من حرمة التخبيب ، وذهب المالكية وبعض أصحاب أحمد إلى أن النكاح باطل ويفرق بينهما ، معاملة له بنقيض قصده .
يقول الدكتور أحمد الشرباصي ـ رحمه الله ـ من علماء الأزهر :
لقد حَرَّمَ الله - جلَّ جلاله - زَوَاجَ المرأة المتزوجة، وذلك بنص القرآن الكريم، حين ذَكَرَ ذلك ضمن المُحَرَّمَات بقوله : (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ) (النساء: 24) ومن الكبائر التي يلجأ إليها مَن ليس له دين ولا خُلُق ولا ضمير أن تتطلَّع عينُ الإنسان الخبيثة إلى زوجة غيره، فيطمع فيها، ثم يُحاول هَدْمَ بيت الزوجية، مُنْدفعًا بشيطانه وشهوته، يُريد مِن وراء ذلك أن يُفسد الحياة الزوجية؛ وأن يَهدم بيتها الذي حَصَّنَه الله ورسوله، وإنما يُريد ذلك الأثيم من وراء محاولته أن يستجيب لشهوته المُنْحَرِفَة التي لا يرضى عنها الله ولا رسوله .
ولا ندري كيف يستحق وصف الإسلام مَن يفكر في ذلك الإثم، و يقدم على ارتكابه؟ إن مثل هذا الإنسان الدنيء يُسيء إلى دينه أولًا، وهو الإسلام الحنيف، ويُسيء إلى الزوج ثانيًا؛ لأنه يسعى في خراب بيته، وإفساد زوجته عليه، وهذا من أقبح أنواع السعي بالفساد في الأرض، وإهلاك الحرث والنسل، وهو يُسيء كذلك إلى الزوجة المسكينة المُضَلَّلَة؛ لأنه يهدم بيت زواجها، ويُغريها حتى تستجيب له، وترتكب الجريمة الفاحشة، بقطع ما وَصَلَهُ الله من مِيثاق الزواج بينها وبين زوجها، دون أن(43/126)
ترى من هذا الزوج انحرافًا، أو اعتسافًا يستدعي إصلاحَه أنْ نُفَرِّقَ بينه وبين زوجته .
ولكن إذا كان هذا الزوج قد أساء إلى زوجته إساءة لا تستقر معها حياة الزوجية، ورأت الزوجة أنَّ بقاء العلاقة الزوجية أمر لا يُطاق، و أقنعت زوجها بالانفصال بينهما، وتمَّ ذلك بالرضا والاختيار، وبدون إساءة لاستعمال الحق في هذا المجال، فلا مانع من زواج الشخص المسلم بها إذا توافرت الشروط المطلوبة في هذا المجال . أهـ
ويقول الدكتور عبد الله الفقيه ـ مشرف مركز الفتوى بموقع الشبكة الإسلاميةـ :
اختلف الفقهاء في حكم نكاح المخِّبب بمن خبب بها على قولين: مذهب جماهير أهل العلم على جواز نكاحه، وإن كانوا يرون تحريم التخييب، إلا أن النكاح صحيح عندهم .
ويرى المالكية وهو قول بعض أصحاب أحمد: أن نكاحه باطل عقوبة له لارتكابه تلك المعصية، ويجب التفريق بينهما معاملةً له بنقيض قصده.
والراجح هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من صحة نكاحه، فالتخبيب وإن كان حراماً وكبيرة من الكبائر إلا أن النكاح إذا وقع بشروطه الشرعية كان نكاحاً صحيحاً، وما سبقه من تخبيب لا يعود عليه بالإبطال.
أما ما ذكره المالكية من تحريمها عليه عقوبة له، فالواجب هو تعزيره على هذه المعصية على ما يقرره القاضي الشرعي، وأن تعرَّف المرأة على جلية الحال، فإن أرادت الرجوع إلى زوجها وكان الطلاق رجعياً فلها ذلك، وإن أرادت الزواج بغيره فلها ذلك أيضاً .
ونقول: كفى بالتحريم رادعاً، وكفى بالوعيد المنصوص عليه في الأحاديث السابقة زاجراً عن الإقدام على هذا الفعل الذي حمل عليه طغيان الشهوة، وإهدار حقوق المسلم على أخيه، وما أقرب الندم وفساد ذات البين ممن يفعل ذلك ويجترئ عليه .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
زواج المسيار : بين الشرع والعرف ... العنوان
ما حكم الدين في زواج المِسيار ، وهل تنازل المرأة فيه عن حقوقها يبطله ؟
... السؤال
21/11/2006 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
فللزواج شروط، وهي الرضا الكامل من الزوجين، والصيغة التي تدل على التأبيد، والوليّ من قِبَل الزوجة، والشهود الذين تتوافر فيهم أهلية الشَّهادة، والإشهار والإعلان، فإن تحققت هذه الشروط في زواج المِسيار فهو زواج صحيح ما دام غيرَ مُحَدَّد بمدة ، أيا كان اسمه.(43/127)
وأما تنازل المرأة عن حقوقها المُقَرَّرة لها شرعًا، كالنفقة والمسكن والقَسْم في المبيت ليلًا، فهو جائز، فالسيدة سَودة وهبت يومها للسيدة عائشة رضوان الله عليهما.
فكل شرط لا يؤثر في الغرض الجوهريّ والمقصود الأصليّ لعقد النكاح فهو شرط صحيح، ولا يُخلّ بعقد الزواج ولا يُبْطِله ، ومع هذا فلا ينبغي انتشار هذا النوع من الزواج.
يقول الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر:
الزواج في شريعة الإسلام من أقدس العلاقات الإنسانية والبشرية والاجتماعية، التي راعاها وحافظ عليها وأمر باتخاذ كل السُّبُل لتيسيره بين بني الإنسان الذكر والأنثى، وحمايته بميثاق غليظ بَيِّنِ الحقوق والواجبات الزوجية والأسرية، مُبارَكًا بكلمة الله تعالى ومأمورًا به في كتابه الكريم بقوله سبحانه وتعالى: (وأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ والصالحينَ مِن عِبادكم وإمَائِكُمْ إنْ يَكونوا فقراءَ يُغْنِهُمُ اللهُ مِن فضلِه واللهُ واسعٌ عليم) (النور: 32) وقوله تعالى: (ومِن آياتِه أنْ خَلَقَ لكم مِن أنفسِكم أزواجًا لتَسْكُنوا إليها وجَعَلَ بينَكم مودةً ورحمة) (الروم: 21). وقوله صلى الله عليه وسلم: " النِّكاحُ سُنَّتِي ومَن رَغِبَ عن سُنَّتِي فليس مني ".
وبالنكاح يتحقق الاستخلاف الشرعيّ الذي أراده الله للإنسان في هذه الحياة في قوله تعالى: (إني جاعلٌ في الأرضِ خليفة) وبهذا الاستخلاف تتم العبادة التي أرادها الله وأمر بها في قوله تعالى: (وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلا ليَعْبُدون . ما أريدُ مِنْهم مِن رزقٍ وما أريدُ أنْ يُطْعِمون. إنَّ اللهَ هو الرزاقُ ذو القوةِ المتين) (الذاريات: 56 ـ 58).
والزواج الذي يُحقق هذه الغاية النبيلة والكريمة هو الزواج المشروع الذي توافرت فيه أركانه وشروطه الشرعية التي أمر بها الله ورسوله في الكتاب والسنة، وأجمع عليها فقهاءُ الإسلام في كل العصور والأزمان؛ لأن هذه الأركان والشروط هي التي تُفَرِّق بين عقد النكاح المشروع وعقود النكاح التي حَرَّمها الإسلام إلى أن تقوم الساعة.
ودار الإفتاء ترى أن زواج المِسْيار إنْ تحققت فيه هذه الشروط والأركان، وهي الرضا الكامل من كلا الزوجين، والصيغة التي تدل على التأبيد، والوليّ من قِبَل الزوجة، والشهود التي تتوافر فيهم الأهلية الكاملة للشهادة، والإشهار والإعلان بشتى الطرق ـ فهو زواج صحيح بصرف النظر عن مسماه ما دام أنه غيرُ مُحَدَّد بمدة، لِما يأتي:
1 ـ لقد جعل الله الرسالة المحمدية خاتمة الرسالات، وأنزل على رسولها دستورًا فيه سعادةٌ للبشرية إلى أن يَرِثَ الله الأرض ومَن عليها، وجعلها تساير كلَّ زمان وكلَّ مكان، وما يَعِنُّ للبشرية من شيء إلا وجدَتْه في كتابها الكريم (ما فَرَّطْنا في الكتابِ مِن شيء).
ولفظ المِسْيار له أصل في التاريخ قديمًا وحديثًا، فمن يتابع تاريخَ الرّحّالة الأوائل من المسلمين يجد أن بعضَهم قد يَحِلُّ ببلدة طلبًا للعلم أو المال، ويمكث بها فترة تَطول أو تَقْصُر، ويتزوج من هذا البلد، ويُوْلَد له، ثم بعد ذلك يتابع هجرته، ويرحل(43/128)
إلى بلد آخر إكمالاً لمسيرته تاركًا زوجتَه وأولادَه إما بطلاق أو بغيره، وتوافق زوجته على ذلك.
2 ـ هناك طريق واحد لا ثانيَ له يَسمح بالغريزة الجنسية أن تنطلق وتتحرك من مكانها، هذا الطريق هو الزواج الشرعيّ، وكل ما عداه منعته شرائع الله في جميع الأديان وعَدَّتْه من المسالك المُنْكَرة.
ولقد بَيَّنَ القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى: (والذينَ هُمْ لفُروجِهم حافِظون. إلا على أزواجِهم أو ما مَلَكَتْ أيْمانُهم فإنَّهم غيرُ مَلومين. فمَن ابْتَغَى وراءَ ذلك فأولئك هم العادون) (المؤمنون: 5 ـ 7).
فبينت الشريعة الإسلامية أن الزواجَ الشرعيَّ هو الذي يَجمع بين الذكر والأنثى بكلمة الله على عقد دائم وميثاق غليظ، وكل وَطَر يُقْضى بعيدًا عنه فهو عِصيانٌ لله واعتداءٌ على حدوده سبحانه وتعالى.
3 ـ من حق المرأة في الإسلام أن تتنازل عن حقوقها المُقَرَّرة لها شرعًا، ومنها النفقة والمسكن والقَسْم في المَبيت ليلًا، فلقد ورد في الصحيحين أن السيدة سَودة وَهَبَتْ يومَها للسيدة عائشة، ولو كان هذا غيرَ جائز شرعًا لَمَا أقره الرسول صلى الله عليه وسلم. وكل شرط لا يُؤثر في الغرض الجوهريّ والمقصود الأصليّ لعقد النكاح فهو شرط صحيح، ولا يَخِلُّ بعقد الزواج ولا يبطله.
هذا، ودار الإفتاء لم تَقْصد من كل هذا أن تَحُثَّ الناس على مباشرة هذا النوع من الزواج، وإنما تَعمل جاهدةً على بيان الحكم الشرعيّ الصحيح فيه بناء على دليل من الكتاب والسنة، وما ثَبَتَ لديها من فقه الأئمة الأعلام أصحاب المذاهب الفقهية الإسلامية قديمًا وحديثًا.
ندعو الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يفقهَنا في أمور ديننا ودنيانا وينفعَنا بما علمنا، إنه على ما يشاء قدير، وهو بالإجابة جدير.
ويقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
زواج المسيار زواج طبيعي عادي، فالعبرة بالمسميات والمضامين وليس بالأسماء والعناوين، هناك قاعدة فقهية تقول العبرة في العقود المقاصد والمعاني وليس للألفاظ والمباني، فلا نركض وراء الأسماء والمصطلحات، قد يسميه بعض الناس اسماً آخر، ونحن نعرف من قديم أن الناس يتزوجون، منهم من يتزوج ولا يخبر امرأته الأولى بهذا الزواج، فهو قريب من الزواج العرفي إن لم يكن مثله تماماً، وبعض الفقهاء قالوا بجواز أن تشترط الزوجة أن يكون الزواج ليليا أو نهاريا تتنازل عن هذا، روح هذا الزواج موجودة منذ القديم، وهذا الزواج يقضي حاجة بعض النساء، فالمرأة إن يسر الله تعالى لها المال ولم تتح لها فرصة الزواج في سن معقولة، يمكن أن تقبل بهذا، أنا أحب أن أقول أنا لست من محبذي زواج المسيار فأنا لم أخطب خطبة أدعو الناس فيها لزواج المسيار، ولم أكتب مقالاً أدعوهم فيه لهذا الزواج، وإنما سألني صحفى عن رأيّي في زواج المسيار، وهنا لا يسعني إلا أن أجيب بما يفرضه علي ديني، لا أستطيع أن أحرّم شيئاً أحله الله، فإن سألني أحد ما رأيك في زواج المسيار؟ سأقول له أنا لا أعرف ما هو زواج المسيار، بل قل لي ما هو نوع هذا الزواج! فيقول لي هذا زواج فيه العقد والإيجاب والقبول والشهود (الحد الأدنى(43/129)
في الإشهار في الإسلام)، فيه المهر (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) حتى إن كان 10 ريالات، وفيه الولي أيضا؛ فهو زواج مستكمل لشروطه وأركانه، فكيف يسع فقيه أن يقول عن هذا الزواج أنه حرام؟ قد لا يقبله المجتمع، ففرق بين أن يكون الزواج مقبولاً اجتماعياً وبين أن يكون مباحاً شرعاً، فهناك زواج غير مقبول اجتماعياً، مثلاً أن تتزوج مخدومة خادمها أو السائق، هذا اجتماعياً مرفوض ولا نحبذه، ولكن إن حدث بإيجاب وقبول وباقي الشروط وسؤلت أنا فيه سأبيحه وإن كنت لا أحبذ هذا.
زواج المرأة من رجل مثل جدها لأنه غني فقط، لا نحبذ هذا، إنما لو سؤلت هل أقول حرام؟ لا بل أقول :إن هذا مستنكر اجتماعياً، هل هو حلال أم حرام، هذه قضية في غاية الخطورة، مسألة حلال وحرام ؛ينبغي للعالم الذي يخشى الله ويحرص على دينه ولا يهمه إرضاء الناس، ألا يقول أن هذا حرام إلا إذا كان لديه من الأدلة ما يجعله يقول إن هذا الأمر حرام.
ويقول الدكتور علي جمعة أستاذ الأصول بجامعة الأزهر
الزواج أركانه القبول والإيجاب والخلو من الموانع الشرعية لكل من الزوجين والولي والشاهدين فإذا توفرت هذه الأركان بالعقد بين الرجل والمرأة عقد شرعا وإذا اختل ركن منها فالعقد باطل والمسلمون عند شروطهم ويجوز للمرأة أن تتنازل عن حقها في المبيت عندها لأن سودة بنت زمعة قد تنازلت عن ليلتها لعائشة ويجوز أن تتنازل عن مهرها أو نفقتها لأن الله يقول "وإن طبن لكم عن شيء منه نفس فكلوه هنيئا مريئا" ـ وللمرأة أن ترجع فيما تنازلت عنه في أي وقت .
ـــــــــــــــــــ
الزواج فترة الدراسة في الغرب ... العنوان
أنا إنسان متمسك بتعاليم دينى والحمد لله ، واضطرتنى الظروف إلى السفر للخارج وهناك تعرفت على إحدى الفتيات واتفقت معها على عقد زواج عرفى فى فترة مكوثى فى الخارج وقد تم الزواج العرفى وبعد ذلك عدت إلى بلدى وأنهينا الزواج بانتهاء فترة مكوثى فى الخارج فهل هذا حرام أم حلال ؟
... السؤال
10/06/2006 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فالزواج لابد فيه من استيفاء شروطه من الإيجاب والقبول والولي والشاهدين ، فإن توافرت تلك الشروط، صح الزواج وإن لم يوثق ، وإن كان التوثيق واجبا، أما الاتفاق على أن يكون الزواج لفترة معينة ، فلا يجوز شرعا ، والزواج حرام ، ويجب فيه التوبة أو ترك الشرط المنافي لصحة الزواج.
أما إن كان الزواج عرفيا بمعنى الزواج بين الرجل والمرأة فحسب ، فهو زواج باطل ، وهو زنى مقنع .(43/130)
يقول فضيلة الدكتور أحمد الطيب مفتي مصر السابق:
الزواج الشرعي هو الذي يتم بالإيجاب والقبول والشهود والمهر والولي فإذا تم الزواج بهذه الكيفية كان زواجا حلالا شرعا سواء كتب في وثيقة رسمية أو لم يكتب ، فإن كان زواجك تم مستوفيا الشروط المشار إليها كان زواجا حلالا شرعا وإن لم يتم كان زواجا باطلا شرعا ، وكذلك لو حدث اتفاق بينكما على أن هذا الزواج مؤقت بوقت مكوثك في الخارج ، فهذا الزواج باطل أيضا عند جميع أئمة أهل السنة ، ويكفى فيه الآن التوبة والندم .انتهى
و يقول الدكتور خالد محمد عبد القادر أستاذ الشريعة بالجامعات اللبنانية :
جاء في شرح الموطأ للزرقاني : (وأجمعوا على أن من نكح نكاحًا مطلقًا، ونيته أن لا يمكث معها إلا مدة نواها، أنه جائز ليس بنكاح متعة). وقال الأوزاعي : (هو نكاح متعة ولا خير فيه.. قاله عياض) .
وقول الجماهير فيما إذا لم تفهم المرأة المراد نكاحها مقصود الرجل، فإن فهمت مراده فعند المالكية قول بالبطلان.
قلت : لا يضر علمها بالنية، سواء كان قبل النكاح أم بعده، بشرط ألا يصرح لها، لأن الرجل قد ينكح ونيته أن يفارقها، ثم يبدو له فلا يفارقها.
وعند الشافعية : (وإن قدم رجل بلدًا، وأحب أن ينكح امرأة ونيته ونيتها أن لا يمسكها إلا مقامه بالبلد، أو يومًا أو اثنين أو ثلاثة، كانت على هذا نيته دون نيتها، أو نيتها دون نيته، أو نيتهما معًا دون نية الولي، غير أنهما إذا عقدا النكاح مطلقًا لا شرط فيه، فالنكاح ثابت ولا تُفسد النية من النكاح شيئًا، لأن النية حديثُ نفسٍ، وقد وُضع عن الناس ما حدّثوا به أنفسهم) .
وفي المذهب عند الشافعية : كراهة ذلك، لأنه لو صرح لبطل النكاح.
وفي المغني : (وإن تزوجها بغير شرط إلا أن في نيته طلاقها بعد شهر، أو إذا انقضت حاجته في هذا البلد، فالنكاح صحيح في قول عامة أهل العلم وأنه لا بأس به، ولا تضر نيته)(282).
وقد ذهب إلى القول بالكراهة المالكية والشافعية.
قال مالك : (ليس هذا من الجميل ولا من أخلاق الناس) .
قلتُ : ويؤكد هذه الكراهة ما يترتب على العقد من غش للمرأة التي جهلت نية الرجل، وخداعها، ونبينا عليه الصلاة والسلام يقول : (من غش فليس مني) ، وكان سفيان بن عُيينة يكره تفسير الحديث، ويقول : (نمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس، وأبلغ في الزجر) .
فهل يرضى هذا العمل أحدٌ لبناته أو أخواته أو... فإذا كنا لا نقبله لأنفسنا فكيف نقبله لغيرنا، وقد جاء لفظ النبي صلى الله عليه و سلم : (من غش) على سبيل العموم، فشمل كل غش، وقد أجمع العلماء على تحريم الغش.
ثم إن عملاً كهذا يضر بسمعة الإسلام في مجتمعات مخالفيه، فيُشاع عن المسلمين أنهم قوم لا أخلاق لهم، وفي هذا من الضرر بالدعوة ما لا يخفى على كل ذي لب.
وإذا خشي المرء على نفسه الضياع، فلينو الدوام وهذا الأصل، فإن طرأ بعد ذلك طارئ شرعي فليلجأ إلى التسريح بإحسان.(43/131)
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
زواج "فريند" نظرة متأنية ... العنوان
أثارت دعوة الشيخ عبدالمجيد الزنداني إلى زواج الأصدقاء، أو زواج فريند جدلا كبيرا بين العلماء بين محرم ومبيح ، وأصبحنا في حيرة ، فما الحكم القاطع في المسألة؟ ... السؤال
13/04/2006 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
للحكم على زواج الأصدقاء، أو ما أطلق عليه الشيخ الزنداني "زواج فريند" يجب أن ينظر إلى ما يلي:
- 1 مقصد هذه الصورة من صور الزواج.
2- ومطابقتها لأركان الزواج الشرعي في الإسلام، وهل الحكم على الشيء يرجع إلى المقصد منه، وتحقيق حِكَمه، أم أنه ينظر إليه من حيث استيفائه لأركان الزواج وشروطه؟
3- ومدى جواز تقييد المباح في مثل هذه الحالة؟
4- وما الفرق بين إطلاق الدعوة إلى هذا الزواج بشكل فردي، وبين إطلاقها بشكل جماعي؟
ويمكن تفصيل الموضوع على النحو التالي:
المقصد من زواج الأصدقاء:
الفكرة في نشأتها تنبني على تحويل العلاقات الاجتماعية بين الجنسين من علاقات محرمة شرعا، إلى شكل مشروع، وهو الزواج، فتحول الصداقة المجردة إلى زواج مشروع مستوفي الأركان.
وهذا يعني أن الفكرة مشروعة من حيث القصد، وإن لم تأخذ الشكل الكلي لنظام الأسرة في الإسلام.
والزواج يُعرف بأنه عقد بين الزوجين يحل به الوطء، ويطلق على العقد والجماع كما رجحه كثير من الفقهاء، لقوله تعالى: "فانكحوهن بإذن أهلهن"، وبالتالي فما دام العقد صحيحا، حل الجماع.
استيفاء صورة الزواج للأركان:
أما من حيث استيفاء صورة الزواج للأركان والشروط، ففي هذا الزواج يتوافر جميع الأركان التي وضعها الفقهاء للحكم على صحة الزواج، وهي: العاقدان، والإيجاب والقبول، وموافقة الولي، والمهر، والإشهاد، فإن توافرت هذه الشروط في عقد الزواج، حُكم عليه بالصحة، وعلى هذا، فزواج الأصدقاء من حيث استيفاء الأركان صحيح شرعا.(43/132)
والحكم على الشيء لا يرتبط بالحكمة منه، ولكن باستيفاء أركانه.
وما يقال من فساد هذا الشكل من الزواج استنادا لقوله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم: 21)، فإن الرحمة والمودة من مقتضيات الزواج، فالزواج يحصل به هذه المودة والرحمة، وكون الزوج لا يَقَرُّ في بيت، لا ينفي وجود هذه العاطفة القلبية.
يقول الإمام ابن كثير:
ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم وبينهن مودة وهي المحبة، ورحمة وهي الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد أو محتاجة إليه في الإنفاق أو للألفة بينهما وغير ذلك. انتهى
وقد فسر ابن عباس ومجاهد: المودة بأنها الجماع، والرحمة بأنها الولد.
وقال ابن عباس أيضا: المودة حب الرجل امرأته، والرحمة رحمته إياها أن يصيبها بسوء.
والسكن حق للمرأة، وللمرأة أن تتنازل عن حق من حقوقها، وقد أباح الشرع تنازل المرأة عن المهر، وهو حق لها، مع كونه ركنا من أركان النكاح، قال تعالى: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة، فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ".
غير أنه من المشقة على النفس أن تظل المرأة بلا سكن طوال عمرها، قد يكون هذا في فترة من الفترات حتى تتحسن الظروف، ثم يشتري الزوج سكنا لزوجته، أو يؤجر سكنا، حتى تكون الأسرة أكثر استقرارا.
تقييد المباح:
أما تقييد المباح، فهو باب من أبواب الاجتهاد، لا تصلح له فتوى فردية، بل لا بد فيه من فتوى جماعية، إن لم تصل إلى حد الاتفاق أو الإجماع.
ولا بد للنظر في هذا الشأن مما قد ينجم عن هذا الزواج -المباح شرعا من حيث الأركان والشروط- من آثار اجتماعية قد تضر بنظام الأسرة في الإسلام، وهل يؤدي هذا الزواج إلى انفراط العقد الأسري، وهل سيؤدي إلى تسرع الشباب إلى الزواج في فترة الدراسة، وقد يهربون من المسئولية الاجتماعية بعد الانتهاء من فترة الدراسة؛ وهو ما قد يؤدي إلى كثرة الطلاق، وإن كان يمكن اشتراط بعض الشروط التي قد تجعل الزوج لا يمكن له الإسراع في الطلاق، من كتابة مؤخر صداق كبير أو ما شابه هذا.
مناقشة الدعوة بين الفردية والجماعية:
ولو أن المسألة نوقشت بشكل فردي، من كون شاب يحب فتاة، ووافق والدها على الزواج مع توافر جميع الشروط والأركان، لما كان يمكن الحكم عليها بالحرمة والمنع، ولكن أخذ صورة زواج الأصدقاء شكلا جماعيا، يجعل هناك نوعا من التردد في إطلاق الحكم الشرعي إلا بعد تقديم بحوث ودراسات متعمقة، حتى يخرج علماء الأمة بفتوى جماعية توضح الحكم في المسألة.(43/133)
وفي هذا الصدد يجب على المسلمين أن يرجعوا إلى منهج الإسلام في تيسير الزواج، وألا يُكلف الزوج فوق طاقته، وأن يتخير لابنته من يعرف لها حقها، ويحفظ لها دينها، ويسعى لإسعادها في حياتها.
ولعل في الرجوع إلى منهج الإسلام في تيسير الزواج غناء عن هذه الصورة وغيرها.
ويمكن اقتصار زواج الأصدقاء ساعتها إلى تحويل الصداقة بين الجنسين إلى الطريق المشروع وهو الزواج الشرعي مع تيسيره بما لا يشق على شباب المسلمين.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الزواج الصوري للحصول على الجنسيبة ... العنوان
ما حكم من تزوج صورياً للحصول على الأوراق الرسمية في الدول الغربية، إلا أنه قرر عدم معاشرتها جنسيا لكي يخالف زواج المتعة؟
هل هو مسؤول عنها وعن كل ما تفعله بعد هذا العقد إن زنت مع شخص آخر مثلا؟.
بعض الأشخاص يقولون له بأنه يجب عليه كتابة العقد الإسلامي لكي لا يواجه بعض المشاكل مع بلده الأم. هل عليه كتابته أم أنه أيضا حرام، علما أنه قرر عدم كتابة العقد الإسلامي حتى وإن واجه تلك المشاكل لأن الأخ يعتقد أن ما فعل(الزواج المدني) حرام لكن لا يعلم درجة تحريمه. هل مثل درجة تحريم الكذب مثلا وما هي كفارته؟
عندي سؤال آخر وهو : هل يعتبر هذا حقا لتلك الدولة وبالتالي سيحاسب عليه يوم القيامة لأنه لن يستطيع رده في الدنيا؟ أم انه تلاعب بالعقود؟ أم أنه حق لله وبالتالي إن شاء الله عذبه وان شاء عفى عنه . ما هي الكفارة رجاءً؟ هل يتزوجها زواجا أبديا؟ ماذا إن رفضت؟ و هل يتزوجها زواجا حقيقيا حتى و إن كانت لا تصلي, تدخن و ربما تشرب الخمر؟ أخبروني ماذا افعل جزاكم الله خيرا.
... السؤال
05/04/2006 ... التاريخ
أ.د صلاح الصاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :-
يقول الأستاذ الدكتور صلاح الصاوي – الأمين العام لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا:-
الزواج الصوري هو الزواج الذي لا يقصد به أطرافه حقيقة الزواج الذي شرعه الله ورسوله، فلا يتقيدون بأركانه وشرائطه، ولا يحرصون على انتفاء موانعه،بل ويتفق أطرافه على عدم المعاشرة صراحة أو ضمنا، فهو لا يعدو أن يكون إجراء إداريا(43/134)
لتحصيل بعض المصالح أو دفع بعض المفاسد. فهو أشبه ما يكون بنكاح التحليل لا يراد به النكاح حقيقة بل لتحليل المرأة لمطلقها ثلاثا.
والزواج الصوري على هذا النحو محرم في باب الديانة، لعدم توجه الإرادة إليه، ولخروجه بهذا العقد عن مقاصده الشرعية، ولما يتضمنه من الشروط المنافية لمقصوده، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه.
أما حكمه ظاهرا فإنه يتوقف على مدى ثبوت الصورية أمام القضاء:فإن أقر الطرفان بصورية العقد أو تيقن القاضي بذلك من خلال ما احتف به من ملابسات وقرائن قضى ببطلانه، أما إذا لم تثبت فإنه يحكم بصحته متى تحققت أركان الزواج وانتفت موانعه.
إذا مست الحاجة إلى تحصيل بعض المصالح التي لا يتسنى تحصيلهاإلا من خلال الزواج فإن السبيل إلى ذلك هو الزواج الحقيقي الذي تتجه إليه الإرادة حقيقة، فتستوفى فيه أركانه وشرائطه، وتنتفي موانعه، ويجري على وفاق الشريعة المطهرة، فلا يصرح فيه بالتوقيت، ولا يعبث فيه أحد بغاياته ومقاصده.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
زواج المعاقين ذهنيا وبدنيا ... العنوان
رجل لديه ابن متخلف عقليا وأراد أن يزوج ابنه هذا بمن تستطيع مراعاة شؤونه الخاصة وتلبي رغباته بما في ذلك حاجته الجنسية، فما حكم هذا الزواج؟ وما هو موقف الشرع من زواج المعاقين بصفة عامة، وهل يحق لولي الأمر أن يمنع هذا الزواج؟
... السؤال
01/12/2005 ... التاريخ
الشيخ هاني بن عبد الله الجبير القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالمعاق بدنيا لا فرق بينه وبين الصحيح فله أن يتزوج متى رضي الطرف الآخر بإعاقته، أما المجنون فيجوز تزويجه ولكن لا بد من مراعاة جملة ضوابط منها:
1-ألا يكون الطرف الآخر مجنونا مثله.
2-أن يكون الطرف الآخر على علم بمرضه وأن يرضى بذلك.
3-أن يكون سقيم العقل مأمونا شره وأذاه. أن يرضى أولياء المرأة بهذا الزواج.
وفي جميع الأحوال من حق ولي الأمر أن يمنع مثل هذا الزواج إذا ظهرت له مصلحة راجحة.
يقول فضيلة الشيخ هاني بن عبد الله الجبير - القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة-:
(1) يجوز زواج المعاقين والمتخلفين عقلياً، وسدُّ احتياجاتهم العضوية والنفسية حق مكفول لهم كغيرهم، وإن كان هذا ضمن ضوابطه التي ستأتي، وهذا من أصول(43/135)
رعاية المعاق ومساعدته على ممارسة حياته بأقرب صورة إلى الحالة الطبيعية للإنسان.
(2) الإعاقة أنواع متفاوتة، ولكن القول الجامع فيها أن كل إعاقة لا يكون العقل فيها زائلاً مثل الصمم، والبكم، وشلل اليد أو الرجل، فهذه يجوز لصاحبها الزواج، وحكمه حكم الصحيح سواء، إلا أنه يشترط أن يطلع الطرف الآخر على الإعاقة، ويرضى بها، حتى ولو كان مصاباً بمثل تلك الإعاقة، فإن إصابته بإعاقة مماثلة لا تكفي عن أخذ رأيه في الزواج من معاق.
ومن صحابة نبينا – عليه الصلاة والسلام- من كان أعمى، أو أصم، ولم تمنعه إعاقته من الزواج، أما المتخلف عقلياً وصاحب الإعاقة التي تزيل العقل، فالمصاب بها حكمه حكم المجنون، والمجنون يجوز له الزواج، لكن يشترط في زواجه مع شروط الزواج المعلومة شروط أخرى هي:
أ- اطلاع الطرف الآخر على حاله ومعرفته بوضعه تماماً فإن عدم اطلاعه غش له وخيانة محرمة.
ب- ألا يكون الطرف الآخر مجنوناً ولا زائل العقل، بل يتزوج المتخلف عقلياً امرأة سليمة العقل، وتتزوج المتخلفة عقلياً برجل سليم العقل، وسبب ذلك أن اجتماع زائلي العقل لا يحقق أي مصلحة، وهو مع ذلك سبب لضرر بينهما كما هو ظاهر.
ج- أن يكون سقيم العقل منهما مأموناً، أما الذي يتصف بالعدوانية بالضرب أو الإفساد فلا يجوز له الزواج؛ لأن زواجه سبب لحصول الضرر، والضرر مرفوع في الشريعة الإسلامية.
د- وآخر الشروط أن يرضى أولياء المرأة بهذا الزواج؛ لأن فيه ضرراً قد يلحقهم.
هذه شروط زواج المعاق المتخلف حسبما استقرأه الفقهاء من نصوص الشرع وقواعده، وهي -كما هو ظاهر- محققة للمصلحة، مانعة للمفسدة، يتضح بها تحقق الشرعية لمصالح العباد واحتياجاتهم. والله الموفق.
(3) في زواج المعاق أياً كانت نوعية إعاقته تحقيق لمصلحة مهمة، وهي أن يوجد للسقيم منهما من يعتني به، ويقوم بشؤونه، ويهتم به، فإن عقد النكاح في الإسلام يهدف إلى ما هو أكبر من مجرد الاستمتاع، الذي هو من مقاصد النكاح المهمة، بل يراد معه أيضاً تحقيق الرعاية والتكافل والتراحم بين الزوجين : "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" [الروم: 21].
والذي يزوج سقيم العقل وليه؛ لأنه هو الراعي لمصلحته، وهذا من محاسن الشرع أن أسندت الولاية إلى بعض أقارب الصغير والمجنون، ومن في معناهم؛ لعدم قدرتهم على إدارة شئونهم، ولا تصريف أحوالهم، ورعاية المعاق فرض كفاية على المجتمع لمساعدته ليعود عضواً فعالاً في المجتمع، وليتخلص من الآثار النفسية التي قد تنشأ عنده.
(4) الأمراض والابتلاءات التي تصيب بعض العباد طريق للأجر إن صبر المبتلى بل ورد في بعض أنواع الإعاقات أجر عظيم جداً ففي الحديث الذي أخرجه البخاري (5653) عن أنس ابن مالك – رضي الله عنه – قال: سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: إن الله قال: "إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوّضته(43/136)
منهما الجنة" يريد عينيه، وهذه الأمراض لا يمكن للإنسان دفعها؛ فهي من قدر الله الذي لا ينجي منه الحذر، كما هو معروف، ومع عدم رغبة الشرع في الذرية الضعيفة أو المريضة إلا أن الزواج الذي قد ينتج عند ذرية ضعيفة أو مريضة لم يأت نص من الشرع بمنعه وتحريمه؛ ولعل السبب في هذا أن الزواج هذا لا يتحتم أن يكون نتيجته ذرية مريضة، وهذا معلوم لمن قرأ علم الوراثة.
ولأن السلف لما لمحوا أثر الوراثة في حدوث الإعاقات فقد نقل عنهم عدة مقولات تحث على الزواج من غير الأقارب؛ لمنع حصول الذرية الضعيفة، ومن ذلك قولهم: اغتربوا ولا تضووا يعني: تزوجوا الأجنبيات غير الأقارب لئلا تكون ذريتكم ضعيفة.
ويمكن إعمالاً لمبدأ السياسة الشرعية أن يمنع ولي الأمر زواج من يكون الغالب عليه أن ينتج من زواجه المرضى، لكن هذا من باب السياسة التي تحقق المصلحة بمنع بعض المباح، وليس من باب الحكم بتحريم النكاح وفساده ، ومثل هذه المسألة تحتاج مزيداً من النظر الشرعي والواقعي؛ ليمكن الحكم فيها بالحكم الصواب.
(5) يُتعامل مع زواج المعاقين والمتخلفين عقلياً بالضوابط التي تقدمت، والنظرة التي سبق أن ذكرناها، وليراع من ينظر إليهم أن هذه الإعاقة لم تمتنع عن أحد من البشر مهما كان. والله الموفق.
والله أعلم .
نقلا عن موقع الإسلام اليوم..
ـــــــــــــــــــ
الوكالة في عقد الزواج ... العنوان
بسم الله الرحمن الرحيم
شابٌّ خَطَبَ فتاةً من بلد غير بلده، ووَكَّلَ غيره لينوب عنه في عَقْد القرَان، ثم سافرتِ الخطيبةُ بعد ذلك إلى خطيبها، فهل هذا العَقْد صالِحٌ شرعًا؟ وما هي الصيغة التي تُقال في هذه الحالة؟ وجزاكم الله خيرا ... السؤال
09/11/2005 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: </<B>
ينعقد عقد النكاح شرعا إذا حصل الإيجاب والقبول بالشروط الشّرعية مع انتفاء ما يمنع ، وينبغي على طرفي العقد حضور مجلس العقد ، إلا إذا حدث ما يمنع فيجوز لمن عنده العذر أن يوكِّل غيره ليبرم العقد بدلا عنه ، مع تحقق باقي الشروط الشرعية . </<B>
قال فضيلة الشيخ أحمد الشرباصي عن مسألة التوكيل في الزواج :</<B>
يجوز شَرْعًا توكيل شخص ليقوم مَقام الخاطب وكيلاً في عقد القرَان، ما دام الوكيل أهلاً للوَكالة، صالحًا لعقد العقد، وما دام العقد قد استَوْفَى لوازمه من وجود الطرفين ـ وهما هنا الوكيل والزوجة ـ ووجود الشهود وتحقق صيغة الإيجاب والمهر، والقبول.(43/137)
ففي الحالة المسئول عنها يجوز لوكيل هذا الشاب أن يقوم بعقد القران ، على أساس أنه وكيل للزوج، وسيَذْكُرُ ذلك عند مُباشرة العقد، حتى تُدرك الفتاة والشهود أن الوكيل يَعقد لغيره بطريق الوَكالة على هذه الفتاة، لا أنه يَعقد عليها لنفسه، ولا يمنع بُعْدُ المسافة بين الموكِّل ومكان العَقْد، ما دام قد ثبتَتْ الوَكالة لمَنْ سيتوَلَّى العَقْد بالطُّرُقِ الصحيحة.
صيغة الوكالة : </<B>
جاء في كتاب "الاختيار شرح المُختار" أن الزواج ركنه الإيجاب والقبول، وينعقد بلفظين ماضيين، كقول الطرف الأول: زوجتك، وقول الطرف الآخر: تزوجتُ أو قَبِلْت.
أو بلفظين أحدهما ماضٍ، والآخر مُسْتقبل، كقوله: زوِّجني، فيقول الآخر: زوَّجتك.
وتجوز الوكالة في الزواج عن المرأة وعن الرجل، فيجوز أن يُوكِّل الرجل شخصًا ينوب عنه في عقد زواجه بالمرأة، ويجوز أن تُوكِّل المرأة شخصًا لينوب عنها في عقد زواجها بالرجل،
ويقول الوكيل عن الرجل للمرأة: زوِّجي نفسك لوكيلي فلان، فتجيب المرأة قائلة: زوَّجت نفسي لموكلك فلان.
ويقول الوكيل عن المرأة للرجل: زوجتك مُوكلتي فلانة. وهكذا.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
ولاية الكتابي في تزويج ابنته من المسلم ... العنوان
أنا شاب أريد أن أتزوج من فتاة مسيحية، وسنها لا يسمح أن تزوج نفسها ، فلابد من موافقة الولي ، فهل يشترط في الإسلام الولي للمرأة الكتابية، ولو كان غير مسلم؟ ... السؤال
21/05/2005 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد اشترط الإسلام الولي في الزواج ، و جعله من الأمور اللازمة له ، مع بقية الشروط من الإيجاب والقبول والمهر ،وغيرها ، حتى يأخذ الزواج شكله الاجتماعي في إطار ما وضع الشارع الحكيم للناس .
وبالنظر إلى شروط النكاح وأركانه، يلحظ كل ذي عقل، ما للزواج من مكانة في الإسلام، وكيف أنه وضعه موضع الاحترام والتقدير، فالزواج ليس نزوة عابرة ، أو استمتاعا مؤقتا ، بل هو ميثاق غليظ كما سماه الله تعالى في كتابه .
و ذلك أن بناء المجتمع يرجع إليه، وهو سبب في خلافة الله تعالى في الأرض ، وذلك حين قال تعالى :" إني جاعل في الأرض خليفة".
وقد أباح الإسلام أن يتزوج المسلم من نساء أهل الكتاب إن كانت عفيفة شريفة ، لما لأهل الكتاب من أواصر مع المسلمين ، وتقديرا من الإسلام للأديان التي تتفق معه(43/138)
في أصلها قبل التزوير والتصحيف ، وهي دعوة لمعرفة الإسلام من خلال التشابك الاجتماعي والترابط الأسري بين أبناء الديانتين ذات الأصل الواحد.
وإن كان الإسلام قد اشترط في نكاح المسلم من المسلمة الولي ، فإن تزوج المسلم من مسلمة ، وكان وليها من أهل الكتاب لم تصح ولايته ، لأنه لا ولاية مع اختلاف الدين ، وهو رأي الأئمة الأربعة ، ويستشهدون على هذا بقوله تعالى :" إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " ، وبقوله تعالى :" والذين كفروا بعضهم أولياء بعض"، وهذا يدخل تحت كون نفي الولاية بين المسلم وغير المسلم ، ولا يعني هذا انتقاص حق الوالد غير المسلم تجاه ابنته ، فله من التقدير والتوقير والبر، غير أنه لا ولاية له في النكاح عليها ، لأنها ارتفعت عنه بالإيمان بالله تعالى وبخاتم رسله صلى الله عليه وسلم ، واتباع الدين الحق، فكان ولاؤها للدين أعلى قدرا من ولائها لوليها غير المسلم.
و إن كانت المرأة التي سيتزوجها المسلم كتابية ، فوليها يكون من أهل الكتاب ، وهو رأي أبي حنيفة والشافعي وجمهرة الحنابلة وجمهور الأئمة الفقهاء.
وبنى الجمهور فتواه على أنه لما اتحد الدين ، كان له عليها ولاية ، لأنه يكون وليها ، فلا يسلبه الإسلام ولايته من ابنته التي على دينه ، وكما أنه لما كان عليه ولاية إن تزوجها كتابي ، كان له عليها ولاية إن تزوجها مسلم.
ويرى بعض الحنابلة أنه يزوجها الحاكم المسلم ،وليس للأب ولاية على ابنته الكتابية إن تزوجت من مسلم ، حكى ذلك القاضي أبو يعلى ، مستشهدا بقول الإمام أحمد : لا يعقد يهودي ولا نصراني عقدة نكاح لمسلم ولا مسلمة.
ومستند هذا الرأي أنه عقد افتقر إلى شهادة رجلين مسلمين ، فلم يصح بولاية كافر.
ولكن كثيرا من الحنابلة يذهبون إلى رأي الجمهور ، وقد نصر رأي الجمهور الإمام ابن قدامة الحنبلي ، وجعله أصح ممن قال بنفي ولاية الوالد الكتابي لابنته الكتابية في الزواج من مسلم.
وقال منصور بن يونس البهوتي من علماء الحنابلة :
ويلي كتابي نكاح موليته الكتابية فيزوجها من مسلم وذمي ويباشره ؛ لأنه ولي مناسب لها فجاز له العقد عليها ومباشرته.انتهى
والخلاصة أن الولي الكتابي يتولى عقد نكاح ابنته الكتابية إن تزوجت من مسلم ، وما استدل به بعض الحنابلة من كون العقد يحتاج إلى شاهدي عدل ، فإنه لا ارتباط بين كون الولي كتابيا ، وبين كون الشاهدين مسلمين ، لأنه لما جاز أن تكون الزوجة كتابية مع اشتراط الشاهدين المسلمين ، ولأنه هناك اختلاف في وظيفة كل منهما ، فلا يصح القياس عليه .
ويتضح من كلام الفقهاء أن القول بتولي الولي الكتابي نكاح ابنته الكتابية من مسلم هو أصوب الآراء وأقربها إلى روح الشرع .
والله أعلم
قرار المجلس الأوروبي للإفتاء في زواج المرأة بلا ولي ... العنوان(43/139)
هل إذا تزوجت المرأة دون إذن وليها يكون عقدها باطلا؟ خاصة في أوساط الأقليات المسلمة في الغرب حيث يتاح للمرأة أن تتزوج ممن شاءت دون إذن من وليها؟ ... السؤال
01/03/2005 ... التاريخ
المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
استعرض المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في دورته الرابعة عشرة هذا الموضوع على ضوء الأبحاث المقدمة فيه ، وخرج بالقرار التالي :-
موقف فقهاء المسلمين من الولاية في النكاح على مذهبين:
الأول: أن الولي شرط في عقد النكاح، عملاً بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نكاح إلا بولي".
وهذا مذهب جمهور العلماء من المحدثين والفقهاء، ومنهم من قال: هو ركن في العقد.
والثاني: ليس شرطاً، يصح بدونه العقد إذا تزوجت من كفء. وهو مذهب بعض الفقهاء كالحنفية، واستدلوا لمذهبهم بأدلة أخرى.
والخلاف في ذلك خلاف معتبر، وقد ذهب المجلس بعد مداولاته إلى أن الحرص على موافقة الولي عند إجراء عقد الزواج مطلوب دينياً واجتماعياً، لكن إن اقتضى الحال تزويج المرأة بدون ولي لظروف معينة كتعذر إذنه أو كعضله، فلا بأس من العمل بقول من لا يشترط الولي لابتداء العقد، وأما إذا تم العقد دون ولي فإنه عقد صحيح، مراعاة لقول المخالف.
ومما ينبه عليه المجلس أنه ليس كل قريب يصلح أن يكون ولياً للمرأة لعقد نكاحها، بل من توفرت فيه مجموعة الشروط المعتبرة، ومن أهمها أن يكون تصرفه نافعاً لها لا ضاراً بها.
والله أعلم .
الاتفاق على كتمان الزواج ... العنوان
لقد ابتلينا في أوطاننا بهذه القوانين الظالمة الجائرة التي تحرم ما أحله الله عز وجل، فالزنا ليس جريمة أما الزواج الثاني فهو جريمة يعاقب عليها القانون، وسؤالي هل يجوز لي أن أتفق مع أهل الزوجة على كتمان الزواج حتى لا أتعرض للمساءلة القانونية؟ ... السؤال
28/09/2004 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(43/140)
يقول الشيخ عصام الشعار –الباحث الشرعي بالموقع-:
إذا كانت الدولة تُجَرِمُ التعدد في الوقت الذي تصدرُ فيه القوانين لحماية الزناة والدُّعار، فلا حرج في الاتفاق على كتمان النكاح، بشرط أن يستوفي أركانه وشروطه، وذلك بأن يتم بحضور ولي الزوجة والشهود، وأن تتخذ الضمانات الكافية التي تحفظ للمرأة حقوقها الشرعية، وأفصل القول في المسألة فأقول وبالله التوفيق:
إننا أصبحنا نعيش في هذا الزمان النكد الذي انقلبت فيه الموازين، وغدا فيه المعروف منكرا، والمنكر معروفا، وصدق فينا قول الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
"كيف بكم أيها الناس إذا طغى نساؤكم وفسق فتيانكم؟". قالوا: يا رسول الله إن هذا لكائن؟ قال: "نعم وأشد منه كيف بكم إذا تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟". قالوا: يا رسول الله إن هذا لكائن؟ قال: "نعم وأشد منه كيف بكم إذا رأيتم المنكر معروفاً والمعروف منكراً؟". رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط.
ولا ريب أنها فتنة لا ينجو منها إلا من عصمه الله، نسأل الله تعالى السلامة والعافية.
ونقول للسائل الكريم إذا كان من حق الحاكم المسلم تقييد المباح فالأمر ليس على إطلاقه، ولكن الأمر منوط بالمصلحة ولا بد أن تكون المصلحة ظاهرة وأن تكون راجحة، وأن تكون المصلحة مرسلة –أي سكت عنها الشارع ولم يرد ما يدل على اعتبارها أو إلغائها- وفيما عدا ذلك فليس من حق أي إنسان كائنا من كان أن يحرم ما أحل الله، أو يحل ما حرم الله قال تعالى " وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ " –النحل: 116-.
وبناء على هذا فسن القوانين التي تحرم تعدد الزوجات وتجعله جريمة لا خلاف أن الجرم في سن هذه القوانين وما فيها من جرم ليس بحاجة إلى بيان، فالله سبحانه وتعالى قد أباح تعدد الزوجات ولم يقيده إلا بشرط واحد وهو العدل بين الزوجات في النفقة والمبيت، فمن علم من نفسه القدرة على العدل بين زوجاته فله أن يعدد سواء كان للتعدد سبب أم لا؟
وبالنسبة للاتفاق على كتمان النكاح، فإذا كان الحال ما ذكرت في سؤالك من أن القانون يلاحق من أراد الزواج بأخرى، ففي هذه الحالة لا حرج في الاتفاق على كتمان الزواج وعدم توثيقه لدى الجهات الرسمية، فجمهور الفقهاء على أن إعلان النكاح سنة وليس ركنا ولا شرطا في عقد النكاح، ولكن لا بد أن يستوفي العقد أركانه الشرعية من الولي والشهود والإيجاب والقبول، وأن تُتَخذ الضمانات الكافية التي تحفظ للمرأة حقوقها الشرعية.
وغاية الأمر أن ترك إعلان النكاح فيه مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم فإعلان النكاح مستحب، وذهب جمهور الفقهاء إلى القول بكراهة كتمان النكاح، والقول بكراهة ترك إعلان النكاح في حق من قدر عليه، أما من اضطر إلى ذلك فلا كراهة، ولا مؤاخذة، ولا تأثيم فالله سبحانه وتعالى قد أباح للمكره والمضطر ما(43/141)
هو أكثر من ذلك، ورفع عنه الحرج والتأثيم، فقال سبحانه " وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ" –الأنعام: 119-.
وعليه فلا حرج عليك أخي الكريم أن تكتم أمر زواجك حتى يأذن الله باليوم الذي يسود فيه شرع الله ويقود "ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا".
جاء في كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي:
فإن عقده –أي النكاح- بولي وشاهدين , فأسروه , أو تواصوا بكتمانه , كره ذلك , وصح النكاح . وبه يقول أبو حنيفة , والشافعي , وابن المنذر وممن كره نكاح السر عمر رضي الله عنه وعروة , وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة , والشعبي , ونافع مولى ابن عمر.
وقال أبو بكر عبد العزيز (من فقهاء الحنابلة) النكاح باطل ; لأن أحمد قال: إذا تزوج بولي وشاهدين : لا , حتى يعلنه، وهذا مذهب مالك والحجة لهما ما تقدم في الفصل الذي قبل هذا (وهي الأحاديث التي تحث على إعلان النكاح وقد حملها القائلون ببطلان نكاح السر على الوجوب، ومن قال بصحة النكاح حملوا الأحاديث على الاستحباب).
ولنا –ابن قدامة- قوله : "لا نكاح إلا بولي" ، مفهومه انعقاده بذلك وإن لم يوجد الإظهار ; ولأنه عقد معاوضة , فلم يشترط إظهاره كالبيع , وأخبار الإعلان يراد بها الاستحباب , بدليل أمره فيها بالضرب بالدف والصوت , وليس ذلك بواجب , فكذلك ما عطف عليه.
وقول أحمد لا ، نهي كراهة , فإنه قد صرح فيما حكينا عنه قبل هذا باستحباب ذلك ; ولأن إعلان النكاح والضرب فيه بالدف إنما يكون في الغالب بعد عقده , ولو كان شرطا لاعتبر حال العقد , كسائر الشروط.. انتهى..
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
جمهور الفقهاء على أن إعلان النكاح مستحب . وذهب الزهري إلى أنه فرض , حتى أنه إذا نكح نكاح سر , وأشهد رجلين , وأمرهما بالكتمان وجب التفريق بين الزوجين , وتعتد الزوجة , ويكون لها المهر حتى إذا ما انقضت عدتها وبدا له أن يتزوجها تزوجها وأعلن النكاح . كما هو مفصل في كتاب النكاح من كتب الفقه .
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
فسخ النكاح بسبب التغرير وظهور الأمراض المنفرة ... العنوان
متى يجوز للزوجة أن تطلب فسخ النكاح؟ ومتى يجوز ذلك للزوج؟ ... السؤال
08/06/2004 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:(43/142)
إذا غرر أحد الزوجين صاحبه، فتظاهر بشيء ليس فيه فللمغرور أن يطلب فسخ النكاح، وكذلك إذا كان بأحد الزوجين مرض منفر فأخفاه عن صاحبه فللطرف الآخر حق فسخ النكاح إذا لم يرض.
وكذلك إذا مرض أحد الزوجين مرضا منفرا يمنع من الاستمتاع والمؤانسة فللطرف الآخر حق فسخ النكاح إذا لم يرض بشرط أن يكون المرض لا علاج له، أو أن يكون المرض يحتاج إلى سنوات طوال حتى يبرأ.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن هذا الفسخ لا يثبت إلا في أمراض معينة فقط، ولكن الراجح هو أن ذلك يثبت في كل مرض منفر، وهذا ما رجحه ابن القيم، والشيخ سيد سابق – صاحب كتاب فقه السنة- وبه أخذ القانون المصري.
ومعنى الفسخ هنا أن الزوجة إذا كانت هي التي غررت بالزوج فللزوج أن يسترد صداقه عند فراقها، وأما الزوجة فترفع أمرها للقضاء لتثبت صدق دعواها.
جاء في كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق – من علماء مصر- رحمه الله:-
إذا تبين أن الرجل غرر بالمرأة أو أن المرأة غررت بالرجل . مثال ذلك أن يتزوج الرجل المرأة وهو عقيم ، لا يولد له ولم تكن تعلم بعقمه ، فلها في هذه الحال حق نقض العقد وفسخه متى علمت ، إلا إذا اختارته زوجا لها ، ورضيت معاشرته . قال عمر رضي الله عنه لمن تزوج امرأة وهو لا يولد له ، أخبرها أنك عقيم وخيرها.
ومن صور التغرير أن يتزوجها على انه مستقيم ، ثم يتبين أنه فاسق ، فلها كذلك حق فسخ العقد ، أي تخييرها بين البقاء على العقد وبين فسخه .
ومن ذلك ما ذكره ابن تيمية : إذا تزوج امرأة على أنها بكر فبانت ثيبا فله الفسخ ، وله أن يطالب بأرش الصداق - وهو تفاوت ما بين مهر البكر والثيب - وإذا فسخ قبل الدخول سقط المهر . وكذلك لا يكون العقد لازما إذا وجد الرجل بالمرأة عيبا ينفر من كمال الاستمتاع . كأن تكون مستحاضة دائما ، فان الاستحاضة عيب يثبت به فسخ النكاح ، وكذلك إذا وجد بها ما يمنع الوطء كانسداد الفرج .
ومن العيوب التي تجيز للرجل فسخ العقد : الامراض المنفرة : مثل البرص والجنون والجذام ، وكما يثبت حق الفسخ للرجل فكذلك يثبت للمرأة إذا كان الرجل أبرص ، أو كان مجنونا أو مجذوما أو مجبوبا - المقطوع الذكر- أو عنينا - الذي لا يصل إلى النساء من الارتخاء- أوصغيرا .
و الحياة الزوجية التي بنيت على السكن والمودة والرحمة لا يمكن أن تتحقق وتستقر مادام هناك شئ من العيوب والأمراض ينفر أحد الزوجين من الآخر . فإن العيوب والأمراض المنفرة لا يتحقق معها المقصود من النكاح . ولهذا أذن الشارع بتخيير الزوجين في قبول الزواج أو رفضه .
وللإمام ابن القيم تحقيق جدير بالنظر والاعتبار قال :
فالعمى ، والخرس والطرش ، وكونها مقطوعة اليدين أو الرجلين أو أحدهما ، أو كون الرجل كذلك ، من أعظم المنفرات ، والسكوت عنه من أقبح التدليس والغش ، وهو مناف للدين . وقد قال أمير المؤمنين ( عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه لمن تزوج امرأة وهو لا يولد له : ( أخبرها أنك عقيم وخيرها ) .(43/143)
قال : والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه ، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة ، يوجب الخيار ، وهو أولى من البيع ، كما أن الشروط المشروطة في النكاح أولى بالوفاء من شروط البيع . وما ألزم الله ورسوله مغرورا قط ، ولا مغبونا بما غر وغبن به . ومن تدبر مقاصد الشرع في مصادره ، وموارده ، وعدله وحكمته ، وما اشتمل عليه من المصالح لم يخف عليه رجحان هذا القول وقربه من قواعد الشريعة . انتهى كلام ابن القيم .
وذهب أبو محمد بن حزم إلى أن الزوج إذا شرط السلامة من العيوب فوجد أي عيب كان ، فالنكاح باطل من أصله غير منعقد ، ولا خيار له فيه ، ولا إجازة ، ولا نفقة ، ولا ميراث . قلت : إن التي أدخلت عليه غير التي تزوج ، إذ السالمة غير المعيبة بلا شك ، فإذا لم يتزوجها فلا زوجية بينهما .
ما جرى عليه العمل بالمحاكم :
قد جرى العمل الآن بالمحاكم حسب ما جاء بالمادة التاسعة من قانون سنة 1920 . " أنه يثبت للمرأة هذا الحق إذا كان العيب مستحكما لا يمكن البرء منه ، أو يمكن بعد زمن ، ولا يمكنها المقام معه إلا بضرر أيا كان هذا العيب ، كالجنون ، والجذام والبرص ، سواء أكان ذلك بالزوج قبل العقد ولم تعلم به ، أم حدث بعد العقد ولم ترض به ، فان تزوجته عالمة بالعيب ، أو حدث العيب بعد العقد ، ورضيت صراحة أو دلالة بعد علمها ، فلا يجوز طلب التفريق ، واعتبر التفريق في هذا الحال طلاقا بائنا ، ويستعان بأهل الخبرة في معرفة العيب ومداه من الضرر .
انتهى من كتاب فقه السنة مع التصرف.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
زواج "فريند" رؤى متعددة ... العنوان
نشرت الصحف والمجلات دعوة الشيخ الزنداني إلى زواج "فريند" بدلا من "بوي فريند "، و"جيرل فريند
" وهو شكل جديد لم يعرف في الفقه الإسلامي، فما حكم فقهاء الشريعة في هذا النوع من الزواج؟ من حيث كونه حلا لعلاقات الانحراف؟ ... السؤال
24/07/2003 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فزواج الأصدقاء، أو ما يعرف بـ"زواج فريند"؛ وهي الدعوة التي أطلقها الشيخ عبد المجيد الزنداني من كبار علماء اليمن، اختلف الفقهاء المعاصرون فيها، بين مبيح لها ومحرِّم، حيث نظر المبيحون إلى توافر أركان الزواج من الإيجاب والقبول والمهر والولي والإشهاد، بينما ارتكز المحرمون على أن هيئة الزواج تتناقض مع مقصود الشارع من تشريع الزواج في الإسلام، من السكن والمودة، وقيام الأسرة(43/144)
على أسس من الاستقرار الاجتماعي، وهذا ما يغيب عن هذه الصورة من صور الزواج. وهذا النوع من الزواج يحتاج إلى رؤية متأنية
وإليك بيان آراء العلماء:
آراء المبيحين :
يقول الشيخ عبد المحسن العبيكان من علماء السعودية:
إذا كان الزواج مستكملا لشروط النكاح المعتبرة شرعا (الولي والشاهدان، والإيجاب والقبول) فإن النكاح صحيح بغض النظر عن كونه يتم تحت سقف منزل واحد يجمع الأسرة أو لا يتم.
وإن المرأة من حقها أن تتنازل عن حقها في المبيت والنفقة، وكذلك عن المأوى ما دامت تستطيع أن تلبث إلى جانب أبيها وأسرتها، ولكن يشترط لجواز ذلك ألا يكون مؤقتا ولا بنية الطلاق. انتهى
ويقول الدكتور سليمان عبد الله الماجد القاضي في محكمة الإحساء بالسعودية:
إن الفكرة التي دعا إليها الزنداني ستكون بمثابة (فتح) في علاج مشكلة كبيرة وهي: تجاوز تكاليف الزواج قدرة الشباب والفتيات، مع أنه يحقق مقصد من مقاصد النكاح وهو (العفة).
و(صورة الزواج) جائزة شرعا، ولا تحمل أي محظور شرعي بالصفة التي دعا إليها العالم اليمني (الزنداني).
ولكن يجب دراسة الفكرة من جوانب (اجتماعية) فربما يكون الزواج جائزا من الناحية الشرعية، ويكون مضرا على الصعيد الاجتماعي.
والفكرة ليست جديدة حيث دعا إليها من قبل شيخ في جامعة الأزهر، فطالب المجتمع ـ في حينه ـ بتيسير أمور الزواج، والإذن بزواج الفتى للفتاة، يلتقيان في الجامعة، وفي الأماكن العامة، ويستأجرون شقة حين يرغبان ذلك، ويكون مقرهما للإقامة الدائمة بيت والديهما.
ويمكن أن تطبق في كل مكان، فالفكرة جيدة على اعتبارها مسعى جديدا للحد كثيرا من المخالفات الشرعية في جانب العلاقات بين الجنسين. انتهى نقلا عن موقع "باب".
ويقول الشيخ علي أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى في الأزهر الشريف السابق:
إن الفكرة التي دعا إليها الزنداني هي الحل الأمثل لاختفاء الرقم الأخير من الملايين التسعة الذين بلغوا سن الثلاثين، ولم يتزوجوا بعد في مصر وحدها ، فضلا عن قوائم شبيهة من الشباب والفتيات الذين فاتهم القطار في جميع الدول العربية والإسلامية بسبب البطالة وارتفاع تكاليف الزواج وفشل الشباب في توفير بيت الزوجية .
وما دام هناك عقد زواج صحيح وبشهود وولي ، وتم الإعلان عنه ، فما المانع في أن يأوي كل منهما إلى بيت أبيه، ويكون اللقاء في أي مكان ، أليس في ذلك حل لمشكلة الصداقات وانحراف الشباب والفتيات ، واختلاط الأنساب ، والزواج العرفي ، وغيره مما نسمع عنه هذه الأيام؟ وإذا تنازلت الزوجة عن حق السكن فهل يعني ذلك أن الزواج باطل؟ هذا غير صحيح والفتوى صحيحة وهي كزواج المسيار ،(43/145)
وإذا ما تنازلت الزوجة عن حقوقها في السكن والملبس والمأكل والمشرب، وأقامت مع أهلها . ثم كان اللقاء بينهما بعد عقد صحيح مكتمل الشروط فلا حرمة في ذلك.
والسكن لا يعني الإقامة ، لكنه بمعنى السكون والراحة والمودة ، بمعنى أن الزوج يسكن إلى زوجته، ولا يفكر في غيرها ، ولا يمكن الاعتداد بعدم توافر منزل الزوجية شرطا من شروط صحة الزواج ، فالآية الكريمة وهي قوله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم: 21) تخضع للاجتهاد ، وهذا ليس نصا صريحا ينقض أو يبطل فتوى الزنداني ، والأمر هنا مثله مثل زواج المسيار الذي أباحه الشيخ القرضاوي وغيره من علماء المسلمين . انتهى
آراء المانعين :
يقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق:
شرع الله الزواج ليكون رباطا وثيقا بين الرجل والمرأة يقوم على المودة والرحمة ، ويراد به الدوام والاستقرار ، ومن مقاصد الزواج الأساسية السكن والمودة بين الزوجين ، فإذا لم تتحقق هذه المقاصد فقد الزواج قيمته الأساسية ، وأصبح مجرد شهوة يتساوى فيها الإنسان والحيوان .
فالشريعة الإسلامية إذن كاملة ومتكاملة في أوامرها وأحكامها ، فلا يصح أن يؤخذ من هذه الأحكام الشرعية جانب ويترك الآخر ، وليس فيها استثناء، حيث جاءت صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان ، وقد نظمت الشريعة الإسلامية العلاقة الزوجية نظاما دقيقا فبينت ما يجب على كل منهما نحو الآخر ، فالمرأة متى تزوجت أصبحت شريكة لزوجها في الحياة . وصار لزوجها عليها حقوق يجب أن تؤديها ولا تقصر فيها ، وإلا كانت آثمة ومسئولة عنه شرعا أمام الله ، وفي ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها .. وللزوجة أيضا حقوق على زوجها نظمها الإسلام وأوضحتها الشريعة الإسلامية ، وفي ذلك أيضا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ".
ولا يجوز للمسلم أو المسلمة التخلي عن فرائض ديننا الإسلامي الحنيف حتى ولو كانوا يقيمون ببلد غير إسلامي إلا في حالة الإكراه على ذلك ، خاصة إذا كان التمسك بها سيعرض حياتهم للخطر أو إلى الضرر ، قال تعالى "فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه "، أما ترك فرائض وتعاليم الدين الإسلامي بالاختيار فهذا لا يجوز شرعا؛ لأن أركان الإسلام يجب علي المسلم الالتزام بها أينما كان ، وما يعرف بـ "فقه الأقليات" فهو يتوقف عند حدود المعاملات الإسلامية كالبنوك وأكل الذبائح التي لم يُذكر اسم الله عليها أو خلع الحجاب إذا كانت قوانين تلك الدول تمنع ذلك ، وكل ذلك جائز بشرط أن يفعل المسلم ذلك وقلبه منكر لهذا الفعل !
أما مثل هذا الزواج الذي تدعو إليه الفتوى فهو لا يحقق المقاصد الشرعية من الزواج ويؤدي إلى الإفساد وخلط الأنساب . ومخالفة الشرع وارتكاب الفواحش وكثير من الجرائم والمفاسد الاجتماعية والأخلاقية . انتهى
وتقول الدكتورة سعاد صالح ـ أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف :(43/146)
لا يوجد في الإسلام ما يسمى بزواج موصوف بصفة خاصة ، وإنما ورد لفظ الزواج في القرآن الكريم وفي السنة النبوية غير مقيد بأي صفة كقوله تعالي: "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا" (النساء: 3)، وقوله تعالى: " وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ" (النور: 32).
وقد اهتم الإسلام بعقد الزواج أكثر من اهتمامه بأي عقد آخر؛ لأنه أقرب إلى العبادة منه إلى العادة . وما يطالب به من زواج الأصدقاء مع وقف آثار الزواج من حيث الإنجاب والنفقة والسكنى ، فهو يتعارض مع المقصد الأصلي للزواج وهو بقاء النسل والمحافظة على النفس وإعفافها ، ويتعارض كذلك مع التشريع الإلهي لعقد الزواج والأهداف والمقاصد المرجوة منه، ويعرض هذا الميثاق الغليظ للامتهان والاستهتار.
وهذه الأنكحة المستحدثة بكافة صورها ، تشبه نكاح المتعة الذي نهى عنه الرسول نهيا قطعيا ، حيث المقصود الأصلي منها هو مجرد قضاء الوطر دون الاستمرار في السكنى والمودة والرحمة.
وعقد الزواج الأصل فيه الاستمرارية والاستقرار ، ولذلك ،فإن كل عقد مقيد بمدة معينة ، هو عقد باطل ، والعقد الصحيح مطلوب فيه تحقيق الآثار الشرعية المترتبة عليه في الحال، فلا يوجد في الإسلام زواج موقوف ،ولكن زواج نافذ وجائز مستمر.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الزواج المدني بين الحرمة والإباحة ... العنوان
ما حكم الشرع في الزواج المدني ؟
... السؤال
26/10/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
الزواج المدني الذي لا تعتبر فيه شروط الزواج الشرعي باطل ،،وذلك إذا كان مجرد اتفاق في قسم الشرطة ،مع عدم مراعاة حقوق الزوجية ،ولا يعتد بهذا الزواج في مثل هذه الصورة ،وهو محرم شرعا ،لا يجوز فعله .
أما إن كان المقصود من ذلك هو توثيق عقد الزواج قانونيا، وقد استوفى العقد شروط النكاح،فهذا زواج صحيح شرعا.
يقول الدكتور وهبة الزحيلي أستاذ الشريعة بالجامعات السورية في صورة الزواج الذي يكون صوريا دون التزام حقوق الزوجية:
هذا الزواج شائع في البلاد الغربية، لأنه مجرد رباط كبقية العقود المالية، ويخلو من مراعاة الشروط التي تتناسب مع كرامة الإنسان، وهو في الواقع خالٍ من الالتزام بحقوق الزوجية السليمة.(43/147)
ونظرة الشرائع الدينية كلها الإسلامية وغيرها نظرة ريب ونفور ومَقْت وتحريم، لأن الزوجين يتفقان على مجرد الارتباط في قسم الشرطة مثلاً، دون التزام بأحكام الزواج وآثاره، لاعند الانعقاد ولا عند الفسخ والانهيار، تلك الأحكام التي تقررها الشريعة الإلهية والقوانين النافذة.
وفيه مخالفات شرعية إسلامية صارخة، إذ يمكن أن يقوم هذا الزواج بين امرأة مسلمة وغير مسلم، والله تعالى أبطل هذا الزواج وأجمع العلماء والأمة الإسلامية على بطلانه وأنه زنا وفاحشة، والأولاد أولاد حرام، لقوله تعالى: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ...} {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ...} {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ}.
إن محاولة إقرار هذا الزواج في بعض البلاد العربية بحجة إلغاء الطائفية وصهر الفوارق الدينية، أمر خطير، لايتفق مع شرع الله ولا دينه، بل إن مختلف الطوائف الدينية الإسلامية من سنة وشيعة، وغير الإسلامية كالنصارى، رفضت هذا الزواج، وأنكرته، فهو إذن منكر وفاحشة وباطل.انتهى
ويقول سماحة المستشار الشيخ فيصل مولوي - نائب رئيس المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء:
إن عقد الزواج القانوني الذي يعقد في أي بلد غير إسلامي يعتبر عقداً شرعياً إذا تمّ بين زوجين لا يوجد هناك مانع شرعي من الزواج بينهما ؛ لأن الركن الأول في عقد الزواج الشرعي، وفي أي عقد شرعي آخر هو الإيجاب والقبول من الطرفين. وهذا متوفّر في عقد الزواج القانوني كما يتوفّر فيه عادة الإعلان. أما شرط الشاهدين فهو عند بعض المذاهب لضمان إعلان الزواج وهذا حاصل. وأمّا شرط موافقة الولي فهو غير مجمع عليه بين المذاهب ، وإذا وقع فهو تأكيد لشرعية الزواج القانوني.
إلاّ أن المسألة الوحيدة التي يمكن أن تجعل الزواج القانوني الأوروبي غير شرعي هي مسألة عدم مراعاة الموانع الشرعية. فلا يجوز مثلاً من الناحية الشرعية أن يتزوّج الرجل أخته من الرضاعة.
ويجوز ذلك في القوانين الأوروبية. فإذا وقع مثل هذا الزواج في أي بلد أوروبي فلا يمكن اعتباره زواجاً شرعياً نظراً لوجود المانع الشرعي.
أمّا إذا وقع الزواج القانوني بين رجل وامرأة لا يوجد مانع شرعي من زواجهما، فإن هذا الزواج يمكن اعتباره زواجاً شرعياً، ومثل هذا الزواج يمكن أن تعترف به المحاكم الشرعية في بلادنا الإسلامية.
أما إذا كان الزواج القانوني في أوروبا جرى بين شخصين لا يوجد مانع شرعي من زواجهما، فإن المعاشرة الزوجية بناءً على هذا العقد تكون جائزة.
وفي حالة وجود مانع شرعي من موانع الزواج تكون المعاشرة الزوجية حراماً.
ويقوم العقد القانوني مقام عقد الزواج الإسلامي في حال عدم وجود الموانع الشرعية ، وخاصّة فيما إذا كان الزوجان من الجنسية الأوروبية.
أمّا إذا كان أحدهما أو الاثنان من جنسية إحدى البلاد الإسلامية فيجب أن يعقد الزواج في هذا البلد الإسلامي، وذلك لضمان خضوع الزوجين للأحكام الشرعية المتعلّقة بآثار هذا الزواج ونتائجه كالطلاق والحضانة والميراث وغيرها.(43/148)
وإذا كان الزوجان أو أحدهما من جنسية إحدى البلاد الإسلامية وعقدا زواجاً قانونياً في أوروبا فهو زواج صحيح من الناحية الشرعية ولا تعتبر المعاشرة بينهما حراماً، ولكنّهما يأثمان لرضاهما بالاحتكام إلى شريعة غير إسلامية مع قدرتهما على الخضوع للأحكام الشرعية.
أما الذي يعاشر زوجته بناءً على العقد القانوني الأوروبي يقوم بعمل مباح إذا لم يكن هناك مانع شرعي من موانع هذا الزواج وسواء كان يعلم الفرق بين العقدين أو يجهل هذا الفرق.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
اشتراط الزوجة عدم الزواج عليها ... العنوان
ما الحكم لو اشترطت الزوجة ألا يتزوج عليها زوجها عند العقد وقبل بذلك ثم بدا له بعد الزواج لسبب ما أن يتزوج بثانية فما الحكم في هذه الحالة. جزاكم الله عنا خير الجزاء ... السؤال
21/10/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم الاعتداد باشتراط الزوجة عدم الزواج عليها ولا يجب على الزواج الوفاء بهذا الشرط، وذهب الحنابلة إلى أن هذا الشرط معتبر ويجب الوفاء به، ومن ثم فعلى الزوج إذا أراد أن يتزوج بأخرى أن يتحلل من وعده ويستأذن زوجته، وإلا فالزوجة لها الخيار بين بقائها معه، أو طلب الطلاق ولها كامل حقوقها.
وإليك فتوى فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
اتفق أهل العلم على وجوب الوفاء بالشروط التي يقتضيها عقد الزواج كالإنفاق على الزوجة مثلاً. واختلفوا في الشروط التي لا تنافي مقتضى عقد الزواج، ولا تخل بمقصوده الأصلي كالشرط المذكور في السؤال.
والذي أختاره في هذه المسألة أنه يجوز للمرأة أن تشترط في عقد زواجها أن لا يتزوج زوجها عليها، وأنه يلزم الزوج الوفاء بهذا الشرط ما دام أنه قبل به عند عقد الزواج وهذا قول الحنابلة في هذه المسألة .
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي عند حديثه على الشروط في النكاح: [ما يلزم الوفاء به وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته مثل أن يشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها ولا يسافر بها أو لا يتزوج عليها ... فهذا يلزمه الوفاء لها به، فإن لم يفعل، فلها فسخ النكاح يروى هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم، وبه قال شريح، وعمر بن عبد العزيز، وجابر بن زيد وطاووس، والأوزاعي وإسحاق ] المغني 7/93.(43/149)
ومما يدل لهذا القول عموم النصوص الشرعية الآمرة بالوفاء بالعهد كقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) سورة المائدة آية 1.
ومما يدل عليه أيضاً ما جاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) رواه البخاري ومسلم. وقال الإمام البخاري في صحيحه: [باب الشروط في النكاح وقال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط. وقال المسور بن مخرمة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صهراً له فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن ، قال: حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي]
وقال الحافظ ابن حجر عن أثر عمر بأنه قد وصله سعيد بن منصور في سننه . صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 11/124 . وقد صحح الشيخ الألباني أثر عمر المذكور.
ومما يدل لهذا القول ما جاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً ) رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح.
وأنصح المقبلين على الزواج أن لا يقبلوا بهذا الشرط ابتداءً فلا ينبغي للرجل أن يقبل أن يشرط عليه في عقد الزواج أن لا يتزوج عليها ؛ لأنه لا يدري ماذا يحصل معه في مستقبل أيامه فقد تمرض زوجته مرضاً يمنع استمرار الحياة الزوجية بالشكل المطلوب، كأن تصاب بمرض مزمن أو معد، أو قد تصيبها أمور أخرى، أو قد تقع العداوة والبغضاء بينهما، ولا يستطيع تطليقها لسبب ما، فإنه حينئذ يستطيع أن يتزوج عليها ثانية فإن كان قد شرط على نفسه ألا يتزوج عليها فقد قطع الطريق على نفسه.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
شروط الطلاق ... العنوان
هل يمكن للرجل أن يطلق زوجته التي سبق له أن طلقها مرتين ولم يراجعها منذ سنة ؟ ... السؤال
18/07/2002 ... التاريخ
لجنة تحرير الفتوى بالموقع ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذا كان الرجل طلق زوجته مرة أو أكثر وانتهت عدتها قبل أن يراجعها ، فإنها تصير أجنبية عنه ، فلا يملك أن يوقع عليها الطلاق ، لأن الطلاق لا يقع إلا من الزوج على زوجته ، وبعد انتهاء العدة صارت المطلقة غير زوجة ، فلا يقع عليها طلاق ، حتى لو طلقها فإن طلاقه يكون لغوا .
فالطلاق نوع من أنواع الفراق، وهو ملك للزوج وحده ، ذلك أن الرجل يملك مفارقة زوجته إذا وجد ما يدعوه إلى ذلك بعبارته وإرادته المنفردة ، كما تملك(43/150)
الزوجة طلب إنهاء علاقتها الزوجية إذا وجد ما يبرر ذلك ، كإعسار الزوج بالنفقة ، وغيبة الزوج ، وما إلى ذلك من أسباب اختلف الفقهاء فيها توسعة وتضييقا.
واتفق الفقهاء على أن محل الطلاق الزوجة في زوجية صحيحة ، حصل فيها دخول أم لا ، فلو كان الزواج باطلا أو فاسدا ، فطلقها ، لم تطلق ، لأن الطلاق أثر من آثار الزواج الصحيح خاصة .
ويشترط لصحة الطلاق لدى الفقهاء شروط موزعة على أطراف الطلاق الثلاثة ، فبعضها يتعلق بالمطلق ، وبعضها بالمطلقة ، وبعضها بالصيغة ، وذلك على الوجه التالي :
أولا: الشروط المتعلقة بالمطلِّق :
يشترط في المطلق ليقع طلاقه على زوجته صحيحا أن يكون زوجا ،والزوج : هو من بينه وبين المطلقة عقد زواج صحيح .
والبلوغ عند جمهور الفقهاء ، والعقل ، والقصد والاختيار عند الجمهور ،أي: قصد اللفظ الموجب للطلاق من غير إجبار .
ثانيا: الشروط المتعلقة بالمطلَّقة :
يشترط في المطلقة ليقع الطلاق عليها شروط ، هي :
1ـ قيام الزوجية حقيقة أو حكما : وذلك بأن تكون المطلقة زوجة للمطلق ، أو معتدة من طلاقه الرجعي ، فإذا كانت معتدة من طلاق بائن أو فسخ ، ففي طلاقها خلاف، و هذا في الطلاق المنجز .
فإذا علق طلاقها بشرط ، كأن قال : إن دخلت دار فلان فأنت طالق ، فإن كانت عند التعليق زوجة صح الطلاق ، وإن كانت معتدة عند التعليق ففيه خلاف . فإن كانت عند التعليق أجنبية ثم تزوجها ، ثم حصل الشرط المعلق عليه ، فإن أضاف التعليق إلى النكاح - كأن قال للأجنبية : إن تزوجتك فأنت طالق ، ثم تزوجها - طلقت عند الحنفية والمالكية خلافا للشافعية . وإن أضافه إلى غير النكاح ، بأن قال للأجنبية : إن دخلت دار فلان فأنت طالق ، ثم تزوجها ، ثم دخلت ، لم تطلق بالاتفاق . وكذلك إن دخلت الدار قبل الزواج ، فإنها لا تطلق من باب أولى .
2 ـ تعيين المطلقة بالإشارة أو بالصفة أو بالنية .
ثالثا: شروط المتعلقة بصيغة الطلاق :
صيغة الطلاق هي اللفظ المعبر به عنه ، إلا أنه يستعاض عن اللفظ في أحوال بالكتابة أو الإشارة . ولكل من اللفظ والكتابة والإشارة شروط لا بد من توافرها فيه ، وإلا لم يقع الطلاق ، وهذه الشروط هي :
1 ـ القطع أو الظن بحصول اللفظ وفهم معناه .
2 ـ نية وقوع الطلاق باللفظ ، وهذا خاص بالكنايات من الألفاظ ، أما الصريح فلا يشترط لوقوع الطلاق به نية الطلاق أصلا ، واستثنى المالكية بعض ألفاظ الكناية حيث أوقعوا الطلاق بها من غير نية كالصريح ، وهي الكنايات الظاهرة ، كقول المطلق لزوجته : سرحتك ، فإنه في حكم : طلقتك ، ووافقهم الحنابلة . ( من الموسوعة الفقهية الكويتية ، بتصرف يسير ).
والله أعلم.(43/151)
ـــــــــــــــــــ
سؤال المرأة طلاق ضرتها ... العنوان
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أسعى في هذه الأيام للزواج من ثانية ، وقد اشترطت هذه المرأة طلاق زوجتي الأولى حتى لا أنام خارج المنزل ، وحتى يخلو وقتي للثانية ، بدعوى أنه يكفي الأولى الوقت الذي أخذته مني ، وسؤالي :
هل من حقوق الزوجة الثانية أن تجبر زوجها على تطليق زوجته الأولى ؟
وجزاكم الله خيرا.
... السؤال
04/05/2002 ... التاريخ
الشيخ محمد صالح المنجد ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
يقول الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية :
لا يجوز للمرأة أن تطلب من زوجها طلاق زوجته الأولى:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم ... لا يحل لامرأة أن تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح ، فإنما لها ما قدر لها " رواه البخاري ( 5144 ) – واللفظ له – ومسلم ( 1413 ) .
وفي لفظ " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تشترط المرأة طلاق أختها " رواه البخاري ( 2577 ) ، وبوّب له البخاري رحمه الله : باب ما لا يجوز من الشروط في النكاح.
وقد قال ابن القيم رحمه الله : وتضمن حكمه صلى الله عليه وسلم بطلان اشتراط المرأة طلاق أختها ، وأنه لا يجب الوفاء به .أ.هـ. "زاد المعاد" (5/107).
و قال الحافظ ابن حجر : قوله "لا يحل" ظاهر في تحريم ذلك. وهو محمول على ما إذا لم يكن هناك سبب يجوِّز ذلك كريبة في المرأة لا ينبغي معها أن تستمر في عصمة الزوج ، ويكون ذلك على سبيل النصيحة المحضة أو لضرر يحصل لها من الزوج ، أو للزوج منها ... . قال ابن بطال: نفى الحل صريح في التحريم ، لكن لا يلزم منه فسخ النكاح ، وإنما فيه التغليظ على المرأة أن تسأل طلاق الأخرى ، ولترضى بما قسم الله لها .أ.هـ. "الفتح" (9/274).
وقال الإمام النووي : ومعنى هذا الحديث نهي المرأة الأجنبية أن تسأل طلاق زوجته، وان ينكحها ويصير لها من نفقته ومعروفه ومعاشرته ونحوها ما كان للمطلقة ، فعبر عن ذلك باكتفاء ما في الصحفة مجازا .أ.هـ. "شرح مسلم"(9/193).
وبناء عليه ، فلا يجوز للمرأة الأولى أن تطالب زوجها بطلاق زوجته ، ولا تلتفت إلى ما تقوله ، واعلم أن هذا من الغيرة الموجودة عند النساء عموماً ، بل قد وجدت(43/152)
الغيرة عند أفضل النساء وهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ، فالغيرة أمرٌ طبيعي .
ولتعلم الزوجة الجديدة أنه ليس لها إلا ما قُدِّر لها كما في آخر الحديث السابق من رواية البخاري .
قال الحافظ ابن حجر :
ولهذا ختم بقوله " فإنما لها ما قُدِّر لها " إشارة إلى أنها وإن سألت ذلك وألحت فيه واشترطته فإنه لا يقع من ذلك إلا ما قدره الله ... "الفتح" (9/275) .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الإجهاض من زواج عرفي ... العنوان
لي أخ عقد قرانه عرفياً على فتاة دون الدخول بها إلى غاية الصيف المقبل إن شاء الله حيث تم هذا العقد بجميع شروطه إلى غاية إقامة العقد القانوني في البلدية، لكنه و أثناء التقائه بها في الأيام الفارطة قاما بما لا يجب القيام به إلا بعد الزفاف النهائي حيث جامعها ، و نتج عنه الحمل ، فأردت التدخل لتسوية الوضع مع أهلها كي نقيم الزفاف في أقرب الآجال و أبلغنا أمها بالموضوع فرفضت رفضاً قاطعاً أن نبلغ أخاها الوصي عليها مخافة أن يقوم بقتلها أو أي شيء من هذا القبيل فاضطر أخي بعد محاولات عدة إلى القيام بعملية الإجهاض و ذلك ما تم بعد أن بلغ الجنين عمر الشهرين فأود من فضيلتكم الإجابة على هذا السؤال لأن ضميري بات يؤنبني خوفاً من أن يكون أخي قد قام بعملية قتل لابنه و الرجاء بيان حكم الشرع فيما قام به ، و ما يجب عليه القيام به بعد هذه المشكلة للتكفير عن ذنبه . ... السؤال
24/04/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ،والحمد لله ،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:
فيقول الدكتور أحمد عبدالكريم نجيب مدرس الشريعة بكليّة الدراسات الإسلاميّة في سراييفو ، و الأكاديميّة الإسلاميّة في زينتسا
هذا السؤال ذو شائبتين لكلٍ منهما حكمها الخاص ، و هما :
أوّلاً : حكم ما بات يُعرف بالزواج العُرفي ، و هو زواجٌ صحيح إذا توفّرت فيه الشروط الشرعيّة ، و هي الإيجاب و القبول ( موافقة الطرفين ) و إقرار ولي أمر الفتاة ، و تسمية ( تحديد ) الصداق ( المهر ، و إشهادُ ذَوَي عدلٍ .
فإذا توفّرت هذه الشروط في العقد كان النكاح مشروعاً ، حتى و إن لم يُعلَم به أحدٌ غير الشاهدين ، و لم يُسجّل في الدوائر الرسميّة ( كمكتب المأذون أو المحكمة أو سجل الأحوال الشخصيّة أو غير ذلك ) .
و عليه فإنّ ما جرى بين الزوجين المقصودين في السؤال حقّ شرعي لهما ، و حملُ المرأة من زوجها لا إثم فيه و لا غُبار عليه ما دام العقدُ مستوفياً للشروط الشرعيّة .(43/153)
(ولكن يجب مراعاة العرف ،فمادام العرف لا يقبل الجماع دون البناء، فالأولى الأخذ به،ولاسيما أنه يترتب عليه ضرر ،كالحالة في السؤال)
ثانياً : حكم الإجهاض ، فقد ذهب جمهور الفقهاءِ إلى حُرْمَةِ الإقدام عليه عَمداً إلا لعذر شرعيِّ ، و لم يفرّقوا في ذلك بين كونه قبل نفخ الروح في الجنين أو بعد نفخها ، نظراً لما ينطوي عليه الإجهاضُ المتعمَّد من أضرار بالغة على الأم والجنين ، ولأنَّ الجنينَ يعدُّ حياً من بداية الحمل ، و حياتُهُ محترمةٌ في كافَّةِ أدوارها و بخاصة بعد نفخ الروح فيه ( في نهاية الشهر الرابع ) .
أمّا إذا ما دعت ضرورةٌ معتبَرةٌ شرعاً لإجهاض الجنين ، كأن يكون في بقائه خطر محقق على حياة الأم ، جازَ إجهاضُه أخذاً بحكم الضرورة .
و الحالة المذكورة في السؤال تدلّ على وجود ضررٍ سيلحق بالمرأة على سبيل التيقّن أو غَلبة الظنّ ، حيث قد يُقدِم و ليّها على قتلها لاعتقاده أنّ عقد الزواج العرفي المستوفي للشروط الشرعيّة لا يبيح للزوجين أن يفضي بعضهم إلى بعضٍ ، فلا بأسَ في هذه الحال من الإجهاض ، خاصّة و قد كان قَبل نفخ الروح في الجنين ، و هو ما يبيحه بعض أهل العلم حتى مع عَدَم وجود الضرورة ، فكيفَ و قد وُجدت ؟ و النبيّ صلى الله عليه و سلّم قضى بأن : « لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ » كما في حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه الذي رواه ابن ماجة و مالك و أحمد بإسنادٍ صحيح .
و عليه فلا شيء عليك و لا على أبوَي الجنين الذي تمّ إجهاضه في الظروف المذكورة في السؤال خاصّة ، و لكن حذار من التوسّع في هذا الباب ، لأنّ الضرورة تقدّر بقَدَرها .
و الله من وراء القصد ، و صلى الله و سلّم و بارك على نبيّنا محمّد و آله و صحبه أجمعين .
والله أعلم
حكم الزواج العرفي ... العنوان
ما حكم الشرع في الزواج العرفي في الإسلام ؟
... السؤال
19/12/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وجزاكم الله خيرا، وكل عام وأنتم بخير ، وتقبل الله منا ومنكم، وبعد:
فإن الزواج العرفي الذي اشتهر في هذه الآونة الأخيرة ، وانتشر بين الشباب ، وخاصة شباب الجامعات ، والذي يتم بعيدا عن الأهل ، ودون إعلان ؛ هذا ليس زواجا في الحقيقة ، لأنه لم يشتمل على أركان الزواج وشروطه .
يقول الشيخ معوض مبروك عباس ، أمين لجنة الفتوى بالأزهر:(43/154)
في الحقيقة لا تمر ساعة إلا ويسأل بعض الشباب في لجنة الفتوى عن حكم الشرع في الزواج العرفي، وهل هو حلال أو حرام ؟
وقبل أن نجيب عن هذا السؤال لابد أن نشير إلى رأي الفقهاء في تعريف الزواج وأركانه وشروطه وآثاره. أولا: الزواج (النكاح) لغة: الضم والجمع. وشرعًا عقد يبيح حل الاستمتاع للرجل بالمرأة. وأركانه: إيجاب وقبول أي موافقة ولي الزوجة ومن يريد الزواج بها على هذا الزواج وشاهدين، ومهر.
وشروطه: أن يكون العقد على امرأة خالية من الموانع، وأن لا تكون المرأة من المحرم على الزوج نكاحها؛ وأن يكون النكاح معلنا وأن لا يكون سرًا فإن ذلك يكون زنا.
واتفق الفقهاء جميعًا على أنه لا نكاح إلا بولي في المرأة الصغيرة والكبيرة ـ إلا أبا حنيفة في زواج الكبيرة ـ لما روى عن أبي موسى عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" وقد أخذ الأئمة الثلاثة بهذا الحديث فاشترطوا الولي ، فإن كانت المرأة بالغة أو ثيبا فزوجت نفسها فزواجها صحيح مع استيفاء بقية الشروط.
أما الزواج الذي اشتهر في هذه الأيام باسم الزواج العرفي فهو مغالطة وتسمية الأشياء بغير اسمها الصحيح فاسمه في الحقيقة "الزواج السري" وهو اجتماع الرجل مع المرأة فقط سرًا مع كتابة ورقة بينهما يعترف فيها الرجل بأنه تزوج المرأة حتى ولو كان هناك شهود على هذه الورقة فهذه مغالطة لتبرير فعلتهم، هذا بالإضافة إلى أن مثل هذا الزواج لا تترتب عليه آثاره.
كما أنني ألفت النظر إلى عدم الاستجابة إلى تقنين هذا الزواج ما دام قد تم في السر؛ لأن معنى هذا أننا نقنن لإباحة الزنا وفي هذا ما فيه من خطر على المجتمع وكثرة الأبناء غير الشرعيين (أبناء الزنا) وأيضا بتقنين هذا الزواج فإننا نقول للبنت افعلي ما شئت، واخرجي على طاعة الآباء والأولياء فتنقطع بذلك الروابط الأسرية وتتفكك الأسر.
ولا تظن البنت أن في هذا التصرف قيدًا على حريتها وتصرفاتها أو قيدا على فكرها ومحو شخصيتها، فالإسلام لم ينكر حقها في الاعتراض على الزواج، بل أمر الأولياء بأخذ رأيهن فيمن يتزوجنه ومنع الأولياء بتزويج البنت إلا برضاها وإن كانت بكرًا فرضاها سكوتها، وإن كانت ثيبًا فتعرب عما في نفسها بالقول.
وختامًا أقول للقائمين على أمر الإعلام في مصر والعالم الإسلامي وضحوا للناس مخاطر هذا النوع من الزواج، وبينوا للناس كيف يكون سببًا في ضياع حق المرأة وهيبتها وكرامتها هي أسرتها، وأن يشرح العلماء والخطباء على المنابر في المحافل الإسلامية، ويلفتوا النظر إلى ضرورة التمسك بتعاليم الإسلام وترسيخ مبادئه في نفوس الناس، كما أنني أهيب بإخواننا العلماء ألا يصدروا كلامهم بكلمة حلال ثم يضعون الشروط بعد ذلك.
ولا تقل لي إن هذا الزواج صحيح لأنه أخذ الشكل الرسمي للعقد، أو أنه يصح على بعض المذاهب، فليس هناك مذهب يجيزه على هذا الصورة المهينة التي تستبيح(43/155)
الأعراض، وتساعد على انتشار الرذيلة في المجتمع، فهذا لم يسلم به أحد مطلقًا من علماء الإسلام قديمًا أو حديثًا.
هذا وقد يكون الشيء مباحًا ثم يطرأ عليه ما يجعله غير مباح لما يترتب عليه من ضياع الحقوق والآثار المترتبة عليه والإسلام يقول: "لا ضرر ولا ضرار".
هذا والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
تزويج الأب ابنته البالغة بغير رضاها ... العنوان
هل صحيح ما قرأناه في بعض المجلات منسوبًا إلى أحد المذاهب الإسلامية المتبوعة والمشهورة وهو مذهب الإمام الشافعي أنه يجعل من حق الأب أن يزوج ابنته البالغة بغير رضاها، وإذا كان هذا صحيحًا فهل يتفق مع المنهج الإسلامي العام في اشتراط موافقة الفتاة المسبقة، وهل يشترط الولي دائمًا في عقد الزواج؟.
مسلمة غيورة. ... السؤال
04/11/2001 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
من الواجب إزاء هذا السؤال المهم أن نقرر عدة حقائق:
أولاً: هنا قاعدة أساسية لا يختلف فيها اثنان وهي أن كل مجتهد يصيب ويخطئ، وأن كل واحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم -صلى الله عليه وسلم-. والإمام الشافعي إمام عظيم من أئمة المسلمين، ولكنه بشر غير معصوم، وقد قال هو عن نفسه: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، كما روي عنه قوله: إذا صح الحديث فهو مذهبي.. وفي رواية: فاضربوا بقولي الحائط!.
ثانيًا: من الإنصاف للمجتهدين أن نضع آراءهم في إطارها التاريخي، فإن المجتهد ابن بيئته وزمنه، ولا يمكن إغفال العنصر الذاتي للمجتهد. وقد عاش الإمام الشافعي في عصر قلما كانت تعرف الفتاة من يتقدم لخطبتها شيئًا إلا ما يعرفه أهلها عنه، لهذا أعطى والدها خاصة حق تزويجها ولو بغير استئذانها؛ لكمال شفقته عليها، وافتراض نضجه وحسن رأيه في اختياره الكفء المناسب لها، وانتفاء التهمة في حقه بالنسبة لها.
ومن يدري لعل الشافعي رضي الله عنه لو عاش إلى زماننا، ورأى ما وصلت إليه الفتاة من ثقافة وعلم، وأنها أصبحت قادرة على التمييز بين الرجال الذين يتقدمون إليها، وأنها إذا زوجت بغير رضاها ستستحيل حياتها الزوجية إلى جحيم عليها وعلى زوجها، لعله لو رأى ذلك لغير رأيه، كما غيره في أمور كثيرة. فمن المعلوم أنه كان له مذهبان أحدهما: قديم قبل أن يرحل إلى مصر، والثاني: جديد بعد أن انتقل إلى مصر واستقر فيها، ورأى فيها ما لم يكن قد رأى، وسمع فيها ما لم يكن يسمع، وأصبح من المعروف في كتب الشافعية: قال الشافعي في القديم، وقال الشافعي في الجديد.(43/156)
ثالثًا: أن الشافعية شرطوا لتزويج الأب ابنته البكر بغير إذنها شروطًا منها:
1- ألا يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة، كطلاق أمها، أو نحو ذلك.
2- أن يزوجها من كفء.
3- أن يزوجها بمهر مثلها.
4- ألا يكون الزوج معسرًا بالمهر
5- ألا يزوجها بمن تتضرر بمعاشرته كأعمى وشيخ هرم.. الخ.
وفي هذه الشروط تخفيف لبعض آثار الإجبار، ولكنها لا تحل المشكلة من جذورها.
بعد هذا نقول:
قد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- جملة أحاديث توجب استئمار الفتاة أو استئذانها عند زواجها فلا تزوج بغير رضاها، ولو كان الذي يزوجها أباها. منها ما في الصحيح: "لا تنكح البكر حتى تستأذن" قالوا: وكيف إذنها؟ . قال: "أن تسكت". "البكر تستأذن في نفسها، وإذنها صمتها". "الثيب أحق بنفسها، والبكر يستأذنها أبوها".
وفي السنن من حديث ابن عباس: أن جارية بكرًا أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي -صلى الله عليه وسلم-. وعن عائشة: "أن فتاة دخلت عليها، فقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته. وأنا كارهة، قلت: اجلسي حتى يأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فأخبرته، فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل الأمر إليها، فقالت: يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن يعلم الناس أن ليس للآباء من الأمر شئ".
والظاهر من حالة هذه المرأة أنها بكر، كما قال صاحب "سبل السلام" ولعلها البكر التي في حديث ابن عباس. وقد زوجها أبوها كفئًا: ابن أخيه. وإن كانت ثيبًا، فقد صرحت أن ليس مرادها إلا إعلام النساء أن ليس للآباء من الأمر شئ! ولفظ "النساء" عام للبكر والثيب. وقد قالت هذا عنده -صلى الله عليه وسلم- فأقرها عليه.
وكأن هذه الفتاة الراشدة البصيرة أرادت أن توعّي بنات جنسها بما جعل لهن الشارع من الحق في أنفسهن، حتى لا يتسلط عليهن بعض الآباء، أو من دونهم من الأولياء، فيزوجوهن بغير رضاهن لمن يكرهنه ويسخطنه.
وقال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار": (ظاهر الأحاديث أن البكر البالغة إذا تزوجت بغير إذنها لم يصح العقد. وإليه ذهب الأوزاعي والثوري والعترة والحنفية، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم).
وقبل الشوكاني قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه: (إن استئذان البكر البالغة واجب على الأب وغيره، وإنه لا يجوز إجبارها على النكاح وإن هذا هو الصواب، وهو رواية عن أحمد واختيار بعض أصحابه، وهو مذهب أبي حنيفة وغيره... وقال: إن جعل البكارة موجبة للحجر مخالف لأصول الإسلام، وتعليل الحجر بذلك تعليل بوصف لا تأثير له في الشرع، قال:
والصحيح أن مناط الإجبار هو الصغر، وأن البكر البالغ لا يجبرها أحد على النكاح؛ فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الثيب حتى تُستأمر" فقيل له: " إن البكر تستحي؟ فقال: "إذنها(43/157)
صمتها" وفي لفظ في الصحيح "البكر يستأذنها أبوها" فهذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تنكح حتى تستأذن. وهذا يتناول الأب وغيره، وقد صرح بذلك في الرواية الأخرى الصحيحة؛ وأن الأب نفسه يستأذنها.
وأيضًا فإن الأب ليس له أن يتصرف في مالها إذا كانت رشيدة إلا بإذنها، وبضعها أعظم من مالها، فكيف يجوز أن يتصرف في بضعها مع كراهتها ورشدها؟.
وأيضًا: فإن الصغر سبب الحجر بالنص والإجماع. وأما جعل البكارة موجبة للحجر فهذا مخالف لأصول الإسلام؛ فإن الشارع لم يجعل البكارة سببًا للحجر في موضع من المواضع المجمع عليها، فتعليل الحجر بذلك تعليل بوصف لا تأثير له في الشرع.
وأيضًا: فإن الذين قالوا بالإجبار اضطربوا فيما إذا عينت كفئًا، وعين الأب كفئًا آخر: هل يؤخذ بتعيينها؟ أو بتعيين الأب؟ على وجهين في مذهب الشافعي وأحمد.
فمن جعل العبرة بتعيينها نقض أصله، ومن جعل العبرة بتعيين الأب كان في قوله من الفساد والضرر والشر ما لا يخفى؛ فإنه قد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن، وإذنها صماتها" وفي رواية: " الثيب أحق بنفسها من وليها". فلما جعل الثيب أحق بنفسها دل على أن البكر ليست أحق بنفسها؛ بل الولي أحق، وليس ذلك إلا للأب والجد. هذه عمدة المجبرين وهم تركوا العمل بنص الحديث، وظاهره؛ وتمسكوا بدليل خطابه؛ ولم يعلموا مراد الرسول -صلى الله عليه وسلم-. وذلك أن قوله: "الأيم أحق بنفسها من وليها" يعم كل ولي، وهم يخصونه بالأب والجد. "والثاني" قوله: "والبكر تستأذن "وهم لا يوجبون استئذانها؛ بل قالوا: هو مستحب، حق طرد بعضهم قياسه؛ وقالوا: لما كان مستحبًا اكتفى فيه بالسكوت، وادعى أنه حيث يجب استئذان البكر فلا بد من النطق. وهذا قاله بعض أصحاب الشافعي وأحمد.
وهذا مخالف لإجماع المسلمين قبلهم؛ ولنصوص رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنه قد ثبت بالسنة الصحيحة المستفيضة؛ واتفاق الأئمة قبل هؤلاء أنه إذا زوج البكر أخوها أو عمها فإنه يستأذنها؛ وإذنها صماتها. وأما المفهوم: فالنبي -صلى الله عليه وسلم- فرق بين البكر والثيب؛ كما قال في الحديث الآخر: "لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الثيب حتى تستأمر" فذكر في هذه لفظ "الإذن" وفي هذه لفظ "الأمر" وجعل إذن هذه الصمات؛ كما أن إذن تلك النطق. فهذان هما الفرقان اللذان فرق بهما النبي -صلى الله عليه وسلم- بين البكر والثيب، لم يفرق بينهما في الإجبار وعدم الإجبار؛ وذلك لأن "البكر" لما كانت تستحي أن تتكلم في أمر نكاحها لم تخطب إلى نفسها، بل تخطب إلى وليها، ووليها يستأذنها، فتأذن له؛ لا تأمره ابتداء: بل تأذن له إذا استأذنها، وإذنها صماتها. وأما الثيب فقد زال عنها حياء البكر فتتكلم بالنكاح، فتخطب إلى نفسها، وتأمر الولي أن يزوجها . فهي آمرة له، وعليه أن يطيعها فيزوجها من الكفء إذا أمرته بذلك. فالولي مأمور من جهة الثيب، ومستأذن للبكر. فهذا هو الذي دل عليه كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وأما تزويجها مع كراهتها للنكاح: فهذا مخالف للأصول والعقول، والله لم يسوغ لوليها أن يكرهها على بيع أو إجارة إلا بإذنها ولا على طعام أو شراب أو لباس لا(43/158)
تريده. فكيف يكرهها على مباضعة من تكره مباضعته، ومعاشرة من تكره معاشرته؟! والله قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة فإذا كان لا يحصل إلا مع بغضها له، ونفورها عنه فأي مودة ورحمة في ذلك؟) ا.هـ. (مجموع فتاوى شيخ الإسلام 25/22- 25).
وقال الإمام ابن القيم في " زاد المعاد" بعد ذكر ما حكم به النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجوب استئذان البكر: (وموجب هذا الحكم ألا تجبر البكر البالغ على النكاح، ولا تزوج إلا برضاها، وهذا قول جمهور السلف ومذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايات عنه، وهو القول الذي ندين لله به، ولا نعتقد سواه، وهو الموافق لحكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمره ونهيه، وقواعد شريعته ومصالح أمته..) وأفاض في بيان ذلك رضي الله عنه.
وهذا أيضًا ما أدين لله به، ولا أعتقد سواه، وإن قال من قال بخلاف ذلك.
وأما تزويج المرأة نفسها بغير إذن وليها، فهو جائز عند أبي حنيفة وأصحابه إذا تزوجت كفئًا، حيث لم يصح عندهم حديث في اشتراط الولي. وهذا أيضًا عند الظاهرية في شأن الثيب، عملاً بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "والثيب أحق بنفسها من وليها".
ورأي الجمهور أن الولي شرط للزواج أخذًا بحديث " لا نكاح إلا بولي " وغيره من الأحاديث، والحكمة في هذا أن يتم الزواج بتراضي الأطراف المعنية كلها، وحتى لا تكون المرأة إذا تزوجت بغير إذن أهلها تحت رحمة الزوج وتسلطه، حين لم يكن لأهلها رأي في زواجها.
وعلى كل حال إذا قضى قاض بصحة هذا الزواج فهو صحيح ولا يملك أحد نقضه كما قال ابن قدامة في "المغني".
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
اشتراط الزوجة عدم الزواج بأخرى ... العنوان
هل يجوز شرعًا اشتراط الزوجة على زوجها عدم الزواج بأخرى؟
... السؤال
10/09/2001 ... التاريخ
لجنة تحرير الفتوى بالموقع ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت السائلة: جاء في فتوى لفضيلة الشيخ السيد أبو عجور أمين عام مكتب مجمع البحوث الإسلامية ما يلي :ـ
عقد الزواج من العقود الرضائية الكاملة التي تتركز على مبدأ حرية التعاقد بين الطرفين وعلى ذلك فإنه يحق لأي من الزوجين أن يشترط على الآخر ما يشاء من الشروط طالما أنها لا تحل حرامًا أو تحرم حلالًا مصداقًا لقول الرسول صلوات الله(43/159)
وسلامه عليه: "المؤمنون عند شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالاً وأن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج".
ومما يؤيد هذا أنه لما أراد علي بن أبي طالب أن يتزوج من ابنة أبي جهل فقالت فاطمة للنبي صلى الله عليه وسلم إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح ابنة أبي جهل؛ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطب في الناس فكان مما قال: يستأذنني علي بن أبي طالب في أن يتزوج على فاطمة ابنتي من ابنة أبي جهل. والله لا آذن والله لا آذن ففاطمة بضعة مني ما أرابها يريبني وما أذاها يؤذيني. فإن أراد علي الزواج عليها فليطلقها فوالله لا تجتمع ابنة رسول الله مع ابنة عدو الله وإني بهذا لا أحرم حلالاً ولا أحل حرامًا.
من هنا يحق للزوجة أن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها من أخرى تأسيسًا على أن هذا الشرط لا يتصادم مع إباحة التعدد الذي جاء في كتاب الله باعتبار أن التعدد لم يرد على سبيل الوجوب أو الندب الأمر الذي ينفي حالة التعارض مع الشرط المذكور.
وبناءً على ما تقدم نرى أن الزوجة إذا اشترطت على زوجها ألا يتزوج عليها أو ينقلها من دارها أو بلدها جائز لأن فائدة هذا الشرط تعود إليها ومنفعتها فيه وهو لا يخل بمقاصد النكاح.(انتهى)
ولا يفهم من ذلك أن الزوج يحرم عليه الزواج بعد ذلك ولكن كل ما في الأمر أن الزوج إذا أراد الزواج بعد ذلك فللزوجة أن تطلب الطلاق واستيفاء كل حقوقها طالما أنها اشترطت على الزوج في العقد ألا يتزوج عليها.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
مكان الحضانة ، وحكم انتقال الحاضن أو الولي ... العنوان
فضيلة الشيخ ـ حفظه الله تعالى ـ في حالة وجود طفل أو طفلة في حضانة والدته المطلقة وأراد والد الطفل أو الطفلة السفر إلى بلده الأصلي للاستقرار فيه ، فهل يحق له أن يأخذ ابنه أو ابنته معه ، أي أن يأخذ حق الحضانة من الأم بصفتة الولي الشرعي وهو الذي يدفع النفقه الشرعية للطفل والأم .
... السؤال
26/08/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الجمهور يفرقون بين سفر ولي الصبي ( الأب أو من قام مقامه ) إلى مكان يتخذه موطنا جديدا ، وبين سفره لزيارة أو تجارة بحيث يعود إلى موطنه الأصلي دون الانقطاع عنه والاستيطان في بلد آخر : فيقولون بأن السفر المؤقت الذي بعده عودة لا يسقط حضانة الأم ، وأما سفر الانقطاع عن البلد فيسقطها إذا كان الطريق آمنا ، ولم يكن الموطن الجديد دار حرب أو بلد فسق ، أو قريبا من موطن الأم بحيث يمكنه رؤية ولده .(43/160)
واشترط الحنابلة أن لا يكون قصد الأب أو الولي من تغيير السكن هو الإضرار بالأم ، وإلا لا تسقط حضانتها.
ولكن الحنفية يرون أن سفر الأب أو الولي الذي قام مقامه لا يسقط حضانة الأم سواء كان سفرا مؤقتا أم انقطاعا عن سكنه ، وسواء كان سفرا قريبا أم بعيدا.
و نحن نرجح رأي الحنفية ، لأنه هو الأقرب للعدل ، والأحوط لعدم مضارة الولي للأم الحاضنة .
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
مكان الحضانة هو المسكن الذي يقيم فيه والد المحضون إذا كانت الحاضنة أمه وهي في زوجية أبيه ، أو في عدته من طلاق رجعي أو بائن . ذلك أن الزوجة ملزمة بمتابعة زوجها والإقامة معه حيث يقيم ، والمعتدة يلزمها البقاء في مسكن الزوجية حتى تنقضي العدة سواء مع الولد أو بدونه ، لقوله تعالى : { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } .
وإذا انقضت عدة الأم فمكان الحضانة هو البلد الذي يقيم فيه والد المحضون أو وليه ، وكذلك إذا كانت الحاضنة غير الأم ، لأن للأب حق رؤية المحضون ، والإشراف على تربيته ، وذلك لا يتأتى إلا إذا كان الحاضن يقيم في بلد الأب أو الولي . هذا قدر مشترك بين المذاهب ، وهو ما صرح به الحنفية وتدل عليه عبارات المذاهب الأخرى .
أما مسألة انتقال الحاضن ، أو الولي إلى مكان آخر ففيه اختلاف المذاهب ، وبيان ذلك كما يلي : يفرق جمهور الفقهاء - المالكية والشافعية والحنابلة - بين سفر الحاضنة ، أو الولي للنقلة والانقطاع ـ أي تغيير محل الإقامة ـ والسكنى في مكان آخر ، وبين السفر لحاجة كالتجارة والزيارة :
فإن كان سفر أحدهما ( الحاضنة أو الولي ) للنقلة والانقطاع سقطت حضانة الأم ، وتنتقل لمن هو أولى بالحضانة بعدها بشرط أن يكون الطريق آمنا ، والمكان المنتقل إليه مأمونا بالنسبة للصغير ، والأب هو الأولى بالمحضون سواء أكان هو المقيم أم المنتقل ، لأن الأب في العادة هو الذي يقوم بتأديب الصغير ، وحفظ نسبه ، فإذا لم يكن الولد في بلد الأب ضاع ، لكن قيد الحنابلة أولوية الأب بما إذا لم يرد مضارة الأم وانتزاع الولد منها ، فإذا أراد ذلك لم يجب إليه ، بل يعمل ما فيه مصلحة الولد . وإن سافرت الأم مع الأب بقيت على حضانتها .
وإن كان السفر لحاجة كتجارة وزيارة كان الولد مع المقيم منهما حتى يعود المسافر ، وسواء أكان السفر طويلا أم قصيرا ، وكذا يكون الولد مع المقيم لو كان الطريق أو المكان المنتقل إليه غير آمن في سفر النقلة والانقطاع . هذا قول الجمهور .
أما الحنفية فقد ذهبوا إلى أنه لا يجوز للأم الحاضنة التي في زوجية الأب أو في عدته الخروج إلى بلد آخر ، وللزوج منعها من ذلك .
أما إن كانت منقضية العدة فإنه يجوز لها الخروج بالمحضون إلى بلد آخر في الأحوال الآتية :(43/161)
1 - إذا خرجت إلى بلدة قريبة بحيث يمكن لأبيه رؤيته والعودة في نهاره على ألا يكون المكان الذي انتقلت إليه أقل حالا من المكان الذي تقيم فيه حتى لا تتأثر أخلاق الصبي .
2 - إذا خرجت إلى مكان بعيد مع تحقق الشروط الآتية :
أ - أن يكون البلد الذي انتقلت إليه وطنها .
ب - أن يكون الزوج قد عقد نكاحه عليها في هذا البلد ـ أي : تزوجها فيه .
ج – ألا يكون المكان الذي انتقلت إليه دار حرب إذا كان الزوج مسلما أو ذميا . فإذا تحققت هذه الشروط جاز لها السفر بالمحضون إلى هذا المكان البعيد ، لأن المانع من السفر أصلا هو ضرر التفريق بين الأب وبين ولده ، وقد رضي به لوجود دليل الرضا وهو التزوج بها في بلدها لأن من تزوج امرأة في بلدها فالظاهر أنه يقيم فيه ، والولد من ثمرات النكاح فكان راضيا بحضانة الولد في ذلك البلد ، فكان راضيا بالتفريق ، وعلى ذلك فليس لها أن تنتقل بولدها إلى بلدها إذا لم يكن عقد النكاح ـ أي الزواج ـ قد وقع فيه ، ولا أن تنتقل إلى البلد الذي وقع فيه عقد النكاح إذا لم يكن بلدها ، لأنه لم يوجد دليل الرضا من الزوج ، فلا بد من تحقق الشرطين ، واعتبر أبو يوسف مكان العقد فقط . أما شرط ألا يكون المكان حربيا إذا كان الزوج مسلما أو ذميا فلما في ذلك من إضرار بالصبي لأنه يتخلق بأخلاق الكفار .
هذا إذا كانت الحاضنة هي الأم فإن كانت غيرها فلا يجوز لها الخروج بالصغير إلى أي مكان إلا بإذن الأب لعدم العقد بينهما .
كما يرى الحنفية أنه ليس للأب أو الولي أخذ الصغير ممن له الحضانة من النساء والانتقال به من بلد أمه بلا رضاها ما بقيت حضانتها قائمة ، ولا يسقط حقها في الحضانة بانتقاله ، وسواء أكان المكان الذي ينتقل إليه قريبا أم بعيدا . (انتهى).
وعليه : فأخذا برأي الحنفية ، وترجيحا منا له لا يجوز للأب أن يأخذ ولده من حضانة أمة ما دامت الحضانة قائمة .
ولكن يمكن من رؤية ولدة متى شاء دون إرهاق للأم .كأن يسافر إليه فيراه ، وإن تيسر للأم أن تسافر قريبا من الأب فهو أفضل ، ليقوم الأب بالإشراف على ولده .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
شبهة حول تعدد الزوجات ... العنوان
ما تقولون في رخصة الزواج من أربع نسوة وسوء استخدامها ؟
... السؤال
20/08/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن تعدد الزوجات من مميزات الإسلام التي امتاز بها على غيره ، وقد وضع الإسلام للتعدد ضوابط ، فقيده بأربع ، وشرط له العدل بينهن ، ولهذا التعدد حكم وفوائد كبيرة ، تظهر إذا كثر النساء وتضاعف عددهم ، وتظهر في حق الأرملة(43/162)
والمطلقة ، كما تظهر في حق من مرضت زوجته مرضا يعجزها عن مهام الزوجية ويريد إبقاء العلاقة الزوجية أو كانت عقيما أو كان حيضها يطول وللزوج شهوة قوية . وإذا أساء بعض الأزواج هذا الحق فليس معنى ذلك أن التشريع معيب ـ حاشا لله ـ وإنما العيب في مخالفة آداب الشرع وأخلاق الدين.
جاء في فتاوى المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء :
كان الناس قبل الإسلام يتزوجون من شاءوا من النساء بغير قيد ولا شرط، حتى جاء الإسلام فوضع لهذا التعدد حداً وشرط له شرطاً.
فأما الحد فجعل أقصى العدد أربعاً لا يزاد عليهن بحال: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع( [النساء: 3]، ولما أسلم رجل من ثقيف ومعه عشرة نسوة، أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعاً، ويطلق الباقي أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه.
وأما الشرط، فيتمثل في ثقة الرجل في نفسه بالعدل، وإلا حرم عليه الزواج بالمرأة الأخرى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ([النساء: 3].
وهذا إلى جوار توافر الشروط الأخرى لأي زواج، مثل: القدرة على الإنفاق، والقدرة على الإحصان.
وإنما أباح الإسلام ذلك؛ لأنه دين واقعي، لا يحلّق في مثاليات حالمة، ويترك مشكلات الحياة دون علاج مقدور عليه. فالزواج الثاني قد يحل مشكلة عند الرجل الذي لا تنجب امرأته، أو تطول عندها فترة الحيض، وهو قوي الشهوة، أو يصيبها المرض، ويستمر معها، ولا يريد أن يطلقها، إلى غير ذلك.
وقد يحل مشكلة عند المرأة الأرملة التي يموت زوجها ولا تطمع في الزواج من شاب لا زوجة له، ومثلها المطلقة وهي شابة، وخصوصاً لو كان لها طفل أو أكثر.
وقد يحل مشكلة عند المجتمع كله، عندما يزيد عدد النساء الصالحات للزواج عن عدد الرجال القادرين على النكاح، وهذا قائم باستمرار، ويزداد تفاقماً بعد الحروب ونحوها.
فماذا نفعل بالعدد الفائض من النساء؟ إنها واحدة من ثلاث:
1. إما أن يقضين العمر كله محرومات من حياة الزوجية والأمومة، وهذا ظلم لهن.
2. وإما أن يشبعن غرائزهن من وراء ظهر الدين والأخلاق، وهذا ضياع لهن.
3. وإما أن يقبلن الزواج من رجل متزوج قادر على النفقة والإحصان، واثق بالعدل، وهذا هو الحل المناسب.
أما سوء استعمال هذه الرخصة أو هذا الحق، فكم من حقوق يساء استخدامها، ويتعسف في استعمالها، ولا يؤدي ذلك إلى إسقاطها وإلغائها. الزواج الأول نفسه كم يساء استخدامه، فهل نلغيه؟ الحرية كم يساء استخدامها، فهل نلغيها؟ الانتخابات يساء استخدامها، فهل نلغيها؟ السلطة.. أياً كانت يساء استخدامها، فهل نلغيها وندع الحياة فوضى؟
إن الأولى – بدل أن ننادي بإلغاء الحق – أن نضع الضوابط لاستخدامه، ونعاقب من يسئ في ذلك، قدر ما نستطيع.
والله أعلم.(43/163)
ـــــــــــــــــــ
مجرد الهبة لا ينعقد بها زواج ... العنوان
بسم الله الرحمن الرحيم
فتاةخالية من موانع الزواج الشرعية، تريد أن تهب نفسها لرجل هبة شرعية يستطيع بها أن يعاشرها معاشرة الأزواج .
فما الحكم الشرعي في ذلك ؟
... السؤال
18/07/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
أجمع العلماء على أن هبة المرأة نفسها غير جائز، وأن هذا اللفظ من الهبة لا يتم عليه نكاح، وهذا الأمر خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى في سورة الأحزاب :{ وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين }
قال النووي في شرح صحيح مسلم :
قال أصحابنا: فهذه الاَية دليل لذلك، فإذا وهبت امرأة نفسها له صلى الله عليه وسلم فتزوجها بلا مهر حلَّ له ذلك، ولا يجب عليه بعد ذلك مهرها بالدخول ، ولا بالوفاة ، ولا بغير ذلك، بخلاف غيره .
قال الطبري في قوله تعالى : {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} يقول تعالى ذكره:
قد علمنا ما فرضنا على المؤمنين في أزواجهم إذا أرادوا نكاحهن مما لم نفرضه عليك، وما خصصناهم به من الحكم في ذلك دونك، وهو أنا فرضنا عليهم أنه لا يحل لهم عقد نكاح على حرة مسلمة إلا بولي عصبة وشهود عدول، ولا يحل لهم منهن أكثر من أربع . أهـ
فعقد الزواج لا ينعقد بلفظ الهبة ، وإذا حدثت معاشرة بين الرجل والمرأة تكون معاشرة محرمة ، ويجب التفريق بينهما فوراً .
قال فضيلة الشيخ حسن مأمون شيخ الأزهر الأسبق :
الظاهر من السؤال أن هذه السيدة وهبت نفسها من السائل دون أن يستوفى العقد هذه الشروط، فيكون هذا الزواج غير منعقد ، ولا يترتب عليه أي أثر من آثار عقد الزواج الصحيح المستوفى لشروطه ، وحينئذ تكون عشرة السائل لهذه السيدة عشرة محرمة حرمة مغلظة لا يقرها الدين ، ولا يرضاها مادام العقد بينهما غير مستوف لشروط النكاح ، فيجب عليهما الافتراق فوراً ، وإلا استحقا عقاب الله وسخطه .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة ... العنوان(43/164)
ما حكم عقود البيوع والإجارة ونحوها التي تُجرى بواسطة المخترعات الحديثة كالهاتف والفاكس والتلكس والإنترنت وغيرها ؟ وإذا كان مجلس العقد المعتاد في المكتب والدكان فكيف يكون في حالة استخدام الآلات الحديثة ؟
... السؤال
11/07/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فإن عقد البيع يكون منعقداً شرعاً إذا تحققت أركانه الشرعية من وجود الإيجاب والقبول بين البائع والمشتري ، وعدم وجود محاذير كبيع شيء حرام مثلاً ، وفي ظل ثورة الاتصالات وكون العالم بمثابة قرية صغيرة ، تأثرت عقود البيع والشراء بهذه الطفرة العلمية .
وقد ناقش مجمع الفقه الإسلامي عقود البيع التي تتم عن طريق هذه الاتصالات الحديثة مثل الهاتف والفاكس والتلكس والإنترنت وغيرها .
وجاء في بيان مجمع الفقه الإسلامي ما يلي :
ينعقد العقد شرعا إذا حصل الإيجاب والقبول بالشروط الشّرعية مع انتفاء الموانع ومثال الإيجاب والقبول في عقد البيع أن يقول البائع بعتك ويقول المشتري قبلت ، ونظراً إلى التطور الكبير الذي حصل في وسائل الاتصال وجريان العمل بها في إبرام العقود لسرعة إنجاز المعاملات المالية والتصرفات ، وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة وبالإشارة وبالرسول ، وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس - عدا الوصية والإيصاء والوكالة - وتطابق الإيجاب والقبول ، وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد ، والموالاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف .
قرر ما يلي :
أولاً : إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد ، ولا يرى أحدهما الآخر معاينة ، ولا يسمع كلامه ، وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة ( الرسول ) ، وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب الآلي ( الحاسوب ) ، ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه وقبوله .
ثانياً : إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين ، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي ، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقداً بين حاضرين ، وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة .
ثالثاً : إذا أصدر العارض ، بهذه الوسائل ، إيجاباً محدد المدة يكون ملزماً بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة ، وليس له الرجوع عنه .
رابعاً : إن القواعد السابقة لا تشتمل النكاح لاشتراط الإشهاد فيه ، ولا الصرف لاشتراط التقابض ، ولا السَّلَم لاشتراط تعجيل رأس المال .(43/165)
خامساً : ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد العامة للإثبات .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
ضوابط الزواج من نساء أهل الكتاب ... العنوان
هل يجوز الزواج من المسيحية ،فقد سمعناأنه يجوز الزواج من أهل الكتاب؟ ... السؤال
24/05/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:
الزواج من أهل الكتاب مباح شرعًا بشروط ،ومع كون الزواج مباحًا ،لكنه مكروه ،وخاصة في البلاد الغربية ،خشية تأثر المسلم بزوجته ،ولكن لانستطيع التحريم ،ولو ادعى البعض أن أهل الكتاب اليوم غير أهل الكتاب قديمًا.
ويباح الزواج من المسيحية خاصة ،وقد منع كثير من الفقهاء المعاصرين الزواج من اليهودية الإسرائيلية خاصة .
وفي شروط النكاح من أهل الكتاب يقول الدكتور القرضاوي:
يجوز الزواج من الكتابية بشروط :
أولها: أن يستوثق من كتابيتها فقد تكون مسيحية اسمًا؛ ولكنها ملحدة حقيقة أو بهائية أو نحو ذلك.
الشرط الثاني: أن تكون محصنة أي عفيفة لا تبيع جسدها لمن يريد، أو على الأقل تكون تائبة مما وقعت فيه من أخطاء.
الشرط الثالث: ألا تكون من قوم معادين للمسلمين كاليهودية في عصرنا.
الشرط الرابع: ألا يكون في ذلك مضرة على الزوج أو على أولاده منها أو على بنات المسلمين كأن تكون الجالية الإسلامية محدودة العدد فإذا تزوج غير مسلمة كسدت سوق مسلمة مقابلها.
بهذه الشروط الأربعة يجوز التزوج من الكتابيات.
وأما غير الكتابيات فلا يجوز الزواج منهن لقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) أي الوثنيات وأولى منهن بالمنع الملحدات اللاتي لا يؤمن بالله ولا برسله ولا بالآخرة.انتهى
ويقول الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الازهر رحمه الله:
يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ في الآية الخامسة من سورة المائدة: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ، وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ، وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ، وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي اْلآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الآية:5).(43/166)
ويُستفاد من هذه الآية أنه يُباح للمسلم الزواج من نساء أهل الكتاب ما دامت المرأة صالحة لذلك. وحكمة إباحة الزواج للمسلم من الكتابية غير المسلمة هي إتاحة الفرص لحسن المخالطة والمعاشرة، ومن وراء ذلك يمكن لغير المسلمة أن تطلع بإرادتها واختيارها على ما في الإسلام من تعاليمَ كريمةٍ ومبادئَ سليمةٍ.
ومع أن زواج المسلم من المرأة الكتابية.. مُباح وحلال؛ فإن هذا الزواج مكروه، لأن اختلاف الدِّينِ يؤدي في كثير من الأحيان إلى الخلاف والجدال والشقاق، وقد تؤثر الزوجة الكتابية في زوجها بجمالها أو احتيالها، فيترك دينه، ويدخل في دينها مرتدًّا والعياذ بالله، أو يهادن أهل دينها، وفي ذلك من الضرر ما فيه، وكذلك قد تؤثر الزوجة غير المسلمة في أولادها، فَيَميلون إلى دينها، وذلك شرٌّ مستطير.
ويجب أن نفرق هنا بين الكتابية والمشركة، فالكتابية مَن لها دين سماوي نزل في أصله من عند الله ـ عز وجل ـ وإن حدث فيه تحريف منهم بعد ذلك، وأما المشركة فهي التي لادين لها، ولذلك فرق القرآن الكريم بين أهل الكتاب والمشركين، فقال في أول سورة البينة(لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ)0 فقد عطف المشركين على أهل الكتاب، فكأنهما صِنفانِ لا صنف واحد، لأن ظاهر العطف بالواو بين أهل الكتاب والمشركين يقتضي المغايرة، فهؤلاء غير أولئك. ولذلك قال بعض العلماء في الإفتاء: "ذهب بعض السلف إلى أنه لا يجوز للمسلم أن يتزوج بغير المسلمة مطلقًا، ولكن الجمهور من السلف والخلف على حِلِّ الزواج بالكتابية، وحُرْمَةِ الزواج بالمشركة... وأحل بعضهم المجوسية أيضًا، ويريدون بالمشركة الوثنية مطلقًا، بل عَدُّوا جميع الناس وَثَنِيِّينَ ما عدا اليهود والنصارى، ومن الناس من قال إنهم من المشركين، ولكن التحقيق أنهم لا يطلق عليهم لقب المشركين، لأن القرآن عندما يذكر أهل الأديان يَعُدُّ المشركين أو الذين أشركوا صنفًا، وأهل الكتاب صنفًا آخر، يعطف أحدهما على الآخر، والعطف يقتضي المغايرة كما هو مقرر".
وليس هناك فرق في هذا الحكم بين أهل الكتاب في الزمن القديم، وأهل الكتاب في الزمن الحديث، فالكل أبناء دين واحد، فليس هناك مانع شرعي يلزم المسلم بعدم الزواج من نساء أهل الكتاب الآن، ولكن ينبغي للمسلمين أن لا يسيئوا استغلال هذا الحكم، فيقبلوا على التزوج من نساء أهل الكتاب، فيصبحوا بذلك عُرضة للتأثر بأحوالهم وعاداتهم وتقاليدهم وشعائرهم ومعتقداتهم، وخاصة في البلاد التي يكون فيها المسلمون أقلية.
ولا يليق بالمسلمين أن يتجهوا إلى الزواج من نساء أهل الكتاب ويتركوا بنات المسلمين، وإذا تعوَّدَ المسلمون التزوج من نساء أهل الكتاب، فماذا يكون المصير لبنات المسلمين؟ أيبقينَ بلا زواج ولا رهبانية في الإسلام؟ أم يقترفْنَ الفاحشة وهذا أمرٌ حرام؟ أم يتزوجن من غير المسلمين وهذا أمر لا يبيحه الإسلام بحالٍ من الأحوال؟ فليتذكر المسلمون ذلك جيدًا والله الهادي إلى سواء السبيل.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
شروط عقد الزواج ... العنوان(43/167)
ما هي شروط عقد الزواج ؟ ... السؤال
30/04/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:
التراضي و الولي بالنسبة للمرأة والشهادة والمهر والعفة (الإحصان) والكفاءة، والصيغة الدالة على النكاح، هي أهم شروط عقد النكاح مع الاختلاف في ثبوت بعضها ضمن شروط العقد
يقول الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق :
مفهوم العقد:
العقد اتفاق ما بين طرفين يلتزم كل منهما تجاهه بواجبات معينة ولكل من الطرفين حقوق لدى الطرف الآخر ولكل عقد آثار تترتب عليه. فعقد البيع مثلاً يترتب على حصوله استمتاع المشتري بالسلعة، وانتفاع البائع بالثمن.
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}.. الآية.
مفهوم الشرط:
والشرط في اصطلاح العقود ولغة التشريع هو (الشيء) الذي لا بد من وجوده لصحة العقد. فإذا انتفى بطل العقد. كما سنعلم أن التراضي مثلاً بين الزوجين شرط لصحة العقد.. وكما نقول الوضوء شرط لصحة الصلاة.
و شروط العقد سبعة، وإليك تفصيلها وبيانها:
أولاً: التراضي:
عقد الزواج اختياري ولا يجوز فيه الإكراه بوجه من الوجوه وذلك أنه يتعلق بحياة الزوجين (الرجل والمرأة) ومستقبلهما وأولادهما ولذلك فلا يجوز أن يدخل طرف من طرفي العقد مكرهاً. أما بالنسبة للرجل فهذا مما لا خلاف فيه. وأما بالنسبة للمرأة فالأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: [الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها]. رواه الجماعة إلا البخاري عن ابن عباس. وفي رواية لأبي هريرة: [لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن]. قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: [أن تسكت] رواه الجماعة.
وعن عائشة قالت يا رسول الله: تستأمر النساء في أبضاعهن، قال: [نعم]، قلت: إن البكر تستأذن وتستحي. قال: [إذنها صماتها]. (رواه البخاري ومسلم).
وهذه الأدلة جميعها نص في أنه لا سبيل على المرأة بإجبار في النكاح ثيباً كانت أو بكراً، وأن الفرق بينهما إنما هو الفرق في صورة الإذن فالثيب -عادة- لا تستحي من الكلام في الزواج، ولذلك فهي تخطب إلى نفسها أو ترضى وتأمر وليها بولاية عقد نكاحها ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: [تستأمر] أي يطلب أمرها. وأما البكر فالغالب عليها الحياء ولذلك تخطب من وليها والولي يستأذنها ، فإن أذنت بمقال أو بسكوت يدل على الرضا تزوجت وإلا فلا.(43/168)
ولقد خالف في هذا الحكم بعض الأئمة والفقهاء مستدلين بزواج النبي صلى الله عليه وسلم، بعائشة وهي ابنة ست سنين ولا تعي مثل هذا الإذن، ولا دليل في ذلك لاختصاص النبي صلى الله عليه وسلم في الزواج بخصوصيات كثيرة كالزيادة على أربع، والزواج بغير ولي وشهود من أي امرأة تهب نفسها له لقوله تعالى: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين..} الآية. وهذا الزواج بعائشة على هذا النحو من جملة خصوصياته جمعاً بين الأدلة.
واستدلوا كذلك بتفريق النبي صلى الله عليه وسلم بين البكر والثيب في الإذن ، وقالوا : إنه يجوز إجبار البكر على الزواج، وهذا خطأ فاحش لأن التفريق إنما هو في بيان صورة الرضى والإذن فقط. ويدل على خطأ القول بإجبار البكر ما رواه ابن عباس أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم. (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والدار قطني).
وكذلك ما رواه ابن عمر قال: "توفي عثمان بن مظعون وترك ابنة له من خولة بنت حكيم بن أمية حارثة، وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون، قال عبدالله: وهما خالاي. فخطب إلى قدامة بن مظعون ابنة عثمان بن مظعون فزوجنيها، ودخل المغيرة بن شعبة يعني إلى أمها فأرغبها في المال، فحطت إليه، وحطت الجارية إلى هوى أمها، فأبتا، حتى ارتفع أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال قدامة بن مظعون يا رسول الله: ابنة أخي أوصى بها إلي فزوجتها ابن عمتها، فلم أقصر بها في الصلاح، ولا في الكفاءة، ولكنها امرأة وإنما حطت إلى هوى أمها. قال: فقال رسول الله: [هي يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها]. قال فانتزعت والله مني بعد أن ملكتها فزوجوها المغيرة بن شعبة. (رواه أحمد والدارقطني).
وهذه جميعها أدلة صحيحة واضحة أنه لا يجوز الإجبار مطلقاً وخاصة مع اليتيمة التي قال الله في شأنها: {وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع..} الآية. أي إن خفتم أن لا تعدلوا عند زواج اليتيمة في المهر وغيره فاتركوها إلى غيرها. وهذا حتى تنصف المرأة وتوضع حيث تريد لا حيث يشاء من يتولى أمرها ويتسلم ولايتها.
ثانياً: الولي:
ولاية المرأة بنفسها عقد الزواج مستنكرة فطرة وذوقاً، ووسيلة إلى الفساد والزنى باسم النكاح، ولذلك جاء الشرع باشتراط مباشرة عقد النكاح بواسطة ولي المرأة: أبوها، أو أخوها أو الأقرب بها، فالأقرب، ولا يكون ولياً للمرأة إلا أقرب الناس الأحياء إليها ، فالأب أولاً ثم الأخ وهكذا..
والأصل في اشتراط الولي قول النبي صلى الله عليه وسلم: [لا نكاح إلا بولي] وقوله: [أيما امرأة نكحت (أي تزوجت) بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له] (رواه الخمسة إلا النسائي).(43/169)
واشتراط الولي يقول فيه ابن المنذر: إنه لا يعلم مخالفاً من الصحابة له، وذهب أبو حنيفة من الفقهاء إلى عدم اعتبار الولي في النكاح.
والأحاديث السابقة ترد على هذا القول. واعتبر الإمام مالك رحمه الله الولي شرطاً في الرفيقة من النساء (ذات الشرف والمنصب) دون الوضيعة (التي تكون من ضعفة الناس وسقطهم) وهذا التفريق لا مسوغ له. بل قد يكون الاشتراط في الوضيعة ألزم منعاً للزنى والفساد..
ثالثاً: الشاهدان:
لا بد لصحة العقد أن يشهد عليه شاهدان عدلان، وقد جاء في هذا أحاديث لا يخلو واحد منها من مقال وضعف، ولكن عامة أهل العلم من المسلمين على العمل بذلك ، وبهذا أفتى ابن عباس وعلي وعمر رضي الله عنهم، ومن التابعين ابن المسيب والأوزاعي والشعبي، ومن الأئمة الأربعة أحمد والشافعي وأبوحنيفة. وهذا القول هو الموجب لحفظ الحقوق عند كل من الرجل والمرأة، وضبط العقود، ومن ألزم العقود بالضبط عقد النكاح ووقوعه بغير شهود مدعاة للفساد والتلاعب أو النسيان وضياع الحقوق ، ولذلك أصبح وكأنه معلوم من الدين بالضرورة، ولا نرى أن يخالف في هذا أحد من أهل العلم..
رابعاً: المهر (الصداق):
اشتراط الشارع الحكيم لصحة عقد النكاح أن يكون هناك مهر مقدم من الرجل للمرأة. ولا يعنينا كثيراً البحث في فلسفة المهر وأنه عوض عن ماذا. ويهمنا الحكمة العظيمة منه فهو هدية للمرأة وتطييب لخاطرها، ولذلك فهو ملك لها ، ويجوز لها أن تتنازل عنه كله أو شيء منه لزوجها كما قال تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً} وهذه الآية قد جمعت أحكام الصداق فهو نحلة أي هدية وعطية كما نقول نحلت فلاناً كذا وكذا أي وهبته وتنازلت له. وهي نحلة واجبة للأمر الصريح بذلك في هذه الآية، وقد جاء في السنة ما يقصد ذلك، وهو ملك للمرأة يجوز لها أن تتنازل لزوجها عن شيء منه ، ويحل لزوجها أكل ذلك دون حرج ما دام بسماح زوجته وإذنها.
والنظر إلى المهر على هذا الأساس أكرم من النظر إليه على أنه ثمن لبضع المرأة، فالزواج ليس بيعاً وشراءً ولكنه رباط مقدس لاستمرار الحياة وتبادل المنافع وللتراحم والتآلف والحب، والبيع والشراء محله المشادة والغش والمناورة ، ولا يجوز أن يكون عقد الزواج كذلك ،ولذلك كان النظر إلى المهر على أنه نحلة وهدية هو الواجب لأن الهدية والعطية تكون بين الأحباب بعكس البيع والشراء.
ولما كان المهر هدية ونحلة لم يأت في الشرع تحديد لأقله وأكثره وإنما ترك للمقدرة والأريحية وقد زوج الرسول رجلاً وامرأة من المسلمين على تعليم آيات من القرآن الكريم وذلك لما لم يكن عنده شيء يصلح أن يكون مهراً حتى أن الرسول قال له: [التمس ولو خاتماً من حديد]، فلم يجد فزوجه إياها على أن يعلمها سوراً من القرآن.
وبالرغم من أن الشارع لم يحدد نهاية للمهور إلا أنه حبب للمسلمين الاقتصاد فيها ونهى عن المغالاة التي تؤدي إلى أوخم العواقب.(43/170)
وقد جاوز الناس في زماننا حد المعقول في المهور ، وأصبح ينظر إلى المهر على أنه ثمن وغنيمة وصفقة يكسب من ورائها آباء البنات ، وبهذا عظمت المصيبة ووضع أمام الزواج عقبة تعسر عليه أمر زواجه الذي هو في أصله مبني على التيسير.
والمهم هنا بيان أن المهر شرط في صحة عقدة النكاح وأنه حق المرأة الخالص ولا يجوز لأبيها أن يأخذ منه إلا بإذن ابنته وكذلك لا يجوز للزوج أن يسترد شيئاً من المهر إلا بسماح زوجته، وأن المهر هدية ومنحة وليس ثمناً وعوضاً كما ذكر بعض الفقهاء ذلك وأن خير المهر ما كان أيسره وفي حدود الطوق والوسع.
خامساً: الإحصان:
اشترط الله سبحانه وتعالى على المسلم أن لا ينكح (يتزوج) إلا العفيفة المسلمة، والعفيفة الكتابية كما قال تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين} والنكاح هنا بمعنى الزواج بدليل الحديث الآتي:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن مرتد بن أبي مرتد الغنوي كان يحمل الأساري بمكة (أي يفر بهم إلى المدينة) وكان بمكة بغي يقال لها عتاق، وكانت صديقته (أي في الجاهلية) قال: فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أنكح عتاقاً؟ قال: فسكت عني فنزلت {والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} فدعاني فقرأها علي وقال: [لا تنكحها]. رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه.
وكذلك الأمر في الكتابية (اليهودية والنصرانية) كما قال الله تعالى: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}.. الآية. وهذا نص في أنه لا يجوز إلا المحصنة المؤمنة والمحصنة الكتابية، والمحصنة هنا يعني العفيفة، سميت بالمحصنة كأن بينها وبين الفاحشة حصناً يمنعها عنها.
وهذا يعني أن المرأة المشهورة باقتراف الفاحشة أو الدعوة إليها لا يجوز لمسلم الزواج بها حتى على أمل أن تهتدي أو تتحصن بالزواج ، وكذلك الأمر بالنسبة للرجل الزاني المشهور بالفاحشة لا يجوز لمسلمة أن ترضى به زوجاً أو تسعى للزواج به.
سادساً: الكفاءة:
الكفاءة بين الزوجين شرط لصحة الزواج ومن الكفاءة أمور اعتمدها الشارع وجعلها أساساً، وأمور أخرى أهدرها الشارع، وأمور حسنها وأرشد إليها.
فمن الأمور التي جعلها الشارع شرطاً في الكفاءة اتفاق الدين بين الرجل والمرأة وذلك أن الدين هو المعيار الأساسي الذي يقدم به البشر في ميزان الله سبحانه وتعالى ولذلك كان النظر الأول في الكفاءة إليه وكان الشرك مانعاً إذا وجد في أحد الزوجين كما قال تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه}.. الآية.(43/171)
إلا أن الله سبحانه وتعالى استثنى من هذا الحكم جواز نكاح الرجل المسلم بالكتابية يهودية كانت أو نصرانية كما قال تعالى: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن} فعلم بهذا النص المتأخر عن آية البقرة السابقة أن الكتابية مستثناة من جملة المشركين شريطة أن تكون عفيفة (محصنة) كما قدمنا والحكمة من هذا هو استمالة أهل الديانتين للدخول في الإسلام، وقد كان لها أكبر الأثر في دخول شعوب الشام ومصر في الإسلام وذلك بزواج العرب المسلمين من نسائهم ونشأة أولادهم على الإسلام.. وليس هذا مجال تفصيل هذا الحكم وآثاره. والمهم أنه حكم ثابت بالكتاب والسنة وباق إلى يوم القيامة مع وجوب معرفة محاذيره، وهي أن لا يتحول الأبناء إلى دين الأم بسبب ضعف شخصية الزوج أو سكنه في غير بلاد المسلمين، وقد أصيب المسلمون من جراء هذا بشر مستطير، ومن الأمور التي اعتبرها الشارع أيضاً في الكفاءة الحرية.
فالعبد لا يتزوج إلا أمة مثله، وكذلك الحر لا يتزوج إلا حرة. ولكن الله استثنى من هذا أيضاً زواج الأمة المسلمة وهذا شرط بالحر المسلم إذا خشي العنت على نفسه ولم يستطع الزواج بمسلمة حرة. قال تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فأنكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان} ثم قال تعالى في آخر هذه الآية: {ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم} فعلم من هذه الآية جواز زواج الحر المسلم بالأمة المسلمة فقط في حالة الإعسار ولا يخفى أن علة هذا الحكم هو رفع الحرج عن بعض الذين ما كانوا يجدون ما يتزوجون به الحرائر وكذلك كره الله هذا الأمر لما فيه من اشتغال الزوجة بسيادة مالكها، واسترقاق أولادها أيضاً ، لأن الأولاد تبع للأم (وليس هذا مجال تفصيل هذا الحكم).
وأما الأمة الكتابية والمجوسية فلا يجوز الزواج بها قطعاً ولذلك لما قيل للإمام أحمد إن أبا ثور يجيز ذلك قال: (هو كاسمه) أي ثور.
وأما الأمور التي أهدرها الشارع في الكفاءة فهي المال واللون والجنس والقبيلة والمنزلة الاجتماعية فكل هذه الاعتبارات مهدرة، ولا تخدش عقد الزواج.
سابعاً: الصيغة:
اشترط بعض العلماء وجود صيغة دالة على الإيجاب والقبول في عقد النكاح ومعنى الإيجاب: طلب الزوج من المرأة أو وكيلها الزواج ومعنى القبول: رضا الزوجة بصفة تدل على ذلك أو العكس كأن تقول المرأة أو وكيلها أرضي بك زوجاً فيقول الرجل وأنا قبلت. وشط بعض العلماء فجعل العربية شرط في الصيغة وأن الزواج لا يعقد إلا باللغة العربية. وشبهتهم في هذا أنه عبادة فاشترط ما ليس في كتاب الله فالزواج معاملة فيجوز عقده بالعربية وغيرها. وكذلك هو عقد اختياري فيجوز بكل ما تتم به العقود وما يدل على الرضا بالزواج وكل لفظ يدل على الزواج الشرعي ويحصل به إيجاب وقبول بين طرفي العقد فإنه يعتبر صيغة صحيحة لأن يعقد العقد بها.(43/172)
وبهذا نكون قد أنهينا الشروط اللازمة لصيغة عقد النكاح.
ـــــــــــــــــــ
وجوب النفقة على الأقارب ... العنوان
هل أوجب الإسلام النفقة على الأقارب ؟ ومن هم الأقارب الذين تجب لهم هذه النفقة ؟
... السؤال
14/03/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أوجبت الشريعة الإسلامية النفقة على الأقارب حسب درجة قرابتهم من المنفق شريطة أن يكون المنفق قادرا على هذه النفقة
يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن.
بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة :
في زمنٍ طغت فيه المادة على سلوك الناس وعلاقاتهم، وضنَّ الناس فيه بما عندهم على ذويهم، وتنكَّر الناس فيه لذوي قَرابتهم، وشاعت الأنانية المُفرِطة، يثور التساؤل عن مدى التزام المرء بالإنفاق على ذوي قرابته، أصولًا كانوا أو فروعًا أو غيرهم، وقبل بيان حكم هذا وتتميمًا للفائدة، أشير إلى أن الفقهاء متفِقُون على وُجوب نفقة الزوجة على زوجها، إذا وُجِد سبب الوجوب، وهو عقد النكاح الصحيح، ووُجِد شرط الوجوب، وهو احتباس الزوجة لمصلحة الزوج أو استعدادها لذلك، كما قال بعض الفقهاء، أو تمكُّن الزوج من الاستمتاع بها، كما قال بعض آخر منهم، أو هما معًا كما قال فريق ثالث، ودليل وُجوبها على الزوج قول الله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ من حيثُ سكنتُم من وُجْدِكُمْ ولا تُضارُّوهنَّ لِتُضَيِّقوا عليهنَّ وإنْ كنَّ أُولاتِ حملٍ فأنفِقُوا عليهنَّ حتى يضعْنَ حملَهُنَّ)، وقوله سبحانه: (وعلى المولودِ لهُ رِزْقُهُنَّ وكسوتُهُنَّ بالمعروفِ)، وحديث جابر أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتُم فروجهنَّ بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مُبَرِّح، ولهنَّ عليكم رزقُهُنَّ وكسوتهن بالمعروف".
وقد اتفق الفقهاء كذلك على وُجوب النفقة للزوجة التي تُطيق الوطء، صحيحةً كانت أو مريضة، إذا تحقَّق شرط الوُجوب السابق، ولا نفقة لها إذا نشزَت على زوجها، أو فوَّتت عليه حق التمتُّع بها، كما لو امتنعت من تمكينه أو حبست، أو احترفت عملًا خارج منزل الزوجية بدون موافقة الزوج، أو سافرت إلى غير بلد الزوج بدون موافقته أو مرافقته، ونفقة الزوجة تشمل الإطعام والكسوة والسُّكْنَى، على أن يكون المسكن لائقًا بحال الزوج المالية، خاليًا من أهله، مشتملًا على ما يلزم لإعاشة الزوجة فيه، بين جيران صالحين، تأمن فيه على نفسها ومالها، كما تشمل وسائل التنظيف وأُجْرة الخادم، إن كانت الزوج ممَّن تُخدَم في بيت أهلها، وكان الزوج موسرًا، وهذه النفقة تجب كذلك للمطلَّقة طلاقًا رجعيًّا، والبائن إن كانت حاملًا باتفاق(43/173)
الفقهاء، فإن لم تكن حاملًا فلا نفقة لها على الراجح من أقوال الفقهاء، لقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في فاطمة بنت قيس وقد طلقت ثلاثًا "ليس لها سُكْنى ولا نفقة"، ولا نفقة لغير الحامل المتوفَّى عنها زوجُها باتفاق الفقهاء، ولا للحامل المتوفَّى عنها زوجها على الراجح، لحديث: "ليس للحامل المتوفَّى عنها زوجها نفقة".
فأما النفقة على الوالِدَيْنِ والمولودِين، أو النفقة على الأصول والفروع فلا خلاف في وجوبها كذلك، فتجب نفقة الوالِدَيْن على أولادهم ذكورًا كانوا أو إناثًا، كما تجب نفقة الأولاد ذكورًا أو إناثًا على والديهم، إذا كان المُستَحِق للنفقة لا مال له ولا كسْبَ يَستَغْنِي به عن إنفاق غيره، وكان للمُنفِق مال ينفق منه عليهم فاضلًا عن نفقته على نفسه، ودليل وجوب نفقة الأصول على فروعهم قول الحق سبحانه: (وبالوالدَيْنِ إحسانًا) وحديث عائشة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إن أطيب ما أكلتُم من كسبِكم، وإن أولادَكم من كسبِكم"، ودليل وجوب نفقة الفروع على أصولهم، قول الله، تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لكُمْ فآتوهُنَّ أُجورَهُنَّ)، وحديث هند بنت عتبة زوج أبي سفيان إذ قالت: "يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بَنِيَّ، إلا ما أخذتُ من ماله بغير علمه، فهل عليَّ في ذلك جُناح؟ فقال: خذي من ماله بالمعروف ما يَكفيك ويكفي بَنِيك".
وأما نفقة الأقارب غير الأصول والفروع، كالإخوة والأخوات، ونحوهم من ذوي القُرْبى، فإن مذهب جمهور الفقهاء، وُجوب نفقتهم على قريبهم، بالشروط السابقة في نفقة الأصول والفروع، لحديث: "يد المعطي العليا وابدأ بمَن تعول، أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك"، حيث ذكر ضمن المُعالين الإخوة والأقرب من الأقارب، فيجب لهم بقَدْر الكفاية المأكل والمشرب والملبَس والمسكن، مراعًا في ذلك العُرْف وحال المُنفِق والمُنْفَق عليه: وظروف الزمان والمكان، ويرى جمهور الفقهاء أن هذه النفقة تجب على وجه لا تَصِير به دَيْنًا في ذمة المُنفِق، ومِن ثَمَّ فإنها تَسقُط بمُضِيِّ المُدَّة؛ لأنها وجبت لدفع الحاجة الناجِزَة، على سبيل المُواسَاة لهؤلاء، فإذا مضت المدة دون دفعها زالت هذه الحاجة فتَسقُط، ويمتنع السقوط بمُضِيِّ المدة، إذا أنفق على القريب شخص غير متبرِّع أو فرضها القاضي على مَن وَجَبَت عليه، وكل هذا يُدَلِّل على عناية التشريع الإسلامي بالترابُط الأسْرِي، وصلة الرحم بين أفراد الأسرة، وشيوع التكافل بينهم، ليَنْصَلِح حال الأسرة، وينصلح بصلاحها حال المجتمع بأسْرِه.
ـــــــــــــــــــ
زواج المتعة بين الشيعة وأهل السنة ... العنوان
ماذا تقولون في إخواننا الشيعة في إباحة زواج المتعة على الرغم من أن هذا الأمر قد أفتاه علماؤهم في الدين؟
... السؤال
11/03/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...(43/174)
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخانا الفاضل أكرمك الله وهداك إلى مايحبه ويرضاه وبعد أجمع فقهاء أهل السنة على تحريم زواج المتعة وإليك المسألة بالتفصيل من كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للأستاذ الدكتور وهبة الزحيلى يتناول فيها كل الآراء مع الترجيح
اتفقت المذاهب الأربعة وجماهير الصحابة على أن زواج المتعة ونحوه حرام باطل، وكونه باطلاً عند الحنفية بالرغم من أن هذا الشرط من شروط الصحة؛ لأنه منصوص على حكمه في السنة، إلا أن الإمام زفر اعتبر الزواج المؤقت صحيحًا وشرط التأقيت فاسدًا أو باطلاً، أي لا عبرة بالتأقيت ويكون الزواج صحيحًا مؤبدًا؛ لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة، ورد عليه بأن العقد المؤقت في معنى المتعة، والعبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ.
وقال الشيعة الإمامية : يجوز زواج المتعة أو النكاح المنقطع بالمرأة المسلمة أو الكتابية، ويكره بالزانية، بشرط ذكر المهر، وتحديد الأجل أي المدة، وينعقد بأحد الألفاظ الثلاثة: وهي زوّجتك، وأنكحتك، ومتعتك، ولا يشترط الشهود ولا الولي لهذا العقد، وأحكامه هي:
1- الإخلال بذكر المهر مع ذكر الأجل يبطل العقد، وذكر المهر من دون الأجل يقلبه دائمًا.
2- لا حكم للشروط قبل العقد، ويلزم لو ذكرت فيه.
3- يجوز اشتراط إتيانها ليلاً أو نهارًا وألا يطأها في الفرج، والعزل من دون إذنها، ويلحق الولد بالأب وإن عزل، لكن لو نفاه لم يحتج إلى اللعان.
4- لا يقع بالمتعة طلاق بإجماع الشيعة، ولا لعان على الأظهر، ويقع الظهار على تردد.
5- لا يثبت بالمتعة ميراث بين الزوجين، وأما الولد فإنه يرثهما ويرثانه من غير خلاف.
6- إذا انقضى الأجل المتفق عليه، فالعدة حيضتان على الأشهر. وعدة غير الحائض خمسة وأربعون يومًا، وعدة الوفاة لو مات عنها في أشبه الروايتين أربعة أشهر وعشرة أيام.
7- لا يصح تجديد العقد قبل انقضاء الأجل، ولو أراده وهبها ما بقي من المدة واستأنف.
الأدلة:
أدلة الإمامية: استدل الإمامية على مشروعية النكاح المنقطع أو المتعة بما يلي:
1- بقول الله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَة) [النساء : 4/24] فإنه عبَّر بالاستمتاع دون الزواج، وبالأجور دون المهور، مما يدل على جواز المتعة، فالاستمتاع والتمتع بمعنى واحد، وإيتاء الأجر بعد الاستمتاع يكون في عقد الإجارة، والمتعة هو عقد الإجارة على منفعة البضع، أما المهر فإنه يجب بنفس عقد النكاح قبل الاستمتاع.
2- ثبت في السنة جواز المتعة في بعض الغزوات منها عام أوطاس، وفي عمرة القضاء، وفي خيبر، وعام الفتح، وفي تبوك ، قال ابن مسعود: "كنا نغزو مع رسول(43/175)
الله - صلى الله عليه وسلم - ليس معنا نساء، فقلنا" ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله (أي ابن مسعود): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُم) [ المائدة: 5/87] ، الآية.
وفي صحيح مسلم عن جابر: "كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم .. وأبي بكر، حتى نهى عمر في شأن عمرو بن حريث" .
وكان يقول بجواز المتعة ابن عباس وجماعة من السلف، منهم بعض الصحابة (أسماء بنت أبي بكر، وجابر وابن مسعود، ومعاوية وعمرو بن حريث، وأبو سعيد وسلمة ابنا أمية بن خلف)، ومنهم بعض التابعين (طاووس وعطاء، وسعيد بن جبير، وسائر فقهاء مكة ومنهم ابن جريج).
وأجاز المتعة الإمام المهدي، وحكاه عن الباقر والصادق والإمامية ، وأما الشيعة الزيدية فيقولون كالجمهور بتحريم نكاح المتعة، ويؤكدون أن ابن عباس رجع عن تحليله .
وأجيب عن هذه الأدلة بما يأتي :
1 - إن المراد بالاستمتاع في آية (فما استمتعتم) [النساء: 4/24]: النكاح؛ لأنه هو المذكور في أول الآية وآخرها، حيث بُدِئت بقوله تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم)
[النساء: 4/22] وختمت بقوله سبحانه: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَات) [النساء 4/25]، فدل على أن المراد بالاستمتاع هنا ما كان عن طريق النكاح، وليس المراد به المتعة المحرمة شرعًا.
أما التعبير بالأجر: فإن المهر في النكاح يُسمَّى في اللغة أجرًا، لقوله تعالى:
(فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوف) [النساء: 4/25] أي مهورهن، وقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) [الأحزاب: 33/50] أي مهورهن.
وأما الأمر بإيتاء الأجر بعد الاستمتاع، والمهر يؤخذ قبل الاستمتاع، فهذا على طريقة في اللغة من تقديم وتأخير، والتقدير: فآتوهن أجورهن إذا استمتعتم بهن، أي إذا أردتم الاستمتاع بهن، مثل قوله تعالى: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ) [الطلاق 65/1] أي إذا أردتم الطلاق، ومثل: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاة) [المائدة: 5/6] أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة.
2 - وأما الإذن بالمتعة في السنة النبوية في بعض الغزوات، فكان للضرورة القاهرة في الحرب، وبسبب العُزْبة في حال السفر، ثم حرّمها الرسول - صلى الله عليه وسلم - تحريمًا أبديًّا إلى يوم القيامة، بدليل الأحاديث الكثيرة، منها:
1- "يا أيها الناس، إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرّم ذلك يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء، فليخلّ سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا" .
2- قال سلمة بن الأكوع: "رخّص لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام، ثم نهى عنها" .(43/176)
3 - قال سبرة بن معبد: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع نهى عن نكاح المتعة" .
4 - عن علي رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر .
وأما ابن عباس: فكان يجيز المتعة للمضطر فقط، روى عنه سعيد بن جبير أنه قال: سبحان الله، ما بهذا أفتيت، وإنما هي كالميتة لا تحل إلا للمضطر. وأما الشيعة فقد توسعوا فيها وجعلوا الحكم عامًّا للمضطر وغيره، وللمقيم والمسافر.
ومع ذلك فقد أنكر عليه الصحابة، مما يجعل رأيه شاذًّا تفرد به، فقد أنكر عليه علي رضي الله عنه قائلاً له: إنك امرؤ تائه ؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية، وأنكر عليه عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، روى مسلم عنه أنه قام بمكة فقال: "إن أناسًا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة – يعرِّض برجل هو عبد الله بن عباس – فناداه ابن عباس، فقال له: إنك لجلف جاف، فلعمري، لقد كانت المتعة تفعل في عهد أمير المتقين – أي رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فقال له ابن الزبير: فجرب نفسك، فوالله لو فعلتها لأرجمنك بأحجارك".
ثم نقل المحدثون عن ابن عباس أنه رجع عن قوله، روى الترمذي عنه أنه قال: "إنما كانت المتعة في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له فيها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه، وتصلح له شأنه، حتى نزلت هذه الآية: "إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) [المؤمنون: 23/6] قال ابن عباس: فكل فرج سواهما حرام". وروى البيهقي أيضًا وأبو عوانة في صحيحه رجوع ابن عباس .
والقول برجوعه هو الأصح لدى كثير من العلماء، ويؤكده إجماع الصحابة على التحريم المؤبد، ومن المستبعد أن يخالفهم، روى الحازمي في الناسخ والمنسوخ من حديث جابر بن عبد الله قال: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة تبوك، حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام، جاءت نسوة فذكرنا تمتعنا، وهن تطفن في رحالنا، فجاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر إليهن، وقال: من هؤلاء النسوة؟ فقلنا: يا رسول الله، نسوة تمتَّعنا منهن، قال: فغضب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى احمرَّت وجنتاه، وتمعَّر وجهه، وقام فينا خطيبًا، فحمد لله وأثنى عليه، ثم نهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذ الرجال والنساء، ولم نَعُد، ولا نعود لها أبدًا، فبها سُمِّيت يومئذ: ثنية الوداع" .
وروى أبو عوانة عن ابن جريج أنه قال في البصرة، اشهدوا أني قد رجعت عن المتعة، بعد أن حدّثهم فيها ثمانية عشر حديثًا أنه لا بأس بها .
كل هذا يدل على نسخ إباحة المتعة، ولعل ابن عباس ومن وافقه من الصحابة والتابعين لم يبلغه الدليل الناسخ، فإذا ثبت النسخ وجب المصير إليه، أو يقال: إن إباحة المتعة كانت في مرتبة العفو التي لم يتعلق بها الحكم كالخمر قبل تحريمها، ثم ورد النص القاطع بالتحريم.
أدلة الجمهور:(43/177)
استدل الجمهور على تحريم نكاح المتعة بالقرآن والسنة والإجماع والمعقول:
1 - أما القرآن: فقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَهَّمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُون) [سورة المؤمنون: 23/5-7]، هذه الآية حرمت الاستمتاع بالنساء إلا من طريقين: "الزواج وملك اليمين، وليست المتعة زواجًا صحيحًا، ولا ملك يمين، فتكون محرمة، ودليل أنها ليست زواجًا أنها ترتفع من غير طلاق، ولا نفقة فيها، ولا يثبت بها التوارث.
2 - وأما السنة: فالأحاديث الكثيرة السابقة المتفق عليها التي ذكرتها عن علي وسَبْرة الجهني وسلمة بن الأكوع، وغيرعم رضي الله عنهم، والمتضمنة النهي الصريح عن نكاح المتعة عام خيبر، وبعد فتح مكة بخمسة عشر يومًا، وفي حجة الوداع.
3 - وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة إلا الإمامية على الامتناع عن زواج المتعة، ولو كان جائزًا لأفتوا به، قال ابن المنذر: جاء عن الأوائل الرخصة فيها، أي في المتعة، ولا أعلم اليوم أحدًا يجيزها، إلا بعض الرافضة، ولا معنى لقول يخالف كتاب الله، وسنة رسوله، وقال القاضي عياض: ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها، إلا الروافض .
4 - أما المعقول: فإن الزواج إنما شرع مؤبدًا لأغراض ومقاصد اجتماعية، مثل سكن النفس وإنجاب الأولاد وتكوين الأسرة، وليس في المتعة إلا قضاء الشهوة، بنحو مؤقت، فهو كالزنى تمامًا، فلا معنى لتحريمه مع إباحة المتعة.
وبه يتبين رجحان أدلة الجمهور، والقول بتحريم المتعة وبطلان زواجها وبطلان الزواج المؤقت، وهذا ما يتقبله المنطق وروح الشريعة، ولا يمكن لأي إنسان متجرد محايد إلا إنكار المتعة والامتناع عنها نهائيا.والله تعالى أعل
ـــــــــــــــــــ
هل يتجزأ الاجتهاد؟ ... العنوان
هل من الممكن أن يتجزأ الاجتهاد؟
... السؤال
14/11/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الواقع أن القضية قد اختلفوا فيها. وأول من رأيته أثارها الإمام الغزالي في "المستصفي" فبعد أن فرغ من ذكر الشروط التي لا بد منها للمجتهد قال: "دقيقة في التخفيف يغفل عنها الكثيرون" ثم قال:
"اجتماع هذه العلوم الثمانية - يقصد شروط الاجتهاد - إنما يشترط في حق المجتهد المطلق الذي يفتي في جميع الشرع، وليس الاجتهاد عندي منصبًا لا يتجزأ، بل يجوز أن يقال للعالم بمنصب الاجتهاد في بعض الأحكام دون بعض. فمن عرف طريق النظر والقياس فله أن يفتي في مسألة قياسية، وإن لم يكن ماهرا في علم الحديث. فمن ينظر في مسألة المشتركة يكفيه أن يكون فقيه النفس عارفا بأصول(43/178)
الفرائض ومعانيها، وإن لم يكن قد حصل الأخبار التي وردت في مسألة تحريم المسكرات، أو في مسألة النكاح بلا ولى، فلا استمداد لنظر هذه المسألة منها ولا تعلق لتلك الأحاديث بها، فمن أين تصير الغفلة عنها أو القصور عن معرفتها نقصا؟ ومن عرف أحاديث قتل المسلم بالذمي وطريق التصرف فيه، فما يضره قصوره عن علم النحو الذي يعرف قوله تعالى: (وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) [سورة المائدة:6] وقس عليه ما في معناه، وليس من شرط المفتي أن يجيب عن كل مسألة، فقد سئل مالك رحمه الله عن أربعين مسألة، فقال في ستة وثلاثين منها: لا أدري. وكم توقف الشافعي رحمه الله، بل الصحابة في المسائل. فإذا لا يشترط إلا أن يكون على بصيرة فيما يفتي، فيفتي فيما يدري ويدري أنه يدري ويميز بين ما لا يدري وبين ما يدري فيتوقف فيما لا يدري ويفتي فيما يدري".
وما قاله الغزالي ذهب إليه جماعة، وعزاه الصفي الهندي إلى الأكثرين وحكاه صاحب "النكت" عن أبي علي الجبائي، وأبي عبدالله البصري من المعتزلة، قال ابن دقيق العيد: وهو المختار، لأنه قد تمكن العناية بباب من الأبواب الفقهية حتى تحصل المعرفة بمآخذ أحكامه، وإذا حصلت المعرفة بالمأخذ أمكن الاجتهاد.
وذهب آخرون إلى المنع، لأن المسألة في نوع من الفقه ربما كان أصلها في نوع آخر منه، ومال إلى ذلك الشوكاني، لأن من لا يقتدر على الاجتهاد في بعض المسائل، لا يقتدر عليه في البعض الآخر، وأكثر علوم الاجتهاد يتعلق بعضها ببعض، ويأخذ بعضها بحجز بعض، ولا سيما ما كان من علومه مرجعه إلى ثبوت الملكة، فإنها إذا تمت كان مقتدرا على الاجتهاد في جميع المسائل، وإن احتاج بعضها إلى مزيد بحث. وإن لم تثبت لم يقتدر على شيء من ذلك، ولا يثق من نفسه لتقصيره، ولا يثق به الغير لذلك.
ويؤيد الشوكاني ذلك: بأنهم اتفقوا على أن المجتهد لا يجوز له الحكم بدليل حتى يحصل له غلبة الظن بحصول المقتضى وعدم المانع، وإنما يحصل ذلك للمجتهد المطلق.. وأما غيره فلا يحصل له ذلك.. فإن ادعاه فهو مجازف، وتتضح مجازفته بالبحث معه.
وقال المحقق ابن القيم في "أعلام الموقعين ":
"الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام، فيكون الرجل مجتهدا في نوع من العلم مقلدا في غيره، أو من باب من أبوابه، كمن استفرغ وسعه في نوع من العلم بالفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيرها من العلوم، أو في باب الجهاد أو الحج، أو غير ذلك، فهذا ليس له الفتوى فيما لم يجتهد فيه، ولا تكون معرفته بما اجتهد فيه مسوغة له الإفتاء بما لا يعلم في غيره، وهل له أن يفتي في النوع الذي اجتهد فيه؟ فيه ثلاثة أوجه: أصحها الجواز، بل هو الصواب المقطوع به. والثاني: المنع. والثالث: الجواز في الفرائض دون غيرها.
فحجة الجواز أنه قد عرف الحق بدليله، وقد بذل جهده في معرفة الصواب: فحكمه في ذلك حكم المجتهد المطلق في سائر الأنواع.
وحجة المنع تعلق أبواب الشرع وأحكامه بعضها ببعض، فالجهل ببعضها مظنة للتقصير في الباب والنوع الذي قد عرفه، ولا يخفى الارتباط بين كتاب النكاح(43/179)
والطلاق والعدة وكتاب الفرائض، وكذلك الارتباط بين كتاب الجهاد وما يتعلق به، وكتاب الحدود والأقضية والأحكام، وكذلك عامة أبواب الفقه.
ومن فرق بين الفرائض وغيرها رأى انقطاع أحكام قسمة المواريث ومعرفة الفروض ومعرفة مستحقها عن كتاب البيوع والإجارات والرهون والنضال وغيرها، وعدم تعلقها بها، وأيضا فإن عامة أحكام المواريث قطعية، وهي منصوص عليها في الكتاب والسنة.
فإن قيل: فما تقولون فيمن بذل جهده في معرفة مسألة أو مسألتين هل له أن يفتي بهما؟
قيل: نعم، يجوز في أصح القولين، وهما وجهان لأصحاب الإمام أحمد، وهل هذا إلا من التبليغ عن الله وعن رسوله، وجزى الله من أعان الإسلام ولو بشطر كلمة خيرا، ومنع هذا من الإفتاء بما علم خطأ محض، وبالله التوفيق".
وتجزؤ الاجتهاد يشبه ما عرفه عصرنا من أنواع التخصص الدقيق، فمثلا في القانون لا يوجد أستاذ في كل فروع القانون، بل في المدني أو الجنائي أو الإداري أو الدولي مثلا.. وقد يكون أحدهم أستاذا كبيرا يرجع إليه، ويؤخذ برأيه في اختصاصه، وهو شبه عامي في المجالات الأخرى.
وعلى هذا يستطيع أستاذ الاقتصاد المتمكن إذا درس ما يتعلق به في الفقه الإسلامي والمصادر الإسلامية ـ دراسة مستوعبة ـ أن يجتهد في هذا الباب وحده لا يتعداه. ومثل ذلك أستاذ القانون الجنائي، أو الدستوري، أو أستاذ علم الاجتماع، كل في اختصاصه.
وهذا إنما يتم بشرطين:
الأول: أن تكون لديه الأهلية العلمية العامة للفهم والاستنباط، بمعنى أن عنده إلماما مناسبا بمثله بالشروط التي سبق ذكرها بالنسبة للمجتهد المطلق.
الثاني: أن يدرس موضوعه أو مسألته دراسة مستوعبة، بحيث يحيط بها من جميع جوانبها، حتى يتمكن من الاجتهاد فيها.
ولكن العلامة أحمد إبراهيم يرى أن مثل هذا لا ينبغي أن يسمى مجتهدا جزئيا، لأن ملكة الاجتهاد والاستنباط لا تتجزأ، وهي إذا ثبتت لشخص قدر بها على الاستنباط في كل أبواب الشريعة، فهو في الحقيقة محصل للأحكام في هذا الباب وعارف بأصوله وأدلته فقط. وليس هذا هو المراد بالاجتهاد وهذا ميل إلى القول بعدم التجزئ.
ولا شك أن الاجتهاد الحقيقي والكامل هو الاجتهاد المطلق، والمجتهد المطلق هو القادر على النظرة المحيطة المستوعبة التي يعجز عنها المجتهد الجزئي. إن صحت تسميته مجتهدا. والذي يجدد للأمة دينها، كما بشر بذلك الحديث، إنما هو المجتهد بإطلاق، ولكنا لا نرفض ثمرات هذا النوع من الاجتهاد الجزئي، مادام قد قام على أساس علمي ومنهجي مكين. وجل أطروحات الدراسات العليا للماجستير أو الدكتوراه إنما هي لون من هذا الاجتهاد الجزئي، قصد به دراسة موضوع أو قضية معينة، واستيعابها من كل جوانبها. وبيان الحكم فيها. وكثيرا ما تؤدي إلى نتائج علمية لها قيمتها عند أهل الذكر.(43/180)
ـــــــــــــــــــ
أسباب النفقة الشرعية ... العنوان
ما هي أسباب النفقة التي أوجبها الشرع على المسلم ؟
... السؤال
29/10/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
النفقة لغة: هي ما ينفقه الإنسان من الأموال كما فى القاموس. واصطلاحًا: كفاية من يمونه خبزًا وإدامًا وكسوة ومسكنًا وتوابعها.
وأسباب النفقة هى:
1- العلاقة الزوجية، فقد أوجب الشارع على الزوج فى جميع الأحوال الإنفاق على زوجته ، غنيًا كان أو فقيرًا، ولم يوجب الإسلام على الزوجة أن تنفق على نفسها وإن كانت موسرة، أو أن تنفق على زوجها بالأولى من هذا المال وإن كان معسرًا ، ولم يوجب عليها أن تتكسب هذه النفقة بالعمل أو نحوه ،فالنفقة حق لها على زوجها بمقتضى عقد النكاح. ومن أدلة وجوبها قول الله تعالى {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}البقرة:233 ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خطبة الوداع: (اتقوا الله فى النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله.. ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) رواه مسلم.
ونفقة الزوجة تشمل الإطعام والكسوة والسكنى، ووسائل النظافة، وتشمل أجر الخادم إن كانت الزوجة ممن تخدم فى بيت أهلها، وكان الزوج موسرًا، فيجب لها النفقة فى الوجوه السابقة مقدار كفايتها بالمعروف ،وهذا الحق الذى قرره الإسلام لها، يتحقق به صيانتها وحمايتها من التبذل والامتهان. بسبب اكتساب أسباب الحياة، حيث كفل الإسلام لها هذه الأسباب فى منزل الزوجية بدون تدخل منها ، لتتفرغ لأداء رسالتها المنوط بها فى الحياة.
2- علاقة القرابة ، فقد أوجب الشارع بها على المرء الإنفاق على والديه ، كما أوجب بها على الوالدين الإنفاق على أولادهما ذكورًا أو إناثًا ، إذا كان للمنفق مال يمكنه الإنفاق منه ،فاضلاً عن نفقته ، ولم يكن للمنفق عليه مال ولاكسب يكتفى به عن نفقة قريبه عليه.
ومن الأدلة علي وجوب نفقة الأصول على فروعهم حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم ، وإن أولادكم من كسبكم) (رواه الترمذى عن عائشة وقال: حسن صحيح).
ومن الأدلة على وجوب نفقة الفروع على أصولهم حديث هند زوج أبى سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها حين اشتكت إليه بخل أبى سفيان: (خذى من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفى بنيك)متفق عليه.(43/181)
كما أوجب الشارع بمقتضى القرابة نفقة القريب - غير الأصل والفرع - على قريبه بالشروط السابقة فى نفقة الأصول والفروع ، حيث يرى الحنفية وجوب النفقة لكل ذى رحم محرم للمنفق ، ويرى الحنابلة وجوبها لقريبه إن كان يجرى التوارث بينهما، أو كان من ذوى رحمه ، ومن الأدلة على ذلك ماروى عن طارق المحاربى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يد المعطى العليا، وابدأ بمن تعول ،أمك وأباك ، وأخاك ، ثم أدناك أدناك) رواه ابن حبان فى صحيحه حيث بين فى الحديث أن من المعالين الأخوة والأقرب من الأقارب ، فيجب لهم على أقاربهم المأكل والمشرب والملبس والساكنى ونحوها ، بقدر الكفاية، مراعاة فى ذلك العرف وحال المنفق والمنفق عليه ، وظروف الزمان والمكان. وإيجاب نفقة الأقارب الذين لامال لهم إذا عجزوا عن الكسب - على قريبهم الموسر، يحقق صلة الرحم ، ويقيم العلائق بين أفراد الأسرة على أساس من الترابط والتكافل ،فينصلح حال الأسرة، وينصلح بصلاحها حال المجتمع بأسره.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
شروط الشهود على عقد الزواج ... العنوان
ماالشروط الواجب توافرها فى الشهود على عقد الزواج ؟وهل يشترط أن يكونوا من أقارب أحد الزوجين ؟ ... السؤال
20/05/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
يشترط في الشهود: العقل ، والبلوغ وسماع كلام المتعاقدين مع فهم أن المقصود به عقد الزواج.
فلو شهد على العقد صبي، أو مجنون أو أصم أو سكران؛ فإن الزواج لا يصح؛ إذ أن وجود هؤلاء كعدمه.
اشتراط العدالة في الشهود:
وأما اشتراط العدالة في الشهود، فذهب الأحناف إلى أن العدالة لا تشترط وأن الزواج ينعقد بشهادة الفاسقين، وكل من يصلح أن يكون وليًا في زواج يصلح أن يكون شاهدًا فيه. ثم إن المقصود من الشهادة الإعلان.
والشافعية قالوا: لا بد من أن يكون الشهود عدولاً للحديث المتقدم: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل".
وعندهم أنه إذ عقد الزواج بشهادة مجهولي الحال ففيه وجهان. والمذهب أنه يصح.
لأن الزواج يكون في القرى والبادية وبين عامة الناس، ممن لا يعرف حقيقة العدالة، فاعتبار ذلك يشق فاكتفى بظاهر الحال، وكون الشاهد مستورًا لم يظهر فسقه. فإذا تبين بعد العقد أنه كان فاسقًا لم يؤثر ذلك في العقد، لأن الشرط في العدالة من حيث الظاهر ألا يكون ظاهر الفسق، وقد تحقق ذلك.
شهادة النساء:(43/182)
والشافعية والحنابلة يشترطون في الشهود الذكورة، فإن عقد الزواج بشهادة رجل وامرأتين لا يصح، لما رواه أبو عبيد عن الزهري أنه قال: "مضت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لا يجوز شهادة النساء في الحدود، ولا في النكاح، ولا في الطلاق".
ولأن عقد الزواج عقد ليس بمال، ولا المقصود منه المال، ويحضره الرجال غالبًا، فلا يثبت بشهادتين كالحدود.
والأحناف لا يشترطون هذا الشرط ، ويرون أن شهادة رجلين أو رجل وامرأتين كافية، لقول الله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء). ولأنه مثل البيع في أنه عقد معاوضة فيعقد بشهادتين مع الرجال.
اشتراط الإسلام:
والفقهاء لم يختلفوا في اشتراط الإسلام في الشهود إذا كان العقد بين مسلم ومسلمة. واختلفوا في شهادة غير المسلم فيما إذا كان الزوج وحده مسلمًا.
فعند أحمد والشافعي ومحمد بن الحسن أن الزواج لا ينعقد لأنه زواج مسلم، لا تقبل فيه شهادة غير المسلم.
وأجاز أبو حنيفة وأبو يوسف شهادة كتابيين إذا تزوج مسلم كتابية. وأخذ بهذا مشروع قانون الأحوال الشخصية.
وبناء على الفتوى السابقة نقول للسائل إنه لايشترط فى الشهود أن يكونوا من أقارب الزوج أو من أقارب الزوجة ولكن المهم أن تتوافر فيهم الشروط السابقة والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حكمة زواج النبى صلى الله عليه وسلم من تسع زوجات ... العنوان
أحب أن أعلم لماذا يجيز الإسلام زواج الرجل من أربع زوجات، مع حصول الإساءة في استخدام هذا الحق عند بعض الرجال؟ ولماذا جاز للرسول صلى الله عليه وسلم أن يتزوج إلى تسع زوجات، بينما لا يتجاوز غيره من أمته الأربع؟
... السؤال
17/04/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... رخصة الزواج من أربع وسوء استخدامها:
كان الناس قبل الإسلام يتزوجون من شاءوا من النساء بغير قيد ولا شرط، حتى ذكروا أن داود عليه السلام، كان عنده ثلاثمائة امرأة ما بين زوجة وسرية، وأن سليمان كان عنده سبعمائة امرأة كذلك.
فلما جاء الإسلام وضع لهذا التعدد حدًّا، وشرط له شرطًا.
فأما الحد فجعل أقصى العدد أربعًا لا يزاد عليهن بحال: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاع}النساء:3، ولما أسلم رجل من ثقيف ومعه عشر نسوة، أمره الرسول أن يختار منهن أربعًا، ويطلق الباقي.(43/183)
وأما الشرط، فيتمثل في ثقة الرجل في نفسه بالعدل، وإلا حرم عليه الزواج بالمرأة الأخرى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَة}النساء:3
وهذا إلى جوار توافر الشروط الأخرى لأي زواج، مثل: القدرة على الإنفاق، والقدرة على الإحصان.
وإنما أباح الإسلام ذلك لأنه دين واقعي، لا يُحَلِّق في مثاليات حالمة، ويترك مشكلات الحياة دون علاج مقدور عليه.
فالزواج الثاني قد يحل مشكلة عند الرجل الذي لا تنجب امرأته، أو تطول عندها فترة الحيض، وهو قوي الشهوة، أو يصيبها المرض، ويستمر معها، ولا يريد أن يطلقها، إلى غير ذلك.
وقد يحل مشكلة عند المرأة الأرملة التي يموت زوجها ولا تطمع في الزواج من شاب لا زوجة له، ومثلها المطلقة وهي شابة، وخصوصًا لو كان لها طفل أو أكثر.
وقد يحل مشكلة عند المجتمع كله، عندما يزيد عدد النساء الصالحات للزواج عن عدد الرجال القادرين على النساء، وهذا خاتم باستمرار، ويزداد تفاقمًا بعد الحروب ونحوها.
فماذا نفعل بالعدد الفائض من النساء؟ إنهن واحدة من ثلاث:
1- إما أن يقضين العمر كله محرومات من حياة الزوجية والأمومة. وهذا ظلم لهن.
2- وإما أن يشبعن غرائزهن من وراء ظهر الدين والأخلاق، وهذا ضياع لهن.
3- وإما أن يقبلن الزواج من رجل متزوج قادر على النفقة والإحصان، واثق بالعدل، وهذا هو الحل المناسب.
أما سوء استعمال هذه الرخصة أو هذا الحق، فكم من حقوق يُساء استخدامها، ويتعسف في استعمالها، ولا يؤدي ذلك إلى إسقاطها وإلغائها. الزواج الأول نفسه كم يساء استخدامه، فهل نلغيه؟
الحرية كم يساء استخدامها، فهل نلغيها؟ الانتخابات يساء استخدامها، فهل نلغيها؟ السلطة.. أيًّا كانت يساء استخدامها، فهل نلغيها وندع الحياة فوضى؟
إن الأولى- بدل أن ننادي بإلغاء الحق- أن نضع الضوابط لاستخدامه، ونعاقب من يسيء في ذلك، قدر ما نستطيع.
حكمة استثناء الرسول صلى الله عليه وسلم بتسع نسوة دون سواه:
وأما لماذا سمح الرسول عليه الصلاة والسلام أن يبقى على ذمته تسع نسوة من زوجاته، على حين لم يسمح لسائر المسلمين إلا بأربع، وهو الحد الأقصى للتعدد، حتى إن النبي عليه الصلاة السلام كان يأمر من أسلم وعنده عشر نسوة مثلاً: أن يختار منهن أربعًا، ويفارق سائرهن؟
فنقول جوابًا عن ذلك: أن الله تعالى خص رسوله صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر لسبب وحكمة معلومة، وهي: أن نساء النبي لهن من الأحكام والخصائص ما ليس لغيرهن من نساء الأمة. فمن هذه الأحكام الخاصة بهن: أنه يحرم عليهن الزواج من أي أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا}الأحزاب:53(43/184)
وكل امرأة تطلق من زوجها يحل لها النكاح من أي مسلم بعد ذلك، فأكرمهن الله تعالى، وأبقاهن أزواجًا لنبيه استثناء وخصوصية لهن لا لغيرهن، فلا يجوز أن يتزوج غيرهن، ولا أن يتبدل بهن أخريات، وأن يبقى العدد كما هو. وفي هذا يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ، وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ، وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ}الأحزاب:52.
ثم إن الله تعالى أمر رسوله عليه الصلاة السلام أن يخير نساءه - بعد أن طالبن بالزيادة في النفقة وتحسين حالهن- بين الله ورسوله والدار الآخرة على ما في ذلك من شظف وتقشف، وبين السراح الجميل والفراق بالمعروف، فكلهن اختار الله ورسوله والدار الآخرة، كما قال تعالى: } يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا {28} وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ
الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا {29 سورة الأحزاب، فإذا كن جميعًا اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، ورضين بحياة القناعة والزهد مع النبي الكريم، فمن منهن يفارق الرسول؟ وفراق إحداهن يعتبر عقوبة أليمة لها، ولم تصنع شيئًا تستحق به العقوبة، ونحرم من أمومة المؤمنين.
لهذا مَنَّ الله بهذه الكرامة على نسائه التسع اللاتي اخترن الحياة معه على ما فيها من شدة وقلة، حتى إنه ليمر الهلال ثم الهلال وما يوقد في أبيات النبوة نار، إنما يعيشون على الأسودين: التمر والماء.
حكمة زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من نسائه التسع:
أما حكمة الزواج من هؤلاء التسع من الأصل، فهي معروفة لكل دارس، فوراء الزواج من كل واحدة من نسائه قصة تحكي عن السبب الذي من أجله زوجها، وقد كان الزواج من أي عدد جائزًا في ذلك الوقت.
ولا يتسع المقام لتفصيل هذا، ولكننا نشير إليه إشارات تكفي في هذا المقام.
فمن المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم قضى شبابه وبعض كهولة حتى الخمسين من عمره مع امرأة واحدة، تكبره بخمس عشرة سنة، وقد تزوجها ثيبًّا، ولها أولاد من غيره، ومع هذا عاشا معًا أسعد ما يكون الأزواج، وظل يُكِنُّ لها الحب ويذكرها بالخير، ويهش لكل ما يذكره بها، حتى غارت منها زوجة الشابة عائشة وهي في قبرها.
وأول من تزوج بعدها: زينب بنت زمعة، وكانت امرأة كبيرة السن،لم يميزها شباب ولا جمال.
ثم أراد أن يخص أقرب أصحابه إليه - وهو أبو بكر - بالزواج من ابنته برغم صغرها، ولكن الأصهار إلى سيد القوم كان يعتبر عند العرب لونًا من الإعزاز والتكريم، فخطب إليه عائشة، مع أنها لم تكن تصلح للزواج في ذلك الوقت، ولم تدخل إلا بعد سنوات.
وتزوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كذلك من حفصة بنت عمر الرجل الثاني بعد أبي بكر في القرب من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان عمر عرضها على(43/185)
كل من صاحبه:أبي بكر وعثمان، فلم يردَّا عليه، وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم تكريمًا وإعزازًا لعمر، كما فعل مع أبي بكر رضي الله عنهما.
وبهذا يكون الصحابة الأربعة المقربون من النبي صلى الله عليه وسلم قد فازوا بمصاهرته، أعني بهم:أبا بكر وعمر وعثمان وعلي، فمنهم من تزوج الرسول من بناتهم، ومن زوَّجه من بناته، وهما:عثمان وعلي رضي الله عنهم جميعا، وتزوج أم سلمة، بعد أن استشهد زوجها في أحد، وقد كانت من المهاجرات في سبيل الله،اللاتي لهن بلاء وموقف، فأراد أن يعوضها من زوجها بضمها إلى نسائه، وقد اعتذرت منه حين خطبها بكبر سنها، واهتمامها بأولادها، فقال لها: "لقد أصابني من كبر السن ما أصابك، وأما أولادك فهم أولادي".
وصفية بنت حُيَيّ، وأبوها حيي بن أخطب، الزعيم اليهودي المعروف الذي ألَّب على رسول الله ووقف ضده في أكثر من معركة، وقد مات أبوها، وهلك أهلها، فلم يشأ الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعها لأحد من أصحابه، بل كرمها وأخذها زوجة له، حتى يَجْبُر مصيبتها، وينسيها فجيعتها.
وأم حبيبة: رملة بنت أبي سفيان بن حرب، زعيم قريش وقائدهم في حربهم للنبي في أُحُد وفي الأحزاب وغيرها، وقد كانت أسلمت وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها، ثم غلبت عليه الشقوة، وتركها مرتدًا عن الإسلام، والعياذ بالله. فأراد الرسول أن يعوضها عن مصيبتها في زوجها، وأرسل إلى النجاشي يوكِّلْه في خطبتها وتزويجها منه، على رغم بعد الشقة بينها وبينه، وأمهرها بأربعة آلاف درهم، وبلغ ذلك أباها أبا سفيان أن محمدًا تزوجها فقال: هو الفحل لا يقدح أنفه، اعتزازًا بمصاهرته.
وزينب بنت جحش ذكر الله قصتها في القرآن، وعلة زواجها، وهي إبطال ما كان شائعًا عند العرب من تحريم زوجه المتبنَّى على من تبناه، وقد كان هذا مما بُنِى من آثار التبني محمد، حتى نزل قوله تعالى:{ادْعُوْهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ} الأحزاب: 5
والله لنبيه أو يقوم بهذه المهمة، وهي الزواج من امرأة متبنَّاه، على شدتها على نفسه، وصدمتها للمجتمع، قال تعالى:{ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ
أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا" الأحزاب: 37
وكذلك سائر نسائه، كان لكل واحدة منهن قصة، وللزواج منها حكمة. ومنها: توثيق الصلة بقبائل العرب عن طريق الأصهار إليهم، وكل هؤلاء النساء ـ ما عدا عائشة ـ كُنَّ ثيِّبات، ولم يعرفن بجمال فائق، ولو شاء النبي صلى الله عليه وسلم الزواج من جميلات أبكار العرب، لتقربوا إليه بذلك، ولكنه كان يحل بكل زواج مشكلة، أو يداوي جرحًا. صلى الله عليه وسلم.
ـــــــــــــــــــ
زواج الأبرص وعيوب فسخ العقد ... العنوان
هل يجوز زواج الأبرص ؟وما العيوب التى يفسخ بها العقد؟(43/186)
... السؤال
23/12/1999 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... إن الحياة الزوجية التي بنيت على السكن والمودة والرحمة لا يمكن أن تتحقق وتستقر ما دام هناك شيء من العيوب والأمراض ما ينفر أحد الزوجين من الآخر. فإن العيوب والأمراض المنفردة لا يتحقق معها المقصود من النكاح.
ولهذا أذن الشارع بتخيير الزوجين في قبول الزواج أو رفضه.
وللإمام ابن القيم تحقيق جدير بالنظر والاعتبار:
قال: فالعمى، والخرس، والطرش، وكونها مقطوعة اليدين أو الرجلين أو إحداهما، أو كون الرجل كذلك، من أعظم المنفرات، والسكوت عنه من أقبح التدليس والغش، وهو مناف للدين.
وقد قال أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه لمن تزوج امرأة وهو لا يولد له: أخبرها أنك عقيم، وخيرها. فماذا يقول رضي الله عنه في العيوب التي هي عندها كمال بلا نقص.
قال: والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة، يوجب الخيار، وهو أولى من البيع، كما أن الشروط المشروطة في النكاح أولى بالوفاء من شروط البيع. وما ألزم الله رسوله مغرورًا قط، ولا مغبونا بما غر وغُبن به.
ومن تدبر مقاصد الشرع في مصادرة، وموارده، وعدله وحكمته، وما اشتمل عليه من المصالح لم يخف عليه رجحان هذا القول وقربه من قواعد الشريعة.
وقد روي يحي بن سعيد الأنصاري عن ابن المسيب رضي الله عنه قال: قال عمر رضي الله عنه: أيما امرأة تزوجت وبها جنون أو جذام أو برص، فدخل بها ثم اطلع على ذلك فلها مهرها بمسيسه إياها، وعلى الولي الصداق بما دلس، كما غره.
وروى الشعبي عن علي كرم الله وجه: أيما امرأة تزوجت وبها برص أو جنون، أو جذام، أو قرن فزوجها بالخيار مالم يمسها، إن شاء أمسك، وإن شاء طلق، وإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها.
وقال وكيع: عن سفيان الثوري، عن يحي بن سعيد عن سعيد بن المسيب، عن عمر رضي الله عنه قال: "إذا تزوجها برصاء أو عمياء، فدخل بها فلها الصداق، ويرجع به على من غره".
قال: وهذا يدل على أن عمر لم يذكر تلك العيوب المتقدمة على وجه الاختصاص والحصر دون ما عداها.
وكذلك حكم قاضي الإسلام – شريح رضي الله عنه- الذي يضرب المثل بعلمه ودينه وحكمه.
قال عبد الرازق: عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين رضي الله عنه، خاصم رجل رجلاً إلى شريح فقال: إن هذا قال لي: إنا نزوجك أحسن الناس فجاءني بامرأة عمياء. فقال شريح: إن كان دلس عليك بعيب لم يجز.(43/187)
فتأمل هذا القضاء وقوله: "إن كان دلس عليك بعيب" كيف يقتضي أن كل عيب دلست به المرأة فللزوج الرد به.
قال الزهري رضي الله عنه: يرد النكاح من كل داء عضال قال: ومن تأمل فتاوى الصحابة والسلف علم أنهم لم يخصوا الرد بعيب دون عيب، إلا رواية رويت عن عمر: "لا ترد النساء إلا من العيوب الأربعة: الجنون ، والجذام، والبرص، والداء في الفرج".
وهذه الرواية لا نعلم لها إسنادًا أكثر من أصبغ وابن وهب عن عمر وعلي رضي الله عنهما.
وقد روي ذلك عن ابن عباس بإسناد متصل. هذا كله إذا أطلق الزوج.
وإما إذا اشترط السلامة، أو اشترط الجمال فبانت شوهاء أو شرطها شابه حديثه السن فبانت عجوزًا شمطاء. أو شرطها بيضاء فبانت سوداء. أو بكرًا فبانت ثيبًا فله الفسخ في ذلك كله. فإن كان قبل الدخول فلا مهر، وإن كان بعده فلها المهر. وهو غُرم علي وليها إن كان غرة.
وإن كانت هي الغارة سقط مهرها، أو رجع عليها به إن كانت قبضته. ونص على هذا أحمد في إحدى الروايتين عنه. وهو أقيسهما وأولاهما بأصوله فيما إذا كان الزوج هو المشترط.
وقال أصحابه إذا اشترطت فيه صفة فبان بخلافها فلا خيار لها، إلا في شرط الحرية إذا بان عبدًا فلها الخيار..
وفي شرط النسب إذا بان بخلافه وجهان. والذي يقتضيه مذهبه وقواعده أنه لا فرق بين اشتراطه واشتراطها. بل إثبات الخيار لها إذا فات ما اشترطته أولى. لأنها لا تتمكن من المفارقة بالطلاق.
فإذا جاز له الفسخ من تمكنه من الفراق بغيره فلأن يجوز لها الفسخ مع عدم تمكنها أولى. وإذا جاز لها أن تفسخ إذا ظهر الزوج ذا صناعة دنيئة. لا تشينه في دينه ولا في عرضه، وإنما تمنع كمال لذتها واستمتاعها به.
فإذا شرطته شابًا جميلاً صحيًا فبان شيخًا مشوهًا أعمى، أطرش، أخرس، أسود، فكيف تلزم به وتمنع من الفسخ؟
هذا في غاية الامتناع والتناقض والبعد عن القياس وقواعد الشرع.
قال: وكيف يُمكن أحد الزوجين من الفسخ بقدر العدسة من البرص ولا يمكن منه بالجرب المستحكم المتمكن وهو أشد إعداء من ذلك البرص اليسير.
وكذلك غيره من أنواع الداء العضال.
وإذا كان النبي حرم على البائع كتمان عيب سلعته، وحرم على من علمه أن يكتمه عن المشتري، فكيف بالعيوب في النكاح؟..
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لقاطمة بنت قيس، حين استشارته في نكاح معاوية وأبي جهم: "أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه. فعلم أن بيان العيب في النكاح أولى وأوجب.(43/188)
فكيف يكون كتمانه وتدليسه والغش الحرام به سبهًا للزومه؟ وجعل ذي العيب غلا لازمًا في عنق صاحبه مع شدة نفرته عنه، ولا سيما مع شرط السلامة منه وشرط خلافه؟
وهذا ما يعلم يقينًا أن تصرفات الشريعة وقواعدها وأحكامها تأباه، والله أعلم. أنهى.
وذهب أبو محمد بن حزم إلى أن الزوج إذا شرط السلامة من العيوب فوجد أي عيب كان، فالنكاح باطل من أصله غير منعقد، ولا خيار له فيه، ولا إجازة ، ولا نفقة. ولا ميراث.
قال: إن التي أدخلت عليه غير التي تزوج، إذ السالمة غير المعيبة بلا شك. فإذا تزوجها فلا زوجية بينهما.
ما جرى عليه العمل بالمحاكم:
وقد جرى العمل الآن بالمحاكم حسب ما جاء بالمادة التاسعة من قانون سنة 1920. "أنه يثبت للمرأة هذا الحق إذا كان العيب مستمكنًا لا يمكن البرء منه، أو يمكن بعد زمن، و لايمكنها المقام معه إلا بضرر ايًا كان هذا العيب، كالجنون، والجذام، والبرص، سواء أكان ذلك بالزوج قبل العقد ولم تعلم به، أم حدث بعد العقد ولم ترض به، فإن تزوجته عالمة بالعيب، أو حدث العيب بعد العقد، ورضيت صراحة أو دلالة بعد علمها، فلا يجوز طلب التفريق، واعتبر التفريق في هذا الحال طلاقًا بائنًا، ويستعان بأهل الخبرة في معرفة العيب ومداه من الضرر
انتهى كلام الشيخ
والخلاصة أنه إذا علم أحد الزوجين بعيوب الآخر ورضى بها فلا حرج فى هذا الزواج ولكنه إذا دلس أحد الزوجين على الآخر فهذا التدليس لايجوز وفيه التفصيل السابق
ـــــــــــــــــــ
التلقيح الصناعى ... العنوان
ما الحكم فى التلقيح الصناعى؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... الموضوع (1225) التلقيح الصناعى فى الانسان.&المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.&جمادى الأولى 1400 هجرية - 23 مارس 1980 م.&المبادئ:&1 - المحافظة على النسل من المقاصد الضرورية التى استهدفتها أحكام الشرعية الإسلامية ولذا شرع النكاح وحرم السفاح والتبنى.&2 - الاختلاط بالمباشرة بين الرجل والمرأة هو الوسيلة الوحيدة لإفضاء كل منهما بما استكن فى جسده لا يعدل عنها إلا لضرورة.&3 - التداوى جائز شرعا بغير المحرم، بل قد يكون واجبا إذا ترتب عليه حفظ النفس وعلاج العقم فى واحد من الزوجين.&4 - تلقيح الزوجة بذات منى زوجها دون شلك فى استبداله أو اختلاطه بمنى غيره من إنسان أو مطلق حيوان جائز شرعا، فإذا نبت ثبت النسب فإن كان من رجل آخر غير زوجها فهو محرم شرعا ويكون فى معنى الزنا ونتائجه.&5 - تلقيح بويضة امرأة بمنى رجل ليس زوجها، ثم نقل هذه البويضة الملقحة إلى رحم زوجة الرجل(43/189)
صاحب هذا المنى حرام ويدخل فى معنى الزنا.&6 - أخذ بويضة الزوجة التى لا تحمل وتلقيحها بمنى زوجها خارج رحمها (أنابيب) وإعادتها بعد إخصابها إلى رحم تلك الزوجة دون استبدال صفحة رقم 3213 أو خلط بمنى إنسان آخرا وحيوان لداع طبى وبعد نصح طبيب حاذق مجرب بتعيين هذا الطريق.&هذه الصورة جائزة شرعا. 7 - التلقيح بين بويضة الزوجة ونطفة زوجها يجمع بينهما فى رحم أنثى غير الإنسان من الحيوانات لفترة معينة يعاد بعدها الجنين إلى ذات رحم الزوجة.&فيه إفساد لخليقة الله فى أرضه ويحرم فعله.&8 - الزوج الذى يتبنى أى طفل انفصل، وكان الحمل به بإحدى الطرق المحرمة، لا يكون ابنا له شرعا والزوج الذى يقبل أن تحمل زوجته.&نطفة غيره سواء بالزنا الفعلى أو بما فى معناه سماه الإسلام ديوثا ( الديوث هو الرجل الذى لا غيرة له على أهله ).&9 - كل طفل ناشىء بالطرق المحرم قطعا من التلقيح الصناعى ، لا ينسب إلى أب جبرا، وإنما ينسب لمن حملت به ووضعته باعتباره حالة ولادة
طبيعية كولد الزنا الفعلى تماما.&10 - الطبيب هو الخبير الفنى فى إجراء التلقيح الصناعى أيا كانت صورته، فإن كان عمله فى صورة غير مشروعة كان آثما وكسبه حرام وعليه أن يقف عند الحد المباح.&11 - إنشاء مستودع تستحلب فيه نطف رجال لهم صفات معينة، لتلقح بها نساء لهن صفات معينة.&شر مستطير على نظام الأسرة ونذير بانتهاء الحياة الأسرية كما أرادها الله.&سئل : بالطلب المقدم من السيد الطبيب / ع - ح - م - المقيد برقم 63 لسنة 1980 الذى يسأل فيه عن حكم الإسلام فى استعمال التلقيح الصناعى فى الإنسان على الوجه التالى أولا إذا أخذ منى الزوج ولقحت به الزوجة التى لا تحمل بشرط وجود الزوجين معا.&ثانيا إذا أخذ منى رجل غير الزوج ولقحت به الزوجة التى ليس بزوجها منى أو كان منيه غير صالح للتلقيح.&ثالثا لو أخذ منى الزوج ولقحت به بويضة امرأة ليست زوجته ثم نقلت هذه البويضة الملقحة إلى رحم زوجة صاحب المنى لأن هذه الأخيرة لا تفرز بويضات.&رابعا إذا أخذت بويضة امرأة لا تحمل ولقحت بمنى زوجها خارج رحمها (أنابيب) ثم بعد الإخصاب (أ) تعاد البويضة الملقحة إلى رحم هذه الزوجة مرة أخرى.&(ب) وإذا كان مكان (الأنابيب) حيوانات تصلح الاحتضان هذه البويضة أى تحل محل رحم هذه الزوجة لحين أو لفترة معينة يعاد الجنين بعدها إلى رحم ذات الزوجة.&خامسا ما وضع الزوج الذى يوافق على هذا العمل وما وضع الزوج الذى يتبنى أطفالا ولدوا بواحد من تلك الطرق، أو يستمر مع زوجته التى لقحت بمنى رجل آخر.&سادسا ما حكم الطفل الذى يخرج بهذه الطرق سابعا ما هو وضع الطبيب الذى يجرى مثل تلك الأعمال.&أجاب : قال الله سبحانه وتعالى { وهو الذى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا } الفرقان 54 ، فى هذه الآية امتن الله سبحانه على عباده بالنسب والصهر، وعلق الأحكام فى الحل والحرمة عليهما ورفع قدرهما، ومن أجل هذه المنة كانت المحافظة على النسل من المقاصد
الضرورية التى استهدفتها أحكام الشريعة الإسلامية، وفى هذا قال حجة الإسلام الإمام الغزالى - (إن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الحق وصلاح الخلق فى(43/190)
تحصيل مقاصدهم، لكنا نعنى بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع ، ومقصود الشرع من الخلق خمسة وهو أن يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول الخمسة فهو مفسدة ودفعها مصلحة).&( كتاب المستصفى للغزالى ج - 1 ص 287 ) ومن أجل ضرورة المحافظة على النسل شرع الله النكاح وحرم السفاح { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } الروم 21 ، { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا } الإسراء 32 ، ذلك لأن الولد ثمرة الزواج الصحيح ينشأ بين أبويه يبذلان فى سبيل تربيته والنهوض به والمحافظة عليه النفس والنفيس، أما ولد الزنا فإنه عاد لأمه ولقومها إذ لا يعرف له أب، وبذلك ينشأ فاسدا مفسدا مهملا ويصبح آفة فى مجتمعه.&وإن كان فقهاء الشريعة قد عرضوا لهذا النوع من الأولاد وحثوا على تربيته والعناية به وأصلوا أحكامه فى كتب الفقه تحت عنوان باب اللقيط ذلك لأنه إنسان لا يسوغ إهماله وتحرم إهانته ويجب إحياؤه.&{ ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } المائدة 32 ، وذلك ارتقابا لخيره واتقاء لشره.&ومن هنا كان حرص الإسلام على سلامة الأنساب بالدعوة إلى الزواج وتشريع أحكامه، وكل ما يضمن استقرار الأسرة منذ ولادة الإنسان وحتى مماته، وبالجملة فقد نظم حياة الناس أحسن نظام وأقومه بالحكمة والعدل مع الإحسان ومراعاة المصلحة.&وإذ كان النسب فى الإسلام بهذه المثابة فقد أحاطه كغيره من أمور الناس بما يضمن نقاءه ويرفع الشك فيه، فجاء قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما رواه البخارى ومسلم عن عائشة (الولد للفراش وللعاهر الحجر) والمراد بالفراش أن تحمل الزوجة من زوجها الذى اقترن بها برباط
الزواج الصحيح فيكون ولدها ابنا لهذا الزوج، والمراد بالعاهر الزانى، وبهذا قرر هذا الحديث الشريف قاعدة أساسية فى النسب تحفظ حرمة عقد الزواج الصحيح وثبوت النسب أو نفيه تبعا لذلك، ومن ثم فمتى حملت امرأة ذات زوج من الزنا مع رجل آخر أو من غصب، فإن حملها ينسب لزوجها إلا من زنى معها أو اغتصبها لأن فراش الزوجية الصحيحة قائم فعلا.&ومن وسائل حماية الأنساب - فوق تحريم الزنا - تشريع الاعتداد للمرأة المطلقة بعد دخول الزوج المطلق بها، أو حتى بعد خلوته معها خلوة صحيحة شرعا.&كما حرم الإسلام بنص القرآن الكريم الصريح التبنى، بمعنى أن ينسب الإنسان إلى نفسه إنسانا آخر نسبة الابن الصحيح لأبيه أو أمه مع أنه يعلم يقينا أنه ولد غيره، وذلك صونا للأنساب ولحفظ حقوق الأسرة التى رتبتها الشريعة الإسلامية على جهات القرابة.. وفى هذا قال الله سبحانه { وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.&ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم } الأحزاب 4 ، 5 ، وبهذا لم يعترف الإسلام بمن لا نسب له ولم يدخله قهرا فى نسب قوم يأبونه.&ولما كانت عناية الإسلام بالأنساب والتحوط لها على هذا الوجه بدأ بتنظيم صلة الرجل بالمرأة واختلاطهما ووجوب أن يكون هذا فى ظل عقد زواج صحيح تكريما لنطفة الإنسان التى منها يتخلق الولد، قال سبحانه { فلينظر الإنسان(43/191)
مم خلق.&خلق من ماء دافق.&يخرج من بين الصلب والترائب } الطارق 5، 6، 7 ، { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج } الإنسان 2 ، ولا تتخلق نطفة الرجل إلا إذا وصلت إلى رحم المرأة المستعد لقبولها، وقد يكون هذا الوصول عن طريق الاختلاط الجسدى الجنسى، وعندئذ يكون نسب الوليد من هذا الاتصال موصولا بأبيه متى كان قد تم فى ظل عقد الزواج الصحيح (الولد للفراش) وقد يكون عن طريق إدخال نطفة الرجل فى رحم المرأة بغير الاتصال الجسدى.&ففى
شرح المنهاج لابن حجر الشافعى وحواشيه وإنما ( ج - 8 ص 230 و 231 فى كتاب العدة ) تجب عدة النكاح بعد وطء أو بعد استدخال منية أى الزواج المحترم وقت إنزاله واستدخاله ومن ثم لحق النسب أما غير المحترم عند إنزاله بأن أنزله من زنا فاستدخلته زوجته وهل يحلق به ما استنزله بيده لحرمته أولا للاختلاف فى إباحته كل محتمل والأقرب الأول فلا عبرة به ولا نسب يلحقه، واستدخالها من نطفة زوجها فيه عدة ونسب كوطء الشبهة ) وعلق فى حاشية الشروانى فى هذا الموضع على قول الشارح (وقت إنزاله واستدخاله ) بقوله ( بل الشرط ألا يكون من زنا ) وفى فروع الدر المختار للحصكفى وحاشية رد المحتار عليه لابن عابدين ( ج - 2 ص 950 و 951 فى باب العدة ) أدخلت منيه فى فرجها هل تعتد.&فى البحر بحثا نعم لاحتياجها لتعرف براءة الرحم وفى النهر بحثا إن ظهر حملها نعم وإلا لا ) وعلق ابن عابدين بقوله أى منى زوجها من غير خلوة ولا دخول ولم أغير حكم ما إذا وطئها فى دبرها أو أدخلت منيه فى فرجها ثم طلقها من غير إيلاج فى قبلها وفى تحرير الشافعية وجوبها فيهما، ولابد أن يحكم على أهل المذهب به فى الثانى، لأن إدخال المنى يحتاج إلى تعرف براءة الرحم أكثر من مجرد الإيلاج ثم نقل عن البحر عن المحيط ما نصه إذا عالج الرجل جاريته فيما دون الفرج فأنزل فأخذت الجارية ماءه فى شىء فاستدخلته فرجها فى حدثان ذلك فعلقت الجارية وولدت فالولد ولده والجارية أم ولد له.&فهذا الفرع يؤيد بحث صاحب البحر ويؤيده أيضا إثباتهم العدة بخلوة المجبوب وما ذلك إلا لتوهم العلوق منه بسحقه ).&وفى التعليق على عدة الموطوءة بشبهة قال ابن عابدين ( المرجع السابع ص 939 والبحر الرائق لابن نجيم شرح كنز الدقائق ص 128 ج - 4 ) ( ومنه ما فى كتب الشافعية إذا أدخلت منيا فرجها ظنته منى زوج أو سيد عليها العدة كالموطوءة بشبهة، قال فى البحر ولم أره لأصحابنا والقواعد لاتأباه لأن وجوبها لتعرف براءة
الرحم ).&هذه الأقوال لفقهائنا تصريح بأن شغل رحم المرأة بنطفة الرجل وحدوث الحمل قد يحدث بغير الاتصال العضوى بينهما وتترتب عليه الآثار الشرعية من عدة نسب.&وإذ كان ذلك وكان الفقهاء قد رتبوا على إدخال الزوجة منى زوجها فى موضع التناسل منها، وكذلك الجارية إذا أدخلت منى سيدها وحملت ثبت النسب من الزوج أو من السيد، ووجبت العدة تعين النظر فيما جاء بهذا الطلب من تساؤلات على هدى ما تقدم.&عن السؤال الأول لما كان الهدف الأسمى من العلاقة الزوجية هو التوالد حفظا للنوع الإنسانى، وكانت الصلة العضوية بين الزوجين ذات دوافع غريزية فى جسد كل منهما.&أضحى هذا الواصل والاختلاط هو الوسيلة الأساسية والوحيدة لإفضاء كل منهما بما استكن فى جسده واعتمل فى نفسه حتى تستقر(43/192)
النطفة فى مكمن نشوئها كما أراد الله، وبالوسيلة التى خلقها فى كل منهما، لا يعدل عنها إلا إذا دعت داعية، كأن يكون بواحد منهما ما يمنع حدوث الحمل بهذا الطريق الجسدى المعتاد مرضا أو فطرة وخلقا من الخالق سبحانه.&فإذا كان شىء من ذلك، وكان تلقيح الزوجة بذات منى زوجها دون شك فى استبداله أو اختلاطه بمنى غيره من إنسان أو مطلق حيوان جاز شرعا إجراء هذا التلقيح، فإذا ثبت النسب تخريجا على ما قرره الفقهاء فى النقول المتقدمة من وجوب العدة وثبوت النسب على من استدخلت منى زوجها فى محل التناسل منها.&عن السؤال الثانى تلقيح الزوجة بمنى رجل آخر غير زوجها سواء لأن الزوج ليس به منى أو كان به ولكنه غير صالح محرم شرعا، لما يترتب عليه من الاختلاط فى الأنساب، بل ونسبه ولد إلى أب لم يخلق من مائه، وفوق هذا ففى هذه الطريقة من التلقيح إذا حدث بها الحمل معنى الزنا ونتائجه، والزنا محرم قطعا بنصوص القرآن والسنة.&عن السؤال الثالث وصورته تلقيح بويضة امرأة بمنى رجل ليس زوجها ثم نقل هذه البويضة الملقحة إلى رحم زوجة الرجل صاحب هذا المنى، هذه الصورة كسابقتها تدخل فى معنى الزنا،
والولد الذى يتخلق ويولد من هذا الصنيع حرام بيقين، لالتقائه مع الزنا المباشر فى اتجاه واحد، إذ أنه يؤدى مثله إلى اختلاط الأنساب، وذلك ما تمنعه الشريعة الإسلامية التى تحرص على سلامة أنساب بنى الإنسان، والابتعاد بها عن الزنا وما فى معناه ومؤداه.&ذلك لأنه وإن كان المنى هو للزوج ولكنه - كما هو معروف - لا يتخلق إلا بإذن الله وحين التقائه ببويضة الزوجة - وهذه الصورة افتقدت فيها بويضة الزوجة وجىء ببويضة امرأة أخرى، ومن ثم لم تكن الزوجة حرثا فى هذه الحال لزوجها مع أن الله سمى الزوجة حرثا له فقال { نساؤكم حرث لكم } البقرة 223 فكل ما تحمل به المرأة لابد أن يكون نتيجة الصلة المشروعة بين الزوجين سواء باختلاط أعضاء التناسل فيهما كالمعتاد أو بطريق استدخال منيه إلى ذات رحمها ليتخلق وينشأ كما قال الله سبحانه { يخلقكم فى بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق فى ظلمات ثلاث } الزمر 6 ، وإذ كانت البويضة فى هذه الصورة ليست لزوجة صاحب المنى وإنما لامرأة أخرى لم يكن نتاجها جزءا من هذين الزوجين، بل من الزوج وامرأة محرمة عليه فلا حرث فعلا، أو اعتبارا بين الزوجين ينبت به الولد فصارت هذه الصورة فى معنى الزنا المحرم قطعا كسابقتها.&عن السؤال الرابع (أ) وصورته أن تؤخذ بويضة الزوجة التى لا تحمل وتلقح بمنى زوجها خارج رحمها (أنابيب) وبعد الإخصاب والتفاعل بينهما تعاد البويضة الملقحة إلى رحم هذه الزوجة مرة أخرى.&فى هذه الصورة إذا ثبت قطعا أن البويضة من الزوجة والمنى من زوجها وتم تفاعلهما وإخصابهما خارج رحم هذه الزوجة (أنابيب) وأعيدت البويضة ملقحة إلى رحم تلك الزوجة دون استبدال أو خلط بمنى إنسان آخر أو حيوان، وكان هناك ضرورة طبية داعية لهذا الإجراء كمرض بالزوجة يمنع الاتصال العضوى مع زوجها أو به هو قام المانع، ونصح طبيب حاذق مجرب بأن الزوجة لا تحمل إلا بهذا الطريق، ولم تستبدل الأنبوبة التى تحضن فيها بويضة ومنى الزوجين(43/193)
بعد تلقيحهما، كان الإجراء المسئول عنه فى هذه الصورة جائزا شرعا، لأن الأولاد نعمة وزينة وعدم الحمل لعائق وإمكان علاجه أمر جائز شرعا، بل قد يصير واجبا فى بعض المواطن.&فقد جاء أعرابى ( منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار للشوكانى ج - 8 ص 200 فى أبواب الطب ) فقال يا رسول الله أنتداوى.&قال نعم. فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله.&رواه أحمد، فهذه الصورة والصورة فى السؤال الأول من باب التداوى مما يمنع الحمل والتداوى بغير المحرم جائز شرعا، بل قد يكون التداوى واجبا إذا ترتب عليه حفظ النفس أو علاج العقم فى واحد من الزوجين.&(ب) وصورته هل يجوز أن تحل مكان (الأنابيب) حيوانات تصلح لاحتضان هذه البويضة، أى تحل محل رحم هذه الزوجة لحين أو لفترة معينة يعاد الجنين بعدها إلى رحم ذات الزوجة.&إنه لما كان التلقيح على هذه الصورة بين بويضة الزوجة ونطفة زوجها يجمع بينهما فى رحم أنثى غير الإنسان من الحيوانات ، فإذا مرت هذه البويضة الملقحة بمراحل النمو التى قال عنها القرآن الكريم { ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين.&ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العقلة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين } المؤمنون 13 ، 14 ، سيكتسب هذا المخلوق صفات هذه الأنثى التى اغتذى بدمها فى رحمها وائتلف معها حتى صار جزءا منها، فإذا تم خلقه وآن خروجه يدب على الأرض كان مخلوقا آخر.&ألا ترى حين ينزو الحمار على الفرس وتحمل، هل تكون ثمرتهما لواحد منها.&إنه يكون آخر صورة وطبيعة. هذا إن بقيت البويضة بأنثى غير الإنسان إلى حين فصالها، أما إن انتزعت بعد التخلق وانبعاث الحياة فيها وأعيدت إلى رحم الزوجة فلا مراء كذلك فى أنها تكون فد اكتسبت الكثير من صفات أنثى الحيوان التى احتواها رحمها، فإنه كان غذاؤها وكساؤها ومأواها، ولا مرية فى أن هذا المخلوق يخرج على غير طباع الإنسان،
بل على غرار تلك التى احتضنه رحمها، لأن وراثة الصفات والطباع أمر ثابت بين السلالات حيوانية ونباتية، تنتقل مع الوليد وإلى الحفيد ذلك أمر قطع فيه العلم ومن قبله الإسلام { ألا يعلم من خلق } الملك 14 ، يدلنا على هذا نصائح الرسول صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته فى اختيار الزوجة فقد قال تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء ( فتح البارى شرح صحيح البخارى ج - 9 ص 102 باب أى النساء خير ) وقال إياكم وخضراء الدمن - وهى المرأة الحسناء - فى المنبت السوء ( رواه الدار قطنى من حديث أبى سعيد الخدرى - احياء علوم الدين ج - 4 ص 724 ) هذه التوجيهات النبوية تشير إلى علم الوراثة، وأن إرث الفضائل أو الرذائل ينتقل فى السلالة، ولعل الحديث الشريف الأخير واضح الدلالة فى هذا المعنى، لأن لفظ (الدمن) تفسره معاجم اللغة بأنه ما تجمع وتجمد من السرجين وهو روث الماشية، فكل ما نبت فى هذا الروث وإن بدت خضرته ونضرته إلا أنه يكون سريع الفساد، وكذلك المرأة الحسناء فى المنبت السوء تنطبع على ما طبعت عليه لحمتها وغذيت به، ولعل نظرة الإسلام إلى علم الوراثة تتضح جليا من هذا الحوار الذى دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وضمضم بن قتادة إذ قال (يا رسول الله إن امرأتى ولدت غلاما أسود، قال هل لك من إبل.&قال نعم، قال فما ألوانها.&قال حمر، قال هل فيها من(43/194)
أورق قال نعم، قال فأنى ذلك.&قال لعله نزعه عرق، قال فعل ابنك هذا نزعه عرق) رواه البخارى ومسلم عن أبى هريرة ( بلوغ المرام لابن حجر العسقلانى وشرحه سبل السلام للصنعانى ج - 3 ص 246 فى باب اللعان ) وبهذا نرى أن تلك البويضة الملقحة التى نقلت إلى رحم أنثى غير الإنسان تأخذ منه مالا فكاك لها منه إن قدرت لها الحياة والدبيب على الأرض، وبذلك إن تم فصاله ودرج هذا المخلوق على صورة الإنسان لا يكون إنسانا بالطبع والواقع، ومن فعل هذا يكون قد أفسد خليقة الله فى أرضه، ومن القواعد التى أصلها فقهاء
الإسلام أخذا من مقاصد الشريعة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، لأن اعتناء الشرع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات، يدل لهذا قول الله سبحانه { فاتقوا الله ما استطعتم } التغابن 16 ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شىء فاجتنبوه).&( الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفى فى القاعدة الرابعة ) وإذ كان فى التلقيح بهذه الصورة مفسدة أى مفسدة فإنه يحرم فعله.&عن السؤال الخامس تقدم القول بجواز التلقيح بالطريق المبينة فى السؤال الأول وبالطريقة المبينة كذلك فى الفقرة الأولى من السؤال الرابع بشرط التحقق قطعا من تلقيح بويضة الزوجة بمنى زوجها دون غيره ودون اختلاط بمنى رجل آخر أو منى أى حيوان، وبشرط وجود داع وضرورة لسلوك واحد من هذين الطريقين، كأن يكون بأحد الزوجين مانع يعوق الحمل عند اختلاطهما عضويا.&وتقدم القول كذلك بأن باقى طرق التلقيح المطروحة فى هذه التساؤلات محرمة، إما لأنها فى معنى الزنا وإما درءا للمفاسد التى تحملها.&لما كان ذلك فإن الزوج الذى يتبنى أى طفل انفصل وكان الحمل به بإحدى الطرق المحرمة لا يكون ابنا له شرعا لنه مشكوك فى أبوته له، بل يكون مقطوعا بنفيه حين تكون النطفة من رجل آخر أو حيوان، وبهذا يكون أشد نكرا من التبنى بمعنى أن ينسب الإنسان إلى نفسه ولدا يعرف قطعا أنه ابن غيره، لأنه مع هذا المعنى قد التقى مع الزنا، والزوج الذى يقبل أن تحمل زوجته نطفة غيره سواء بالزنا الفعلى أو بما فى معناه كهذا التلقيح رجل فقد كرامة الرجال، ومن ثم فقد سماه الإسلام ديوثا، وهذا هو شأن الرجل الذى يستبقى زوجة لقحت من غيره بواحد من هذه الطرق المحرمة التى لا تقرها الشريعة، لأنها لا تبتغى فى أحكامها كمال بنى الإنسان ونقاءهم.&هذا والتبنى على أى صورة قد حرمه القرآن فى محكم آياته كما تقدم القول فى ذلك... عن السؤال السادس لما كان ما تقدم ك كان كل
طفل ناشىء بالطرق المحرمة قطعا من التلقيح الصناعى حسبما تقدم بيانه لقيطا لا ينسب إلى أب جبرا، وإنما ينسب لمن حملت به ووضعته باعتباره حالة ولادة طبيعية كولد الزنا الفعلي تماما إذ ينسب لأمه فقط.&وهنا نضع أمام الزواج حديث أبى هريرة ( بلوغ المرام وشرحه سبل السلام ص 246 ج - 3 فى باب اللعان ) رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية المتلاعبين (أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله فى شىء ولم يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه - أى يعلم أنه ولده - احتجب الله عنه وفضحه على رؤوس.&الأولين والآخرين). ( تعليق : السلام ج - 3 ص(43/195)
195 بلفظ ولن يدخلها الله جنته وبالرجوع الى النسائى ج - 3 ص 179.&المطبعة المصرية بالأزهر باعتباره مصدرا لسبل السلام.&تبين أن هذا الحديث ورد بلفظ (عن أبى هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية الملاعنة.&أيما امرأة أدخلت على قوم رجلا ليس منهم فليست من الله فى شىء ولا يدخلها الله جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر اليه احتجب الله عز وجل منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين يوم القيامة)) هذا قضاء الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } النور 63 ، عن السؤال السابع ما هو وضع الطبيب الذى يجرى التلقيح بهذه الصورة.&إن الإسلام أباح التداوى من العلل والأمراض، ففى الحديث الشريف الذى رواه ابن ماجه والترمذى وصححه عن أسامه بن شريك قال قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى.&قال نعم. عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء ، إلا داء واحدا قالوا يا رسول الله وما هو قال الهرم.&وفى صحيح مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لكل دواء دواء فإذا أصيب دواء الداء برىء بإذن الله تعالى ).&( منتقى الأخبار وشرحه نيل
الأوطار للشوكانى فى باب اباحة التداوى ج - 8 ص 200 ) لما كان ذلك وكان التداوى بالمباح أمرا جائزا فى الإسلام ، بل قد يصير واجبا حفظا لنفس الإنسان من الهلاك، فإن الطبيب هو الوسيلة إلى التداوى بتشخيص الداء ووصف الدواء تبعا لخبرته وتجربته وعلمه، ومن ثم كانت مسئوليته إذا قصر أو أهمل أو سلك طريقا محرما فى الإسلام.&وإذا كان الطبيب هو الخبير الفنى فى إجراء التلقيح الصناعى أيا كانت صورته تعين أن ينظر إلى كل صورة يجريها حتى يتحدد وضعه ومسئوليته شرعا، فإن كانت الصورة مما تبين تحريمه قطعا على الوجه المبين فى الأجوبة عن الأسئلة الثانى والثالث والفقرة (ب) من السؤال الرابع كان الطبيب آثما وفعله محرما، لأن الإسلام إذا حرم شيئا حرم الوسائل المفضية إليه حتى لا يكون ذريعة للتلبس بالمحرم، ولقد أشار القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة إلى أساس قاعدة سد الذرائع بتحريم الوسائل المؤدية إلى المحرم.&فهذا قول الله تعالى { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } الأنعام 108 ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم الذى رواه أربعة من صحابته (لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه ) ( رواه أبو داود - المنتخب من السنة المجلد التاسع من مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ) ففى الآية الكريمة تأصيل لقاعدة سد الذرائع فقد نهت عن سب آلهة المشركين حتى لا يعتدوا ويتخذوا هذا ذريعة لسب الله ورسوله.&وفى الحديث الشريف دليل على أن من أعان على محرم كان آثما إثم مرتكبه، ولقد حرم الإسلام النظر إلى محاسن المرأة الأجنبية أو الخلوة بها ، لأن الخلوة والنظرة من وسائل الوقوع فى المحرم وهو الزنا، كما حرم على المسلم المشى إلى مكان ترتكب فيه الكبائر كحانة الخمر أو بيت القمار حتى لا يقع فيه، ومن هذا القبيل جاء الحديث الشريف الذى رواه البخارى ومسلم عن عبد الله بن(43/196)
عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه.&قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه).&وإذا كان ذلك وكانت هذه النصوص وغيرها من القرآن الكريم والسنة الشريفة قد وضعت أصلا قويما فى سد الذرائع، فمتى أدى العمل أو الوسيلة إلى محرم صار محرما كذلك.&لما كان ذلك فإذا أعان الطبيب لعلمه وعمله فى التلقيح الصناعى على حصوله بالصور غير المشروعة بل والمحرمة بالبيان السالف يكون آثما إذ - كما تقدم - ما كان وسيلة للمحرم يكون محرما شرعا، ويكون كسبه فى هذه الحال كسبا محرما غير مشروع، وعليه أن يقف عند الحد المباح، وهو منحصر فى تلقيح بويضة زوجة بنطفة زوجها بإدخالها رحمها، أو باستنباتها بعد التلقيح فى (أنبوبة) إلى حين ثم تستدخل فى رحم ذات الزوجة، كما هو مبين فى الجواب عن السؤال الأول والفقرة الأولى (أ) من السؤال الرابع وبالشروط المبينة فيهما.&إذا تم ذلك كان العمل مشروعا لا إثم فيه ولا حرج ولا حذر من اختلاط الأنساب أو وقوعه فى دائرة الزنا، لأن التحقق تام من أن المنى والبويضة الملقحين للزوجين فقط لم يختلطا بمنى إنسان آخر أو منى حيوان، وبهذا يقع فى دائرة إباحة التداوى التى قد تكون سبيلا للزرق بولد شرعى تمتد به ذكرى والديه بعد مماتهما، ومن بعد أن تكتمل به سعادتهما النفسية والاجتماعية فى هذه الحياة، وقد تدوم وتتأكد بينهما المودة والرحمة بهذا المولود الشرعى.&هذا ولا يغيبن عن البال أن الإسلام فى تكريمه للانسان والحفاظ على نوعه واستمرار نسله يعمر الأرض إلى أن يشاء الله، حريص على أن يعيش فى أسرة متوادة متحابة متعارفة لا جماعات تقطعت أوصالها وانحلت عصباتها وغاضت أرحامها، فهو يأمر بتكوين الأسرة ويحمل الوالدين عبء أولادهما صغارا من التعليم والتربية الجسدية والنفسية والعلمية وطرق اكتساب المال الحلال ، ويضع
على عاتق الأب ولاية النظر الدائم فى مصلحة أولاده وإن ارتفعت ولاية الجبر عليهم، ومن هذه الولاية أن يكسبهم خبرته فى الحياة ويتولى النصح والإرشاد.&ومن هنا لا يجوز فى نطاق الإسلام الانطلاق فى عمل التلقيح الصناعى، بمعنى نقل منى الرجل أى رجل وتلقيحه ببويضة امرأة أى امرأة.&لأن تلك تجارب تصلح لتحسن السلالات ومحلها بين أنواع مختلفة من الحيوان لا تعرف لها أبا ومن النبات تسمق سيقانه حاملة وفير الثمرات وذلك أمر مشروع، ومن هنا كان القول الحكيم القديم اليتيم من ابن آدم من مات أبوه ومن الحيوان من ماتت أمه.&فإذا نحن انطلقنا فى مجال التلقيح الصناعى فى الإنسان وأنشأنا مستودعا (بنكا) تستحلب فيه نطف الرجال الأذكياء أو ذوى الأجسام الأقوياء لتلقح بها أنثى رشيقة القوام سريعة الفهم لإثراء الصفات فى الجنس البشرى كان هذا شرا مستطيرا على نظام الأسرة ونذير انتهاء الحياة الأسرية، كما أرادها الله، فمن باب سد الذرائع، وحفظا لروابط الأسرة وصونا للأنساب يحرم الإسلام الانطلاق فى التلقيح الصناعى لتوالد الإنسان ولا يجيزه - كما سبق - إلا بين الزوجين بالشروط المتقدم بيانها.&وبديلا لهذه البنوك وجه الإسلام الإنسان إلى المحافظة على قوة نسله، وسلامة نفسه وجسده، وذلك بإحسان اختيار كل من الزوجين للآخر، وإلى(43/197)
الاغتراب فى الزواج، بمعنى ترك الزواج بين ذوى القربى القريبة حتى لا يضوى النسل ويضعف، كما قال عمر بن الخطاب ناصحا إحدى القبائل (قد أضويتم فانكحوا الغرائب) وقيل قديما بنات العم أصبر والغرائب أنجب هذه هى المعايير المشروعة التى يقرها الإسلام للحفاظ على النسل - نسل الإنسان.&سليما قويا لا تلك التى يتنادى بها بعض الناس مقلدين أقواما أغوتهم المادية وانغمسوا فيها وتحللوا من كل قيم الدين، فحسبوا الإنسان ونسله مزرعة تجارب كأى مزرعة للنبات أو الحيوان مع أن الله قد كرم الإنسان وأعلى قدره وسخر له ما فى السموات والأرض. { يا
أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون.&واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب } الأنفال 24 ، 25 ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــ
الشروط في عقد الزواج ... العنوان
: بعض الحركات التحررية للنهوض بالمرأة تتجه الآن إلى وضع قيود في عقود الزواج تضمن للزوجة حقها وتساعدها على الإسهام بحرية في تنمية المجتمع. فهل في الشريعة الإسلامية ما يكفل للمرأة ذلك؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... إلى جانب ما تقدَّم ذكره في صفحة 351 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى وكذلك في صفحة 254 من المجلد الرابع ، وفي صفحة 260 من المجلد الأول، وفي غير ذلك من المواضع التي تُبَيِّن إنصاف الإسلام للمرأة والإشادة بدورها في حياة الأسرة والمجتمع.
والضمانات التي تصون عن الانحراف في الحقوق والواجبات ـ إلى جانب ذلك أقول:
1 ـ إن الجهل بالإسلام يؤدي إلى الانحراف في كلِّ شيء، وإلى التردي في هواية التقليد الأعمى. ثم نِسْبَة ذلك إلى الإسلام وهو منه بريء.
إن التشريع الإسلامي نَظَّم العلاقة بين الرجل والمرأة مُراعيًا الاستعداد الطبيعي لكلٍّ منهما، والمُهمة الأساسية التي خُلِقَا من أجلها، والمكان المناسب الذي يباشر فيه كلٌّ منهما نشاطه، بروح التعاون والاشتراك في المسئولية لصالح الطرفين ولصالح المُجتمع.
3 ـ إنَّ عدم الفهم الصحيح لهذا الإطار التعاوني ولإمكانات كُلٍّ من الطرفين. يتيح الفرصة للتأثر بالآراء المُتطرفة. ويَحْمِل المرأة بالذات على النضال من أجل المساواة الكاملة بينها وبين الرجل، مع التغاضي عن التفاوت في القُدرات ونسيان شَرَفَ المُهمة الأساسية المناسبة لها، وهذا يُحَوِّل الرجل من شعوره بالحُب نحو المرأة والعَطف عليها لضَعْفِهَا ورِقتها، إلى الشعور بالكراهية والنُّفور، وإلى الغِلْظَة والْقَسْوَة في معاملتها، شأن كُلِّ عَدُوَّيْنِ يناضلان في معركة حامية وجهًا لوجه. وتنْقَلِب الحياة الزوجية بالذات من السَّكن والمودة اللتين جعلهما الله آيةً من آيات(43/198)
حِكْمَته ونعمةً من أكبر نِعَمِهِ في خَلْقِ المرأة للرجل، والتزاوج لتكوين أسرة مُسْتَقرة هي اللَّبِنَة الأساسية في بِناء المُجتمع والخَلِيَّة الأولى في جسم الجنس البشري المُؤهل لتحقيق الخِلافة في الأرض ـ تنقلب إلى جحيم يصلاه كلٌّ منهما، ويصلاه النَّسل والمجتمع كُلُّه.
وبهذا التحول في الشعور نحو الطرفين سيكون أول من يُكوى بناره هو المرأة التي بدأت المعركة وحاولت أن تَصْمُدَ فيها على الرغم من شعورها بقسْوَة المُعاناة، وحينئذٍ يَصْدُق عَلَيْهَا المثل القائل: "على نفسها جنت بَراقش" وصدق الله إذ يقول: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدِ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (سورة الطلاق : 1) ويقول: (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِه) (سورة الفتح : 10) ويقول: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (سورة الشورى : 30).
4 ـ إنَّ خَلْقَ المرأة للرجل وعدم استغناء أحدٍ منهما عن الآخر أمرٌ ضروري للتكاثر وبقاء الجنس البشري، ضمن القانون العام الذي قال الله فيه: (وَمِنْ كُلِّ شَيءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (سورة الذاريات : 49).
5 ـ إن التناسل البشري ليس كالتناسل الآخر يجتمع فيه أي ذَكَرٍ مَع أية أنثى، وينتج عن ذلك نسلٌ ضائع بينهما، بل إن هناك تنظيمًا للقاء بين الرجل والمرأة، أساسه الزواج الشرعي الذي تُحدد فيه الحقوق والواجبات بالنسبة لكلٍّ منهما، وبالنسبة للنسل الذي ينتج عنهما، ومن هنا أبطل الإسلام، بل أبطلت كُلُّ الأديان السَّمَاوية، أي لِقَاء بَيْنَ الرَّجُل والمرأة لا تلزم فيه الشروط والقواعد التي جاء بها الدِّين.
والشروط الشرعية لصِحة عقد الزواج معروفة. وأي إخلالٍ بها يُفسد العقد أو يعطي الفرصة لفَسْخِه لمُخَالفته لِحِكْمَة الزََّواج، وتكوين الأسرة.
6 ـ بعد هذا أقول: إنَّ أي شرط في عَقد الزواج يتنافى مع حِكْمَته أو مع نص شرعي أو أمر مُجْمَع عليه يكون باطلاً، وذلك لحديث "المُسلمون عند شروطهم إلا شَرطًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالاً" رواه الحاكم وصححه بلفظ "المسلمون عند شروطهم ما وافق الحقَّ من ذلك" ولحديث البخاري ومسلم "إنَّ أحقَّ الشروط أن تُوفوا ما استحللتم به الفُرُوج".
وقد اتفق العلماء على عدم الوفاء باشتراط ترْك الوَطء وترْك الإنفاق والخلو من المَهْر، واختلفوا في شرط الإقامة في بلد الزوجة، وألا يتسرى عليها أو لا يتزوج أخرى عليها.
إن اشتراط عدم زواج الزوج بزوجة أخرى ممنوع ولا يصح أن يفرضه الحاكم، ولأنه يؤدي إلى مَفْسَدة بل مفاسد. ذلك أن المُحتاج إلى زوْجة أخرى، وشُرِطَ عليه الامتناع سيلجأ إلى أحد أمور كلِّها صعبة، إما الطلاق وإما الكَبْت والحِرْمَان إنْ كان مُتَدينًا، وإما الانحراف بالزنا إن لم يَعْصِمه دين، وإما إلى الزواج العُرفي الذي لا تُقيم له الجهات الرسمية وزنًا، وإما إلى التحليل لإيجاد مُبررات كاختلاق عيوب في زوجته قد يطول تحقيق هذا الاختلاف، مع ما فيه من كشف للأسرار والسوءات، فالمنع لا يحل المشكلة إن كانت مشكلة بل يزيدها تعقيدًا "ج 6 ص 155 من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام".(43/199)
يقول النووي: حديث الوفاء بالشرط هو فيما يقتضيه النِّكاح من نَفَقَة وعِشْرة بِالمَعْرُوف إلى آخره، لكن ما يُخالف مقصود النِّكاح لا يجب الوفاء به كألا يَقْسِم لهَا ـ أي يُعْطِيها نصيبها عند تعدد الزوجات ـ ولا يتسرى عليها ـ أي لا يتمتع بأمَة يملكها ـ ولا يسافر بها ، لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ في كتاب الله فهو باطل" رواه البزَّار والطبراني عن ابن عباس وصححه، وقال أحمد وجماعة: يجب الوفاء بالشروط مُطلقًا لعموم الحديث.
يقول ابن قدامة في كتاب المغني "ج 7 ص 448 ـ 451" عن حُكم الشروط في النِّكاح ما مُلخصة . هناك ثلاثة أنواع من الشروط:
الأول: ما يلزم الوفاءُ به، وهو ما يعود إلى الزَّوْجَة نَفْعُهُ، مثل أن يشترط لها ألا يخرجها من دارها أو بلدها، فإن لم يف لها فلها الفسخ، فإن شرطت عليه أن يطلِّق ضُرتها لم يصح الشرط، وقيل: هو شرط لازم؛ لأنه لا ينافي العقد، ولها فيه فائدة.
والثاني: ما يبطل الشرط ويصح العَقْد، كأنْ يشتَرِط أن لا مَهْرَ لها، أو لا يُنْفِق عليها، أو تشترط هي ألا يَطَأَهَا، أو أن يكون لها النهار دون الليل، أو تُنفق هي عليه فكلُّها شروط باطلة، أما العقد فهو صحيح.
والثالث: ما يبطل النِّكاح من أصله، كما لو اشترط تَأْقِيت النِّكاح، أو أن يطلِّقها لوقت بعينه، أو أن يعلِّق النكاح على شرط، كأن يقول: إن رضيت أُمها.
ومما أثر من اختلاف وجهات النظر في ذلك ما رواه الترمذي أن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: إذا تزوج الرجل المرأة وشرط لها ألا يخرجها من مَصْرِهَا ـ بلدها ـ فليس له أن يخرجها بغير رضاها. ورفع رجل إلى عمر قضية زوجته التي شرط لها دارها، وعزم على الرَّحيل إلى أرضٍ أخرى، فقال له: لها شرطها، فقال الرجل: هلك الرجال، إذ لا تشاء امرأة أن تُطلِّق زوجها، إلا طلقت، فقال عمر: المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم.
وعن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه سُئِلَ عن ذلك فقال: شرط الله قبل شرطها. أخرجه الترمذي أيضًا. وابن حجر (فتح الباري ص 124) تحدث عن الشروط والنكاح وقول البخاري: قال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط، وذكر قول الخطابي: إن الشروط في النكاح مُختلفة، فمنها ما يجب الوفاءُ به اتفاقًا، وهو ما أمر الله به من إمساكٍ بمعروف أو تسريح بإحسان، وعليه حمل بعضهم هذا الحديث ـ وهو : أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ـ ومنها ما لا يوفى به اتفاقًا، كسؤال طلاق أختها، ومنها ما اختلف فيه كاشتراط ألا يتزوج عليها، أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله.
وذكر ابن حجر أن أحمد يقول: بوجوب الوفاء بالشروط مُطلقًا ـ وأن عمر تضادت الروايات عنه في رجل شرط لامرأته ألا يخرجها من دارها، فمرة قال: المرأة مع زوجها ومرة قال: لها شرطها.
هذا بعض ما في كُتب الفِقْه، يتبين منه أن الاشتراط في عقد الزواج إذا كان ينافي مقصود النِّكاح فهو باطل، والبُطلان إما للعقد وإما الشرط مع صحة العقد، أما ما لا ينافي مقصود النِّكاح مثل سفرها معه أو زيارتها لأهلها: فلا يبطل العقد، أما الوفاء(43/200)
به ففيه خلاف ، قيل بوجوب الوفاء كما قال أحمد، وقيل بعدم وجوبه كما قال الشافعي.
وإذا كان الفقهاء قد ضربوا أمثلة من واقع حياتهم وعصورهم فالأمثلة تختلف باختلاف البيئات والعصور، وينظر فيها على ضَوْءِ القواعد الأساسية القديمة المُشار إليها فيما ذكر.
ـــــــــــــــــــ
النكاح المؤقت في الغربة ... العنوان
هلْ يَجوز خلال بعثة تعليمية خارج البلاد أن يتزوَّج الإنسان لمدة زمنية محدَّدة ينتهي بعدها العقد أو يتم تجديده ؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... نكاح المُتعة نكاح مؤقَّت ينتهي بانتهاء المدة المتعاقد عليها بدون طلاق، ولا توارث عند الموت وقد أحلَّه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لظرف طارئ ثم أبطله بعد زوال هذا الظرف واستمر باطلاً إلى يوم القيامة، وعلى نَسْخه جمهور أهل السُّنة، وقالوا : إن المقصود من الزواج هو الدوام والاستمرار حتى يكون هناك استقرار في الأسرة لتؤديَ رسالتها من الرحمة والمودة والسكن وتربية النسل تربية منظمة .
والإمام أبو حنيفة قال : إن عقد الزواج إذا كان محدودًا بمدة معينة عقد صحيح ولكن يُلغى التحديد ولا يلتزم به، وفي " المغني " لابن قدامة الحنبلي : لو تزوجها بغير شرط المدة إلا أن في نيته طلاقها بعد شهر، أو إذا انقضت حاجته في هذا البلد فالنكاح صحيح، وذلك لعدم الشروط في العقد . وإن تزوجها بشرط أن يطلِّقها في وقت معين لم يصح النكاح .
ومن هذا نرى أن الزواج المؤقَّت بمدة مشروطة صحيح عند أبي حنيفة ويقع مؤبَّدًا ويُلْغَى الشرط، وصحيح عند الحنابلة إذا لم يذكر الشرط وكان في نية الزوج أن يطلِّقها بعد مدة، ولا ينتهي بمضي المدة، كما هو في المُتعة، لكن لا بد فيه من الطلاق وله حكم الزواج العادي من حيث الميراث والنَّسب وسائر الحقوق .
وتمكُّن الاستفادة بهذين الرأيين، ولكن عند الضرورة القصوى، وليس في كل حال وعدمه أوْلى، والصبر والتفرُّغ للعمل أفضل .
ـــــــــــــــــــ(43/201)