الشباب المغاربي.. يتفاعل مع هموم أمته الإسلامية
أعرب باحثون إسلاميون في المغرب عن تفاؤلهم بمستقبل الشباب الإسلامي الذي جعلته الأحداث الجارية أكثر اهتماما بهموم الأمة، وأكثر استعدادا للإسهام في بنائها، شرط أن يستفيد من تأطير سليم، وأن تتوفر لديه وسائل البحث العلمي.
وذكر هؤلاء الباحثون لـ (الشبكة الإسلامية) أن الشباب المسلم، منذ مدة يعيش في دوامة محيرة، فمن جهة يرى ما وصل إليه الغرب من تقدم وتكنولوجيا، وحضور على جميع المستويات، السياسية والثقافية والاقتصادية والعلمية، مما يجعله منبهرا بما يقع في هذا الغرب، ومن جهة أخرى يلاحظ أن الأمة التي ينتسب إليها تعيش تأخرا مريعاً على جميع المستويات، وعندما يتسنى له أن يطلع على تاريخ أمته يجد أن المسلمين كانت لهم عصور زاهرة، وكان لهم علماء نبغوا في علوم الكيمياء والفيزياء والطب والجراحة وعلم الفلك..
فهذا الشباب المنتمي إلى هذه الأمة، بين التاريخ الزاهر وبين الواقع الحالي، يجد نفسه يكاد يفقد توازنه، لأنه لا يستطيع أن يستوعب لماذا وقع هذا لأمته؟ وهذا دور العلماء والمفكرين والمثقفين، في أن يقوموا بربط منهجي لما وقع، من الجانبين الداخلي والخارجي، حتى وصلت الأحوال إلى ما هي عليه.
والشباب في هذه الدوامة على حالتين:
- حالة من ينبهر بالغرب ويسقط فيه، فكرا وثقافة وتقاليد وعادات، بما فيها تلك التي تصطدم مع عاداته وتقاليده، وبالتالي ينتهي إلى الانفصال عن جذوره.
- وحالة من تحفزه هذه الظروف كي يبادر بالبحث في جذوره محاولا استيعاب هذه الصيرورة التاريخية والاستفادة من أخطائها، لتجاوز المرحلة الحالية.
ويجمع الباحثون على أن التطورات الأخيرة رفعت أعداد الشباب الذين اكتشفوا أن هذا الغرب الذي يتغنى بالعديد من الشعارات المغرية، يتحمل مسؤولية كبيرة فيما يقع في العالم الإسلامي من حروب وخلافات وتطاحنات ونهب لثروات الأمة.
وأكدوا حدوث نوع من استعادة الوعي المفقود، فبينما كانت الغلبة قبل أربعة عقود للعدو الاشتراكي الشيوعي، يلاحظ اليوم فرق إيجابي كبير، ففي الجامعات المغربية أصبحت الأغلبية للشباب المسلم الملتزم، كما ارتفعت أعداد المتحجبات في مختلف المناطق، وزاد الإقبال على المساجد، ونشطت الحركة الثقافية الإسلامية.
صحيح أن وسائل الإعلام ربما تحمل أحيانا قيما مضادة للهوية الإسلامية، وهناك اختراقات على مستوى مسلكيات بعض الشباب، لكن رغم ذلك تبدو هذه التأثرات ظاهرية، بدليل أنه حيث يحل شهر رمضان الأبرك تملأ المساجد عن آخرها، وهو ما يؤكد أن الهوية الإسلامية مترسخة في الشعب المغربي.
وركز هؤلاء الباحثون على دور العلماء، الذين لا يقومون بدورهم كما ينبغي، واعتبروا أن المؤسسة العلمية في حاجة إلى تجديد وتشبيب، بعد أن هرمت وبدأ يتجاوزها الواقع الحالي،كما ألحوا على دور الحركات الإسلامية، ليس في جانبها السياسي فقط، ولكن أيضا في مجال العمل الثقافي والعمل الدعوي والمؤسسات التربوية وبرامج التعليم، مؤكدين على أن قضية الإسلام ينبغي ألا تبقى مقتصرة على جماعة من الجماعات، ولا على حزب من الأحزاب، بل ينبغي أن تنخرط فيه كل الأحزاب والجمعيات والتيارات، أي أن تكون الهوية الإسلامية همًّا مشتركا بين كل الفعاليات، فالمغرب كان بهذه الهوية، فالإشعاع الإفريقي للمغرب تأسس على الروابط الروحية التي تربط شعوب تلك الدول مع المغرب، وإذا تم التفريط في هذه الهوية سيضيع هذا الإشعاع، ويفصل المغاربة أنفسهم عن جذورهم الإفريقية.
ويغلب الاعتقاد بأن الانتفاضة القائمة في الأراضي الفلسطينية خلقت واقعا جديداً، بعد ما كانت حرب الخليج الثانية قد خلفت نوعا من الإحباط لدى شباب المسلمين، وأحدثت نوعا من التفكك في مواقف الدول الإسلامية التي تعارضت مواقفها، وأصبح كل يفكر بطريقته الخاصة، حتى كدنا نصل درجة اليأس، في هذا السياق تحركت آلة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتنوعت اختراقات هذا الكيان الذي هو مشروع معادٍ لوجود الأمة الإسلامية.
بل الأدهى من ذلك أن عم اليأس والوهن بين الشباب الإسلامي، الذي لم تعد له أية قضية، فالقضية الفلسطينية التي وحدت هذا الشباب منذ عام 1948م ، غطتها النكسة، التي جاءت بسبب أن بعض الفلسطينيين بدؤوا يتخلون عن القضية الفلسطينية، لأن مشروع التسوية، هو في نهاية المطاف، مشروع استسلامي . وفي الحقيقة إن الظروف التي وجد فيها الفلسطينيون أنفسهم، بعد حرب الخليج الثانية، هي التي قادتهم إلى هذا النفق المظلم، فما كان أمامهم إلا أن يستسلموا لـ"مؤتمر مدريد" و"اتفاقية أوسلو" التي تعني تسليماً بالحق في إقامة فلسطين الحلم، والتخلي عن القدس واللاجئين وعن كثير من الأراضي، مع القبول بوجود مستوطنات تمزق ما تبقى من الخارطة الفلسطينية، وهو ما يعني أن نضال الشعب الفلسطيني، ومساندة الشعوب العربية، على امتداد عقود، تم ضربها فجأة في صفر.
في هذه الأجواء جاءت الانتفاضة الحالية، التي كانت مدعومة من فصائل كبيرة من داخل السلطة الفلسطينية، لأن القيادة موجودة هذه المرة داخل الأراضي الفلسطينية، كما أن هذه الانتفاضة جرت على مرأى ومسمع العالم أجمع من خلال القنوات التلفزيونية الفضائية.
وأكد الباحثون المغاربة أنه لم توجد هناك لحظة كان فيها الشباب الإسلامي منخرطا مع هموم الأمة، ومع قضيتها الأولى، كما هو عليه حاليا، بل إن أطفال اليوم تشكل لديهم وعي بالقضية واستعداد للتضحية في سبيلها.
وبالتالي فإن آثار هذه التطورات على تفكير الشباب وثقافته هي تطورات إيجابية، والدليل أنه في المغرب، كما في كثير من الدول الإسلامية، خرج تلاميذ الثانويات إلى الشوارع في مظاهرات عارمة قبل أن يتظاهر الكبار واليوم هناك حركة دائبة بين الشباب لمقاطعة البضائع الصهيونية والأمريكية، والمطلوب من الهيئات السياسية والثقافية أن تكون في مستوى هذا الوعي، وأن تملأ فراغ هذا الشباب وتؤطره التأطير الصحيح، والملاحظ أن النخبة السياسية، مثل النخبة الثقافية، لا تطرح قضايا، بل ولا تريد أن تدمج الشباب الواعي في المشاركة في إدارة الشأن العام والدليل في المغرب أن الحكومة رفضت مقترحات بتخفيض سن التصويت إلى الثامنة عشرة، رغم أن الأحزاب المكونة لها كانت تطالب به يوم كانت في صفوف المعارضة.
فهناك اليوم نوع من استعادة الوعي لدى أغلبية الشباب في البلاد الإسلامية، بدليل أن من كانوا يشككون في نوايا الغرب كانوا قلة، وغالبا ما كانوا يحسبون على الصحوة الإسلامية، التي كانت تحذر من أن الغرب يحل ثقافة استئصالية ساعية للهيمنة، لكن حيث نتأمل اليوم حركية المجتمع نلاحظ وجود شباب غير منتسب للتيارات الإسلامية أصبحت لديهم هذه القناعة أيضاً ، وجزء ممن حملوا لافتات الدعوة إلى الجهاد ومقاطعة الغرب في مسيرة الرباط التضامنية مع الشعب الفلسطيني لم تكن لهم علاقة بالحركة الإسلامية.
غير أن هؤلاء الباحثين يرون أن شبابنا اليوم يحتاج إلى تأطير سليم باستيعاب الأسباب الحقيقية لتأخرنا، دون أن نحسب كل مشاكلنا على الأسباب الخارجية، وخاصة منها الحركات الاستعمارية والتبشيرية، فلا ينبغي أن نغض الطرف عن العوامل الداخلية. ومن العوامل الداخلية الأساسية في انحطاطنا أننا عطلنا عمليات التفكير والإبداع والمبادرة داخل مجتمعاتنا، وأكبر فضيلة عطلناها هي فضيلة الاجتهاد.
والمسؤولية في هذا المضمار لا يمكن أن نلقيها كاملة على عاتق الحكام ولكنها مشتركة تشمل أيضا صناع القرار، أي الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع الأهلي المفكرين والمثقفين عامة، كل هؤلاء مسؤولون عن تأطير المجتمع في الاتجاه الصحيح بتذكيرهم بأنهم أبناء حضارة، وأن أمة أنجبت العباقرة لا يمكن أن تكون أمة لقيطة، كما أن الإمكانيات الطبيعية المتوفرة في عالمنا الإسلامي هي إمكانيات هائلة تشمل أهم الموارد الطبيعية، وبمقارنة بسيطة نلاحظ أن دولة في حجم اليابان، التي لا تملك موارد طبيعية، وأصبحت ثاني أو ثالث قوة عالمية، وأهم من هذا، أننا على مستوى الموارد البشرية، نحن أمة تفكر، ويمكن لها أن تبدع، بدليل أن أعدادا من الأسماء المتألقة في الغرب اليوم هي أسماء إسلامية جرفتها رياح هجرة العقول.
وحين نستحضر كل هذه الشروط يبقى علينا أن نجعل العلاقات ما بين المفكرين والمثقفين وهيئات المجتمع الأهلي في البلدان الإسلامية تنحو نحو اتجاه توحيد الجهود بإحداث سوق مشتركة، ومجمعات فقهية أو فكرية أو ثقافية أو شركات عابرة للدول، دون أن يرتبط ذلك بضرورة الوحدة الاندماجية بين مجموع الأنظمة السياسية في البلاد الإسلامية، المهم هو تحديد قواسم مشتركة.
إن ما يجمع البلدان الإسلامية، مقارنة مع الاتحاد الأوروبي أكثر مما يفرقنا، ولكن علينا أن نؤطر شبابنا ونخلق لديه الأمل، والمؤكد أن الظروف السائدة اليوم تبدو مناسبة، بعد أن قام عدد من المسلمين "المتغربين" بمراجعة مجموعة من المفاهيم والقناعات إضافة إلى أن أوروبا تقوم اليوم بإغلاق حدودها في وجه شبابنا المهاجر.
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن دول العالم الإسلامي كلها دول جنوب، يتميز هرمها السكاني باتساع قاعدته، ففي المغرب مثلا تقل أعمار ثلثي السكان عن أربعين عاماً، أي أن طاقاتنا وحاجياتنا متجددة، تفرض علينا تحديات كبيرة وتشكل في الوقت نفسه وقوداً للمستقبل.
ووجه هؤلاء الباحثون دعوة ملحة للدول الإسلامية لتخصيص اعتمادات أكبر للبحث العلمي، من شأنها أن تساهم في اختصار عامل الزمان الذي يفصلنا عن التقدم، فاليابان تقدمت لأنها خلقت ديناميكية للبحث العلمي، فهي من الدول الأولى التي تخصص أكثر من 3 في المئة من ناتجها الداخلي الخام للبحث العلمي.
وجددوا تفاؤلهم على أساس أن التوجه الحالي للدول الإسلامية ينحو منحى النضج في ظل الحديث عن ديمقراطية تستجيب لخصوصياتنا، وهناك اليوم كثير من الدول الإسلامية التي تقطع أشواطاً في المسلسل الديمقراطي.
ــــــــــــــــــــ(42/57)
هل أخذ نجم المدارس بالأفول ؟
"أطفال اليوم رجال الغد" كثيرًا ما رددنا هذه العبارة على مسامع أبنائنا وطلابنا، ولم نكن لننتبه بأن طبيعة الغاب تقول لنا: قد تستطيع أن تداعب صغار النمور، ولكنك لا تستطيع أن تلاعب النمور، ومن هنا تبدأ المعضلة التي لا نكترث لها بل نغذيها دون أ ن نشعر- وربما نشعر- فتنمو حواسنا الخمس غير آبهين بالأشواك تخدش أقدامنا في بساتيننا التي ما ظننّا" أن تبيد هذه أبداً" ودون أن ندرك خطر هذا السرطان الذي داهم كياننا رذاذاً بداية وفيضانا نهاية.
ويخرج منا السؤال- على سبيل التوبيخ- ماذا بأيدينا أن نفعل؟! نقذفه في وجوه بعضنا ، ونتراشقه في جلساتنا دون وعي منّا بأن السؤال- في مثل هذه الحالة- هو توبيخ للأنا أكثر منه إدانة للآخر، وهذا ما يوجب علينا إعادة طرح السؤال من جديد، ولكن عبر هيكلية جديدة تتشكل معالمها على النحو التالي: ماذا يجب علينا أن نفعل؟ دون أن ننسى- أو نتناسى- بأن النمور الصغيرة ليست قططاً وأنها تكبر شيئاً فشيئاً، وقد لا نملك القدرة على الاقتراب منها، بعد أن كنّا - في يوم من الأيام - نقضي وقتاً ممتعاً بمداعبتها.
وللوقوف على مشاكل الناشئة ومحاولة تحليل واقعهم واستشراف مداهم، كان لنا هذه اللقاءات مع بعض الآباء والأبناء، وكذلك المختصين المخلصين الذين يتعاملون مع فئة الشباب ويحتكون بهم عن كثب.
الأسرة نقطة الارتكاز والانطلاق
الطالب إبراهيم سعد وهو طالب في الصف الثاني الثانوي ويحضر نفسه لتقديم امتحان الشهادة الثانوية العامة (التوجيهي)، يرى أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الطالب هي التي تؤثر عليه بشكل كبير من خلال سعيه لتعويض النقص المادي والنفسي الذي يعيشه جراء أوضاعه.
وهذا ما أكده السيد خيمس زهران المكنى بـ(أبو محمد) وهو أب لثلاثة أولاد وبنتين في العقد الخامس من عمره، وقد رأى أن للأسرة دوراً كبيراً يكمن في غرس المبادئ الدينية التي تكفل للأبناء حياة سوية نفسياً واجتماعياً واقتصادياً.
بين الماضي والحاضر
وعندما تطرقنا مع السيد خميس للفروق الأساسية بين الشباب في الزمن الماضي والشباب في الوقت الحالي، أشار إلى أن الجيل القديم كان متحملاً للمسؤولية بشكل أكبر، إضافة إلى الشعور القوي بالانتماء للوطن والمحافظة على مرافقه العامة، وكذلك الشعور بقيمة العلم واستطاعته- أي العلم- تحقيق طموح الشباب.
في حين رأى أنّ الجيل الحالي وبسبب تغير الظروف الحضارية بشكل عام وخصوصاً الثورة العلمية التقنية المتمثلة بثورة الاتصالات بشتى أشكالها، والتي أدت إلى التسيب وفقدان الشباب للشعور بالمسؤولية، والتقليل من قيمة القيم الاجتماعية مع اتباع ذلك الانتقاص من القيمة الحالية والمستقبلية للتعليم، وذلك لشعور الشاب المسبق بعدم جدوى التعليم في زمن بطالة العاملين والمتعلمين.
وحمّل الأستاذ علي عبد الله معلم مادة الفيزياء الأسرة المسؤولية الكبرى، حيث قال بأن كلاً من الأسرة والمدرسة يتحمل المسؤولية تجاه الناشئة، ولكن الأسرة تتحمل العبء الأكبر من ناحية طبيعية، وذلك للارتباط الطبيعي والعاطفي للفرد بأسرته، وأما المدرسة فهي ذات دور تكميلي إذ يتمثل في بلورة شخصية الفرد بشكل صحيح، وإكسابها بريقاً ولمعاناً أكبر، من خلال ترسيخ المفاهيم الإنسانية في داخل الفرد، أو قمع وتحجيم المفاهيم المضادة للقيم الإنسانية.
توثيق الارتباط بالعادات
ويرى الطالب أحمد خليل وهو طالب في الجامعة الأردنية أن الأسرة هي اللبنة الأولى والأساس في تشكيل شخصية الفرد المسلم وتزويده بالأخلاق والمبادئ والمعارف العامة، وبالتالي فإن نوع التربية التي يتعرض لها الفرد هي في الأصل انعكاس عن واقع أسرته وبيئته المنزلية والاجتماعية.
وعند سؤالنا عن دور الأسرة الذي يجب أن تقوم به وتفعّله أجاب قائلاً: بأن دور الأسرة يكمن في تعليم الطفل منذ الصغر العادات والتقاليد العربية والأخلاق الإسلامية من خلال ربطه بالله عز وجل، وعن طريق الصلاة، لينشأ بعد ذاك شاباً قوياً مؤمناً، إضافة إلى الاهتمام بالجانب الفكري والثقافي للفرد، وكذلك صقل مواهبه وشخصيته وتعليمه الاعتماد على نفسه وحلّ المشكلات التي تعترضه بطريقة عقلانية ومنطقية والاستفادة من كافة التطورات التكنولوجية مثل الإنترنت الستالايت واستغلالها تربوياً.
غياب القدوة
وتكمن معاناة الشاب حسب رأي المدرس علي عبد الله في غياب القدوة التي تحاكي فطرة الشاب، إضافة إلى الجهل بحقيقة وجوده كإنسان وموقعه على هذه الأرض ودوره فيها، وكذلك الجهل بالنظر إلى الآخرين، والجهل في عملية الصرف العاطفي.
ويرى الأستاذ علي عبد الله أن الأنظمة التعليمية الحديثة قد ساهمت في احترام الإنسان وتقديره، إلا أن الإفرازات السلبية لهذه الأنظمة يعود إلى المادة الدراسية من جهة وإلى عدم تفعيل القوانين الرادعة للطلاب المستهترين من جهة أخرى.
الاغتراب
ويرى السيد خميس زهران أن الشاب في هذه الأيام يشعر بأنه غير مقبول في المجتمع بسبب ما يحمله من مبادئ وتصرفات خاطئة وفوضوية تجعله يسيء الأدب لمن حوله، وبالتالي نبذه من قبل محيطه الاجتماعي (المدرسة أو الحارة) الذي يأخذ الشاب بالنقمة عليه.
وبحرارة تحدث الأستاذ علي عبد الله عن السلبيات الكبيرة التي تعاني منها المؤسسة التربوية التعليمية في الواقع الميداني من خلال سوء استغلال الأنظمة والقوانين التربوية والتعليمية الحديثة من مثل النجاح التلقائي في المرحلة الأساسية ( من الصف الأول إلى الصف العاشر) ومنع العقاب البدني.
كما يرى أن سلبيات الطالب تكمن في جهله العام وعدم المبادرة للتخلص من هذا الجهل من قبل بعض الطلاب، وعدم استغلال الفرصة التي قد تُهيأ له من أجل التخلص أو التقليل من هذا الجهل، وكما أنّ هنالك طالبًا سلبيًا ، ففي المقابل يوجد- أيضا- معلم سلبي إذا لم يدرك هذا المعلم الدور الكبير الذي يقوم به وكذلك الأمانة والمسؤولية الملقاة على عاتقه.
أما الطالب إبراهيم سعد فقد ذهب إلى أن النظام المدرسي الجديد شجع على اللامبالاة، وأن الإدارة المدرسية هي المسؤولة الأولى عن هذا التردي الأخلاقي العام في المدارس، وكونها الأقرب ميدانياً والأكثر اطلاعاً على أحوال الطلاب وظروفهم ومستوياتهم التربوية والتعليمية.
مرحلة جديدة ومخاطر أكبر
يشير الطالب أحمد خليل إلى أن المرحلة الجامعية هي الأخطر على الشاب الذي يكون من الطبقة المتوسطة والفقيرة، ذلك لأنه يختلط في هذه المرحلة بفئات عديدة وشرائح متنوعة من المجتمع، كما يحتك بطبقات جديدة خاصة الطبقة البرجوازية، وهذه الطبقة تملك من أسباب الرفاهية أكثر من غيرها، ما يجعل أصحابها يمارسون هواياتهم ويحققون رغباتهم ويلفتون الأنظار إليهم بطرق عدّة، ما يدفع بالشاب الفقير، ضعيف الشخصية والفكر إلى تقليدهم، ومحاولة الولوج إلى هذا العالم الذي لا يملك مقوماته من ناحية، ووسائل الحماية من عثراته التي قد تكلف هذا الشاب مستقبله من ناحية أخرى.
ويستمر الطالب أحمد خليل وهو طالب على أبواب التخرج- بالحديث عن أقرانه الذين يصبون جلّ اهتماماتهم وأحاديثهم عن المستقبل وعن الرغبة في الدخول إلى المرحلة العملية، والتحاق كل شاب بمركزه الوظيفي الذي يتناسب وشهادته الجامعية، والبدء ببناء اللبنات الأساسية في حياة أيّ شاب، كالزواج وبناء بيت واقتناء سيارة وما إلى ذلك من رغبات الشباب العامة.
تقنية إضاعة الوقت
لقد أصبحت مقاهي الإنترنت وسيلة شائعة لقضاء وقت الفراغ فيها، وذلك لعدة أسباب بينها لنا السيد ذويب صاحب مقهى (ساحة الإنترنت) في وسط العاصمة (عمان) إذ قال: إنّ استخدام الإنترنت من خلال المقاهي أقل تكلفة وأكثر ضبطاً واستغلالا للوقت، إضافة إلى الجو العام الذي يشيعه المقهى في نفوس رواده من خلال خلق جو أكثر دفئاً وقرباً من شبكة الإنترنت، جوّ عام مفعم بالحركة والنشاط والمساعدة، إضافة إلى تبادل الآراء والمشورة بين الرواد.
هذا ويرى السيد ذويب أن مقاهي الإنترنت، ساهمت في خلق علاقات صداقة بين أصحاب هذه المقاهي أو مديرها وبين روادها وكذلك بين رواد المقاهي أنفسهم، ويقر بأن أغلبية مستخدمي الإنترنت لا يستفيدون من الشبكة بشكل جيد وخلاق، وإنما يستعملونها ويستغلونها لأغراض رؤية المواقع الإباحية والألعاب والمحادثة، ويتوقف السيد ذويب عند المحادثة قائلاً : إن السواد الأعظم يلجؤون إلى المحادثة، وهم من الشباب بالطبع- من أجل التسلية وقضاء الوقت، والبعض من أجل البحث عن عمل أو سفر للخارج أو ما شابه ذلك، وكذلك من أجل الهروب من الضغوط النفسية والمشاكل التي يواجهونها في أسرهم أو أماكن عملهم.
ويحرص ذويب على أن يكون رواد مقهاه من الذين يبحثون عن الفائدة أو قضاء أوقات الفراغ بشكل إيجابي، ويقوم بمنع أي شخص يحاول استغلال الشبكة لرؤية مواقع إباحية، وذلك لأن السيد ذويب يقدر مهنته ويحترمها، بل يرى أن مقاهي الإنترنت يجب أن تكون مواقع محترمة تحمل رسالة اجتماعية وفكرية، وأن تكون عبارة عن نموذج مصغر للمراكز الثقافية ترتقي بمستوى روادها في شتى المجالات.
ويطرح ذويب فكرة مفادها أن يكون هناك تجمع أو نقابة لأصحاب مقاهي الإنترنت، وألا تبقى هذه المقاهي عشوائية في عملها وتنافسها غير الواعي والذي لا يلحق الضرر إلا بأصحاب المقاهي أنفسهم، والسعي إلى الرقي بمستوى الرواد وسمعة هذه الأماكن كمواقع حضارية إيجابية لا سلبية في جسم المجتمع.
فيما يوضح سامر البوريني وهو صاحب محل ألبسة التقيناه في مقهى (ساحة الإنترنت) سالف الذكر- أن معظم مستخدمي شبكة الإنترنت يستخدمونها بشكل سلبي غير فعال، وأن 20% فقط هم الذين يستفيدون من هذه الشبكة في أعمالهم العملية والتعليمية.
وقد أكد سامر على أهمية مقاهي الإنترنت ودورها الحضاري، إلا أنه أشار إلى أخطار الإنترنت والستالايت على الفتاة العربية، والتي لوثت هذه التقنيات شخصيتها وأفقدتها ميزاتها المعروفة.
ونتيجة لذلك فقد طالب السيد سامر أن تكون هناك رقابة وحماية للجيل، بحيث تقوم على هذه الرقابة الدوائر والمؤسسات الحكومية، وتضع القوانين التي من شأنها أن تحد من أضرار شبكة الإنترنت.
المنتديات الثقافية
إن ثورة الاتصالات الحديثة (الستالايت والإنترنت) لم تؤثر على حياة الأفراد فقط، بل وعلى مؤسسات حكومية وأهلية أيضاً، وفي هذا الصدد التقينا مع عماد أبو ردن رئيس منتدى الرصيفة الثقافي الاجتماعي الذي أشار إلى التأثير الملحوظ لثورة الاتصالات الحديثة على المنتديات، وذلك من خلال قلة الحضور والمتابعة للفعاليات الأدبية والثقافية والاستعاضة عنها ببرامج الفضائيات والمواقع المختلفة على شبكة الإنترنت.
وأكد عماد أبو ردن على أهمية المنتديات الثقافية باعتبارها مؤسسات تحاول قدر الإمكان استقطاب الشباب الناشئة، والرقي بهم فكرياً وثقافياً من خلال الأمسيات والندوات المختلفة، ورعاية مواهبهم المتعددة، إضافة إلى المحاضرات الإرشادية والتوجيهية، وذلك من أجل توعية الشباب من أخطار التدخين والإدمان على المخدرات وضرورة مكافحة الإيدز والأمراض السارية وما شابه من مواضيع تمسّ المجتمع بشكل مباشر.
وأكد أبو ردن ضرورة الرقيّ بالمنتديات الثقافية والاستفادة من التقنيات العلمية الحديثة وتجاوز الطرق التقليدية، وذلك من خلال دعم المنتديات مادياً، وتزويدها بأجهزة الكمبيوتر وشبكة الإنترنت بحيث يتم المباشرة عليها من قبل الهيئات الإدارية للمنتديات، لما في ذلك من فائدة للشباب وجذب لهم إلى هذه الأماكن الفكرية والثقافية والاجتماعية المهمة بدلاً من مقاهي الإنترنت التي يتوخى معظمها الربح المادي فقط.
تطلعات
من خلال اللقاءات والحوارات السابقة نجد أن الجميع يقرّ بالمشكلات المتعددة والمزدوجة التي تواجه هذا الجيل من الناشئة والشباب، إلا أن الجميع في ذات الوقت يتطلعون إلى تفعيل دور الأسرة المحوري والجوهري، وكذلك دور المدرسة المغيب، إضافة إلى دور الأماكن الدينية التاريخي، كما دعا الجميع إلى الاستفادة من تقنيات الاتصالات الحديثة المختلفة من خلال الاستخدام الصحيح لها، والرقابة القانونية والذاتية من خلال إشاعة الوعي والحسّ الأخلاقي والديني لدى الشباب، إضافة إلى تفعيل دور المنتديات الثقافية والاجتماعية وذلك من أجل إعادة صياغة الناشئة من جديد وتوجيههم الوجهة السليمة، ليكونوا بحق رجال الغد الذين ينيرون لنا طريق المستقبل المشرق والمزدهر .
ــــــــــــــــــــ(42/58)
الشباب المسلم والسياحة الغربية .. حقائق وآراء
مع اقتراب الإجازة الصيفية تتوالى عروض الشركات السياحية في الظهور، وتحتل الإعلانات والبرامج السياحية مكانة كبيرة في الإعلام بأنواعه، ويبدأ الكثير من الشباب بالتوافد على هذه الشركات بحثًا عن المتعة والسفر والسياحة.
ومما يلفت الانتباه أن السياحة الخارجية تستحوذ على النصيب الأكبر من السياحة، بل إن السياحة إلى بلاد أوروبا وأمريكا تحتل المكانة العظمى عند كثير من الشباب، ففي دراسة أجريت في السعودية تبين أن إجمالي ما ينفقه المواطنون على السياحة الداخلية نسبة لا تتعدى 17% من إجمالي إنفاقهم الخارجي.
ومن العجب أن ما يقرب من ثلاثة ملايين سعودي ينفقون 30 مليار دولار سنوياً في قضاء إجازاتهم الصيفية خارج السعودية، وهو مبلغ ضخم جدا يمثل نسبة 15% من أرباح صادرات النفط. و هذه المبالغ الخيالية التي تنفق هنا وهناك لا ريب أنها تحتاج إلى وقفة تأمل من الشباب ولاسيما إذا كانت الوجهة لبلاد الغرب وأمريكا.
في السفر والسياحة فوائد جمة
إن في السياحة والسفر كما لا يشك أحد من الفوائد الشيء الكثير، ولكن السفر في الوقت نفسه يشتمل على سلبيات ومضار تقل وتكثر بحسب مكان السفر والغرض منه وما يتعلق بذلك.
يحدثنا الدكتور خالد القريشي (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ) عن بعض فوائد السفر فيقول:
1- انفراج الهم والغم: فمما عرف واشتهر بين الناس أن الملازم للمكان الواحد، أو الطعام الواحد قد يصاب بالسأم والملل منه، فتنتابه الرغبة في التجديد، وهذا حال بعض المقيمين، إذ قد يعتريهم ما يُضيّقُ صدورهم، ويغتمون به، فيصابون بالملل والسآمة ويحسون بالرتابة في حياتهم، فإذا سافر الواحد منهم تغيّرت الوجوه من حوله واختلفت المشاهد والأجواء عليه، فحينئذ يذهب همه وينشرح صدره.
2- اكتساب المعيشة: فإن من ضاق عليه رزقه في بلد نُصح بالسفر إلى بلاد أخرى طلباً للرزق، فالله سبحانه وتعالى يقول: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور}. فكم من رجل سافر لاكتساب الرزق ففتح الله عليه.
3- ومنها تحصيل العلم: فقد كان أسلافنا ومن نقتدي بهم من الأنبياء والصالحين، يرتحلون في طلب العلم، ويقطعون المسافات الطويلة أحياناً لأجل سماع حديث واحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4- تحصيل الآداب: وذلك لما يُرى من الأدباء ولقاء العلماء والعقلاء الذين لا يردون بلده، فيكتسب من أخلاقهم ويقتدي بهم، فيحصل له من الأدب الشيء الكثير وتسمو طباعه.
5- صحبة الأمجاد: ويشهد لها الحس والواقع، فكم سافر إنسان فلاقى كرام الرجال وأطايبهم، فخالطهم وعاش معهم فاكتسب من آدابهم وأخلاقهم.
6 - استجابة الدعوة: لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده" .
7- زيارة الأحباب من أقارب وأرحام وأصحاب، وهذا من أفضل القربات إلى الله سبحانه وتعالى.
8- رفع الإنسان نفسه من الذل، إذا كان بين قوم لئام: لأنه قد يكون مثلاً: صاحب دين وهم أهل فسق، أو غير ذلك فتسقط منزلته بينهم، وقد يستخفون به، فإذا فارقهم إلى بلد آخر صار في عزٍّ وارتفعت منزلته.
وللضرر والعيوب نصيب
وإذا كانت هذه هي مزايا السفر وفوائده بشكل عام فإن فيه أيضًا عيوبًا وأضرارًا يجملها الدكتور كمال القريشي فيما يلي:
1- الحرمان من لذة الطعام والشراب والنوم، والحرمان من الأهل والأحباب والانقطاع عنهم مما يهيج الشوق والحنين إليهم، فلا يقر للمسافر قرار، ولا يجد في قلبه الراحة، بل يشعر بوحشة الغربة، وحرقة الفراق.
2- أنه يظهر مساوئ الأخلاق: وقد قالوا: لا تعرف صاحبك حتى تعصيه، أو تسافر معه .
3- اختلاط الأمور على المسافر، فقد يظن العدو صديقاً، والصديق عدواً، ونحو ذلك .
4- كثرة النفقات والتكاليف: التي تشق على المرء وترهقه مادياً، كالإنفاق على وسائل المواصلات، أو على الأكل والشرب، أو على السكنى في الفنادق ونحوها.
5- الذل في الغربة: إذ العادة أن المسافر ذليل في دار غربته، لا يعرفه أحد، ولا يعرفون منزلته في أهله وبين قومه، وقد يخفى عليهم كونه من أهل العلم والفضل، أو من أهل الرأي والعقل، أو صاحب منزلة علمية معينة فيستخفون به، ولا تكون له عندهم قيمة.
6- كثرة المخاطر التي يتعرض لها المسافر: سواء من جهة اللصوص، أم الحوادث التي قد يتعرض لها في طريقه، أو الهوام الضارة في أثناء رحلته، وغيرها من الأخطار والصعاب التي تواجه المسافر.
وكما نرى فإن هذه الفوائد والمضار إنما هي في السفر بشكل عام وليس من اللازم أن تتوفر في جميع الأسفار، فقد تحتوي بعض الأسفار على نسبة كبيرة من الفوائد، وقد يكون العكس هو الصحيح فما هو موقف السياحة إلى البلاد الكافرة من هذا الأمر وما هو الحكم الشرعي لهذه السياحة.
عندما تتحول السياحة إلى شر ووبال
لنتدبر ونفكر بعقل في أمر السياحة إلى تلك البلاد الكافرة، وننظر في حال الشباب الذين ذهبوا إليها، ماذا استفادوا وكم خسروا، وقبل الحكم على الشيء لا بد من معرفة مميزاته وعيوبه وإيجابياته وسلبياته، وإذا كان السفر إلى البلاد الكافرة فيه بعض الفوائد من اطلاع على حضارة معينة وتقدم مادي، فإن هذه الفائدة والتي لا تكاد توجد غيرها، فيه من المضار الشيء الكثير.
وبنظرة سريعة نجد أن غالب أولئك الشباب الذين ذهبوا للسياحة في تلك البلدان قد حصل لهم ما يلي:
- تأثر عقيدتهم التي هي أعظم ما يمتلكه الإنسان في هذه الحياة الدنيا، وهي سبيل نجاته يوم القيامة، فإن الكفار لا يتركونهم دون أن يوقعوا في نفوسهم كثيرا من الشبهات التي تزعزع إيمانهم وتهز يقينهم بربهم، وهذا أمر مشاهد وملموس.
- ضياع كثير من القيم والأخلاق الفاضلة، فإن من ينظر إلى الفتيان والفتيات في المنتزهات والحدائق والشوارع قد تعروا من ملابسهم، وتبذلوا في كلماتهم، وتركوا الحياء جانباً والعفة خلفهم، لا شك أن ذلك له الأثر السيئ على الشاب، وهو من أسباب موت الغيرة في القلب شيئا فشيئا، فإن النفس إذا تعودت على شيء ألفته ولم تستنكره.
ويعترف كثير من الشباب أنه بسفره إلى تلك البلدان فقد لذة العبادة والطاعة والقرب من الله جل وعلا، خاصة مع فقدان شعائر الدين ا لظاهرة، والتي هو عون للمسلم وسكن لنفسه وراحة لقلبه. كما أنه من الملاحظ أن رهطاً كبيرا من الشباب قد انزلق إلى المحرمات والمنهيات، بل وفي كثير من الأحيان كان هذا السفر سببا في الوقوع في الكبائر والفواحش، وكم من شاب كان محافظا على شعائر دينه فذهب إلى هناك فترك الفرائض وضيع الواجبات وانتهك الحرمات والله المستعان.
هدر للوقت !
لو جلست مع هؤلاء العائدين من بعض تلك البلاد لوجدت غالب حديثهم ينم عن إعجاب بما عند الكفار من التقدم الحضاري، وإن كان على حساب الأخلاق والدين والعرض، فالكثير من هؤلاء الشباب قد عاد منبهرا بما عند هؤلاء من حضارة زائفة زائلة، ويظن أن ذلك كان بسبب تركهم للدين وانطلاقهم كالأنعام ترعى بلا قيود ولا ضوابط.
1- اسأل هؤلاء الشباب ما هي الفائدة الحقيقة التي جنوها من جراء هذا السفر وهذه السياحة، فلن تجد إجابة شافية غير أنه كان إضاعة للوقت الثمين وذهابا للعمر في غير فائدة، خاصة وأن كثيرا من هؤلاء الشباب لا يجعلون سفرهم للعبرة والموعظة والتذكير وإنما يجعلونه لتسريح الأفكار وتقليب الأنظار والانطلاق في الشهوات.
2- لو تفكرت في تلك الأموال التي تنفق هنا وهناك، وتضيع فيما يعود على الكفار بالقوة الاقتصادية والمالية، ويعود على المنفق بالضرر في الدين والدنيا، لعلمت أن هذا السفر قد احتوى الشر والهلاك، فهذا قد استدان ليسافر، وذاك قد أنفق ما جمع طيلة العام، وهكذا دواليك حتى يعود كثير من الشباب مفلسًا لا مال له ولا متاع، ولو كان هذا المال قد أنفقه في تجارة أو في مشروع أو جهز به نفسه أو حتى تبرع به لكان له من وراء ذلك خير كثير .
3- فقدان الأمن والأمان على النفس والمال والعرض فكيف يمكن للمرء أن يأمن في بلاد أقل ما فيها السرقة، وليس للدم عندهم قيمة، فأي لذة في سفر تعتريه المخاطر والحتوف ؟!
السياحة من منظور شرعي
هذه جملة من تلك المفاسد التي تراها في أولئك الشباب العائدين من هذه البلاد الغربية، ولك أن تتساءل الآن ما هو الحكم الشرعي في ذلك، وهل الشريعة الإسلامية تعرضت لهذا الأمر ؟
يؤكد فضيلة الشيخ إبراهيم بن صالح الخضيري (القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض) أن إهدار المال في السياحة والتفاهات كفر بنعمة الله، فإن هذا المال من نعم الله العظيمة ا لتي يبتلي الله بها عباده لينظر أيشركون أم يكفرون وقد قال سبحانه : "وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " ، والشكر يكون بالمحافظة على هذا المال وإنفاقه فيما يعود بالنفع على النفس والآخرين.
ويحذر الشيخ الخضيري الشاب الذي يضيع أمواله في هذه البلاد من عقوبة الله جلا وعلا القائل في كتابه العزيز: "ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعُم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " ويضيف : إن السفر إلى بلاد الكفر محرم في الشريعة الإسلامية إلا لضرورة علاج أو مصلحة للإسلام والمسلمين فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين " رواه أبو داود وغيره .
القرآن والسنة يحذران من البقاء في بلاد الكفار
أما الدكتور عبد المحسن العسكر (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فيقول : إن في قصة جرير بن عبد الله البجلي عبرة وعظة، لا بد للمسلم أن يتفكر فيها، فقد ثبت أنه قال : يا رسول الله بايعني واشترِط، فقال صلى الله عليه وسلم : " تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وأن تفارق المشركين" فانظر أيها المسافر كيف ألحق النبي صلى الله عليه وسلم مفارقة المشركين بأركان الإسلام ودعائمه العظام .
ويقول : إن الله جل وعلا ذكر في كتابه التحذير من الإقامة في بلاد الكفر والبقاء فيها فقال: " إن الذي توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جنهم وساءت مصيرا إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا "
فهؤلاء مسلمون في مكة بل هم من الصحابة أمرهم الله بالخروج من بلادهم لأنها بلاد كفر وكفار إذ ذاك، فلم يستجيبوا خوفا على أولادهم وأموالهم فحكم الله عليهم بهذا الحكم الشديد " فأولئك مأواهم جهنم " نعم هم في بلادهم ومسقط رؤوسهم وبلاد آبائهم من قبل. فكيف بمن يذهب إليهم وينفق أمواله عليهم فينفع شبابهم ورجالهم ويقوي اقتصادهم ويربح تجارتهم ؟! كل ذلك على حساب نفسه وأهله وإسلامه الذي هو في أمس الحاجة إلى هذا المال.
والجدير بالذكر أن اللجنة الدائمة للإفتاء التابعة لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية قد أصدرت فتوى بشأن السفر إلى بلاد الكفر بناء على سؤال وارد إليها عن حكم السفر للسياحة في البلاد الكافرة مع عدم الاختلاط بهم وقد انتهت اللجنة بعد البحث إلى ما يلي:
لا يجوز السفر لبلاد أهل الشرك إلا لمسوغ شرعي وليس قصد الفسحة مسوغاً للسفر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين"رواه أبو داود.
ولذلك ننصحك بعدم الذهاب لتلك البلاد ونحوها للغرض المذكور لما في ذلك من التعرض للفتن والإقامة بين أظهر الكفار ، وجاء في هذا المعنى أحاديث أخرى.
وأعضاء اللجنة هم فضيلة الشيخ عبدالله بن قعود وفضيلة الشيخ عبد الله بن غيدان وفضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي ورئيس اللجنة سماحة الشيخ عبد لعزيز بن عبد لله بن باز (رحمه الله) (راجع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء 2/68/فتوى رقم 4873 من المجلد الثاني )
السفر لقصد شرعي وهدف سام
وكل ما سبق إنما يتضمن السفر للسياحة والنزهة والتفرج، أما إذا كان هناك مسوغ شرعي للسفر، كما لو كان للتجارة مثلا، أو كان للتعلم والفائدة بحيث لا توجد هذه العلوم عند المسلمين، أو كان المقصود العلاج الطبي ونحو ذلك، فإن الشريعة الإسلامية قد أباحته، ولكن بضوابط ويمكن من تتبع كلام العلماء أن نجمل تلك الضوابط والشروط فيما يلي:
1- أن يكون لدى الإنسان علم يدفع به الشبهات، لأن الكفار هناك يوردون شبهات على الناس، تكاد تعصف بهم حتى يصرفوهم عن دينهم.
2- أن يكون عند الإنسان دين يمنعه من الوقوع في الشهوات المحرمة، خاصة وأنهم لا يبالون هناك بما يفعلون، وكل شيء عندهم مباح في الجملة .
3- أن يكون الإنسان محتاجا إلى السفر إلى تلك البلاد، إما لعلاج أو لعلم ليس في بلاده اختصاص فيه، أو للدعوة إلى الله أو لغير ذلك من الأمور التي يحتاج إلى السفر إلى بلاد الكفر من أجلها.
4- القدرة على إظهار الدين وعدم موالاة المشركين. فقد أجمع المسلمون على أن من لم يستطع إظهار دينه هناك حرم عليه البقاء
ــــــــــــــــــــ(42/59)
مشاكل الشباب العربي
تكتسب الأمة صفتها من حجم الطاقة الفاعلة فيها (الشباب) التي يعوّل عليها في النهضة والبناء فيقال : أمة فتية وأخرى هرمة لغلبة نسبة المسنين فيها وقلة الشباب ، ولذلك ساد في أدبياتنا مقولة "الشباب عصب الحياة" . من هنا تأتي ضرورة بحث وتتبع المشاكل التي تعوق تقدم الشباب ومسيرتهم لأنهم يشكلون الأمل المنشود في تجديد بناء الأمة وبعث نهضتها ، ومن المسلّم به أن الشباب العربي يعاني من أزمات كثيرة ومتعددة في سياق أزمة الأمة ككل ؛ لأن الأمم حينما تتأزم تشمل أزمتها كل فرد فيها ، وعى ذلك أم لم يعِ لأن ذلك ينعكس على مسيرة الأمة ككل ، ومحاولة منا لتوصيف مشاكل الشباب توصيفًا أكثر مصداقية وواقعية عمدنا إلى استطلاع آراء جماعة منهم من المقيمين في الدوحة وكانت البي بي سي نشرت في زاويتها "مساحة للحوار" بتاريخ 29/10/2000م تعليقات عدد كبير من الزوار على مشاكل الشباب بمناسبة عقد المكتب الإقليمي لمنظمة رعاية الطفولة "اليونيسيف" التابعة للأمم المتحدة ملتقى الشباب العربي في عمّان تحت رعاية الملكة رانيا من أجل وضع قضايا الطفولة والشباب على رأس الأولويات في الألفية الجديدة وقد أفدنا منها أيضًا ، وجوهر التعليقات والآراء التي سنتعرض لها في هذا التحقيق هي إجابة على التساؤل القائل : ما الذي يحتاجه الشباب في العالم العربي ؟ وما هي المشاكل التي يعاني منها ؟ .
ويعتبر هذا السؤال مُلحًا وضروريًا في هذه المرحلة بالذات ، حيث تجتاح العالم ثورات مختلفة أبرزها ثورة الاتصالات والتكنولوجيا ، وكذلك تكاد الحياة تنتظم على إيقاع "العولمة" رغم كل الصيحات التي تتعالى في كل مكان محتجة ورافضة لذلك "التنميط / العولمة" الذي اختُزل بـ "الأمركة" الثقافية والسياسية والاقتصادية ، أقول : يعتبر ذلك التساؤل ضروريًا لنرى مدى تأثير تلك التغيرات التي تجتاح العالم على وعي الشباب ورؤيتهم لواقعهم ، وما الذي يأملون تحققه في المستقبل ؟
تفاوتت الحاجات وتنوعت بطبيعة اختلاف الأشخاص واهتماماتهم ، فشملت الجانب الديني والسياسي ، الراهن والقديم المتجذر ، كما شملت الأخلاقي والشخصي والوجودي والفكري والاقتصادي .
ضياع الهوية
يجيب ناصر الدين صلاح الدين / مصر على سؤالنا فيقول : "أخطر وأكبر مأساة يواجهها الشباب المسلمون ضياع الهوية الإسلامية والعربية نتيجة سيطرة الإعلام اليهودي على الإعلام العربي والتغلغل الثقافي والتشويه والتشكيك في الأصول والفروع الاعتقادية والاجتماعية" . ويتابع عدنان حسن/ لبنان ما بدأه ناصر الدين فيقول : نحتاج أولاً : لتحديد مفهوم صحيح وواضح ومتفق عليه للهوية العربية يتم اعتماده في كافة الدول العربية ، ثانيًا : وضع رؤية متكاملة للواقع الذي يعيشه الشباب العربي ، ثالثًا : التركيز على المشاكل الاقتصادية ووضع الحلول لها.. رابعًا : التشديد على مبدأ التسامح والتطور والانفتاح على الحضارات والثقافات المختلفة والتعلم منها ، والتفاعل معها والمحافظة على الجذور والقيم " .
الحرية ... الديمقراطية ... تطبيق الشريعة
ولا يغيب البعد السياسي عن مطالب واحتياجات الشباب العربي فتراهم يؤكدون على قضايا الحرية والديمقراطية وتطبيق الشريعة الإسلامية في ظل العلاقة مع الحكومات ، يقول أشرف بسيوني : "رغبة العديد منا.. أن يقيم الحكام الشريعة الإسلامية" ، وتتابع إيمان عبد المقصود : "لو تركتنا أمريكا لحالنا ومصيرنا ولو وجدنا حرياتنا فإننا سنتوصل إلى قرار مفاده أن الإسلام هو الحل ، عندئذٍ ستحل مشاكلنا" . أما أحمد قناوي/ مصر فيركز على قضية الديمقراطية قائلًا : "الشباب في العالم العربي بحاجة ماسة للديمقراطية ، والغرب لن يكون سعيدًا في تلك الحالة ، الديمقراطية هي التي ستحرر القدس" .
الحياة الكريمة .. الزوجة الصالحة
وفي حين يركز بعضهم على القضايا السياسية تشغل آخرين قضايا اجتماعية وشخصية من الحياة السعيدة والزوجة الصالحة ، والعمل المناسب الذي يوصلهم إلى تحقيق ذلك . وهو ما ركّز عليه سامي عباس / السودان ، ومعاوية سليم/فلسطين ، ومصطفى محمود/مصر ، لكن أنور هديب / الأردن يضيف إلى ذلك "مشكلة أوقات الفراغ الكبيرة التي لا يستطيع الشباب أن يملأها نظرًا لعدم اهتمام المسؤولين بهذه المشكلة" على حد تعبيره .
فلسطين ... العراق
وثمة حضور واضح للأزمة الراهنة "فلسطين" لدى بعض المشاركين ، يقول كفاح مصطفى / الكويت : "يحتاج الطفل العربي إلى توفير الأمن والأمان له وتقديم الحماية له من القتل كالذي حصل للشهيد الطفل (12) سنة محمد الدرة والطفلة الشهيدة (سنتان ونصف) سارة .. على أيدي الصهاينة ... " ، ويتمنى أشرف بسيوني على الحكام أن يسمحوا لنا بالخروج إلى الجهاد والدفاع عن الأراضي الفلسطينية وكل أراضي الإسلام" .
وفي المقابل يؤكد سليم حامد على مشكلة أطفال العراق ويعتبرها المشاكل الأكثر إلحاحًا لأنهم يموتون يوميًا بسبب الحصار الجائر ضد الشعب العراقي من أمريكا وبريطانيا .
التخوف من الغرب
وبرز إلى جانب الاهتمام بالهوية الإسلامية ، التخوف من الغرب وثقافته ، وقد عبّر ناصر الدين صلاح الدين/مصر عن استيائه من التغلغل الثقافي والتشويه والتشكيك في الأصول والفروع الاعتقادية والاجتماعية كما سبق . ويحمّل محمد الحضارة الغربية مسؤولية التفكك الأسري وارتفاع نسبة الجريمة في المجتمع والشعور بالفراغ وعدم وجود هدف راقٍ يسعى إلى تحقيقه الشباب" .
في حين يبدي نبيل هديب/أردني تخوفه فيقول : "هناك انفتاح مثير على الحياة الغربية بكل جوانبها ويعود ذلك لتقصير الإعلام العربي وعدم إيجاد طرق لجعل الشباب العربي يحافظون على هويتهم" . وفي المقابل ينطلق شاب مصري مغترب (كما وقَّع) من الشعور بالأزمة قائلاً : "أرجو أن تكف وسائل الإعلام والتعتيم عن تصوير الشباب الغربي على أنهم لا يعرفون شيئًا سوى السكر والإباحية حتى لا نصدق بأننا أفضل منهم" .
التربية وأزمة المربين
"أعظم ما يحتاجه الشباب المعاصر اليوم هو تربية إسلامية جادة تؤهله لأداء أمانة الله وتبليغ رسالة الله ... عقيدة ومنهج حياة" هكذا يجيب سعيد سالم / اليمن على سؤالنا ، بينما يرى محمد هشام "أن المشكلة الحقيقية هي غياب الوعي الديني والثقافي والسياسي إلا ما ندر.. والمشكلة الأساسية في من يقومون بتربية الشباب ومقدار وعيهم العام وما هي اتجاهاتهم ، والتربية - يتابع محمد - ليست فقط من الأب والأم وإنما هي من المدرسة والإعلام بوسائله والدولة واتجاهاتها" .
الفجوة ... الصراع
"يعاني الشباب العربي من عدم إعطائهم حرية الرأي والفكر ، كذلك الشعور بالفجوة وعدم التواصل بين الجيل القديم والجيل الجديد.." هذا ما أجاب به نبيل هديب / أردني ، في حين يقول أحمد الشاهد/مصري : "إن مشكلة الشباب تتجسد في "الصراع بين محاولة التمسك بالقيم الدينية والروحية ، وبين مغريات العصر وفتنه ، وعجز الشباب عن امتلاك الوسائل المادية التي تقيه شر ذلك الصراع لأن البعض منهم - وللأسف - لا يعتقد أن الوازع الديني سلاح كافٍ لحسم ذلك الصراع" .
إنّ هذه الإجابات تعكس وعيًا كبيرًا بالأزمة ، وهي خطوة مهمة نحو الحل ، وبقدر ما هي متنوعة ومعقدة بقدر ما هي مطالب واضحة في أذهان أصحابها ، ومحددة أيضًا ، ولا شك أن وعي الجيل بدأ يرتقي في ظل تطور الوسائل التكنولوجية (الاتصالات خصوصًا) التي سهّلت انتقال المعلومات وأتاحت للجيل التعرف إلى الكثير من الآراء والشخصيات بالإضافة إلى خوض الجيل التجارب الحياتية وخصوصًا من خلال الاغتراب.
وأبرز ما يدلل على ارتفاع الوعي بالواقع وأحداثه ونفوذ وسائل الإعلام والاتصال تناول الشباب لموضوعات مثل : ضياع الهوية ، الانفتاح على الحضارات ، الحرية ، الديمقراطية ، ومن الواضح بروز الهم السياسي والحس الديني معًا لدى الشباب وهو أمر له دلالته - ربما - في انحسار نفوذ العلمنة في ديار الإسلام ، وإن كنا نقر بأن الهم السياسي البارز يكاد يقتصر على المشاكل الراهنة والمتأزمة كفلسطين والعراق ، وبالنسبة للحس الديني فإنه يكاد يكون عموميًا كمقولات "الإسلام هو الحل" و"تطبيق الشريعة" مما لا يعكس وعيًا عميقًا .
وفي ما يخص العلاقة مع الغرب ، ثمة حضور كبير للموروث الثقافي والتاريخي والديني أيضًا الذي خلّفه الغرب في ديار الإسلام ، كان آخره (الاستعمار الحديث) ، بل سلوك الغرب الراهن وموقفه من قضايا الأمة الإسلامية وخصوصًا فلسطين والعراق والمسلمين في كوسوفو وكشمير والفلبين وغيرها من دول الإسلام وهو سلوك لم يختلف أبدًا في جوهره عن الماضي القريب (الاستعمار/العداء) .
لكن أبرز ما يلفت الانتباه من الإجابات ، وينم عن وعي كبير بالأزمة ما أجاب به الشابان أحمد الشاهد ونبيل هديب حيث أكدا على أن ثمة فجوة كبيرة بين الواقع والمبادىء والقيم ، وعدم التواصل بين الجيل القديم والجديد بمعنى فقدان الحوار وعدم تفهّم مشاكل الشباب وطبيعة واقعهم ومتطلباته في ظل التغيرات الكبيرة التي تجتاح العالم ؛ فلا يزال الكبار يدورون في فلك "الماضي" بهمومه وآماله ، مع فقدان الوعي بطبيعة التغيرات ومتطلبات الحياة المعاصرة والجيل الجديد .
الفجوة بين الواقع والمبادىء هي أهم القضايا الإشكالية التي تُهم الشباب ، ذلك أنه وجد نفسه يحمل مجموعة من القيم والعادات والتقاليد والتصورات والأفكار لا يستطيع أن يدخل بها العالم المعاصر بتغيراته ووسائله وأدواته الآخذة في التغير المستمر ، هنا يجد نفسه مشدودًا نحو القيم ، الموروث الأصيل الذي يشكل له رأس ماله الرمزي ، وكذلك يجد نفسه مشدودًا نحو واقعه الذي يُفرض عليه بحضوره الطاغي لأنه في النهاية "واقع" . لكن يجب أن نقر هنا أن هذه الفجوة لن تزول إذا أردنا أن نتحلى بالصراحة مع النفس ومع الآخرين ، ذلك أن المبادىء لا تعدو أن تكون تجريدية ، بينما الواقع : واقع ، أي أنه أحداث مشخصة ، ولا يمكن أن يكون هناك تطابق كامل بين المجرد والمشخَّص . نعم يمكن تضييق تلك الفجوة وهو أقصى ما يسعى إليه الإنسان .
ــــــــــــــــــــ(42/60)
العنوسة تؤرق المجتمع وتهدد استقراره
إن الزواج في نظر الإسلام شريعة وسنة ، وربما وصل إلى الفريضة في بعض الأحيان ، وقد شرع الزواج من أجل العفة وحفظ النسل واستقرار المجتمع ، فإعفاف النفس وصونها من أفضل ما تقرب به المتقربون إلى الله تعالى .كما لا يخفى ما في ترك الزواج من الآثار النفسية السيئة على كل من الرجل والمرأة .
سكن وراحة..رحمة ومودة
ويهيئ الزواج لكل من الرجال والنساء متعة من أعظم متع الدنيا ، وهذه المتعة تنقسم إلى قسمين : سكن وراحة نفسية ، وإمتاع ولذة جسدية ، قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(الروم/21) .
والسكن إلى المرأة يشمل سكن النفس وسكن الجسم ، كما أن المودة والرحمة من أجمل المشاعر . فالمتع الجسدية والنفسية تعمل عملها في نفس الإنسان وفكره وقواه النفسية والبدنية فيشعر بالرضا والسعادة والراحة النفسية والجسدية ، حيث تتصرف طاقته وغريزته بأنظف الطرق وأطهرها ، أما تصريف الشهوة خلال قناة غير شرعية فتكون متعته محدودة توجد بوجود اللذائذ الحسية ، وتنتهي بانتهائها ، ويأتي بعد ذلك شعور بالاحتقار والازدراء والامتهان ، وتلك المشاعر غالبًا ما تولد العقد النفسية والانحلال الخلقي وضعف الوازع وهوان النفس ، أما مشاعر الأزواج فإنها تورث الحب والرحمة وسمو النفس وحياة الضمير والقلب ، وإحساس الزوج بالمسؤولية تجاه الأسرة ينمي قدرته على القيام بالواجب ، ويجعل له هدفًا ساميًا ، وهو إسعاد أسرته وحمايتها ، والسعي من أجل متطلباتها ، فيبذل جهده ويزيد من إنتاجه ، مما يعود على المجتمع بالنفع.
ومن حكم الزواج وفوائده ، بلوغ الكمال الإنساني ، فالرجل لا يبلغ كماله الإنساني إلا في ظل الزواج الشرعي الذي تتوزع فيه الحقوق والواجبات توزيعًا ربانيًا قائمًا على العدل والإحسان والرحمة لا توزيعًا عشوائيًا قائمًا على الأثرة وحب الذات .
ناقوس الخطر يدق :
بالرغم مما عددناه من فوائد دينية واجتماعية ونفسية للزواج إلا أن مجتمعنا اليوم يشهد عزوفًا ملحوظًا عن الزواج مما أدى إلى تفشي ظاهرة العنوسة التي أصبحت تهدد استقرار المجتمع ، ولكن هناك عدة عوامل أدت إلى نشوء العنوسة ، يأتي في مقدمتها الجانب الاقتصادي ، فبتزايد أعداد السكان في جميع البلدان مع تراجع فرص الحصول على عمل مناسب وانتشار البطالة ، أصبح الشاب عاجزًا عن توفير متطلبات الزواج ، إضافة إلى المبالغة في المهور وتكاليف الزواج .
فالوعي الاجتماعي غير السليم يجعل للزواج احتياجات مادية مرهقة تدفع الشاب إلى الفرار وتكون النتيجة ضررًا يلحق بالطرفين ؛ فالشعور بالقناعة أحيانًا يكون معدومًا لدى الفتيات برغم تقدم أعمارهنَّ ، فالزواج لا يتم عادة إلا بمصاريف باهظة بدءًا من حفل الزواج إلى الأثاث الفاخر الذي يكون مصدرًا لتباهي الزوجات بجودته وماركته المعروفة . كل هذا يجعل تكاليف الزواج تفوق ما يمكن أن يكسبه الشاب في عشر سنوات ، وبالتالي فإن الهروب من الزواج أصبح هو الحل !
الجدير بالذكر أنه انتشرت أيضًا في الآونة الأخيرة دعوات تندد بالزواج المبكر وأضراره النفسية والاجتماعية ، وعقدت الندوات والمؤتمرات الدولية ، وسنت التشريعات من خلال منظمات حقوق الإنسان ، وقد غالى بعضها إلى حد تجريم الزواج المبكر ، وقد لاقت تلك الدعوات قبولاً في مجتمعنا .
أيضًا وسائل الإعلام وعلى رأسها التليفزيون والسينما أثرت تأثيرًا عميقًا في نظرة الشباب إلى الزواج ، حيث كثيرًا ما تصوره على أنه قيد يعوق انطلاق الشباب وتقدمهم ، فأصبح القادرون على توفير نفقات الزواج في فترة قصيرة يصرفون اهتمامهم إلى اقتناء السيارة الفاخرة ، أو تغيير الهاتف النقال أو السفر والسياحة والتنزه ، وأصبح الشاب يعتبر الزواج عائقًا عن تحقيق هذه الأمور ، فيدفع عن ذهنه أي تفكير في الارتباط .
كذلك الفتيات تصور لهن وسائل الإعلام أحيانًا الزواج على أنه تبعية وقتل لقدراتهنَّ وإبداعاتهنَّ وأنهنَّ لن يستطعن أن ينجزن شيئًا من طموحاتهنَّ في ظل مؤسسة الزواج ، فتتمنع الفتاة حتى تلحق بركب العنوسة .
وكذلك تفضيل الفتاة لوثيقة الدراسة على وثيقة الزواج جعلها تنصرف إلى استكمال الدراسة والحصول على الماجستير والدكتوراه وترفض الارتباط إلا بعد الحصول على مركز علمي معين أو منصب يُناسب مؤهلاتها ، مما يجعل سنوات عمرها تضيع ، وما أن تفيق حتى تجد نفسها وقد أصبحت عانسًا .
العنوسة في الإحصائيات
بلغت نسبة العنوسة في مختلف البلدان العربية معدلات خيالية باتت مقلقة للشعوب والحكومات على حد سواء .
ففي منطقة الخليج أكدت إحصائية صادرة عن وزارة التخطيط السعودية أن ظاهرة العنوسة امتدت لتشمل حوالي ثلث عدد الفتيات السعوديات اللائي في سن الزواج ، وأن عدد الفتيات اللائي لم يتزوجن أو تجاوزن سن الزواج اجتماعيًا - وهو (30) عامًا - قد بلغ حتى نهاية 1999م حوالي مليون و(529) ألفًا ، و(418) فتاة ، وذلك بسبب غلاء المهور والتكاليف الباهظة .
جدير بالذكر أن حالات الطلاق قد ارتفعت في الخليج بنسبة كبيرة حسبما أكد تقرير لوكالة أنباء الشرق الأوسط ، حيث بلغت نسبة الطلاق في البحرين (34 في المئة) ، وفي الكويت (29 في المئة) ، وفي قطر (38 في المئة) ، وفي الإمارات (37 في المئة) .
وتشير الإحصائيات الرسمية في مصر إلى أن عدد الفتيات العانسات يصل إلى أربعة ملايين فتاة ، بالإضافة إلى مليون فتاة فاتهنَّ قطار الزواج !
وأكد تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء وجود نحو تسعة ملايين شاب وفتاة في عداد العوانس والعانسات ، وترجع أسباب العنوسة في مصر إلى عجز معظم الشباب عن تأثيث مسكن الزوجية ، وكذلك إلى انصراف الشباب إلى الزواج من أجنبيات للحصول على جنسية بلد أجنبي أو لرخص تكاليفه.
وننتقل من مصر إلى العراق ، حيث أفادت إحصائية نشرت في العراق أن مليون امرأة تتراوح أعمارهن بين (35) و (43) عامًا غير مرتبطات في مجتمع يعاني من ظروف اقتصادية صعبة ، فبسبب الحظر المفروض على الشعب العراقي منذ أكثر من عشر سنوات ، تشكل نفقات الزواج عبئًا كبيرًا على الشباب العراقيين، خصوصًا مع ارتفاع أجور السكن وغلاء المهور .
وفي سوريا تشير الإحصائيات إلى أن نصف الشباب السوريين في سن الزواج عازفون عنه أو تأخروا بسبب ضعف قدراتهم المادية وعدم توافر المساكن وغير ذلك ، وأصبح موضوع الزواج في سوريا صعبًا للغاية بسبب ارتفاع أسعار الشقق السكنية مقارنًا بدخل الفرد الذي يبلغ متوسطه (42) دولارًا شهريًا ، في حين وصل أعلى راتب شهري في الدولة إلى ما يوازي (210) دولارات شهريًا.
وفي لبنان نجد أن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة منذ سنوات تسببت في هجرة ثلث الشباب اللبناني أو أكثر ، ومن تبقى منهم يعاني أزمات السكن والعمل والبطالة ، وهذا كله يؤدي إلى ازدياد أعداد الشباب غير المتزوجين .
وفي ليبيا يمر الزواج في المجتمع الليبي بمراحل مختلفة وفق عادات وتقاليد تتطلب صرف أموال طائلة لإتمامها ، يعجز الكثير من الشباب عن القيام بتلبيتها ، علاوة على الغلاء في المهور الذي يصل إلى (15 ألف دولار) ، بالإضافة إلى تحمل كافة تكاليف إعداد المسكن وتجهيزه مما يثقل كاهل الشاب بمسؤولية تجعله يحجم عن الزواج ، مما يؤدي إلى تفشي العنوسة .
وفي المغرب تجاوز الشباب والفتيات سن الزواج ، ويعزى الكثير من السلبيات والانحرافات هناك إلى العنوسة .
وقفة للمراجعة والحسابات :
لا يخفى على أحد ما تؤدي إليه العنوسة من أخطار جسيمة تحيط بالمجتمع ، مما يستدعي بالمقابل تضافر الجهود والتعاون بين الأطراف لتقليص نسبة العنوسة المرتفعة .
فأولاً تكون المبادرة على مستوى الأفراد بحيث تكون لديهم قناعة بأهمية التيسير في الزواج وعدم التمسك بالعادات والتقاليد ، فالآباء والأمهات في الوقت الذي يشكون فيه من تقدم أعمار بناتهن ، عندما يأتيهم خاطب يفرضون عليه شروطًا تكاد تكون تعجيزية بالنسبة له ، مما يدفعه إلى الفرار ، ولكن إذا تفهمت الأسر الوضع الحقيقي للشباب وغلاء المعيشة وصعوبة الحصول على سكن فسيسود نوع من التعاون بين الطرفين ويستطيع الشاب تأسيس أسرة .
وقد أدركت الدول والمؤسسات مدى خطورة هذه الظاهرة ، وبدأت في إيجاد الحلول لتقليص العنوسة .
ففي الكويت قامت مجموعة من رجال الأعمال ومسؤولي الجمعيات الخيرية والأهلية بالإعلان عن تأسيس صندوق للزواج يستهدف التوفيق بين الراغبين من الجنسين في الزواج ، وتقديم القروض المالية اللازمة على أن تكون بدون فوائد ، وعلى أقساط قليلة ومريحة .
وفي الإمارات تم إنشاء مشروع برعاية الدولة يُمنح من خلاله الشاب الإماراتي (70) ألف درهم عند زواجه من مواطنة إماراتية تحفيزًا للشباب ، وقد تمت آلاف الزيجات من خلال هذا المشروع .
ونظم الاتحاد العام لشباب العراق في منتصف شهر أكتوبر الماضي حفل زواج جماعيًا شمل (974) من الشباب والشابات .
وفي سوريا شارك (24) شابًا وشابة في عرس جماعي أقيم برعاية وزارة الثقافة في أول بادرة من نوعها لتشجيع الشباب على الزواج .
وفي مصر أشار الدكتور " أحمد محمود " الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر إلى ضرورة إعمال آليات التكافل الاجتماعي في الإسلام عن طريق الأثرياء ورجال الأعمال .
ويشدد الشيخ "منصور الرفاعي " وكيل الأوقاف السابق على ضرورة إنشاء صندوق للزواج في مصر أسوة بصندوق التكافل الاجتماعي ؛ ومن المتصور أن يسير عمل الصندوق في ثلاثة محاور :
المحور الأول : محور التوعية في المساجد ونوادي الشباب ووسائل الإعلام ، وفي المصانع والاتحادات العمالية .
أما المحور الثاني فيتمثل في البحث الاجتماعي ودراسة الأسباب الاجتماعية للمشكلة ، واقتراح الأساليب الملائمة للعلاج .
ومن خلال المحور الثالث يتم إنشاء المساكن وتشكيل لجنة لوضع تخطيط وتصميم لمساكن المتزوجين حديثًا بأقل تكلفة .
فبجهود الحكومات والمؤسسات والأفراد أيضًا يمكن تقليص العنوسة وتفادي آثارها الخطيرة على المجتمع .
فالعوانس في الغالب يسيطر عليهنَّ شعور بالتمزق والطيش وضعف الوازع والرغبة في الهدم ؛ لأنهنَّ حرمن من نعمة الزواج والأولاد ، ولذلك جاء الإسلام بالقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة فأمر بتزويج العوانس والأرامل ، حيث قال الله تعالى : (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(النور/32) . والأيم هي التي مات عنها زوجها ، والأمر هنا للمسلمين عامة وأولي الأمر خاصة ، فحرمان المرأة من نعمة الزوج ربما يخلق منها امرأة ناقصة عقليًا وخُلقيًا وفكريًا ، ويكون هذا بظلم من المجتمع وهو الذي سيجني ثماره .
ــــــــــــــــــــ(42/61)
الفضائية "زين"
إن الطموح العربي في مجال البث الإعلامي لم يغز الفضاء ولم يخترع إحدى تقنياته ، لكنه تسلق ليسترق السمع للتقليد والمحاكاة بل انسلت إحدى محطاته السبع والسبعين (ما بين محلية وفضائية) وهي "المستقبل" اللبنانية لتدشن في مدينة الإعلام بدبي محطة وليدة بطريقة الاستنساخ ..
قلنا : محطة عربية جديدة ؟! قالوا "زين" للشباب .. وانطلقت في 25 يناير الماضي مصحوبة بأنغام فرقة كوبية وأصوات فناني الكليب.. فأتبعتها شهاب من صيحات الاستنكار وقليل من علامات الرضا . فما فكرتها وما جديدها ومن تخاطب وبرامجها وما هي ردود الأفعال ؟ سنحاول الإجابة على هذه التساؤلات ، وكانت صحيفة الحياة خصصت تحقيقاً حول القناة ، أفدنا منه أيضاً .
في البداية يقول منسق البرامج بقناة "زين" والمسؤول عن تطوير الفكرة علي جابر والذي يشغل منصب مدير البرامج في "المستقبل" :
الفكرة انطلقت من تلفزيون المستقبل رغبة منا في أن تكون هناك أكثر من قناة موجّهة للشباب ما بين 13و35 عامًا ، ونجحنا في إيجاد شريك لتنفيذها هو المدينة الإعلامية بدبي والتي ساهمت بنصف رأس مالها.. وقد أجرى تلفزيون المستقبل (والكلام لا يزال لجابر) دراسة بين الجمهور لتحديد مفهوم عمر الشباب فتبين أنه بين المراهقة وبداية الشيخوخة ، وقد اكتشفنا أن 65% من الشباب العربي دون الخامسة والعشرين ، كما استغرق التحضير لبرامج "زين" عامين ونصف العام .
أما الرسالة التي تود "زين" أن توجهها فيلقي علي جابر علينا بقنبلة دخانية مثيرة للدموع من المآقي منحية الدين جانبًا فهي توجيه الشباب العربي للبحث عن الحقائق الواقعية كأن نعلمهم ألا يحكموا على الناس مسبقًا من السمعة أو الدين بل التعرف على حقائق الأمور أولاً .
وعن الذي يطمح إليه القائمون على أمر "زين" قال جابر : أن نبقى محافظين على تقاليدنا كعرب فنحن نعيش عصر العولمة لذا حرصنا على ترويج الفكر العربي والقومية والصراع مع إسرائيل (ولكن) ضمن إطار متطور يشبه إلى حد ما تغليف الحداثة الغربية .
كوكتيل لهجات !
وعن طاقم القناة قال : اخترنا المقدمات والمقدمين من كل الدول العربية تقريبًا كل واحد منهم يعتمد على اسلوبه المنفرد عن غيره ويتعلم بلهجته المحلية وفق متطلبات البرنامج الذي يقدمه ، وتتراوح أعمار هؤلاء المقدمين بين السابعة عشرة والثانية والعشرين بمن فيهم المخرجون والموسيقيون ؛ إذ ليس بالضرورة أن يملك المخرج الشاب خبرة الكبار ! .
"مزاج" ... "على الطريق" !
وتحدث منسق البرامج بـ "زين" عن طبيعة البرامج فقال : البرامج متنوعة موجهة إلى الشباب عبر التقديم وفيها جرأة في التصاميم والألوان غير المألوفة عند الجمهور ، لنصل إلى الجمهور الشاب نحتاج إلى أشخاص يخاطبونه بلغته .. أما أهم البرامج فهي "دردشات" وهو شبيه بعالم الصباح "مباشر" و " Z . sport" و" Z. Mat" رياضيان ، "مزاج" لعرض أخبار الموسيقى والفيديو كليب و"جررنغ" عن مشاكل الشباب والمفاهيم الاجتماعية و"تنتنة" لأحدث ابتكارات الموضة ، و"على الطريق" يجمع 5 أشخاص من طلاب الجامعات لأول مرة يقضون عطلة الأسبوع في مكان واحد يتناقشون في مواضيع يختارونها ، "كلمة" يجتمع فيها فريقان من الشباب في بيت واحد لبحث موضوع يهمهم في الموسيقى والتقاليد وغيرها .
وتوجد فقرة إخبارية لكن يقول أنها تأتي بعيداً عن التقليد الاخباري الذي نعتمده في أخبارنا من مثل "ودّع" و"استقبل" يقدمها 5 شبان مع ترتيب الأحداث وعرضها بصورة مغايرة لما اعتاد عليه المشاهد .
وقال جابر إنه حتى الآن لم يتم إعداد برامج سياسية لكن الأفكار موجودة وتنتظر التنفيذ قريبًا ، أما البرامج الاجتماعية فقد وعد (منسق البرامج) الجمهور بأن تكون ساخنة جداً ! .
مستقلة ؟!
وعن ارتباط "زين" بـ "المستقبل" يقول علي جابر : نحن لا نسعى لأن نستنسخ أية محطة قائمة فعلية حتى وإن كانت ناجحة في نظر البعض ، ولكنه قال إن "زين" رغم ارتباطها الوثيق بـ "المستقبل" إلا أنه لن تكون فرعًا لهذه المحطة بل ستكون لها هويتها المستقلة المتفردة عن غيرها ، وأن ما يربط القناتين هو مشروع تعاين على الصعيد الإداري مع إمكانية الاستعانة ببعض الخيارات الفنية ، وفيما يخص البرامج فإن مسؤولية "المستقبل" تتمثل في دراسة الشارع العربي الشبابي وبناء الملاحظات على أساسه واقتراح ما يحتاجه من قضايا .
وعن ساعات البث قال المدير التنفيذي لـ "المستقبل" : مع إنطلاقة المحطة يتوزع البث بين دبي وبيروت لانتاج 12 ساعة يوميًا تزيد تدريجيًا في العام التالي لتصل إلى 18 ساعة بحيث يتراوح عدد ساعات البث سنويًا بين 2500-3000 ساعة وهي نسبة عالية مقارنة مع ما تقدمه المحطة من مواضيع وأفكار تعنى بشؤون الشباب العربي في لبنان كما في أنحاء العالم العربي .
ولن يغطي بث "زين" إلا المنطقة العربية لأسباب قانونية تتعلق بحقوق الملكية الأدبية والعرض في الخارج ويتولى "المستقبل" الفضائي بث المادة الأساسية لـ "زين" فضائيًا إلى كل من أوروبا وأمريكا واستراليا لتتمكن الجاليات العربية هناك من متابعة البرامج.
تقييم الشباب
واكتملت الحلقة بقيام عدة شرائح من الشباب العربي "المشاهد" بتقييم برامج "زين" وجاءت معظم الآراء التي استطلعتها جريدة الحياة اللندنية متشابهة منفعلة بما شاهدته من ألوان جديدة مختلفة حقًا ، ولكنها صاخبة صارخة في التغرب والانسلاخ من العادات العربية وحصر اهتمامات الشباب في الرقص والغناء والأزياء ، حتى المذيعون والمذيعات لم يخفوا انسلاخهم منها؛ يظهر ذلك بوضوح من العبارات الأجنبية التي يطلقونها وكذلك من الأزياء التي يلبسونها والتي وصفوها بالمتطرفة ، كما أخذ البعض ميل المحطة لتقديم نموذج واحد أو صورة واحدة للشباب .
سخافات !
تقول طالبة جامعية : إنها لا تجد في قناة مثل "زين" حصلت على هذا الترويج الإعلامي والإعلاني ما له علاقة بالشباب العربي وتساءلت "أين هي مشكلات الفتاة العربية المسلمة.. أين هم الشباب المحافظون ؟!.. لذلك ليس غريبًا أن تقنع تلك الفتاة بتوجيه أسرتها وقرارها منع مشاهدة ما يسمى بالسخافات والاكتفاء بمشاهدة بعض القنوات المحتشمة .
ويوافقها الرأي شاب آخر بقوله : منذ فترة ونحن ننتظر بفارغ الصبر القناة التي أعلنت عن نفسها بأنها شبابية عربية تفاجئنا بأنها غربية مائة في المائة وأضاف : إن المضمون الموّجه لا يمت إلى الشباب العربي بصلة ولا إلى مجتمعنا وخصوصًا أحد البرامج الذي يتبنى موضوعان حلقاته بعنوان الحرية الجنسية ولا أدري ماذا يقصدون ؟!
سؤالان مهمان
ويطلق شاب آخر اتهامًا لـ "زين" بأن هدفها مادي ولا تستطيع أن تحققه إلا من خلال الشباب ، أما هدفها الثاني فهو عرض برامج تتستر تحت عباءة الفكر ومواكبة الحضارة والتطور !
ويوجه شاب رابع سؤالاً مهمًا : هل وجود "زين" على قمري "عربسات" و "نايل سات" يعني وجودها في كل بيت عربي ! وهل هذه القناة ستربي جيلاً يعّول عليه الآمال في نفض الغبار عن حضارتنا ! وهل مشاهدة الفتيات لـ "زين" ستكون في صالح ثقافتهن وترابطهن بمجتمعهن بل صالح المجتمع العربي برمته ؟!
واتبعت شابة أخرى السؤال بسؤال آخر : لماذا لا يسألون شرائح مختلفة من الشباب عن حاجاتهم قبل أن يقدموا لهم البرامج ؟ وقالت إ "زين" كغيرها من القنوات تستهدف الانتشار عبر الفتيات الجميلات غير المحتشمات وهذا أمر عفا عليه الزمن !
انفتاحية !
والتقطت الخيط فتاة جامعية فقالت : من خلال متابعتي لـ "زين" تبيّن أنها قناة انفتاحية أكثر من اللازم وليس بها مواد جذابة وعميقة تجسد وعي الشباب بهمومهم وعلاقتهم بالعالم ، ووصفت برنامج "دردشات" بأن حواره شبه ميت والجمل غامضة ، وختمت بقولها : ليس لدي الوقت الكافي لمتابعة قضايا سطحية وهامشية تعالج باسلوب بدائي تقليدي ! كما أنها تتضمن برامج تستهين بعقل الشباب وتصورهم في حالة غير جادة .
اغتراب !
يقول أحد الكتاب الشباب : إن المحطة في يوم بثها الأول صدمت الجميع ولم يصدق أحد عن هذه القناة العربية حيث يفترض فيها أن تتمتع بالحد الأدنى من المبادىء والأخلاقيات والأعراف الاجتماعية والدينية ، بل ذهب إلى القول أن هذه القناة تهدف إلى تدمير الشباب وتحطيم ما بداخلهم من الأسس التربوية والأخلاقية ، فهي تتفنن في الدعوة للتفسخ والعري ، وأمنّت على قول الأديب الشاب عارضة أزياء شابة بقولها : إن "زين" تهدد جيل الشباب ولا تتفق مع تطلعاتهم وهمومهم وقضاياهم ، وأن كل ما بثته القناة في عرضها التجريبي يقودنا إلى الاغتراب ويؤدي إلى مستقبل مخيف ومجهول ، حتى المذيعون والمذيعات تناسوا اللغة العربية الأم وراحوا يقدّمون برامجهم بخليط من العربية والإنجليزية والفرنسية .
سطحية !
ويؤكد مجموعة من الشباب على أن "زين" صرعة جديدة مبالغ في تطرفها وهي أقرب للشباب اللبناني وتتميز بالسطحية ، وأجمعوا على أنها مسلية باسلوب مختلف عما اعتدنا على مشاهدته لكنه لا يمثلنا ، أما عن الجديد فقد شدتنا في البداية طريقة ارتداء الملابس والمكياج وطريقة الكلام المطعّم بالمفردات الأجنبية فهذا يؤدي إلى ردة فعل عكسية لدى الشباب .. إن هذه المحطة تقدم صورة للشباب المتحرر الذي لا يمثل إلا واحدًا في الألف .
ويؤكد هؤلاء الشباب أن المحطة واهمة إذا اعتقدت أنها بذلك الأسلوب تصل إلى الشرائح المختلفة في الوطن العربي فهي مخطئة لكن هدفها هو تقديم صورة جديدة مطلوب من الشباب العربي أن يقلدوها .
ــــــــــــــــــــ(42/62)
نداء من طلبة فلسطين إلى شباب العالم العربي والإسلامي
وجه طلبة الكتل الإسلامية في جامعات فلسطين نداءً مؤثرًا إلى إخوانهم من طلبة الجامعات وشباب الأمة العربية الإسلامية طالبوهم فيه بنصرتهم والوقوف إلى جانبهم .
وقال البيان : " يا أشقاء المصير الواحد والجرح الواحد والهم الواحد في جسد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائره بالسهر والحمى ... نخاطبكم بحق أخوة الدين التي تربطنا ورابطة الدم التي تجمعنا وواجب القربى وحرمة الأرحام ... ألا ترون جسدنا وقد أثخنته الجراج ؟! وفؤادنا وقد دميت منه الجوانب ... ؟! وأرواحنا كيف تصعد إلى بارئها رويدًا رويدًا شاكية شاهدة ... ؟! أما استفزتكم مشاهدة الأطفال وهم يذبحون وقلوبهم الرقيقة تصرخ فيكم أين أنتم ؟! فليعد كل جوابه يوم يكلمه ربه ليس بينه وبين الله ترجمان ... ؟!!
نتساءل ـ ونعلم والله أنكم مثلنا تتساءلون ـ : حتى متى تبقى الأمة في سباتها ؟! ماذا ينتظر العرب والمسلمون ؟! أحين القضاء علينا يتحركون أم حين انتهائنا ينهضون ؟! وكأنهم ما سمعوا نداء السماء (وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)[النساء/ 75] ، ولا هزهم استنفار ربهم لهم من فوق السبع الطباق : (مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ)[التوبة/ 38] !!
وأضاف البيان مخاطبًا الشباب : يا صدى صوتنا ، ونداءاتنا في العالم .. لعلنا لا نتقن ـ كثيرًا ـ تنميق العبارات لكن دماءنا النازفة على يد الصهاينة أبلغ من كل كلام !!نخاطب من ؟! إن لم نتوجه لكم أنتم يا طلبة الجامعات ، وشباب الأمة ؟ وكيف لا نكتب لكم ونحن نعلم أنكم بين أقرانكم الأمثل طريقة ، والأقوى شكيمة .. وأن أحدكم ليزداد قدرًا كلما ازداد عمرًا ، وكأنما يصنع تاريخ الأيام بأنامله .. فإذا ما دوّى صوته ، واندفع يسابق الريح نحو غايته زلزل الجبال ، وهز المحتلين ، يا إخواننا : إن السكوت على الباطل لا يليق بكريم .. ولا ينبغي لحر أن يعتزل الحرب وقومه يُطعنون .. يا إخواننا : إننا لا نحب أن نرى السوس يأتي على خضراء أمتنا بما كسبت يداها حتى ترى اللص ينفرد ببعضها فيما بقيتها كل خلف جداره يرقب في صمت !
أأموت في كف اللئام وأنتم حولي ولم يهززكم استنجادي ؟!
أتودعوني حيث أقتل صابرًا بيد اليهود وتستباح بلادي؟!
وتابع البيان : يا طلبة الجامعات في وطننا الكبير ، وأنتم يا شباب الأمة وعدتها لغد وما بعد غد : إلى متى هذا الصمت ؟ إلى متى فإن الأمة التي لا تثور بعد كل هذه الصدمات المتواصلة والجراح النازفة متحدة أمام تكالب الأعداء حريّة أن يستبدل الله بها قومًا (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ )[المائدة/54] وحق على رجالها أن يدفنوا وهم أحياء .. وأن يرقدوا في مهاد الذل لا ليستريحوا ولكن لتستجاب فيهم دعوة خالد بن الوليد : فلا نامت أعين الجبناء ! ولن تكون إلا في زوايا النسيان وعالم النكرات وسقط المتاع وذيل القافلة .. وينتقصها كل ضعيف ويعوي عليها كل نابح ، وسيُطوى ذكرها ويُمحى أثرها ... (حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الرعد/11].
يا شباب العلم والتعليم .. يا أمل فلسطين جوهرة العالم .. نحن إخوانكم على مقاعد الدراسة في جامعات فلسطين إلى جانب حملنا للكتب نعد للكتائب والشدائد .. فانصروا قضيتنا وحركوا الرأي العام في بلادكم وكونوا رسل جهادنا وبريد قضيتنا إلى شعوبكم .. ثوروا الناس واحشدوا لنصرتنا ، وشكلوا من مجتمعاتكم قوى ضغط تجبر الحكام على نصرتنا وتمنعهم من خذلاننا .
اعلموا .. أن كل مسيرة وكل كلمة وكل بيان ، وكل معرض ، وكل صورة ، وكل لافتة تنصرون بها قضيتنا وتحركون بها الرأي العام في بلادكم ، إنما ترفعكم في ضمير الأمة وعند الله الذي لا يضيع أجر المحسنين .. كما تشدون بها أزرنا وتطمئنوننا أن خلفنا إخواننا يألمون لألمنا ، يدمون لجراحاتنا ، ولا يخذلوننا أبدًا ولا يسلموننا لعدو لا يرحم .
ومضى طلبة الجامعات بفلسطين إلى القول : أيها المشتاقون إلى فلسطين كل فلسطين .. إننا نطمئنكم أننا على العهد ولن نخونه ، وستظل دماؤنا النازفة تعلن في سمع الزمان أن هذه الأرض لن تنصاع لأقدام الغزاة ، ولن تنام لمحتل في ديارنا عين أو يغمض له جفن أو يقر له قرار ما دام شعبنا يمضي على خيار الجهاد والمقاومة .. واعلموا أنكم الدائرة الأوسع لهذا الخيار .. فكونوا إلى جانبنا.
لا تكونوا عدسة كاميرا الانتفاضة .. بل كونوا جزءًا من الحدث الذي تلتقطه عدسة الكاميرا .
واختتم النداء بالقول : أيها العرب .. أيها المسلمون .. نحن عنكم .. ورأس الحربة والجدار الأول ، والمقاتلون الأوائل ، والمدافعون عن شرف الأمتين العربية والإسلامية فلا تخذلونا ، فإن لم تستطيعوا أن تقاتلوا معنا الآن فلا أقل من أن تبيّتوا النية ، وتحملوا هم القضية وتدعموا انتفاضتنا ما استطعتم إلى ذلك سبيلا .. معنويًا وإعلاميًا .. ولن ننسى لكم ذلك .. وسيسجله التاريخ .
ــــــــــــــــ
المصدر : مجلة " الفتيان " .
ــــــــــــــــــــ(42/63)
آداب شبكة الإنترنت ولياقات التواصل عبرها
من يحضر جلسات النقاش والدردشة التي تجري عبر مواقع إنترنت عالمية وعربية ، يخال أن " الدنيا سايبة " ، لكنه يطمئن إلى أن الكم الهائل من اللغو المنتشر في الشبكة ، لا أثر فعليًا له في الحياة العامة ، غير تأجيج الكبت الذاتي ، فالكلام مهما بلغ يبقى كلامًا هباءً في فضاء إلكتروني غير ملموس ، ما لم يكن معقولاً بمرساة الواقع .
وفيما عدا الحلقات المحصورة بذوي اهتمامات مشتركة ، والتي تفرض على الدخلاء أنماط تعامل صارمة - يقتدون بها أو يُنبَذون - تخلو الشبكة من أي وازع .
حتى أن " نيتيكات"Netiquette مجموعة النصح والإرشادات السلوكية التي تحدد آداب التعامل ولياقاته في ملتقيات الشبكة المختلفة ، والتي تراكمت اصطلاحاتها بالممارسة ، ليست ملزمة في أي شكل من أشكال ، ويستحيل أن تكون كذلك .
وللحد من الابتذال الواضح ، لا تكفي الدعوة إلى " الاحترام المتبادل والابتعاد عن التشهير والتجريح " التي توضع عند " مداخل " المنتديات وغرف الدردشة ، فمنذ ظهورها ، سهّلت الإنترنت على كثيرين انتحال صفة " مجهول " (لا يُحاسب على شيء ) ، فاتخذوا من خفاياها " غرفًا مظلمة صماء " يبوحون فيها بما لا يجرءون عليه علانية .
ولعل نظرة سريعة إلى بعض الدردشات والنقاشات الدائرة وإلى بعض الرسائل الإلكترونية تؤكد هذا القول .
وهناك تطفو على السطح ركاكة اللغة ، واستسهال الكتابة ، وتفكك المضمون ، وزيغ التوجه ، أما في العمق فسخف وابتذال وجهالة وادعاء ، وحقد ، وازدراء لـ " لآخر" .
ولا يطاول هذا الكلام من لم يُقم في الإنترنت ساترًا يُخفي وراءه فصامة فصرح عن نفسه ومكانه ، وأعلن أفعاله وأقواله وكثيرة هي الأمثلة على تلاقي أشخاص عبر الشبكة على أفكار ومشاريع وشركات ، وحتى على زواج عام على الشبكة المتبادلة مع الأخرى ، وعلى عدم الخوف من الاحتكاك بذاك الغريب المختلف ثقافة وموطنًا ، وقبوله مثلما هو - بقي زعمه صحيحًا - إلا أن تلك الأمثلة غيض ضئيل من فيض الترّهات .
وفي كل هذا ، يبدو أن " نيتيكات " لا تعدو كونها محاولة لتضييق رقعة الاختلاف في الثقافة واللغة والطباع ، بين البشر المشبوكين من خلال اقتراح أساليب للتعبير والتعاطي مع الآخرين ، كتابةً - أي غيابًا - بما يجنّب المستخدمين الجديين الوقوع في شرك تباينات ، قد يجهلونها .
ومن هنا تشجع " نيتيكات " على التحلّي بحسن الأخلاق - من خلال الاعتدال ورحابة الصدر - وبالحكمة - من خلال التمهّل في الإجابة - وبالإدلاء بما قلّ ودلّ - وتحاشي الإيجاز الشديد - .
وقد توصل جامعوها إلى رصد بعض الممارسات غير المحبّذة ، وتتلخّص بالآتي :
- عدم البعث برسالة تطالب مستلمها بإرسالها إلى عدد من الأشخاص .
- عدم نشر الأخبار الكاذبة .
- وعدم نشر رسالة ذات طابع شخصي - من دون إذن مرسلها - .
- وعدم اشتراك في نقاشات حامية ، أو إثارة الفتن ، أو التحريض .
- فضلاً عن عدم الكتابة بأحرف - لاتينية - كبيرة ، لئلاً يُفسر بأنها صريخ ، ويقابل ذلك بالعربية عدم الإكثار من النقاط الثلاث ( ... ) ، لئلا يحار القارئ ، إذ يظن أن عليه ملء الفراغات كذلك ، رفعوا بعض التوصيات منها : ألا يتجاوز السطر (65) حرفًا ، وأن يضاف التوقيع مع الاسم ، والإحداثيات ، وأن يعكس سطر الموضوع مضمون الرسالة ، في وضوح ، وفي ملتقيات النقاش ، ينبغي إلقاء التحية عند الدخول والخروج ، ومتابعة ما سبق من آراء قبل التدخل ، وقراءة أصول التعامل التي تتقيد بها مجموعة معينة ويُفضل الاطلاع على المحتويات المنشورة سابقًا ، تفاديًا للوقوع في التكرار .
ـــــــــــــ
المصدر : جريدة " الحياة " .< p>
ــــــــــــــــــــ(42/64)
شباب اليوم .. كيف يفهم الرجولة ؟
ليس هناك من يرضى بأن يصفه أحد بعدم الرجولة ، وليس هناك من لا يعتز بأن يصفه الناس بالرجولة ، وليس هناك أبوان لا يتمنيان أن يوصف ابنهما بالرجولة، وليس هناك فتاة لا تتمنى أن يكون فتى أحلامها رجلاً .
كيف يرى الشباب الرجولة ؟ وما مفهومهم عنها ؟ وما رؤية الخبراء لمفهوم الرجولة ؟
كل هذه أسئلة يجيب عنها هذا التحقيق .
يقول سمير أبو علي - طالب - : أظن أن الشاب حينما يصل إلى سن البلوغ يصبح رجلاً ، بمعنى أن الرجولة تتحدد بالسن ، يعني من تجاوز (17) سنة ، يصبح رجلاً أو يمكن أن تقاس الرجولة بالموقف ، وهناك من يفرض عليه أن يكون رجلاً في حالة موت الأب مثلاً ، أو الظروف المادية ، ولذلك المسألة في رأيي ليست لها محددات معينة .
ويقول سامي السويلم : الرجولة هي المسؤولية ، والرجل هو الذي يتحمل مسؤولية نفسه المادية والأخلاقية .
أما سامح الغرباوي - طالب بكلية الطب - فيقول : الرجل هو من يستطيع أن يحيا كما يحب ولا يقبل أي قيود أو ضغوط ، ويتصرف بعقله ، ولا يقبل وصاية أحد على أفكاره أو تصرفاته .
يقول وليد المناوي : الرجولة مسؤولية ويجب أن نعرف كيف نتعامل مع الآخرين من منطلق هذه المسؤولية .
الرجولة أدب واحترام للآخرين ، ويجب الأخذ بها بعد عرضها على المقاييس الدينية .
والرجولة شهامة وضمير وأخلاق والتزام .
المعنى الحقيقي غائب
يقول أحمد الشاهين : الرجولة تعني احترام الذات واحترام الغير، وأن يكون الإنسان على قدر من المسؤولية وألاحظ أن هذا المعنى غائب عن الشباب اليوم ، فكثير منهم منشغل بمتابعة آخر خطوط الموضة والجري وراء البنات ، وتقليد الممثلين والمطربين تقليدًا أعمى ، وأحيانًا يضرب الشاب أخته وزوجته بدعوى أنه رجل ، وهذا لا يمت للرجولة بصلة !!
ويقول إيهاب الزهوي - 18 سنة - : أرى أن الرجولة هي الوقوف بجانب الصديق في وقت الشدة ، والبعض يرى أن تحقيق الرجولة يمكن أن يتم عن طريق شرب السجائر وتجريب كل شيء ، وهذا فهم خاطئ ؛ لأن السجائر مضيعة للصحة والمال .
الرجولة تضحية
تقول أم مشعل - أمٌ لخمسة أبناء - : إن كثيرًا من شباب الجيل لا يفهمون الرجولة فهمًا صحيحًا ، فابني الأكبر كان يساعدني في شراء مستلزمات البيت ويحملها عني إلى السيارة وعندما كبر قليلاً رفض مساعدتي ، وقال كيف أحمل مثل هذه الأشياء بدعوى أنه أصبح رجلاً ؟!! وكذلك لا يرضى أن أقول اهتم بدراستك أو لا تصاحب فلانًا ؛ لأنه أصبح رجلاً ، فكيف يُوجه من أمه ؟! حتى أنه أصبح يرفع صوته أحيانًا ، فهل هذه هي الرجولة ؟
الرجولة في القرآن الكريم
يؤكد الدكتور حسن الشافعي - رئيس الجامعة الإسلامية العالمية - أن الرجولة كلمة لها مدلولات ينبغي أن يعيشها ويتدبرها كل شاب ، وإذا أردنا التعرف على هذه المدلولات فإننا نحاول أن نستعرض المواطن التي يذكر فيها اللفظ في القرآن الكريم .
فقد استخدم القرآن الكريم كلمة الرجولة للدلالة على كمال الإيمان والتضحية ، فالرجل دليل على كمال الإيمان والتضحية ، فالرجل في هذا المعنى هو الذي صدق إيمانه وضحى في سبيل هذا الإيمان ، قال تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)(الأحزاب/23) .
كما أن الاستخدام الثاني للفظ كان في إشارة إلى أن الرجال هم عميقو الإيمان الذين لم تشغلهم عوارض الدنيا الزائلة عن الآخرة .يقول الله تعالى:(في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)(النور/36 ، 37) .
وفي الاستخدام الثالث للفظ أشار إلى أن الرجل هو الذي يجهر بالحق ويناصر الضعفاء فقال تعالى : (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ... )(غافر/28) .
والشباب في كل عصر هم الشباب ، ولكن ينقص البعض منهم التربية الصحيحة وفهم الحياة ومعرفة هدفه فيها ، وهذه الأشياء لا تتحقق من تلقاء نفسها ، بل لابد من دور للأسرة أولاً ، ثم مؤسسة التعليم ، فالمسؤولية في رأيي ترجع للأجيال الحالية لأنها لا تقوم بدورها الكامل في ترسيخ الأخلاق وبناء الجيل القادم ، وهناك من الشباب من يفهم الرجولة على أنها تحكم في الأخت وضرب للزوجة ، وكان من الأفضل أن نرى هذه الرجولة المبكرة في عمله وتفكيره وخلقه .
مر عمر على ثلة من الصبيان يلعبون فخافوا ، بقي صبي منهم في مكانه ، هو " عبد الله بن الزبير " فسأله عمر : لِمَ لم تفعل كأصحابك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين لم أفعل ذنبًا فأخافك ، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع لك .
ودخل غلام عربي على خليفة أموي يتكلم باسم قومه ، فقال له : ليتقدم من هو أسن منك ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لو كان التقدم بالسن لكان في الأمة من هو أولى منك بالخلافة .
أولئك لعمري الصغار الكبار ، وفي دنيانا ما أكثر الكبار الصغار ، والرجولة ليست بالسن ولا بالجسم ولا بالمال ولا بالجاه ، إنما الرجولة قوة نفسية تحمل صاحبها على معالي الأمور وتبعده عن سفاسفها ، فهي بإيجاز : قوة الخُلق .
وإن خير ما تقوم به دولة لشعبها ، وأعظم ما يقوم عليه منهج تعليمي ، وأفضل ما تتعاون عليه أدوات التوجيه كلها من صحافة وإذاعة ومسرح وخيالة ومسجد ومدرسة ، هو صناعة هذه الرجولة وتربية هذا الطراز من الرجال .
ولن تترعرع الرجولة الفارعة ويتربى الرجال الصالحون إلا في ظلال العقائد الراسخة والفضائل الثابتة ، أما في ظلال الشك المحطم والإلحاد الكافر والانحلال السافر فلن توجد رجولة صحيحة ، ولم ترى الدنيا الرجولة في أحلى صورها وأكمل معانيها كما رأتها في تلك النماذج الكريمة التي صنعها الإسلام على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل أسامة بن زيد ، الذي قاد جيشًا في سن السادسة عشرة ، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أول فدائي في الإسلام ، وأول من أسلم من الصبيان ، وسمرة بن جندب ، ورافع بن خديج، وقد قتلا أبا جهل أعدى أعداء الإسلام ، وكانا في الخامسة عشرة من عمريهما .
وترى الدكتورة ملك زرارة - أستاذة الفقه - أن الرجولة ليست كلمة أوصفة تطلق على الشاب لمجرد أنه بلغ سنا معينة ، وإنما هي تحمل كافة المسؤولية الشرعية التي خاطب بها الله عز وجل الصبي فبمجرد بلوغ الصبي يجب أن يتحمل كافة المسؤولية ، ولا يعتمد على أبويه ، وإنما يبذل ما شاء الله له من جهد في أوقات الفراغ حتى يرفع عن كاهل والديه بعض الأعباء التي تثقلهم إلى جانب أن يدرك ويعلم مسؤولياته سواء في الدراسة أو غيرها ، والثقة الشرعية المطلقة في الوفاء بحق الوالدين وبرهما وطاعتهما داخل البيت .
والرجولة أن يقدم على الزواج كما أمر الله تعالى في حدود قدرته المادية دون أن يلزم المرأة وأولياءها بشروط تخرج بالزواج إلى حد البطلان ، كما هو قائم الآن في كثير من صور الأنكحة الباطلة التي يشترط فيها الرجل مسؤولية الإنفاق على عاتقه ويسقط مسؤولية إعداد المسكن الشرعي وشواهد ذلك كثيرة .
وتضيف الدكتورة ملك : إن الرجولة أصبحت في عصرنا الحاضر كالغراب الأبيض لا نجدها إلا في قلة قليلة من شبابنا الذي مازال متمسكًا بجوهر الإسلام .
ويقول الدكتور أحمد عبد الرحمن - أستاذ علم الأخلاق - : إن المسألة تتفاوت حسب البيئة والمهنة والمستوى الاجتماعي والمنطقة الجغرافية ، ففي زماننا كانت هناك نماذج تحملت المسؤولية فطلبة الجامعات كانوا يقومون بأعمال البناء والسباكة والكهرباء، فهذه هي الرجولة ، والإحساس بالمسؤولية والنهوض بها والتصدي لها ليس مسؤولية نفسه فقط ، وإنما مسؤولية أهله فيؤدي واجباته في المواقف المختلفة ، فالرجل مكلف بالسعي لطلب العيش ومن الرجولة أن يتصدى للخطأ ولا يخاف في الله لومة لائم ، وأن يكون قائدًا في عمله شجاعًا في الحق يواجه الخطأ بالحق والقيم الأخلاقية ، لديه غيرة على دينه وقيمه ومبادئه ووطنه ، فمن لا ينفعل لانتهاك كل ذلك فأجهزة الرجولة عنده معطلة .
فهم خاطئ
وعن أسباب الفهم الخاطئ للرجولة لدى بعض الشباب تقول الدكتورة ملك زرارة :إن هناك مجموعة من الأسباب التي خلقت الميوعة ، فغابت الرجولة ، منها غياب دور الأم التي فرضت عليها مبادئ وقواعد التحرر الاقتصادي ، خاصة بعد أن أسقط الرجل عن كاهله مسؤولية القوامة ، وليس الغياب هنا بالمفهوم المادي ، وإنما هو الغياب المعنوي ، فالأم تعتقد خطأ أن المال يحقق لها ولأولادها الأمان والاطمئنان لنجد بعض مضي سنوات شابًا ضائعًا مستهترًا وفاشلاً ، لن نجد بين هؤلاء الشباب إلا قلة قليلة احتفظت الأم بمسؤوليتها تجاههم ، ولم يمنعها عملها من القيام برعاية أبنائها غاب الأب أو حضر فهي قائمة بالمسؤولية المزدوجة ، وأيضًا النظام العام المتكامل تربويًا في مجالات التعليم والثقافة .
ويضيف الدكتور أحمد عبد الرحمن : إن الوراثة لها دور مهم ، فهناك الوراثة الاجتماعية ، وهي التربية بمعناها الواسع في كافة المؤسسات التربوية البيت والمدرسة والمسجد والنادي والقدوة سواء في الواقع أو في الكتب ، فأنا لا أنسى أول كتاب قرأته عن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - حيث تأثرت به أيما تأثير .
ــــــــــ
أحمد الشاهد
ــــــــــــــــــــ(42/65)
الفتيات المسلمات يواجهن التحديات
كانت هموم وواقع النساء المسلمات في أنحاء العالم ، موضوع حوارات وتقارير ودراسات قدمتها وفود نسائية شابة من 45 دولة شاركت في الملتقى العالمي للفتيات المسلمات وتراوحت أعمار المشاركات الزائرات بين 16 و 20 عامًا .
ودارت المناقشات والتصورات حول كيفية التعايش مع مستجدات عصر العولمة ، وأساليب تقديم الإسلام للعالم بصورته الحضارية الحقيقية ، وطرق الرد على الافتراءات التي تشوّه سمعته ، سواء أكان ذلك من الحاقدين من غير المسلمين ، أم من المسلمين الذين يسيؤون بجهالتهم إلى دينهم العظيم .
وناقشت الحاضرات عدم وجود خطط مدروسة لمساعدة المسلمات في الخارج ، وهو ما يجعلهن يشعرن بأنهن يواجهن الضغوط والإغراءات وحدهن .
المسلمة الأندلسية :
عائدة روميرو ، من أسبانيا ، فتاة في العشرين من العمر تتحدث اللغة العربية الفصحى بطلاقة ، تعلمتها كما تعلمها أبواها اللذان أشهرا إسلامهما أيضًا ، وسافرت العائلة إلى مكة المكرمة لتتعلم الدين الإسلامي ، وأقاموا فيها مدة تسع سنوات ، وهناك أصبح والدها أستاذًا في الشريعة الإسلامية وصارت والدتها أستاذة في القراءة والتلاوة والتفسير ، وتقول : " الدين الإسلامي انتشر في نفوس أهل الأندلس بيسر وسهولة ، اعتنقوه وعرفوا عاداته وتقاليده التي مازلت باقية حتى الآن ، لكنه يجد أيضًا العوائق والأضرار الناتجة عن مؤامرات محاكم التفتيش ، التي حاولت بكل إمكاناتها تشويه صورة المسلمين ، فحولوا المساجد إلى كنائس ، ودمروا الثقافة الإسلامية ، وطردوا المسلمين ، وقالت : إن مشكلة الفتاة في البلدان الغربية أنها تتعلم دينها وسلوكها الإسلامي في منزلها بين عائلتها ، وفي بعض الحالات بين مجموعات صغيرة ومحدودة من المسلمين ، في المساجد والجمعيات المنتشرة في المدن الكبيرة .
والفتاة عندما تنتظم في دراستها مع رفقائها في المدارس الغربية النصرانية أو العلمانية ، تجد نفسها بين أمرين أولهما دينها وسلوكها الإسلامي ، الذي عليها أن تحميه وتتمسك به ، وثانيهما رفقاؤها في المجتمع الغربي المغري بالفساد والشبهات .
وأكدت ضرورة بناء مدارس ومعاهد إسلامية في البلدان الأوروبية والغربية ، على أن تكون معترفًا بها من الجهات الرسمية الحكومية ، وأعتقد أنه على الجمعيات والمنظمات الإسلامية في الأقليات المسلمة أن تتمسك ببعضها بعضًا ، وتعمل على كلمة واحدة ، حتى لا تشعر الفتاة المسلمة بالوحدة والغربة في المجتمع الغربي ، وحتى توقن أن دينها شرف كبير وتاج على رأسها .
وتضيف عائدة : أن المجتمع الغربي مهما بلغ من العلم والتقنية إلا أنه ملوث في جميع مجالاته ، وأشارت إلى إسهامات إسلامية في دعم المسلمين في أوروبا .
وتضيف قائلة : إن أسبانيا ، التي ظلّت دولة إسلامية مدة ثمانية قرون لا تعطي الآن أي اهتمام للغة العربية ، وكذلك للإسلام الذي لا يعرف أحد عنه شيئًا ، فيحاولون تشويهه بشتى السبل ، ويصورون المرأة المسلمة على أنها متخلّفة وجاهلة .
وذكرت أن الحكومات الغربية تفرض قيودًا وقرارات ، مثل الزواج ، وتعدّد الزوجات لا يقبلونه ، فالمرأة الثانية تعتبر كالعشيقة ولا يسمحون للرجل المسلم بأن يتزوج للمرة الثانية.
مدونة الأحوال الشخصية :
وتشير "مريم خنيجر " من المغرب ، إلى أن بلادها مقبلة على تطبيق مشروع الخطة الوطنية لدمج المرأة في التنمية ، خلال السنوات الأربع المقبلة ، وتعتبر أن هذا المشروع يلفظ آخر سمومه للقضاء على آخر حصن من حصون الإسلام المنيعة، وهي " مدونة الأحوال الشخصية ".
صوّر هذا المشروع الظروف ، التي تعيشها الفتاة المغربية المبنية على أُصول من الشريعة الإسلامية في صورة الانحطاط والتخلّف والظلم، وتؤكد مريم أن هذا المشروع ليس وطنيًا كما ادعى واضعوه ؛ لأنه عالج موضوع الأُسرة من منطلق أيديولوجي ضيق، وفي غياب العديد من الهيئات الوطنية ، فلم تتم استشارة العلماء ، أو حتى استقراء آراء المواطنين ، وجعل الطلاق في يد القاضي.
وقالت : إذا كان الطلاق من الحرية الشخصية التي يجب أن تقيد بسبب آثاره السلبية على المجتمع ، أفلا ينطبق الأمر بالأولى على الخمر ، والتي لها آثار مدمرة ، ليس على الأسرة فحسب ، ولكن على المجتمع برمته ؟ أليس الخمر من أسباب العنف ضد النساء .
وذكرت أن الأفكار التي ابتدعها المشروع تقسيم الملكية مناصفة بين الزوجين المنفصلين بالطلاق ، كما حدد سن الزواج بالنسبة إلى الفتاة ابتداءً من الثامنة عشرة ، واعتبرت ذلك نوعًا من القهر النفسي والاجتماعي ، والغريب في الأمر أنه في الوقت الذي ينادي المشروع بذلك ، نجده يشجع على العلاقات غير الشرعية بين المراهقين والمراهقات ، ونشر ثقافة الجنس في المدارس ، والدعوة إلى استعمال العازل الطبي ، حيث وصل الحال إلى توزيعه مجانًا في الأكشاك ، أليست هذه دعوة صريحة للجنس المحرم ، الذي اعتبره القرآن الكريم فاحشة ومقتًا ؟ ألا يعتبر 360 حالة أم عازبة تضع حملها في مستشفى " ابن رشد " في الدار البيضاء خلال سنة واحدة وفي مدينة واحدة مؤشرًا خطيرًا ، وكارثة وطنية؟.
قلب أفريقيا :
وتؤكد " فاطمة الزهراء " من جمهورية تشاد التي يشكل فيها المسلمون 85 في المئة من عدد السكان ، أن اللغة العربية هي اللغة المتداولة في تشاد ، رغم أن الاستعمار الفرنسي فرض اللغة الفرنسية ، إلا أن اللغة العربية لها قوتها وسيطرتها ، حتى أصبح في الدستور ، العربية والفرنسية لغتين رسميتين للدولة ، وذكرت أن تشاد موجودة في قلب القارة الأفريقية ، وليس لها منفذ بحري ، إلا أن الإسلام دخلها منذ زمن الهجرات ، وكانت لها ممالك إسلامية مثل " مملكة كانم ، وبرنو ، وودّاي ، وباقري " وكانت اللغة المتعامل بها العربية ودستورها الإسلام ، وعندما دخل الاستعمار عام 1900م أزال الممالك وفرض اللغة الفرنسية .
وأشارت إلى عدم تأثر البلاد بحركة التبشير باستثناء الجنوب ، حيث قامت حركات التبشير بإمداد السكان بالمعونات المادية وبناء المستشفيات والمراكز الصحية ، وقالت : إن للفتاة المسلمة في تشاد ميزة خاصة ، وهي أنها محتشمة وملتزمة بالأخلاق الحسنة ؛ لأن نشأتها في أُسرة إسلامية وأول نواة تعليمها هي " الخلوة " وفيها تتعلّم تلاوة القرآن الكريم والعلوم الدينية ، ثم تلتحق بالمدرسة الابتدائية ، وتكمل تعليمها .
وذكرت أن الفتاة التشادية كانت تسافر للدراسة في السودان وليبيا ونيجيريا وسوريا والجزائر ، كما أن لها دورًا في المجال الاقتصادي .
فقر وجهل :
وتؤكد " مناية أبو بكر " من غانا ، أن المرأة تعاني الفقر والجهل ، وهي في عمر الثلاثين تكون قد تزوجت ثلاث مرات ، وبشكل عام فإنها تسير وراء الصرعات الغربية ، وكل ما يصدره لنا الغرب من نمط حياة وسلوك ، والمرأة ا لمسلمة لا يوجد لها أي احترام ، والسبب في ذلك هو الجهل.
وتقول "كلثم كراسيروفا " من روسيا : نحن أقلية مسلمة ، وبالاجتهاد سوف ينتشر الإسلام ، لقد انتشر الفساد وتعاطي المخدرات بين الشباب من جميع الأعمار ، نحن نخشى على مستقبلنا ؛ لأنه لا يوجد من يلتزم بالدين ، أنا أدرس في المعهد الإسلامي في جمهورية "كازان " وهناك مكان واحد فقط في روسيا لتعليم الفتيات المسلمات ، ولابد أن نهتم بالعلم ، كما أوصت أول آية نزلت في القرآن الكريم : (اقرأ باسم ربك الذي خلق) .
وتضيف " نورا زكاي " من ألبانيا : إننا دولة يشكل فيها المسلمون 87 في المئة من السكان ، ويحتاجون دعم إخوانهم المسلمين ،منذ ثلاث سنوات بعد انتهاء الحرب في كوسوفا لم يزرنا أي وفد مسلم .
السفور بأمر الدولة :
وتقول " خالدة الرميثاء " من تركيا : لا يمكن أن أدخل من ساحة المدرسة وأنا أرتدي الحجاب ، كما أن المسلمات ممنوعات من ارتدائه على كل المستويات وفي المدارس والجامعات والدوائر الحكومية ، فمنذ عامين طردت أكثر من ألف امرأة من وظائفهن الرسمية بسبب قرار الحكومة منع الحجاب ، وأُجبرت أمي على ترك عملها في المدرسة ، وكذلك زوجة عمي ، وهي مهندسة نووية ، وبهذا فإن المسلمات في تركيا ، وخاصة المحجبات لن ينلن حقوقهن في التعليم والعمل .
شهادات :
وتتساءل " أمل البوعينين " من قطر عما تبقّى من الحضارة المدعاة في العالم في هذا القرن ، وتقول إن سحق الإنسان وإثقال كاهله بالمزيد من متاعب الحياة ربما يحظى باهتمام أكبر ، وتقول : إن نصيب المرأة قد يكون أوفر في تحمّل الأعباء خارج بيتها وداخله ، فهي اليوم باسم التطور السياسي تظهر كعبء على المجتمعات المتحررة في أوروبا ، فالفتاة المسلمة بغض النظر عن أنها عربية أو أوروبية تشغل بال أصحاب السياسة ، فمثلاً في الدنمارك الفتاة المسلمة " إسلام أمين " من عائلة تركية مسلمة أرسلتها المدرسة الثانوية للتدريب العلمي في فرع من فروع مركز تجاري شهير في كوبنهاغن ، فرفضتها إدارة المركز بحجة ارتداء الحجاب ، فما كان منها إلا أن قدمت شكوى لوزارة العمل الدنماركية ، التي أرسلت بدورها تحذيرًا لذلك المركز والمتاجر الأخرى بعدم التعرض لمسألة الحجاب ، ولم يلتزم ذلك المركز بهذا الأمر ، فلم تقف عن الدفاع عن حجابها قبل الدفاع عن تعليمها ، وقامت برفع دعوة قضائية أمام المحاكم وانتصرت فيها .
وتضيف قائلة : إن من نماذج التحدي الفاضح ، الذي تتعرض له المرأة المسلمة ، تلك البيانات التي صدرت عن مؤتمر السكان والتنمية في القاهرة ، والذي حطّ من شأن المرأة ، والتكوين الأُسري السليم الذي نادى به الإسلام ، فقد دعا إلى حرية الجنس للجميع دون أي التزام قانوني أو أخلاقي .
ــــــــــــــ
المصدر: زهرة الخليج
ــــــــــــــــــــ(42/66)
شبابنا .. والإعلام المعاصر
الشباب هم عماد كل أمة وسبيل نهضتها ، وهم عضلاتها المفتولة للبناء في سلمها ووقود حربها التي لم تنته بعد مع عدوها ، وهم الدروع التي تتحصن بها ضد من تسول له نفسه المساس بأمنها وتكديره .. وهم الأمل كذلك .. وفي مقابل ذلك هم الهدف الذي يصوب الأعداء سهام مكرهم للنيل منهم ومنها .. وأسلحتهم في ذلك ووسائلهم متعددة .. وأهمها وأخطرها (الإعلام) الذي تطور في هذا العصر بخطوات متسارعة مذهلة ، وغدت وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزيون وكتاب ومجلة ومسرح و ... وأخيرًا الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ، هي القوة المهيمنة على عقول وأفكار الناس عمومًا والشباب على وجه الخصوص .
وعن الواقع المؤلم لشبابنا الذي يكتوي بنار إعلام محطم للقيم يقول د. عباس محجوب في كتابه (مشكلات الشباب .. الحلول المطروحة والحل الإسلامي):
يمارس الإعلام في البلاد الإسلامية العربية - بوعي ، وبدون وعي أحيانًا - دورًا توجيهيًا مدمرًا ، بسبب أكثر ما يعانيه الشباب من تناقض بين قيم التربية التي تدرس له ، ثم ما يأتي الإعلام لنقضه وتشكيكه فيه ، الأمر الذي يوقعه في صراع نفسي وفكري ، فالصحافة لا تتورع أن تنشر حديثًا دينيًا عميقًا في صفحة ، وتنشر في الصفحة المقابلة لها صورة لحسناء فاتنة عارية أو شبه عارية.
وبينما تقابل صحفات الدول "الأيديولوجية" الخبر لتعيد نشره وفق رأيها ومعتقدها وتفسيرها للأمر ، تأخذ صحافتنا الخبر ذاته من وكالات الأنباء لتنشره ، دون تفكير فيه أحيانًا ، حتى أصبحت الوكالات تدس لهم أخبارًا يعلمون أنها ستنشر كما هي ، ولأنّ صحافتنا في مجملها تعاني عجزًا في المادة ، وقصورًا في تقديم الجديد المبتكر ، فإنها - وبغياب الفكرة والهدف من إنشائها - تقدم كل شيء متناقض ، ولا تلتزم بفكر ، ولا تعمل لهدف إلا الكسب المادي _ كما هو واقع الكثير الغالب _ لذلك كله تجد المقالات التي تشكك في القيم الأساسية ، وتدعو إلى الفجور ، وترضى - باسم الحرية - كل شيء حتى بعض ما يسيء إلى هيبة الدولة وأمنها وأسرارها.
وكذلك الحال في الإذاعتين المسموعة والمرئية ؛ فكلتاهما تستقطب الناس جميعًا ؛ المتعلمين وغير المتعلمين ، غير أن تأثير الإذاعة المرئية "التلفزيون" أعظم خطرًا ، وأبعد أثرًا في عقول الناس وآرائهم بعامة والشباب بخاصة .
والجهازان يعانيان من الإفلاس في الفكر والبرامج النافعة ، ويعتمدان على التمثيل الهابط ، والمعالجات التي لا تتصل بالواقع ، والمشكلات التي لا تعاني منها الدول التي تبث منها، إلا في القليل النادر، وكان الأولى كما يقول د. محجوب : على أجهزة الإعلام أن تشارك في تربية الشباب وبناء الأجيال ليكونوا رجالاً وصنّاعًا ومنتجين ، وليكونوا قوة بناء وحماية لدولهم ، وليكونوا علماء لا يعيشون على فتات الأمم ، ومساوئها في العادات والتقاليد والاهتمامات التي لا تحتاج إلى جهد وعلم في الحياة.
والشباب في مرحلة المراهقة مهيؤون أكثر من غيرهم لتقمص الشخصيات التن ي تنسخها أفكار وخيالات الكتاب ، وتزينها إبداعاتهم وتنفذها براعة الممثلين وتقمصهم ، وقبل ذلك تنسخ قوالبها سياسة تلك الوسيلة الإعلامية ، فرأينا الأوضاع مقلوبة : فالأقزام يتعملقون، والهوامش يُشار إليهم بالبنان ، والتوافه هم الأكثر جاذبية ويسيل لعاب الأمنيات نحوهم ، وفي مقابل ذلك لا نرى أثرًا للعمالقة ؛ وإذا ما ذُكروا فإما تهمّش أدوارهم أو تشوه صورتهم ، وما تزال صورة المعلمين وعلماء الدين على شاشات التلفاز أو السينما تثير الاشمئزاز والسخرية ، فذهبت هيبة الدين واللغة والتقاليد، وتحطمت الأخلاق والقيم بتحطيم هذه الشخصيات وتشويهها .. وقد أصاب هؤلاء الماكرون الشباب في مقتل حينما غيّبوا قدوتهم التي ينبغي لهم أن يقتدوا بها بل وشوهوها ومسخوها فأصبحت مثار سخرية وتندّر .. فإلى من يلجأ الشباب إذن ليكون قدوته ؟
لا بد أن يتجه إلى من يُزينهم الإعلام ويفرضهم فرضًا ليقتدي به المراهق الحائر ، فإذا تفرست في أزياء الشباب ترى عجبًا ، فهذا يعلّق لاعبا علقه ، وذاك يزيّن قميصه بصورة ممثل أو ممثلة لا فرق ! حتى أزياء غير المسلمين التي تحمل أعلام دولهم لا يجد الشباب حرجًا أن يرتديها ، ولو كان فيها الصليب النصراني أو الصليب النازي المعقوف ، وأصبحت لا تفرق بين جنس الشباب أذكر هو أم أُنثى لتشابه الحركات والأزياء ، وما كان بالأمس غريبًا وعجيبًا أضحى اليوم شائعًا بل الغريب ألا يُجارى .
ويفصل د. عباس محجوب بين ما يخططه غيرنا لشبابهم وما يكابده شبابنا من تجهيل وتسطيح لأفكارهم إعلاميًا ، فيقول : تقوم أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة في الدول ذات الأيديولوجيات والأفكار بدور رائد في توجيه الشباب وتثقيفه وإشباعه بالعقيدة التي تؤمن بها وربط حياته بتلك الأيديولوجية التي تنطلق منها في فكرها وسياستها واقتصادها وشؤون حياتها جميعًا .
وأضاف د. محجوب : إن لوسائل الإعلام من الخطورة في عصرنا ما قلل من دور البيت والمدرسة في تربية النشء وتوجيه الشباب ، وذلك بما تملكه من وسائل الاتصال الجماهيرية المختلفة التي تقتحم البيوت والمؤسسات والمنتديات ، سواء أكانت إذاعة أم تلفازًا أم صحافة، وكل هذه الوسائل تفرض نفسها على الناس ، وتؤثر تأثيرات مباشرة ، وتجتذب أكبر عدد منهم ، ولكنها مع ذلك كله عاجزة عن أن تقدم للناس ما تثرى به حياتهم وفكرهم ، وللشباب ما يرضي طموحاتهم للثقافة والمعرفة والترفيه ، وذلك لأنها تعتمد على برامج مستوردة لمجتمعات تختلف عنا في عاداتها، وطرائق حياتها، ومشكلاتها التي تعالجها ، والحلول التي تقدمها للمشكلات ؛ هذا في غير الجوانب العلمية غير الموجهة لخدمة أغراض أخرى.
وكان من آثار ذلك ظهور أنواع الانحرافات في صفوف الشباب بسبب ما شاهدوا في فيلم أو تمثيلية ؛ حيث إن المادة المقدمة لا تميز بين جرائم القتل والاغتصاب والسرقة والمخدرات ، وبين المواد القليلة المتصلة بالنواحي العلمية. كما أن الصلة مفقودة بين أجهزة الإعلام والتربية ومنظمات الشباب باعتبارها مكملة لبعضها ومتممة.
أو يحاكي ..
وبالطبع ستكون أحلام الشباب متناسبة مع أفكارهم الجديدة وأقصى ما يتمنون أن يكونوا مثل من يقتدون بهم ، فلو سألت شابًا عن أحلامه وطموحاته لن يكون غريبًا أن تكون إجابته المباشرة أو غير المباشرة ، الظاهرة أو التي لا يصرح بها، وهي في دواخل نفسه : أتمنى أن أصبح مثل لاعب القرن(الذي سقط في أتون المخدرات ولم يخرج منها حتى الآن و رغم سقوطه الأخلاقي المدوي أعلن العالم أنه لاعب القرن ؟! ويتمنى كذلك أن يكون مثل عازف الجيتار الفلاني أو المصور العلاني .. حتى الشخصيات التاريخية الواجب الاقتداء بها لا بد أن تكون مثل بونابرت أو تشرشل أو حتى هتلر و.. واختفت أو تشوهت صورة هارون الرشيد وطارق بن زياد بعد أن نسجت حولها من لوازم الإثارة والجاذبية ، فالإمام فلان لا بد أن يعشق، وإلا فما فائدة الجنس الناعم في الفيلم أو ما يسمى البطلة!!
أما عن الغرائز والمشاعر فحدث ولا حرج _ لا سيما غريزة الجنس ـ حيث الشاب في قمة القوة والعنفوان ، وفي حالة ضاغطة تبحث عن طريق للتفريغ . وقد ساهمت وسائل الإعلام مساهمة خطيرة في استثارة غريزة الجنس لدى المراهق ، ولم تدع وسيلة شيطانية إلا وأتت بها لتدخل مخادع الشباب وتصب الزيت على موقد غريزة الجنس الغائرة لديهم عن طريق الأفلام الداعرة والمشاهد الملتهبة والقصص الغرامية التي يشترك فيها الكتاب والقصة وقصيدة الشعر وخشبة المسرح والتلفاز والسينما .. إلخ .
ومما زاد الطين بلة والجرح إيلامًا أن منافذ الخير والرعاية لهؤلاء الحيارى تقلصت ، فسدت أمام الشباب والمراهقين طرق الحلال وضيّق عليهم ارتيادها، وزادت البطالة المشكلة تعقيدًا ، فأنى لشباب في مرحلة حساسة أن يتزوج وهو لا يستطيع أن يعول نفسه ، وخاصة أن الفتيات والمرشحات للزواج لهن فارس أحلام في خيالهن يردن أن يخطفهن ، ليس على صهوة جواد بل سيارة آخر موديل وشهر عسل في أوروبا.
ومع غياب التوجيه والإرشاد أو قلته في خضم اللهو والفساد المتراكم لا بد أن ينزلق الشباب ويقع في الفخ الذي نصّبه الأعداء ،بل وسعّروا نيران الغريزة الجنسية عن طريق الإعلام، وآخر البلايا ما تبثه شبكة الإنترنت من إباحية بصورة لا تكاد تتخيل ، تدع المرء حيران ، وصاحب الهم يزداد همًا ، ماذا نفعل أمام هذا الإعصار الهائج الذي لا يُبقي في طريقه ولا يذر خلية حية إلا أصابها ، إلا ما رحم ربي.
إحصاءات
ورغم ما تفرضه الدول من رقابة فقد أحكم الشر قبضته ، ونالت سهامه من هدفها، وهو الشباب ، والإحصاءات تصدق ذلك :
ففي إحصائية عن مشاهدة الفيديو جرت بلبنان تبين أن مشاهدة الأفلام الاجتماعية والعاطفية حازت على الدرجة الأولى ، وحلت الأفلام البوليسية المرتبة الثانية ، وما أدراك ما الأفلام البوليسية ، حيث هي كما عبر أحد خبراء الإعلام بأنها تؤثر كثيرًا على سلوك المراهقين والأطفال والنساء، وقال : " إذا كانت السينما من خلال الأفلام مدرسة لتعليم الإجرام ، فإن التلفزيون جامعة يتلقى فيها الناشئة فنون العنف ليخرجوا عتاة في الإجرام" ..
وجاء في تقرير من الولايات المتحدة: أن 49 في المئة من نزلاء مؤسسة عقابية (عدد من أُجريت عليهم الدراسة 110) أعطتهم السينما الرغبة في حمل السلاح ، و 12 - 21 في المئة أعطتهم الرغبة في السرقة ومقاتلة الشرطة ..
ودراسة ثالثة أُجريت على 252 فتاة منحرفة بين سن 14 - 18 سنة تبين أن 25 في المئة منهن مارسن الجنس نتيجة مشاهدتهن لقطات جنسية مثيرة بالسينما و41 في المئة قادتهن المشاهد إلى الحفلات الصاخبة والمسارح الليلية و4 في المئة هربن من المدرسة لمشاهدة الأفلام و17 في المئة تركن المنزل لخلاف مع الأهل حول ذهابهن إلى السينما .. كما جاء في تقرير الهيئة الصحية العالمية عن انحراف الأحداث على لسان أحد القضاة الفرنسيين العاملين في ميدان الأحداث " لا يخالجني أي تردد أن لبعض الأفلام وخاصة البوليسية المثيرة معظم الأثر الضار على غالبية حالات الانحراف لدى الأحداث" ..
الإنترنت
أما عن مخاطر شبكة الإنترنت على الشباب فيكفي أنهم أكثر مرتاديها ، بعد أن تعددت وسائل الإغواء والإغراء ، فأصبح لدى الشباب خصوصية الاتصال بالفتيات إن لم يكن مسموحًا في المنزل ففي النادي أو المقهى أو غيرها ، وأصبح التعارف المشبوه هو شعار مزيف يردده الكثيرون، وأعجب ما يقال وينادي به تحت ستار الحرية البراق " دع الشباب يتعرف ويتصفح ويغوص فنحن في زمن الإنترنت" و ... ولم يكذِّب الشباب خبرًا فانطلق من عقاله .. فما نتوقع وما نتيجة هذه المعادلة مراهقة + حرية +غياب وعي ورقابة ؟؟!!
ويكفي أن ندلل على النتيجة بآخر إحصاء أظهر أن واحدًا من بين كل خمسة من المراهقين الأمريكيين الذين اعتادوا الدخول إلى شبكة الإنترنت تلقوا محاولات غير مرغوبة لاستدراجهم لممارسة الجنس عبر شبكة المعلومات الدولية.
وأبلغ 19 بالمائة من 1500 من الشباب شملهم الإحصاء تتراوح أعمارهم بين العاشرة والسابعة عشرة عن محاولات لاستدراجهم لممارسة الجنس يعتقد أنها صدرت عن بالغين . وتعرف هذه المحاولات بأنها دعوات للانخراط في ممارسات جنسية أو حديث جنسي أو الإدلاء بمعلومات جنسية خاصة.
وكتب كمبرلي ميتشيل (من مركز أبحاث الجريمة ضد الأطفال بجامعة نيوهامشاير في دورام) يقول : " من منظور المخاطر .. الفتيات والشباب الأكبر سنًا ( من 14 إلى 17 عامًا) كانوا أكثر عرضة للاستدراج ، وكانت النسبة أعلى لدى الشباب الذين يعانون من المشاكل . كما ازدادت النسبة بين من يستخدمون الإنترنت أكثر ويشتركون في غرف الحوار ( أو الثرثرة) .. أو يتحدثون إلى الغرباء عبر الإنترنت أو يستخدمون الإنترنت من بيوت غير بيوتهم.
وفي إنجلترا ،الإمبراطورية التي غابت عنهاالشمس، ومن خلال استجواب 1344 شخصية اختصاصية حول العلاقة بين السينما وانحراف الناشئة - أجاب ستمائة منهم بوجود علاقة بين انحراف الأحداث والسينما ، هذا ناهيك عن بعض الدراسات الغربية حول بعض السرقات الكبيرة تبين أن الدافع إليها كان تردد الأحداث بشكل متكرر في قاعات السينما .. وليس عجبا أن يأتي ذلك من الغرب ، وإنما العجب أن تنبري إحدى المدارس ويتفتق ذهن عمالقة التربية فيها فيأتوا بما لم يأتِ به الأوائل ، فيضمنون امتحان اللغة العربية سؤالاً : تخيل نفسك تسطو على بنك لسرقته ماذا نفعل ؟!!
بل نحن ماذا نفعل أمام هذه المشكلة التي تتفرع وتتعقد يومًا بعد يوم ، وبعد هذا الواقع الأليم لإعلامنا الذي يكتوي بناره شبابنا الحائر ، هل من أمل في الإصلاح أم نركب مع المنهزمين والإمعات الذين يجدفون بمجداف ليس في الإمكان أبدع مما كان ؟..
كلا لا بد أن نبدأ ، ولكنها ليست بداية من الفراغ ، بل عندنا حجر الأساس الذي يغري بالإصرار على تكملة البناء، ثم لا بد من التخطيط من جديد لإعلامنا.
أهمية التخطيط
وعن أهمية التخطيط الإعلامي يقول د. عباس محجوب : لما كان لوسائل الإعلام تأثيرها المعروف في تكوين اتجاهات الشباب وأفكارهم كان التخطيط أمرًا لازمًا ، وليس ذلك التخطيط الذي يوزع عدد الأغاني بالتساوي بين المطربين ، وعدد التمثيليات الفكاهية والعاطفية .. إلى آخر ذلك ، ولكن التخطيط الذي يعمل على تكوين الاتجاهات السليمة ، والعادات المرغوبة ، والتدريب العقلي ، والمعرفة المتنامية ، والتخطيط المرتبط بفلسفة التربية والثقافة التي تعمل الدولة لها . ولا يمنع التخطيط مراعاة تحقيق أهداف الإعلام في الترفيه عن الناس ، وتثقيفهم ، ولكن يمكن أداء ذلك كله بأن يكون الترفيه هدفًا يحمل مضمونًا للسامع والمشاهد.
وعن أهمية نشر القيم والثقافة ، قال د. محجوب :
للإعلام قدرة على نشر القيم وتدعيمها في الشباب ؛ ليس عن طريق الوعظ والإرشاد ؛ بل عن طريق التطبيق العملي لقيم الدين والثقافة، وربط الأعمال المقدمة لخدمة الأخلاق والمثل ، وإيجاد القيادات الشابة من المبرزين منهم في دينهم وسلوكهم كنماذج حية لهم ، بالإضافة إلى نشر التراث والتعريف به ، وتخليصه مما نسب إليه ، وتوجيه الشباب ليخدم دينه وثقافته بنشره بين الناس ، والمشاركة في كل عمل يحقق تلك الأهداف .
ويمكن للإعلام إبراز كل عمل يقوم به الشباب في مجال التعليم ومحو الأمية ، والمواسم الثقافية ، والأعياد القومية ، والمسابقات الفردية والجماعية ليكون ذلك كله حافزًا إلى مزيد من الإبداع والاجتهاد.
ويقتضي هذا أن تقوم أجهزة الإعلام بتقديم المناهج الدراسية مسموعة ومرئية للمراحل المختلفة ، بل وتتيح فرصًا أكبر للشباب بالمشاركة في تقديم البرامج المختلفة ، وخاصة من أظهروا مواهب في الأدب ، أو التمثيل ، أو الإلقاء ، أو غير ذلك من المواهب التي تحتاج إلى صقل وتوجيه وتشجيع.
ذاك هو الواقع وهذا هو المأمول ، ويبقى السؤال الحائر الذي تزداد الإجابة عليه غموضًا مع تغوّل الإعلام وهيجانه في عصر العولمة التي ما ابتدعت إلا لتصيب الإسلام وأهله في مقتل وشبابه بالذات .. الخطب جلل .. ومقال كهذا أهون من أن يجيب عن التساؤل " ماذا يفعل الشباب أمام غول الإعلام .. والمسؤولية كما هي مضاعفة فهي مشتركة .. فالكل مطلوب منه أن يأخذ بطرف منها لنعود ونقول بالفم الملآن " شبابنا هم عدتنا وعتادنا وهم أملنا وضياؤنا" وسلمت يا شباب .
ــــــــــــــــــــ(42/67)
الانترنت تسبب أزمات نفسية للشباب
يعرف علماء النفس أعراضا تصيب بعض الرجال والنساء في عقد الأربعينات، ويطلقون عليها أزمة منتصف العمر. وتنشأ هذه الأزمة عادة من إحساس الفرد بأنه قطع شوطا غير قليل من عمره ولم ينجز بعد شيئا مما كان يتمناه لنفسه. أو إحساسه بأنه يودع مرحلة الشباب ويدخل طور الشيخوخة، وبالتالي فعليه أن يسرع بالاستمتاع بحياته قبل أن يسرقه الزمان ويضيع العمر.
ومن تصبه أزمة منتصف العمر يبدأ في التساؤل عن جدوى وظيفته، وما الذي حققه منها؟! ثم يقارن باستمرار بين ما حققه زملاؤه وأصدقائه من نجاح مادي أو مهني وبين ما لديه.
وتكون نتيجة المقارنة دائما محبطة بالنسبة له، الأمر الذي يدخله في دائرة من الضيق والملل.
هذا في الجانب المهني والمادي، أما من الجانب العاطفي فكثيرا ما يشعر من يمر بهذه الأزمة بأنه لم يجد الحب الحقيقي الذي يملأ عليه مشاعره، وأنه يضحي بسعادته على مذبح التزامه تجاه أسرته، ومن ثم يقرر أحيانا الدخول في تجربة عاطفية جديدة بغض النظر عن العواقب.
وأزمة منتصف العمر تحظى باهتمام خاص في المجتمعات الغربية بسبب قسوة العمل وشدة المنافسة مما يجعل الفرد في بداية حياته يسخّر كل ما لديه من قدرات لتحقيق النجاح.
فأن تحقق بعد سنوات من العمل الشاق بدأ يفكر فيما ضاع من عمره وكيف يمسك بتلابيب الباقي.
والجديد الذي اكتشفه باحثان شابان في علم النفس أن أزمة منتصف العمر زحفت إلى الشباب في المجتمعات الغربية.
وحسبما يقول الباحثان الكسندرا روبينز وآبي ويلنر: "كان الناس يفكرون في أنهم لابد أن ينجزوا شيئا ما عندما يصلون لسن الخامسة والاربعين. أما الآن فإنهم يفكرون بنفس الطريقة في سن الخامسة والعشرين."
أما أسباب هذا التطور الجديد فيشرحها الباحثان في الدراسة التي نشرت تحت عنوان: "أزمة ربع العمر: تحديات فريدة تواجهها في العشرينات من عمرك." ويقع على رأس إسباب إزمة ربع العمر ثورة الإنترنت.
وأدت الثورة في تكنولوجيا المعلومات إلى إتاحة الفرصة لشباب كثيرين في العشرينات لتحقيق دخول عالية والحصول على وظائف ممتازة بشكل لم يكن متاحا للاجيال السابقة. وبالتالي تزايدت التوقعات بتحقيق نجاح كبير قبل ان تنقضي فترة العشرينات من العمر.
وإذا نظر شاب إلى زميله الذي يعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات ويتقاضى راتبا ضخما بينما هو يؤدي عملا تقليديا بأجر تقليدي، فمن الطبيعي أن يشعر بأنه لم ينجح، وأن زملاءه تفوقوا عليه.
وإذا سيطر هذا الشعور على ذهن الفرد فإنه يدفعه لأزمة شبيهة بأزمة منتصف العمر رغم أنه في العشرينات لا الأربعينات.
سبب آخر يقدمه عالم النفس البريطاني ديك بايلز لأزمة ربع العمر وهو الثقافة السائدة بين كثير من الشباب، وتتلخص في " اعمل بأقصى ما تستطيع، واستمتع بأقصى ما تستطيع." والنتيجة هي حياة مهنية ناجحة وحياة شخصية فاشلة.
وبعد بضع سنوات من الحياة بهذه الطريقة يشعر الشاب بالفراغ العاطفي وبأن عمله يهدر عمره بلا سعادة حقيقية, ويدخل في أزمة ربع العمر.
والنصيحة التي يقدمها لك علماء النفس لتجنب أزمة ربع العمر هي ألا تحاول أن تحمل نفسك ضغوطا فوق طاقتك، وألا يدفعك الطموح الشديد إلى اعتصار نفسك اعتصارا؛ لأنك بهذا تحرق قدراتك وطاقاتك بسرعة.
فعليك أن تتذكر أن الحياة ليست نجاحا ماديا فقط ، بل إن هناك جوانب أخرى كثيرة يمكن أن تحقق لك السعادة والاستقرار النفسي، مثل مشاركة الحياة مع من تحب، ومثل التمتع بجو أسري جميل.
ويبدو أن عالم اليوم ـ القائم على ثورة المعلومات والاتصالات وحرية المنافسةـ أضاف الكثير لتقدم الانسان. لكنه أضاف قدرا لا يستهان به لتعاسته، وأصبح شباب اليوم يعانون من ازمات الشيوخ.
تعليق:
هذه حياة شباب الغرب والمتشبهين بهم ، أملهم تحقيق أكبر دخل مادي ثم إنفاق هذا الدخل في تحقيق أكبر قدر من اللذة والمتعة بأي صورة من الصور ، فإذا فشلوا في تحقيق ذلك فإنها التعاسة التامة والإحباط الكامل .. وصدق الله إذ يقول : " والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم ".
ــــــــــــــــــــ(42/68)
الشباب الأمريكي يفضل المرح و الجنس على الزواج
يعتبر شبان أمريكيون كثيرون الحب والزواج تقليدا عفا عليه الزمن ويفضلون عليه الجنس العارض والعلاقات غير الدائمة.
تشير دراسة أجراها مشروع الزواج القومي بجامعة روتجرز إلى أن الشباب الأمريكي ذكورا وإناثا في العشرينات لا يهتمون بالسعي للزواج عندما يلتقون على خلاف أجيال سابقة، إنهم يفضلون ما أسمته الدراسة "الجنس بدون قيود والارتباط بدون شروط ".
قال ديفيد بوبنس المدير المشارك للمشروع القومي للزواج وأستاذ علم الاجتماع بجامعة روتجرز: "الوضع الحالي على ساحة العزوبية لا يشير إلى الزواج أو يهتم بالحب الرومانسي كما كان يحدث في الماضي".
قامت الدراسة باستطلاع عينة من رجال ونساء غير متزوجين تتراوح أعمارهم بين 21 و29 سنة في خمس مناطق حضرية كبرى في نيوجيرزي وأتلانتا ودالاس وشيكاجو ولوس انجلوس ، وأغلبهم تلقوا تعليما بعد المرحلة الثانوية ولكن لا يحملون درجات جامعية.
وكان الاستطلاع جزءا من التقرير الثاني للمشروع المتعلق بقضايا الزواج في الولايات المتحدة تحت شعار "حالة ارتباطنا عام 2000 ".
نتائج الدراسة
قالت الدراسة إن الشباب الأمريكي الحالي أكثر تركيزا على المرح والمكاسب المالية وأقل اهتماما بإقامة علاقات دائمة تنتهي بالزواج ورعاية أسرة.
وأشار البحث إلى أن الشباب الأمريكي يفضل العيش مع رفيق كاختبار لرابطة الزواج في المستقبل أو كبديل للزواج ويعتقد أن ممارسة الجنس هي للمتعة فقط بدون ارتباط ويخشى الطلاق ويرى في الزواج والطلاق التزاما اقتصاديا.
ومن الغريب أن أغلب الرجال والنساء الذين شملتهم الدراسة يتوقعون أنه سيأتي اليوم الذي يلتقون فيه بالرفيق الصالح للزواج الذي يلبي احتياجاتهم العاطفية والروحية، ولكن المشكلة في رأي الباحثين أن العادات الحالية في الجنس العابر والعلاقات العابرة لا تحقق هذا الهدف.
قالت الباحثة بربارا وايتهيد إن الرجال والنساء الذين أجريت عليهم الدراسة لم يفضلوا الزواج لأنهم عاشوا أحداث طلاق بين آبائهم وأمهاتهم ولذلك يخشون الارتباط العائلي.
أضافت أن رفضهم للزواج "رد فعل لحماية النفس بسبب ارتفاع معدلات الطلاق" ، ومحصلة هذا كما تقول الدراسة إن شابات كثيرات يعتبرن الأمومة بدون زواج أصبحت بديلا مناسبا0
ــــــــــــــــــــ(42/69)
أزواج وزوجات لليلة واحدة
تقاليع غريبة ومشينة بدأت تظهر بين طلاب وطالبات الجامعة والمتصابين ، من أصحاب المال ، حيث يتحدثون الآن عن أنواع جديدة من الزواج لم نسمع بها من قبل ، وأقل ما يقال عنها: إنها فساد وانحلال خلقي وجريمة بكل المقاييس ، فهناك حالات زواج يقولون عنها زواج " الدم " أي يمزج الشاب والفتاة دميهما ، ليعلنا أنهما ارتبطا برباط مقدس يتيح لهما التصرف كزوجين ، وهناك زواج " الروح " هو تلاقي الأرواح والأجساد ، ثم زواج " الويك إند " عطلة نهاية الأسبوع ، أو زواج اليوم الواحد ، الذي لا يقتصر على الشباب ، بل يمتد إلى وسط رجال الأعمال .
قد يقول قائل : إن هذه الأنواع الشاذة من السلوكيات لم تنتشر كثيرًا بعد ، بين الشباب والفتيات ، ولم تصبح ظاهرة ، ولكنها موجودة بالفعل .
فساد خلقي :
ترفض سهى حسين (مهندسة) مبدأ وجود هذه الظاهرة الشاذة ، مشيرة إلى أن الله سبحانه وتعالى ميز الإنسان بالعقل وفضله به على سائر المخلوقات التي تسعى إلى إشباع غرائزها الشهوانية بغض النظر عن أي اعتبارات نفسية كانت أو أُسرية أو اجتماعية ، أما أن يتزوج الإنسان ليوم واحد بهدف قضاء شهوته ، فهو يتحول إلى ما يشبه الحيوانات فعلاً غريزة وهدفًا ، وهذا كفيل بأن يدمر العلاقة الزوجية ، ويقوضها من أساسها .
ولذا أطالب الزوجات بأن يراعين أزواجهن وألا يهملن حياتهن العاطفية ؛ لأن ذلك يخلق جوًا من الحرمان عند الرجال ، فيبحثون عن تلك العاطفة المفقودة ، ولو ليوم واحد .
ويقول نور الدين عبد الحميد " موظف " : أرفض تمامًا مجرد فكرة هذا الزواج ؛ لأنه ببساطة شديدة يدمر الحياة الإنسانية .
ويتساءل : ما الداعي إلى هذا الزواج ؟ إن كان لمجرد إشباع الرغبة فما الفائدة منه ؟ وكيف لشخص سافر لقضاء حوائجه أن يتزوج لمجرد أنه يريد امرأة ليوم واحد ؟ فلماذا لا يأخذ زوجته معه ؟ إننا نقلد الغرب في هذا الأمر الذي لا فائدة منه .
زواج الدم :
وتطالب سهام مصطفى الطالبة في كلية الآداب ، الشباب والفتيات بضرورة البعد عن هذه التقاليع المشينة ، وتتعجب " كيف لإنسانة متعلمة على قدر من التربية والخلق ، والمفروض أنها تخاف الله ، أن تمارس الجنس مع شاب مدة يوم واحد ، والادعاء بأنهما متزوجان ، دون علم الأهل ؟ .
وتقول إن هذا الفعل سيكون دمارًا لها لأنها لم تعد بكرًا كما أنها وضعت نفسها في موضع الشبهات .
ويشير سعيد عبد العزيز " مدرس " إلى أن تأخر سن الزواج ، إضافة إلى العوامل المادية والظروف الاقتصادية الصعبة ، التي تواجه معظم الشباب لها تأثير كبير في ما نشاهده اليوم من انحراف في السلوك واعوجاج في الشخصية ، إضافة إلى الثقافة الغربية التي تفد إلينا عبر الفضائيات ، مما يدفع الشباب إلى التقليد الأعمى دون مراعاة لما يناسبنا ويناسب تقاليدنا وديننا ، وهذا في نظري زنا ، وأن اختلفت المسميات ، سواء أكان عرفيًا أم بالدم أم بالروح ، أم ليوم واحد .
وترفض ريهام محمود الطالبة في كلية الطب ، أن تكون زوجة نهاية الأسبوع أو أيام العطلة فقط ، أو أي صورة أخرى ، غير الزواج الذي يرضاه والدها وترضاه الفطرة السليمة ، والزواج أساسه الاستقرار والعشرة الطيبة ، أما هذا الزواج فينتهي بمجرد زوال شهوة الطرفين ، وترى أن هذه التقاليع نجمت عن بعد الشباب عن الدين .
الزواج اتفاق :
وبالرغم من أن الأغلبية العظمى من الشباب ترفض هذا الزواج ، إلا أنه موجود بالفعل وله أنصار يدافعون عنه ويعتبرونه حلاً لمشكلاتهم العاطفية .
يقول : " س . ل . ع " رجل أعمال : أنا متزوج منذ 30 عامًا ، وطوال هذه المدة لم تحاول زوجتي أن تتأقلم مع وضعي الجديد ، الذي يضطرني إلى السفر باستمرار ، ولذلك أتزوج بأخريات مدة يوم واحد ، وأتعجب من الذين يرفضون هذا الزواج ؛ لأنه بموافقة الطرفين ، وهذا مسجل في العقد ، الذي يتضمن هذا الشرط والمهر (المقابل المادي).الزواج نوع من الرضا والقبول بين الطرفين ، وهذا يساعدني كثيرًا في أداء عملي .
وتدافع " هدى .م " _أرملة وأم لثلاثة أولاد _عن هذه الفكرة قائلة : توفي زوجي منذ 3 سنوات ، وما زلت صغيرة وجميلة ، وإلى الآن لم يتقدم أحد لخطبتي ، وأنا على استعداد للقبول إذا جاءني شاب يطلبني للزواج مدة يوم واحد ، لأقضي معه يومًا بعقد ، ولا تنسوا أنني بشر ولي متطلبات عاطفية .
رأي الدين :
ويقول الدكتور محمد زكي عبد المجيد ، الأستاذ في جامعة الأزهر : لابد أن يتوافر في الزواج شروط وأركان ، ومنها الإيجاب والقبول بين الطرفين وشاهد العقد ، والولي ، وإشهار هذا الزواج ، فإذا تحققت هذه الشروط كان زواجًا شرعيًا ، لكن زواج اليوم الواحد ، كغيره من ألوان الزواج الفاسدة ، وهو حرام ، ولا حجة لمن يقولون إن الزواج رضا وقبول ؛ لأنه قول غير صحيح ، والدين الإسلامي بريء منه ، الزواج الذي يقوم على تحقيق المتعة الجسدية مؤقتًا بيوم واحد لا يمكن أن نقول إنه زواج .
ويطالب الشباب بأن يتمسكوا بعفتهم حتى ييسر الله لهم زواجًا شرعيًا ، ويدعوهم إلى التمسك بسنة المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن يبتعدوا عن التقليد الأعمى .
ويقول الدكتور أحمد محمد الجداوي ، أستاذ علم النفس في جامعة الأزهر : إن الشباب في سن معينة يلجأ إلى التقليد الأعمى دون معرفة العواقب الناتجة عنه ، وغالبًا ما يبدأ هذا التقليد في الجامعة ، وتبدأ معه علاقات الحب المشبوهة ، والتي تندفع فيها الفتاة بكل عواطفها تحت مسمى الحب ، والحب بريء منهم .
ويضيف قائلاً : إن الذين يقدمون على هذا الزواج المؤقت نوعان ، الأول : أولاد الطبقة ذات المستوى العالي " أولاد الذوات " ، والذين يذهبون لقضاء يوم في أي مكان سياحي بعيدًا عن البيت ، وبالتالي يصطحبون معهم الجنس الناعم ، ويتم الاتفاق على المدة والأجر ويزول العقد بزوال الشهوة .
والثاني : الطبقة الفقيرة ويقومون بهذا الزواج لإرضاء ضمائرهم وإقناع أنفسهم بأنهم لم يرتكبوا حرامًا ، وإنما هو زواج ، هروبًا من الظروف الصعبة وتقليدًا للغرب .
ويقول : إن هذه سلوكيات تحتاج إلى دراسة جادة ويتحمل المسجد والبيت والجامعة مسؤولية كبيرة تجاهها .
ــــــــــــــــ
المصدر:زهرة الخليج
ــــــــــــــــــــ(42/70)
التجنيد عامل بناء أم ...
يسعى معظم الشباب في دولهم المختلفة إلى تفادي استحقاق تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية ، لأنها تنتظرهم عند مفترق مهم وحساس من حياتهم ؛ قد يؤدي ولوجهم فيه إلى تحولات وانفصامات تعيد تشكيل حياتهم من جديد .
وبينما ألغت كثير من الدول الخدمة العسكرية الإلزامية ، وحصرت جيوشها بالوحدات المحترفة كهولندا وفرنسا ، إلا أن الاضطرابات والحروب ما تزال تهدد الكثير من الدول والمجتمعات ، ويبدو أن على الشباب أن يدفعوا أثمان سياسات دولهم من أعمارهم .
وتتفاوت نتائج الخدمة العسكرية وآثارها بحسب وظائف الجيوش وكثرة مهامها ، ففي العراق قد تصل فترة الخدمة الإلزامية في الجيش إلى نحو 12 عامًا ، وقد تمتد العمر كله ، وفي روسيا قد يدفع المجند حياته ثمنًا لإرساله من دون تدريب إلى حرب الشيشان مثلاً .
وفي الجزائر زجت الدولة خلال سنوات المحنة في تسعينيات القرن الماضي بالمجندين في مواجهة المقاتلين المحترفين من الأهالي ، أما في لبنان فقد أدى تضخم الحاجات الأمنية للدولة في مقابل وضعها الاقتصادي السيء إلى الإصرار على أخذ الشباب سنة إلى الخدمة العسكرية .
في العراق.. حرب تلو حرب، ويتواصل الكرب..
ينص قانون الخدمة العسكرية في العراق على تحديد ثلاث سنوات يقضيها الذين لم يكملوا تعليمهم . وسنة ونصف السنة لمن أكمل الدراسة الجامعية ، بينما تبلغ الخدمة لأصحاب الشهادات العليا ستة أشهر ، ولكن لأن حرب إيران استمرت 8 سنوات في الثمانينات ، بدا من الطبيعي أن يتجمع نحو مليون رجل عراقي في الجيش ، وأصبح الحديث عن التسريح من الخدمة العسكرية شيئًا أقرب إلى الخيال ، ولم تبدأ أولى المجموعات في مغادرة الثكنات والعودة إلى الحياة إلا بعد نهاية الحرب بنحو ستة أشهر أي في أوائل عام 1989م .
ولم تتم فرحة واستبشار باقي الجنود بالخروج إلى الحياة ، إذ ما لبث أن تم غزو العراق للكويت ، كي يتم استدعاء مئات الآلاف من الجنود إلى "أم المعارك" التي ساهمت نتائجها الحاسمة في خروج أعداد كبيرة من شباب العراق من أتون الخدمة العسكرية ، وأصبح وجود أعداد كبيرة من الجنود عبئًا على قيادة الجيش التي عادت فقررت الالتزام بالفترات المحددة للخدمة العسكرية ، وعدم تمديد المدة .
كما أصدر مجلس قيادة الثورة عام م1994 قراراً بإمكانية دفع "بدل نقدي" مقداره مليون دينار عراقي يصبح بموجبه المكلف حرًا من أداء الخدمة العسكرية ، عدا ثلاثة أشهر هي فترة التدريب الأساسي ، ويدفع المطلوبون لأداء خدمة الاحتياط البالغة شهرين من تجاوز الخدمة مقابل دفع نصف مليون دينار عراقي .
ومع تفاقم حالة الفساد الإداري بدأ الضباط في تلقي المبالغ في مقابل غض النظر عن دوام الجند في وحداتهم ، الأمر الذي حدا بالسلطات العراقية إلى إصدار قرارات بإيقاع عقوبات قاسية بالضباط الذين يتلقون مثل هذه الرشاوي .
وعلى الجندي المجند أن يتحمل الأعباء التي من أبرزها تكاليف الانتقال إلى الثكنات التي تكلفه أكثر من راتبه الشهري بكثير ، إضافة إلى تدني نوعيات الطعام ، وشراء البذلة الإضافية وتوابعها من حذاء وبريه ونطاق وسترة شتوية ، علمًا بأن الراتب الشهري للجندي العراقي يصل إلى نحو عشرة آلاف دينار . ولكنه غير كافٍ لمتطلبات النقل من وإلى الثكنة - وحدها - مما جعل الخدمة العسكرية عبئًا مضافًا على كاهل العائلات العراقية ولا سيما حين تشمل الخدمة العسكرية أكثر من ولد في العائلة الواحدة .
تونس تخفض الخدمة إلى سنة واحدة
تراجعت فترة الخدمة العسكرية في تونس تدريجيًا من ثماني سنوات إلى سنة واحدة ، في آخر قانون للخدمة العسكرية الوطنية ، وبموجب البند الأول من القانون الأخير ؛ فإن كل شاب يبلغ العشرين من عمره "مطالب شخصيًا بالخدمة الوطنية ، ما لم يثبت طبيًا أنه عاجز جسديًا" ، كما أتاح القانون للشباب الذين بلغوا سن الثامنة عشرة أن يطلبوا أداء الخدمة "بعد الحصول على ترخيص من أوليائهم وموافقة وزير الدفاع" .
وإضافة إلى ذلك أتى القانون الأخير والتعديلات التي أدخلت عليه بتسهيلات تتيح لمن لديهم موانع وجيهة تحول دون القيام بالخدمة العسكرية إرجاء فترة الخدمة إلى ما بعد استكمال دراستهم ، أو تدريبهم المهني ، أو حتى إعفائهم تمامًا في حالات محددة ، ويعتبر الشباب الذين أكملوا سنة الخدمة العسكرية من ضمن جيش الاحتياط لفترة تستمر أربعًا وعشرين سنة ، لكن عند الاقتضاء يحق لوزير الدفاع الإبقاء على أفراد الحصة في الخدمة الوطنية إلى ما بعد الفترة القانونية ، أو معاودة دعوتهم للخدمة المباشرة . وقد لوحظ أن التكوين العسكري صار يركز على استيعاب الشباب في كليات عسكرية متعددة التخصصات مما يدل على إعطاء الأولوية لنوعية التكوين وليس الكم .
ولمراعاة ظروف الطلاب في الجامعات والعاملين في قطاعات اقتصادية دقيقة ، والذين لا يستطيعون أداء الواجب العسكري أدخل التونسيون نظامًا جديدًا يعرف "بالتعيينات الفردية" ، ويتمثل ببقاء المجند في موقع العمل أو الدراسة مع دفع ضريبة شهرية لوزارة الدفاع بعدما يتلقى تدريبًا مكثفًا على استخدام السلاح يستمر فترة قصيرة ، وامتد هذا النظام ليشمل الطلاب والعمال التونسيين المغتربين ، بشرط الاستظهار بشهادة إقامة في بلد عربي أو أجنبي ، وشهادة التسجيل لدى الجامعة أو المؤسسة التي يعمل فيها ، ويعفى من الخدمة كل من يثبت طبيًا أنه غير مؤهل للقيام بالواجب العسكري ، أو من لديه أسرة في كفالته .
400 بليون ليرة يوفرها المجندون اللبنانيون
خفَّض قانون خدمة العلم في لبنان الخدمة العسكرية الإلزامية من سنة ونصف السنة إلى سنة واحدة فقط ، يعفى من أدائها الشباب الوحيدون لأهلهم ، أو المرضى أو الذين يعانون من إعاقات مزمنة . ولكن مشكلة التجنيد تكمن في الأعباء المالية الإضافية على الأهل ، إذ يقتصر ما يتقاضاه المجند في الشهر على 90 ألف ليرة لبنانية ، وهو مبلغ لا يكفي لتنقلاته بين الثكنة والمنزل ؛ في حين تنتظر الكثير من العائلات اللبنانية في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة أن يبلغ أبناؤها هذا العمر ليساعدوا العائلة في أعبائها .ولكن لخدمة العلم فوائد في لبنان بشكل خاص ، كما أفاد مصدر عسكري لبناني ، وهي :
1- تحقيق الانصهار الوطني ، بخلق جو من التقارب بين الشباب اللبناني المتعدد الطوائف ، وإزالة الحواجز النفسية بينه .
2- تأمين عدد وافٍ للجيش اللبناني ، فقد حدد القرار السياسي الحاجة الأمنية والدفاعية بنحو 65 ألف عسكري ، والجيش مكلف كذلك بحفظ الأمن على الأراضي اللبنانية منهم 40 ألف متطوع ، والـ 25 ألفًا المتبقين هم من المجندين ، واستبدالهم بمتطوعين يكلف الدولة نحو 400 بليون ليرة لبنانية في السنة .
3- اكتساب روح المسؤولية والرجولة والابتعاد عن أجواء الانحراف والمخدرات ، كما تشكل فرصة لتوعيتهم صحيًا ومدنيًا ، وتتضمن الدورات برامج لمحو الأمية وتعلم بعض المهارات الأخرى .
هذا ويقيم خارج لبنان عدد من الشبان الذين بلغوا سن التجنيد أو تجاوزوها ويخشون من العودة إلى وطنهم بسبب استحقاق الخدمة العسكرية ، لذا سنّ المسؤولون قانونًا مفاده أن كل لبناني مغترب (في سن التجنيد) يقيم أكثر من عشر سنوات في بلاد الاغتراب ويرغب في زيارة لبنان ، عليه أن يحضر إفادة من السفارة اللبنانية في البلد الذي يقيم فيه ؛ تؤكد إقامته هناك أكثر من عشر سنوات ، وعند مجيئه إلى لبنان عليه أن يتقدم بها إلى أقرب قسم تعبئة ، فيعطى فورًا ترخيصًا بالتجول على الأراضي اللبنانية لمدة ثلاثة أشهر ، ويخرج بعدها من لبنان دون أن يعترضه أحد .
مأساة الشباب وملهاة آخرين .
لا شك أن هذه الجولة السريعة تعكس صورة قاتمة من حياة الشباب ، جيل البناء ! وليس من فرق كبير بين الدول العربية في قضية التجنيد الإلزامي ، فيكاد المشهد الذي عرضناه ينسحب على كل مشاهد مسرح التجنيد في الحياة العربية .
ومن كان يتصور أن تتحول قضية "الوطنية" والدفاع عن الأرض والأهل والمال من قضية دينية عقيدية إلى مأساة متجددة باستمرار ؟! . ومن بوسعه أن يدرك كيف تحول جيل الشباب المفعم بالحيوية والنشاط والطموحات ، الذي هو القاعدة الأساسية في البناء والتنمية إلى جيل محبط ، مليء بالحسرة والندم على ما مضى من العمر ؟! . وكيف يمكن للطموحات أن تعيش في ظل الفساد العريض الذي يسود أجواء "الجيش" في بلادنا ؟! وهل دار في خلد الشباب العراقي مثلاً الذي دخل الجيش في سن 18 سنة 1980م أن يخرج منه في سن 28 سنة ، ثم يدخل في مأساة حرب الخليج الثانية المستمرة حتى الآن ؟! بين مأساة الشباب ، وملهاة آخرين تضيع الأوطان باسم الدفاع عنها ، فهل إلى خروج من سبيل ؟! .
ــــــــــــ
الحياة :13835
ــــــــــــــــــــ(42/71)
" من عانس إلى مطلقة.. يا قلبي لا تحزن "
من جحيم.. إلى جحيم !
هكذا قالت صديقتي بصوت متهدج ، وابتسامة مغتصبة وعينين تجمعت على سطحهما قطرات دموع جاهدت لابتلاعها ، فكانت تزدري ريقها بصعوبة ،وتحاول الظهور بمظهر المتماسكة ،وهي ترد على مشاطرتي لها بعد طلاقها من زوج لم تمكث في بيته أكثر من عام !
لم أستفسر منها عن أسباب الطلاق ، فقد كنت أعلمها تقريبًا مسبقًا ، إذ تعددت خلال ذلك العام محاولاتنا وأزواجنا لإصلاح ذات بين صديقتي وزوجها ..
وللحق كانت هي أحرص على استمرار حياتها ، وكلما كان لفظ الطلاق يتردد في إحدى جلسات التحكيم والإصلاح كانت تهز رأسها ، وكأنها تطرد هاجسًا مخيفًا ، أو خاطرًا مزعجًا ، فقد كانت تريد أن تظل زوجة مهما كلفها ذلك من عناء نفسي ، وكبدها من تنازلات ، كانت تريد أن تنفض عن كاهلها اللقب البغيض " عانس " ، وتحمل لقب " زوجة " ؛ حتى لو كان زواجها على فوهة بركان نوحتى لو كان رجلها لا يرعى فيها إلا ولا ذمة !
ولا أحسبها إلا محقة ، فما قاسته في بيت أبيها من عنت ، واضطهاد ، وتحقير جعلها تتحين أية فرصة للخروج من كهف العنوسة ولو إلى كهف أضيق وأظلم .
كنت موضع شكواها.. وكثيرًا ما استودعتني مواقف تؤكد أن والديها وأشقاءها كانوا يعاملونها بفظاظة ، وغلظة ، ويعيرونها بعنوستها ، ويشعرونها بأنها ضيف ثقيل طال مكوثه عند من ضجروا منه ، ولم يجدوا بُدّاً من مواجهته بضجرهم وتضررهم .
بكاؤها المتشنج كان يمزق قلبي ، ولا أملك إلا الدعاء .. مقترنًا بالسعي لتزويج هذه الفتاة الطيبة .. المتدينة .. الخلوقة .. المتعلمة.
نعم فلم يكن يعيب صديقتي إن اعتبرنا خلق الله - والعياذ به - عيبًا سوى شكلها ، وإن كانت خفيفة الظل .. خفيضة الصوت .. خيرة إلى أبعد حد ، وكم رشحت لها .. ورشحت صديقاتنا الأخريات راغبين في الزواج يضاهونها سنًا وعلمًا ، وكان هؤلاء يجيئون لرؤيتها.. ويذهبون بلا عودة ، فتقول هي بأسى : لا تتعبي نفسك .. أعرف أنني لا أروق لأي رجل .. مهما كان دميمًا ، ثم تنخرط في بكاء شديد ، وتقول بلهجة متشنجة : " الحمد لله على عطائه .. أنا لم أخلق نفسي .. فلماذا يعاقبونني على ما لم أرتكب ؟ ولماذا تلام الفتاة إن رفضت رجلاً لا يروق لها شكلا ؟ - ويلتمس العذر لأي شاب يرفض الاقتران بمثلي مهما تعددت عيوبه هو ؟!".
كان حالها يؤرقني .. وكثيرًا ما تحدثت إلى أمها ، وشقيقتيها المتزوجتين بشأنها ، فكانت أمها تبدي أسفها وتقول لي : " وماذا بيدي يا ابنتي .. فاض بي ! " . وتقول شقيقتاها بلا مبالاة : " وماذا تنتظرين منا وزوجانا يعيراننا بها ؟ " . وتردف صغراهما : " تصوري .. زوجي يقول عن ابنتنا التي تشبه خالتها : يا خوفي أن ترث شكلها .. وحظها أيضًا " !
أسمعهن .. وأنصحهن .. ولكن دون أن يتوقف نزيف المأساة في قلب صديقتي ذات الأربعين عامًا ، التي ما إن تقدم لها أرمل في الخامسة والخمسين حتى وافقت دون تردد ، وكذلك فعلت أسرتها .. لم يتحروا .. ولم يسألوا عنه ، وتم الزواج لتظهر الحقيقة رويدًا .. الزوج بخيل جدًا .. لا يحافظ على الصلاة ، يعتبر الاهتمام بالنظافة الشخصية إسرافًا في استعمال الماء والصابون ، يسيء معاملة أسرتها ، ويلمح لهم في كل مناسبة بأنه ذو يد عليا عليهم ، فقد أنقذ ابنتهم من العنوسة !.
كل هذا وأكثر ، وهي راضية ، لا تشكو إلا حينما يفيض الكيل تشكو أملا في إصلاحه ، وليس رغبة في الانفصال عنه ، ويمر العام ليطلقها هو ؛ لأنه - على حد قوله - " مل من كثرة شكواها ، ولا يجد مبررًا للإبقاء عليها ، فهي ليست "ست الحسن والجمال ".
فشلت محاولات صديقتي لإثنائه عن قراره ، فاضطرت للرضوخ ، وعادت إلى بيت أسرتها مرة أخرى تحمل لقبًا جديدًا " مطلقة " ، عادت محملة بآثار تجربة مريرة .. بغيضة تضيف إلى معاناتها السابقة تلالاً من العناء ، وتضيف إلى عمرها عامًا بعشرات الأعوام ، وتحفر على وجهها الحزين أخاديد تجعله يبدو كوجه عجوز في السبعين أو أكثر .
كان بوسع صديقتي أن تفعل الكثير لتتجاوز عنوستها ، وكم نصحتها ، واقترحت عليها ما يملأ فراغها ، وحاولت أن أبث فيها ثقة تستحقها - بالفعل - وألفت نظرها إلى ما تملكه من فهم حرمت منها جميلات كثيرات ، ولكنها كانت مسجونة داخل خندق الإحساس الحاد بأنها غير مرغوبة .
وكان من حولها يزيدون هذا الإحساس وطأة ؛ حتى فقدت القدرة على التفكير في غير هدف واحد : أن تصبح زوجة .. بأي مقابل ولأي رجل !
وتحقق هدفها لتصبح مرفوضة مرتين ، مرة لعنوستها وأخرى لطلاقها !
ترى كم بيننا من مرفوضات .. منبوذات بلا ذنب ؟ كم بيننا من مشروعات زوجات صالحات ، ولكنهن ضحايا لخلل قيمي .. وعسر اقتصادي .. وتفريط عقدي وتخبط سياسي ؟.
كم بيننا من حاملات للقب يرضين به ، ويحاولن التكيف معه ، ولكن الآخرين ، بل أقرب الأقربين لهن ، يدفعونهن بتصرفات تكاد أن تكون جرائم إنسانية إلى محاولة الهرب من اللقب .. الجحيم .. إلى جحيم أشد استعارًا.
ــــــــــــــــــــ(42/72)
بشرة مستوردة
ابنة صديقتي خمرية اللون ، وسيمة الملامح ، وابنها أشقر.
عندما زرتها آخر مرة وأثنيت على جمال طفليها قالت بأسي: خسارة كان نفسي البنت تكون بيضاء ، أما الولد فليس مشكلة ؛ سيتزوج حتى لو كان زنجيا.
استغربت قولها: وكان ردي عليها لا يخفي استنكاري إذ قلت لها: ما دمت متيقنة من أن ابنك سيتزوج حتى لو كان زنجيا فثقي بأن من زوج الزنجي سيرزق ابنتك أيضا بالزوج الصالح.
غادرت بيتها والسؤال يدق في رأسي: ما الذي منح بياض البشرة كل هذه المكانة؟
ما الذي جعل السمراء في ذيل قائمة المرغوبات للزواج؟ وجعل شبابنا الملتزم وغير الملتزم يبحث عن العروس الشقراء أو البيضاء علي الأقل ؟
ولماذا صارت إعلانات كريمات تفتيح البشرة التي يكتشف الأطباء مزيدا من مخاطرها كل يوم ، تضرب علي وتر الفتاة السمراء الحزينة التي تخشى فوات فرصتها في الزواج ، وعندما تستعمل كريم التفتيح يتساقط حولها المعجبون؟
الغربيات بيضاوات ... .وهذا يلخص الإجابة عن تلك الأسئلة كلها وغيرها.
فقد صادرنا هويتنا ، وأوصدنا أبواب خصوصية ثقافتنا ، وحبسنا تفرد عقيدتنا في أركان الإسلام الخمس ، واستوردنا كل شيء : الملبس ، الطعام ، القيم ، بشرة النساء اللاتي يرقدن تحت شمسنا طيلة شهور الشتاء ليكتسبن اللون البرونزي الذي تخجل بناتنا منه.
المقارنة بين البيضاء والسمراء قديمة في المثل الشعبي والأدبيات القديمة.والجديد أن يتحول الأمر إلي أزمة فتصبح سمرة البشرة وصمة ، ويكتسب تغيير خلق الله مشروعية زائفة باعتباره وسيلة الفتاة السمراء الوحيدة للحصول علي صيد ..
عفوا ... . زوج.
ــــــــــــــــــــ(42/73)
مشكلة الإدمان بين النشء والشباب.. محاولات للحل
بعد تفاقم مشكلة الإدمان بين النشء:
المجلس القومي للأمومة والطفولة يخطط لحملة إعلامية لمواجهة المشكلة.
...............
في إطار الحملة القومية لمكافحة الإدمان والتدخين بين النشء تحت رعاية السيدة/ سوزان مبارك - رئيس اللجنة الاستشارية للمجلس القومي للطفولة والأمومة - وفي إطار الأهداف الاستراتيجية للمجلس لتحفيز ودفع الجهات الحكومية والأهلية للعمل علي خفض تعاطي المخدرات بين النشء والشباب ، عقد المجلس القومي للطفولة والأمومة اجتماعا برئاسة السفيرة مشيرة خطاب - الأمين العام للمجلس.
ضم الاجتماع نخبة من العاملين في المجال الإعلامي والمنتجين في المجال الإعلامي وأساتذة الطب النفسي، وممثلي المكتب الإقليمي للأمم المتحدة لمكافحة المخدرات، ومنع انتشار الجريمة، وذلك لوضع الخطوط العريضة الاستراتيجية الإعلامية المقترحة لحملة التوعية الإعلامية لمكافحة الإدمان وتعاطي المخدرات بين النشء.
ناقش الاجتماع أهم الوسائل التي تخاطب القلب والعقل والعاطفة لتوصيل الرسالة الإعلامية إلي الجمهور المستهدف من النشء والشباب في مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية، ومختلف الأعمار، وكذلك الآباء والأمهات والمجتمع بأسره، وقد تم اختيار التليفزيون كوسيلة إعلامية أساس في هذه الخطة لما له من قوة وتأثير فعال لدي الجمهور مع عدم إغفال دور الاتصال الشخصي عن طريق المؤسسات العاملة مع النشء والشباب.
وأشارت السفيرة مشيرة خطاب أنه سيتم أيضا توصيل المفاهيم والرسائل من خلال الإعلانات والتنويهات القصيرة والمسلسلات الدرامية والأفلام التليفزيونية، حيث إنها أكثر فاعلية، كما أشارت إلي ضرورة تشكيل لجنة متخصصة لمتابعة الأعمال الفنية والبرامج التي سيتم إنتاجها دراميا وإعلاميا.
كما أكدت ضرورة وضع معايير لأهداف محدة وواضحة ومتفق عليها لكل برنامج يعرض، وسوف يتم الربط بين المكون الإعلامي، وعمل المؤسسات والجمعيات الشبابية؛ لتأكيد مضامين الرسائل الإعلامية من خلال الأنشطة الشبابية وقياس رجع الصدى.
وأضافت السفيرة مشيرة خطاب أنه يجب الاهتمام أولا بمضمون الرسالة الإعلامية، بحيث تكون هادفة، وتقوم بخلق توعية لدي الأطفال والنشء والشباب بالأضرار البالغة والآثار السلبية والسيئة نفسيا واجتماعيا وصحيا، والتوعية لدي الآباء والأمهات والأسر والعاملين مع النشء بالدوافع والسلوكيات السلبية التي تدفع إلي تعاطي المخدرات.
وقد أسفر هذا الاجتماع عن تشكيل لجنة متخصصة لمتابعة الحملة الإعلامية، والإعداد لورشة عمل تضم ممثلي مجموعة العمل ومجموعة من الشباب، وذلك لطرح الأفكار وتحديد الأهداف الأولية المطلوب تحقيقها على المدى القصير والطويل .
ــــــــــــــــــــ(42/74)
البوزكاشي .. رياضة لا تقل عنفا عن الحروب!
لا يعرف عزيز أحمد الكثير عن الرياضات العنيفة في بلدان أخرى، لكنه على يقين من أن أقوى الرياضيين في العالم لا يمكن أن يباروه في رياضة البوزكاشي، وهي الرياضة الشعبية في أفغانستان.
كما أن الكثير من مشجعي الرياضة قد يحجمون عن مشاهدة اللعبة فور علمهم بالمكونات التي تصنع منها الكرة.
وتعني كلمة بوزكاشي في لغة الداري الافغانية "شد المعزة" بيد أن اللعبة أكثر تعقيدا من ذلك إلى حد بعيد.
ويشارك في اللعبة، التي تعود إلى قرون خلت، فريقان متنافسان يضم كل منهما 10 رجال يمتطون ظهور الخيل ويتقاتل الفريقان من أجل الاستحواذ على جثة عجل صغير بدون رأس.
ويسجل اللاعبون النقاط بإسقاط الجثة البنية اللون وسط أي من الدائرتين المرسومتين عند طرفي ملعب كبير، فيما يتلقون ضربات سياط مؤلمة من اللاعبين المنافسين وربما يتعرضون لسقطات قاتلة من فوق ظهور الخيل أو قد تنسحق أيديهم في حالة سقوطهم تحت حوافر الجياد.
ويقول أحمد، وقد غطت الجروح والدماء يديه: "يمكن أن يفقد المرء حياته وهو يمارس هذه اللعبة".
ولحسن الحظ، أنه لم يسقط قتلى على الاستاد الأولمبي في العاصمة كابول في المباراة التي أقيمت مؤخرا بين فريق محلي وفريق منافس من إقليم باروان المجاور أمام عدة آلاف من المشجعين المهووسين باللعبة.
ولكن رغم الشرح المفصل من الأفغان المحليين، تظل البوزكاشي تستعصي على فهم الأجانب.
ويمكن للحكم الذي يمتطي أيضا صهوة جواد أن يمنح نقطة أو اثنتين في كل مرة ينجح فيها أي من الفريقين في إسقاط الجثة في دائرة. غير أنه يتعين على اللاعبين أولا حمل الجثة إلى الطرف الاخر للملعب والدوران بها حول راية حمراء، وذلك قبل أن يعودوا أدراجهم إلى منطقة التسجيل.
ويبدو أنه مسموح للاعبين بعمل أي شيء لايقاف خصومهم، وعادة ما يتم ذلك بإعاقة جيادهم وجلد أيديهم لحملهم على إسقاط الجثة.
وعادة ما يضع لاعبان من الفريقين المتنافسين يدا على الجثة ثم ينخرطان في عملية شد وجذب مرعبة للجثة من ساقيها أثناء انطلاق جواديهما بأقصى سرعة في الملعب.
وكثيرا ما يصعب معرفة من الذي دانت له السيطرة على الجثة عندما يشتد أوار المعركة ويرتفع صهيل الخيل وتسمع ضربات السياط ويختلط الحابل بالنابل.
ويقدم نيد محمد، الذي يمتلك أحد خيول السباق في فريق كابول نصيحة بسيطة: "لا تحول عينيك عن الجثة".
ونشأت لعبة البوزكاشي في آسيا الوسطى وتمارسها أساسا قبائل الاوزبك والتركمان والطاجيك التي تعيش شمالي أفغانستان، وذلك حسبما ورد في كتاب "القاموس التاريخي لأفغانستان".
وفي أوقات سابقة كانت تستخدم معزة، بيد أن اللاعبين تحولوا عنها منذ زمن بعيد.
ويقوم منظمو المباريات بذبح العجل قبل المباراة بيوم واحد ويفصلون رأسه وينزعون حشاياه وحوافره الخلفية ثم ينقعونه في ماء مالح طوال الليل.
وتجعل هذه العملية الجثة أثقل - تزن عادة نحو 35 كيلوجراما - وأكثر مقاومة للتمزق.
وتتطلب اللعبة أعصابا قوية ومهارات ركوب الخيل فضلا عن قوة بدنية خاصة. ومعظم المشاركين هم من المصارعين السابقين. والخيل تكون متوسطة الحجم ومدربة خصيصا على هذه اللعبة.وقال أحمد، الذي خسر فريقه كابول 5-15 أمام فريق باروان: "إنه سباق قوي جدا ويتطلب قوة عظيمة".
وبرغم الهزيمة فإن جماهير فريق العاصمة لم تشعر بخيبة أمل كبيرة لأن نظام طالبان السابق كان قد حظر معظم المسابقات الرياضية طوال فترة حكمه الذي استمر خمس سنوات، لكنه لم يحظر البوزكاشي والمصارعة.
ــــــــــــــــــــ(42/75)
الإبراهيمي وحديث مع الشباب
كلمات المربين كنوز عظيمة تقع على مسامع الجادين فتنشئ في نفوسهم إقبالاً على العمل، وتقوي عزائمهم فإذا هي تتحول إلى أعمال ينعم بها مجتمعهم ويطيب من جرائها هواء بلادهم. وما أحوجنا أن نسوق بين الفينة والفينة درر هؤلاء الأعلام التي خاطبوا من خلالها الشباب ورسموا لهم طريق النهضة، ودعوهم إلى إعلاء هممهم، ليعيشوا الحياة الكريمة التي تليق بهم كشباب خير أمة أخرجت للناس.خاطب الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله الجيل الناشئ بكل واقعية وبكل صدق وقال لهم- في مقالات رائعة نشرت قبل أكثر من 50 سنة وتضمنها كتاب عيون البصائر- إن الشباب ليس له قيمة إذا لم ينفق في تحصيل علم، ونصر حقيقة، ونشر لغة، ونفع أمة، وخدمة وطن.
وتمثلهم محمدي الشمائل، عفيفين عن المحارم، متقلبين في الطاهرين والطاهرات وقال في عبارات جميلة: "أتمثله متسامياً إلى معالي الحياة، عربيد الشباب في طلبها، طاغياً عن القيود العائقة دونها، جامحاً عن الأعنة الكابحة في ميدانها، متقد العزمات، تكاد تحتدم جوانبه من ذكاء القلب، وشهامة الفؤاد، ونشاط الجوارح".. ويقول " أتمثله حلف عمل لا حليف بطالة، وحلس معمل لا حلس مقهى، وبطل أعمال لا ماضغ أقوال، ومرتاد حقيقة لا مرتاد خيال".
وفي موضع آخر يوصي هذه الوصايا الجميلة " أتمثله مقبلاً على العلم والمعرفة ليعمل الخير والنفع، إقبال النحل على الأزهار والأثمار لتصنع الشهد والشمع، مقبلاً على الارتزاق إقبال النمل تَجِدّ لتَجِد، وتدخر لتفتخر، ولا تبالي مادامت دائبة أن ترجع مرة منجحة ومرة خائبة".
الغيرة
ثم يتطرق للغيرة التي ينبغي أن يتمثلها الشاب فيقول: " أتمثله شديد الغيرة، يغار لبنات جنسه أن تبور وهو يملك القدرة على إحصانها، ويغار لماء شبابها أن يغور وهو يستطيع جعله فياضاً بالقوة دافقاً بالحياة، ويغار على هواه وعواطفه أن تستأثر بها السلع الجلبية والسحن السلبية، ويغار لعينيه أن تسترقهما الوجوه المطراة والأجسام المعراة" وفي زمن القنوات ما أكثر الأعين المسترقاة وما أشد أسر العواطف المزيفة لعقول وقلوب بعض شبابنا. فهل يدرك شبابنا أنهم يأسرون أنفسهم، ويبيعون مروءتهم وربما أخلاقهم نظير ثمن بخس وثمن زهيد؟
ثم يوجه الشباب لما يجب أن يتحلى به عند محاورة الآخرين قائلاً: "أتمثله مصاولاً لخصومه بالحجاج والإقناع، لا باللجاج والإقذاع، مرهباً لأعدائه بالأعمال لا بالأقوال"
هذه المعاني الرائقة المصاغة بأسلوب أدبي رفيع لو تأملها الشاب ودرستها الشابة وقررا العمل بها لعملا العجائب، ونحن في زمن لا يحتمل القاعدين ولا اليائسين، بل لا مكان للبطالين والمقلدين في أنحائه، ولذلك كان يختم مقالاته للشباب بعبارة " هكذا كونوا ..أو لا تكونوا" لأن الحياة الحقيقية هي بمعرفة معالي الأمور والعمل بها، والوعي النابض بالحركة لطبيعة معالم ديننا. ولكم شدتني تلك العبارات التي على رغم قلة كلماتها إلا أنها كانت غزيرة المعاني تحمل هماً صادقاً بمحبة هذا الدين وأهله، وتترجم حياة كاتبها العملية ...
فهل نعي نحن الشباب دورنا، وهل نشمر عن ساعد الجد، وندع النوم والكسل؟ فالأمة محتاجة لجهود شبابها، ومنتظرة عطاء المربين، والكل لديه ما يساهم به والله يتولى الصالحين
ــــــــــــــــــــ(42/76)
رسالة إلى شاب
الحمد لله تعالى وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واقتفى أثره ..وبعد
أخي الحبيب زهرة الدنيا وأمل الأمة : هذه رسالة للشيخ الدويش توجه بها إلى إخوانه الشباب قرأتها فأعجبتني فأحببت أن تشاركني في قراءتها لعل الله تعالى أن ينفعني وإياك بما جاء فيها ، ويجعلها سببا في عودتنا إلى طريق الله المستقيم .. آمين .
قال الشيخ .. حفظه الله : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد :
فأحييك أخي الشاب بتحية الإسلام، تحية أهل الجنة، تحية خص الله تبارك وتعالى بها هذه الأمة: وكلي أمل أن تتفضل بقراءة وجهة نظري بكل تجرد وموضوعية؛ وأحسب حينئذ أن نقاط الاتفاق بيني وبينك ستكون أكثر من نقاط الاختلاف، وأن اختلافك معي في قضية من القضايا لا يعني إهمال وإلغاء جميع ما توافقني عليه.
أتمنى أن تفكر بموضوعية وإنصاف وتجيب على هذه الأسئلة بصوت خافت لا يسمعه غيرك، أجب عليها في نفسك بكل صراحة، ولن يجنى مرارة التستر على العيوب والمخادعة إلا من يخادع نفسه.
أي العبوديتين تختار؟
تأمل في هذا الإنسان وحياته، مرة يلم به مرض، ومرة يصيبه جوع، مرة يضيق صدره ... بينما تراه فتياً نشيطاً، يتحدث بملء فيه، ويعلو صوته وصياحه إذا به يصاب بفيروس لا تراه عينه المجردة فيتحول ذلك الإنسان صاحب القوة والحيوية إلى جسم ممدد طريح الفراش، ل اتكاد تميز صوته، ولا يستطيع حراكاً .
يملك المال ويوغل في الثراء، فما يلبث أن تصيبه كارثة تحوله إلى أسير لديونه، وإذا به في طرفة عين قد انقلب من قمة الثراء إلى حضيض الفقر والحاجة والفاقة.
إنها أمارة نقصه وضعفه وهكذا شاء الله أن يكون المخلوق كذلك، لذا فلابد أن يكون المخلوق عبداً، فإما أن يكون عبداً لله يخضع له ويستجيب لأمره، وإما أن يبتلى بعبودية ماسواه، أرأيت كيف يسجد ويركع بعض الناس لأحجار نحتوها بأيديهم؟ أرأيت كيف يتعبد النصارى بخرافات سطروها بأقلامهم وألغوا لأجلها عقولهم وألبابهم؟
من الشاذ؟
إن العالم الفسيح من حولنا بأرضه وسمائه ونجومه وأفلاكه، وكل صغير وكبير ندركه أو لا ندركه، كل ذلك يسجد ويخضع لخالقه تبارك وتعالى، ويلهج بالتسبيح له عز وجل. { يسبح له السموات والأرض ومن فيهن ، وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورًا}
والظل الذي نتقي به لهيب الشمس المحرقة يتفيأ ذات الشمال واليمين ساجداً لله تبارك وتعالى.
بل هذه الشمس التي نراها كل يوم، تعلن خضوعها وسجودها لخالقها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها.."
فما بال الإنسان بعد ذلك؟ ما باله يستنكف ويستكبر على خالقه؟ بل ما باله يتمرد على نظام الحياة أجمع؟ وماذا عساه يساوي في هذا الكون؟ وأين مكانه في هذا العالم الفسيح؟
فمن الشاذ والغريب حينئذٍ؟ ومن الذي يسبح ضد التيار؟ أهو المسلم القانت الساجد المسبح لله تبارك وتعالى فيتجاوب مع هذا الكون الخاضع لربه؟ أم هو الذي يتمرد على خالقه، ويستنكف عن طريق الهداية، فيستظل ويختبئ حين يواقع المعصية وراء حائط يسبح ويسجد لربه، والسيارة والهاتف والقلم ... وسائر ما ييسر له طريق المعصية يخضع لمولاه ويسبح ويسجد له.
فالذي يسلك طريق الهداية يسير وفق السنة التي يسير عليها الكون أجمع، أما الذين يتنكبون طريق الهداية فيعيشون تناقضاً في حياتهم، ليس مع الكون الأرحب الواسع بل مع ذواتهم وأنفسهم، فأجسادهم وأعضاؤهم تخضع لله.
أسرى ولكن لايشعرون ..
أرأيت أتباع الشهوات والغارقين في أوحالها؟ أتظن أنهم يعيشون السعادة؟
إنهم أسرى وعبيد لهذه الشهوة المحرمة تأمرهم فيطيعون، وتنهاهم فينتهون، ولسكرهم في لذتهم لا يدركون ما هم فيه، وهاهو أحدهم لا يجد شبهاً لنفسه وحاله إلا بأهل الجنون، فرحم الله امرءًا عرف قدر نفسه.
قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم.. ... .. العشق أعظم مما بالمجانين
العشق لايستفيق الدهر صاحبه .. ... .. وإنما يصرع المجنون في الحين
إن أحدهم يقدم ما يملك فداء لمن يعشقه ويحبه، بل قد ينحر دينه قرباناً بين يدي معشوقه، وهاهو أحدهم يعبر عن ذلك:
رهبان مدين والذين عهدتهم .. ... .. يبكون من حذر العذاب قعوداً
لو يسمعون كما سمعت كلامها .. ... .. خروا لعزة ركعاً وسجوداً
ويستغرق المعشوق فؤاد من يعشقه فلا يبقى فيه مكان للبحث عن رضا مولاه، بل قد يصبح رضا الله مرتبة دون رضا معشوقه، كما قال هذا الشقي عن محبوبه -عافانا الله :
سلم يا راحة العليل .. ... .. ويا شفا المدنف النحيل
رضاك أشهى إلي فؤادي.. ... .. من رحمة الخالق الجليل
ولو أدرك أتباع الشهوات اللاهثون وراءها مرادهم، فسرعان ما تنتهي حياتهم، وتنتهي معها المتعة ويبقى دفع الثمن الباهظ الذي لا يمكن أن يقارن بحال بتلك الشهوة العاجلة واللذة الفانية، وهاهو الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم يخبرنا عن ذلك فيقول : " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول:لا والله يارب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة، فيقال له: ياابن آدم: هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط" .
فالدنيا كلها ومتاعها وشهواتها تنسى في غمسة واحدة في العذاب، فكيف بما بعد ذلك؟
ماذا تنتظر؟
أعرف أن الشاب الغافل ليست هذه أول كلمة يسمعها، وأنه قد مرت به مواقف عدة دعته للتفكير في التوبة والرجوع إلى الله، لكن السؤال الذي لم أجد له إجابة مقنعة إلى الآن هو: لماذا الإصرار على الخطيئة؟ ولماذا التردد في سلوك سبيل الصالحين؟
انظر إلى من حولك، إلى من هو في سنك وعمرك، ممن هداهم الله فأقبلوا على طريق الصلاح والتقوى، وانظر إلى من كان له تاريخ في الغفلة والصبوة، فنهض وعاد إلى مولاه، إنهم بشر مثلك، ولهم شهوات وتنازعهم غرائز، وتعرض لهم الفتن وتشرع أبوابها أمام ناظريهم، فما بالهم ينتصرون على أنفسهم؟ وما الذي يجعلهم يستطيعون وأنت لاتستطيع؟ ولم ينتصرون وتنهزم أنت؟ بل ربما أنت أقوى شخصية من أحدهم، وأكثر ذكاء من الآخر وفطنة؛ إن الذي جعل هؤلاء ينتصرون على أنفسهم يمكن أن يجعلك كذلك.
فهلا سلكت أنت الطريق وأقبلت إلى ربك؟!
واعلم بأن الله يفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه أشد من فرح رجل كان في صحراء على دابة فأضاعها وعليها طعامه وشرابه، ونام تحت شجرة ينتظر الموت فلما استيقظ وجدها عند رأسه، فقال من شدة الفرح ـ اللهم أنت عبدي وأنا ربك ـ أخطأ من شدة الفرح .. ففرح الله بتوبة عبده أشد من فرح هذا الرجل بدابته، فأقبل عليه، واتخذ القرار الحاسم ولا تتردد.
أيهما أكثر رجولة؟
صفة الرجولة صفة يحبها جميع الناس، ونفي الرجولة عن أحد تهمة جارحة يرفضها المرء ولو كانت جميع صفات الرجولة معدومة لديه.
أيهما أكثر رجولة وأقوى شخصية؟ الشاب الذي تقعد به نفسه عن فعل ما أمره به مولاه فتنتصر عليه، أم الشاب الذي يجتاز العقبات، ويستجيب لأمر ربه ولو كان شاقاً على نفسه؟
أيهما أكثر رجولة وأقوى شخصية الشاب الذي يسير وراء غرائزه وشهواته، ويستجيب لنفسه في كل ما تدعوه إليه وتدفعه له؟ أم الآخر الذي يملك الغرائز والشهوات، وتدعوه نفسه وتدفعه إليها، لكنه يكبح جماحها ويضبطها، ويقول لها: ليس من حقك أن تتمتعي بكل ما تريدين، فثمة عاقبة وخيمة للسير في هذا الطريق، وثمة عاقبة حميدة لمن يمنع نفسه عن الحرام؟ وهو وإن ترك الشهوة العاجلة فهو يعلم أن نهايتها في الدنيا مؤلمة، إما مرض عضال، أو فضيحة تنغص حياته، أو مصيبة أو كارثة، وحين ينجو من عذاب الدنيا لن ينجو من عذاب الآخرة إلا أن يمن الله عليه بعفوه.
أما الامتناع عنها فعاقبته السعادة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة .
إن أشجع قرار، وأولى قرار يتخذه الإنسان هو أن يغير مجرى حياته، ويسلك في قطار الصالحين الأخيار. فأتمنى أن نكون شجعانا وجريئين؛ فنتخذ هذا القرار.
ــــــــــــــــــــ(42/77)
القراءة وشباب الألفية الجديدة
القراءة احتلت ولا تزال تحتل حيزاً كبيراً بما تقدمه من خدمة معرفية هائلة لمرتاديها من الصعب جداً أن يجدوها في غيرها وأجمع الخبراء المختصون بنسبة 78% على أنها تكاد تكون المصدر الوحيد للثقافة. وعلى مر الأزمان عرفنا أن الشباب يوليها من الاهتمام درجة لا بأس بها لكنها أقل بكثير عن قارئي الفئات العمرية الأخرى،ومع هذه الحقبة التكنولوجية الهائلة والتي تتصدرها الانترنت ثمة ضعف ملحوظ على إقبال الشباب على القراءة بشكل أكبر إذ انهم يعتقدون أن هناك بدائل لها قد تتوافر على الشبكة. فتحت باب التحقيق بدايةً من عند المحور الأساس وهم الشباب : حيث أكد خالد الزرقان -طالب جامعي-على أن" القراءة لها نصيب وافر لدينا نحن معشر الشباب لكنه بالتأكيد أقل من غيرنا لأنها تلتهم الوقت، وإلا لماذا سمي الشباب شباباً إذا كان سيقضي وقته كله في القراءة !
أما حمد الشمري - طالب جامعي- فيقول بأنه يقرأ في جميع المجالات و لكن دون التعمق بالشكل المطلوب.
و يبتسم عبد الله العتيبي-طالب ثانوي قبل أن يدلي بقوله:
" بالتأكيد أنتم تقصدون بالقراءة القراءة الجانبية أي غير الإلزامية،ولذلك أحببت أن أوضح أنني لا أجد الوقت الكافي حتى أقرأ ما أنا ملزم به فهو الأولى فبأي وجه حق يطالبونني بالأقل أهمية؟"
قراءة رخيصة
يعتقد البعض أنه لا توجد فائدة من محاولة حث الشاب على المطالعة لأنه و إن قرأ فسيتجه إلى رخيص المواضيع و أتفهها وتساندهم في ذلك الإحصائية التي تنص على المواضيع التي يقرئها الشباب:كتب معرفية ضخمة: 16% .قصص:(ضعيفة المضمون): 37%. صحف و مجلات:(مواضيع ضعيفة): 35%.صحف و مجلات:(مواضيع جادة): 18 %.
وفي تفصيل أكبر وجدنا أن الاهتمام بالأدب و الفنون لدى الشباب أكبر من غيره فسألنا بعض الشباب حيال ذلك فأجاب سعيد الحارث:
" نهتم بالأدب والفنون بشكل أكبر لأنهما يتميزان بالجمال و بالخفة و السلاسة في القراءة حيث أن هناك العديد من المحفزات التي تدفع الشاب لقراءتهما"
وقد كان للآباء رأيهم الخاص حيال هذه الإشكالية فقال السيد صالح المسلم-أب لثلاثة أطفال-":
"الحظ في أبنائي عدم توجههم للقراءة كما كنت أود لهم،فأنا ولله الحمد أوفر لهم الكتب والصحف من جميع الأنواع و الأصناف لكن وكما قال المثل تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
أما السيد سلطان التمامي - أب لأربعة أولاد فيؤكد أن أبنائه يقبلون على القراءة والمطالعة بشكل يومي حيث أن المرء على ما نشأ عليه" وأنا أنشأتهم على ذلك فباتت القراءة لديهم كنوع من أنواع الترفيه و الأنس".
فيما يرى السيد سامي الطيار-أب لأبن واحد- أن العتب لا يقع على الشاب وحده في عدم قراءته بل يقع أيضاً على الأسرة التي لا تحترم الكتاب ووسائل القراءة الأخرى وتعتبرها شيئاً جانبياً،وبالطبع سيكون الشاب قد نشأ والكتاب بعيد أشد البعد عنه.
مجتمع لا يقرأ!
تفاجأنا عندما أخبرنا أستاذ علم النفس و الاجتماع:عبد الله العنزي وبكل ثقة:
المجتمع بأكمله لا يقرأ القراءة الصحيحة منهم إلا ما نسبته 38% أما البقية فإما قراءته مجرد تصفح أو لأنه ملزم بالقراءة لامتحانٍ ما وما إلى ذلك من الأسباب، أما القراءة الصحيحة المركزة و التي يريد بها الشخص التثقيف و المعرفة المحضة فأصحابها وكما سبق و أسلفت لا يتجاوزون تلك النسبة من عدد سكان المجتمع والشباب قد لا يتجاوز نصيبهم من تلك الفئة القارئة 11%.
إذاً من الجدير بنا قبل أن نوجه و نرشد الشباب إلى أهمية القراءة لمواكبة هذا الزمن الذي يحتاج إلى ثقافة كبيرة علينا إرشاد بقية فئات المجتمع إلى ذلك والشاب وبكل تأكيد سيلحظ هذا الاهتمام من قبل غيره وتفوقهم عليه عندها سيعيد التفكير في مسألة القراءة.
ــــــــــــــــــــ(42/78)
ظاهرة الالتزام في أوائل الثانوية المصرية
لم تستطع وسائل الإعلام - مقروءة ومسموعة - أن تتجاهل ظاهرة تزامنت مع نتيجة الثانوية العامة هذا العام والأعوام القليلة الماضية.
تلك الظاهرة ذات شقين:
أولهما الالتزام الديني للمتفوقين وتشديدهم جميعا علي أن الصلاة لوقتها ساعدتهم علي تنظيم وقت المذاكرة , واعتبار أداء الصلاة هدنة روحية من الاستذكار والتحصيل , وأيضا علي أن قراءتهم للقرآن وحفظهم له قومت ألسنتهم وصوبت لغتهم.
كذلك ارتبط تفوق أوائل الثانوية العامة بوعيهم بأهمية حسن استغلال المرحلة العمرية التي يمرون بها - ذروة المراهقة - في ممارسة الهوايات المفيدة والرياضة وحضور الدروس المسجدية.
أما الشق الثاني من الظاهرة فهو أن معظم الأوائل فتيات كلهن بفضل الله ملتزمات بالحجاب معتزات به , وأصدق تعبير عن هذا الاعتزاز أن إحدي الأوائل العام الماضي قيل لها:
إن شكلك سيكون غريبا بخمارك أثناء تكريمك في وزارة التربية والتعليم , وربما حرمت من الحصول علي جائزة التفوق , ونصحها من حولها بارتداء غطاء رأس قصير - طرحة علي الرقبة - فرفضت وقالت :
ما دام خماري في كفة وتكريمي في كفة فسأرجح الخمار, وذهبت إلي حفل التكريم, ونالت نصيبها منه دون أن يحدث شيء مما خوفها منه المحيطون بها.
والملاحظ أنه بعد أن كان النمط العام في التغطية الإعلامية لنتيجة الثانوية العامة يركز علي أهمية تنظيم الأوائل لوقتهم وممارستهم للرياضة , وعدم استعانتهم بالكتب الخارجية دون التطرق إلي مدي الالتزام الديني لهم , أو علاقتهم بالقرآن , بدأت هذه التغطية تتحدث عن دور الدين في تفوق هؤلاء وتسهب في إظهار التزامهم, فيما يمكن أن يفسر بأنه رسالة استغاثة ضمنية من الانحرافات الخطيرة التي شاعت في وسط الشباب والفتيات , ونوع التسرية عن النفس بتبسيط قضية هذه الانحرافات وربطها - فقط - بغياب الالتزام الديني عند الشباب وليس بأسباب أخري إعلامية أو اجتماعية أو اقتصادية أو أيضا سياسية.
وهذا العام كان هناك ملمح آخر في نتيجة أوائل الثانوية العامة, إذ كان فارق الدرجات بين الحائزين علي المراتب الأولي والمتأخرة ضمن ال- 35 الأوائل ضئيلا جدا,
فالأولي حاصلة علي 408.5 من 410, والخامس والثلاثون حاصل علي 403.5
وقد احتشدت الصحافة وبرامج التليفزيون في الأيام الأخيرة بلقاءات وحوارات مع الأوائل , وكان التركيز غالبا علي المراكز الخمسة الأولي.
ونحاور اليوم واحدة من الأوائل ممن يجسدن الظاهرة التي تحدثنا عنها, فتاة تتمني الالتحاق بكلية الطب حتي تسد ثغرة , لا لتحقق شهرة أو مجدا شخصيا, فهي تود أن تصبح طبيبة تكفي من هن في مثل سن أمها مؤونة البحث عن طبيبة مسلمة ثقة يعالجن عن طريقها, وتري أن الحجاب ليس مجرد فريضة دينية فهو حصانة سلوكية, وأقرب الطرق إلي استجلاب الاحترام العام لصاحبته.
نحاور زهرة جديدة تتفتح في سماء العلم تبث رائحتها الذكية في هذه السطور, إنها سوزان محمد أمين شلبي - التاسعة مكررا علي مستوي جمهورية مصر العربية في شهادة الثانوية العامة هذا العام بمجموع 406.5 علمي أي بفارق درجتين فقط عن الأولي .
سألتها عن القرآن وأثره في تفوقها, وعن فائدة الانتظام في الصلاة , وعن أهمية التزام والديها دينيا وغيرها من الموضوعات وإجاباتها عبر هذه السطور.
ما بين الصلاتين
) ما أهم أسباب تفوقك من وجهة نظرك?
- انتظامي وحفاظي علي الصلاة فهي بجانب كونها أحد أركان الإسلام, وفرضا علي كل مسلم لكنها ساعدتني كثيرا علي تنظيم وقتي بحيث كنت أحسب لأي مادة الوقت ما بين صلاتين, ثم أصلي وأريح ذهني قليلا وبعدها أتابع , فكان الأذان بمثابة نهاية لمادة . وبعد صلاة الفرض أبدأ مادة جديدة, مما ساعدني علي التحكم جيدا في وقتي.
) هل تعتقدين أن لأسرتك دورا في تفوقك ?
- لأسرتي النصيب الأكبر في نجاحي والأهم حفاظي علي الالتزام دينيا فمنذ صغري عودتني أمي, وكذلك أبي علي الذهاب للمسجد, وأداء الصلاة به, كذلك رأيت أمي تلبس الملابس المحتشمة , وتقنعني بها, وتظهر لي مساوئ التبرج وعدم الالتزام, كذلك الجو النفسي المريح الذي وفرته هذه الأسرة لي من هدوء ورضا وطمأنينة ساعدني كثيرا في تركيزي في دروسي .
) حتي تحصلي علي هذا المجموع هل كنت متفرغة للمذاكرة فقط?
- لا طبعا : فقد كان لدي فراغ أحاول قضاءه في حفظ القرآن الكريم, وكان ذلك يساعدني أيضا في تنشيط ذاكرتي في استيعاب الدروس فضلا عن راحتي النفسية واستمتاعي بالقراءة ومحاولة فهم ما أقرأ.
) ما أهم قضية عامة شغلتك في الفترة الأخيرة?
- كثير ا ما أتصور نفسي أعيش في القدس ومسجدي وبيتي وأرضي يغتصبون , وأخي وأبي وعمي ما بين شهيد وجريح , كل ذلك جعلني أضع نفسي مكان أختي المسلمة في القدس , لذلك وجدت من واجبي أن أبصر من حولي بحقيقة المشكلة قدر علمي, كذلك أدعو لإخواني في كل أرض محتلة بالنصر وأحاول استغلال وسائل التكنولوجيا الحديثة المتاحة لي في خدمتهم قدر استطاعتي.
) هل استخدمت الإنترنت - مثلا - لهذا الغرض?
- البيت لم يكن به جهاز كمبيوتر لكني تعلمت أسس استخدامه في المدرسة, كذلك الإنترنت ؛ فبعض صديقاتي يملكنه, وكنت أقضي بعض الوقت معهن في فتح بعض المواقع وإجراء حوارات مع آخري ن, وكنا في هذه الحوارات نحاول أن نشرح لهم بعض ما يرونه خطأ عندنا, كذلك كنا نصحح لهم الكثير من الأخطاء , وحول موقف المسلمين من القضايا العامة مثل القدس والشيشان.
) عودة إلي الثانوية العامة : هل سبب لك نظام العامين أي ارتباك?
- أنا لم أجرب النظام القديم لكن أعتقد أن النظام الحديث يقسم المواد علي السنتين بشكل جيد وحسب اختيار الطالب نفسه.
) هل واجهت مشاكل في مذاكرة واستيعاب بعض المناهج ?
- بعض المناهج كنت أحس أن بها إطالة وزيادة وتشعبا غير مفيد لكن بحكم تجربتي البسيطة , وعدم خبرتي كنت أرد علي نفسي بأنه عسي أن أكون أنا المخطئة.
رضا ربي .. وراحتي
) ما موقفك من الكتب الخارجية?
- كتب المدرسة أعتقد أنها كافية وبخاصة نماذج الامتحانات فهي تدريب جيد للامتحان ومعظم الأسئلة أتت منها?
) كثير من الأوائل يؤكدون أنهم لم يستيعنوا بالدروس الخصوصيةوبعضهم يؤكدون استعانتهم بها ن فمن أي فريق أنت?
- من الفريق الثاني ؛ ففي الصف الثاني لم آخذ أية دروس خصوصية, لكن في الصف الثالث كنت أحضر مجموعات التقوية في المدرسة واستعنت ببعض المدرسين في الكيمياء والفيزياء.
) مدرستك مشتركة فهل وجدت أو إحدي زميلاتك أي مضايقات من زملائكم البنين?
- أعتقد أن التربية الجيدة , وفهم العلاقة بين الولد والبنت إسلاميا, وبشكل صحيح يحصن البنت قبل الولد من المضايقات , بل يساعدها في تجنب المضايقات في أشكال حياتها العامة في : الشارع والسوق والمترو وغيرها,
كذلك الملبس المحتشم يجبر من ينظر إلينا علي احترامنا.
) ألم تفكري في تقليد بعض زميلاتك في لبس ملابس ضيقة أو قصيرة?
- عندما كنت صغيرة كنت أري أمي لا تلبس إلا المحتشم, وكنت ألمح في عيون كل من حولها نظرات احترام لها, وكنت أجد البنات والنساء المتبرجات يواجهن مضايقات كثيرة من الشباب لذلك اخترت هذا الملبس المحتشم لراحتي وقبل ذلك رضا ربي.
) ماذا تخططين لمستقبلك?
- أعتقد أن نجاح أمي في تربيتي أنا وأخي هو أعظم مستقبل تتمناه أي فتاة, فقد تخرجت من كلية التجارة ولم يغرها المؤهل وتفرغت لتربيتنا, فاهتمامي الأول - إن شاء الله - هو أسرتي الصغيرة, ويأتي بعد ذلك ممارسة مهنة أعتقد أنها مهمة , فأمي لا تذهب عند مرضها إلا لطبيبة, فأتمني أن أكون أنا هذه الطبيبة - إن شاء الله - التي يذهب إليها من هن مثل أمي .
) وماذا تقولين لمن لا تجد في مستقبلها مكانا إلا للعمل والوصول إلي أعلي المناصب?
- في بيتي وفي تربيتي لأبنائي سوف أعمل , أليس هذا عملا مهما, واهتمامي الثاني بمهنة أحس أنها تخدم من حولي بقدر احتياجهم إلي, وهي الطب , وهناك طبيبات كثيرات سألتهن فوجدت أنهن يوفقن بين التربية الجيدة لأبنائهم والعمل والأولوية للبيت.
) ماذا تقولين لأحمد أخيك الأصغر وكل من في سنه?
- أقول لهم: مهم جدا أن يكون لكل واحد منا هدف يسعي إليه بشرط أن يكون هدفا نبيلا ومشروعا, وأن يصاحب هذا الهدف التزام ديني وبذل جهد يوازي حجم هذا الهدف, وأنصح أحمد وزملاءه بالمحافظة علي الصلاة وقراءة القرآن الكريم
ــــــــــــــــــــ(42/79)
أخي الشاب.. دع العنف وابدأ بالسلام
ما أكثر قضايا الشباب ، لا سيما قضية العنف الشبابي الذي لم يعد حكرًا على المجتمعات الأجنبية ، بل طال مجتمعنا الإسلامي ، وانتشر بصورة مقلقةاسترعت اهتمام المعنيين بشؤون الشباب ، وأقضّت مضاجع أولي الأمر ، فشمر الباحثون عن ساعد الجد، وأقيمت مؤتمرات وندوات كان عنف الشباب أهم ما يطرح فيها .. منها ندوة نظمتها الجمعية الخيرية بالعوامية بمحافظة قطيف السعودية، وهدفت إلى التوعية بخطورة العنف في المجتمع من الناحية الأمنية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية ، وتبصير أولياء الأمور بأهمية دور العلم في معالجة السلوك العدواني ، واستغلال طاقة الشباب والمراهقين في الاتجاهات المفيدة ، عبر توضيح بعض الجوانب النفسية والاجتماعية والبيولوجية التي تساهم في تشكل العنف في المجتمع.
وقد تحدث في الندوة الدكتور عبد الستار إبراهيم ( خبير في العلوم النفسية) عن تناول الجوانب النفسية ، والاجتماعية ، والفسيولوجية للعنف، والأساليب السيكولوجية لضبطه ، فقال: " إن الأفراد يتعلمون السلوك العدواني (العنف درجة مرتفعة من العدوان) أثناء تفاعلاتهم مع محيطهم الاجتماعي ، كالوالدين مثلاً "، وقد أشار إلى نوعين من العدوان : عدوان إيجابي ، وهو بمثابة الطاقة التي من خلالها يحقق الفرد أهدافه دون أن يتسبب في أذى غيره ، من خلال تأكيد الذات مثلاً ، بينما النوع الثاني: عدوان سلبي ، هدفه إحداث الأذى للغير ، كالاعتداء اللفظي ، والجسدي ، أو الاعتداء على ممتلكات الآخرين .
التعامل مع السلوك العُنفي
أما طرق التعامل مع السلوك العُنفي فقد طرح الدكتور عبد الستار مجموعة من الوسائل التي تعين المرء على الحد من عنفه، أو من عنف الآخرين ، وهذه الوسائل هي:
1ـ لا تقابل العنف بالعنف ، لأن هذا يصعد من دائرة العنف ( العنف والعنف المضاد).
2ـ غيّر حوارك الذاتي (حديث النفس للنفس ) بهدف تغيير مجرى التفكير ، فالأفكار إما أن تزيد الغضب ، وبالتالي تهيئة الفرد للعنف أو العدوان ، وإما أن تقلل منه ، فتتراجع احتمالات العنف أو المبادرة العدوانية ، فقد نغضب لأننا نفسر تصرفات الآخرين بطريقة غير إيجابية ، لذلك المطلوب هو تدريب أنفسنا على تغيير طريقة التفكير هذه ؛ بحيث نجد تفسيرات أخرى لا تغضبنا، بل لنجد مبررات لتصرفات الآخرين تخفف من غضبنا.
3ـ مارس الاسترخاء ، والتخيل الذهني ، فلهما فوائد جمة ، فهما يحدان من التوتر الجسمي (كخفض نبضات القلب ، والضغط الشرياني ، ومعدل التنفس ، والتوتر العضلي) المصاحب عادة لانفعال الغضب.
4ـ درّب أطفالك أثناء التنشئة الاجتماعية على البدائل السلوكية ، أي أن يتعلم الطفل كيف يحل مشاكله بطرق متعددة ، وليس بأساليب جامدة لا تقبل التعدد.
5ـ إلجأ للمعالجين النفسيين ، إذا ما تعذرت عليك الحلول الذاتية ، والاجتماعية ( الجماعية ) للحد من مشكلة العنف ، فلدى الاختصاصيين النفسيين وسائلهم الخاصة التي تسهل على الشخص العنيف تدريب نفسه على مكافحة سلوكه العنفي أو العدواني.
6ـ تتبع أسباب العنف في الواقع الاجتماعي بهدف إبعاد الفرد عن مصادر العنف البيئية ، أو الحد من شدة هذه المصادر لكيلا تؤدي للمزيد من العدوان.
كما أشار الرائد راشد الليفان (شرطة محافظة قطيف) إلى التقويم الصحيح للسلوك من قبل الأسرة ـ التي تلعب دورًا في النشأة الاجتماعية السليمة ـ وذلك لمنع الجريمة أو السلوك المنحرف في المجتمع ، فكون الصلة بين الوالدين والأطفال متقاربة ، لا متنافرة ؛ فإنها تعزز المشاعر الطيبة بين الآباء والأبناء ، كما أنه من المفيد جدًا أن يتعاون المواطن مع الجهات الأمنية للسيطرة على المظاهر العنفية بهدف إحداث حالة أمنية بين المواطنين .
وقد تفاعل الجمهور الذي حضر الندوة مع المتحدثين ، بما ينم عن وعيهم بأهمية وضرورة السيطرة على العنف باعتباره ظاهرة مقيتة .
وقد حظيَ الجانب النفسي والاجتماعي المتعلق بالعنف باهتمام الكثير من أسئلة الحاضرين ، ومما يذكر أن محمد حمد الصويغ ( مدير جريدة اليوم) قدم مداخلة تصب في الاتجاه الذي يرى أن عنف الشباب مرتبط بعدة أمور: سوء التربية ، والفقر ، وافتراق الزوجين ، وعدم وجود عائل لبعض الشباب ، وكثرة عرض أفلام العنف على التلفزيون، سيما بعد توافر القنوات الفضائية ، وضعف الوازع الديني وتعاطي المخدرات، والكحول، ورفاق السوء، كما يذهب إلى الاعتقاد بأن تفشي العنف مرتبط بوجود البطالة في المجتمع.
ويمكن القول بشكل عام: إن عقد مثل هذه الندوة بمثابة خطوة على طريق الحد من العنف واستثمار كل الطاقات العلمية والمهنية ذات العلاقة للحد أو (على الأضعف) التقليل من الظواهر غير المرغوبة. < p>
ــــــــــــــــــــ(42/80)
من الشيخ ابن باز .. إلى أبنائه الشباب
كانت هذه وصية من الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى أوصى بها أبناءه الشباب في بداية إحدى الإجازات الصيفية فقال:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن اهتدى بهداه أما بعد :
فبمناسبة الإجازة الحالية فإنه يسرني أن أوصي الشباب خاصة ، والمسلمين عامة بتقوى الله عز وجل أينما كانوا ، واستغلال هذه الإجازة فيما يُرضي الله عنهم ، ويعينهم على أسباب السعادة والنجاة ، ومن ذلك شغل هذه الإجازة بمراجعة الدروس الماضية ، والمذاكرة فيها مع الزملاء لتثبيتها والاستفادة منها في العقيدة والأخلاق والعمل.
كما أوصي جميع الشباب بشغل هذه الإجازة بالاستكثار من قراءة القرآن الكريم وتدبره ، وحفظ ما تيسر منه ؛ لأن هذا الكتاب العظيم هو مصدر السعادة لجميع المسلمين ، وهو ينبوع الخير ومنبع الهدى ، أنزله الله تبيانا لكل شيء ، وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين ، وجعله سبحانه هاديا للتي هي أقوم ، ورغّب عباده في تلاوته وتدبر معانيه كما قال تعالى :( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[محمد/24] ، وقال تعالى : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ)[ص/29] ، وقال عز وجل : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)(الإسراء/9].
فنصيحتي للشباب ولجميع المسلمين أن يكثروا من تلاوته وتدبر معانيه ، وأن يتدارسوه بينهم للعلم والاستفادة ، وأن يعملوا به أينما كانوا ، كما أوصي جميع المسلمين بالعناية بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظ ما تيسَّر منها ، ولا سيما في هذه الإجازة مع العمل بمقتضاها ، لأنها الأصل الثاني من أصول الشريعة .
كما أوصي جميع الشباب بالحذر من السفر إلى بلاد غير المسلمين ؛ لما في ذلك من الخطر على عقيدتهم وأخلاقهم ؛ ولأن بلاد المسلمين في أشد الحاجة إلى بقائهم فيها للتوجيه والإرشاد والتناصح والتعاون على البر والتقوى والتواصي بينهم بالحق والصبر عليه .
وأوصي جميع المدرسين في هذه الإجازة باستغلالها في إقامة الحلقات العلمية في المساجد والمحاضرات والندوات لشدة الحاجة إلى ذلك ، كما أوصيهم بالتجول جميعا للدعوة إلى الله في البلدان المحتاجة لذلك حسب الإمكان ، وزيارة المراكز الإسلامية والأقليات الإسلامية في الخارج للدعوة والتوجيه ، وتعليم المسلمين ما يجهلون من دينهم وتشجيعهم على التعاون فيما بينهم ، والتواصي بالحق والصبر عليه ، وتشجيع الطلبة الموجودين هناك على التمسك بدينهم والعناية بما ابتعثوا من أجله ، والحذر من أسباب الانحراف .
وأسأل الله أن يوفق المسلمين شيبا وشبانا ، وأساتذة وطلابا ، وعلماء وعامة ، لكل ما فيه صلاحهم وسعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة ، إنه جواد كريم .
ــــــــــــــــــــ(42/81)
الانترنت..وسيلة إبداع أم إيقاع؟
مؤسسة البلاغ
ثورة المعلومات، كما يؤكد العارفون وكما نلمسها يومياً .. نعمة معرفية. والانترنيت ـ بما لا نقاش فيه ـ حضارة وعالم يختصر العالم في صندوق صغير.
إنّه عدّة معلّمين في معلّم واحد.
وجملة وظائف في جهاز واحد.
قديماً كان (الأُمِّيّ) هو الذي لا يعرف القراءة والكتابة.
اليوم .. الأُمِّيّ هو الذي لا يعرف كيف يتعامل مع الكمبيوتر.
المعلومات بالأمس .. متعذّرة وغالية ومحدودة وبعيدة لا يمكن جمع شتاتها في آن واحد ومكان واحد .. هي اليوم رخيصة ومتاحة بوفرة ومجموعة في الزمان والمكان ولا تحتاج إلى أكثر من نقرة.
العالم اليوم (نوافذ) يطل بعضها على بعض.
فالتعلّم من خلال الحاسوب (الكمبيوتر) يحقق الغايات التربوية التالية:
1 ـ ينمِّي عادة التفكير الإيجابي والإبداعي وبأنماط وطرق مختلفة.
2 ـ يعمِّق مفهوم المشاركة والتواصل مع الغير.
3 ـ يساعد على قبول القضايا الخلافية.
4 ـ يعين على التعلّم من خلال الخطأ والتجربة والمحتمل والمجهول.
5 ـ يوفر فرصة التعلّم بـ (الرمزيّات) و (المحسوسات) أيضاً.
6 ـ يهيِّئ المتعلّم للعمل والتطبيق العمليّ، بل و (التعليم الاستكشافي)(( )).
7 ـ يجعل المستخدم يستثمر أوقات فراغه إن شاء بشكل أفضل، وإن أراد بشكل سيِّئ، بالإضافة إلى أنّه يكسر رتابة البرامج التعليمية المملّة.
8 ـ يساعد في تنشيط المهارات لدى المستخدم.
9 ـ يحقق قدراً لا بأس به من الترفيه والترويح.
10 ـ يمكنك من الوصول إلى مصادر المعرفة، وكيفية توظيفه.
11 ـ يكسبك المرونة وسرعة التفكير وقابلية التنقل، وبالتالي فإنّه يعينك على تحقيق ذاتك.
12 ـ يجيب على أسئلتك، ويفتح لك المجال لطرح الأسئلة.
وبالدراسة ثبت أنّ الطالب الذي يعمل على الحاسب الآلي في البيت، أعلى في مستواه الثقافي من الطالب الذي ليس لديه حاسب آلي، وإنّ الوقت المنفق على الحاسب الآلي في البيت أكثر قيمة من الوقت الذي يمضيه الطالب مع نفس الجهاز في المدرسة.
والآن، ماذا يمكن أن تتعلّم من هذا المعلّم الواسع العطاء؟
ببساطة .. كل شيء.
فشبكة الانترنيت أزاحت كلّ الأستار والحجب، ولا نقول قلّصت الممنوعات والمحرّمات، بل جعلتها من متناول اليد، ولم يعد الحفاظ على الأسرار شيئاً سهلاً، وتقلّص مفهوم الرقابة إلى أقصى حدّ، فإذا كان عدد الصور التي تلتقط للفرد (30) صورة يومياً ببركة الانترنيت، فإنّ مقولة: «إذا أردت أن تفشي سراً فأودعه حاسوباً» دقيقة في التعبير عن هذه الحالة.
إنّ القاعدة التي نعتمدها دائماً في التعامل مع شيء أو في رفض التعامل معه هو حساب (أرباحه) و (خسائره)، أو (محاسنه) و (مساوئه) فإذا رجحت الإيجابيات على السلبيات أخذنا به، والعكس صحيح.
من إيجابيات ومحاسن هذا المعلّم الكبير، وهي كثيرة جدّاً:
1 ـ يجعل المخترعات تتزايد بمتواليات هندسية، أي انّها تتفرّع وتتفرّع، مما يزيد في رقعة الابداع والابتكار والاختيار.
2 ـ لديه القدرة الهائلة على خزن ومعالجة البيانات، حيث يمكن ـ كما يقول الخبراء ـ اقتناء (دائرة المعارف البريطانية) بأكملها مسجلة على قرص لا يتجاوز نصف قطره البوصتين والنصف.
3 ـ ما يوفره من التزاوج بين (الاتصالات) و (المعلومات) وذلك من خلال حوار الحواسب أياً كان موقعها الجغرافي، وعبر الهاتف والبريد الالكتروني وبرامج المحادثة.
4 ـ قدرته على الجمع بين (الصوت) و (الصورة) و (النصّ) و (الرقم) بشكل متكامل.
5 ـ امكاناته الواسعة في تزويدنا بنظم خبيرة في الطب والادارة والتصنيع والمال والتسويق والتعليم والإعلام والترفيه .. الخ.
6 ـ يوفّر فرصاً ـ لم تكن متصوّرة ـ لنشر الدين والقيم الانسانية والأخلاق والفضائل.
ومن مساوئ ومضار الانترنيت:
1 ـ إدمان الجلوس بين يديه عنده لساعات طويلة بما يعطّل الكثير من أنشطة المستخدم الأخرى: العلمية والاجتماعية والعبادية والرياضية والانتاجية.
2 ـ الابتعاد عن الواقع المعاش بما ينتج عن تفكك الروابط والعلاقات المباشرة، والاستعاضة عنها بلقاءات الغرف الالكترونية.
3 ـ الاستغراق في التعامل الآلي يهدّد بالخوف من الغاء انسانية الانسان.
4 ـ تسخيره في ترويج (العنف) والمشاركة فيه، و (الجنس) والتورط في مباذله.
5 ـ طرحه لأفكار ضالّة ومضلّلة قد تشوّه وتشوش رؤية الشاب المسلم لاسلامه، ما لم يكن ذا خلفية ثقافية اسلامية متينة.
فللإفادة من محاسن هذا (المعلّم) الذي جمع كلّ المعلمين بين جناحيه يمكن الأخذ بالتوصيات التالية:
1 ـ ركِّز على الأشياء التي تعلّم التفكير، وتنمية مهارات الاستطلاع والتعلّم الذاتي.
2 ـ تعلّم مشاريع وآفاق وبرمجة الحاسب الآلي كتوحيد النص والصوت والصورة والرسوم البيانية.
3 ـ وسِّع مجالات معرفتك بجولاتك الالكترونية في حقول المعرفة المختلفة، وصب اهتمامك على ميلك أو اختصاصك أو ما ترغب بزيادة المعرفة بشأنه .. فالانترنيت أكبر مكتبة في العالم. وأوسع ورشة فيه أيضاً.
4 ـ اغتنم خدمات الانترنيت سواء في البريد الالكتروني أو منتديات الحوار ومجموعات النقاش الالكترونية في الحوار وتبادل الآراء حول قضايانا الإسلامية والتي تهمّ الشباب تحديداً.
5 ـ إنّ لذّة البحث عن الحقيقة لا يعدلها إلاّ لذّة العثور عليها، استكمل دراساتك من خلال الجامعة الالكترونية، أو عبر البحوث التي يوفر لك الانترنيت جميع مستلزماتها.
6 ـ نمّ مهاراتك الفنية والعلمية والحرفية واللغوية. مما تتيحه لك خدمات الشبكة المعلوماتية في ذلك وفي غيره.
7 ـ إذا اقتصرت على الألعاب الترفيهية فإنّ ما تتعلّمه هو التنسيق بين العين واليد فقط، أمّا الألعاب المخصّصة لتعليم المبادئ الأوّلية للسياقة مثلاً، أو ألعاب اللغات، بتعلم قواعد لغة ما، أو ألعاب الأرقام لتعلم العمليات الحسابية، أو الألعاب العملية التي تقدم بمساعدة مختصين كالألعاب الطبّية كجلسة مع طبيب تجري من خلال أسئلة وأجوبة، فهذه الألعاب تساعد في الإبداع والتعلّم الذاتي وتنمية عادة التفكير.
وتذكّر أنّ الألعاب المستوردة قد تحمل في طياتها معلومات وأخلاقاً وعادات مخالفة لتعاليم دينك، فاختر منها ذات الطابع الانساني الذي يعلِّمك حبّ الخير، والتي تزيد في معلوماتك وتصقلها، والتي تكون ذات نزعة صديقة، أي التي توفّر فرص الفوز بشكل متكافئ.
8 ـ استخدم اللغة العربية ما أمكنك ذلك خاصة من خلال المواقع الالكترونية العربية وحتى في برامج المحادثة، حفاظاً على سلامة لغتك واحتراماً لها ولقدرتها في التعبير عن مكنونات فكرك ونفسك.
9 ـ قاوم الإغراء بالذهاب إلى أماكن معينة كـ (المواقع الإباحية) واحذر الرسائل التي تريد أن توقعك بفخها .. ليكن مفتاح التحكّم والسيطرة بيدك، فالشيطان اليوم يوظّف الانترنيت أيضاً كوسيلة حديثة للإيقاع بالشبان والفتيات، وإذا انزلقت بخطوة، فستتبعها خطوات انزلاق اُخرى .. فاغلق الباب من البداية وإلاّ سرقك الشيطان.
فما يسمّى بـ (الحبّ الالكتروني) وحالات التعارف والاتفاق على الزواج من خلال مقاهي الانترنيت أو الغرف الخاصّة والدردشة لا يخلق ـ كما يتوهم البعض ـ تفكيراً مشتركاً إلاّ في حالة كان المتخاطبان في مدينة واحدة، وأمكن التعارف المباشر بينهما للتأكد من صحة المعلومات والمدعيات(( )). وإن كُنّا ننصح بأن يأتي الشبان البيوت من أبوابها لأن ذلك هو أسلم الطرق وأزكاها.
10 ـ الدراسات الطبّية التي أجريت على أناس يتعاملون مع الكمبيوتر لفترات طويلة يومياً، كشفت أن ذلك يؤدِّي إلى:
ـ إضعاف البصر.
ـ زيادة الإرهاق النفسي.
ـ ظهور بعض أمراض الحساسية.
ـ يؤثر على انتظام الدورة الدموية، ودقات القلب.
وينصح الأطباء بتحديد أوقات التعامل مع الحاسوب، مع أخذ استراحة في الهواء الطلق، وتحريك الجسم بما يكفل تحريك جميع عضلاته وفقراته. ونحن نفضِّل اعتماد القاعدة الاعتدالية التي تقول «خير الاُمور أوسطها» فلا أيام معدودات في الأسبوع، والحاجة إلى الكمبيوتر والانترنيت يوميّة، ولا الجلوس إليه بين (10 ـ 12) ساعة يومياً.
balagh.com
ــــــــــــــــــــ(42/82)
إضاءات في حل مشاكل الشباب
نضع بين يدي شبّاننا وشابّاتنا هذه الإضاءات التي نأمل أن تكون عوناً لهم في تذليل ما يعانونه من مشاكل :
1 ـ لكلّ مشكلة حلّ ، ولكلّ مأزق مخرج ، والمشكلة بحدّ ذاتها نعمة لأ نّها تشكّل خميرة لأفكار وحلولاً لمشاكل ربّما تواجهنا مستقبلاً، كما أ نّها تستنفر قوانا المختلفة من أجل أن نوظّف أفضل ما عندنا في مواجهة التحدّي الذي تمثِّله المشكلة .
إنّ حالنا إزاء المشاكل المداهمة كحال الكريات البيضاء في الدم حينما يداهم الجسم ميكروب معيّن فإنّها تنشط في الذود عن حرم الجسد بكل ما اُوتيت من قوّة .
2 ـ لنضع لكلّ مشكلة مخططها : أسبابها الظاهرة والباطنة، الرئيسة والثانوية ، ومظاهرها وانعكاساتها علينا وعلى من حولنا ، والحلول المفترضة والمتوافرة لدينا ، ذلك أنّ التفسير الخاطئ للمشكلة يبتعد بها عن طريق الحل .
يقول الأطباء النفسانيّون : عبّر عن كلّ ما يدور في ذهنك عبر الكتابة .. أفشِ أسرارك على الورق وكذلك همومك ومشاكلك .
ليكن صاحب المشكلة طبيب نفسه ، يشخِّص الداء ويقترح الدواء المناسب .. فمعرفة السبب نصف الحلّ .. علينا أن لا نغالط .. لا نكابر .. لا نتهرّب .. ولا نتحيّز لصالح أخطائنا أو أنفسنا الأمّارة بالسّوء ..
3 ـ التفاهم والصراحة مع الطرف الآخر في المشكلة من أفضل
الطرق لتسويتها ، وقد يتطلّب الأمر بعض التنازل لمصلحة أكبر وهي الحفاظ على أواصر الأخوّة والزمالة أو الجيرة أو القرابة ، فلربّ شيء من التساهل يحلّ عقدة كبيرة، ذلك أنّ تعصّب الطرفين هو مشكلة بذاته.
كن أنت الذي يمهِّد الطريق لإذابة الجليد، أمّا إذا بادر الآخر فرحِّب بمبادرته على طريقة (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا ) ( الأنفال / 61 ) .
4 ـ الوساطة الحميدة تلعب دوراً في حلّ بعض المشاكل ، فكما أنّ الله سبحانه وتعالى دعا المؤمنين إلى إصلاح ذات البين (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَاصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) ( الحجرات/ 10 )، فطالب المجتمع أن لايقف مكتوف اليدين إزاء خصومة الإخوة المؤمنين وتنازعهم ، بل أن يتدخلوا للإصلاح ، فكذلك دعا إلى الإصلاح بين الزوجين : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا ) ( النِّساء / 35 ) ، فإذا لم يكن الطرف الآخر مستعداً للتفاهم المباشر فقد تنفع الوساطة في إزاحة الأحجار من الطريق لتعود المياه إلى مجاريها .
5 ـ «من فكّر قبل العمل كثر صوابه» .. إنّ التفكير في أيّة خطوة تخطوها، ودراستها جيِّداً بتقليبها على وجوهها، واستشارة ذوي الخبرة والتجربة ، والتريّث في إعطاء القرار في أي موضوع يطرح علينا ، كلّ
تلك عوامل مساعدة على تطويق المشاكل وعدم الابتلاء بها ، ذلك لأنّ التسرّع والتهوّر والعجلة توقع في الندامة .
6 ـ للثقافة دور مهم في تضييق شقة الخلاف مع الآخرين، وبالتالي تقليص المساحة التي تنبت فيها أدغال المشاكل .. فالمحصول الثقافي لأيّ منّا ينفع في حسن التعامل ، كما يساعد في حلّ المشاكل وايجاد البدائل والخيارات أمام صاحب المشكلة شابّاً كان أم شابّة ..
7 ـ كما أنّ للقدوة دورها في تثقيفنا بحلّ المشكلة ، ومن المستحسن في هذا الصدد استخدام أسلوب الأولياء الصالحين في التعامل مع من يسيئون إليهم أو إلى أنفسهم ، فالنصح والإرشاد والتسديد والنقد البنّاء خاصّة إذا كان على انفراد لحفظ ماء الوجه ، فإنّه يكون ادّعى إلى الاستجابة والقبول والأخذ به : «من وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ومن وعظه علانية فقد شانه» . وعلى عكس ذلك ، فقد يكون النصح أو النقد على مرأى ومسمع من الآخرين مدعاة لأن تأخذ الشاب أو الشابّة العزّة بالإثم .
ثمّ أنّ الابتداء بالإيجابي في النقد يشرح الصدر ويفتح أسارير القلب لتقبّل النصح على طريقة «كلُّ ما فيك حسن ما خلا خصلةً واحدة» فهذا الأسلوب يجعل السامع أو المخاطَب يتوجّه إلى سماع كلمة النقد أو النصح بمسامعه كلّها لأ نّه يريد أن يستكمل حُسن أخلاقه ، كما يساعد الناصح على أن يقول كلمته بارتياح .
8 ـ إنّ اتّخاذ أخ مخلص ناصح مشفق غيور وثقة كمرآة يرينا عيوبنا ويهديها إلينا على طبق من الحبّ والإخلاص، يخفّف من درجة وقوعنا في براثن المشاكل ، فمثل هذا الأخ في الله لا يجاملنا في أخطائنا ، وبالتالي يكون عوناً على تجاوزها. وقد جاء في الأمثال « أمرُ مبكياتك لا أمر مضحكاتك » .
9 ـ إنّ استحضارنا لأخطائنا وهفواتنا وسقطاتنا وإساءاتنا، وتذكّر لو أ نّنا كنّا في موقع الخاطئ أو المسيء لربّما أخطأنا مثله ، يقلِّل من حدّة انتقادنا له ، ويساعدنا على تفهّم موقفه ، وبالتالي على إقالته من عثرته ، وفي الحديث «أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم» .
10 ـ ربّ رسالة تحمل مشاعر رقيقة وخواطر نديّة دافئة تذيب جبلاً من الجليد .. وربّ مكالمة هاتفية تبعث الحرارة في علاقة أصابها البرود ، وربّ هدية ـ ولو متواضعة ـ نقدّمها لشخص أخطأنا بحقّه تزيل سخام الحقد من قلبه ، وربّ زيارة ـ في مناسبة أو غير مناسبة ـ لمن اختلفنا معه ، تقطع دابر الاختلاف بيننا وبينه ، وربّ مقابلة إساءة بالإحسان فتحت طريقاً للخير واسعاً ، وكان يمكن لمقابلة الإساءة بالإساءة أن تفتح طريقاً للنار لاتبقي ولا تذر. وفي الحديث «أتبع السيِّئة الحسنة تمحوها» .
إنّ هذه من أوثق فرص الإيمان في تذويب المشاكل ، وإذا لم تفلح معك فالعيب ليس فيها ، بل في نفس معتمة مريضة لا تتقبّل الهدية ولا الإحسان ولا المحبّة ولا الصفاء .
11 ـ تتطلّب بعض المشاكل استجماماً نفسياً ، وفسحة زمنية حتّى تتحلحل ، ولذا فإنّ الإجازة أو الترويح عن النفس أو السفر عوامل مهمّة في معالجة المشاكل خصوصاً النفسية ، وإذا لم تكن حلاًّ فإنّها تخفّف من وطأتها على الأقل ممّا يتيح المجال لمعالجتها لاحقاً ، ذلك أنّ المشكلة عند انفجارها تُفقِد الصواب وتطرح حلولاً متعجّلة وغير ناضجة وربّما تدفع إلى الندم .
12 ـ لنلجأ إلى الله سبحانه وتعالى في الدُّعاء والتضرّع بين يديه لينزل علينا شآبيب رحمته ويرزقنا العفو عمّن ظلمنا وأن نجازي بالبرّ من قطعنا وأن نواصل من هجرنا، ففي الدُّعاء : « وأن نراجع من هاجرنا وأن ننصف من ظلمنا » وهذا هو معنى « الهجر الجميل » حيث قيل : « لا يكن حبّك كلفاً ولا بغضك تلفاً » .
ولنلجأ إليه في الاستغفار والتوبة والأوبة، لنبسط جراحنا ومشاكلنا وهمومنا وعذاباتنا بين يديه فإنّ « الراحل إليه قريب المسافة » ولعلّ من بين أعظم الحلول المطروحة إسلامياً لبعض مشاكلنا الروحية والنفسية والاجتماعية هو منهج الاستغفار والتوبة وطلب المعذرة والصفح والمسامحة ، ويبقى «ترك الذنب أيسر من طلب التوبة» .
ولنلجأ إليه في حال تعقّدات المشكلة وتأزّم الموقف وضغطت المآزق واختنق الظرف ، فإذا ما أغلقت الأبواب فدوننا باب الله المفتوح في اللّيل وفي النهار (أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) (النمل/62).
لنتوسّل به وبرحمته وعطفه ولطفه وعفوه وعافيته ، ولنتوسّل بالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وآل بيته (عليهم السلام) ونشفعهم لديه ، ولنجعل النذر والصدقة طريقاً نسلكه للخروج من المآزق حين تعزّ المخارج ، ولنقصد المراقد المقدّسة المطهّرة، فالدعاء تحت قبابهنّ مستجاب وكرامات الراقدين فيها كثيرة للملهوفين والمضطرّين لما لهم عند الله من عظيم الكرامة والمنزلة .
13 ـ مشاكل الآخرين وطرقهم في حلّها زاد نستفيد منه ، ففيها العبرة والموعظة ، وكثيراً ما تشابه مشاكلنا ، فإذا ما أخذنا الدرس ابتعدنا عمّا يوقعنا في شباك المشاكل المماثلة ، وإذا وقعنا فلعلّنا نكون قد أفدنا من سبل الخلاص منها . وفي الأمثال والحِكَم «في الاعتبار غنى عن الاختبار» .
14 ـ لاتعالج الخطأ بالخطأ والانفعال بالانفعال والعصبية بالعصبية والإساءة بالإساءة والحماقة بالحماقة ، وإلاّ فما هو الفرق بينك وبين المسيء البذيء المنفعل الأحمق أو المخطئ ؟! لتكن أصلب منه وأوسع قلباً وأهذب لساناً وأحكم موقفاً .. لا تلغِ عواطفك وانفعالاتك بل سيطر عليها ، فقليل من الهدوء والتحمّل قد ينجي من عواصف كثيرة ، ثمّ أنّ الحماقة تجرّ إلى حماقة أخرى وهكذا ، وقد يمتد عراك بسيط ، لم يتصرّف فيه أحد طرفي المشكلة بحكمة، إلى معركة تطيح فيها الرؤوس، وقديماً قيل «أوّل الغضب جنون وآخره ندم» وقيل أيضاً «إنّ البلاء موكّل بالمنطق» .
15 ـ إنّ بعض الفتيات والفتيان يلجأون إلى الخيال في أذهانهم أو من خلال ما يعرضه هذا الفيلم أو ذلك المسلسل بحثاً عن حل لمشاكلهم ولا يجدون الحل لأ نّهم لم يربطوا بين الواقع وبين هذا الخيال بجسور العقل والحكمة والتدبير .
وحينما تتوفّر هذه الجسور فانّ الخيال يسعف في رسم خارطة للحلول المفترصة ومن ثمّ اختيار الأنسب منها وتطبيقه في الحياة .
16 ـ إنّ معرفة مدى انتشار المشكلة وامتداد تأثيراتها أمر يجب أن يكون نصب أعيننا ، فقد نتأثّر بها كأفراد ، وقد تتأثّر بها شرائح من المجتمع ، فالكذب ليس مشكلة فرديّة تمسّ المكذوب عليه فقط ، وإنّما هي مشكلة الكاذب الذي يجعل الحقيقة صرعى الادّعاء المضاد، والغيبة ليست مشكلة من تغتابه فقط ، بل في إسقاطه في الدائرة الاجتماعية القريبة منه وهلمّ جرّا .. فالتفكير بدائرة المشكلة وسعة تأثيراتها قد يجعلنا نعيد النظر في ارتكابها نظراً لما يترتّب عليها من مفاسد .
17 ـ إنّنا معنيون ليس بالبحث عن حلول لمشاكلنا الذاتية فحسب، بل عن حلول لمشاكل الأمّة التي ننتمي إليها أيضاً، ففي الحديث الشريف « مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ». وفي الحديث أيضاً : « من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ، ومن سمع رجلاً ينادي : يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم » .
بلاغ كوم
ــــــــــــــــــــ(42/83)
الثقافة البيئية..لماذا نحن بحاجة اليها؟
ثقافة البيئة، أو ما ينبغي عمله من أجل الحفاظ على البيئة وحمايتها أو التفاعل والتعاطي معها، تقوم على عدّة ركائز، منها:
1 ـ الشعور بالمسؤولية:
الإحساس بالمواطنة، وأنّك جزء من هذا الوطن أو البلد، وأنّه بيتك الكبير، وأبناؤه إخوانك.. سعادتك من سعادته وما يصيبه يصيبك.. ثقافة تتلقى دروسها الأولى من أمّك وهي تعلِّمك كيف تُلقي المُهمَل في سلّة المهملات، وأن تبقى نظيفاً ومرتباً في البيت والمدرسة والشارع.. وفي أولى وصايا أبيك في أن لا تقطع شجرة ولا تقتل عصفوراً.. ولا تُخرِّب أو تعتدي على ممتلكات غيرك..
إنّ الطالب أو التلميذ الذي يكتب على مقعد الدراسة ويحوّله إلى لوحة مشوّهة تتداخل فيها الرسوم والخطوط والكلمات المبعثرة والألوان المتنافرة.. لا يقدِّر المسؤولية..
وراكب الحافلة الذي ينقش على المقعد المخصّص للركّاب والمسافرين قلباً وسهماً وكلمات ورموز غير لائقة.. يسيء لنفسه أوّلاً.. وللمال العام ثانياً.. ولأبناء وطنه ثالثاً..
والذي يأكل الموزة ويرمي قشرها على قارعة الطريق ثمّ يضحك من الذين يسقطون بسببه.. انسان عديم الذوق والإحساس..
وذاك الذي يبصق في مرأى ومسمع من الناس القريبين منه.. لا يُقدِّر مدى الاشمئزاز والقرف الذي يصيبهم جرّاء فعلته، ناهيك عمّا يُسبِّبه لهم من أذى نفسي وصحّي..
والشواهد اليومية.. كثيرة.
وعكسها موجودة.. أيضاً.
فالذي يرفع القمامة من غرفة الدرس حتى لو لم يكن هو الذي رماها.. تلميذ مسؤول..
والذي يمتنع عن التدخين ـ وهو مدخّن ـ في مكان عام أو مغلق.. انسان يحترم حريّة وصحّة ومزاج الآخرين..
والذي ينظف أنفه في الحمام.. أو يستخدم المنديل عند العطاس يعطي انطباعاً عن ذوق ولطف وكياسة..
والذي يزيح الحجارة أو القناني المكسورة أو أي شيء يُسبِّب الأذى في الطريق.. يعمل بمبدأ اسلامي وهو (إماطة الأذى عن طريق الناس).
هذه هي المسؤولية.. أشعرُ بها حتى ولو لم تكن هناك لافتة أو تحذير أو إشعار..
كيف أشعر بالمسؤولية إزاء البيئة؟
إذا أحببتُ لغيري ما أحبّ لنفسي.. هذا أوّلاً.
وثانياً: أن أكون أنموذجاً صالحاً لغيري.
إنّ الموظف أو التلميذ أو الفرد في الأسرة الذي لا يترك التبريد أو التدفئة أو الإضاءة مفتوحة وهو خارج غرفته.. انسان أو مواطن مسؤول.
أمّا الذي لا يشعر لا برقابة داخلية (وخزة ضمير) ولا برقابة خارجية.. فهو عديم المسؤولية، وقد تكون اللافتة أمام ناظريه لكنّه يتعمّد خرقها.. وربّما عرف الصحيح لكنّه يستسهل الخطأ..
2 ـ النظافة والصحّة:
كيف نحصل على بيئة نظيفة وصحّية؟
ليست هناك إجابة جاهزة على هذا السؤال.. كلّ ما من شأنه أن يحقِّق النظافة، ليصبّه في خدمة البيئة النظيفة..
نَظِّف الزاوية التي أنت فيها.. وبدوري سأقوم بتنظيف المكان الذي أنا فيه.. وبهذا تتسع دوائر النظافة.. وإذا اتسعت حلّت الصحّة والعافية وشاع الصفاء والنقاء والبهجة.. للبولونيين مثل يقول: (لو قام كلُّ امرئ بالتنظيف حول بيته لأصبحت كلُّ مدينة نظيفة)! فالنظافةُ بعضها من بعض وهي لا تتجزّأ.
قد يكون للتعليمات الصحّية الصادرة عن وزارات الصحّة نفع في دفع الذين لا يلتزمون بالنظافة إلاّ بالإنذار والقانون أن يراعوها للغرامات المالية أو العقوبات المترتبة على مخالفتها، لكنّ هؤلاء سرعان ما يديرون ظهرهم للقانون إذا كان القانون نائماً أو مشغولاً عنهم..
عين الرقابة المفتوحة تساعد في التطبيقات الحازمة لكنّها لا تجلب النظافة دائماً.. ثقافة النظافة أن نعتبر المحلّة أو المدينة هي بيتنا الثاني.. الصينيون يذهبون أكثر من ذلك.. هم يقولون: (العالم هو بيتنا.. حافظ على نظافته)!
في ثقافتنا الاسلامية الصحّية.. الطهارة تعني النظافة لأنّها تحصل بازالة القذارات والنجاسات.. وهل النظافة غير ذلك؟ يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ الله طيِّب يحبّ الطيب، نظيف يحبّ النظافة».
وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يربط بين النظافة وتحسّن الأحوال المعيشية: «كنس البيوت ينفي الفقر». وورد في الأمثال: «النظافةُ نصفُ الغنى». فما علاقة النظافة بالغنى؟
إنّ المتجر النظيف أجلب للزبائن.
والبيت النظيف أشرح للصدر.. وأكثر بهجة للضيوف.
والحديقة النظيفة تسرّ الناظرين.
وحافلة النقل النظيفة، والقطار النظيف، والطائرة النظيفة تستقطب الركاب والمسافرين أكثر من غيرها..
المطاعم والفنادق الواقعة في المناطق النظيفة، والتي تراعي شروط النظافة يرتادها زبائن وسيّاح أكثر..
أمّا سواحل البحار والأنهار النظيفة فيتكاثف الناس فيها ممّا يحقِّق لمقاهيها ومطاعمها ونواديها النظيفة أرباحاً طيِّبة..
بعد هذا.. أليست النظافةُ تجلبُ الغنى؟!
ليس الغنى وحده.. بل الصحبة والعشرة الطيِّبة أيضاً.. ففي الحديث: «تنظّفوا بكلّ ما استطعتم (من أدوات النظافة) فإنّ الله بنى الاسلام على النظافة، ولن يدخل الجنّة إلاّ كلّ نظيف».
التفت.. النظافةُ لا تجلب الغنى فقط.. إنّها سبب لدخول الجنّة أيضاً!
هل تعلم أنّ الأشياء النظيفة (تُسبّح)؟!
كيف؟
لا ندري.
هكذا جاء في بعض الأحاديث، غير أنّ نقاء الثياب والأماكن وطهارتها جزء من طهارتنا.. وكلّما كانت طاهرة ونظيفة.. كانت أدعا إلى الصفاء وذكر الله..
3 ـ الثقافة الجمالية والذوقية:
شيء من النظافة + شيء من الذوق الفنّي يُحيلان البيوتات البسيطة أو الفقيرة إلى جنينات..
ليست فخامة الأثاث والديكور هما الجمال الوحيد..
انظر إلى متجر يكدِّس البضاعة فوق بعضها البعض.. وقارنهُ بآخر يعرض بضاعته ومنتوجاته بطريقة فنّية فيها لمسة جمالية راقية.. قد تكون بضائع الأوّل أغلى وأثمن.. لكن أسلوب العرض هو الذي جعل الزبائن يقبلون على الثاني ويُعرضون عن الأوّل..
الذوق الجمالي ليس شيئاً ترفياً في العناية بالبيئة.. هو جمالها المكمّل.. هو مسؤوليتك ومسؤوليتي ومسؤولية الدولة..
صاحب البلدية ذو الذوق الرفيع يساهم في توفير أسباب الجمال في المدينة..
فأعمدة الكهرباء ذات الأبعاد المتناسقة والألوان المتجانسة والمصابيح الموحّدة تضفي على جوّ المدينة ـ خاصة في الليل ـ طابعاً شاعرياً قريباً من القلب..
والحدائق العامة التي تتوزع فيها النوافير وكأنّها ولدت هناك.. وأصص وأحواض الورود الزاهية المبثوثة في جنباتها، والتي لا تفتر يد البستانيين في تقليمها وتشذيبها والعناية بسقايتها، وهندسة أشجارها.. تغرسُ في مخيلة الناظر نشوة جمالية.. وقد تعلِّمه درساً في تذوّق الجمال.
السير المروري المنتظم أو المنظّم وفق اشارات ضوئية تُراعى من قبل السائقين.. يقفون حيث تُضيء اشارة الوقوف.. ويتحركون عندما تشتعل اشارة الحركة.. هو نهرٌ جار من السيارات المتدفقة في تناسق بديع.. (قارن ذلك مع ما تشاهده من فوضى مرورية في بعض بلداننا)!!
قد لا نحتاج إلى أقوال طائلة حتى نُدخل الجمال أو نزرعه في كلّ مكان.. ما نحتاجه ـ أحياناً ـ الذوق والروح التعاونية واللمسات الجمالية..
البيئة لوحة فنية رائعة.. ومَن يتعامل معها على أنّها كذلك فيراعي نظافتها.. وجمالها وروائحها وألوانها وظلالها.. هو فنان حتى ولو لم يدرس الفنّ!
هل أنت معنا في أنّ البيئة لا تحتاج النظافة فقط وإنّما إلى الروح الفنّية الجميلة أيضاً؟!
4 ـ الالتزام الشرعيّ:
نحنُ مسلمون.. والإحساس بمسؤولية المواطنة.. والاعتناء بالصحّة والنظافة ومراعاة الذوق الجماليّ الرفيع من صُلب أدبنا وثقافتنا..
إنّ الاسلام الذي يعلّمني أن أرفع الأذى عن طريق المسلمين ويعتبر ذلك صدقةً لي أُثاب وأُكافئ عليها، يدعوني إلى احترام البيئة وعدم الإضرار بها حتى ولو لم أجد لافتة مكتوب عليها (ممنوع) وأخرى عليها (جمجمة تتقاطع عليها عظمتان) وثالثة عليها علامة (× ) .. الخ.
هذا الاسلام نفسُه يطالبني بعدم الاعتداء على جيراني بأن أرفع حائطاً بيني وبينهم يحجبُ عنهم الضوء والهواء، وهو ذاتُه الذي يربّيني على أن لا أخدش حاسّة الشمّ لديه بما ينبعث من بيتي من روائح كريهة أو أصوات مزعجة!
فهل أحتاج ـ أنا المتأدِّب بتعاليم الاسلام ـ إلى أن أُحذِّر من عدم السعال والعطاس والبصاق بدون منديل يمنع انتشار الفيروسات أو العدوى؟
هل أنا بحاجة إلى تنبيه أو إلفات نظر أنّ رائحة الثوم والبصل والجوارب المتعرّقة تثير الاشمئزاز والتقزّز؟
الثقافة البيئية.. هي ثقافة شرعية.. فما دام فيها احترام لصحّة وذوق ومشاعر الانسان نفسه، وصحّة وذوق ومشاعر الآخر، فهي في الصميم من ثقافتنا الشرعية والاسلامية حتى ولو لم ترد فيها نصوص صريحة!
إنّ معنى الجار الصالح ليس فقط الذي يُلقي التحية عليَّ في الصباح، بل الذي لا يتعمّد الإساءة إليَّ في إلقاء نفاياته أمام بيتي..
ومعنى المواطنة الصالحة ليس الالتزام بالتعليمات والقوانين الرسمية فقط، بل التي لا تتجاوز على حقوق الآخرين.. فالذين يكتبون الشعارات، ويُلصقون الصور والإعلانات على جدران البيوت والمحلاّت بدون إذن أصحابها يتصرّفون في أموال الناس بدون رضاهم، ممّا لا يجيزه الاسلام لهم، فخارجُ البيت كداخله وتابعٌ له.. فكما لا يحقّ لي الاعتداء أو التعدّي على حرمته..
أرأيت كيف أن تعاليم الشريعة الاسلامية هي في مصلحة الانسان أوّلاً وأخيراً؟
بلاغ كوم
ــــــــــــــــــــ(42/84)
شباب العصر وتفجير الطاقات
خولة القزويني
في الوقت الذي يدخل فيه العالم مرحلة متقدمة في وسائل الإتصال,بعد أن فجر ثورة علمية مبهرة في مجال التكنولوجيا الحديثة,حتى استطاعت أن تجمع الحضارات في كل بيت ..فأنت في مكانك تسافر من حضارة الى أخرى وتنتقل عبر زر تضغطه من بلد الى بلد..تظهر على السطح حقيقة مؤلمة نلمسها جيداً في شبابنا,حيث تثار علامات الاستفهام حول وضعهم المأساوي الذي يعيشونه,وقد رنحتهم هذه البهرجة حتى استولت عليهم البلادة والخمول,فالاتجاه الحديث الذي يسير عليه شبابنا اليوم هو الطريق السهل الذي لايجهد العقل,بل يأخذ الأمور الهينة,اللينة التي هي طوع رغبته والتي يشبع فيها الميول والنوازع الذاتية..ونحن احوج في هذا الزمن الى تفجير مكامن الطاقة والابداع في فكر الشباب,وتوعية اذهانهم وعقولهم لخلق قاعدة انتاجية لملاحقة هذه التطورات ومتابعة العالم وحضارته بتفهم وحركة مدروسة لمعرفة أهدافها وأبعادها ومدى فاعليتها لمجتمعاتنا,اما هذا الاستغراق الأبله الذي أعمى بصيرتهم حتى حولهم الى أدوات استهلاكية ميتة وعقول فاترة يفترض فيها أن تنهض وتفكر وتستدرك وتحاور نفسها عبر منطق سليم.لايخفى علينا أن القوى الكبرى تعمل على تمزيق الدول الصغيرة وتفتيت أوصالها,عبر امتصاص قوى
شبابها الفكرية والابداعية والعلمية,تحت تسميات مختلفة وتبريرات كثيرة,فلا يلقى الشاب المبدع أو المفكر صوتاً في وطنه,فتخبو بارقته قبل أن ترى النور تحت غطاء "عدم الضرورة لذلك"فكل شيء يأتينا جاهزاً من الغرب...تفتر عزيمة الشاب وتضمحل إرادته لأن بحثه سيكون مكلفاً,وليس هناك من يستعد لتمويله وتشجيعه,فيتجه البعض الى الهرج والمرج,حيث صار الفن واهله المثل العليا لاغلب شبابنا وشاباتنا,صارت هذه المثل هي التي تشدهم وتستولي على اهتمامهم واحلامهم ..فأكثر المجلات والصحف ووسائل الاعلام ترتزق عن طريق هذا الباب,حتى صار التوجه الرئيسي للشباب وفق هذا المنحى.اما العلم والابتكار والمعرفة فهي من اختصاص المختصين,ويحضرني هنا أحد بروتوكولات حكماء صهيون وهم بصدد السيطرة على شعوبنا عبر عملائهم وانصارهم في كل شبر من هذا العالم ونصه كالتالي:"علينا أن نعنى بتوجيه التعليم في مدارس جماعات الغويم توجيهاً دقيقاً,فيلقى في الأذهان أنه متى ماجيء على مسألة عويصة تحتاج الى جهد ذهني تنقيباً واجتهاداً,فالأولى تركها واجتيازها الى ماهو اهون وايسر,فيتولاها من هو أهل لها,والضنى الفكري الذي يحصل للفرد من كثرة حرية العمل,ينسف ما فيه من القوى الذهنية عندما تصادم حريته حرية شخص آخر,وينشأ عن هذا الاصطدام رجات خلقية,نفسية,عنيفة,وذهول,وشعور بالفشل,وبهذه الذرائع كلها ستفتت وجود الغويم حتى يكرهوا على أن يسلموا لنا ما به تقوم القوة الدولية في العالم على أوضاع تمكننا بلا عنف,ورويداً من أن نبتلع طاقات الدول".من كتاب بروتوكولات حكماء صهيون-(عجاج نويهض-ص207).والفكرة التي نحن بصددها في بداية الفقرة على درجة الخصوص,حيث نرى ان الاتجاه العام في التعليم يأخذ الطابع السهل,حتى يذبل العقل ويكون مصيره الخمول,وهذا هو الحرص على تحويلنا الى مجتمعات استهلاكية لا انتاجية...تحس ولا تفكر..العملية-كما يبدو- مدروسة ومخطط لها منذ زمن بعيد,ويبدو أنها تؤتي أكلها على الوجه الأكمل.فإذن الشباب ثروة الشعوب والقوة الفاعلة في بناء الأمم,علينا احتواء طاقاتهم الفكرية والابداعية,وصيانة عقولهم,وتوجيه مسيرتهم,فمن العبث تركهم في هذا الطيش وهذه الغوغاء,تأخذهم التيارات المتناحرة والمتضاربة هنا وهناك,تطحنهم البطالة والمخدرات والفساد الأخلاقي,هم الأمانة في اعناق المسؤولين والمثقفين وحملة الاقلام الواعية,اطرحوا لهم مثلاً عليا,وقدوة عبقرية تنتهج نهجاً صحيحاً وتتبنى مساراً هادفاً في حياتها,لابد من إثراء الشباب بالأفكار الخلاقة علمية كانت أو اجتماعية,بل وفي أي مجال من مجالات العلوم الإنسانية,فالمدارس لاتكفي في خلق الابداع والابتكار,لابد أن تعمل الدولة وعبر قنواتها الانمائية على تبني طاقات الشباب,وإلا ضاعت هذه الثروة على مائدة اللهو والفساد والبطالة.
ــــــــــــــــــــ(42/85)
كيف تنشأ المشكلة لدى الشاب؟
إنّ المشاكل التي تواجهنا كشبّان وشابّات إمّا أن تكون مشاكل طبيعية عامّة ، وإمّا أن تكون مشاكل خاصّة تقع لكلّ واحد منّا .
فالمشاكل العامّة التي نمرّ بها في أوائل هذه المرحلة من العمر لها أسباب مشتركة لايكاد ينجو منها إلاّ مَن تلقّى تربية صالحة في بدايات حياته بحيث ينتقل بعدها انتقالة هادئة تندر فيها بعض المشاكل والمتاعب .
فمن بين الأسباب التي تنجم عنها المشاكل نقص التجربة ، فطالما أ نّنا في مطلع حياتنا العملية فمن البديهي أن نصطدم بالعقبات ، وأن نقع في الخطأ ، وأن نعاني من أكثر من مشكلة ، وهذا أمر طبيعي لا نلام عليه ، ذلك أنّ الحياة معلّم من الدرجة الأولى لمواجهة مشاكلنا المستقبلية .
كما أنّ مشكلة القلق الناتج عن التغيّرات البدنية والنفسية التي ترافق عملية الانتقال إلى سنّ الرُّشد وما يتبعها من نمو الغدد التناسلية وبروز علامات الرجولة على الشبان والأنوثة على الشابّات ، وظهور البثور على بشرة الوجه ممّا يشوّهه مؤقتاً ، قد يوجد حالة من الاضطراب الطبيعي أيضاً الذي ما من رجل ولا امرأة إلاّ وقد مرّا به ، حيث تنشط أحلام اليقظة والشعور بالحياء وسرعة الانفعال والخوف من النقد ، وهذه وإن بدت لنا على أ نّها مشاكل لكنّها ليست من نوع المشاكل التي تتعبنا في البحث عن الحلّ ، فالأمر لا يحتاج إلى أكثر من معرفتنا بأنفسنا وما طرأ عليها ، ومعرفة المحيطين بنا من والدين ومربّين
بخصائص هذه المرحلة حتّى يمكن التعامل مع حاجاتها ومتطلّباتها بما يجعلها تمرّ بسلام شأنها شأن أيّة مرحلة عمرية أخرى .
فالمشاكل في مرحلة المراهقة ـ تحديداً ـ غالباً ما تنجم عن سوء فهم وتفاهم بين جيلين أو نمطين من التعامل مع الحياة ، ولذا فإنّ الاُسر التي تعي طبيعة هذه المرحلة تتقلّص بين أبنائها تلك المشاكل إلى حدّ كبير .
ومن أسباب بروز المشاكل في هذه المرحلة هو ضعف التكيّف الاجتماعي ، أي أنّ علاقات الشاب أو الشابّة ما تزال غضّة فتية لم تصل إلى مرحلة التعامل الناضج بعد، وهذا أمر لا عيب فيه لأ نّنا جميعاً مررنا به ، وهو سوف لن يبقى غضاً فتياً إلى الأبد ، فمع الأيّام واتّساع شبكة العلاقات وتنوّعها يصل التكيّف إلى مرحلة النضج ، فالمشكلة إنّما تنفجر من جرّاء الجهل بطبيعة المجتمع وأشخاصه ومؤسّساته ممّا يؤدّي أحياناً إلى الانكماش والعزلة ، وهو بالتأكيد ليس الحلّ الأمثل لمشكلة التكيّف ، فالانخراط في المجتمع والتفاعل معه وتحمّل صدماته يبني الشخصية الشابّة فيجعل منها شجرة بريّة تتحمّل العواصف ، أمّا العزلة والتقوقع فيجعلان منها شجيرة هشّة تنحني لأبسط ريح .
إنّ الانكماش لا يحلّ المشكلة إنّما يضيف إليها مشكلة أخرى ، ولذلك فنحن حينما ندعو إلى مواجهة مشاكلنا إنّما ننطلق من الترحيب بأيّة مشكلة تعصف بنا لأ نّها ـ كما سبقت الاشارة ـ تستنفر أنبل وأفضل ما فينا من قوى روحيّة ونفسية وبدنية كامنة ، وفي الحديث : « من خالط الناس وصبر على أذاهم خير ممّن لم يخالط الناس ولم يصبر على أذاهم » .
ومن بين الأسباب التي تؤدّي إلى مشاكل عامّة مشتركة ـ والكلام بطبيعة الحال ليس بالمطلق ـ هو شعور بعض الشبّان والشابّات بأنّ النظام السّائد ينطوي على أخطاء كثيرة وتعقيدات كثيرة وأزمات كثيرة فيحاولون أن يعبِّروا عن رفضهم له في نقده وتجاوز بعض قواعده وأعرافه لدرجة قيام البعض منهم بسلوكيات منافية للعرف والنظام ، وهذا بحدّ ذاته مدعاة لنشوء أكثر من مشكلة .
كما أنّ ميل الشباب إلى الكتمان الشديد والسرية المغلقة يجعلهم يخفون بعض ممارساتهم الخاطئة عن ذوي الخبرة والتجربة ممّا يتسبّب في معاناة نفسية حادّة، الأمر الذي كان يمكن تفاديه فيما لو كانت أجواء الصراحة مفتوحة بين الأبناء والبنات وبين ذويهم أو من يثقون بهم .
إحدى المجلاّت الشبابية المتخصّصة أجرت ذات مرّة تحقيقاً تحت عنوان « لمن يبوح الشباب بأسرارهم ؟ وممّن يطلبون النصيحة ؟ » وكانت خلاصة ما خرج به التحقيق الذي أجري بين الشباب من الجنسين أ نّهم يبوحون بأسرارهم ـ بدرجات متفاوتة ـ إلى :
ـ الأصدقاء القدامى نتيجة التجربة الطويلة .
ـ الأصدقاء الذين يتفهمونهم ، أي أولئك الذين هم أقرب لفهم هواجسهم وآرائهم وأمزجتهم .
ـ الأصدقاء الاُمناء الذين لا يبوحون بالأسرار .
ـ الأشقّاء أو الإخوة الكبار والأخوات الكبيرات ، وإذا لم يوجد هؤلاء فأبناء العم أو أبناء الخال ، أي الذين تربطهم بهم قرابة حميمة .
ـ وهناك الكثير من الشبّان والشّابات قالوا : لم نتعوّد أن نبوح لوالدينا بأسرارنا، الأمر الذي يعكس ضعف التواصل الاجتماعي المبني على الثقة المتبادلة بين الآباء والأبناء ، ويتسبّب في خسارة الطرفين لبعضهما البعض .
التحقيق المذكور يرجع إلى بعض علماء النفس والاجتماع ليرى رأيهم في هذا الأمر ، ففسّروا ميل الشباب إلى البوح بأسرارهم إلى من يشعرون بأ نّهم سوف يصونون هذه الأسرار ، ويبدون لهم النصيحة ، دون أن يشعروهم بالذّنب . ولذا فهم يفضّلون الأصدقاء المقرّبين على الكبار، ولو أنّ الآباء عوّدوا أبناءهم على المصارحة بمشاكلهم وأسرارهم في وقت مبكر لكانوا أكثر اطمئناناً عليهم، ولكان الأبناء أفضَل سلوكاً وأصوَب رأياً .
وبالإضافة إلى تلك المشاكل ، يعتبر العناد والتحدّي وحبّ الجدل ورفض الإذعان للمطالب والقيام بالمسؤوليّات مشكلة عامّة ممّا يسبّب في مضايقة الآخرين وانزعاجهم ، ولعلّ ميل الشباب إلى الاستقلال والحرِّيّة واصرار الوالدين على إبقاء القيود القديمة وربّما اضافة قيود جديدة عليها ، ممّا يعقّد المسألة ، وبدلاً من أن تُفهم على أ نّها إفراز طبيعي للمرحلة الانتقالية إلى عالم الإحساس بالكيان والشخصية ، يُنظر إلى الشاب والشابّة على أ نّهما ما يزالان طفلين رغم تجاوزهما مرحلة الطفولة :
لم تزل ليلى بعيني طفلةً***لم تزد عن أمسِ إلاّ إصبعا
تضاف إلى ذلك كلّه مشكلة الإفراط والتفريط كميزتين من مزايا هذه المرحلة . فقد يسرف الشباب في بعض الأمور لدرجة المغالاة والخروج عن الحدّ الطبيعي ، وقد يهملانه إلى درجة التقصير المخلّ ، ممّا يربك التصوّر المتكوّن لدى الوالدين أو الأقربين عن تصرّفات الأبناء والبنات التي تغلّفها الحيرة والشك والوساوس والقلق وعدم التوازن .
من ذلك نفهم أنّ الشاب سواء كان في أوّل مرحلة البلوغ أو في سنواته المتقدِّمة ليس عدوانياً بطبيعته ، بل هو رقيق الطبع والفؤاد ، ولكنّه يعيش الانتقال من ( الشخص ) إلى ( الشخصية ) وهذا يتطلّب أن يؤكّد ذاته ويركّز قناعاته ويكوّن رؤاه عن الحياة وعن الدين وعن الناس ، فالتصرّفات التي تبدو غريبة ـ وهي في واقع الأمر ليست غريبة ـ إنّما تنشأ بوحي التطوّرات الحاصلة في بدن الشاب وعقله وإحساسه وشعوره ، وليست بدوافع شريرة تبعث على الخوف والقلق.
بلاغ كوم
ــــــــــــــــــــ(42/86)
مبدأ اللاّ عنف في حياتنا
يعود البعض بهذه التسمية لـ(المهاتما غاندي) محرِّر الهند، والحقّ أنّ مبدأ اللاّ عنف أو (السلام) مبدأ ديني اعتمدته الديانات كلّها.
منهج اللاّ عنف أو المنهج السلميّ عند غاندي يعتمد على (الكبح الذاتي) لكل حالة تطرّف أو مغالاة.. ولذلك فهو يعتبر (الصيام) آلية مهمّة في إنجاح حالة الكبح وتأديتها لرسالتها..
الآلية الأخرى (تهذيب الروح) باستخدام الرفق بدلاً من العنف، ولذلك اعتمد أسلوب (المقاطعة) و(العصيان المدني) في تحرير بلاده.
في جنوب أفريقيا يطالعنا نموذج سلميّ آخر: (نيلسون مانديلا) محرِّر شعبه من نظام التمييز العنصري..
بعدما أصبح زعيماً لبلاده عقد مجالس المصالحة والمصارحة الوطنية حتى لا يُراق دماء البيض انتقاماً من تعذيبهم وقتلهم للسود..
ملكنا فكان العفوُ منّا سجيّة***ولمّا ملكتم سالَ بالدمِ أبطيحُ
فحسبُكم هذا التفاوتُ بيننا***وكلُّ إناء بالذي فيه ينضحُ
جذور ثقافة السلام أو اللاّ عنف دينية..
القرآن صريح وواضح:
(يا أيُّها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافّة ) (البقرة/ 208).
دعوة السلام تُقابَل بالسلام في شروط معيّنة:
(وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) (الأنفال/ 61).
سُئِل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً عن أفضل الأعمال؟
قال: «بذلُ السلام للعالم»!!
فإذا كان الاسلامُ رفيقاً رقيقاً انسانياً في تعامله مع الحيوان: «أقرّوا الطيور في مواكنها»(())، فكيف تراه في تعامله مع أفضل الخلق والكائنات (الانسان)؟!
إنّ حرمة الانسان عند الله أعظم من الكعبة، ومقتلهُ ـ بلا ذنب ـ يعادل قتل الناس بأجمعهم..
في الحديث القدسيّ:
«مَن أهان لي ولياً فقد أرصد لمحاربتي»، أي أعلن الحرب ضدّ مقام الربوبية والجلالة.
وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) :
«مَن نظر إلى مؤمن نظرةِ يخيفه بها، أخافه الله تعالى يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه»!
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) :
«لا يُشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنّه لا يدري لعلّ الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار»!
يدخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة فاتحاً، فينادي منادي المسلمين: «اليوم يوم الملحمة.. اليوم تُسبى الحُرمَة». أي تُنتهك حرمات المشركين والكافرين.
فيصحِّح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له النداء بما ينسجم مع روح ووحي السماء: «اليوم يوم المرحمة.. اليوم تُحمى الحُرمَة»!!
ثمّ ينقل النظريّة إلى التطبيق:
«مَن دخل بيت أبي سفيان ـ وهو العدو اللدود ـ فهو آمن.. مَن دخل بيت حكيم بن حزام فهو آمن.. مَن ألقى سلاحه فهو آمن.. مَن دخل بيته فهو آمن»!
المسلم الذي يحملُ هويّته في طيّات اسمه: (المسالم)..
ويبادر الآخر ـ قريباً أو غريباً ـ بتحية الاسلام: «السلام عليكم»..
ويختم صلاته بدعوة السلام: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين».. هو داعية سلام.. محبّ للسلام.. مشيع للسلام، وما يذاع عنه من أنّه مروّج أو صانع للارهاب ففرية كاذبة وتهمة مغرضة..
نعم، هناك بعض (الجهلة) ممّن يتعصّبون.. وممّن يؤوّلون النصوص القرآنية والدينية حسب أهوائهم وآرائهم.. ويسوقهم (العقل الجمعيّ) لتكفير الآخرين مقدمة لقتلهم، أو القيام بأعمال عنف مرفوضة ومدانة ومحرّمة باتفاق الجميع.
بلاغ كوم
ــــــــــــــــــــ(42/87)
مجالس اللهو البريء الشبابية
المجالس الجادة في الإسلام لا تلغي ولا تصادر مجالس اللهو والترفيه والترويح عن النفس بعد عناء العمل، وجهد الدراسة، ومشاق الحياة ..
إنّها ساعات من عدّة ساعات قسّمت بين العبادة وطلب الرزق واللقاء بالإخوان الثقاة، وهي الساعة المخصّصة للملذّات غير المحرّمة، التي باغتنامها يتمكن أحدنا من مواجهة متطلبات الساعات الأخرى.
يقول علي (عليه السلام) : «إنّ القلوب تملّ كما تملّ الأبدان، فتخيّروا لها طرائف الحكمة» .. وقال (عليه السلام) : «روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإنّ القلب إذا أكره عمي».
فهناك زمن مخصّص للراحة والاستجمام، يباح ويتاح لك فيه أن تمزح وأن تتفكّه، وأنّ تلاطف أصدقاءك وإخوانك، وتلهو مع رفاقك.
فللواجبات وقتها، وللهزل واللهو الحلال وقته، على أن لا تستولي أوقات اللهو على ساعات الجدّ، فما خلقنا الله لنضيِّع أوقاتنا هراء وعبثاً، ولذا قيل: «اعط الكلام من المزح بقدر ما يعطى الطعام من الملح».
وقد يبدو للبعض أنّ اللهو ـ حتى الحلال منه ـ لا فائدة فيه، لكن الأمور لا تقاس بنتائجها المادية أو الخارجية فقط، فالترويح عن النفس، والتسلية والمفاكهة مع الإخوان والأحبّة مدعاة لخوض لشوط آخر من العمل بنشاط أكبر، ولزيادة الألفة والمحبّة، ولرفع ما علق بالنفس من متاعب وهموم. ونحن لا نتفق مع مَن يقول إنّ الحياة كلّها جدّ صارم ولا فسحة فيها للهو بريء.
فمجالس اللهو المباح أو البريء لها مردودها النفسيّ والاجتماعي بل والإنتاجيّ أيضاً، مما لا ينبغي التفريط به، فمن تلك المجالس مثلاً: لعب الإخوان والأخوات داخل الأسرة الواحدة، أو لعب أبناء الجيران مع بعضهم البعض، أو لعب أبناء الأقرباء سويّة، أو الزملاء في المدرسة.
ومنها مجالس السمر العائلي، وتبادل الأحاديث الودِّية، أو اشتراك أفراد العائلة ـ كباراً وصغاراً ـ في لعبة ما، فتلك مجالس تشدّ وتقوِّي الروابط الأسريّة ليس في الرحلات فقط، بل حتى في أوقات الفراغ والعطل والمناسبات.
ومنها مجالس اللعب كاللعب بكرة القدم أو السلّة أو الطائرة، أو ألعاب الكمبيوتر المختلفة، أو الشطرنج أو ما شابه ذلك.
إنّ الشرط الأساس في مجالس اللهو البريء هو أن لا تتضمّن أيّ محرّم، فلا تتحول إلى مجالس فحش وبذاءة، أو نزاع وصراع وبغضاء، أو إلى حالة قمارية، وإن لا تشغلك عن واجباتك الدينية كالصلاة وغيرها، ولا عن واجباتك الدنيوية كالدراسة والعمل وأداء التكاليف.
بلاغ كوم
ــــــــــــــــــــ(42/88)
دعنا نبتهج.. إنّه شبابنا الذي لا يعود
للفرح في حياتنا مكانه وأسلوبه التعبيريّ الخاص.. أي أنّ له طرقه المعبّرة عنه.. ومخطئٌ مَن (يحظر) على الشباب والفتيات التعبير عن أفراحهم وتمتعهم بأيّام شبابهم بما يُدخل السرور إلى قلوبهم ويشرح صدورهم ويزيد من حيويتهم..
ففي حياة كئيبة يحيطها الملل والضجر من كلّ حدب وصوب، ويواجهها التجهّمُ والقنوط والإحباط من جميع الجهات، نحاولُ أن نقتنص ولو بعضَ وقت للخروج من الدائرة المغلقة، والأماكن التي فسد هواؤها لنستنشق هواءً نقيّاً، ونُمارسَ ملذّاتنا في غير محرّم، فأوقات السرور ـ كما يقال ـ خِلسة، أي أنّنا نختلِسها اختلاساً، وهي مجددة للنشاط، وباعثة على التجديد، ومقلّلة لنسب الإصابة بالغم والكآبة.. إنّها تعملُ كمضاد حيويّ للسموم النفسية ومطهر داخليّ لسخام الآلام والأحزان.
إنّنا، هنا، لا نتحدّث عن الفرحة والبهجة المشروعين والمعبّر عنهما بالضحكة والبسمةِ والنكتة والدعابة وجلسة السمر والنزهة البريئة.. فالفرح المذموم هو فرح البَطرِين المبالغ فيه، والذي يُخرج الانسان عن طور إنسانيته تماماً كالثمل السكران الذي يترنّح تحت وطأة الخمرة..
ما يستوقفنا هو هذه الجوقات من العاطلين التي تبحث عن فرص (الهيصة) وتفتش عن مواطن (الفرفشة) وإذا لم تجدها خلقتها اختلاقاً، فالفرفشة عند البعض هدف بحد ذاتها.. واللاّفت أنّ هؤلاء لا يتورعون عن ارتكاب المخالفات الشرعية والذوقية الخارقة للضبط والتهذيب الاجتماعي فيما يسمّونه أفراحاً ومسرّات، وشعارهم: دعنا نبتهج إلى أقصى حدّ.. إنّه شبابنا الذي لا يعود!
ومرّة أخرى، لسنا ضدّ الفرح والأفراح والفرحين، وإلاّ لما كانت الأعياد والمناسبات السعيدة، والمفاجآت السارّة.. إنّنا ضدّ أن يتحول الشبان إلى جوقة من المهرّجين، وأن يستغرقوا في أجواء (الهيصة) في مناسبة وفي غير مناسبة..
إنّ واحدة من ضوابط أخلاق الشاب المسلم أنّه لا يفقد وقاره حتى وهو يعيش المرح، ولا يسبب إزعاجاً للآخرين وهو يستمتع مع أقرانه من الشبّان.
افرحوا أيُّها الشباب.. وابتهجن أيّتها الفتيات، وتمتعوا بشبابكم بما هو متوازن ومعقول.. أمّا الخروج عن حدود الأدب واللياقة والتهذيب الصراخ والعربدة والصفير والازعاجات الليلية، والتجاوزات الأخلاقية، فهو ما لا يقرّه عاقل يحترم عقله، أو متدين يراعي التزاماته الدينية، أو انسان يحرص على لياقاته الاجتماعية..
بلاغ كوم
ــــــــــــــــــــ(42/89)
الشباب و حمى الموضة !!
باتَ الخروجُ بنفس اللباس الذي ارتداه الشاب بالأمس منقصة.. وكانت مثل هذه الحالة ـ فيما مضى ـ مقتصرة على الفتيات.. حيث يتحرّجن من الذهاب إلى مكان عام بثوب سبق لصديقاتهنّ أو رأينهنّ يرتدينه ذات مرّة.. وكم أوقعت هذه الحالة المؤسفة بعض الفتيات في المحذور حتى يتسنّى لهنّ أن يتباهين بملابسهنّ وزينتهنّ الفاخرة والجديدة في كلّ مجلس، وهنّ لا يرتدينها إلاّ مرّة واحدة فقط، أو بضع مرّات!
انتقال الظاهرة إلى الشبّان بدرجة أو بأخرى، يعني فيما يعنيه أنّ الانكباب على المظهر بات يشكِّل هاجساً مقلقاً، وعبئاً مالياً إضافياً، و(قيمة) بحدّ ذاته.
أمّا الذي ينبري للقول:
ليس الجمالُ بأثواب تزيّننا***إنّ الجمالَ جمالُ العلمِ والأدبِ
فقد لا يتهم بالتخلّف والرجعيّة، بل قد يرجم بالحجارة!
الغريب أنْ لا بعض الشبان ولا بعض الفتيات يعرفون أنّ الجمال المستعار، أو الزينة الظاهرية، مهما بدا ثميناً وجذّاباً، لا يعادل الجمال الحقيقي في قيمة أخلاقية أو علمية، أو خصلة حسنة، أو سلوك قويم يتمتع به الشاب أو الفتاة.
تهافت غريب، وتكالب عجيب على أسواق الموضة، ومحلاّت الموضة وبرامج الموضة.. يدعونا كشبّان واعين متنورين أن نعيد النظر فيما يقلب النظر أو يصرفه عن الوجهة التي يُفترض أن ينظر إليها..
الملابس ـ على أنّها زينة ـ لكنّ التكلّف الباذخ فيها يشير إلى ضعف عقليّ، وخطأ في الحساب، وتقدير لما هو مقدّر بدرجة معيّنة بأكثر ممّا يستحق وإضعاف ما يستحقّ، ألم يقل ذلك الحكيم: «لا تنخدع باللباس أو المظهر، فمن أراد البحث عن اللؤلؤ فليغص إلى الأعماق»!
قد يكون للباس ـ أحياناً ـ أثر سلبيّ على الأخلاق، ولهذا حُرّم لبس الحرير والذهب على الذكور لأنّها مدعاة للخيلاء والتبختر والتعالي، والمربيّ الاسلاميّ يسعى لإبعاد الشاب المسلم عن حالات الميوعة والبطر والاغترار بالقشور.
كما أنّ للملابس الرثّة تأثيراً نفسياً سلبياً على لابسها، لذلك كان التأكيد على نظافة اللباس حتى ولو كان عتيقاً.
نرجو أن لا يُفهم من هذا أنّنا نريد أن يخرج شبابنا بهيئة مزرية وهندام مهمل.. أبداً، وإنّما التحذير من شدّة الانشداد إلى المظهر والتكالب عليه بما نتناس معه أنّ هناك جوهراً أجدر بالتجميل والتكميل، أو على الأقل أن نوليه من اهتمامنا ما نوليه من لباسنا:
(يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً، ولباس التقوى ذلك خير)((12)).
ملاحظة:
هناك خدعة تجارية نُلفت النظر إليها.. ليس هناك لباس (حيّ) وآخر (ميت).. فمصمّموا الأزياء اخترعوا هذه (الكذبة) أو الأكذوبة حتى يروّجوا لبضائعهم الجديدة، وإلاّ فالواقع يكذِّبهم، بدليل أنّهم يعودون بين فترة وأخرى للموضات القديمة، بل إنّ الموضة القديمة تسير جنباً إلى جنب الموضة الجديدة..
والغريب أن أحداً لم يلتفت إلى كذب هؤلاء ليفضحهم، أو يحذر ـ على الأقل ـ من خدعهم وألاعيبهم، فقد يُنتجون أشياء بشعة أو مقرفة.. لكنّ الاقبال عليها يجعلها «جميلة» في نظر المخدوعين والمخدوعات ممّن يلهثون وراء الموضة والتقليعات..
إنّنا نربأ بشباننا وفتياتنا أن يُستدرجوا بهذه الطرق التجارية والدعائية المبتذلة..
بلاغ كوم
ــــــــــــــــــــ(42/90)
البرامج الشبابية.. نظرة نقدية
في التقييم العام.. تُسعدنا أيّة بادرة أو محاولة مخلصة باتجاه الاهتمام بالشباب، وإلاّ فليس كلُّ ما يُقدَّم إلى الشباب (شبابيّ).. وليس كلُّ شبابيّ زاد صحّي وصالح.. فما أكثر ما يقدَّم باسم الشباب وهو يسيء لهم عامداً أو غير عامد.
نحنُ مع البرنامج الذي يستهدف الارتقاء بوعي وثقافة وتديّن والتزام واحترام الشاب أو الفتاة لقيمهم وأخلاقهم وآدابهم العامّة، بل نثمن عالياً أي برنامج في فضائية أو زاوية أو صفحة في مجلة، أو موقع أو صفحة على الشبكة المعلوماتية (الانترنيت) تضع الله نصب عينيها إذ تضع الشباب في صلب اهتمامها.. فهؤلاء هم وصيةُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).. وهم براعم الأمل التي ستتفتح ـ عمّا قريب ـ عن أزاهير مختلفة اللون والرائحة لتصنع حديقة الوطن الجميلة..
هناك فعلاً برامج بالمستوى المطلوب، أو تسعى لأن تكون كذلك في جدّية ومضامين ما تقدِّمه من مواضيع ومعالجات تلامس حياة الشاب في الصميم، ولسنا في معرض الدعاية لبرنامج بعينه، بل نحاول الاتفاق على خصائص البرنامج المعبّر عن هموم وتطلّعات الشباب، ولا نقول (الناجح).. فالبرنامج المعبّر عنِّي ـ أنا الشاب أو أنا الفتاة ـ هو برنامج ناجح حتى ولو لم يُجر استطلاعاً للرأي بشأنه!
البرنامج الذي يتعاطى مع هموم ومشاكل الشباب، لا من موقع المغازلة والتناغم والتملّق، بل من موقع الاحساس بالمسؤولية عن رفعها وتخفيفها، باللقاء بالمسؤولين المباشرين، بعد اللقاء بعينات شبابية تُفصح عن ابعاد تلك الهموم والمشاكل.. البرنامج الذي المسؤولين وجهاً لوجه أمام مسؤولياتهم في الخطأ والتقصير.. برنامج شبابيّ!
البرنامج الذي ينقل صوراً حيّة عن تجارب وخبرات شبابية رائدة أو ذات لفتة معنوية، أو يسلّط الضوء على شباب عصاميين بنوا أنفسهم بأنفسهم.. برنامج شبابيّ.. ومؤثر أيضاً..
البرنامج الذي يصحِّح الأخطاء الشائعة، ويضع المفاهيم المتداولة في أوساط الشباب في نصابها الصحيح.. برنامج صحّي حتى ولو لم يتحدّث عن التغذية الصحّية!
البرنامج الذي يرصدُ (العالي) من اهتمامات الشباب، فيرفعه ويرفده ويعضده ويغذِّيه، ويناقش (الكمالي) بشيء من الشفافية والواقعية، سيكون له موقع لائق في نفوسهم، حتى ولو كانت البرامج التي تخاطب (السفليّ) من الاهتمامات والاحتياجات تستقطب البعض وتغزو المواقع والفضائيات..
البرنامج الناصح.. الصادق.. الأمين.. الذي يلتقط الظواهر الشبابية المؤسفة، لا ليجعل منها مادة إعلامية تسدّ النقص في الأزمة البرامجية، بل ليُسائل كلّ مَن يقف وراءها: من أُسر متنكّبة عن مسؤولياتها، ومدارس تتراجع التربية إلى المقام الثاني بعد التعليم فيها، ومثقفين يحلّقون في فضاءات بعيدة.. وعلماء منهمكين فيما هو (أهمّ) في نظرهم..
برنامجي أنا المشاهد الشاب أو الفتاة، حتى وإن كان معدّه غيري!!
قد يسأل بعض القُرّاء.. لقد قُلتم (نظرة نقديّة) فأين النقد.. نقول له: لقد فعلنا!!
بلاغ كوم
ــــــــــــــــــــ(42/91)
النفور من النصائح.. هل هي عادة الشباب؟
شرائح واسعة من الشبّان والفتيات ينفرون من النصيحة ويتذمّرون منها، ويعتبرونها تقييداً لحريّاتهم.. وقد يردّ بعضهم بشيء من الجفاء: وفِّر النصيحة لنفسك.. أو إنّني أعرفُ ما ينفعني ويضرّني فلا حاجة لنصيحتك..
هذه الظاهرة أكثر من مؤسفة ليس لأنّها تغلق الباب بوجه النصيحة التي كان البعض من العقلاء يطالب بها بالحاح، وهو مستعد أن يدفع مقابلها ثمناً باهضاً حتى قيل: «النصيحةُ.. محمل» تقديراً لقيمتها، وإنّما لأنّها ترسم معالم مرحلة من الانفلات لم يعد فيها للوعظ والنصيحة والارشاد قيمة في نظر الزاهدين بها على الأقل.
والحال أنّ أشدّ الناس حاجة إلى النصيحة، أشدّهم تأفّفاً منها!
السببُ في رفض النصائح واضح..
لأنّها تستبطنُ أو تستظهرُ نقداً، وقد تُزعج المنصوح لأنّها تطالبُه بتغيير ما اعتاد عليه، أو استعذبه واستمرأه.. أو لأنّه يشعر بغرور فارغ وهو أنّه فوق النصيحة وأعلى من الوعظ، وحسبُه أن يتبع رأيه الخاصّ.
ولكنّنا ـ كما طرحنا في البداية ـ نريد إعادة الاعتبار للنصيحة، بعد أن نعيد النظر في أثرها وقيمتها في حياتنا..
في الآثار تشديد على أنّ الأفضل من بين الآخرين، هو الذي يحضك النصيحة، لأنّه إنّما يريد بذلك الخير لك وكأنّك نفسه فكما يحبّ لنفسك يحبّ لك، ولذلك فالنصيحة لا تصدرُ عن عدوّ أو مُبغض!
«خيرُ الأعوان والأخوان أشدّهم مبالغة في النصيحة»!
وقيل كذلك: «مَن أحبّكَ نهاك، ومَن أبغضكَ أغراك»!
إنّني عندما أستجيبُ لنصيحتك أُعينك على مساعدتي في تفادي ما أنا فيه، ولذلك دوّن النصيحة التي يقدِّمها لك شخص يحبّك حتى ولو لم تعجبك كهديّة.. عسى أن يأتي اليوم الذي تحتاجها فيه.. وهو آت لا محالة.
النصيحة تأتي في وقت لتمنع المزيد من التداعي، فهي كالحاجز الذي يحول دون الانزلاق في الهاوية، أو كالدواء البسيط الذي يمنع مرضاً واهماً قد يستفحل لو تُرك بدون مداواة..
في الحديث الشريف:
«مناصحُك مشفقٌ عليك، مُحسنٌ إليك، ناظرٌ في عواقبك، مستدركٌ فوارطك(. ففي طاعته رشادُك، وفي مخالفته فسادُك»!
فإذا قرّرتُ أن أتبع رأيي الخاص ولا آخذ بنصائح الآخرين، فعليّ أن أتحمّل العواقب وحدي.. ويالها من عواقب وخيمة.. فالذي ينصحني بعدم دخول غابة فيها وحوش مفترسة يريدُ نجاتي، فإذا خالفتُهُ ودخلتُها فلا ألوم إلاّ نفسي.. وما جدوى الندم بعد أن أكون طعمة لوحش أو مُطارَداً من قبله؟!
نعم، لطريقة وأسلوب النصيحة دورٌ في تقبّلها، فقد لا نهرب من النصيحة كنصيحة، بل للأسلوب الذي تُصاغُ أو تُطرَح به، ولذلك فمن المنصوح به القول: «إذا وعظتَ فأوجز».. أي كن رفيقاً خفيفاً في نصيحتك ولا تثقل على المنصوح بقائمة طويلة من النصائح..
وقيل: «مَن وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ومَن وعظَهُ علانية فقد شانه»! لأنّ النصائح السرّية تعبِّر عن حرص الناصح وحبّه، لأنّه لا يريد أن يفضح المنصوح أمام الآخرين..والنصيحةُ عند الطلب والحاجة إليها، أفضل من النصيحة (تطوّعاً) لأنّها تكون ـ في الحالة الأولى ـ موضع حاجة فعليّة في نفس طالبها، فيسهل تقبّلها أو الأخذ بها.وأقدر النصائح على النفوذ إلى القلب تلك التي تخرج من القلب ومن عمق التجربة والمعاناة، والتي كان الناصحُ قد انتصح بها أوّلاً.
«لقمان الحكيم» كان يُقدِّم النصائح والمواعظ الثمينة والنفيسة لابنه، لأنّه حبيبه ونفسُه وأولى الناس بهداياه، ولأنّ ابنه كان ذا أذن واعية، مستعداً لتقبّل النصائح والعمل بها، شعوراً منه أنّها مترشحة من قلب أب محبٌّ لا يريد له إلاّ الخير والصلاح، وصادق لا ينصح ابنه إلاّ بما سبقه إلى الانتصاح به!!
البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/92)
ثقافة «الهمبرغر».. متقنة وعصرية أم؟
نظام الوجبات السريعة والأطباق الجاهزة، أصبح نظاماً غذائياً سائداً في الكثير من بلدان العالم، بما فيها بلادنا التي تستورد ما يسوّقه الآخرون، ومن غير تأن ودراسة أحياناً..
«الهمبرغر».. وجبة غذائية سريعة تحملُ حتى في بلدان الشرق اسمها الأجنبيّ «الساندويج».. وهي مفضّلة لدى الكثير من الشبّان والفتيات على المائدة البيتية.
من هذا المعنى استُلّ معنى الثقافة الجاهزة والسريعة «ثقافة الهمبرغر».. إنّها الثقافة التي يلتقطها الشبّان والفتيات من مشاهد تمثيلية، أو لقطات عابرة، أو مصطلحات غير ناضجة حتى في أذهان مَن يتداولونها.. وما تبثّه الإعلانات والدعايات، وما تنشره كتيبات عابثة، وما يُطرح في السوق من ألعاب الـ (سي.دي) والـ (دي.في.دي) والـ (بلاي استيشن) التي تزرِّق ثقافة العنف والأنانية والجنس والمال، على طريقة دسّ السمّ في العسل.
ثقافة تبدو سهلة وسريعة ومتداولة ولا تحتاج إلى كثير عناء لتعلّمها، بل وتعتبر لدى الكثيرين ثقافة تسلية، فلا يلتفتون إلى رسالة المضمون قدر التفاتهم إلى الإبهار البصريّ والصوتيّ..
العقلاءُ يقولون: الجودة والسرعة قلّما يجتمعان، وما نفعله بسرعة لا نفعله باتقان.. والأوقات الضائعة اليوم أخطر بكثير من الأوقات التي كانت تُضيّع من قبل.. فثقافة الهمبرغر تستنزفُ أوقاتنا بطريقة مقنّنة ومتقنة وعصرية، فلا أحد ـ ممّن يتعاطاها ـ يشعر أنه يضيِّع أو يقتل أو يهدر وقتاً!
ونحن هنا نتحدّث عن الوقت النوعيّ بالطبع.
ما هي النتائج التي أفرزتها هذه الثقافة الهشّة؟
ـ (بفضلها) بتنا نعتقد التأنّي والتريّث والترويّ في الكثير من أعمالنا وانجازاتنا، وبالتالي فقد افتقدنا الكثير من ممكنات الإبداع والتطور والإدهاش.
ـ محاولة الطيران قبل أن نمتلك أجنحة.. ليست فاشلة فقط، بل تؤدِّي في الغالب إلى حوادث مؤسفة.. وربّما كوارث، وقد قيل: العنب المقطوف قبل أوانه، لن يصنع ولا حتى خلاًّ جيِّداً !!
ـ لم يعد هناك تدبّر في العواقب، فالإقبال على شيء جديد نزل إلى السوق يكون بطريقة عمياء أحياناً، فالمأخوذ بالجديد كالمأخوذ بالسحر، ونادرون الذين يتعرّفون على مساوئ وأضرار ما يقتنون..
ـ في هذا الجو الانفعالي الاستطراقي الذي تهيمنُ عليه أضواءُ الدعاية، وبريق الإعلان، والإقبال الجماعي الكثيف، تراجعت مقولات مهمّة، من قبيل: «من الأفضل ان تتقدّم ببطء على أن تتراجع بسرعة».. أو «مَن يسير بتأن سوف يصل».. أو «عليك أن تقيس سبع مرّات قبل أن تقصّ مرّة واحدة».
ـ وغابت كذلك عمليات (النقد) و(التقييم) و(المراجعة) و(التأنيب) الذاتي، واستشعار قيمة الشيء والاستمتاع به..
ـ (اللذّة) العاجلة هي المعيار الحاكم والمسيطر، أمّا كم من (الثقافة) و(المعرفة) و(التجربة) و(الخبرة) و(الآداب) تحصل من ذلك، فليس مهماً.. فهذه أمور في نظرة (ثقافة الهمبرغر) ينبغي أن تتراجع إلى الخط الخلفيّ.
وباختصار، فثقافة الهمبرغر مصمّمة لتحطيم الثقافة الرصينة، ولكن الذين يستسهلون تعاطيها لا يشعرون..
إنّ حبوباً سهلة البلع.. أو كبسولة مضغوطة للفيتامينات المصنّعة لا يمكن أن تعوَّض عن فيتامين واحد طبيعي.. وهكذا الحال بالنسبة للثقافة (المسلوقة) أو المقلبة.. أو سريعة التحضير.. ولبن الأُم أفضل بمرّات عديدة من اللبن الاصطناعي..
فليس كلُّ سهل نافع، ولا كلُّ شائع مفيد ورائع، ولا كلُّ متداول صحيح وصحّي، ولا كلُّ ما يلمع ذهباً.. ولا كلُّ ما يقال في الإعلانات والفضائيات والانترنيت قابل للتصديق..
إنّك عندما تجهل أنّك غرض للسهام التي لا تُدميك ظاهراً، فقد تتساقط عليك بالجملة وأنت تحسبها حبّات مطر ناعمة، وقد لا يشعر بها البعض ألبتة، فالمستغرقون في الشيء المنهمكون فيه يغيبون عمّا حولهم لدرجة الانقطاع!!
ــــــــــــــــــــ(42/93)
الحبّ .. شرط أم لا ؟
يُعلِّقُ بعضَ الشباب والفتيات سؤالٌ مهم وحيويّ:
هل الحبّ قبل الزواج مطلوب وضروريّ؟
هل هو شرط أساسيّ؟!
بعيداً عن الأجواء العاطفية الساخنة التي تخلقها الأفلام والمسلسلات والروايات الغرامية، بل وحتى القصص الوجدانية الواقعية التي تشهد على حالات وتجارب العنفوان العاطفيّ، والتعلّق الوجدانيّ، فإنّ المسألة بحاجة إلى مناقشة هادئة من خلال بضعة أسئلة مركزية تحلّ إشكالية الحبّ قبل الزواج:
ـ هل الانشداد والتعلّق العاطفيّ، هو مجرد عواطف عذريّة خالصة، أم أنّه شيء غرائزي له علاقة بالغريزة؟
ـ هل الحبّ هو جنسٌ فقط؟
ـ كيف نظّم الاسلام العلاقة بين الجنسين؟
العواطف العذرية البحتة لا وجود لها في العلاقة بين الجنسين، أي ليس هناك حبّ من أجل الحبّ، بل حبّ لما يستتبع الحبّ، ويؤكِّد علماء الاجتماع، أنّ علاقة الرجل بالمرأة والشاب بالفتاة لا يمكن أن تكون علاقة صداقة بحتة، بل لابدّ أن يدخل عنصر الجنس فيها حتى ولو لم يصل إلى درجة الممارسة!
أمّا سؤال: هل الحبّ هو جنسٌ فقط؟
بالتأكيد لا.
ولذلك أطلق القرآن على طبيعة العلاقة العاطفية بين الذكر والأنثى صفة (السكن) و(المودّة) و(الرحمة).. وهذا هو الجانب الوجدانيّ الحميم من العلاقة.
أمّا الجانب الجنسيّ منها فهو ما أطلق عليه بـ (الحرث) و(الإتيان) و(اللباس) و(التغشية) و(الاقتراب) و(الرفث) و(التماس) أو المماسّة..
إذاً هناك علاقتان: نفسيّة، وأخرى جسديّة، وهما مترابطتان، ولم يسمّ القرآن العلاقة حبّاً إلاّ في مشهد واحد، وهو انجذاب
(زليخا) زوجة العزيز إلى (يوسف) جسدياً، حين عبّر عن ذلك بقوله (قد شغفها حبّاً)!
فإذا اعتبرنا المصطلح السائد «الحبّ» بأنّه العنصر الجامع بين التعلّق النفسيّ والانجذاب الغريزيّ، فإنّ مساحة الحبّ تتسع لأكثر من التقارب الجسديّ.. فهي (السكن) و(المودّة) و(الرحمة) التي تغطّي مساحة ما قبل وما بعد ذلك، أي الحياة الزوجية في مساحتها الأرحب، وبالمناسبة فهذه كثيراً ما تضفي على الحياة المشتركة دفئاً وأنساً ورونقاً ونكهة خاصّة((10)).
كيف نظّم الاسلام العلاقة؟
اعتبر الاسلام أيّة علاقة خارج إطار الشرعية (الزواج) علاقة محرّمة.. فحتى الخطوبة لا تمثل (اقتراناً)، بل هي مجرد تمهيد وإعلان له، وكما قبل الخطوبة، كذلك في الخطوبة لا يجوز اعتبار العلاقة شرعيّة، هذا، وقد حذّر الاسلام من (المثيرات) الغرائزية لئلاّ يقع المحذور سواء صدرت من المرأة أو من الرجل، وطالبَ الاثنين معاً بالالتزام بـ (العفّة).
أمّا عند الاقتران، وحينما يحصل الزواج، وحتى لو لم تكن هناك علاقة مُمَهّدة أو تحضيرية، فإنّ هناك عاملين مساعدين على الاطمئنان لمستقبل العلاقة.
1 ـ حسن الاختيار من الطرفين، وهذا بحدّ ذاته يمثِّل حالة توافق وانسجام.
2 ـ لطف الله وعنايته في إدخال (السكن) و(المودّة) و(الرحمة) إلى بيت الزوجيّة.
فضلاً عن أنّ فترة ما بعد العقد (الاقتران الشرعيّ) وقبل الزفاف، هي فرصة طيِّبة للانسجام العاطفي الذي لا يحتاج كما يتصوّر بعض الشباب والفتيات إلى وقت طويل، فاحساس الفتاة أنّ الشاب اختارها من بين النساء الأخريات يزرع حبّه في قلبها، وشعور الشاب أنّ الفتاة قبلته زوجاً من بين الشبان الآخرين، يغرس حبّها في قلبه.
وبالتقاء الحبّين تنمو مزرعة الحبّ وتتفتّح عن أزاهير تفوح برائحته الزكيّة!
البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/94)
هل أنت مؤمن بـ (لعبة الحظّ )؟
عجيبٌ هذا الاقبال المحموم على قراءة الأبراج والفناجين والطالع والتبصير ومعرفة الحظ وما يخبّئ الغد، من لدن الشبان والشيوخ والنساء والرجال.
هو شيء ليس بالجديد، بالتأكيد، فالانسان منذ خُلق يتطلّع لمعرفة المجهول والمخبّئ المستور في عالم الغيب الذي لا يقدر على إدراكه أو إبصاره أو التكهّن به..
التنقيب عن الحظّ في جانب منه (اتكالية).. اعتماد كلّي على القوى الخارجية فيما تعجز عن اصابته القوى الذاتية.. كسب من غير جهد مبذول هو تعطيل مقصود للطاقات والعقل والارادة والعزم والسعي..
في جانب آخر، هو (تحذير) فالمعتمدون على الحظّ يأنسون
بالأخبار المفرحة والنبؤات السعيدة والمفاجآت السارّة.. صدقت أم لم تصدق هم يؤمّلون أنفسهم بصدقها، وذلك عن طريق تصديقها..
وفي جانب منها، هي التشاؤم والقنوط ومسألة سعد ونحس، خاصّة لمن يتصوّر أنّ له حظّاً عاثراً لا يقوم أبداً.
وعند البعض هي ثقافة تقوم على «أُصول».. فقد يحدِّثك أحدهم عن رمية من غير رام، وعن حظ في السحاب وعقل في التراب، وانّه لو اتّجر بالأكفان لما مات أحد، وقد يصنّف الناس إلى اثنين: ناس «تكدّ» وناس «تعدّ»، وإنّ الله أو (الحظ) يرسل الجوز لمن لا أضراس له.
فالحظ عند هؤلاء هو (المفتاح السحريّ) و(حلاّل المشاكل) وأنّ حفنة من (الحظّ) خير ـ عندهم ـ من كيس ملآن بالحكمة، وإذا امتلكت الحظّ فذلك أفضل من النهوض باكراً، في ردّ على أولئك الذين يقولون «بارك اللهُ لأمّتي في بكورها» وإنّ الله يرزق المبكّرين، وبالتالي فالقاعدة الذهبية عند البطّالين ممّن يرقبون اصابة الحظ الهدف، هي: إذا أقبلت باض الحمام على الوتد، وإن أدبرت بال الحمارُ على الأسد، فالدنيا إقبال وإدبار، وليست جهداً وكفاحاً وارادة وتخطيطاً..
كلمات من هذا القبيل عند هؤلاء مثار للسخرية والتنذر..
إنّها ثقافة الاتكاليين.. ثقافة (التنبلة).. ثقافة مَن يريد أن يصوّر الحياة عديمة الاختيارات.. وإنّ النفق مظلم، وأنّ الذي (فاز) و(نجح) و(تفوّق) وأحرز التقدّم، لم يكن ذلك باجتهاد منه، بل بضربات حظّ وصدف محضة.
الحياة ـ لمن يفهمها بالطبع ـ قائمة على الجدّ والاجتهاد والكدّ والكدح والزراعة والحصاد، ومَن لم يقطف الثمرة بيده فنادراً جداً أن تقع في فمه المفتوح ليأكلها لقمة سائغة، هيِّنة ليِّنة.
حتى بطاقات اليانصيب تأتي ضمن عملية اقتراع، فالدولايب التي تدور أرقامُها أشبه بعملية سحب القرعة من بين مجموعة أسماء، ولا دخل للحظّ في ذلك.. وإنّما هي (مشاركة) ووقوع القرعة على أحد المشتركين، ولو لم يشترك لما حاز على الجائزة!
بل حتى ذاك الذي جاءته تركة دسمة من عمّته الثريّة بعد أن أبدى لها من العطف والحنان ما لم تنله من أولادها وبناتها.. ربّما قام بذلك لوجه الله لا يريدُ جزاءً ولا شكورا، ولكنّ (إحسانه) هو الذي دفع عمّته لتوريثه، ولم تورِّث غيره!
وذاك الذي اشترى متجراً في مكان مغمور، وكان يحسب أنّ له مستقبلاً زاهراً ثمّ انتعشت المنطقة وازدهرت وفتح الله عليه أبواب رزقه.. ليس محظوظاً اعتباطاً، بل مخطّط جيِّد وناضر للمستقبل بعين بصيرة نافذة..
بعض الدراسات النفسية لموضوع الحظّ تشير إلى أن (الارادة) عنصر فعّال في بناء (الحظّ) بما هو خطوة وتوفيق، فهي تخلق لصاحبها جوّاً غنيّاً بالفرص والمناسبات السعيدة، وليس حسنُ الحظّ غير الشجاعة، والعزيمة الناشطة، والفطنة الناجمة عن الانتباه والتعلّم، ومحصلة ظروف نفسيّة وصفات أخلاقية وأدبية ومزايا شخصية.. فقط لا غير.
أمّا الذين يقرأون الفال والفنجان والطالع والنجوم، ويدّعون أنّهم قادرون على أن يخبرونا عمّا يحدث في المستقبل فرجم في الغيب، وقد تصيب الحجارة الطائشة رأساً، ولكنّه لم يكن هدفها المصوّبة نحوه!
لو كان هؤلاء بهذه القدرة لكانوا اسعد الناس حظّاً، لكنّك تراهم تبحثون عن صيد سهل وساذج مغفّل ليوقعوه في شباكهم حتى يرتزقوا من غفلته ليس إلاّ..
الاعتماد على المصادفة ـ غالباً ـ يقود إلى الخسران، أمّا المعتمد على العقل والتدبير والتشاور والتخطيط والثقة والهمّة، والاستعانة بالله بعد أن يهيِّئ ذلك كلّه، فهو صاحب الحظّ السعيد، وكما يقال فالأرض البور يمكن زيادة انتاجها بالتسميد والتحسين والعناية..
بمعنى آخر:
غيِّر نفسَكَ واستعداداتك.. يتغيّر حظّك!!
البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/95)
الكتابة السرّيّة والأمن الاجتماعي للشبان
قد نعذر الشبّان الذين يعيشون في مناطق اضطهاد سياسيّ أو خنق وقمع للحرّيات في أن يعبِّروا بالطرق السريّة عن خلجات أنفسهم ورفضهم للواقع السلبيّ، وتطلّعاتهم لما يحلمون به أو ينشدونه.. فينتخبون طرق الكتابة على الجدران.. أو في قصاصات توضع تحت أبواب الدور.. أو في كتب مكتبة.. أو ما شاكل.
قد نلتمس العذر لهؤلاء لأنّهم لم يجدوا وسيلة للتعبير عن دواخلهم سوى هذه الطرق السريّة، ولو أتيح لهم حريّة التعبير عن آرائهم في الصحافة، أو في غيرها لما التجأوا إلى هذه الأساليب التي تبدو مخلّة ومتخلّفة أيضاً.
أمّا ما يشيع من كتابة سريّة في بلادنا، سواء على الوجه الداخلي لأبواب الحمّامات أو المرافق العامّة، أو على مصاطب الجلوس في المنتزهات، وعلى مقاعد الحافلات العامّة (الباصات).. من كلمات ورسوم خادشة للذوق وللحياء ومسيئة للقيم والأخلاق.. فلا نجد له تفسيراً سوى الإخلال بنظام الآداب العامّة.
فمن الناحية الشرعية، لا يجوز ألبتّة أن تعتدي على المال العام، بالإتلاف والتشويه.. إنّه ليس ملكك، فكيف تتصرّف بما ليس لك بملك وكأنّه ملك خاصّ، علماً أنّه لا يجوز إتلاف المال الخاص والعبث به أيضاً..
هذا اعتداء سافر يمكن أن تُعاقَب عليه..
ثمّ إنّك توجِّه الإساءة إلى مَن يأتي بعدك بأن تفسد عليه مشاعره بترهات وتفاهات وإثارات رخيصة، خاصّة وأنّ البعض قد يغري الآخرين بفعلته الرعناء فيحتذوا حذوه، فيردّدوا عليه بعبارات أكثر خدشاً، ممّا يحوّل الأماكن المذكورة إلى صفحات مهاترة.
إنّ الذي يُفرغُ ما في جعبته من بذاءة في حمام أو مرحاض أو (تواليت) لا يختلف عنه وهو يُفرغُ ما في بطنه في حوضها..
والذي يقيء ما في داخله على مصطبة في سيارة أجرة أو نقل عام.. كمن يقيء عليها ما في أمعائه..
وإنّ الذي يشوّه الأماكن النظيفة بقاذورات كتاباته السخيفة، كمن يُلقي القمامة في عرض الشارع الذي فرغت البلدية للتوّ من تنظيفه..
إنّنا ننادي بحماية البيئة والحفاظ عليها رائقة جميلة نظيفة تبعث على الراحة، وتدعو إلى الهدوء والسكينة، فإذا الذي يفعل ذلك يخرّب عليك متعتك وأمنك الاجتماعيّ، ويستفزّ مشاعرك، وقد يتسبّب في هياجك..
ما هذا إلاّ نقصٌ.. في الذوق، ونقصٌ في الحياء، ونقصٌ في الثقافة، ونقصٌ في الدين.. ونقصٌ في الوعي بشكل عام!!
ــــــــــــــــــــ(42/96)
موضة الغرف الخاصّة !
المطالبة بأن تكون لكلّ فتاة أو شاب غرفة خاصّة به، هذا إذا سمحت امكانات البيت من حيث السعة بذلك، لها وجهان:
الوجه الأوّل: إيجابيّ، وهو أنّ هكذا أماكن تتيح الشعور بالاستقلالية والاستمتاع بعالم خاص من الهدوء والصفاء، والحفاظ على الأسرار ممّا ينشده الشاب وتبحث عنه الفتاة، وقد يُتاحُ له أو لها أن يستقبلا أصدقاءهما هناك ليتبادلوا الأحاديث الودّية، وربّما أتاح ذلك جوّاً دراسياً طيّباً للتباحث والمدارسة والمذاكرة، نظراً إلى أنّ أجواء البيت عادة لا تكون صالحة لذلك، خاصّة البيوت ذات الكثافة الأسريّة.
الوجه الثاني: سلبيّ، وهو أنّ هذه الغرف أصبحت (موضة) وتقليداً، إذ لابدّ من غرفة خاصّة حتى ولو لم تكن هناك حاجات ماسّة كالتي ذكرناها.
ففي استقراء لآثار هذه الغرف، اتّضح أنّها لا تُستعمل للأغراض المرجوّة إلاّ نادراً، بل تستخدم لأغراض معاكسة أحياناً.
ويزدادُ الطين بلّة حينما يكون هناك جهاز تلفاز وفديو، أو فرع خاص لجهاز الهاتف، ومع شيوع استعمال الهاتف النقّال، تكتسي المسألة خطراً إضافياً، خاصّة مع انعدام الرقابة أو صعوبتها في الأماكن التي ينفرد بها الأبناء..
هذه الغرف تتحوّل ـ في بعض الأحيان ـ إلى ما يُشبه الأماكن المشبوهة.. تُعرض فيها الأفلام الرخيصة أو الممنوعة، وتجري فيها الأحاديث الخارجة عن دائرة الأدب، وربّما كانت مرتعاً لمحذورات ومحظورات أخرى، كالتدخين وغيره.
ولأنّ هذه الغرف خاصّة ولا يجوز التسوّر على أسرارها واقتحام خصوصياتها، فقد تُستغل حالة الاطمئنان هذه، والأمن من انعدام الرقابة، لاخفاء مجلاّت داعرة أو صور فاضحة، أو مسكّرات أحياناً، أو شرائط ماجنة، مرئية أو مسموعة.. الخ.
الأغراض الخاصّة جدّاً زحفت على الأغراض المباحة في بعض الغرف الخاصّة، فاستولت عليها.. ممّا أصبحت ـ في حالات من هذا القبيل ـ خطراً يتهدّد الشاب أو الفتاة أو الأسرة معاً.
ما هو الحلّ؟
الشريعة الاسلامية تحذِّر من اجتماع الجنسين في مكان مبيت واحد حتى ولو كانا أخوين.. إذ لابدّ من الفصل في المنامات.. وهذا ممكن حتى مع عدم توفر أماكن خاصّة كافية.. فلابدّ من العزل بشكل أو بآخر.
وإذا كانَ هناك أكثر من أخ وأكثر من أخت فيمكن أن يشتركا في غرفة واحدة، وهذا ممّا يقلِّل من المخاطر المذكورة، ما لم يكن الأخوان شريكين في التستر على بعضهما البعض.
كما يمكن أن تُخصّص غرفة منعزلة عن أجواء الصخب البيتيّ لتكون غرفة الدراسة والمطالعة وأداء الفروض المدرسية ومتابعة الانترنيت، المشتركة لكل الأبناء من الطلبة، أي بمثابة مكتبة أو ركن دراسي منفرد.
وحتى مع الاضطرار لأفراد غرف خاصّة، أو مجاراةً للعرف السائد، فمن المنصوح به أن تكون الغرف خالية من أجهزة التلفاز والانترنيت ما أمكن، ويمكن أن يشترك أخوان أو أختان في غرفة، مع ضرورة ارتيادها من قبل الوالدين بطريقة لائقة سواء للزيارة أو للتأكد من نظافتها من غير القمامة أيضا
البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/97)
كيف أتصرف عندما أكون في مقاهي الانترنت؟
كأيّ وسيلة إعلامية ومعلوماتية.. (الانترنيت) ليس استثناءً.. اختراع أو صناعة أو تقنيّة حيادية..
المُستخدِمْ هو الذي يقودُه من أُذنه إلى هذا (المكان) الصالح أو ذاك المكان الموبوء..
وحيثُ ترتعُ.. يكون نموّك..
فالذي يتغذّى على (الطفيليات) ستقتلهُ (السموم) أو تتهددُه الأمراض، والذي يتغذّى على الزاد الطيِّب.. سينشأ معافى سليماً.. وستكون لديه مناعة في مواجهة الآفات..
(الانترنيت) أشبه بـ (سوق) تُطرحُ فيه البضاعة (الفاسدة) و(الكاسدة) والبضاعة ذات الفائدة.. وعلى مقدار عقل وذوق المشتري (الزبون) تتوقف مسألة (الاختيار)..
فكلُّ امرئ وما اختار..
أنتَ (حرٌّ) في اختيارك..
(مسؤولٌ) عن نتائج هذا الاختيار.
وحديث (الانترنيت) الشبكة العنكبوتية.. ذو شؤون وشجون.. واسعٌ بسعة عالمه.. لكن ما يهمّنا هنا هو (مقاهي الانترنيت).
لا فرقَ عندنا بين أن نكون في مقهى على «الكورنيش» أو مقهى شعبيّ على منعطف أحد الشوارع، أو مقهى عصريّ في واجهة شارع راق، أو في مقهى على الانترنيت، «المقهى الالكتروني».
ليس المهم كم من الزبائن هناك..
المهم كيف أتصرّف حين أكون هناك!
أخلاق الانسان المسلم ليست قبّعة الرأس، أو المعطف الذي يخلعه عند الدخول إلى البيت، فالكلام المهذّب مطلوب في كلّ تلك المقاهي وخارج تلك المقاهي.. والبذاءة والإساءة مرفوضة في مقهى منعزل لا يرتاده إلاّ ثلّة قليلة.. أو في مقهى حاشد..
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علّمنا درساً في التخاطب غاية في الرقيّ الحضاريّ: «قلْ خيراً.. أو فاصمت»!!
مخطئٌ مَن يتصوّر أنّ الكلام ليس عليه ضريبة..
عليه ضريبة.. وضريبة فادحة أيضاً: (ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد ) (ق / 18).
تذهب الكلمة التي تُطلقُها في الأثير.. تتبدّد في الهواء.. وتبقى تبعتها تلاحقك إلى يوم المصير: (وقفوهم إنّهم مسؤولون )(الصافات/ 24).
السيِّد المسيح (عليه السلام) يقول:
«ليس ما يدخل الفم ينجِّس الانسان، بل ما يخرج من الفم.. هذا ينجِّس الانسان»!
الطهارة المعنوية.. أهمّ بكثير.. من الطهارة المادية.النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:«طهِّروا أفواهكم، فإنّها مسالُك التسبيح»!
إنّ «زلّة اللسان» أخطر من «زلّة القدم».. من هذه يمكن أن أقوم.. ومن تلك قد لا أقوم أبداً.. ولذلك فمن كثر كلامه (ثرثرته) ولغوه.. كثُرت أخطاؤه، هذا إذا كان الكلام عادياً، فكيف إذا كانت الكلمات كلمات بذاءة وإساءة؟!
حتى لو كنتَ صاحبَ حقّ، وتناقش قضيّة حقّ، وتدافع عن حقّ، فإنّ ذلك لا يبرِّر لكَ كلام السوء والفحشاء والسباب.. حقّك يدافع عن نفسه كونه حقاً.. فلماذا تنتقص منه بالهراء والإهانة؟!
صادقٌ مَن قال: «قلبُ الأحمق في فمه، وفم العاقل في قلبه».هل يمكن أن نُحدث تبادل مواقع؟
العقلاء فعلوا!
لسانٌ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادهُ***فلم يبقَ إلاّ صورة اللحمِ والدم (الانترنيت) قد يكون صديقاً مخلصاً.. وما أروع صحبة الأصدقاء المخلصين، وقد يكون لصّاً في ثوب صديق.. فالويل هنا من مزالقه ومهاويه..قد لا يجرّني إلى (السجن).. بل إلى ما هو أخطر من ذلك .. !
البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/98)
فوضى الوقت في حياة الشاب!
الوقت المهدور.. فرص مهدورة.. سواء كانت فرصاً (ماليّة) أو (ثقافية)..
البعض منّا يفرِّط بأوقاته ويبذِّر ويُسرف أكثر ممّا يبذِّر ويُسرف بأمواله.. في حين أنّ الوقت مال، كما يقول أصحاب المال..
ونحنُ نقول إنّ الوقت (فُرَص): فرصة للتقرّب إلى الله.. فرصة لبناء الشخصية.. فرصة للتعلّم.. فرصة للمعرفة.. فرصة للكسب الثقافي أو المادّي.. فرصة للتعارف.. الخ.
فما هذه الفوضى الوقتيّة في حياتنا إذاً؟!
ـ أوقات طويلة للثرثرة..
ـ أوقات غير محدّدة للتسكّع والتطلّع في واجهات المحلاّت..
ـ أوقات ممدودة وممطوطة للجلوس إلى (الانترنيت)..
ـ أوقات مفتوحة للهو واللعب والسهر والعبث..
ـ أوقات مُبدَّدَة على مصاطب المقاهي ومنعطفات الشوارع..
ـ أوقات شاسعة للنظرات البلهاء الفارغة..
لماذا ذلك؟!
لأنّنا نعتبر الوقت ملكاً يمكنُ أن نتصرّف به كما نشاء حتى ولو أتلفناه وأرقناهُ على الأرض، وبذّرناه تبذيرا!
ليسَ المبذِّرون بأموالهم فقط (إخوان الشياطين).. المبذِّرون بأوقاتهم كذلك..
لأنّ الوقت غير المعمور أو المملوء أو المشغول بالعمل الصالح والنافع، والذي بلا مردود إيجابيّ.. هدر.. وأيّ هدر!!
أحد الذين يعرفون قيمة الوقت، وقد وظّفه توظيفاً جيِّداً، يقول: «الوقتُ أرخصُ شيء في الوجود، وهو الشيء الوحيد الذي لا يمكن شراؤه»!
إنّه مخترع الكهرباء (أديسون).
أجرِ إحصاءً للأوقات المهدورة سُدىً.. ستحصل على نتائج مذهلة، فإذا كانت قطرة الماء التي تنزفُ من حنفية عاطلة.. قد تملأ خزّاناً كبيراً بعد ساعات من نزفها.. فكم من الساعات والأيام والأسابيع والشهور والسنوات تذهب مع الرِّيح.. أو في (المجاري) مع الفضلات.. أو في الترّهات عبثاً ؟!
تأمّل في أنّ ساعة تفكّر يمكن أن تُنتج (مشروعاً).. (كتاباً).. (حلاًّ لمشكلة).. (اكتشافاً لنظرية).. (هداية إلى الطريق الصحيح).. (إنقاذاً لمستقبل مهدّد).. الخ.
العالِم الذي قضى أوقاتاً مهمّة في التعرّف على (الجراثيم).. (باستور) يقول: «إذا أضعتُ دقيقةً واحدة من حياتي، أُحسّ بأنّني اقترفتُ جريمة ضدّ الإنسانية»!!
لأنّها يمكن أن تكون دقيقة (إنقاذ) للانسانية فيما يُبدعهُ عقله!
إليك بعضاً ممّن عرفوا قيمةَ الوقت عسى أن تعرفه مثلهم..
«إنّ قيمة الوقت كقيمة المال، كلاهما قيمته في جودة إنفاقه، وحسن استعماله»! (أحمد أمين)
إنّه يحدِّثنا عن «الزمن النوعيّ» لا الكميّ المعدود بالثواني والساعات، فكم من ساحة الزمن مشغولة بما يبقى بعد أن يفنى أو يذهب الزمن؟!
وقال مجرّب:«الزمان هو المادة الخام في يد الانسان، كالخشب في يد النجّار، والحديد في يد الحدّاد، فهو يستطيع أن يصوغ منه حياة طيِّبة سعيدة، أو سيِّئة يائسة».
وقال (بوسيسه) أحد الفلاسفة:«إنّ ساعات الانتباه التي نقضيها في المدرسة، توفِّر علينا كثيراً من أيام التعاسة في الحياة».ويقول (بنيامين فرانكلين): «إذا كنتَ تحبّ الحياة فلا تضيع الوقت سُدىً، لأنّ الوقت هو مادّة الحياة»!
لكي نحلّ مشكلة (فوضى الوقت).. لنتذكّر المثال التالي:لديّ مبلغٌ من المال وعندي عدّة احتياجات: طعام، شراب، لباس، كتب، القيام برحلة، شراء لعبة مسلّية.. الخ.
هل يصحّ أن أُريق مالي كلّه على مائدة الطعام، أو على مشترياتي من الألبسة، أو الكتب، أو الرحلة، أو الألعاب؟
الحكمةُ.. عقلي.. يقول لي: إعطِ لكلّ حاجة استحقاقها من المال..
الوقت.. كالمال، تنتظرهُ احتياجات، فهل يصحّ أن نُنفقه في حاجة واحدة فقط؟!
البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/99)
شبّان لا يقرأون ..هل البدائل الاخرى هي السبب؟
كثير من الشباب اليوم لا يقرأون.. وإذا قرأوا فقراءات سطحيّة وعشوائيّة غير هادفة..
نسبة كبيرة ومخيفة من الشبّان والفتيات لا يقرأون، تكاد تصل في بعض البلاد العربية والاسلامية إلى 80 % أحياناً.
ماذا يعني ذلك؟
يعني أنّ ثمة «أُمّيّة» من نوع آخر متفشّية في أوساط الشباب..
حتى مقررات المنهج الدراسيّ لا يُقبل عليها الكثيرون إلاّ لغرض أداء الامتحان.. فإذا فرغوا منه رموها في (القمامة).. أو مزّقوها إرباً إربا.. أو تركوها طعاماً للنار يتلذّذون باستحالتها إلى رماد، وكأنّهم ينتقمون من عدوّ لدود!
ظاهرة العزوف عن القراءة ذات دلالة خطيرة.. إنّها تعني أنّنا أمام جيل غير مثقّف.. ثقافتُهُ انتقائية.. يلتقط من (التلفاز) شيئاً، ومن (الانترنيت) شيئاً، وممّا يقع تحت يده من الصحف شيئاً.. ولا يستطيع أن يركِّب من هذا المتناثر من قطع الأحجار.. بناءً ثقافياً!
هل الانشغال بالبدائل (غير البديلة) هو السبب؟
هل التربية على عادة القراءة توقّفت أو انخفضت بشكل واسع في بيوتاتنا ومدارسنا؟
هل تكاثر وسائل اللهو لم تدع فرصة ولو نادرة للقراءة؟
لم يعد (القرآن) هو الكتاب الوحيد المهجور في هذا العصر.. الكتب الثقافية الأخرى.. تشتكي وتبكي على رفوف المكتبات.. بل وتندب حظّها.. يتراكم عليها الغبار ولا تجد مَن ينفضهُ عنها إلاّ نادراً.. وتكابد الصمت والوحشة ولا تعثر على مَن يجالسها ليطرد عنها وحشتها!.
أين التغنّي بـ «وخيرُ جليس في الأنامِ((1)) كتابُ».
لم تكن الكلمة الأولى التي وجّهتها السماء للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «صلِّ».. كانت: «إقرأ»! .. لأنّ الصلاة تحتاج إلى القراءة.. والعبادة تحتاج إلى القراءة.. ومعرفة الله تحتاج إلى القراءة.. والطاعة الواعية، بل الإيمان ـ بصفة عامّة ـ يحتاج إلى القراءة..
النموّ.. والرقيّ.. والسموّ عماده القراءة..
بلوغ المآرب والمراتب والانتصارات زاده القراءة((2)) أيضاً.
من خلال قراءتنا للسيرة الذاتية لعدد من العظماء.. رأينا أنّ من بين أسباب تفوّقهم ورفعتهم واشتهارهم وقدرتهم على الوصول إلى القمم التي وصلوا إليها.. هي القراءة.. كان كلّ كتاب يقرأونه بمثابة القوّة الدافعة للارتقاء في مدارج المجد.. يقرأون ويعملون بما يقرأون..
كانت المطالعة ذات يوم موضع (تنافس) و(تفاخر) و(زينة) بل ومزيّة من مزايا الشخصية..
اليوم.. هي شيء ثانويّ.. ترفيّ.. لا اعتبار له.. ولا ينتقص من القيمة.
صحبة الكتب أهمّ ـ أحياناً ـ من صحبة الأصدقاء.. وإذا كانا
صالِحَينْ فهما من مواهب الزمن ونعم الله:
صالحُ الإخوانِ يبيغكَ المُنى***ورشيدُ الكُتْبِ يبغيكَ الصوابا
ويقول آخر:
أو من صديق إن خلوتُ كتابي***ألهو به إنْ خانني أصحابي!
فإذا قيلَ لك: خيرٌ لكَ أن تزخر مكتبتُك بالكتب من أن تمتلئ محفظُتكَ بالنقود.. ماذا يكون ردّك أو تعليقك ؟!
لعلّ البعض يتندّر ساخراً: المجدُ في (الكيس) لا في (الكراريس)!!
فأين المحفظة الملأى من كتب مملّة؟!
هذا أمرٌ مؤسف.
الكتب هي ثروة أيضاً.. ولذلك قيل: «إجعل ما في كتُبك رأس مال»!!
حكيم اليونان «سقراط» كان يقول:
«إذا أردتُ أن أحكم على انسان، فإنِّي أسألهُ: كم كتاباً قرأت؟ وماذا قرأت ؟! » !
المؤرِّخ (آرنولد توينبي) يقول:
«ليست العبرة في كثرة القراءة، بل في القراءة المجدية»!
الكاتب (عباس محمود العقّاد) يقول:
«يقول لك المرشدون: إقرأ ما ينفعُك، ولكنّي أقول: بل انتفع بما تقرأ»!
الأديب (ميخائيل نعيمة) يقول:
«عندما تُصبح المكتبة في البيت ضرورة كالطاولة، والسرير، والكرسيّ، والمطبخ.. عندئذ يمكن القول بأنّنا أصبحنا قوماً متحضّرين»!
هذه رؤية العارفين بقيمة القراءة.. والآن نضعُ بين يديك خلاصة تجارب قُرّاء قرأوا جيِّدا فصاغوا قناعاتهم بالنسبة للقراءة بكلمات:
ـ «لا شيء يمكن أن يصنع بالانسان، ما تصنعه الكلمة المكتوبة». (بلاتون)
ـ «إذا أردت أن تختم على كتاب فاعدْ النظر فيه، فإنّما تختم على عقلك»! (علي بن أبي طالب)
ـ «المكتبة.. هي المستودع لأدوية الفكر». (حكيم يوناني)
ـ «الكتُب((3)).. حصون العقلاء». (ابن المقفّع)
ـ «بيت بلا كتب((4)).. كجسد بلا روح». (شيشرون)
ـ «أن تعيش مع الكتب، هذا يعني أنّك تعيش في صحبة أشرف الشخصيات الماضية». (ديكارت)
ـ «يجب أن تمضغ الكتاب جيِّداً حتى تحصل على عصارته». (حكيم صيني)
«ربّ كلمة من حرفين تمرّ عليها، وأنتَ لا تُبصرها، وفيها سرُّ وجودِك كلّه»! (قارئ بصير)
وقال قارئ خبير:
«ما مرَّ بي همٌّ، لم تبدّده ساعة مطالعة»!
ــــــــــــــــــــ(42/100)
الشباب.. والعناية بالقرآن الكريم
القرآن دستور الأمة وأساس نهضتها، به أخرجها الله من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى، وفي كل زمان هو المخرج لها من الفتن والهادي لها من الضلال والحافظ لها من موارد الشبهات والشهوات.
ومع كثرة الفتن وتتابعها في زماننا وانفتاح أبواب الشهوات ـ أمام الشباب خصوصاـ على مصارعها، كان لابد من توجيه كل شاب يريد الخلاص إلى أهم أسباب النجاة والعصمة ألا وهو كتاب الله الذي من تمسك به فلن يضل أبدا.
ونحن معاشر الشباب اليوم أحوج ما نكون لنتعلم كيف نتعامل مع القرآن الكريم وليس من سبيل إلى هذه المعرفة إلا بقراءة أحوال شباب الصحابة الذين عاشوا مع رسول الله -ص- وتعلموا منه.. فكيف تعامل هؤلاء الصحابه الشباب مع أعز وأكرم وأفضل كتاب؟
الحرص حتى التفوق
لقد كان الحرص الذي تمتع به شباب الصحابة - رضوان الله عليهم - على هذا الكتاب مدعاة لأن يفوقوا غيرهم حتى يأمر النبي صلى الله عليه وسلم باستقراء القرآن من أربعة، ثلاثة منهم من الشباب وهم: معاذ، وابن مسعود، وسالم - رضي الله عنهم - إذ يقول: "استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود فبدأ به، وسالم مولى أبي حذيفة، وأُبَيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل". قال: لا أدري بدأ بأبي أو بمعاذ" [رواه البخاري ومسلم].
ويشهد أنس رضي الله عنه مع معاذ لشاب آخر هو زيد بن ثابت رضي الله عنه، بأنه قد وعى القرآن وجمعه فيقول: "جمع القرآن على عهد رسول الله أربعة؛ كلهم من الأنصار: أُبي، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد، وزيد بن ثابت" .
أربعة من الشباب
وتعالوا أخواني الشباب لنتعرف على هؤلاء الأربعة وعما صنعه القرآن بهم وماذا بلغوا به:
فأما معاذ بن جبل: فقد اتفق أهل السير على أنه مات في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة للهجرة في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واختلفوا في عمره عند وفاته فقال البعض كان عمره 33 سنة، وقال آخرون 38 سنة، وعليه فيكون عمره عند هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إما خمس عشرة سنة وإما عشرين سنة... فماذا صنع القرآن بابن العشرين؟
لقد بلغ به القرآن مكانا فاق به كبار الصحابة وصغارهم في الفقه والعلم، ولك أن تتخيل ذلك الأثر حين تسمع النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقول عنه: "أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل " رواه أحمد، وأخبر عنه أنه يأتي يوم القيامة إماما للعلماء قد سبقهم جميعا برتوة، أي رمية سهم أو رمية حجر.
لقد قاده القرآن للخير كل الخير.. فعن ابن كعب بن مالك قال: كان معاذ بن جبل شابًّا جميلا سمحًا من خير شباب قومه لا يسأل شيئا إلا أعطاه.
وعن أبي مسلم الخولاني قال: أتيت مسجد دمشق فإذا حلقة فيها كهول من أصحاب محمد وإذا شاب فيهم أكحل العين براق الثنايا كلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى، قال: قلت لجليس لي من هذا؟ قالوا هذا معاذ بن جبل.
وعن ثور بن يزيد قال: كان معاذ بن جبل إذا تهجد من الليل قال: اللهم قد نامت العيون وغارت النجوم وأنت حي قيوم: اللهم طلبي للجنة بطيء، وهربي من النار ضعيف، اللهم اجعل لي عندك هدى ترده إلي يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد.
وفي الخاتمة كان الوسام الذي وشحه به النبي حين قال له: "والله إني لأحبك".
الفتى المعلم
وأما ابن مسعود فهو الغلام المعلم كما قال له النبي صلى الله عليه وسلم فاسمع إلي الغلام يقول: كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله تعالى عنه وقد فرا من المشركين فقالا: يا غلام هل عندك من لبن تسقينا؟ قلت: إني مؤتمن ولست ساقيكما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل؟ قلت: نعم فأتيتهما بها فاعتقلها النبي صلى الله عليه وسلم ومسح الضرع ودعا فحفل الضرع ثم أتاه أبو بكر رضي الله عنه بصخرة منقعرة فاحتلب فيها فشرب وشرب أبو بكر ثم شربت ثم قال للضرع: اقلص فقلص فأتيته بعد ذلك فقلت: علمني من هذا القول قال: إنك غلام معلم قال: فأخذت من فيه سبعين سورة لا ينازعني فيها أحد "[رواه أحمد وهو صحيح].
علاقته بالقرآن وطيدة ومنزلته به عند النبي صلى الله عليه وسلم رفيعة وهو الذي استقرأه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كما في الصحيحين أن النبي قال له: "اقرأ علي . قال : قلت : اقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : إني أشتهي أن أسمعه من غيري . قال : فقرأت النساء حتى إذا بلغت : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } . قال لي : كف ، أو أمسك . فرأيت عينيه تذرفان .
إنها شهادة تدل على حسن القراءة مع الإتقان مع جمال الصوت وخشوع القلب وإلا فلماذا اختاره هو دون غيره ليسمع منه، وهذه الشهادة أكدتها شهادة أخرى وزينها قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ القُرْآنَ رَطْباً كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ). وهو سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه.
وهو الذي قال عن نفسه : مَا نَزَلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إِلاَّ وَأَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ نَزَلَتْ، وَفِيْمَا نَزَلَتْ .
وأقر له بالفضل سادة الصحابة: فعن علقمة قال : جاء رجل إلى عمر، فقال : إني جئتك من عند رجل يملي المصاحف عن ظهر قلب . ففزع عمر ، فقال : ويحك انظر ما تقول . وغضب ، فقال : ما جئتك إلا بالحق . قال : من هو ؟ قال : عبد الله بن مسعود . فقال : ما أعلم أحدا أحق بذلك منه ، وسأحدثك عن عبد الله : إنا سمرنا ليلة في بيت أبي بكر في بعض ما يكون من حاجة النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم خرجنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيني وبين أبي بكر ، فلما انتهينا إلى المسجد إذا رجل يقرأ ، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم- يستمع إليه ، فقلت : يا رسول الله ، أعتمت ، فغمزني بيده : اسكت ، قال : فقرأ وركع وسجد ، وجلس يدعو ويستغفر ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : سل تعطه . ثم قال : من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل ، فليقرأ قراءة ابن أم عبد . فعلمت أنا وصاحبي أنه عبد الله .
لقد أورثه القرآن سمتا حسنا وهديا أشبه بهدي رسول الله فما كان أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم منه حتى قال عنه حذيفة: إن أشبه الناس هديا ودلا برسول الله (صلى الله عليه وسلم) من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع، والله، لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد أنه من أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة.
وعَنْ أَخِيْهِ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ إِذَا هَدَأَتِ العُيُوْنُ قَامَ، فَسَمِعْتُ لَهُ دَوِيّاً كَدَوِيِّ النَّحْلِ.
عَنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ، قَالَ: رَأَيْتُ بِعَيْنَيْ عَبْدِ الله بن مسعود لهِ أَثَرَيْنِ أَسْوَدَيْنِ مِنَ البُكَاءِ.
وأما هو فقد علمه القرآن التواضع وهضم االنفس حتى قال: لَوْ تَعْلَمُوْنَ ذُنُوْبِي، مَا وَطِئَ عَقِبِي اثْنَانِ، وَلَحَثَيْتُمُ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِي، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ اللهَ غَفَرَ لِي ذَنْباً مِنْ ذُنُوْبِي، وَأَنِّي دُعِيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ رَوْثَةَ. وكان يَقُوْلُ فِي دُعَائِهِ: خَائِفٌ مُسْتَجِيْرٌ، تَائِبٌ مُسْتَغْفِرٌ، رَاغِبٌ رَاهِبٌ.
زيد بن ثابت
ونلمس الحرص نفسه عند زيد بن ثابت رضي الله عنه، فيأتي قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مفاخرين يقولون: "هذا غلام من بني النجار معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "يا زيد، تعلم لي كتاب يهود؛ فإني والله ما آمن يهود على كتابي". قال زيد: فتعلمت كتابهم ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب"[رواه البخاري وأحمد].
ولك أن تعلم أن زيدا أسلم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وعمره أحد عشر عاما. ولم يشهد بدرا لصغر سنه وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد. وكان هذا الصغير يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصار أحد فقهاء المدينة السبعة, واشتهر بالفرائض, وكان ابن عباس على جلالة قدره يأتيه إلى بيته للأخذ عنه ويقول: العلم يؤتى ولا يأتي. استعمله عمر بن الخطاب على القضاء وكان يستخلفه في كل سفر.
وأما منقبته الكبرى التي فاقت نقل الجبال والتي تكفي لمعرفة قدر هذا الشاب الهمام أنه هو الذي أشرف على جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر ثم للمرة الثانية في عهد سيدنا عثمان رضي الله عنهم أجمعين، وإنما اختاروه لتولي هذا الشرف العظيم وتلك المسؤولية الجسيمة وثوقا بدينه وحفظه وإتقانه وحسن كتابته, مع من معه.
سالم مولى أبي حذيفة
كان عبدا رقيقا، رفع الإسلام من شأنه وبلّغه القرآن بين المسلمين شأوا رفيعا ومكانة عالية، أهّلته لها فضائل روحه وسلوكه وتقواه، فقد كان سالم ملتقى لكل فضائل الإسلام الرشيد فكانت تزدحم فيه وحوله .. وكان إيمانه العميق الصادق ينسقها أجمل تنسيق. حتى إن سيد الأمس أبو حذيفة بن عتبة سيد قريش يجد شرفا لنفسه أن يوالي من كان بالأمس عبدا بل ووجد شرفا لأسرته، أن يزوج سالما ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة..!!
و كانت الخاتمة السعيدة في حروب الردة، حيث كان سيفه صوّالا جوّالا في أعناق المرتدين، أخذ راية المهاجرين يوم اليمامة بعد أن سقط حاملها زيد بن الخطاب، فقال المسلمون نخشى أن نؤتى من قبلك! فقال سالم:" بئس حامل القرآن أنا .. لو هوجم المسلمون من قبلي! وحفر لنفسه في الأرض حفرة حتى لا يتزحزح وأمسك بالراية والسيف يقاتل في سبيل الله.. وهوى سيف من سيوف الردة على يمناه فبترها.. وكان يحمل بها راية المهاجرين ولما رأى يمناه تبتر، التقط الراية بيسراه وراح يلوّح بها الى أعلى وهو يصيح تاليا الآية الكريمة:{ وكأيّ من نبي قاتل معه ربيّون كثير، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين}
وأحاطت به غاشية من المرتدين فسقط البطل.. ولكن بعد أن كان قد نال الشهادة العظمى من أصدق شاهد على وجه الأرض حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك" [رواه أحمد].
شباب عظماء آخرون
ولم يتوقف الاهتمام بالقرآن عند هؤلاء وإنما كان الأمر فاشيا في كل شباب الصحابة.. فكان عمرو بن سلمة رضي الله عنه وهو من صغار الصحابة حريصًا على تلقي القرآن، فكان يتلقى الركبان ويسألهم ويستقرئهم حتى فاق قومه أجمع، وأهَّله ذلك لإمامتهم، ولنستمع لذلك من روايته رضي الله عنه، إذ يقول: "كنا على حاضر فكان الركبان يمرون بنا راجعين من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدنوا منهم فأسمع حتى حفظت قرآنًا، وكان الناس ينتظرون بإسلامهم فتح مكة، فلما فتحت جعل الرجل يأتيه فيقول: يارسول الله! إنا وافد بني فلان، وجئتك بإسلامهم، فانطلق أبي بإسلام قومه فرجع إليهم. قال: قال رسول الله : "قدموا أكثركم قرآنًا" قال: فنظروا وإني لعلى حِواء عظيم(أي مكان فيه عدد كبير من الناس)، فما وجدوا فيهم أحدًا أكثر قرآنًا مني، فقدموني وأنا غلام"[رواه أحمد].
ولم يكن البراء بن عازب رضي الله عنه قد تخطى العاشرة إلا قليلا حين قال: "لم يقدم علينا رسول الله حتى قرأت سورًا من المفصل"[طبقات ابن سعد].
وفي كتاب الإصابة: "كان مجمع بن جارية حدثًا قد جمع القرآن".
ولن أكلمك عن ابن عباس فأنت أعرف به مني لكن أذكرك أنه حين مات النبي كان قد ناهز العاشرة فقط.
إن هذا الذي ذكرناه ليمثل أعظم دافع لشبابنا بأن يغتنموا سني شبابهم في حفظ كتاب الله تبارك وتعالى والعناية به، كيف لا وقد رتب الشرع على ذلك الفضائل العظيمة. ومنها:
أن صاحبه مع السفرة الكرام البررة: كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران"[رواه البخاري].
تفضيل في الحياة وبعد الممات: فقد جعل الشرع حامل القرآن مقدمًا على الناس، فهو أحقهم بالإمامة في الصلاة؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة..."[رواه مسلم].
ولا يقف التقديم عند حد الحياة بل حتى بعد موته؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين رجلين من قتلى أحد، ثم يقول: "أيهم أكثر أخذًا للقرآن؟" فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد؛ فقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة..."[رواه البخاري].
رفع المنزلة في الجنة: فحامل القرآن الحافظ له العامل به تعلو درجته يوم القيامة حين يدخل الجنة كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي ص قال: "يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها" [رواه الترمذي وأبو داود].
إن هذه النصوص وغيرها كانت تدفع شباب الرعيل الأول للعناية بالقرآن وتعلمه وتعاهده، فما أجدر شبابنا بالسير على نهجهم واقتفاء أثرهم.
الأمر لا يقف عند مجرد الحفظ:
ولم يكن الأمر لدى شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في تعلم القرآن واقفًا عند مجرد حفظه وإقامة حروفه، بل كانوا يتعلمون أحكامه وحدوده.فالحفظ وسيلة إلى ما بعده من المداومة على التلاوة والقراءة والتدبر والوقوف عند المعاني، ومن ثم أخذ النفس بها والالتزام بما دلت عليه. كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهنَّ حتى يعرف معانيهنَّ، والعمل بهنَّ"[أخرجه الطبري].
تعليم القرآن:
ويدرك الشباب من أصحاب النبي أن حفظ القرآن وتعلمه يتطلب منهم أن يقوموا بواجب التعليم، كما أخبر صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
ــــــــــــــــــــ(42/101)
الفجوة الرقمية بيننا وبينهم !
* تنتشر مقاهي الانترنت , حتي في اماكن لا تتصور انها تتسع لمقهي عادي وليس انترنت كافيه '. كما ازدادت العروض من قبل الشركات المختلفة لتيسير سبل شراء اجهزة الكمبيوتر المنزلية . وربما يعطي ذلك انطباعاـ لمن لا يدري ان الانترنت جزء لا يتجزأ من حياة الناس وان النهم التكنولوجي قد بلغ مداه . ولكن للأسف الشديد فان حال الدول العربية يدعو للحسرة وخيبة أمل حتي علي المستوي التكنولوجي . فوفقا لآخر تقرير صادر عن الأمم المتحدة , ويضم الدراسات والاحصائيات الخاصة بمجتمع المعلومات واستخدام الكمبيوتر والانترنت , هناك فجوة رقمية كبيرة بين الدول المتقدمة والدول العربية .
فهل تتخيل انه علي الرغم من ان مستخدمي اللغة العربية يتجاوز عددهم المائتي مليون ألا ان اللغة العربية علي صفحات الانترنت تمثل نحو 6 في الالف من مجمل ما يتم نشره علي شبكة المعلومات الدولية . واذا كان من الطبيعي ان تمثل اللغة الانجليزية , وهي اللغة الاوسع انتشارا في العالم , سبعة واربعين ونصفا في المائة من مجمل ما يتم نشره فهل من الطبيعي ان تحتل اللغة العبرية التي لا يستخدمها سوي سكان اسرائيل ما يزيد علي 25 الف مقالة علي الانترنت أي ما يفوق عدد المقالات بالعربية مرتين ونصف المرة .
أما من حيث مستخدمي الانترنت فيشير التقرير الي ان عدد المستخدمين في الدول العربية يمثل مليونا ونصف مليون فرد من اجمالي عدد مستخدمي الشبكة اي بمعدل انتشار سبعة في الالف اي ما يوازي واحدا علي ثلاثين من المعدل العالمي !
واذا بحثنا عن اسباب هذا التراجع فسنجد ان مستوي التعليم يتصدر القائمة فمعظم الدول العربية مازالت تعاني من ارتفاع نسبة الأمية بين سكانها .
كما ان حجم الميزانيات التي تخصصها الدول العربية للانفاق علي العملية التعليمية لا ترقي باي حال من الاحوال للميزانية التي تخصصها أقل دولة في العالم المتقدم . يأتي مصاحبا لمستوي التعليم بالطبع اتقان اللغة الانجليزية مما يسهل للمستخدم للاطلاع علي المواقع المختلفة بشبكة الانترنت . وهناك ايضا المستوي الاقتصادي والمسائل الفنية المتعلقة بالتوصيلات وسرعة التحميل .
ومما له صلة بهذا الموضوع فقد كشفت دراسة حديثة أجراها د . صلاح أبو الخير ـ الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ـ عن أن عدد مستخدمي الانترنت في مصر ارتفع الي 557 مستخدما من بين كل الف من السكان عام 2004, معظمهم ينحصر في فئة الشباب الذين بلغت نسبتهم 80 في المائة .
اما عن اوجه استخدام الانترنت فقد اظهرت الدراسة أن نحو 60 في المائة من مستخدمي الشبكة يقضون اغلب اوقاتهم في حجرات الدردشة و 12 في المائة في المواقع العلمية والادبية والتجارية و 8 في المائة امام المواقع السياسية و 20 في المائة يزورون المواقع الاباحية .
وبالنظر الي البيانات السابقة نجد ان 80 في المائة يستخدمون الانترنت فيما لا يفيد بل واحيانا ما يضر . كما ان اغلب هؤلاء يتحولون الي مدمني انترنت فيما بعد . وارجع الباحث ذلك الي الاحباط والعزلة والاكتئاب وصعوبة التفاعل مع المجتمع بصورة مباشرة مما يدفع الكثيرين إلي محاولة الهروب من الواقع الي حياة اخري افتراضية .
ــــــــــــــــــــ(42/102)
12 سبباً تجعل من الميزانية أمراً حيوياً في حياتنا
ديبورا فولز
العشوائية والفوضى إكسير الحياة الفاشلة، ويقابلهما بالطبع التنظيم والترتيب كأساسين هامين من أسس الحياة الناجحة، والتنظيم المالي من الأمور الملحة في حياتنا، بغض النظر عن حجم الثروة التي تمتلكها، ملايين كانت أم دريهمات. العمل خارج إطار ميزانية في التعامل مع أمورك المالية يجعلك أشبه بمن يسبح في الهواء، فلا أرض يحط عليها ولا سماء يرقى نحوها.
فيما يلي الاسباب:
1- الميزانية هي البوصلة التي تقودك فتخبرك ما إذا كنت تسير "مالياً" في الاتجاه الذي تريد أم أنك ضللت الطريق. ربما تكون قد وضعت أهدافاً ورسمت أحلاماً، ولكن إذا لم تضع خطوطاً رئيسية وشرعت بقياس مستوى التقدم الذي تحرزه بين الفينة والأخرى، فسينتهي بك الأمر إلى المكان الخطأ الذي يستحيل عليك الرجوع منه. هل تعتقد أن حكومة ، أو شركة كبيرة يمكنها أن تسيّر أمورها دون ميزانية؟
2- مع الميزانية أنت المسيطر على أموالك، وليست أموالك هي المسيطرة عليك، فالميزانية تضعك أمام حدودك المالية المتاحة لك، وتبعد عنك شبح الدين الذي توفره لك بطاقات الائتمان بسهولة ويسر.
3- تخبرك الميزانية ما إذا كنت تعيش ضمن السبل المتاحة. قبل العمل ببطاقات الائتمان، كان من السهل عليك مع الميزانية أن تعرف ما إذا كنت لا تزال ضمن حدود إمكانياتك المالية، عند حساب ما تبقى بعد إخراج جميع المدفوعات؛ أما بعد العمل بتلك البطاقات، أصبح من الصعب عل من يصرف دون انتباه معرفة الحدود التي تسمح بها إمكانياته المادية، بل لا يصحو إلا وقد نال منه الدين.
4- تتيح لك الميزانية تحقيق أهداف الادخار التي تضعها لنفسك، لأنها تتيح لك المجال أمام تخصيص مدفوعات معينة للادخار والاستثمار.
5- اتباع ميزانية حقيقة تحرر من السيولة المدخرة بمقدار، فلا تضع أموالك في أشياء تافهة لم تكن تفكر يوماً أن تشتريها، بل في أشياء تهم فعلاً .
6- الميزانية تجعلك وعائلتك تفكرون في أهداف مشتركة.
7- تساعدك الميزانية في الخروج من مأزق الطوارئ عندما تقع، فأنت في الحوادث الطارئة وغير المتوقعة لديك ما يسعفك دون كثير من العناء.
8- تساعدك الميزانية في تحسين حياتك العائلية، فمع ميزانية حقيقية تتفق مع شريكك على الأمور الضرورية وغير الضرورية؛ كلاكما يعرف أن هناك مخططاً تسيران عليه، وعند الاستثناءات تكون الأمور أكثر وضوحاً.
9- الميزانية تكشف لك المساحات التي تستهلك الكثير من نقودك، فتحاول أن تعرف مدى أهمية هذه المساحات، وهل فعلاً تستحق هذا الاستهلاك المالي الضخم؟
10- توفر الميزانية لك ملاذاً آمناً من الدين أو على الأقل تخفف عليك من وطأته إن كنت مديناً فعلاً، من خلال بند المدخرات .
11- الميزانية توفر لك مالاً زائداً تستثمره في تحسين ظروف حياتك سواء المعيشية أو العملية.
12- وأخيراً الميزانية تجعلك أقل قلقاً وتوتراً، وتوفر لك نوماً هادئاً لأنك تعرف كيف، وأين تضع أموالك.
ــــــــــــــــــــ(42/103)
زهايمر الشباب..ضيف ثقيل يغتال الذاكرة
عادل صديق
الزهايمر Alzheimer هو مرض يصيب المخ و يتطور ليفقد الإنسان ذاكرته و قدرته علي التركيز و التعلم. و قد يتطور الزهايمر ليحدث تغييرات في شخصية المريض فيصبح أكثر عصبية أو قد يصاب بالهلوسة أو حالات من الجنون المؤقت، وإذا كان الإنسان يلجأ إلى النسيان الإيجابي للتخلص من الذكريات المؤلمة ، فإن الزهايمر لايبقي ولا يذر من ذاكرة الإنسان فهو تخلص من الوعي بأسلوب قسري.
ويبدأ الزهايمر بإصابة المريض بفقدان غامض للذاكرة، ويتطور سريعا، ويفقد المصابون بالزهايمر القدرة على التعرف على الأماكن أو أشخاص يحبونهم ، ولا يستطيع المريض الاهتمام بنفسه، والمرض ينسي الإنسان المصاب أصغر التجارب التي مرّ بها واكتسبها خلال عمره، ويستعين بها في تلبية حاجاته الحياتية ،مثل التعرف على خطر النار، وأنها تحرق، ولكن المصاب بالزهايمر ينسى الخطر ولا يعبأ بشيْ مطلقا ، ويكون في حاجة لمساعدة ذويه في أخصّ الأشياء التي بها قوام حياته، ويرجع الفضل في اكتشاف هذا المرض إلى العام 1907على يد الطبيب الألماني لويس الزهايمر ،حيث أطلق اسمه على المرض عند تشريح لمريضة في الخمسين من عمرها عقب موتها ، لقد كانت تعاني من فقدان الذاكرة.
المرضى بالملايين
ويتوقع أطباء الأمراض النفسية والعصبية في جامعة " كينج " أن تصل نسبة المصابين بهذا المرض على 42 مليون شخص في العالم بحلول عام 2020م ،ويقومون بدعوة الحكومات للمسارعة بوضع خطة لمواجهة زحف هذا المرض قبل أن يتسبب في كارثة إنسانية لا يمكن السيطرة عليها حيث ستزداد النسبة لتصل إلى 81 مليوناً في العالم بحلول العام 2040 م، ويرجع الأطباء الزيادة المخيفة إلى الكثافة السكانية العالية التي تسود معظم الدول على مستوى العالم وبالأخص الدول النامية، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الأشخاص المعمرين والذين يعانى معظمهم من أمراض متعلقة بالمخ.. أو أمراض نفسية أو عصبية أو وراثية.. وجدير بالذكر أن معدّل الإصابة بهذا المرض في العام تبلغ 360.000 شخص سنويا ، ويصل العدد إلى 150مليون نسمة بحلول العام 2025 كما أنه يصيب 4 ملايين أمريكي منهم 10 % تزيد أعمارهم عن 65 سنة، و50 % تزيد أعمارهم عن 85 عاما .
ويؤدي الزهايمر إلى موت 100.000 شخص سنويا في الولايات المتحدة أما في فرنسا فيصاب 135.000 فرد سنويا ،وأن الإصابة بالمرض تزداد بتجاوز الفرد سن 65 سنة ، وإصابة النساء تفوق إصابة الرجال لطول أعمارهن النسبي مقارنة بالرجال .
ويشكل الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما حوالي 15 % من مجموع سكان بريطانيا ، و22 % من سكان اليابان ، ومعدل الأعمار في العالم في العالم تتزايد نظرا لتطور الرعاية الصحية .
" الزهايمر " يأتي مصاحبا لبعض الأمراض الأخرى مثل : مرض السكّر أو ارتفاع ضغط الدم أو مرض البول السكري أو القلب أو ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم، ويؤكد د. سعيد عبد العظيم أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة و رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي أن "الزهايمر" يصيب الإنسان في السن المتقدمة ويبدأ من 60 إلى 70 عاما غالبا ، وأحيانا يصيب بعض الأشخاص فى سن مبكرة.
أعراض ما قبل الانهيار
توجد لدى المريض أعراض أولية تؤكد على بدء تغلغل الداء إلى مخ المصاب، وتعد هذه التغيرات جوهرية متناقضة في الوقت ذاته ، جوهرية لأنها تتعلق بقدرة المصاب على استغلال ما لديه من مخزون تجارب في الوقت الملائم ، مثل تقدير الخطر، أو الإدراك في الوقت المناسب للخطر واتخاذ الإجراءات الملائمة لتحاشيه،مثلا عند عبور للطريق، حين ترى سيارة على بعد ، تبدأ حسابات عقلية لتقدير المسافة ، وسعة الخطوة حتى تستطيع العبور قبل وصول السيارة لموقعك بوقت كاف ، وحين ترى النار مشتعلة في البيت تدرك الخطر وحجمه ، وتتخذ الإجراء الملائم حسب الأهمية ، إما بالمغادرة للمكان، أو الاتصال بقوات الإطفاء ، أو إنقاذ الصغار قبل الاتصال، وإيقاظ النائمين،هذه بدائل يطرحها المخ لتحاشي الخطر، ولكن المصاب بالزهايمر وخاصة في المراحل المتأخرة لا يدرك ذلك كله.
في البداية يفاجئ المصاب أهله، ومن حوله بعدم القدرة على تذكر أحداث وقعت له قبل مدة قصيرة مع ضعف في أدائه الكلامي لدرجة أنه يصل إلى حالة من الهذيان في بدء الإصابة، وهو ضيف ثقيل يصيب مساحة كبيرة من الذاكرة وقشرة المخ ويؤدي إلى فقدان تدريجي للذاكرة والوظائف اليومية الاعتيادية التي يقوم بها كل فرد منّا، وتتطور الحالة بفقدان التمييز وعدم معرفة الأماكن وزيادة الوساوس و الهلوسة، فتجد أن بعض كبار السن يخرج الواحد منهم من المنزل ولا يتذكر العنوان بسبب حدوث خلل في الذاكرة.
تدهور تدريجي
يبدأ التدهور تدريجيا لتراكم صفائح " الأميلويد بي " في الخلايا العصبية بالمخ ، هذه الصفائح مؤلفة من مواد بروتينية ينتجها الجسم بصورة طبيعية ، ويوجد صنف آخر هو "البيتا الميلويد" التي تتصيد بواكير الأميلويد.
في المخ السليم تتكسر المواد البروتينية ويتضاعف حجمها وتظل على هذه الحالة من الهدم والبناء ، ولكن عندما تتراكم في المخ على شكل صفائح صلبة غير قابلة للذوبان ، تؤدي إلى تلف التعرجات العصبية والألياف وأنابيبها ومحاورها ، يضاف لذلك حدوث انكماش في قشرة المخ وزيادة فجواته وتضخم حجرات المخ ، وتكسر خلايا "قرن آمون " حينها تتأكد إصابة الإنسان بـ " الزهايمر " .
تثبت نتائج التشريح عددا من أعراض المرض منها : تليف وتشابك أنسجة المخ ، والتهاب الصفائح العصبية حيث تظهر بشكل عناقيد داكنة مؤلفة من البروتين والخلايا العصبية التالفة ، كما توجد الكثير من الخلايا العصبية في حالة شيخوخة تتألف من خلايا عصبية ميتة ، .
ورغم تواجد هذه الأعراض توجد تغيرات لدى كبار السن الأصحاء تؤدي إلى الزهايمر منها تلف الخلايا العصبية الذي يؤدي إلى نقص قدراتها في نقل الحثّ العصبي من خلية إلى أخرى ، وبالتالي يؤدي ذلك إلى ضعف أو عدم قدرة ترابط مناطق المخ كي تعمل بصورة مرضية ، وغالبا ما تتأثر ثلاثة أنواع من الخلايا تؤدي إلى الزهايمر وهي :
• استيل كولين ، وهو الأكثر تأثرا .
• السيروتنين .
• التيرو بنفلين .
الزهايمر والأمراض الشبيهة
هناك فارق بين الزهايمر والنسيان والعته، حيث تبدأ رحلة القلق من الناس خشية أن يكون النسيان لديهم هو البدء للزهايمر ، فالكثيرون ينسون بعض الأشياء ، وليس لذلك دلالة تواجد الزهايمر إلا إذا زادت ظاهرة النسيان وصعب القيام بالوظائف الأخرى،ومرض العته أو الخرف الذي يبرز الآن على أثر الشيخوخة ، فيكون نتاجا لتغيرات في وظائف المخ على أثر تصلب الشرايين، أو الجلطات، الأورام ، السكتات المخية أو اضطراب الغدة الدرقية ، أو الإصابة بمرض الزهري المتقدم ، أو على أثر الكحول وسوء التغذية ، وأيضا الانهيار العصبي والإصابة بمرض باركنسون .
أنواع الزهايمر
ينقسم الزهايمر إلى نوعين :
النوع الأول : المبكر ، وأعراضه وتطوره تظهر مبكرة ولا تستغرق وقتا طويلا ، ويصيب المريض من عمر 35 ـ50 عاماَ، ويظهر وراثة لدى بعض الأسر " الزهايمر العائلي " FADالذي ينتقل عن طريق الجينات الوراثية من أحد الوالدين ، تتناقل الصبغيات الوراثية اللاجنسية المورثة ـ وهو قليل الانتشار ، ولا يشكل إلا حوالي 5 ـ 10 % من مجموع المصابين بالزهايمر ، وتتمثل أعراضه في : تكرار نفس العبارات لعدة مرات ـ وتكرار النسيان لمواضع الأشياء ـ وارتباك في تذكّر أسماء الأشياء المعروفة،نسيان طرق وممرات معتادة ـ تغيرات في السلوك الشخصي ـ الكسل وعدم الاهتمام بالأشياء التي كان يألفها من قبل .
النوع الثاني : المتأخر وتظهر أعراضه بصورة، ويصيب الأفراد الكبار نسبيا ، ويصيب كبار السن الذين هم فوق الـ 60 عاما، وأيضا ينتشر في بعض الأسر ويكون تأثير الجينات غير مباشر في حدوث المرض " الزهايمر الفردي AD " وهو الذي لا يحدث بتأثير المورثات بصورة مباشرة، حيث يزيد من احتمالات تكوين الصفائح المتشابكة في الخلايا العصبية ، وهي التي تتسبب في تكون الزهايمر ، وأهم أعراضه هي :تناقص المعرفة بالأحداث الجارية ، ونسيان الأحداث التي وقعت خلال فترات من حياته ، كما يحدث له اضطراب في اختيار الملابس الملائمة ، ويحدث للمصاب إحساس بالكآبة والأوهام والتهيج، وتظهر صعوبات في إنجاز المهام التي يقوم بها غير المصاب ، في نفس الفترة العمرية مثل : تحضير الطعام ،و قيادة السيارات والتعامل المالي ، وضعف بعض الحواس .
أسباب غير محدّدة
لا يذكر المتخصصون أسبابا محددة تؤدي إلى الإصابة بالمرض، ولكن هناك معطيات تلازم الإصابة تم اكتشافها عقب التشريح مثل : تراكم كميات كبيرة من العناصر الثقيلة في المخ ، كالألمنيوم في منطقة " قرن آمون " المخّية علاوة على وجود كثافة من بعض العناصر كالزئبق، والرصاص مما يؤدي إلى حدوث تقلص مستمر، حيث قام المتخصصون بتشريح المخ لعدد ممن الذين لقوا حتفهم على أثر التأكد من الإصابة بالزهايمر، فوجدت تركيزات كبيرة من الألمونيوم تصل لأربعة أضعاف وجودها الطبيعي في خلايا المخ بصورة طبيعية .
ويشير المتخصصون إلى أن سوء التغذية يؤثر على المخ وينعكس سلبا على أدائه الوظيفي , فالمخ يعمل أثناء اليقظة وأثناء النوم ويستهلك طاقة الجسم رغم قلة وزنه وتتركز مغذيات المخ التي تساعد على صفاء الذهن وحسن التركيز والتذكر الجيد في الأحماض الدهنية غير المشبعة " أو ميجا 3 " وتوجد في بعض الزيوت والأسماك التي تحافظ على سلامة الأعصاب والمكسرات أيضا والأحماض الروتينية " تبروزين " وهى تساعد على التركيز أثناء التوتر النفسي وتتوافر في الفول السوداني واللوز وفيتامين " ب المركب " وبه مادة " كولين " وهى مادة موصلة للإشارات العصبية مهمة جدا في عملية التذكرة.
أسباب محتملة
وطول فترة مشاهدة التلفزيون لها أثر كبير في الإصابة بالمرض إضافة لسوء التغذية ، وعدم تناول مركبات فيتامينB ولاسيما B12 والزنك يتم تركيز الزئبق السام في المخ لدخوله في صناعة حشوات الأسنان، وكل ذلك يؤدي إلى اضطراب عمل جهاز المناعة في الجسم ، وضمور خلايا الجسم بتقدم العمر ، والبدانة ، وتدني الصحة العامة لدى الأطفال .
لقد تم الإعلان في الاجتماع السنوي لطب الأعصاب في سانتياجو أن ارتفاع نسبة الكوليسترول يؤدي بالضرورة إلى زيادة لإنتاج صفائح البيتا أميلويد المسببة لمرض الزهايمر .و تبين أن هناك جينات متوارثة تزيد من احتمالات الإصابة بـ " الزهايمر "بين أفراد العائلة الواحدة، وتتناقل من جيل لأخر .
الوقاية والعلاج
الزهايمر لم يوجد له علاج حاسم للآن ، إلا أن الأبحاث في هذا المجال تتقدم من عام لآخر. كم أثبتت الأبحاث أن العناية بالمريض و الوقوف بجانبه تؤدي إلي أفضل النتائج مع الأدوية المتاحة.وإن كان الكثيرون قد اكتشفوا وسائل غذائية ، ودوائية " تؤخر " النهاية المأساوية ، على سبيل المثال اكتشف الباحثون في" مركز سانت لوك الطبي " أمريكا بعد متابعة شريحة مكوّنة من 815 فردا فوق الستين من أعمارهم ، ولمدة أربع سنوات أن 131 منهم قد أصيبوا بالمرض ، وأن الزيوت غير المهدرجة التي توجد في الخضروات تساهم لحد كبير في الوقاية من الإصابة بالمرض والعكس صحيح بالنسبة لم استهلكوا زيوتا ودهونا مشبعة والتي توجد في اللحوم ، ومنتجات الألبان .
وأكدت بعض البحوث المشروبات تساعد على زيادة التركيز وعملية الاستذكار منها اللبن ويشمل كل مغذيات المخ, والموز وهو غنى بالبوتاسيوم و" التيروزين" و " التمر " لأنه غنى بالسكريات والماغنسيوم والبوتاسيوم وكذلك "البليلة " التي تحتوى على جنين القمح الغني بفيتامين " ب B " والكالسيوم والفوسفور والبوتاسيوم وأيضا توجد عصائر مغذية للمخ منها عصير القصب والجزر والبرتقال والمانجو.
كما أشارت الدورية العلمية التي يصدرها المركز القومي للبحوث في مصر برئاسة هاني الناظر أن المكرونة تمد المخ بالطاقة بصورة منتظمة فهي ليست كالسكريات السريعة الامتصاص التي تعطى الخليات العصبية " دفعة " واحدة من الطاقة ثم ينتهي تأثيرها بعد ذلك والمكرونة من المواد الكربوهيدراتية ذات المصادر الغذائية القمح التي تقوى الجهاز العصبي خصوصا عندما يحدث خلل في تركيز السكر في الدم ومن الأغذية الأخرى التقى أشارت إليها الدورية العلمية التي تساهم في تنشيط العقل منها " اللحوم الحمراء " التي تغذى المخ بالحديد والأوكسجين والزيوت النباتية غير المشبعة كزيت فول الصويا فإنها تحافظ على بنية الخلايا العصبية وتحميها من التلف لما تحتويه هذه الزيوت من أحماض دهنية أساسية وفيتامين وكذلك فاكهة الموسم والخضروات الطازجة أو المجمدة لأنها تنشط الخلايا العصبية وتحافظ على حيويتها نظرا لما تحتويه من فيتامينات أهمها فيتامين " ج C" الذي يساعد على إتمام عملية نقل الرسائل بين الخلايا العصبية .
وذكر باحثون من بريطانيا أنهم توصلوا إلى مركب كيميائي كفيل بالقضاء على البروتينيات التي تتراكم في المخ وتؤدي إلى الإصابة بالزهايمر من النوع الثاني الذي يصيب الكبار بصفة خاصة . وذكر الباحث " مارك بايبس " وفريق عمل يعمل بدأب معه في "يونيفرستي كوليج " في المملكة المتحدة أنهم توصلوا في مقال ورد في مجلة "نيتشر" العلمية أنهم سيبدأون تجربة مركب علاجي على بعض مصابي الزهايمر .
ويبقى الأمل قائما
ويظل الأمل قائما بين وسائل الوقاية ومقتضيات العلاج ، فلا يتصور إنسان أنه سيصاب بخرف الشيخوخة ، الذي يتحول على أثره إلى إنسان غير قادر على أن يساعد نفسه في أبسط خيارات الحياة حين يرد إلى "أرذل العمر" نسأل الله السلامة .
ــــــــــــــــــــ(42/104)
العلاقات بين الأجيال ..تواصل أم صراع؟!
ماري يعقوب
كثيرا ما يوجه اللوم للجيل الحاضر من الشباب ويتهم بالعناد والغرور وعدم التماسك، وفقدان الانتماء، والإحساس باللا مبالاة.. وكثيرا ما تنطبق هذه الأوصاف التي يطلقها حكماء الجيل السابق على شباب الجيل اللاحق.. ونجد هذه الصيحات تتكرر وتتجدد بتجدد الأجيال..
اللافت للنظر ان الكثيرين من شباب هذا الجيل يعاني من الاغتراب وفقد القدوة. وهي ظاهرة خطيرة تستدعي الدراسة في ضوء علاقات الأجيال، وما يسفر عنها من تواصل أو صراع ... ولهذا نطرح هذه القضية للخبراء والمتخصصين من علماء النفس والاجتماع .. الذين أجمعوا على أن الفروق بين الأجيال أمر لا يحتاج إلى جدال ، كما أن الصراع بين الأجيال يرتبط ارتباطا وثيقا بالمجتمع ذي القسمات الواضحة ، كما أن الصفات المجتمعية من عادات وتقاليد وقيم ومعتقدات، من سماتها الانتقال بين الأجيال المختلفة في المجتمع الواحد إذا ما ظل في حالة استاتيكية..
توارث الأجيال
تعاقب الأجيال أمر طبيعي في مسيرة الزمن .. هذا ما يقدم به حديثه الدكتور حسن الساعاتي رئيس قسم الاجتماع الأسبق بجامعة عين شمس ... فيقول إن الأجيال تتتالي، والسلف يورث الخلف عاداته وتقاليده ومعتقداته وقيمه.
يزيد عليها الخلف ثم يورثها بدوره لمن يصيرون خلفا له.
هكذا تورث الأجيال بعضها البعض ثقافة المجتمع ، وكل ما هو سائد من الماديات والمعنويات .. والمفروض أن الجيل السابق أكثر حكمة من الجيل اللاحق ، وربما أكثر علما، ولكن في بعض الأجيال يأتي في جيل الخلف من هم أعظم شأنا وأوفر علما، وأسعد حظا من جيل السلف، وذلك بطبيعة الحال يتوقف على ما يناله كل من جيلي السلف والخلف من فرص الحياة.
يستطرد دكتور "الساعاتي" قائلا: إنه ما قورن جيل السلف بجيل الخلف فإن بعض المفكرين يجدون أن الجيل السابق أكثر حكمة بينما أبناؤهم أشد قوة ولذلك قال الحكيم.
"لو كان للشيوخ قوة، ولو كان للشباب معرفة" .
وكل جيل ينظر للأيام السابقة عليه على أنها أسعد حالا من حاضره، والواقع أنه في كثير من الأحيان فإن أيام العصر الحاضر تكون أفضل بكثير من أيام العصر الماضي وذلك نظرا لانتشار التعليم المعرفة، وكثرة الخبرات، والكشوف والمخترعات المتعددة .
أما عن العلاقات بين الأجيال فيقول د. الساعاتي: في الماضي كان الجيل الصغير يحترم الأكبر، أما الآن فالملاحظ أن هذا الاحترام بدا يختفي، فقلما نجد أبناء يحترمون آباءهم كما كان في سالف الأيام، وبالتالي فالوضع نفسه انعكس على العلاقات في المدرسة بين الطلاب وأساتذتهم ورحم الله من قال:
قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
هذا ما نراه أيضا في علاقة الأبناء بالأجداد. فالملاحظ أن التجاهل متبادل بينهم في الغالب ومع الأسف نجد الجيل الكبير مشغولا بقضاياه المتعددة ونلحظ إهماله الشديد للجيل الصغير الناشئ.
لا ينطبق هذا على علاقة الأجداد بالأحفاد فقط ولكن هو في الغالب نمط العلاقة السائدة بين الوالدين والأبناء. وهم يتعللون بانشغالهم بالسعي وراء الرزق لكي يوفروا لأبنائهم المعيشة المتوسطة ولا أقول المعيشة الكريمة!!
جو ديمقراطي ولا حرمان
الدكتور حسن الساعاتي جد لثلاثة أحفاد ويتحدث عن تجربته الشخصية مع أبنائه وأحفاده "أي جيلين لاحقين" يقول:.. طريقتي في تربية أبنائي ثم أحفادي لم تختلف كثيرا، فهناك واجب حتمي علي تجاههم وهو أن أوفر لهم المعلومات وسبل المعرفة، كما أن جو العلاقات بيننا "الأجيال الثلاثة" هو جو ديمقراطي، النقاش هو الأساس في كل قرار والحوار المغلف بالمحبة، كما أنني أجزل الثقة فيهم بحيث تسود بيننا المحبة، فلا يفكر أحد منا أن يكون السبب في أي ضيق لأي فرد من العائلة وهذا ما يجب أن يسود بين الأجيال..
كما يجب ألا نلجأ إلى التخويف في توجيه الأبناء فاستخدام القوة في تأديب الطفل وفرض الانضباط عليه وسيلة غير ناجحة وتأتي بنتائج عكسية.. وهو أسلوب يمكن أن يولد "فردا" خائفا يغالي في احترام المحيطين به أو على العكس تماما تنتج فردا دائم الثورة والاعتراض، كاذبا ومستعدا للمقاومة بأي شكل من الأشكال. وفي كلتا الحالتين لن يكون لدى الطفل شعور طبيعي نابع من داخله يدفعه لأن يسلك سلوكا مهذبا وأن يتعاون مع المحيطين به.
* كما أنني مع أبنائي أحاول دائما ألا أشعرهم بأي حرمان، وإذا ما تجاوزت طلباتهم استطاعتي فإنني أوضح لهم الموقف بهدوء تام.. كما أقوم بواجبي خير قيام كي يقوم كل منهم بواجبه..
** ولكن ما ألاحظه في أحفادي هو اتساع اهتماماتهم أكثر من أبنائي حين كانوا في سنهم. يمثل أحفادي جيل سرعة الاتصالات، كما أن رقعة الصداقة بين الشباب اتسعت أكثر من الجبل السابق، وهنا أنا أتعامل مع أحفادي بصداقة وحب وأرحب دائما بوجود أصدقائهم بيننا "من الجنسين" وهذا كي تصبح الرقابة غير ملموسة ولا محسوسة للجيل الصغير.. ونحن عائلة تسود الصراحة المطلقة بين أفرادها من الأجيال الثلاثة.
على سبيل المثال كل منا يصارح الآخر بوقت ومكان خروجه وموعد عودته وخط سيره ، ولكن بشكل غير ديكتاتوري.
من هنا نشأت ونمت بيننا المصالح والخدمات المتبادلة.
اختلاف الإيقاع
ولعلم النفس رأي آخر يقدمه لنا الأستاذ الدكتور عبد المنعم عاشور أستاذ الصحة النفسية ورئيس قسم طب المسنين بطب عين شمس يقول.. ما دامت هناك أجيال فإيقاع الحياة هو المختلف، وقد كان هذا الإيقاع قديما بطيئا لدرجة أن عدة أجيال كانت تشترك في كل شيء، المعلومات والأنشطة إلخ. وهذا ما يجسده لنا عهد مثل عهد رمسيس الثاني، فعندما يكون الإيقاع بطيئا حينئذ يتم التواصل بين الأجيال في سهولة ويسر، أما سرعة الإيقاع وهي ما يجسده القرن العشرون فتجعل الفروق بين الأجيال كبيرة. .
فمثلا في الوقت الحالي، انعكس كم التقدم الهائل على القيم السائدة نتيجة صعوبة التواصل.. لذلك فالأمر يتطلب، نوعا من الحكمة، وما يحدث حاليا من صيغة صحية لتعايش الأجيال هو تبادل الاعتماد بحيث لا يعتمد جيل على نفسه فقط، فالجيل القديم أي "جيل الأجداد" يقدم الحكمة، والجيل المتوسط أي "جيل الآباء" يقدم العمل، والجيل الجديد "الأبناء" يقدم التكنولوجيا.. هنا يحدث النجاح بدل الفجوة والتضارب والصراع. ذلك لأن لكل جيل قيما وسلبيات.
فمن قيم الأجيال القديمة المثابرة والصدق مع النفس والإحساس بقيمة العمل.. بينما الإيجابية والطموح وإطلاق الخيال الحر أو الشطح وراء الأحلام من سمات الأجيال الجديدة. هذا في مقابل الجمود والاستكانة والتقليدية التي يغرق فيها الجيل القديم. وتعتبر من السلبيات. بينما الجيل الجديد أكثر عدوانية وخيالية..
ولكي يتم هذا التفاعل يجب أن تجد هذه الأجيال ميادين للعمل المشترك.
أما الصيغة التي يقترحها د. عاشور لإعادة التواصل المفقود بين الأجيال فهي القرب الجغرافي أو القرب العاطفي مع الانفصال الجسدي كنظام الحارة قديما حيث ينفصل الزوجان في السكن عن الأبوين ولكن يسكنان بالقرب منهما.
والشكل الثاني نجده في النوادي وبيوت المسنين. فحيثما يجتمع الناس يتواصل الحوار ويحدث التقارب، والتواصل هو أحدي دعوات الصحة النفسية لجميع الأعمار، وبالطبع كل جيل يميل لإثبات وجوده. ولكن سرعة تقدم المجتمع هي التي يحدث معها العزل الإجباري، أي أن العزلة تأتي مع تصميم وتحديث المجتمع الحديث الذي ينتفي فيه وضع أي اعتبارات لوجود الكبار "الأجداد". ونحن ننادي بحفظ اعتبار وحقوق الكبار"المسنين" عند إنشاء أي مجتمع حديث سواء في وسائل المواصلات أو تصميم مطالع ومنازل أرصفة الشوارع أو في المكتبات العامة إلخ، وذلك حتى يتواصل جيل الشيوخ مع جيل الشباب وتسود اللياقة النفسية، فالعزلة تشعر الفرد بالاغتراب وهذا هو بداية الاضطراب النفسي سواء الاتجاه الاكتئابي أو الفصامي أو اللجوء للمخدرات كوسيلة هروبية أو دفاعية.
المساندة العاطفية
وعن الفائدة المرجوة من التواصل بين جيلي الأحفاد والأجداد يقول د.عبد المنعم عاشور: فضلا عن نقل الخبرة العقلية هناك المساندة العاطفية التي يبثها الأجداد لأحفادهم الأطفال أو الشباب والتي تجعل منهم الملاذ بالنسبة للطفل عندما يفتقد أبويه أو عندما يتعذر التفاهم بينهم خاصة عندما يكون المسنون من الأجداد لديهم القدرة على العطاء وفي صحة جيدة فهم يفضلون أن يقوموا بدور الحضانة بالنسبة لأحفادهم.. وهذا منطقي إذا ما قلنا إن الصغار في مرحلة التكوين النفسي والتأمين العمري بينما "الجد" قد أمن مستقبله ويجب أن يذهب مجهوده للعطاء.
كما أن هذا من شأنه أن يجعل هناك حوارا دائما بين الأجيال وهذا من متطلبات ومصلحة المجتمع.
صراع مجتمعات لا أفراد
رأي آخر في علاقة الأجيال يطرحه الأستاذ علي فهمي الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية من منظور الصراع بين الأجيال فيقول إن هذا الموضوع يتردد في الأدبيات الغربية عادة ولم يتردد إلا حديثا في بعض الأدبيات العربية ولعل السبب في ذلك أن الغرب قد تحددت قسماته طبقيا، وحتى بين الفئات العمرية، بينما في العالم العربي لا تزال الأمور غائمة..
وقد كانت للمجتمع العربي طبيعة استاتيكية مستقرة لا تتغير سريعا ولا تتغير كثيرا وكانت أطر التنشئة العائلية المغلفة بالثقافة الدينية التقليدية تسمح بالثبات بين الأجيال لا بالصراع، ولم تكن هناك فروق ظاهرة من جيل إلى آخر، واستمرت الأوضاع على هذا النحو حتى أوائل هذا القرن. بيد أن التغيرات التي حدثت على الخارطة العربية عقب الحرب العالمية الثانية تحديدا هي تغيرات فارقة، منها على سبيل المثال..
سعي الأقطار العربية نحو الاستقلال وتحقيقه إما بالكفاح المسلح أو بالمفاوضات أي بمعنى آخر، تشكلت صورة وطنية في هذه الأقطار العربية.
زرع الكيان الصهيوني الاستيطاني في المنطقة العربية بما أدى إلى تداعيات كثيرة لا نزال نعاني منها حتى اليوم.
ظهور النفط على نحو غير مسبوق في التاريخ في بعض الأقطار العربية وهذه الأقطار النفطية قليلة السكان بينما الأقطار العربية الأخرى كثافتها السكانية مرتفعة.. الأمر الذي قسم على نحوه الأقطار العربية إلى أقطار غنية، كثافة السكان بها منخفضة، وأخرى فقيرة كثافة السكان بها مرتفعة مما أدى إلى هجرة واسعة إلى الأقطار النفطية اتسمت بعدم التخطيط، كما أن للنفط آثارا جانبية كثيرة منها ترسيخ الميل المحموم إلى الاستهلاك وظهور التعالي في صفوف بعض الأثرياء على حساب الانكسار في صفوف العاملين المهاجرين.
اتساع رقعة التعليم العالي والجامعي وهو تعليم علماني مهما قيل في ضعف مستواه وهذا النوع من التعليم يثير ويستحث العقل.
كما أن الثورة في عالم الاتصال والمواصلات جعلت العرب في مقارنة بين أحوالهم من جهة وأحوال العالم المتقدم من جهة أخرى
نتيجة للإهمال الطويل للريف والبوادي فإن هجرة واسعة غير مخططة قد جرت من الريف والبوادي إلى المدن العربية وهي غير مستعدة بمرافقها لاستقبال هذه الهجرات. الأمر الذي ترتب عليه ترهل المدينة العربية وازدياد مشاكلها وإفقار الريف العربي من العناصر الفلاحية.
** كل هذه الأسباب جعلت الصراع حتميا لا بين الأجيال فحسب، بل بين الطبقات أيضا، بل نزعم أن الصراع الطبقي أشد حيرة ولو أنه يقاوم مقاومة شديدة، أما الصراع بين الأجيال فقد خرج عن دائرة الرقابة الأسرية وخرج عن دائرة التوجيه في المدرسة، ونزعم أن الأسرة العربية قد اعتراها تفكك غريب خاصة بعد إدخال التليفزيون والفيديو، فكل فرد من أفراد الأسرة في واديه أيا كان الجيل الذي ينتمي إليه، وهذا في حد ذاته أمر بالغ الخطورة، إذ إن الخلافات - سواء التي ترجع إلى الفروق العمرية أو إلى الأجيال أو حتى الخلافات بين أفراد الجيل الواحد - لم تعد تناقش كما كانت في الماضي، وإذا نوقشت فهي لا تناقش في أحضان الأسرة، بل قد تناقش في الشلة والمقاهي والحانات.
هل تفكك عقد الأسرة؟
ونزعم أن عقد الأسرة العربية قد تفكك، ومن هنا فلا نعجب من انتشار وتعاطي المخدرات وإدمانها بشكل غير مسبوق. كما نزعم أن المرض العقلي والنفسي أكثر انتشارا مما نتصوره، ومن هنا فإن المسالة لا تغدو فقط في إطار الصراع التقليدي بين الأجيال في الأسرة العربية المعاصرة، بل إن الأسرة نفسها تعاني.. فإذا أضفنا إلى ذلك العوامل الاقتصادية والإسكانية المتردية في بعض الأقطار العربية، تضاعفت قتامة الصورة ولذلك فإن استعارة التفسيرات التقليدية من الغرب لا تصلح لتفسير الظواهر في مجتمعاتنا العربية.
ومن ناحية أخرى فإن نمط الأسرة الممتدة التي يحيا بها أكثر من جيل وهن وقل نطاقة، وبدأ يظهر نوع جديد من الأسرة ليست نووية، وليست ممتدة.
وقد حدث ذلك في بعض الأحيان بدافع من نزول المرأة إلى سوق العمل. فهي عندما تسكن مع زوجها وأولادها فهي أسرة نووية بالليل فقط، أما بالنهار فيمكن أن ترسل أطفالها إلى الأم أو الحياة وهنا تبدأ وظائف الأسرة النووية تتم أيضا في العطلات والأعياد.. أما شكل الأسرة الحالي فهو نمط هجين بين النووية والممتدة. وهذا النمط جدير بالدراسة، لأنه قد يؤثر على صراع الأجيال سالبا أو موجبا.
أما بالنسبة للأجيال الجديدة فمن المفترض أن تكون أكثر ثقافة، وأكثر علمية، وأكثر تعقلا من الأجيال القديمة، ولكن ما حدث في العالم العربي عكس ذلك تماما!! ذلك لأن أجيال الآباء والأجداد منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى الخمسينيات من هذا القرن كانت تتمتع بسمات معينة منها الحرية النسبية للمثقف وللمفكر وحرية الصحافة، والحرية السياسية، وحرية الاعتقاد، أي نوع من المناخ الليبرالي والدستوري والقانوني. إنما الملاحظ أن الخط البياني للحريات العامة والفكرية قد تقلص منذ عهد الاستقلال الوطني لهذه الأقطار. مما أثر بالتالي على علاقة الأجيال.
ــــــــــــــــــــ(42/105)
دور القراءة في حياتنا الاجتماعية المعاصرة
بسام بركة
نشأت الكتابة والقراءة نتيجة حاجات شعرت بها الشعوب القديمة. فإذا تطلعنا إلى تاريخ هاتين الظاهرتين وتطورهما عبر الأزمنة لوجدنا أن الإنسان كتب وقرأ لتلبية حاجات تتعلق بالمعتقدات الدينية والحياة بعد الموت, كما فعل الفراعنة عندما بنوا الأهرام ودونوا الكتابات الهيروغليفية التي تكرس لهم الحياة بعد مماتهم, أو لأسباب تجارية (كما عند الفينيقيين), أو من أجل تسجيل القوانين والقرارات الصادرة عن الحكام والملوك (كما نجد عند حمورابي والرومان), أو لتدوين المساجلات الفكرية والمعارف الفلسفية (كما عند اليونان), أو في سبيل العبادة وتدوين الشرائع السماوية, مثلما حصل عند اليهود والمسيحيين والمسلمين. لكن القراءة (والكتابة معها) لم تكن شائعة بين الناس, بل كانت حكرا على عدد قليل منهم, وكانت في بعض الأحيان مهنة تتداولها طبقة من المجتمع, أو سراً يتناقله الكهنة ورجال الدين فيما بينهم. لذلك, ليس من الغريب أن نجد في التاريخ القديم بين الأباطرة والملوك من لا يعرف القراءة والكتابة.
أما اليوم, فإن القراءة وإن كانت لا تزال تتناول كل الأمور التي ذكرناها, إلا أنها تهتم فوق ذلك بأمور أقل أهمية, وعادية بل وأحيانا تافهة. ذلك لأن فعل القراءة بات اليوم شائعا بين معظم الناس وأصبحت الأمية آفة يجب على كل مجتمع أن يحاربها. فالإنسان المعاصر يقرأ الأخبار, ويقرأ الكلمات المتقاطعة, ويقرأ الدعايات والإعلانات على قارعتي الطريق, ويقرأ غيرها من النصوص والعبارات التي تحيط به أو تصاحب كل لحظة من لحظات حياته اليومية, كما يقرأ كذلك أسمى الكتب وأرفعها, (القرآن الكريم), ويقرأ الأدب الرفيع, والكتب العلمية والفكرية وغيرها.
القراءة والعبادة
لاشك في أن القراءة كانت ولا تزال عملية عبادة. كل إنسان مؤمن يقرأ في الكتاب الذي هو عماد دينه وأساس صلاته. فالمسلم مثلا لا يقرأ القرآن الكريم ليطلع على أمور دينه فحسب, أو ليقيم الصلاة ويؤدي الشعائر المطلوبة منه فقط, بل إنه يقوم بقراءة الكتاب المنزل عبادة لله سبحانه وتعالى وتقربا منه ومن رسوله الكريم.
وهناك كذلك من يقرأ ليستطلع الأمور ويعرف مكنونات العالم. ويقع هذا النوع من القراءة في درجات. يقرأ الناس للمعرفة والاطلاع على ما يجري في البلد وفي العالم. وهؤلاء هم قراء الجرائد. فالجريدة تقع في مرحلة وسطى بين الكتاب والبيان الرسمي أو العلمي. الكتاب متخصص يبحث في موضوع معين ويتوجه لقاريء معين ويتصف إجمالا بأنه أكثر عمقاً. في حين أن الصحيفة تتوجه إلى شريحة أكبر من جمهور القراء, وتقدم مواضيع أقل عمقا وأشمل وأكثر تنوعا مما يقدمه الكتاب.
وهناك أيضا من يقرأ للذة القراءة. يتحدث المفكر الفرنسي المعروف (رولان بارت) عن نوعين من التعامل مع النص في هذا المجال. قد يجد القاريء اللذة والمتعة فيما يقرأه. وهذا هو النوع الأول من التعامل. أما النوع الثاني, فهو أن يجد القاريء في القراءة وسيلة يبتعد فيها عن الواقع الذي يعيش فيه ليتعرف عالم الممكنات. لذة القراءة عند بارت هي نوع من الغيبوبة. فهو يشبه تعامل القاريء مع النص الذي يقرأه بالعلاقة بين الرجل والمرأة. والحقيقة أننا لا نحتاج إلى كثير من البحث لنجد زوجة تغار (بكل معنى الكلمة) من الكتاب الذي يشد زوجها ويشغله عنها. إنها تكتشف بحدسها وبحسها الأنثوي المعروف أن زوجها يجد في قراءة الكتب متعة قد تصرفه عن المتعة التي يجدها معها, لفترة من الوقت قد تطول وقد تقصر.
واللذة هنا تعني أن القراءة لا تبغي أكثر من ذاتها, أنا أقرأ قصيدة للمتنبي لا لأتعلم أو لاستطلع الأخبار بل لمجرد المتعة الذاتية. وأكون في هذه الحالة مشاركا في النص لا متلقيا سلبيا .
فن العيش
ولابد لنا هنا من التوقف عند ارتباط القراءة بحياة الإنسان المعاصر. فقد اتفق العديد من المفكرين المعاصرين أن المجتمع البشري لم يعد يستطيع العيش من دون الكتابة والقراءة. فالمفكر والروائي الفرنسي المعروف, فيليب سولرز, يقول مثلاً: (لا يمكن أن نكتب إلا إذا كنا نعرف أن نقرأ, لكن لمعرفة القراءة يجب أن نعرف كيف نعيش. القراءة هي فن الحياة الرائع). لذلك نجد أن الحكومات العسكرية المستبدة والأنظمة الديكتاتورية لا تنظر بعين الرضى إلى المتعلمين والمثقفين من أبناء الشعب. وهي تفضل لو أنهم كانوا كلهم أميين جهلة. ذلك أن من يعرف القراءة, بكل ما تتطلبه من وعي وإدراك, يملك القدرة على امتلاك الحاضر ووعي الواقع والتطلع إلى المستقبل. فالقراءة هي تماما (فن اليقظة والحذر) وهي فعل امتلاك وحضور فاعل. يقول الشاعر والناقد الأمريكي (باوند): (يجب أن نقرأ لنزيد من قوتنا. كل قاريء لابد أن يكون رجلا ديناميكيا مفعما بالحياة. والكتاب إنما هو دائرة نور تقبع بين يديه).
إن أول كلمة قالها الملك للرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) هي (اقرأ). وكررها ثلاث مرات قبل أن ينصاع المصطفى للأمر الإلهي. فأول خطاب وجه إلى رسول الله كان أمراً بالقراءة وحديثاً عن القلم والعلم. وتضمن كذلك معاني تدل على أن الله هو الذي يجعل الرسول قادرا على القراءة, وأنه هو الذي يهبه العلم, وأن الوحي إنما هو خطاب إلهي يرتبط بالذات الإلهية لا بسائر الكتب الوضعية. فالله هو الذي ينزل الوحي ويهب الإيمان والهدى والمعرفة , وهذه العبارة الأولى هي في الواقع أساس الدين ومنطلق الإيمان , وهي تؤسس لعلاقة جذرية متعددة المستويات بين المسلم والخطاب القرآني, بمعنى أن كل مؤمن لابد أن يقرأ الكتاب الكريم حتى تستوي العلاقة بينه وبين الله, وبينه وبين الرسول, وبينه وبين المسلمين أجمعين. بكلمة مختصرة, عندما أقرأ أدخل في جملة من العلاقات والروابط مع الخالق والمخلوقات.
ولو عدنا إلى النظرية الحديثة في عملية القراءة لوجدنا أنها (تذكر): أى أنه إذا كان الإنسان يقرأ لاكتشاف أشياء جديدة, فإنه كذلك ـ وعلى الأخص ـ يقرأ ليتذكر ما قرأه في مناسبات أخرى. فالقراءة تقع ضمن شبكة من العلاقات التي تصل بين النص المقروء وكل الخطابات التي كتبت من قبل. لدرجة أن بعض المفكرين رأوا أن الكتاب الواحد لا يمكن أن يفهم كل الفهم إذا لم يستجمع قارئه في ذاكرته كل ما قرأه من قبل. فيقع الكتاب بذلك في سلسلة من التداعيات الخفية التي تربط بين الفقرة والأخرى ضمن الكتاب الواحد وبين هذا الكتاب والكتب الأخرى كلها, كما يرتبط الحرف بالكلمة والكلمة بالجملة. ويذهب (رولان بارت) إلى أبعد من ذلك فيضع الكتاب في محور تلتقي فيه كل مفاصل الحياة البشرية. فهو يقول إن النص نقطة تشابك بين الذاكرة الاجتماعية (الخاصة بمجتمع معين) والذاكرة الفردية (الخاصة بشخص ما) والتجارب الإنسانية (التي يشترك بها الناس أجمعون). ونستطيع في بداية هذا القرن أن نقول: قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت, وقل لي ماذا ترفض أن تقرأ أقل لك كذلك من تكون.
أخيراً, هناك من يقرأ ليبني المستقبل, ليخرج من إطار المادة ومن سجن أشكالها الملموسة, في سبيل الدخول في ميادين استشراف المستقبل والتحضير لملاقاته واستقبال مستجداته.
ولاشك في أن وسائل الإعلام الحديثة قد غيرت في عادات القراءة. فالبرامج التلفزيونية, مثلا يمكن أن تنقل معظم المعارف التي ينقلها الكتاب. فهي تستعمل الصورة وبإمكانها أن تستعمل الحرف المكتوب كذلك, وهي تستعمل الصوت. ولكن البرنامج التلفزيوني يخضع لعالم المكان والزمان. فلا يمكن مشاهدة التلفزيون في أي مكان كان, ولا في أي لحظة. وهذه عوائق لا نجدها في الكتاب. إلا أن التلفزيون أقرب إلى فهم المشاهد وقلبه. فالبرنامج التلفزيوني يخاطب العين والقلب والأذن قبل أن يخاطب العقل, وهو يخاطب لغة الحواس (النظر والسمع) قبل أن يلج إلى الفكر. لذلك نجد أن الإقبال على التلفزيون يتأتى من هذه السهولة في دخول عالمه. أما الكتاب فإنه يستعمل الرموز المكتوبة, وهي رموز تجريدية تتطلب من القاريء شيئاً من الجهد والمشاركة. يقول المفكر الإيطالي (أمبرتو إيكو): القراءة عملية تتطلب جهدا خاصا فالنص المكتوب (آلة كسولة تتطلب من القاريء جهدا كبيرا وتعاونا متواصلا لملء الفراغات ولجلب التذكرات الموجودة في النص).
بذلك نصل إلى تحديد مفهومين رئيسين: الأول هو تعدد القراءة. كل نص أدبي يتضمن امكانية القراءة المتعددة, أي إمكانية أن يقرأ وأن يفهم بطرق مختلفة باختلاف القاريء وزمانه. والمفهوم الثاني وهو نتيجة للأول: كل قراءة إعادة للكتابة. ويكون بذلك القاريء والكاتب شريكين متوازيين في إبداع النص وبناء دلالته وتفتيق خيالاته.
وكثيراً ما نسمع من حولنا أن التلفزيون هو السبب في تدني مستوى التعليم في بلادنا عما كان عليه منذ عشرين سنة أو أكثر. الحقيقة أن هذا الوضع لا يخص الطفل أو الإنسان العربي وحده. إنها ظاهرة معروفة في أوربا وأمريكا حيث يصيح الأهالي والمسئولون التربويون قائلين إن أولادهم يخرجون من الصفوف الابتدائية وحتى التكميلية وهم شبه أميين.
إلا أننا لا نستطيع القول إن شباب اليوم يعرفون أقل من شباب بداية القرن. هذا خطأ, فالمعارف والعلوم تصل اليوم إلى الأجيال بطرق عديدة. فبالإضافة إلى الكتاب الذي كان وسيلة المعرفة الوحيدة عند أجدادنا, هناك الجرائد والمجلات المصورة والراديو والتلفزيون والفيديو وما شاكل. وكلها سهلة المنال في هذه الأيام.
لكن السؤال الأهم الذي يشغل بال الناس في أيامنا هذه: هل يؤثر انتشار التلفزيون ووسائل الإعلام الحديثة على القراءة والقراء? الجواب من دون شك إيجابي, التلفزيون يؤثر, ولكن هذا التأثير ليس سلبيا تماما. يؤثر سلبا عندما يجلس الطفل أو التلميذ لمشاهدة البرنامج التلفزيوني بدلا من أن يذاكر ويدرس. ويؤثر سلبا عندما يلتفت الشاب أو الفتاة عن مطالعة كتاب فكري جدي لمشاهدة مسلسل غرامي أو بوليسي.
ولكن ضرر التلفزيون الأكيد يكمن في أن بعض برامجه تخاطب القلب أكثر مما تخاطب العقل, أو تقدم الحياة للمتفرج الصغير على أنها حياة سهلة جدا أو حياة مليئة بالعنف والتسلط والصراعات. وهو يعود الجيل الناشيء السهولة في الوصول إلى المعرفة, أعني بذلك الاكتفاء بالمشاهدة والتلقي بدلا من العمل والغوص بعيدا في المجرد.
تأمين التواصل
إن وسائل الإعلام الحديثة, وعلى الأخص التلفزيون, وسائل تخاطب الأحاسيس وتستعمل الصور والأضواء التي بطبيعتها تزول فوراً بعد استعمالها. أمام هذا الوقع لابد للقراءة من أن تضطلع بدور رئيس. فقد كان للكتابة وللقراءة ـ عبر تاريخ البشرية ـ أثر كبير في تأمين التواصل بين الأجيال بواسطة نصوص مكتوبة تخترق المكان والزمان. وهذا ما أدى إلى تطور أنماط الحياة البشرية والأنظمة الاجتماعية. والمستقبل للقراءة, لأن اللغة, بما تتضمنه من كلام شفهي أو مكتوب, ستبقى الوسيلة المثلى لتطور الإنسان وتقدمه, كما كانت في السابق الوسيلة الرئيسة لخروجه من حالة الجمود الذهني والنفسي التي كان فيها.
فعلى صعيد التكوين الجسدي, تطلبت القراءة والكتابة من الكائن البشري أن ينسق بين العين والعقل, وبين الأذن الداخلية والصوت الداخلي (القراءة الصامتة), وأصبح الشيء المكتوب الحسي يتطلب نوعاً من التجريد الفكري لم يكن مطلوباً من الإنسان قبل ذلك. كذلك, تطلبت القراءة استعمال الذاكرة التي تقرن بالرموز المكتوبة.
أما الكتابة فهي تتطلب جسدياً نوعا من المهارة اليدوية التي تجمع بين التصور الذهني للمعنى واستعمال أدوات دقيقة لكتابة رموز مجردة. فإذا نظرنا إلى الطفل وتفحصنا مراحل النمو التي يمر بها لرأينا أنه يندمج في المجتمع الذي يعيش فيه عن طريق تعرف عوالم ثلاثة: الأشياء والأشخاص والأفكار.
يكتشف الطفل عالم الأشياء بامتلاكها, وعلى الأخص عندما تكون بينه وبينها رابطة غذائية. وحتى الأشياء التي لا يتغذى بها يضعها في فمه ليتعرفها.
يكتشف الطفل عالم الأشخاص بالروابط العاطفية الشخصية التي تشده إلى أمه في البداية ثم إلى سائر أفراد العائلة.
ويدخل الطفل في عالم الأفكار مع اكتسابه مفردات اللغة وتراكيبها. إن اندماج الطفل في عالم الفكر واللغة يكون مصحوباً بعلامات النضج التي تظهر في تقاسيم وجهه. في السنة الأولى يكون فمه مفتوحاً, ثم شيئا فشيئاً ينغلق هذا الفم بتأثير دوافع داخلية.
الفعالية الرمزية
أما علاقة الصورة بالكلمة, فإن الكتابة اللغوية نشأت في الأصل على أساس رسم الشيء الذي تشير إليه الكلمة. فالصورة إذن قبل الكلمة المكتوبة وهي أصلها. الحقيقة أن تطور البشرية يكمن في خروج الإنسان من ذاته ليضع بينه وبين العالم المحيط به, بل بينه وبين نفسه, وسيلة رمزية تساعده على التجريد والتفكير بعيدا عن اللحظة الحاضرة والمكان الواقع. لذلك كان من المهم في دراسة المجتمعات البشرية التركيز على هذه (الفعالية الرمزية) التي تهب الإنسان في عمله وفي تفكيره نية إعطاء معنى للكلمة, مكتوبة كانت أم منطوقة, وللصورة مرسومة كانت أم منحوتة.
ولو عدنا إلى حياتنا اليومية لاكتشفنا الحيز الكبير الذي تحتله الصورة ولعرفنا إلى أي مدي نحن نعيش في دوامة الألوان والصور. ففي العمل, وفي الشارع وفي البيت, أينما كنا, يقع نظرنا على صور ثابتة أو متحركة, مفيدة أو غير ضرورية, اصطناعية أو عنيفة. وكلها تدخل في نطاق نشاطنا الفكري والنفسي عن طريق الوعي أو اللاوعي, بإرادتنا أو بغير إرادتنا. يقول المفكر الفرنسي (ريجيس دبريه) إن الصورة تدخل قلبنا وروحنا عن طريق اللاوعي وتغير من طباعنا وتفكيرنا, ولكن هذا لا يعني أن الصورة مذنبة في ما تفعله بنا. فالتفسير لا يكون فيها, والعيب ليس في العين, بل في النفس والعقل. ويبين لنا (دبريه) كيف أن الصورة مرت في تاريخها الغربي في ثلاث حقبات رئيسة: السحر ومصارعة الموت, والفن ورمزية التواصل الاجتماعي, وأخيرا الاقتصاد وانفتاح التقنيات الحديثة. فالصورة كانت عند ولادتها عبارة عن صرخة تحد يطلقها الإنسان ضد عدمية الموت, وكانت تشكل نوعا ما امتدادا للحياة بعد الموت. وبذلك تكون حاجة الشعوب إلى التصوير مرتبطة بخوفها من الموت والعدم. فالصورة لم تكن نتاجاً فردياً بل كانت تعبر عن صراع المجتمع مع الواقع المحيط وتكون عنصرا أساسياً في نظام الرموز التواصلية في الحياة الاجتماعية.
أخيراً, فإن طغيان الصورة هذا على حياتنا اليومية يجعلنا نتساءل حول مستقبل القراءة. الواقع أن القراءة لن تموت, إنها ستتحول, كما تحولت بعد اكتشاف المطبعة. فنحن نشهد اليوم نوعا (من الزواج) والترابط الوثيق بين الصورة والكلمة, بين التلفزيون والكتاب, في الحاسوب.
إذ إن هذه الآلة نوع من التلفزيون الذي يقدم نصوصا نستطيع قراءتها. واليوم تنتشر بسرعة مذهلة الموسوعات المطبوعة على أسطوانات رقمية أو على شبكات الإنترنت, وكلها وسائل لا يمكن الاطلاع عليها إلا عن طريق قراءة النصوص في الكمبيوتر وعلى شاشته.
ــــــــــــــــــــ(42/106)
طريقة قضائك للوقت تحدد نوع الحياة التي تحياها
إن الطريقة التي تقضي بها وقتك هي الطريقة التي تحيا بها، فإذا أردت حياة مختلفة، فعليك أن تقضي وقتك بطريقة مختلفة، وبالتالي القيام بالتغييرات التي يتطلبها ذلك.
احتفظ بسجل زمن شخصي للشهر، لتجد أين يذهب الوقت الذي لا تمضيه، أو تقضيه في العمل، وادس هذا السجل لتقرر أية تغييرات يجب القيام بها.
فكِّر في المكان الذي يمنحك الرضا، وكم هو الوقت الذي تقضيه في تلك الأشياء، وكيف يمكنك قضاء المزيد من الوقت فيه.
كثيرون منّا يقضون وقتاً أكثر على أمور من الدرجة الثالثة أكثر مما يمضونه في أمور من الدرجة الأولى، ولذا لا تجعل الأشياء التافهة تطغى على ما لديك من أشياء هامة، وبالتالي أسقط النشاطات غير الهامة.
المفتاح إلى حياة متوازنة هو قضاء وقت كافٍ في كافة شؤون حياتك الروحية، والعائلية، والاجتماعية، والبيئية، والمهنية، والعقلية، والصحية، والفراغية. احتفظ بسجل زمني خاص لتعرف كيف توزع ما لديك من وقت، وما هي نواحي حياتك التي تستغرق وقتاً أكثر مما تحتاجه؟ وما هي النواحي التي تتطلب المزيد من الوقت؟ وكيف يمكنك تحقيق التوازن بين هذا وذلك؟
عش ليومك، فكلّ وقت هو وقت حقيقي، فلا تؤجل اللحظات الراهنة بانتظار اليوم القادم.
اكتب بياناً بمهام رسالتك الشخصية مع تحديد الأولويات.
قلل من مشاهدة التلفاز في حياتك، وعليك الاحتفاظ بسجل عاداتك المتعلقة بمشاهدة التلفازة لعدة أيام، وقرر ما تراه مناسباً لك، وابحث عن شيء أكثر إثارة يمكن أن تفعله في حياتك خلاف مشاهدة التلفاز.
ضع قائمة بأسماء مائة شيء تستطيع تدوينها لتحسن حياتك، وابدأ بعمل ذلك.
اسأل نفسك: "لماذا أغرب في أن يكون لديّ المزيد من الوقت؟". ضع خطة عمل من أجل ذلك.
إن أفضل استخدام لوقتك ليس بالضرورة هو نفسه ما يحتاجه شخص آخر؛ إذ أنّ ما يعتبر إهداراً لوقتك، قد لا يكون كذلك بالنسبة إلى الآخرين.
ــــــــــــــــــــ(42/107)
كيف نستثمر المدح في بناء الإنسان؟
إن المدح حاجة نفسية تتطلبها الطبيعة الإنسانية التي تحب أن يثني الناس على أدائها وصفاتها، فهو يعطي الإنسان الثقة بأنه على الطريق الصحيح.وذلك من خلال إعجاب الناس به سلوكا وفكرا وعملا، وللمدح أوقاته المختلفة فقد يكون قبل الفعل أو أثناءه أو بعد الانتهاء منه، والإنسان في جميع مراحل حياته رجلا كان أم امرأة يحتاج إلى المدح، وتزداد أهمية المدح بين الزوجين إذ يجعل العلاقة الزوجية أكثر دفئاً وهدوءًا واستقرارا، لكن المدح قد ينقلب إلى صفة سلبية في حالات معينة لذا علينا أن نستثمر المدح في تقويم سلوكيات المراهقين بتوظيفه التوظيف الأمثل.
حول المعاني السابقة دار حوارنا التالي مع الدكتور كاظم أبل الاستشاري والمعالج النفسي ومدير مركز الرازي للاستشارات:
كيف نستثمر المدح ؟
د.كاظم: مما لاشك فيه أن كل إنسان له حاجات نفسية واجتماعية عندما يشبعها يشعر بمكانته الاجتماعية، ويشعر بالتقدير والثقة بالنفس ومن أهم هذه الحاجات للإنسان المدح فالمدح يساعد على بناء الثقة بالنفس ويدفع الفرد إلى الإنتاجية وإلى العمل الجاد وكذلك يساعد على بناء الإنسان الإيجابي من هذه المنطلقات أود أن أؤكد أن المدح حاجة نفسية مهمة جداً في حياة الإنسان وفي إشباع غرائزه وإبراز دوره كفرد فعال يتحمل المسؤولية ويؤدي واجباته على أكمل وجه فيجب استثمار هذه الوسيلة الفعالة والعمل على استخدامها استخداما جيداً دون إفراط، وخصوصاً في المناسبات التي تتطلب تطبيقها حتى تساعد الشخص ليكون إنساناً إيجابياً يؤدي دوره المطلوب منه في المجتمع.
ما أهمية المدح بالنسبة للمراهقين؟
د.كاظم: إن المراهقة في نظر الكثيرين وخاصة أولياء الأمور تعتبر مشكلة وذلك نظراً لما يطرأ على المراهق من تغيرات جسدية ونفسية ويصبح أكثر حيوية ونشاطا مما كان عليه في مرحلة الطفولة ففي هذه الفترة الحرجة التي يمر بها المراهق يعجز الآباء عن التعامل الإيجابي معه، وبالتالي يحتاج المراهق إلى أن يقوم الآباء بتغيير نوعية تعاملهم لأن ما يحدث في هذه الفترة خارج عن قدرة المراهق على تقييم تصرفاته وسلوكياته فنحن نؤمن بأن المراهق في هذه المرحلة بحاجة إلى التوجيه والإرشاد والتوعية وكذلك المدح ولكن في حدود المعقول بمعنى أن استخدام أسلوب العقاب والثواب والذي أحياناً يتضمن المدح لاشك في أنه سيساعد على ضبط سلوك وتصرفات المراهق ويدخل هذا ضمن المدح الإيجابي للمراهق، وفي كثير من الأحيان يتصرف المراهق بتهور وهنا يجب توجيه اللوم إليه في إطار من المودة واحترام مشاعره وفي المقابل عندما يقوم المراهق بعمل جيد أو التفوق في دراسته أو القيام بمسؤولياته وواجباته اليومية على أكمل وجه فيجب أن يمتدح وذلك هو بعينه المدح الإيجابي.
أما إذا كان المدح في غير محله وفي ظل عدم الإنجاز أو الأداء الجيد فإنه بذلك يؤثر تأثيراً سلبياً في المراهق فعلى سبيل المثال لو طلب من المراهق القيام بعمل ولم يقم به أو لم ينجزه كاملا فعلى الأب ألا يمدحه بل يستطيع أن يقول له على سبيل المثال: لم يحالفك الحظ في أداء هذا العمل لكن إن شاء الله في المرة القادمة سوف تؤديه على أكمل وجه.
ما الأوقات الأنسب للمدح؟
د.كاظم: أرى أن أفضل الأوقات للمدح هي بعدما يؤدي الشخص أو المراهق عملاً جيداً ويقوم بإنجازه بحيث يكون المدح جزء من المكافأة المقدمة له على هذا الجهد المميز، كذلك يجب أن يكون المدح في جو من الود والارتياح بمعنى ألا يكون هناك ضغط على الأب أو الأم في تقديم المدح، وأن يكون معبراً عن مشاعر صادقة للأبويين بهذا الشأن، وأرى أن التهيئة النفسية ضرورة ملحة في تحريك الدافع للعمل أو الإنجاز عند المراهق وبالتالي من الأفضل أن يهيأ نفسيا بأنه سيحصل على مكافأة إذا قام بهذا العمل وأنجزه وثم بعد ذلك عند قيامه بإنجاز العمل يمتدح، ويعني ذلك أن يمتدح قبل الفعل وبعده ولكن بحجم مقدار الإنجاز الذي قام به.
كيف نجعل مدحنا إيجابياً؟
د.كاظم: يكون مدحنا إيجابياً عندما تختار الوقت المناسب والمكان المناسب وفي اللحظة التي يشعر فيها المراهق بنشوة الإنجاز وسعادة إتمام المهام وكذلك في لحظات جهده المميزة وقبل الانتهاء من العمل كان يمدح الطالب الذي يبذل كل جهده للتفوق وذلك قبل الامتحان ونتائجه الآن من شأن ذلك أن يعطيه حافزا معنويا على الاستمرار.
ما الحالات التي ينقلب فيها المدح إلى صفة سلبية؟
د.كاظم: لا شك أن أي إنسان يفتخر بذكائه وقدراته، وعندما يرى أن هناك من يحاول استغلاله والاستهانة بذكائه من خلال مدح غير واقعي أو مبالغ فيه فإنه يشعر بالاشمئزاز من الشخص الذي يمتدحه دون وجود مبرر وهنا ينقلب المدح إلى صفة سلبية، كذلك عندما يمتدح الأب مثلاً طفله على فعل عمل خاطئ فهذا المدح سيجعل الطفل يفعله دائما لأنه قد امتدح عليه وبالتالي ينقلب إلى صفة سلبية.
هل هناك ارتباط بين عطاء الإنسان ومدحه من قبل الآخرين؟
د.كاظم: لاشك أن لكل إنسان قدرات وإمكانات يستطيع أن ينميها ويصل إلى درجة الإبداع والابتكار والإنجاز الرائع، وفي اللحظة التي يقوم فيها الإنسان بعمل ما يستحق المدح فأعتقد أن عطاءه سيكون أفضل.
فالعطاء يتناسب طردياً مع المدح بمعنى أنه كلما ازداد عطاء الإنسان كلما كان بحاجة إلى مدح أكثر ومكافأة أفضل وكلمة طيبة تدفعه إلى مزيد من الإنجاز والإبداع، لكن عندما يجد العكس أي التجاهل من قبل الآخرين لما قام به وأنجزه فإن الإحباط سوف ينتابه ويجعله يتوقف عن العطاء.
كذلك هناك أشخاص لا يعطون ولا يقومون بعملهم على أكمل وجه إلا إذا امتدحوا من قبل الآخرين.
مجلة الفرحة/العدد (77) فبراير 2003 ـ ص: 26
ــــــــــــــــــــ(42/108)
نصائح لعلاج انطواء المراهقين
*ترجمة: د. محمد زهير
الانطواء على النفس حالة طبيعية لدى المراهق، ولكن لا ينبغي ان تشكل عائقاً أمام تقدمه في الحياة. يمكن ان يكون المراهق خجولاً في عدد من المواقف، ضمن العائلة، داخل الصف، مع أصدقائه أو مع أشخاص بالغين، بل وحتى في مواجهة جسده. وترى الطبيبة النفسية الفرنسية ايمانويل ريغون ان والدي المراهق يمكنهما مساعدته إن كان الأمر يخص حيزاً واحداً منها فقط، أما ان تعداه الى ثلاثة أو أربعة ميادين، فحينها يصبح من الأفضل استشارة الاختصاصي.
بين سن الحادية عشرة والخامسة عشرة، تكون التحولات البدنية سريعة، وقد يشهد المراهق أحياناً تغيراً في حالته النفسية من أسبوع الى آخر. وهذا وضع طبيعي، لكن نظرات الآخرين اليه تسبب له الانزعاج، فالفتيات على سبيل المثال يبدأن بالادراك ان الرجال ينظرون اليهن على نحو مختلف: هذا الشعور المربك مؤقت ولا يستغرق سوى بضعة أشهر.
لمساعدة المراهق، ينبغي اعطاء القيمة للتغيرات الطارئة على بدنه. وحتى لو ابدى عدم اكتراثه بذلك، فلسوف تريحه عبارات الاطراء الصادرة عنك. بيد أنه يجب ألا يسخر أحد من مظهره، وتجدر استشارة الطبيب النفسي في حالة امتناعه عن الاستحمام أو إحداثه جروحا في ذراعيه باستخدام آلة حادة. ولو أبدى تذمرا مستمرا من شكل أنفه، ومن وزنه أو من طوله، فإن ذلك يعكس معاناة كبيرة في تقبل وضعه.
صامت: يعيش الشاب المراهق عادة فترة انسحاب عن العائلة، لا يلجأ فيها الى احد ويقاطع وجبة من بين كل وجبتين. هذا الابتعاد طبيعي، فهو يحتاج اليه لكي ينضج.
بغية مساعدته: احرصي على ألا يتعرض لأي رد قاس اذا ما تفوه بحديث اثناء تناول الطعام، وينبغي بالذات تجنب توجيه عبارات معينة اليه على غرار: "تبين الامر قبل ان تتكلم"، بل يفترض التعامل معه بلطف وتمكينه من التعبير عما يريد. على ان من المهم استشارة الطبيب النفسي اذا كان المراهق لا يبدي رأيه على الاطلاق، لكن يفترض انتظار أن ينهي الكبار حديثهم لتحديد الموقف بدقة، فحتى الخجولون يتكلمون في حضن العائلة.
بعض المراهقين يؤثر التفرج على المشاركة. إن عدم الاضطلاع بالادوار القيادية لا يؤدي بالضرورة الى الشعور بالتعاسة، لكنه يصبح كذلك عندما يشعر المراهق بأنه خيب ظنك فيه. لذا فإن كان لديه صديق واحد أو صديقان وأنه يتفاهم جيدا معهما، فلا بأس في ذلك.
لمساعدته: يمكنك دعوة اصدقائه الى المنزل، وتسجيله في نشاطات يمكنه ان يلتقي خلالها بشباب آخرين غير أولئك الذين يعرفهم في المدرسة. ولكن ينبغي استشارة طبيب مختص إن لم يكن لديه أي صديق، وليس هناك شخص يتصل به هاتفيا واستمر الوضع على حاله أشهرا عدة، فالشباب المراهقون يحتاجون فعليا الى ان يكونوا معاً لكي يستطيعوا تحمل الابتعاد عن آبائهم.
ليس سهلاً علينا فقدان القدرة على الكلام أمام مجموعة من الافراد حتى لو كنا بالغين. أما في الصف، فعدم امكانية التحدث قد يفضي الى الحصول على درجات ضعيفة، كما يتوجب ان يتعلم المراهق كيف ينسى المواقف التي أخطأ فيها وأثار خلالها عاصفة من الضحك.
لأجل مساعدته: شجعيه على ابداء وجهة نظره اثناء الجلوس حول المائدة مثلا، ودعيه يقدم درسه امام العائلة. وإذا كان اختلاطه جيدا في الصف، فسوف يظهر مهارة في التقديم بعد فترة وجيزة. وتصبح استشارة احد الاختصاصيين لازمة ان تحدث مدرسوه عن مشكلات يعاني منها في التعبير الشفوي رغم معرفته الجيدة بالدرس، لذا يتعين التدخل في هذه الحالة لأن درجاته قد تهبط عندما يواجه اختبارات ومقابلات شفوية.
عدم الارتياح: مع تقدم المراهق في السن، يطرح على نفسه تساؤلات عدة: كيف يخاطب من هو أكبر منه سنا وعن أي شيء يتحدث معه؟ ذلك ان القواعد الاجتماعية تتغير حسب الفئة العمرية ولا يعود باستطاعة المراهق تحديد كيفية التصرف.
لمساعدته: اسمحي له بمقابلة أناس بالغين في المنزل، ويمكنك دعوة اصدقاء لديهم أولاد مراهقون ايضاً. بهذه الطريقة يستطيعون الدخول في نقاش مع الشباب خصوصاً، لا تدعي ولدك ينحشر في غرفته، واذا لم يكن يرغب في البقاء طيلة السهرة مع كبار السن، فمن المناسب ان يتناول المقبلات معهم وأن يجيب عن اسئلتهم. شجعيه ايضاً على اداء بعض الاعمال البسيطة وعلى ممارسة الرياضة مع مجموعات تضم أشخاصا بالغين. ولكن يتوجب استشارة الطبيب النفسي حينما تشعرين بأن ولدك المراهق يعاني من صعوبات في الاحتكاك بالبالغين أو بأفراد عائلته أو بشباب ينتمون الى فئة سنه. هنا يغدو التدخل الخارجي أمرا ضروريا جدا.
ــــــــــــــــــــ(42/109)
كيف تبدّد المخاوف التي تحدق بك ؟
يقال إنّ الخوف نعمة لأ نّه يقي الانسان من مزالق ومخاطر التهوّر أو الأشياء التي تبيّت له شرّاً ، لكنّ الخوف يتحول إلى مشكلة إذا استشرى وأصبح عقدة مستعصية ، أو إذا استحال إلى حالة من الجبن .
ويقال أيضاً إنّ الخوف في أكثره وهميّ ، وهذا ما عبّر عنه الحديث : «إذا هبت أمراً فقع فيه فإنّ شدّة توقّيه شرّ من الوقوع فيه» . وهو ما صاغه الشاعر بعبارة أخرى :
وما الخوفُ إلاّ ما تخوّفه الفتى***وما الأمنُ إلاّ ما رآهُ الفتى أمنا
فكيف تنزع لباس الخوف والهلع عنك ؟
إليك بعض المحاولات :
أ . ادرس كلّ حالة خوف دراسة واقعية .. اُنظر ماذا يخيفك فيها ؟ هل هي خوف نابع من حالة طفولية قديمة لازمتك منذ الصبا ولم تستطع التخلّص منها ؟ إذن آنَ الأوان أن تضعها عن كاهلك وإلاّ رافقتك مدى الحياة .
هل هي مما يخصبه الخيال ويضخّمه ؟ هذا يعني أنّ حجم الخوف ليس طبيعياً وإنّما هي وساوس النفس التي نفخت فيه فانتفخ . وقد يكون خوفاً حقيقياً وهنا ينبغي أن تحترس منه وتتحاماه .
ب . إنّ الجرأة والشجاعة ـ كما سبق أن أوضحنا ـ تمرين واكتساب وممارسة ، اقتحم مواطن خوفك .. جرّب أن تسير في الظلام لبعض الوقت .. وأن تمشي في طريق ليس فيها مارّة ، أو الإطلالة من بناية شاهقة ، أو الوقوف على حافة جبل ، أو المشي على جسر ضيِّق بلا أسوار .. قد يداخلك الرعب في هذه الحالات لكنّه سبيلك لمكافحتها .
إنّ مخاوفنا تدعونا للحذر لكنها لا تمنعنا من اختبار أنفسنا أو المخاطرة المدروسة .
ج . رافق الشجعان ، واقتبس من روحهم روحاً وزخماً لروحك .. اُنظر كيف يتصرفون في المواقف الحرجة والخطرة ، واقرأ دائماً قصص الأبطال والبطولات والقادة الذين هزئوا بالخوف وبالموت .
د . تذكّر أنّ الموت أجلٌ وكتاب ، وإذا كان الأمر يستدعي التضحية ، فإنّ الشاعر يقول :
إذا لم يكن من الموت بُدٌّ(())***فمن العجز أن تموت جبانا
* المصدر : البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/110)
ما تحمله تجاربك الشخصية وتجارب الآخرين
في مستهلّ حياتك العمليّة ، بل وعلى مدار حياتك كلّها يمكنك أن تستفيد من تجربتين :
أوّلاً : تجاربك الشخصية والتي تختلف ـ غنىً وفقراً ـ من شخص إلى آخر ، بحسب خلفيّة كلّ شاب أو فتاة ، وما عاشه كلٌّ منهما في حياته من تجارب ومعاناة وأخطاء ، وما اكتسبه من خبرات ومعارف .
وليس هناك إنسان قطّ بلا تجارب ، فحتى الطفل الصغير له تجاربه . وتجاربنا ككرة الثلج تنمو مع الأيام باطّراد . وهناك مَنْ ينتفع وهناك مَنْ لا ينتفع من تجاربه .
ثانياً : تجارب الآخرين ، سواء الشبّان منهم أو الكبار ، القريبين أو البعيدين . فكتابُ الحياة مفتوحٌ للجميع ، وحقوقه ليست محفوظة ، بل هي حقّ مشاع لأيّ إنسان .
وتجربةٌ عاشها أكثر من إنسان ، وخلصوا منها بنتائج معيّنة تكفيك مؤونة خوضها من جديد ، فلقد قيل : «مَنْ جرّب المجرَّب حلّت به الندامة» مثلما قيل أيضاً : «إنّ في التجارب علماً مستفاداً» أو «في التجارب علمٌ مستأنف» .
فتجارب الناس الذين عاشوا قبلنا ، أو الذين يعيشون معنا ، هي معينٌ لا ينضب ، يمكن لكلّ شاب وفتاة أن يغترفا منه ، ويستأنفا أو يبدآ حياتهما من عنده ومن خلاله .
والتجاربُ ـ بعد ذلك ـ ليست قوالب جامدة ، فقد تحتاج إلى بعض التحوير والتطوير لتناسب الوضع الذي نحن فيه ، ولكنّها كدروس واستخلاصات ونتائج وعبر ، ثروةٌ حريّ بنا أن نستفيد منها ، فهي كالحكمة العمليّة أينما وجدناها أخذنا بها ، بعد أن ندرس مدى صلاحيتها وملاءمتها لأوضاعنا وظروفنا .
إنّ تجربة شخص كان يعاني الخجل الشديد ، وقد تغلّب عليه ضمن خطوات عملية معلومة تنفعني كشاب أو كفتاة أعاني من الخجل .
وتجربة آخر نجح في دراسته أو تفوّق في عمله تنفعني كانسان يتطلّع إلى حياة أفضل .. وتجربة مبتكر مبدع ، فتح اُفقاً أو آفاقاً جديدة في مجال اختصاصه وحقل عمله ، تزيد في وعيي الابتكاريّ ، ذلك أنّ تجارب الناجحين في الحياة هي تجارب قابلة للتعميم ، شريطة أن تتوافر الظروف المماثلة ، والارادة القادرة على تذليل الصعوبات نحو النجاح .
ولذا ، فإنّنا نستوحي القرآن الكريم ، حينما ندعو إلى دراسة تجارب الآخرين ، اُمماً وأفراداً وجماعات : (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها )(1) .
فمن الضروري لكلّ شاب وفتاة يريدان أن يتثقّفا بثقافة الحياة ، وأن يستفيدا من تجارب الآخرين ، أن يقرآ كتب السيرة ، والتراجم الذاتية وكتب المذكرات ، فهي خلاصة تجارب حياتية تثري حياتنا ، فكأ نّنا نضيف إلى رصيدنا الفعليّ أرصدة أخرى .
أمّا قصص الصالحين والناجحين والمبدعين ـ في مختلف الأزمنة والأمكنة ـ فهي الأخرى رصيد غني يمكن أن نتوافر على تحصيله باستمرار من الكتب التي تتخصّص في نشره .
بل يمكن الاستفادة أيضاً من جلوسنا إلى كبار السنّ ـ نساء ورجالاً ـ لنغنم من تجاربهم الكثير .
فلا يقولنّ شاب : إنّ جدّي كبير السنّ ، وقد مضى زمنه ، ولي زمني ، فلا ينفعني في شيء .
ولا تقولنّ فتاة : إنّ جدّتي ـ لأبي أو لأمّي ـ بلغت من الكبر عتيّاً ، فما جدوى الاستفادة من إنسانة لا تعيش عصري .
فليس المطلوب أن ننسخ تجاربهما نسخاً ، لكنّ الكثير من تلك التجارب يحمل أساليب وطرق التعامل الاجتماعي الناضج الذي لا علاقة له بالزمن ، فهو يؤتي ثماره الآن وغداً ، كما آتى ثماره بالأمس ، أو توحي تجاربهما لك بأفكار تنفعك في الجديد من الحياة .
وخلاصة القول إنّ التجارب (معرفة) و (عقل) وأيّاً كانت معرفة الانسان وعقله ، فهو بحاجة إلى معارف وعقول الآخرين «مَنْ شاور الناس شاركها في عقولها» .
من هنا جاءة فكرة هذا الكتيب الذي يضع بين يديك بعضاً من تجارب الآخرين في مجالات معرفية وعملية مختلفة ، عسى أن تجد فيها ـ أو في بعضها ـ ما يلبّي حاجتك .
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/111)
كيف يحقق الإنسان شعورا بذاته؟
* رولوماي
هناك أسئلة يمكن أن يثير في ذهن القارئ كهذه: أما ينبغي علينا أن نحاول نسيان ذواتنا؟ وان شعور المرء بذاته هلا يجعله يحس بأنه خجول، وانه محرج، ومحبط اجتماعياً؟
انه لمن غير الملائم أبداً أن نقرن الشعور بالذات باستبطان يتسم بالقصور، ألا وهو الخجل والإحراج. فمن الطبيعي ان آخر ما يتمناه المرء في هذا العالم هو، إذن، الشعور بالذات. ولعل للاختلاف بين اللغات نصيباً من حيث دقة التعبير عن مفهوم الشعور بالذات ومن حيث دلالته المنشودة.
مثال نسوقه هنا سيوضح ان ما نتحدث عنه إنما هو مغاير للخجل تماماً، هو مناقض للاحراج والانطواء المشوه المخل. جاءني شاب من أجل العلاج النفسي ذلك لأنه، وإن كان من الناحية العقلية جد كفؤ وكان ظاهرياً يبدو عليه انه جد ناجح، لكن تلقائيته كانت تقريباً معطلة. فما كان بامكانه أن يحب أي واحد وانه لم يكن بمقدوره أن يستمتع استمتاعاً حقيقياً بالرفقة الانسانية. هذه المشكلات كانت مصحوبة لديه بقدر كبير من القلق والكآبات المتواترة. وكان من عادته الدائمة أن يقف خارج اطار ذاته، ناظراً الى ذاته، فلا يطلق ذاته على سجيتها، حتى أصبح الاهتمام بالذات لديه شيئاً مؤلماً للغاية. فعند استماعه إلى الموسيقى، مثلاً، كان كل اهتمامه ينصب على كيفية اصغائه بحيث انه لم يكن بمستطاعه سماع الموسيقى. وحتى في حالة اقامة تواصل انساني كان يحس بأنه يقف خارج نطاق ذاته، يرقب ذاته وهو يتساءل: كيف هو أدائي؟ ونمط تفكيره هذا، وكما هو متوقع، قد أعاق أسلوبه في الحياة. كان خائفاً عندما أخضع للعلاج النفسي واكتشف انه يتعين عليه أن يعي ما يجري في داخل ذاته، وانه يلزمه أن يكون أكثر (شعوراً بذاته)، الشعور الصحيح بالذات يعد دريئة للذات وحماية لها من الانزلاق غلى مهاوي التشكيك بقيمتها كجوهر فعّال.
كان الفعل الوحيد لأبويه القلقين عليه، انهما وفرا له الحماية أكثر مما ينبغي، فما كانا مثلاً يخرجان ليلاً، إذ كانا يترددان في تركه وحده. فالأبوان وإن كانا ظاهرياً متسامحين وعقلانيين في كل تعاملهما مع الابن، فإنه طيلة فترة طفولته لا يتذكر انه جادلهما ولو مرة واحدة. وكان الأبوان يتبجحان أمام الأقارب بانجازاته في المدرسة، فكانا مثلاً يقتطعان قصصات من الصحف تتحدث عن نجاحاته وكانا يفاخران بأنه أذكى من بني عمومته؛ لكنهما كانا نادراً ما يعربان مباشرة عن حقيقة استحسانهما له. لهذا فلم يكن بمقدوره كطفل أن ينمي في ذاته شعوراً خاصاً بقدرته على الاستقلال والاعتبار؛ بل ركز اهتمامه البالغ على الثناء الذي كان يكال له، وكان اهتمامه كذلك منصباً، ولو بشكل غير مباشر، على ما كان يحرزه من جوائز مدرسية. هذا فضلاً عما كان يسمعه أحياناً أيام صباه من نقدات لاذعة عابرة والتي قلّما يسلم انسان منها في الحياة. ولهذا فعندما بلغ مبلغ الرشد كانت حياته تشبه استمراره في اقتطاع قصصات من الصحف، فكان يسعى جاهداً إلى أن يجد تقديراً لذاته من مصدر يؤكد له ذاته كشخص. هذه صورة جد مبسطة بكل تأكيد، وكل وكدنا هو أن نوضح أن الشعور المشوه للذات لدى هذا الشخص وعدم قدرته على أن يكون تلقائياً وصادقاً مع نفسه كانا من غير شك مرتبطين بنقص شعوره بذاته. أي ان شعوره بالنقص كان ناجماً عن عدم توظيف (الأنا) عنده بشكلها الفعال. فمن المعروف في التحليل النفسي ان المرء حينما يكون مجرد (مراقب) لذاته، وعندما يتعامل مع ذاته كشيء خارج عنه، كل ذلك يجعله غريباً على ذاته هذه.
والشعور بالذات يوسع، في حقيقة الأمر، سيطرتنا على معطيات حياتنا. وهذا يستجلب معه اتساع آفاق ثقتنا بأنفسنا. ويلي ذلك استعداداً لندع ذواتنا تنطلق على تلقائيتها. وهذه هي الحقيقة الكامنة وراء الرأي الذاهب إلى أنه كلما كان لدى المرء شعور بذاته أكثر، كان في الوقت نفسه تلقائياً ومبدعاً على نحو أوفر.
إحساس المرء بمشاعره:
هناك من الناس مَن تسأله عن أحاسيسه ومشاعره يجيبك إجابة لا تنطوي على معنى دقيق عما يحس به حقاً. فكأن يقول لك مثلاً إنه (رائع) أو يرد عليك بأنه (متقزز). وكل من الاجابتين لا تعنيان شيئاً وهما من الغموض كما في قولهم (الصين تقع في الشرق). ان صلة هذا النوع من البشر بمشاعرهم هي من البعد كبعد خطوط الهاتف النائية؛ فهم لا يشعرون مباشرة ولكنهم فقط يعبرون عن أفكار حول مشاعرهم؛ انهم ليسوا متأثرين بمؤثراتهم الحقة؛ ان انفعالاتهم لم تحرك فيهم ساكناً، شأنهم في ذلك شأن (الرجال الخاوين) الذين وصفهم اليوت بأنهم:
مظهر ولا مخبر، وشكل ولا رونق
طاقة مشلولة، حركة بلا حراك معلولة.
وفي العلاج النفسي حين يتضح لمثل هؤلاء الأشخاص انهم غير متحققين من طبيعة مشاعرهم، فإنه يتعين عليهم أن يدربوا أنفسهم على الإجابة على أسئلة يطرحونها على أنفسهم مثل: كيف أشعر وأنا الآن في هذا الوقت بالذات؟ أسئلة فيها تمرين لاختبار حقيقة الأحاسيس في لحظة محددة وفي موقف معين. وحقيق بنا نحن البشر أن نميز بوضوح الفرق بين نزعة عاطفية جارفة تفلت من زمام العقل وبين عاطفة توطد وشائج الصلة وتوثق العلاقات الانسانية، وعلينا أن نفرّق بين حالة انفعالية عارمة وبين موقف وجداني للتبصر فيه شأن. المهم في الأمر هو حسن التجربة وطبيعة الخبرة التي أعيها (أنا) الذي أقوم بعملية الشعور وأمر بها؛ ففي حالة الموقف الوجداني الذي يتفاعل معه المرء بعقلانية، فإنه يشعر بحيوية متدفقة متسامية؛ وعندئذ فبدلاً من أن تكون مشاعر المرء محدودة متقطعة أشبه بنوتات البوق، تصبح رقراقة متواصلة رقيقة حساسة مثلها مثل مقطوعات الموسيقى في السمفوية المتكاملة.
وهذا يعني كذلك بأننا بحاجة إلى أن نستعيد وعينا بأجسادنا وأهميتها والاهتمام بها. فالطفل مثلاً، إنما يكتسب جزءً من إحساسه بكيانه الشخصي الذاتي عن طريق وعيه بأبعاد جسمه وادراكه إياها.
وعي المرء بمشاعره لا ينطوي أبداً على التعبير عنها اعتباطياً وكيفما اتفق وحيثما حل المرء أو أينما كان. فالرأي واتخاذ القرار، هما جزء لا يتجزأ من أي شعور بالذات ناضج. ولكن كيف يتسنى للمرء أن يتكون لديه أساس للرأي على ما سيفعله أو ما لا يفعله ما لم يعرف أولاً ماذا يجب وماذا يريد؟ فالمراهق مثلاً يتعين عليه أن يتعلم في اطار السياق الاجتماعي كيف يجب أن يروض نزواته لتتواءم والذوق الاجتماعي العام. والحياة كلها عِبَر فما أحرى المرء أن يتعظ بمواقفها. وكلما نضج الانسان وازدادت مشاعره نضجاً كان أقرب الى انسانيته ووظفتها في الحياة.
الناس الذين يجهرون بأصواتهم محذرين من أنه ما لم يتم كبح الرغبات والانفعالات، فإنها ستمتد وتنتشر بكل اتجاه، وإن كل فرد، مثلاً، ستتغلب عليه الرغبة الجنسية بشكلها لامحرم اللامشروع، إنما هو يتكلمون عن الانفعالات العصابية، والحق، إننا لنعرف على وجه الدقة ان الانفعالات والرغبات التي كانت قد كبتت هي نفسها التي تعاود فيما بعد فتدفع بالشخص إلى عمل ما دفعاً قهرياً قسرياً، ولكن كلما كان الشخص أكثر تكاملاً وأفضل انسجاماً مع ذاته، كانت انفعالاته أقل اتساماً بالقهرية. إذ أن مشاعر الشخص الناضج ورغباته إنما تحدث بشكل منتظم متكامل. فحين يذهب المرء لمشاهدة مسرحية معينة مثلاً، ويرى خلال عرض المسرحية مائدة للطعام على المسرح كجزء من فعاليات المسرحية، فلا تساور المرء الرغبة في الطعام ذلك لأنه إنما جاء لمشاهدة نشاط المسرحية، لا ليأكل. ما من شك في أن كل انسان معرض إلى صراعات مختلفة، ولا يقدر المرء أن يهرب من الصراعات. نعم، إنه يستطيع التهرب منها من وقت لآخر. بيد أن هذه الصراعات تختلف تمام الاختلاف عن كون المرء مدفوعاً إلى الانفعالات والصراعات دفعاً قسرياً.
كل خبرة من خبرات الإحساس والرغبة مباشرة وسريعة هي تلقائية وفريدة. وبعبارة أخرى، فإن الرغبة والإحساس يمثلان جزءاً فريداً من ذلك الموقف الخاص في ذلك الوقت الخاص وفي المكان الخاص. ان التلقائية تعني القدرة على الاستجابة مباشرة إلى الصورة الكلية، أو كما يعبر عن ذلك فنياً، فيقال: الاستجابة إلى (الهيئة الكلية للأرضية والصورة). فالتلقائية إنما هي (الأنا) الفعال المؤثر وقد صار جزء من الأرضية والصورة. ففي رسم صورة جيدة تظهر فيه الخلقية دائماً جزء لا يتجزأ من الصورة ذاتها؛ وكذلك فإن عمل الانسان الناضج هو جزء لا يتجزأ من الذات بالنسبة للعالم من حولها. ولهذا فإن التلقائية تختلف اختلافاً كبيراً عن الاهتياج أو الأنوية، أو التنفيس عن الاحساسات دونما اعتبار للواقع الاجتماعي وللبيئة؛ بل ان التلقائية، هي، بالأحرى، (الأنا) الفعالة باستجابتها إلى بيئة معينة في لحظة معينة. وفي ضوء هذا كله يمكن فهم الأصالة والفردانية والتفردية التي هي دائماً جزء من احساس تلقائي. فالسلوك التلقائي يباين تماماً السلوك العصابي الذي يتكرر عادة بجمود ورتابة.
والخطوة الأخرى التي تتساوى واعادة اكتشافنا احساساتنا ومستحباتنا، هي الخطوة المتعلقة باستعادة واستحضار علاقتنا بالجوانب شبه الشعورية في ذواتنا. وباقتضاب نقول: بما أن الانسانا لحديث في عصرنا هذا لم يعد يهتم الاهتمام الكافي ببدنه وبقوة جسمه، فهو كذلك قد تخلى عن الجانب اللاشعوري من شخصيته، وقد رأينا ان كبح الجانب اللاعقلاني لدى الانسان في هذا الزمان تقتضيه الضرورات التي يتسنى له بتحقيقها أن يتمكن من استنجاز مهماته بشكل منظم وعقلاني في عالم الصناعة والتجارة هذا. اننا في حالة التنقيب في طوايا الخبرات المكبوحة نكون قد كشفنا عما هو خبيء من معالم ذواتنا، ولعلنا في ذلك نستكشف مفاتيح بها نفتح مغاليق جوانب لها أهميتها البالغة فينا. فعلى مرّ العصور، حتى قبل تأويل يوسف أحلام فرعون إلى الفترة الحديثة الآن، نرى الناس قد اعتبروا أحلامهم، مثلاً، مصادر حكمة، ومظان توجيه ومنابع تبصر. لكن معظمنا يظنون ان أحلامنا أحداثاً شاذة ويحسبونها مستغربة وكأنها رقصة استعراضية غريبة من رقصات سكان التيبت. وهذا الانكار لواقع الأحلام من شأنه أن يفضي إلى استئصال جزء جسيم ومهم للغاية من أجزاء الذات. وبهذا فلا نكون بعدئذ قادرين على أن نستخدم كثيراً من الحكمة والقوة المختزنة في اللاشعور. وهذا من شأنه يجعلنا في موقف نحاول فيه قيادة وتوجيه عربة يجرها حصانان لكن لجامي الحصانين مشدودان إلى حصان واحد فقط؛ أو يكون أمرنا كمن يمتطي عربة تجرها أربعة أو خمسة أحصنة ولكنها تسحب باتجاهات مختلفة. ان الميول والالهامات وشبه الشعور واللاشعور انها وإن كانت محجوبة عن الوعي الشعوري فينا، إلا أنها لا تبرح تعمل وتكوّن جزءاً من الذات، وأنها ميسورة المنال وبدرجات متفاوتة حتى تكاد تقترب من متناول الشعور بل وتلامسه. وكلما حاولنا استعادة ذلك الجزء المهم من ذواتنا وكنا في هذا أسرع كان الأمر لنا أنفع.
وإذا كان هناك مَن يستخف بالأحلام ويعتبرها أموراً طارئة على حياة البشر، فإنه يكون بذلك قد أسهم في استبعاد جوانب مهمة من جوانب الذات الانسانية. الأحلام جزء لا يتجزأ من شخصية الفرد. انها لغة رمزية تتكلم باستخدام الرموز التي يمكن فهم كنهها إذا هي أوليناها شيئاً من الاهتمام والتفهم.
زبدة الكلام: كلما كان الشخص على وعي بذاته أكثر كانت دفقة حيويته أوفر. وكان كيركجارد قد كتب يقول: (الشعور الأوفر تتولد عنه ذات أكبر). انه الوعي المتسامق ذلك الذي يجعل الشخص شخصاً حقاً. انها هذه الخبرة بـ(الأنوية)، هذه التجربة انها (أنا)، أي الفرد الفعال، انها الذات كما هي حاصلة بالفعل.
أن يصبح الشخص شخصاً بالفعل وكما ينبغي، يؤدي به إلى أن ينفض عنه غبار السلبية. والنزعة السلبية قد تكون نتيجة لكل ما قد يترسب في النفس من قلق حاد وعصاب وذهان وكل أشكال الآفات النفسية. ومما يدعو للتأمل هو أن انسان القرن العشرين هذا، أمسى أقل امتلاكاً لناحية موجهات حياته مما كان عليه انسان القرن التاسع عشر الذي كان يمتلك قوة ارادته التي كان مولعاً بها وبالإيمان بها. ولهذا فمهمة علم النفس الحديث يجدر أن تنصب على الكشف عن خفايا اللاشعور والعمل على إحضارها إلى حيز الشعور وذلك تحقيقاً لمكانة الذات في هذا العصر. وهذا من شأنه أن يساعد الفرد على أن يوجه سفينة ذاته بصورة شعورية. وهذا بدوره يساعد على درء مخاطر الوقوع في مهاوي السلبية الصارفة للفرد عن الاسهام الفعال في البناء الاجتماعي.
حقيق بنا أن نكون على بينة من أن مصطلح (الأنا الفعال) يجب ألا يؤخذ على علاته وحسب دلالته الحرفية الظاهرية. بمعنى أنه ليس من المؤكد أن يكون الفرد كثير النشاط والحركة وإذن فإنه يكون أكثر فعالية. إذ ليس كل مَن يتحرك كثيراً يكون بالضرورة كثير الانتاج. فعبارة (جعجعة ولا طحين) تنطبق تمام الانطباق على سياق حديثنا هنا. فبعض الناس تكون كثرة حركتهم نوعاً من أنواع التغلب على ما يعانون من قلق وإذن فإن فعاليتهم هي طريق للهرب من أنفسهم. ولتشوسر تعليق بارع ولاذع حول هذا النمط، متمثل في مقطوعة التاجر في حكايات كنتربري، إذ يقول: (يخيل إليّ أنه يبدو منشغلاً أكثر مما كان).
لاريب في أن تأكيدنا على وعي الذات وادراكها ينطوي على النشاط كتعبر عن الحيوية، وتكامل الذات، لكنه عكس الفعالية. النشاط المؤكد للذات غير العمل الرامي للخلاص من وعي الذات وللهرب من مهاميز النفس. الوعي بالذات، كما سبق ان اقترحناه، يعيد إلى هيكل الصورة أهدأ أنواع الحيوية. انه يستجلب، مثلاً، فنون التأمل والتفكير، وهي الفنون التي جازف بها العالم الغربي ففقدها. فعلى المرء أن يكون أكثر وعياً بما يؤديه لينأى بذاته عن التبطل المغلف، وإلى هذا المعنى كان روبرت لويس ستيفنس قد أشار. الوعي بالذات يتمخض عن تذوق جديد لكونه شيئاً محدداً بدلاً من كونه ينطوي على عمل شيء ما فقط. فعلاقة المرء بذاته علاقة شعورية صميمة إنما هي البرهان على أهمية المرء في عين نفسه. إنها تعبير إبداعي عن الطاقات التلقائية لدى الشخص الذي يستطيع شعورياً أن يؤكد صلته الحميمة بعالمه وبصحبة بني جنسه من الناس من حوله.
تعريب: د. عبد علي الجسماني
ــــــــــــــــــــ(42/112)
العلاج الإرشادي لقلق المنافسات الرياضية
د .عمرو بدران
لكل نشاط رياضى خصائصه النفسية التى ينفرد ويتميز بها عن غيره من أنواع الأنشطة الرياضية الأخرى، سواءً بالنسبة لطبيعة أو مكونات أو محتويات نوع النشاط، أو بالنسبة لطبيعة المهارات الحركية أو القدرات الخططية أو بالنسبة لما ينبغى أن يتميز به اللاعب من سمات نفسية معينة.
ولا يتوقف أثر المنافسة الرياضية على نتائج المنافسة، مثل: الفوز - الهزيمة؛ بل يمتد إلى الجانب التربوى الذى يسهم فى التأثير على تطوير وتشكيل قدرات الرياضى المختلفة: المعرفية - البدنية - المهارية.
ولقد تناولت العديد من الدراسات التأثير النفسى للمنافسات، ويذكر ماير Meyr أن تلك الدراسات قد تركزت فى ثلاثة مجالات رئيسة، هى:
÷ أداء اللاعب فى الموقف التنافسى.
÷ النتائج الشخصية المترتبة على الاشتراك فى المنافسة.
÷ عملية اتخاذ القرار تحت ظروف المنافسة.
ويضيف ماير، أن الموقف التنافسى يعد أكثر إثارة من الموقف غير التنافسى، ومن خلال زيادة الدافعية أن الأفراد سوف يبذلون جهدًا أكبر وأداء أفضل فى الموقف التنافسى، وهذا ما يحدث فى كثير من الأحوال.
وقد تلعب الضغوط النفسية دورًا حيويًا فى تقدم المستوى المهارى، فالضغوط النفسية المرتبطة بالمنافسة الرياضية توضح أن المنافسة الرياضية ينظر إليها كمصدر من مصادر الضغوط على الرغم من أنها موقف اختبار ذو شدة عالية يظهر فيها اللاعب جميع خبراته وقدراته ويتم من خلالها تقييم الرياضى.
ومن بين أهم الخصائص النفسية للمنافسات الرياضية النقاط التالية:
E تحظى المنافسات الرياضية بالكثير من الثناء والتشجيع والعطف والحماس والمشاركة الوجدانية.
E تتميز المنافسات الرياضية سواءً الفردية منها أو الجماعية دون سائر أنشطة الإنسان الأخرى بوضوح تأثير الفوز والهزيمة أو النجاح والفشل، وما يرتبط بكل منهم من نواحى سلوكية وبصورة واضحة مباشرة.
E تنفرد المنافسات الرياضية بحدوثها فى حضور جمهور غفير من المشاهدين؛ الأمر الذى لا يحدث فى كثير من جوانب الحياة اليومية، ويختلف أثر الجمهور على الرياضى وفقًا للسمات النفسية المميزة للرياضى.
E تجرى المنافسات الرياضية وفقًا للوائح وقوانين محددة من قبل اتحاد اللعبة موضع المنافسة؛ مما يترتب عليه تحديد النواحى الفنية والتنظيمية لنوع النشاط الرياضى، وكذا سلوك اللاعبين الذى يتناسب مع تلك الأمور.
E تتطلب المنافسات الرياضية ضرورة تعبئة الرياضى لبذل أقصى قدراته البدنية والنفسية لمحاولة تسجيل أفضل مستوى ممكن؛ الأمر الذى يسهم فى تطوير وتنمية السمات النفسية وبخاصة السمات الخلقية والإرادية للرياضى.
E يرى بعض الرياضيين أن التنافس الرياضى بطبيعته ما هو إلا صراع يستهدف الفوز على الآخرين وتسجيل الأرقام، ويتناسون أن الوصول إلى المستوى الرياضى العالى ناحية من النواحى التى يسعى إليها كل مجتمع، ولكنها ليست بطبيعة الحال هدفه الأوحد.
E إن المنافسة الرياضية ما هى إلا نشاط يحاول فيه الرياضى إحراز الفوز، ولا يتأسس ذلك على الدوافع الذاتية للرياضى فحسب؛ بل أيضًا على الدوافع الاجتماعية، مثل: رفع شأن الفريق - سمعة النادى - الوطن، إذ أن ذلك يعد من أهم القوى التى تحفز الرياضى للوصول لأعلى المستويات الرياضية.
E تسهم المنافسات الرياضية فى الارتقاء بشخصية الرياضى من خلال تنمية وتطوير مهاراته وقدراته وتشكيل سماته الخلقية والإرادية، وتؤثر فى جميع الوظائف العقلية والنفسية، مثل: الإدراك - الانتباه - التفكير - التصور، وذلك ما لم تتطلبه المنافسة الرياضية من استخدام تلك الوظائف لأقصى مدى ممكن حتى يتم الأداء بصورة مقبولة مقرونًا بالإنجاز المطلوب أو المتوقع.
E تعد المنافسات الرياضية مصدرًا لكثير من المواقف الانفعالية المتغيرة فى أثناء المنافسة الواحدة، لارتباطها بمواقف النجاح والفشل أو الفوز والهزيمة.
ولهذه النواحى الانفعالية فائدتها، إذ أن المجهود القوى الذى يبذله اللاعب أثناء المنافسات الرياضية وما يرتبط به من تغيرات فسيولوجية مصاحبة للانفعالات تسهم فى تحسين كفاية الجهاز الدورى التنفسى، كذا مختلف أجهزة الجسم الحيوية.
E وقد يكون للتنافس الرياضى بعض الجوانب السلبية حين يتسم بالعنف الزائد الذى ينتج عنه اضطرابات انفعالية لدى المتنافسين، أو حينما يحدث بين متنافسين يختلفون اختلافًا كبيرًا في قدراتهم ومهاراتهم؛ مما يجعل الفوز قاصرًا على فريق منهم، أو حينما ينقلب التنافس الرياضى إلى تنافس عدوانى.
وإذا ما تم التنافس الرياضى فى إطار الأسس التربوية التى تؤكد ضرورة: الالتزام بقواعد الشرف الرياضى - قبول قرارات الحكام - اللعب النظيف - التواضع عند الفوز ... وغيرها، فإنه يصبح من أهم القوى التى تدفع الأفراد إلى ممارسة النشاط الرياضى، والتى تحفز الرياضى للوصول لأعلى المستويات الرياضية.
تتطلب المنافسة الرياضية ضرورة استخدام الرياضى لأقصى قدراته وعملياته العقلية والبدنية لمحاولة تسجيل أفضل مستوى ممكن؛ الأمر الذى يسهم فى الارتقاء بـ: الانتباه - الإدراك - التذكر - التفكير - التصور - التخيل.
الأساليب الإرشادية لعلاج قلق المنافسة الرياضية :
تكمن أهم الأساليب الإرشادية لعلاج قلق المنافسة الرياضية فيما يلى:
· تنمية المهارات النفسية.
· أسلوب التعزيز الموجب.
· التدريب على التصور العقلى.
· وضع الأهداف للرياضى، ومحاولة الوصول إليه عن طريق المثابرة.
· التذكير بالقيم الدينية التى يحتاجها الرياضى، وبخاصة قبل المنافسة الرياضية لتوفير الأمن النفسى للاعب بشكل مناسب.
· الإرشاد الجماعى، الذى يقوم على مناقشة اللاعبين فى المشكلات المرتبطة بقلق المنافسة الرياضية.
· النمذجة، ويتم ذلك بعرض أفلام أو مواقف يرى اللاعب خلالها كيف يتصرف الآخرون فى مواقف المنافسة الرياضية.
· أسلوب التحصين المنظم، ويتم ذلك بتقديم المثيرات التى تسبب القلق فى شكل مدرج القلق، ثم تعريض الشخص لمواقف المنافسة المتعددة بصورة تدريجية حتى يضعف القلق الناتج عن المنافسة الرياضية.
· محاضرات وندوات تتعلق بـ:
- تنمية عادات تصور عقلى جيدة.
- الابتعاد عن المنبهات وضرورة حصول الجسم على الراحة ليلة المنافسة.
- العمل على تخفيف رهبة المنافسة الرياضية من خلال كافة الوسائل المعنية.
· العلاج الذهنى - المعرفى - السلوكى:
ويعد من أهم طرق العلاج النفسى المعاصر وأكثرها شيوعًا، لاستناده على الأدلة العلمية، ولفعاليته فى علاج الاضطرابات الانفعالية والسلوكية، ولقصر زمنة نسبيًا.
وهو يساعد بعض الأفراد الذين يعانون من اضطرابات السلوك، مثل: القلق - الاكتئاب - الإدمان.
وهو علم يقوم على اكتشاف وحل الكثير من مشكلات الأفراد من خلال تغيير أنماط السلوك على المدى القصير، بيد أن فعاليتها على سلوك الإنسان تكون على المدى البعيد.
ويوجد العديد من الدراسات التى أثبتت أثره الفاعل على المدى القصير - أى مثل الدواء - ولكن نتائجه العلاجية فاعلة إذ أنه أكثر ثباتًا.
كما أنه يكسب المريض مهارات جديدة تساعده على حل مشكلاته التى قد تواجهه مستقبلاً، ومن ثمَّ إحداث التغيير الإيجابى المطلوب فى تفكير الإنسان وسلوكه وشعوره.
ويمكن القول، أنه ثورة تساعد الإنسان على اكتشاف قدراته وطاقاته الكامنة لحل مشكلاته التى تقف فى طريق حياته وتعوق إبداعه ومهارته التى خصه بها الله.
ــــــــــــــــــــ(42/113)
الشباب والصيف ..هل من حل حقيقي لهذه المشكلة ؟
د. سعيد بن زعير
اعتدنا أن نقرأ في الصحف قبل حلول الصيف موضوعات معينة تتعلق بقضاء الوقت والأنشطة التي تمارس في الإجازات ونحو هذه الجوانب المتعلقة بهذه القضية . وهذا التوقيت الذي يسبق الإجازات أمر طبيعي بحكم ان الموضوعات الصحفية في غالبها تتناول قضايا الساعة وتعالج المشكلات الطافية على السطح . لكن غير الطبيعي ان تبقي مثل هذه المشكلة بدون حل على مدار هذه السنوات الطويلة . وكأن حل القضية أصبح مستحيلا وكأنها تجاوزت مرحلة الحلول فيقبل الصيف وتسخن المشكلة وتثار وينتهي الصيف ويبدأ الشباب في أعمالهم وتبرد المشكلة حتى يأتي الصيف ليسخنها بحرارته وتبدأ الأحاديث من جديد 0000 وهكذا.
إن تصور المشكلة على حقيقة جزء أساسي في حلها وهذه بدهية لكن تصوراتنا للصيف حتى الآن تجعله فراغ طويل لا عمل فيه ، ويحتاج الشباب إلى أنواع من الأنشطة المسلية للقضاء على ذلك الفراغ . هذا هو التصور الذي يقدم لنا عن الإجازة الصيفية . ولهذا التصور دوره في المعالجة . فهل الإجازة فراغ طويل ؟ وهل نريد القضاء على ذلك الفراغ ؟ ان وقت الإجازة يشكل نسبة من أعمارنا وهي ليست رخيصة عندنا لنقضي عليها . إن تحديد المشكلة ينبغي أن يوضع في تصور آخر يجعلنا نحس ان هذه الإجازة جزء من أعمارنا الحقيقية وان القضاء على هذا الفراغ الطويل ينبغي أن يوجه ويستغل فيما يفيدنا .
نعم إن فترة الصيف تختلف عن المواسم الأخرى من السنة من حيث الرغبة في العمل والإنتاج بحكم تأثير المناخ على نشاط الإنسان . لكن ينبغي أن لا يصل الأمر إلى شطب هذا الجزء من أعمارنا ليصبح صفراً في حساب الزمن .
إن الإحساس بأهمية هذا الوقت تدفعنا بدون شك لاستغلاله فيما يفيد وفي حدود الطاقة الإنتاجية التي تتناسب مع الصيف نفسه . ان الشباب أنفسهم خير من يقدر قيمة الوقت إذا عرفوا الحاجة إلى استغلاله ، خاصة وان الكثير من المهارات الأساسية الضرورية تنقص معظم شبابنا . وهم يشعرون بذلك النقص في الحياة العملية التي تتطلب منهم تلك المهارات مثل :
- مهارات القراءة السريعة
- مهارات الكتابة السريعة
- مهارات الوصول إلى المعلومات من المراجع
- مهارات فهرسة المعلومات
- مهارات النسخ على الآلة الكاتبة
- مهارات تصنيف المكتبات
- مهارات ترتيب الأفكار وإعداد التقارير المختصرة
- مهارات تنظيم الرحلات
- مهارات الاستفادة من الرحلات
- مهارات العلاقات العامة
- مهارات المقابلات الشخصية
- مهارات إعداد اللقاءات
- مهارات تشغيل الحاسب الآلي
- مهارات استخدام البرامج الجاهزة للحاسب الآلي
فهذه المهارات الأساسية والهامة في الحياة العملية نحزن عندما نشاهد شبابنا في الجامعات وفي المدارس الثانوية لا يتقنونها ، كما نلاحظ تفوق من يتقن بعض المهارات التي يستلزمها عمله أو بحثه أو دراسته . فتجد الطالب الذي يكلف ببحث مبسط يمضي عدد من الساعات والأيام وهو لا يحسن الوصول إلى من مصادرها ، وإذا وصل إلى تلك المعلومات بمساعدة غيره من أمناء المكتبات أو بعض رواد المكتبة نجده يمضي الساعات الطوال في ترتيبها وإعداد تقريرها . ونجد بعض الشباب في رحلاتهم الخاصة أو الرحلات التي تنظم في الجامعات أو المدارس لا يحسن تنظيم وقت رحلتهم وتتحول الرحلة إلى نزهة وتناول طعام وما ذاك إلا بسبب عدم المقدرة على تنظيم الرحلات وهي مهارات سهلة وميسرة لو أن الطالب درب عليها لإمكانية الحصول على فوائد كثيرة من رحلته تفوق النزهة والطعام .
إن معالجتنا لمشكلة الفراغ في الصيف ينبغي أن تنطلق من مسلمتان أساسيتان أن هذا الوقت هام بالنسبة للشباب ، وان الشباب في حاجة إلى اكتساب مهارات أساسية في هذا الوقت بالذات لان الأوقات الأخرى مليئة بمسؤوليات أخرى .
إن الانطلاق من هذه المسلمتان سيلزمنا بتغيير تصوراتنا وتصورات شبابنا حول الصيف والفراغ . وذلك لن يكون أمرا سهلا يعالج من خلال مقالة أو مقالات تكتب في الصحف ولكنه يحتاج إلى جهود منظمة تبدأ من تحديد التصور الواضح للمشكلة وتصويرها للشباب لمعايشتها من خلال الوسائل الإعلامية المختلفة ليتفاعل معها ويستوعبها ويعطي تصوراته عنها والمساهمة في إعطاء تصورات لحلولها من خلال هذا التصور . ومن ثم وضع الإجراءات العملية لعلاج المشكلة وذلك بإعادة تنظيم برامج الأنشطة الصيفية القائمة .
إن من ابرز الانتقادات التي توجه إلى برامج الأنشطة في الصيف عدم وضوح أهدافها ما عدا قضاء الفراغ وهو ليس هدف في حد ذاته أو ليس الهدف النهائي على الأقل . ومن الصور الواضحة لعدم تحديد الأهداف ، إن بداية التسجيل في المراكز الصيفية تبدأ قوية وبأعداد هائلة وبعد أيام يبدأ تسرب الشباب وغيابهم فلماذا هذا التسرب؟ إن السبب المنطقي لهذا التسرب هو عدم مواكبة طموحات الشباب بتجديد البرامج المقدمة . فهي تكرار للأنشطة التي بدأت منذ أول يوم في المراكز بل تكرار لأنشطة العام الماضي وهذا التكرار في حد ذاته كفيل بإيجاد الملل ومن ثم الانصراف عن تلك الأنشطة والعودة إلى الفراغ والضياع .
ماذا لو اتجهت الأنشطة إلى إشباع حاجات الشباب الفعلية وتحقيق المهارات التي يعاني الشباب من نقصها في دراستهم وأعمالهم . ماذا لو اتجهت البرامج إلى إعداد دورات قصيرة من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع يتم خلالها تقديم برامج مكثفة تركز فقط على تلك المهارة ويكون العدد محدودا ويعطى الطالب شهادة تفيده باجتياز هذه الدورة وتتاح الفرصة له في عدد من الدورات خلال الصيف ليحقق من خلالها ملء الوقت وإتقان مهارات مفيدة هو في أمس الحاجة إليها .
قد يظن البعض أن مثل هذه الدورات تتعارض مع الإجازة التي اعتاد الشباب على اللهو وعد الجد فيها ، وهذا في واقع الأمر نتيجة للتعود على هذا الأسلوب الذي استمر طويلا وإذا ما خطط لإزالة هذا التصور وبدأ التطبيق وشعر الشباب بفائدته والفروق الواضحة بينهم أثناء العام الدراسي نتيجة للتفاوت في المهارات المكتسبة فان النظرة إلى الإجازة والبطالة سوف تتحول إلى شيء من الجدية النامية مع مرور الوقت.
إن مراكز خدمة المجتمع في جامعاتنا مؤهلة للقيام بهذا الدور وكذلك المراكز الصيفية المنتشرة في أرجاء الوطن بشرط أن تتبدل المنطلقات والأهداف التي اعتاد منظمو الأنشطة أن ينطلقوا منها ويهدفون إلى تحقيقها . إن إزالة فكرة أن الإجازة كسل وخمول ينبغي أن تزال ويحل محلها أن الشباب في حاجة إلى استغلال الصيف لتنمية مهاراتهم في أمور يحتاجون إليها وتملا فراغهم في نفس الوقت .فهل ذلك ممكن ؟ انه ليس من المستحيل .
ــــــــــــــــــــ(42/114)
اللامبالاة والانطوائية عند الشباب
يكاد لا يختلف اثنان على أن الشباب يمثل رأس مال المجتمع ومصدر قوته وعزته من خلال ما يمتلكه الشباب من إمكانات وطاقات وقدرات على التفاعل والاندماج والمشاركة في قضايا المجتمع، وبما لهم من دور في عملية البناء والتغيير والتجديد، فهم أول الشرائح الاجتماعية التي ترفع لواء التحديث والتطوير في السلوك والعمل.. لذلك نرى التربويين والإعلاميين يولون أهمية خاصة للشباب، لأن كسب ود الشباب وامتلاكهم هذا يؤدي إلى امتلاك أهم عناصر المستقبل.
إلا أن ثمة ما يعترض الشباب من مشكلات(1) وأزمات تكمن في مدى التوافق مع قيم المجتمع وعاداته وسلوكه، مما يستوجب دراسة هذه المشاكل والتعرف على قيم الشباب واتجاهاتهم وميولهم ورغباتهم(2)، وبالتالي فإن الفهم الموضوعي والمفيد لجيل الشباب ومشكلاته يفرض على الباحث مطالب عدة:
أولاً: أن يضع الموضوع كله في إطار اجتماعي اقتصادي وحضاري.
ثانياً: ألا يقتصر تحليل الباحث على رؤية جيل الكبار، فمن الضروري أن تكمل الرؤية بتصور جيل الشباب لواقعهم ومشكلاتهم وتفسيرهم لتصرفاتهم.
ثالثاً: ألايقف الباحث عند حدود وصف المشكلة(3)، بل عليه تفسيرها تفسيراً يربطها بظروفها الموضوعية.
رابعاً: على الباحث مراعاة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الشباب العربي. لا سيما لما لها من تأثير على أخلاق واتجاهات وميول وسلوك ونشاط الشباب.
ظاهرة
اللامبالاة والانطوائية
يجب دراسة ظاهرة اللامبالاة والانطوائية عند جيل الشباب ضمن إطار التحليل الاجتماعي لمشكلات الشباب، وضمن إطار البناء الفوقي للنظام الاجتماعي الاقتصادي الذي يشمل العادات والتقاليد والقيم والآراء والمعتقدات والأفكار السائدة في هذا المجتمع، ولا سيما أساليب التنشئة الاجتماعية فيه وعلاقة ذلك كله بالبناء التحتي (أدوات الإنتاج وعلاقاته).
ظاهرة اللامبالاة
هذه الظاهرة، عبارة عن حالة سلبية وعدم التفاؤل والمشاركة من قبل الشباب في قضايا المجتمع والأمة.. الأمر الذي يؤدي إلى الإساءة لعمليات التحديث والتطوير في المجتمع. ولا سيما إذا كان المجتمع يشهد حالة بناء اقتصادي وصراع سياسي عسكري، كما هو الحال في مجتمعنا العربي الذي يتطلب منا حشد كافة الطاقات والإمكانات ودفعها باتجاه قضايا البناء وتحرير الأرض.
أما الانطوائية
فتعني الانكفاء على الذات والتمركز حولها، وهي حالة سلبية شأنها شأن اللامبالاة تعبر عن حالة غير سوية وغير طبيعية بالنسبة لهذه الفترة من العمر(4) مرحلة الشباب التي تتميز بحالتها الطبيعية والصحية بالاندفاع والاتجاه نحو الآخرين والتفاعل معهم ومشاركتهم في الحياة بكافة أبعادها العاطفية والعقلية والاقتصادية والسياسية(5).
الأسباب والعوامل
لا بد من إلقاء الضوء على الظروف والعوامل التي ساعدت على حدوث ظاهرة اللامبالاة والانطوائية، وساهمت في بروزها، ذلكم لأنها ليست وليدة فترة زمنية محدودة. وإنما ترجع إلى أساليب التنشئة المعتمدة في المجتمع بدءاً من الأسرة ونظام التعليم ومؤسسات الإعلام والثقافة، وانتهاء بنظرة الشباب إلى المستقبل وظروف العمل والزواج وقيم المجتمع بشكل عام.
( أ ) الأسرة:
تفيد الدراسات ونتائج البحوث، أن الأسرة العربية لا تزال تنشئ أطفالها على أسس من التسلط وعدم الاستقلالية، وعلى روح مشبعة بالعجز والتهرب من مواجهة الواقع الذي يؤدي إلى اللامبالاة والانطوائية والتردد وكل مظاهر السلبية عند الشخص عندما يكبر فيصبح في سن الشباب، ويبدأ تعامله مع الواقع وسط حالة الترقب والتوقع الذي يضعه فيها جيل الكبار، ومن أمثلة الواقع التي تؤدي إلى بعد الأسرة العربية عن الروح الديمقراطية، وخلق جو أتوقراطي، مما يعطل تنمية القدرات المختلفة للفرد، وجعل السلطة في الأسرة تقوم على أساس فردي بعيداً عن المشاركة والتعاون، ومن هذه الأمثلة (التمييز بين الذكور والإناث، المكانة الخاصة للولد الأول، تربية البنت على طاعة أخيها الذكر والامتثال لأوامره).
ولا تزال هناك قيم وعادات وأساليب قديمة، تلعب دوراً لا بأس به في الأسرة العربية، والتي لا تحض على العمل والاستقلال، وإنما على العجز والتهرب والاتكال ومثل هذا الجو يشكل المناخ لظاهرة اللامبالاة عند الشباب.
(ب) المدرسة ونظام التعليم:
من خلال العملية التي تتم على أساس تعميق سلطة المعلم والبعد عن ممارسة الديمقراطية، ومعاني الحرية والمسؤولية بطريقة فعلية، وزرع قيم الانصياع والمسايرة دون أن تؤكد على روح الاستقلالية والمبادئ وكذلك البرامج التعليمية لا تزال بعيدة عن الواقع ومعطياته. الأمر الذي لا يساهم في تعديل السلوك. وإنما يؤدي إلى الازدواج بين القول والعمل، بين ما نقوله لفظاً ونمارسه فعلاً، وربما في ذلك مضاعفة للشعور بالتناقض وخلقاً للصراع. ناهيك عن خلو البرامج الدراسية من أي تحليل أو مناقشة لقضايا ومشكلات الشباب كالخلو من مناقشة حقائق الجنس، مما يدفع الكثير من أبناء جيل الشباب إلى الجري وراء كتب وأفلام الإثارة الجنسية وما تروجه وسائل الإعلام التافهة والرخيصة حول موضوع الجنس والمرأة وهذا ما أكده الدكتور: محمد عماد الدين إسماعيل(7). مما يجد الشباب نفسه في كثير من الأحيان وقد تناقضت أساليب تعليمه وإعداده مع القيم الصاعدة في المجتمع مثل: تكافؤ الفرص أو احترام العمل اليدوي، ولا سيما مما يترتب عليه كثير من المشكلات المتعلقة بالطموح وبالدافع إلى التقدير وما إلى ذلك وتكون النتيجة نمو مشاعر سلبية كاليأس أو الإحباط أو الاستخفاف أو اللامبالاة.
(ج ) مؤسسات الإعلام والثقافة:
تعتبر مؤسسات الإعلام والثقافة من أهم وسائط التطبيع الاجتماعي، ومن أهم العوامل في تكوين الرأي العام وترويج القيم والمعايير، وكما تساهم في ترويج قيم الانصياع والمسايرة ومع ذلك لا يزال يوجد العديد من برامج الإذاعة والتلفزيون التي تعطي انطباعاً بأن الشباب يلهثون من أجل قضايا شكلية وليست صحيحة، علماً بأن هذه البرامج هي من صنع أجيال الكبار، وكما تهدف إلى تكريس قيم التمييز بين الذكور والإناث في الأسرة والمدرسة وتكريس قيم الحظ والقدر.. التي تتناقض مع قيم الجدية والعمل والمثابرة، مما يترك الشباب فريسة اليأس والقنوط وتبعده عن النظرة العلمية والمنهج العلمي في مواجهة الواقع مما يساعد على انتشار اللامبالاة وروح الاتكالية.
لذا يتوجب مناقشة مثل هذه القضايا عبر ندوات تلفزيونية وبحضور أصحاب الاختصاص وبمشاركة الكبار والشباب بغية الوقوف على الحقيقة.
(د) العمل وظروفه ونظرة الشباب إلى المستقبل:
الواقع العربي الحالي يثبت أن جيل الشباب العربي يعاني من أزمة عدم توفر فرص العمل المناسبة، بالرغم من الآلاف من ذوي المؤهلات الجامعية (خاصة الفروع النظرية) عاطلين عن العمل، مما يصل الشباب إلى مرحلة الشعور بالإحباط والاعتماد على الأهل اقتصادياً وما يرافق ذلك من الاتكال والانصياع وعدم الاستغلال والقضاء على روح الإبداع وفقدان الكثير من المعلومات والمهارات.. وإن توفر فرص العمل للبعض، سيكون بالتوزيع على أعمال قد لا تتناسب مع تخصصاتهم العملية ولا ترضي طموحاتهم وتطلعاتهم وبالتالي يفقد الشباب تقديره لنفسه وثقته بها واحترامه لكفاءته، وتظهر إلى جانب مشاعر اليأس عنده، ظاهرة اللامبالاة واللامسئولية وعدم الجدية.
إضافة لما سبق، قد يعتمد نظام الحوافز والجزاء على العوامل الشخصية علاقات خاصة وهذا ما أكده (عزت حجازي): ".. يفجع بعض الشباب حين يجدون أن علاقات العمل هي علاقات تستعمل فيها كثير من الأسلحة القذرة مثل الوقيعة وما إليها".. وقد يفضلون العمل الذهني على اليدوي وكذلك المكتبي على الميداني، والعمل في العاصمة على العمل في الريف، والاحظ في ذلك، النظرة الدونية إلى عمل المرأة واعتبارها غير صالحة إلا للأعمال الإدارية، التدريس، التمريض، أعمال السكرتارية. وكذلك ثمة صعوبات ومشاكل أخرى في نطاق الزواج من مشكلة المهور وارتفاعها ومن تدخلات الأهل وشروطهم في الخطبة والزواج، ولا سيما السكن الزوجي مما يجعل الشباب محاصراً من جميع الجوانب، مما يجعله يعزف عن الزواج ويفضل حياة العزوبية وما يرافقها من حالات الفوضى وعدم التخطيط.
المسئولية .. أين تكمن؟.
قد تصل السلبية عند الشباب قمتها عندما يفقدون الأمل في إصلاح الخطأ وبسط معدل التغير السريع وعدم الإيمان بالجماعة.. وكون اللامبالاة والانطوائية وليدة جملة عوامل وظروف التنشئة الاجتماعية، وما فيها من تناقض للقيم وصراع بين القيم الجديدة والقيم القديمة، ولا سيما سرعة معدلات التغير الاجتماعي والخوف من المستقبل والشعور بعدم الاستقرار، حث يؤكد "محمود عبدالمجيد": "تتولد اللامبالاة والعبث وعدم الإيمان بالجماعة الخوف منها والتمادي في الانطواء والانعزال والانتظار بسبب الخوف من المستقبل وعدم وضوح الرؤية" ومع ذلك يعتبر دور جيل الكبار، المسؤول الأول عن حل مثل هذه المشاكل من خلال مشاركة الشباب همومهم وتفهمه لمشاكلهم، وسعيهم ليكونوا القدوة الجيدة للشباب في السلوك والعمل والمشاركة وإلا سيؤدي الامتناع عن إفساح المجال أمام الشباب إلى الصراع بين الجيلين، وسينجم عنه المزيد من إحساس الشباب باللامبالاة والانسحاب عن المشاركة والفعل في المجتمع.
مقترحات وحلول
إن خطورة الآثار والمنعكسات السلبية لظاهرة اللامبالاة والانطوائية على الفرد والمجتمع يستوجب تضافر الجهود ولا سيما مشاركة المفكرين والباحثين في الميدان الاجتماعي والمثقفين والأدباء بغية القضاء على هذه الظاهرة. وفيما يلي بعض المقترحات والحلول:
1 إجراء دراسات ميدانية لظاهرة اللامبالاة والانطوائية على أن يشارك فيها المختصون في مجالات التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع. بغية أن يصار إلى تحديد حجم هذه الظاهرة وغيرها من مشاكل الشباب ومعرفة أبعادها وخطرها على مسيرة المجتمع وتقدمه.
2 العمل على وضع توصيات الندوات الفكرية، ولا سيما الاجتماعات والمؤتمرات وترجمة هذه التوصيات إلى قرارات عملية وعلى سبيل المثال لا الحصر كالتوصل إلى انتزاع قرار حكومي وتطبيقه في مجال المهور والقضاء على ارتفاع المهر وزيادته اللامعقولة.
3 الإسراع في معالجة ما يتعلق بالسلبيات الموجودة في نظام التعليم حالياً. والتي أشرنا إلى بعض منها في سياق هذه الدراسة.
4 مناقشة بعض البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وخاصة ما يتعلق منها بالجيل، والعمل على التخلص من سلبياتها وتوجيهها الوجهة المطلوبة.
5 التركيز على الأعمال الجماعية التي يشترك فيها شباب، بغية إنجاز الأعمال التي تثير اهتمام الشباب بمشكلات مجتمعهم وتشجيعهم على القيام بدورهم نحوها، وبذلك يتم مقاومة مظاهر اللامبالاة ويعمق الشعور بالمسؤولية نحو المجتمع والشعور بالانتماء الفعلي إليه.>
@ الهوامش:
1 ومن هذه المشكلات: اللامبالاة والانطوائية.
2 يغلب على معظم البحوث والدراسات العربية في هذا المجال طابع الدراسات الكلاسيكية الغربية، دون أن تبحث في الأسباب الحقيقية وراء هذه المشكلات والأزمات أي كانت تجزيئية وتعسفية.
3 لا يفهم أننا نرفض الدراسات الوصفية والاستطلاعية، الدراسات الأكاديمية.
4 اختلف الدارسون والباحثون في تحديد الفترة الزمنية لمرحلة الشباب، فالبعض حددها ما بين (18 23 سنة) والآخرون حددوها ما بين (15 25 سنة) و (18 30 سنة).
5 الانطوائية هنا تفيد معنى الانسحاب والبعد عن المجتمع وقضاياه.
6 تعتبر الأسرة من وسائط التنشئة الاجتماعية الأساسية.
7 مجلة الطليعة المصرية، 1966م، بعنوان "التحليل الاجتماعي لمشكلات الشباب في مجتمعنا المعاصر".
@ بعض المراجع والمصادر:
عزت حجازي "الشباب العربي والمشكلات التي يواجهها" سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والعلوم والآداب، الكويت، حزيران 1978م.
محمود عبدالمجيد "مشكلات الشباب في الواقع العربي" مجلة الفكر المعاصر المصرية، العدد 37، القاهرة، آذار 1968م.
محمد علي محمد "الشباب والمجتمع" دراسة نظرية وميدانية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط 1980م.
السيد ياسين "مشكلات الشباب نظرياً وعقائدياً" مجلة الفكر المعاصر المصرية، العدد 64، حزيران 1970م.
ــــــــــــــــــــ(42/115)
لكي ننجح في كل عمل! نصائح لا تقدر بثمن...
نزار الناصر
هناك من الناس من يعمل على عض اليد التي أحسنت إليه, وكأنه يرى في الإحسان إليه نوعًا من إهانة يردها بالإساءة انتقامًا بسبب لؤم طبعه.
وقد قال النبي - ص-: أبت النفس الخبيثة أن تخرج من الدنيا ما لم تسئ إلى من أحسن إليها .
فيجب أن يكون في حياتنا توازن بين عطائنا لأنفسنا وعطائنا للآخرين, وعلينا ألا نضيع سنوات من أعمارنا هباء حتى لا نكتشف في لحظة أننا ضيعنا عمرنا من أجل إنسان لم يقدر هذا العطاء, بل تنكّر له وجحده في غمضة عين. وعلينا جميعًا الحرص على أن تكون لنا علاقة قوية بالله, تحمينا من تقلبات الأيام وجحود البشر, وأن تكون عندنا الشجاعة في التأقلم مع الحياة, على الرغم مما فيها من مصائب وآلام والرضا بها, وأن في كل شيء حكمة, ولكل شيء مغزى. وأجمل مظاهر الشجاعة شجاعة نسيان الإساءة, وكثيرًا ما نقف بيننا وبين أنفسنا بعد مرور السنين, لنشكر في سرّنا من أساءوا إلينا ذات يوم, بعد أن نكتشف كم استفزوا في داخلنا طاقات كامنة برزت إلى وعينا لنرد اعتبارنا عن تلك الإساءة, ونفاجأ كم هم أفادونا من حيث لا يدرون ولا ندري.
وإذا كنا نعامل شخصًا ما باللين والرحمة والإيثار, وهو يعاملنا بالغلظة, فأقل شيء أن نتجنبه ما دمنا فشلنا في كل محاولات إصلاحه وعودته إلى صوابه.
وصدق الشاعر في قوله:
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
وجميل أن يتصف المرء بالرحمة والإيثار ووعي الضمير ومراعاة حقوق الآخرين, فكلما كان أوفر تواضعًا وأبسط حياة وأقرب إلى الناس, كان أوفر سعادة, لكن أن تتواضع لبعض الناس الذين تغيرت طباعهم وانطباعاتهم معًا, وتبدلت نظرتهم إلى الآخرين وإلى أنفسهم, واختفت البسمة من على وجوههم, وغابت في غيوم المادة, وتاهت في مدارات الدرهم والدولار, وغاب لديهم الوازع الأخلاقي, واتصفوا بالأنانية وموت الضمير,إذ يجد الإنسان منهم تعنّتًا وإصرارًا على ما هم فيه. ورحم الله الإمام الشافعي حين قال: أظلم الظالمين لنفسه مَن تواضع لمن لا يكرمه, ورغب في مودة من لا ينفعه.
وكثير من الناس في بلادنا لا يقدرون أحيانًا التواضع, فدائما يعتبرونه سذاجة وبساطة بمعناها السلبي, والأمثلة على ذلك كثيرة: حين تبدي التعاطف والاهتمام لشخص ما ستطرح عليك تساؤلات وشكوك عدة, حتى من قبل الشخص الذي تهتم به, وقد يظن الظنون أو يأخذه الغرور والكبر. بعض علماء النفس يعزون مظاهر الحسد والحقد والضغينة إلى الصفات الغالبة لبعض الناس بسبب فشلهم في حياتهم, وانطوائهم على أنفسهم. أخيرًا ليس هناك علاج أفضل لهذه الانحرافات السلوكية من عودة الصفات الأصيلة إلى نفوسنا وحياتنا, التي اختفت إلى حد ما, كالإخلاص والاعتراف بالجميل والصدق والصداقة, التي باتت نادرة في أيامنا هذه... و... أن يكون للإنسان معنى لحياته بأن يبحث عن الصفات المميزة للعلاقات الإنسانية في العمل كما في الحب, وأن يكون هدف الإنسان في هذه الحياة هو قبل كل شيء تحقيق إنسانيته عن طريق فعل الخير والعطاء الذي هو الحياة.
ــــــــــــــــــــ(42/116)
الأدباء الشباب والملاحظة
فاطمة البريكي
قدرة الأديب على ملاحظة الأشياء من حوله، كبيرة أو صغيرة، مألوفة أو غريبة، واضحة أو خفية، ظاهرة أو باطنة، هي الحد الفاصل بين أديب وآخر.
يحسن بعض الأدباء عملية التقاط الأفكار المهمة الجديدة والمبتكرة، بحيث يقدمون في كل نص فكرًا جديدًا، ومعنى عميقًا، وموقفًا حقيقيًا وجادّا إزاء قضية ما. وفي الوقت نفسه، يوجد عدد غير قليل من الأدباء، الناشئين خصوصًا أو أصحاب التجارب المعدودة والمحدودة، الذين لا يستطيعون أن يقدموا جديدًا يُذكَر على ما سبق أن قدموه في نصوص سابقة، ومن الممكن أن يتنبأ القارئ مسبقًا بما سيقرأ بمجرد أن يرى اسم الأديب، لعلمه بأنه لا يأتي بجديد، وربما لا يحرص على ذلك.
ومن الطبيعي أن يتساءل المرء عن سبب هذا التباين بين الكتاب والأدباء والمبدعين، وأن يفكر في سبب التجديد في نصوص بعض الكتّاب، والتكرار في نصوص البعض الآخر. وكذلك من الطبيعي أن يتساءل عن غلبة ثيمات معينة على مجموعة الكتّاب الذين تجمعهم بيئة مكانية وزمانية متشابهة، مع أن المفروض أن يقدم كل منهم تجربته الخاصة به، والنابعة من ذاته ومن حقيقة انفعاله وتفاعله مع العالم الصغير أو الكبير من حوله.
ويبدو لي أن السر يكمن في مهارة خاصة، يمتلكها بعض الأدباء ويحسنون استخدامها وتوظيفها، ويفتقدها البعض الآخر، أو يمتلكونها لكنهم لا يحسنون توظيفها. وهذه المهارة قد توجد بالفطرة لدى بعض الأدباء، ولكن اكتسابها ليس مستحيلاً، بل يمكن الزعم بأنه سهل وممكن، وقد تحدث عدد من الأدباء اللامعين في بعض الفنون الأدبية عن طرائق اكتساب هذه المهارة، التي يُطلق عليها مهارة "الملاحظة".
إن قدرة الأديب على ملاحظة الأشياء من حوله، سواء الكبيرة أو الصغيرة، المألوفة أو الغريبة، الواضحة أو الخفية، الظاهرة أو الباطنة، هي الحد الفاصل بين أديب وآخر، وهي السر الذي يجعل نصوص بعض الأدباء متجددة، لتصبح العملية الإبداعية وكأنها عملية ولادة حقيقية ومستمرة لكائن جديد في كل مرة، ويجعل نصوصًا أخرى لأدباء آخرين مكرورة ومعادة، لتبدو العملية الإبداعية كأنها عملية اجترار لمخزون موجود سابقًا، لا يحسن الأديب إلا إعادة تقديمه للقراء في صورة أعمال قتلها التكرار، خاوية من الجدة والعمق في الطرح وفي طبيعة المضامين التي تنطوي عليها، بحيث لا يكاد يختلف عمل عن آخر إلا في العنوان ربما.
ولو توقفنا عند بعض نصائح الأدباء المشهورين للأدباء الناشئين سنجد أنهم يركزون على هذه المهارة التي لا تلقى كثير اهتمام من قِبَلهم. ومن أمثلة هذه النصائح ما سطّره "تولستوي" في رسالة كتبها إلى أديب شاب، حيث قال: إن على الأديب تنمية "الملاحظة" في نفسه والاعتياد عليها، وعليه أن يحب ذلك.. ألا يتوقف عن ممارستها.. عليه أن يخمن الماضي والحاضر لرجل من حركة، من عبارة.
و"تولستوي" نفسه لم يكن يملك القدرة على ملاحظة تفاصيل الحياة، وقد ذكر في رسالته هذه أنه سعى إلى تعلم ذلك سعيًا دائبًا، لأنه رأى أن الوسيلة الصحيحة ليحصل الكاتب على نغمته الخاصة وأسلوبه المميز هي التجربة وامتلاك عدة ملاحظة الحياة بطريقة مثمرة. وهذا يعني أن قوة الملاحظة إن لم تكن ملَكة موجودة لدى الأديب فطريًا بحيث يتوجب عليه العمل على تنميتها فقط، فإنها أمر يمكن اكتسابه، بل على الأديب أن يسعى لذلك بجد حثيث، لأنه لن يتمكن من التقدم بأدبه وبمستوى ما يقدمه للقارئ من دونها.
وكذلك فعل "وليام سارويان" الذي أوصى كاتبًا ناشئًا في رسالة كتبها له بأن يكون مرهف الملاحظة أكثر من الآخرين، وأن يكون أقواهم، وعزّز وصيته قائلاً: إنها الطريقة الوحيدة لكي تكتب شيئًا عظيمًا.
ولـ"تشيكوف" رأي متفق مع الرأييْن السابقيْن، إذ يقول: يجب على الكاتب أن ينمي في نفسه مَلَكَة الملاحظة بلا كلل، وأن يجعل من الملاحظة عادة فيه، أي طبيعة ثانية.
ولكن ما هي آلية ملاحظة الحياة التي أوصى بها تولستوي وسارويان وتشيكوف وكثير من الأدباء الكبار الأدباءَ الشباب والناشئين؟ وكيف يمكن أن يقوم الكاتب بملاحظة الحياة؟ أو كيف يعرف أنه يمارس ذلك بالشكل الصحيح؟
للملاحظة "عدّة" بحسب تعبير "تولستوي"، أو أدوات أساسية، يتوجب على الأديب امتلاكها كي يتمكن من ممارستها، ومن أهمها ما يلي:
- رهافة الإحساس، والحساسية الزائدة تجاه كل شيء يحيط به.
- الاهتمام والمتابعة بحرص لكل ما يجري، من أضيق دائرة، إلى أوسع دائرة محيطة به.
- امتلاك قلب محبّ؛ فالأدب مرتبط بالعاطفة، والعاطفة مكمنها القلب، وهو يتسع لكثير من المشاعر المختلفة، لكن الأهم أن يجد الحب مكانًا رحبًا فيه، وهو أمر لا يقدر عليه الكثيرون، ومن المميزات التي تُذكر لبعض الأدباء استطاعتهم النظر إلى العالم بحب، والتقاط الأفكار من المحيط حولهم بحب أيضًا.
- النزول إلى الشارع، والاحتكاك المباشر بالناس، ليس لمجرد نقل صورة واقعية لما يحدث، فهذه مهمة يمكن أن يقوم بها أشخاص آخرون، ولكن ليكون الأديب أمينًا فيما يكتب، ولينطلق من قضايا تمس البيئة المحيطة به بشكل مباشر، بدلاً من الكتابة من "برج عاجي" بحسب التعبير الشائع، وهذا سيساعده على التقاط صور قريبة ودقيقة، لا يسمح له علوّ برجه العاجي برؤيتها بوضوح.
- عدم الاستهانة بأي إنسان أو بأي فكرة، فكل شيء في الحياة -مهما كان بسيطًا في ظاهره- من الممكن أن يكون عظيمًا بحد ذاته، أو أن يكون دليلاً على ما هو عظيم.
- تجديد المعارف وتنميتها، وكذلك تنمية المهارات اللازمة لتوظيف المعارف بالشكل المناسب والجيد.
- تكوين نظرة شمولية عن البيئة المحيطة، ومحاولة تقليب كل تفاصيلها من جميع الزوايا الممكنة، لأن كل محاولة مختلفة باختلاف زاوية النظر إليها قد تولّد فكرة جديدة لا يلتفت إليها سوى الأديب الحقيقي، وبذلك يتميز عن نظرة عامة الناس.
إن هذه الأدوات، أو "العدّة" بتعبير "تولستوي"، لا يمكن أن تنشئ أديبًا من العدم، ولكن يمكنها أن تحدث اختلافًا ملموسًا في المضامين التي يقدمها الأديب، خصوصًا الشاب أو الناشئ، وأن تساعده على التمكن من أساسيات الكتابة القائمة على التجديد والابتكار والإبداع، وتجنبه تكرار نفسه، واجترار ما سبق له كتابته، أو ما سبق له أن قرأه لآخرين غيره.
* ملاحظة: آراء تولستوي وسارويان وتشيكوف مأخوذة من كتاب "لعبة الأدب: عباقرة فن الكتابة يشرحون أسرار المهنة" لفتحي خليل، دار الآفاق الجديدة، 1980.
ــــــــــــــــــــ(42/117)
الشباب والحاجة الى حياة نظامية جديدة
* آمي وتوماس هاريس
1 ـ الأشياء: إننا نشتري ونتابع المشتريات حتى إن كنا لا نستطيع أن نتحرك في منزلنا دون أن نتعثر بصرر وحزم من آخر مشترياتنا إن عدداً لا بأس به منّا هم هواة تجميع، مدمنون، يشترون هدايا، أدوات، فهارس، الخ.. عشاق شراء. وعندما ينفد مالهم يلحسون واجهات المعروضات في المخازن. ماذا يلزمنا كي يكون لدينا ما ينبغي؟ فالأشياء لا تكلفنا ما ندفع من أجلها فقط، إنما الوقت الذي نصرفه من أجلها أيضاً. إن جميع ما لدينا يأخذ من وقتنا حتى إن كنا لا نستفيد منها: فالأشياء يجب أن يزال عنها الغبار وأن ترتب، تصنف، تعلق، تخزن، أو تبوب في جداول أو فهارس، وأن تحمى من الكسر أو العتّ، وأن تؤمّن. ويلزمنا وقت أيضاً حتى لإدانة أنفسنا، كعندما يقع نظرنا على ذلك الشيء الذي دفعنا ثمنه مبلغ (كذا) ولم نستخدمه قط. لكنه هو هنا. وفي كل مرة نراه ـ يا للصفعة! ـ تنتابنا لحظات شعور بالذنب مسروقة من يومنا.
كم من الوقت نصرفه في حثّ أولادنا على الترتيب؟ هل نشعر أننا آباء سيئون لأن أولادنا لا يستخدمون أيضاً جميع ما لديهمظ أوردت صحيفة في مسقط رأسي هذه الجملة لبيل فوغن: (إن طفلاً له ثلاث سنوات هو كائن تسرّه أرجوحة غالية الثمن سروراً مماثلاً تقريباً لما يحدثه له اكتشاف دودة ترابية صغيرة).
قد تجلب الأشياء الصغيرة سروراً أعظم من الكبيرة. إن أحد كتبي المفضلة (الأفكار) لبسكال. يضمّ مجموعة من الخواطر البعيدة المرمى. إن كل جملة فيه تكتفي بذاتها. قال ت.س.ايليوت عن باسكال: (كان ذهنه فاعلاً أكثر مما هو مجمّعاً). هل ذهنك فعال؟ هل الأغراض التي تشتريها تنشط حياتنا الذهنية أو أنها تكتفي بالتجمع كالغبار على رفّ؟ هناك مكان للجمالية، للجمال في ذاته، للوحة فنية على الحائط أو للزهر على طول الطريق. إننا لا نقلل من البهجة التي يحدثها الجمال، إلا أننا نتساءل إن كان ما نشعر به بهجة فعلاً. بنسبة ما ندفع من زماننا، هل المشتريات القادمة التي عزمنا على شرائها تساوي ذلك الزمن؟ أعطتنا الجواب اليزابيت الأولى في كلماتها الأخيرة: (جميع ما أملك لبضع ثوان).
2 ـ البلبلة: السؤال المهم الذي علينا أن نطرحه على أنفسنا ليس معرفة فيما إن كانت لدينا مشاكل، إنما إنك ان ما لدينا اليوم من مشاكل هي نفسها التي كانت لدينا في العام الماضي وفي الفترة نفسها. إن كانت الحال كذلك فكم من ساعات من السنة التي مضت أضعنا في تعذيب أنفسنا بشأنها؟ ألا نستطيع أن نتخذ على الأقل بعض المقررات، وأن ننتقل إلى شيء آخر؟
في وسعنا أن نقلل اختياراتنا. إحدى أكبر فوائد الأسفار هي أن في خزانة غرفة الفندق لا يوجد غير لباسين أو ثلاثة ممكنة. لا يقتضيك غير ثوان لتقرر الثياب التي سترتديها. فعندما نحزم حقائبنا فإن اختيارنا محدد بحجم حقائبنا. الخزائن في المنزل تثير لدينا مشاكل أكثر. كم في خزائنك من ثياب لم ترتدها منذ ما يزيد على عشر سنوات؟ هل عندك منها بمختلف المقاسات تبعاً لتقلب وزنك؟ ربما يجب عليك أن تتخذي قراراً في موضوع وزنك؟ هل تحتفظين بحذاء يوجع رجلك ولم تنتعليه أبداً لأنك لا تتحملين فكرة رمي عرض دفعت ثمنه غاليا؟ً هل تنتعلينه معذبة لتبرري وجوده الدائم في خزانتك؟ من قال أن عليك أن تجتازي العمر يلازمك ألم في رجلك؟ تخلصي من الحذاء الذي يؤلمك، اختاري ثياب الأربعاء في مساء الثلاثاء. من العبث أن تبدئي يوماً جديداً مترددة بين اللون الرمادي واللون البيج. قدّري. عندما تترددين في ارتداء ثوب، أعطيه. وهذا يُسعد شخصاً ما، وأنت تستريحين.
قديماً كان على حائط مكتبي لوحة تقول: (مكتب مرتب جيداً ذهن مشوش). لم يكن ذلك سوى عقلنة محضة. الركام معناه عمل لم يتم. كم مرة تمر قطعة الورق نفسها بين يديك؟ كم من قطع ورق مبعثرة على مكتبك؟ ربما إنك تحتاج إلى نظام. ربما إنك لا تعرف أن تفوض بمهماتك أو أن تطلب المساعدة، وتعيش عندئذ حسب الوصية الحادية عشرة التي تقول: (ستصنع كل شيء بنفسك). إن عدد الساعات في يومك بقدر ساعات يوم رئيس الجمهورية. لا يمكن حكم بلد دون تفويض السلطات. لماذا لا يمكنك أنت؟
3 ـ إنك لا تعرف قول لا: تضيع أيام وأسابيع في مهما كان علينا ألا نقبلها. عرفنا منذ البدء أن ليس أمامنا الوقت وأننا لا نريد تأديتها، وأن لدينا خمسين التزاماً آخر قد قبلناه وعلينا تنفيذه. إن إحدى أفضل الوسائل لإلغاء هذه العادة في قول نعم دائماً، في الهاتف على الأقل، هو أن تقرر عدم اتخاذ قرار في الحال. قد يقتضيك بعض الوقت للقول: (سأراجع جدول مشاغلي وسأفكر. سوف أتصل بك). لكنه لا يوازي وقت تأدية مهمة كان يجب ألا تقبلها أبداً.
4 ـ إنك لا تعرف أن تقاطع الناس: يمكن للتهذيب أن ينخر أيامك. هل سبق لك أن أصغيت إلى محادثة طويلة ذات اتجاه واحد تنصبّ بلا توقف كدفق الملهاب، وأنت تعرف منذ البدء أنك قد تأخرت عن موعد؟ نستطيع تعلّم مقاطعة محدثينا دون أن نكون أفظاظاً. وهذا على كل حال أفضل من أن نقول ذلك بنفاد صبر بجسمنا الصارخ بالغضب.
5 ـ تنفير الأحاسيس: هناك دائماً سبب ليفعل الناس ما يفعلون. إنهم يبحثون غالباً، تعبين ومهمومين، عن تسلية في الترضية المؤقتة، لاتي تحرمهم من الشيء الوحيد الذي يشعرهم بتحسن، ألا وهو المداعبات. إن تلك المؤسسة الأميركية الحقيقية التي هي الكوكتيلات تتوصل إلى إضعاف التبادلات أسرع من أي من طقوسنا الاجتماعية. فحين نكون شرهني للمداعبات، كما نحن عليه جميعاً تقريباً. من السخرية أن نقضي وقتاً سوية في تنفير أحاسيسنا في أسرع ما يمكن: (ماذا أقدم لك؟) هو السؤال الذي يستقبلك منذ الباب أكثر من: (كيف حالك؟). في إنكلترا يقدّم (الشيري)، مع شيء من التحفظ في كؤوس صغيرة. قد تدفئ جرعة شيري القلوب وتريح الأعصاب التعبة بعد يوم عمل. لكن كم جرعة يلزمنا؟
أمضت سيدة منزل أسبوعاً تهيئ وليمة حقيقية، والحليمات الذوقية لجميع ضيوفها مخدرة بالكحول. يا للتبذير! أذكر أياماً من طفولتي نستقبل فيها الضيوف كنا لا نقدم فيها الكحول. فالاجتماع يكفينا. تجري المحادثة مجراها الطبيعي. إن كوننا مجتمعين معاً، حتى الصمت، وكل شيء مستحسناً في ذلك التجمع الجالس في الدفء مصغياً لنفيق الضفادع العذب، وفي بعيد صفير القطار مخترقاً الجبال. لم يحتج أحد إلى (مزيل للانقباض). وعندم كان أحد ما يتكلم، مهما كانت سنّه، من العمّة الكبيرة الى طفل كان كل واحد يصغي.
عندما نقتل الأحاسيس نقتل الوقت. كم من سهرات ضائعة ومحادثات منسية ومداعبات غير ملحوظة عندما يرد الناس، رويداً رويداً، نسيانهم! يرى بيرن أن الناس يشربون لينقصوا مراجعة الأبوين وليسمحوا للطفل أن يخرج، ويلعب. إن الأبوين، حسب رأيه، أول مَن ينسحب. إنا نعتقد أن الشخصيات لاثلاث متضررة بالكحول في آن واحد. وأن عمل الراشد يضعف أيضاً، ويفضي إلى نتائج مدمرة غالباً. إذ أن المحاكمة تتشوه. والطفل، دون حماية، يجب أن يشعر بارتياح، لكنه يشعر بالضر في اليوم التالي من جراء ما قال أو فعل أو نسي. إن خير وسيلة للتحرر من إكراه الأبوين هي التقصي. والذين يتعاطون المخدرات هم أيضاً مخبولون، وغالباً ما يتصرفون كالبهائم. يمرحون وينتشون، ويشبه تواصلهم مصباً، لا شيء في أعلى. لا تسمع مساهمات الآخرين. ولا تسجل فيما بعد أي تبادل لأية مداعبة.
6 ـ التلفزيون: دلّت دراسة حديثة أن اجهزة التلفزيون تشعل، في الولايات المتحدة، سبع ساعات يومياً، وهكذا فساعات الاستراحة الثماني تذهب! حتى إن اعترف للتلفزيون بجوانب يمكن أن تكون حسنة، فهو يريح، يسلي، يربي، إلا أنه لا يوفر مداعبات أبداً. إننا ننظر فيه إلى أناس لا يهتمون بنا، إننا ننظر إلى علبة كبيرة جامدة. وما هو محزن هو رغم حبنا للممثلة الجميلة فإن الممثلة الجميلة لا تستطيع أن ترد علينا حبنا. لقد أمسَت المسلسلات، بالنسبة لبعض الناس، أكثر حقيقة من حياتهم الخاصة. قال لنا رجل إنه لا يتأثر بالتلفزيون، وعندما سئل عما يستعمل من معجون الأسنان سمّى صنفاً. ولما سئل عن سبب اختياره لهذا الصنف، أجاب: (لأني لا أستطيع أن نظف أسناني بعد كل طعام) وبذلك أجاب بكلمات الدعاية لذلك الصنف بالضبط.
إن إحدى أخطر مشاكل التلفزيون هو أنه يسرق منا فرصة أن نخلد إلى أهم وظائف الذهن البشري: الخيال. عندما نشاهد التلفزيون إنك في التجربة، وعمل الذهن التخيلي واقف. الصورة هي هنا من أجلك. إن عمل الخيال واحد من أهم الأفعال في تطور ذهن الأطفال. فلا يلزمه أكثر من ذراعي مكنسة وشجرة وغطاء ليبني بيتاً على العشب. يمكن أن يكون في تصوره قصراً أو مغامرة قاطع طريق أو بيت لعبة. إن من العسير أن نتصنع، أن نتظاهر بمظهر اللامبالاة الخادع، عندما يأسر حواسنا ما يصدر عن محطة التلفزيون. فعندماً تقرأ كتاباً أنت تضيف شيئاً إلى التجربة، تتخيل البطل أو الشرير، تلبسهما من ذخيرتك الخاصة الغنية من تجارب ماضية. ألم يسبق لك أن خيّبك فيلماً مأخوذاً عن كتاب كنت قد قراته؟ هل تماثل الصورة تلك التي رسمتها في رأسك؟
ليس المقصود شنّ حرب كلامية على التلفزيون، إنما التحذير من تلك الطريقة في المشاهدةدون التفكير فيما يجري على الشاشة. إن ثمة وقاية جيدة ضد سموميّته في أن تختار في الجريدة الرامج التي ترغب في مشاهدتها وأنت تفكر في الطريقة التي تستطيع أن تمضي وقتك بطريقة مرية إن كنت تودّ ذلك.
7 ـ استخدم أفضل فتراتك في مهمات تابعة: أية ساعات من نهارك هي الفضلى والأكثر إبداعية؟ إنها تقع للعديد من الناس في الصباح. هل تمضي إذن نصف صبيحتك في قراءة الجريدة، بينما تستطيع أن تخلق الحادث أنت نفسك؟ ضعها جانباً إلى فترة أخرى، عندما تحتاج إلى الاسترخاء وإلى وقفة. ستنتظرك الأنباء. أما إذا استبدت بك العادة فألقِ نصرة على الصفحة الاولى وأبقِ الصفحات الأخرى إلى فيما بعد. إن لك الخيار.
8 ـ تفويت المناسبة: عندما تطلب زيادة من رب عملك أو معروفاً من قرينك فنجاحك منوط باللحظة المختارة. لن يجديك شيء حين تزين التماسك بأبهى ما عندك إن لم تختر اللحظة المناسبة لقديمه. إن معنى الوقت المناسب يأتي مع الوعي بالآخرين. عندما يكون الآخر على عجلة من أمره، ومنهمك، ومنكد، فإن طلبك، مهما يكن معقولاً، يتعرض ليكون آخر قطعة ثلج التي تكسر غصن الشجرة.
9 ـ بيت منزّه عن الشوائب: إن تنظيف البيت ـ كما قالت لنا إيرما بومبك ـ كضمّ اللآلئ في خيط ليس في نهايته عقدة. بوكمنستر فوليه، العاكف علىم داعبة صلب البقرات المقدسات على الدوام، يقدم لنا هذا الوصف لأميركا في بيوتها: (إني أتصور أن اليوم يتقطع إلى مهمات روتينية لأن النظافة تأتي مباشرة بعد القداسة في المصورات الشعبية. ساعة ونصف لغسل أواني الطعام، وساعةونصف مكرسة لغسل الثياب والمناشف وأغطية الأسرة، وساعة واحدة لتنظيف البيت وترتيبه، وساعة واحدة للتغسيل والتزيين الشخصي، وساعتان لإعداد الطعام يتخلل ذلك كله ساعة راحة لظهرك المتوجع. ونصل إلى الساعة الثامنة المكرسة لأوساخ البارحة لنتلافى أن تصير تلك الأوساخ قذارة اليوم وأمراض الغد. وفي تلك الساعات الثمان المكرسة لتنظيف أوساخ الأمس، لا وجود لفعل واحد بنّاء، ولربح واحد، ولا لأي تحسن في مستوى الحياة.
إني أتصور أنه يلزم يوم سابع ليكرّس للراحة ولكثير من الصلوات والمواعظ والمزامير للاحتفاظ بمرح وظرف الأم ـ سيدة ـ البيت التي تنقل مهارتها تدريجياً إلى الجيل التالي).
سواء أكنا متفقين أو غير متفقين مع تصريحات فوليه ـ ينبغي أن يغسل أحد ما البلاط ـ علينا أن نطرح على أنفسنا سؤالاً مهماً: هل لنا الخيار؟ أليس هناك من وسيلة أخرى لتنفذ تلك الأشياء؟ لقد دلّ استقصاء أن 84 في المئة من النساء اللواتي يشتغلن خارج بيوتهن يهتممن وحدهن تقريباً ببيتهن وأسرتهن. أضف إلى الاستخدام الكامل للوقت، الساعات المكرسة لتنظيف أوساخ السهرة، وتلقى امرأة متعبة جداً. ليس أمامها أية فسحة للترويح عن النفس. ومع ذلك ينبغي أن نتذكر أن الناس الذين لا يجدون وقتاً للاستراحة يجدون، إن عاجلاً أو آجلاً، الوقت ليقعوا مرضى.
10 ـ لا تشغل بالك بهموم تتعلق بسنك: يمكن للتجاعيد أن تقتلك، إن كنت تعاني عللاً في معدتك، كلما نظرت إلى المرآة. التجاعيد تروي حكايتنا. شأنها شأن الندبات التي تخبرك عن أمور كثيرة مفيدة. إنك جرحت والتأم جرحك. تظهر الصور الأخاذة لأكبر المصورين، بجلاء وبأضواء متباينة المنطقة المصابة بحادث في الوجه البشري. هل من الإنصاف أن يكون للرجال تجاعيد ولا يكون للنساء منها؟ أيّ ضرّ في أن نكون من نكون؟ لا أريد أن أقول إن مظهرنا لا أهمية له. إن مظهراً صحيحاً هو بيان سياسي وتعبير عن احترامنا لأنفسنا أو عدم احترامنا لأنفسنا. إن في هذا المثل السائر شيئاً من الحق: (لن تعطى أبداً حظاً ثانياً كي تقدم انطباعاً مواتياً).
11 ـ السهر متأخراً: يحتاج جسمك إلى حياة نظامية. نستطيع في سهرنا أن نربك جسمنا كما لو أننا اجتزنا عدة مناطق زمنية. وكما قال الدكتور تروبلود: (العيش على مخزوننا بعد أن ينفد).
إنك تعطي انطباعاً أولياً أفضل لو كنت يقظاً.
ــــــــــــــــــــ(42/118)
الامن النفسي وحسن اختيارك للحياة
يعتبر القلق مرضاً من أخطر أمراض البشرية المعاصرة التي تهدّد الانسان، وصحته النفسية والجسدية، وتدفع به الى أنماط السلوك المنحرف.
والقلق كما عرّف هو: (انفعال مركّب من الخوف، وتوقع الشر والخطر والعقاب).
والقلق مشكلة من أخطر مشاكل الشباب، لاسيما في مرحلة المراهقة، خصوصاً لدى الشاب الذي نشأ وتربى في أجواء البيئة والثقافة التي تفتقد الايمان بالله وقيم الأخلاق، وتصوّر الاحصائيات التي تسجلها البحوث والدراسات والمصحات النفسية، هذه الظاهرة بشكل مفزع في جيل الشباب.
فالقلق كثيراً ما يتحول الى ممارسات خطرة، وجرائم مأساوية، أمثال الانتحار، واللجوء الى المخدّرات، والشعور باللامعنى للحياة، والاصابة بسرعة الانفعال، وبالأرق والأمراض العصبية والجسدية الخطيرة، واللجوء الى التدخين، والتعبير المنحرف والشاذ.
ومن مظاهر القلق الخطرة في هذه المرحلة، هي مرحلة القلق الفكري، وعدم الاستقرار العقيدي، والانتماء الاجتماعي والسياسي، لذا كان من السهل اجتذاب الشباب نحو الآراء والنظريات التي تقدّم كبدائل فكرية في المجتمع.
ولعل أهم أسباب القلق لدى الشباب هي: الفراغ الفكري الذي يدفع الشباب الى اعتناق الأفكار التي يتصورون صحتها، وفقدان الايمان بالله سبحانه أو ضعفه، الاحساس بالخوف على المستقبل، الاضطهاد السلطوي، البطالة وتردّي الأوضاع المعاشية، وغياب الأمل في تحقيق الأهداف المعاشية، الخوف من الفشل الدراسي وتلاشي الطموح المدرسي، الخوف من الاصابة بالأمراض، لاسيما الأمراض الوبائية، كمرض الايدز، مشاكل الجنس، والخوف على مستقبل الحياة الزوجية.
وتفيد الدراسات والاحصاءات العلمية أنّ ظاهرة القلق تزداد اتساعاً في صفوف الناس؛ لاسيما في صفوف الشباب، في البلدان الغربية التي يضعف فيها الايمان بالله سبحانه وتعالى، أو ليس للدين الحق تأثير في سلوك الانسان فيها، كأمريكا وبعض الدول الاوربية والآسيوية.
ان عقيدة الايمان بالله وتفويض الآمر اليه، والرضا بقضائه وقدره وحكمته وعدله، وحبه لخلقه، ورحمته بهم، واتخاذ ألاجراءات القانونية والاخلاقية اللازمة لحل مشاكل الانسان الاقتصادية والاسرية والغريزية والاجتماعية، هي الأساس والقاعدة لحلّ مشكلة القلق وتوفير الضمانات الأمنية والمعاشية واحترام شخصية الانسان وكرامته، والتي تستأصل معظم مناشئ القلق ودواعيه.
نذكر من معالجات القرآن لهذه المشكلة توفير الأمن النفسي، الناشئ عن الايمان بالقضاء والقدر الالهي العادل كما في قوله تعالى: (قل لن يصيبنا الاّ ما كتب الله لنا). (التوبة / 51)
(الذين آمنوا وتطمئنّ قلوبهُم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئنّ القلوبُ). (الرعد / 28)
وتثبيته وثيقة الحقوق المعاشية للنوع البشري الذي خوطب به آدم عليه السلام : (إنَّ لك ألا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى). (طه / 118 ـ 119)
(فليعبدُوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف). (قريش / 3-4)
انّ هذه الوثيقة لهي من أهم الضمانات الموفّرة للأمن النفسي للانسان، وابعاد شبح القلق والخوف من أزمات الحياة المادية، ودعوته الى توفير الأمن الاجتماعي واقامة العدل السياسي، كما في قوله تعالى: (انّ الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي....). (النحل / 90)
ــــــــــــــــــــ(42/119)
ما الذي يجعل البعض متميزا بالعطاء والحب؟
تقوم فلسفة الإنسان السوي في الحياة، على مبدأ الحرية في العلاقات الشخصية، ومن الطبيعي أن يختل التوازن وتعترضنا فوضى مشاعر، ويسيء البعض للآخرين من دون قصد، وربما نتلقى معاملة غير منصفة لا مبرر لها.
الحياة ازدحام بالمطالب والأعباء، والانسحاب والتغاضي عن تجاوزات الآخرين خيار سلمي صائب، وغير الطبيعي أن تكون ردود فعلنا إزاء فظاظة الحياة، الاستمتاع باستنزاف وترويض الآخرين كأسلوب للتعامل، ليتحول الأمر الى سيطرة مرضية.
علمتني الصفعات المتكررة درسا في الإنسانية، وبدلا من أن أحاصر نفسي بالدفاع المستميت عن ذاتي، وأتحول بالتدريج إلى كائن شرس منتقم، استطيع أن أتحرر بمزيد من الحب.
ما الذي يجعل البعض متميزا بالعطاء والحب؟ وممتلئا بضبط النفس والوداعة واللطف؟
إنه الحب الإنساني غير المشروط الذي لا يدفعك لسلب حقوق الآخرين..
ولكن، للأسف، غالبا ما نقع ضحايا علاقات اجتماعية عقيمة، تشبه بثا تلفزيونيا متقطعا، يغلب عليه التشويش، وهو مجرد ضوضاء مقلقة ومملة، ولكن، للأسف ايضا، لا نملك الشجاعة للتراجع، فالخوف من التغيير هو احد عيوبنا.
ربما هذه هي البداية المتوترة التي خلقت بداخل البعض الاضطراب ليحترفوا بمهارة فن التملق والتعامل بأنانية، ليكون شغلهم الشاغل، إثبات قيمهم الشخصية من خلال السيطرة على الاخرين او امتلاكهم.
الحب اسمى صور النضج، ومسؤولية يعبر بها بالتعاون والتضحية والالتفات لمصلحة الطرف الاخر، فإن لم تتضمن تصرفاتنا كل هذا، فذلك يعني أننا لا نحب وأن مشاعرنا مجرد رد فعل طبيعي إزاء ما يقدمه لنا الآخرون، وعند أول عاصفة ستنهار هذه العلاقة.
نحن بحاجة ماسة الى أن نتعلم كيف نتحول الى شخصيات مستقرة وواثقة وتمتلك الشجاعة لالتماس العذر وإعفاء الآخرين من دفع الثمن.. ان الحرية التي تحيلنا الى عبيد لغرائزنا ليست حرية، بل قيد يكبلنا ويشلّ إرادتنا ويسحق شخصيتنا.
أمل أنورـ
ــــــــــــــــــــ(42/120)
كيف تتزوج الفتاة من شاب مسافر؟
ترك بلاده باحثا عن المال والاستقرار، يكد ويجتهد ويتذوق مرارة الغربة التي فرضتها عليه ظروف بلاده .يعود بعدها لينتقي عروس من صميم عاداته وتقاليده، فيؤسس منزل ويرزق باولاد ويستقر من النواحي العائلية والعاطفية، لكن المشكلة الابرز تبدأ بتهديد حياته واستقراره، فكيف سيختار العروس وهل ستوافق على العيش معه في الغربة؟ماذا لو رفضت الابتعاد عن اهلها؟ كيف سيعوض لها وهي معه في غربتها التي وضعها فيها وهو في عمله معظم الاوقات؟ ، فكيف تتقبل الفتيات هذه الخطوة وما هي مخاوف الشاب من فرض غربة قصرية على حياة شريكته؟
رائدة (27 عاما) تعد حالياً أوراقها للسفر إلى زوجها في ألمانيا " تقدم لخطبتي عن طريق الأهل، فهو مغترب في ألمانيا، تحدثت إليه مرات عدة عبر الهاتف، وشعرت بأنني أستطيع أن أتابع حياتي معه، فوافقت، وأنا الآن أنهي أوراقي للحاق به، وأتوقع أن تواجهني صعوبات لكن سأحتملها لأن الحياة في البلاد الأجنبية ستؤمن لي حياة أكثر رفاهية ويسرا وحرية من تلك التي أعيشها هنا، كما أن الغربة تجعلنا نتعرف على بلد آخر مختلف بتقاليده وعاداته وشعبه وحضاراته، ولا شك أنني سأفتقد أسرتي وأصدقائي، وقد أعاني من صعوبة تكوين علاقات جديدة ضمن مجتمع غريب، لكن إذا كان الشخص هو المناسب فإن الفتاة بشكل عام تتشجع أكثر لخوض هذه التجربة، وعندما تكون سعيدة مع زوجها، ستجد الراحة أينما حلت".
وتعتبردلال (23 عاما) " ان زواج الغربة يعطي فرصة كبيرة لحياة وتجربة جديدة وغنية، تكون شخصية الإنسان وتصقلها"، والصعوبة الأكبر بالنسبة لها هي أن يبقى الإنسان معتمداً على أهله وأصدقائه في أمور حياته، وتضيف " الغربة تعطي فرصة لاختبار قدرات الشخص وامتحان نفسه في الصعوبات والقدرة على التحمل، لكن شرط أن يكون الشاب صاحب أخلاق حميدة، محافظا على عاداته وتقاليده وعلى دينه، فالغربة قد تكون أثرت بصورة سلبية بحياته، فلا بد أن تتعرف الفتاة عليه عن قرب ولمدة زمنية كافية قبل أن تقرر".
العنوسة أفضل!
أما مها (25 عاما) التي عاشت وسط أجواء كثرت فيها هذه الانواع من الزيجاب فلها نظرية مغايرة " أتعس زواج هو زواج الغربة، لأسباب عدة منها أن الفتاة ستقترن بشخص لا تعرف طباعه أو شخصيته بصورة جيدة، وعندما يتم الزواج تكون الصورة التي كونتها عن زوجها غير مكتملة، وقد يكون بعكس ما وصف به نفسه، وتبدأ عندها المشكلات، وأغلب هذه الزيجات تكون نهايتها الفشل، وغالباً ما يكون الزواج قائم على مبدأ المصلحة، وموافقة الأهل تكون نابعة من رغبتهم في فسح المجال لبقية أفراد أسرتها بالسفر، أو لتحسين أوضاعهم المادية، وغالباً ما يكون هذا النمط من التفكير هو السائد لدى الأهل الذين يوافقون على تزويج بناتهم بهذه الطريقة، ولكن الفتاة قد تنخدع بحياة "الحرية" التي تفتقدها في مجتمعنا الشرقي، وأعتقد أن الزواج بهدف الحصول على حيز من الحرية أوسع وأكبر تكون صاحبته مخطئة، فهو سبب غير كاف مقابل ما قد تواجهه من وحدة في بلاد الغربة".
واختصرت جيهان ( 26 عاما) حياة الغربة بالقول،" هذه هي الحال في بلادنا ولا بد لنا ان نوافق على هذا النوع من الزيجات لانه لا يوجد شباب الا ومهاجر او يقطن في بلاد الغربة"، جيهان مخطوبة حديثا الى شاب يعمل في البلاد العربية ولا تجد اي صعوبة في السفر معه رغم انها متعلقة بأهلها كثيرا" انما ليس في اليد الحيلة، كما وان غربة مع حياة كريمة وزوج متفهم افضل من القرابة وعدم اتفاق بين الزوجين".
اما دنيا( 28 عاما) تزوجت منذ حوالي الستة اشهر وانتقلت للعيش في السعودية، اتت لتزور اهلها لانها اشتاقت اليهم ولكي ترفه عن نفسها قليلا." اذا ارادت المرأة ان ترتاح مع زوجها بالطبع سترتاح خصوصا ان الحياة في الرياض منظمة جدا، انا وهو راس برأس"، الا انها تلفت الى النساء "النيقة" كما وصفتهن على انهن لا يستطعنا العيش لا في بلاد الغربة ولا في بلادهم. وتنصح الفتيات اللواتي يتزوجن ويذهبن مع ازواجهن الى تحديد هدف معين من الزواج الا وهو الاتفاق.
يريدها تناسبه...
واذا كانت الفتاة تحاول التأقلم قدر المستطاع من اجل حياة كريمة مع زوجها، فما هو رأي الشاب المسافر والذي يعود لبلده لانتقاء عروس وما هي المشاكل التي تواجهه؟
خالد(30 عاما) تزوج من فتاة تعرف إليها عن طريق الهاتف فيقول"في البداية لم أفكر بالزواج، فأنا أعيش في الغربة، واعتدت على حياة العزوبية، وكل ما يريده الإنسان من متطلبات الحياة يستطيع أن يوفرها بنفسه، دون أية صعوبة في هذا الأمر، لكن عندما فكرت أنه يجب أن يكون لي أطفال، وأنني سأكون في سن متقدم من العمر عندما يصبح أولادي في سن الشباب، قررت أن أدخل القفص الذهبي، وبما أنني في الغربة، كان لا بد أن أفكر بفتاة من الوطن تعيش التقاليد والعادات التي تربينا عليها، واقترح الأهل على فتاة معينة، تحدثت معها في البداية عن طريق الهاتف، وكانت هناك رسائل كثيرة بيننا، وعندما عدت إلى الوطن التقيت بها وجلسنا وتحدثنا في أمور كثيرة وكنت دائما أبحث عن صيغة للتفاهم بيننا، وكان أن اتفقنا، وأنا سعيد في زواجي وأعتقد أنها هي أيضا سعيدة، وسأعود بعد فترة إلى الدانمارك حيث كنت أقيم، وطبعاً برفقتها".
ويرى طارق(24 عاما) أن هذا النوع من الزواج خطأ كبير إذا لم يتم التعارف مسبقاً، لأن الحوار يكشف كلا منهما للآخر، واللقاء مهم جداً، فقد يرتاح الإنسان للشكل الخارجي لكن عندما يتحدث مع الآخر لا يتقبله، الزواج عن طريق أشرطة الفيديو أو الصورة الشخصية، هو أسلوب لبداية التعارف فقط، ويعتقد أن الزواج أمر آخر يحتاج إلى دراسة متعمقة وبحث في إمكانية التوافق بين الشخصين، ومقدرة كل شخص على استيعاب الآخر، وهذا لا يؤمنه اللقاء الواحد أو الاتصال الهاتفي".
وحال احمد(33 عاما) كانت مختلفة، لقد تعذب كثيرا اثناء زواجه وانتقال زوجته للعيش معه في احدى البلدان العربية،" تعذبت كثيرا لانني لم استطع ان اجد لها عملاً هناك، وكنت عندما اعود الى المنزل واراها ذابلة ويائسة، اتضايق كثيرا، لكن بعد عام فرجت وبدأت بعمل في كمدرسة وتغيرت حياتنا كليا، فأصبحنا نعيش الحب من جديد، بعدما كانت وحدة الغربة تحاول قتله".
رغم كل المخاوف التي تهدد حياتهم يبقى زواج الفتاة من شاب مسافر هو الحل الوحيد لتوديع الفتاة للعنوسة وطرد الشاب لعزوبية موحشة في بلاد الغرباء، وهو الحل الوحيد رغم ما يحيط به من مخاوف ومطبات نتيجة التباعد وعدم امكانية فهم حقيقة الشريك لكن الايام ستكشف الخبايا ما على الفتيات الا الانتظار.
ــــــــــــــــــــ(42/121)
كرة القدم الاستثناء الأجمل في العولمة
يرى الكاتب الفرنسي باسكال بونيفاس ان كرة القدم هي الاستثناء الاجمل في ظاهرة العولمة وانها الوسيلة التي تبقت لتحقيق التقارب بين الشعوب والمحافظة على الهوية الوطنية.
وقال بونيفاس وهو ايضا مدير معهد العلاقات الاستراتيجية في كتابه "كرة القدم والعولمة" الذي يقع في 174 صفحة انه "على الرغم من كونية كرة القدم الا انها تبقى من الظواهر الحامية والمدافعة عن الهوية الوطنية مقارنة بالظواهر الاخرى المرتبطة بالعولمة والتي تذوب فيها الوطنية".
وتستضيف الدورة الرابعة والعشرين لمعرض الكتاب الذي يستمر حتى الثامن من مايو ايار كتابا عالميين بارزين من بينهم البرازيلي كويلهو للانفتاح على تجارب عالمية على حد تعبير منظميه.
ويقول بونيفاس الذي يصف نفسه بانه من اشد المولعين بكرة القدم "لو عمل الامريكيون على نشر الديمقراطية بنفس الحماس الذي نقل به الانجليز كرة القدم لكان الحال افضل اليوم في العالم".
وعادة ما يثير بونيفاس جدلا سياسيا واسعا في اغلب كتبه التي تتناول الواقع الجيوسياسي العالمي والعلاقات الدولية من ابرزها كتابه "نحو الحرب العالمية الرابعة".
واعتبر الكاتب الفرنسي ان "الاستثناء في كرة القدم انها لاتزال من ظواهر العولمة التي تأتي لصهر الهويات الوطنية بدلا من الانسلاخ عنها".
واستدل على ذلك "باحتفاء الكوريين الشماليين بالنصر الذي حققه منتخب كوريا الجنوبية في كأس العالم".
ومضى يقول " شيء اخر ايضا مهم.. الكل يخشى الولايات المتحدة سياسيا واقتصاديا لكن لا احد يخشاها في كرة القدم التي لا تسيطر عليها الولايات المتحدة".
ويصف الكاتب كرة القدم بانها "عامل يهيء الساحة الدولية لما هو افضل".
ويقول ان "الفيفا نجحت في احداث تقارب بين الصين وتايوان.. فالصين التي ترفض عضوية تايوان في الامم المتحدة تقبل بها في الفيفا".
ولا تقتصر استثناءات كرة القدم عن باقي مظاهر العولمة في الجانب السياسي فقط بل تتجاوزها لتشمل الجوانب الاجتماعية والاخلاقية ايضا من منظور باسكال بونيفاس.
واعتبر بونيفاس ان كرة القدم هي رياضة الفقراء ورياضة ديمقراطية للجميع بقطع النظر عن النشأة الاجتماعية اوالعرقية.
وفسر رأيه قائلا "كرة القدم نجحت في القضاء على العنصرية في البرازيل مثلا حيث لم يعد يمنع اصحاب السود واصحاب الشعر المجعد من البرازيلين من اللعب في المنتخب ليسطع نجم البرازيل في العالم منذ 1934".
وحتى موجة العنصرية التي تجتاح ملاعب اوروبا في الاونة الاخيرة اعتبرها الكاتب استثناءات.
وقال "الا تتذكروا في مونديال 1998 انه لم يشفع لنجم فرنسا زين الدين زيدان تالقه الكروي بعد قيامه بحركة غير رياضية ضد لاعب المنتخب السعودي وواجه حملة انتقادات من وسائل الاعلام".
واضاف "لاتنسوا الدور الهام لمختلف الاجناس الافريقية ومن جنوب امريكا في البطولات الاوروبية من لاعبين هم اساس شهرة فرقهم".
ولبونيفاس الذي يدرس بالجامعة الفرنسية اكثر من 40 كتابا تتعلق بالعلاقات السياسية.
ــــــــــــــــــــ(42/122)
هل الشباب بحاجة إلى قدوة
محمد جزائري
إذا سألك أحدهم عن أهم مأزق يواجه الشباب، فعليك أن تعتدل في جلستك وتبدأ في تغيير ملامح وجهك الى الشكل الجاد وأخذ نفس عميق والإدلاء برأيك الجهنمي الذي يؤكد على أن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب القدوة.
نحن مجتمعات تعشق التسلط، والقدوة ببساطة هي شخصية ذات سطوة نفسية على الشاب تثير فيهم الاعجاب أو الدهشة إلى حد التبعية.. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
الذين يصرون على أهمية وجود القدوة لم يوضحوا لنا مقاييسهم المحددة في اختيار هذه الشخصية التي تستحق أن تكون قدوة ومثلاً يحتذى. ولا أعتقد في من يقولون إن الشباب يبحثون عن قدواتهم في ملاعب الكرة وقنوات الغناء أصحاب نظرة عميقة بل هم اصحاب نظرة قاصرة، فالشاب عندما يتابع أخبار لاعب مبدع في ارض الملعب فهذا ليس تعلقاً تبعياً، والشابة التي تقوم بقصة شعر مشابهة لقصة مطربتها المفضلة ليست ذات شخصية سطحية منقادة ومولعة بكل ما تفعله هذه الفنانة.
الأسوأ أن تجد بعض الشباب يرددون هذه النظرية بدون تمحيص، وبدون أن تكون لهم رؤية واضحة حول مفهوم القدوة.
يقول ياسر الزهراني، 18 عاماً، «القدوة في رأيي هي المثل الأعلى، وأن أحترم شخصاً ما وأعتبره قدوة لي ولكنني آخذ منه الصحيح واترك السيئ». أما ماجد مطشش، 17 عاماً، فكان له رأي مختلف بعد تفكير وقال «انا لا اعترف بالقدوة وليس هناك ما يسمى قدوة يجب اتباعه كما هو والتعلق به».
غير أن حمزة محمد من ذات الفصل الدراسي يعود ليخالفه بأنه يرى أن «القدوة يجب أن يكونوا مدرسو المواد الدينية» فهم في رأيه «أناس صالحون.. وأتمنى من الله أن أصل الى مستواهم». أما جلال الشخص فكان له رأي أكثر صرامة ولكن على نفس النسق ورأى أن «المجتمع يضيع اذا كان من دون قدوة. لا بد من وجود قدوة في حياتنا، وهو من بلغ مبلغا عالياً من العلم وله من الصلاح ومظاهره الكثير».
أكثر من ثلاثين طالبا دراسياً في المرحلة الثانوية شاركوا في الحوار ولم يخرجوا عن فلك الاراء آنفة الذكر. اذا كان من جانب تبرزه آراء الطلاب ذات النسق الواحد فهو فشل المؤسسات المدنية والتعليمية في بناء شخصية مستقلة لدى الناشئة. كما أن الأندية الطلابية في المدارس والجامعات غير قادرة على تنمية شخصية طلابها ودفعها للاستقلالية. ما يجب ان يعيه الشباب أنه يجب أن يسود عصر القدوة المؤسسة اذا كنا نريد بناء مجتمعات حقيقية، لا ينتخب فيها الانسان ممثله في المجلس البلدي لأن قدوته اختار له هذا القرار.
المصدر: الشرق الاوسط
ــــــــــــــــــــ(42/123)
آليات عبور المراهق إلى بر الأمان
فترة المراهقة أخطر المراحل في عمر الأبناء ، إنها أيضا تسبب قلقاً شديداً لدي الآباء، وغالباً ما تكون هناك أسئلة كثيرة تدور في فكر الآباء عن طريقة التعامل السليمة مع هذه المرحلة وكيفية الوصول بالأبناء إلي بر الأمان ؟
في هذه المرحلة يمر المراهق بثورة عاطفية ونمائية وفكرية وأخلاقية واجتماعية ونزعة قوية للاستقلال بالذات وهي تكون مدخل لحياة الرشد وبالتالي يجب علي كل أب وأم استيعاب هذه المرحلة جيداً حتي تمر هذه المرحلة بسلام.
ويعرف علماء النفس المراهقة بأنها المرحلة التي تبدأ بالبلوغ وتنتهي بدخول المراهق في مرحلة الرشد وفق المحكات التي يحددها المجتمع ، والتي تحدث فيها مجموعة من التغيرات في نمو المراهق الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، ومن ضمنها التغيرات التي تطرأ على وظائف الغدد الجنسية، وهي فترة خصبة في حياة الإنسان إذ تنمو فيها القدرات البدنية والعقلية وتأخذ صفات المراهق في الظهور وتستمر في التطور إلى أن تصل إلى مرحلة الرشد حيث يباشر دوره في الحياة العملية باستقلال كامل وحرية مطلقة.
ويترك النمو الجسدي أثرا نفسيا على المراهق فيشتد اهتمامه بمظهره وصحة جسمه ورشاقته ومحاولة جذب انتباه الآخرين إليه،أما في النمو العقلي للمراهق فيتضمن التغيير في القدرات العقلية العامة والخاصة وصولا به إلى مرحلة الاستعداد الوظيفي المتكامل، واهم ما يميز النمو العقلي في هذه المرحلة هو نمو القدرات والمواهب، كما تمتاز بتطور على صعيد الآراء والمواقف،ويمر المراهق بمرحلة نمو الانفعالات حتى يصل إلى مرحلة الرشد التي تتزن وتنضبط فيها انفعالاته.
وتتميز فترة المراهقة بأنها قد تكون عنيفة منطلقة لا تتناسب مع مثيراتها ولا يستطيع المراهق التحكم بها كما أن المراهق يسعى إلى الاستقلالية عن الكبار وتكوين شخصيته المستقلة وقد يلاحظ عليه انطواءه وتمركزه حول ذاته وخجله وإحساسه بالذنب أو الخطيئة، كما تتميز هذه المرحلة بفيض غزير من العاطفة والحماس.
كما استولت هذه المرحلة على اهتمام علماء النفس، وكذلك الآباء والأمهات حول كيفية الخروج منها بسلام ؟
يعتقد البعض من الآباء والأمهات أن الأسلوب التربوي المستخدم من قبلهم كاف لجيل يتسم بالحكمة والعقلانية والسلوك القويم،والحقيقة أن هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء ما يسلكه المراهق أو المراهقة من سلوكيات تتعارض قيم وعادات المجتمع ومنها:-
_ ثقافة المسلسلات وما تبثه بعض القنوات الفضائية من أفكار مسمومة ، وما يدور في ساحات الانترنت من محادثات ساهم في هدم ما تم بناؤه من قبل الوالدين في سنوات وساهم في تبني برمجة فكرية خاطئة قادت إلى سلوكيات شاذة يعتقد من يتبناها أنها صحيحة ومنطقية وتمثل التقدم الحضاري والانفتاحية ويدعو لها مما جعل بعض الشباب والشابات يعتقد أن ما يسلكونه هو السلوك الصحيح ويصارعون من أجل حقوق الحصول عليه.
_ الصحبة والرفقة السيئة سواء في المدرسة أو الشارع أو الكلية ، لأن يلعب دوراً الصديق دوراً لا يقل أهمية عن دور المسلسلات في نشوء بعض السلوكيات الغريبة لانه يأخذ الصديق كقدوة بالنسبة له ، وبالتالي يتشرب الصديق أفكار صديقه بسرعة أو بالتدريج حتى تصبح ديدنه بغض النظر عما تم اكتسابه مع العلم أن التنشئة الصالحة تشكل الأساس للسلوك القويم ولكن هذا لا يكفي حيث قد يقول القائل أبنائي تربوا بطريقة صحيحة ويقفل عينيه عما يدور حوله اعتقادا أن ما قام به كاف رغم أهميته وأنه مطلب شرعي وتربوي ،كما ذكرت جريدة اليوم .
_ الآباء والأمهات قد يسعون بطريق غير مباشر لإكساب من يحبون سلوكيات شاذة وهم لا شك لا يقصدون ذلك ولكن أحياناً تحت مظلة زرع الثقة في النفس أو التحصين الذاتي أو لإنتاج جيل يتسم بالقوة أو الخوف على مشاعر من يحبون إلى ما هناك من التبريرات وهم لا يعلمون أنهم يدمرون فلذات أكبادهم.
_ انعدام أو ضعف الرقيب من قبل الوالدين وما تحتويه البيوت من تقنية استغلت بطريقة خاطئة من قبل الأبناء ومنها التلفاز والنت والمحمول والتليفون الخ.
ونظراً لأن مرحلة المراهقة مرحلة حرجة لأنها تعتبر مرحلة انتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الاعتماد على النفس فالمراهق بحاجة إلى رعاية وعناية خاصة لذا يجب علي كل أب وأم أن يتعاملا مع هذه المرحلة بحذر وعلينا أن نحقق له احتياجاته والتي تتضمن :
1- الحاجة إلى الحب والأمان
2- الحاجة إلى الاحترام
3- الحاجة لإثبات الذات
4- الحاجة للمكانة الاجتماعية
5- الحاجة للتوجيه الإيجابي
6- يجب شرح مفهوم النشاط الجنسي للمراهق من منطلق الشريعة الإسلامية و شرح خطورة الممارسة الجنسية غير الشرعية من الناحية الأخلاقية و الصحية و الشرعية و تعريف المراهق بالأمراض التي تنتقل عن طريق الجنس و خاصة الآيدز و إمكانية حدوث الحمل غير الشرعي و أن مفاهيم المجتمع الغربي حول الجنس لا تنطبق على المجتمع العربي و الإسلامي
وهذا لا يتحقق إلا إذا تعاملنا مع المراهق بالحوار والمنطق وتجنبنا عدم إحراجه أمام أقرانه بأن نقلل من أهميته أو نطلق عليه بعض الصفات غير المرغوب فيها أو تعريضه للعقاب الجسدي وجرح مشاعره أو الاستهزاء بتفاعله السلبي داخل الفصل،والتعامل مع المراهق بهذه الطريقة تجعله يسلك سلوكا متزنا ويتعامل مع المجتمع حوله بثقة مما يدفعه للتقدم والنجاح.
ــــــــــــــــــــ(42/124)
تأملات الشاب إلى ذاته .. الطموحات والأحاسيس
يجيء الإنسان إلى الحياة وهو يعتمد في تلبية حاجاته إلى ذويه (الأب والأم) أو من يقوم بمهامها بالنسبة لمن فقدوا ذويهم أو فقدوا أحد الأبوين حتى إذا وصل الإنسان إلى عمر المراهقة فيبدأ التفكير لديه يتجه إلى الإحساس لعمل شيء ما كي يثبت طريق استحصاله هو بنفسه لمعيشة كريمة فإذا ما خدمه (الحظ) في عمر الشباب فتزداد تأملاته للتفكير بتحقيق ذاته (مهنة ذات شأن، عائلة سعيدة، مستقبل اجتماعي..الخ).
وبذا فالإنسان ضمن تفكيره الطبيعي هو جامع فعلي لما يطمح من الوصول إليه من أقصر الطرق ولكنه يلاحظ أن تحقيق ذاته في المجالات المشروعة عملياً التي يرغب أن تكون له غالباً ما تصطدم بعوائق نظراته للأمور التي يأخذ حسابها لما يسوقه القدر إلى وضع ربما تكون تكبلاته المعيقة لتحركه نحو الظفر بمستقبل مشرق هي مسألة غير قادرة عليها لدرجة أن تقادم العمر يجعله في حالة هجران عن العديد من طموحاته المشروعة وبالذات إذا ما وقف عامل تهديده بـ(المجاعة) كتمثال ند له لن يستطيع إزاحة فعله مهما أوتي من قوة تفكير يضاف لذلك شعور المرء بكرامته شعوراً عالياً مما يجعله متحفظاً على العديد مما يصادفه يومياً بما في ذلك درجة كرامته التي تجعله غير متنازل عن أسسها لأي شخص أو جهة مهما كان نفوذ أحدهما مؤثراً على الواقع.
إن الدور الرئيسي الذي يعتبر قاتلاً للكثير من الانطلاقات الإبداعية هو تسخير نكائدية الصدفوية في تصعيب استحصال (الرزق الحلال) والذي بسببه يعترف الناشئة والعديد من الكبار المخالفات والمجازفات حتى بكرامتهم وسمعتهم كما هو الانطباع العام المُقرِّ اجتماعياً لدى كل مجتمع تقريباً.
وإذ تبقى مسألة المجالات التي تبدو مغلقة أمام ذوي الطموحات العادية سارية المفعول فهذا ما يزيد دراما التوجهات.. انعطافاً إلى كون المشهد الأخير في الظفر بشيء كبير مسألة قد تحتاج إلى معجزة في زمن اللامعجزات هذا وفي ظل علاقة الإنسان المقلقة مع ذاته أكثر مما هي مع الآخرين بسبب انشغالات الناس اليومية الكثيرة للإنسان المعاصر حتى بأشياء تافهة في معظم الأحيان.
لقد جاء هذا الزمن الذي يتقدم بخطوات هائلة في معظم مجالات الحياة ويتيح فرص التطلع لتلك الخطوات التي لا يظفر بالسير في ركابها إلا المحظوظون (إذا جاز التعبير) ولذا نرى أن أشياء روحية ومعنوية كثيرة أضحت على طريق الزوال ما لم يتم تداركها بوقت مبكر كـ(ضرورة) الحفاظ على الروابط العائلية الجيدة وعلاقات الصداقة الحقة التي هي الأخرى تتعرض إلى مزيد من الحصارات رغم تقريب أجهزة التكنولوجيا الخاصة بالاتصالات للناس إينما كانوا إذ لا يغفل أن اقتناء أجهزة الاتصالات الحديثة ما تزال حلماً لدى الكثير من الناس اللاميسورون مالياً أو من ذوي الدخل المحدود الذي لم يعد يلبي الطلبات الخاصة بتوفير العيش الكافي والمكتفي والمرء الذي يلمس أن كل هذه الإحاطات التي تشمله في جزء كبير أو صغير منها يحس بتأثيراتها عليه حتى إذا كان متمكناً لاقتناء ما يريده لكنه يعلم جيداً أن أناس نظراء له بالخلق غير قادرون على شراء الحد الأدنى من الحاجات التكنيكية العصرية وهذا ما يجعل الناس الأسوياء يفكرون في تأييد السياسات الاجتماعية الكفيلة برفع مستوى الدخل والعيش ومستوى العلاقات الإنسانية إلى أعلى فأعلى.
جاء هذا الزمن والإنسان فيه يتأمل ذاته في مقارنات مع ما يمكن استحصاله في حياته فيجد أنه كلما كان أكثر انضباطاً بالأخلاقيات وأقل حماساً لمجابهة الشر بالسلب غدا من الخاصة العاقلة ولعل في انتهاجه إلى ما يناقض ذلك معناه انعتاقه من فطرته الإنسانية المجبولة على الخير وحُب ترك الأثر الطيب والسمعة الحسنة التي يتكلم بها الآخرون عنه وطبيعي فهذا لا ينفي أن يكون الإنسان رقيقاً مع الآخرين ولكن بحدود الذوق المستند إلى الحكمة والعدالة مع الجميع دون تمييز بين قادر أو غير قادر عليه في أي مواجهة حوارية ممكن أن تذيب الجليد في علاقة قد تتحول من خلاف إلى وفاق وإخاء.
وفعالية الإنسان التي تبدأ أولاً من قناعات فكره تضعه تحت دائرة الضوء أمام الآخرين من حيث يدري أم لا وفي حالتي نوع تلك الفعالية (الإيجابية والسلبية) بسبب كون المنافذ اليومية وما تأتي به لا يفكر المرء بمعاييرها مبكراً وهو يمارس سلطته العقلية على ذاته ولعل من أتعس الأفراد هم أولئك الذين يعتقدون أن الآخرين يتربصون بهم الشرور وهذا هو نوع من التخلخل في التفكير الذي يجعل الثقة بالغير وكأنه ملازماً لأي كان دون استثناء.
ــــــــــــــــــــ(42/125)
حذار من أصدقاء السوء
* محمد حسين فضل الله
إن الصديق يترك تأثيراته السلبية والإيجابية من خلال الجانب الشعوري على صديقه، مما يجعل مسألة الصداقة من المسائل التي تتصل بالمصير الإنساني في كثير من الحالات، وهذا ما نقرأه في قوله سبحانه وتعالى الذي يحدثنا عن بعض مشاهد القيامة التي تنطلق من خلال التجارب التي عاشها الإنسان في الدنيا: (ويوم يعضّ الظالم على يديه، يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً، يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً، لقد أضلّني عن الذكر بعد إذ جاءني، وكان الشيطان للإنسان خذولاً) الفرقان/ 27.
إننا ندرس من خلال هذا النموذج الذي يقدمه الله سبحانه وتعالى الانسان الذي يعيش الحسرة والندامة في حياته تجاه الخط المنحرف الذي تحرك فيه، انطلاقاً من تأثره بصداقة بعض الناس الذين حببوا له الضلال، واستغلوا مشاعره العاطفية فكانت النتيجة إن وصل إلى هذا المصير الذي جعله بعيداً عن رحمة الله سبحانه وتعالى.
- نموذج قرآني:
وإذا أردنا أن نقدم أمثلة في هذا المجال، فنجد أن هناك عنواناً عاماً يتحدث عنه القرآن الكريم بالنسبة للتابعين والمتبوعين لأن هذه قد تكون إيحاءاتها في نطاق المستكبرين والمستضعفين، ولكن يمكن أيضاً أن نستوحي منها معنى أكثر شمولية في نطاق كل مَن يتبع إنساناً، ولو من الناحية العاطفية كالزوج الذي يتبع زوجته من خلال العاطفة، أو الزوجة التي تتبع زوجها من خلال العاطفة، أو الصديق الذي يتبع صديقه من خلال العاطفة: (إذ تبرّأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب، وقال الذين اتبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرأ منهم كما تبرّ منا، كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم، ما هم بخارجين من النار) البقرة/ 166، فنحن نلاحظ أن القرآن يؤكد على أن التابعين يتحملون المسؤولية حتى لو كان هناك ضغط مادي أو ضغط عاطفي يفرض عليهم هذا الاتباع المنحرف، فإن الله ينبّه الناس أن عليهم أن يتفادوا هذه التجربة وأن يتخلصوا من الجو الذي يفرض عليهم مثل هذه الضغوط، وهذا ما نستوحيه من آية أخرى وهي قوله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا: فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين في الأرض، قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، أولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً) النساء/ 97، فالله سبحانه وتعالى عندما يحمّل هؤلاء المستضعفين المسؤولية في انجرافهم مع المستكبرين، وتنفيذهم خطواتهم المنحرفة، فإنه تعالى يريد لهم أن يبتعدوا عن الجوف المنحرف حتى لا يعيشوا تحت الضغط، وفي هذا دلالة إيحائية على أن أي انسان لابد له أن لا يوقع نفسه تحت الضغط العاطفي والمادي الذي قد يتوجه به في الاتجاه الخطأ، وانه عندما يعيش ضمن هذا الجو فلابد له أن يهرب منه وأن يتخلص منه.
إن مثل هذه الخطوط التربوية التي انطلق منها القرآن في الجانب العام من تأثر الانسان بالانسان الآخر، وضرورة أن يبقى الانسان مع فكره بحيث لا يخضع فكره للآخرين، وأن يتخلص من الأجواء الضاغطة، وأن يعمل على أساس أن يحمي إيمانه بالشكل الأساسي.
- الأصدقاء في موقف الآخرة:
من خلال ذلك، نستوحي هذه الآية الكريمة: (الأخلاّء يومئذٍ بعضهم لبعض عدوٌ إلا المتقين) الزخرف/ 67، باعتبار ان الصداقات التي كانت تتحرك من خلال الأوضاع الطارئة في الدنيا سوف تنفتح على نتائج المسؤولية في الآخرة، وسوف يقف الأصدقاء الذين كانوا يجتمعون في الدنيا على مواقع اللهو والعبث والخيانة والانحراف والكفر وما إلى ذلك، سيقفون هناك أمام المصير المحتوم ليحمّل كل واحد مسؤولية ضلاله للآخر. ومن الطبيعي فن الصداقة سوف تنقلب إلى عداوة عندما يكتشف الانسان الذي كان خاضعاً لتأثيرات الصداقة في خط الانحراف، إن صديقه كان عدواً في ثوب صديق.
أما المتقون الذين كانوا يتعاونون على البر والتقوى، وكانوا ينفتحون على الله، وكانوا يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر، فإن من الطبيعي أن تبقى صداقتهم لأنها كانت إيجابية في الدنيا وسارت على الخط الذي تلتقي فيه الدنيا بالآخرة.
- حقوق الأصدقاء:
في أعرافنا الاجتماعية: (الصديق عند الضيق)، و(في الأسفار تعرف الإخوان)، ما هي الحقوق التي تتركب على الصديق اتجاه صديقه؟
إن ذلك يعني أن الصداقة تنطلق من نوع من أنواع الوحدة الشعورية بين الصديقين، ولذلك فإن الناس عندما يتحدثون عن الصداقة فإنهم يتحدثون عن الوفاء وعن التضحية ولعل هذا المثل (الصديق وقت الضيق) أو (تعرف الأصدقاء بالأسفار) وغيرهما من حالات العناء هي التي تكشف جوهر الانسان. ونحن عندما نفكر في الصداقة في دائرتها الشعورية المنفتحة على الدائرة الإيمانية، فإننا نرى أن الاسلام يفرض على الانسان المؤمن أن ينفتح على أخيه المؤمن ليحمل همّه وليفرّج كربه، وليقضي حاجته، وليعينه في جميع أموره، وليحفظه في نفسه وماله وعرضه.
فالمفروض بالانسان المؤمن، من خلال أخوة الإيمان التي تزيدها علاقات الصداقة قوة، أن يعين أخاه المؤمن في أوقات الشدة والضيق وكل الحالات الصعبة في الحياة.
ــــــــــــــــــــ(42/126)
كن مثقفاً بعشر دقائق
ليس من الصعب أن تكون انساناً مثقفاً ، وإذا لم تكن ذلك فيمكنك اكتساب هذه الصفة بسهولة وذلك عن طريق بعض المجهود القليل منك وبعض النصائح التالية :
1- قراءة لمدة عشر دقائق يومياً.
2- سماع شريط مفيد.
3- حضور محاضرات ودورات بمعدل محاضرة على الأقل كل ستة أشهر.
4- تعلم لغة جديدة.
5- اجعل التميز هدفك في العمل.
6- الاستيقاظ مبكرا واستغلال هذا الوقت في تدوين فكرة جديدة،والقيام بعمل محبب إلى النفس كما ذكرت مجلة الجزيرة .
7- الاحتفاظ بمفكرة صغيرة قريبة من السرير ويدوّن بها الأفكار الطارئة قبل النوم فهي تعتبر هدية من العقل.
8- قبل النوم يجب التوجه بسؤال إلى النفس،هل تريد هذا اليوم أن يعود مرة أخرى؟ هل أنجزت شيئا فيه؟ هل تريد أن تقوم بطريقة مختلفة في اليوم التالي.
9- قيم يومك دائماً وسترى النتيجة،أخيرا دع لنفسك المجال لتجرب ولا تقيدها،ومع الأيام ستتحول إلى الشخصية التي تحبها.
ــــــــــــــــــــ(42/127)
هل من الأفضل أن تقتل المراهقة في شخصيتك أم.. ؟
* يوسف ميخائيل أسعد
يظن بعض الناس خطأ أن الإنسان عندما ينمو، فإنه يخلع عن نفسه المرحلة العمرية السابقة بجميع خصائصها، ثم ينخرط في مرحلة عمر تالية لها خصائص جديدة. وبالتالي فإن الشخص الكبير يكون قد تخلص تخلصاً تاماً من المراحل العمرية من طفولة ومراهقة وشباب لدى انخراطه في الكهولة (30 إلى 50 عاماً).
إننا لا نستطيع أن ندعو الشاب إلى أن يسلك بنفس الطريقة التي كان يسلك بها في طفولته ومراهقته، كما أننا لا نستطيع أن نزعم أن من الممكن أن تتعايش المراحل العمرية في داخل شخصية الكبير بنفس القدر من الحيوية والنشاط والاعتمال. والصحيح أن نقول ن مرحلة النمو الحالية التي يمر بها المرء تكون لها الغلبة والسيطرة على مراحل النمو السابقة. ولكن هذا لا يعني في نفس الوقت انمحاء وضياع مراحل العمر السابقة جميعاً.
ولعلنا لا نخطئ إذا ما قلنا إن تكامل الشخصية لا يمكن أن يتحقق للمرء إلا إذا حدث انسجام في سلسلة المراحل العمرية التي يحياها الآن. ولقد كشفت الدراسات النفسية وبخاصة الدراسات التي قامت بها مدرسة التحليل النفسي عن أهمية الخبرات التي ما تزال تحيا في دخيلة المرء منذ طفولته الأولى، وطالما أن تلك الخبرات لا تندثر، فإننا نستطيع أن نقرر أن حياة الطفولة ما تزال نابضة فينا، وأننا يجب أن نقوم برعاية الطفولة والمراهقة لدينا أحسن رعاية، بل وأن نعمل على إعادة تقويمها إن كانت حياتهما قد اعوجت عن الطريق السوي. فما يحاوله فرويد ومدرسة التحليل النفسي هو عقد مصالحة في دخيلة المرء بين مراحل النمو المتباينة فيه. وبتعبير آخر محاولة رأب الصدع الذي حدث بالشخصية نتيجة خبرات رديئة أو مهينة أصابت المرء في أثناء مروره بإحدى المراحل النمائية، أو محاولة تعويض الشخصية عما حرمت منه في الطفولة أو في غيرها من مراحل تالية.
إن الواحد منا بحاجة إلى أن يحن إلى طفولته وإلى مراهقته وإلى شبابه إذا كان قد بلغ الكهولة أو الشيخوخة. ولكن هذا الحنين يختلف عما يسمى بالنكوص، أعني هجران مرحلة النمو الحالية هجراناً تاماً والرجوع إلى مرحلة نمو سابقة والتمسك بها والانحصار في اطارها. إنك عندما تكون صاحب صحة نفسية سليمة، فإنك تستطيع أن تلعب على جميع أوتار حياتك الحالية والماضية بغير أن يكون في ذلك ضياع لمرحلة نمو مررت بها. ألست تحس أحياناً بالرغبة الشديدة في أن تلعب كما كنت تفعل وأنت طفل في الخامسة من العمر؟ ألست تحن أحياناً إلى الخروج في جولة مع بعض رفاقك كما كنت تفعل أيام كنت مشتركاً في فريق الكشافة بالمدرسة الابتدائية؟ ألست معي إنك إذا لعبت كما كنت تلعب وأنت بعد طفل صغير، أو إذا خرجت إلى رحلة فيها مغامرة كما كنت تفعل في المراهقة فإنك بذلك تنعش شخصيتك؟
من المؤكد أن الطفولة التي ما تزال تحيا في أضلعنا تريد أن تطل برأسها وإن تثبت وجودها من وقت لآخر. وصحيح أيضاً أنك وأنت المتزوج منذ ما يزيد عن عشرين عاماً تتمنى أن تصحب زوجتك إلى أول مكان التقيتما فيه ودق الحب هناك باب قلب كل منكما، فاعترف كل واحد منكما لصاحبه وقتئذ بالحب، وبأنه لا يستطيع أن يستغني عن الآخر ولابد أن يربط حياته ومستقبله به. أليس الخضوع لمثل هذه الرغبات مفيداً من الناحية النفسية؟
إنك في الواقع بحاجة إلى أن تنعش ما سبق لك إن عشته عبر حياتك كلها. إنك بمثل ذلك التذكر، بل وبمثل تلك المعايشة المتجددة تستطيع أن تحيي الموات في شخصيتك. إنك بذلك تنعش شخصيتك وتحيي جوانب ماتت أو كادت تموت من قوامك، وبذا فإنك تعيش بامتلاء وعمق. ذلك أن الشخص الذي لا يعيش إلا في اللحظة الحاضرة، إنما يكون في الواقع قد حكم على شخصيته بالذبول. إنك لست حاضراً فحسب. إنك أيضاً ماض يجب أن تحياه، وأنت أيضا؟ً مستقبل يجب أن تترقبه وأن تأمل في تحقيقه. عش ماضيك حتى يتسنى لك أن تتخلص من ركاماته الرديئة. لا تظن أن دفن تلك الركامات الرديئة والذكريات المؤلمة يضمن لك الحياة في سعادة في الحاضر، أو في أمل أفضل في المستقبل. يقول لنا علم النفس أن معايشة الآلام والأحزان تقتلها قتلاً وتبيدها إبادة. ولكن الرط المطلوب لتلك المعايشة ألا تكون معايشة اجترارية بأن يسجن الشخص نفسه في اطار الماضي بما يحمله من خبرات غير سارة، بل تكون معايشة واقعية، أعني بنظرة واقعية نقدية إليها. فأنت عندما تقف على ما كان يؤلمك في طفولتك، فإنك بذلك تعمل على إزالة ما كان يحيط بذلك الماضي من مبالغة في التصوير. إنك بذلك تجرد الوهم من خداعه وتعيش في الواقع. ذلك أن الماضي بخبراته المؤلمة يتغلب بأوهام لا أساس لها في الواقع. فعندما تقوم بنزع تلك الأوهام عنك، فإنه لا يثبت في عقلك ووجدانك، بل يذبل ويتلاشى. والموقف هنا شبيه بموقف الجراح الذي يضرب مشرطه في الخراج لكي يخرج ما به من صديد مؤذ. فبرغم ما يحس به المريض من ألم في أثناء اجراء الجراحة، فإنه يتخلص من الألم المستمر الذي يحدثه ذلك الخراج.
فنحن إذن بحاجة ماسة إلى أن نتصفح حياتنا الماضية لكي نغربلها من جهة، ولكي نسعد بجوانبها الجميلة من جهة أخرى. فليس المطلوب منك أن تذكر ما مر بحياتك من أشياء مؤلمة فحسب، بل يجب أن تتذكر أيضاً ما مر بك من أفراح ونجاحات. إننا نطالب بأن تعيش ماضيك المشرق وأن تظل مستمتعاً بما سبق أن لاقيته في حياتك منذ طفولتك الأولى من نجاح.
وفيما يلي بعض التوجيهات التي يؤكد عليها علماء النفس لضمان استمرار حياة الطفل والمراهق في شخصيتك. فعليك بالأخذ بها ومداومة تطبيقها في حياتك لكي تضمن لنفسك السعادة والنجاح في الحياة. وتتلخص هذه التوصيات فيما يلي:
أولاً: لا تطفئ في نفسك روح المرح، ولا تسمح لهموم الحياة بأن تطغى عليك. كن كالطفل والمراهق اللذين سرعان ما ينسيان ما تصيبهما به الحياة من صدمات. انهما ينفضان عنهما ما تصيبهما به الدنيا من أحزان وينخرطان في الحياة بروح اللعب والمرح. ومن المؤسف أن كثيراً من الكبار لا يعرفون إلى البهجة والفرح سبيلاً. انهم يفقدون روح الدعابة ولا يتذوقون النكتة ولا تعرف الابتسامة إلى وجوههم طريقاً. فوجوههم تظل مقطبة عابسة كأن الدنيا قد انقلبت وغطى الطوفان الأرض. لا تتشبه بهؤلاء المهمومين، بل أيقظ الطفل والمراهق بداخلك حتى تفرح وتمرح وتلهو. ولا تخنع تحت وطأة الهموم.
ثانياً: تذوق الجمال من حولك كالمراهق الذي ينبهر بالجمال، وكالطفل الذي يجيل خياله في الأشياء ويضفي عليها من خياله جمالاً على جمال. اعلم يا صديقي أن الإحساس بالجمال، والانبهار بما يحيط بك من أشياء وأشخاص وأحداث يجعل حياتك أروع وأجمل. إن الفنانين العظماء ظلوا يحسون بجمال الحياة حتى شيخوختهم. أما أولئك الذين يتناولون الحياة من الجانب النفعي فحسب وقد انطفأت روعة الواقع في أنظارهم، فإنهم يكونون في الواقع قد قتلوا الطفولة والمراهقة اللتين كانتا تحييان بداخلهم.
ثالثاً: وسع دائرة حياتك. إنك في طفولتك ومراهقتك كنت تتمنى أن تمتطي صهوة جواد وتجوب الأرجاء، أو كنت تتمنى ركوب ظهر باخرة وتسافر إلى قارات العالم كلها، بل وكنت تتمنى أن تركب طائرة وتكون أنت قائدها وتشق بها عباب الجو بأسرع من الصوت، وكنت في مرهقتك نهما في القراءة. كنت تنكب على قراءة سير العظماء والعلماء وتقرأ عن الأقوام التي تعيش بعادات وتقاليد عجيبة كالاسكيمو مثلاً. فلماذا تفقد هذه النزعة التي تفتح أمامك الحياة؟ لماذا تتقوقع في النطاق الضيق الذي توجد به الآن؟ عد إلى طفولتك ومراهقتك واسبر المجهول ووسع آفاقك وارحل مبحراً وطر في هواء الخيال النقي الخالي من هموم وقيود الواقع الراكدة.
رابعاً: لقد كنت في طفولتك ومراهقتك سمحاً غير متكلف في علاقاتك. كنت تصفح بسهولة عمن أساء إليك. ولكنك الآن ربما تتكلف في رسم شخصيتك وربما لا تصفح عن المسيئين إليك. لماذا لا تنشط طفولتك ومراهقتك في شخصيتك حتى ترجع إليك صفة البساطة والوداعة والصفح عن المسيئين إليك؟ حاول وستنجح في محاولتك.
ــــــــــــــــــــ(42/128)
الشجاعة هي التماسك الذاتي
* رولوماي/ ترجمة وتعريب: د. عبد علي الجسماني
الشجاعة هي القدرة على مواجهة القلق الذي ينشأ عندما يتوخى المرء تحقيق حريته وإرادته. إنها الرغبة والارادة للتخلص من الاتكالية والانطلاق باتجاه مستويات جديدة من الاعتماد على النفس والتكامل. الشجاعة سمة ملازمة للمرء يحتاجها في كل خطوة يقدم فيها على اتخاذ قرار له أثره الكبير في حياته، ابتداء من رغبته في قطع اتكاليته على أبويه وانتهاء بقرار الزواج المناسب واختيار المهنة الملائمة. فالشجاعة يتطلبها الانسان في كل فترة من فترات حياته. إنها، كما أحسن وصفها طبيب الأعصاب، الدكتور كيرت غولدشتاين: (ان هي إلا إجابة مؤكدة على الصدمات الحادثة في الوجود، وإنها ـ الشجاعة ـ يجب أن تتولد لتحقق طبيعة المرء) وذاته.
الشجاعة حسب مفاهيم هذا العصر لا تعني أنها عكس الجبن والخور. فحين تقول ان شخصاً ما جبان فإنك لا تزيد بقولك هذا، على أنه كسلان، أو مترهل، أو انه لا أبالي. وفي كل الأحوال، لا تكون قد رميت بوصفك هذا إلى أنه انسان تنقصه الشجاعة، إنما هي أوصاف لها مدلولاتها حسب أمزجة مستعمليها.
ان ما نتطلع إليه في أيامنا هذه هو الفهم العميق لمفاهيم الصداقة بمعناه الحميم، والشجاعة بمرماها الصميم. إننا نتوق إلى هذه المفاهيم بمعناها الدافئ، بمعناها الشخصي الذاتي النظيف الأصيل، البنّاء بمدلولها السقراطي والسبينوزي. إننا خليقون بأن نحيي مفهوم الشجاعة بمعناها الايجابي، بمعناها الذي يدل على حقيقة النماء الداخلي بمعناه الذاتي: الشجاعة بوصفها طريقة بناء لذلك الجانب من وجود الفرد الذي يكون دالاً على قوة الثقة بالنفس والجود بها في مواطن النبل. الشجاعة في واقع مفهومها إنما هي أساس العلاقة الابداعية.
فمن أقدم العصور الضاربة في القدم، أيام سرق بروميثوس النار وعلم الانسان كيفية استعمالها، وما تلا ذلك من أيام، اتضح أن البشر لكي يبدعوا يتعين عليهم أن يستجمعوا عناصر الشجاعة في أنفسهم أولاً. فبلزاك الذي أدرك أبعاد هذه الحقيقة من خلال تداعياته ومن خلال خبرته، نجده قد وصف الشجاعة بصورة شافية وبوضوح، حيث قال وليس لنا إلا أن ندع كلماته تتحدث عن نفسها: (ان السجية التي تستحق أسمى صور التمجيد في الفن ـ وفي جميع ضروب الإبداعات الفكرية ـ هي الشجاعة؛ الشجاعة التي لم تحط جميع العقول المشتركة بمفهومها ولم تستطع الإحاطة بها وبمغزاها.. إنها الشجاعة الرامية إلى التخطيط، والحلم، وتصوير الأعمال الرفيعة وتصورها، إنها شيء يبعث على الغبطة والنشوة والانتشاء بكل تأكيد. لكنها إلى جانب ذلك كله، إنها القدرة على الانتاج والعطاء، والولادة، وحمل الطفل على أن يعمل بمفرده بعد إنجابه، والعناية به والحدب عليه، وحمله في الصباح بين الذراعين بكل ما في الأمومة من حنان متدفق، وإلباسه مئات البدلات الجميلة التي طالما يمزقها مراراً.
(إنها الشجاعة الدافعة إلى عدم التراجع والتقهقر أمام اضطرابات الحياة المجنونة هذه؛ بل هي تجعل مما في الحياة تحفة ماثلة للعيان تكاد تنطق أمام كل عين تراها، فتجعل منها تحفاً في النحت، ومأثورات في الأدب، وصوراً في الرسم، بل تجعل منها قطعة في الموسيقى تنساب إلى النفوس فتشيع البهجة في ثنايا القلوب، تلك هي مهمة التنفيذ والتطبيق المرتجاة من الشجاعة. وفي ضوئها يتعين على اليد أن تكون مهيأة في كل لحظة لتمتثل لتوجيه العقل. وان لحظات العقل الابداعية لا تنصاع إلى ترتيب بعينه. وان الفنان، ما لم يلقِ بنفسه في أتون عمله، كما يفعل الجندي مندفعاً غير هياب في سبيل النجدة، وان الفنان، وهو في تلك المواقف، ما لم يحتفر ويعزق كما هو عامل المنجم وقد تكومت فوقه كتل من الحجر.. فما لم يطرأ كل ذلك للفنان، فإن عمله الفني لن يكتب له أن يكتمل؛ وان عمله سيتلاشى عند حدود مشغله studio حيث يصبح الانتاج بعد ذلك مستحيلاً، وعند ذاك يطفق الفنان يرقب انتحار عبقريته.. وانه لذلك السبب بعينه، ولتلك المكافأة ذاتها، ولذلك الانتصار نفسه، وانه لذات أكاليل الغار هذه، وانه بسبب تلك الأمجاد كلها، تنسب إلى الشعراء الفحول هذه الفضائل كلها مثلما هي تنسب إلى القادة العظام).
ونحن الآن نعرف من خلال دراسات التحليل النفسي، مما لم يكن يعرفه بلزاك، ان أحد الأسباب التي تجعل النشاط الابداعي يستوفي مقداراً كبيراً من الشجاعة هو لكي تستحدث مواقف يصبح المرء فيها متحرراً من ربقة الانشداد إلى الماضي الطفولي ومحترماً القديم لكي يتاح للجديد أن يولد. إذ ان ما يحققه المرء من أعمال منظورة، كما في الفن والأعمال الحرة وما إليها، أو تحقيق المرء ما يبني ذاته ـ بمعنى تطوير الانسان قابلياته ليكون أكثر إحساساً بالمسؤولية ـ إنما هما جانبان للعملية نفسها. وكل إبداع أصيل يعني تحقيق مستوى أرفع في وعي الذات وادراكها؛ وان ذلك، كما رأينا في قصص آدم وبروميثيوس، يمكن أن ينطوي على قدر كبير من الصراع الداخلي.
كان هناك رسام مولع برسم المناظر الطبيعية، وكانت مشكلته تتمثل في اجتهاده للتخلص من ربقة أم متسلطة، وكان لسنين عديدة يسعى إلى أن يرسم مناظر لكنه لم يجرؤ. وقد تمكن في النهاية من استجماع قواه واستحضار عناصر شجاعته ولازم مرسمه، وقد تمكن من رسم عدة رسوم في غضون ثلاثة أيام. وتبين أنها كانت رسوماً ممتازة. ولكنه، ويا للغرابة، لم يكن يشعر فقط بغبطة كبيرة وحدها، بل انه إلى جانب ذلك كان يحس بقلق كثير أيضاً. ففي الليلة الثالثة من بدئه الرسم رأى حلماً وفيه تخبره والدته انه عليه أن ينتحر، وانه راح يستدعي أصدقاءه ليودعهم، وهو في حالة من الذعر والإحساس الغامر من الوحدة والوحشة. فما تفسير ذلك؟ ان الحلم في الواقع كان يقول له: (إذا كنت ستبدع، فإن عليك أن تودع المعتاد المألوف، وإنك ستكون مستوحداً وتموت؛ فالأفضل لك أن تبقى مع المألوف وتستبقيه، وأن لا تبدع). انه لمن الأهمية بمكان، حين نرى طبيعة هذا التهديد اللاشعوري الفعال، انه لم يتمكن من رسم صور أخرى إلا بعد مرور شهر أي بعد أن تمكن من التغلب على هجمة القلق المعاكسة له تلك، والتي تبدت له في الحلم المذكور.
انه لمن الطبيعي والمناسب أن يشجع الطفل وأن يتم توجيهه ليتخذ لنفسه بنفسه كل خطوة ممكنة تمكنه من التفرد بشخصيته المميزة له، لكي يكون هو ذاته متميزاً. لهذا الضرب من توجيه الطفل كل الأثر على مستقبل تحديد ملامح ذاته وتعزيز حقيقة ثقته بنفسه، بشرط أن يتم ذلك من غير تعريضه إلى قلق يخيفه ويرهقه وهو لما يعرف بعد تبريراً لأسبابه. إذا توفر له مثل هذا الجو، فبوسعه أن يتسلق ذرى الارتقاء التدريجي رغم ما قد يواجهه من الاحباطات، فيتمكن من أن يحقق ذاته وينال شيئاً من استقلاله الذاتي، بالاعتماد على نفسه وعلى جهده الخاص به. وكلما تفرد الطفل ولقي التشجيع في هذا السبيل من لدن أبويه أحرز هويته الذاتية وحقق قوة أناه في المجتمع. هذه حقيقة ملموسة خليق بالآباء ادراك أهميتها بالنسبة لنشأة الأبناء.
إن كلاً من الحماية المفرطة للطفل أو التعسف والعنت في إذلاله، تتولد عنهما نتائج عكسية تتبدى تدريجياً في تصرفات الفرد، وترافقه كلما تقدم في مدارج النمو. فلا اللامبالاة والتهور ولا الحماية المغالى فيها يمكن أن يؤديا إلى نمو الطفل نمواً قويماً. ان التشجيع والتقدير السليم لما هو عليه الطفل من قدرات، يؤول إلى أفضل النتائج المرتجاة.
بطبيعة الحال، فنادراً ما يلزم الآباء أبناءهم باتخاذ أدوار مغايرة لأدوار الجنس الذين ولدوا بالفطرة عليه. بل إنهم كثيراً ما تكون متطلباتهم من أبنائهم تحقيق المواءمات الاجتماعية الملائمة. فالآباء يتطلبون من أبنائهم إحراز الدرجات المدرسية المرتضاة، وأن يكون طبيعياً في تصرفاته، وأن يندمج في الوسط الاجتماعي بما يبعده عن مواطن الشبهات. ولكي يعيش الأبناء وفق أماني الآباء إنما يمثل السبيل الوحيد الذي يتيح للأبناء الظفر باطراء الآباء، وأن يبقوا دائماً هم (حدقات العيون). فالتشجيع على مواجهة الحياة برصانة إنما هو جوهر الشجاعة، وللشجاعة آفات تعترض سبيلها وتفسد مزاياها، ومن تلك الأوباء: التهور، والغرور، والنرجسية.
الشجاعة تنشأ وتنمو من إحساس المرء بكرامته وحسن تقديره لذاته. ولكن الغرور والنرجسية، حين تتسلطان على الفرد، يصرفانه عن أهداف الشجاعة: أهدافها السامية، وكل من الغرور والنرجسية يجعلان الفرد يحس الضعة في قرارة نفسه. الشجاعة والحكمة صنوان لا يفترقان، وهما وجهان لمسكوكة ثمينة واحدة.
ان الفكر والتمييز النظر في حقائق الأمر لهي من المكاسب التي يتمكن منها المرء بالمران والممارسة والاعتياد عليها. فهي نتائج طيبة لتربية وتنشئة طيبة. واكتساب محامد الأخلاق إنما يتأتى من حسن التأديب الحصيف، فيكسب الذات فضائلها.
ــــــــــــــــــــ(42/129)
الحرية والبناء التكويني للمرء
* رولو ماي
الحرية لا تحصل في فراغ أبداً؛ إنها ليست فوضى. ان الحرية ليست سلعة تباع أو تُشترى. الحرية النفسية Psychological Freedom للانسان تنمو وتتطور ليس بوصفه كائناً يشبه (روبنسن كروسو) يقطن جزيرة مقفرة، وإنما هي تتطور بواسطة التفاعل المتواتر مع الأشخاص الآخرين الكائنين في عالمه. الحرية لا تعني محاولة العيش في عزلة. إنها الإحساس بالمسؤولية في سياق علاقات الفرد بالعالم المحيط به.
وعندما لا يكون التكوين الشخصي رصيناً فإن ما يطرأ هو بروز نتائج مهلهلة. ونرى مثل هذه المترتبات شاخصة فيما يحاول بعض الكتاب الكشف عنها في كتاباتهم التي يعمدون فيها إلى الرمز أو التصريح. فالشخصية الرئيسية في رواية جان بول سارتر، المعروفة بعنوان: عصر العقل Age of Reason، يبدو أنها رسمت وكأنها تعمل في مجال الحرية، ولكنها في الحقيقة تتحرك على وفق الهوى وفي مضطرب الحيرة التامة. والقصة كلها توحي بمعاناة الانسان من الفراغ والخواء. وكأن ما من أحد يهمه من أمره شيء. فكأن لسان كل واحد يكاد ينطق: مَن ذا الذي يأبه؟
ليس من غرضنا هنا أن نسهب في تفصيل ما يتصل بشكل خاص بما ينبغي أن تكون عليه بنية علاقات المرء بعالمه الذي هو خارج حدود ذاته. فثمة آراء واتجاهات شتى. فالإغريق مثلاً، أطلقوا على إحدى الصيغ اسم (المنطق) ومنها جاءت كلمة (منطقي)؛ وأسماها الروائيون (القانون الطبيعي)، وأرادوا بذلك صيغة الحياة التي يحياها المرء ليكون سعيداً. وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر ساد الاعتقاد بهيمنة (العقل الكلي الشامل) Universal reason. والمفكرون عبر العصور نعتوا البنى وضروبها نعوتاً شتى. ان كل فرد، شعورياً أو لا شعورياً، يتخذ لنفسه بنية ذاتية تكوينية يرتضيها وبمقتضاها يسلك. ولكن الحكم الاجتماعي يبقى هو المحك.
- اختيار المرء لذاته:
الحرية لا تتأتى بصورة آلية، بل هي يتم تحقيقها بالعمل وهي لا تتوفر بضربة لازب، بل يجب تحقيقها بالسلوك والدأب في كل يوم وباستمرار.
ان الخطوة الأساسية في نيل الحرية هي (اختيار المرء لذاته). وهذه العبارة التي قد تبدو مستغربة هي صياغة كيركجارد، وتعني تأكيد المرء مسؤوليته إزاء ذاته وإزاء وجوده. إنها تمثل الاتجاه المناقض للزخم الآلي أو الوجود الرتيب: إنها تعكس اتجاهاً في الحيوية والحسم؛ إنها تعني ادراك المرء بأنه موجود في مكانه المحدد من الكون، وانه يتقبل مسؤوليته ويتحملها من أجل وجوده. وهذا ما كان يعنيه نيتشه بقوله (ارادة الحياة). إنها تعني محافظة المرء على ذاته من أجل دوام الحياة واستمراريتها، ويتوجب عليه أن يقرر خياراته بنفسه.
ثمة مثل توضيحي نجده في حياة الأشخاص الذين يكرسون أنفسهم إلى مهمات معينة، كالعناية، مثلاً، بشخص محبوب لديهم أثير، أو كإنجاز عمل مهم. فهذا النمط من الناس يمضون قدماً في تحمل الصعاب وكأنهم مصممون على أن يحيوا لتلك المهام فقط. وبعد أن تكون مهمتهم قد استنجزت، فإنهم يسيرون قدماً لمواجهة الموت وكأنهم قرروا ربط موتهم بما حقق لهم النجاح فيما أرادوا، وكأن كل هذا قد تم بتصميم مسبق منهم.
الرتابة في الحياة لا تنتهي. ولا جدال في أن الأنماط المتراكمة من الرتابة يجب اختراقها: وعلى المرء أبان ذلك ألا يفكر فقط بأسلوب الرتابة نفسه بأن أبويه أنجباه وحسب، وانه هو مجرد فقرة عابرة في بطاح هذا الكون، وانه مجرد جزء من سلسلة السبب والنتيجة في قدومه لهذا العالم لينمو ثم يتزوج ثم ينجب أطفالاً ثم يهرم ثم يموت. ولما كان المرء يستطيع تقبل الموت ولكنه لا يفعل ذلك باختياره، فإن كل عمل يقدم على اتخاذه يكون منطوياً على عنصر من عناصر الحرية.
ــــــــــــــــــــ(42/130)
متى تطالع وأين؟ قواعد عملية مفيدة للبدء بالمطالعة
- أوقات المطالعة:
من الممكن أنك ظننت عندما طالعك عنوان (أوقات المطالعة) أنني سأقوم بتحديد أوقات محددة تتقيد بها عندما ترغب في مطالعة كتاب ما، لكن في الحقيقة إن ما سأقدمه لك بالدرجة الأولى، هو بعض المعايير التي تساعدك في تحديد الأوقات المناسبة بحسب الظروف والأجواء المحيطة بك. وسأعرض عليك الأوقات المفيدة للمطالعة التي حددت من خلال التجربة إلا أنها أوقات عامة لا تراعي وتناسب كافة الظروف.
المعيار الأول: هو معيار أساسي يتلخص في أن يكون الذهن وخاطر الشخص الذي يريد أن يطالع، خالياً من أي تشويش فكري أو علمي.
فمن غير المفيد أن تطالع مباشرة بعد الانتهاء من مناقشات ومباحثات علمية بعيدة عن الموضوع الذي تود قراءته. أو بعد أن تكون حضرت ثلاث أو أربع دروس متتالية، لأن في هذه الحالة يكون الذهن متعباً ومشوشاً بكثير من الأفكار والمواضيع.
المعيار الثاني: يتلخص في أن لا تكون متعباً من الناحية الجسدية بحيث تشعر أنك بحاجة للنوم أو الاستلقاء على الفراش. لأنه في هذه الحالة لن يكون تركيزك مئة بالمئة في ما تطالع.
- الأوقات العامة:
إليك هذه الأوقات العامة للمطالعة التي حددت بناء على التجربة:
1 ـ الساعة الأخيرة من النهار والتي تمتد تقريباً في فصل الصيف من الساعة الثالثة إلى السابعة مساء، وفي فصل الشتاء من الثانية حتى الخامسة.
2 ـ ساعات الليل التي تسبق السحر والتي تمتد تقريباً من بعد العشاء إلى منتصف الليل.
- مكان المطالعة:
ما هو أفضل مكان للمطالعة؟
قد يجيب البعض بأنه المكان الذي جُهِّز وأعدّ بشكل مناسب لأجل ذلك، وعادة ما يكون المكتبة العامة أو الغرفة المخصصة للدرس في المنزل.
ـ هذا صحيح لكن لا ينبغي أن تتحول هذه القناعة إلى حجة تمنعك من المطالعة في الأماكن الأخرى، وهنا ننصحك أن تصطحب معك كتابك من فترة إلى أخرى وتطالع خارج الغرفة أو المكان الذي اعتدت على القراءة فيه، كأن تذهب مثلاً إلى قرب شاطئ البحر أو إلى الطبيعة أو حتى إلى الحديقة.
ـ وإذا كنت تريد أن تطالع موضوعاً مهماً وحساساً وتريد أن يبقى في ذاكرتك لمدة طويلة ينصح أحد المتخصصين في عالم ترويج وتطوير عملية المطالعة باختيار مكان تكون ظروفه وأجواؤه مذكرة بالشيء الذي طالعته، ويقترح كمثال على ذلك الخروج في ليلة ماطرة حاملاً مظلتك وبيدك مصباح قوي، مختاراً مكاناً معيناً تطالع فيه لفترة قصيرة، ويعلل اقتراحه هذا بأن ما يُقرأ في هذا الجو يرتبط بشكل وثيق به، بحيث عندما تتذكر ذلك الجو الماطر مثلاً ينتقل ذهنك مباشرة ليتذكر ما قرأه حينها.
ـ عليك أيضاً اجتناب الأماكن التي يوجد فيها صوت موسيقى صاخبة أو كل صوت يدفعك إلى الإنصات إليه بحيث تجد نفسك تنساق معه شيئاً فشيئاً، فإن كل ذلك يشتت قدرتك على التركيز.
ـ حاول قدر الإمكان أن لا تجلس في الغرف التي اعتدت على أخذ الراحة فيها أو الأكل أو مشاهدة التلفاز، فهذه الغرف تدعوك لأخذ قسط إضافي من الراحة أو اللهو..
ـ ينبغي عليك أن تسمح للهواء بالدخول إلى الغرفة التي تطالع فيها، لأن توجه الحواس يرتبط إلى حد كبير بالوضعية الجسدية والروحية للانسان. لذا فالغرفة التي لا توجد فيها الكمية اللازمة من الأوكسجين تقلل من الاستعداد الجسدي وقد ثبت بالتجربة أن غرفة المطالعة ينبغي أن لا تكون فيها نسبة الرطوبة أعلى من 50 بالمائة.
ـ حاول أن تكون الغرفة التي تطالع فيها ذات إضاءة مناسبة تساعدك على زيادة مدة القراءة، فالإضاءة الخفيفة تجهد عينيك عند تقصي الكلمات، كما أن الضوء الوهاج يؤدي إلى النتيجة نفسها، فضلاً عن أنه يؤدي إلى حالات صداع، ويحسن أن تجعل النور عن يسارك وإلى الخلف.
ـ من المفيد أن تجلس وفي مقابلك نافذة أو إلى جانبك باب وذلك لتريح نظرك من فترة إلى أخرى بالنظر إلى مجالس أوسع.
- قواعد علمية مفيدة للبدء بالمطالعة:
1 ـ من المفترض أن يكون وجه الطاولة غير عاكس للضوء وإذا كان كذلك حاول وضع قطعة قماش داكنة اللون أو أي شيء آخر يمنع انعكاس الضوء لأن ذلك يؤدي إلى تمركزه في عين المطالع ويسبب بالتالي التعب المبكر.
2 ـ عند جلوسك للمطالعة إبدأ بالقراءة مباشرة من دون أن تشغل نظرك بالنظر إلى هذا الشيء أو ذاك، لأنه عند شروعك في عملية المطالعة تتوجه الحواس بشكل سريع إلى ما هو موجود بين يديك، على عكس ما إذا نظرت إلى هذا الجانب أو ذاك الجانب، عندها لن تتوجه حواسك بشكل تام إلى ما تقرأه بسبب انشغال الخيال بما انطبع فيه من صور أخرى مختلفة.
3 ـ قبل البدء بالمطالعة هيِّئ ما يمكن أن تحتاجه لقراءة الكتاب الذي بين يديك، من قبيل قاموس لغة، دفتر ملاحظات، قلم لوضع الاشارة على الأمور المهمة أو غير المفهومة، لأن كثرة القيام أثناء المطالعة تؤدي إلى تشت الذهن ونسيان الفكرة التي كنت تقرأها.
4 ـ من العوامل التي تساعدك على توجه الحواس بشكل جيد أثناء المطالعة هي القراءة جلوساً، فكلما قلّت الحركة ازدادت الحواس توجهاً، ومن الخطأ أن تقرأ وأنت في حالة حركة؛ وحسب آراء الأطباء فإن ذلك يؤذي العين كثيراً.
5 ـ إن تناول الطعام الثقيل على المعدة يسبب تدفق الدم إليها بشكل كبير مما يؤدي إلى تقليل كمية الدم التي تصل إلى الدماغ وبقية أعضاء الجسد، وهذا الأمر يجعل جسدك يميل لأخذ قسط من الراحة، ويضعف استعدادك الذهني عن قراءة أي نوع من الكتب.
6 ـ إن الارتخاء على الكرسي أثناء المطالعة أو اختيار الاستلقاء على الفراش يمنعك من تحقيق مطالعة جدية، نعم ينبغي أن تكون مرتاحاً في وضعية جلوسك لكن لا إلى مستوى تفقد معه القدرة المطلوبة للاستمرار في المطالعة المفيدة.
7 ـ في فصل الصيف، لا تضع المروحة في مقابلك أو قربك وذلك لأنها تجهد العينين وتؤذيهما وكذلك الأمر بالنسبة إلى المكيف.
8 ـ لا تبعد الصفحة إلى امتداد ذراعيك، ولا تجعلها تحت أنفك، بل ينبغي أن تكون المسافة الفاصلة بينك وبين الكتاب من 30 إلى 40 سنتيمتر.
- إنتبه:
عندما تود شراء كتاب لا تأخذ رأي كل شخص:
ـ بل اقتصر بذلك على الأشخاص المختصين والبعيدين عن الأغراض التجارية والنفسية.
ـ قبل شرائك لأي كتاب طالع فهرسه وحياة مؤلفه إن وُجِدَت، ولا تكتفي فقط بعنوانه، فهناك الكثير من العناوين البراقة والجذابة التي من الممكن ان تجذبك، وهنا لا يصح العمل وفق المثل القائل (المكتوب يعرف من عنوانه).
ــــــــــــــــــــ(42/131)
التغيير اما ان يطورك او يدمرك..أيهما تختار ؟
ـ نصف الناس تقريباً يتمتعون بالتغيير، والنصف الآخر ليس لهم هذه الصفة. لا تجعل الناس يشعرون بالذنب لأنهم لم يتقبلوا التغيير فوراً.
ـ مقاومة التغيير طبيعية، توقعها، واسمح لها أن تلعب دورها، بل وشجعها، واطلب من الموظفين أن يخبروك بكل المشاكل المحتملة التي يرونها، ويعبروا عن قلقهم، ومخاوفهم حيالها. لا تتوقع من كل منهم أن يكون منطقياً، وحكيماً.
ـ التغيير هو أعظم عناصر الإجهاد، وكلما زادت وتيرة التغيير، زاد الإجهاد، لذا اجهل التغييرات انسيابية في حياتك.
ـ لا تفرض التغيير بطريقة تعسفية، ولا تطلب جهداً مضاعفاً من الناس الذين ينالهم التغيير، ولا ترهقهم بالمفاجآت المصاحبة له.
ـ عامل الموظفين كأشخاص كبار، لا تكذب عليهم، أو تحاول مخاصمتهم، وأخبرهم بالأسباب الداعية للتغيير.
ـ دع الموظفين الذين يشملهم التغيير يشاركون في خلقه، واسمح لهم باستقلال ذاتي قدر الامكان.
ـ ابدأ مبكراً، خذ وقتاً كافياً حسب ما يقتضيه الحال لمناقشة كافة مظاهر التغيير قبل حدوثه. وكلما عرف الناس عن التغيير ازدادوا طمأنينة. أعطهم وقتاً للتلاؤم معه، فبعضهم يحتاج إلى وقت أطول من الآخرين لذلك الأمر.
ـ تذكر، أنه توجد عدة طرق للقيام بالشيء الواحد، وأن هناك عدة طرق صحيحة لفعل ذلك.
ـ حافظ على قوى استقرار في بعض نواحي حياتك لمقابلة التغييرات في النواحي الأخرى.
ـ ركّز على المظاهر العاطفية في التغيير بقدر تركيزك على المظاهر الأساسية.
ـ تأكد من إحداث تغيير في نظام المكافآت بحيث يتناسب مع الظروف الجديدة. كافئ على تحمل المخاطرة، والإبداع.
ـ أنسب الفضل في النجاح لكل مَن ساهم فيه، وركز على الجهود المشتركة.
ـ إذا تولت العمل إدارة جديدة، فأبلغهم أنك تريد أن تكون حقيقة واحداً من الفريق. تأكد من أنك تتصرف على النحو الذي تعنيه، أيضاً.
ـ عندما يتولى العمل رئيس جديد اسأل نفسك: (ما الذي يمكنني أن أفعله لأجعل الرئيس يبدو فائزاً؟).
افعل ذلك.
ــــــــــــــــــــ(42/132)
لكي تحقق الكلمة الطيبة في نفسك
* حسن عباس زكي
إن الكلمة لها تأثير خطير على الإنسان، لأنها تشكل له نوعاً من الإيحاء الذاتي، يستقر في العقل الباطن، ثم يترجم بفاعلية في سلوك الانسان.
ومما يؤكد ذلك: تخيل أنك موجود في مطبخ بيتك، أمسك ليمونة، انظر إليها ولونها وما حجمها، واشعر بها، وتأملها جيداً، ثم اقطعها، واسمح لجزء من عصيرها أن تراه، ثم قربه إلى فمك، بدون أن تتذوقه، تجد ريقك يجري .. كيف تم ذلك؟ إنه من المخ الذي أعطى الاشارة للريق أن يجري، لأن ذلك المخ قد سمع ووعى خصائص عصير الليمون.
كذلك في أي عمل يتأثر الانسان بما يسمعه من كلمات .. وعلى هذا تعتمد طريقة الإيحاء الذاتي، حيث يختلي الانسان بنفسه، ويكون هادئاً ومسترخياً، ثم يكرر هذه الجملة عدة مرات لنفسه بصوت واضح: (يوماً بعد يوم، وفي جميع الحالات، فإني أتحسن دائماً، وكل مرة أتحسن أكثر) .. وقد نجحت هذه الوسيلة نجاحاً كبيراً في فرنسا، وجربها الملايين، وحلت لهم مشاكل كثيرة، وكانت علاجاً لكثير من الأمراض.
وعلى هذا يقوم الاسلام: حيث الصلوات وقراءة القرآن والأذكار والعبادات و .. كلها كلمات طيبات، تغرس في وجدان الانسان أعظم المثل والأفكار، وهو ما عبّر عنه المولى عزوجل بقوله تعالى: (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار) إبراهيم/ 24-26.
فيعلمنا الله تأثير الكلمة بإبراز جوانبها المختلفة، الطيبة منها والخبيثة، وذلك حتى نأخذ حذرنا مما تموج به وسائل الإعلام حولنا من كلمات، تؤثر بعمق في الانسان عن طريق الإيحاء الذاتي والتكرار، فيجب أن يحكمنا ميزان الحق في تداول الكلمات.
إذن:
ـ لا تفكر إلا في شيء واحد في أي وقت .. أي لا تفكر في شيئين في وقت واحد.
ـ عندما تركز على فكرة معينة، فإنها ستحول إلى حقيقة، وجسمك يحولها إلى عمل.
ـ وعليك أن تعمل التمرينات لتقوية الذاكرة كل يوم لعدة مرات، ولتكن على الأقل مرتين في اليوم.بالاضافة الى الفقرة السابقة يمكن ان تضيف اليها هذه الفقرة ايضا ,لتدعيم الإيحاء الذاتي :إن الأفكار السلبية والإيحاءات السلبية، ليس لها أي تأثير عليّ وأنا في أي مستوى، وفي أي حالة من الحالات). وهذا ما يسمى تنظيف عقلي، وقد جربنا ذلك على آلاف الحالات، منها: الربو والصداع والمعدة وغيرها، وقد نجحت تماماً في أقل من أسبوعين.
المهم أن هذه الطريقة تثبت الآتي تماماً:
1 ـ أن الكلمات لها تأثير فعال على الانسان، وخاصة بالنسبة لأعماق الروح.
2 ـ أن الروح هي التي تقود الجسم، بشكل لا يدركه الفكر.
3 ـ أن المخ يعمل تلقائياً.
والمهم أن يختار الانسان الألفاظ التي توحي بالثقة والتفاعل مع الحياة بصورة ايجابية.
ــــــــــــــــــــ(42/133)
مجالس اللهو البريء وحدود المشاركة فيها
المجالس الجادة في الاسلام لا تلغي ولا تصادر مجالس اللهو والترفيه والترويح عن النفس بعد عناء العمل، وجهد الدراسة، ومشاق الحياة ..
إنّها ساعات من عدّة ساعات قسّمت بين العبادة وطلب الرزق واللقاء بالإخوان الثقاة، وهي الساعة المخصّصة للملذّات غير المحرّمة، التي باغتنامها يتمكن أحدنا من مواجهة متطلبات الساعات الأخرى.
يقول علي (عليه السلام) : «إنّ القلوب تملّ كما تملّ الأبدان، فتخيّروا لها طرائف الحكمة» .. وقال (عليه السلام) : «روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإنّ القلب إذا أكره عمي».
فهناك زمن مخصّص للراحة والاستجمام، يباح ويتاح لك فيه أن تمزح وأن تتفكّه، وأنّ تلاطف أصدقاءك وإخوانك، وتلهو مع رفاقك. فللواجبات وقتها، وللهزل واللهو الحلال وقته، على أن لا تستولي أوقات اللهو على ساعات الجدّ، فما خلقنا الله لنضيِّع أوقاتنا هراء وعبثاً، ولذا قيل: «اعط الكلام من المزح بقدر ما يعطى الطعام من الملح».
وقد يبدو للبعض أنّ اللهو ـ حتى الحلال منه ـ لا فائدة فيه، لكن الأمور لا تقاس بنتائجها المادية أو الخارجية فقط، فالترويح عن النفس، والتسلية والمفاكهة مع الإخوان والأحبّة مدعاة لخوض لشوط آخر من العمل بنشاط أكبر، ولزيادة الألفة والمحبّة، ولرفع ما علق بالنفس من متاعب وهموم. ونحن لا نتفق مع مَن يقول إنّ الحياة كلّها جدّ صارم ولا فسحة فيها للهو بريء.
فمجالس اللهو المباح أو البريء لها مردودها النفسيّ والاجتماعي بل والإنتاجيّ أيضاً، مما لا ينبغي التفريط به، فمن تلك المجالس مثلاً: لعب الإخوان والأخوات داخل الأسرة الواحدة، أو لعب أبناء الجيران مع بعضهم البعض، أو لعب أبناء الأقرباء سويّة، أو الزملاء في المدرسة.
ومنها مجالس السمر العائلي، وتبادل الأحاديث الودِّية، أو اشتراك أفراد العائلة ـ كباراً وصغاراً ـ في لعبة ما، فتلك مجالس تشدّ وتقوِّي الروابط الأسريّة ليس في الرحلات فقط، بل حتى في أوقات الفراغ والعطل والمناسبات.
ومنها مجالس اللعب كاللعب بكرة القدم أو السلّة أو الطائرة، أو ألعاب الكمبيوتر المختلفة، أو الشطرنج أو ما شابه ذلك.
إنّ الشرط الأساس في مجالس اللهو البريء هو أن لا تتضمّن أيّ محرّم، فلا تتحول إلى مجالس فحش وبذاءة، أو نزاع وصراع وبغضاء، أو إلى حالة قمارية، وإن لا تشغلك عن واجباتك الدينية كالصلاة وغيرها، ولا عن واجباتك الدنيوية كالدراسة والعمل وأداء التكاليف.
واما المجالس الجادّة:
1 ـ مجالس طلب العلم:
وتشمل أي مجلس يزيد في عقلك وتجربتك وإيمانك وأخلاقك، أي إنّك تخرج منه وقد شعرت إنّ شيئاً ما قد أُضيف إلى عقلك وروحك وسلوكك.
إنّ مجالس طلب العلم هي من أحب المجالس إلى الله حتى إنّه عزّ وجلّ يرسل ملائكته لتجالس المشتركين في تلك المجالس وتحفّ بهم حتى ينصرفوا.
2 ـ مجالس المساجد:
وهي المجالس التي يجتمع فيها أبناء المحلّة في صلاة جماعة أو جمعة أو عيد أو في مناسبة سعيدة أو حزينة، أو في ليالي شهر رمضان وليالي القدر منها بوجه خاص. أو مجالس تلاوة القرآن، أو حلقات العلم التي مرّ ذكرها.
يقول الإمام علي (عليه السلام) : «مَن اختلف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان:
أ ـ (أخاً مستفاداً في الله): فاتخاذ الأخ الصالح في الله له تأثير كبير على شخصيتك، وله أثره في نموّ روحك الإيمانية وتصاعدها وتحصينها.
ب ـ (أو علماً مستطرفاً): أي إنّك قد تتعلّم شيئاً جديداً لم تكن تعلمه من قبل سواء كان درساً في القرآن أو الفقه أو العقيدة أو الأخلاق.
ج ـ (أو آية محكمة): من آيات الله البِّينات، التي تتعرّف على تفسيرها، وعلى تطبيقاتها الحياتية، وعلى أبعادها التربوية والاجتماعية.
د ـ (أو يسمع كلمة تدل على هدى): ترشدك إلى الطريق الصحيح، فتصحِّح لك مفهوماً خاطئاً، أو تصوراً منحرفاً، أو رأياً مغلوطاً، أو فكرة باطلة، فتستنير بنور الهدى والوعي والبصيرة والسداد.
هـ ـ (أو رحمة منتظرة): فمن المؤكّد الثابت، إنّك إذا جلست مجلساً يذكر فيه الله، أو يطلب فيه العلم النافع، أو تتذاكر فيه مع إخوانك مسؤولياتكم الإسلامية، وما تستطيعون تقديمه من خدمة لجيرانكم وإخوانكم والمحيطين بكم، فإنّ رحمة الله ستشملكم جميعاً.
و ـ (أو كلمة تردّه عن ردى): فقد تفعل موعظة، أو حكمة، أو كلمة طيِّبة، فعلها في نفسك ـ وأنت تعيش أجواء الجلسة المسجدية الروحانية ـ فتوقفك عن ارتكاب معصية، أو عن تكرار خطأ، أو عن أفكار شيطانية.
ز ـ (أو يترك ذنباً خشية أو رجاء): خشية من عقاب الله، ورجاء لثوابه.
ومجالس المساجد ـ في العادة ـ مجالس ذكر وتوبة واستغفار وتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى، وللأسف فإنّ بعض الشباب لم يجرّب أن يتذّوق حلاوة ارتياد المسجد ليتعرّف على الفوائد المذكورة.
وفي الدعاء: «ما لي كلّما قلتُ قد صلحت سريرتي، وقرب من مجالس التوابين مجلسي عرضت لي بليّة أزالت قدمي وحالت بيني وبين خدمتك سيِّدي».
3 ـ المجالس الأسبوعية:
والتي غالباً ما تعقد أو تلتئم في عطلة نهاية الأسبوع، كما في أيام الجمع. وإن كانت المجالس الأسبوعية لا تقتصر على هذا اليوم بالذات، ففي أي يوم من أيام الأسبوع تلتقي جماعة من الشبان، أو الفتيات بموعد ثابت لتذاكر أمر ما. أو تدرس قضية ما، أو لطلب العلم، أو لمعرفة الأحكام الإسلامية، أو لتعلّم القرآن، أو للاستماع إلى النتاجات الأدبية لكلّ منهم، أو للتفكير بمشروع عمل تنطلق به الجماعة لخدمة أعضائها أو خدمة آخرين أو لأمر لمعروف ونهي عن منكر
4 ـ مجالس العمل الجماعي:
إنّ المنتديات الثقافية والتربوية الأمينة، والمراكز أو المنظمات الشبابية والطلاّبية الصالحة التي تستهدف بناء شخصيات الشبان أو الفتيات من خلال تشكيل فرق العمل والقيام بفعاليات جماعية إن على صعيد التمثيل، أو حلقات المناقشة (الندوات) أو الفرق الرياضية، والفنية المختلفة، لها أكثر من مردود نفسي واجتماعي وثقافي، فهي تطرد عنك الأخيلة الفاسدة، والأفكار المنحرفة، وتعوّدك على أن تعمل مع الجماعة و «يد الله مع الجماعة» كما تربِّي لديك روح الالتزام والتعهد وأداء التكاليف بروح مسؤولة.
فهذه المجالس أو المراكز أو الملتقيات ـ إذا روعي فيها الأدب والخلق القويم، والمنهج السليم، هي معابد ومساجد ومعاهد.
فكلّ مكان تبني فيه شخصيتك الإسلامية والإجتماعية والعملية والعلمية هو معبد .. في المعنى الواسع للمعبد، وهو مسجد، لأنّ المسجد في الاسلام ليس فقط للصلاة وقراءة القرآن، وإنّما جمع بين العبادة والعلم والعمل. وبالتالي فهو معهد لإعدادك لتكون أكثر قدرة على الإبداع والعطاء والتفاعل.
5 ـ المجالس العائلية:
وتحديداً تلك المجالس التي تجتمع فيها مع أسرتك للتداول في أمر عائلي يخصّك أو يخصّ أي فرد آخر فيها، أو يهمّ الجميع، وهو الذي نطلق عليه بـ (مجلس شورى الأسرة).
فأيّما عضو في الأسرة صغيراً كان أو كبيراً معنيّ بشؤونها، وله حقّ إبداء الرأي فيما يصلحها ويطوّر من معيشتها، أو أسلوب حياتها، ذلك إن أي قرار يُتخذ في الأسرة سوف ينعكس على كلّ أفرادها، وبالتالي فإنّ المجلس العائلي الذي تتم فيه مناقشة مشروع عمل، أو زواج، أو انتقال إلى بيت آخر، أو منطقة أخرى، أو القيام بسفرة عائلية، هو مجلس جاد وهادف وصالح وعباديّ، لأنّه ـ علاوة على ما يوطّده من العلاقات بين أعضاء الأسرة ـ ينمِّي موهبة التفكير، والمشاركة في الرأي، وتبادل وجهات النظر، واستكمال أو تنضيج الأفكار المطروحة، بما يجعل من الفكرة النهائية فكرة كل العائلة وليست فكرة القيِّم عليها فقط، وهذا يعني أيضاً أن يتحمّل الجميع المسؤولية في النتائج المترتبة على القرار المشترك.
والمجالس العائلية لا تعقد فقط لمناقشة موضوع أو علاج مشكلة فقط، بل للاحتفال بعيد ميلاد أحد أعضائها، أو نجاحه في دراسته أو مشروع عمله، أو في تكريم الأحفاد للأجداد، وما أكثر ما يمكن للعائلة أن تقترحه من عناوين لتعمر مجالسها بالألفة والأنس والرحمة.
6 ـ مجالس المؤمنين:
وأيّما مجلس تجتمع فيه ثلّة مؤمنة معروفة بصلاحها وتقواها وعملها وأدبها، فذلك مجلسك الذي لا ينبغي أن يشغر أو يفرغ منك.
يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إذا رأيتم روضة من رياض الجنّة فارتعوا فيها !! قيل: يا رسول الله وما روضة الجنّة؟ قال: «مجالس المؤمنين» !
ولو طرحنا سؤالاً لاحقاً: وما هي مواصفات هذه المجالس؟
فإنّنا نحصل على جواب ذلك من سؤال الحواريين لعيسى (عليه السلام) إذ قالوا له: لمن نجالس؟
فقال:مَن يذكِّركم الله رؤيته، ويرغِّبكم في الآخرة عمله، ويزيد في منطقكم عمله.
البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/134)
تأملات في التضحية والفداء
د . رجب أبو مليح محمد
يظلم بعض الناس هذا النسك إذا ما قصره على ذبح الأضحية يوم العيد ليأكل منها ويطعم أهله وأقاربه، ويطعم الفقير والمسكين، ولو أن الأمر توقف عن هذا الحد -ذبح الأضحية والأكل منها وإطعام الناس- فما كان يستحق الوقوف عنده والتدبر في معانيه.
لكنه أعمق من هذا بكثير، إنما شرعت هذه الأضحية إحياء لسنة أبينا إبرهيم الخليل -ع-، هذا النبي الذي عزم على ذبح ولده ثمرة فؤاده وسويداء قلبه بسبب رؤيا رآها في المنام يأمره الله فيها أن يذبح ولده، فلم يقل لماذا؟! وكيف؟! ومتى؟
إنه لم يكن أمرا صريحا من الله مباشرة، ولا عن طريق أمين الوحي جبريل عليه السلام، لكنها رؤيا رآها في المنام، ورؤى الأنبياء وحي، فما كان منه إلا الاستجابة السريعة لتلبية أمر الله وما كان من الولد إلا الاستجابة الفورية الحاسمة لأمر الله (افعل ما تؤمر) فالأمر ليس أمرك فأنت الحنون الشفوق وأنت الرحيم الرقيق، والله أرحم منك وأشفق، وهو أكرم منك وأبر فما دام قد أمر بالذبح فهو الرحمة بعينها، وهو الشفقة والحنان عين الحنان.
إنه موقف فريد لم يحدث من قبل وما سمعنا أنه حدث من بعد، ولا نظنه يحدث. إن موسى عليه السلام لما قَتل بنو إسرائيل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق وطلبوا منه أن يخبرهم بالقاتل اختبارا أو تعجيزا قال لهم: (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة).
- (قالوا: أتتخذنا هزوا؟!!)
- (قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين!!)
- (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي؟؟)
- (قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون)
- (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها؟)
- (قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين)
- (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون)
- (قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها)
- (قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون)
إن المقارنة بين الموقفين تظهر الفرق الشاسع والهوة السحيقة بين العبودية لله في أعلى وأجل معانيها وبين المراوغة وسوء الأدب مع الله تعالى ونبيه عليه السلام (أتتخذنا هزوا- ادع لنا ربك- إن البقر تشابه...)
أما حين يكون الأمر مع عباد الله المخلصين فهنا يقول الأب: (إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى؟) فيرد الولد بلا وجل: افعل ما تؤمر أبتاه!!!
من أجل ذلك فإن على المسلم أن ينظر إلى هذا الحدث بعين ملؤها العبرة والعظة وبعقل ملؤه التدبر والتعقل.
إن الأضحية هنا رمز والرمز يحمل في طياته الكثير من المعاني، فهي تمثل لإبراهيم عليه السلام ذبح أغلى ما يملك وأفضل ما يحب من أجل الله تعالى، وذلك ليخرج من قلبه كل شهوة وكل حب سوى الله تعالى، فهل نفطن إلى هذا الدرس، ونذبح كل شهواتنا وكل ما نحب إذا تعارض أي من ذلك مع مراد الله تعالى؟
إنها وقفة مع النفس لمحاسبتها ومعاتبتها وتخليصها من كل ما علق بها، علينا بتهذيب الشهوات قبل ذبح الأضحية فالله يقول سبحانه في شأن الهدي: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) الحج 37.
وإذا كان الفقهاء قد اختلفوا حول حكم الأضحية بين الوجوب والاستحباب فإن ثمة أنواعا أخرى من التضحية هي من الواجبات التي لم يخالف فيها أحد، ومن أهم هذه الأنواع:
التضحية بالنفس:
وهي أعلى أنواع التضحية، وفيها يجود المسلم بنفسه لله سبحانه وتعالى، يقول الله تعالى: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة 111.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله).
التضحية بالمال:
وثاني هذه الأنواع من التضحية هو التضحية بالمال، سواء على سبيل الواجب المقدر شرعا في صور الزكاة، وما يفرضه الحاكم المسلم من الأموال على الرعية إذا لم يكف سهم الزكاة النفقة على حاجات المسلمين في الداخل والخارج، أو في صورة الصدقات التطوعية التي يخرجها المسلم طائعا مختار طمعا فيما عند الله تعالى.
يقول الله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَّشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة 261-262.
وبين سبحانه أن الإنفاق في سبيله قرض حسن فقال: (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) البقرة 245.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) الحجرات 15.
(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى) الليل 5-11.
لقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء قوما يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان فقال النبي ص: يا جبريل ما هذا؟ قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة لسبعمائة ضعف، (وَمَا أَنْفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ 39.
وروى البيهقى بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله -ص-: "خلتان يحبهما الله وخلتان يبغضهما الله. فأما اللتان يحبهما الله فالسخاء والسماحة وأما اللتان يبغضهما الله فسوء الخلق والبخل فإذا أراد الله بعبد خيرا استعمله على قضاء حوائج الناس).
ثالثا: التضحية بالأهل والعشيرة!!
وهذا ما حدث مع الأنبياء عليهم السلام ومن تبعهم إلى يومنا هذا، فقد هاجر الخليل إبراهيم بإسماعيل وهو ما يزال رضيعا ضعيفا لا يقوى على شيء، ووضعه في صحراء قاحلة لا زرع فيها ولا ضرع، ولا أنيس فيها ولا جليس.
وهاجر النبي -ص- وصحبه الكرام من مكة وهي أحب بلاد الله إليهم، هاجروا طاعة لله تعالى وابتغاء المثوبة والأجر منه، وقطعوا كل علاقاتهم بأهلهم وذويهم وأبنائهم وأحبابهم استجابة لنداء الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة 23- 24.
(لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). المجادلة 22.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آَوَوا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) الأنفال 74.
(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (آل عمران 195).
والخلاصة أن لفظ التضحية يتسع لكثير من الأنواع والأشكال، ولا يقف عند حد ذبح الأضحية فقط وتقديم اللحم للفقراء، فالتضحية ألوان متعددة وأشكال متنوعة بالمال والوقت والجهاد والأهل والعشيرة بل والنفس في سبيل نشر الدعوة وإقامة الدين وحفظه.
وهكذا أقيم المجتمع المسلم الأول على أكتاف رجال ضحوا بكل أنواعها إنفاقا للمال ومفارقة للأهل والولد وبذل للوقت والجهد وتضحية بالنفس، كل ذلك في سبيل الله، وتبعهم بإحسان رجال واصلوا المسيرة من التابعين وتابعيهم وإلى يومنا هذا، بل وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلن تخلو الأرض يوما من هذا الصنف المخلص ليكونوا جند الله على أرضه وتتحول بهم المبادئ والقيم والعقائد واقعاً على الأرض.
ــــــــــــــــــــ(42/135)
تربية العقل بين الإيمان وتحديات العصر
*محمد حسين فضل الله
خلق الله الإنسان قبضةً من طين ونفخةً من روحه، وهذا الروح الإلهي الذي دخل في تكوين الإنسان كان عقلاً؛ عقلاً يتحرك ليجعل الإنسان خليفته في الأرض، وليحرّك العقل ليعقلنها في كلّ عناصر الحياة، في عملية نموّ وإبداع وحركة. أن تكون الحياة عقلاً ينفذ إلى العمق إلى كل ما في الحياة من عمق، من أجل أن يكتشف أسرارها بالعلم.
نحن نعرف أن الله سبحانه وتعالى قال للعقل أقبل إليّ، انفتح عليّ، اصعد إلى سمواتي، انفتح على آفاقي، لأعطيك كل ما في مواقع القدرة عندي ومواقع الرحمة لديّ، أقبل إليَّ لأعطيك الطهر والنقاء والصفاء، حتى تتجه إلى الأعماق لتكتشف الحقيقة. وتوجه العقل إلى ربِّه فأقبل، ليستوحي من ربِّه كلَّ ما يغني عناصره في اكتشاف الكون، ليعرف كيف يدير الكون ويعقلنه.
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}(فصلت/53). وهكذا، أقبل العقل إلى ربِّه ليتعرَّف أولاً ربَّه، ليتعرف سر الوجود عندما يتعرف سرَّ الربوبية والألوهية. وهكذا ينطلق العقل من المعرفة بالله تعالى، لتمتدَّ إلى معرفة كل ما خلقه الله تعالى، وكل ما أبدعه، "ثم قال له أدبر فأدبر"، امشِ أمامي وتحرَّك، لأعرف كيف تتوازن خطواتك في خط مسؤوليتك. ثم قال له، وقد أعطى الله تعالى معنى العقل للعقل: "ما خلقت خلقاً أعزَّ عليّ منك"، فالعقل هو سر كل عظمة الخلق، هو القيمة التي تعطي للإنسان قيمته، فالإنسان عقل قبل أن يكون جسداً، بل إن هذا النوع من التواصل بين العقل والجسد، استطاع أن يعقلن الجسد، حتى الأنبياء والأولياء، عظمتهم أن عقولهم قد أخذت أساليب الكمال، فكان الرسول عقلاً وقيمته هي عقلانيته.
وقد ورد عندنا: "أنَّ الرسول عقلٌ من خارج، والعقل رسولٌ من داخل"، هذا النوع من التزاوج بين العقل والرسول، يجعل الرسالة عقلاً. وبذلك، فإن الرسالة لا يمكن أن تلتقي بالخرافة، ولا يمكن أن تلتقي بالتخلّف، أو تلتقي بالجهل، بل إنَّ الرسالة تحتضن العقل وتختزنه من أجل أن تغيِّر العالم على صورتها.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}(الأنفال/24)، وقالها الله: «إياك آمر وإياك أنهى، وبك أثيب وبك أُعاقب». عندما يقوم الناس لربِّ العالمين، يقف العقل، وتتحرك كل العقول أمام الله تعالى لتقدم حساباتها بين يديه تعالى، بأنه هل استطاع العقل أن يعقلن مسيرته، أم أنَّه أعطى مسيرته خطاً لا يلتقي بحسابات الفكر، على طريقة لهم قلوب لا يعقلون بها؟!
"وبك أثيب وبك أعاقب". إن الله تعالى يعطي القيمة للإنسان من خلال حجم عقله وحركية عقله، ونحن نعرف أن الله تعالى عندما ينظر إلى الإنسان ينظر إلى عقله، لأنه يريد للإنسان أن يُعقلن مسؤوليته وعاطفته وغريزته، لأن المادة التي تعيش في داخل الغريزة، قد تقتل الإنسان عندما تنحرف غريزته عن مسارها العقلاني الطبيعي لتهلك واقعه.
لذلك، لا بد من أن نعطي الغريزة جرعةً من العقل، لنوظِّفها في طبيعة حاجة الحياة إلى الغريزة في استمراريتها وحيويتها، ولكن مع التوازن في حركتها وواقعها، كذلك، لا بد من أن نعطي العاطفة جرعة من العقل، لتتوازن وتتأصَّل، لأنّ الإنسان قد يجمح في عاطفته، فيحب من دون حساب، ويبغض من دون حساب.
ولذلك، يأتي العقل ليخاطب في الإنسان أساس العاطفة، ما هي العناصر التي تجعله يحب الآخر أو يحب الشيء؟ ما هي العناصر المادية؟ ما هي العناصر الروحية؟ ما هي الأسس التي يرتكز عليها حبُّه؟ لأنّ الحبَّ لا بد من أن يكون مفتوح العينين، ولا يجوز أن يكون أعمى، لأنّ العمى في الحبِّ يجعل الإنسان يتخبَّط ويسقط في كل المهاوي، ويجعل حبه حباً فوضوياً غير متوازن. وهكذا عندما يبغض، لا بد من أن يعرف العناصر التي تبرّر له هذا البغض، حتى لا يكون الحب حالة انفعال والبغض حالة انفعال، بل ليكون الحب _ أيّ حب _ منطلقاً من حبه لله تعالى، ومن حبه لرسل الله، ومن خلال هذا الحبّ ينطلق حبه للناس من حوله، وحبه للحياة ولما يلتذ به ويحلو له، حتى يكون حبه منطلقاً من دراسة، بحيث يقترب من معادلة 1+12، لا الحب كيفما كان، ولا الحب من خلال نظرة طارئة أو من خلال لذة آنيّة، لأنّ اللذة تزول، والنظرة تختفي.
وهكذا أيها الأحبة، نحن في حاجة إلى نعقلن كل شيء عندنا؛ أن نعقلن الفكر حتى لا ينطلق من السطح، بل من العمق، وحتى لا يختلط بالخرافة، كما أدخلها البعض في الفكر والدين، وحسبوها فكراً وديناً، فعاش العالم المتخلّف هذا الخلط، وقدّس الخرافة باسم الدين.
إنّ علينا أن نعقلن وعينا للدين، وتصوّرنا له، من خلال الفهم العقلاني الثقافي المتوازن، الذي يجعلنا نفهم الدين بجذوره العقلية والفكرية. نحن لا نعتبر الإيمان فوق العقل كما يعتبره بعض أتباع الديانات، بل إن العقل هو الذي ينتج الإيمان، ولا عمق لإيمان لا يرتكز على العقل. نحن نؤمن بالله تعالى لأن العقل قادنا إلى وجوده، وقادنا إلى توحيده... فنحن وحَّدناه، لأنّ عقلنا اكتشف توحيده، ونحن عبدناه، لأن عقلنا اكتشف عبوديتنا له وطاعتنا له.
وهكذا أيها الأحبة، لا بدّ لنا من أن نعقلن الحياة الاجتماعية، حتى لا تسقط في خطِّ العصبية العمياء، بل لتتحرّك على أساس نظم وخطوط وقواعد، تجعل من المجتمع جسماً واحداً، ينطلق كلُّ أفراده لتحقيق الأهداف الكبرى للمعنى الاجتماعي في المجتمع الذي يؤكِّد قضاياه الكبرى، كما يؤكِّد للأفراد قضاياهم الحيوية.
ولا بدّ من أن نعقلن السياسة، حتّى لا تكون انفعالاً وحالةً طارئة وعاطفة، بل لتكون خطة تدرس كل حاجات الإنسان وأهدافه ووسائله، بطريقة عقلانية تحسب حساب القوة والضعف، والربح والخسارة، والبداية والنهاية.
ولذلك، فإنّ عقلنة السياسة تفرض أن لا يستقلّ بالسياسة أفراد ينطلقون من خلال ذاتية فكرهم، ليتبعهم الناس تصفيقاً وتهليلاً وتكبيراً واتّباعاً أعمى. إنَّ عقلنة السياسة تعني أن يكون لكل شخص ممن تتصل حياته بالسياسة، فكرٌ سياسيّ وخطّ سياسيّ، وأن يتعرَّف مواقع السياسة عندما يرتبط الداخل بالخارج، وعندما تندمج القضايا الإقليمية بالقضايا الدولية، وعندما تتحرك مصالح المستضعفين في مواقع مصالح المستكبرين. أن لا تكون السياسة تقليداً، بل تكون إنتاجاً وإبداعاً. أن لا نتحرك لأنّ الآخرين يريدون لنا أن نتحرك، بل لأننا نحن نريد ذلك، ولأنّ الآخرين الذين ربما يملكون موقعاً في مركز القيادة، لا بُدَّ لهم من أن يتكاملوا معنا.
أن يكون هناك اندماج بين القاعدة والقمة. ولعل مشكلة السياسة في العالم الثالث، أو في العالم العربي والإسلامي، أنها سياسة انفعالية، عاطفية واتّباعية، تصفيق وحركة دون معرفة للبداية والنهاية.
ولهذا، لا سياسة في عالمنا العربي والإسلاميّ إلاّ القليل، وما لدينا هو شعارات وهتافات، وعبودية الشخص والحزب والحركة والمنظمة، هؤلاء الذين لا يسمحون للقاعدة أن تعترض وتناقش وتفهم، لأن القضية أننا أدمنّا السّير من دون أن نفهم، لأنّ الشعب إذا فهم، فإنه يسبّب مشكلة للآخرين.
أيها الأحبة، لا بد لنا أيضاً من أن نعقلن المستقبل، من خلال دراسة المتغيرات التي يسير بها العالم في سرعة قياسيّة، ولا بدّ من مواكبة هذه المتغيّرات ورصد المستقبل، من خلال كل هذه الهزات الثقافية والاجتماعية والسياسية والأمنية، لنعرف كيف نصنع المستقبل بتخطيط عقلي وموضوعي، وحتى لا نقع بما وقع فيه الآخرون، عندما تصوّروا أنّ العالم جامد وثابت. فالعالم متغيّر وعلينا مواجهة كل التحديات فيه، سواء كانت ثقافية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، لنعرف كيف نرتفع إلى مستوى هذه التحديات، حتى نعرف كيف نواجهها، وكيف نخفف من أخطارها، أو لنتعايش معها في بعض المراحل.
وعلى ضوء هذا، لا يجوز لأية جهة أو قيادة، مرجعيّة أو سياسيّة أو ثقافيّة أو اجتماعيّة، أن تبقى على الحياد، في عالم يسقط الحياديين، لأنّ العالم، سواء كان عالماً خيّراً أوً شريراً، هو عالم الموقف، أما الذين لا موقف لهم، فإنهم يخرجون من العالم حتى لو كانوا قياديّين، لأنّ من لا يشارك العالم في كل تطوراته وتحدياته وأوضاعه، يخرج منه ويكون ميتاً بين الأحياء.
إن علينا أن نشارك في كل حركة العالم، سلباً أو إيجاباً، لأننا إذا كنا أصحاب قضية أو أصحاب دعوة، فلا بد لنا من أن نحرك هذه القضية في مفاصل العالم، وأن نطلق هذه الدعوة في كل عقول العالم، حتى إذا أغلقوا علينا باباً من هنا، نحاول أن نفتحه من هناك. لا يكفي أن نأكل فتات موائد الآخرين، بل يجب أن نصنع موائدنا؛ أن نطبخ، أن ننضج، أن نزرع، أن نصنع، أن نستعمل كل طاقاتنا لنصنع العنفوان في مستقبلنا، حتى لا نعيش اللامبالاة والغياب، كما قال ذاك الشاعر:
ما مضى فات والمؤمَّلُ غيبٌ ولك الساعة التي أنت فيها
ما مضى فات، ولكن لا بدّ من أن نأخذ منه الدرس والعبرة، والمؤمَّل غيب لا بد من أن نكتشف ما فيه مما هو في داخله، مما يفتح لنا الله تعالى بعض جوانبه. أما الساعة التي نحن فيها، فعلينا أن لا نهملها، بل أن نجعلها ساعة محملةً بكل عناصر القوة التي يمكن أن تصنع المستقبل، ولا نقول كما قال ذلك الشاعر:
نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا
نبني ونعلي البناء، ولكنّنا نتقدم عليهم في ذلك، لأنّ الحياة هي حالة تطوّر، إنّ العقلانية تتحدَّى كل إنسان في وجوده ليعقلن وجوده، وليعقلن ساحته، وليعقلن حركته في الانفتاح على الله تعالى، ليعرف كيف يتحرك في معنى انفتاحه على الله تعالى، وعلى الناس وعلى الحياة، لنحوِّل العالم إلى عقل.
لقد قال بعضهم إنّ العالم ليس عقلاً، وكأنه ينتقد ما في العالم من حركة، ونحن نقول، إذا أردنا عالماً ينطلق من أجل الحالة التصاعدية، فعلينا أن نجعل العالم عقلاً، أن نسلِّط العقل عل كل خرافاتنا ليمحوها، أن نسلط العقل على كل تقاليدنا وعاداتنا ليصحّحها، أن نسلّط العقل على كل ثقافاتنا لينميها وليؤصلها، أن نسلّط العقل على كل واقعنا من أجل أن يخطط له في الخط المستقيم.
إن ساعة العقل يمكن أن تهيّىء لك مستقبلاً كبيراً في مستوى القوّة وفي مستوى العنفوان، وقد ورد عندنا حول مسألة التفكير الذي هو نتيجة العقل: "تفكر ساعة خير من عبادة سنة"، لأن هذه الساعة تضيء لك معنى عبادتك ومعنى إيمانك ومعنى حياتك.
أيها الأخوة والأخوات، عليكم وأنتم تتحركون في مواقع التخطيط للتّربية، أن تنمّوا عقولكم بالفكر والتأمّل والتجربة المستمرة والممارسة، وأن تدرسوا كلَّ خطوة لتتعرفوا إيجابياتها وسلبيّاتها. إنّكم الآن تعملون على أن تعطوا الجيل الجديد علماً وتربية، ولكن مع ذلك، وقبل ذلك، حاولوا أن توجِّهوا الجيل الجديد إلى أن يفكر، لا أن توجهوه إلى أن يقلّد.
إنّني أدعوكم إلى تربية أولادنا منذ البداية على التّفكير النّاقد. علموا أجيالكم كيف ينتجون الفكر، كيف يعتمدون على أنفسهم، كيف ينمّون عقولهم، ليتعلم الآباء والأمّهات أن لا يقمعوا الأبناء ليمنعوهم من التفكير، وليمنعوهم من الحوار معهم والمناقشة، حتى ننشئ جيلاً يملك الاستقلال في عقله، وفكره، ويخطط لمستقبله.
إنها المسؤولية الكبيرة؛ أن نصنع إنساناً في عقله وعاطفته وحركته في الحياة. تلك هي المسألة، وتلك هي المسؤولية غداً أمام الله تعالى الذي يسألنا كيف صنعنا هذا الإنسان الغض الطري الذي قد يكون في المستقبل قائداً أو مصلحاً أو طاغية أو ما إلى ذلك؟ لذلك فلنبدأ المسؤولية.
ــــــــــــــــــــ(42/136)
أنت عبقري إذا أردت..
* يوسف ميخائيل أسعد
هل أنت موهوب؟ قد تجيب عن هذا السؤال: وكيف أكون موهوباً والناس من حولي لم يعترفوا لي بالنبوغ بعد، ولم يسبق لي أن نبغت في مجال ما من مجالات الحياة؟
مهلاً يا صديقي. إننا نود أن نميز بين الموهبة كعطية مطمورة بداخلك وبين الموهبة كواقع خارج ذاتك وقد خرجت من حيز نفسك إلى المجتمع من حولك. لقد تكون موهوباً بمواهب فذة ونادرة ولكن لم تتح لك الفرصة حتى هذه اللحظة لكي تخرج الكنز المخبوء بداخلك وتترجمه في واقع حياتك إلى كنز حي معترف به من الجميع.
تش في دخيلتك. إنك تقول لنفسك أحياناً (إني أستطيع أن أتى بنغمات جديدة مع أني لا أعرف شيئاً عن الموسيقى، ولم يسبق أن قمت بالتلحين).
إننا نقول لك يا صديقي إن أحداً لن يمد يده إليك يظهرك على ما وهبته من مواهب. العكس هو الصحيح. إنك ستجد مقاومة لما قد تبديه من مواهب. وتتبدى تلك المقاومة في الاستخفاف بك، أو في السخرية مما تقوم بعمله أو إنتاجه أو قوله أو كتابته أو عزفه.
إننا نقول لك يا صديقي أيضاً إنه كم من أصحاب مواهب انصرفوا عما بدأوا فيه خوفاً من نقد النقاد أو درءاً لاستهزاء المستهزئين. ولكن القليل من أصحاب المواهب لم يعبأوا بما يقوله الناس عنهم.
ولكن هل الطريق إلى المجد والشهرة قصير؟ إننا نسارع إلى القول بأن هناك نوعين من الشهرة: نوع رخيص وآخر ثمين. والنوع الرخيص من الشهرة يتأتى لبعض الناس بسرعة وبغير إعداد طويل، وهي شهرة هشة تتبخر بسرعة. أما النوع الثمين من الشهرة فان الطريق المؤدية إليه ليست مفروشة بالورود والرياحين، بل هي مفروشة بالأشواك وهي طريق طويلة.
ونصيحتنا لك يا صديق ألا تعجل الشهرة في الحياة هي هدفك الأسمى. ذلك أن الشهرة من النوع الثاني الثمين تكون ثمرة لجهود طويلة وشاقة. فعليك بالسعي وراء مواهبك بغير أن تلقي بالاً إلى إحراز الشهرة. إن الشهرة سوف تكون من نصيبك بغير أن تسعى في أثرها. اترك الناس يحسون بك بغير أن تلاحقهم وبغير أن تلح عليهم بأن يعترفوا بك وبمواهبك. جرب وجرب بغير يأس أو نكوص. وإذا وجدت أنك تتقدم فيما بدأت فيه فسر دائباً إلى الأمام بغير توقف.
اقض الوقت الطويل في استثمار مواهبك. لا تظن أن العبقرية موهبة فطرية تفرض نفسها على صاحبها بغير أن يبذل جهداً لاستنباطها وإبرازها إلى حيز الوجود. صحيح إن الموهبة أو العبقرية قد تلح على ذهنك، ولكن إلحاحها لا يعني أنها تخرج إلى حيز الوجود بغير جهد أو عرق. اقرأ تاريخ أي عبقري تجده يتلخص في عناصر ثلاثة: الموهبة والوقت والجهد.
لا تجعل مشاغل الحياة تطفئ مواهبك. كم من طبيب كان يمكن أن يخلد اسمه في عداد عباقرة الطب، ولكن انشغاله في عيادته وسعيه للكسب دون ملاحقة مواكب علوم الطب وفنونه قد حكم عليه بأن يقضي حياته في الظل.
إذا كنت صاحب مواهب فذة، فلابد أن تتفوق إذن. والتفوق ليس معناه أن تستوعب الموجود من العلم أو التخصص أو المضمار الذي تعمل فيه فحسب، بل معناه أن تتفوق على ذلك الموجود، وأن تمتد بالحضارة ولو خطوة واحدة إلى الأمام. فالعبقري ليس مَن يعيش على غذاء عقلي أعده له غيره، بل هو ذلك الذي يشارك في إعداد وجبات عقلية جديدة بقبل الآخرون على الاغتذاء عليها.
ولكن العبقري لا يبدأ بالإبداع بل ينتهي إليه. انه شخص سريع الامتصاص لما هو موجود بحيث يمتد بعد ذلك إلى آفاق جديدة لم يسبقه أحد إليها. على أن العبقرية شخص مشارك أيضاً فيما يقرأ وفيما يطلع عليه. انه كالممثل البارع الذي لا يكتفي بقراءة الأدوار التي يقوم بتمثيلها، بل هو يتقمص الشخصيات المعروضة أمامه في تلك الأدوار. فهو لا يردد ما كتب في المسرحية، بل يعيشها بعقله ووجدانه معاً. والعبقري يحيا واقعه وفكره ولكأنه يؤلف مع المؤلف الذي يقرأ له، ويخترع مع المخترع الذي يشاهد اختراعه، ويجرب مع صاحب الكشف العلمي، ويعاني مع الفنان في مرسمه ومع الشاعر في قرض شعره.
وبينما نقول إن العبقرية نادرة، فإننا لا نستطيع أن نقول نفس الشيء بازاء النبوغ. فكل الناس العاديين يتسنى لهم النبوغ في مجال ما من مجالات الحياة الكثيرة جداً. المهم هو أن يعرفوا المجال الذي يمكن أن يحققوا لأنفسهم النبوغ فيه، ثم يأخذوا في استثمار مواهبهم الاستثمار الصحيح وبالطريقة الصحيحة.
إذن فلتبدأ فوراً يا صديقي بالنهوض والخروج من نطاق التبعية الفكرية إلى رحابة الابتكار. ابتكر ي شيء. هل حاولت مثلاً أن تسجل أفكارك؟ هل حاولت قرض الشعر أو كتابة قصة أو رسم لوحة أو تلحين أغنية تكون أنت مؤلفها وملحنها معاً؟ إننا نهيب بك أن تشق عباب المجهول فربما يكون لك حظ كبير فيه وأنت غافل عن الممكن المطمور في حنايا شخصيتك.
وحتى بالنسبة للعبقرية التي قلنا إنها موقوفة على فئة نادرة من الناس، فان علم النفس الحديث لا يغلق باب العبقرية أمام الأشخاص العاديين.
يقول لنا علم النفس الحديث إن العبقرية لا تظهر في فراغ، بل تظهر في سلوك العبقري. والسلوك نوعان: سلوك المواقف والعلاقات الاجتماعية، وسلوك الفكر والوجدان. فرمسيس الثاني كان عبقرياً بما أظهره من عبقرية حربية. ومصطفى كامل كان عبقرياً بما أظهره من عبقرية سياسية، وطلعت حرب كان عبقرياً بما أظهره من عبقرية اقتصادية.
وهكذا يظهر من هذه الأمثلة أن العبقرية ليست عبقرية واحدة، بل هي عبقريات كثيرة. ونستطيع أن نقر أن العبقرية لا تتعلق بشخص العبقري، بل هي تتعلق بالعلاقة بين العبقري وبين المجال الذي يعمل فيه. فأنت لا تكون عبقرياً إلا إذا تركت بصمتك على مجال ما من مجالات الحياة. ولقد نقول أكثر من هذا إن عبقريتك لا تتبدى إلا إذا شققت طريقاً جديداً لم يسبقك أحد إليه.
فالعبقرية إذن تتميز أولاً وقبل كل شيء بالابتكار. فاذا كنت شخصية مبتكرة، فأنت إذن عبقري. أما إذا كنت تسير وراء غيرك، أو إذا كنت مقلداً للآخرين في فكرك أو عملك فإنك لا تكون من العبقرية في شيء.
ولكن العبقرية لا تهبط عليك فجأة. إنك لكي تبتكر لابد أن تسير أولاً في ظل غيرك. وبتعبير آخر نقول إن امتصاص خبرات الآخرين أو التفاعل معها ضروري للعبقري. فالتقليد والاستيعاب يسبقان الجديد والمبتكر.
فالعبقري يمر بمرحلتين: المرحلة الأولى هي مرحلة التلمذة، والمرحلة الثانية هي مرحلة الأستاذية. ولكن يجب أن نؤكد أن هاتين المرحلتين متداخلتان. فالعبقري وإن كان يمر في مرحلة التلمذة وحدها في طفولته وشبابه، فإن مرحلة الأستاذية التي تتجلى فيها عبقريته تظل متداخلة أو مبطنة بالتلمذة.
فأنت عبقري إذا أردت. ولكن ما تسمعه عن شذوذ العباقرة ليس شرطاً ضرورياً يرتبط بشخصية العبقري. وحذار من الارتماء في أحضان الشذوذ أو الخروج عن المألوف ظناً منك أن الشذوذ أو الخروج عن المألوف يكسبك عبقرية في أنظار الناس. إن عبقرية العبقري لا تقاس بمظهره أو تصرفاته الشخصية، بل تقاس في ضوء ما يخلفه وراء من فكر أو عمل مبتكر.
خلاصة الكلام: هناك مهمتان أساسيتان يجب على المرء القيام بهما: المهمة الأولى: هي اكتشاف مواهبه المطمورة في شخصيته. والمهمة الثانية، هي عملية توجيه تلك المواهب الوجهة الصحيحة.
ويجب أن نميز بين نوعين أساسيين من المواهب: النوع الأول: المواهب المتعلقة بالابداع الفني. ومن هذه المواهب موهبة التلحين أو موهبة الغناء أو موهبة الرسم. أما النوع الثاني: فهو المواهب الوظيفية التي تتطلب الاستفادة من دراسة علوم مختلفة ومن مواقف عملية كثيرة. ومن هذا النوع موهبة الطيران وموهبة الجراحة في الطب وغيرهما من مواهب وظيفية.
وبالنسبة لمواهب الإبداع الفني فان الشاب يستطيع أن يعتمد على ما يحس به من رغبة. فاذا أحسست بالرغبة في التلحين أو الرسم مثلاً، فاعلم أن لديك موهبة التلحين أو الرسم. ولكن إذا أحسست بالرغبة في أن تصير طياراً أو جراحاً، فهذا لا يضمن لك أن تصير طياراً ممتازاً أو جراحاً يشار إليه بالبنان.
وعلى أية حال فان الرغبة ضرورية في اظهار الموهبة أياً كانت. فيجب أن تحس بشوق أو حنين إلى التعبير عما بداخلك من مواهب. ولكن يجب أن تعلم أن الطريق إلى استغلال مواهبك ليس مفروشاً بالورود. انه طريق طويل وصعب ويحتاج إلى الجهد والعرق.
وإذا أردت أن تتقن فناً من الفنون، فيجب أن تروي شجرة الموهبة بالعلم والخبرة. وهناك فرق بين الجلوس على شاطئ الموهبة، وبين أن تغوص إلى أعماقها. ولكن إذا وجدت أنك تبذل الجهود الكبيرة لخدمة موهبتك بغير أن تجني شيئاً، فعليك بالبحث عن موهبة أخرى في أعماقك.
وهناك فرق بين النجاح في الدراسة وبين النجاح في ممارسة المهنة المتعلقة بتلك الدراسة. لقد تكون لديك موهبة لدراسة علوم كلية الشرطة ولكن ليس لديك موهبة الاشتغال كضابط شرطة. فموهبة الدراسة شيء، وموهبة توظيف ما تدرسه شيء آخر.
وهذا في الواقع جعل علماء النفس يضعون مقاييس للاستعدادات أو المواهب. وهناك بوجه عام مقاييس تقيس المواهب المتعلقة بدراسة فروع العلوم المختلفة، وهناك من جهة أخرى مقاييس تقيس المواهب المتعلقة بممارسة الوظائف المتباينة.
فاذا أردت أن تصير طياراً، فان علماء النفس يقيسون مواهبك في ناحيتين: الناحية الأولى ما يتعلق بموهبتك في دراسة علوم وفنون الطيران. أما الناحية الثانية فهي ما يتعلق بموهبتك في تطبيق تلك العلوم والفنون في أثناء الطيران.
والمهم في جميع الحالات أن تبدأ أنت باكتشاف مواهبك. فليس أحد يستطيع أن يخلق فيك مواهب ليست موجودة لديك.
ــــــــــــــــــــ(42/137)
التأخر الدراسي .. أسبابه وعلاجه*
هو حالة تأخر أو تخلف أو نقص أو عدم اكتمال النمو التحصيلي نتيجة لعوامل عقلية أو جسمية أو اجتماعية أو انفعالية، بحيث تنخفض نسبة التحصيل دون المستوى العادي أو المتوسط.
وللأغراض التربوية يعرف التأخر الدراسي إجرائياً على أساس الدرجات التحريرية التي يحصل عليها التلميذ في الاختبارات في جميع المواد.
والتخلف الدراسي نوعان:
تأخر دراسي عام ويرتبط بالغباء حيث تتراوح نسبة الذكاء بين 70-85.
تأخر دراسي خاص في مادة بعينها كالحساب مثلاً ويرتبط بنقص القدرة. ويكمن علاج التأخر الدراسي في معرفة الأسباب التي أدت إليه، فقد يكون ناتجاً عن ضعف السمع أو الإبصار لدى الطفل، وقد يكون ناتجاً من اعتلال الصحة والضعف العام. وقد يرجع إلى صعوبة المادة الدراسية وانخفاض مستوى ذكاء الطفل. وقد يرجع إلى سوء طرائق التدريس أو سوء العلاقة بين التلميذ والتوتر والصراع والحرمان. وقد يرجع إلى صعوبات منزلية وتعثر ايجاد مكان مريح وهادئ يستذكر التلميذ فيه دروسه. وقد تكلفه الأسرة بأعمال تشغله عن الواجبات الدراسية وعلى ذلك يكون العلاج موجهاً نحو أسباب الضعف لإزالتها.
ترجع مشكلة التأخر الدراسي في المراهقة إلى أسباب كثيرة يمكن حصرها إجمالاً في الأسباب الآتية:
1 ـ أسباب نفسية.
2 ـ أسباب اجتماعية.
3 ـ أسباب ذاتية ,شخصية.
4 ـ أسباب مدرسية.
أولاً_ الأسباب النفسية:
1 ـ ضعف الميل للمذاكرة: يشعر بعض المراهقين بفتور شديد في رغبته للمذاكرة، وكسل يقعده عن الاهتمام بمراجعة دروسه أولاً بأول، وعن التحضير السابق للدروس، ليتمكن من الاستيعاب الجيد أثناء الشرح والتوضيح، وتثبيت المعلومات وتوكيدها في الذهن. وهذا الضعف يمكن أن يعالج بتقوية الدافع إلى التعلم، وتحديد أهداف المراهق في حياته المستقبلية ومدى تأثرها بالمستوى التعليمي الذي يرقى إليه، وأن يتبع المرشد في ذلك ـ أب أو مدرسة ـ أسلوب الترغيب لحفز اهتماماته نحو التعلم وفي حالات الكسل والبلادة الحسية الشديدة يلجأ إلى الترهيب المناسب لتحريك همته، ويجب الاحتراس من المغالاة في المعالجة حتى لا تأتي بنتائج عكسية.
(ويلاحظ أن المشكلة تكون أكثر وضوحاً في نهاية المراهقة في كل من المدن والريف عن بدايتها، لأن المراهق يكون قلقاً لعدم ميله للاستذكار في نهاية مرحلة المراهقة لأن ذلك يتعلق بمستقبله ومصيره، كذا فإن الدراسة في نهاية المراهقة أحوج ما تكون إلى كثرة الاستذكار لتشعب العلوم وصعوبتها وعندما يقصر الطالب في ذلك يشعر بقلق وعدم اطمئنان.
2 ـ عدم تركيز الانتباه: إن عدم تركيز الانتباه عامل مشترك عند جميع الأفراد في جميع مراحل العمر وهو لهذا لا يعتبر مرضاً ولا عرضاً مرضياً إلا أن يصير عادة للفرد في كل أحواله وفي هذه الحالة يحتاج إلى العرض على أخصائي نفساني يدرس حالته ويوجهه إلى طرق العلاج وأسباب الوقاية من عودة أعراضها، وعادة ما تكون هذه الحالة ناشئة عن المشكلة السابقة حيث يجد المراهق نفسه أمام كم هائل من المواد المتنوعة والموضوعات المختلفة التي تستوجب الدراسة المتأنية إعداداً واستعداداً للامتحانات، وأنى لمثل هذا المراهق بالدراسة المنظمة وقد أهمل في عملية الاستذكار في بداية السنة الدراسية، وبقدر ما يزداد قلقه بقدر ما يشتت انتباهه بين هذه المادة وتلك، يعجز عن الإجابة في كل منهما.
وقد أرجع خليل ميخائيل معوض هذه المشكلة إلى أسباب كثيرة منها:
1 ـ أن الكتب المدرسية والمفاهيم الدراسية ترتبط إلى حد كبير بالامتحانات التقليدية.
2 ـ أن التلميذ يرى أن المدرسة والعلوم التي يدرسها لا تعده الإعداد الصحيح للحياة فهي لا تحقق له عملاً مناسباً في المستقبل.
3 ـ قد يتجه التلميذ إلى دراسة لا تتفق مع ميوله واستعداده لأنه لم يجد مكاناً في هذا النوع من الدراسة، أو لأن أحد أصدقائه اتجه به إليها.
4 ـ قد يكره التلميذ مادة معينة لارتباطها بكرهه لمدرس معين.
5 ـ قد تكون طريقة التدريس نفسها من أسباب عدم ميل الطالب لاستذكار الدروس.
أن ثمة أسباب أخرى تكمن وراء هذه المشكلة بدليل التفاوت البين بين نسبة وجودها في المدينة عنها في الريف، وان من أهم الأسباب التي أدت إلى هذا التفاوت الكبير كثرة المصاريف التي تجذب مراهق المدينة فتضيع أكبر أوقات يومه بين دور الملاهي والسينما والأندية والكازينوهات وفيها تبدي المرأة زينتها وتكشف عن أجزاء من جسمها.
3 ـ الخوف من الامتحانات: والخوف من الامتحانات في هذه الحالة ناشئ طبيعي من إهمال المراهق وتفريطه في أداء واجباته، والعلاج الحاسم لهذه المشكلة بمواجهتها والهروب إليها بمعنى أن المراهق من لحظة شعوره بالخوف من الامتحانات فليسرع إلى تعديل استجابته للخوف وأن يقبل في عزم وحزم على الاجتهاد في المذاكرة أملاً في تدارك بعض ما فات.
ثانياً) أسباب أسرية واجتماعية:
إن الحياة الاجتماعية وعوامل الرفاهية والشهرة وتحقيق الكفاية المالية تجعل الأسرة ميالة في الغالب إلى دفع أبنائها نحو المجالات التعليمية التي توفر جانباً أكبر من الحاجات النفسية والاجتماعية والمادية متجاهلة أو متناسية ميل المراهق إلى هذه المجالات أو فتور وضعف ميله إليها، ومتناسية أيضاً مدى تناسب قدراته واستعداداته الخاصة مع المجالات التي تميل إليها الأسرة وترغبها، ولهذا غالى كثير من الأسر في متابعتها للمراهق وملاحقته من حين لآخر فتلزمه بقضاء غالب أوقاته في الاستذكار للمواد التي تخص المجال الذي ترغبه، وغالباً ما يكون لذلك مردود سلبي على سلوك المراهق عملية الاستذكار.
والاعتدال في هذه الحالة أهدى سبيلاً كي لا تصبح المذاكرة من الموضوعات غير المحببة.
ثالثاً) أسباب ذاتية:
قد يرجع التخلف الدراسي إلى أسباب ذاتية تخص المراهق صاحب المشكلة وهذه الأسباب يمكن حصرها فيما يلي:
1 ـ ضعف القدرة العقلية العامة عن التحصيل.
(اختلفت الناس في فهم العلوم وانقسموا إلى بليد لا يفهم بالتفهيم إلا بعد تعب طويل من المعلم وإلى ذكي يفهم بأدنى رمز واشارة..).
2 ـ قلة الخبرة بموضوعات ومجالات الدراسة التي توجه إليها، خاصة إذا ما كانت الدراسة تميل إلى الجانب العملي التجريبي.
(وأما علوم التجارب فتفاوت الناس فيها لا ينكر فإنهم يتفاوتون بكثرة الإصابة وسرعة الإدراك).
3 ـ ضعف الميل إلى نوع الدراسة خاصة إذا كانت لا توافق طبعه وقدراته الذاتية، وفي هذه الحالة يكون توجيه المراهق إلى الدراسة التي توافق ميوله وتتناسب مع قدراته واستعداداته أهدى سبيلاً.
رابعاً) أسباب مدرسية:
يذهب كثير من علماء التربية وعلم النفس إلى المدرسة بهيئتها التعليمية قد تكون سبباً في التأخر الدراسي، عند عدم تمشي المناهج الدراسية مع حاجات التلميذ وميوله ورغباته ومطامحه واستعداداته ومستواه العقلي، واعتماد هذه المناهج وطرق التدريس المتصلة بها على التلقين وحفظ المعلومات..
وقد يكون المدرس الذي يميل إلى الشدة التي تصل إلى درجة القسوة والغلظة أحد الأسباب التي تدفع المراهق إلى الغياب وكراهية بعض المواد حيث إن المراهق بطبيعة تكوينه النفسي يرفض هذا النوع من المعاملة. ولقد أشار ابن خلدون في مقدمته إلى أن قسوة المعلم قد تعود بالضرر على المتعلم.
إن واجب المدرس أن يكون أباً للمراهقين يترفق بهم ويحسن توجيههم ويأخذهم بالنصيحة لما يصبوا إليه، ويحملهم على الاجتهاد بالهدوء والسكينة ويستحث هممهم بالمنافسة الشريفة.
ومشكلة التأخر الدراسي تتصل غالباً بالتخلف العقلي وترتبط به فتكون النتيجة ظاهرة اجتماعية وإدارية وأكاديمية معاً. فالنعوت التي تستخدم لوصف بعض الحالات مثل: ضعيف العقل، والمعتوه، والأبله، والمغفل، وناقص العقل، والمخبول، والمتأخر عقلياً، إنما هي نعوت تنطوي على تعابير تصف أفراداً أخفقوا في تحقيق أدنى مستويات الكفاءة في تلك الجوانب السلوكية التي تعتبر من صلب وظيفة العقل والذكاء. والتأخر العقلي هذا قد يكون دائماً أو مؤقتاً. وهو ينجم عن نقص تكويني جبلي، أو ينشأ عن سوء تطور معين، أو يتأتى عن حرمان حسي أو حرمان اجتماعي، أو صدمة عارضة، أو اضطراب انفعالي عنيف، أو ظروف جائرة. فهو يصف الوضع الذي يكون عليه الفرد من ناحيتي الوظيفة العقلية والسلوك المتكيف، محدداً بمعايير السلوك والعمر الزمني لمجموعة الأسوياء الذين هم من نفس عمر الفرد المتصف بالضعف العقلي هذا.
- مدلولات الضعف العقلي بوجه عام:
وكثيراً ما يستعمل تعبير الضعف العقلي بمعان تتراوح في مدلولها بين:
1 ـ الظواهر النشوئية.
2 ـ العاهات التكوينية.
3 ـ عدم الكفاءة الاجتماعية.
وحالات الضعف العقلي هذه شتى وقد جرت محاولات كثيرة لتصنيفها على أسس متباينة مع مراعاة نشوء تلك الحالات:
1 ـ فهناك أولاً أمراض وحالات تنشأ عن عدوى أيام النمو.
2 ـ وهناك ما ينجم عن صدمة.
3 ـ ومنها ما يرد إلى اضطرابات في عمليات الهدم والبناء الجسمية ومنها سوء التغذية فتؤثر على النمو.
4 ـ وهناك حالات تكون ناشئة عن ظروف تتصل بما قبل الولادة.
5 ـ وهناك مؤثرات تشنجية من جراء خلل أصاب لحاء الدماغ أيام النمو.
6 ـ عوامل تؤثر على إحدى الحواس. وهذه العوامل، مفردة أو مجتمعة، تؤلف مشكلة اجتماعية، لأنها إن أصابت الفرد جعلته مختلفاً عن اللحاق بركب من كان المفروض أن يحاربهم من أقرانه ومن سائر أفراد المجتمع.
وتكاد تنفق الدراسات الخاصة بالتخلف العقلي على أن التمييز ينبغي أن يكون بين:
أولاً) الجوانب العقلية والمزاجية.
ثانياً) العاهات الفطرية والمكتسبة.
ثالثاً) العاهات العامة والأخرى المحدودة أو الخاصة.
إذ يجدر التحرز في التمييز بين الأفراد الذين تبدو عليهم ظاهرة التخلف العقلي واضحة عن أولئك الذين يتصفون بتخلف في الجوانب المزاجية والأخلاقية. ولمعرفة الطالب المتخلف عقلياً عن سواه هناك وسائل لعل أهمها: الملاحظة، والاختبار، والقياسات العقلية. أما النواحي المزاجية التي تؤثر بصورة مباشرة على الطالب فتجعله متوانياً ومضطرب التفكير، عديم القدرة على التركيز فتكون النتيجة تأخراً ملحوظاً في مواكبة سائر زملائه في الصف فترد بجملتها إلى المبدأ الذاهب إلى أن القواعد الأساسية في مزاج الفرد وخلقه إنما تتأصل أساساً في دوافعه الموروثة وانفعالاته المعبرة عن تلك الدوافع الفطرية. لقد أكد (برت) بأن اضطراب المزاج والخلق إنما يحصل نتيجة ما يتعرض له الفرد من ضغط انفعالي، ولذا فان معظم الباحثين النفسانيين ومنهم (برت) خاصة يؤكدون على أن عامل الارتباط بين الجوانب الانفعالية ودوافعها الفطرية المباشرة عالياً جداً ولهذا فأي اختلال يصيب أحد جوانب الفرج فإنه يؤثر فعلاً على كيانه الوجداني العام، وهذا من أبرز العوامل التي تؤثر على قوى الفرد العقلية. والمعروف جيداً هو حيث جدّ عدم الاستقرار الذاتي من جراء ما يمور في داخل الفرد من ارتباط واضطراب فإن عدم الاستقرار هذا يصبح سبباً رئيسياً من أسباب التأخر الدراسي. بيد أن عدم الاستقرار هذا يؤثر بطرق مختلفة على مَن يتعرضون للهزات النفسية العنيفة. ويمكن تمييز الطالب المتأخر دراسياً من جراء الاضطراب الانفعالي من حركاته في الصف. فهو كثير الحركة لغير ما سبب، سريع الالتفاتات المتميزة بالحركة الهستيرية، يتكلم دون أن يوجه إليه السؤال، فظ في منطقه وغير منتظم في مظهره، لا يكاد يسيطر على حركاته، يندفع بعامل الانفعال والإحساس النفسي الذي لا ضرورة له، واندفاعه هذا مجرد عن الغرض البناء، وعدم الاستقرار الذي يبدو في حركاته وإنما هو تعبير عن الاضطراب الحاصل في ذهنه، وحركات وجهه دائبة كثيرة، ويبدو التعبير على تقاطيع وجهه على نحو متغير، مغالى فيه، تصحبه رجفات غريبة لا تناسق فيها. ولهذا فإن أفكار أمثال هؤلاء الطلاب تكون تحت رحمة عواملهم المزاجية، وعلى هذا فإن إمارات أخرى يمكن الاستدلال بها على عدم الاستقرار المزاجي، منها: كتابتهم غير منتظمة وغير منسقة، لا فكرة تنظمها، إنما هي خلط من مجرد حروف، قد لا تنطوي الجملة على معنى يراد استشفافه منها، ولعلهم يميلون أحياناً إلى تزويق الحروف على نحو غريب بحيث توجه العناية إلى مجرد صب الحروف، لكن النظافة والترتيب معدومتان، وكثيراً ما يبدأ الطالب الصفحة بسطر جيد ثم يشط في عدم الاكتراث المتمثل في عدم الانتظام والانحدار والانزلاق التي يستشف منها كثرة الحركة والململة وتغيير الوضع الجسمي. ظاهرة مسح الحروف أو الكلمات من أبرز خصائص تدوينهم للملاحظات التي يرونها جاهزة من اللوحة أو من بعض الكتب كما يرشدهم مدرسهم.
وهذه الإمارات قد تظهر جلية وربما تؤدي بالطالب إلى أن يلوذ بالانزواء، والإخفاق في التعبير عما يعتمل في خلده. ولا ينكر أثر العوامل العصابية في تخلف الطالب دراسياً. ويتجلى أثر التخلف الدراسي الناشئ عن سبب مزاجي أو أخلاقي في جانبين:
جانب عدم المثابرة المنتظمة.
جانب عدم الأمانة، والاتصاف بالغش المقترن بالتواني في إنجاز ما ينبغي إنجازه من واجبات مدرسية. فهناك على أية حال خمسة عوامل أساسية يجب تبينها تعمل عملها في التخلف المزاجي والعقلي المتسبب في التأخر الدراسي:
1 ـ اعتلال الصحة.
2 ـ عدم التكيف الفكري والاضطرابات العقلية.
3 ـ حالات مزاجية تتصف بعدم الاكتراث والنزعة نحو العدائية.
4 ـ اضطرابات مزاجية وخلقية.
5 ـ اضطرابات عصبية.
يتخذ التخلف العقلي مظاهر شتى مختلفة. إذ ينبغي التمييز بين التخلف العقلي الموروث والتخلف العقلي المكتسب. فما يظهره الطالب من معرفة حقيقية وما يبديه من كفاءة في التهدئة ومعرفة تواريخ الأحداث الهامة وتعيين مواقع الأماكن على الخارطة وما يردده من أرقام في الجمع والضرب، إنما هي معرفة مكتسبة ولا شك، فهي معرفة متجمعة من التوجيه والتعلم منتفعاً من الذاكرة والمران. لكن المهم في الأمر هو القدرة التي أتاحت للطالب اكتساب هذه المهارات، فهي قدرة موروثة. وهنا يجد سؤال ذلك هو إلى أي مدى يمكن أن يرد تخلف الطالب عقلياً إلى الجوانب الوراثية، وإلى أي حد تتدخل العوامل المكتسبة؟
إن الخلاف بشأن الإجابة عل مثل هذا السؤال كانت ولا تزال سبب عدم إجماع المهتمين بدراسة التخلف العقلي على جواب محدد. لكن إ جماعهم على أن الضعف العقلي الموروث لا يمكن علاجه قد أصبح محدد المعالم، إلا أنهم متفقون على أن ما ينشأ من تخلف سببه اعتلال الصحة وانحرافها، أو عدم توافر الظروف والفرص أسباب قابلة للعلاج ويمكن إزالتها في معظم الحالات. ولهذا يجب التمييز بين الذي يعجز عن التعلم إلا بمقدار محدود جداً ولا يستطيع أن يتعلم إلا في المستويات، وبين زميله الذي يتمتع بالقدرة على التعلم لكنه لا يستطيع لسبب بظروف أخرى غير ظروف الوراثة. وعليه فقد جرت العادة على نعت الأول منهم (متأخر فطرياً) فهو (غبي)، ووصف الثاني بأنه (متأخر تربوياً) فهو (متخلف) ويراد بالتعبير الأخير هو بأن الفرد في الحالة الأخيرة متأخر في واجباته المدرسية فقط وليس في التطور والنمو الطبيعيين. وعلى هذا فالصبي الأول تتطلب تربيته ويقتضي تعليمه صفوفاً خاصة، في حين أن الصبي الثاني يمكن إعداده وتوجيهه في المدارس الاعتيادية المهيأة لسواه من الطلاب الأسوياء، ولكن يستلزم الأمر العمل على غزالة الأسباب التي تسببت في تخلفه في التعلم.
ولكن يجب التفريق بين الغبي الفدم وضعيف العقل الموسوم بالعاهة العقلية. فالصنف الأول يكون التخلف العقلي لديهم أقل خطورة مما يكون عليه لدى أولئك الذين قد تعرض ذكاؤهم إلى اختلال وأصيب بعطب خلال مراحل نموهم منذ بدء نشأتهم، فهم لهذا يستعصي تعليمهم إن لم يكن متعذراً، وهم يكونون أعجز من أن يعنوا بأنفسهم، بل يتطلب الأمر الحاجة إلى مَن يعنى بهم خلال مراحل حياتهم المتفاوتة فهم لهذا السبب يوصفون بأنهم من ذوي العاهات العقلية.
*المؤلفين : د.عبد الرحمن العيسوي/د.محمد السيد محمد الزعبلاوي/د.عبد العلي الجسماني
ــــــــــــــــــــ(42/138)
نعم للحرية المنضبطة ..
لا نتحدّث هنا عن الحرِّيّة المنضبطة فهي طموحنا جميعاً ، وقد عمل الاسلام على تحرير الانسان من أي قيد يشلّ إرادته ويغلق عقله، بأن جعله عبداً لله فقط، ورفض أيّة عبودية أخرى ، ليعيش الانسان حرِّيّته في حدود ما رسمه الله له .
أمّا الحرِّيّة المنفلتة.. أو التي لاتراعي قيداً ولا شرطاً ولا نظاماً ، أو تلك التي أباحها القانون الغربي في الجنس والخمر في سنّ معيّنة ، فإنّنا لا نعتبرها حرِّيّة ، فكلّ ما يعرّض الانسان والمحيطين به إلى المخاطر والأذى فهو فساد ، وهو ليس بحرِّيّة ، بل هو قيد واستعباد وأسر .
فمدمن المخدّرات ـ مثلاً ـ الذي لا يتمكّن من الإقلاع عنها ، مقيّد بقيد شديد ، وهو عبد للعقار الذي يتعاطاه ، لأ نّه يسيّره كما يريد ، وهو يستجيب له كلّما ألحّ عليه ، مثلما كان يفعل (السيِّد) بـ (العبد) أيّام الرقيق .
ولذلك فعندما نقرن بين (الحرِّيّة) وبين (الجريمة) فلأنّ هذا هو الذي يحصل الآن ، ففي قبال أيّة حرِّيّة مطلقة تجد ثمة جريمة أو عدّة جرائم . فحرِّيّة الجنس تقابلها جرائم: اختلاط الأنساب، الاجهاض، الاغتصاب ، الاعتداء الجنسي على الأطفال ، الشذوذ الجنسي ،
ناهيك عمّا ينجم من ممارسة هذه الحرِّيّة من أمراض أعيت الطبّ عن علاجها .
إنّ من حقّ كلّ شاب وفتاة أن يعيشا إنسانيتهما بلا تعسّف ولا قمع ولا اضطهاد ، لكن ليس من حقّهما أن يسيئا إلى هذا الحقّ ، فالحرِّيّة التي يدعو إليها الاسلام وننادي بها ليست التي تنتهي عندما تبدأ حرِّيّة الآخرين فحسب ، بل الحرِّيّة التي لا تعدّي ولا ضرر فيها على صحّة وسلامة وأخلاق الفرد نفسه .
يقول بعض المعنيين بتربية الشباب : «إنّ الذين ينسجمون مع قرارات الخلق، ومعايير المجتمع، إنّما يمتازون بوجدان هادئ وضمير مطمئن ، وهؤلاء يتمكّنون من أن يقضوا عمرهم براحة مع سلامة المعنويات وراحة البال . وبعكسهم المصابون بانحرافات ، والذين يميلون إلى الأساليب غير القانونية والأخلاقية والمكبوتون» .
وهذا يعني أنّ الحرِّيّة المنفلتة أو المطلقة لا تحقق السعادة ، كما هو تصوّر بعض الغربيين ، وبعض الشرقيين الذين يعيشون الكبت والحرمان ، بل الحرِّيّة الملتزمة هي التي تحقق ذلك .
*البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/139)
خطوات كي نعالج الحسد ..
كما في كلّ الأمراض الأخلاقية والنفسية فإنّ العلاج يأتي من الداخل وليس من الخارج ، وما لم يتم القضاء على العوامل المسببة للمرض يتعذّر إيجاد علاج شاف منه .
المهمّة ليست صعبة وإن بدت لأوّل وهلة كذلك .
فكما يمكن تعويد النفس على السيِّئ من الأمور ، يمكن ترويضها على الحسن الإيجابي منها ، وإن كانت المهمّة هنا أصعب لأ نّها مخالفة لهوى النفس ورغباتها ومشتهياتها ، لكن ينبغي أن لا ننسى شيئاً مهماً وهو أن مردودات ومكاسب (الترويض) أكبر وأكثر .
دعونا إذن نتتبع العلاج ضمن خطوات :
الخطوة الأولى : أن نضع إصبعنا على موضع الداء ، أي نختبر أنفسنا لنكتشف هل أن داء الحسد قد تسرب إليها ، وكيف تتعامل مع تفوّق الآخرين واحترام الناس لهم وإعجابهم بما لديهم من مواهب وملكات .
الخطوة الثانية : أن نتحسّس مخاطر المرض وآثاره الوخيمة الداخلية والخارجية . فقد لا يذهب إلى الطبيب الذي لا يشعر بخطورة المرض أو يستسهله ، لكنّه إذا عرف أ نّه مرض خطير بادر إلى علاجه.
الخطوة الثالثة : دراسة أسباب الحسد في كلّ حالة ومناقشتها مناقشة علمية وصريحة ، فقد تختلف أسباب الحسد من حالة إلى أخرى . والغاية من دراسة الأسباب هو السعي لتجفيفها وردمها قبل أن تصبح حفرة عميقة يصعب الخروج منها .
الخطوة الرابعة : وصفة العلاج ، وهي وصفة تشتمل على بنود عديدة ، منها :
1 ـ أن نتذكّر دائماً أنّ النِّعَم هبات إلهية ولا تقاس بالاستحقاق وعدم الاستحقاق ، فحكمة الله أبلغ وأوسع من مداركنا (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله )(4) .
2 ـ لنتذكّر أيضاً ، أنّ المحسود لا يقصد ـ في الأعمّ الأغلب ـ الإساءة إلينا ، أو إثارة حالة الحسد داخل نفوسنا ، فلِمَ نحاربُ إنساناً بريئاً أو نشهر العداوة ضدّه ؟!
3 ـ لنتعلّم .. أن نتطلّع إلى ما في أيدينا من نِعم ومواهب وخصائص ، ولا يكون أكبر همّنا أن نمدّ أعيننا إلى ما متّع الله به غيرنا .. فالعيون المتطلّعة إلى الأعلى تتعب((5)) .. أكثر النظر إلى مَنْ هم دونك ، فهو نظرٌ يحمل إليك الكثير من المشاعر الرضية الشكورة .
4 ـ أن نتذكّر أنّ امكانية السعي للحصول على ما لدى الغير أو بعضه أو أكثر منه ، متوافرة خاصّة إذا امتلكنا إرادتنا وعزمنا وتصميمنا على بلوغ ما نتمنّى . وهذه ليست وصفة تسكينية ، فلعلّك جربتَ في حياتك كيف أنّ الإرادة ـ كما يقال ـ تصنع المستحيل أو تقهره .
إنّ السعي بحد ذاته يخفّف من مشاعر الحسد وربّما يزيلها تماماً ، أو يقلبها إلى (منافسة شريفة) أي التنافس في الخيرات والإبداع والتنمية والتطوير .
5 ـ نمِّ ما لديك من نقاط إيجابية ومزايا طيبة ومواهب أوّلية حتى تكون مرموقة .
6 ـ لنتذكر دائماً .. مساوئ الحسد وأضراره وشروره وما فعله بالحسّاد من قبل ، وليردّد مَنْ يشعر بالحسد قول الشاعر :
لله درُّ الحسد ما أعدله***قد بدأ بصاحبهِ فقتله !
والعاقل ـ كما يقال ـ مَنْ اتّعظ بغيره ، فهل أرتضي لنفسي أن أكون طُعمة للحسد يأكلني ليلاً ونهاراً ، وأنا أتفرّج على مشهد افتراسي دون أن أضع حدّاً أو نهاية لاسترساله في نهش قلبي ومشاعري ؟!
7 ـ لنقرأ في عيون الناس وملامحهم وانطباعاتهم ومواقفهم من الحاسدين ، لنرى كيف أ نّهم ينبذون الحسود ويمقتونه ويهربون منه هروبهم من النار المحرقة . ولندِر البصر لنرى الحسّاد كيف يُحشرون في الزوايا الضيّقة .. مهملين .. محتقرين قد انفضّ الناس من حولهم .
8 ـ حاسب نفسك عند كلّ حالة حسد .. ولا تدعها تمرّ وأنت ساكت أو راض .. اعتبر ذلك حالة مشينة .. ربِّ في نفسك حالة التأنيب الداخلي ، فذلك سبيل مهم من سبل تطويق الحسد ومحاصرته تمهيداً لقتله .
وربّما كان نافعاً أيضاً أن تستثير في نفسك حالة الشعور بالإثم ، بأن تقول : هذه معصية .. هذه كبيرة .. هذا عملٌ يُسخط الله .. إلخ .
9 ـ راجع حالات الحسد التي تقدّم ذكرها في البداية .. ادرسها بنفسك .. حاول أن تواجه كلّ حالة بعكسها ، فإذا دعاك الحسد إلى طمس فضائل الآخرين .. خالفه وانشر تلك الفضائل .. وإذا حملكَ على التكبّر فجابهه بالتواضع .. وإذا دعاك إلى احتقار الآخر فقابله
بالاحترام والتقدير ، وإذا وسوس لك باغتيابه فأكثر من مدحه والثناء عليه ، وإذا ضغط عليك لتقاطعه أو تهجره فقابل ذلك بالألفة والتواصل .
فردود الأفعال هذه ستكون لها آثار إيجابية على نفسيتك ، وستجد أ نّك أكبر من خواطر شيطانية تريد أن تحبسك في زنزانة الحسد الضيقة .
10 ـ قوّ الحالة الإيمانية لديك .. التقوى والورع يمكن اكتسابهما
بالتربية الخاصّة ، والمفردات السابقة كلّها تزرع في داخلك هاتين الملكتين ، فإذا اتقيت الله في أخيك ولم تبغِ عليه بحسدك ، وإنّما تمنّيت له المزيد من التوفيق والنعم ، فإن ذلك سوف يحقق لك أكثر من مكسب ، فعلاوة على أ نّك تكسب مودّته ومحبّته وعرفانه بلطفك ، فإنّ الله سيرزقك مثله وزيادة ، وستعيش هانئاً قرير العين .
11 ـ راجع كتب الأخلاق والمواعظ التي قيلت في علاج الحسد ، والدراسات التي تضع خطوات عملية لمجابهته ، وستجد فيها ما يأخذ بيدك في طريق المكافحة .
12 ـ اعمل بنصيحة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأ نّها مجرّبة وذات أثر فعّال ، فلقد قال لأصحابه ذات يوم : «ألا إنّه قد دبّ إليكم داء الأمم من قبلكم وهو الحسد ، ليس بحالق الشعر ، لكنّه حالق الدين ، وينجّي منه أن يكفّ الانسان يده ، ويخزن لسانه ، ولا يكون ذا غمز على أخيه المؤمن» .
فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هنا يقدِّم لنا وصفة علاجية ناجحة للحسد ، في قوله «وينجِّي منه» ، فالنجاة من الحسد ترتكز على ثلاث ركائز :
أ . كفّ اليد : أي أن لا يتحرك الحسد من حالة نفسية داخلية إلى ممارسة للعنف مع المحسود في الخارج ، كما فعل (قابيل) مع (هابيل) فقد بسط إليه يده ليقتله .
ب . حبس اللسان : فلا يطفح الحسد من الداخل إلى اللسان بكلمات الفحش والبذاءة والتسقيط والسُّباب والتشهير والغيبة والبهتان ، فتلك روائح منتنة لا تنبعث إلاّ من القلب الآسن الذي تنمو فيه طحالب الخبث والسوء والرذيلة والتشفّي .
ج . لا تكن غمّازاً:والغمز هو الطعن في سمعة وقدرات ومواهب المحسود من أجل إسقاطه في نظر الآخرين،لأنّ الحاسد يريد أيضاً أن يؤلّب غيره على محسوده حتى لا يبدو الحاسد الوحيد.
وقد طرح النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) العلاج المذكور بصيغة أخرى في حديث آخر ، حيث يقول : «وإذا حسدت فلا تبغِ» أي يجب أن لا يتطوّر الحسد لديك إلى حالة بغي وعدوان ومكيدة وحقد أعمى .
الخطوة الخامسة : واظب على العلاج .. واحمل نفسك على تطبيقه .. ولا تضع الدواء على الرف دون أن تستخدم منه شيئاً ، وإلاّ مكنتَ داء الحسد من أن يكون عقدة مستحكمة .
*المصدر : البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/140)
تستطيع هجر التدخين وهذه هي الطريقة..
* ترجمة: عماد الدين خالد عبدالله
واحد وعشرون مليوناً من الناس استطاعوا بنجاح من هجر التدخين وكذلك تستطيع أنت ذلك إن كنت ترغب حقاً بذلك! ولكن كيف؟ من أين تستطيع أن تحصل على القوة الضرورية والثبات وقوة الإرادة؟
دعنا نعترف بالحقيقة، فكل أنواع وسائل التحايل والأدوات الأخرى والجرع الدوائية ـ والتي تأتي إلى الأسواق ـ مدعية فيها من أنها تساعد المدخن على هجر التدخين. ولكن لا شيء واحد قد أثبت فاعليته 100% فكل هذه الأشياء هي ليست الحل على ذلك. وكذلك فالأقراص والعقاقير والحلويات والعلك ليست هي العليل الشافي أو البلسم لهجر التدخين وكل ذلك ـ هذه العلاجات ـ لا تعتبر جوهر المشكلة .. المشكلة هي المدخن نفسه وموقفه.
- الأعذار الواهية:
هناك منشورة حديثة صادرة من دار المعارضة للتدخين والصحة قدرت من أنه هناك 51% من الناس من السابعة عشرة سنة فما فوق هم من المدخنين منهم 34% من النساء، وأعظم معدل للاستهلاك هو ما بين 16-25 سيكارة يومياً. نشرت خدمة الصحة العامة كراسة مبينة أن حوالي 5ر1 مليون من الأمريكيين يقلعون عن عادة التدخين فمن الواضح تستطيع فعل ذلك! ولكن كيف؟
فعبيد السيكاير يأتون بأعذار واهية متعددة عن سبب استمرارهم في التدخين فمثلاً أحدهم يقول: (سأدخن حتى تصيبني علة ومن بعدها سأترك التدخين وسأصبح في حالة حسنة)، بينما آخر يقول: (لا أنا سوف لن أترك التدخين قد أموت وأنا شاباً ولكن سأموت سعيداً) ويالها من ثقة ولكن في أي شيء؟ هل انه حقاً سيموت سعيداً؟
قد يعتقد بأنه الآن سعيداً ولكنه يدمر صحته، فاقداً ا لسعادة الحقيقية والحياة الممتعة وكذلك السعال الناتج من التدخين والأمراض المزمنة من أثر التدخين وأخيراً من شبح سرطان الرئة أو الالتهاب الشعبي. ولكن الأعذار المعتادة هي مشابهة فمثلاً إحدى ربات البيوت قالت: (أرغب في هجر التدخين ولكني لا أستطيع فالعادة قوية جداً)، أو كما قال آخر: (أنا قلق بشأن التقارير التي تنشر عن التدخين ولكن حاولت التوقف عن التدخين ولكني لم أستطيع وقال أحدهم أنا أعلم منذ زمن طويل من أن التدخين هو فضيع لفصحتنا ولكني لم أستطيع أبداً من هجره)، وقالت امرأة أخرى: (أنا أعتقد حقاً على أن لا أدخن ولكن في ذلك نوع من الصعوبة ولكن أنا أفكر في هجره)، واعترفت أخرى من أنها دخنت ثلاثة علب يومياً وقالت: (أنا مذعورة أنا لا أعرف إن كنت أستطيع من التوقف ولكن سأحاول للمرة التاسعة).
فتمعن بنظرة جيدة في هذه الأعذار في استمرار الناس بالتدخين وخاصة الخمسة الأخيرين والذين اعترفوا من أنهم أرادوا أن يتركوا التدخين ولكنهم شعروا بعدم استطاعتهم، لماذا لم يستطيعوا؟ لماذا كانوا عملياً عبيداً عاجزين عن هجر عادة النيكوتين؟ لماذا كانوا متشائمين جداً من السبيل في الهجر؟ قد تكون تشعر بنفس الشيء، كيف، وبعد ذلك قد تستطيع هجر عادة التدخين.
- دعنا نفهم لماذا تدخن:
لكي تقهر عادة التدخين يجب أن تكون راغباً في مواجهة السبب الحقيقي في سبب تدخينك. مدير دار المعارضة للتدخين والصحة كشف تقريراً عن خمسة آلاف مدخن وعن الأسباب التي جعلتهم يدخنون فوجد بأن 10% استعملوا السكاير كمنبه بينما 8% فقط يتمتعون لإشعال ومسك السيكاير و30-40% يدخنون لكي يتوصلوا إلى الاسترخاء السار (هناك عدة طرق أفضل للاسترخاء!) وآخرين 40-50% لكي يتخلصوا من القلق والتوتر والعديدون من هؤلاء أصبحوا من مدمني السيكاير. فالفئة الأخيرة من المدخنين يجدون أنه لمن الصعوبة عليهم هجر التدخين، 40% من المدخنين هم من المدخنين المفرطين. فهؤلاء هم مدخنين ملزمين، هؤلاء يعتبر الهجر لديهم أمر ليس سهل جداً.
- إدمان السيكاير:
يقول الدكتور س.و.ليب من وجهة نظر علم النبات يعتبر التبغ هو أحد العقاقير المخدرة ولا يشبه الكحول أن الإفيون حيث انه يمتلك خاصية ملطفة تؤثر على المرء إلى أن يتعود ويدمن على التدخين، وعلى أية حال فهؤلاء الذين يدخنون غالباً لا يواجهون الحقائق بصدق (لا تدع التدخين يقضي عليك) ويضيف الدكتور: (ولكن النيكوتين هو عقار والذي يستمر في تعاطيه يتعود عليه أي بكلمات أخرى يصبح مدمناً ومن ثم ينشأ لديه تحمل أكبر ويؤكد من أنه باستطاعة المدخن أن يستعمل كميات من النيكوتين والتي تسم غير المدخن.
التبغ ليس مادة مدمنة، كما هو الحال في الهيرويين أو الكوكايين ومع ذلك فهو مادة مدمنة في إحساس المدخن ويصبح متعوداً عليها. فادمان السيكاير على لارغم من أنه ليس مدمناً بنفس الطريقة كما في إدمان الهيرويين فالمدخن يعتمد بشكل فظيع على التبغ ويعتقد أنه لا يستطيع عمل أي شيء بدونه .. فعقل المدخن أصبح مدمناً عليه بسبب الاعتماد النفسي عليه. ففي معظم الأحيان يبدأ المدخن روتينه اليومي بتدخين السيكاير ويبدأ يومه بالسعال واللهاث وإشعال السيكاير .. مثل هذا المدخن قد يصبح مدمناً للتدخين بنفس طريقة السكير الذي يصبح مدمناً على الكحول فاليهم تبدو احتياجاتهم النفسية الملحة للسيكاير ضرورة. فمدمني السيكاير يعتقدون من أن التدخين يساعدهم ليكونوا هادئين دون توتر أو في الأعمال المثقلة بالإجهاد .. فبسبب ذلك فمن الصعوبة جداً لهم أن يتخلوا من عادة التدخين ولكن حتى المدخن (المدمن) يستطيع من أن يتغلب ويترك هذه العادة ـ فهناك أمل لكل المدخنين!
الشيء الوحيد الذي يجب أن تفعله يجب أن تفهم لماذا تدخن؟
وبعد ذلك، يجب أن تفكر في جميع الأسباب لماذا يجب أن لا تدخن؟ فاذا بدأت حقاً، أو ربما تدون كل شيء على ورقة، تستطيع أن تفكر من الأسباب الجيدة العديدة لماذا ينبغي أن لا تدخن! ما هي بعض هذه الأسباب؟ بالطبع أولاً هناك تهديداً من سرطان الرئة أو الأمراض المميتة الأخرى، وكذلك الذي لا يدخن عنده طاقة وحيوية كبيرة للاستمتاع بالحياة، وعقله يعمل بصورة أفضل، ويوفر النقود. والأسباب الأخرى للهجر هي لتثبت وتبرهن من أنك لديك قوة الارادة. فعندما تتوقف عن التدخين سيكون طعامك أفضل مذاقاً، وحلقك سوف لن يسد بالبلغم وستتخلص من سعال السيكاير الجاف المتقطع. وتدريجياً ستبدأ تشعر بعصبية أقل، ولو انه قد يبدو من الصعوبة تصديق ذلك فالأيام الأولى التي تعقب هجرك التدخين .ز قد تشعر بعصبية أكبر، ولكن تدريجياً تبدأ العصبية بالتناقص وستصبح أكثر هدوءاً وأكثر اتزاناً. فالتدخين هو أحد القنوات التهربية متيسرة اليوم للناس ولكنه يمتلك رد فعل عنيف لتأثيره المميت.
فعندما تترك التدخين فستبدأ بالاستمتاع بالحياة بصورة أكبر وسيصبح تنفسك للهواء النقي مسراً لك، شمك للروائح أحسن وستنام بصورة أفضل ومخاطر حوادث أقل مثل سقوط النار في منامك.. ولا أعقاب سيكاير بشعة مترامية حول البيت.
فعندما تستيقظ صباحاً ستبدأ تشعر بأنك رجلاً جديداً أو امرأة جديدة ستمتلك شعوراً بالرضا وحريةم ن عبودية عادة التبغ! حياتك ستكون صحية أكثر وستشعر بسعادة أكبر ومتعة أيضاً. كل هذه الأشياء ستصبح لك، بعدما ترفسه وتترك عادة التدخين بصورة كاملة.
فكر بهذه المنافع عندما لا تدخن، فكر بثمن التدخين الشنيع، فكر جيداً وصمم على هجر التدخين، اعمل بهذه الأشياء وستملك بداية حسنة في ترك التدخين ولكن هناك الكثير مما يجب تفعله وان أردت أن تتأكد من أنك تغلبت بصورة كاملة على هذه العادة الحقيرة والتافهة والمضرة يجب أن:
- تجنب الإغراء:
افهم وأدرك جيداً قبل البدء بالهجر فان التدخين ربما يكون ذلك هو مشروعك الأساسي .. معتمداً على مدى عادتك. قد تحتاج إلى قرار ثابت وجهد شخصي ضخم ولذلك، واجه الحقيقة أولاً، عندما تهجر وستكون من المحتمل أكثر عصبية ورغبة ملحة للتبغ واجه الحقيقة .. فالتدخين هو أشبه ما يكون بالموت المترقب بك وللتغلب عليه يتطلب ذلك وقتاً وجهداً ومعاناة. ولكن افهم من أنك تستطيع فعل ذلك! والنتيجة النهائية هي لك.
فدائماً احفظ هدفك في عقلك .. وأبداً لا تجعله ضعيفاً أو يختفي من هدفك فراقب بعناية إلى هدفك متى تدخن عادة؟ واجه هذه الأوقات المغرية بالذات تجنبها بكل ما في وسعك. فلا تضع نفسك بحماقة في موقف للحل الوسط مع هدفك.
قد يقنعك أصدقاؤك أو أقاربك (بواحدة فقط) وستكون في السنارة مرة أخرى إذا قبلت بدعوتهم وسترجع إلى ما كنت عليه في البداية .. ولذلك فلا تجعل الفرصة تذهب سدى كما تعلم، ان السيكاير شائعة في كل مكان وقد يكون أصدقاؤك وأقاربك يدخنون. كن متهيئاً لمواجهة هذه الصعوبة بثبات وقوة فلا تستسلم أبداً لأي ضغط خارجي. فقرر بقناعة نفسك لا لشيء آخر ـ نعم لا شيء ـ عدم الخروج عن طريقك الذي سلكته بنفسك! فقد تجبر تصرفاتك باعطاء نفسك بعض المكافأت البسيطة خلال الطريق، فقد تساعدك هذه الأشياء على جعل طريقك إلى حد ما بسيطاً.
كما ان الأشياء البديلة عن التدخين (الفواكه الزبيب، واللبان، علكة، أو مثل هذه الأشياء) قد تساعدك قليلاً على الفرار من السيكاير.
فالفواكه ستكون بدائل جيدة رغماً من ذلك فهذه الأشياء سوف لن تأخذ المكانة التي كانت تستحلها في نفسك ومن المكانة التي هي قوة إرادتك.
- توقف تماماً:
فقد وجد البعض من أن التنفس العميق والرياضة تساعد على التغلب على عادة التدخين والتي تساعدك من أن لا تفكر بالسيكاير ومن إغرائها. فالمفتاح الرئيسي الذي يجب أن تتذكره هو فقط: متى ستهجر التدخين واهجره تماماً، توقف عن التدخين كلية. حياتك هي ملكك .. فما هو القرار الذي ستتخذه واعلم بأنه سيؤثر على صحتك ومن المحتمل كذلك على صحة أطفالك؟
فمهما كان قرارك ـ يجب أن تحيا معه ـ أو من المحتمل أن تموت معه، فنحن نأمل بجد من أنك ستأخذ القرار الصحيح والصائب.
ــــــــــــــــــــ(42/141)
ما هي مسؤوليّتنا في حال نشوب مشكلة؟
1 ـ لنضع أسئلة من قبيل : أين تكمن المشكلة ؟ من السبب فيها ؟ هل أنا الذي تهوّرت وتعجّلت وارتكبت الحماقة ؟ هل الخوف هو الذي دفعني إلى ذلك أم الغيرة أم الانتقام أم ماذا ؟ هل يمكن أن أكفّر عن خطئي أو أعترف بذنبي أو أقرّ بضلوعي في الخطأ ؟ وما هي الأبواب التي يمكن أن أخرج بها من هذا المأزق ؟
صاحب المشكلة كمحامي الدفاع يحاول أن يدرس أوراق أو ملف القضيّة كلّها .. يبحث في أدقّ التفاصيل .. لا يغادر شيئاً إلاّ درسه .. كن حكماً عدلاً .
والعدالة في الحكم قد تتطلّب الاعتراف والاقرار بالذّنب ، وقد تتطلّب تبرئة الطرف الآخر ، أي أن تقول الحقّ ولو على نفسك وأن تنصف خصمك .. هل نحن على استعداد لذلك ؟
قد تبدو المسألة صعبة بعض الشيء ، لكنّ امرأة العزيز التي غرقت في الإثم فأغرت يوسف بارتكاب الخطيئة ، ثمّ سجنته بغير حقّ ، واتّهمته بما لم يفعل ، لم تبق متلبّسة بالجرم حتّى النهاية ، فلقد سمعناها تعترف (وَلَقَدْ رَاوَدتُهُ عَن نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ) ( يوسف / 32 ) .
(وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لاََمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي ) .
( يوسف / 53 )
(ا لاْنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُهُ عَن نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) .
( يوسف / 51 )
إنّ إيمان الإنسان المؤمن أكبر من خطئه ، وان الحقّ عزيز عليه بل هو أعزّ من نفسه ، فإذا أراد أحدنا أن يكشف كم هو عادل ليسأل نفسه : هل أنا مستعدّ لقول الحقيقة والاعتراف بالخطأ مهما كلّفني ذلك ؟ فإذا كان الجواب بالإيجاب فهو عادل لأنّ عدله مع نفسه ومع خصمه سيقي الآخرين من جوره وتجنّيه واتّهامه وتعسّفه .
2 ـ علينا أن لا نعلّق مشاكلنا على مشجب واحد .. لا تلقِ اللّوم على الاُسرة في كلّ ما يعترض طريقك من مشاكل ، ولا تحمّل المجتمع وحده مسؤوليّة خطئك ، ولا تلصق ببريء ضعيف تهمتك (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) ( الأنعام / 164 ) .. ضع كلّ شيء في نصابه .. تحمّل أنت وزرك وقسطك من الجرم واترك الآخرين يتحمّلون قسطهم، فنحن كثيراً ما نحسن الظّنّ بأنفسنا بحيث أ نّنا نرى القشّة في عيون غيرنا ولا نرى الخشبة في عيوننا .
إنّني لو اعترفت بما جنته يداي فسأكون قد وضعت المشكلة على سكّة الحلّ !
3 ـ الكذب أساس الشرور كلّها .. هو مفتاحها الكبير الذي ينفذ على غرف المنزل ومخازنه ، ومع أنّ حبل الكذب قصير ولا بدّ أن يفتضح الكاذب ، فإنّنا يجب أن نقتنع أنّ الكذب قد ينجينا في اللّحظة الآنيّة ، لكنّ النجاة كلّ النجاة في الصدق إلاّ في المواضع التي يجوز فيها الكذب كما مع العدوّ .
وقد نعيش في مجتمع كذوب لا يقدّر الصادقين ولا قيمة للصدق فيه لأ نّه استمرأ الكذب لطول معاشرته ، لكن مشكلة الكذب هي ليس في إيهام الآخر الذي تكذب عليه ، وإنّما في التجنّي على الحقيقة التي تعرفها جيّداً ولكنّك تقول بخلافها .. هل نقبل لأنفسنا أن نكون من الظالمين ؟ وأن تكون الحقيقة ضحيّة من ضحايانا ؟!
4 ـ الغضب فورة وسَورَة واحتدام مشاعر انفعالية ساخطة تشعل نيراناً كثيفة وتثير زوبعة من دخان.. فربّ كلمة منفعلة أحرقت أخضر وخرّبت عامراً وكسرت عظماً يصعب بعد ذلك جبرُه .. والمشاكل ـ في العادة ـ تسجّل حضورها القويّ في حالات الغضب والانفعال خاصّة إذا قوبلت الكلمةُ بالكلمة واللكمةُ باللكمة والشتيمة بأقذع منها والبذاءة بأفحش منها وتراشقت المحرّمات بالمحرّمات وسالت دماءُ الأخلاق !
فإذا كنتُ إسفنجة تمتصّ غضبَ الآخر وماءً يُطفئ نيران هياجه ، بأن أكفّ شرّه وشرّي بضبط النفس والتحكّم بمسار الموقف الغاضب المشتعل ، أكون قد حكمت على ألسنة لهب المشكلة أن لا تتصاعد .. فلقد نجحت الآن في تطويقها تمهيداً للقضاء عليها في خطوة لاحقة .
كم هي دقيقة ورائعة وعمليّة نصيحة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في هذا المضمار : « إقلع الشرّ من صدر أخيك بقلعه من صدرك » .. إنّها وصفة ناجحة ومجرّبة في حلّ الكثير من عقد الخلاف لو حظيت باُذن واعية تعيها ، ونفس عاقلة كبيرة تدركها ، وجوارح متوازنة تحفظها وتستحضرها في أوقات الانفعال والشجار والغضب والمخاصمة .
5 ـ حسن الظنّ الزائد .. الطيبة المفرطة لدرجة السذاجة .. تعتبر حقلاً خصباً للمشاكل العارضة ، فالمستغلّون كثيرون .. والنصّابون كثيرون .. والذّئاب البشرية من حولنا ليست قليلة ، والمتلاعبون بالقيم والأخلاق وأولاد الحرام منتشرون هنا وهناك ، فإذا ما ساءت أخلاق الناس في مجتمع ما وأحسنتُ الظنّ فقد أكون أوقعتُ نفسي في مشاكل قد يتعذّر حلّها ، ولذا فإنّ المقولة القضائية « القانون لا يحمي المغفّلين » ينبغي أن تكون كإشارة مرور حمراء تشتعل ـ في الوقت المناسب ـ لتنبّهنا إلى الخطر .
إنّ افتراضك أنّ الآخر هو مثلك في الطيبة وحسن الخلق والالتزام والوفاء والصِّدق ـ في واقع يكثر فيه السّوء ـ يعطي للآخر فرصة استغفالك واستغلالك وايقاعك في مشاكل قد لا تخطر لك على بال .
6 ـ هناك أماكن مشبوهة ترتسم حولها علامات الاستفهام والتعجّب، فإذا ما ارتادها الشاب أو تواجد فيها فإنّه سيكون مظنّة التهمة ويضع نفسه في موضع الريبة والشك والشبهة ، وقد لا يجد من يعذره أو يغفر له تردّده على الأماكن الموبوءة المثيرة للشكوك، وصادق من قال « من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه » .
إنّ بعض المشاكل قد تنجم عن عدم أخذ الحيطة والحذر والاسترسال الذي يوقع في الزلل ، وقد جاء في الحديث : « إنّ صرعة الاسترسال لا تستقال » .
7 ـ تتلبّس بعض المفاهيم والمصطلحات بأكثر من لبوس فتخلق العديد من المشاكل بسبب التفاوت في فهمها والتعاطي معها . فقد يظنّ بعض الشبّان ـ بوحي واقع اجتماعي معيّن ـ أنّ من « الشطارة » أن يخدع غيره ويدلّس عليه ويكذب ويغش ويفتري . وقد يرى البعض من الشبّان والشابّات أنّ « الصداقة بين الجنسين » أمر لا ريبة فيه ، وأ نّها بريئة تماماً كما هي الصداقة بين أفراد الجنس الواحد ، وقد يرى آخرون أنّ « البطولة » هي في أن تستعرض عضلاتك لتمارس عنفك ضدّ الضّعفاء، وأنّ «المزاح» مستملح مستظرف فيترك لنفسه أن يسخر من إخوانه ومعلّميه وأصدقائه فيرسل الكلمات الجارحة النابية لإضحاك الآخرين بجرح كرامة صديق أو زميل ، وقد يرى البعض أن غناء أهل الفسق والفجور « فن » وما إلى ذلك .
إنّ معاني هذه المصطلحات الغائمة المطّاطة إذا لم تحدّد بشكل علمي بحيث نضع بينها وبين المعاني الصحيحة التي ترمي إليها مسافة واضحة، فإنّها تخلق المشادّات والمشاجرات والمصادمات ، فالشطارة ـ مثلاً ـ هي في المروءة والفتوّة والذّكاء والفطنة والإبداع، والصداقة غير العلاقة بين الجنسين ، والبطولة في نصرة المظلوم وردع الظالم وإغاثة المحروم واسترداد الحق المهضوم والمواقف الجريئة والمشرّفة ، وفي الصدق في المواطن المختلفة . والمزاح إذا خرج عن حدود اللياقة والأدب أذهب بالهيبة وأسقط الاحترام وانتهك حرمة الأخوّة والأبوّة والزّمالة والصداقة .
8 ـ أفكارنا الصحيحة لا يكفي في صحّتها أن تقال بأي شكل من الأشكال، فلابدّ من وسائل سليمة وكريمة وصحيحة للتعبير عنها حتّى ندخل العقول عن طريق القلوب ، أمّا إذا طرحناها على نحو الفرض والإلزام ، أو في أجواء متشنّجة يغلب فيها الانفعال على حسن المقال ، فإنّنا نخسر بذلك خسارتين : أفكارنا الصحيحة التي لم نعبِّر عنها بشكل صحيح ، والآخرين الذين نريد أن نكسبهم إلى صالح أفكارنا .
إنّ المشاكل الناجمة عن الصراعات الفكرية أو العقائدية ـ في الأعمّ الأغلب ـ ناتجة عن أساليب منفّرة تبعِّد ولا تقرِّب وتعادي ولا تؤاخي وتفرِّق ولا تجمع .
المصدر : البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/142)
للشباب ...ليس هناك ظلام مطلق
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد وهو يحدثنا حديث يعقوب (ع) لبنيه عن قصة يوسف الذي غاب عنه كما يقولون مدة (18) سنة من دون أن يعرف له خبراً (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) يوسف: 87. وفي آية أخرى: (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الظالون) الحجر: 56. وفي آية ثالثة: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) الزمر: 53.
إن قصة اليأس والأمل ليست مجرد قصة تتصل بالحالة النفسية للانسان من خلال نتائجها الإيجابية والسلبية، بل تتصل من خلال كلام الله وبالخط العقيدي، فأن تكون الانسان الذي يعيش الأمل في عقلك وقلبك يساوي أن تكون مؤمناً، وأن تكون الانسان اليائس يساوي أن تكون كافراً، وليس من الضروري أن يكون الإيمان والكفر بشكل مباشر فقد يكون بشكل غير مباشر، واليأس والأمل قد ينطلقان بالنسبة للانسان الذي عاش المعاصي وأحاطت به ذنوبه، وقد تحصل للانسان الذي يعيش حركة حياته بكل طموحاته وبكل حركتها وفي كل مشاكلها في المرحلة الأولى، والله يريد من الانسان أن لا يياس من رحمته، وأن لا ييأس من سخطه وغفرانه، حتى أن اليأس من رحمة الله يعد من الكبائر، بل لا بد له من أن يستنطق صفة العفو والرحمة لدى ربه، فهو الذي عفوه أكثر من غضبه، وهو الذي سبقت رحمته غضبه، وهو الغفور الرحيم (ورحمتي وسعت كل شيء) الأعراف: 156. ولذلك فلا بد للانسان المؤمن حتى لو تجاوز الحدود المعقولة في الذنب، لا بد أن يفكر أن الله قد فتح التوبة بأوسع مما بين السماء والأرض.
(قل يا عبادي) في بعض الآيات تشعر بأن الكلمة الربانية مملوءة بالحنان (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) والإسراف على النفس هو تجاوز الحد (لا تقنطوا من رحمة الله) لا تقولوا لقد قطعنا شوطاً كبيراً في المعصية ولن يرحمنا الله، لأن شأن ربكم الذي عصيتموه وأسرفتم في معصيته، شأنه المغفرة والرحمة (إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) وهكذا ينبغي للانسان أن يعيش الأمل بعفو الله ومغفرته ولكن لا بالمستوى الذي يستسلم فيه لأحلام العفو والرحمة بحيث يدفعه ذلك إلى استسهال المعصية كالكثيرين من الناس الذين يسوفون التوبة، ويستعجلون الذنب، ويقولون غداً نتوب، فالشاعر يقول:
لا تقل في غد أتوب لعل الغد يأتي وأنت تحت التراب
فمن يا ترى يضمن لك أن تتوب في الغد، فقد لا تحيا في الغد أو إذا حييت فقد لا توفق، لذلك لا بد أن يعيش الانسان بين نور خيفة ونور رجاء ((خف الله خيفة لو أتيته بحسنات الثقلين لعذبك، وارج الله رجاء لو أتيته بذنوب الثقلين لغفر لك)) هذا التوازن بين الخوف والرجاء هو الذي يدفعك إلى الطاعة ويمنعك عن المعصية ويمنعك عن اليأس، ولا سيما الشباب الذين يعجل اليأس إلى حياتهم عندما يواجهون مشكلة عاطفية أو مشكلة عائلية أو مادية أو ما إلى ذلك، فإنهم ييأسون لأن الحياة لم تكن قد اتسعت لهم ليعرفوا طبيعتها وقوانينها وليعرفوا (إن مع العسر يسرا) وأن مع الشدة فرجاً، لذلك قد ييأسون وقد يدفعهم اليأس إلى الإنتحار، كما نلاحظ ذلك لدى الكثير من الشباب. وإن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لنا من خلال قصة يوسف (ع) ويعقوب (ع) إن على الانسان أن لا يفقد الأمل، لأن فقدان الأمل يعني الكفر، وهو أن تقول بأن الله غير قادر فإن معنى ذلك أن الله غير قادر على أن يحل مشكلتك ولكن لا بد لمشكلتك من عمر تقطعه، وقد لا يكون لك مصلحة في حل هذه المشكلة، لأن قضيتك تنطلق على أساس خط آخر، وعلى أساس واقع آخر.
ولنا أن نتساءل: لماذا ربط الله بين الكفر وبين اليأس؟ ببساطة، لأن اليأس يعني عدم الإيمان بقدرة الله مطلقاً، وبالتالي يؤدي إلى الكفر، لأن من أسس الإيمان أن نؤمن بالقدرة المطلقة لله سبحانه وتعالى، فعلى الانسان المؤمن إذا أحاطت به المشاكل أن يدرسها على أساس الواقع، وأن يدرس الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها، والآفاق التي يتطلع إليها وأن لا يحبس نفسه في سجن ضيق من التشاؤم ومن اليأس، بل يفتح لنفسه كل أبواب الرجاء وكل أبواب الأمل، وقد حدثنا الله في بعض آياته أن التقوى التي يعيشها الانسان في عقله وفي قلبه وفي حياته قد تؤدي به إلى أن يجد المخرج حيث لا مخرج، وأن يكتشف الحل حيث لا حل، وأن يحصل على الرزق من حيث لا يحتسب (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) الطلاق: 2. فعندئذ تغلق كل الأبواب وينظر الانسان يميناً وشمالاً وفي جميع الجوانب فلا يرى هناك منفذاً، ولكن الله يجعل المخرج حيث لا مخرج ويرزقك من حيث لا تحتسب.
ومن يتوكل على الله وهو يسعى لحل مشكلته، ومن يتوكل على الله وهو يعي طبيعة الواقع، ومن يتوكل على الله وهو يخطط للمستقبل، (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره) فإذا أراد الله شيئاً بلغه (قد جعل الله لكل شيء قدراً) الطلاق: 3. قد جعل الله للمشاكل قدراً محدوداً، ولحلولها قدراً محدوداً وفتح للانسان أكثر من أفق جديد، في عقولنا وفي قلوبنا ومشاعرنا، فأن نكون المؤمنين يعني أن لا يزحف اليأس إلى حياتنا وأن نبقى نحدق في الشمس عندما تميل إلى الغروب ويسيطر الظلام ونحدق بالنجوم وهي تشير إلينا أن الظلام ليس خالداً، وأن هناك إشراقة الفجر التي تنطلق من كل نقاط الضوء. فإذا كنت تشعر بالظلام ففكر بنقاط الضوء التي تجدها منتشرة في الحياة حتى تلتقي بالفجر وفي قلبك أكثر من أمل وفي قلبك أكثر من انفتاح على الشروق، وأقولها للشباب، عندما ينطلقون في دراساتهم وفي مشاعرهم وفي عواطفهم، وأقولها للثائرين وللمجاهدين الذين يواجهون التحديات، ليس هناك ظلام مطلق، علينا أن ننتج النور من عقولنا وأن ننتج النور من قلوبنا وأن ننتج النور من جهدنا لنلتقي بالنور الذي يفتحه الله لنا من خلال إشراقة شمسه.
ــــــــــــــــــــ(42/143)
كيف أواجه مصيري وقد أصبحت رجلاً بالفعل ؟
د :محمد المهدى
لماذا يتعثر بعض الطلاب فى هذه المرحلة بالذات على الرغم من تميزهم الدراسى السابق ؟
ولماذا يعجز بعضهم عن المذاكرة وحضور اليوم الدراسى أو الدروس الخصوصية على الرغم من عدم وجود أسباب ظاهرية لذلك ...؟ ولماذا يعجز بعضهم عن دخول الامتحان على الرغم من استعداده الجيد له ؟... ولماذا يتوقف فريق منهم عن استكمال أداء الامتحان بعد حضور مادة أو مادتين ؟.. لماذا تضطرب علاقة الطالب بأسرته أو العكس ؟... لماذا يميل الكثير من الطلاب إلى النوم الكثير ليلاً ونهاراً ؟.. ولماذا تكثر اضطرابات المعدة والقولون ( غثيان , قيء , إسهال , انتفاخ , سوء هضم , اضطراب شهية ) .. ؟
ولماذا تكثر الالتهابات الجلدية ( الحكة , الإكزيما , الهربس , الدمامل ) ؟
الإجابة السطحية النمطية المتعجلة سهلة وبسيطة : إنه القلق لدى الطالب ولدى أسرته يؤدى الى كل هذه المشكلات الصحية والنفسية والاجتماعية .. أليست الثانوية العامة مرحلة دراسية هامة وهى بمثابة عنق الزجاجة الذى ينحشر فيه الطالب ( ومعه أسرته ) لكى يخرج بعدها الى المرحلة الجامعية أو لا يخرج .
وإذا حاولنا أن نغوص بعض الشيء نقول بأن مشكلة الثانوية العامة فى بلادنا أنها مرحلة دراسية مصيرية تحدد مستقبل الشاب فى سنوات عمره المقبلة ( إلى حد كبير ) ومع هذا فهى تأتى فى مرحلة المراهقة , تلك المرحلة التى تتسم بالتقلبات الانفعالية والفكرية وتتسم بالتمرد والعصيان ومحاولة إثبات الذات من خلال مخالفة كل ما هو سائد ومطلوب لدى الأسرة أو المجتمع , والطالب ( المراهق ) ربما يستخدم الحالة الدراسية لكى يلوى بها ذراع أسرته ' أو يستخدمها مادة للعناد ( لن أذاكر لكى أغيظكم ) أو المساومة ( إذا أردتم أن أذاكر فاشتروا لى " الموبايل " الذى أرغبه أو السيارة التى أتمناها ) أو التهديد ( والله لو لم تكفوا عما تفعلوه معى فسأرسب فى الامتحان ) أو للعقاب ( انظروا هذه نتيجة أخطائكم في تربيتي ... لقد أدت إلى فشلى .. وانتم تستحقون ذلك .... إنك أب فاشل ... وأنت أم فاشلة ) أو للعدوان السلبى ( حيث يبدو الطالب لا مباليا مبتسماً على الرغم من تدهوره الدراسى بينما يبدو الأب أو تبدو الأم فى حالة من القلق الشديد لما يحدث للابن ) .
ولكن المشكلة الأكبر والأعمق والتى تؤدى الى تكرار رسوب عدد غير قليل من طلاب الثانوية لعامة أو اعتذارهم عن دخول الامتحان لأسباب مختلفة , تلك المشكلة هى
" أزمة النمو " فالطالب هنا ( أو الطالبة ) لا يريد أن يتخطى هذه المرحلة الدراسية
( أو العمرية ) فهو يخشى ( بوعى أو بدون وعى ) ما بعدها , فالثانوية العامة هى آخر مرحلة تعليم عام ( غير مميز ) وهى بالتالى قابلة لكل الاحتمالات , أما المرحلة الجامعية التالية فإنها تحدد الطريق التعليمى بشكل نوعى , وبالتالي تحدد مسارات الطموح والأحلام بشكل موضوعي وعملي .
إذن فالثانوية العامة بشكل عام "أزمة مفترقية " وتخطيها يعنى أن الطالب ( أو الطالبة ) قد اتخذ قراراً ( طوعاً أم كرهاً ) بالتحرك فى اتجاه معين , والحركة فى اتجاه معين يلزمها التخلي عن الحركة فى الاتجاهات الأخرى التى كان يحلم بها أو يتمناها . ومن هنا فالشخصيات غير الناضجة أو الشخصيات المترددة تخشى هذا التجديد وتخشى الإلتزام المحدد وتخشى مسئوليات النضج المتمثلة فى التعليم الجامعى وما بعده من متطلبات العمل والحياة والزواج ... الخ , ولهذا نجد تلك الشخصيات تتحصن وتتمترس فى الثانوية العامة لعدة سنوات خوفاً من المجهول أو خوفاً من التجديد أو خوفاً من الالتزام أو خوفاً من المسئولية أو خوفاً من النضج أو خوفاً من العمل أو خوفاً من الزواج أو خوفاً من كل ذلك .
والطالب وأسرته غالباً لا يدركون هذه الدوافع الخفية وراء الفشل المتكرر ( أو الاعتذار المتكرر ) فى هذه المرحلة فيعزون ذلك الى المرض أو إلى الحسد أو إلى تأثير الأصدقاء أو إلى التدليل الزائد .
وإذا عرفنا أن من أهم أزمات فترة المراهقة أزمة الهوية ( وهى صعوبة الإجابة على سؤال من أنا...؟ وماذا أريد .....؟ والى أين أذهب ....؟ ) , فإننا ربما نفهم تعثر عدد غير قليل من طلاب الثانوية العامة فى تجاوز هذه المرحلة لوقت قد يطول أو يقصر حتى يحسم أزمة هويته وتتضح أو تتأكد خياراته .
وفى بعض الأحيان تأخذ الأزمة شكل آخر , فمع وجود أحد الأبوين ( أوكليهما ) مسيطراً متحكماً قاهراً أو محباً خانقاً فإن الابن ( أو الابنة ) يجدها فرصة لممارسة عناده وللأخذ بثأره خاصة وأنه قد سلم إرادته ( طوعاً أو كرهاً ) لأحد الوالدين أو كليهما طوال فترة طفولته والآن قد حان الوقت ليستعيد هذه الإرادة فيقول لهما " لا " خاصة وانه يجدهما فى غاية القلق على مذاكرته ونجاحه وتفوقه ولهذا يأتى إلينا فى العيادات النفسية آباء وأمهات قلقين ومضطربين بسبب كسل وتراخى وإهمال أبنائهم أو بناتهم وحين نقابل الابن ( أو البنت ) نجده ( أو نجدها ) فى حالة لا مبالاة بل وفى حالة سعادة لأنه قد وصل الى ما يريد وكسر إرادة الأب أو الأم وهو الآن فى موقع من يملى إرادته ويحدد شروطه ويبدأ في مساومتهم على إعطائه ثمناً للمذاكرة والتفوق وإلا " فلا " . وبما أن الابن ( أو البنت ) شخصية غير ناضجة بحكم المرحلة العمرية وغير ناضجة أكثر بحكم طريقة التربية التى تعتبره طفلاً طول الوقت فإنه لا يدرك بشكل كاف أنه يتلاعب بمستقبله الدراسى فهو منشغل بالمعركة مع والديه عن معركته من أجل مستقبله . وحين يأتى الوالدان بابنهما أو ابنتهما الى الطبيب النفسى فهما يريدان منه أن يروضه أو يروضهما لإرادتهما , وهذا حل فاشل بالضرورة لأن الطبيب لو سار فى نفس الاتجاه فإنه يكرر خطأ الوالدين ويدفع الطالب المتراخي أو المعاند أو العدواني الى مزيد من الاضطراب , ولكن الأجدى والأنفع فى هذه الحالة هو أن يهدئ الطبيب من روع الوالدين ويحيدهما ويخفف من وطأة سيطرتهما وتحكمهما وانشغالهما بموضوع المذاكرة طوال الوقت , ثم يبدأ فى التعامل مع الطالب بشكل مختلف وذلك بأن يتعامل معه كراشد ( لا كطفل ) وبما أنه راشد فهو يدرك ويتحمل مسئولية مستقبله الدراسى , وبما أن ضغوط الوالدين قد حيدت بعيداً اذن فقد أصبح لديه (أىالطالب ) الحرية الكاملة فى أن يذاكر أو لا يذاكر وهو فى الحالتين يتحمل مسئولية قراره . وفى البداية لن يتحمل الوالدين هذا الأسلوب الذى لم يتعوداه مع ابنهما ( أو ابنتهما ) , ولكن طمأنة الطبيب وتوضيح الأمور لهما يساعدهما على التعاون حتى يضبط إيقاع العلاقة بينهما من ناحية وبين الطالب ( أو الطالبة ) من ناحية أخرى . وربما يستغرق هذا عدة جلسات وربما يثور أحد الوالدين فى بعض الأحيان معترضاً على هذا الأسلوب المتساهل أو المتسيب فى نظره محاولاً الانقضاض على الابن ( أو الابنة ) مرة أخرى واستعادة السيطرة والقهر والتحكم , ولكن المعالج سوف يوقف هذه المحاولات بصبر وروية وتفهم ويعطيهما نموذجاً للتعامل الناضج , تعامل الراشد مع الراشد وليس تعامل الوالد مع الطفل , وبهذا لا ينضج الطالب المتعثر فحسب وإنما ينضج الوالدان أيضاً وتخف حدة الصراع . وربما يحتاج هذا التغير بعض الوقت وربما لا يستطيع الطالب تحقيق إنجاز دراسى سريع خاصة وأنه يكون فى حالة عدم توازن لفترة معينة حيث تعود على تحكم وسيطرة الوالدين لسنوات طويلة وتعود على الطاعة العمياء أو العدوان السلبى , والآن وقد عادت إليه حريته الطبيعية ( التى لم يتعود عليهما ) فإنه يكون متحيراً ..
ماذا أفعل وقد أصبحت حراً ...؟
وهنا يبرز دور المعالج فى مساعدته بشكل غير اعتمادي على تجاوز هذه المرحلة ومواجهة مسئولياته كراشد .
وهناك بعض الأعمال الفنية التى عالجت هذه الأزمة ( بصرف النظر عن موافقتنا لها أو اعتراضنا عليها ) وهى مسرحية " مدرسة المشاغبين " ومسرحية " العيال كبرت " .. وفى كلتا المسرحيتين يتم التعامل بشكل أبوي مهزوز وغير ناضج مع الأبناء الذين يتعطل نضجهم فينشأ ما يشبه لعبة القط والفأر فيتشوه كيان الأب ( أو الأم ) ويتشوه كيان الأبناء
( أو البنات ) . وحين تدخل مسرح الأحداث شخصية ناضجة يبدأ التحول التدريجي نحو النضج ولكن بعد فترة حيرة واضطراب إذ ليس كافياً أن يزول تسلط رموز السلطة على الأبناء بل يلزم أن يصاحب ذلك نضج مواز للأبناء حتى يسيروا حياتهم بشكل راشد بعد زوال القهر الأبوي غير المنطقي , وهنا تبدأ مسيرة النمو مرة أخرى بعد فترة تعثر وتخبط .
ــــــــــــــــــــ(42/144)
حدد هدفك.. ماذا تريد من رمضان؟
*د.مجدي الهلالي
ها هي الأيام تمضي، وها هو رمضان قد أتانا حاملاً معه كما عودنا بشريات كثيرة، ومنح عظيمة ما بين مغفرة للذنوب، وعتق من النار، ورفع للدرجات، ومضاعفة للحسنات.
فماذا عسانا أن نفعل معه؟!
إنها فرصة لا تتكرر إلا مرة كل عام، وما يدريك أين تكون في العام القادم!!
فهيا بنا نحسن الاستفادة من هذه المنحة..
هيا بنا نغتنم الفرصة، ونتعرض للنفحة، ونتسابق في الخيرات.
ولكن قبل أن نبدأ السباق لابد أن نحدد هدفنا الرئيس الذي نريد أن نبلغه في هذا الشهر حتى نضع الوسائل المناسبة لتحقيقه.
قبل أن نبدأ:
قبل أن تحدد هدفك تذكر هذه الأمور:
أننا نريد أن تستمر عرى الاستقامة والهمة العالية لفعل الصالحات بعد رمضان.
الاستمرار على الاستقامة بعد رمضان يستلزم زيادة حقيقية للإيمان في القلب.
أن الرجلين يكون مقامهما في صف الصلاة واحداً، وبين صلاتهما ما بين السماء والأرض. وليس ذلك لاختلاف حركات البدن، ولكن لاختلاف ما في قلبيهما من إيمان وخشوع.
أن الله عز وجل يحب منا أن يحضر القلب أثناء الطاعة لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى" منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على" ما هداكم وبشر المحسنين (37) (الحج).
أن حضور القلب مع الطاعة أكثر ثواباً بمشيئة الله من عدم حضوره.
لو أن ملكاً من الملوك أهدى إليه أحد رعيته جواهر كثيرة مقلدة ورديئة، بينما أهدى إليه آخر جوهرة واحدة حقيقية.. فأيهما سينال حب الملك.. وأيها سيقرب منه ويجزل له العطاء؟
لعلكم تتقون: فإن كان الأمر كذلك فماذا ينبغي أن يكون هدفنا من زيارة رمضان لنا؟
ألا توافقني أخي الكريم أن الهدف الأسمى هو إحياء القلب وملؤه بالإيمان، لتدب الروح في الأعمال وتستمر الاستقامة بعد ذهاب رمضان؟
ألم يحدد لنا القرآن هذا الهدف في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون 183 (البقرة).
وهل التقوى إلا صورة ومظهر عظيم لحياة القلب وتمكن الإيمان منه؟!
فلنرفع علم التقوى ولنضعه نصب أعيننا ولنشمر للوصول إليه خلال هذا الشهر الكريم.
مظاهر النجاح
ومظاهر نجاح الواحد منا في الوصول إلى هذا الهدف هو تغيير سلوكه، فعندما يحيا القلب ويزداد منسوب الإيمان فيه فإن هذا من شأنه أن يدفع صاحبه للسلوك الصحيح والعمل الصالح في كل الاتجاهات والأوقات بتلقائية ودون تكلف.. ألم يقل سبحانه: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب 32 (الحج).
وعندما سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن علامات ومظاهر دخول النور القلب وإحيائه له قال: "التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله" (أخرجه الحاكم).
ومن مظاهر التجافي عن دار الغرور: قلة الاهتمام بالدنيا، وعدم التلهف في تحصيلها وعدم الحزن على فواتها، وترك التنافس من أجلها، وعدم حسد الآخرين عليها، والرضا بالقليل.
أما الإنابة إلى دار الخلود فتظهره المسارعة إلى فعل الخيرات، وشدة الورع، وتقديم مصلحة الدين على جميع المصالح الدنيوية عند تعارضهما.
ومن مظاهر الاستعداد للموت قبل نزوله: التحلل من المظالم، ورد الحقوق، ودوام الاستغفار والتوبة وكتابة الوصية.
الوسائل
ووسائلنا لتحقيق هدفنا العظيم هي الوسائل المعروفة لدينا والتي مارسناها من قبل ولكننا سنتعامل معها بطريقة تهتم بكيفية تفعيلها وتحري القلب معها.
وأعظم وسيلة تقوم بإحياء القلب وزيادة الإيمان فيه هي القرآن: وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا (الأنفال:3).
والأمر اللافت للانتباه أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين رمضان والقرآن، فرمضان هو الشهر الذي فضله الله عز وجل واختصه بنزول أعظم المعجزات فيه: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى" والفرقان (البقرة:185).
إن القرآن له تأثير عظيم على القلوب: الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى" ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد 23 (الرمز).
معنى ذلك أننا لا نستطيع أن نصل إلى هدفنا بدون القرآن، وأعظم وأهم وقت يستفاد فيه من القرآن هو رمضان، بل قل إنه موسم القرآن الخاص لذلك ينبغي أن يكون معنا القرآن كل يوم.. في تلاوتنا في الصلاة، وفي تلاوتنا خارج الصلاة.. وفي مدارستنا لبعض سوره وآياته، وفي استماعنا في صلاة التراويح والتهجد، ولكن لا ينبغي أن يكون همنا كم ختمة سنختمها، بل سيكون همنا كم مرة تأثر القلب واقشعر الجلد وبكت العين، وهذا يستلزم منا قراءة متأنية مترسلة بترتيل وتباك وأن نعمل عقولنا في فهم ما نقرأ من آيات.
العمل الصالح
ومع القرآن تأتي الأعمال الصالحة التي تزيد الإيمان وترفعه، والعمل الصالح يرفعه (فاطر:10)، والأعمال الصالحة المتاحة أمامنا في رمضان وغيره كثيرة فهناك الدعاء والذكر والعمرة والاعتكاف وصلة الرحم والإحسان إلى الجار والدعوة إلى الله وقضاء حوائج الناس و...
وكلما استفاد المرء من إيمانه الذي أنشأه القرآن في قلبه وذلك بإلحاقه بالعمل الصالح، فإن هذا من شأنه أن يعود بأثر عظيم على القلب فتزداد حياته ومستوى الإيمان فيه، فالعمل الصالح بمثابة الماء للبذر والزيت للسراج: إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور 29 (فاطر).
ــــــــــــــــــــ(42/145)
من طرق السيطرة على آفة الجنس
أ . التربية البيتية السليمة التي تشبع حاجة الشاب والفتاة العاطفية هي الخطوة الأهم في خطوات العلاج .
ب . الإبتعاد عن مواطن الفساد والشبهات كالحفلات الموسيقية والمهرجانات المختلطة ، أو دور السينما التي تعرض أفلاماً فاضحة .
ج . الابتعاد عن أصدقاء السُّوء الذين يزينون الفحشاء ، ويشجّعون على ممارسة أعمال تنافي العفّة والطّهارة والحشمة .
د . قطع الاتصال ، بأيّة وسيلة ممكنة ، مع القنوات الجنسية في القنوات الفضائية ووضع أجهزة التلفاز في أماكن المشاهدة الجماعية .. أي مكان التقاء الاُسرة .
هـ . إنعاش الجانب الديني والإيماني في شخصية الفتى والفتاة .
و . تجنّب أسلوب الغرف المغلقة بتوفير أجواء منزلية صالحة للمذاكرة والهدوء .
ز . إيجاد برامج ترفيهية وترويحية وتعليمية ووعظية مناسبة ، ممّا يجعل الشاب أو الفتاة منشغلين بالاهتمامات العلمية والثقافية والمواهب الرياضية والفنّية والأدبية .
ح . الحيلولة ـ ما أمكن ذلك ـ دون أي شكل من أشكال الخلوة بين الشاب والفتاة حتّى لو كانا قريبين ، ولأي سبب كان ، إلاّ إذا كان ذلك في محضر العائلة .
ط . ضبط اللقاءات التي تتمّ خارج البيت والتي تحمل عنوان المذاكرة مع صديق أو صديقة ، فهي فرص واسعة للشيطان .
ي . إجتناب روايات الجنس والحبّ والغرام التي لاتمثِّل سوى جانب العلاقة الغريزية بين الجنسين ، لأ نّها ممّا يثير الغريزة ويؤججها *البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/146)
التأخر الدراسي .. الأعراض وأساليب التشخيص
التأخر الدراسي: هو حالة تأخر أو تخلف أو نقص أو عدم إكتمال النمو التحصيلي نتيجة لعوامل عقلية أو جسمية أو اجتماعية او انفعالية بحيث تنخفض نسبة التحصيل دون المستوى العادي المتوسط. وهناك نوعان للتخلف الدراسي:
1_ تأخر دراسي عام: ويرتبط بالغباء.
2_ تأخر دراسي خاص: ويرتبط بمادة معينة كالحساب تعوز الطالب القدرة على إستيعابها.
أما أعراض التأخّر الدراسي فيمكن تلخيصها كالتالي:
1_ الأعراض الجسمية: الإجهاد والتوتر والحركات العصبية.
2_ الأعراض العقلية: نقص الذكاء وتشتت الإنتباه وعدم القدرة على التركيز وضعف الذاكرة وهروب الأفكار وقلة الإهتمام بالدراسة والغياب المتكرر عن المدرسة.
3_ الأعراض الإنفعالية: القلق والخمول والبلادة والخجل والاستغراق في أحلام اليقظة وشرود الذهن.
4_ الاعراض الاجتماعية: وأهمها الفشل.
كيف يمكن تشخيص التأخر الدراسي
1_ يقوم الاخصائي النفسي أو الاجتماعي والمدرس بتشخيص التأخر الدراسي بمعاونة الوالدين للإلمام بالموقف الكلي للشاب المتأخر دراسياً.
2_ دراسة الذكاء والقدرات العقلية للشاب باستخدام بعض الاختبارات.
3_ دراسة المستوى التحصيلي والإستعدادات والميول باستخدام الإختبارات المقننة.
4_ دراسة اتجاهات الشاب نحو المدرسين والمواد المدرسية.
5_ دراسة شخصية الشاب والعوامل المختلفة المؤثرة في ضعف الثقة في النفس والخمول وكراهية المادة الدراسية.
6_ دراسة الصحة العامة للتلميذ وحواسه مثل السمع والبصر والامراض مثل الانيميا والامراض الاخرى.
7_ دراسة العوامل البيئية مثل تنقل التلميذ من مدرسة لأخرى وكثرة الغياب والهروب وعدم شعور التلميذ بقيمة الدراسة وتنقلات المدرسين والجو المدرسي العام وعلاقة الشاب بوالديه والجو الأسري العام.
ــــــــــــــــــــ(42/147)
عندما أكتشف ذاتي ما الذي سيستجد؟؟
إعداد: حسام
سؤال يطرحه بعض الناس وهم يتناسون أنهم يحملون في داخلهم كينونة إنسانية هي من التعقيد الشيء الكبير ...
هذا العلم نبغ به الغرب لإحساسه -حسبما أعتقد- بفراغ نشأ داخليا في ذات كل إنسان هناك، قد يكون جزءا من الحل الذي ينشدونه ولكنه يبقى جزءا، فما بالنا نحن المسلمين المالكين لجوانب النشاط الروحي بين جوانبنا لا نعبأ بالواقعية التي تفوق الغرب بها علينا ... ... .
المشكلة تكمن -والله أعلم- في أننا في جوانب تربيتنا نركز على بناء الإنسان المسلم المدعم بالنظريات ولانبني في معظم الأحيان ذلك الإنسان المسلم الواقعي الذي يستمد من تلك النظريات التي يحملها واقعا مناسبا له يملك أبجديات التعامل معه وإنما نترك له التشتت هنا وهناك بين صراعات يمر بها كإنسان يعيش على ظهر هذه المعمورة وبين إنسان هو بكل فخر صاحب رسالة.
من خلال احتكاكي بكثير من الشباب-وهم عماد الأمم- وجدتهم أبعد ما يكونون عن معرفة أنفسهم فكيف بهم يدخلون بحر تغيير الأنفس والآفاق؟؟ ...
مرحلة اكتشاف الذات هي مرحلة خطيرة لأنها ترسم مسار الإنسان في رحلته على هذه الأرض ... هذه المرحلة تتطلب من الإنسان أن يوقظ نفسه بمعنى أن يتوقف لفترة قد تطول أو تقصر عن مجاراة هذا العالم المضطرب ... لحظات تطلب منه طرح أسئلة معينة على النفس:
من أنا ؟؟
ماذا أفعل في هذه الدنيا؟؟
ماذا أعرف عن نفسي؟؟
لماذا خلقت؟؟
كيف أريد أسلوب حياتي أهو بعيدا عن الناس أم وسط زحمة هذا العالم أم في عداد حاملي الرسالات؟؟
هذه الأسئلة وغيرها الكثير -الذي يتفاوت من شخص لآخر- يحمل لنا العديد من الإجابات المريحة التي تضع النقاط على الحروف في نفوسنا!!
إنسان في وسط هذا العالم الصاخب وجد نفسه في غربة لظروف كانت قاهرة-وإن كان الإنسان في معظم الحالات هو المسؤول عن ظرفه لأنه من صنعه- ، كان يحمل بين جوانبه خلفيات(نظرية) بسيطة عن دينه وعن أصدقائه وعن أهله وعن كل شيء ولكن لاوجود لشيء عن نفسه!!
وجد نفسه يضطرب بإضطراب هذا العالم ، وجد نفسه يقع في تحديات خطيرة لولا الله لتفتت شخصيته ، ووجد نفسه يجاري هذا العالم في عبثه.. في وقت ما شاءت العناية الإلهية أن يتوقف ويبتعد عن عجلة الزمان لبعض الوقت وكان هذا هو المفترق الخطير في حياته ...
وتوقف وتوقف و طالت وقفته ولكن بعد ذلك ولد من جديد أدرك من هو(؟) وأدرك ما دوره وأدرك الكثير -وليس كل شيء لأنه لاوجود للكمال هنا-عن نفسه وأقول أدرك ولا أقول عرف لأن المعرفة بالشيء لاتولد القيام به كما في حالة الإدراك والاستيعاب ... ما الذي حصل هنا؟؟
ما حصل هو معرفة الأنا وفك لغز هذه الكينونة الداخلية بكل بساطة ...
مصطلحات ضخمة أليس كذلك؟؟
ولكنها بسيطة إذا أردنا سبر أغوارها ...
هي قصة شاب أعرفه حق المعرفة، ولكنه تحول إلى إنسان أجاد فن التعامل مع نفسه وبالتالي مع الآخر ... ... دعونا ندخل في صميم هذا الشاب ... ...
ولكي نعطي للموضوع بعدا آخر سنترك الشاب يروي لنا رحلة اكتشاف ذاته بنفسه!!
دخلت الجامعة ووجدت نفسي في عالم يدور وأنا لا أدرك دورانه لجهلي ولبساطة فطرتي ... الخجل يلفني والرعب من المستقبل القادم يضرب طوقا حولي والمجتمع الذي حولي يفرض نفسه علي ... لن أقول بأنني كنت كاللقمة السائغة لمن حولي ولكن كنت أنا تلك اللقمة بعينها ... جهلي بالتعامل مع الواقع الذي أعيشه كان دائما يؤثر سلبا على نفسيتي ... ضغطي يرتفع كلما تعرضت لأزمة ما ... ثقتي بنفسي بدأت بالتلاشي بعد كل انهيار عصبي ... كنت أعتبر نفسي حاملا لرسالة ما ولكن كان الواقع المؤلم يمنعني من أداء هذه الرسالة لأنه تفوق علي وأحكم سيطرته على الموقف وبدأ الاستسلام كرد فعل منطقي ... ..
في ذاك الوقت كان يتردد على مسامعي من الداخل صوت قوي يخرج من أعماق غائصة في نفسي وهي تسألني لماذا الاستسلام فقلت لها وماذا تريدين مني أن أفعل تجاه هذا الواقع فقالت اكتشفني!!!
وقفت مدهوشا لهذه الكلمة التي وقعت على مسامعي وترددت في أصدائي للحظات عديدة ، اكتشف ذاتي؟؟ ما هذا المصطلح؟؟
بعدها بأيام عزمت على البدء، كثير من تصرفات الفرد يكون منشؤها ردات الفعل وغالبا ما تكون هذه الردات سلبية في اتجاهها ومسيطرة في طرحها إلى حدود تمنع العقل من الرؤية الشاملة للنقطة، وقمت بإصلاح الخلل والبعد عن الردات ولكن ينقصني التوازن الذي سيكون هو الميزان لوزن الأمور وتجنب الإفراط والتفريط. هذه النقطة وهي التوازن حصلت عليها أثناء قراءتي لكتاب في تربية الطفل.كان هذا الكتاب يعتمد على منهاج التوازن للدلالة على فلسفته، فلقد كان يعرض الموقف ويعطي الحل لهذا الموقف تارة في أقصى اليمين وتارة في أقصى اليسار وإذ بالحل المتوسط والمتوازن يظهر لوحده في المنتصف. من هذه الفلسفة تعلمت هذا المبدأ وأدركته وبدأت تطبيقه عمليا في كل موقف يواجهني وبالتالي أًصبح خلقا لأن الخلق هو عادة الفعل ...
كذلك كانت هناك العقد المتأصلة في النفس من تجارب الماضي وكان لي معها معارك شتى لمحوها، لا يخفى على القارئ ما لهذه العقد من عظيم تأثير على تفكير الإنسان ولذلك كان النسيان والتفكير لأننا نعيش هذه اللحظة وليس الماضي، فالماضي لا يجب أن يكون له ذلك التأثير السلبي على عقلية الفرد لأن الماضي وجد لكي يتخذ الإنسان منه العبر والمواعظ لا أن يؤثر في حياته فينحى بها منحى آخر ...
هذه النقاط الثلاثة قادتني نحو التفكير الموضوعي وإدراك أساليبه وبالتالي الدخول إلى عالم النفس بكل صدق وواقعية ، أي أن المزيج الذي ظهر من تلك المكونات الثلاثة (طرد ردات الفعل، التوازن، محي العقد)أكسبني قدرة على التعامل بموضوعية مع نفسي. فصارت الحقيقة جلية أمام ناظري عندما أحكم على فعلي الذي قمت به ...
وهكذا مع قليل من الصداقة مع النفس وكثير من التقوى والصلة بالله والشفافية صرت أستطيع توجيه اللوم مباشرة إلى نفسي إن أخطأت دون التحرج من نفسي في ذلك وبالتالي توطدت العلاقة مع نفسي مما فتح الباب أمامي في الدخول إلى عالمها الرحب والبدء في اكتشافها ... ...
بداية حاولت التعرف على الأمور التي تجعلني متوترا ومكتئبا وكتبتها على الورقة، وبدأت بتفنيد كل منها على حدة ومع المصارحة والحوار الداخلي أمكنني القضاء على المحبطات لأنها من الأمور الصغيرة التي لا يجدر بنا الاهتمام بها لأنها صغائر، هذه النقطة بدأت ألمس تأثيرها على علاقاتي مع رفاقي ، فلم أعد أهتم بتلك القضايا الصغيرة التي تنشأ بين أصحاب الجيل الواحد(لنقل الأنداد) مما انعكس إيجابا على علاقاتي الاجتماعية ...
وهكذا سبرت أغوار نفسي وتعرفت عليها وتوطدت علاقتي مع ربي وفتحت لي آفاق أخرى في الاتصال مه بني البشر ... ... ... ... ... ... ...
هذه القصة أو السيرة الذاتية التي نقلها لنا صاحبها تبين لنا الكثير عن أهمية الاكتشاف الذاتي ...
فكما رأينا أدى الاكتشاف الذاتي إلى علاقة رائعة في شفافيتها مع رب العالمين ومع بني البشر ومع النفس نفسها في إصلاح أمورها ...
النقطة التي تلي الاكتشاف الذاتي هي مجال العلاقات الاجتماعية وعلاقة العبد مع ربه وعلاقة الإنسان بواقعه ومجتمعه:
أولا: العلاقات الاجتماعية: كما قال صاحبنا فإن التخلص من العقد المتأصلة في نفوسنا سيفتح أمامنا المجالات المتنوعة لعلاقات أرحب مع الآخر ... فعندما مثلا تضع في ذهنك هذه المقولة(عند تعاملك مع الآخرين ، تعامل معهم منطلقا من لحظتك التي تعيشها الآن ! ولا تجلب الماضي البائس)، هذه المقولة لو طبقت من بعض بعض بني البشر لكان الحال مختلفا!!
وعندما نتعامل مع الآخرين بإطار أننا عندما نخدمهم (لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) لأن الأجر من عند الله فإن الفارق يظهر كالشمس في وسط النهار، ولكن! مع تطبيق التوازن نجد أننا عندما نتعامل بهذا التجريد سينشأ تعامل جاف في بعض جوانبه باعتبار أننا لا ننتظر الجزاء ، لذلك كان لزاما علينا أن نفهم الصورة التالية:
عندما نعطي شخصا ما عطاء ما -بغض النظر عن ماهية هذا العطاء- ونذر أنفسنا أصحابا للعطاء فإننا بعير قصد نطبق أقصى درجات الأنانية لماذا؟؟
لأنك عندما تعطي وتعطي ولاتترك الفرصة للآخر لكي يعطي فإنك تحرمه من العطاء هو الآخر، لأنك عندما تعطي فهذا يدل على وجود مقدار معين من المحبة عندك تجاه الذي تعطيه ... الآن انقل (الكاميرا) أو المنظور إلى الطرف الآخر وضع نفسك في مكانه، ستجد نفسك آخذا للعطاء ولكنك لا تستطيع أن تعبر للذي يعطيك ذلك الحب الذي يغلف علاقتك به؟؟
شلل نصفي أليس كذلك؟؟؟
تأخذ وتأخذ دون أن تستطيع التفكير ولو للحظة بالعطاء لكي تعبر لحبيبك عن حبك له، لجهل حبيبك بأبجديات العلاقة المشتركة بين الإنسان!!!
من هذا المثال الحي الذي يفسر الكثير من المشاكل التي تحدث في البيوت بين الزوجين ، تستطيع أن تقدر ما لنظرية التوازن من أثر ساحر، كيف؟؟
تملي علينا نظرية التوازن في هذا الموقف أن نكون أصحاب عطاء وأيضا أصحاب أخذ وذلك لكي نترك الفرصة للإنسان الآخر لكي يعبر عن حبه الإنساني لنا وهي حاجة فطرية فينا نحن البشر لأننا بحاجة إلى التعبير عن حبنا للآخر وهذا الحب يتخذ أشكالا عديدة منها العطاء ... ... أكتفي بذكر المثالين السابقين لأنني أعتقد بأنهما وضحا الصورة جيدا ... ... ... ...
ثانيا: علاقة العبد مع الرحمن الرحيم، بسبب الاكتشاف الذاتي سوف تقوى علاقتك مع الله، كيف؟؟
عندما تطبق نظرية التوازن في سبر أغوار نفسك ستتعرف على الجوانب المادي في حياتك ونظيرتها الروحية ، وهنا سوف تبحث عن مدى الاتزان الحاصل في نفسك ، فلا يخفى عليك أخي القارئ كم سلبتنا روحانيتنا وشفافيتنا مع ربنا وأسرنا ومجتمعنا هذه المادية التي نعيشها، ولذلك كان التوازن لكي يعيد الأمور إلى نصابها ويحفظ حالة من الاتزان، لذلك كان حريا بكل واحد منا أن يزود كينونته النفسية بجهاز إنذار يعلمه بأي خلل
في ذاك التوازن الذي نرتضيه لأنفسنا(وكذلك جعلناكم أمتا وسطا لتكونوا شهداء على الناس) ... ... ...
من ناحية أخرى، عندما أحقق الاكتشاف الذاتي سأصل إلى الأجزاء الناقصة في علاقتي مع ربي وأبدأ بعملية البناء لكي أنهض ببناء أقوي، بمعنى أنني مثلا قد أجد عندي نقصا في حفظ القرآن الكريم مما يعني بسبب معرفتي بنفسي وعلاقتي الصادقة معها سيكون لزام علي أن أحسن هذا الجانب، أيضا عندما أشعر بنقص في عدد مرات الاستغفار اليومية سيكون لزاما علي أن أزيدها لأنني أعلم الداء وبيدي أصبح الدواء ، وكذلك ينطبق الأمر على قيام الليل وقراءة القرآن ... .هذا من الناحية التعبدية ،، أما من ناحية أخرى،فإنك مثلا بعد أن اكتشفت نفسك وجدت أنك تميل يإتجاه العلم في المجال الهندسي مثلا، فلذلك سوف ينصب اهتمامك على الإبداع في هذا المجال لأنك صاحب رسالة وفي نيتك أنك تعبد رب الأرباب بسعيك إلى خدمة الإسلام في مجالك هذا ، وهكذا في العديد في الأمور الحياتية ... ... ... ...
ثالثا: ضغط الدم، الذبحة الصدرية، الإحتشاء القلبي ومن ثم الوفاة ... ...
نهاية مأساوية لإنسان القرن العشرين ... لماذا؟؟
من أجل نقاش حاد أو من أجل مأزق معين أو من أجل صراع في الشركة بين المدراء أو من أجل ... ... ... الخ.
هذه هي المأساة ، تخيل عدد العضلات التي تقوم أنت بإرهاقها عندما تنتابك نوبة توتر ، أحصها على أصابعك:
1.شد في عضلات الرقبة.
2.الصداع
3.ظهور العقد في الجبين
4.تصلب في عضلات الرقبة
5.شد في عضلات الفكين
6.انحناء الكتفين
7.شد في العضلات الخلفية
8.وجع معدي
9.بشكل تلقائي يتم جذب الساعدين إلى منطقة البطن مما يؤدي إلى صعوبة في التنفس نتيجة الضغط على الحاجب الحاجز.
لهذه العضلات الحق في أن تشكيك لربها!!!
هذا بالطبع غير المشاكل الداخلية كالصداع وخفقان القلب السريع والإسهال وعسر الهضم والإمساك والأرق والتعب والتفشش بالأكل وضعف الذاكرة وجفاف الفم وعدم القدرة على التركيز والأيدي الباردة وغيرها الكثير ، يا لطيف!!!!
لماذا كل هذا ياعبدالله؟؟؟
سيساعدك اكتشافك لذاتك على تطوير مقدرتك النفسية على مقاومة التوتر والقلق والاكتئاب ...
عندما تستوعب وتدرك بأنه يجب عليك أن تعيش في حدود يومك فقط! فهذا يعني عدم إشغال نفسك بأمور تريد أنت أن تستبق أحداثها، حاول إسعاد نفسك الآن لا تهتم بشأن البحث الذي سوف تلقيه غدا مثلا ، كل ما يجب عليك هو أن تخصص له وقتا معينا وكفى ...
لكن بتطبيق نظرية التوازن لا أقول بمنعك عن التفكير بالمستقبل لأنه من حقك التفكير بذلك المجهول ولكن لا تدع الأمر يتجاوز حده ووقته ... حاول أن تبتسم الآن..
مثال آخر: لديك ظروف عجيبة تمنعك عن التأقلم معها، تقف وتركض بعيدا أم تشعر نفسك بقوة التحدي وتتحدى الظروف ، وتصنع من الليمون شرابا حلوا(الغزالي)!!!
التخطيط وإدارة وقتك كل ذلك يساعدك على حياة صحية في هذا العالم المضطرب، قم بتحديد أولوياتك وأعطها سلما من الأفضلية ولا تنسى وجود الكثير من الأمور الغير مهمة، وضعها على الورقة فمع الورقة والقلم يحلو السمر ...
عندما تصيبك مشكلة ، لا تفكر في المشكلة فقط فكر في المقدمات التي تدركها عن المشكلة وعندما تحيط إحاطة جيدة بهذه المقدمات توكل على الله وابدأ في حل المشكلة انطلاقا من المقدمات التي تعرفها تمام المعرفة فأنت لها يا عنترة ...
عندئذ ستصل إلى النتيجة بعد توفيق الله لك ... ...
هذه بعض الأمور التي تفيد في حياتنا اليومية كبشر نعيش على ظهر هذه المعمورة ... ...
وأنا أرى أن تتكامل هذه العلوم الإدارية النفسية مع مناهج التربية التي يضعها الأخصائيون لكي تعطينا إنسانا صالحا ومصلحا قادرا على التعامل مع واقعه بكل ليونة وديناميكية من منطلق خلفية ثقافية إسلامية....
*عالم النور
ــــــــــــــــــــ(42/148)
برنامج علاجى لحالات الشذوذ الجنسى فى المجتمعات العربية
*د .محمد المهدى
الغريزة الجنسية طاقة موجودة فى كل الناس لتؤدى وظيفة هامة وهى التكاثر وعمران الأرض ، ولكى يحدث هذا أحاطها الله بأحاسيس سارة ولذيذة كى تدفع الناس لتحقيق هذه الأهداف ويتحملوا مسؤليات بناء الأسرة وتربية الأبناء ، ولكن نتيجة لبعض الظروف التربوية فى فترة الطفولة تتجه هذه الطاقة الجنسية اتجاهات مخالفة للمألوف ، وهذه الاتجاهات اعتبرت شاذة ( فى نظر الأديان والأعراف السليمة والعقلاء من البشر ) لأنها لاتساهم فى عمران الحياة فضلا عن أنها تقويض لمسار الحياة النفسية والاجتماعية والخلقية . وما من مجتمع تفشت فيه هذه الحالات حتى أصبحت ظاهرة إلا وأصابه الانهيار ( والمثال الأشهر هو قوم لوط ) وذلك لأن هذا السلوك يسير ضد تيار الحياه الطبيعية .
ولكن للأسف الشديد فان المجتمعات الغربية حين تحررت من أواصر الدين ( لظروف خاصة بها ) تحررت بالتالى من الكثير من الأخلاق المتصلة به ، وفضلت الاستسلام لنداءات الغريزة على أى وضع وفى أى اتجاه ، واعتبارها نشاطا بيولوجيا لايخضع للأخلاق ، وأعطوا أنفسهم الحرية فى ممارسته بأى شكل يريدون ، وقد ظنوا أنهم بذلك قد وجدوا الحل للصراعات والمشكلات الجنسية ، ولكن الواقع العملى أثبت أن الأمر عكس ذلك ، وهم يعانون الآن من رعب الايدز ومن تفكك الأسرومن أشياء أخرى كثيرة وما خفى كان أعظم ، لأن الله الذى خلق الانسان ونظم له حياته وحدد له مسارات طاقاته الغريزية يعلم ما يصلحه ويرشده اليه .
بناءا على هذا فنحن نتفق على أننا لن نتبنى الموقف الغربى الداعى الى انفلات الغريزة فى أى اتجاه بلا ضابط ، ولن يخرج الشواذ فى شوارعنا فى جماعات تفخر وتباهى بشذوذها ، ولكن مع هذا يبقى عندنا مشكلة عدد من الناس ابتلوا بانحراف مسار الغريزة فى اتجاهات شاذة ( وهذه ظاهرة موجودة فى كل المجتمعات بنسب متفاوتة )، وهؤلاء على نوعين :
1 - نوع يرضى بذلك الشذوذ ويمارسه ( وربما يستمتع به ) ( Ego syntonic ) وهذا لانراه فى المجال العلاجى ولكن نسمع عن مشكلاته الأخلاقية أو القانونية .
2 - ونوع لايرضى بهذا الشذوذ ويتعذب به ولايمارسه ويسعى للخلاص منه ولكنه لايستطيع ( Ego dystonic ) وهذا النوع الأخير هو الذى نراه فى المجال العلاجى وينقسم أمامه المعالجون الى قسمين :
1 - قسم يستشعر صعوبة التغيير وصعوبة التحول وفى داخله رغبة الاستسهال والاستسلام للأمر الواقع خاصة وأنهم لايجدون فى التراث العلمى وسائل وتقنيات وتجارب علاجية تؤنسهم فى مشوارهم الصعب مع مرضاهم الأصعب ، وهؤلاء يعلنون أن الشذوذ ليس له علاج .
2 - قسم يرى الأمر من كل جوانبه الطبية والاجتماعية والدينية ، ويرى فى هذا الشذوذ ابتلاءا يتعامل معه المريض والمعالج بصبر حتى ينقشع ، وهم يحتسبون الجهد والعناء عند الله ويرجون العون والمثوبة منه ويعتبرون ذلك رسالة يتقربون بها الى الله ولاييأسون مهما كانت نسبة نجاحهم قليلة بناءا على قاعدة : " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " وقاعدة : " لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم "، وهذه هى الروح التى نتمناها أن تسود فى مجتمعاتنا العربية والاسلامية ، كما نتمنى أن يطور المعالجون النفسيون وسائلهم العلاجية لحل هذه المشكلات .
هدف العلاج :
وهدف العلاج هنا هو تحويل مسار الغريزة من اتجاهها الشاذ ( غير المثمر ) الى اتجاه طبيعى ( أو أقرب الى الطبيعى ) . ولايدعى أحد أن هذا التحويل أمر سهل يحدث فى وقت قصير ، وانما هو بالضرورة أمر يحتاج الى وقت وجهد ومجاهدة وصبر ومثابرة من المريض والمعالج ، ولابد أن يوقن الاثنان أنه لابديل عن هذا الطريق
( فليس من المقبول ولا من الممكن الاستسلام للشذوذ ) ، وان يعلما أنهما بناءا على هذا التصور الايمانى يؤجران على أى جهد يبذلانه ، ويتلقيان العون من الله فى هذا الطريق ، ويتذكران طول الوقت قول الله تعالى : " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " . هذا عن الجانب الايمانى فهل ياترى هناك جوانب عملية تطبيقية تدعم السير فى هذا الاتجاه ؟
نعم .. ففى خلال الممارسة العملية حدث نجاح مع عدد غير قليل من حالات الشذوذ خاصة أولئك الذين واصلوا طريق العلاج وتحملوا مشقاته ، ليس هذا فقط بل ان الواقع الحياتى يؤكد توقف أعداد كبيرة من الشواذ عن هذا السلوك فى مراحل معينة من العمر حيث يحدث نضج فى الشخصية يسمح بالتحكم فى رغبات النفس وتوجيهها حتى بدون تدخل علاجى بالمعنى الطبى المعروف .
الوسائل والتقنيات العلاجية :
أما عن الوسائل العلاجية المتاحة حاليا ( والتى تحتاج لتطوير وابتكار فى المستقبل ) فهى ترتكز على أساسيات العلاج المعرفى السلوكى من منظور دينى ، وهى كالتالى :
1 - الاطار المعرفى : ويتلخص فى تكوين منظومة معرفية يقينية بأن هذا السلوك شاذ ( أو هذه المشاعر والميول شاذة ) من الناحية الدينية والأخلاقية والاجتماعية ، وأنها ضد المسار الطبيعى للحياة النظيفة والسليمة ، وأن هذا السلوك يمكن تغييره ببذل الجهد على الطريق الصحيح . ومن المفضل أن يعرف المريض والمعالج النصوص الدينية المتصلة بهذا الموضوع حيث ستشكل هذه النصوص دفعة قوية لجهودهما معا فحين يعلم المريض والطبيب أن اتيان الفعل الشاذ يعتبر فى الحكم الدينى كبيرة من الكبائر ، وفى الأعراف الاجتماعية والأخلاقية عمل مشين فانهما يتحفزان لمقاومته بكل الوسائل المتاحة . ويحتاج الاثنان أن يتخلصا من الأفكار السلبية التى تقول بأن الشذوذ نشاط بيولوجى طبيعى لايدخل تحت الأحكام الأخلاقية وليس له علاج حيث أثبتت الأدلة العقلية والنقلية والتجارب الحياتية غير ذلك .
2 - العلاج السلوكى : ويتمثل فى النقاط التالية :
· التعرف على عوامل الاثارة : حيث يتعاون المريض والمعالج على احصاء عوامل الاثارة الجنسية الشاذة لدى المريض حتى يمكن التعامل معها من خلال النقاط التالية .
· التفادى : بمعنى أن يحاول الشخص تفادى عوامل الاثارة الشاذة كلما أمكنه ذلك
· العلاج التنفيرى : لقد حدثت ارتباطات شرطية بين بعض المثيرات الشاذة وبين الشعور باللذة ، وهذه الارتباطات تعززت وتدعمت بالتكرار وهذا يفسر قوتها وثباتها مع الزمن . وفى رحلة العلاج نعكس هذه العملية بحيث نربط بين المثيرات الشاذة وبين أحاسيس منفرة مثل الاحساس بالألم أو الرغبة فى القئ أوغيرها ، وبتكرار هذه الارتباطات تفقد المثيرات الشاذة تاثيرها ، وهذا يتم من خلال بعض العقاقير أو التنبيه الكهربى بواسطة معالج متخصص . ولنضرب مثالا لها : نطلب من المريض أن يتذكر المشاعر الشاذة التى تمر بخاطره حين يرى أو يسمع أو يشم مثيرا معينا ، وحين يخبرنا بان المشاعر قد وصلت لذروتها بداخله نقوم بعمل تنبيه كهربى على أحد الأطراف أو اعطاء حقنة محدثة للشعور بالغثيان أو القئ
· تقليل الحساسية : بالنسبة للمثيرات التى لايمكن عمليا تفاديها نقوم بعملية تقليل الحساسية لها وذلك من خلال تعريض الشخص لها فى ظروف مختلفة مصحوبة بتمارين استرخاء بحيث لاتستدعى الاشباع الشاذ ، وكمثال على ذلك نطلب من المريض استحضار المشاعر الشاذة التى تنتابه وعندما تصل الى ذروتها نجرى له تمرين استرخاء ، وبتكرار ذلك تفقد هذه المشاعر ضغطها النفسى
3 - العلاج التطهيرى : وهو قريب من العلاج السلوكى ويتبع قوانينه ولكنه يزيد عليه فى ارتباطه بجانب معرفى روحى ، وهو قائم على قاعدة " ان الحسنات يذهبن السيئات " وعلى فكرة " دع حسناتك تسابق سيئاتك " ، وباختصار نطلب من المريض حين يتورط فى أى من الأفعال الشاذة أن يقوم بفعل خير مكافئ للفعل الشاذ كأن يصوم يوما أو عدة أيام ، أو يتصدق بمبلغ ، أو يؤدى بعض النوافل بشكل منتظم ......الخ ، وكلما عاود الفعل الشاذ زاد فى الأعمال التطهيرية ، ويستحب فى هذه الأفعال التطهيرية أن تتطلب جهدا ومشقة فى تنفيذها حتى تؤدى وظيفة العلاج التنفيرى وفى ذات الوقت يشعر الشخص بقيمتها وثوابها ولذتها بعد تأديتها والاحساس بالتطهر والنظافة وهذا يعطيها بعدا ايجابيا مدعما يتجاوز فكرة العلاج التنفيرى منفردا . وهذا النوع من العلاج قريب من نفوس الناس فى مجتمعاتنا ( سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين ) ففكرة التكفير عن الذنوب فكرة ايمانية وعلاجية فى نفس الوقت ، وكثير من الأعمال الخيرية فى الواقع تكون مدفوعة بمشاعر ذنب يتم التخفيف منها ايجابيا بهذه الوسيلة .
4 - تغيير المسار : وهذه الخطوة يجب أن يتفهمها المريض جيدا حيث يعلم بأن الغريزة الجنسية طاقة هامة فى حياته ولكن حدث أن هذه الطاقة فى ظروف تربوية معينة حفرت لها مسارا شاذا وتدفقت من خلاله ولهذا لايشعر الشخص بأى رغبة جنسية الا من خلال هذا المسار الذى اعتاده لسنوات طويلة وتدعم من خلال تكرار مشاعر اللذة مرتيطة بهذا المسار . ولكى يتعدل اتجاه الطاقة الجنسية فان ذلك يستلزم اغلاق هذا المسار الشاذ حتى لاتتسرب منه الطاقة الجنسية وبعد فترة من اغلاق هذا المسار تتجمع الطاقة الجنسية وتبحث لها عن منصرف ، وهنا يهيأ لها مسارا طبيعيا تخرج من خلاله ، وسوف تحدث صعوبات وتعثرات فى هذا الأمر ولكن الاصرار على اغلاق المسار الشاذ وفتح المسار الجديد سوف ينتهى بتحول هذا المسار خاصة اذا وجد تعزيزا مناسبا فى اتجاهه الجديد ( خطبة أو زواج ) . وربما لا يجد الشخص رغبة جنسية نحو الجنس الآخر فى المراحل المبكرة للعلاج لذلك يمكن أن يكتفى بالرغبة العاطفية ، وهذه الرغبة العاطفية كنا نجدها كثيرا عند المرضى بالشذوذ وربما قد جعلها الله حبل النجاة للمبتلين بهذا المرض يتعلقون به حين ينوون الخلاص ، وكثير منهم أيضا تكون لديه الرغبة فى العيش فى جو أسرى مع زوجة وأبناء على الرغم من افتقادهم للرغبة الجنسية نحو النساء . ومن متابعة مثل هذه الحالات وجد انهم حين تزوجوا كانوا ينجحون كأزواج رغم مخاوفهم الهائلة من الفشل حيث يحدث بعد الزواج اغلاق قهرى للمنافذ الشاذة للغريزة (بسبب الخوف من الفضيحة أو اهتزاز الصورة أمام الزوجة ) فى نفس الوقت الذى تتاح فيه فرص الاشباع الطبيعية . وفى بعض الأحوال يحدث مايسمى بالجنسية المزدوجة ( Bisexual ) حيث تكون لدى الشخص القدرة على الاشباع المثلى والغيرى للغريزة .
5 - المصاحبة : وبما أن مشوار التغيير يحتاج لوقت وجهد وصبر ، لذلك يجب أن يكون هناك معالج متفهم صبور يعرف طبيعة الاضطراب بواقعية ولديه قناعة لا تهتز بإمكانية التغيير ولديه خبرات سابقة بالتعامل مع الضعف البشرى ، ولديه معرفة كافية بقوانين النفس وقوانين الحياة وأحكام الشريعة وسنن الله فى الكون . هذا المعالج بهذه المواصفات يقوم بعملية مصاحبة للمريض ( المبتلى بالمشاعر أو الميول أو الممارسات الشاذة ) تتميز بالحب والتعاطف والصبر والأمل واحتساب الوقت والجهد عند الله . هذه المصاحبة تدعم مع الوقت ذات المريض ( فيما يسمى بالأنا المساعد أو تدعيم الأنا ) ، وتعطى نموذجا للمريض تتشكل حوله شخصيته الجديدة فى جو آمن . وبناءا على هذه المتطلبات يستحسن أن يكون المعالج من نفس جنس المريض وذلك يسمح بحل اشكاليات كثيرة فى العلاقة بنفس الجنس شريطة أن يكون المعالج متمرسا وقادرا على ضبط ايقاع العلاقة دون أن يتورط هو شخصيا فى تداعيات الطرح والطرح المضاد . والمعالج ( المصاحب ) ليس شرطا أن يكون طبيبا بل يمكن أن يكون أخصائيا نفسيا أو اجتماعيا أو عالم دين أو قريب أو صديق تتوافر فيه كل الشروط السابق ذكرها .
6 - السيطرة على السلوك : نحن جميعا فى حياتنا لدينا رغبات لا نستطيع إشباعها بسبب معتقداتنا أو ظروفنا الاجتماعية أو الاقتصادية أو غيرها ولهذا نصبر عليها ونضبطها لحين تأتى الفرصة المناسبة لإشباعها ، وقد لا تأتى فنواصل الصبر عليها أو إيجاد إشباع بديل . والشخص ذو الميول الشاذة عليه أن يتعلم ذلك الدرس وأن يتدرب على ضبط مشاعره وميوله الشاذة وأن يبحث عن الإشباع البديل ( كباقي البشر ، فكلنا مبتلون بمشاعر وميول لا يمكن اشباعها ) وهذا من علامات نضج الشخصية . وفى المراحل المبكرة من العلاج ربما نحتاج الى السيطرة الخارجية ( بواسطة المعالج أو بالتعاون مع أحد أفراد الأسرة أو أحد الأصدقاء اذا كانوا يعلمون بالمشكلة ) وذلك حتى تتكون السيطرة الداخلية ، والهدف من ذلك هو منع الإشباع الشاذ حتى لا يحدث تدعيم لهذا المثار . وأثناء برنامج التدريب على السيطرة نطلب من المريض أن يكتب فى ورقة المواقف التى واجهته وكيف تصرف حيالها ويقوم بعد ذلك بمناقشة ذلك مع المعالج ، وهذا ينمى فى المريض ملكة مراقبة سلوكه ومحاولة التحكم فيه . وفى كل مرة ينجح فيها الشخص فى التحكم يكافئ نفسه أو يكافئه المعالج حتى يتعزز سلوك التحكم والسيطرة الداخلية .
7 - العلاج الدوائى : لايوجد علاج دوائى خاص بهذه الحالة بعينها ، ولكن استخدمت مانعات استرداد السيروتونين ( ماس ) فى بعض الحالات وأثبتت نجاحها ( وكان المبرر فى استخدامها نجاحها فى السيطرة على حالات إدمان الجنس حيث تقلل من الاندفاع الغريزى ) ، واستخدم معها أو بدونها عقار الكلوميبرامين ( الأنافرانيل ) على قاعدة أن السلوك الشاذ يأخذ شكل الفعل القهرى ولذلك تصلح معه الأدوية المستخدمة فى علاج الوسواس القهرى .
8 - الدعاء : فكلما أعيتنا الأمور وأحسسنا بالعجز لجأنا الى الله بالدعاء ، فهو قادر على كشف البلاء . والدعاء سلاح ايمانى وروحى حيث يستمد الانسان العون من الله الذى لايعجزه شئ فى الأرض ولا فى السماء ، وهو فى نفس الوقت سلاح نفسى حيث تجرى عملية برمجة للجهاز النفسى طبقا لمحتوى الدعاء فيتشكل برنامج نفسى جسدى فى اتجاه تحقيق محتوى الدعاء وذلك فيما يسمى بسيكولوجية ماتحت الوعى ( Subconscious Psychology ) ، اضافة الى مايعطيه الدعاء من أمل فى الخلاص ومايعطيه من ثواب للداعى سواء أجيب دعاءه فى الدنيا أم تأجل ( لحكمة يعلمها الله ) للآخره .
ــــــــــــــــــــ(42/149)
كيف نبتعد عن شرور الحياة ؟
الإنسان ذو هدف ورسالة ، فما هي رسالته في هذه الدّنيا ؟
الإنسان خُلِقَ ليطلب الخير والسّعادة في الحياة ، ليتّجه إلى شرورها وما يجلب له الشّقاء .. فالحياة فيها الخير وفيها الشّرّ ، والإنسان هو الّذي يختار ما يُليق به من الخير ، ويتجنّب ما لا يُليق به من الشّرّ .
يا تُرى إذا قُدِّمَ لأحدنا وجبة من طعام أو قطعة حلوى من شخص لانعرفه ، فهل نتوجّه إلى الأكل مُباشرة ، أم نطمئن أوّلاً إن كانت وجبة الطّعام هذه أو قطعة الحلوى تلك سالمتان من التلوّث على الأقل .
نحنُ نختار النظافة في كلِّ شيء نتناوله أو نستعمله لندرأ عن أنفسنا الجراثيم والأوساخ التي تجلب الأمراض وتضرّ بسلامتنا الصِّحيّة .. ينبغي أن نفعل هكذا مع الصِّفات السّيِّئة والأهواء الشِّرِّيرة التي تعبث بأخلاقنا وتُخرِّب مزاجنا النفسيّ .
الإنسان عندما يتعرّض إلى الأمراض البدنيّة يُبادِر إلى العلاج ، فيشفى من المرض عادة ، إلّا أ نّه يتعرّض أحياناً إلى أمراض النّفس والرّوح فلا يُبادِر إلى العلاج ; لأ نّه لا يشعر بها في الظّاهر ، وقد تفتك به في نهاية الأمر .
كلّ منّا يملك إضافة إلى جهازه البدنيّ جهازاً نفسيّاً وعقليّاً ، وأخطر شرور الحياة هي التي تُؤذي جهازنا النفسي أو تُخرِّب برنامجه الأخلاقي الرّائع .
البرنامج الأخلاقي يُشكِّل جوهر الإنسان وروحه ، فإذا فقد الإنسان هذا البرنامج لم يبقَ له سوى قشرة لا تنفعه إلّا للعيش في هذه الحياة كالنّبات أو الحيوان .
صفات الخير والفضائل في المقابل تروي قلب الإنسان وروحه بالاُمور التي تُسعده وتجعله كاملاً ومصدراً للخير لنفسه وللآخرين .
هناك حقيقة اُخرى هي أنّ الإنسان في هذه الحياة يقع بين قطبي الشّرّ والخير .. فكلّما اقترب من قطب الخير ابتعد بنفس المقدار عن الشّرّ ..
إذا كان أحدنا وفيّاً مع صديقه ومضحِّياً له عندما يتعرّض هذا الصّديق لنائبة أو مشكلة ، فإنّنا في الحقيقة بعيدون عن خيانته أو الغدر به .. والنتيجة الطّبيعية لهذه الصِّفة هي حُبّ الأصدقاء لنا والتفاهم حولنا .
هكذا إذا كان أحدنا بارّاً بوالديه .. فذلك يعني ببساطة أ نّنا لا نُسيء إليهما ، وما نحصل عليه في المقابل هو حبّهما وتقديرهما لنا ، أو حبّ الآخرين واحترامهم لنا ، وفوق ذلك كلّه حبّ ورضا من مصدر الخير في الكون أي الله تبارك وتعالى .
يشيع البعض أو يُحاوِل أن يُصوِّر لنا أنّ الخير معناه الحرمان من لذائذ الحياة ومُتعها ، والحقيقة هي أنّ الخير هو حُسن استعمال المواهب والطّاقات ، وهو الاستفادة الصحيحة من لذائذ الحياة ومُتعها وجمالها .
إنّ الّذي خلق لنا هذه المواهب وزوّدنا بهذه الطّاقات لا يريد أن يحرمنا من ثمارها ، وإنّما يريدنا أن نستخدمها بطريقة صحيحة نافعة ، وتجعلنا في طريق الخير أبداً وعلى الدّوام .
الشّرّ إذن هو أن نسيء استعمال هذه المواهب ولا نستمتع بشكل صحيح من لذائذ الحياة ، فنضيع في متاهات الطّريق ونغفل عن الغايات التي تتلائم معنا كبشر . لكن السؤال المهم والكبير هو ما الّذي يجعلنا أحياناً نختار الشّرّ رغم مساوئه أو نفسح له المجال ليدخل عالمنا الشّبابيّ الجميل ؟!
الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى طرح العديد من الأسئلة الصغيرة في الظّاهر ، ولكن ، الكبيرة في حقيقتها وأثرها على حياتنا ، خاصّة في المرحلة التي نعيشها .
فهل نحنُ ممّن يستصغر نفسه ويحتقر ذاته ؟!
إذا كان كذلك هانَ علينا الشّرّ ..
لا يعقل أحد أنّ أميراً من الاُمراء أو زعيماً من زعماء الدّول أو نجماً من نجوم السينما ينحني لالتقاط شيء تافه من الأرض .
ربّما كان هذا الشيء مهمّا بالنسبة للآخرين ، لكن شأن الأمير أو الزّعيم أو النّجم يمنعه من الاهتمام بذلك الشيء ، ولا يليق به أن يفعل ذلك ، كذلك لا يليق بنا كبشر أن نجعل أنفسنا عرضة لسوء الخلق أو الحقد ، أو الإساءة والظّلم للآخرين ، أو الكذب أو السّرقة ، وما شابه ذلك من الشّرور والذّنوب .
هل نحنُ ممّن يستهين بالعدوّ ؟
على الأقل لا نفعل ذلك مع أعدائنا من الميكروبات والفيروسات المرضيّة .. فهل نفعل ذلك مع الفيروسات من النوع الآخر ، أي الفيروسات الأخلاقيّة .
هناك قصّة طريفة تُروى عن أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما كانوا بصُحبته في أرض قاحلة جرداء ، وكان الجوّ بارداً ، فسألهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، هل يستطيعون جمع كمِّيّة من الحطب لإشعالها والدفء بحرارتها ؟
فقال الأصحاب بأجمعهم : إنّه لا يوجد في هذه الأرض زرع أو شجر ، فكيفَ يجمعوا حطباً ؟
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : فليأتِ كلّ فرد بما يقدر عليه .
فذهب الأصحاب يجمعون ما يشاهدونه من أشواك ونباتات يابسة صغيرة ، ثمّ جاءوا به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فتجمّع من الحطب مقدار كبير .
فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) هكذا تجتمع الذّنوب الصّغيرة ، مثلما اجتمع هذا الحطب . ثمّ قال : إيّاكم والمحقرات من الذّنوب .
هل نحنُ ممّن لا يرى إلّا أمام قدميه ولا ينظر إلى الاُفق البعيد ويتجاهل العواقب ؟
لا يبدو أنّ الحصان المشدود إلى محور الطاحونة ليديرها كما كان يحصل في الماضي أو يحصل في الحاضر في بعض مناطق من العالم ، لا يبدو هذا الحصان مستاءً من عمله وهو يسير آلاف الأميال دون أن يبرح مكانه ..
قد يكون كذلك لأ نّه ينظر فقط أمام قدميه ، ولكن الذي يراه عن بُعد ومن خارج الطّاحونة يأسف لحاله ..
نفس الحالة نجدها مع الحصان الذي شُدّ بعربة ووضع صاحبها جزرة معلّقة بعصا طويلة على مسافة أمام عينيه ليسير الحصان طمعاً في الوصول إلى الجزرة دون جدوى ; لأنّ الجزرة تبقى على مسافة من الحصان أمامه كلّما دفع بالعربة إلى الأمام ، ولكن الذي يمكن أن ينقذ الحصان من هذا الوضع هو أن يغضّ بصره عن الجزرة وينظر إلى آفاق الطّريق .
هل نحنُ ممّن تنحصر همّته في دائرة نفسه ؟
إذا كان الأمر كذلك ، فنحنُ أشبه بتلك الضِّفدعة التي تعيش في البئر ولا تُفارقه ، وتحسَب أنّ العالَم كلّه هو ما يحيط به جدران البئر ، ولا يدخل في مخيّلتها عالَم الحقول والمزارع والمياه المتدفِّقة الجارية خارج البئر .
هل نحنُ ممّن يمضي في طريق دون أن يُراجِع نفسه ؟
هذا هو حال المسافر الذي يختار طريقاً خاطئاً ولا يلتفت إلى العلائم والإشارات على جانب الطّريق ، ولا يسأل أحداً .. فما دام هذا المسافر على حاله لن يصل إلى مقصده ولو زاد في سرعته بنفس الاتِّجاه لازداد بُعداً عن المقصد الّذي يريده .
هل نحنُ ممّن يُؤجِّل فعل الخير إلى أجل مُسمّى ؟
مثلاً أن نقول ما زال هناك مُتّسع من الوقت لفعل هذا الخير أو ذاك .. أو نقول إنّ المسؤوليّة ما زالت مُبكِّرة بالنسبة لنا ، وما شابه من الأقوال والأفكار ..
هذا يعني أ نّنا نريد أن نُبقي صمّام الشّرّ مفتوحاً دون أن نفتح صمّام الخير .. فنجد بعد فترة أنّ خزّان النّفس قد مُلِئ شرّاً ; لأ نّنا أغلقنا صمّام الخير حتّى إشعار آخر، ولم نفسح له المجال ليملأ نفوسنا وتبتهج به حياتنا .
هل نُصادِق الأشرار وأصحاب الخُلق السّيِّئ ؟
هل نحنُ مُستعدّون لبناء علاقات شخصيّة مع هؤلاء ؟
إذن سنجعل قطب الشّرّ يقوى فينا ونقع شيئاً فشيئاً في ميدان جاذبيّته ; لأنّ الاقتراب من قطب الشّرّ والإنسجام معه بشكل من الأشكال يُبعِدنا من قطب الخير .
هل نستخدِم جهازنا العقليّ وبرنامجنا الأخلاقيّ باستمرار ؟
وإذا حصل ودخل فيروس من الشّرّ في برنامجنا هذا ، هل نبحث عن طريقة سريعة لإخراجه ؟ ، كما نفعل بأجهزتنا الكمبيوتريّة التي نملكها في البيوت ، أو التي نستخدمها في أماكن دراستنا وعملنا ..
هناك العديد من الأسئلة على غرار التي ذكرناها لمعرفة السُّبل التي تسلك منها الشّرور إلى حياتنا ، فمثلاً قد نُسأل أيضاً ، هل نحنُ من الّذينَ يهتمّون بجمال الظّاهر والأناقة في الملبَس فحسب ؟ أم نهتم أيضاً بجمال الباطن والأخلاق وجمال العقل والفكر .
وأيضاً ، هل نستطيع أن نُميِّز الخير من الشّرّ ؟
إنّ الشّرّ قد لا يكشف لنا عن وجهه البَشِع ، بل يأتي إلينا بظاهر جذّاب يخلط فيه السمّ بالعسل ..
فالحذر كلّ الحذر من الشّرّ إذا لبسَ ملابس الخير .
إنّ أفضل الطّرق لمعرفة الشّرّ أو حقيقة الأعمال التي نُسمِّيها شروراً ورذائل أخلاقيّة أو ذنوباً هو أن نتأمّل في عواقبها ونتائجها .
الإنحراف ، امتهان النّفس ، الإدمان على المخدّرات ، الإنجراف في عصابات الجريمة ، السّجون وغيرها ، هي أمثلة من هذه العواقب إذا ما سمح الإنسان للشّرور أن تغزو عالمه الطّاهر الشّفّاف لتُعكِّر ما فيه .
ونقول أخيراً أنّ الخير يعني أن نشيع الفضائل في حياتنا وحياة الآخرين من حولِنا .. وهذا يعني استمتاع بمواهب الحياة وجمالها ولذائذها ، مع شعور بالإطمئنان والتوازن والسّعادة .
والشّرّ لا يمنحنا ذلك كلّه ، وإنّما يتظاهر بأ نّه يُحقِّق لنا الاستمتاع بالحياة .
هل من الخير أن يعيش الإنسان أنانيّاً دون أن يهتم بالآخرين ؟ هل من الخير أن يعبث الناس بالغذاء في الوقت الّذي يموت فيه ملايين الأطفال من الجوع ؟
أسئلة وأسئلة تدعونا للتفكير لكي نختار نوع الحياة التي نعيشها ولا نقع فيما وقع به غيرنا من الشّرور والأخطاء ، وأن نستغلّ فرص الحياة في طريق يحفظ الإنسان ومجتمعه من المخاطر والمشاكل والويلات .
*المصدر : البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/150)
المسالمة والعدوان.. أسبابه وعلاجه؟
* د. محمود البستاني
لعل النشاط الذي يعني به علم النفس الأرضي فيما يتصل بالحاجة إلى (المسالمة) أو الحاجة المضادة لها: (العدوان)، لعل هذا النشاط يستأثر بأهمية لا توازنها أهمية النشاط المتصل بالحاجات أو الدوافع الأخرى، ما دامت غالبية أنماط السلوك تتصل ـ من قريب أو بعيد ـ بهذا (الدافع).
ان الحقد والحسد والغيرة ـ على سبيل المثال ـ تُعدّ (مظاهر) داخلية للحاجة إلى (العدوان). كما أن الحرب والتنافس والكلام الجارح: تعد مظاهر (خارجية) للحاجة المذكورة. يستوي في ذلك أن يكون المظهر (حركياً) أو (لفظياً). حتى انه يمكننا أن نصنّف كل و غالبية أنماط السلوك: بما فيه من (أمزجة) و(سمات) ومفرداتها من: كذب وخيانة وخديعة وشتم.. و.. و.. الخ، يمكننا أن نصنفها ضمن (العدوان). وما يقابلها، ضمن (المسالمة).
من هنا، نجد أن كثيراً من الباحثين يتبعون هذا التصنيف الثنائي للدوافع أو الحاجات، أو ـ على الأقل ـ يدرجون سائر الدوافع أو الحاجات المختلفة، ضمن هذا التصنيف الثنائي العام.
والحق ان مثل هذا (التصنيف) الثنائي للحاجات، يظل على صلة كبيرة بواقع التركيبة الآدمية، وهو أمر يتوفر المشرّع الاسلامي على فرز خطوطه. لكن ضمن صياغة خاصة، متميزة عن التصور الأرضي للتصنيف المذكور.
ان بحوث الأرض حينما تتوفر على دراسة هذا الجانب (المسالمة والعدوان)، تنطلق من تصورات مختلفة فيما يتصل بـ(فطرية) هذا الدافع أو (اكتسابيته)، وبامكان (تعديله). مثلما تتفاوت في تحديد أسبابه وعلاجه.
فثمة اتجاه يرى إلى أن الكائن الآدمي (مسالم) في طبيعة تركيبة كل ما في الأمر أن (البيئة) بما تكتنفها من (ثقافة) منحرفة هي التي تنمي لديه نزعة (العدوان).
ثمة اتجاه ثان: يرى إلى الكائن الآدمي (صفحة بيضاء) من الممكن أن تحولها (التنشئة) إلى (مسالم أو عدواني). ثمة اتجاه ثالث: يرى أن (الإحباط) هو السبب في إنماء النزعة (العدوانية)، فما دامت حاجات الانسان لم (تشبع) بشكل يحقق توازنه الداخلي، فإنه مضطر إلى ن يستجيب للظواهر استجابة (عدوانية) ما دامت تقف حائلاً دون الإشباع.
يواكب هذا الاتجاه، اتجاه لا يقصر الأمر على الإحباط أو عدمه أو درجته وصلة ذلك بالعدوان، بل يجد ـ أساساً ـ أن عجز الانسان عن إشباع حاجاته، وإلى مفروغية (الإحباط). يضطره إلى (العدوان): بصفته استجابة حتمية للإحباط. على أن أشد الاتجاهات (مفارقة) هو: الاتجاه الذاهب إلى أن (العدوان) يمثل حاجة أو دافعاً (فطرياً) يرثه الكائن الآدمي بـ(الفعل).
وفي نطاق هذا الاتجاه، هناك مَن يجعله واحداً من (دوافع) متنوعة تتصل بشتى أنماط السلوك، ومَن يجعله (شطراً) واحداً من دافعين رئيسين يطبعان سلوك الانسان: شطره الأول هو: غريزة الموت، فيما يظل (العدوان) مظهر هذه الغريزة الأخيرة: (غريزة الموت).
وهذا كله فيما يتصل بالتصورات الأرضية لظاهرة (العدوان). أما التصور الاسلامي للظاهرة، فإنه من الوضوح بمكان كبير، ما دمنا قد أوضحنا في حينه، أن الكائن يرث بـ(القوة) مبادئ (الشهوة والعقل) أو (الذات والموضوع) أو (الخير والشر)، وإلى أن عملية (التأجيل) التي يمارسها في بحثه عن اللذة هي التي تترجم (القوة) إلى (فعل) إيجابي هو (المسالمة)، وعدمه (أي: عدم التأجيل) هو الذي يترجم (القوة) إلى (فعل) سلبي هو: (العدوان).
وقد أوضحنا في حينه أيضاً، أن هذا المبدأ الثابت في تركيبة الانسان من الممكن في ظل ظروف أو شروط خاصة أن يطرأ عليه (التغيير) بحيث تصبح (النزعة العدوانية) ذات طابع (فطري) ترثه الشخصية بـ(الفعل): لأسباب سبق شرحها مفصلاً. ولعل النصوص التي قدمها الإمام الصادق (ع) عن الأفراد أو الرهوط الذين يرثون (أصولاً غادرة) ـ فيما منع الإمام (ع) التزويج منه ـ لعل هذه النصوص التي سبق الوقوف عندها (في حديثنا عن الوراثة والمحيط)، تلقي إنارة كافية على الظاهرة.
بيد أن ذلك كله، يظل (استثناء) للقاعدة، وليس مبدأ عاماً يسم البشر بأجمعهم (كما هو تصور بعض الاتجاهات الأرضية)، انه يمثل ـ كما أوضحنا ـ وراثة (طارئة)، وليس وراثة (ثابتة)، انه يمثل (انفاراً) و (رهوطاً) بأعيانهم: تضافرت جملة من الأسباب على تطبيعهم بالسمة المذكورة.
وخارجاً عن ذلك، فإن القاعدة تظل متسمة بوراثة (نقية) عن أية شائبة من (عدوان).
بيد أن ما نعتزم التشدد عليه في هذا الصدد، هو أن (العدوان) يظل أشد مظاهر (الشهوة) أو (الذات) أو (الشر) بروزاً بالقياس إلى المظاهر الأخرى.
ولعل هذا (البروز) هو الذي دفع أحد الباحثين بأن يجعل (العدوان) أحد شطري السلوك، على نحو لا مناص من صدور البشرية عنه، متمثلاً في سلوك (فردي) هو: مرض الشخصية، وفي سلوك (جمعي) هو: الحرب.. مثلما دفعه إلى أن يصنفه إلى عدوان مباشر باليد أو باللسان أو بأية حركة، وإلى عدوان غير مباشر (مثل: الدعابة، وفلتات اللسان، و.. الخ)، بل دفعه إلى أن يصور (العدوان) متجهاً حيناً نحو (الخارج) وهو العدوان المألوف: وحيناً نحو (داخل الشخصية) نفسها فيما يطلق على ذلك مصطلح (الماسوشية وهي: التلذذ بتعذيب الذات) قبال العدوان نحو الخارج فيما يطلق عليه مصطلح (السادية: وهي: التلذذ بتعذيب الآخرين).
ان ما لا مناقشة فيه، أن يظل (العدوان) أبرز مظاهر السلوك (الشهوي) (الذاتي) (الشرير)، انه يقف وراء غالبية الأنماط أو مفردات السلوك ـ كما سنرى، لكنه لا يمثل ـ (إرثاً) فطرياً من جانب، كما لا يرتبط بالمفاهيم التي ينطلق الباحث الأرضي المذكور منها في تفسيره للسلوك.
وخارجاً عن ذلك، فإنه (أي العدوان) يظل ـ مثلما قلنا ـ أشد أنماط السلوك (الشهوي) بروزاً من جانب، وإلى أنه يقف وراء غالبية أنماط أو مفردات السلوك (الشهوي) من جانب آخر.
وبامكاننا أن نتعرف على الحقيقتين المذكورتين، إذا أدركنا: أولاً ان (إيذاء الآخرين) هو المظهر الأشد بروزاً لكل سلوك (شهوي). فالممارسات الشهوية (الفردية) الصرف مثل: الشراهة في الطعام، أو المال، أو الجنس، أو اللهو.. الخ، إنما تعكس آثارها على (الذات) الشخصية، دون أن تمتد إلى (إيذاء الآخرين). أما الممارسات الشهوية المرتبطة بـ(الآخرين)، فإن انعكاسها عليهم، يظل أمراً من الوضوح بمكان كبير. فالقتل أو التجريح، أو السب، أو الإهانة، بل: الحقد على الآخرين بعامة، والحسد منهم، تظل أنماطاً (عدوانية) أشد بروزاً من الأنماط الأخرى المتصلة بالبحث عن (التفوق) أو (الاستطلاع) أو.. أو.. الخ.
ثانياً: ان غالبية مفردات السلوك، تظل وراء (النزعة العدوانية) بنحو واضح: فالاعتداء باليد أو السلاح، أو باللفظ من نحو: الغيبة والاستماع إليها، والافتراء، والشتم والإهانة والمزاح، وبالحركة مثل: السخرية باليد، والشفاه، والعيون، والمحاكاة بعامة، وبالممارسات الخارجية مثل: الغش والخديعة والهجران والسرقة و.. الخ، كل أولئك يظل مشكلة غالبية السلوك اليومي الذي تمارسه الشخصية الأرضية أو غير الملتزمة: فيما تضؤل أمامها ـ من حيث الكم ـ الممارسات الأخرى غير العدوانية.
ومن هنا يمكننا، أن ندرك سرّ التوصيات الاسلامية الحائمة على هذا المظهر من السلوك: بصفته أشد أشكال الذات بروزاً، وأضخم المفردات رقماً.
بل يمكننا أن ندرك صلة (الشخصية) بالآخرين: فيما يشدد المشرّع الاسلامي عليها من خلال مبدأ (الحب، وقضاء الحوائج) حيث يمثلان الدلالة الوحيدة المشروعة ـ في التصور الاسلامي ـ لصلة الشخصية بالآخرين، وإلا فإن (الآخرين) ـ كما لاحظنا ـ ملغون من حساب الشخصية التي تتعامل مع السماء.
ان مبدأ (حب الآخرين) و(قضاء حوائجهم) يمثلان الطرف المضاد تماماً، لطرف (العدوان) أو (الحقد).. فيما يعني: ان غالبية مفردات السلوك (الاجتماعي) الذي يرسمه المشرع للشخصية في تعاملها مع (الآخرين)، هذه المفردات بأكملها أو بغالبيتها قائمة على التدريب على نبذ (العدوان)، لأن (الحب) يعني بوضوح (المسالمة) بدلاً من (العدوان)، كما ان قضاء حوائج الآخرين يعني بوضوح: ان الشخصية (تحب) الآخرين فتقضي حاجاتهم، أي: إنها (مسالمة) حيالهم، لا إنها (معادية) لهم.
إذن: كل أنماط السلوك الاجتماعي أو غالبيته قائمة على طرفي (المسالمة) أو (العدوان)، فيما نخلص منه إلى أهمية تنظيم الدافع المذكور، ونعني به (الدافع إلى المسالمة) بدلاً من (الدافع إلى العدوان).
ومن هنا، فإن المشرّع الاسلامي، يظل ـ في توصياته ملحاً على مستويات شتى من (التنظيم) للدافع المذكور، متمثلاً في معالجته لكل مفردة من مفردات السلوك: بغية إزاحة (النزعة العدوانية) من الأعماق وإبدالها بالنزعة المسالمة: إشاعة الحب في الآخرين، وإشباع حاجاتهم.
إن الفارق بين التصور الاسلامي لنزعتي (المسالمة) و(العدوان) وبين بعض تصورات الأرض، أن الأخيرة منها (أي: بعض الاتجاهات الأرضية) حينما تجعل (العدوان) وكأنه (فطري)، إنما تقلل ـ إن لم تمسح ـ فرص التوازن الداخلي والخارجي للانسان.
والغريب أن هذه الاتجاهات تطالب بـ(الحب) وتجعله معياراً للشخصية السوية قبال الشخصية العصابية من نحو مقولة أحدهم في تحديد الشخصية السوية، إنها هي التي (تُحِبّ وتُحَبّ)، لكنه في الآن ذاته يقرر مفروضية العصاب الفردي والجمعي (الأمراض والحروب) ما دام (العدوان) يشكل نزعة فطرية لا مناص من صدور الانسان عنها.
والغريب أيضاً، أن نجد مَن يطالب مثلاً، بالرد على العدوان لأنه يساهم في خفض التوتر من الأعماق؛ في حين يطالب المشرّع الاسلامي بالعفو، والتسامح: لإزاحة البقايا من الأعماق..
وكم هو الفارق بين اتجاه أرضي يوحي بأن الإزاحة العدوانية غير ممكنة، أو على الأقل: يمكن تخفيفها فحسب، أو تحويلها ـ من خلال عمليات التسامي ـ إلى نشاطات مقبولة اجتماعياً، أو ان ممارسته أحياناً يخفض من توترات الفرد، كم هو الفارق بين مثل هذا الاتجاه الذي يساهم في تدمير الانسان وتوتيره، وبين الاتجاه الاسلامي الذي يطالب بالحب، ويجعله أساساً ثابتاً في علاقة الانسان بالآخرين من نحو إشاعته مبادئ عامة في الحب، مثل: المؤمنون إخوة، وإلى أنهم كأعضاء الجسم إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء..، ومثل مطالبته بقضاء حوائج البعض الآخرين، ومثل مطالبته بالتزاور بينهم، والتودد إلى الآخرين، ومداراتهم، والإصلاح بين المتنازعين فيما بينهم، والصفح عن المسيء منهم، و.. و.. الخ.
خلاصة القول: التصور الاسلامي كدافعية (العدوان والمسالمة)، يحسم الموقف حينما يخضعهما لمجرد (ميراث بالقوة) إن (التدريب) على (المسالمة) كفيل بمسح أية شائبة عدوانية تفرضها التنشئة المنحرفة، حتى ليتحول الأمر ـ في نهاية المطاف ـ كما أشار النبي (ص) ـ إلى أن المداومة على فعل (ومنه: التدريب على الحب) يستتبع كراهية الشر (ومنه: النزعة العدوانية) بحيث تصاغ الشخصية مسالمة، محبة تنفر من (العدوان) لا أنها تصدر عنه.
ــــــــــــــــــــ(42/151)
أيها الشاب..كيف تبني القيم الايجابية وتعزز مكانتها؟
* رولوماي
لعل بعض القراء يظنون، أثناء مناقشاتنا لغياب جوهر القيم في مجتمعنا، يظنون أن ما هو ضروري يقتضي ببساطة العمل على ايجاد مجموعة جديدة من القيم، ولعل غيرهم يحسبون أن (ما من شيء خطأ يشوب قيم الماضي) كالمحبة، والمساواة والأخاء الانساني. ان كل ما نتوخاه هو بكل بساطة أن نستحضر هذه القيم لتكون حاضرة أمام عين العقل.
وكلتا هاتين النقطتين تخطئ المشكلة الأساسية في الموضوع، وأني بذلك، أن الانسان المعاصر قد فقد، إلى حد ما، القدرة على توكيد أية قيمة والاعتقاد بأهميتها. وأياً كان الأمر، فليس المهم في الأمر أهمية القيمة، ولا كم هي مناسبة نظرياً كما هي مدونة على الورق، بل ان ما يحتاجه المرء هو قابلية متوفرة لديه قبلاً، وأعني بذلك أن لديه القدرة على التقييم. ان تخلي الانسان عن قيمه يفقده معنى وجوده في مجتمعه وفي الحياة. وان ما تخص عليه التعاليم السماوية هو أن يكون الفرد هو ذاته أينما كان وأن يجتهد في صنع القيم الايجابية وأن يعمل على توكيدها. وعند فقدان هذه القيم يكون الانسان قد فقد هويته الذاتية.
هناك شيء خاطئ في عبارات تتردد بشأن القيم، منها مثلاً عبارة (مناقشة القيم). فالمرء مثلاً يتلقى معتقداته بشأن القيم وعن قيمهم من خلال المناظرات الفكرية. ان ما في حياة المرء من أشياء تحيط به، وأشخاص يتفاعل معهم كحبه لأطفاله مثلاً، وحبهم إياه، أو الاستمتاع بلذة الإنصات إلى الموسيقى، أو لعبة الغولف، أو الزهو الذي يحسبه في عمله، كل هذه الانشطة يتلقاها ويتقبلها بوصفها حقائق واقعية. ولهذا فإن الخوض النظري في مثل هذه الجوانب يعده المرء ليس بذي علاقة. بل يحسبه خارج نطاق الموضوع إياه. ولو أنك سألته عن شرحها وعن كيفية تفسيره لها لقال لك: انه يحسها، وإنها خارج إطار التفسيرز ورأيه هذا سليم. وهكذا هي القيم. فهي إنما تتأتى عن طريق الإحساس مقترنة بواقع النشاط الذي يؤديه الانسان ويبديه، طالما أن النشاط يمثل سلوكاً يتقبله المجتمع ويرضاه.
إن ما نرمي إليه هنا هو أن القيم إنما هي وليدة العلوم كافة متكاملة. وان بوسع المرء أن يتصدى لحل مشاكله بقوة إرادته إذا هو ادرع بجوهر القيم النابعة من صميم روح المجتمع.
ولكن الذي يخلق بنا تأكيده هنا هو ما لم يعزز الفرد من مكانة القيم وأهميتها، وما لم يجعل من دوافعه الداخلية ومن وعيه وإدراكه الأخلاقي، مثابة للانطلاق، فلا فائدة ترتجى من مناقشة يمكن أنت تثير جدالاً لا طائل منه ويمكن أن تخلق اختلافاً حقيقياً يترتب عليها. إذ أن الحكم الخلقي واتخاذ القرار يجب أن يكونا متأصلين في قدرة الانسان على التقييم. وبمقدار ما يحمل المرء في نفسه وفي تكوينه من قوة وأصالة فإنه يتمكن من تحديد معالم الواقع الذي يعيشه والذي فيه تنعكس القيم. فمن واقعه هذا يتلقى المسببات الأساسية التي تتيح له نسج مقومات القيم الراسخة. ومن خلال ذلك يستطيع أن يتعلم حدود مسؤوليته الأخلاقية والاجتماعية. وبممارسة الفرد نشاطه فإنه يتسنى له أن يختار طريقة تحديد وتأكيد ما يسعى إليه من أهداف تحكم وعيه الإدراكي، مما يؤهله في المآل من استبانة السبل المفضية إلى كيفية بناء القيم الايجابية وتعزيز مكانتها.
يجدر أن يطلق على الانسان مصطلح (المقيم)، كما قال قديماً زرادشت: (فما من شعب يستطيع العيش قبل التقييم أولاً وقبل كل شيء؛ وإذا ما تماسك الشعب وتدبر أمره، فما عليه، إذن، إلا أن يقيم ذاته كما يقيمه جواره ـ جاره ... التقييم خلق وإبداع، فانصب إليه واستجب؛ فأن، إذن، مبدع. والتقييم نفسه إنما هو كنز من الأشياء وجوهر المقيم. ومن ثنايا التقييم وخلاله فقط تتبدى القيمة، ومن غير تقييم فإن لب الوجود يصبح خواء. اصغ إليه، فأنت مبدع خلاق مثلك مثل سواك).
كل سلوك انساني يتألف من أجزاء دقيقة. تتراكم في النهاية لتكون سلوكاً اجتماعياً متطوراً. وبمقدار ما يتصف به المرء من حصافة تتأتى فعاله وأعماله محمودة الجانب من حيث التقييم الاجتماعي. وان قيم الانسان لخير هاد له في تسديد خطاه بلوغاً لأهداف يرتضيها فتحقق له ذاته ولتسهم في ترصين حياة مجتمعه.
ما من شك في أن فينا قوى كامنة متصارعة: منها قوى دافعة نحو الأقدام، وأخرى رادعة فتغري بالأحجام. ولعل بعضها يظهر للفرد في أحلامه. وكلها توضح أن في الانسان قوى كائنة بالقوة والفعل، تنطلق وقت الحاجة المعقولة موجهة بعقلانية صوب اتخاذ قرار حكيم. وهذا بدوره يوضح أن العمل الأخلاقي، إنما هو، نشاط يختاره الفرد وينفذه بإرادته، فهو نشاط يعد تعبيراً عن دوافع ذلك الفرد الداخلية وعن واقع اتجاهاته. ولا ينكر، من وجهة النظر السيكولوجية، ان أعمال الانسان لا تخلو من تناقض وجداني، وليس ثمة في دوافعه ما هو نقي تماماً فلا يشوبه شيء من هذا التناقض. ففي دخيلة كل انسان يوجد هناك تناقض، وتناحر، وشك، وصراع، وتأزم نفسي. فما على الانسان، وهو يسلك سلوكاً أخلاقياً، إلا أن يجتهد في تهذيب نوزاعه لتتساوق وقيم الحياة التي يرتضيها لنفسه ولمجتمعه وأبنائه.
ــــــــــــــــــــ(42/152)
الشباب والسفر: سياحة ودراسة وهجرة
بدأ الشباب العربي في السنوات الأخيرة في السفر إلى الخارج بغرض السياحة والدراسة أو العمل وبغرض التعرّف على المجتمعات والثقافات الأخرى. هذه الجولات داخل العالم العربي وخارجه، بغض النظر عن أهدافها سوف تساهم، بلا شك، في تشكيل رؤية الشباب العربي لأنفسهم وللمجتمعات المحيطة بهم وللعالم أجمع. ماذا أضافت تجربة السفر إليهم؟ هل تغيّرت نظرتهم إلى العالم؟ إلى أين يرغبون بالسفر ولماذا؟
كان مجموعة من الشبان والشابات من الذين لا يتعدى عمر أكبرهم الـ22 عاماً ينتظرون في قاعة المسافرين في مطار القاهرة لحظة الإعلان عن موعد ركوب الطائرة المتّجهة إلى بيروت.
حملوا حقائب متعددة الأحجام والألوان وبعض الآلات الموسيقية، منهم من أطال شعر رأسه من الذكور وارتدى بنطلون الجينز الفضفاض والهابط إلى ما تحت الخصر، وزين أذنه بقرط، فيما غطّت مساحيق التجميل وجوه الإناث اللواتي كنّ يرتدين أحدث تقليعات الموضة.
ثمة برنامج تلفزيوني لاختيار فنانين من الشباب العرب أتاح الفرصة أمام هذه المجموعة المصرية لزيارة لبنان محققاً لهم حلم السفر الذي يدغدغ عقول الأجيال الشابة وعواطفها، لكن فرص السفر باتت أكثر من أن تحصى وتعد، منها بهدف السياحة ومنها بهدف الدراسة أو العمل، ناهيك عن السفر بداعي الهجرة.
وإذا كانت وكالات السفر تتنافس على تقديم الأسعار المخفضة وحتى تلك المقسطة لجذب الشباب إلى اختيار رحلاتها التي عادة ما تقصد مناطق سياحية عربية أو بلدانا أوروبية، فإن الجامعات خارج الوطن العربي تتنافس أيضا على استقطاب طلابه فتكتظ الإعلانات في الصحف المحلية عن اختصاصات ودرجات علمية تغري العديدين في الالتحاق بها لما لشهادات هذه الجامعات من أهمية في المجتمعات العربية، أو لغياب الاختصاصات مستحدثة عن الجامعات المحلية.
شهد العقدان الأخيران ظاهرة الازدحام على أبواب السفارات لا سيما الأميركية منها والأوروبية، حيث يقصدها الشباب للحصول على تأشيرات سياحية أو دراسية، غير أن البعض كان يستقر في البلد الذي يقصده ويجهد في سبيل الحصول على إقامة قانونية عبر اتباع الأصول القانونية أو عبر الزواج ممن يحمل جنسية البلد المختار.
وإذا كانت اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر قد فرضت شروطاً قاسية على طالبي التأشيرات فغربلت من فرص المتقدمين إلى حد أن الحاصل على التأشيرة يكون من المحظوظين، إلا أن ذلك لا يلغي الحلم بالسفر في اتجاهات أخرى، فبات بعض الشباب يتحدّث عن الشرق الأقصى، لكن دون التوقف عن التطلّع غرباً.
لا شكّ أن التطوّر الذي أصاب وسائل الاتصال أسهم في تعرف الشباب العربي إلى حضارات وثقافات متعدّدة، لكن الأمر يبقى في إطاره النظري من خلال الفضائيات وشبكة الإنترنت، فيما شجع التطوّر الذي طال وسائل الانتقال على السفر برفاهية.
عوامل عديدة تكافلت ودفعت الشباب إلى حمل حقائبهم، مرتحلين، بحثاً عن عالم جديد يشبع فضولهم.
فما الذي أضافه السفر إلى تجاربهم اليافعة؟ وهل تغيرت نظرتهم إلى العالم؟ والى أين يرغبون بالسفر؟ هل سقطت مواقفهم المسبقة وأولياتهم أم صاروا أكثر تمسّكاً بها؟ هل باتوا أكثر استعداداً لتقبّل الآخر أم ازدادوا انغلاقا على أنفسهم؟
تجربة قطرية
يقول الشاب القطري خالد جابر (29 عاماً)، إنه كان في التاسعة من عمره حين بدأ سفراته الأولى بصحبة الأهل لقضاء عطل الصيف، وكانت البداية إلى مصر ثم تبعتها سوريا والمغرب ودول أوروبية، أبرزها لندن التي شكّلت وعي جابر الأولي عن الغرب، فكانت بالنسبة إليه عالماً جديداً، ووجوها جديدة ولهجات متعددة.
وكانت اللغة الإنكليزية وسيلة التواصل مع الآخر. يقول جابر: "بدأتُ أحب المجتمع الغربي، أستهوي ثقافته ومسيرة تطوّره وأتساءل كيف وصل إلى هذه الدرجات من الرقي الحضاري فيما نحن في بلداننا ما زلنا نراوح في أماكننا، هل هي الفجوة ثقافية أم هي ذات أسباب سياسية؟ ولم أجد إجابات ولا حتى أنصاف إجابات إلى أن جاءت الفرصة للدراسة في الخارج، وأردتُ انتهازها لأنها، في اعتقادي، فرصة للتغيير ونضوج الأفكار والتجارب، لم أتمكّن من الدراسة في لندن فقصدت الولايات المتحدة الأميركية ومحطتي الأولى كانت نيويورك، ثم واشنطن، وانتهى بي المطاف في فلوريدا حيث درست في جامعة ساوث فلوريدا ونلت الماجستير في الإعلام. وكانت تلك التجربة نقطة التحوّل الرئيسة في حياتي".
ويضيف جابر أنه كان يحمل أفكارا مسبقة عن الولايات المتحدة "نتيجة سياستها الخارجية التي تعكس قوة وانحيازاً وغطرسة، لكن عندما تعرّفت إلى المجتمع الأميركي عن قرب وجدت في مواقفي بعضا من التسطّح والانفعالية، وبدأت أتخلى عن نظرية المؤامرة، وكان لا بدّ لي من العودة إلى بلدي، فدوري كمثقف يوجب عليّ أن أحمل إليه مشاريع الإصلاح والتغيير، والهروب لم يكن مقصدي".
ولا ينكر جابر أنه لدى عودته وجد أن قطر قد تغيّرت أيضا، "فثمة انفتاح اقتصادي وتنموي وإعلامي ما أعطاني دفعاً كبيراً للعمل، لكن المشكلة كانت في التفاصيل وليست في التوجّه بعامة".
ويعتقد جابر أن تجربة السفر جعلته أكثر قبولاً للآخر وتسامحاً معه، وتغيّرت نظرته للمرأة "فأساتذتي كانوا نساء.. ما يعني إن المرأة بإمكانها أن تلعب دوراً كبيراً في المجتمع. أما سياسياً فأصبح خياري للديموقراطية أكثر وضوحا، فقد خضتُ تجربة التصويت في الجامعة كتجربة فعلية ولم تعدْ حلما بالنسبة لي، آمنتُ بالتعددية السياسية وبتُّ احترم رأي الأغلبية، والأقلية، على حد سواء. أما اقتصادياً فتعلمتُ الاعتماد على النفس، وصرت أكثر حيوية في طرح المبادرات وأخذ القرارات".
ويجد جابر الفرق شاسعا بينه وبين زملاء له لم يخوضوا تجربة السفر في الاتجاهين، "فرفاقي العرب يقتنعون بوجهة نظري الجديدة لكن قناعتهم تترسّخ بشكل أعمق إذا ما تسنّى لهم السفر. وفي المقابل فإن نظرة الشباب الأميركي إلى العرب لا يجوز أن تقتصر على القشور، إذا جاءوا إلينا سيجدون أن لنا شؤوننا وأحلامنا، وأننا شعب يعيش قضاياه في خصوصياتها".
جابر على قناعة تامة بأن السفر من أجل السياحة لا يوفر فرصة كافية للتعرّف إلى المجتمعات الأخرى بقدر ما توفّرها الإقامة. ويقول: "إنا ضد الانعزال في المجتمع الذي اخترتُ الإقامة فيه، وتلك هي أبرز الأخطاء التي يحاول العرب تلافيها اليوم في المجتمعات التي يقيمون فيها من خلال الانخراط في النسيج الاجتماعي لكن من دون الذوبان فيه والتخلّي عن الهوية. أما السلبيات فهي موجودة في كل المجتمعات، أنا أبحث عن النموذج الصالح، هناك أشخاص أخطأوا في تبني نموذج زائف تمّ تصويره لهم على إنه الأقرب إلى طريق الصلاح، وهذا خطأ فادح يجب تلافيه".
ويعتقد خالد أن العالم صار صغيراً، "فأنا في قطر ما زلتُ قادراً على قراءة الصحف الأميركية كما كنت أفعل عندما كنت في الولايات المتحدة، وما زلت أستخدم بطاقات الصرف الآلي. أنا أعيش في حضارة عالمية لا يحدّها موقع جغرافي معين".قد تكون تجربة خالد فريدة من نوعها، لكنها ليست حال الجميع.
لبنان: شبابه يهجره وغيرهم يؤمّه
بيروت التي تحتضن في جامعاتها طلاباً من جنسيات عربية مختلفة استقطبتهم إثر أحداث 11 أيلول/سبتمبر، دفعت بدورها بدورها شباناً لبنانيين في اتجاه الخارج.
يشير التقرير الوطني للتنمية البشرية في لبنان الذي صدر في عام 1998 عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع مجلس الإنماء والإعمار إلى أنه، ولفترة طويلة سبقت اندلاع الحرب، اعتبر لبنان بلد الهجرة، فهاجر اللبنانيون بالدرجة الأولى إلى الأميركتين وأفريقيا الغربية وأستراليا، ثم تحوّلت الهجرة جزئياً باتجاه الدول المنتجة للنفط في المنطقة العربية. ومع اندلاع الحرب الأهلية تم تقدير إجمالي الهجرة خلال الفترة الممتدة بين السنوات 1975 و1990 بحوالي 900 ألف شخص، كثافة الهجرة هذه كان لها تأثيرها الديموغرافي في البلاد لجهة انخفاض عدد السكان الذين هم في سن العمل ما يؤشر إلى هجرة أوسع للذكور، ومعظم المهاجرين من المهنيين وأصحاب المهارات النشيطة من القوى العاملة، وهو ما يوصف في لبنان بظاهرة "هجرة الأدمغة".
وبحسب الإحصاءات التي تضمنها التقرير فإن أعلى نسبة من هؤلاء المهاجرين تتراوح أعمارهم بين 25 و29 عاما يليها مباشرة الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عاماً.
وسبب الهجرة الأكثر تكراراً كان العمل بنسبة 62%، يليه متابعة الدراسة 21%، أما هجرة الإناث فهي غالباً ما كانت للالتحاق بأعضاء آخرين من الأسرة أو بهدف الزواج.
بترا اللبنانية البالغة 18 عاماً والتي ما زالت في سنتها الأولى في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية، وهي جامعة وطنية، تريد متابعة دراستها في إيطاليا التي كانت قصدتْها قبل سنة للالتحاق بوالدها وأشقائها الذكور حيث يعملون فيما تعيش مع والدتها في بيروت.
تقول بترا: "قضيتُ ستة أشهر تعرفت خلالها إلى المجتمع الإيطالي، أحببت طريقة تعاملهم ولاحظت أن كل الخدمات متوافرة للناس، وأكثر ما لفتني ممارستهم لحرياتهم، وأنا اليوم أريد العودة إلى هناك".
زميلها طارق البالغ 19 عاماً من عمره لم يَخُضْ بعد تجربة السفر لكنه يخطط لزيارة بلغاريا حيث لديه أقارب هناك وهو يتطلّع "للتعرف إلى حضارة أخرى وطبيعة مختلفة".
أما حسن مصطفى الذي لم يتجاوز الـ22 عاماً فيختلف عن باقي زملائه بأنه ولد في كنشاسا في دولة الكونغو حيث هاجر أهله إلى هناك في بداية الحرب وعاش لسنوات في القاهرة ثم في ألمانيا وعاد إلى لبنان بعد انتهاء الحرب فيه، يقول: "ليتني لم أعد، إني أرى أخطاء في المجتمع اللبناني لم أجدها في أمكنة أخرى وليس معنى هذا أن المجتمعات الأخرى هي في حالة من الكمال! فأنا لا أجرؤ مثلاً على مصادقة فتاة صداقة بريئة لأن الناس يثرثرون، وإذا حاولتُ أن أتحدث عن قناعاتي وما شاهدته في الخارج وحاولت إقناع الآخرين بالتغيير فإنهم لا يقبلون الحوار لأنهم محافظون وتقليديون. وأنا لا أستطيع أن أمارس استقلاليتي الذاتية فأنا مقيّد بروابط عائلية وعاجز اقتصاديا, حتى حريتي لا أستطيع ممارستها ولا حتى حرية إبداء الرأي في الجامعة، أحاول أن أحيط نفسي بدائرة صغيرة من الأصدقاء الذين تنسجم أفكارهم مع أفكاري، ولا أستبعد احتمال السفر، وتحديداً إلى فرنسا، لمتابعة دراستي ثم العودة إلى أفريقيا للإقامة هناك، أنا أفضل البقاء في بلدي لو توافر لي العمل".
تجربة السفر التي خاضها جاد سلمان صاحب الـ21 عاما، والذي يتابع دراسته في إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت، والتي شملت إيطاليا بداية ثم الولايات المتحدة لمرتين: الأولى بهدف السياحة، والثانية للعمل في محطة بنزين وكمحاسب على صندوق في سوبر ماركت لمدة شهرين، أكسبته صفات لم يكن يتمتع بها لعل أبرزها الاعتماد على النفس.
يقول سلمان: "حاولتُ الانفتاح على الآخر الذي كان لديه مفاهيم مسبقة عني ما جعلني غير مقبول من جانبه. هم يحكمون علينا من خلال صورة نمطية يسقطونها علينا جميعاً، وهذا ليس عادلاً".
وفي المقابل ينتقد سلمان الحرية التي يمارسها الآخر. فهو يعتقد أن "الحرية مسؤولية وليس كما تمارسها الفتاة في الغرب"، ويقول: "إن الشعب الأميركي لا يفهم حقيقتنا لأن ثمة إعلاما يشوه له هذه الحقيقة وهم يصدقونه، هم يظنون أننا نكرههم وهذا خطأ. أنا عندما عايشت الأميركيين فهمت حقيقتهم وتغيرت نظرتي المسبقة عنهم. ما نفعله في شرقنا أننا نقلّد القشور في المجتمع الغربي، إننا في تقليدنا نتحوّل إلى مجتمع استهلاكي بينما الغرب هو مجتمع منتج وهذا هو الفارق الاستراتيجي بيننا".
روان صعب التي تبلغ الـ22 عاما من العمر تتابع دراسة الطب في الجامعة الأميركية بعدما أنهت دراسة اختصاص مختبر، كانت انتقلت طفلة من لبنان إلى فنزويلا ثم إلى لندن ومنها إلى قبرص حيث أقامت لمدة 13 عاماً مع أهلها بعيداً عن الحرب في لبنان، وهي حالياً تزور هذه الجزيرة المتوسطية كلما سنحت لها الفرصة إضافة إلى سفرات أخرى شملت كندا، تعتقد أنها مختلفة عن رفاقها بسبب تجربة السفر التي خاضتها.
تقول صعب: "هناك ما يشبه الصورة النمطية (الستيريوتايب) في لبنان، فمثلاً هناك قناعة لا أعرف ما هو مصدرها بأن البريطانيين هم شعب بخيل، وحين أحاول أن أغيّر هذه الصورة المسبقة فإن قلة تقتنع".
زينة سكرية صاحبة الـ23 عاما والتي تعمل مشرفة على قسم التسليم في شركة "أميركانا" وتتابع دراستها لنيل الماجستير في إدارة الأعمال والتسويق وهي حائزة أيضا على شهادة بكالوريوس في السياحة والسفر، كانت بدأت تجربتها مع السفر من خلال مشاركتها في فرق كرة السلة المدرسية والتي قادتها إلى الأردن وإسطنبول وباريس ومصر ودبي إلى جانب سفرات سياحية أخرى شملت الجزر اليونانية، على أن إقامتها في مصر لمدة شهر بعدما أوفدتها شركة "أميركانا" إلى هناك للتدريب شكّلت التجربة الأبرز في حياتها.
تقول سكرية: "كانت السفرات الأولى للمتعة والتسلية ولم تترك في نفسي أثراً يذكر، على أن الاختلاط مع الفرق الرياضية الأجنبية كان يعرّفني إلى تقاليد وعادات لشعوب مختلفة، وقد شكل الحوار مدخلا لفهم الآخرين، واللغة لم تكن مشكلة إنما الصعوبة في التفاهم وبناء العلاقة، فثمة أفكار سلبية وإيجابية مسبقة لدى الجميع".
وتشير زينة إلى أن تجربة السفر جعلتها أكثر مسؤولية تجاه حريتها الشخصية، وأكثر مرونة في تعاطيها مع الآخرين.
وتؤكّد قائلة: "علمني السفر أن أكون اجتماعية وأساير الجميع، لقد اكتشفت إن دهشتي تجاه أمور يمارسها أوروبيون أو أميركيون هي خاطئة، وعندما جلست معهم اكتشفت أننا نقوم بتقليد نموذج محدود في مجتمعهم، وهم ليسوا هكذا. إنهم طلاب يحترمون أنفسهم ولا يتدخّلون بأمور الآخرين، ينطقون بما هو مطلوب منهم ويلتزمون بما هو متوجّب عليهم. إنهم يحترمون الوقت، حتى إنني تعرفت إلى شاب من عائلة ملكية، واكتشفتُ أنه يعمل على رغم أنه غير محتاج للعمل لتأمين مصدر للدخل. احترمتُ فيهم أشياء كثيرة لكن ما استهجنته هو ضعف الروابط العائلية. لقد كان رفاقي الأجانب يكتفون بإرسال رسالة إلكترونية إلى أهلهم لطمأنتهم على أحوالهم ويستغربون إصراري على الاتصال هاتفياً بأهلي".
كلما سافرتْ زينة سكرية إلى الخارج تحمل معها صورا فوتوغرافية تعرضها على أصدقائها وتحاول من خلالها أن تخبرهم عن ذلك العالم المجهول بالنسبة إليهم، "عالم يصنّفونه بأنه الأسوأ نتيجة المواقف المسبقة، وأنا أحاول أن أقنعهم بأنه أفضل في أشياء كثيرة، فحرية الفرد مصانة وهناك احترام للكفاءات". إنه الأمر الذي تفتقده زينة في بلدها والذي يجعلها تفكر في هجره إلى دولة أوروبية حيث جهد الفرد وطاقاته هما موقع تقدير بالغ.
مصر: تقبّل لفكرة السفر وخلاف على التغيير
يرى غالبية الشباب المصري أن تجربة السفر مفيدة، وأنها قادرة على إحداث تحوّلات جذرية في نظرتهم إلى العالم، وإلى أنفسهم، والى بلدهم، خصوصاً إذا كان السفر إلى بلدان ذات طابع ثقافي مغاير، ولكنهم يختلفون في مدى تقبلهم لهذه التحوّلات.
ويؤكّد خالد محمد علي البالغ 31 عاما من العمر أن تجربة سفره إلى الكويت، التي يعمل بها حاليا كمهندس معماري، أحدثتْ تحولا كبيرا في نظرته إلى العالم، وإلى دولة الكويت ومواطنيها أنفسهم. يقول علي: "عندما كنت في بلدي كنت أستمع إلى وجهة نظر واحدة، لكنني الآن أستمع إلى وجهات نظر مختلفة، منها الصحيح ومنها الخطأ، ولكني أحترمها جميعا".
ويشير علي إلى أن الاختلاف في وجهات النظر يعلّمه كيف يسعى إلى إيجاد تقارب في ما بينه وبين الآخرين، وهو يتطلّع إلى زيارة كل دول العالم، وخصوصاً دول شرق آسيا وماليزيا تحديدا. على أن نسبة كبيرة من الشباب يحلمون بالسفر إلى أميركا وأوروبا، وإن كان هناك تراجع ملحوظ في هذه الرغبة في أعقاب وقوع اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر.
وهناك وجهتا نظر تحكمان آراء الشباب حين يبدأ الحديث عن السفر إلى الغرب، الأولى تسلم بالاختلافات الواضحة بين الحضارتين وتتقبل هذه الاختلافات وتبدي استعدادا للتغيير، والأخرى ترفض أي تغيير يمس ثقافتها الشرقية.
يبدي سامح أحمد ماهر، الذي لم يتجاوز الـ24 عاما، رغبة عارمة في السفر إلى إحدى الدول الأوروبية لمتابعة دراساته في مجال الإرشاد السياحي. ويقول: "أنا معجب بأسلوب الحياة الغربية، وأرغب في السفر إلى أوروبا والزواج من إحدى الفتيات الغربيات كي أتمكن من الحصول على إذن قانوني للإقامة في بلدها، وربما تحول زواجي بها إلى زواج فعلي إذا ما حدث بيننا انسجام وتقارب".
ويعترف ماهر بأنه يدرك تماما أن هناك اختلافات كثيرة بين بلده العربي وبلدان الغرب، إلا انه يؤكد بقوله: "أنا أعلم أنني حين أسافر إلى أوروبا سأتغيّر نظرا لوجود اختلافات بين ثقافتي الشرقية وثقافة الغرب، وأنا أقبل بهذا التغيّر لأنه سيكون إلى الأفضل".
ويتبنى أحمد جمال محمد، صاحب الـ19 عاما والطالب بكلية التجارة بجامعة القاهرة، وجهة نظر أخرى: "أنا أرى أن السفر إلى أميركا وأوروبا جيد بهدف الدراسة فقط، وقد أقبل البقاء هناك للعمل إذا ما وجدت فرصة وظيفية في نفس مجال تخصّصي". ولا يسقط إمكانية تغيير وجهة نظره فالسفر "أمر جيد ومفيد إذا لم يمسّ القيم والمعتقدات التي تربّيتُ عليها منذ طفولتي".
تونس: "ديمة" في البال
من إجمالي الشعب التونسي الذي يبلغ 9 ملايين، هناك أكثر من مليون مهاجر إلى الخارج، وخصوصاً إلى أوروبا وفرنسا وألمانيا، معظمهم لهدف الدراسة والعمل.
أما عن كيفية الوصول إلى ضفاف المتوسط الشمالية وفي حال تعذّر الحصول على تأشيرة سفر، فلا بأس من المغامرة قليلاً، ولا سبيل سوى طرق أبواب أخرى غير أبواب السفارات التي أقفلت أبوابها في وجوههم، كأن ينتقل عدد من المهاجرين بواسطة قوارب صغيرة إلى أقرب منطقة من ضفاف البلد الهدف، وهذا ما يسمى بـ"الحرقان" وهذا حال بلدان أفريقية كثيرة.
وقد يستغل الشاب فصل الصيف حيث يكثر السياح والمجموعات السياحية، مستفيداً من طلاقة لسانه بلغات أجنبية عدة ومن قدرته على ملاطفة السياح بكلمات يسعى من خلالها إلى عرض خدماته لنقلهم بين المناطق السياحية والاصطيافية، وبذلك يتحوّل إلى دليل سياحي يمكن أن يشكّل الأمل الأكبر في دخول أوروبا من أوسع أبوابها بعد أن يكون قد أقام علاقات متينة مع أفراد المجموعة فيساعدونه للحصول على التأشيرة حال دعوتهم إلى بلدانهم.
ويتوجه التونسيون إلى بلدان عدة سواء أوروبية أو عربية بغية العمل أو الدراسة أو التجارة بالإضافة إلى السياحة.
حسان طالب في السنة الثالثة في جامعة العلوم القانونية يبلغ الـ23 عاماً، اعتاد السفر لأجل السياحة والتجارة في آن واحد. زار فرنسا وألمانيا ثم الجزائر، ومنذ فترة قصيرة زار سوريا.
يقول حسان: "كأي شخص، أحب السفر، سافرتُ حيث لي أقارب أو معارف ما يقلل من مصاريفي، في البداية كنت أسافر لأجل السياحة فقط، لكن نصحني الأصحاب والأقارب بأن أشتري بضائع كالملابس مثلاً من البلد الذي أزوره وأسوّقها في بلدي على مستوى المعارف فأغطي جزءاً من تكاليف الرحلة، إن لم يكن كلها، إضافة إلى مصروفي الخاص أحياناً، وهذا ما فعلت".
أما راوية صاحبة الـ19 عاماً، فهي دائمة التنقّل مع والدها الذي يسافر كثيراً لمتابعة تجارته، وتقتصر سياحتها على التسوّق كي تتباهى أمام صديقاتها بما تُحضر من ملابس، وعطورات "سينييه".
تقول راوية: "إن أجمل ما في السفر هو أن تشتري ما تشاء من ملابس وعطورات وأدوات تجميل بماركات مختلفة". ولا تحتاج هذه الفتاة إلى إتقان لغات تسهل التواصل مع الآخرين، بل إن أحد العاملين مع والدها يترجم ما تسمع وما تريد أن تقوله.
الدراسة كانت الدافع بالنسبة لإيمان البالغة 23 عاماً من عمرها، لتستمر في الإلحاح على والدها للسماح لها بالسفر إلى فرنسا، هي طالبة دراسات عليا في معهد الصحافة وعلوم الأخبار، اعتبرتْ أن الأمر بالسهولة التي تتصوّر، كيف لا وأخوها يقيم في مدينة نيس الفرنسية.
السفر أمنية في المغرب
يعتبر السفر إلى الخارج أمنية حقيقية لدى الشباب المغربي بالرغم من أن الإحصاءات في المغرب تشير إلى أن هناك أكثر من مليون و400 ألف عاطل يشكل الشباب ما بين 25 و35 سنة أغلبهم.
وقد شكّل السفر إلى دولة السويد صدمة ثقافية حقيقية بالنسبة للصحفية المغربية أسماء التي تبلغ من العمر 32 عاماً، وهي التي اعتادت منذ زمن طويل السفر إلى بلدان عربية مختلفة، لكنها دول كانت تقتسم مع بلدها الأصلي المغرب العديد من القواسم المشتركة. أما السويد فكان شيئا آخر، حياة أخرى ونظام آخر.
تقول أسماء: "هنالك تعلمت أن للوقت الكثير من القيمة وأن الموعد ينبغي احترامه، كما أن معاملة المرأة كانت مختلفة عن كل ما شهدته، فقد تصادف سفري مع الفترة التي كنت فيها حاملا، فوجدت أن اهتمامهم بالمرأة الحامل يفوق بكثير كل ما توقعته عن احترام حقوق الإنسان في الغرب، الإنسان الحي أو القادم إلى الحياة"!
أما سلوى، صاحبة الـ26 عاما، من مدينة مراكش وهي موظفة في إدارة عمومية فتقول: "لم أسافر إلى الخارج في حياتي لصعوبة الحصول على الفيزا، لكنني قمتُ بأسفار عديدة وكثيرة داخل المغرب، زرت كل المدن أو معظمها. كانت البداية برفقة عائلتي الصغيرة قبل أن أبدأ باكتشاف متعة السفر برفقة الأصدقاء والصديقات.
ألجأ لخدمات وكالات الأسفار في المغرب خاصة حين يتعلق الأمر بالرحلات المنظمة إلى المدن البعيدة ونسافر في مجموعات صغيرة برفقة صديقات وأصدقاء اعتدنا السفر معهم في رحلاتنا. نقابل دوما أشخاصاً مختلفين تستمر علاقتنا بهم حتى بعد العودة من السفر. صحيح أن السفر لا يخلق صداقات قوية لكنه يؤسس لمعارف وأشخاص من ثقافات مختلفة، نقف أمام نماذجهم طويلا."
هند السكرتيرة التي تبلغ من العمر 29 عاما، تتحسّر على ما فاتها دون أن تستطيع أن تخطو أية خطوة دون الرجوع إلى عائلاتها. تقول هند: "كلمة السفر ممنوعة في البيت ورغم أننا نعيش في ظل عائلة عصرية لكن السفر دائماً مشروط بصحبة العائلة سواء داخل المغرب أو خارجه مما يحرمني من فرصة التعرّف على شبان وشابات لهم عمري واهتماماتي. فأمي مثلا لا يهمها زيارة المتاحف ولا التنزّه في طرقات المدينة العتيقة بقدر ما تلهث وراء زيارة الأسواق وشراء الملابس والبضائع".(42/153)
وإن كان السفر يشكل متعة حقيقية للبعض فإن مصاريفه كبيرة بالنسبة لغالبية الشباب، كما هي حال محمد الذي يكتفي بالسفر برفقة عائلته كل صيف، في انتظار أن يحقّق حلمه الكبير بزيارة روما الجميلة التي قرأ وسمع عنها الكثير عبر الكتب والإنترنت. لكنه يردّ علينا حين نسأله عن السفر عبر الإنترنت: "ليس من لمس ورأى كمن تابع المشهد عبر الشاشة".
هل ندرك فعلاً لماذا نسافر وما الذي نجنيه من السفر؟
يصنّف مؤسس ونائب رئيس الجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع الدكتور زهير حطب الشباب الذي يعيش تجربة السفر إلى ثلاث فئات ويقول: "إن السفر أصبح هدفاً، إن لم نقل غاية، لشرائح كبيرة من الشباب من مختلف المستويات. فهناك فئة من لم يحصّل العلم، وهناك الفئة التي تسعى من خلال السفر إلى متابعة دراساتها العليا، وثمة فئة ثالثة من الشباب المستقل الذي فتحت أمامه وسائل الإعلام والفضائيات فرصاً للاستعلام والتساؤل عن حقيقة ما يرونه على الشاشات على أرض الواقع، أما من يتخذون قرار الهجرة النهائية فهم من فئة من استعد للأمر عبر رحلات متعددة تحضيرية وقرر، تاليا، مغادرة بلده".
ويعتقد الدكتور حطب أن النتيجة التي ينتهي إليها كل شخص من السفر مختلفة اختلافاً نوعياً عما قد يفضي إليه الآخرون.
ففئة غير المتعلمين، كما يقول حطب "غاية السفر لديها التسلية والترفيه والتمتع ببعض المنجزات المتوافرة في بلاد الخارج، إنها محطة بين مرحلتين في حياتهم، يتم من خلالها تجديد قواهم وطاقاتهم وتنتهي بتعبئة مخيلتهم وذاكرتهم بأحداث يستعملونها في محيطهم الاجتماعي بعد العودة لإبراز تمايزهم وإغناء تجربتهم من دون الدخول إلى استنتاجات كبرى.
على أن هذه الفئة تكون مرنة أكثر تجاه المتغيرات، ويمكن أن تشكّل مدخلاً لنشر أفكار جديدة عبر نشطاء في صفوفها".
أما الفئة الراغبة في تحصيل العلم، فإن الخارج يكون قد تبلوَر أصلا في ذهنها من خلال المرحلة الدراسية في البلد الأم بحيث يختزل الخارج إلى مجرد مصدر للإنجاز العلمي والتعليم الجيد وفرص العمل".
أما الفئة الثالثة، فيرى أستاذ علم الاجتماع أنها تقترب بمواصفاتها العامة من الفئة الأولى لكنها أكثر تحصيلاً ووعياً، ويفسح السفر أمامها مجالا واسعا لإجراء المقارنات، ليس على مستوى المشاهد السطحية أو الظواهر العامة فحسب، إنما بنظرة جادة ومعمقة للخلفيات السياسية والاجتماعية لاستخلاص العبر".
ويضيف حطب قائلاً: "السفر بالنسبة لبعض الشباب هؤلاء هو وسيلة لغاية بعيدة، فهم يعتبرون السفر الطريقة الأفضل للانقطاع عن الواقع المأزوم والمعقّد الذي لم يقدّم لهم أي مكاسب أو إنجازات. أما ما تحمله البلاد التي سينتقلون إليها من تناقضات وما سيكون موقعهم فيها وما هي صعوبات الاندماج الاجتماعي إذا ما قرروا العمل فأمور لا تخطر على بالهم البتة".
الهوية الذاتية والتغيير
لا يسقط الدكتور حطب من الاعتبار كون حركة التغيير الاجتماعي في بلداننا العربية قد أصبحت، رغم كثرة العوامل الضاغطة والتغييرية مجتمعة من ثقافية وإعلامية واقتصادية وسياسية، أقل مرونة عما كانته في فترات سابقة، "لأن المحافظة على الواقع القائم حالياً اتخذ طابع حماية الهوية والثقافة القومية. وأن أي محاولة للتغيير ستودي، بحسب أصحاب هذا الرأي، إلى الذوبان في تيار العولمة الذي توجهه الثقافة الأوروبية والأميركية
*مجلة هاي/تحقيقات: ناجية الحصري- لبنان/ ياسر خليل- مصر/ سلام كيالي- تونس/ ليلى البارع- المغرب.
ــــــــــــــــــــ(42/154)
لماذا العنف ياشباب؟
الغضب والانفعال ردّ فعل طبيعي إزاء كلّ ما يخدش الكرامة ويجرح الإحساس ويؤذي المشاعر ، وهو طبيعي في حال تعرّض الشاب أو الفتاة إلى عدوان خارجي; كصفعة أو بصقة أو شدّ للشعر أو إمساك بالتلابيب أو تحرّش جنسي .
قليلون هم الذين يسكتون أو يمسكون أعصابهم فلا ينفجرون، وهم على صنفين : صنف يتقبّل الإهانة ويبتلعها فلا يشعر بما يمسّ كرامته بسوء ، وصنف ربّى نفسه على عدم تصعيد الموقف بالعنف المضاد ، فهو يعرف أ نّه إذا قابل الشتيمة بالشتيمة واللّكمة باللّكمة فإنّ درجة التوتّر تبلغ مدى يصعب السيطرة عليه . فهو يغضي أو يغضّ الطرف لا من موقف ضعف ، بل من تقدير سليم للموقف . إنّه يخيّر نفسه بين أن يكون كالشاتم أو الضارب في سلبيته ، وبين أن يكون أرفع منه ، فينسحب من موقع الصراع ، أو يقابل الشتيمة بكلمة حليمة مقتدياً بهدي القرآن الكريم في وصفه لـ (عباد الرّحمن): (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً )(10)، أو يسكت مُعرباً بسكوته عن استيائه ، وقديماً قيل : «السكوت بوجه الأحمق أقوى صفعة توجّه إليه» .
هذا هو العنف بين شخصين ، أو بين طالبين في مدرسة ، أو بين زميلين في معهد ، أو بين صديقين في ناد ، أو بين جارين في محلّة ، أو بين سائرين في شارع . وحتّى هذا اللون من العنف يتّخذ أساليب أعنف أحياناً ، وذلك باستخدام العصي أو الحجارة أو الأدوات الجارحة ، ممّا ينتج عنه اضرار بدنية تلحق بالمتنازعين . ومن طبيعة هذه الأساليب أ نّها ترفع درجة العدوان والتحدِّي خاصّة إذا سالت الدماء وتكاثرت الجروح .
وقد يجتمع أكثر من شخص في عدوانهم على شخص آخر ، أي أ نّهم يقومون بما يشبه عمل العصابة التي تستضعف شخصاً ، وهنا تكون الخسائر أكبر ، وقد يؤدِّي العدوان إلى حالات خطيرة تستدعي النقل إلى المستشفى .
وينظر علماء النفس إلى العنف بين الشباب من خلال الزوايا التالية :
1 ـ العنف قناة أساسيّة لتبديد الطاقات ونسف الإنجازات .
2 ـ تعريض أمن المجتمع للكثير من المخاطر .
3 ـ إنّ الجذر الفكري الذي يغذّي العنف هو (التعصّب) .
4 ـ إنّ التعصّب الذي يؤدِّي إلى العنف إذا استحكم أدّى إلى (الاستبداد) . فهذه العناصر يغذِّي بعضها البعض الآخر .
ويرى كثير منهم أنّ العنف لم يعد حكراً على المجتمعات الأجنبية ، بل طال مجتمعاتنا الاسلامية أيضاً .. وقد انتشر بصورة مقلقة استرعت اهتمام المعنيين بشؤون الشباب ، ولاحظوا الأشكال التالية للعنف :
أ . إحداث الأذى للغير بالإعتداء (اللفظي) أو (الجسدي) .
ب . الإعتداء على ممتلكات الآخرين .
وفي دراستهم لأسبابه ، تبيّن أنّ العوامل التالية هي أكثر ما يسبّبه :
1 ـ سوء التربية. 2 ـ الفقر. 3 ـ افتراق الأبوين. 4 ـ عدم وجود مُعيل يعيل العائلة. 5 ـ انشغال الأبوين وانصرافهم عن البيت والأولاد . 6 ـ كثرة ما يعرض من أفلام العنف . 7 ـ ضعف الوازع الديني . 8 ـ رفاق السُّوء . 9 ـ البطالة . 10 ـ تعاطي المخدّرات .
ولو تأمّلنا في هذه الأسباب لرأينا أنّ كلّ واحد منها يمكن أن يكون مبرراً كافياً لأن يجعل الشاب عنيفاً . فحينما تحتدم مشاعره ويشعر بالضغوط الخارجية المحدقة والصراع الداخلي المحتدم ، ولا يجد هناك من قناة لتصريف غضبه سوى يده أو لسانه ، فإنّه يستسهل التعبير بهما . ففي كثير من الأحيان حينما يكون الشاب واقعاً تحت تأثير سبب أو أكثر من الأسباب المارّة الذكر فإنّه يعدم أسلوب الحوار والتفاهم والتعامل بحكمة ، إنّه يصبح ذا حسّاسية مفرطة ، ويجد أنّ من حوله يعادونه فيحاول الانتقام منهم ، وهو نادراً ما يجيد فضّ النزاع بالطرق السلمية. فلقد تلقّى دروس العنف من التلفزيون الذي يغذِّي مشاعر الشباب بالكثير من الوسائل والأساليب العدوانية التي تجعلهم يقابلون الإهانة البسيطة بعنف شديد ، والكلمة النابية المبتذلة بعنف جسدي ، والخطأ حتى غير المقصود بردّ الصاع صاعين .
ويرى بعض علماء النفس أنّ السن بين (14 ـ 20) سنة هي بطبيعتها عدوانية ومستعدّة للهجوم ، وعادة ما يكون ذلك وليد تغيرات جسمية ونفسية، ولذلك فإنّ أي تجاهل أو استصغار
للشاب يدفعه إلى العدوان ، فهو يأبى الظلم ويقاومه بالقوّة أحياناً . وربّما دفعه حبّ التعالي والتسلّط والتفوّق على أصدقائه إلى إثبات قدرته على قهرهم ، ولذلك يزداد ارتكاب الجرائم في أوساط الشباب الذين يعانون أزمات نفسية بيتية أو خارجية .
لكنّنا نفهم من (عنف) الشباب واستعدادهم للهجوم ، هذه القدرة على مواجهة الأعداء والإستبسال في مقارعتهم ، ولذلك نجد أنّ مادة الثورات وحركات التحرّر تستند إلى هذه الروح الغاضبة من أجل الحقّ والعدالة .
كيف نعالج العنف ؟
لا شكّ أنّ معالجة العنف أو أي انحراف تبدأ بمعالجة ومكافحة الأسباب المؤدِّية إليه ، فإنّ المحيط العائلي القاسي العنيف الذي يعيش الخلافات والتقريع والضرب لا يخرّج إبناً سويّاً خالياً من عقد العنف والعدوان والتطرّف .
وكذلك العوامل الاقتصادية الضاغطة كالفقر والحرمان والبطالة، والعوامل السياسية كالحرب وتجاوز القانون وغياب العدالة ، إضافة للعوامل الثقافية ومستوى التفكير ، فهذه كلّها تربة خصبة للنزوع إلى العنف ، ومع بقائها أو استمرارها يصبح العلاج فردياً أو محدوداً .
فبعض علماء النفس يرون أنّ العلاج الفردي للعنف ينطلق من الأمور التالية :
1 ـ التدريب على البدائل السلوكية ، أي أن نتعلّم كيف نحلّ مشاكلنا بطرق متعددة ولا يكون العنف إلاّ الوسيلة الأخيرة أو الاضطرارية .
2 ـ التدريب على تغيير طريقة التفكير بحيث نجد تفسيرات أخرى لا تغضبنا أو تستثير مشاعرنا لأدنى سبب . وأن نجد مبررات لتصرفات الآخرين تخفف من غضبنا وانتقامنا . فعن الإمام علي (عليه السلام) : «لا تظنّن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملا» .
3 ـ أن نمارس الاسترخاء والتخيّل الذهني والرياضة والهواية ، فإنّ ذلك ممّا يحدّ من توتراتنا الجسمية والنفسية .
4 ـ أن نتدرّب على أسلوب التفاهم بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن (إدفع بالّتي هي أحسن فإذا الّذي بينك وبينه عداوة كأ نّه وليّ حميم )(11) .
5 ـ الاهتمام بالواجبات الدينية ، فالالتزام الديني والخُلقي كان دائماً حائلاً دون العنف السلبي .
6 ـ التدرّب على الرفق وضبط النفس عند الانفعال ، فما دخل الرفق على شيء إلاّ زانه ، ولذلك جاء عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «مَن كان رفيقاً في أمره نال ما يريد من الناس» .
7 ـ أن نعيش ثقافة التسامح والتراحم والصفح والإحسان «ارحم مَن في الأرض يرحمك مَن في السماء» .
8 ـ هناك نصيحة يقدّمها علماء النفس لتجنّب المزيد من العنف: «انسحب من المشهد .. ابتعد عن مكان العنف» فأنت الشخص الوحيد الذي يمكنك السيطرة على الموقف . ويذكرون القواعد التالية للسيطرة والتحكّم بالعنف :
ـ أخبر الشخص الآخر عمّا يزعجك بلطف .
ـ لا تدع عواطفك تتحكّم بك .
ـ استمع جيِّداً إلى الطرف الآخر .
ـ حاول أن تتفهّم مشاعر الآخر .
ـ لا تلجأ إلى السباب والشتائم ، فالشتيمة تعاقب نفسها ، وهي إدانة للشاتم .
ـ لا تستخدم يديك في معالجة الموقف المتشنّج .
ـ لا ترفع صوتك ، فهو علامة أصحاب الحجّة الضعيفة .
ـ ابحث ما أمكنك عن حل وسطي توافقي .
ـ وإذا فشلت كلُّ هذه الأساليب اطلب المساعدة من شخص بالغ عاقل راشد .
ــــــــــــــــــــ(42/155)
تدبر العاقبة قبل الإقدام
من الأمور التي تجعلنا نقدم على عمل أو نمتنع عنه هو التأمّل في نتائجه ، فإذا كانت طيِّبة وخيِّرة ونافعة أقدمنا عليه ، وإذا كانت سيِّئة وخبيثة ومضرّة اجتنبناه ، وتلك هي الحكمة في شخصيّة الشاب أو الفتاة ، فحساب النتائج عملية عقلية ، وهو دليل الوعي والتصرّف المتزن ، ولذلك أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) باتباع هذا الاسلوب الحكيم في كلّ عمل نقوم به «إذا هممت بأمر فتدبّر عاقبته فإن كان رشداً فامضِ وإن كان غيّاً فانتهِ» .
فتدبُّر العاقبة ، والموازنة بين المفاسد والمنافع ، يحدّ من الاندفاع نحو المنكر ، فشارب الخمر حينما يقف على النتائج المترتبة على السكر ، سيرى أ نّها مذهلة ومروّعة ومدمّرة ، وقد توقّف بعض المدمنين فعلاً بعد ما اطّلعوا على ما يسبِّبه من فظائع .
غير أنّ الربط بين العمل ونتائجه قد يكون نافعاً في المراحل الأولى للابتلاء بآفة من الآفات التي سنأتي عليها ، وإلاّ فبعد أن تستفحل الآفة ويستعر أوارها وتأخذ مأخذها من أعصاب المدمن وشهوته وانحدار تقديره لقيمة فعله ، فإنّه لا يربط بين العمل والنتائج الكبيرة من حيث ما ينتهي إليه من نهايات مؤسفة ، وإنّما يربط بين العمل وبين نتائجه الآنية التي يقطف فيها اللذّة التي تشبه عود الثقاب فهي سريعة الاشتعال سريعة الانطفاء .
ولعلّ من بين أهم عوامل تدبّر العاقبة، حساب ما يجرّه الادمان من إثم سيبقى يلاحقه إلى يوم الدين ، في حين أنّ اللذّة تفنى وتندثر .
*البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/156)
فلنغرس ثقافة الأمل بين شبابنا
قتل الشاب أو الفتاة لنفسهما ، أو ما يسمّى بـ (الإنتحار) آفة من أخطر الآفات، لأ نّها تعني عدوان الشاب على ما ليس له بحقّ، فحياته ليست ملكاً له وإنّما هي هبة الله الذي يحيي ويميت ، ولا يحقّ له التفريط بها ، وإنّما يحقّ له التضحية بها في سبيل الله ، أي دفاعاً عن دينه ونفسه وماله وعرضه .
ولو اطّلعت بدقّة على الأسباب الداعية إلى الإنتحار وجدتها لا تشكّل مبرراً وجيهاً لوضع نهاية مؤسفة للحياة .
فمن هذه الأسباب : العجز عن التكيّف والانسجام مع الظروف المحيطة ، والتعرّض إلى أزمات وصدمات قاسية ، والهروب من صعوبات الحياة ، وعدم التفاهم مع الأسرة ، والانتقام منها أو من المجتمع ليشعروا بالندم على أفعالهم ، وعدم التمكّن من الوصول إلى هدف معيّن ، أو نتيجة موت إنسان عزيز يشعر المنتحر أن لا جدوى من البقاء بعده ، أو تحت
تأثير الإدمان وصعوبة التخلّص منه ، أو عدم تقدير أهميّة الحياة والتصوّر أنّ قيمتها تافهة ، أو الشعور الطاغي بالفراغ والملل .. إلخ .
فهذه الأسباب موزّعة بين التيه والضياع والرتابة والضجر والفراغ الروحي والعجز عن المقاومة وإساءة تقييم الحياة .
وبعبارة مختصرة ، فإنّ علماء وأطبّاء النفس يرون أنّ المنتحر مريض نفسياً يعاني من اضطراب وقلق وخلل في الشخصية . وقد اتّضح أنّ معظم المنتحرين ليس لهم صلة وثيقة بالدين ، ولا يتردّدون على الأماكن الدينية ، ولم يتلقّوا تربية روحية مناسبة .
وحتّى في التفسير النفسي الاسلامي للانتحار ، فإنّ المنتحر يعيش حالة من اليأس والتشاؤم والقنوط والإحباط ممّا يجعل عقله وقلبه ومشاعره تغرق في الظلام فلا ترى أي فرج أو مخرج أو حلّ أو بصيص من نور ، إنّه فاقد للأمل .. فاقد للثقة بالله .. فاقد للإيمان بالقضاء والقدر .
وقد لعبت الكثير من الأعمال السينمائية التي تقدّم للشباب اليائسين والفتيات المحبطات حلّها السهل في إنهاء الحياة بالانتحار دوراً سيِّئاً وخيماً في أنّ أمام الشبان والفتيات إذا اعترضتهم الصعوبات القاسية ، أن ينتحروا للخلاص من آلامها ومتاعبها .
كما اتّضح أنّ الصحافة فيما تنشره من أخبار الانتحار والمنتحرين تساهم في التشجيع على الانتحار ، فلقد لاحظ البريطانيون أنّ إحدى صحفهم المحلّية التي دأبت على نشر أخبار الانتحار والمنتحرين كانت السبب في موجة الانتحار التي حصلت بين الشبان والفتيات ، فرفع الأهالي احتجاجهم إلى الصحيفة ، وبعدما توقّفت عن نشر تلك الأخبار لوحظ انخفاض نسبة الانتحار إلى درجة ملفتة ، ولهذا اعتبر التحفّظ على نشر أخبار المنتحرين حتّى لا تروج فكرته بين الناشئة وسيلة من وسائل العلاج .
إنّ ثقافة الأمل ، ورؤية الجانب الإيجابي من الأشياء ، والتأمّل في مصائب الآخرين، وفي قدرة البعض على تجاوز المحن بصبر وروح عالية ، والبحث عن منافذ وحلول أخرى ، والتعلّق برحمة الله ورجائه ولطفه.. لابدّ أن تفعل فعلها الأكيد في تخفيف الاضطرابات النفسية الداعية إلى الانتحار .
وقد أكّد بعض المربين أنّ البرنامج الاسلامي اليومي من صلاة ودعاء واجتناب المعاصي والذنوب ، واعتماد الاعتدال ، وتبادل الحب والحوار والتفاهم والتعاون مع الآخرين ، يحول دون الإصابة بالأمراض النفسية كالقلق والاكتئاب والنظرة السوداوية للحياة .
*البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/157)
افة السرقة وسبل حلها
وهي من الآفات التي تفتك بالشباب وتقتل روح الأمانة والنبل والنقاء في نفوسهم، فالإقدام على انتهاك أموال وممتلكات الآخرين تعني أنّ الشاب السارق يسلك أقصر الطرق للحصول على المال الذي يتطلّب جهداً وعلماً وسعياً وصبراً في كسبه .
وقد تكون بعض مؤشّرات السرقة قديمة ، ترجع إلى أيّام الطفولة ، فالطفل الذي يسرق بعض حاجيات زملائه التلاميذ ، أو إخوانه في البيت فلا يجد مَن يردعه ربّما تطاول ليسرق حاجيات أكبر ، وربّما أصبحت سرقاته الصغيرة سبباً لاعتياده على السرقات الكبيرة .
وقد كشفت بعض الدراسات النفسية عن أسباب السرقة ودوافعها عند المراهقين والشباب ، ومنها :
ـ الرغبة بالحصول على المال لشراء إحتياجاتهم وتلبية رغباتهم.
ـ الرغبة بالحصول على المال للإنفاق على الملذّات الشخصية ، أو ملذّات الأصدقاء .
ـ إثبات انّ السارق شجاع وجريء ، أي أ نّه يسرق للتفاخر والتباهي ، وربّما يجاري في ذلك أبطال السينما من الذين يقومون بأدوار اللّصوص .
ـ وربّما يسرق المراهق أو الشاب للتسلية ، وكسر حالة الرتابة أو البطالة التي يعيشها .
ـ العادة التي اعتادها في صغره، فصار يستسهل الكسب الحرام، بل لا يراه حراماً على الاطلاق .
ـ وربّما يسرقون انتقاماً من وضع معاشي مُرز ، أي أ نّهم قد يعيشون الفقر والفاقة ، ولا يستطيعون تحمّل الفوارق بينهم وبين أقرانهم من الشبان الأثرياء .
ـ وتتعقّد آفة السرقة حينما يتحوّل السرّاق إلى عصابة للسرقة ، حيث يقع المراهق الذي يميل إلى الاستجابة إلى الجماعة ضحية الانقياد لنزواتها ونزعاتها الإجرامية والمنحرفة . فلقد كشفت الدراسات أنّ الشبان من أعمار (13 ـ 15) سنة يجري استغلال طيبتهم، وربّما ضعف شخصياتهم، وشعورهم بالنقص، واستعدادهم لتنفيذ المآرب الشريرة التي توصف بأ نّها عمليات جريئة .
اما الحل فنقول ..
1 ـ إنّ الإسلام الذي يعلِّمنا احترام أموال الناس ، ويشدِّد في عدم الاعتداء عليها بـ (السرقة) أو (الغصب) ، والذي يربينا على أن نتصدّق عن صاحب (اللقطة) إذا لم نعثر عليه لنردّها إليه ، حتّى لا يضيع مال لأحد ، والذي يضع عقوبة قطع يد السارق حتّى لا نتجاوز على حقوق الناس وممتلكاتهم (والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا )(12) يعلّمنا بكلّ تلك الدروس أنّ اليد ثمينة ما دامت أمينة فإذا خانت هانت ووجب قطعها .
وإذا لم يلتقط الشبان والناشئة هذه الدروس ويهضموها جيِّداً ، فإنّهم سوف لا يترددون في سرقة جهود غيرهم بـ (الغش) في الإمتحانات والسطو على إنجازاتهم ، ولا يتورعون عن الاحتفاظ بحقيبة نقود، أو قطعة حليّ ذهبيّة يعثرون عليها في شارع أو سيارة، ولا يتوانون عن مغافلة أصحاب المحلاّت ليسرقوا ما تقع عليه أيديهم .
2 ـ إنّ الشاب أو الفتاة اللذين يختاران السرقة تلبية لحاجاتهما وطموحاتهما يقضيان على طاقاتهما بالموت ليحييا في نفوسهما نزعة شريرة واحدة وهي نزعة السلب والنهب والطمع بما في أيدي الناس ، فيحاولان سرقة قوتهم وجهودهم وحقوقهم ، ولو بذلا جهداً ، وهما القادران المتمكنان على تحصيل ما يريدان بالطرق النظيفة والشريفة لما أعجزهما ذلك ، ولشعرا بالسعادة لما يحصلان عليه بكدّ أيديهما وعرق جبينهما .
3 ـ إنّ الفوارق الفردية الاقتصادية قد تجعلنا نبذل جهداً أكبر لتضييق مساحتها والقضاء ـ ما أمكن ـ على بعض أسبابها ، وأن نستذكر النعم الأخرى التي نتفوّق بها غير المال والثروة ، لكنّها لا يجب أن تدفعنا بحال إلى أن نكون لصوصاً نسرق بيوت الناس لنعمّر بيوتنا .
4 ـ إنّ قيام عدد كبير من الشبان والرفاق بالسرقة وعمليات السطو لا تشكّل لي مبرراً لأن أكون سارقاً أضيف رقماً آخر لقائمة اللصوص ، فتقليدهم في السرقة لا يعفيني من المساءلة أمام الله .
5 ـ إنّ للقمة الحلال.. والكسب الحلال.. والمال الحلال.. والفوز الحلال ، طعمه اللذيذ الذي لا يستطيع السارق أن يتذوّقه ، فكسرة خبز تكسبها عن طريق الحلال لهي أطيب من مائدة حرام تتلذذ بها لوقت محدود وتدفع ثمنها لوقت طويل .
6 ـ إنّ وقفة متأنّية لاستشعار الألم والأسف والمرارة التي يشعر بها المسروق ربّما تعيد للضمير صفاءه فيتراجع السارق عن سرقته، فلو وضع نفسه في مكان المسروق منه ، وتذكّر ما سيصيبه عندما يجد ماله أو ما يملك مسروقاً فلربّما منعه ذلك من التمادي في السرقة .
ويبقى العلاج الأكبر هو في القضاء على العوامل المسبّبة للسرقة ، فالاسلام الذي لا يقيم الحدّ على السارق في زمن المجاعة فلا يقطع يده ، يقول : جفّفوا موارد السرقة أوّلاً وقبل كلّ شيء .
*المصدر : البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/158)
خمسة وعشرون طريقة لكي تبقى شاباً
1 - تناول حبة أسبيرين أطفال (81 ملغ) يومياً وذلك إذا كنت رجلاً فوق الأربعين أو سيدة تجاوزت سن اليأس . يجب مراجعة طبيبك أولاً حيث أنه توجد بعض الحالات التي لا يناسب فيها تناول الاسبرين كالربو والسكري وأمراض الكلية ... الخ .
الأسبرين يقي الشرايين من التآكل والجلطات وذلك عن طريق تمييعه للدم ويقلل من سرطان القولون .
2 - تناول قرص فيتامين C و E وحمض الفولي Folate يومياً كمضادات شيخوخة ومضادات أكسدة .
3 - نظف أسنانك مرتين يومياً بالخيط Floss لتفادي أمراض اللثة التي تسرع تصلب وانسداد الشرايين كما أنها تضعف جهاز المناعة الذاتية (هذه الخطوة البسيطة تكافح الشيخوخة إحصائياً بما يعادل 6.4 سنة) .
4 - التقليل من الحوادث وذلك بـ :
ارتداء حزام الأمان .
قيادة سيارة كبيرة : نسبة الوفيات أقل بعشرة أضعاف إذا كانت السيارة فوق 1800 كغ مراعاة قواعد السرعة والمرور .
الطرق السهلة نسبياً :
5 - للسيدات : تناولي الهورمونات البديلة بعد سن اليأس (Hormone Replacement therapy) بعد التشاور مع أخصائي النسائية . الأدوية الحديثة كـ Raloxifene ذات تأثير هرموني انتقائي بحيث لا تشكل ازدياداً في مخاطر سرطانات الثدي أو الرحم كما هو الحال بالأدوية القديمة .
إن تناول الهرمونات البديلة بعد سن اليأس يقلل من هشاشة العظام وأمراض القلب والخرف وألم الجماع الناجم عن جفاف المهبل ويكافح تعجز البشرة وجفافها .
6 - للرجال : أكثر من تناول خلاصة عصير البندورة Tomato Paste والشاي الأخضر لمكافحة سرطان البروستات .
7 - ابتعد عن المدخنين : إن التعرض للمدخنين لمدة أربعة ساعات يومياً يزيد الشيخوخة بـ 6.9 سنة .
8 - تناول الفطور كل صباح : إن عدم تناول الفطور الصباحي يزيد من احتمال البدانة بنسبة 4.5 مرة ويسرع الشيخوخة .
9 - ابتسم : الابتسام والضحك يخفف الغضب والتوتر ويكافح التعجز أو الشيخوخة .
طرق متوسطة الصعوبة :
10 - تناول طعام متوازن قليل الحريرات وغني بالفيتامينات والألياف . أي أكثر من الخضار والفواكه الطازجة .
11 - تناول طعام قليل الشحوم : واستعمل بدلاً من الدهون المشبعة بالزبدة والسمن الحيواني زيت الزيتون ولكن يجب عدم الإسراف في استعماله لتفادي البدانة . (جميع الزيوت تؤدي للبدانة ولكن زيت الزيتون لا يؤدي لتضييق الشرايين بعكس الزيوت الحيوانية) .
12 - احرص على النوم الكافي : 7 ساعات للنساء و8 ساعات للرجال مما يبطئ الشيخوخة ثلاثة سنوات .
13 - احرص على القراءة والاستمرار في التعلم بدلاًًً من السهرات التلفزيونية والإنترنت وبذلك تحافظ على صحتك العقلية وتقلل من زيادة الوزن .
14 - تعرف على مخاطرك الوراثية : هل يوجد في العائلة سرطان القولون أو ثدي أمراض قلب أو بدانة أو سكري . قم بوضع الاستراتيجيات المناسبة لتفادي هذه الأمراض أو للكشف المبكر عنها .
طرق الصعبة نسبياً:
15 - قم بتخفيض نسبة الكولسترول: وذلك بتخفيض الشحوم وممارسة الرياضة لكي يكون الكولسترول الكلي تحت ا240 ملغ والكولسترول الجيد (HDL) فوق الـ40ملغ.
16 - قم بالنشاطات الرياضية بحيث تحرق 3500 حريرة أسبوعياً أي بالمشي بما يعادل ساعة يومياً (مما يكافح الشيخوخة لثلاثة سنوات) .
17 - قم بالرياضة التي تنشط عضلة القلب : أي رياضة الركض والإيروبك لمدة عشرين دقيقة ثلاث مرات أسبوعياً (يكافح الشيخوخة ست سنوات) .
18 - رفع الأثقال لمدة عشر دقائق يومياً لمكافحة هشاشة العظام وخاصةً عند النساء .
19 - الابتعاد عن التلوث الجوي والأماكن المحصورة والمواد الكيميائية .
20 - حراسة صحتك : وذلك بالكشف الدوري عن الضغط الشرياني والسكر والكوليسترول وتنظير القولون والثدي لكشف السرطانات .
21 - إحاطة نفسك بالأهل والأصدقاء المحببين
22 - الابتعاد عن مثيري المشاكل.
23 - الابتعاد عن التفكير في المصائب.
24 - القناعة وعدم الاكتراث برضاء الآخرين.
25 - الابتعاد عن الإنفاق فوق طاقتك المادية والغرق بالديون مما يزيد القلق والأرق والتوتر (يسرع الشيخوخة 8 سنوات) .
ــــــــــــــــــــ(42/159)
كيف نواجه المخدّرات ؟
1 ـ نظراً لتأثير المخدّرات على عقل وصحّة الشباب الجسدية والنفسية والروحية ، فقد اعتبر الفقهاء اللجوء إليها ، أو تعاطيها ، ظلماً للنفس وظلماً للغير ، ولذلك فهي محرّمة حرمة سائر المسكّرات ، إذ لا فرق بين المسكر المائع أو المسكر الجامد .
2 ـ إنّ (الصراحة) و (الوضوح) و (التفاهم) و (التراحم) بين أعضاء الاُسرة يدفع إلى الاستقرار النفسي والاجتماعي للاُسرة ، فلقد اتّضح أنّ 70 ـ 90 % من الأحداث المنحرفين انحدروا من بيوت غلب عليها التناقض وعدم الانسجام واضطراب العلاقة بين الوالدين .
3 ـ ضرورة اعتماد أسلوب (الوقاية خير من العلاج) بتخفيف الأسباب التي تؤدِّي إلى الإدمان ، وإلى تشخيص الحالات مبكراً وعلاجها في المهد ، وتأهيل المرض بعد العلاج .
4 ـ للدين تأثيره الكبير والفاعل والنفّاذ في زرع الوازع الديني الذي يأبى كلّ مضرّ بالصحّة الخاصّة والعامّة ، فلقد لوحظ أنّ المتردِّدين على بيوت الله (المساجد) والممارسين للعبادات بشكل منتظم ، والذين غرس آباؤهم في نفوسهم احترام الضمير منذ الصغر لا يقربون هذه المنكرات .
5 ـ عزل المدمنين الذين في بداية تورّطهم عن البيئة المدمنة ، وعن قرناء السُّوء ، حتى لا يزداد الطين بلّة ، ويتعذّر أو يصعب العلاج .
6 ـ الاحتجاج على كلّ وسيلة إعلامية تروّج بطريق مباشرة أو غير مباشرة للمسكرات أو المخدّرات ، ومقاضاتها إذا دعا الأمر وكانت هناك إمكانية لذلك. وفي المقابل لابدّ للإعلام المسؤول أن يمارس دوره في المعالجة بعرض قصص المدمنين ، وتبيان ما جرّه عليهم الإدمان من مصائب وويلات ، والكشف عن مشاعرهم العميقة بالندم والتوبة .
7 ـ إنّ شعار (الموت لمهربي المخدّرات) الذي رفعته (ماليزيا) كبلد ابتلي بالمخدّرات وبتجّارها وبمدمنيها ، يستدعي سن قوانين صارمة لإعدام كلّ مهرب ومتاجر بالمخدّرات في كلّ بلد من بلدان المسلمين .
*المصدر : البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/160)
مبدأ اللذة لايصلح لمجتمعنا
هناك جملة من المتع واللذائذ والشهوات الحسِّيّة التي تدخل البهجة إلى النفس، كالطعام والشراب والجنس، والحصول على المال، واكتساب القوّة والقدرة لتلبية هذه الحاجات والتمايز على الآخرين .
كما أنّ هناك متعاً ولذّات روحيّة ; كالفوز والنجاح والانجاز والابداع، وإسعاد الآخرين، ورضا الوالدين، ورضا الله، والاستقامة، والقيام بأعمال البرّ والإحسان والخير والصلاح .
وقد عملت الثقافة الغربية على تكريس مبدأ اللذّة ، فلقد اعتبر (فرويد) الإرضاء الحرّ للرغبات الجنسية شرطاً أساسياً لسلامة النفس ، وأنّ الذين يصابون بأمراض نفسية إنّما يعانون من كبت غريزة اللذّة .
وقد اتّضح أنّ إشباع الرغبات والمتع الغريزية قد يؤدِّي إلى اللذّة الجسدية ، لكنّه يتسبّب في آلام أيضاً ، فالبغاء أو الزنا يخلق مشاكل جسدية ونفسية كثيرة ، وقد تبعث الخمرة على النشوة لكنّ مخاطرها كبيرة ، وهكذا الحال بالنسبة للمخدّرات والسرقة والجريمة . ولذلك جاء في الحديث : «مَن تسرّع إلى الشهوات ، تسرع إليه الآفات» .
يقول عالم النفس (الكسيس كارل) : «هناك اليوم أشخاص كثيرون يعيشون مما يقرب من الحياة الحيوانية ، يبحثون عن القيم المادية ، ولهذا السبب فإنّ حياة هؤلاء أرذل كثيراً من حياة الحيوانات ، لأنّ القيم المعنوية هي الوحيدة التي تمنحنا الضياء والسعادة» .
فالضياء، وهو نور القيم والأخلاق والدين، لاينبعث من اللذائذ المحرّمة. والسعادة، وهي الشعور بالراحة النفسية والطمأنينة القلبية، لاتتأتّى من خلال المعاصي والذنوب، فكم من الذين يمارسون هذه المتع والشهوات ، يحدّثونك عن القلق ، وتأنيب الضمير ، والرغبة في التخلّص من الحياة ، والشعور بالتعاسة الكاملة ، فأين هي ثمار لذّاتهم ؟!
فاللذّة الحقيقيّة هي التي يجتنيها الانسان من الأشياء التي أحلّها الله له ، فأكل العنب مثلاً لذيذ ، لكنّ صناعة مادّة مسكّرة من العنب، قد تجلب لذّة السكر، لكنّها تجلب معه مضار كثيرة، سنتعرّف عليها لاحقاً، أي يصحّ أن نقول عنها أ نّها (لذّة آثمة) أو (لذّة محرّمة) أو (لذّة مؤلمة) وحتّى لو لم نشعر بألمها المادِّي ، فإنّ ألمها الروحيّ والنفسي كبير.. يكفي أن تشعر أ نّك تعصي الله فيما أمرك حتّى تشعر بالألم العميق .
إنّ مثال الدين والقيم والأخلاق والأعراف مثل لجام الحيوان ، فبدونه لا يمكن السيطرة عليه ، وبدون الالتزام الديني والخلقي لا يمكن السيطرة على الانسان . فقد ورد في الحديث : «ولع النفس بالشهوات يغوي ويردي»، وجاء أيضاً: «إذا غلبت عليكم أهواؤكم أوردتكم موارد الهلكة» .
فلا بدّ للشاب أو الفتاة من أن يضبطا لذاتهما ، ولا يُطلقا لها العنان ، أي أن ينفّسا عنها عبر القنوات الطبيعية التي أحلّها الله تعالى ، فما من حاجة أساسية وغريزية إلاّ وقد رسم الله طريق تلبيتها من حلال .
تلفّت يمنة ويسرة لترى أنّ الذين يبحثون عن المتع المنحرفة واللّذّة المحرّمة يعانون من آلام كثيرة ، فهم ـ على سبيل المثال ـ ينشدون الهدوء والراحة والسعادة ، لكنّهم يعيشون في الواقع الأرق والقلق والهموم والأمراض النفسية التي تعجز عيادات الطبّ النفسي أحياناً عن إيجاد علاج شاف لها ، بل تراهم السبب في الكثير من الآلام التي يسببونها لغيرهم . يقول الحديث الشريف : «يستدلّ على شرّ الرجل بكثرة شرهه وشدّة طمعه» .
*المصدر : البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/161)
نصائح لعلاج انطواء المراهقين
*ترجمة: د. محمد زهير
الانطواء على النفس حالة طبيعية لدى المراهق، ولكن لا ينبغي ان تشكل عائقاً أمام تقدمه في الحياة. يمكن ان يكون المراهق خجولاً في عدد من المواقف، ضمن العائلة، داخل الصف، مع أصدقائه أو مع أشخاص بالغين، بل وحتى في مواجهة جسده. وترى الطبيبة النفسية الفرنسية ايمانويل ريغون ان والدي المراهق يمكنهما مساعدته إن كان الأمر يخص حيزاً واحداً منها فقط، أما ان تعداه الى ثلاثة أو أربعة ميادين، فحينها يصبح من الافضل استشارة الاختصاصي.
بين سن الحادية عشرة والخامسة عشرة، تكون التحولات البدنية سريعة، وقد يشهد المراهق أحياناً تغيراً في حالته النفسية من أسبوع الى آخر. وهذا وضع طبيعي، لكن نظرات الآخرين اليه تسبب له الانزعاج، فالفتيات على سبيل المثال يبدأن بالادراك ان الرجال ينظرون اليهن على نحو مختلف: هذا الشعور المربك مؤقت ولا يستغرق سوى بضعة أشهر.
لمساعدة المراهق، ينبغي اعطاء القيمة للتغيرات الطارئة على بدنه. وحتى لو ابدى عدم اكتراثه بذلك، فلسوف تريحه عبارات الاطراء الصادرة عنك. بيد أنه يجب ألا يسخر أحد من مظهره، وتجدر استشارة الطبيب النفسي في حالة امتناعه عن الاستحمام أو إحداثه جروحا في ذراعيه باستخدام آلة حادة. ولو أبدى تذمرا مستمرا من شكل أنفه، ومن وزنه أو من طوله، فإن ذلك يعكس معاناة كبيرة في تقبل وضعه.
صامت: يعيش الشاب المراهق عادة فترة انسحاب عن العائلة، لا يلجأ فيها الى احد ويقاطع وجبة من بين كل وجبتين. هذا الابتعاد طبيعي، فهو يحتاج اليه لكي ينضج.
بغية مساعدته: احرصي على ألا يتعرض لأي رد قاس اذا ما تفوه بحديث اثناء تناول الطعام، وينبغي بالذات تجنب توجيه عبارات معينة اليه على غرار: "تبين الامر قبل ان تتكلم"، بل يفترض التعامل معه بلطف وتمكينه من التعبير عما يريد. على ان من المهم استشارة الطبيب النفسي اذا كان المراهق لا يبدي رأيه على الاطلاق، لكن يفترض انتظار أن ينهي الكبار حديثهم لتحديد الموقف بدقة، فحتى الخجولون يتكلمون في حضن العائلة.
بعض المراهقين يؤثر التفرج على المشاركة. إن عدم الاضطلاع بالادوار القيادية لا يؤدي بالضرورة الى الشعور بالتعاسة، لكنه يصبح كذلك عندما يشعر المراهق بأنه خيب ظنك فيه. لذا فإن كان لديه صديق واحد أو صديقان وأنه يتفاهم جيدا معهما، فلا بأس في ذلك.
لمساعدته: يمكنك دعوة اصدقائه الى المنزل، وتسجيله في نشاطات يمكنه ان يلتقي خلالها بشباب آخرين غير أولئك الذين يعرفهم في المدرسة. ولكن ينبغي استشارة طبيب مختص إن لم يكن لديه أي صديق، وليس هناك شخص يتصل به هاتفيا واستمر الوضع على حاله أشهرا عدة، فالشباب المراهقون يحتاجون فعليا الى ان يكونوا معاً لكي يستطيعوا تحمل الابتعاد عن آبائهم.
ليس سهلاً علينا فقدان القدرة على الكلام أمام مجموعة من الافراد حتى لو كنا بالغين. أما في الصف، فعدم امكانية التحدث قد يفضي الى الحصول على درجات ضعيفة، كما يتوجب ان يتعلم المراهق كيف ينسى المواقف التي أخطأ فيها وأثار خلالها عاصفة من الضحك.
لأجل مساعدته: شجعيه على ابداء وجهة نظره اثناء الجلوس حول المائدة مثلا، ودعيه يقدم درسه امام العائلة. وإذا كان اختلاطه جيدا في الصف، فسوف يظهر مهارة في التقديم بعد فترة وجيزة. وتصبح استشارة احد الاختصاصيين لازمة ان تحدث مدرسوه عن مشكلات يعاني منها في التعبير الشفوي رغم معرفته الجيدة بالدرس، لذا يتعين التدخل في هذه الحالة لأن درجاته قد تهبط عندما يواجه اختبارات ومقابلات شفوية.
عدم الارتياح: مع تقدم المراهق في السن، يطرح على نفسه تساؤلات عدة: كيف يخاطب من هو أكبر منه سنا وعن أي شيء يتحدث معه؟ ذلك ان القواعد الاجتماعية تتغير حسب الفئة العمرية ولا يعود باستطاعة المراهق تحديد كيفية التصرف.
لمساعدته: اسمحي له بمقابلة أناس بالغين في المنزل، ويمكنك دعوة اصدقاء لديهم أولاد مراهقون ايضاً. بهذه الطريقة يستطيعون الدخول في نقاش مع الشباب خصوصاً، لا تدعي ولدك ينحشر في غرفته، واذا لم يكن يرغب في البقاء طيلة السهرة مع كبار السن، فمن المناسب ان يتناول المقبلات معهم وأن يجيب عن اسئلتهم. شجعيه ايضاً على اداء بعض الاعمال البسيطة وعلى ممارسة الرياضة مع مجموعات تضم أشخاصا بالغين. ولكن يتوجب استشارة الطبيب النفسي حينما تشعرين بأن ولدك المراهق يعاني من صعوبات في الاحتكاك بالبالغين أو بأفراد عائلته أو بشباب ينتمون الى فئة سنه. هنا يغدو التدخل الخارجي أمرا ضروريا جدا.
ــــــــــــــــــــ(42/162)
' لست وحدك 'سلاح متعدد الاستخدامات
' لست وحدك ' ' الذي تقاوم بل الكثير يقاوم وينجح '' لست وحدك ' الذي تفعل الخطأ بل كل الناس كذلك 'كثيرة هي النداءات الداخلية المتصاعدة داخل النفس البشرية تنتقل بها صعودا وهبوطا , حزنا وسرورا , نشاطا وفتورا , أملا وقنوطا, وتفاؤلا وتشاؤما تنقل الإنسان من حال إلى حال.
وأثر هذه النداءات الداخلية على حياة الشخص أكبر بكثير من كونها مجرد خطابات داخلية لا أثر لها فالواقع يشهد أن تصرفات وسلوكيات الإنسان ما هو إلا حصيلة لمجموع الأفكار التي تدور في ذهنه طوال حياته وأن مواقفنا التي نتخذها مما حولنا إنما منبعها الأساسي الفكرة التي تسيطر على عقولنا والتي هي في المقام الأول ناتج وحصيلة مجموعة الخطابات الداخلية للنفس حول هذا الموضوع.
إن موقفنا من الآخرين بالحب أو الكره أو القرب أو البعد يتحدد بناء على ما نحدث به أنفسنا من كلمات داخلية حول هذا الآخر , والحال كذلك بالنسبة لما نحب ونكره من الأعمال وهذا الخطاب الداخلي لا يراه أحد ممن حولنا حتى أننا في بعض الأحيان إذا حاولنا أن نعبر عنه ونخرجه على صورة كلمات تعجزنا الألفاظ , إن الخطاب الداخلي للنفس البشرية هو أساس حركتها وسكونها , أساس نشاطها وفتورها , أساس ولائها وعدائها , أساس كل موقف وقرار نتخذه سواء على مستوى أنفسنا أو على مستوى تعاملاتنا وعلاقاتنا مع الآخرين.
ونحن نستخدم الكلمات في حوارنا مع أنفسنا ومع غيرنا ففي لحظات خلوتنا ننعزل عن الآخرين ونفكر مع أنفسنا فيما نريد وندير حوارا ذاتيا ونسأل أنفسنا : ماذا نريد؟ وهذا يعني أن لكل منا لغتين أو مستويين من الحوار يستخدمهما في حياته ولهما أبلغ الأثر على سلوكه تجاه نفسه وتجاه الآخرين وهما:
-1- لغة مع نفسك ونسميها اللغة الداخلية.
-2- لغة مع الآخرين ونسميها اللغة الخارجية.
وبناء على طبيعة مفردات كل لغة تتحدد تصرفاتنا وسلوكياتنا تجاه الآخرين وتجاه أنفسنا وبالتالي فعلينا أن نتعلم كيف نتكلم لنتمكن من توجيه أنفسنا وتوجيه غيرنا من بعد ذلك.
إن الكلمة سواء كانت داخلية أو خارجية لها وقع مهم للغاية علينا وعلى من حولنا , فنحن عندما نتكلم مع الآخرين إنما نحاول مطالبتهم بما نريد , ولكننا باختيار أسلوبنا في الكلام معهم نختار أيضا أسلوبنا في الحصول على ما نريد , فكلماتنا تعبر دائما عن طريقتنا في الفعل والتنفيذ , وعن تجاهلنا التام لكل الطرق البديلة التي يمكن أن تتوفر لتحصيل ما نريد , كلماتنا في الحقيقة تعكس توجهاتنا واستعداداتنا , وما يغيب عن أذهاننا فهو في الواقع غائب من قاموس كلماتنا وبالتالي فهو ساقط من حساباتنا لأن الكلمات هي تحضير للأفعال التي ننوي القيام بها أو بمعنى أوضح إنما نعرف الرجل من كلامه أي نعرف ما الذي يريده وكيف يريد الحصول عليه لأن الكلام ما هو إلا مرآة الداخل فنحن نعبر بألفاظنا عن رغباتنا وأحلامنا وآمالنا.
لقد أثبتت بعض الأبحاث والدراسات أن الشخص الذي يصرح بأنه جائع يأكل أكثر من الذي لا يجاهر بجوعه , وأن الذي يهدد بالعنف يلجأ إليه في الواقع أكثر من الذي يعبر عن كرهه للعنف , وتبين أن الذين يتحدثون كثيرا عن السعادة يكونون أكثر مرحا من الذين يتحدثون عن التعاسة والأسى أي أن الإنسان يكتسب الحالة العضوية من حالته النفسية والتي بدورها يكتسبها من مفردات الكلام وطبيعة هذا الكلام من حيث السرعة والبطء والوضوح والغموض وغيرها من التفاعلات الداخلية.
إن تأثير الكلمات على من يقولها أقوى بكثير من تأثيرها على من يسمعها , فالكلمات تسبق الأفعال , وهي تعبر عن الاستعدادات النفسية وتحدد الخيارات التي يجعلها الشخص محورا لتفكيره فإذا استطعنا تغيير كلماتنا , فسنتمكن في النهاية من تغيير أفعالنا , فالتغيير يبدأ بالكلام وينتهي بالأفعال وهذا هو طريق كل إنسان لبدء التغيير الحقيقي في نفسه وكذا فيمن حوله.
وكلما نضج الإنسان كلما فهم وأدرك أهمية الكلمات وتأثيرها وأصبح أكثر دقة وحرصا في استخدامها , فمن المعروف أن الوعد الذي نقطعه على أنفسنا هو في الأصل كلام , لكنه يدفعنا إلى الوفاء به فعليا والالتزام بأدائه , والقائد يحفز أتباعه على الإنجازات من خلال شحنهم بالكلمات , ونحن دائما ما نصف القائد بأن كلمته مسموعة قبل أن نقول إن أفعاله نافذة , فالقائد الحق هو من يتميز بالقدرة على الإقناع , لا من يجبر أتباعه على الانصياع.
بناء على كل ما سبق دعونا في هذا اللقاء نركز على الجانب الأهم من الكلام ألا وهو ما أسميناه سابقا باللغة الداخلية , حيث أنه على الحقيقة المسؤول الأول عن صياغة فكر الإنسان وسلوكه وكذلك يحدد ملامح تصوره عن نفسه , وعن الآخرين وصورة التعامل المثلى معهم.
' لست وحدك ' هذا الخطاب الداخلي كمثال يعتبر كغيره من الخطابات الداخلية أحد الأسلحة متعددة الاستخدامات حيث يمكنه أن يدفع الإنسان نحو التفاؤل والطموح والعمل ويمكنه كذلك القعود بهمته عن النظر إلى الأعلى وتبرير القعود والتخاذل والأمر كالتالي:
' لست وحدك الذي تفعل الخطأ بل كل الناس كذلك ' : الشخص في العادة لا يرضى أن يرى نفسه على خطأ أو مصرا على باطل ولا يحب بالتأكيد أن يراه الناس كذلك ولكنه في الوقت ذاته يرتبط بالخطأ ارتباطا وثيقا فهو لا يملك - تبعا لوجهة نظره - الانفكاك عنه إذن فما الحل ؟ الحل الأسهل والذي سرعان ما تلجأ إليه النفس أن كل الناس كذلك ,أنني لست الوحيد الذي يفعل الخطأ وانظر حولك , ففي مجال المعاصي مثلا , يتحدد الخطاب الداخلي لمرتكب المعصية بقوله أنا أفضل من كثير من الآخرين ويقيس نفسه على من هو أكثر منه في نوع المعاصي أو درجتها أو عدد مرات حدوثها وتكرارها بل وقد تلجأ النفس إلى التأكيد على أن الكل يفعل ذلك لبيان أن من يخالف ليسوا إلا أقلية , هذا النوع من الخطاب النفسي لن يولد إلا مزيدا من الاستقرار على المعصية , والكثير من المخزون الاحتياطي لتمويل الشعور بالفشل والإحباط والانهزام النفسي عند أول تجربة أو محاولة فهي محكوم عليها بالفشل من البداية لماذا ؟ لأن الخطاب النفسي الداخلي يغذي هذا النوع من الفشل , فشخص يخاطب نفسه بخطاب داخلي مستمر مؤداه أنه لن ينجح ولن يحقق ما يريد ثم هو بعد ذلك يضحك على نفسه وعلى من حوله بدعوى أنه مع هذا الكم من الإحباط واليقين الداخلي بالفشل إلا أنه سيبذل ما عليه ويؤدي العمل لكي يقوم بما يلزم القيام به , ولست بحاجة هنا للحديث عن نوع النتائج التي سنحصل عليها عند تنفيذ أي عمل بهذه النفسية إن المصير هو الفشل المحتوم بلا جدال.
وفي المقابل تأمل في أثر الخطاب الداخلي المعنون: ' لست وحدك الذي تقاوم بل الكثير يقاوم وينجح ' على كلا المستويين الديني والدنيوي , إنها نفسية وروح المقاتل التي لا تفتر ولا تلين , روح ملؤها التفاؤل والبذل , هذه الروح هي التي نرجو لها النجاح , إنه لست وحدك الذي تتعرض للفشل في المرات الأولى من بداية أي عمل فكم من شخص فشل ثم نال النجاح بعد ذلك بالصبر وتكرار المحاولة , ولو كان استسلم للفشل الأول ونادى كما يفعل الجهال بأعلى صوته : هذا قدري ولا مفر لي منه - لو فعل ذلك
- لما نال ما ناله من النجاح وتحقيق المراد , وأن العبد منا إنما خلقه رب العالمين ليعمر الأرض كلها ولتكون مسخرة لأمره فكيف والحال كذلك أن يصغر قدر العبد عند نفسه وتنخذل قواه وتتكسر طموحاته مع أول موقف يشتم منه رائحة الفشل أو الانكسار , إنه لست وحدك فطابور النجاح والتفوق وتحقيق الطموح طويل ومليء بالنماذج وكلهم شعارهم الصبر والدأب لتحقيق المراد لا غير.
إنه لا يمكن لك عزيزي القارئ أن تحقق في عالم الواقع ما تعجز عن تصور نفسك وأنت تحققه , والمشكلة أن ظروف العالم المعاصر تربط الشخص إلى عجلة دائرة لا تتوقف من التنفيذ داخل نظام ثابت فتسلبه لحظات الخيال التي تمكنه من تصور نفسه وهو ينجح أو حتى أن يفكر أن يضع هدفا لنفسه يريد تحقيقه , وهكذا يمضي أكثر الناس حياتهم في قوالب ينتجها الآخرون , فهذا يكتفي بأن يكون موظفا وذلك لا يأمل في أن يصبح أكثر من عامل , ويندر أن تجد من يرتقي بطموحه وأفكاره فوق هذه الأدوار المحددة سلفا , إلا أن الذهن البشري يمكنه أن يتغير , بل إنه الشيء الوحيد الذي يتغير تغيرا مؤثرا فيما حوله , وبتغيره تتغير حياة صاحبه وبدونه لا يحدث أي تغيير وعلى صاحبه - أي أنت - أن يؤمن بأن:
التغيير ممكن وليس مستحيلا.
التغيير شخصي يبدأ من الذات لا من الخارج.
التغيير مفيد ولا يتحتم أن يكون مؤلما.
يقول رب البرية جل وعلا:' إن الله لا يغير ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم , وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال ' وفي هذه الآية ملمحان رئيسيان:
الأول: التغيير الحقيقي في الأمم كاملة إنما ينشأ عن تغيير الأفراد لذواتهم , وسبحان الله ما أوضح المنهج القرآني في بيان طبائع الفنوس وحقيقة قدراتها وطرق التعامل المثلى معها , فالله تعالى يخبر عن نفسه أنه لن يغير حال قوم أو أمة حتى يبدأ أفراد هذه الأمة بالتغيير من داخل ذواتهم لأن لفظة ' ما بأنفسهم ' تؤكد ذلك , وهي إشارة لبيان المدخل الفعال لإحداث التغيير الحقيقي للأمة.
الثاني: من لم يغير فلا يلم إلا نفسه لأن الله تعالى أمر بالتغيير , تغيير الباطل إلى الحق , والهوى إلى الاتباع , والكسل إلى النشاط , والتشاؤم إلى التفاؤل , والحزن إلى السرور , ومن أبى أن يجاهد نفسه في سبيل التغيير وما ينشأ عنه من نعيم الدنيا والآخرة فليستعد فلا مرد لعقاب الله تعالى لمن أبى الارتقاء والرفعة وتحمل المسؤولية.
عزيزي الشاب: إنها ثورة أدعوك إليها , ثورة على روتين الحياة , وعلى الثوابت التي لا يقرها الشرع وتخنق الطاقات وتعطل المواهب , ثورة للتغيير فانطلق ولا تتخاذل ولا تتهاون , انطلق وارفع درجة الخطاب الداخلي إلى أقصى درجات التفاؤل والأمل والبهجة والسرور فأنا والله على يقين من امتلاكك لبركان متفجر من الطاقات الكامنة تنتظر أن تثور , فهلم إلى التغيير الداخلي , فهذا أوان أن يراك الآخرون كما ينبغي أن تكون.
ــــــــــــــــــــ(42/163)
الغلمة وكيفية علاجها؟
غلم غلمة فهو غلم وهي غلمة ويوجد لها درجات ويقصد بها التنبيه الجنسي الزائد ومنها الجنون الشبقي، وهذا درجات أيضاً ومنه المعتدل والمتطرف وتغلب الغلمة في الرجال. يشجع على الغلمة الاختلاط الجنسي في الحفلات المتهتكة وفي الرقص الرخيص والفتاة الغلمة ليست جميلة ومحبة وتدعي بتعلقها بمنزلها، ولكنها تمتاز بجاذبيتها للشبان. قد تكون تربيتها في بادئ الأمر خاضعة للصداقة من جانب أحد الوالدين ـ وغالباً الأب ـ والليونة من الجانب الآخر ـ وغالباً الأم ـ وهي عادة تنجذب إلى ذكر سواء أكن في الخامسة عشر أو الستين، ولا يهمها العمر أو الشكل، فإذا وجدت في غرفة رجل أياً كان اقتربت منه وانجذبت إليه ـ كما ينجذب الحديد إلى المغناطيس ـ وتلتصق بجسمه وتربت على خده وذراعيه وتصلّح رباط عنقه وتمسد على شعره، فإن كان الرجل شاباً متزناً موفور الآداب تشتد أعصابه ويهمل عنايتها به ويظهر اشمئزازه.
وإذا كان كبير السن ربتت على خده ولعبت له ومعه لعب الطفلة وقد يستجيب الرجل لتملقها ولا سيما إذا كانت صبية أو قد يرتبك أو يضحك من لفتاتها، وإذا كان متزوجاً تبرمت زوجته وقد تثير بفعلها غيرة خطيبته، إذا لم يكن متزوجاً إنما خاطباً، وبذلك تستهدف عداوة الكثيرين.وهي لا تتعظ بتلميحات أو تصريحات، ولا يثني غلمتها ورغبتها في أن تنم عن نفسها تأنيب الضمير، ولا ينجو من براثن مغازلتها ومعاكستها ذكر، ومثل هذه الفتاة تكون عرضة لنبذها من كل شاب، ومما يؤسف له أنها سهلة التفريط في عرضها لكل مَن يقع في شباكها ...
ومصدر هذه الغلمة عدم الإتزان العقلي، وبعضه يكون من مرض عقلي، والبعض الآخر من سوء التربية الجنسية ونقصها.
وقد عولجت حالات بالزواج ونجح معها الزواج فعلاً، وهدأت غلمة الفتاة وسكن قلقها وحلّت الرزانة مكان الطيش، وهدأت نفسها، واستقر عقلها. وبعض الحالات يجب عرضها على طبيب أخصائي في علم النفس. كما أن بعض الحالات لا ينجح فيها علاج وإذا تزوجت الغلمات أنهكن قوى أزواجهن حتى أن القلائل من الرجال لا يمكنهم العيش مع مثل هذه الزوجات لأكثر من سنة، وفي هذه الحالات لا يفلح علاج ونفساني أو طبي ولم يكتشف حتى الآن علاج لها.
والغلمة أو السوداء لدى الرجال تأتي من التنبيه الجنسي الشديد، أو الانغماس في المغريات الجنسية كالمناظر الخليعة، والصور غير الأدبية، والمطالعة للكتب المثيرة للشهوة، كما أن عامل الوراثة يلعب في الغلمة الجنسية دوراً هاماً، وزيادة إفراز هرمون الخصية ـ التستسرون ـ أو هرمون المبيض ـ الأسترون ـ وكذلك الفراغ، وقد يكون سبب الغلمة زيادة طاقة غريزة السيطرة والاعتداد بالنفس مع زيادة طاقة الغريزة الجنسية.
وعلاجها لدى الرجال الزواج ومنع الأسباب والتوجيه إلى نواحي نشاطات رياضية واجتماعية ويتجنب الطعام والشراب الحارين وكذلك لدى الأنثى.
والالتزام بالدين الحق أولا وأخيرا هو الحل الصحيح
ــــــــــــــــــــ(42/164)
المراهقة هي عمر العبقرية
* دكتور سبوك
عندما يكبر الشاب ويتقدم لخطبة فتاة، يندهش لسؤالها المتجدد (هل تحبني حقاً)؟ إنها تسأل هذا السؤال لمجرد أن تشعر أنها محبوبة ومرغوبة وأن الرجل قادر على إسعادها.
فوجئ الأب بأن مدرسة ابنه تطلبه في عمله تليفونياً لتخبره بضرورة الحضور الفوري إلى المدرسة.
وسألها الأب بتوتر: (هل أسباب ابني مكروه)؟
أجابت المدرسة بحدة مبالغ فيها: (جسدياً لم يصب ابنك بشيء، ولكن أخلاقياً يحمل ابنك أكثر من ميكروب للفساد).
وأغلق الأب سماعة التليفون بضيق شديد، واستأذن من رب العمل ليذهب إلى المدرسة. وهناك طلب لقاء المدرسة التي طلبته تليفونياً، ووجدها متزمتة، حادة الطباع، وقدمت له قصاصة من مجلة نسائية تحمل صورة سيئة للنساء،
تساءل الأب بضيق: (وماذا في هذه القصاصة)؟
قالت المدرسة وكأنها تحكي فضيحة ضخمة: (لقد ضبطت ابنك الذي لم يتجاوز العاشرة وهو يدعو زميلته لرؤية هذه الصورة، وهذا فساد).
ضحك الأب ضحكة بسيطة وقال للمدرسة: (دعيني أعالج هذا الموضوع بطريقتي، ولا تعاقبي الطفل على ذلك).
وقال الأب لنفسه: (لو أن المدرسة قرأت كتاباً واحداً عن النمو النفسي للأطفال لما تصرفت مثل هذا التصرف).
إن الانسان ليس مجرداً من المشاعر. ومشاعره يتسق فيها المنطق والأخلاق في نسيج واحد. وأي خروج عن الأخلاق الاجتماعية السائدة يسبب للانسان بعضاً من الوساوس.
إن الانسان لا يحاول أن يقرر للآخرين ما المناسب أو الصحيح، ولكن الانسان كائن اجتماعي يحب أن ينشأ وينمو على احترام عميق للأسس والقواعد الاجتماعية.
وقد يقول قائل: (ولماذا تزدهر إذن تجارة الكتب التي تتحدث حديثاً مكشوفاً عن العلاقات بين الرجل والمرأة؟ ولماذا تتخصص جرائد ومجلات بنشر التقارير والتحقيقات المصورة الملونة عن العلاقة بين الرجل والمرأة)؟
ونقول: إن علينا أن نعرف أن الذين يستثمرون أموالهم في مثل هذه التجارة صاروا اليوم يعانون من قلة في الزبائن. والسبب هو اكتشاف الجمهور في الغرب والشرق أن ما يبيعه هؤلاء التجار هو الوهم.
صحيح أن الكبار، حتى المثاليين منهم، يطالعون بعضاً من هذه الكتب أو المجلات في بعض الأحيان بدافع من الفضول. ومن الصحيح أيضاً أن الانسان المتوازن نفسياً يعرف أن هذه المجلات وتلك الجرائد هي تجارة من خداع.
وعندما يعثر المراهق بين أوراق البيع على مجلة من تلك المجلات قد يقول: (ولماذا يتحدث الكبار عن مثل هذه المجلات بعدم تقدير، ثم يشترونها)؟
وأقول: إن داخل كل انسان مهما نضج طفولته ومراهقته. ففي الطفولة كان الطفل يعبر عن حبه لأمه، كان الفتاة تعبر عن حبها لأبيها. كان هذا الحب له سمة رومانسية غلابة. ومنذ العام السابع والطفل يختلس النظر إلى الأعضاء التناسلية ويحاول أن يعرف الفروق بين الرجل والمرأة. ولا مانع بطبيعة الحال من أن يضحك المراهق للنكتة غير المهذبة وأن يطلق التعبيرات الساخرة على الصور شبه العارية. وعندما يقابل المراهق قيود المجتمع فإنه يتمرد ظاهرياً على هذه التقاليد ولكنه يحترمها في النهاية، ورغم ذلك فهو يضحك لسماع تلك النكتة أو لرؤية المشهد المبتذل تماماً كما يضحك وهو يرى رجلاً انزلق على قشرة موز في الطريق. إن هذه الخشونة التي يقابل بها المراهق الصورة المبتذلة أو النكتة غير المهذبة لا تدل على الفساد الخلقي، بل هي ضحكات لمجرد التنفيس عن الكبت.
وقد يقول قائل: (إن الكبت هو حالة من القمع، وأي خروج عنه يسبب الإحساس بالذنب).
هذا صحيح تماماً. إن الكبت حالة من القمع، أما الإحساس بالذنب فهو عقاب يقوم به الانسان لنفسه في حالة إحساسه بالخروج عن المألوف.
ولابد لنا أن نقول إن الأجيال الجديدة صارت أقل إحساساً بالذنب من الأجيال السابقة.
لقد كانت الأجيال منذ خمسين عاماً تقيم الكثير من الأسوار حول الكثير من الأمور، ثم خفت قبضة المجتمعات قليلاً بخصوص الحديث عن المحرمات. واندفع الشباب الأوروبي والأمريكي في موجة من الانحلال سميت (الحرية الجنسية)، وكان شعارها: (إن من حق أي اثنين أن يمارسا الجنس ما دام ذلك لا يضر أحداً). ولكن ثبت باليقين أن تلك (الحرية) صار لها عواقب وخيمة، وصارت هناك أمراض لا يعرف أحد علاجاً لها. لقد ظن البعض في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات أن اكتشاف أقراص منع الحمل هو اكتشاف لحارس جديد يخبئ أخطاءنا من محاكمة ضمير البشرية العام. فلن تعاني فتاة من الحمل غير الشرعي، ولن يعاني مجتمع من العار الذي كان يسببه ميلاد عشرات من الأطفال غير الشرعيين. ولكن الذين ظنوا مثل هذه الظنون تبين لهم بعد سنوات من ممارسة العلاقات غير المستقرة أن نهاية هذا الطريق هي الخراب.
إن الحب في جوهره الانساني ليس ممارسة التواصل الجسدي فقط، ولكنه أولاً وأخيراً القدرة على رعاية الآخرين.
إن تاريخ البشرية يحفل بالفترات التي انطلق فيها الرجال والنساء إلى ممارسات إرواء غرائزهم دون مراعاة للمسؤولية الاجتماعية والانسانية. وكانت النتيجة دائماً ظهور أمراض غير قابلة للشفاء.
صحيح أن تلك الفترات سجلت لوحات فنية صنعها الخيال مثل لوحات مطاردة الرومان للحوريات، وصحيح أن هذه الفترات تركت آثاراً أدبية مثل كتاب (فن الهوى) لأوفيد، ولكن هذه الآثار الفنية لا تحكي عن الشفاء الاجتماعي المصاحب لظهور مثل تلك الأعمال.
إن الذين يحاولون الأخذ بمبدأ الانطلاق في مجال النزوات، يريدون القيام بتجزئة العلاقات الانسانية، فيأخذون اللذة ويتناسون المسؤولية. وأغلب الذين يأخذون باللذة وحدها يدفعون الثمن بالآلام النفسية.
وأغلب الذين يوازنون اللذة مع المسؤولية هم الذين يمكن أن نصفهم بالنضج العاطفي وأنهم لا يقعون بسهولة أسرى تلك العلاقات الطارئة، لأنهم بإحساسهم العميق بالمسؤولية يبحث كل منهم عن شريك للعمر ليتزوجه وينجب أطفالاً ويعيش حياة أسرية واجتماعية منتجة.
ودعوني أقول إن هؤلاء الأشخاص هم الذين اكتشفوا أثناء طفولتهم أن الزواج هو إطار سعيد لعلاقة متوازنة مع الجنس الآخر.
وإذا كان الربع الثالث من القرن العشرين قد تميز بالإسراف الشديد في ممارسة الشباب والبنات لعلاقات جسدية غير محسوبة العواقب في أميركا وأوروبا، فإن نداء العفة يغمر العالم الآن في الربع الأخير من القرن العشرين. وذلك أن العيادات النفسية تشهد الكثير من متاعب الشباب الذي يحيا في علاقات طارئة ومتعددة، كم أن متاعب الشباب التي تظهر في تلك العيادات يكون سببها عدم التوافق النفسي بين الشاب والفتاة، لأنهما يعيشان معاً دون زواج. إن بعضاً منهم يتزوج بالفعل، والبعض الآخر يعاني من إحساس شديد بالوحدة والحزن لأنهم عاشوا في تجربة الحياة مع فتيا أو شبان دون زواج، وظن كل مَن خاض هذه التجربة أنه سوف يجد بعضاً من الصفات التي يحبها في شريك هذه الحياة، لكنه لم يجدها. وأحد أهم أسباب الانفصال في هذه الحالات هو أن المرأة عندما تعشر بالحب العميق مع رجل ما فإنها تتمنى أن تتزوجه، ولكن الرجل قد لا يشعر بمثل هذا التجاوب العاطفي فيفضل الانفصال على الارتباط بامرأة لمجرد أنها تريده.
وعندما تتحطم العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة، فإنها تترك جراحاً عاطفية مؤلمة لفرد واحد هو الذي يعاني من مرارة الافتقاد لشريكه في التجربة العاطفية. وغالباً ما يخفف هذا الشخص من جروحه عن طريق حماية نفسه من الدخول مرة أخرى في علاقة عميقة لمدة سنوات بعد صدمة التجربة الأولى، ثم يتجه من بعد ذلك إلى تجربة أخرى يستفيد منها من أخطاء تجربته الأولى، وغالباً ما يوفق إلى الزواج.
وإذا كانت المجتمعات الغربية الآن تتقبل اجتماعياً ارتباط الشاب بالفتاة دون زواج، فإن الطلبة الأمريكيين ـ وكذلك الطالبات ـ صاروا لا يفضلون الارتباط غير المؤدي إلى زواج ولا يفضلون العلاقات الجسدية الكاملة دون زواج. إن تقرير (فانس باك أرد) لسلوك الطلبة الجامعيين الأمريكيين مليء بوجهة نظر أغلبية من الرجال الذين ينصحون بعدم الخوض في التجربة الجسدية الكاملة إلا بعد الزواج، وغالبية البنات الساحقة صارت تؤيد هذا الاتجاه.
وهذا يؤكد صحة الاتجاه لحماية النفس من العلاقات الطارئة لأن آلامها النفسية أكثر من فائدتها.
وإذا ما حاولنا أن نعرف المستوى التعليمي لمن خاضوا التجارب الجسدية الكاملة في منتصف المراهقة، سنجد أنهم عاشوا في عائلات تعليمها أدنى من المستوى الجامعي.
أما إذا كان الأبناء قد عاشوا في أسر تلقت علماً جامعياً، فإن نسبة الأبناء الذين يخوضون التجارب الجسدية الكاملة أقل بكثير. يحدث هذا في المجتمع الأمريكي الذي يقال عنه إنه أكثر المجتمعات احتراماً لحرية الفرد.
وإذا تساءل القارئ (لماذا)؟
فإن الإجابة هي:
ـ إن الوالدين إذا ما تمتعا بتعليم عال فهما يميلان إلى الحزم والصرامة في مختلف الأمور. ويغرسان في أعماق أبنائهم وبناتهما طموحات وأمنيات كبيرة. ومثل هؤلاء الآباء والأمهات يتوقعون لأبنائهم مستوىً تعليمياً راقياً وعالياً، ويملكون نظرة علمية ناجحة يشخصون بها السلوك الحسن المقبول من السلوك غير المقبول.
أما الآباء والأمهات ذوو التعليم القليل فلا يعطون أبنائهم مثل هذا الاهتمام.
لذلك، فمن الطبيعي أن تجد لدى الأسرة المتعلمة فرصة لأن تصحب الابن في طفولته إلى المتاحف، وحفلات الموسيقى، وقاعات الرسم. وتمتدح الأسرة نشاط ابنها الثقافي، وتعلمه احترام السلطات، وتقرأ له الأم عن الأبطال.
إن مثل هذه الأسر تعلم الطفل أهمية أن ينشأ الانسان في أسرة، لذلك لا يفكر هذا الطفل في الكبر ـ لا شعورياً ـ في إنجاب طفل إلا في إطار أسرة متماسكة.
وهذا لا يعني أن أبناء الأسر أقل تعليماً غير قادرة على تربية أطفال يحترمون فكرة الأسرة. لا. إن بعضاً من هذه الأسر أنجب قادة وزعماء وعلماء، ولكن الباحثين أثبتوا بما لا يدع مجالاً للشك أن آباء أو أمهات أو أقارب هؤلاء القادة والزعماء والعلماء كانوا يضعون قيمة العلم فوق كل قيمة، لذلك لم ينغمس هؤلاء القادة والزعماء والعلماء في علاقات تسرق منهم الوقت أو تشتتهم عن الهدف.
إن التسامي بالإعلاء بالاهتمامات الجنسية منذ الطفولة وأثناء المراهقة هو الذي يتيح للانسان التقدم العلمي والأدبي. هذه هي الحقيقة الواضحة لنا، ولم يأتنا أحد بعكسها حتى الآن.
ولنا الآن أن نتناول تفاوت السلوك الجنسي وأنماطه عند الفتى والفتاة.
إن السلوك الجنسي له جانب غريزي فطري، وله جانب آخر ثقافي يتعلمه الكائن البشري من مجتمعه. وفي المجتمعات البشرية غالباً ما نجد الفتى يلعب الدور الفعال في العثور على الفتاة التي تروقه، ويحاول إقناعها بنفسه وبتقبله. وغالباً ما تستجب الفتاة للحب كطريق للزواج وللشعور أنها محبوبة، وأن هناك مَن يحتاج إليها، وهي تلعب هذا الدور بمهارة. ولا يعنى هذا أن للفتى دوراً إيجابياً وللفتاة دوراً سلبياً، فلكل من الاثنين دور إيجابي ودور آخر سلبي.
فالفتاة التي تختار ملابسها بعناية فائقة، وتحرص على التواجد في مجتمعات يوجد فيها عدد من الشباب، إنما تلعب دوراً إيجابياً غير مرئي في مسألة جذب الاهتمام إليها. ويلعب الشاب الذي يعجب بها دوراً إيجابياً ظاهراً في إبداء الإعجاب بها، إنه يندفع تلقائياً لينظر إليها، ويثير اهتمامها حتى دون أن يعرف شيئاً عن شخصيتها، وهل هي جذابة بالفعل ومناسبة لشخصيته أم لا. وإذا ما تحدث الشاب فهو يتحدث غالباً بروح من المبالغة عن قدراته الاجتماعية وصفاته الشخصية ظناً منه أن ذلك يجذب إليه الفتاة. ولا ينتبه الفتى إلى أن الفتاة تملك غالباً إحساساً واقعياً يخترق إطار الشكل الوسيم ليبحث عن مدى جذبه هذا الشاب وهل يمكن الارتباط به أم لا.
إن الشاب يندفع أحياناً بغرور، مما يجعل الفتاة تشعر أنه ممل وغير جذاب.
وإذا ما دخل الشاب في تجربة كاملة مع فتاة ـ كما يحدث في بعض الأحيان في أميركا وأوروبا ـ فهي تبحث عن قدرته على رعاية مشاعرها، وهل هو قادر على إقامة علاقة عاطفية أساسها الجاذبية الجسدية أم لا.
والشاب في غالبية الحالات غير مستعد للارتباط العاطفي والزواج إلا من فتاة يهواها بعمق. والمرأة قادرة ـ كما قلت ـ على التمييز الواقعي بين الرجل الذي يمكنها الاعتماد عليه، وبين الرجل الذي يلعب دور النحلة عندما تقترب من الزهرة رغبة في بعض الرحيق ثم الهرب. إن الفتاة تعلم أنها تقدم الكثير، لذلك تطلب التجاوب الكامل. ولهذا السبب لا تنخدع الفتاة بسهولة إلا في المراهقة المبكرة، فهي قد تنخدع في تلك الفترة بالشكل الوسيم والوجه المقبول.
وهذا يعني أن المرأة تفضل غريزياً أن تدخر اللقاء الجنسي الكامل للرجل الذي تتوقع أن تحبه للأبد. هذا ما تقوله الأبحاث في مجتمعات تتمتع بالحرية الكاملة للرجل والمرأة.
والشاب صاحب الوعي هو الذي يكبح جماح غروره فلا يندفع بحثاً عن أي علاقة، لأن هناك أيضاً فتيات يمثلن دور الساذجات ولكن لا قلوب لهن، وهواية بعضهم تحطيم قلوب الشباب بعدوانية.
وعندما يخطب الشاب فتاة فهو قد يلحظ كثرة سؤالها له: (هل تحبني)؟
والسبب في ذلك أنها تخاف بغير وعي من أن تفقد اهتمام مَن يحبها. ولا ينبغي أن يجب الشاب بقلة صبر: (نعم، أحبك). إن عليه أن يعلم أن الفتاة تريد أن تتأكد أن علاقته بها تسير إلى الزواج فعلاً.
إن المرأة أكثر واقعية من الرجل. هذا ما أثبتته التجارب رغم أن هذه الواقعية تتغلف أحياناً برومانسية شديدة.
ويظهر ذلك بوضوح في اهتمام الفتاة بحفل الزواج، ولذلك دلالة شديدة على حب المرأة للرسميات.
ونلحظ بعد الزواج أن المرأة تقدس تماماً تذكر زوجها لعيد زواجهما وعيد ميلادها، إنها تقدس فكرة أن تكون محبوبة وأن يؤكد لها الزوج ذلك
ــــــــــــــــــــ(42/165)
السلام الاجتماعي والتربية على القيم الروحية
*محمد سليم العوا
القيم الاجتماعية التي يحرص المجتمع العربي المسلم عليها هي أساسا قيم مستمدة من الدين. والدين هنا وإن كنا نعني به بوجه خاص: الإسلام، فإنه مما ييسر البحث ويتيح تعميم نتائجه أن "القيم" متقاربة إن لم نقل إنها متحدة في الدينين الكبيرين في الشرق العربي: الإسلام والمسيحية. حتى أن كل ما يمكن قوله استقاء من نصوص الإسلام القرآنية والنبوية يجد، من حيث هو قيمة اجتماعية وتربوية، أصلا يمكن إسناده إليه في نصوص مسيحية.
ومن ثم فالحديث عن القيم الروحية هو حديث عن القيم الدينية، وليست أهميته نابعة فحسب من كون هذه القيم عنصرًا مهما من عناصر الاستقرار الوطني والسلام الاجتماعي، والطمأنينة السياسية، ولكن أهميته تعود كذلك- وربما بقدر أكبر- إلى كون هذه القيم هي أساس السلام العقلي والذهني والنفسي للفرد، وهو السلام الذي يتيح للإنسان أن يتكيف مع مختلف الظروف، وأن يواجه الأنواع المتباينة من مشقات الحياة، وأن يعيش العسر بالقدر نفسه من الرضا والشعور بالراحة الذي يتوافر له في حياة اليسر، والعسر واليسر هنا ليسا ماديين فحسب، بل هما في المقام الأول نفسيان. والذين عاشوا تحت ظل الاحتلال العراقي للكويت يدركون ذلك إدراكا مضاعفا، ويعلمون صحته يقينا، و: (ما رآ كمن سمعا)!!.
البداية.. التنشئة الاجتماعية
ولا يتأتى للفرد اكتساب القدرة على التحلي بالقيم الاجتماعية- الدينية التي نشير إليها إلا من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، وهي العملية التي تتم أساسا مع الأطفال وتتوجه في المقام الأول إليهم.
والطفل يولد وليس لديه أية عادات اجتماعية ولا ارتباط بمجتمع معين لذلك تأتي عملية التنشئة الاجتماعية- المخططة والمنظمة- لتضع له المعايير التي يعرف بها- في ضوء مسلمات مجتمعه أو قواعده السائدة - ما يعتبر عدلا وحقا وواجبا وممنوعا وسلوكا مباحا أو سلوكا محظورا وقوة محمودة في الخلق أو ضعفا مذموما فيه .
وما يتعلمه الطفل في هذه المرحلة المبكرة من حياته: مرحلة التنشئة، يعد أساس الارتباط العاطفي بينه وبين مجتمعه ويعد في الوقت نفسه مصدراً أساسيا من مصادر استقرار النظام السياسي والاجتماعي لما يترتب على التنشئة المخطط لها من ثبات القيم التي تتضمنها، وتشجع عليها أو توجه إليها، في الفرد نفسه. وصعوبة اقتلاعها أو تغييرها بعد ذلك.
ومعظم ما يتم إكسابه للطفل في مرحلة التنشئة يتم- في المجتمع العربي المعاصر- بطريقة عرضية، ومن خلال مواقف هي أقرب إلى العفوية والمصادفة منها إلى منهج تربوي معد سلفا، ومخطط له، لتحقيق أهداف محددة.
ولا مناص لمجتمع يحاول إعادة بناء نفسه، وتغيير ما يسود أفراده- مع الأسف الشديد- من سلوكيات مدمرة من أن يعيد النظر في هذا الأسلوب العفوي لتربية ناشئته، وأن يحاول التخطيط لمستقبله: بالعناية المركزة بما يتلقاه الأطفال والفتيان والفتيات فيه من قيم ومثل، وما يحبب إليهم أو يبغضون فيه، من الأعمال والأقوال والعواطف والمشاعر والمباحات والممنوعات.
هدف العملية التربوية
إن الهدف الأساسي من العمليات التربوية كلها، بل لعل غاية سعي البشر جميعا في الأرض كلها، هي أن يسعد المرء، ويعمل على إسعاد غيره! ولن يسعد الإنسان في الدنيا والآخرة إلا إذا سلم من آفات الجسم والنفس والعقل جميعا قدر المستطاع.
" وبراءة الجسم من الآفات تحتاج إلى غذاء ورياضة ونظافة وإقامة صحية وسرور بقدر الإمكان وتحتاج إلى علاج عوارض الأمراض أولا بأول".
"وبراءة العقل من الآفات تأتي بالتعليم المستمر وباقتلاع الأوهام الخاطئة في شئون الدين والدنيا معا".
"وبراءة النفس تكون ببناء الثقة بها، والاطمئنان إلى النجاح، وعدم اليأس من عوارض الإخفاق والتخلص من الكبت، والخجل المبالغ فيه، والقدرة على التحكم في الرغبات والمطالب المادية والمعنوية".
(حسن العشماوي، هكذا نربي أولادنا).
وأهم الوسائل لتحقيق هذا الهدف هي أن تقوم التربية أو التنشئة متخذة من القيم الدينية- أي الروحية- الصحيحة سبيلها إلى تحقيق الصحة النفسية والعقلية للفرد، وتحقيق السلام والاطمئنان للمجتمع. وأصول هذه القيم هي التي تحاول هذه السطور التالية أن تمثل لها، آخذة في اعتبارها أن المشتغلين بتخطيط الطفولة، والمهتمين بصناعة المستقبل سيجدون عشرات غيرها حين يولون هذا الموضوع عنايتهم ويولون شطره وجوههم.
من جميل كلام فقهاء الإسلام، في شأن واجب الكبار نحو الصغار، ما قاله الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه: " تحفة المودود بأحكام المولود " قال " فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم: قال تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق)، فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة. وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم إياهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارا، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولا نفعوا آباءهم كبارًا".
وأصول القيم التربوية التي تطالع الناظر في نصوص الإسلام سبعة نحاول إجمال القول في كل منها:
التربية على الإيمان
والإيمان المعني هنا ليس هو مجرد العلم بوجود إله، ولا التصديق بذلك، وإنما مقصودنا هو الإيمان المؤثر في السلوك بما يفعله في النفس المؤمنة من مراقبة لله عز وجل، وإيثار لرضاه وتجنب لسخطه، وسعي في نفع خلقه، ونزول على حكمه، وطاعة لأمره ونهيه.
وطريقة الوصول إلى هذا الإيمان ليست التلقين الغيبي، ولا الحفظ لأدلة نقلية أو إدراك لمعاني الأدلة العقلية علي الألوهية والربوبية. إنما طريقة الوصول إليه تبدأ بتدريب الطفل على التأمل في خلق الله عز وجل بالتدرج من المحسوس إلى المعقول، ومن الجزئي إلى الكلي، ومما يدرك كله إلى ما يدرك بعضه أو يعرف أثره دون أن يدرك بالعقل كله أو بعضه.
تلك هي طريقة القرآن الكريم نفسه، ففي سورة النحل يقول ربنا تبارك وتعالى: هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون. وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون. وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون . وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون . وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارًا وسبلا لعلكم تهتدون . وعلامات وبالنجم هم يهتدون . أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون .
وثمرة هذا الإيمان لا يتسع لتفصيلها مقام، لأنها تورق حتى تظلل حياة الإنسان كلها، ولكن إجمالها يمكن أن يكون في قولنا: ثمرة الإيمان مراقبة الله في الصغائر والكبائر.
والذي يراقب الله يعبده حق العبادة: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة (البينة: 5).
وأما الذين يربون على الإلحاد، وينشأون على إنكار الرب أو الجهل به والاستهزاء بالإيمان وأهله، فقد أبلغ القرآن في وصفهم : والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم (محمد: 12).
التربية على التقوى
إذا كانت مراقبة الله عز وجل هي الثمرة الإجمالية للتربية الإيمانية، فإن التقوى هي الأثر المحسوس للإيمان. ومن عجيب فهم العلماء لها أنهم عرفوها بأنها: "ألا يراك الله حيث نهاك، وألا يفقدك حيث أمرك ". ولذلك لا يكاد الناظر في القرآن الكريم يمر على صفحة من صفحات المصحف إلا وجد التقوى منسابة فيها: فهي علة الأفعال وعلة الأقوال وعلة الامتثال، وهي مجلبة محبته ورضاه، فأنى لمؤمن أن يغفل عنها أو يهمل استعمالها في سلوكه كله.
فالتقوى حساسية في الضمير وشفافية في الشعور، وخشية مستمرة، وحذر دائم وتوَقٍ لأشواك الطريق، طريق النجاة الذي تتجاذبه أشواك الرغائب والشهوات، وأشواك المطامع والمطامح، وأشواك المخاوف والهواجس، وأشواك الرجاء الكاذب فيمن لا يملك رجاء، والخوف الكاذب ممن لا يملك نفعا ولا ضرا ..
الأخوة
فالناس جميعا إخوة في الإنسانية: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (الحجرات: 13)
وهو معنى لا يجوز أن يغيب عن بال الفرد أبدا، وهو معنى يعصم من الظلم والحيف والجور، ويحمل على البر والود والصدق. وأثر كل من أولئك لا ينكر فعله في الأفراد وفعله في الأمم والجماعات على سواء.
والمؤمنون إخوة إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم (الحجرات: 10). وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم- الذي رواه مسلم- المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، ولا يحقره بحسب امريء من الشر (وفي رواية من الإثم) أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه. التقوى ههنا (ويشير إلى صدره) ثلاث مرات.
وما يرد على تحريم دم المسلم وماله وعرضه يرد كذلك بالقدر نفسه على تحريم ذلك كله من غير المسلم فإن الإنسانية هي مناط العصمة والتحريم وليس الدين، بل إن تحريم دم غير المسلم وعرضه وماله آكد في شريعة الإسلام لأن غير المسلمين لهم ذمة الله ورسوله، أي عهدهما وحمايتهما.
فكيف نربي أبناءنا- مع هذه التأكيدات القرآنية والنبوية- متناسين معنى الأخوة الإنسانية ومعنى الأخوة الإسلامية؟ وكيف نستمر على ذلك بعد ما رأينا آثاره المدمرة في الأفراد والجماعات على سواء؟؟
أليس ذلك التناسي هو الذي أدى بنا إلى سيادة شح النفوس الذي به يقتل الأب ولده، والزوجة زوجها والابن والديه؟، أو ليس ذلك التناسي هو الذي أدى بنا إلى تفشي الظلم في علاقاتنا الداخلية والخارجية حتى سفكت الدماء واستحلت الأموال والأوطان والأعراض؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه عنه: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم.
الرحمة
الرحمة رقة في القلب، وإرهاف في الشعور، وهي تستهدف الرأفة بالآخرين، والتألم لهم، وكفكفة دموعهم وتخفيف أحزانهم.
والرحمة خلق إسلامي- بل ديني- أصيل فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تنزع الرحمة إلا من شقي (رواه الترمذي وأبو داود).
ويقول: الراحمون يرحمهم الرحمن. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. (رواه أحمد والترمذي وأبوداود). ويقول مخاطبا أصحابه: لن تؤمنوا حتى ترحموا (وفي رواية تراحموا). قالوا: كلنا رحيم يا رسول الله. قال إنها ليست برحمة أحدكم صاحبه. ولكنها رحمة العامة (رواه الطبراني).
والرحمة إن كانت في هذه الأحاديث النبوية، وفيما يظاهر معناها ومبناها من الآيات القرآنية الكريمة، رحمة إنسانية، فإنها في أحاديث وآيات آخر تتسع لتشمل رحمة الحيوان الأعجم، فتجزى عليها بأعظم الجزاء، وتعاقب على تركها وإهمالها بأشد العقاب.
الإيثار
والإيثار هو تفضيل الغير على النفس، وهو خلق نبيل يقصد به وجه الله تعالى ويدل على صدق الإيمان، وصفاء السريرة، وطهارة النفس. وهو سبيل أكيد إلى تحقيق التكافل الاجتماعي، والتعاون بين الذين يجدون أضعاف ما ينفقون ويحتاجون، والذين لا يجدون ما يأكلون أو يلبسون!.
وفي القرآن الكريم وصف الأنصار والمهاجرين:
ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (سورة الحشر: 9).
وصور الإيثار لا تقتصر على الإيثار في الماديات وإنما تتسع لتشمل الإيثار في المعنويات كذلك.
وقصص الإيثار القرآنية والنبوية لا يحدها حصر، ولكن واحدة منها ينبغي أن نذكرها، ونذكر بها، وتلك هي قصة شهداء اليرموك.
وقد كان من خبرهم أن رجلا من المسلمين وجد ابن عمه في الجرحى، فقال: ما أحوجه وهو في الرمق الأخير إلى شربة ماء، فجاء ليسقيه، فأشار الجريح المحتضر إلى زميل له جريح، وأشار الثاني إلى ثالث... حتى بلغوا سبعة نفر كل منهم آثر أخاه بالماء - أحوج ما يكون هو إليه- فلما رجع الساقي إلى أولهم وجده قد لقي ربه، واستشهدوا جميعا عطاشا، إيثارا من كل منهم لأخيه !!.
إننا لا نطمع اليوم في مثل ذلك- قطعا- ولا ندعو إلى أن يحرم الناس أنفسهم حتى يبلغوا الموت جوعا أو عطشا لإعطاء الآخرين، ولكن هذا المثل- وإن خالف صنيع أصحابه طبيعة البشر- يظل صالحا للتوجيه والتذكير وغرس معنى الإيثار، بما هو من أعظم الفضائل في نفوس الناشئة من البنين والبنات، حتى لا يجرفهم تيار الأثرة السائد، وخلق الأنانية المستشري بما يصنعان في العلاقات الاجتماعية والأسرية والدولية من دمار وتخريب.
العفو
والعفو ترك الحق مع القدرة على اقتضائه مباشرة أو بواسطة السلطة المختصة.
أما مع العجز عن اقتضاء الحق فلا عفو وإنما هو التسليم بالقدر، واحتساب الحق عند الله تعالى.
والقرآن الكريم يأمر بالعفو أمراً عاما:
وأن تعفوا أقرب للتقوى (البقرة: 237).
ويمدح العافين مع القدرة:
والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين (آل عمران: 134).
ويرغب في كسب الأعداء بتحويلهم إلى صفوف الأصدقاء:
ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. (سورة فصلت: 34).
الجرأة في الحق
والجرأة قوة نفسية ضرورية يستمدها الإنسان من إيمانه بالله الواحد القهار، ومن الحق الذي يعتنقه، ومن القدر الذي يسلم به ويستسلم له، ومن المسئولية التي يستشعرها. وعلى قدر نصيبه من ذلك كله تكون جرأته في الحق، وقدرته على الجهر بالرأي الحر.
وقد كان الصحاب الذين تربوا على يد النبي صلى الله عليه وسلم أجرأ الناس في الحق، بل كان ذلك جزءا من البيعة النبوية، فقد روى مسلم في صحيحه أن عبادة بن الصامت قال: " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم... وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ". وفي الحديث: سيد الشهداء حمزة. ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله فدخل الجنة . (رواه الحاكم في مستدركه بسند صحيح.
ــــــــــــــــــــ(42/166)
مميزات السلوك الرومانتيكي لدى الشباب
*محمد زريق
يتميز هذا النوع من السلوك بأمور ثلاث:
1 ـ الاهتمام بتحليل الذات: وتأمل ما يجور في داخل الذات، ووصف هذه المشاعر الداخلية.
2 ـ حب الطبيعة: والهيام بها حباً يبلغ شأواً بعيداً.
3 ـ التمرد على الاوضاع القائمة والتقاليد الموروثة ومن ثم على المجتمع بوجه عام.
وكل هذه الأمور تغشي حياة الشاب بغلالة من الحزن والشجن ويزداد هذا الحزن والشجن كلما أمعن الفرد في عزلته عن المجتمع وولهه في حب الطبيعة.
الرغبة في تأكيد الذات:
ينظر الشاب إلى نفسه على أنه لم يعد ذلك الطفل الذي كان يُنظر ولا يُسمع، يبدأ بالإحساس بأن له شخصية يجب أن تؤكد ذاتها في عالم الوجود، لأن الاضطراب النفسي يجذب انتباهه إلى نفسه كما جذب الاضطراب الجسمي انتباهه إلى جسمه، وهكذا يحس أنه يخوض غمار عالم جديد يختلف عن عالم المراهقة.
لهذا يسعى الشاب ليكون له مركز بين جماعته، فيميل للقيام بأعمال تلفت النظر إليه، ووسائله في ذلك متعددة فهو تارة يلبس ملابس زاهية الألوان والمصنوعة على أحدث الطراز، كما يحاول التصنع في طريقة كلامه وضحكه ومشيته، أو يقحم نفسه في مناقشات تكون فوق مستواه وهو لا يفعل ذلك عن عقيدة بل حباً في المجادلة والتشدق بالألفاظ الرنانة. ويتوهم الشاب أن تدخينه وسيلة لتأكيد ذاته وتدعيم الشعور بالاستقلال الذاتي.
كتابة المذكرات:
وهي من أهم الظواهر دلالة في حياة الشاب، لأنها مظهر لعزلته ولقدرته على التحليل الذاتي ولرغبته في الهرب من القلق النفسي.
وقد لا يبدأ الكتابة من تلقاء نفسه بل يدفعه إلى ذلك خبرات خاصة كالوقوع في حبه الأول أو كارثة تحيق به كالرسوب أو وفاة عزيز أو كالتنبه فجأة لجمال الطبيعة. هناك يحس بحاجة لتناول القلم لتسجيل مشاعره الجديدة.
وكثيراً ما تكون المذكرات بديلاً عن صديق، يبثها الشاب أشجانه ويدلي لها باعترافاته، تخففاً من شعوره بالذنب ويبوح لها بآماله ومشاريعه، فهي إذن وسيلة للتنفيس ولتأكيد الذات، ولذا كانت بالنسبة إليه عزيزة فهو يخفيها في أماكن لا تصل إليها الأيدي ولا تقع عليها الأعين، وهو في الوقت نفسه يخجل خجلاً شديداً من بعض مضمونها، فالإحساس بالذنب يمد جذوره فيها، ولذا يعمد أحياناً لاستخدام رموز يبتكرها لتسجيل الأمور التي يخشى أن تكتشف، وهذه السرية ظاهرة شائعة في مذكرات الشباب.
والشاب لا يسمح لأحد بالاطلاع على مذكراته إلا بعد تعديه مرحلة الشباب، أو لصديق عزيز يثق به كل الثقة.. وقد كتب أحد المراهقين على مذكراته عبارة (تُحرق بعد موتي ويُذرَ رمادها على قبري).
إنها سجل حي لنفسيته في هدوئها واضطرابها وعرض قوي لمختلف انفعالاته وعواطفه.
حب الطبيعة:
وهنا يبدو الشاب كما لو اكتشف الطبيعة فجأة فهو يُقبل عليها ويرى في معالمها ما لم يكن يراه فيها وهو طفل، ففي كل مظهر من مظاهرها معنى جديد يكتشفه الشاب، معنى يتصل بوجدانه وإحساسه ومشاعره.
ويذكر (الدكتور عبدالمنعم المليجي): أن الهيام بجمال الطبيعة ليس إلا الوجه الثاني للهيام بالذات والرغبة في تحليلها، ذلك أن تحليل الذات التي اكتشفها الشاب فجأة يتطلب العزلة والبعد ع الناس، الأمر الذي لا يحققه إلا قضاء الساعات خارج المدينة في حديقة شاسعة أو غابة كثيفة أو على شاطئ بحر ثائر الأمواج أو في صحراء ممتدة...
وقد يكتفي المراهق بتأمل الطبيعة ويطلق لخياله العنان، وقد يتناول الريشة ليسجل مشاهدها إذا كان ذا قدرة فنية، وقد يمسك بالقلم ينظم القصيد أو يسطر الوصف المطول.
الرغبة في مقاومة السلطة:
يرى الشاب نفسه في هذه المرحلة جديراً بالوقوف من المجتمع موقف الناقد يمتحن نظمه وعقائده وتقاليده، ويفكر في رأي أسرته فيه ومعاملتها له، وغالباً ما تكون الأسرة غير آبهة به ولا مقرة برجولته وحقوقه كشخص ذي قيمة خاصة، ويغيظه عجزه عن تحقيق آماله الواسعة وهو لا يرى هذا العجز راجعاً إلى قصور إمكاناته وضآلة قدراته، وإنما يراه رجعاً لعقبات تضعها الأسرة في طريقه، أو يضعها المجتمع على العموم، وتكون النتيجة أن تثور في نفسه رغبة في مقاومة السلطة، ومن هنا تحتدم في نفسه الرغبة في تأكيد ذاته تأكيداً يتوقف شكله على إمكانات الشاب وقدراته وعلى موقف البيئة منه، ولكنه في جوهره تمرد على المجتمع (خفياً كان أو ظاهراً) تمرد قد يؤدي أحياناً إلى عواقب وخيمة، ولكنه وسيلة تكيّف بالنسبة للطور الجديد، وخطوة جديدة للنضج واكتمال النمو النفسي.
ــــــــــــــــــــ(42/167)
ماذا يحدث عندما يهبط الخيال إلى أرض الواقع؟
ما أن تبدأ الطفولة في النهاية حتى يمتلئ الجسد بفوران موسيقي حاد: إن الجسد يستعد للمرحلة الوسطى م ن العمر. وتندفع اليقظة إلى غدد النمو عند الانسان، وما إن تبدأ غدة صغيرة في الضمور، وهي غدة (الثايموس) حتى تبدأ غدد الخصيتين أو المبيضين في اليقظة.
ومهمة غدة (الثايموس) هي تلقين كل خلايا الانسان أسرار حماية نفسها من أي دخيل يهاجمها، وبدء النضج في الخصيتين أو المبيضين يدل الكائن البشري على تأكيد انتمائه إلى الجنس الذي ينتمي إليه سواء أكان ذكراً أم أنثى.
في زمن المراهقة من الطبيعي أن يعلو اهتمام الفتى بالفتاة. ومن الطبيعي أن تذوب النظرة السابقة إلى الفتاة، تلك النظرة التي كانت تكبت المشاعر في الفتى، وتكاد أن تنتهي مسألة التعصب للعب مع الجنس الواحد. فالولد الآن لا يفضل اللعب مع أولاد مثله فقط، بل يفضل أن يضيف إلى صداقاته معرفة أي فتاة من الجنس الآخر، لكن الفتى قد يتحرج من ذلك.
أما الفتاة في هذه المرحلة فهي أيضاً تتمنى التعرف على الفتيان في مثل عمرها، لكن الأمر يختلف من مجتمع إلى آخر. ففي المجتمع الذي يحرم وجود أي علاقة بين الشاب والفتاة إلا في إطار الزواج، نجد المراهقة تملأ خيالها بصداقات لا أحد يستطيع مصادرتها. إنها الصداقة الخيالية مع نجوم السينما والتليفزيون وأبطال القصص العاطفية. وفي نفس الوقت يتم صقل الضمير الأنثوي بطابع التقاليد السائد في المجتمع. ونجد بعض الفتيات يتظاهرن بالخجل بطريقة فيها الكثير من الإزعاج لأنفسهن ولمن حولهن، وفي بعض الأحيان يكون الخجل حقيقياً ونابعاً من الأعماق.
ولأن كبت المشاعر المتعلقة بالجنس الآخر كان شديد الحدة في الفترة السابقة على البلوغ، فإننا نجد أن التعبير عن هذه المشاعر يأخذ درجة من الحدة في الاتجاه المعاكس. إن الشاب يتفجر بالشوق إلى معرفة الجنس الآخر، فيختار الدخول في قصة حب مع مدرسة أو نجمة سينمائية أو تليفزيونية، وهو بطبيعة الحال حب من طرف واحد، وحب خيالي. وفي نفس الوقت يختار الشاب رجلاً أكبر منه يعمل في مجال الإعلام أو الأدب أو التمثيل ليكون مثلاً أعلى له.
ونفس المسألة تصح بالنسبة للفتاة. إنها تختار نموذجاً من الجنس الآخر لتبادله عواطفها، وبطبيعة الحال تكون هذه العلاقة من طرف واحد، وفيها من الوهم وتركيز المثاليات في هذا الشخص ما يفوق التصور.
ويحدث ذلك للشاب والفتاة، لأن بطل قصة الحب الخيالية قد يكون رقيقاً أو دمثاً أو يخيّل لمن يراه أنه شخص يمكن أن يتحدث معه الانسان في كل الموضوعات التي تهم المراهق.
وسرعان ما يهبط الخيال إلى أرض الواقع فيختار الشاب فتاة في مثل عمره ويخصصها لنفسه ـ في الخيال طبعاً ـ كبطلة لقصة الحب أو يتكلم معها في الخيال ويصور لها كل ما في عالمه السحري الخاص ومستقبله الناجح وكيف أنها ستقوم بإنقاذه من هذا العالم الجاف جداً إن هي اعترفت له بالحب.
ونادراً ما يجد الشاب الشجاعة الكافية في مثل هذا العمر ليعترف لهذه الفتاة عملياً بأنه يحبها.
ويستعد لذلك لفترة طويلة. وقد تأتي الشجاعة للشاب لمثل هذا الاعتراف. وقد تتلقى الفتاة مثل هذا الحديث بالسخرية، فيندفع الخجل إلى المشاعر ويتبعه الحرص على الكرامة لتتساقط قصة الحب وكأنها قطع كوب زجاجي تناثر على الأرض.
وكعادة البشر عندما يتغلبون على الخجل بالتجربة، فإن الشاب في بداية مراهقته يتنقل من قصة خيالية إلى قصة أخرى في لمح البصر. وإذا ما نجح في تحديد موعد مع فتاة من الجنس الآخر فليس الهدف أبداً هو أن يفوز بقبلة أو لقاء مكتمل بين رجل وامرأة، إنما الهدف هو أن يستكشف مدى تقبل الجنس الآخر له. إن الشاب في بدء مرحلة المراهقة ينقل إعجابه المبالغ فيه بأمه إلى الفتاة التي يختارها كبطلة لقصة الحب. وتمتلئ مشاعره بالرغبة في حمايتها ومنحها كل الحنان ويتمنى أن يمتلك الارادة التي يكسب بها كل ما يوفر له ولها حياة مثالية تملأ النفس بالطمأنينة، وهذا ما نسميه نحن بالناحية النبيلة في الحب.
ومن أجل أن يحقق المراهق لنفسه حياة سعيدة، فهو يلتفت إلى العالم المحيط به ويحاولإنجاز بعض من الأعمال التي توفر له دخلاً، بل إنه في مثل هذا العمر يبدأ في استكشاف آفاق المستقبل وماذا يريد أن يكون. إنه يتساءل عن العلوم المختلفة، والمهن المختلفة التي يمكن أن تساعد الانسانية كلها.
إن هذه الروح المثالية كان لها جذور خشنة وغير ناضجة عندما كان المراهق في الثامنة من العمر، أما الآن وهو في قلب مرحلة المراهقة فهو يعمق من روحه المثالية، ويبحث عملياً عن مجالات الهوايات والقراءات والأبحاث التي تؤهله للمزيد من النضج والإنتاج والابتكار.
إن الشباب في عامه الخامس عشر لا يحلم فقط بأن يكون انساناً منتجاً، بل هو يحاول ذلك ويتمنى في قرارة نفسه أن يحقق في عامه العشرين قدرة من الاستقلال الاقتصادي عن أسرته. وكثير من الأعمال الروائية العالمية العظيمة، وكذلك المؤلفات الموسيقية واللوحات الفنية والاكتشافات العلمية، قد تم إنجازها في المرحلة الزمنية الواقعة بين المراهقة والنضج.
هكذا يفكر الكائن البشري في استكمال حياته العاطفية، إنه يفكر بالجمال وبالإبداع والاختيار والنمو والإنجاز. ويحرك كل ذلك ما نسميه الدخول إلى عالم الحب. إن الإنسان ينجذب نفسياً قبل الانجذاب الجسدي، بينما الحيوان ينجذب إلى أي عضو من الجنس الآخر من نفس فصيلته لمجرد حلول موسم التزاوج. والانسان يتميز عن الحيوان بأنه يألف شريك تجربته العاطفية من الجنس الآخر. إن هناك المشاعر والأحاسيس والروابط العميقة التي تجعل الانسان مستمراً لسنوات في الارتباط العميق مع شريك حياته من الجنس الآخر.
لكن ماذا عن الحب الأول؟
إن المشاعر تجعل الشاب في عامه الخامس يفكر بعاطفة جياشة في محبوبته، وكذلك الفتاة تفكر بعاطفة فوارة في حبيبها.
إن كلاً منهما يحلم لساعات طويلة بكلمات خيالية ومناقشات عن الحب والجمال والإخلاص والمستقبل. ويرى الشاب فتاته أجمل نساء الأرض وأكثر حناناً من الملائكة، وهي رقيقة كأنها مصنوعة من أوراق الورد. وآه من أي شيء يثير ألمها، وآه من أي خلاف حول أبسط الأشياء: إنه يولد الإحباط. وآه من أي تأخير منها أو غيابها، وآه من كمية الآلات الحادة إن أظهرت الفتاة أي اهتمام بشاب آخر.
وينقلب كل هذا الألم إلى عميق الفرح الغامر إذا انجلت تلك الأخطاء وإذا تمت إزالة سوء التفاهم، فالسعادة لا حدود لها. وإذا اقترب ميعاد رؤيتها، فالسرور مع دقات القلب الفرحان يملآن النفس، والخيالات لا تنتهي من تحت جفون الشاب. إنه يحلم بكوارث غير عادية تمر بحبيته، ويتقدم لإنقاذها ويحرز ـ في خياله طبعاً ـ شهرة لا حدود له، وتقف أمامه كاميرات التليفزيون لتصور هذا الانسان النادر الوفاء.
والمسألة نفسها تصح بالنسبة للفتاة في عامها الخامس عشر، فهي تمر بمثل هذه الخيالات الرومانسية ونوبات الغضب ونوبات الفرح.
لكن ما الذي يجعل الشاب يختار فتاة معينة من بين عشرات الفتيات ويقول لنفسه: (هذه هي التي أحبها)؟
وما الذي يجعل الفتاة تختار شاباً معيناً من بين عشرات الشباب وتقول لنفسها: (هذا هو الذي أحبه)؟
لقد غاض المحللون والأخصائيون النفسيون في أعماق البحار المظلمة للشباب والفتيات، وقرروا أن ما يحدث من اختيار سببه بعض الصفات المشتركة في المظهر الخارجي بين الشاب الذي تختاره الفتاة وبين والدها. وما يحدث من اختيار عند الشاب لفتة معينة هو جزء من الصفات المشتركة في المظهر الخارجي بين أمه وبين هذه الفتاة. إن هذا هو الدافع الذي يجعل الشاب يقول لفتاة ما: (أنت مَن كنت أبحث عنها)، وهذا ما يجعل الفتاة تهمس لنفسها: (هذا هو مَن كنت أبحث عنه). إن مشاعر الحب النائمة في أعماق الشاب أو الفتاة تستيقظ. لقد أحب الشاب أمه أثناء طفولته حباً لا حدود له، لذلك فهو يختار مَن تشبهها ولو بالمظهر، كفتاة أحلام، بينما يسلك هو كسلوك أبيه الذي رآه أعظم رجال العالم أثناء الطفولة.
والفتاة تسلك كسلوك أمها لأنها أثناء الطفولة رأت هذه الأم كأعظم امرأة في العالم، وتختار الفتاة لنفسها حبيباً فيه بعض من سمات والدها لأنه أعظم رجل في العالم. هذا الذي رأته في طفولتها.
إذن ليست الغدد التي تنمو هي الدافع الأول في الانسان لعلاقته بالجنس الآخر، ولكن الصورة الأولى يشكلها عن والديه هي التي تعبر عن نفسها بشكل آخر لحظة اختيار شريك للعمر أو بطل لقصة الحب.
ــــــــــــــــــــ(42/168)
هل من علاج للبلطجة ؟
*محمد خليل
"البلطجة" معناها في الاستخدام الشائع: فرض الرأي بالقوة والسيطرة على الآخرين، وإرهابهم والتنكيل بهم.وهي لفظ دارج في العامية وليس له أصل في العربية، ويعود أصله إلى اللغة التركية، ويتكون من مقطعين: "بلطة" و"جي"؛ أي حامل البلطة، و"البلطة" كما هو معروف أداة للقطع والذبح.
والبلطجة في الاصطلاح هي استعمال القوة لاستغلال موارد الآخرين بهدف تحقيق مصلحة خاصة؛ وهي نابعة من احتياج صاحب القوة -فردا أو مجتمعا أو دولة- لموارد ومواهب وقدرات الآخرين لتوظيفها بطريقة نفعية.
وبغض النظر عن معنى البلطجة، فمن المؤكد أنها أصبحت من الظواهر المعتادة في حياتنا الحديثة -فرديًا وجماعيًا ومؤسسيا- وربما تذكرنا بظواهر القرصنة وقطع الطريق تاريخيًا.
رؤية نفسية للبلطجة
وإذا كان المجتمع ينظر إلى البلطجة على أنها نوع من السلوك المستهجن والمرفوض كان طبيعيا أن تلقى نوعا من الاهتمام بين علماء النفس وخبراء السلوك حتى أنهم يرون أن الظاهرة ليست جديدة؛ بل إن لها جذورا اجتماعية، وتحدث بنسب متفاوتة في مختلف مجتمعات العالم، وهي بالنسبة لمجال الطب النفسي أحد أنواع الانحرافات السلوكية التي تحدث نتيجة الاضطراب في تكوين الشخصية سواء الفردية أو القومية والتي تحتاج إلى التكوين السوي للصفات الانفعالية والسلوكية التي تشكل الشخصية في وقت مبكر، وتتصف بالثبات والاستقرار.
ويرى علماء النفس والسلوك أن هذا الاضطراب؛ قد يتحول إلى نوع من الانحراف والجنوح، وهو الذي يطلق عليه في علم النفس "الشخصية المضادة للمجتمع".
ولعل في هذا المصطلح وصف لما يحدث من خروج على قوانين المجتمع وعدم التوافق مع الآخرين، والاصطدام بالقوانين الاجتماعية والأعراف العامة، وهو ما يوصف أيضا بالشخصية السيكوباتية التي قد تمارس أفعالاً، من بينها البلطجة.
والبلطجة لا ترتبط -بالضرورة- بالعنف؛ فالبلطجي أحياناً لا يكون في حاجة إلى إيذاء الآخرين للحصول على ما يريد أو فرضه بالقوة، بل قد يكون مَكمنُ قوته ظروفا نسبية معينة، مثل سوء استغلال أصحاب رأس المال للعمالة بسبب ظروف السوق والبطالة؛ فهذا نوع من البلطجة، وأحيانا ترتبط البلطجة بحالة من استدرار العطف مثل المتسول الذي يدّعي المرض والحاجة حتى يبتز أموالك.. فهذا أيضا نوع من البلطجة المعنوية التي تستخدم تكتيكاً عاطفياً.
وفي نهاية المطاف توجد بالطبع البلطجة المرتبطة بالعنف، وهي التي تعتمد على التلويح بالقوة بشكل أو بآخر لإلحاق الأذى بالآخرين، وغالبا لا يحتاج البلطجي لاستعمالها بشكل سافر؛ إذ يكفي التلويح بها أو استعمالها مرة واحدة ليصير المتضرر مثالاً يدفع الآخرين للخنوع.. مثال على ذلك المفسدون الموجودون في بعض الأحياء العشوائية كنموذج لبلطجة الأفراد، وبالطبع يقفز للذهن مثال العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بصفة خاصة كنموذج للبلطجة على مستوى الدول والسياسات، بل وتحالفات البلطجة المشتركة.
البلطجة الشائعة -إذن- هي ذلك النوع الذي يعتمد على القوة، سواء كانت القوة البدنية على مستوى الأفراد، أو القوة العسكرية على مستوى الدول والجيوش.. وهذا النوع يعتمد على التلويح بالقوة، وفي أحيان كثيرة استعمالها.
وهذا النوع من البلطجة يفكر فيه البلطجي بقوته المادية، وينظر إلى عضلاته وقدرتها على البطش..
والعنف كما ذكرنا ليس شرطا في ممارسة البلطجة بصفة مستمرة؛ فقد يكفي البلطجي أن يرتكب أفعالا عنيفة مرة واحدة لكي يهابه الناس ويخافونه، ويتجنبون الاحتكاك به؛ بل ويخضعون لكل ما يطلبه، وعلى مستوى الإعلام نلحظ دوراً سلبياً في تمرير ثقافة العنف من خلال مشاهده خاصة في مشاهد الأفلام، ولأن الأسرة لم تعد تقوم بدورها في تنشئة الأبناء التنشئة الصحيحة؛ فقد صار الأبناء كورق الشجر تتقاذفه الرياح؛ فهم يتلقون قيمة من هنا وقيمة من هناك؛ فهم يقضون وقتهم أمام التلفزيون.. بل نلاحظ ما هو أكثر من هذا، وهو حرص الأسر على تنشئة أبنائها على العنف اعتقادا بأن ذلك يجعلهم أقدر على مواجهة الحياة، ولا ننسى ما أصبح شائعا في الأسرة من خلافات بين الآباء والأمهات يتبادلون خلالها العنف اللفظي أو الجسدي، وهذا درس هام بالنسبة للأبناء يتلقونه عن طريق الملاحظة.
وبالنسبة للعامل الثقافي فإننا نلاحظ أن ثقافة اليوم تعتمد العنف وسيلة لحل المشكلات، وتنظر إلى ما تقدمه السينما من أفلام تدور في أغلبها حول البطل العنيف والبلطجي الظريف وتعاطي المخدرات والعصابات؛ فيشاهدها الشباب ويتأثرون بها.
ولعل من النماذج الظريفة لأسلوب البلطجي ما تم في فيلم "الأب الروحي" "God Father"؛ فالبلطجي هنا هو المافيا، ويقول الزعيم عند مواجهة خصمه: "قدموا له عرضا لا يمكن رفضه"، والعرض الذي لا يمكن رفضه هو أن يقبل شروطهم أو أن يقتل، ولكن لا داعي للدماء في البداية؛ فيكتفون بذبح خروف ووضعه له في الفراش ليستيقظ فيجد الخروف المذبوح بجواره في غرفة نومه، وهنا بطبيعة الحال يخطر له أمران: الأمر الأول أن من الممكن ذبحه كما ذبحوا الخروف بعد أن تمكنوا من وضعه له بجواره، وهو نائم على هذه الصورة. والثاني: أن يتخيل شكله وهو مقطوع الرأس. وفي كلتا الحالتين يجب أن يقبل شروط المافيا.
ومن هنا نجد أن أخطر أنواع البلطجة تلك التي لا ترتبط بالعنف بالضرورة، بل تستخدم أساليب أخرى مثل وسائل الإعلام والتلويح بالقوة؛ فهو في النهاية يجعلك تفكر كما يريد، ويحصل منك على ما يريد، وفي حالة فشله لا يتورع عن استخدام أسلوب العنف المباشر.
ومقاومة البلطجي ليست بالأمر الهين؛ فهي تحتاج إلى إعداد ثقافي محوره: "لا تخشَ أحدًا إلا الله"، وجماعة اجتماعية وشعوبًا وأمة لا تقبل تهديدات ولا "عروض" البلطجي (سياسات العصا والجزرة). ثقافة المقاومة قوامها الفرد المؤمن الواثق القوي المناضل في سبيل الحق والعدل؛ فيكون لدينا مجتمع قادر على المقاومة والانتفاض والصمود الصابر، ولعل من أولى خطوات مكافحة البلطجة بمستوياتها التحرر من ثقافة البلطجي ذاته التي قد يستبطنها من يمارس عليه البلطجي إرهابه؛ فيركن للخنوع، ويخضع لأسطورة القوة التي لا تُقهر.
وفي الدراسات النفسية التي تقوم على الفحص النفسي لشخصية هؤلاء المنحرفين أو البلطجية، فإن المظهر العام يبدو هادئا مع تحكم ظاهري في الانفعال، غير أن الفحص النفسي الدقيق يظهر وجود التوتر والقلق والكراهية وسرعة الغضب والاستثارة لدى هؤلاء الأفراد، وهم لا يعتبرون من المرضى النفسيين التقليديين، ولا يعتبرون مثل الأسوياء أيضا، بل هي حالات بينية يمكن أن يؤكد تاريخها المرضي الميل إلى الانحراف والكذب، وارتكاب المخالفات في الجرائم كالسرقة والمشاجرات والإدمان، والأعمال المنافية للعرف والقانون. وتكون الجذور والبداية عادة منذ الطفولة، وهؤلاء لا يبدون أي نوع من تأنيب الضمير، ولا ينزعجون لما يقومون به؛ بل يظهرون دائما وكأن لديهم تبريرا لما يفعلونه من سلوكيات غير أخلاقية في نظر الآخرين. وليس المنحرفون نوعا واحدا؛ فمنهم من يستغل صفاته الشخصية في تحقيق بعض الإنجازات دون اعتبار للوسائل، ومنهم من يتجه إلى إيذاء الآخرين أو تدمير نفسه أيضا، ومنهم من يتزعم مجموعة من المنحرفين أو من يفضل أن يظل تابعا ينفذ ما يخطط له الآخرون.
أسباب البلطجة
1- طبيعة المجتمع السلطوي: فرغم أن مجتمعنا يمر في مرحلة انتقالية فإننا نرى جذور المجتمع المبني على هرمية السلطة الاجتماعية ما زالت مسيطرة. فنرى -على سبيل المثال- أن استخدام العنف من قبل الأخ الكبير أو المدرس أمر مباح، ويعتبر في إطار المعايير الاجتماعية السليمة، وحسب النظرية النفسية الاجتماعية فإن الإنسان يكون عنيفاً عندما يتواجد في مجتمع يعتبر العنف سلوكاً ممكناً، مسموحاً ومتفقاً عليه.
بناءً على ذلك تعتبر المدرسة مركزية؛ إذ يأتي الطلاب المُعنّفون من قبل الأهل والمجتمع المحيط بهم إلى المدرسة ليفرغوا الكبت القائم بسلوكيات عدوانية عنيفة يقابلهم طلاب آخرون يشابهونهم الوضع بسلوكيات مماثلة، وبهذه الطريقة تتطور حدة العنف ويزداد انتشارها. كما في داخل المدرسة تأخذ الجماعات ذوات المواقف المتشابهة حيال العنف شِللا وتحالفات من أجل الانتماء، وهو ما يعزز عندها تلك التوجهات والسلوكيات؛ فيذكر "إذا كانت البيئة خارج المدرسة عنيفة فإن المدرسة ستكون عنيفة".
تشير هذه النظرية إلى أن الطالب في بيئته خارج المدرسة يتأثر بثلاثة مركبات، وهي: العائلة، والمجتمع، والإعلام، وبالتالي يكون العنف المدرسي نتاجا للثقافة المجتمعية العنيفة.
2- المجتمع التحصيلي: في كثير من الأحيان نحترم الطالب الناجح فقط، ولا نعطي أهمية وكياناً للطالب الفاشل تعليمياً.. الطالب الذي لا يتجاوب معنا، حسب نظرية الدوافع؛ فالإحباط هو الدافع الرئيسي من وراء العنف؛ إذ إنه بواسطة العنف يتمكن الفرد الذي يشعر بالعجز أن يثبت قدراته الخاصة؛ فكثيراً ما نرى أن العنف ناتج عن المنافسة والغيرة. كذلك فإن الطالب الذي يعاقَب من قبل معلمه باستمرار يفتش عن موضوع (شخص) يمكنه أن يصب غضبه عليه.
3- الجو التربوي: عدم وضوح القوانين وقواعد المدرسة.. حدود غير واضحة لا يعرف الطالب بها حقوقه ولا واجباته، مبنى المدرسة واكتظاظ الصفوف، التدريس غير الفعال وغير الممتع الذي يعتمد على التلقين والطرق التقليدية.. كل هذا وذاك يخلق العديد من الإحباطات عند الطلاب التي تدفعهم إلى القيام بمشاكل سلوكية تظهر بأشكال عنيفة، وأحياناً تخريب للممتلكات الخاصة والعامة، بالإضافة إلى استخدام المعلمين للعنف، والذين يعتبرون نموذجاً للطلاب حيث يأخذهم الطلاب قدوة لهم.
الجو التربوي العنيف يوقع المعلم الضعيف في شراكه؛ فالمعلم يلجأ إلى استخدام العنف؛ لأنه يقع تحت تأثير ضغط مجموعة المعلمين الذي يشعرونه بأنه شاذ، وأن العنف عادة ومعيار يمثل تلك المدرسة، والطلاب لا يمكن التعامل معهم إلا بتلك الصورة، وغالباً ما نسمع ذلك من معلمين محبطين، محاولين بذلك نقل إحباطهم إلى باقي المعلمين ليتماثلوا معهم؛ فيرددون على مسمعهم عبارات، وهنا تلعب شخصية المعلم دورا في رضوخه لضغط المجموعة إذا كان من ذوي النفَس القصير أو عدم التأثر بما يقولون.
إضافة إلى ما ذُكر فإن الأسلوب الديمقراطي قد يلاقي معارضة من قِبل الطلاب الذين اعتادوا على الضرب والأسلوب السلطوي؛ فيحاولون جاهدين فحص إلى أي مدى سيبقى المعلم قادراً على تحمل إزعاجاتهم، وكأنهم بطريقة غير مباشرة يدعونه إلى استخدام العنف، وإذا ما تجاوب المعلم مع هذه الدعوة فسيؤكد لهم أنهم طلاب أشرار لا ينفع معهم إلا الضرب، ونعود إلى المعلم ذي النفس القصير الذي سرعان ما يحمل عصاه ليختصر على نفسه الجهد والتعب بدلاً من أن يصمد ويكون واعيا بأن عملية التغيير هي السيرورة Process التي تتطلب خطة طويلة المدى.
4- التفكك الاجتماعي: تحدث الانحرافات السلوكية الناجمة عن حالات اضطراب الشخصية -وهي حالات تختلف عن الأمراض النفسية التقليدية مثل القلق والاكتئاب والفصام والوساوس- في نسبة تصل إلى 3% من الذكور، و1% من الإناث، حسب الإحصائيات العالمية في بعض المجتمعات، وتبدأ بوادر الانحراف السلوكي في مرحلة المراهقة عادة أو قبل سن الخامسة عشرة، وتحدث بصفة رئيسية في المناطق المزدحمة والعشوائية، وتزيد احتمالاتها في الأسرة كبيرة العدد، وفي المستويات الاجتماعية والتعليمية المنخفضة. ومن دراسات على أقارب المنحرفين (أو البلطجية) ثبت أن نفس الاضطراب السلوكي يوجد في أقاربهم بنسبة 5 أضعاف المعدل المعتاد، كما أن الفحص النفسي لنزلاء السجون أثبت أن 75% ممن يرتكبون الجرائم المتكررة هم من حالات اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع أو ما يطلق عليه الشخصية السيكوباتية.
هل من علاج؟
1- الوقاية التي هي خير من العلاج ويأتي ذلك بالتخلص من العوامل المساعدة على انتشار الظاهرة مثل عدم توقيع العقاب الرادع، والتباطؤ في تحقيق العدالة وعدم وجود ارتباط مباشر بين ارتكاب المخالفة القانونية وتطبيق العقاب المناسب، والتأخير في مواجهة الحوادث الفردية حتى تتزايد لتصبح ظاهرة.فالوقاية هنا أهم من العلاج، وتبدأ بالاهتمام بالتنشئة؛ لأن الانحراف الذي يصيب الشخصية يبدأ مبكرا، وإذا حدث فإن علاجه لا يكون ممكنا.
2- أما إذا ظهرت بوادر للمشكلة فإن بعضا من الحلول الحازمة التي ينبغي اتخاذها في هذا الإطار مثلما تفعل بعض البلدان التي تقوم بوضع هؤلاء المنحرفين بعد تشخيص حالتهم -وقبل أن تتعدد الجرائم التي يقومون بارتكابها- في أماكن تشبه المعتقلات من حيث النظام الصارم وبها علاج مثل المستشفيات، ويتم تأهيلهم عن طريق تكليفهم ببعض الأعمال الجماعية والأنشطة التي تفرغ طاقة الغضب لديهم.
3- يطرح الإسلام رؤية متميزة في التعامل مع مثل هذه الحالات فهو يتعامل مع مفهوم العنف والعقاب على أنهما مفهومان منفصلان ومختلفان؛ فينبذ العنف، ويدعو إلى الرفق والعطف والتسامح ومقابلة السيئة بالحسنة؛ حيث يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالق الناس بخلق حسن"، وفيما يتعلق بالعنف الكلامي فالإسلام يرفضه رفضاً قاطعاً، ويطالب بعدم الاستهزاء والاستهتار بالآخرين، وهذا واضح من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات: 11).
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يعتبر الإسلام العقاب الجسدي نوعاً من أنواع الوسائل التربوية، ويستخدم لكف سلوك غير مرغوب فيه أو لتأديب إنسان أو ردعه عن ظلم الآخرين؛ فنجد من ذلك إجازة باستخدام العقاب بشكل عام، ويصل إلى العقاب البدني، وهذا ما أكد عليه، مشيراً إلى إمكانية استخدام العنف الجسدي على أن يكون غير مبرح أو ضربا غير شديد وغير مؤلم.
ومن خلال مراجعة القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، باعتبارهما المصدر الأساسي للتشريع نجد أن الإسلام أجاز استخدام العقاب الرادع لحفظ المال والعرض والدين في الجماعة الاجتماعية؛ فتبدأ من الجلد والإيذاء الجسمي إلى قطع الأيدي والأرجل والرجم حتى الموت، وهذا وارد في العديد من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، لا تنكيلاً بالإنسان الذي كرمه الله بل ردعاً للجريمة وترهيباً من مغبتها؛ فقسوة العقوبة هدفها منع الجريمة لا تعذيب البشر.
فالعنف يرتبط بالعدوان، وقد نهى الله -عز وجل- عنه حيث يقول {وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ولإسلام يرى أن العنف غير المبرر والذي لا يقترن بمفهوم القصاص والعدل سلوك عدائي هجومي تخريبي تدميري، تصاحبه كراهية وغضب وممارسة القوة الباطشة لشخص أو جماعة دون مرجعية قانونية أو أخلاقية.
وإذا لوحظ هذا في سلوك الأطفال أو الشباب فإنهم يُعتبرون من ذوي المشكلات.. والعنف ظلم للنفس وللآخرين، ومن الناحية الدينية يُعتبر سلوكًا آثمًا وهو أيضًا سلوك يجرمه القانون.. ومن أكثر ما يميز الشخصية العدوانية الأنانية، والتمركز حول الذات، واللامسئولية، ونقص البصيرة، والميل إلى السيطرة، والتعبير الغامض المندفع الرافض، وعدم ضبط النفس...
4- تجنب أساليب التنشئة الاجتماعية الخاطئة، والتنبؤ المبكر باحتمال السلوك العنيف والعدواني، وتنمية المسئولية الاجتماعية عند الأفراد، والاهتمام بالرياضة (الرياضة البدنية)، وإعادة تأهيل الكبار نحو سلوك حضاري رشيد كي يكونوا قدوة ولمنع السلوك العنيف عند الصغار.
* المصدر : اسلام اون لاين
ــــــــــــــــــــ(42/169)
تأثيرات الالعاب الالكترونية على الجسد, والنفس
* خليل فاضل
لأن تلك الألعاب الإلكترونية تجتاح غرف أطفالنا ومقاهي الإنترنت, التي صارت في كل زاوية, فإن البحث عن حقيقة تأثيراتها السلبية ينبغي ألا يتوقف, وهاهي مداخلة من طبيب مختص يتوقف بجدية عند تأثيرات هذه الألعاب على الجسد, والنفس, معًا.
وأنا أكتب هذا المقال, طالعتني صحف الصباح بخبر مفاده أن (ألعاب الفيديو - المتهم الجديد بترويج العنف... وصرعتها الأخيرة باعت 20 مليون نسخة: جريمة مقتبسة عن بطولة (شقي كمبيوتري) قد تكلف مخترعيه 100 مليون دولار), اتهمت تلك الصناعة الإلكترونية بجعل العنف (سلعة) تقوّي الأطفال والمراهقين والشباب, وتعظم القتلة والسفاحين, مشيرًا إلى أطروحة (مايكل مور) عن تكوين مفهوم (الأمة المدججة) في فيلمه الوثائقي (لعبة بولينج من أجل كولومباين) عن مجزرة أتت على 13 إنسانًا, كما أشار المخرج (جاس فان سانت) إلى الطفلين اللذين قاما بمجزرة المدرسة الثانوية الشهيرة في كولورادو وهما يلعبان بنهم معارك فيديو (بلاي ستيشن Play Station) تحت اسم (الهلاك - Doom), وذلك قبل أن يدججا أنفسهما بالسلاح القاتل. ومن ثم فإن الاتهام واقع لا محالة على رءوس مالكي الصناعات السمعية البصرية التي تعتمد برامجها على العنف, مما دعا مراهقين أمريكيين (باكنر 14 سنة) وأخاه غير الشقيق (كريستوفر 16 سنة) إلى الاعتراف بقتل سائق سيارة عابرة وإحداث شلل لامرأة شابة, حيث طبقا ما يحدث في لعبة (Grand Theft Auto) بتقمص شخصية عدوانية شقية مدججة بأربعين نوعا من أسلحة الجيش الأمريكي, يتصدى للمارة بسيارته الصفراء الشهيرة قاتلاً كل من يراه بالرصاص, قال المراهقان إنهما أحسّا بالسأم فسرقا بندقية والدهما ووجهاها على أول سيارة تمثلا وتوحدا (بالبطل الافتراضي).
يواجه المراهقان حكما قد يصل إلى السجن مدى الحياة بتهمة القيام بجريمة متهوّرة والتسبب باعتداء خطير وتهديد متهور لحياة آخرين. أما أسرتا الضحيتين فقد رفعتا دعوى على الشركة البريطانية المصممة للعبة التي صممت أصلا للكبار (!!!), وخطورة تلك الألعاب الإلكترونية تحديدًا (جراند ثفت أوتو) هي في حجم مبيعاتها الهائل مقارنة بكل ألعاب السوق مما أثر في النظامين العائلي والاجتماعي في مجتمعات تؤكد على الفردية, العزلة, الأنانية, وكره الآخر.
صمم هذا البرنامج مهندسون بريطانيون شباب أصدروا منه أربعة أجزاء, باعت الأخيرة 250 ألف نسخة خلال يومين, وهو أكبر رقم مبيعات في تاريخ صناعة ألعاب الفيديو, فيما بلغت أعداد النسخ التي بيعت خلال السنوات الخمس الماضية (1998-2003) 20 مليونا.
منبهات وردود أفعال
مما لاشك فيه أن التطور الهائل في التكنولوجيا قد جعل التصوير الجرافيكي أكثرحقيقة وواقعية في إطار ما يسمى بالألعاب الإلكترونية.
تقدمت وتطوّرت تلك الألعاب, تجسّدت, ارتكزت, اعتمدت وتمحورت على التكنولوجيا الحديثة, بل استغلتها, وصارت في قلبها, وقدّمت لنا القسوة, دموية مؤلمة, وجنسية فاضحة ومفضوحة, ولشدة الأسف فإن أكثر البشر عرضة لتلك الألعاب وأكثرهم استهلاكًا لتلك الإلكترونيات المصوّرة أطفال.
والطفل العربي - رغم كل الحظر عليه - عرضة أكثر من غيره للتلصص وسرقة الوقت, المكان والزمان, لممارسة تلك الألعاب خلسة في البيت أو مع صاحب, دون رقابة أو في نواد ومقاه (الفيديو جيم) أو (الإنترنت كافيه), أو كليهما, حيث المكسب المادي لمالكيها هو الحَكَمْ, لا غيره, ربما لأن الضغط عليه من الوالدين عال جدا, خاصة من الأم التي تكاد تلفه في ورق سلوفان أو تضعه في صندوق زجاجي, وتتوقع منه أن يكون الأول بامتياز, وألا يخطئ, وألا يرسب, ألا يلعب وأحيانًا ألا يمرح أو يضحك أو يفرح.
إذن فنحن نحتاج إلى نظرة بعيدة, إلى خطة محكمة, ربما إلى لجنة مستقلة تتأمل ما كان, وما سيكون, ترصد مواطن الخطر, تحدد المشكلات التي قد يتسبب فيها الكمبيوتر وألعاب التلفزيون والآثار المحتملة للعب الإلكتروني.
من الواضح, بل ومن المؤكد أن التعرض لـ (الفيديو جيم) فترات طويلة, واللعب المفرط له تأثيرات سلبية أهمها: السلوك الإدماني الوسواسي, نزع (الإنسانية) عن اللاعب, نزع حساسيته ومشاعره, تغيرات في شخصيته, حركة زائدة, اضطرابات في التعلم, تقدم ذهني عن التقدم العمري (شكل عشوائي غير مفضل وغير مفيد), اغتيال لبراءة الأطفال, اضطرابات نفسية حركية, مشكلات تتعلق بالصحة العامة نتيجة قلة الأداء الحركي المرن, التهابات مفصلية, حال من التوتر الاجتماعي ومعاداة الآخرين, فقدان القدرة على التفكير الحر وانحسار العزيمة والإرادة, مع الأسف لا يوجد شكل منهجي تقييمي لآثار (الفيديو جيم) على الأطفال.
وتنقسم الألعاب الإلكترونية إلى منبه ورد فعل, وإلى تنبيه على مساحة إلكترونية واسعة, سنركز هنا على تلك الألعاب التي تنبه وتحدث ردود فعل, والمعروفة باسم (SR) Stimulus Response وهي منتشرة جدا وشعبية جدا, لها طابع قتالي, وتحتوي - غالبا - على سيناريو متنافس للغاية, نشاط منبه قوي يحدث رد فعل أقوى, مستوى عاليا من الإدراك العنيف والإثارة الشديدة.
ليست هناك تفاصيل مصوّرة, منبه سمعي بصري شديد - لا يوجد تميز أو تفريق في الشحنات المرسلة من اللعبة للجهاز العصبي, بمعنى آخر لا جهد حسيا يحتاج إليه اللاعب ومن ثم تنتبه المشاعر للنجاح والفوز أو الإحباط أو الهزيمة - تنبيه خارجي للعبة لا يتسبب فيه ترتيب وتنسيق ذهني داخلي من اللاعب, أي أن الأمر جد مختلف عن عمليات (التذكر - القراءة - سماع كلمات بعينها), وهكذا فمشاعر اللعبة (صناعية), لا علاقة لها بالواقع الذي نحياه. ولنصفها بأنها (مشاعر التحدي) وهي إرادة اللاعب المستفزة تكون محدودة بإطار وحدود اللعبة, تكون حركاته مكررة ومحددة مسبقا مع قليل من التفكير, لا حاجة إلى العزيمة ولا حاجة إلى الإرادة والتفكير.
الجسد والنفس
إن الألعاب الإلكترونية تؤثر في كل مراحل التطور والنمو لدى الطفل, فهي تقدم حالة عضوية خاصة (بدءا من جلسة الكمبيوتر أو الـPlay Station (منصة اللعب) أو غيرهما), إلى كل الطقوس المصاحبة لها, كما أنها - أيضا - تقدم بيئة (مجردة) ومحددة سلفا تعتمد على الأثر الذي تحدثه اللعبة, ففي سن 7 إلى 14 سنة, يحتاج الطفل إلى مشاعر حقيقية, ومعان اجتماعية, أخلاقية, على العكس نجده مدفوعًا إلى دائرة أحاسيس العنف والتنافس اللااجتماعي, وفي حال المراهقين, نجد انحسار التفكير الموضوعي, وانتهاء النشاط الذهني الواعي نتيجة للغوص عميقا في عالم تلك الألعاب الإلكترونية لأنه إذا حكّم المراهق عقله وتفكيره, فسيكون بطيئًا في اللعبة مما قد يؤدي إلى خسارته.
والخطر هنا أن الطفل/المراهق/الشاب وحتى الرجال عندما يتذكرون أحداثًا ومشاهد بعينها من تلك الألعاب المرعبة, كما يتذكرون أحداثًا حياتية سلبية ومؤلمة, يربكهم هذا ويوتّرهم ويتركهم نهبًا لتوتر وكرب ما بعد الصدمة, ولنا هنا أن نورد حالات عقلية بعينها تعود في مجملها إلى تسلسل وتتابع مشاهد وأحداث حدثت في الطفولة الأولى وما تلاها, وهو ما يقوم به المحللون النفسيون من (استدعاء حر), تحليل, مواجهة وتفسير.
تنطبع مشاهد العنف المصوّرة إلكترونيا في تلك الألعاب الجهنمية على سطح العقل الباطن, أو تقبع في صخب في تلك المنطقة الواقعة بين الشعور, واللاشعور, تكمن وتكون بذرة لما هو آت, يحدث هذا أكثر في حالات الأطفال المهيئين أكثر لاستقبال تلك (الاندفاعات) من بيئتهم المحيطة.
والصغار لا يستطيعون - بل لا يتمكنون - من فهم ذلك الفارق الكبير بين العنف المصور في اللعبة ووحشية ما يحدث في الحياة, إنهم لا يحسون بتلك التأثيرات التي تنزع عنهم حساسيتهم, لا يدركون فيستمرون في اللعب ليلاً ونهارًا - دون هوادة - وقد يستمر اللعب لأيام دون كلل أو ملل, لا يقطعه سوى تناول القليل من الطعام, قليل من النوم, والذهاب إلى الحمام لقضاء الحاجة مع إهمال تام في المظهر.
ودعونا الآن نسمِّ بعض تلك الألعاب بأسمائها كما هي Space Invaders, Pack Man, مع ألعاب أخرى شتى عنيفة كانت أم عدوانية, ولنا أن نتأمل تدفق الدم الذي يجعله الـ CD أكثر واقعية, وتصوره التكنولوجيا الرقمية للأقراص الصلبة المتعاملة مع الليزر Lazer Disk. إن التطور الهائل لتلك التكنولوجيا المركبة والمعقدة قد سمح بمشاهدة عنف أكثر تجسيما وتجسيدا للعنف (بما يحويه ذلك من كميات دم تفور في كل مكان), وعلى سبيل المثال لا الحصر, فإن لعبة Mortal Kombat, تصور أحد أبطالها يفصل رأس ضحيته عن جسمه, والآخر يصعقه كهربيًا, والثالث يمزقه إربا حتى أن قلبه الطالع من صدره, وهو مازال ينبض يقطعه بكلتا يديه العاريتين, والرابع يشد رأس غريمه عن جسده ويرفعها كعلامة للنصر, وفي لعبة أخرى Nite Trap نرى مصاصي الدماء متعطشين يتتبعون وينتهكون خمس نساء, يحفرون في رقابهن حفرا بحفارة كهربية ثم يعلقن كالذبائح من أسفل لأعلى.
إن ذلك الفعل العنيف المراوغ الحي بكل تقنياته - مع الأسف - يجعل من العنف أكثر واقعية, وندخل من هذا المدخل الصعب إلى ما يمكن تصوّره عن ذلك الزخم الذي يصاحب تسويق تلك الألعاب الإلكترونية, وهو أمر يصعب أحيانًا تصديقه.
إن تلك الأعداد المهولة من تلك الألعاب المزعجة والمسلية في آن واحد, وتجارتها وتداولها, أصبحت أمرا يستحق التوقف والدراسة.
ولو حصرنا أعداد الألعاب الموجودة حاليا داخل كل بيت عربي يمتلك المقومات الاقتصادية لشرائها, لاستطعنا رؤية الأمر بوضوح, ففي الولايات المتحدة تحديدًا في جريدة ساو باولو عدد 2 فبراير 1992 نجد في صفحتي 9و10 أن 76% من البضاعة المعروضة للبيع والشراء هي ألعاب إلكترونية, والباقي مجرد دراجات, كتب, وخلافه...هل يعكس هذا بأسى حالنا وحال كوننا في الألفية الثالثة!!
ماذا نفعل?
إزاء كل هذا ماذا نحن فاعلون? في أستراليا تحرّكت مجموعة من البرلمانيين لوضع حد على الألعاب التي تحوي في طياتها عنفًا وجنسًا, فلعبة Nite Trap, صودرت ومنعت من الأسواق بأمر المحكمة حتى صدور تصنيف حكومي لتلك الألعاب كما في الأفلام (للكبار فقط), ويقترح التقسيم العام (كل الأعمار), وعام (للأطفال فوق سن الثامنة), وبالغون (لمن هم فوق سن 15سنة) ومحدود (لمن هم 18 سنة فما فوق فقط), ومرفوض Refused R ممنوع مطلقا. فألعاب مثل Mortal Kombat & Street Fighter II Turbo تشد اهتمام الأطفال من 8 سنوات فما فوق, أما Nite Trap, فتشد اهتمام البالغين 15 سنة فما فوق.
وبذلك التقسيم والمراقبة والترتيب, قد تزول بعض مخاوفنا (لا كلها بالطبع), وفي بعض المدن الأمريكية يمارس عمدتها التدقيق على بيع, وشراء, وتأجير الألعاب الإلكترونية مانعين ذلك بتاتًا خلال ساعات الدرس وأيام الدراسة, وبالطبع فإن مسألة المنع التام ستعيد إلى أذهاننا (تفاحة آدم) المحرمة, وأن كل ممنوع يصير مرغوبًا أكثر, لا لشيء إلا لأن أهم ما في الموضوع هو ضمير الإنسان نفسه, ولي أمر كان أو مراهقا أو بائعا, لكن المسئولية الكبرى تقع على عاتق الوالدين لأنهما المتحكمان في عملية الشراء واللعب والوقت لأولادهما كما يجب أن يراقبا بحذر وبحب عملية اختلاط الأولاد بأولاد آخرين, وتبادلهم تلك الألعاب وتوخي ضرورة التعاون والتواصل مع أولياء الأمور الآخرين بغية تكوين شبكة اجتماعية متآلفة ضد خطر عنف اللعب الإلكتروني بكل ما يحويه من دمار نفسي وعصبي, ولمنع تلك الآفة من أن تصبح وباء, من أجل تحقيق وعي اجتماعي عام يتمحور حول أخطار استخدام تلك الألعاب وآثارها الجانبية خاصة على النشء.
ــــــــــــــــــــ(42/170)
الاحتلام .. صحة أم مرض؟
* مجموعة من الأطباء العرب والعالميين
هي ظاهرة صحية في سن الشباب، إذا كانت في حدود المعقول أما إذا زادت على ذلك فهي مرضية وهنا يجب التدخل وطلب العلاج.
فما هي الحدود التي يكون معها الإحتلام طبيعياً وما هي المظاهر التي تدل على أنه حالة مرضية؟
هذه هي الإجابة العلمية بالتفصيل:
الإحتلام أثناء النوم يحدث في الذكور طبيعياً منذ حدوث البلوغ وأثناء فترة الشباب وأحياناً بعد هذه الفترة. ومن المعروف أن فسيولوجية هذا الإحتلام مصحوبة بأحلام جنسية وأن تعدد مرات حدوث هذه الظاهرة يختلف من شخص لآخر، ومن وقت لآخر. وقد يحدث الاستحلام لمدة شهر أو أكثر بعد تكراره مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع، وهذا يعتبر طبيعياً وليس مرضياً.
ولعل سبب هذه الظاهرة قد يكون نفسياً أو فسيولوجياً فمثلاً كثرة التفكير في الجنس أثناء النهار أو قبل النوم ومشاهدة الصور والأفلاما لجنسية قد تؤدي إلى حدوث الإحتلام ليلاً كما أن احتكاك الأعضاء التناسلية أو تكرار اهتزازها كثيراً، قد يسبب حدوث الإحتلام أو كثرة مزاولة العادة السرية أو الإصابة سابقاً بالسيلان أو أي أمراض ميكروبية أو فيروسية أو طفيلية، وأحياناً كثرة الاحتلام تحدث في بعض الأشخاص المصابين باضطرابات نفسية.
ويلاحظ أنه لا يوجد خط واضح محدد وفاصل لمعرفة ما إذا كان هذا الاحتلام مرضياً أو طبيعياً فسيولوجياً، فقد يكون الشخص سليماً ولا يحدث له أكثر من الإحتلام لمدة أشهر وآخر قد يحدث أكثر من إحتلام في الأسبوع. وقد يلاحظ عدم إصابة كل من هذين الشخصين بأي أعراض أو مضاعفات وهذا يعتبر طبيعياً في كلتا الحالتين.
وأحياناً قد يشعر الشخص بإجهاد وتعب وإرهاق في صباح اليوم التالي وأحياناً بصداع في الرأس وآلام في الظهر أو في المفاصل وأحياناً يكون ذلك مصحوباً باضطرابات نفسية كالشعور بالكآبة. وقد يشعر أيضاً بأعراض أخرى مثل آلام خلف العينين واضطرابات في البصر. كل هذا يكثر حدوثه عند الأشخاص المرهفين حسياً والذين يبالغون في اضرار فقدان هذا السائل الذي يظهر عند الاحتلام وينظرون إليه على أنه سائل الحياة وأن فقدانه سوف يؤثر عليهم جنسياً وفي قوة الإنجاب، وهذا بطبيعة الحال وهم كبير وليس له أي أساس من الصحة.
لذلك يجب على الطبيب المختص أن يعمل على مناقشة مريضه مناقشة ودية صريحة وأخوية ويجب أن يعلمه ويؤكد له ويعطيه الثقة بأن الاحتلام ظاهرة فسيولوجية طبيعية وهي لا تدل على أية اضطرابات أو ضعف جنسي وهي لا تؤثر على قوة الانتصاب أو الإنجاب عند الزواج.
وقد يكون هذا كافياً لإزالة هذه المخاوف، وقد توصف للمريض مقويات عامة وذلك للتغلب على ما قد يحدث من الشعور بالضعف والإرهاق. أما إذا زاد الاحتلام عن حده أي أصبح يومياً فقد يؤدي إلى توتر الحالة النفسية والمعنوية والصحة العامة للجسم، وهذا قد يؤدي إلى فقدان القوة البشرية ونقص في قوة الاحتمال والتركيز على العمل اليومي.
وهنا يجب أن يتدخل الطبيب المختص علاجياً لأن هذا قد يكون ناتجاً عن ضعف أو تراخٍ في العضلات القابضة للحبل الناقل للسائل المنوي أو اضطرابات في مركز الأعصاب المسؤول عن عملية قذف السائل المنوي، أو سائل البروستاتا والحويصلات المنوية أو احتقان أو التهاب في غدة البروستاتا أو غدتي الحويصلات المنوية اللتين تقعان فوق البروستاتا وتحت المثانة. وبعد الكشف الدقيق على المريض إكلينيكياً فقد يوصي بعمل تحليل البول وإفراز البروستاتا والحويصلات المنوية أو تحليل لنفس سائل الاحتلام واكتشاف سبب الاحتلام. وعلاجه قد يؤدي غالباً إلى شفاء المريض وقد يشكو المريض من كثرة الاستمناء وكثرة الاحتلام والقذف المبكر معاً.
وقد يلاحظ ان كثرة الاحتلام عند البعض قد تؤدي إلى القذف المبكر وإن كثرة ممارسة الاستمناء قد تؤدي إلى الضعف والعجز الجنسيين.
ويجب الكشف الدقيق على الشخص الذي يشكو من الاحتلام وتوعيته بأن الاحتلام عموماً ظاهرة صحية طبيعية وليست ضارة ولكن هي مفيدة أحياناً للشخص إذا كانت في الحدود المعقولة الطبيعية. أما إن زادت عن حدودها العادية فيجب معرفة العوامل المسببة والكشف على الصحة العامة والجسمانية والنفسانية والعصبية والكشف على غدة البروستاتا والحويصلات المنوية وتحديد السبب وعلاجه.
ويجب إرشاد الشخص إلى ممارسة الرياضة أياً كانت ما عدا ركوب الخيل والدراجات وكذلك الموتوسيكلات كما أنه يجب تشجيعه على القيام ببعض الرحلات في الهواء الطلق بخلاف تشجيعه على الهوايات المختلفة وذلك حتى يظل دائماً مهتماً ومشغولاً بهذه الهوايات المفيدة.
أما من ناحية غذاء المريض فيجب أن يكون بسيطاً وأن يمتنع عن أكل الأطعمة المحتوية على البهارات والإقلال من النشويات والدهنيات وخصوصاً إذا كان بديناً أو يقترب من البدانة وأن تكون وجبة العشاء خفيفة. كما يجب إرشاد المريض بعدم إثارة نفسه والبعد عن التركيز على أعضائه التناسلية وتجنب قراءة الروايات الجنسية ومشاهدة الأفلام والصور المثيرة جنسياً.
كما انهي جب الكشف على الأعضاء التناسلية لاكتشاف زيادة حساسية جلد العضو التناسلي أو وجود ضيق في الحشفة .. حتى يمكن معالجة كل منها.
وينصح المريض بألا ينام والمثانة والمستقيم في حالة امتلاء فيجب تفريغهما قبل النوم ويجب معالجة أي إمساك يشكو منه المريض كما يجب إرشاد المريض إلى أن يقوم في أي وقت ليلاً لكي يبول عند شعوره بالحاجة.
وينصح المريض بالبعد عن الملابس الضيقة كالبنطلونات والملابس الداخلية وذلك لتجنب حدوث زيادة واستمرار احتكاك الأعضاء التناسلية بما قد يؤدي إلى حدوث احتقان في غدة البروستاتا والحيوانات المنوية، مما قد يؤدي إلى كثرة حدوث الاحتلام.
وإذا شكا المريض من كثرة حدوث الاحتلام وخصوصاً أثناء نومه على ظهره فينصح بلف فوطة على وسطه وعقدها من الخلف في أنحاء ظهره فإن ذلك يساعده على أن ينام على جنبه وقد تنتج كثرة الاحتلام عن التهابات في قناة مجرى البول الخلفية أو البروستاتا فيجب علاج كل منهما.
* إعداد: محمد رفعت
ــــــــــــــــــــ(42/171)
أخلاقية الأسلوب في الحوار
تتمثل أخلاقية الأسلوب في الحوار ، في :
أ . الموضوعية في الحوار والتحرّر من المؤثرات الجانبية التي تبعدك عن طريق الوصول إلى بيت الحقيقة . وقد كان النبيّ (ص) يحاور المشركين ليقودهم إلى الإقرار بالحقيقة من خلال تجميده لقناعاته
فرغم أنّ النبي لديه (كتاب مبين) لكنّه يطالب محاوريه بالابتداء من نقطة الصفر وتناسي الخلفيات الفكرية والعقيدية ، حتى يكون الحوار متحرراً من أي عامل خارجي .
ولأجل أن نضع ذلك في إطاره الواقعي ، فإنّنا لا يمكن أن ننكر أو نتجاهل خلفياتنا الفكرية ، فالمسلم يحاور وهو يحمل فكر الاسلام في داخله ، والكافر يحاور وهو يحمل آراءه في ذهنه ، ولكنّ المراد من تجميد القناعات السير بالحوار خطوة خطوة وذلك باستدراج العقل إلى ساحة الحقيقة دون ضغط وإنّما بإدراك أن هذا الذي يقوله الآخر ذو حجّة بالغة وبرهان ساطع ودلائل مقنعة .
وقد تكون المؤثرات نفسية تنطلق من الحبّ والبغض والمزاج والتعصب ، ولو تابعت جميع حوارات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة من أهل بيته (عليهم السلام) لرأيت أ نّهم كانوا يحاورون الكافرين والمشركين وأبناء الديانات الأخرى بحبّ ، أي أ نّهم لم يكونوا يكرهونهم ولكنهم يكرهون كفرهم وشركهم ونفاقهم ، فيعملون ـ من خلال الحوار ـ على تخليصهم من هذه الانحرافات .
اُنظر إلى هذه المحاورات التي تجري بالحكمة والموعظة الحسنة :
«قدم إلى المدينة المنورة اعرابي من البادية وذهب إلى المسجد النبويّ كي يظفر بمال من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فرأى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) جالساً بين أصحابه ، فدنا منه وطلب مساعدته ، فأعطاه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئاً من المال ، إلاّ أنّ الاعرابي لم يقنع بما أعطاه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث رآه قليلاً ، فتفوّه على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بكلمات بذيئة مما أثار غضب أصحاب النبي عليه فقاموا يريدون طرحه أرضاً ، فأبى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم ذلك ، ثمّ خرج مصطحباً الاعرابي إلى بيته فزاده شيئاً من المال فأظهر الرضا والامتنان ، وقال : جزاك الله من أهل وعشيرة خيرا .
فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّك قلت ما قلت وفي نفس أصحابي من ذلك شيء ، وأنا أخشى أن يصيبك منهم أذى ، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلته بين يدي حتى يذهب ما في صدورهم عليك ، فاستجاب الاعرابي لذلك ونفّذ ما وعد به .
وهنا أراد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقدّم لأصحابه درساً في (الحوار) البعيد عن الانفعال و (العنف) فقال : مثلي ومثل هذا ـ يقصد الاعرابي ـ مثل رجل له ناقة شردت منه فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلاّ نفورا ، فناداهم صاحبها : خلّوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها منكم وأعلم ، فتوجّه لها بين يديها فأخذها من قمام الأرض فردّها حتى جاءت واستناخت وشدّ عليها رحلها ثمّ استوى عليها» !
إنّ الحوار الذي يدور في جو نفسي رائق أضمن في الوصول إلى النتائج المرضية . ولذلك لا نتردد في القول إنّ (الحوار فن) وليس قدرة كلامية أو ثقافية فقط .
وإليكم مثلاً آخر :
فلقد جرت المحاورة التالية بين الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)وبين نصراني أراد الاستهزاء به وبلقبه (الباقر) ، فقال له :
ـ يا بقر !
والكلمة جافية جارحة يمكن أن تكون باعثة على الردّ بانتقام ، لكنّ الإمام أجابه بهدوء : أنت تسمّيني (بقراً) وجدّي رسول الله أسماني (الباقر) !
وأراد النصراني الإمعان في استخفافه بالإمام ، فقال : يا ابن الطبّاخة ! لكنّ الإمام بقي محافظاً على هدوئه واتزانه ، فقال : تلك هي حرفتها !
ولمّا لم تُجدِ الشتائم السابقة نفعاً ، قال النصراني : يا ابن الزنجية البذيئة !! أي انّه طعنه في سمعته وشرف أمّه ، ولكنّ الإمام لم يخرج عن اتزانه وهدوئه قط ، بل قال له : إن كنت صدقت غفر الله لها ، وإن كنت كذبت غفر الله لك !!
وإذا أردنا تقويم هذا الحوار ، فإنّه حوار غير متكافئ ، فأحد الطرفين يسيء إلى أدب الحوار وإلى المحاوَر ، والآخر يحافظ على أدب الحوار حتى النهاية ، لكن درس هذه المحاورة يأتي في عاقبتها أو نتيجتها ، فإن حوار الإمام بالتي هي أحسن هو الذي دفع النصراني إلى الانقلاب والاسلام على يدي الإمام الذي رأى فيه نموذجاً راقياً من نماذج الحوار .
ونحن على أتمّ اليقين في أن شبابنا وفتياتنا الذين يراعون أدب الحوار وأخلاقيته قادرون على الإقتداء بذلك .
ب . روحية الانفتاح والمرونة : افتح قلبك لمحاورك ، وقد قيل إنّك إذا أردت أن تفتح عقله فافتح قلبه أوّلاً ، فالحقد والبغضاء أبواب موصدة وأقفال صدئة لا تفتح عقلاً ولا قلباً ولا أذناً .
لا تتهمه بشيء .. ولا تحمل كلماته محمل السوء ، ففي الحديث : «ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه» فالقاعدة الاسلامية في التعامل مع الآخرين سواء في الحوار أو في غيره ، هي أن تحمل أقوالهم وأفعالهم على الصحّة ، ولا تلجأ إلى الاحتمالات السيِّئة ، ففي الحديث : «لا تظننّ كلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملا» .
ج . التركيز على نقاط الاتفاق : الحوارات التي تبدأ بمناقشة نقاط الاختلاف والتوتر ، أو ما يسمّى بالنقاط الحادة والساخنة حوارات كتبت على نفسها الفشل سلفاً ، فلا تسقط الحوار بإثارة مشاعر محاورك في نقاط الاختلاف وإنّما أكّد على نقاط الالتقاء أو ما يسمّى بـ (الأرضية المشتركة) حتى تمهّد الطريق لحوار موضوعي ناجح ، والقرآن الكريم يضع هذه القاعدة الحوارية المهمة في صيغة الآية الكريمة : (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أربابا )(7) .
د . أدب الحوار : وأدب الحوار ـ كما قلنا ـ هو جزء من أخلاقية الحوار ، ويستدعي مراعاة الأمور التالية :
1 ـ استخدام اللغة المهذبة ، فالكلمات التي تندرج تحت عنوان الشتائم والسباب والتشهير والتسقيط ليست كلمات جارحة ونابية فقط وإنّما كلمات هدّامة لا تبقي مجالاً للحوار ولجسوره بل تنسفها نسفاً ، ولذا قال الله تعالى وهو يعلّمنا لغة التهذيب حتى مع المسيئين : (ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدواً بغير علم )(8) . وقال تعالى : (ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )(9) .
2 ـ استخدم اللغة الرقيقة اللينة ، فالكلمات التي بين يديك فيها (حسن) وفيها (أحسن) .. اختر الأحسن ما أمكنك ذلك لأ نّه يعمّق العلاقة النفسية والفكرية مع محاورك ، ولذا فإنّ الله سبحانه وتعالى حنيما طلب من موسى وهارون (عليهما السلام) أن يحاورا الطاغية فرعون ، قال لهما : (اذهبا إلى فرعون إنّه طغى * فقولا له قولاً لينا )(10) أي استعملا في حواركما معه لغة شفافة فيها لطف وليس فيها عنف ، ذلك أنّ الكلمات الجافة والقاسية توصد أبواب الاستجابة وتغلق طريق الحوار ، وذلك قوله تعالى : (ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك )(11) .
3 ـ احترم رأي محاورك ، لأن ذلك يخلق حالة من الانفتاح على الأفكار المطروحة للنقاش ، واعلم أن احترام الرأي غير احترام الشخص ، فقد تحاور إنساناً ضالاًّ وقد تحترم بعض آرائه ، أي أ نّك لا تستخفّ بها فتجعله يسخّف آراءك أيضاً ، لكنّ الاحترام في الحوار هو جزء من أدب الحوار ولا يعني تبنّي واعتناق تلك الأفكار .
4 ـ وهناك توصيات لأدب الحوار ، منها : الالتفات إلى محاورك وعدم إبعاد نظرك عنه وكأ نّك تتجاهله ، وأن لا ترفع يدك كمن يهمّ بضربه ، وأن لا تضرب على فخذك لأن تلك علامة الانفعال والتشنج والتأزم النفسي ، وعدم رفع الصوت عالياً .
وحتى نلخّص أخلاقية الحوار وأدبه ، نقول :
ـ ادر الحوار بعقل بارد بعيد عن التوتر والإثارة ، وتذكّر أنّ المحاور المتشنج مهزوم حتى ولو كان الحق إلى جانبه ، ولعلك قرأت قصة (المفضل بن عمر) وكان شاباً مؤمناً حيث دخل ذات يوم إلى المسجد النبوي وسمع بعض المنكرين لنبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتحدّثون بالإلحاد هناك فغضب (المفضل) واسمعهم كلاماً قاسياً ، فقالوا له :
«يا هذا ! إن كنت من أهل الكلام كلّمناك ، فإن ثبتت لك حجّة تبعناك ، وإن لم تكن منهم ، فلا كلام لك .
وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمد الصادق فما هكذا يخاطبنا ، ولا بمثل دليلك يجادلنا ، وقد سمع من كلامنا أكثر مما سمعت ، فما أفحش في خطابنا ، ولا تعدّى في جوابنا ، وإنّه الحكيم الرزين ، العاقل الرصين ، لا يعتريه خرق ولا طيش ولا نزق ، ويسمع كلامنا ، ويصغي إلينا ، ويستغرق حجّتنا ، حتى إذا استفرغنا ما عندنا ، وظننّا أ نّا قد قطعناه ، ادحض حجّتنا بكلام يسير ، وخطاب قصير ، يلزمنا به الحجّة ، ويقطع العذر ، ولا نستطيع لجوابه ردّاً ، فإن كنت من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه» .
والمقطع السابق يوضح أصول الحوار وأسلوبه وشروطه ويمثلها خير تمثيل .
ـ ركِّز على الأساسيات ولا تدخل في التفاصيل فتضيع في دهاليزها ، لأنّ الخوض في الجزئيات والثانويات والفرعيات يفقدك جوهر الموضوع ولا يؤدي إلى نتيجة .
ـ مرّ على الماضي ، ولكن لا تركز عليه فهو ليس مسؤوليتك الآن .. حاور في المسائل الراهنة .
ـ واصل الحوار .. فالحوار قد لا ينتهي في جلسة واحدة ، وإذا كانت هناك عدّة جلسات حوارية ، ففي الجلسات القادمة ابدأ من حيث انتهيت .
ـ بهدوئك وأدبك وأخلاقك جرّ محاورك إلى ساحة الأدب والتهذيب والتزام أصول الحوار ، وإذا رفض فلا تدخل في مهاترة .
ـ لتكن (الحقيقة) غايتك من الحوار ، فما عداها لا يمكن اعتباره حواراً جاداً ونافعاً .
* المصدر : البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/172)
إبداع الشاب ... الحوافز والعوائق
* منى فياض
ما الذي يعوق مجتمعاتنا ويبعدها عن العملية الإبداعية? هل هو المناخ, أم التربية الخاطئة, أم ظروف التخلف الخانقة?
في العام 1927 كانت فرجينيا وولف أول من تنبّه إلى مسألة مهمة وأساسية بالنسبة لموضوع الإبداع عند النساء, وأصدرت كتابًا بعنوان (غرفة تخص المرء وحده), وهو يعد أول بيان نسوي متبلور في مسيرة الدفاع عن حقوق المرأة. وأشارت فيه إلى ضرورة توافر حد أدنى من المقومات المادية (غرفة ومردود مادي) التي تساعد المرء (وهنا المرأة) على الإنتاج الفكري أو الإبداع أكان ثقافيًا أم غير ذلك.
ومع أن وضع المرأة في بلادنا لم يتحسن كثيرًا عما كان عليه في تلك الفترة في أوربا, إذ لاتزال المرأة تعاني في بلادنا عدم الاعتراف بحقوقها كإنسان تام. لكن تجدر الإشارة بداية إلى أن شروط الإبداع العامة والتي تتخطى الفرد والجندر (النوع الاجتماعي) كي تشمل المجتمع ككل غير متوافرة بشكل عام في بلادنا. وإذا كانت المرأة, كفرد, تحتاج كي تنتج فكرًا أو فنًا أو أي شيء آخر إلى غرفة وعمل (وتعليم بالطبع قبل ذلك), فإن الإبداع كما يرى ألفريد كرويبر ليس مجرد موهبة شخصية: (إن العبقرية الفردية ليس لها أدنى قيمة تفسيرية عندما نناقش الإبداع, وهو بيّن من أجل التدليل على قضيته, أن ما يسمى بالعبقرية المبدعة ليست موزعة بشكل عشوائي عبر التاريخ, ولكنها تتجمع بدلاً من ذلك على هيئة تشكيلات. وتشمل هذه التشكيلات العصور الذهبية, وهي عصور تفصل بينها فجوات طويلة أو عصور ظلام يركد فيها الإبداع الثقافي).
لقد استبعد كرويبر أي تأثير للعرق على إبداع الجنس البشري, وقال إن المناخ الثقافي الذي يوجد فيه الفرد هو المحدد الوحيد للإبداع, والإبداع في حضارة معينة ينمو أو ينمحق ليس باعتباره أمرًا يتزامن مع ممارسات الزواج الإنسانية, بل مع نمو النمط الثقافي وتشبعه واضمحلاله. وهنا لا يمكن أن نخدع أنفسنا وندّعي أن مجتمعاتنا العربية هي مجتمعات تشكّل تربة خصبة للإبداع من أي نوع كان, فعدا عن مشكلة الأمية المتفشية, وعدا عن وضع المرأة غير المرضي, نجد أن الرقابة, على الأقلية التي تقرأ, تنحو لأن تشمل مجمل أوجه نشاطنا. وخاصة تفكيرنا وقراءاتنا, وإذا ما بقي الحال على ما هو عليه فسوف يُمنع من الكتب عدد يفوق ما هو مسموح به. وذلك كله يشكّل على كل حال نوعًا من المناخ القمعي العام الذي يستدخله الإنسان العربي ويظهر على شكل رقابة ذاتية خوفًا من التكفير والاغتيال. وما ينتج عن ذلك ليس سوى الخوف والركود الثقافي والإبداعي.
يجعلنا ذلك نسأل, ما الذي يعيق هذه المجتمعات ويبعدها عن الإنتاجية الإبداعية بكل أوجهها?
يبرهن العديد من الأبحاث عن عمق تأثير البنى الاجتماعية على بنية الشخصية. إن التغيير في تنظيم وإنتاج وتوزيع الثروات يغير في بنية الفرد النفسية كما يؤثر في مجموع أحكامه القيميّة والتربوية. إن التغير على المستوى النفسي يسبقه تغير على المستوى الاجتماعي. المجتمع هو الذي يحدد أي نمط من الشخصية هو سوي أو مرضي, يحدد القيم المقبولة أو المرفوضة. وهنا لابد من الإشارة إلى تغير مفهوم العمل كقيمة في الغرب في الحقبة الصناعية وإبان ما عرف بالثورة البرجوازية. فبعد أن كان العمل معتبرًا كقصاص (التوراة), صار العمل هو الذي يعطي الحياة معناها. وتم استبدال الحيوانات الرمزية من أسد وذئب ونسر إلى نملة ونحلة وسلحفاة (لافونتين) وصار الفراغ أم الرذائل. يشير هنا (تونيس) إلى أنه في العلاقات البدائية يغلب تطلب الاستمتاع على طلب العمل والإنجاز. لكن تطلب الاستمتاع مازال سائدًا في بلادنا. وأورد فيما يلي استشهادًا من كتاب تربية مدنية يدرس لطلاب السنة الأولى الابتدائية, كان يدرس فيه ابني في حوالي العام 1994, حيث يعلمون التلاميذ ما يلي: (أن الفلاح والمزارع يعملان والعمل متعب. والتاجر والكاتب يعملان وذلك متعب. التلميذ يدرس والدرس عمل وهو متعب!) ولا يحتاج هذا (الدرس) إلى تعليق, فالعمل لم يتحول بعد في بلادنا إلى قيمة, ولم يصبح بعد مصدرًا للمتعة أو مرادفًا لها. العمل متعب ومضن, فالمتعة هي في التبطل.
دور التربية
يجعلنا هذا نطرح على أنفسنا السؤال التالي: في حال توافر المقعد الدراسي للجميع! ما القيم التي تنقل إلى الأجيال الجديدة? وهل تقوم التربية في بلادنا بدورها في بلورة شخصيات يمكنها أن تكون قادرة على استيعاب الماضي, عبر اتخاذ مسافة منه وليس عبر الاندماج الالتحاقي فيه? وكيف نواجه الحاضر? وكيف نستعد من أجل تهيئة المستقبل وتطويره?
لكي يتمكن الناس من تنمية قدراتهم والمشاركة بحيوية في مجتمع ينمو ويتطور, من المهم تكوين أشخاص أحرار وخلاقين ويمتلكون القدرة على المبادرة والابتكار وليس مجرد شخصيات جامدة. بحيث يكون في استطاعتهم أن يكونوا ذواتهم وأن يتحملوا مسئولية أنفسهم في الوقت نفسه الذي يأخذون فيه على عاتقهم التغير المحيط بهم, والمتعلق بالأشخاص وبالأشياء, ويكون باستطاعتهم استخلاص قواعد سلوك وتنمية مقدرة على الفعل والتفكير والصداقة والانفتاح.
وكلما كانت هذه البنى الاجتماعية جامدة قلت فرص الإبداع عند الشبيبة.
وكان هذا الأمر واضحًا في عينتنا من المراهقات اللواتي قمنا بدراستهن, فالمدرسة ليست فقط مكانًا لنقل معلومات جامدة وغير مساعدة على الإبداع, بل هي طاردة لفئات معينة من الفقيرات, ولا تأبه لمصير البنات اللواتي يجدن صعوبات في الانتماء إليها:
تتعدد أسباب ترك المدرسة, فهناك من يتركها بسبب صعوبة المواصلات من ناحية, وبسبب التعامل السيئ معها وعدم متابعة الأهل لوضعها المدرسي. وهذا يعود إلى البيئة الفقيرة والتي (تخجل) ربما من التعامل مع مدرسات ومدرسين (عندهم شوفة حال) الأمر الذي يشعرهم بالدونية حيالهم ويبعدهم عنهم. يضاف إلى ذلك طبعًا غياب الدافعية الأساسية لدى الفتاة.
يعد تغيير المدارس المتعدد في البيئات الفقيرة أحد أسباب التسرب المدرسي. غيّرت طالبة تدعى (هبة) خمس مدارس, وهذا ما يحصل معظم الأحيان في هذه الأوساط. كانت تغير مدرسة في كل عام. لكنها تجد أن ما جعلها تكره المدرسة وتفكر في تركها ربما موقف معلمات المدرسة اللواتي لم تعد تحبهن خاصة عندما ترى واحدتهن ممسكة بالسيجارة وجالسة تدخن, فلا يعجبنها وتجد أنهن (بيشوفوا حالهن). وهي لا تحب المعلمة التي (تشوف حالها, بل تحبها أن تكون مثل الأم. أي أنها تجدهن يشعرن بالتكبر أو الغرور.
أما ندى, فلم ترغب في إعادة الصف بعد أن رسبت, وما كان يزعجها في المدرسة, ليس طريقة تدريس الأساتذة, لكن قسوة المديرة والرقابة الصارمة. لاحظنا أن المدرسة تستكمل ممارسة رقابة الأهل من جهة, بالإضافة إلى أن بعض الفتيات الفقيرات لا يستطعن التكيّف مع متطلبات المدرسة لجهة متابعة الدروس, ولا مع صورة المرأة - المدرّسة المختلفة والمتناقضة مع صورة الأم, فيقررن الابتعاد عن هذا الجو المقلق والذي يزعزع صورتهن عن أنفسهن وعن المرأة, ويطلب منهن القيام بتحد للذات يعجزن عن القيام به. وهذا ما يعطينا فكرة عن وضعية مدارسنا وعن عدم قدرة الجهاز التعليمي على تلبية المتطلبات التي يفرضها دوره, وعن عدم ثبات هذا الجهاز في مدارس البيئات الفقيرة, وعن القسوة التي يتعامل بها مع التلاميذ, وعن دور هذه المدارس في نبذ التلاميذ, وعدم بذل أي جهد من أجل كسبهم ومساعدتهم على اجتياز المراحل الصعبة التي يمرون بها.
فهل يمكن لهؤلاء الفتيات أن يبدعن في أي مجال كان? فكما يستنتج سايمنتن, لقد انقضت الأيام التي كان يمكن خلالها أن يأمل شخص لم يذهب إلى المدرسة مثل فارادي في أن يقوم بإسهام أساسي في علم الطبيعة. ونضيف أو في أي علم أو إبداع آخر على الأرجح.
إن تأمين التعليم هو المطلب الأساسي في مطلع القرن الواحد والعشرين, وعلى مستوى العالم العربي ككل, وهذا أمر مخز بما فيه الكفاية.
القدوة والمثال
إن فكرة المحاكاة التنافسية هي مماثلة لفكرة الاقتداء. وقد بينت البحوث الحديثة حول الظروف التي سادت حياة المشاهير قبل حصولهم على الشهرة, أن حوالي 82% من الأفراد الذين تمت دراستهم قد عايشوا عددًا من الراشدين في وقت مبكر من حياتهم, وأن 68% منهم ترعرعوا في ظل وجود بعض الراشدين الذين كانوا يعملون في مجالات يمكن الوصول فيها إلى الشهرة عند الرشد.
وتوحي هذه الحقائق بأن وجود من يقتدى بهم من المبدعين قد يكون أمرًا جوهريًا بالنسبة لتطور العبقرية العلمية. وهذا التأثير عبر الأجيال قد لا يتطلب دائمًا الاتصال الشخصي المباشر بين الأساتذة الناضجين والمعجبين الصغار, فالنشأة أو التربية في أزمنة الحيوية العقلية أو الفنية الجمالية قد تفضي بذاتها إلى التطور الإبداعي. وإذا كانت الحيوية الإبداعية العامة غائبة عن التأثير الفاعل في بلادنا, فإننا نجد أن الجيل الجديد لم يظهر تعلقه بأي مثال مبدع أو قيادي مهم, لكن لفت نظري في أحاديث مع مراهقات بشكل متفرق اهتمام البعض منهن بميخائيل نعيمة وبجبران, وأظهر أحد المراهقين الشبان إعجابه بعبدالناصر. أما فيما عدا ذلك, فالمثالات كانت الأساتذة الذين تم انتقادهم بشدة في الوقت نفسه! أو أحد الوالدين. يبدو بشكل عام أن البيئة التي يعيش فيها المراهق تلعب دورًا كبيرًا في ظهور العبقرية. ورغم أن الذكاء خاضع للوراثة البيولوجية بشكل قابل للقياس, فإن الظروف البيئية للأسرة, وكذلك المؤثرات ما بين الأجيال, تبدو شديدة الأهمية في التطور الممكن للمبدع. ونخشى هنا أن المثالات التي تحث على الإبداع غير متوافرة بكثرة في محيط شبابنا وشاباتنا.
وليس المقصود بالشروط البيئية الجيدة ما هو متعارف عليه بالمعنى السائد, أي غياب المعاناة وقساوة الحياة, لكن العكس ربما يكون صحيحًا, فلقد برهنت الأبحاث على أن فقد أحد الوالدين هو سمة مشتركة للعديد من القيادات أو العباقرة, فلقد مات والد لينين, بينما كان في سنوات مراهقته, وفقد بيتهوفن أمه عندما كان في السادسة عشرة, وأصبح نابليون عائلاً لأسرته في سن الخامسة عشرة عندما مات أبوه, وفقد يوليوس قيصر والده في العمر نفسه تقريبًا, ومات والد نيوتن قبل ولادته.
التمييز ضد المرأة
من الملاحظ, هنا أيضًا أن متطلبات المراهقة تجاه نفسها وقدراتها النقدية وموقفها من التقاليد, ونظرتها إلى نفسها وإلى علاقاتها بالآخرين تتعلق بالمستوى الاجتماعي والفكري الذي ينعكس - بالطبع - على المستوى التعليمي. ولقد توزعت آراء الفتيات بين موقف محافظ يستدخل التمييز بشكل تام, وظهر هذا عند المنتميات إلى الفئة التي يسود فيها عاملا الفقر والبيئة الريفية. مثل زينب, الفتاة التي زوجت في عمر 13 عامًا, وتعاني حتى الآن رفض زوجها وأسرته تطليقها, تقول إنهم في محيطها (عندهم البنت بمائة صبي) ولا يعاملون الصبي بأفضل ما يعاملون البنت. ولا تعي مشكلة التمييز ضد المرأة في سيرتها, وترجع المشكلة إلى سوء تصرف والدتها. وهي لا يخطر على بالها إمكان أن يساعد الرجل في أعمال المنزل مثلاً, فالعمل المنزلي من مهام البنت حصرًا. كذلك على البنت الخضوع لشروط الرقابة فيما يتعلق بالخروج والملابس وما شابه. فالذي يفهم عامة من كلمة تمييز, كما يبدو, يحمل معنى عدم محبة الابنة أو كرهها بالأحرى, وليس معنى الحقوق والواجبات مقارنة مع ما هو معطى للشاب. وكأن تاريخنا الذي عرف وأد البنات مازال فاعلاً على مستوى اللاوعي, وبالتالي يكفي أن تحاط الفتاة بالحب من أسرتها كي تنتفي بالنسبة إليها وإلى أسرتها الصفة التمييزية بالمعنى السلبي للكلمة.
مع ذلك, فهناك فئات متزايدة ترفض التمييز حتى ولو كانت على مستوى اللاوعي عند الأهل وترفض الرقابة المعتدلة التي يمارسها والدها على سلوكها.
هناك أخيرًا فئة تعتقد بوجود توازن وانسجام في أسرتها لجهة التعامل بين الصبيان والبنات. يمكن الاستنتاج إذن أن مشكلة التمييز ومدى قبولها ورفضها تتعلق بالمستوى التعليمي والثقافي الذي بلغته الفتاة, فكلما كانت فقيرة وغير متعلمة وجدت التمييز أمرًا غير مطروح للتساؤل.
لكن ذلك لا يلغي - بالطبع - دور الموهبة والذكاء, قد بحثت دراسات عدة عن أدلة واقعية لما إذا كان مشاهير المبدعين والقادة يتفوقون على غيرهم في الذكاء, فمثلا أوضح وايت (1931) أن المشاهير يميلون إلى إظهار تنوع استثنائي في الاهتمامات, أي أنهم يكشفون عن تمكن أو اقتدار في عديد من أنواع النشاطات الإنسانية. وقد وجد والبرج وراشر وباركرسون (1980) أن 90% من الشخصيات المشهورة التي درسوها تتميز بدرجة عالية من الذكاء, ومن حب الاستطلاع, الذي لا يكف عن طرح التساؤلات. ولكن الذكاء وحده لا يكفي بالطبع, ولسنا هنا في مجال تقييمه على كل حال.
الحاجة إلى الإنجاز
لاحظت كوكس (1926) أن الرغبة في التفوق بين عباقرتها الـ301 كانت عاملاً أساسيًا في الشهرة المتحققة, وكثيرًا ما عوّضت هذه الرغبة عن حالات الذكاء التي لا ترقى إلى الرتب العالية. وسوف نستدل عن هذه الناحية من المخطط الذي تقوم به المراهقة فيما يتعلق بمستقبلها المهني والعائلي.
أشارت العديد من الفتيات إلى أفضلية (العمل بالطبع), على أي شيء آخر ولو كان الزواج, لكن برزت حيرة فيما يتعلق بالاختصاص, وهي مشكلة عامة عند الجنسين, ويبدو أن أكثر ما يحتاج إليه الطلاب هو التوجيه والإرشاد فيما يتعلق بالتعلم والاختصاص.
لاحظنا أن الفئة التي تعطي الأولوية للعمل المهني في تزايد مستمر على ما يبدو, وهن لا يجدن معنى لمستقبلهن إذا لم يقترن بعمل أو مهنة تحقق نفسها عبرها. ومن هذه الفئة من تريد أن تعمل بالدرجة الأولى, ولم تخطط كثيرًا للزواج, ولم ترهن مستقبلها بالعريس, والسؤال الأساسي الذي يبرز لديهن: لماذا أدرس وأتخصص إذن? كما أنهن يشرن إلى نمو شخصيتهن وتحقيقها. وهناك فئة سوف تعمل, والعمل مهم جدًا لها, لكن الأولوية للبيت والأولاد, فإذا استطاعت التوفيق بين الأمرين كان به, وإلا فمنهن من سوف تختار الابتعاد عن العمل لفترة, والعودة إليه عندما يكبر الأولاد.
أما بالنسبة للفتيات الفقيرات فيختلف الأمر, فهن تركن المدرسة أو في طريقهن إلى ذلك, وعندما تتكلم إحداهن عن عمل لا يمكن أن يؤخذ الأمر على محمل الجديّة فالعمل نوع من تمن هنا, ومن دون إعداد فعلي من أجل مهنة معينة. العمل يحتاج إلى تهيئة, ومن هنا نجد ان الفتيات الفقيرات اللواتي لا يكملن تعليمهن لا يدركن تمامًا معنى الإنجاز أصلا! كي أعمل يجب أن أقوم بما يلزم من تهيئة وتدريب. و,هذا ما ينقص وجودهن.
لكن من الملاحظ أن هناك تغيرا عند المراهقة المنتمية إلى الفئات المتوسطة بشكل عام, فهن أكثر تطلبًا من أنفسهن ويتجهن نحو التغيير.
حب المغامرة وعمل شيء مهم
كما رأينا فيما يتعلق بتطلب الإنجاز عن طريق العلم والتخصص والعمل, هناك فئات متزايدة من المراهقات اللواتي لا يجدن أنفسهن إلا في العمل ولا يقبلن فكرة البقاء في البيت والاكتفاء بأن يقمن بدوري الزوجة والأم. والعمل تقليديًا, خاصة في الريف, لا تلجأ إليه إلا المرأة الفقيرة المحتاجة, فهو يعبر عن تدني مكانة المرأة المسكينة (التي تحتاج إلى العمل) خاصة عندما يكون في الحقول أو في المعامل. إنها النظرة التقليدية القديمة للعمل كقصاص وليس كوسيلة تفتح الشخصية أو الاستقلالية أو لتأكيد الذات. تقول الفتاة التقليدية عادة إن البيت هو مملكة المرأة وهكذا تجد المرأة في البيت نوعًا من الحماية, فالبيت يشكل القوقعة أو الصدفة التي تدفع المنافسة والصعوبات. إنه نوع من الاختباء من الخارج المعتدي. البقاء في المنزل هو نوع من الحصول على الأمن., وبالتالي فالمغامرة بعيدة عن مجال تفكير هؤلاء الفتيات. لذا يمكن أن نعد حب المغامرة أو الرغبة في القيام بها نوعاً من التحدي الذي لن ترغب فيه سوى الفتاة التي تطمح لأن تقوم بإنجاز أو أن لديها إمكانات يمكن أن تعبر عنها, وهو ربما مؤشر على شخصية مبدعة أو متطلبة في أقل الأحوال. واختلفت الإجابات باختلاف الأوساط, فالتلميذات رغبن بالمخاطرة كل حسب شخصيتها بينما اللواتي تركن المدرسة لم يجبن عن هذه الأسئلة بوضوح دائمًا لأنها خارج الموضوع بالنسبة إليهن.
ويختلف الصبيان عن البنات في كيفية تمضية الوقت, فيغلب على المراهقين الذكور تمضية أوقات الفراغ خارج المنزل في معظم الأحيان أو أمام التلفزيون في بعض الحالات في العطل الصيفية.
فـ (بول) مثلاً يمضي وقته في السهر في محال الأطعمة الخفيفة مع رفاقه أو في البيت, حيث يمضي أوقاته أمام التلفزيون في السهرة وقبل الظهر. أما (رامي) فيمضي الوقت مع خاله أو يمارس الرياضة. كذلك (رفيق) يقضي وقت فراغه في التزاور مع الرفاق في منازل بعضهم أو في الكافيتيريا أو يذهبون إلى الحرش وقد يذهب للصيد. (مصطفى) يهتم بالنشاط الاجتماعي, مثل المهرجانات أو ما شابه, أو التجمع مع الرفاق أمام البيت أو في الساحة, وهي ظاهرة في القرى وأحياء المدن في الطبقات الشعبية, بالإضافة إلى الخروج عند الأقارب.
القراءة
القراءة هي النشاط الأقوى عند هذا الجيل, ولم أجد سوى قارئة نهمة واحدة فعلية هي (لين), وهذا ما أعطاها ثقافة وثقة في النفس. هي تهرب من عالمها الصعب إلى رحاب القراءة.
ولاحظنا أن فعل القراءة فعل انتقائي ويتطلب مستوى اقتصاديا معينا, فالكتب مكلفة وهي غير متوافرة في البيئات الفقيرة ولكن القراءة تظل محصورة في معظم الأحيان من ضمن النشاطات المدرسية المطلوبة. ويصعب الفصل بين الإبداع والقراءة والتثقيف الذاتي, وقد أظهرت إحدى الدراسات حول المراهقين المبدعين أنهم يميلون إلى أن يقرأوا أكثر من 50 كتابا كل سنة (شيفر وأناستازي). إن سعة الاطلاع ليست تسلية غير ضرورية, فغالبًا ما تشير البحوث حول الشخصية المبدعة إلى أهمية الاهتمامات العريضة, وسعة الأفق, والحاجة إلى الجدة والتنوع والتركيب (ستاين 1969). فالابتكار يعتمد على القدرة على رؤية العلاقات بين الأفكار والأساليب التي لم ينتبه أحد إلى وجودها من قبل, ثم القيام بصهر هذه الأفكار والأساليب في مركب جديد واحد.
والتفوق المدرسي ليس هو المقياس على الإبداع فالوقت الذي ينفق في تعقب درجات الشرف الأكاديمية, هو وقت يضيع من الجهد المبذول لاكتساب المعلومات والخبرات التي لا ترتبط مباشرة بالعمل الدراسي. وهو وقت لا يمكن أن يستخدم في التأمل العميق. والعديد من المشاهير ينهمكون في برامج التعليم الذاتي الخاصة بهم. وقد كان ما لا يقل عن نصف الأشخاص المشهورين الذين قام آل غورتسيل بدراستهم من القراء النهمين منذ وقت مبكر, واستمر حبهم للقراءة خلال سنوات رشدهم. ذلك لا ينفي بالطبع أن بعض العباقرة حصلوا على علامات ومراتب شرف أكاديمية
ــــــــــــــــــــ(42/173)
أمراض معدية في سن الشباب
الجسد يغطي الجسم وهو طريقة الاتصال بين الإنسان والآخر. فبالجلد تكمن الخلايا العصبية والحسية اللازمة لذلك. والعملية الجنسية تمثل التصاق انسان بآخر. وهذا يعني تلامس مساحة كبيرة من جلد الإنسان بمثلها من جلد انسان آخر. ولذلك كان الاتصال الجنسي وسيلة مهمة في انتقال الأمراض الجلدية من جنس إلى الجنس الآخر ومن هذه الأمراض:
ـ السنط أو الثآليل:
وهي أورام تسمى كذلك بالنفرة وهي تنتقل من انسان إلى آخر عن طريق اللمس العادي أو عن طريق الاتصال الجنسي، وعندما يظهر السنط على الأعضاء التناسلية في الجنسين وهذا النوع من السنط، لكونه في أماكن واقفة ورطبة نسبياً، يكون حجمه أكبر من غيره. ولهذا النوع من السنط طريقة ناجحة في العلاج ويكون بمادة معينة وهي اليودوفلين عندما يحس بها. ولكن هذا النوع من المس يحتاج إلى احتياط خشية حدوث التهاب.
وللسنط ابن عم يسمى بالأورام الجلدية المعدية الرخوة وهي أورام صغيرة الحجم تحتوي على مادة متجبنة بداخلها وعلاجها بسيط متى خرجت هذه المادة المتجبنة من هذه الحويصلات. ويمكن عمل ذلك عن طريق دبوس أو مس فينول.
ومن الأمراض الجلدية المنتشرة التينيا الملونة أو المتعددة الألوان. والواقع ان هذا النوع من التينيا ليس معدياً بالمعنى المفهوم، لأن العدوى تحتاج إلى استعداد شخصي أو فطري حتى تتم. بمعنى أننا كثيراً ما نجد الزوج يشكو من التينيا لسنوات ويعاشر زوجته أيضاً لسنوات.
وهذه الزوجة غير قابلة للعدوى لسبب بسيط أنها ولدت بدون هذا الاستعداد لقبول العدوى، ولكن الاستعداد للعدوى ربما يورث لآخر من الأبناء أو البنات.
وهذا النوع من التينيا سببه فطر وعلاجه بمادة هيبوسلفيت الصوديوم تستخدم كأساس لها. ويمكن استخدام الأشعة فوق البنفسجية إذا كانت التينيا من النوع الأبيض ويجب الاستمرار في العلاج لمدة أسبوعين على الأقل بعد زوال هذا النوع من التينيا حتى لا تظهر مرة أخرى وإن كانت دائماً متكررة.
ـ الجرب:
الجرب تسببه حشرة دقيقة تسمى (قرادة الجرب) تحفر لها أنفاقاً في الطبقة القرنية من الجلد وتنشط فيها محدثة حكة شديدة بالليل، وهذه القرادة مثلها مثل الإنسان كسولة، ولذلك تختار الجلد الأملس بين الأصابع وحول السرة وتحت الإبط والفخذين من الداخل وتحفر الأنفاق فيها. أما جلد اليدين أو ظهر الساعدين فلأنه جلد سميك، فإن القرادة لا تقربه، وطبعاً الاتصال الجنسي طريقة سهلة لإحداث الجرب ولكن الجرب يأخذ حوالي شهر حتى يحس به الإنسان بعد أخذ العدوى وعلاج الجرب مرهم الكبريت والينزانيل.
ـ قمل العانة:
وهو نوع خاص من القمل يصيب الجلد في العانة والفخذين من الداخل، وقد ينتشر إلى أبعد من ذلك محدثاً حكة، وبطريقة سهلة يمكن التخلص من هذه الحشرة ويستطيع المريض أن يراها حتى يقتنع بالتشخيص والعلاج، وذلك بحلق الشعر من السرة إلى أسفل وهي طريقة مفيدة لأنها تزيل الشعر والقمل العالق به، ولذلك يمكن دهن الجسم بمرهم البنزانيل.
ـ الزهري:
وله ثلاثة أطوار: الطور الأول تظهر فيه قرحة على القضيب ذات حوافٍ صلبة.
وفي الطور الثاني تظهر حبوب على سطح الجسم وقروح بالفم وأورام صغيرة على الأعضاء التناسلية وحول الشرج تشبه السنط التناسلي. والطوران الأول والثاني معديان للغير عن طريق الاتصال الجنسي المباشر أو اللمس إذا وجدت جروح على اليدين أو عن طريق التقبيل إذا كان هناك قروح بالفم. وعندما كان الزهري منتشراً كان الأطباء والممرضون يصابون بالزهري وتظهر القرحة على أيديهم.
وفي الطور الثالث وفي الزهري الكامن (الفترة بين الطور الثاني والثالث) تكون العدوى أيضاً عن طريق الإفرازات مثل اللعاب والمني والدم.
والزهري الآن سهل التشخيص سهل العلاج قابل للشفاء. ولكن إذا أهمل علاجه أدى إلى مضاعفات غير مستحبة. وبسبب ارتباط الأمراض الجلدية بالأمراض التناسلية، فإن مرض الزهري الذي يصيب الأعضاء التناسلية في طوره الأول وينتقل عن طريق الاتصال الجنسي له عوارض جلدية كثيرة.
بعد كل هذا إذا أردت أن تصاب بأحد هذه الأمراض كلها فأقبل على الاتصال الجنسي غير المشروع.
ــــــــــــــــــــ(42/174)
أيها الشاب خمسة فوائد لعملك
يعد الحصول على فرصة عمل من أهم قضايا جيل الشباب، إذ يطمح كل شاب في امتلاك الدرة على تأمين حاجاته الأساسية، وبناء مستقبله، وتحقيق أحلامه وآماله، وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الحصول على وظيفة كريمة تؤمن له دخلاً مالياً مناسباً.
وعندما يطوي الانسان مرحلة الطفولة وما قبل البلوغ، وتحل مرحلة البلوغ والشباب فإن الشاب يرغب في تحقيق استقلاليته وحريته الشخصية، وتوكيد ذاته، وإثبات شخصيته، وهذا ما يتطلب منه العمل ليؤمن لنفسه ما يحتاجه من مال، كي يستطيع تحقيق أحلامه ومتطلباته وطموحاته وأهدافه.
كما يعتبر الاسلام العمل عبادة، بشرط أن تكون النية لله تعالى، فالعامل في أي حقل يعمل، سواء كان معلماً أو أستاذاً أو مهندساً أو طبيباً أو مزارعاً أو تاجراً أو... له أجر العمل وثوابه، فقد روي عن الرسول (ص) قوله: ((العبادة عشرة أجزاء تسعة أجزاء في طلب الحلال))، وعنه (ص) قال: ((الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله)). وطلب الرزق الحلال فريضة وجهاد، فقد روي عن الرسول (ص) قوله: ((طلب الحلال فريضة على كل مسلم ومسلمة))، وعنه (ص) قال: ((طلب الحلال فريضة بعد الفريضة))، وقوله (ص): ((طلب الحلال جهاد)).
ومما يؤكد على أهمية العمل في الاسلام أنه ورد في القرآن الكريم كلمة (العمل) ومشتقاتها نحو (360) مرة، يقول تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)، ويقول تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون).
وكان رسول الله 0ص) إذا نظر إلى الرجل فأعجبه، قال لأصحابه: هل له حرفة؟ فإن قالوا: لا، قال: سقط من عيني، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟! قال: لأن المؤمن إذا لم تكن له حرفة يعيش بدينه))، وقال (ص): ((إن الله تعالى يحب العبد المؤمن المحترف)).
الفوائد الخمس للعمل:
1 ـ إشباع الحاجات النفسية:
يساهم العمل في إشباع الحاجات النفسية للانسان كالحاجة إلى الاحترام والتقدير، والحاجة إلى إثبات الذات، والحاجة إلى الاستقرار الباطني، والحاجة إلى الاطمئنان النفسي، وغيرها من الحاجات النفسية والمعنوية.
والعمل يقوي كيان الانسان المعنوي، كما أنه يصفي الروح، ويصقل الضمير الانساني، ويجلي المواهب الباطنة، ويهذب النفس الانسانية، وينمي الروح الاجتماعية، ويصنع الإرادة القوية.
2 ـ توفير المتطلبات المادية:
العمل هو الذي يجعل الانسان قادراً على توفير حاجاته المادية، من أكل وشرب ومسكن وسيارة وغيرها من اللوازم الضرورية والثانوية في حياة الشباب، فالعمل ضرورة حياتية وشخصية، فلا حياة سعيدة لمن لا عمل له، إذ يفقد القدرة على توفير ما يحتاج إليه من لوازم وحاجات لا يمكن الاستغناء عنها لأي إنسان كان، ولذلك يسعى كل إنسان إلى تأمين عمل مناسب له كي يتمكن من إشباع حاجاته المادية والأساسية.
3 ـ تنشيط الاقتصاد:
إن توظيف الشباب يحقق تنشيطاً للاقتصاد، إذ أن الاقتصاد عبارة عن دورة مالية، أضف إلى ذلك أن لدى الشباب من القدرات والإمكانات والفاعلية والحماس والطموح والنشاط ما يساهم في تنمية الاقتصاد، وخلق روح جديدة فيه.
ومن دون توظيف الشباب يتعذر دفع عجلة الاقتصاد، خصوصاً إذا علمنا أن أعلى نسبة في القوى العاملة هي تلك التي تضم شريحة الشباب.
4 ـ الحفاظ على الأمن الاجتماعي:
يؤدي توفير فرص وظيفية للشباب إلى خلق حالة من الأمن الاجتماعي، في حين أن البطالة وعدم قدرة الشباب في الحصول على الوظائف والأعمال المناسبة يساهم في انتشار الجرائم، وكثرة السرقات، مما يؤدي إلى الإخلال بالأمن الاجتماعي العام.
وخلق المزيد من الوظائف لجيل الشباب يساهم كذلك في دفع عجلة الحياة الاجتماعية إلى الأمام، إذ أن كل فرد من أفراد المجتمع الانساني عندما يعمل يشعر أنه عضو فعال في المجتمع، وأنه مساهم في التنمية الاجتماعية، وبالتالي يهمه الحفاظ على البيئة الاجتماعية، وعلى الأمن الاجتماعي، باعتباره الضمان للحياة الاجتماعية السعيدة.
5 ـ البناء الحضاري:
إن البناء الحضاري يبدأ من بناء الشباب وإعدادهم إعداداً متكاملاً ومتوازناً كي يكونوا بمستوى البناء والتحدي الحضاري، والمنافسة الحضارية بين الأمم والشعوب.
والتقدم في مجال العمل والصناعة والاقتصاد من محاور البناء الحضاري، وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا عندما يتحول الشباب إلى قوة عاملة وفاعلة ومنتجة.
إن توظيف عقول الشباب، واستثمار قدراتهم ومواهبهم، والاهتمام الخاص بالأذكياء والموهوبين، وتشجيع روح الإبداع والابتكار والاختراع والاكتشاف.. هي من الخطوات الرئيسة نحو بناء حضاري مشرق، ونهضة علمية زاهرة.
ــــــــــــــــــــ(42/175)
لِمَ الشعور بالغرور والاستعلاء ..!
لو درسنا شخصية أي مغرور أو أيّة مغرورة ، لرأينا أنّ هناك خطأً في تقييم وتقدير كلّ منهما لنفسه .
فالمغرور ـ شاباً كان أو فتاة ، رجلاً كان أو امرأة ـ يرى نفسه مفخّمة وأكبر من حجمها ، بل وأكبر من غيرها أيضاً ، فيداخله العجب ويشعر بالزهو والخيلاء لخصلة يمتاز بها ، أو يتفوّق بها على غيره ، وقد لا تكون بالضرورة نتيجة جهد شخصي بذله لتحصيلها ، وإنّما قد تكون هبة أو منحة حباه اللهُ إيّاها .
وهذا يعني أن نظرة المغرور إلى نفسه غير متوازنة ، ففي الوقت الذي ينظر إلى نفسه باكبار ومغالاة ، تراه ينظر إلى غيره باستصغار وإجحاف ، فلا نظرته إلى نفسه صحيحة ولا نظرته إلى غيره سليمة .
ومنشأ هذا الاختلال في التقويم هو شعور داخلي بالنقص يحاول المغرور أو المتكبّر تغطيته برداء غروره وتكبّره ، وقد جاء في الحديث : «ما من رجل تكبّر أو تجبّر إلاّ لذلّة وجدها في نفسه» . فكيف يكون ذلك ؟
لو افترضنا أنّ هناك شاباً رياضياً حاز على البطولة في إحدى الألعاب المعروفة (الجري) أو (رفع الأثقال) أو (كرة الطاولة) فإنّ الذي أوصله إلى البطولة هو الجهود المبذولة والتدريب المتواصل الذي يرفع من مستوى أداء اللاعب ويؤهله إلى الفوز بالبطولة ، وقد تكون هناك عوامل ثانوية أخرى .
فالتقرير الصائب للفوز هو العمل بقاعدة «مَنْ جدّ وجد» وعلى مقدار الجهد المبذول تأتي النتائج . وهذا بالطبع أمر مستطاع وبإمكان أي شاب آخر أن يصل إليه ضمن نفس الشروط والإمكانات والظروف .
فإذا كانت النتائج الممتازة طبيعية ولا تمثّل معجزة .
وإذا كان تحقيقها من قبل الآخرين ممكناً .
وإذا كان هناك مَنْ حاز على البطولة مرّات عديدة .
فلِمَ الشعور بالغرور والاستعلاء ، وكأنّ ما تحقق معجزة فريدة يعجز عن القيام بها الشبان الرياضيون الآخرون ؟
إذن هناك سبب آخر يدعو إلى الغرور والتكبّر ، وهو أمر لا علاقة
مباشرة له بالفوز ، وهو أن هذا اللاعب الذي حاز على البطولة لم يشعر فقط بنشوة النصر أو الفوز ، بل يرى في نفسه أ نّه الأفضل ولذا كان المتفوّق ، وبهذا يستكمل نقصاً ما في داخله ، يحاول أن يستكمله أو يغطيه باظهار الخيلاء والتعالي .
ولو نظرتَ إلى المغرور جيِّداً لرأيت أ نّه يعيش حبّين مزدوجين : حبّاً لنفسه وحبّاً للظهور ، أي أنّ المغرور يعيش حالة أنانية طاغية ، وحالة ملحّة من البحث عن الإطراء والثناء والمديح . وفي الوقت نفسه ، تراه يقدِّم لنفسه عن نفسه تصورات وهمية فيها شيء من التهويل ، فمثلاً يناجي نفسه بأ نّه طالما حاز على البطولة في هذه المباراة ، فإنّه سينالها في كلّ مباراة ، ومهما كان مستوى الأبطال أو الرياضيين الذين ينازلونه .
وهنا يجب التفريق بين مسألتين : (الثقة بالنفس) و (الغرور) .
فالثقة بالنفس ، أو ما يسمّى أحياناً بالاعتدادَ بالنفس تتأتّى من عوامل عدّة ، أهمّها : تكرار النجاح ، والقدرة على تجاوز الصعوبات والمواقف المحرجة ، والحكمة في التعامل ، وتوطين النفس على تقبّل النتائج مهما كانت ، وهذا شيء إيجابي .
أمّا الغرور فشعور بالعظمة وتوهّم الكمال ، أي أنّ الفرق بين الثقة بالنفس وبين الغرور هو أنّ الأولى تقدير للامكانات المتوافرة ، أمّا الغرور ففقدان أو إساءة لهذا التقدير . وقد تزداد الثقة بالنفس للدرجة التي يرى صاحبها ـ في نفسه ـ القدرة على كلّ شيء ، فتنقلب إلى غرور .
ولنأخذ مثلاً آخر ، فالفتاة الجميلة التي تقف قبالة المرآة وتلقي على شعرها ووجهها وجسدها نظرات الإعجاب البالغ والافتتان بمحاسنها ، ترى أنّها لا يعوزها شيء وأنّها الأجمل بين بنات جنسها ، وهذا الرضا عن النفس أو الشكل دليل الفتنة التي تشغل تلك الفتاة عن التفكير بالكمالات أو الفضائل التي يجب أن تتحلّى بها لتوازن بين جمال الشكل وجمال الروح ، ولذا قيل : «الراضي عن نفسه مفتون» كما قيل أيضاً : «الإعجاب يمنع من الإزدياد» .
وقد يكون لدى الرياضي الحائز على البطولة بعض الحقّ في الشعور بالرضا لأنّ وسام أو كأس الاستحقاق الذي حصل عليه جاء نتيجة جهود ذاتية مضنية بذلها من أجل الفوز بهذه المرتبة المتقدمة ، أمّا شعور الرضا أو الإعجاب عند الجميلة التي لم تبذل من أجل جمالها جهداً ، فشعور ناتج عن تقدير اجتماعي للجمال أو الشكل الخارجي ، أي أنّ الناس اعتادوا على تقديم الجميلة على الأقلّ جمالاً ، وإلاّ فالجمال ليس قيمة إنسانية ثابتة .
إنّ شعورنا بالرضا عن إنجازاتنا وتفوّقنا مبرر إلى حدٍّ ما ، لكن شعورنا بالانتفاخ فلا مبرر له ، هو أشبه بالهواء الذي يدور داخل بالون ، أو بالورم الذي قد يحسبه البعض سمنة العافية وما هو بالعافية ، وفي ذلك يقول الشاعر :
أُعيذها نظرات منكَ صادقةً***أن تحسبَ الشحمَ فيمن شحمُه ورمُ
ــــــــــــــــــــ(42/176)
هذه المشاكل الجنسية في حياة الشاب وهم وخيال
*اعداد : محمد رفعت
يصورها الشبان على أنها مشاكل وما هي كذلك، بل يجب ألا تكون بأية صورة من الصور. فهي مجرد أوهام وخيالات مرضية يجب أن تختفي من حياة كل شاب. لتمر فترة المراهقة في حياته صافية رائقة بلا قلاقل أو إزعاجات. وليدخل مرحلة الرجولة الكاملة بلا عقد أو بقايا متاعب قد تزول وقد تؤثر على حياته الزوجية. وتنال من استقراره الأسرى.
وهذه المشاكل، ونقصد الأوهام، التي ينبغي أن يدركها الشبان ويقضون عليها قبل أن تقضي على سعادتهم.
عندما يصل الشاب إلى سن البلوغ تحدث له تغيرات عضوية ونفسية فيلاحظ مثلاً تغيراً ملموساً في تكوين الجهاز التناسلي، حيث يكبر حجم العِضو ويغزر شعر العانة ويزداد حجم الخصيتين وتبدأ خصائص الرجولة في الظهور بزيادة نمو شعر الذقن وظهور الشاربين، ويخشن الصوت وتصاحب هذه التغيرات العضوية اتجاهات نفسية متعددة حيث تتغير نظرة الشاب نحو الجنس الآخر.
كما تتغير معاملة الشاب للفتاة تغيراً يختلف عما كان عليه قبل سن البلوغ. والحقيقة ان الشاب في مجتمعنا يعاني من مشاكل جنسية كثيرة يفرضها عليه المجتمع وقد تؤثر على صحته وتفكيره، وإذا لم توضح له فقد تؤدي إلى أضرار بالغة، ولعل أهم هذه المشاكل الاحتلام الذي يحدث لا إرادياً. وهي عملية فسيولوجية وطبيعية يجب أن تحدث لكل شاب وفي حدود المعقول بمعدل مرة كل أسبوع مثلاً، وقد تزداد مرات حدوثها أكثر من ذلك إذا كان الشاب يفكر في النفس بصفة مستمرة أو إذا كان الشاب مرهقاً ذهنياً.
وفي هذه الحالة يستحسن أن يشر الطبيب للشاب طبيعة هذه العملية وحتمية حدوثها في هذه السن حيث يتخلص الجسم من بعض الافرازات وعندئذ لا يكون هناك ضرر منها.
وفي هذه الحالة يستحسن أن يشرح الطبيب للشاب طبيعة هذه العملية وحتمية حدوثها في هذه السن حيث يتخلص الجسم من بعض الافرازات وعندئذ لا يكون هناك ضرر منها.
ولكن في حالات كثيرة يشكو الشاب من حدوث آلام عند عملية القذف قد توقظه من نومه وتقطع عليه حلمه الجميل، وقد يستمر هذا الألم لمدة ساعات قليلة وقد يمتد لمدة يوم أو يومين بعد عملية الاحتلام.
وفي حالات أخرى قد يصاحب الاحتلام نزول نقاط قليلة من الدم، حيث يلاحظ الشاب ذلك في ملابسه الداخلية وعندئذ يجب على الشاب أن يستشير طبيبه في الحال، فقد يكون سبب هذه الآلام وجود التهاب بالبروستاتا أو الحويصلات المنوية.
وعموماً قد يكون سبب الدم الإصابة بالبلهارسيا أو مرض الدرن أو قد يكون السبب عبارة عن احتقان بسيط في الجهاز التناسلي. وعموماً يمكن الإقلال من عملية الاحتلام إذا حاول الشاب ألا يفكر كثيراً في الجنس وإذا ابتعد عن مشاهدة الأفلام الجنسية المثيرة. وما أكثرها في هذه الأيام. كذلك يجب أن يمتنع عن قراءة القصص الجنسية عند النوم مع عدم تناول الأطعمة الحريفة التي تسبب احتقان البروستاتا وبالتالي كثرة الاحتلام وكذلك الأطعمة الدسمة التي تحتوي على مركبات الفوسفور وغيره مثل السمك.
وهناك مشكلة أخرى هامة يعاني منها الشاب وتكثر الشكوى من حدوثها، وهي نزول مادة بيضاء بعد الانتهاء من التبول أو عند التبرز، وهذه الحالة يشكو منها معظم الشباب في الحقيقة. ويجب أن أوضح هنا أن هذه الافرازات التي تحدث بعد التبول أو عند التبرز لا ينتج ضرر من نزولها ولا خوف منها إطلاقاً فهي من إفراز غدة البروستاتا والحويصلات المنوية المختزنة طوال الليل والتي تنتج عن التفكير في الجنس طوال اليوم. وبخاصة إذا كان الشاب لا يمارس الجنس فعندئذ لابد أن يخرج الإفراز من الجسم عند التبول أو التبرز. ولو أخذنا عينة من هذا الإفراز وفحصناها تحت الميكروسكوب فسنجد انها تحتوي على كمية كبيرة من الحيوانات المنوية وبعض خلايا نسيجية لا قيمة لها. لذلك يجب ألا يكون هذا الإفراز من دواعي إزعاج الشاب فلا ضرر منه ولا خوف من حدوثه وسوف يختفي تماماً بعد الزواج، حيث تنتظم العملية الجنسية، ولا يكون هناك إفراز ومخزون.
كما تبرز شكوى أيضاً في سن الشباب تتمثل في نزول مادة شفافة لزجة مطاطة عند التهيج الجنسي أو عند التفكير في الجنس، أو قد تحدث عند ملامسة الجنس الآخر وهنا يجب أن يكون معلوماً للشباب ولكل مَن يشكو من هذا الإفراز أن نزول هذا السائل يعتبر طبيعياً. إذ ينتج من غدتين موجدتين بداخل فتحة قناة مجرى البول، ولو فتحنا هذه القناة لشاهدنا هاتين الغدتين كرأس الدبوس في فتحة قناة مجرى البول، وهذا السائل يفرز لحكمة، حيث أنه بواسطته وبوجوده يساعد على حدوث العملية الجنسية بسهولة. لأنه لا يعتبر إلا أنه مادة زيتية تسهل بواسطتها عملية الاحتكاك.
ومن ناحية أخرى فإن بعض الشبان يشكون من صغر حجم الأعضاء التناسلية ويلاحظ ترددهم على العيادات العامة والخاصة من أجل هذه الحالة. وعموماً فإن الأعضاء التناسلية ونقصد بها العضو والخصيتين ليس لهما مقاس معين ويختلفان من شخص لآخر وتتحكم في حجمهما عوامل كثيرة من أهمها بوجه عام زيادة نمو الأعضاء التناسلية بزيادة نمو الجسم نفسه، ويستمر هذا النمو حتى سن الثانية والعشرين. وعندها يكتمل نمو الجهاز التناسلي. لذلك إذا كان الشاب قد بلغ عمره أكثر من اثنين وعشرين عاماً فإن هذه الحالة لا يجدي فيها العلاج وإذا طُلبت المشورة قبل هذه السن فإن العلاج قد يجدي ويفيد.
ولكن يجب أن يعرف الشاب أن العضو الطبيعي يكون طوله وهو منتصب 11 سم أو أكثر، أما إذا كان أقل من هذا الطول فإنه يكون غير طبيعي وأحب أن أوضح هنا أن طول وقصر العضو ليس لهما علاقة وثيقة بالعملية الجنسية، بل أن العلاقة هي علاقة مساعدة فقط. فالعمل الأصلي للعضو هو توصيل السائل المنوي إلى الأنثى. لذلك يجب على الشاب ألا يفكر طويلاً في هذا الموضوع وعلى كل شاب حتى يطمئن أن يقيس طول عضوه ويتأكد من أنه طبيعي وسليم. وعليه أن يعلم أيضاً أنه لا يوجد إلى الآن أي علاج لزيادة طول العضو بعد سن الثانية والعشرين.
ولعل المشكلة الكبيرة والخطيرة التي يعاني منها الشباب في كل مكان هي العادة السرية .. وأحب أن أقول هنا إن لهذه العادة مضاراً كثيرة أهمها: احتقان الجهاز التناسلي والتهاب الأعضاء التناسلية وسرعة القذف التي تصيب نسبة كبيرة من الرجال حتى بعد الزواج. وقد تؤدي هذه العادة إلى حدوث ضعف جنسي كامل.
لذلك أرجو من الشاب أن يقلع عن ممارستها وإذا لم يتمكن أحدهم من ذلك فعليه ألا يكثر منها، حتى لا تحدث له المضاعفات المعروفة عنها.
ــــــــــــــــــــ(42/177)
كيف نعالج المعصية..؟
من أجل أن يتحقق الخير والسلام البشري للإنسان هناك خطوات عملية عديدة لكسر طوق المعصية والتمرد، وتفتح لك أبواب الطاعة والانصياع لإرادة الحق والخير،لذا ننصحك بالخطوات التالية:
أ ـ نشر العلم والمعرفة ومكافحة الجهل والخرافة:
لتنمية وعي الإنسان وإحساسه السليم، وتكوين رؤية سليمة واضحة للأشياء وقيمها، ليدرك الإنسان طريق الخير، ويعرف منافذ الشر والمعصية، فيختار بوعيه ومعرفته خيره وخير البشرية جمعاء ( ... إنَّما يَخشى الله مِنْ عبادِهِ العُلَماء.....).(فاطر/28)
(نصب الخلق لطاعة الله، ولا نجاة إلاّ بالطاعة، والطاعة بالعلم)(12).
ب ـ الإيمان بعدل الله وبجزاء الأعمال خيرها وشرها:
تشكل عقيدة الإيمان بعدل الله، والاعتقاد بأن كل فعل له نتيجة، وعليه جزاء، الدعامة الرئيسة في العقيدة الإسلامية:
(فَمَنْ يَعمَلْ مِثقَال ذَرَّة خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّة شَرَّاً يَرَهُ).(الزلزلة/7ـ8)
فبدافع من هذا الاعتقاد الراسخ، يندفع الإنسان المؤمن لفعل الخير والابتعاد عن الشر والمعصية لأنه يؤمن أن لا شيء عَبَث في هذا الوجود، ولا فعل بدون مسؤولية، ولا عمل بلا جزاء:
(وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسؤُولُون).(الصافات/24)
(وَكُلَّ إنسان ألزَمْنَاهُ طائِرهُ في عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَومَ القِيامَةِ كِتاباً يَلقَاهُ مَنْشُورا).
(الإسراء/13)
فهذا الاعتقاد يشكل رادعاً أساسياً في النفس الإنسانية التّي تخشى العقاب والألم والعذاب، وتحب الخير واللذة والسعادة.
وبذا يتجه الإنسان إلى وقاية نفسه من أليم العذاب، ويسعى لكسب السعادة الابدية، والخلود في جنات النعيم، فيروض نفسه ويربيها على الالتزام بخط الطاعة، والتحفظ من الوقوع في المعصية، فتأخذ هذه العقيدة دور المربي في نفس الإنسان، والوازع الأخلاقي الذي يجعل من الضمير والإحساس الباطني رقيباً على الإنسان، يحفظه ويحميه من السقوط في أوحال الجريمة، والمعصية، ويعلم أن الله تعالى يسمع ويرى وهو الرقيب علينا. قال تعالى:
(وأعلَموا أنَّ الله يَعْلَمُ مَا في أنفُسكُمْ فاحذروهُ).(البقرة/235)
(وَيَعْلَمُ خائنة ألأَعين وَمَا تُخفي الصور).
ج ـ سد الحاجات والقضاء على الفقر:
لما كان الفقر يساهم بصورة رئيسية في الانحراف والشذوذ، لان الفقير والمحتاج يجد نفسه منساقاً وراء حاجته من أجل إشباعها، كالطعام والجنس، أو السكن أو اللباس.. الخ، بحيث يستدرج للوقوع في أحضان الرذيلة والانحراف ـ في أحيان كثيرة ـ لسد حاجته بالوسائل غير المشروعة، ووفق مبادئ ومفاهيم وأخلاق شاذة.. لذا حارب الإسلام الفقر، وألزم الدولة الإسلامية بتوفير وسد كل حاجات الفرد العاجز عن توفير حاجاته المادية، وشرع الفرائض المالية ـ كفريضة الزكاة أو الخمس ـ كوسيلة لإنقاذ الفرد من المعصية وحمايته من الشذوذ والجريمة، لان الإنسان تحت وطأة الفقر والحاجة قد يلجأ إلى أن يسرق، أو يزني، أو يقتل، أو يبيع نفسه لظالم، أو يخون عقيدته وأمته..الخ.
وبسد حاجته وانتشاله من الفقر يكون الإسلام قد قطع أمامه إحدى مبررات المعصية والجريمة، وأعانه على حياة الاستقامة والالتزام.
وقد ثبَّت هذا الحق ـ حق الكفاية وسد الحاجة ـ للإنسان من اليوم الأول لوجوده على هذا الأرض ـ كما صرح القرآن الكريم بذلك، يوم خلق الله آدم، وكفله وطمأنه بقوله:
(إنَّ لَك ألاّ تَجُوعَ فيها وَلا َتَعْرَى).(طه/118)
وكما تحدّث في خطابه لقريش:
(فَليعْبُدوا رَبَّ هذا البَيْتُ .الذي أطْعَمَهُمْ مِنْ جُوع وأمَنهُمْ مِنْ خَوْف).(قريش/3ـ4)
د ـ الوقاية التشريعية:
من الخصائص الأساسية للرسالة الإسلامية أنها تعتني بالوقاية والتحصين قبل العلاج والردع والعقاب، فالإسلام حينما حرَّم المعصية، وحدد حدودها.. عمل على إيجاد كل القوانين والقيم اللازمة لوقاية الإنسان وحمايته من الوقوع في المعصية والجريمة..
فهو حينما حرّم القتل والسرقة والزنا مثلاً، حرَّم معها كل الطرق والعوامل المؤدية الى سقوط الإنسان في شرك هذه الجرائم والمعاصي.. كالخمر والقمار والخلاعة والمجون والرقص والغناء..
وهكذا فعل مع كل ما يؤدي إلى الوقوع في المعصية أو يهيئ الأجواء المناسبة لنشوء الانحراف والجريمة.
هـ ـ الضغط والإصلاح الاجتماعي:
يمتاز الإنسان بأنه كائن اجتماعي يعيش وسط مجتمع إنساني ويتعامل معه، وهو يخاف الرأي العام، ويخشى الضغط الاجتماعي إذا ما تعرض للنبذ والاحتقار، لذلك نجد المجرم والعاصي الذي يشذ عن المجتمع، يشعر بالنقص ويحس باحتقار الآخرين له، ويحاول أن يستخفي عن أنظارهم بجريمته وجنايته..
وهذا الإحساس الأخلاقي الفطري في الإنسان هو وسيلة من الوسائل العملية الّتي تيسر تطبيق القانون، وتعبر عن حكمة إلهية في هذا الخلق.
وقد شرع الإسلام الأمر بالمعروف، وأوجب استنكار المنكر، ومقاطعة المجرم والعاصي، وعزله، لتكوين رأي عام يقف إلى جانب الحق والاستقامة، ويحتقر الانحراف والمعصية، ليشعر العاصي بحقارته، ونبذ المجتمع له، فيندفع بدافع الكرامة الشخصية والخوف من الرأي العام الذي يحيط به فيقلع عن ارتكاب الجرائم، والولوغ في المعاصي والآثام..
فقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام):(لو أنكم إذا بلغكم عن الرجل شيء فمشيتم إليه فقلتم: يا هذا أما أن تعتزلنا وتجتنبنا، وأما أن تكف عن هذا، فان فعل وإلاّ فاجتنبوه)(13) وبهذه الطريقة يطوّق الإسلام المعصية ويعبئ الرأي العام، إلى جانب الوسائل التربوية والقانونية لإيجاد مجتمع نظيف من الإجرام، يسوده الأمن والفضيلة والسلام.
وـ التوبة ورجاء العفو الإلهي:
التوبة هي باب آخر من أبواب الإصلاح ومكافحة المعصية فتحها الله سبحانه لعباده، لإنقاذهم من التمادي في الجريمة واليأس من الإصلاح، لوضع حدّ لانحراف الإنسان وإجرامه، ولمساعدته على العودة إلى حياة الطهر والاستقامة:
(قُلْ يا عبادِيَ الّذينَ أسْرفُوا على أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُنوبَ جميعاً إنَّهُ هُوَ الغَفورُ الرَّحِيم).(الزمر/53)
وكم ساعدت التوبة الإنسان الجاني والمجرم على الانسلال من جريمته، والتبرؤ من جنايته، وتطهير ضميره وتقويم سلوكه.. فكم من قاتل، ومعتد وسارق، ومراب، وزان، وتارك للعبادات والواجبات، وسيئ الخلق، وجد في التوبة ملاذاً له، ووسيلة لإنقاذ نفسه وخلاصها مما كانت تتمرغ في أوحاله، وتعاني من وطأته.. فللتوبة آثارها النفسية الفعالة على شخصية العاصي والمجرم ولها دورها في إقناعه بالتغيير والإصلاح.. لأنه يشعر مع التوبة أنه قادر على العودة إلى حياة الاستقامة، وأن خالقه يغفر له خطيئته، وأن مجتمعه الذي يزدريه ملزم بتغيير نظرته إليه.. فلذلك يجد المجال النفسي والمتسع الأخلاقي والقانوني لتصحيح مساره، وتغيير سلوكه وعلاقاته.
ز ـ قوة القانون:
تصاب النفس البشرية بأمراض شتى وخطيرة، تدفعها إلى المعصية وفعل الجريمة حتى مع عدم وجود سبب موضوعي يبرر لها جريمتها ومعصيتها وخروجها عن طاعة الله، لذا فإنه لا علاج لهذه الحالة المرضية إلاّ العقوبة القانونية الرادعة الّتي ترغم المنحرف وتخيفه من الإقدام على المعاصي والجرائم، حفظاً لسلامة النظام، وحماية لأمن البشرية وخيرها:
(ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون).(البقرة/179)
(وإنَّ الله لَيَزَعُ بالسلطانِ ما لا يَزَعُ بالقرآن)
ولولا وجود القوة القانونية الرادعة، والسلطة المادية الضاربة على يد العصاة والمجرمين، لتحولت الحياة إلى غابة وحوش كاسرة، ولاستحال وجود الأمن والاستقرار في المجتمع الانساني، لذلك شرع الإسلام قانون العقوبات.. وأوجد القضاء كأقوى سلطة في المجتمع الإسلامي، وأعطيت الدولة وأفراد الأمة حق استعمال القوة لمكافحة الجريمة والمعصية إذا ما فشلت وسائل التوجيه والإصلاح والتربية.. وبهذه الضمانات التربوية والقانونية والاجتماعية عالج الإسلام موضوع الجريمة والمعصية ونادى ببناء المجتمع النظيف من الجرائم والمعاصي والفساد.
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/178)
هل الزواج الناجح.. صُدفة حظ?
* محمد فتحي
هناك أساطير رائجة عن أن الزواج الناجح شيء قدري, ينتج عن التوفيق الذي يصاحب طرفيه منذ اللحظة الأولى, لكن الواقع يقول إن 99% من النجاح ينتج عن كد وجهد متواصلين. ومن هنا محاولات فهم طبيعة الجهود المفروض بذلها لتقوية العلاقة بين الزوجين.
في ظل البرنامج القيمي المحدد: (تحطيه يا بنتي في عينيك, وتسمعي كلامه, ربنا يبارك لكما... إلخ), الذي كان ينتقل إلى البنت عن الأم عن الجدة.. كان ما هو مطلوب من الزوج والزوجة لحنا معروفا شائعا يسهل على أي اثنين عزفه فور اللقاء.
لكن الدنيا تغيرت, وإلى جوار هذا البرنامج المتوارث صارت تشارك في صنع تصورات الأزواج (برامج تربوية) كثيرة يصل تنوع عناصرها إلى حد التنافر, ويستقي المرء بعضها من حياة أسرته وحياة الأسر المحيطة, وبعضها من الأعمال الفنية الكثيرة التي يطالعها, وبعضها من علاقاته العامة في المدرسة والجامعة والشارع والعمل.. ذلك بينما ينحصر نصيب المؤسسات التربوية والتعليمية المعنية في أقل القليل, إن كان لهذه المؤسسات وجود من الأصل.
تزايدت الخلافات
ومع تعدد البرامج التربوية, ومع كثرة وتنوع الألحان, غاب النموذج العام للأسرة, وتزايدت صعوبة العزف المشترك, فدبت الخلافات في مختلف جوانب الحياة الزوجية:
هي تحب اقتناء الكتب, وهو يصاب بالأرتكاريا من وجودها - الكتب - في البيت.
هو يحب متابعة أخبار ومباريات كرة القدم ليل نهار. وهي ترى الأمر جنونا يستحق استشارة الطبيب.
هو يحب النوم مبكرا والاستيقاظ مع صياح الديك, وهي لا يستقيم برنامج يومها إلا بالتجوال بين بضع مسلسلات وبضعة أفلام على الفيديو كل ليلة حتى لا تفوتها شاردة.
هو يتطلب عمله الهدوء وربما الانقطاع فترات عن الناس. وهي في حالة حضور مسرحي دائم, تحب العشرة والضيافة والزيارات والأداء الجهير.
هو يحب الطعام المسبك. وهي لا تحب سوى المسلوق, ويا ويل من لا يمتدح صنعة يدها.
هي تحس بالإنهاك وأقصى ما تحلم به أن تغمض عينيها وتستريح حتى تستطيع الاستيقاظ مبكرًا للحاق بعملها. أما هو فباله مشغول بالعلاقة العاطفية التي لا يشبع منها, وينظر إليها على أنها مقطوعية لا يكتمل برنامج اليوم من دونها.
وليت الأمر يقف عند هذه الحدود التي تصلح ملحا, أو حتى توابل تفتح الشهية للإقبال على الحياة, فالخلافات تمتد مع الأسف إلى ما هو أبعد تأثيرًا:
هو يرى تعويد الطفل المسئولية والانضباط منذ الصغر. وهي ترى ذلك قسوة وفظاظة من جنس لا يعرف الحنان.
هو يرى تعليم الطفل السباحة مع الشهور الأولى. وهي ترى أن الغيرة بلغت بالرجل حدا دفعه إلى محاولة خنق البرعم الجديد في مهده.
هكذا ونتيجة للبرامج التربوية الكثيرة تعددت وتداخلت وتباعدت التصورات الخاصة, وأصبح لا مفر من وقوع الخلافات عند اللقاء.
ولأن وضعا مثل هذا يتطلب حلا. ولأننا في عصر لقيت أنشطة مثل الزار والسحر والشبشبة ما يليق بها من مصير, كان لابد أن يدلي العلم بدلوه, بالذات بعد أن شرعوا في دراسة مشاكل شبيهة تخص توافق أفراد أطقم رحلات الفضاء الطويلة (يقضي بضعة ملاحين شهورا يعملون معا على نحو لصيق في ظروف صعبة بعيدا عن العالم), والتوافق في مجالات التوجيه المهني المختلفة, وحتى التوافق بين المرضى النفسيين.
ولأن العلم يهتم بإقامة ما يشيده على أسس سليمة, انكب العلماء بما هو معروف عنهم من منطق صارم على تحديد منابع الوفاق والخلاف.
إن التقارب بين الناس ينشأ من خلال التعامل والتعاون والأخذ والعطاء, وتكرار الانفعالات السارة التي يحسها كل من طرفي العلاقة نتيجة سلوك الآخر وكلماته وأفعاله. ومع التقارب تبزغ بذور عاطفة الحب, وتأخذ في النمو من خلال شعور كل من طرفيها بالارتياح للآخر, وتتدعم هذه العاطفة مع تراث الارتياح وتراكم الانفعالات السارة بين فردين متوافقين. والتوافق لا يعني التماثل أو الاتفاق التام, لأن لكل واحد منا شخصية متفردة لابد أن تتباين في عدد من توجهاتها وملامحها.
وحتى نوضح كيف فكر الباحثون في التوافق لا بأس من مثال بسيط.
إذا افترضنا أننا أمام سؤال: من يشتري احتياجات الأسرة من السوق.. الزوج أم الزوجة? لوجدنا أنفسنا أمام إجابتين, الأولى تلتزم منطقا: لأن هذا عمل بدني ثقيل ومجاله خارج المنزل فهو واجب الرجل.. بينما تلتزم الثانية منطقا: هذا أمر يدخل ضمن مملكة البيت, كل شئونها من اختصاص الملكة, ولهذا لا دخل للرجل بمثل هذا الأمر.
والتفكير المنطقي يقود إلى أن خلافا لا يمكن أن يحدث بين الزوج والزوجة إذا كانا معًا من أنصار الرأي الأول, أو من أنصار الرأي الثاني, لكن الخلاف يبدأ عندما يُشرع كل منهما بصره في اتجاه مخالف, حتى إذا رأت الملكة أن تتحمل عبء شراء الاحتياجات, ورأى زوجها أن يضحي هو ويفعل.
المهم أن العلماء خرجوا من التفكير على هذا النحو بنتيجة منطقية مؤداها: حتى يكون الزواج راسخا يجب أن يكون الشريكان متوافقين في منطق معالجتهما لما يواجهان من مهام ومشكلات.
وهكذا مضى العلم في ممارسة جهوده التشريحية التوصيفية للعوامل المختلفة المفروض البحث عن توافقها بين الأزواج, ليصنفها في النهاية بين مجالات مادية, وثقافية, ونفسية, ومظهرية, وبدنية, و... يجب أن يسعى الزوجان إلى التأكد من التوافق فيها ابتداء, أو أن يعملا على تحقيق التوافق فيها بعد الزواج.
الإنسان ليس مجموع نثرياته
ولعله من المناسب الإشارة في البداية إلى ما شاب بعض التصورات (العلمية) التي شاعت من أخطاء وأخطار.. في بعض الحالات شَرَح المنطق التفصيصي الإنسان (بين عوامل المجالات: مادية, وثقافية, ونفسية, ومظهرية, وبدنية, و...), ووصّف ما استطاع أن يصنفه من عوامل جزئية, ثم جمع النثريات التي وصفها, وعامل الإنسان على أنه حاصلها, ذلك رغم أن الإنسان أكبر بكثير من مجموع أجزائه, حتى لو تيسرت معرفة كل هذه الأجزاء.
فليس معنى معرفتنا مثلا أن جسد أحد الكائنات الحية يحتوي على عشرين كيلوجراما من المياه, وخمسة كيلوجرامات كربون, ونصف كيلوجرام حديد, و... ليس معنى معرفتنا هذه التفاصيل أن تجميعها يوصلنا إلى الكائن المعني, لأن هناك شيئا معجزًا آخر سيظل غائبا عن عجينتنا, مهما سلم تكوينها. وإذا كان ذلك يسري حتى على الجماد - خصائص أي سبيكة معدنية تختلف تماما عن خصائص عناصرها - فما بالنا بالكيان الحي الأرقى النابض بفتافيت الحس والعواطف والانفعالات والإرادة?!
كما أن المنطق التصنيفي الجامد يمكن أن يتجاهل أن الإنسان الطبيعي يعيش على مدار الساعة الواحدة - لا على مدار العمر - عدة شخوص دون أن يكون بالضرورة ممثلا أو بهلوانا.. فالأم حين تستيقظ في الصباح لتساعد أطفالها في الذهاب إلى المدرسة تمارس دور الوالد المسئول, لكنها قد تتحول ما إن تودعهم, وخلال لحظات, إلى (طفل معتمد) يتكئ على كتف الزوج العطوف, وما هي إلا دقائق بعد ذلك حتى تشد رحالها, لتتعامل معاملة الند, مع غيرها من اليافعين, خلال رحلة العمل, والأم في ذلك كله امرأة طبيعية جدًا, وعاقلة جدًا, وعلى سجيتها جدا من دون تعالم, لأن مرشدها فيما تفعله خلاصة علمية موثوقة قطرتها الخبرة الإنسانية الثرية الرحبة المديدة.
والمبالغة في التشريح والتجزيء والتصنيف ووضع الحواجز التي تصنع اللاتوافق, ربما أنستنا أن حلول المشكلات ربما كمنت في مجرد أن يفهم المرء أنه لا مانع أن يكون الرجل أبا لزوجته في لحظة, وطفلا لها في أخرى, وشريكا على قدم المساواة في ثالثة.. وأن يفهم ضرورة مجاهدة النفس, بعيدا عن الرومانسية, في ممارسة ذلك كله.
بعيدًا عن الاستبداد
لقد تسلحت الدراسات بمستحدثات مختلفة مثل الاعتماد على ملاحظة الزيجات الناجحة (بدلا من الزيجات الغارقة في المشاكل), لأن خبرات الناجحين هي حقيقة ما نحتاج اليه في علاج مشاكل الأسرة, ومثل الإمكانات الحديثة التي أتاحها التصوير بالفيديو وبالتالي إمكان استعادة الانفعالات المختلفة في المواقف المختلفة ودراستها على نحو أوفى. بالذات حين يتم تسجيلها مع مجموعة من القياسات الفسيولوجية (الكهربية العصبية, وإفراز العرق, و..), ومع وجود أبجديات أو شفرات لقراءة انفعالات الوجه, مما يسهل في النهاية دراسة الاستجابات الانفعالية والتدفق الانفعالي في هذا الموقف أو ذاك.
وقد أكدت هذه الدراسات أنه لم يعد هناك مجال لأن يمارس الرجل دور (سي السيد) في المنزل. رغم أن كل الزوجات تقريبا مستعدات للخضوع أو قبول نفوذ أزواجهن, إذا عدل الرجل من توجه سي السيد إياه, وقد يكون ما هو مطلوب يسيرًا كأن يلتفت عن مشاهدة مباراة كرة القدم حين تكون زوجه راغبة في الحديث معه, فهي تود أن تحس بأن زوجها يفكر بصيغة (نحن نريد ونحن نرى) لا بصيغة (أنا أريد وأرى و...).
ومن بين الاكتشافات غير المتوقعة أن الغضب ليس أكثر العواطف تدميرًا في العلاقة الزوجية, فالزوجان السعيدان والتعيسان يتشاحنان, لكن الانتقاد الدائم, والتحقير, واستخدام الحيل الدفاعية, والخطابة الكثيرة على حساب الفعل الحقيقي, هي أكثر أعداء الحياة الزوجية. وقد ظهر أن أفضل طريقة لتجنب الآثار المدمرة لما سبق هي أن يعي الزوج أحلام زوجته ومخاوفها. وكل الأسر السعيدة يتميز الزوج فيها بفهم عميق لنفسية زوجته بما يمكن من انسياب التصرفات والمشاعر دون حدوث اختناقات عاطفية معوقة. وتشكل الصداقة بين الزوجين أهم عوامل الرضاء الزوجي, إذا نحينا العلاقة الجنسية جانبًا - رغم أهميتها البالغة - لأنها خارج نطاق هذه العجالة.
كما تأكد أن الأزواج السعداء يتحلون, في نزاعاتهم, بمحاولات متجددة لرأب الصدع, والابتعاد عن السلبية التي يمكن أن تقود لإفلات الأمر من أيديهم, وأن الدعابة كثيرًا ما تساعد في إنجاح محاولاتهم, وأن بمقدورهم التعامل مع النزاعات المتجددة والدائمة - التي تهدد باختناق العلاقة - بطريقة تفرق بين الخلافات الأساسية والثانوية.. فعلى سبيل المثال, تشكو الزوجة من الجرائد والأوراق والكتب المبعثرة التي تشوه منظر البيت, والزوج يعجز عن تلبية متطلباتها في هذا الصدد. وبدلا من تأزيم الموقف يقرران مع الزمن أن المشكلة تنتمي إلى مجال التباينات الثانوية, التي تتطلب التحلي بالمرونة في التعامل معها, لأنها أصغر من أن تكون سببا يعكر صفو ما بينهما, ولأن هذا الموقف يقوي من زواجهما.
ولا بأس هنا من مجموعة من النصائح التي - أكدت الخبرات - يمكن أن تجنب الزواج العثرات وتساهم في نجاحه:
ضرورة النظرة الناضجة إلى الزوج - بعيدا عن الصور المثالية التي نحلم بها - على أنه شخصية واقعية لها مزاياها وعيوبها, وعند تعذر تغيير هذه العيوب يمكن التعايش معها وقبولها كجزء من مقومات الشريك الذي ارتضيناه ككل متكامل. وليس هناك ما هو أخطر على الحياة النفسية للمتزوجين من العيش في عالم سحري من التهاويل البراقة والأحلام الخادعة, بل وخداع الذات, حتى بصورة لاشعورية, فيما يخص طبيعة الزوج والحياة الزوجية بوجه عام, والخلط بينها وبين (المغامرة الغرامية), لأن ذلك يصعب من عملية التكيف مع الحقيقة وقد يجعلها متعذرة.
يجب اتباع استراتيجية الإشادة بنصف الكوب المليء دوما. فكل علاقة في الحياة يكون فيها ما هو إيجابي (نصف الكوب المليء) وما هو سلبي أو ما تفتقده العلاقة (نصف الكوب الفارغ) والتركيز على ما هو إيجابي يدعم العلاقة ويزيد من إيجابيتها, حتى بمجرد الحركة بالقصور الذاتي. أما الشكوى المستمرة والنعيب حول ما ينقص العلاقة فإنه يوقع بها أوخم الأضرار.
يجب فهم ما في العلاقة من ضرورات تكيف وضرورات صراع والعمل دوما على تغليب ضرورات التكيف باتجاه المقبول من سلوك الشريك, وطبعا فإن الأسرة الذكية هي التي تسعى لا إلى اللقاء في نقطة وسط أو في منتصف الطريق كما هو شائع, بل إلى التكيف باتجاه السلوك الصحيح - بصرف النظر عمن يبدو كاسبا أو خاسرا من طرفيها, ومن الضروري فعل ذلك برغبة حقيقية في التعاون المتبادل والتفاهم المشترك لصالح كيان الأسرة.
والأفضل أن يبدأ الزوجان الجيدان حياتهما على أنهما عالمان مختلفان تماما يسعيان إلى الوفاق, بدلا من أن يبدآ على أنهما ينتميان إلى عالم واحد متوافق تمامًا, يعرف كل منهما كل شيء عن الآخر. لأن البداية الأولى تجعلهما أقرب نفسيا إلى التصور الصحيح, وبالتالي إلى النهوض بأعبائه.
ليس هناك ما هو أفعل من اللباقة واختيار الكلمة المناسبة في الوقت المناسب في تحقيق السعادة الزوجية, إنها السحر الذي يمكّن من الوصول إلى أعماق الشريك في كل لحظة, لأنها تضمن للزوجين الصفاء والسكينة وراحة البال.
الغياب القصير أو ما يمكن أن نطلق عليه (الإجازات الأسرية) مما يقوي الرابطة الزوجية, لأنه يبعد التوتر والاحتكاك الدائم, ويبرز مزايا العيش المشترك التي تعود الطرفان تناسيها عند وجودهما معا, كما يخفف من حدة الملل, ويجدد الشوق والحب بين الطرفين, ولكل ذلك تأثير في تحجيم أوجه التباين أو عدم التوافق الثانوية.
الحذر من النقد اللاذع المتواصل, والتحقير, واستخدام الحيل الدفاعية, والخطابة الكثيرة على حساب الفعل الحقيقي.
تبقى إشارة إلى ضرورة وجود المؤسسات التي تقدم العون والنصيحة للراغبين في حل مشاكلهم الأسرية. وهي ليست مؤسسات علاجية بالضرورة, لأن كل ما سبق ينتمي إلى مجال حل مشاكل التواصل الاعتيادية, وإن فضلت بعض المجتمعات إطلاق مسميات علاجية عليها: (علاج تقبل الآخر), (علاج تعديل السلوك), (العلاج الزوجي), و..., جريا وراء أغراض تجارية. غير أن المؤسسات العلاجية حقا يجب أن تبقى كملاذ أخير للحالات التي يصل التوافق فيها إلى حدود الاستعصاء.
* المصدر : البيان
ــــــــــــــــــــ(42/179)
شباب اليوم...هل الجيل الحالي متمرد؟!
هل الجيل الجديد متمرد وغير مسؤول؟ ولماذا يدفعه الذود عن خصوصيته إلى ارتكاب الحماقات أحيانا؟ صحيح أن لكل مرحلة من مراحل الحياة خصوصياتها المتعلقة بطبيعة التكوين العقلي والجسدي، والأمراض الجسمية، والمشاكل النفسية، والممارسات السلوكية،لكن أيضا هناك قواعد لابد من مراعاتها.
هذه المشاكل التي تنشأ في مرحلة الشباب والمراهقة، قد تؤدي إلى نشوء سلوك شاذ يتمثل بالتمرد وترك الدراسة، والعيش في عالم الخيال والغرور، وعدم تقدير العواقب، والقلق،مما يؤدي نهاية الأمر إلى الانحراف وتعاطي المخدرات أحيانا.
دور التعليم
التربية والتعليم قضايا أساسية في حياة الإنسان، ففاقد التربية السويّة قد يتحول إلى مشكلة، وخطر على نفسه ومجتمعه، وقد ينعكس سلبا على أبنائه أنفسهم، لأن الأب الجاهل يمكن أن ينشئ جيلا جاهلا غالبا.
والمجتمع الجاهل، لا يمكنه أن يمارس عمليات التنمية والتطور، والخلاص من التخّلف، والتغّلب على مشاكله،وأيضا فالشاب الأُمي لا يمكنه أن يؤدي دوره في المجتمع، أو يخدم نفسه وأسرته بالشكل المطلوب.
مشكلة أخرى قد تنتج عن رد الفعل المتسرع للشاب، وهي ترك الدراسة، وهي إحدى المشاكل الكبرى التي عرضت، وما زالت تعرض مستقبل الشباب للخطر، فهي تدفعهم للبطالة وللتسكّع، واقتراف الجرائم والممارسات السلوكية المنحرفة، ما لم يكن هناك إصلاح، أو توجيه أُسري، أو رعاية اجتماعية.
ولترك الدراسة أسبابها النفسية والعقلية والاجتماعية والاقتصادية، وربما الصحية أحياناً،وثمة سبب مدرسي يساهم في الإرغام على ترك الدراسة، من قبل بعض الطلبة، وهو سوء تعامل الإدارة أو المدرسين مع الطالب أو الطالبة.
أيضا فانّ انصراف ذهن الطالب عن الدراسة، وارتباطه بأصدقاء السوء قد يؤدي بالطالب إلى ترك الدراسة، وتدمير مستقبله.
ولعل من الأسباب المهمة لترك الدراسة، بصورة اضطرارية، أو التوقف عن إكمالها هو الفقر، فالعائلة الفقيرة لا تستطيع أن تُوفّر نفقات تعليم أبنائها، قد تودي بهم إلى ترك الدراسة مبكرا والبحث عن مصدر للعيش ولإعالة الأسرة،وهي مشكلة تعاني منها الكثير من دول العالم.
ــــــــــــــــــــ(42/180)
الاعتدال العبادي.. تطبيقات عملية
الإسلام دين الحياة كلّها ، وليس دين العبادات فقط . والعبادات في الاسلام لا تطلب لذاتها ، بل لغاية أكبر وفائدة أعظم ، ولذا لم يركّز الاسلام على الكثرة في العبادة ، بل على النوعية فيها .
فقد تجد شاباً مشغولاً بالعبادة أغلب الوقت ، يفرغ من صلاة واجبة فينشغل بأخرى مستحبّة ، ويجهد نفسه بالصوم المستحب حتى ليصرفه ذلك عن اهتماماته وشؤونه ومسؤولياته الأخرى .
ولقد لفت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) النظر إلى ذلك ، حينما رأى شاباً منشغلاً في العبادة ومنقطعاً يستكثر منها ، فسأل عمّن يعوله ، أي مَنْ يتولى شؤون حياته ومعيشته ، فقيل له : أخوه ، فقال : أخوه أعبد منه ! الأمر الذي يدلل على اهتمام الاسلام بالعمل ونظرته الواسعة إلى العبادة .
ولذا فإنّ حالة الشاب المستغرق في عباداته تمثل اختلالاً في التوازن ، فالصلاة عمود الدين ، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يجد فيها لذّته الروحية ، وكان يصلّي شكراً لله على نِعمه ، لكنّ صلاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تجمّد نشاط النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
فلقد كان يمارس مهامّ النبوّة في إدارة الدولة والمجتمع ، والمشاركة في جهاد العدو ، وتعليم الناس وتربيتهم ، وتفقد مرضاهم وقضاء حوائجهم ، والإستمتاع بالجلسات العائلية الحميمة حتى أثر عنه قوله : «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» .
ولقد طلب الله سبحانه وتعالى من المسلمين أن يتوجهوا إلى صلاة الجمعة في كلّ جمعة ، وذلك قوله : (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع )() لكنّه لم يرد لهم أن يقيموا في المساجد طوال نهار الجمعة ، ويتركوا الرزق في ذلك اليوم ، ولذا قال : (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلّكم تفلحون )() .
إنّ الشاب العابد المتهجد ، والفتاة القانتة المتبتلة ، قد يتصوران أنّ العبادة هي استقبال القبلة ، والجلوس على سجادة الصلاة لأطول
وقت ممكن ، وأداء النوافل والأدعية والأذكار والتسبيحات ، وتلاوة أكبر عدد من سور القرآن ، وهذا فهم غير دقيق للعبادة .
فالعبادة هي كلّ عمل يتقرّب به الانسان إلى خالقه وربّه ، حتى ولو لم يكن فريضة عبادية معروفة .
فالتحيّة ، وقضاء حاجات الأهل والأصدقاء ، والتعاون على مشروع عمل شبابي يهدف إلى إنماء قابلياتهم ، أو يزيد في توعيتهم الدينية ، أو يعمق من عرى المحبّة والتآلف والتآخي فيما بينهم ، والإنجاز الدراسي لتنمية المواهب والمدارك والمعلومات ، ورفع الأذى عن طريق المسلمين ، وكلّ ما يسبب الإزعاج لهم ، والإستماع إلى المواعظ ، أو إلى المحاضرات العلمية والثقافية والتربوية .. كل ذلك عبادة ، إذا كنت قاصداً بها أن تبني شخصيتك لتكون إنساناً نافعاً مباركاً أينما كنت ، ألسنا نقول : «خير الناس مَنْ نفع الناس» .
وإذن ، فأنت في صلاة دائمة قائمة متصلة ، ما دمت في عمل لله فيه رضا ولك وللأمّة فيه خير وصلاح .
لقد اشتكت بعض نساء المسلمين إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) انشغال أزواجهنّ بالعبادة ـ صياماً وقياماً ـ فاستدعاهم ليقول لهم إنّه وهو الرسول لم يفعل ذلك ، وإنّما يوازن بين العبادة وبين متطلبات الحياة ، حيث يقول : «أما إنِّي أصلي وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأضحك وابكي فمن رغب عن منهاجي وسنّتي فليس منِّي» .
إنّ الرفق والمداراة والعطف كما هي مطلوبة مع الآخرين ، مطلوبة مع النفس أيضاً ، ولذلك فإنّ أحد معاني كلمة (ظلمتُ نفسي) هو إنّني قد تجاوزت عليها بالجور ، وتحميلها فوق طاقتها ، وحرمانها مما أحلّه الله ، والتضييق عليها بما وسّع الله ، وهذا هو الخروج على حدّ الإعتدال والتوازن .
ولا يخفى ، أنّ إثقال النفس بالعبادة في مرحلة الفتوة والشباب قد يؤدي ـ في مرحلة لاحقة ـ إلى النفور من العبادة والضيق بها وربّما الانصراف عنها .
يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : «اجتهدتُ في العبادة وأنا شاب ، فقال لي أبي : يا بُنيَّ ! دونك ما أراك تصنع ، فإنّ الله عزّ وجلّ إذا أحبّ عبداً رضي منه باليسير» .
واليسر والتيسير منهج اسلامي عام ، فما من شيء لا يقدر الانسان على فعله كاملاً ، إلاّ وقد أباح الله تعالى له أن يؤتي منه ما يستطيع ، وقوله تعالى : (فاقرأوا ما تيسّر من القرآن )() فيه مراعاة لظرف الانسان ، وقوله تعالى بالنسبة لأضحية الحاج : (فمن تمتّع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي )() ، نظرة إلهية لطيفة للتخفيف من العبء المالي على الحاج ، ولذا فقد طبع سبحانه وتعالى الدين بهذا الطابع : (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )() ، (وما جعل عليكم في الدين من حرج )() .
ومن هذا المنطلق ، فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما تلقّى هذا الوحي وهذه الرسالة السمحاء ، قال : «جئت بالرسالة السمحة» وما صفة (الحنيفية) التي اتسم بها الاسلام إلاّ صفة الإعتدال والتوازن ، ولقد وضع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك كلّه في قواعد عملية ، حيث قال :
«إنّ هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تكرّهوا عبادة الله إلى عباد الله فتكونوا كالراكب المنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى» .
أي أنّ مثل الشاب أو الفتاة اللذين يرهقان نفسيهما بالعبادة كمثل راكب على ظهر دابّة، وقد أضاع الطريق ، فلا هو وصل إلى هدفه الذي يريد ، ولا دابته استطاعت تحمّل العناء الشديد . وهذا هو معنى الحديث الشريف : «لا تبغّض إلى نفسك عبادة الله» ، بتكليفها فوق وسعها ، لأ نّها إذا أبغضت العبادة قصّرت في أدائها أو عافتها .
ووضع (صلى الله عليه وآله وسلم) قاعدة أخرى للتوازن ، حيث قال مخاطباً المسلمين : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما تستطيعون» أي لا تحمّلوا أنفسكم من العبادات والفرائض والنوافل ما هو خارج القدرة والاستطاعة لأ نّه (لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها )() .
ولكنّ ذلك لا يعني انّه ليس هناك حالات وأوقات (شهيّة مفتوحة) للعبادة والإستزادة من المستحبّات والأعمال ، حيث تزداد الرغبة في توثيق العلاقة بالله سبحانه وتعالى ، وهي حالات وأوقات يجب استثمارها لأنّ النفس حينئذ تكون مهيّأة لاستقبال ألطاف الله ومناجاته ، كما هي الأرض العطشى حينما يتساقط عليها المطر فتهتزّ ، وتربو ، وتنبت من كلّ زوج بهيج .
ولذا ورد التنبيه في الحديث الشريف إلى ضرورة مراعاة هذا التنوع أو التفاوت في الحالة النفسية : «للقلوب إقبال وإدبار ، فإن أقبلت فاحملوها على النوافل ـ أي المستحبات ـ ، وإن أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض ـ أي الواجبات ـ » .
أمّا إذا أجهد الشاب أو الفتاة نفسيهما بالعبادة دون مراعاة هذا الجانب ، فالنتيجة ستكون سلبية : إمّا فتور في العبادة ، أو نفور منها ،وفي الحديث : «إنّ القلب إذا أكره عمي» . وفيه أيضاً : «روّحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة» ، وهل التوازن غير ذلك ؟
نخلص من ذلك كلّه ، إلى أنّ الحالة الوسطية ، أو التوازن العبادي هي الحالة السليمة والوجيهة ، ولذا جاء في الحديث : «خير الأعمال ما داوم عليه العبد وإن قلّ» ، وجاء : «قليل من عمل مدوم عليه خير من عمل كثير مملول منه» .
وفي وصيّة الإمام علي (عليه السلام) لابنه الحسن (عليه السلام) : «واقتصد يا بُنيَّ في معيشتك ، واقتصد في عبادتك ، وعليك فيها بالأمر الدائم الذي تطيقه» .
و (القصد) سواء في العبادة أو في المعيشة ، أو في أي شيء آخر هو الإعتدال والتوازن .
2 ـ الإعتدال الماليّ :
والشبّان اليوم ، وحتى الفتيات ، بين مَنْ يسرف في ماله لا سيما على الأشياء الترفية ، وبين مَنْ يميل إلى البخل حتى على نفسه .
والإسراف المالي يشبه عملية حرق المال وإتلافه ، في حين أنّ مجالات الاستفادة من المال في حياتنا كثيرة ، وهناك أولويات للإنفاق ، تأتي الدراسة وتأسيس بيت الزوجية ، وإنشاء مشروع عمل ولو صغير في المقدّمة منها ، ولذا قيل : «القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود» .
والتبذير الذي نشهده في الملابس والقمصان والأحذية التي تتكدّس في الخزانة ولم ترتدها الفتاة أو الشاب سوى مرّة أو مرّتين ، ثمّ إهمالها على اعتبار أنّها أصبحت قديمة ، هو هدر للمال ، وهو محرّم .
والإنفاق بشكل باذخ مسرف وخارق للعادة على اللهو والملذّات والمآدب والسفرات ، هو إتلاف للمال إذا كان هناك ما هو أهمّ من هذه الأمور ، وحتى مع عدم وجود الأهم فإنّ التبذير في ذلك مذموم ، فالإنفاق ضمن الحدود المعقولة هو دائماً دليل الرجاحة في العقل ، والحكمة في التصرّف والصرف .
والبخل ، كما هو التبذير مضرّ أيضاً (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط فتقعد ملوماً محسوراً )() ، فما فائدة تكديس المال وتخزينه إذا لم ينفق على حاجاتنا الأساسية والضرورية وحتى الترفيهية ؟ أترانا في خدمة المال ، أم أنّ المال هو الذي في خدمتنا ؟!
وقد يفرح الشاب إذا راى أنّ ما تجمّع لديه من مال أصبح كثيراً ، ولكنّ لذّة النظر إلى المال ليست كلذّة التمتّع بما يحققه المال . والمال مهما تراكم فإنّه لا يحقق للانسان الخلود (الذي جمع مالاً وعدّده * يحسب أنّ ماله أخلده * كلاّ )() . ولو خلّد المال أحداً لخلّد الأمراء والملوك والتجّار الكبار وأثرياء العالم . فأموال (قارون) المكدّسة في الصناديق الضخمة لم تسعفه حين جاءه الأجل .
وكم من بخيل مات وانتقلت أمواله إلى غيره ، وربّما بقيت تبعاتها في ذمّته .
لقد امتدح الله عباده (عباد الرّحمن) لأ نّهم كانوا اعتداليين متوازنين في إنفاقهم ومصروفاتهم (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً )() والقوام هو حالة الإعتدال في الصرف والإدخار .
* المصدر : البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/181)
كيف لي أن أكون رحيماً ؟
دعونا نُجرِ مقارنة بين آثار الرحمة وآثار القسوة وطبيعة كل منهما لنعرف لماذا أراد لنا الاسلام أن نكون (رحماء) بيننا
1 ـ (الرحمة) تؤلّف بين القلوب ، وتذوّب الجليد ، وتزيل الحواجز ، وتفتح سبل التفاهم والتعاون (فبما رحمة من الله لنت لهم ) . و (القسوة) تبغِّض وتنفِّر وتزرع الأحقاد (ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك )() . فالرحمة قوّة جاذبة ، والقسوة قوّة طاردة .
2 ـ (الرحمة) خلق ربّاني ، يعامل الله بها عباده ـ حتى المسيئين منهم ـ وهو الذي أغراهم باللجوء إلى خيمة رحمته حينما يخطئون أو يذنبون أو يسرقون على أنفسهم ، أي أ نّهم يهربون منه إليه .
أمّا (القسوة) فخلق شيطانيّ ، تركبُ ذوي النفوس المريضة ، والشاعرين بعُقدة النقص من الطواغيت والجبابرة وظالمي أنفسهم وغيرهم .
الرحمة .. اقتدار وعفو .
القسوة .. ضعف وبطش .
3 ـ (الرحمة) تعبير رائع وجميل عن إنسانية الانسان في الكلمة والموقف ، و (القسوة) تعبير عن الجانب الحيواني الشرس المفترس .
فالذئب أو النمر أو الأسد لا يرون في التعامل مع الفريسة سوى أنّها وليمة يسدون بها جوعتهم .. فالقسوة (غريزة) لا عقل لها .. و (الرحمة) عقل راجح وعاطفة جيّاشة .. عقل ينادي بها ويدعو لها لأ نّها تنسجم مع مبادئ الحق والخير والجمال ، والقلب يهتف بها لأ نّها طريقه الأوسع إلى العقل .
4 ـ (الرحمة) تربِّي وتهذِّب وتشذِّب وتعلِّم وتقوّم ، و (القسوة) تعلِّم أيضاً ، ولكن شتّان بين التعليمين .
(الرحمة) تعلِّم كيفية التقاء العقل مع العقل ، والقلب مع القلب والانسان مع أخيه الانسان ، فهي تعارف وتحابب وتواصل .
و (القسوة) تعلِّم الحقد والكراهية والضغائن والثأر والانتقام .
(الرحمة) إذن ربح كبير .
و (القسوة) خسارة فادحة .
5 ـ (الرحمة) اسلوب الأقوياء ، و (القسوة) اسلوب الضعفاء لأنّ مَنْ يحتاج إلى القسوة والعنف الضعيف الذي يحاول تغطية نقاط ضعفه بقوّة البطش والسلاح وتكبيل الأيدي وخنق الأنفاس .
القاسي .. لا يملك سوى قبضة الإرهاب والإرعاب ، فهو يمتلك من الانسان بدنه .
والرحيم .. يملك النفس العالية المتعالية ، ولذا فهو يمتلك من الانسان قلبه .
لكنّنا ونحن نجري هذه المقارنة بين (الرحمة) و (القسوة) لا بدّ من أن نذكّر أنّ (الرحمة) يجب أن توضع في مواضعها الصحيحة ، كما أنّ (القسوة) أو الشدّة يجب أن توضع في أماكنها المناسبة .
فأعداء الأمّة ومغتصبو حقوقها لا تنالهم منّا رحمة ، فنحن (أشدّاء على الكفّار) وما عداهم فلهم الرحمة ما وسعتها قلوبنا .
ورد في بعض الدعاء المأثور في استقبال شهر رمضان : «وفقنا .. أن نراجع مَنْ هجرنا .. وأن ننصف مَنْ ظلمنا ، وأن نسالم مَنْ عادانا ، حاشا من عودي فيك ولك ، فإنّه العدوّ الذي لا نواليه ، والحزب الذي لا نصافيه» .
ما هو الطريق إلى الرحمة ؟
الرحمة اكتسابية ، أي أ نّنا نحصل عليها بالتعلّم والتربية والتدريب ومبادلة الناس حبّاً بحبّ ، ورحمة برحمة .
لقد كان العرب في الجاهلية قساة ، لكنّ الاسلام استطاع أن يخلق من تلك القلوب القاسية قلوباً رحيمة حانية ملأت العالم رحمة .
وأمّا الطريق إلى الرحمة فيمرّ عبر القنوات التالية :
1 ـ إطاعة الله ورسوله . فالله الرّحمن الرّحيم ، ونبيّه الرحمة المهداة إلى العالمين ، يدعوان إلى إرساء قواعد الرحمة بين الناس ، ومَنْ يتبعهما في ذلك فيشيع الرحمة ، فإنّه يكون قد أطاعهما ونال وسام الرحمة من الدرجة الأولى (وأطيعوا الله والرسول لعلّكم ترحمون )() . وقال تعالى : (اتّقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته )() .
2 ـ الإستماع إلى وحي القرآن الذي جعله الله هدى ورحمة للناس ، فالذي يبحث عن الهدى وعن الرحمة فلا يذهبنّ بعيداً .. دونه القرآن يجد الرحمة منبثّة في سوره وآياته ، ولذا قال تعالى : (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلّكم ترحمون )() .
وهناك العديد من القصص التي تروى عن أولئك الذين نفذ نور الرحمة إلى قلوبهم وهم يستمعون إلى القرآن بآذان واعية .
3 ـ الذكر والدعاء طريقان آخران من طرق اكتساب الرحمة ،
فأنت تستنزل شآبيب الرحمة الإلهية بدعائك الذي يعترف لله بالعبودية ، وبين يديه بالتقصير والمعصية ، ويناديه بلسان أهل توحيده أ نّه فقير إلى رحمته وهو غنيّ عن عذابه .
4 ـ قراءة قصص السيرة النبويّة المطهّرة ، وقصص الأئمة الأطهار والأولياء الصالحين الأبرار الذين عرفوا رحمة الله وعرّفوها للناس قولاً وعملاً ، فملكوا أعنّة القلوب ، وكانوا مثلاً أعلى في الرحمة التي فتحت طرقاً واسعة إلى العقول الضالّة والقلوب القاسية .
5 ـ أشعر قلبك بالرحمة .. إملأه بها .. لا تبخل على مَنْ حولك بها .. ولا تخف نفاداً .. فالرحمة ـ كالعلم ـ تزداد على الإنفاق .
أخيراً ..
ردِّد في أعقاب كلّ صلاة :
«أللّهمّ إنّ مغفرتك أرجى من عملي
وإنّ رحمتك أوسع من ذنبي ..
أللّهمّ إن كان ذنبي عندكَ عظيماً
فعفوك أعظمُ من ذنبي ..
أللّهمّ إنْ لم أكنْ أهلاً أن أبلغَ رحمتك
فرحمتك أهلٌ أن تبلغني وتسعني لأ نّها وسعت كلّ شيء» .
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/182)
الآثار السيِّئة التي يخلّفها عدم الاعتدال
1 ـ التطرّف يخلق حالة من النفور لدى الآخرين ، فالمتطرّف إنسان ينفضّ الناس من حوله لأ نّهم يرونه جائراً في تصرّفاته ، مجحفاً في تحقيق ما يريد ، وهم حتى وإن كانوا لا يمارسون العدل في حياتهم لكنهم يحبّون الذي يعدل معهم .
2 ـ تقديم صورة سيِّئة عن الإسلام . فالاسلام ، كما هو واضح من خلال عقائده وتشريعاته وتعاليمه ، دين العدالة والإعتدال ، وأيّ تطرّف في أيّة واحدة من تشريعاته وعقائده سيشوّه صورة الاسلام في الواقع الحياتي للمسلمين ، مما قد يقيس بعض الناس إسلام المسلمين عليه ، وشتّان بين الاسلام الناصع النقي ، وبين بعض تصرفات المسلمين التي تعكس صوراً مشوّهة منفّرة .
3 ـ المتطرّف إنسان يقسو على نفسه وعلى غيره ، فالبخيل متطرف في ادخار أمواله والخوف عليها وحرمان نفسه منها بعدم الإنفاق فيما يحلّ ويجمل من المتع الحلال .
كما أ نّه يقسو على غيره من الأهل والأصدقاء في قدرته على مساعدتهم لكنّه لا يفعل ذلك خشية نقصان ما لديه من أموال محفوظة .
والجبان متطرف في خوفه الشديد ، وارتعاده من أيّة حالة مواجهة ، أو تحدٍّ أو دفاع عن النفس والقيم ، فهو بائس منطو على نفسه متألم لضعفه ، وهو في الوقت نفسه يتسبّب بالألم لغيره ممّن يلوذون به من أصدقاء أو أهل .
4 ـ المتطرف ضعيف ولكنّه يوهم نفسه بالقوّة ، ولو لم يكن ضعيفاً لما مال إلى الانحراف عن خط الإعتدال والتوازن ، فقد يحسب بعض المتطرفين أنّ الإعتدال شيمة الضعفاء ، فلا بدّ من الغلوّ في الحزم والقسوة وتأنيب وتعنيف الآخرين .
5 ـ المتطرف ازدواجي ، فهو يمارس التطرّف لكنّه يرفضه من قبل المتطرفين معه . فالأب المتطرف مع زوجته وأبنائه في تزمته واستبداده ، تراه يرفض تطرف مديره في الدائرة ، وكأ نّه يحلّ لنفسه التعسف والطغيان ، ويحرّمه على غيره أو يستهجنه ، ولأ نّه ضعيف الشخصية فإنّه يقلدُ مديره في بيته .
* المصدر : البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/183)
الإعلام وسلوك الشباب
في عالمنا المعاصر تطورت وسائل الاتصال، ونقل الافكار والمعلومات، بشكل لم يسبق له مثيل، فهي تنتقل بسرعة الضوء والصوت، وتغزو العالم في ثوان معدودة.
وهناك أعداد ضخمة من المؤسسات والاجهزة والادوات الخاصة بالتثقيف الجماهيري وتكوين الرأي العام، وتصميم الشخصية.
وغدت وسائل الاعلام والمعلومات، كالتلفزيون وشبكات الانترنيت والكومبيوتر والصحافة والراديو والكتاب والمجلة... هي القوة المهيمنة على التفكير والفعالة في تكوين نمط السلوك.
فالاعلام يساهم في تكوين الفكر السياسي والدعاية للشخصيات والافكار، كما يساهم مساهمة فعالة، لاسيما الاعلام المصور، كالتلفزيون والسينما والفيدو والمجلة بالاغراء الجنسي، والتعريف بالازياء والسلوك والافكار والاثارة، وتوجيه الرأي العام.
والشباب ـ لاسيما في مرحلة المراهقة ـ مهيأون أكثر من غيرهم، لتقمص الشخصيات، والتأثر بالشخصيات التي تظهر على شاشة التلفزيون، أو السينما، من الممثلين وعارضي الازياء، ورجال العصابات، وشخصيات العنف... الخ.
كما يتأثر الشباب بالشخصيات التي تمثل دور البطولة السياسية والاجتماعية والثورية وعظماء التاريخ، ذلك لان المراهق ـ من الاناث والذكور ـ في هذه المرحلة هو في طور تكوين الشخصية، وانتقاء المثال الذي يتأثر به.
وحيث انّ الغرائز والمشاعر، لاسيما غريزة الجنس، هي في قمة القوة والعنفوان، والضغط على المراهق، وتبحث عن طريق للتعبير والتفريغ، فإن وسائل الاعلام ساهمت مساهمة فعالة في اثارة الغريزة الجنسية عن طريق الافلام والصور الخلاعية والماجنة والمغرية وعن طريق القصص الغرامية والادب والثقافة، كما ساهمت أفلام العصابات والاجرام في حرف الكثير من المراهقين وتدريبهم على اقتراف الجريمة، لذا فإن الرقابة في بعض دول العالم تمنع العديد من عرض الافلام الجنسية، وأفلام العصابات، كما تمنع أحياناً حضور المراهقين الى قاعات عرض تلك الافلام.
وتفرض بعض دول العالم الرقابة على أفلام الفيديو الخليعة والمثيرة، أو التي تدرّب على تناول المخدرات والجريمة.
سجل الدكتور اسكندر الديلة نتيجة احصائية قام بها في لبنان، تخص مشاهدة الفيديو، جاء فيها: (أن مشاهدة الافلام الاجتماعية والعاطفية حازت على الدرجة الاولى، وحلت الافلام البوليسية في المرتبة الثانية....)(11).
وجاء في تقرير آخر: لقد تبين من دراسة اجريت في الولايات المتحدة على 110 من نزلاء مؤسسة عقابية أن 49% من هذه المجموعة أعطتهم السينما الرغبة في حمل السلاح و 12 ـ 21% منهم أعطتهم السينما الرغبة في السرقة ومقاتلة الشرطة.
ومن خلال دراسة اُجريت على 252 فتاة منحرفة بين سن 14 ـ 18 سنة تبيَّن أنَّ 25% منهن مارسن العلاقات الجنسية نتيجة مشاهدتهن مشاهد جنسية مثيرة في السينما. و41% منهن قادتهن المشاهد الى الحفلات الصاخبة، والمسارح الليلية. و54% منهن هربن من المدرسة لمشاهدة الافلام. و17% تركن المنزل لخلاف مع الاهل حول ذهابهن الى السينما.
وجاء في تقرير الهيئة الصحية العالمية عن انحراف الاحداث، وعلى لسان أحد القضاة الفرنسيين العاملين في ميدان الاحداث ما يأتي: «لا يخالجني أيّ تردد أن لبعض الافلام، وخاصة الافلام البوليسية المثيرة معظم الاثر الضار على غالبية حالات الانحراف لدى الاحداث».
وفي انجلترا تمكنت بعض الدراسات من خلال استجواب 1344 شخصية اختصاصية حول العلاقة بين السينما وانحراف الاولاد دون السادسة عشرة فأجاب ستمائة منهم بوجود علاقة بين انحراف الاحداث والسينما.
كما اظهرت بعض الدراسات في الغرب على أنَّ بعض السرقات الكبيرة كان الدافع اليها تردد الاحداث بشكل متكرر الى قاعات السينما)(12).
وهكذا يتضح أن مشاهدة الافلام العاطفية، ومنها الجنسية هي في المرتبة الاولى، وأن مشاهدة الافلام البوليسة يأتي في المرتبة الثانية، وكما أكدت الدراسات العلمية، فإن المراهق في هذه المرحلة يسعى من خلال المحيط لتكوين شخصيته، وهو سريع التأثر والتقبل؛ لوجود العواطف والغرائز والشحنات النفسية والجسدية المتوثبة، والباحثة عن التعبير والتفريغ.
ومن هذه الاحصائية ندرك أهمية العمل الاعلامي في تكوين السلوك العاطفي والغريزي، والاقدام على تقمص شخصيات أبطال الافلام والمغامرات.
ــــــــــــــــــــ(42/184)
التمرّد السلبي في حياة الشباب ..كيف يمكن معالجته؟
تثير كلمة التمرّد تصوّراً سلبياً لدى السامع عند اطلاقها، فهي تعني عند المتلقي العصيان والرفض السلبي دائماً، والتمرد بمعناه الاسلامي المرفوض: هو عبارة عن الخروج على السلطة والقيم والقوانين والعقائد والأعراف السليمة، أو هو الخروج على ما ينبغي الالتزام به. فليس التمرد هو مجرد الرفض، وعدم الانصياع لما ألفه الناس، فهناك من المألوفات أو القوانين والعقائد والقوى غير الصحيحة ما يجب رفضه، والتمرد عليه.
لذا فإن ظاهرة التمرد التي تظهر في حياة الشباب، المنطلقة من الشعور بالقوة والتحدي، وضرورة التغيير، تتجه اتجاهين متناقضين: اتجاهاً سلبياً ضاراً وهدّاماً، واتجاهاً ايجابياً مغيراً يساهم في تطوير المجتمع، والدفاع عن مصالحه.
وظاهرة التمرد السلبي التي تنشأ في أوساط المراهقين والشباب، هي من أعقد مشاكل الاُسر والمجتمعات.
وللتمرّد السلبي، أو التمرّد على ما ينبغي الالتزام به من عقيدة سليمة، وقوانين وقيم، أسبابه الذاتية والموضوعية التي تنبغي دراستها، للتعامل معها بوعي وتخطيط.
فإن ظاهرة التمرّد في أوساط المراهقين مسألة خطيرة على الفرد والاُسرة والمجتمع. وتبدأ ظاهرة التمرد السلبي في أحضان الاُسرة، وذلك برفض أوامر الوالدين، أو تقاليد الاُسرة السليمة، وعدم التقيّد بها عن تحّد وإصرار.
ثم التمرد على الحياة المدرسية، بما فيها من قوانين الحضور، واعداد الواجبات المدرسية، واطاعة القوانين المرعيّة في قاعة الدرس، وحرم المدرسة، والعلاقة مع الطلبة والأساتذة. ويأتي معها في هذه المرحلة التمرّد على القانون والمجتمع والسلطة بشقّيه السلبي والايجابي.
جاء في احصائية اُجريت عام 1970: (ان نسبة 20% من شباب المجتمع الفرنسي تحت عمر الثلاثين، ونسبة 30% من الرجال تحت عمر الأربعين أيضاً اشتركوا في مظاهرات مايو 1968 في فرنسا. وقد تبين من تحليل هذه الظاهرة أن الجيل الأصغر من أفراد المجتمع سرعان ما يتحد من خلال أي شكل من أشكال التمرد الموجه ضد النظام القائم، الاّ انه وجد من خلال دراسات اخرى أنه لا يمكن تعميم هذه النتيجة)(16).
وللتمّرد أسبابه التي تبعث عليه وتغّذيه، لعل أبرزها ما يأتي:
أ ـ ممارسة بعض الآباء للدكتاتورية في التعامل مع الأبناء، ومصادرة ارادتهم، والاكثار من منعهم من غير موجب مشروع للمنع. فالأب لا يُغيّر طريقة تعامله مع المراهق والشاب، ويظل يتعامل معه كما يتعامل مع الطفل الذي لا يملك وعياً ولا ارادة، من خلال الأوامر والنواهي، والتدخل في شؤون الأبناء، كشؤون الدراسة، والزواج، والعمل، والحياة اليومية، والصرف المالي، بل ونوع اللباس ...الخ، مما يضطر بعض الأبناء الى التمرد والرفض، وعدم الانصياع لأراء الآباء وأوامرهم، فتحدث المشاكل وتتعقد العلاقة بينهم، وقد تنتهي الى نتائج سيئة من التشرد، وسقوط الاحترام المتبادل، والخروج من بيت الاسرة، أو غير ذلك.
وقد تناول الفكر الاسلامي هذه المسألة بالدراسة والبحث والتوجيه لتحصل الطاعة والاحترام بين الطرفين، فقد فرّق الفكر الاسلامي بين برِّ الوالدين، وبين الطاعة لهما، كما فرَّق بين الارشاد والتوجيه والتربية، وبين فرض الارادة على الأبناء، والاملاء عليهم.
وأوجب الفقه الاسلامي برَّ الآباء، ولم يوجب الطاعة بغير طاعة الله، فمثلاً التشريع الاسلامي لم يوجب على البنت أو الابن طاعة والديهما اذا رغبا بزواجهما من زوج أو زوجة لا تتوفر الرغبة فيه.
ان واجب الآباء هو ارشاد أبنائهم الى الطريق السوي، وتجنيبهم ما يضرّ بحاضرهم ومستقبلهم، انطلاقاً من المسؤولية الشرعية، وواجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتوسل بكل الوسائل السليمة للحيلولة دون وقوعهم في مهاوي السقوط، والفشل في الحياة، وعليهم أن يُفهموا الأبناء أن المنطلق للمعارضة لارادة الأبناء ورفض اختيارهم، انما هو لصالحهم، وعليهم أن يوضحوا لهم ذلك بالنصيحة، وبالتي هي أحسن، ويحولوا دون الوقوع في الانحراف، والتورط بالمشاكل والممارسات السيئة.
وإن من الخطأ أن يحاول الآباء أن يفرضوا على الأبناء قناعاتهم، ونمط تفكيرهم، وطريقة حياتهم الخاصة التي ليس لها مبرر مشروع، بل لمجرد الالفة، والاعتياد الاجتماعي، فتصطدم بما يحمله الأبناء من تطلعات واهتمامات، وما يفرضه العصر من أوضاع، وطريقة خاصة للحياة.
وقد حذّر الامام علي (ع) الآباء من ذلك بقوله:
"لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"(17).
فهذا التشخيص الاسلامي للتطور في أساليب الحياة، وما يحدث من تحول فارق في الوضع الاجتماعي بين جيلين، يلقي الضوء التشخيصي على أعقد مسألة في الصراع بين جيل الآباء وجيل الأبناء، المؤدي الى التمرد بشقَّيه السلبي والايجابي.
والفكر الاسلامي عندما يشخّص هذه الحقيقة، انّما يدعو لأخذها بنظر الاعتبار والتعامل معها كحقيقة حضارية في حياة الانسان، ضمن الاُسس والقيم السليمة، ولقد شدد الاسلام على تحذير الآباء، ومنعهم من سوء التعامل مع أبنائهم الذي يجرُّ الى التمرد والعصيان، فيصل الى العقوق.
فقد ورد في التوجيه النبوي الكريم: " ياعلي لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما"(18).
كل ذلك لتحصين الجيل الجديد من الدخول الى دائرة التمرد السلبي، الذي تعاني منه الاُسر والدول والمجتمعات في حضارة الانسان المادية، والفهم المخالف للمنهج الاسلامي في التعامل مع هذه القضية.
وكما يتحمل الآباء هذه المسؤولية، فإن توعية الأبناء وتربيتهم على حب الوالدين، واحترامهم والاستماع الى نصائحهم منذ الطفولة، وتحاشي التمرد عليهم، مسألة مهمة.
ان تربية الطفل، وتعريفه بحقوق الوالدين، وأدب التعامل معهما بالقول والتصرف معهما، هي من الأسباب المساعدة على حل مشكلة التمرد. ولظروف البيئة العائلية، لاسيما العلاقة بين الأبوين والاحترام المتبادل بينهما، أو العلاقة السيئة التي تكثر فيها المشاكسة والعصيان والمشاكل، أثرها البالغ في تعميق أو معالجة هذه المشكلة.
ب ـ المدرسة: وكما يساهم تعامل الآباء في ايجاد روح التمرد السلبي الهدام، فإن للمدرسة دورها الفاعل في هذا المجال، بما فيها من نظام وطريقة تعامل معقد يلمس فيه الطالب التجاوز على شخصيته وطموحه الدراسي، أو لا ينسجم مع الظرف الواقعي له، فيساق بهذه الاسباب وغيرها الى تحدي النظام المدرسي، واحداث المشاكل، فترك الدراسة.
لذا كان من الضروري أن تكيّف المدرسة وضعها ونظمها مع روح العصر، وظروف المجتمع، وتتعامل مع الطالب في هذه المرحلة بوعي لطبيعة الصبا والمراهقة ومشاكلها، من خلال التربية والتعامل، كموجه وخبير يحل المشاكل، وليس طرفاً مواجهاً يريد الانتقام، وفرض العقاب، إلاّ اذا كان العقاب ضرورة للاصلاح.
ج ـ طبيعة المراهق وتكوينه النفسي والسلوكي: للطبيعة النفسية والعصبية، ومستوى التعليم والثقافة للمراهق، أثرها البالغ في التمرد والرفض والتحدي.
فمرحلة المراهقة هي مرحلة الاحساس بالغرور والقوة، وهي مرحلة الاحساس بالذاتية، والانفصال عن الوالدين، لتكوين الوجود الشخصي المستقل، وهي مرحلة تحدي ما يتصوره عقبة في طريق طموحاته، على مستوى الاُسرة والدولة والمجتمع؛ لذا ينشأ الرفض والتمرد السلبي، كما ينشأ الرفض والتمرد الايجابي.
ومعالجة ظاهرة التمرد السلبي، تكون بالاهتمام بالتربية السليمة المبكّرة، وتوعية المراهقين على مشاكل المراهقة، وابعاد المثيرات من الأجواء المحيطة بالمراهق.
فالشاب والشابة اللذان يتمتعان بمستوى من الوعي والثقافة يتفهّمان الحوار والمشاكل ويتقّبلان الحلول المعقولة من غير تمرد واساءة، في حين يتصرف الشاب الهابط الوعي والثقافة بعنجهية، وسوء تصرف.
د ـ الظروف والأوضاع: إن لطبيعة الظروف والأوضاع الاقتصادية والسياسية والفكرية والاجتماعية، وللقوانين والأعراف، تأثيراً بالغاً، وبالاتجاهين ـ السلبي والايجابي ـ على سلوك الشباب، وموقفهم من السلطة والقانون، والأوضاع القائمة.
فالظروف التي يشعر فيها جيل الشباب بالفقر والحاجة، وتضييع أحلام مستقبله، وبالارهاب الفكري والسياسي، والاضطهاد العنصري، أو الطائفي، يندفع، وبقوة، الى تحدّيها، والتمرّد عليها بالرفض، وعدم الانصياع، والرد بالعنف والقوة أحياناً، كما يحدث في كثير من بلدان العالم.
لذا فإن الحرية المعقولة، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، وتوفير الحقوق الانسانية، ومشاريع التنمية الخدمية، التي تستوعب مشاكل الجيل وتطلعاته، وليس وسائل القمع والارهاب الفكري والبوليسي، هي السبيل لمعالجة حالة الرفض، والتمرد السلبي.
*البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/185)
رؤية واقعية لفهم معنى المسؤولية
يولد الشعور بالمسؤولية الإسلامية لدى المسلم: حين يستقر الإيمان في قلبه، ويتفتح الوعي في عقله.. فتستجيب كل جوارحه لدواعي العقيدة، ونداءات الرسالة الخالدة.. ويندفع لأداء التزاماته الفردية والاجتماعية بهمّة وبطولة.
وشعور المسلم بمسؤوليته: هو مظهر الإحساس بعظمة الله تعالى، وتعبير عن الانقياد الصادق له، وسمة التعلق به، ومنطلق العمل في سبيله.. ابتغاء وجه ربه الأعلى.
أما ضمور الشعور بالمسؤولية: فهو علامة الضلال، وسوء الظن بالله سبحانه.. وهو كذلك من مظاهر فقدان الثقة بالنفس، وانهيار الإرادة، والتهرّب من الواقع، وتفاقم بواعث التخوف لدى الإنسان.
وإذا اختفى الشعور بالمسؤولية.. انطلق البحث عن المعاذير!! عند ذلك ألفيت روح الهزيمة تشرئبّ.. ووجدت التنصل يمد اخطبوطه ليشد كل جوارح الإنسان الى الحياة التافهة، والذلة والمسكنة، وقبول الانحراف والاستسلام، والخلود الى الكسل والرهبنة.
فالشعور بالمسؤولية شرارة الثورة على الفساد.
العمل.. لا الدعاء وحده:
الدعاء: توسل واستغاثة لجلب الخير ودفع الضر.
وإذا توجه العبد بالدعاء الى الله تعالى، اتصل برب الأرباب، وتعلق بمسبب الأسباب، واستعان "بالصمد" الملجأ الأحد في استجابة الدعوات، وقضاء الحاجات.
واتصال الإنسان بخالقه: يمنحه القدرة بعد العجز.. والقوة بعد الضعف.. والكرامة بعد الهوان، لأنه اتصال المخلوق العاجز الضعيف المهين، بالخالق القادر القوي العزيز.
فالله تعالى لا يقيم للإنسان، بل للبشرية جمعاء، وزناً لولا هذا السمو الروحي، والتعلق النفسي به سبحانه، والذي يحققه الدعاء:
{قُل ما يَعبأُ بِكُم رَبّي لولا دُعاؤكُم}. (الفرقان / 77)
إلا أن الإسلام العظيم: يرفض رفضاً قاطعاً، الفرار من العمل، حيث يجب، والانصراف الى الدعاء وحده.. ويمنع منعاً باتاً، التهرّب من المقاومة والتضحية، حيث تجب، والتوسل بالدعاء وحده.
فرسول الله (ص) كان يجدُّ ويحشد كل قواه لتعبئة جيشه الإسلامي، تعبئة عسكرية مادية ومعنوية مثلى.. وبعدها يتوجه في طلب التوفيق والنصر من الله تعالى.
"من سأل الله التوفيق.. ولم يجتهد فقد استهزأ بنفسه" (الإمام علي بن موسى الرضا (ع)).
العمل.. لا الولاء وحده:
وإن حبنا وولاءنا لرسول الله(ص) واجب، تفرضه العقيدة بالله، ويستلزمه الإيمان بالإسلام. ذلك لأننا لم نخرج من ظلمات الجاهلية الى نور الإسلام إلا بفضل جهادهم وقيادتهم الحكيمة .
إلا أن هذه المودّة لا تغني أبداً عن العمل بالإسلام، ولا تعفي إطلاقاً من العمل للإسلام.. فالصلاة لا تغني عن الصوم.. والحجّ لا يسقط الزكاة، وهكذا سائر الواجبات المطلوبة والمفروضة على المسلمين، لأنها متكاملة لا يسقط أحدها بأداء الآخر.
كما أن الحب الصادق لرسول الله(ص)، يلزم أن يدفعنا الى التمسك الواعي بالإسلام، ومواجهة تحديات أعدائه، بصلابة عقيدة، ورسوخ إيمان.
فالمسلم الذي يترك العمل بالإسلام.. أو يدع العمل من أجل الإسلام، اتكالاً على مجرد حبه أو ولائه لرسول الله(ص)، وأهل بيته (عليهم السلام)، إنما يكذب في حبه، ويماري في ولائه.. لأنه يتيح المجال لسيطرة الجاهلية على مرافق الحياة الإسلامية.
إن التقاعس عن النهوض بالمسؤولية وتحمل أعبائها من أخطر الأمراض التي فتكت بمجتمعنا وساعدت على شيوع المنكرات، وتعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهيأت لها الفرص لتزرع طحالب التفرقة والأفكار الدخيلة بين صفوفنا، لاشغالنا بالمنازعات الجانبية، عن ممارسة حقنا في الحياة الإسلامية الحرة الكريمة.
وإن مراتب المسؤولية الإسلامية:
أولاً: الشعور بالمسؤولية.
ثانياً: الإيمان بالمسؤولية.
ثالثاً: الاستعداد لتحمل المسؤولية.
رابعاً: التفكير بمتطلبات المسؤولية.
خامساً: العمل الرسالي لأداء مهام المسؤولية.
وأنه لا يمكن بلوغ هذه المراتب إلا بتوظيف كافة الطاقات الفكرية والمالية والاجتماعية المخزونة لدى الأُمة، لصالح الإسلام.. وتنسيق عوائد العمل، وتصعيد الوعي الرسالي، وتوجيهها نحو الأهم فالمهم، من مشاكلنا وأهدافنا العليا المشتركة.. ومواصلة السعي النضالي من أجل انتصار الإسلام مهما طال الزمن..
"لنا حق فإن أُعطيناه.. وإلا ركبنا أعجاز الإبل، وإن طال السرى" (الإمام علي (ع)).
ــــــــــــــــــــ(42/186)
كيف تتعلّم من اخطاء الاخرين دروسا كثيرة
يقول أحد المتخلّقين بأخلاق الاسلام وآدابه : تعلّمت من أخطاء الآخرين دروساً كثيرة ، فكنتُ إذا رأيت شخصاً يكذب ورأيت الناس يذمّونه كرهت الكذب واجتنبته ، وإذا رأيتهم يكرهون المغتاب والمتلوّن والمغرور ابتعدت عن الغيبة والنفاق والتكبّر .
ويقول أيضاً : وتعلّمت من المحسنين الصالحين العاملين الصادقين دروساً كثيرة ، فرأيت الناس يحبّون المخلص الوفي الشجاع الجريء صاحب المروءة ، فحاولت الأخذ بذلك ، ومن هذه الأبواب دخلت قلوب الناس .
ويضيف : وكنتُ أخذت على نفسي عهداً أن أترجم أخلاقي إلى سلوك عملي ، فمثلاً عندما عرفت انّه «ما من أحد أودع قلباً سروراً ، إلاّ وخلق الله له من ذلك السرور لطفاً» حتى قررت أن أتفقد إخواني المؤمنين وأصدقائي المسلمين وأدخل السرور على قلوب ـ على الأقل ـ ثلاثة منهم يومياً ! وزادني في التمسّك بهذا الخلق قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «مَنْ سرّ مؤمناً فقد سرّني ومَنْ سرّني فقد سرّ الله» .
ويختم تجربته بالقول : منذ أن علمتُ بما أوحاهُ الله تعالى إلى النبي إبراهيم (عليه السلام) : أن ابن لي بيتاً ، فبنى له مسجداً ، ثمّ تكرّر النداء وتكرّر البناء ، إلى أن قال : إلهي ! لقد بنيت بيوتاً كثيرة ، فجاء النداء : يا إبراهيم .. هل كسوتَ عرياناً ؟! هل أشبعت جائعاً ؟! عرفتُ أنّ بيوت الله في خدمة عباد الله ، فشرعتُ أبني ما أستطيعُ منها !
ــــــــــــــــــــ(42/187)
الشباب والوشم.. تقليد أعمى أم تمرد على الواقع؟!!
* وسيم عمايري
* أصل التسمية:
إذا عدنا إلى جذور هذه الظاهرة نجد أن الوشم قد عرف منذ آلاف السنين واستخدمته الشعوب القديمة لعدة أغراض في الماضي، فقد ارتبط الوشم بالديانات الوثنية التي انتشرت شرقاً وغرباً كحامل لرموزها الدينية وأشكال آلهتها، كما استخدم كتعويذة ضد الموت وضد العين الشريرة وللحماية من السحر، كما عرفته العقائد البدائية كقربان لفداء النفس أمام الآلهة، واستخدمه العرب كوسيلة للزينة وللتجميل ورمز للتميز في الانتماء إلى القبيلة، وأستخدمه المصريون القدماء كعلاج ظناً منهم أنه يمنع الحسد.
أما الوشم كتعريف فهو ثقوب تحدث في الجلد يضاف إليها بعد حصول النزف مواد وأصباغ تكسبه ألواناً ثابتة تدوم لفترات طويلة، أما عن كيفية إحداث الوشم فيجب عليك اختيار الوشم الذي تريد من خلال رسوم معدة سلفاً على ورقٍ، يطرح أمامك نماذج تحمل عدة أشكال تختار منها ما يناسبك، أو بطلب رسم معين يلزم به الواشم، وبعد ذلك يقوم بطبع هذا النموذج على المكان الذي تختاره من جسدك شريطة الملائمة بين حجم الوشم و المساحة المخصصة له، ثم يأتي عمل الإبرة المتصلة بقلم دوار فتسمع أزيزها عند إدخالها في الجلد حيث تقوم هذه الإبرة بإدخال الصبغة في الطبقة السفلية للجلد بدقة لتحصل في النهاية على الوشم الذي طلبته في المساحة المخصصة من جسدك، وغالباً ما يكون هؤلاء الواشمين متقنين لعملهم ويعرفون كيف يؤدون عملهم بإتقان لكن المشكلة تبقى في الأدوات التي يتم استخدامها، فبرغم تعقيم الإبرة إلا أن ذلك لا يمنع من التسبب بنقل أمراض عدة كالإيدز مثلاً ،
وهنا يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بقوة لماذا الوشم وما الفائدة منه؟
البعض يرى أن الوشم هو للحصول على جسم أجمل أو صورة أبهى للذراع أو الجسد، أو للفت الانتباه إلى مكان وجود الوشم وإبراز القوة والصلابة، حيث إن الوشم يعبر عن قوة الشخصية وخصوصاً إذا حمل معاني ودلالات مرعبة كصور الجماجم والأفاعي وغيرها، وبعضهم يعتبرها تخليداً لذكرى معينة تحمل في أنفسهم أثرا ًكحب جارف أو ثأر دفين أو عرفان بجميل لشخص معين، وذلك بتحميل بعض الرسوم كتابات معينة أو الاكتفاء بالكتابة أو بوشم شكل يحمل صورة تعبر عن هذه الحالة، فيما كان البعض ممن يقفون أمام هذا المشهد يعارضون هذه الآراء ويعتبرونها نوعا من الاختلال النفسي وتقليدا لنجوم الأغنية الصاخبة أمثال المغني ايمينين وعبدة الشيطان وغيرهم ممن تظهرهم شاشاتنا بصورة أبطال ونجوم، فيأتي منا التقليد لتلك الأمثلة دون التفكير في معاني ما يحملون على أجسادهم، والبعض يعتبرها تغيرات تطرأ على شخصية الموشوم تجعله يأتي على هذا النوع للتعبير عن سخطه وتميزه في المجتمع.
* للطب رأي أخر:
يرى بعض الأخصائيين في أمراض الجلد بأن الوشم من الناحية الطبية له أنواع، فهو إما وشم بسبب الحوادث والجروح ويأتي نتيجة اختلاط الدم بالتراب أو غيره خلال التعرض لجرح فيترك ندبة أو أثرا دائما، ووشم الهواة وهو وشم من شخص غير محترف، والوشم الاحترافي الذي يقوم به غالباً فنان في رسم الوشم. أما بالنسبة لاستخدامه في الطب فالوشم عرف طبياً على أنه أحد أساليب التجميل التي تأتي لإخفاء أثار الجروح أو الحروق في أماكن معينة من الوجه أو كنوع من الزينة الدائمة التي تستخدمها النسوة لرسم الحاجبين وحول الشفاه والرموش أو لتلوين المناطق البيضاء في الجلد المصاب بالبقع البيضاء بلون الجلد. وعن الأثر السلبي للوشم على صحة الموشوم فإن استخدام الوشم ينطوي على مخاطر منها: إمكانية الإصابة بسرطان الجلد والصدفية والحساسية التي تحصل في الجلد في بعض الحالات والالتهاب الحاد بسبب التسمم وخاصة عند استخدام صباغ صنع لأغراض أخرى كلطلاء السيارات أو حبر الكتابة، وسوء التعقيم الذي يؤدي إلى انتقال العدوى بأمراض الالتهاب الكبدي وفيروس الإيدز والزهري، وقد تصل إلى التأثير في الحالة النفسية للموشوم فتؤدي إلى تغيرات سلوكية في شخصيته.
أما طبيعة المواد المستخدمة فهي ملونات ذات أصل حيواني ومساحيق من الكحل والفحم وعصارة النباتات أو أكسيد المعادن كالحديد والكوبالت، وهنا تكون الطامة الكبرى لأن الموشوم لا يدرك بأن البقع والألوان المستخدمة في الوشم هي مواد خاملة لذلك فهي تصبح جزءًا دائماً من مكونات خلايا البشرة، وأن إزالة هذا الوشم توجب إزالة هذه الخلايا في حال قرر مستقبلاً ذلك، وهذه العملية تتم إما باستئصال الجلد في منطقة الوشم أو بصنفرة البشرة وخاصة السطحي منها، وهذه الطريقة يؤخذ عليها احتمال ابيضاض المنطقة المعالجة بها، والإزالة باستخدام الليزر أو بعمل رسم فوق الوشم الأصلي غير المرغوب به إما بالجراحة أو بوشم احترافي، وأخيراً بطريقة كيميائية كاستخدام الغبار الكالدوني أو سائل الآزوت.
* المصدر : باب كوم
ــــــــــــــــــــ(42/188)
مفهوم الثقافة الأحادية مفهوم خاطئ ام ..!
نعم ، مفهوم (التخصّص) في حقل معرفي أو عملي معيّن ، مفهوم صحيح .
وليس ثمة تعارض بين الثقافة كإلمام بصنوف المعرفة ، وبين التخصّص كإحاطة في فرع أو حقل معيّن . فالثقافة تتنافذ على بعضها ، وقد يبدو غريباً الربط بين الزراعة والسياسة مثلاً ، لكنّك لو دقّقت النظر لرأيت أنّ الكثير من الأمثلة الزراعية يمكن استيحاؤها في العمل السياسي ، وقل الشيء نفسه في المجالات الأخرى .
لكنّ الملاحظ على بعض الشبان اليوم هو اكتفاؤهم بـ (ثقافة الكومبيوتر) واستغناؤهم عما سواها ، وهم في ذلك يعتمدون مقولة أنّ لغة العصر هو الكومبيوتر . ولا يختلف إثنان على ما حقّقه هذا الإنجاز العلميّ الباهر في ثورة المعلومات من خلال السياحة عبر مواقع الشبكة العنكبوتية التي تختصر عوالم كبيرة في هذا الجهاز الصغير .
وليت أنّ السياحة كانت سياحة علمية دراسية ثقافية تنموية ، فهي ـ كما في الكثير من الإحصائيات ـ سياحة في مواقع معيّنة كالمقاهي وغرف الدردشة ، أو تصفّح المواقع الشبابية ، أو الإباحية .
والثقافة ـ مهما وفّر الانترنيت وجبات دسمة وغنيّة منها ـ لا يمكن حصرها في هذه القناة الثقافية ، فحسب .
فالحياة ذاتها فيها من الثقافة ما لا يمكن الإستغناء عنه ، فلو أجرينا تجربة على شاب يعيش في غرفة مقفلة لا يرى من العالم سوى وجه الكومبيوتر ، وشاب آخر يطلّ على الحياة من خلال صورها المتعددة ومرافقها الكثيرة وعلاقاتها المتشعبة ، كما يطلّ على الكومبيوتر في ساعات معيّنة ، لرأينا الشاب الثاني أثقف من الأوّل .
قد تكون معلومات الأوّل أكثر ، لكن قدرته على التفاعل مع الحياة أضعف ، بل وقدرته في توظيف المعلومة قد تكون محدودة .
إنّ الندوات الفكرية والثقافية والأدبية والتربوية والوعظية الحيّة ـ وإن كان في الانترنيت ما يماثلها ـ لكنّها تقدّم الثقافة ذات النبض والإيقاع الذي يترك تأثيره الخاص والمباشر ، أكثر من تأثير المنشور على صفحات الانترنيت .
كما أنّ الدورات التعليمية وبرامج التأهيل والتثقيف تقدّم هي الأخرى زاداً ثقافياً متحركاً قد لا تجد نظيره على الانترنيت ، فلقد ثبت أنّ المعلم الحيّ الذي يقدم الدرس بلا حواجز تقنية أبلغ في التأثير من معلم تحجبه شاشة ، ولذا فقد اعتبر الانترنيت وسيلة اتصال وليس وسيلة تواصل إلاّ في نطاقات محدّدة .
ومهما يكن من أمر فإن حصر الثقافة الشبابية بالكومبيوتر كحصر الأطعمة بمائدة واحدة ، قد يكون فيها ما لذّ وطاب ، لكنّها بالتأكيد ليست المائدة الثقافية الوحيدة .
إضافة إلى أنّ ثقافة الانترنيت هي ثقافة قليلة العمق في معظم الحالات إلاّ إذا استخدمها الفرد في تعميق رؤيته وفكرته ونظريته في مختلف العلوم والمعارف .
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/189)
الشباب والحياة الجنسية
قال الإمام علي (ع): ((مَن كرمت عليه نفسه، هانت عليه شهواته)).
ويقول الشاعر الإيراني سعدي الشيرازي ما معناه: ((الصبي عندما تتوالى عليه السنون، ينبغي عليه التحرز عن مجالسة النسوة))، ((فالنار لا تباع فوق فراش من القطن، لأن النيران تبتلع الدار بأدنى غفلة)).
إن القوى الجنسية ومظاهرها الحياتية هي دون ريب أعتى الغرائز المؤثرة في الإنسان، وتبقى هذه القوة منذ ولادته كامنة في وجوده مستغرقة في مرحلة ((الكمون))، فيمر الفرد حتى ظهور مؤشرات البلوغ بفترة من الهدوء والسكون، وتستيقظ فيه قواه هذه رويداً رويداً مع بداية مرحلة المراهقة لتعم جوارح المراهق بأسرها وتهيمن عليه بحيث يشعر تحت وطأة مخالبها القاسية بعجزه قبالها وخروجها عن نطاق إرادته وقدرته الشخصية، وتتبلور هذه الغريزة ـ التي ترافق ظهورها قسراً مشاكل وصعاب كثيرة إضافة إلى آلاف التصورات والمشاعر الأخرى ـ تستملك بعد أمد وجود الإنسان.
ـ مراحل تبلور الميول الغريزية:
يشعر المراهق في بادئ الأمر بإحساس غامض مشوب بشيء من الود والمحبة تجاه الآخرين ويمر تدريجياً بعدة مراحل هي:
ـ التفات المراهق في المرحلة الأولى إلى وضعه الجسماني مما يسترعي انتباهه إلى القضايا الجنسية.
ـ يكتسي الاهتمام المسبق في المرحلة الثانية ثوب الرغبة العارمة المصحوبة بالمحبة، أي أنه يكتسب طابعاً عاطفياً.
ـ في المرحلة الثالثة تشتد الرغبة في الجنس المغاير وقد يؤول هذا الحب وهذه الرغبة العاطفية بالفرد إلى تركيز اهتمامه الخاص في أي شخص أو ربما في عدة أشخاص.
ـ في هذه المرحلة تطرأ تغيرات على رغبته الموجهة إلى عدة أشخاص لتتركز حول شخص واحد من الجنس المغاير، وقد يكون أكبر عمراً من المراهق وهي خطوة احتمالية يتخذها بغية حيازة دعم شخص ظهير.
ـ وفي المرحلة الخامسة، تتغير أفكار المراهق ليركز اهتمامه حول شخص أقرب إليه من حيث العمر.
ويقسم بعض علماء النفس، محبة المراهق ورغبته إلى نوعين: الحب العاطفي (الملكوتي) والحب الشهواني. ويعنون بالحب العاطفي تلك المحبة والرغبة التي تجذب المراهق نحو المقابل وقد يعبر الشباب عن هذا الحب بـ ((الحب الطاهر)). وهو في هذه المرحلة بعيد عن الطابع الجسماني والشهواني، بل يعد نوعاً من التعظيم والتحسين المطلي بالإيثار. ويأبى الشاب تلطيخ هذا الشعور بصبغة الرغبة الجنسية بل يدعوه ((الحب السماوي)) ويسمي ((موريس دبس)) هذه التوجهات ((الحب الأفلاطوني)) الذي يتضمن حسب رأيه مشاعر ودية.
وفي مرحلة ((الحب الشهواني)) الذي يلي الحب العاطفي تتركز رغبة الشاب حول الملذات مما يدعوه إلى التفكير بالزواج في حالة شعوره بالارتياح لخصائص الشخص الآخر.
ـ الصحة والحياة الجنسية:
من الطرق المقترحة للحفاظ على سلامة غرائز الشباب هي:
1 ـ إن تعرف الناشئة والشباب على التطورات الغريزية التي يمرون بها إلى جانب إلفات نظرهم إلى واجباتهم الخاصة في هذه المرحلة، قد يلعب دوراً مؤثراً في تمتعهم بالهدوء والاستقرار النفسي.
2 ـ إننا عند توضيح هذه الحقيقة لجيل الشباب وهي أن الرغبات لا تؤدي إلى توفير السعادة والهناء إلا في حالة إشباعها في الزمان المناسب وبالشكل الصحيح، نكون قد نجحنا في اتخاذ خطوة مؤثرة نحو اكتساب الحصانة الأخلاقية.
3 ـ إن تمتع الناشئة والشباب بخلفية أخلاقية وفكرية ثرة، يدعمهم في سياق السيطرة على مشاعرهم والتغلب عليها.
4 ـ تعتبر تقوية الإرادة، وضبط النفس، والتدرب على العمل المتواصل والحياة السليمة، من مقومات إرشاد الشباب نحو الطريق الصحيح والمتسامي. ومن شأن الثقافة الإسلامية أن تؤدي هذه الخدمة لهم.
5 ـ توفير فرص مناسبة لمناقشة الشباب يمنعهم من تلقي المعلومات الخاطئة.
6 ـ إن إشاعة روح البساطة ونبذ الإجراءات غير الضرورية يمهد السبيل أمام زواج الشباب ويضمن للمجتمع سلامة جيله الخلاّق أخلاقياً.
ــــــــــــــــــــ(42/190)
تصحيح بعض المفاهيم الشبابية المغلوطة
نرى في هذا المقال ضرورة التوقف عند بعض المقولات التي شاعت في بعض الأوساط دون أن تستند إلى جدار متين أو تقف على أرض صلبة ، ومنها :
1 ـ مقولة (نحن أثقف من آبائنا) :
وبالرغم من التأكيد على أنّ كلّ جيل يختلف عن الجيل الذي سبقه من خلال تطور الحياة العصرية ، وأنّ الأبناء ولدوا لزمان غير زمان الآباء ، إلاّ أنّ ذلك لا يشكل هوّة سحيقة ، ولا فارقاً واسعاً بحيث يحدث فصلاً أو شرخاً بين جيل الأبناء وجيل الآباء ، وإلاّ سقطت مقولة التواصل بين الجيلين ، والاستفادة من تجارب الآباء .
إنّ مقولة (نحن أثقف من آبائنا) تحتاج إلى شيء من التحليل . ففي أي شيء الأبناء أثقف من الآباء ؟ هل في قدرتهم على التعاطي مع تقنيات العصر من الكومبيوترات وغيرها ؟
لقد واكب بعض الآباء ذلك وربّما فاقوا بعض الأبناء في استعمال هذه الأجهزة والإفادة منها ، وحتى لو لم يكونوا كذلك ، فلعلّ لديهم أشغالهم التي تحول دون تعلّمها ، كما أنّها ليست مصدر الثقافة الوحيد اليوم .
أمّا إذا كان المراد أ نّهم ـ أي الأبناء ـ أعرف بإيقاع العصر ولغته ، فما في ذلك من شكّ ، لأنّ حاسّة الالتقاط الشبابية الفتية أكبر ، ويوم كان الآباء أبناء وشبّاناً كانوا أعرف بإيقاع العصر من آبائهم ، وهكذا دواليك .
ولعلّ لدى الآباء والاُمّهات من التجارب الحياتية ، وهي ثقافة ، ما لا يملك الأبناء سوى النزر اليسير منها ، أي أنّ الأبناء قد يتفوقون في جانب والآباء يتفوقون في جانب آخر ، وبالتكامل بينهما تسير عربة الحياة بعجلتين .
ولذا فمن غير اللاّئق إطلاق عبارات التمييز والتعالي التي أقلّ ما يقال عنها أنّها تحمل بعض غرور الشباب واعتدادهم بأنفسهم ، ولا نقول عدم احترامهم لآبائهم واتهامهم بالتخلّف والرجعية .
ولا بدّ من التنبّه إلى أنّ خطورة مثل هذه المقولة هو أنّها تستبطن حالة من الإستغناء عن القدوة والزهد بها ، وهو ما لا نريد لأبنائنا وبناتنا أن يقعوا في منزلقه .
2 ـ مقولة (نحن أحرار فيما نفعل) :
الانسان ـ صغيراً كان أو كبيراً ـ يحبّ الحريّة ويطلبها ويقاتل من أجلها . لكنّنا سبق أن أوضحنا أنّ الحريّة في الاسلام ملتزمة ، وليست حريّة الإنفلات الغربي .
فربّما يتضايق الابن ، إذا تأخر عن موعد عودته إلى البيت ، من سؤال والده : لماذا تأخرت ؟ لأ نّه يرى أنّ له الحقَّ في أن يخرج متى يشاء ويعود متى يشاء .
لكنّ ما ينبغي الإلتفات إليه هو أنّ الابن أو البنت عضوان في أسرة ، وهذا يعني أنّ هناك عدداً من الضوابط والإلتزامات التي يتعيّن عليهما أخذها بنظر الاعتبار وعدم التفريط بها ، فالإنتماء الأسري تماماً كأيّ إنتماء آخر تنتظمه حقوق وواجبات وممنوعات ومسموحات .
وحتى بغير هذا ، فإنّ قلق الأسرة على أبنائها مبرّر ومشروع ، وأنّ التأخر فوق العادة يثير المخاوف ، وعليه فيستحسن الإشارة قبل الخروج أ نّنا سنتأخر ، وإذا حدث طارئ وتأخرنا دون إمكانية التبليغ عن التأخير ، فيستحسن أيضاً تبيان أسباب التأخر ، وكل ذلك من أجل أن يبقى بناء الثقة بين الأبناء والآباء عامراً .
وليلتفت أحدنا إلى أن والده أو والدته كيف إذا خرجا من البيت فإنّهما ـ في العادة ـ يبيّنان مكان خروجهما وساعة عودتهما حتى لا يقلق الباقون ، وبالتالي فهذا وأمثاله ليس تضييقاً للخناق على الحرية ، وإنّما هو تقدير لارتباطنا بالجماعة .
ومثل ذلك إذا نهت الاُم ابنتها عن الذهاب إلى بيت الجيران للدراسة مع صديقتها . فقد لا تلتفت الفتاة إلى أن نهي الاُم لا يتعلق بدراستها فقط ، فقد تحسب أكثر من حساب لتواجد ابنتها عند الجيران ، ولذا فليس ضدّ الحريّة أن تقول لابنتها بحبّ : لا أرى يا ابنتي مصلحة في ذهابك للأسباب التالية ، وتوضّح لها الأسباب .
فكما أنّ على الأبوين أن يوضّحا أسباب المنع ويقنعا بها الأبناء ، فكذلك على الأبناء أن يتفهّموا مخاوف الوالدين وأسباب قلقهم إن كانت ضمن الحدود الطبيعية ، وأن يبددا بعضها غير الطبيعي .
3 ـ مقولة (نحن من الناس) :
ومن المقولات التي تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر ، حديث بعض الشبان والفتيات عن شخصياتهم بمنتهى السلبية ، فإذا عاتبت أو انتقدت سلوك أحدهم غير المرضي ، قال لك : كلّ الناس يفعلون ذلك ، وأنا واحد منهم ، أو يقول : «حشرٌ مع الناس عيد» أي لا أريد أن أشذّ عن الناس في أفعالهم .
وقد لا يلتفت البعض منهم إلى أن هذا المنطق هو منطق جاهلي قبليّ يرفضه الاسلام ، وهو شبيه بقول شاعرهم :
وما أنا إلاّ من غُزيّةَ إن غوت***غويتُ وإن ترشد غُزيّةُ أرشدِ
في حين أنّ الله جعلك إنساناً مسؤولاً وذا إرادة مستقلة وعقل حرّ وبصيرة فاحصة حتى ولو ألقيت معاذيرك (بل الإنسان على نفسه بصيرة * ولو ألقى معاذيره )(1) .
وقد يعتبر بعض الشبان والفتيات أنّ ذلك من دواعي لزوم الجماعة فيردّد «يد الله مع الجماعة» وبهذا تخلط المفاهيم خلطاً سيِّئاً . فالجماعة التي معها يد الله جماعة الحق والعدل والخير والإصلاح والتعاون ، لا جماعة الشرّ والشيطنة وقرناء السوء والرذيلة .
تذكّر .. إنّك محاسب على عملك بمفردك يوم تقف شاخصاً بصرك مقلداً عملك قد تبرّأ جميع الخلق منك حتى أقرب الناس إليك . فلا يُسقط الحساب عنك ولا يخفّفه قولك : أنا من الناس ، وأنا كواحد من الناس ، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى أن يكون المسلم (إمّعة) ، قيل له : وما الإمّعة يا رسول الله ؟ قال : «أن يقول أنا من الناس وأنا واحد من الناس ، إنّما هما نجدان نجدُ خير ونجد شرٍّ فلا يكن نجد الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير» .
فأنت إذن في الخيار ..
اختر طريق الخير حتى ولو اختار الناس طريق الشرّ ، فكثرتهم لا تعني أنّ طريق الشرّ الأعوج أصبح الصراط المستقيم((2)) .
4 ـ مقولة (كبرنا على النقد والمحاسبة)
يحتجّ بعض الأبناء والفتيات من المراهقين والشبّان بأ نّهم كبروا ، ولم يعودوا بحاجة إلى النصح أو النقد أو المحاسبة ، وربّما يقول بعضهم : نحن أدرى بمصلحتنا ولا حاجة لنصائحكم وإرشاداتكم .
وهذا مظهر آخر من مظاهر الغرور والتعالي ، فرغم أنّ الأبناء والبنات قد دخلوا مرحلة الشباب ، وينبغي على الآباء والاُمّهات أن يعاملوهم معاملة الأخ أو الأخت لا معاملة الأطفال الصغار ، وهذا يتطلب أن تتغيّر اللهجة وأسلوب النقد والخطاب ، إلاّ أن حاجة الأبناء والبنات إلى مشورة ونصيحة وملاحظات ، بل ونقد الوالدين ليست مرهونة بمرحلة الطفولة فحسب ، بل ممتدة مع العمر ، والفارق أنّها كانت في الطفولة تأديبية ، ولكنّها في الكبر تعني التسديد ولذلك على الأبناء والبنات أن يطلبوها من الوالدين ولا ينتظراها منهما .
فإذا كنّا نتقبّل النقد من إخواننا وأصدقائنا ومعلّمينا لأ نّنا نقدّر حبّهم لنا وإخلاصهم إلينا ، وإنّهم ربّما قاموا بذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلِمَ لا نقبل ذلك من الوالدين بنفس العناوين مضافاً إليهما أ نّهما الأشدّ حرصاً والأكثر محبّة وشفقة .
إنّ رفض النقد والمحاسبة والنصح يعني أنّ الشبان والفتيات يقولون لآبائهم واُمّهاتهم : دعونا نخطئ ولا تتدخلوا في إصلاح أخطائنا ، الأمر الذي قد يوقعهم في أخطاء أكبر .
5 ـ مقولة (نحن متخلّفون ولا بدّ من اللحاق بالغرب) :
قد يأخذ بعض الشبان والفتيات من الغرب صورته الشكلية الخارجية ، وربّما ينظرون إليه من خلال إنجازاته العلمية والتقنية وأساليب إدارته ومناهج بحثه ودراساته ، فيعتبرون أنّ بلدان الشرق ، أو بلاد المسلمين عموماً متخلّفة ، وأن علاج تخلّفها يكمن باللحاق بعجلة الغرب ، ولذلك فإنّهم يتصورون أ نّهم إذا قلّدوا الغربيين في مظاهرهم يكونون قد حقّقوا التقدّم المطلوب .
والحقيقة أنْ لدى الغرب الكثير من نقاط القوّة التي يجدر بنا أن نحصل عليها ، خاصّة وأن لدينا عقولاً كبيرة وإرادات كبيرة أيضاً ، ولكن لا ينبغي أن نغفل أنّ لدى الغرب نقاط ضعف وانحلال كثيرة يجب أن لا تصيبنا عدواها ، ومن أبرز تلك النقاط انهيار النظام الأسري والاجتماعي والأخلاقي لديهم . والحكمة تقتضي أن نأخذ بالإيجابيّ السليم ، وأن ننبذ السلبيّ السقيم ، وعدم الإكتفاء بتقليد المظهر ونسيان المضمون والجوهر .
6 ـ مقولة (الحجّ للمسنين) :
هناك بعض الشبان المستطيعين مالياً الذين يترددون في الذهاب إلى بيت الله لأداء فريضة الحج ، ويتصورون أنّ الحج فريضة مكتوبة على الشيوخ والمسنين .
وربّما يتساهل البعض في ذلك بالقول : لِمَ العجلة ، العمر مفتوح أمامنا ، وعندما يتقدّم العمر بنا نذهب إلى الحج .
ومع أ نّنا نلاحظ أنّ بعض الشبان والفتيات أثبتوا خطأ هذه النظرة أو المقولة ، فرحنا نشهد قوافل شبابية من الحجيج يؤدون مناسكهم أسوة بالشرائح العمرية المختلفة ، إلاّ أنّ البعض ما زال متمسكاً بمقولة ارتباط تقدّم العمر بالحج ، وأنّ من المبكر أداء هذه الفريضة ، ما دامت صحيفة الأعمال لم تمتلئ بالسيِّئات بعد !
ولا بدّ من إعادة النظر في هذه المقولة ، فالعمر أوّلاً ليس معلوماً ، ثمّ أنّ الاستطاعة إذا حصلت وجب الحجّ فلِمَ التأخير ؟! كما أنّ الحجّ بمناسكه المعروفة وشعائره الرائعة يربّي حالة الإيمان ويعمّقها في النفس لما يشهده الحاج من منافع (ليشهدوا منافع لهم )(3) .
إنّنا لا نريد لشبابنا أن يملأوا صحائف أعمالهم بالسيِّئات ، بل بالحسنات والباقيات الصالحات ، ومَنْ يدري فقد يكون الحجّ عاصماً للشاب من ارتكاب الموبقات ، وإذا مدّ الله في العمر وامتدّت الاستطاعة فيمكن الحج مرّة أخرى ، والعدد أحمد .
إنّ مقولة (الحج للمسنين) يجب أن تتغيّر ونستبدل مكانها مقولة (الحج للشبّان) حتى يتمتّعوا بأداء مناسكهم وهم في أتمّ الصحّة والعافية ، ولا يعني ذلك الدعوة لمنع المسنين من الحج ، وإنّما هو شعار لحثّ الشريحة الشبابيّة على الإغتراف من بركات هذه الفريضة .
* المصدر : البلاغ
(1) القيامة / 14 ـ 15 .
(2) يُلفت القرآن نظرنا إلى أنّ الكثرة ليست دليلاً على الحق (وأكثرهم للحقّ كارهون ) ، (وما أكثرهم بمؤمنين ) .
(3) الحج / 28 .
ــــــــــــــــــــ(42/191)
كيف تبدّد المخاوف التي تحدق بك ؟
يقال إنّ الخوف نعمة لأ نّه يقي الانسان من مزالق ومخاطر التهوّر أو الأشياء التي تبيّت له شرّاً ، لكنّ الخوف يتحول إلى مشكلة إذا استشرى وأصبح عقدة مستعصية ، أو إذا استحال إلى حالة من الجبن .
ويقال أيضاً إنّ الخوف في أكثره وهميّ ، وهذا ما عبّر عنه الحديث : «إذا هبت أمراً فقع فيه فإنّ شدّة توقّيه شرّ من الوقوع فيه» . وهو ما صاغه الشاعر بعبارة أخرى :
وما الخوفُ إلاّ ما تخوّفه الفتى***وما الأمنُ إلاّ ما رآهُ الفتى أمنا
فكيف تنزع لباس الخوف والهلع عنك ؟
إليك بعض المحاولات :
أ . ادرس كلّ حالة خوف دراسة واقعية .. اُنظر ماذا يخيفك فيها ؟ هل هي خوف نابع من حالة طفولية قديمة لازمتك منذ الصبا ولم تستطع التخلّص منها ؟ إذن آنَ الأوان أن تضعها عن كاهلك وإلاّ رافقتك مدى الحياة .
هل هي مما يخصبه الخيال ويضخّمه ؟ هذا يعني أنّ حجم الخوف ليس طبيعياً وإنّما هي وساوس النفس التي نفخت فيه فانتفخ . وقد يكون خوفاً حقيقياً وهنا ينبغي أن تحترس منه وتتحاماه .
ب . إنّ الجرأة والشجاعة ـ كما سبق أن أوضحنا ـ تمرين واكتساب وممارسة ، اقتحم مواطن خوفك .. جرّب أن تسير في الظلام لبعض الوقت .. وأن تمشي في طريق ليس فيها مارّة ، أو الإطلالة من بناية شاهقة ، أو الوقوف على حافة جبل ، أو المشي على جسر ضيِّق بلا أسوار .. قد يداخلك الرعب في هذه الحالات لكنّه سبيلك لمكافحتها .
إنّ مخاوفنا تدعونا للحذر لكنها لا تمنعنا من اختبار أنفسنا أو المخاطرة المدروسة .
ج . رافق الشجعان ، واقتبس من روحهم روحاً وزخماً لروحك .. اُنظر كيف يتصرفون في المواقف الحرجة والخطرة ، واقرأ دائماً قصص الأبطال والبطولات والقادة الذين هزئوا بالخوف وبالموت .
د . تذكّر أنّ الموت أجلٌ وكتاب ، وإذا كان الأمر يستدعي التضحية ، فإنّ الشاعر يقول :
إذا لم يكن من الموت بُدٌّ(())***فمن العجز أن تموت جبانا
* المصدر : البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/192)
الشباب وتشكيل الأسرة
قال رسول الله , ص ,(ثلاثة من السعادة: المرأة الصالحة، تراها فتعجبك وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالِك، والدابّة تكون وطيئة فتلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة.(إن تشكيل الأسرة أسلوب من أساليب تخليد ذكر الإنسان ولهذا تعتبر الأسرة اللبنة الأساسية بين بني البشر, ويل ديورانت,.
تتباين دوافع الشباب إبان التفكير بالزواج بدءاً بالدوافع العادية كتأمين الغرائز الطبيعية وحتى الدوافع السامية مثل التكامل وكلها دون استثناء تترك آثاراً على نمط تكوّن العلاقات الزوجية فيما بعد. إن مجموعة متكونة من دوافع كالحاجة إلى الأنيس، التهرب من الوحدة والعزلة، الحاجة إلى التعامل العاطفي والاستقرار النفسي، الحفاظ على النوع البشري وطاعة الله هي التي تساهم في قضية انتخاب الزوج المناسب.
إن تعيين الهدف الصحيح والدافع الواضح للزواج عند الإقدام على مثل هذه المبادرة، وكما أنه يعتبر نقطة اانطلاق جيدة عند تشكيل الأسرة فهو شرط ضروري في سياق استمرار الحياة ومواجهة الصعوبات والشدائد. فالزواج ((المفروض)) يهدد أركان إرادة الشباب وقدرتهم على مواجهة هذه الظروف. إن العامل الذي يتلو الحوافز والدوافع عند التفكير بالزواج (من حيث الأهمية) هو الضوابط الموضوعة نصب العين عند اختيار الزوج. ونحن نلاحظ تنوعاً معقداً في مضمار الشروط المطلوب توفرها في الزوج. وينخفض معدل الخطأ في الحياة فيما لو نجح جيل الشباب في تحليل تأثير كل من الضوابط المتوقع وجودها في العش الزوجي بدقة ومعرفة الحدود الواقعية لهذه الضوابط والشروط.
والاستفسارات التالية من شأنها إعانة الشباب على اختيار الزوج المناسب لهم:
1 ـ ما هي القيمة الحقيقية للضابط المأخوذ بنظر الاعتبار (من قبيل الجمال، المستوى الدراسي أو المؤهل العلمي، الثروة و ... ).
2 ـ ما هو مدى استمرار وثبات هذا الضابط في الحياة الزوجية.
3 ـ ما هو مدى احتفاظ هذا الضابط بأهميته عند مقارنته بسائر الضوابط الأخرى؟
4 ـ ما هو دور هذا الضابط في حل المشاكل المحتمل ظهورها في الحياة الزوجية؟
أحد العظماء أهدى حصيلة تجاربه ومطالعاته المتعمقة إلى ابنه، قائلاً:
((بني، إجنح إلى تحري الدقة والتمحيص عند اختيار زوجك فيما لو شاء الله وبلغت الحلم لأن ما تكتنفه الحياة من خير وشر وما تلوح به يد المستقبل من سعادة أو بؤس تعتمد على هذا الموضوع الهام. إن قضية الزواج تماثل تطبيق خطة حربية لو سها الإنسان خلالها ولو لمرة واحدة فسيؤول أمره إلى خسارة لا يمكن تعويضها بأي شكل وطريقة. عليك بالتحري واستقصاء الأوضاع الخلقية لمن اخترته زوجاً لك واستفسر عن أخلاق وميول أبوي الزوج في عهد شبابهما)).
ـ الشباب ورسالتنا:
إن الغاية المتوخاة من مجموعة واجبات الراشدين إزاء الشباب هي تلقينهم بهذه المفاهيم:
1 ـ إن التحري بهدف معرفة الزوج هو اللبنة الأساسية الأولى في بناء صرح الحياة الهادفة الرشيدة.
2 ـ توضيح هذا الموضوع وهو أن معرفة الزوج أمر لا يتم بمرحلة واحدة بل ظاهرة حركية هادفة تتبلور وتتكامل خلال عدة مراحل.
3 ـ يتم التعرف على الزوج خلال مراحل ثلاث، هي: قبل الزواج، فترة العقد (أو الخطوبة)، وبعد الزواج (تشكيل الأسرة). وتعتبر كل مرحلة منها المتمم بالنسبة للمرحلة السابقة.
4 ـ شرح أمثلة وتجارب عن الحياة الزوجية الناجحة المتسامية بغية وضع صورة مفعمة بالمثاليات أمام ناظري الشباب.
5 ـ ترسيخ ثقافة البساطة في فكر جيل الشباب للحد من انتشار ظاهرة التمسك بالكماليات بغية تسهيل قضية الزواج وتيسيرها.
6 ـ إن وجود تباين في الوضع الأخلاقي والثقافي بين الأزواج الشباب، أمر طبيعي يستوجب تعلم أساليب التعامل معه وصولاً إلى الانسجام المطلوب للحد من تأزم الأوضاع وزيادة فجوة الخلافات الأسرية المؤدية إلى الانفصال.
7 ـ الاهتمام الجاد بافتتاح دورات تعليمية للشباب قبل الزواج والتأكيد على أهمية مواصلة هذه الدورات على مدى الحياة.
8 ـ تزويد الشباب بمعلومات عن الأساليب والطرق الكفيلة بحل المشاكل ليكونوا على استعداد لمواجهة المشاكل التي قد تحل بهم في مسيرتهم بأسلوب معقول ومنطقي وعدم التراجع أمام مثل هذه القضايا وتركها لتعصف بهم.
9 ـ توضيح هذه الحقيقة للشباب وهي أن المحبة ضرورية منذ بداية الحياة الزوجية ولكنها ليست كافية للحفاظ على الكيان الأسري بل إن دعم هذه العلاقة الودية بالحكمة وإدراك الحياة، أمر كفيل باستمرار العلاقات الزوجية.
10 ـ إن الكثير من خصائص الحياة السعيدة اكتسابي يمكن التوصل إليه وتحقيقه في ظل المثابرة والسعي الجاد. وفهم هذه الحقيقة لمن يقدم على الزواج من الشباب ينفخ فيهم روح الأمل ويسلحهم بنظرة إيجابية محركة إلى الحياة تصنع لهم في آفاق الغد مستقبلاً أفضل مما تلوح به آفاق اليوم.
ــــــــــــــــــــ(42/193)
قصص القران والحياة
قيمة المال وقيمة الإيمان
في هذا العرض نلتقي بالنموذجين في مشهد حواريّ واحد .
فهناك الثريّ المترف صاحب المال والأراضي الزراعية الشاسعة والأولاد والجاه والأبّهة . وهناك الفقير المعدم الذي لا يمتلك من ذلك شيئاً ، لكنّه يملك ما هو أثمن وأغنى وأدوم ، وهو إيمانه بالله وفضله وعظمته .
يقول تعالى في تصوير الشخصيتين : (واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنّتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً * كلتا الجنّتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً وفجّرنا خلالهما نهراً * وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعزُّ نفراً * ودخل جنّته وهو ظالم لنفسه قال ما أظنُّ أن تبيد هذه أبداً * وما أظنُّ الساعة قائمة ولئن رُددت إلى ربِّي لأجدنّ خيراً منها منقلباً * قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثمّ من نطفة ثمّ سوّاك رجلاً * لكنّا هو الله ربِّي ولا أشرك بربِّي أحداً * ولولا إذ دخلت جنّتك قلت ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله إن ترن أنا أقلّ منك مالاً وولداً * فعسى ربِّي أن يؤتين خيراً من جنّتك ويرسل عليها حسباناً من السّماء فتصبح صعيداً زلقاً )( ) .
مقارنة بين الشخصيتين :
المشهد الحواري السابق بين صاحب الثروة المادية العريضة وبين صاحب الإيمان العميق بالله يكشف عن هويّة كلّ منهما وإن كنّا نجهل أسماءهما ، لأنّ القرآن لم يذكر ذلك ، وهو ليس بالمهم ، فالمهم فحوى القصة ومضمون الحوار وقيمة النموذج .
1 ـ صاحب الجنّتين يرى أنّ ملكه نعيم خالد لا يزول . والمؤمن المعدم يرى أنّ هذا الملك ـ مهما كان عريضاً ـ فهو عرضة للزوال في أيّة لحظة(( )) .
2 ـ صاحب الجنّتين يرى أنّ قيمته في كثرة ما لديه من ثروات وبنين . والمؤمن المعدم يرى أن قيمته فيما يؤمن به .
3 ـ صاحب الجنّتين يرى أنّ الله سيتفضّل عليه بالآخرة أيضاً كما تفضّل عليه في الدنيا كجزء من غروره وخيلائه وتصوّره أنّ الله يحبّه لذاته ويكرمه لأجل سواد عينيه . والمؤمن المعدم يرى أنّ عطاء الله للمؤمنين وما ادخره لهم من جنّات النعيم ومُلك لا يبلى ، سيكون أوسع وأفضل وأدوم من عطائه للأثرياء في الحياة الدنيا .
4 ـ صاحب الجنّتين لا يؤمن أنّ هناك قوّة أقوى من قوّته يمكن أن تدمّر ما يملك حتى ولو كان الفيضان ، فيما يرى الفقير المؤمن أنّ دوام الحال من المحال ، وأنّ جنّات الأرض مهما كانت غنّاء عامرة يمكن أن تصبح خاوية على عروشها في فيضان أو حريق يأتي عليها فيجعلها قاعاً صفصفا ، لأ نّها لا تملك صفة الدوام ، فهي كصاحبها فانية (كلّ مَنْ عليها فان * ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام )( ) .
التطبيقات العملية :
إنّ لصاحب الجنّتين في الحياة أشباهاً ونظائر ، فقد تلتقي بأناس أثرياء يخلدون إلى ثرواتهم ويركنون إليها كمن يستند إلى ركن وثيق . فلا يعرفون فضل الله عليهم ولا يذكرونه ولا يشكرونه وكأنّ ما لديهم من صنع يديهم وقولهم كما قال (قارون) صاحب الثراء الفاحش (إنّما أُوتيته على علم عندي )( ) .
وقد تلتقي بأثرياء في أرصدتهم وعقاراتهم وممتلكاتهم ولكنّهم فقراء في نفوسهم ، بخلاء في عطائهم ، ضعفاء في إيمانهم وإلتزامهم ، وهم يتصورون أ نّهم في بروج مشيّدة لا يدركهم الموت .
وتلتقي بفئة ثالثة تنظر إلى مَنْ هو أدنى مستوى منها نظرة ازدراء واستصغار حتى ولو كان أكبر منهم في مقامه الإيماني والعمليّ والجهاديّ والعلميّ ، لأ نّهم يعتبرون ما يملكونه أعظم من الإيمان والعلم والعمل والجهاد .
وفي مقابل هذه النماذج الحياتية ، ترى :
أناساً فقراء لا يملكون من طعام الدنيا شيئاً لكنهم أغنياء من التعفّف ، وكلّهم ثقة وأمل وإيمان أن عطاء الدنيا ـ مهما كان كبيراً ـ فهو لا يساوي شيئاً في موازاة عطاء الآخرة ، فللآخرة يعملون ، ولا ينسون نصيبهم من الدنيا .
وهاتان الصورتان (صورة الثري صاحب الجنّتين) و (صورة المؤمن الفقير المعدم) لهما انعكاسات في التعامل الاجتماعي ، فبعض الناس يحترمون صاحب الثروة ويقدّرونه أكثر من تقديرهم للمؤمن العامل ، فتراهم يفسحون له في مجالسهم ، ويقومون له اكباراً واجلالاً وإذا خطب ابنة أحدهم هرعوا لتزويجها من ابنه ، وإذا طلب منهم خدمة تهافتوا أو سارعوا لقضائها ، ولا يفعلون ذلك مع المؤمنين المعدمين إلاّ نادراً ، الأمر الذي يعني أنّ النموذجين المذكورين في الآيات الكريمة ما زالا يعيشان في مجتمعاتنا ، وإنّ صورة صاحب الجنّتين هي التي تخطف الأبصار رغم أنّ المال لا يشكّل قيمة داخلية تعبّر عن إنسانية الانسان وعلمه وخلقه وسجاياه .
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/194)
الشباب والتشاور
قال رسول الله(ص): لا مظاهرة اوثق من المشاورة .
إن التشاور اصطلاح ,دارج, عام يتضمن إجراءات عديدة، منها: الحوار، الاختبار، الإرشاد، تقديم النصائح وسائر الحالات ذات العلاقة. إن الهدف من التشاور هو الأخذ بيد الفرد لحل مشاكله أو البرمجة لمستقبله وما إلى ذلك.
إن علم النفس يعمد إلى استخدام اصطلاح المستشار النفساني في حالات يكون فيها المستشار أخصائياً قد تلقّى العلوم في مجالات كالإرشاد وتوجيه السلوك، قضايا الزواج ومشاكله، اختيار المهنة، الشؤون الاجتماعية، القضايا المتعلقة بالدراسة والتعلم وما يشابهها من شؤون الحياة.
وللتشاور جانبان يتمم أحدهما الآخر، الأول: تشاور الآخرين مع الشخص، والثاني: تشاور الشخص مع المحيطين به. ويجب في البداية أن نتعرف على الآثار التي تنجم عن التشاور مع الشاب وكذلك الاحتياجات التي يلبيها لهم التشاور. ومن هذه الحالات:
1 ـ قال الإمام علي(ع)):حق على العاقل أن يضيف إلى رأيه رأي العقلاء))، فالتشاور مع الشباب ينير أفكارهم وينمي قوة عقولهم لأن الشاب يعرض في كل فرصة من فرص التشاور لسؤال يستوجب بغية الإجابة عليه بشكل لائق، إثارة قواه الفكرية مما يؤدي إلى نبوغ هذه القوى وترعرعها وأن تضفي على الشاب نضوجاً فكرياً أكبر مما يمتاز به أترابه ممن لم يجتازوا هذه الحالة.
2 ـ إن أية استشارة مع الشاب تدعم شعوره بالجدارة لأنه من المسلَّم به أن الآخرين لا يستشيرون أحداً في أمورهم ما لم يكونوا على يقين بقوة شخصيته فتكون هذه الاستشارة في الواقع استجابة لحاجة الشباب إلى شعوره بمكانته اللائقة لدى الآخرين وتكون حصيلتها زيادة ثقته بنفسه.
3 ـ ترسخ استشارة الشباب ـ من قبل الآخرين ـ روح الشعور بالمسؤولية في نفوسهم أكثر من ذي قبل وهذا ما يكون ملحوظاً، لا سيما في العوائل، فعندما يُقبل الأبوان على استشارة ولدهما الشاب، يوحى إليه أنه ليس بعيداً عن هذه الحياة بل إنه تابع لها وهذا ما دفع أبويه لاستطلاع رأيه فيما يخص تطور الأسرة وتحسين شؤونها فيزيد من شعوره بالمسؤولية إزاءها.
4 ـ تنكمش ((الفواصل العاطفية)) بين الشباب والآخرين مع كل تجربة استشارية بين الطرفين لأن التشاور في حد ذاته ضرب من الأواصر العاطفية الفكرية يحكم الفكر ظاهره والعواطف مكنونه.
5 ـ يعد التشاور مع الشباب، نوعاً من أنواع التدريب النفسي غير المباشر. لأنهم يدركون من سلوك أبويهم والمحيطين بهم أنهم يولون التشاور معهم اهتمامهم ولا يحسب الراشدون هذه المبادرة عملاً يتنافى مع شموخهم وشعورهم بعزة النفس، فيحرص الشاب على نبذ ((الاحادية أو التوحد)) في الحياة ليتمتع بحصيلة تجارب الآخرين وتفكيرهم بمصلحته من خلال التشاور معهم.
والجانب الثاني يشمل الظروف التي يفترض على الآخرين توفيرها للشباب من أجل استئناسهم بالتشاور معهم وتشجيعهم للإقبال على هذا الأمر دونما عسر أو ضيق صدر، كما ينبغي على المشاور التحلي بالخصائص التالية لتوفير جو مفعم بالتفاهم والثقة المتبادلة، ملائم للتشاور معهم:
1 ـ التمويل العاطفي: للتمويل العاطفي شأن يعلو شأن تبادل العواطف، فالأول يشمل تعاطف المشاور مع ذوي العلاقة والثاني يعني التعامل العاطفي المتوازن بين شخصيتين.
2 ـ الاستقرار العاطفي: المتمتع بالعواطف المستقرة والمتسقة في مراحل حياته المختلفة يتمكن من استقطاب ثقة الشباب وتشجيعهم للتحدث والتشاور معه. وهذه الصفة على الأبوين أكثر من غيرهم التحلي بها.
3 ـ التواضع: إن التفاعل الأخلاقي واكتساب ثقة الآخرين أمر لا يمكن تحقيقه إلا بعد مد جسور العلاقات المتبادلة، وهذا ما تتجلى معالمه بشكل واضح ويترك آثاراً حاسمة في العلاقات المتبادلة مع الشباب لأنهم عند شعورهم بأن المشاور يتعامل معهم باعتباره ذا شأن أعلى ومكانة أسمى سوف يأبون الاستجابة إليه ويبدون ردود فعل معاكسة معه.
4 ـ معرفة متطلبات الشباب: إن تفهم المحيطين بالشباب وخاصة الأبوين لمتطلبات الأبناء ومشاكلهم في هذه المرحلة من العمر واستيعابهم لها بشكل كامل يمنحهم قدرة خاصة على اتخاذ الإجراءات اللازمة لتلبية هذه الاحتياجات مما يؤدي إلى إيجاد التفاهم الكامل بين الجيلين.
5 ـ المُثُل الأخلاقية: إن الالتزام بالنظام الأخلاقي الإلهي الراسخ يخلق الثقة بالآخرين في نفوس الشباب. قال رسول الله (ص) في هذا الصدد: ((شاور المتقين الذين يؤثرون الآخرة على الدنيا ويؤثرون على أنفسهم في أموركم)).
ــــــــــــــــــــ(42/195)
مجالات للحوار الشبابي
هناك عدّة عناوين يمكن للشبان والفتيات أن يدخلوا في حوارات هادفة بشأنها ليضعوا تصورات وحلولاً مشتركة لها ، ومنها :
ـ مشكلات الشباب النفسية والروحية والاجتماعية والعلمية والعملية والدراسية والمعيشية .
ـ سبل التواصل بين الأجيال (ويمكن استضافة شخصيات من جيل آخر لإعطاء مصداقية أكبر للحوار) .
ـ مسؤوليات الشبان إزاء أنفسهم ، وأوطانهم ، وأمّتهم ، ودينهم ، وعوائلهم .
ـ هموم وقضايا الشباب المعاصرة .
ـ اهتمامات الشباب الدينية في الوقت الحاضر .
ـ العلاقة بين الجنسين .. المجتمعات الحديثة وضوابط الشريعة .
ـ الآفات التي تفتك بالشباب .. الأسباب وطرق العلاج .
وإلى غير ذلك من الموضوعات التي تشغل حيزاً من تفكير الشبان سواء في العمل أو الزواج أو السياسة أو إصلاح الفساد .
ولا يعني حوار الشبان أو الفتيات أن يحاور بعضهم البعض فقط ، وإنّما الاستعانة بالخبراء والمختصّين والمربّين وأصحاب التجارب حتى يحققوا للحوار مدى أكبر من الجدية والفاعلية والنفع .
الفرق بين (الحوار) و (المساومة) :
و لا بدّ من الاشارة إلى أن هناك فرقاً كبيراً بين (الحوار) وبين (المساومة) .. فكلّ شيء قابل للحوار والتفاهم والتواصل ، إلاّ المبادئ الثابتة فهي غير قابلة للحوار ، فحينما يعرض عليك شخص أو جماعة التنازل عن ثوابتك والتزاماتك الدينية والعقيدية والأخلاقية فإن ذلك ليس مجالاً للحوار ، لأ نّك لست حرّاً في تقديم التنازل عن قيمك ومبادئك ، وإنّما يجب أن تقف موقف الرفض الحاسم لأيّة مساومة تحت التهديد أو تحت الترغيب .
إنّ لك في رسول الله أسوة حسنة ، فلقد جاءته قريش لتقدّم له عرضاً في أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدوا إلهه سنة ، وهكذا دواليك ، فنزل عليه الوحي بـ (سورة الجحد) أو (الكافرون)
(قل يا أ يُّها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين ).
فلا مساومة ولا حوار حول المبدأ الثابت وهو (التوحيد) .
وساوموه في المال والجاه والسلطان ، فقال : «لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر أو أهلك دونه ما تركته» .
وقد خيّر حفيد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسين بن علي بين القتل وبين الذلّة في مبايعة (يزيد بن معاوية) فقال : «ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين إثنتين بين السلّة (الموت) وبين الذلّة وهيهات منّا الذلّة» .
فلا حوار إذا تعرّض الكيان الاسلامي إلى النسف والتدمير ، ولا حوار إذا جرت المساومة بين أن نكون مسلمين أو نكون بلا دين ، ولا مساومة ـ حتى ولو تلبست بلباس الحوار والمناقشة ـ في دعم الظلم والظالمين .
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/196)
مساوئ الغلوّ والتطرّف
أوّلاً : لماذا الإفراط ؟
باختصار شديد نقول : إنّه الجهل .
فالإفراط بالطعام ، وإن كان مبعثه الخوف من نفاد الطعام ، أو الرغبة الشديدة في الحصول على أكبر كمّية منه ، أو الاستمتاع بإفرازات اللعاب للمذاقات والطعوم المختلفة ، لكنّه يسيء بالنتيجة إلى صحّة الشاب أو الفتاة ، وما ذاك إلاّ للجهل أنّ الزيادة كالنقصان ، فكما أنّ الجوع مضرّة ، فكذلك التخمة مضرّة ، وصدق مَنْ قال : «ربّ أكلة منعت أكلات» .
ولقد ثبت علمياً أنّ الإفراط في مرحلة الشباب يؤدي إلى الشيخوخة المبكرة ، أي أ نّه أشبه بالضغط الكثيف على آلة أو جهاز يؤدي إلى استهلاكه قبل الأوان .
ثانياً : لماذا التفريط ؟
الجواب هنا نفس الجواب هناك .
فالتقصير والإهمال واللاّ مبالاة والتقاعس والإجحاف ، جهل ، وإلاّ فمن عرف دلّته معرفته على العمل .
فحينما تعرف أنّ الإعراض عن ذكر الله ، والتقاعس في أداء العبادات ، وعدم الشعور بالإنشداد الروحي أثناء العبادة ، وتهمل هذه الحالة فإنّك بذلك تزيد في نسبة الجفاف الروحيّ الذي تعاني منه ، ويكون مثلك مثل المريض الذي يعاني من نزلة برد خفيفة حتى إذا أهملها وطال الأمد بإهمالها فقد تتحوّل إلى حالة من حالات الربو أو النزلة الصدرية الحادّة ، أو التهاب مزمن في الرئتين .
فـ (الجهل) هو الذي أدّى إلى هذه النتيجة الوخيمة ، كما أدّى إلى نتيجة لا تقلّ وخامة في مثال الإفراط بالطعام .
بقي أن نشير إلى أهمّ مساوئ الغلوّ والتطرّف والخروج عن الحدود المعقولة لنعرف الآثار السيِّئة التي يخلّفها عدم الإعتدال :
1 ـ التطرّف يخلق حالة من النفور لدى الآخرين ، فالمتطرّف إنسان ينفضّ الناس من حوله لأ نّهم يرونه جائراً في تصرّفاته ، مجحفاً في تحقيق ما يريد ، وهم حتى وإن كانوا لا يمارسون العدل في حياتهم لكنهم يحبّون الذي يعدل معهم .
2 ـ تقديم صورة سيِّئة عن الإسلام . فالاسلام ، كما هو واضح من خلال عقائده وتشريعاته وتعاليمه ، دين العدالة والإعتدال ، وأيّ تطرّف في أيّة واحدة من تشريعاته وعقائده سيشوّه صورة الاسلام في الواقع الحياتي للمسلمين ، مما قد يقيس بعض الناس إسلام المسلمين عليه ، وشتّان بين الاسلام الناصع النقي ، وبين بعض تصرفات المسلمين التي تعكس صوراً مشوّهة منفّرة .
3 ـ المتطرّف إنسان يقسو على نفسه وعلى غيره ، فالبخيل متطرف في ادخار أمواله والخوف عليها وحرمان نفسه منها بعدم الإنفاق فيما يحلّ ويجمل من المتع الحلال .
كما أ نّه يقسو على غيره من الأهل والأصدقاء في قدرته على مساعدتهم لكنّه لا يفعل ذلك خشية نقصان ما لديه من أموال محفوظة .
والجبان متطرف في خوفه الشديد ، وارتعاده من أيّة حالة مواجهة ، أو تحدٍّ أو دفاع عن النفس والقيم ، فهو بائس منطو على نفسه متألم لضعفه ، وهو في الوقت نفسه يتسبّب بالألم لغيره ممّن يلوذون به من أصدقاء أو أهل .
4 ـ المتطرف ضعيف ولكنّه يوهم نفسه بالقوّة ، ولو لم يكن ضعيفاً لما مال إلى الانحراف عن خط الإعتدال والتوازن ، فقد يحسب بعض المتطرفين أنّ الإعتدال شيمة الضعفاء ، فلا بدّ من الغلوّ في الحزم والقسوة وتأنيب وتعنيف الآخرين .
5 ـ المتطرف ازدواجي ، فهو يمارس التطرّف لكنّه يرفضه من قبل المتطرفين معه . فالأب المتطرف مع زوجته وأبنائه في تزمته واستبداده ، تراه يرفض تطرف مديره في الدائرة ، وكأ نّه يحلّ لنفسه التعسف والطغيان ، ويحرّمه على غيره أو يستهجنه ، ولأ نّه ضعيف الشخصية ـ كما قلنا ـ فإنّه يقلدُ مديره في بيته .
ــــــــــــــــــــ(42/197)
الشباب وعقد الطفولة
وأكثر الأعراض العصبية حدوثاً في طور الشباب هي الأعراض النفسية التي تقلق بال الشباب وتؤثر في حياته الاجتماعية والعملية .. وتلك الأعراض تكون عادة نتيجة لعقد نفسية حدثت في عهد الطفولة، ثم تراجعت وعفى عليها النسيان، ثم تعود إلى الظهور في عهد الشباب في أشكال مختلفة، من الأرق وعدم الثقة بالنفس والتردد والخوف وغير ذلك.
ولذل كان قسط كبير من المسؤولية عن تعاسة الشباب النفسية يقع على عاتق الآباء .. فواجب الآباء أن يربوا أبناءهم تربية نفسية صحيحة بأن يتجنبوا أخذهم بأساليب الكبت والتخويف، ويتيحوا لهم إشباع غرائزهم المختلفة باللعب البريء تحت إشرافهم، ويكرسوا لهم بعض وقتهم كل يوم لارشادهم وليشعروهم بعاطفة الأبوة الحانية.
وسن 12 في المتوسط هي أخطر سن في الطفولة، ولابد للأسرة أن تستعد لهذه السن، وأن يكون وسط الأسرة مناسباً للتحول الكبير في شخصية الطفل، وأن تقل الخلافات ويسود السلام أو على الأقل هدنة تمتد ثلاث أو أربع سنوات حتى تتم بلورة شخصية الطفل.
وغياب الآباء الطويل عن الأسرة له تأثيره إذ ينحرف الأولاد في مثل هذه الحالة عن السلوك العقلي الطبيعي، ويكونون ((أشقياء)) جداً ولا يطيعون أحداً .. أو يتشبهون بالبنات ويكونون سلبيين وضعاف الشخصية .. وبالنسبة لبنات مثل هذه الأسرة فإنهن قد يملن إلى حب الرجال الكبار الذين في سن آبائهم وهذا ما يسمى ((عقدة لوليتا)) ..
ويمكن التنبؤ بمستقبل الطفل من طريقة بكائه، فقد أثبتت المشاهدات العلمية أن أغلب الأطفال الذين كانوا يبكون بصوت عال عنيف أصبحوا في مراكز قيادية عندما كبروا .. وثبت أن هناك علاقة بين حالة الطفل العصبية ونوع الطعام الذي اعتاد عليه .. واذكر حالة طفل عمره 7 سنوات كان في منتهى الشقاوة ويحطم كل شيء، ويقرض أظافره ويثور لكل شيء، وبعد فحص حالته أشرت على والدته بمنع تناوله للبسكويت والكاتوه والشوكولا والأغذية المحفوظة بصفة عامة .. وبعد ثلاثة أيام نجحت هذه الوسيلة وشفي الطفل تماماً.
والبنت التي تكون علاقتها مع أمها سيئة في طفولتها، وتميل إلى إيذاء نفسها وتعذيبها بالامتناع عن الأكل في بعض الأحيان تصبح في الغالب خطرة عندما تنمو وتبلغ سن الرشد، وتحتاج إلى رعاية أكثر من غيرها من البنات. وقد ثبت أن وجود الحيوانات الأليفة في البيت يخفف عن خلافات الأسرة ولذلك ينصح بعض أطباء الأعصاب باقتناء حيوان أليف في البيت ليكون متنفساً لأفراد الأسرة في الرضى والغضب.
ــــــــــــــــــــ(42/198)
التعلق بالتدخين .. وهمٌ أم حقيقة؟!
* د. عبدالغني عرفة
لا شك بأن التدخين يؤثر على الجهاز العصبي المركزي، وإن كانت تسممات هذا الجهاز نادرة الحدوث إلا في حالات الاعتياد والإدمان، إن مما يجب أن يذكر الآثار المبهجة أولاً ثم المهدئة ثانياً، والتي تتماشى مع مفعول النيكوتين حيث تتظاهر حاجة المدخن المبكرة صباحاً للإسراع في تناول السيكارة للحصول على النيكوتين اللازم لإعطائه الإحساس النوعي بأنه في حالة جيدة (أحسن حالاته) فإذا أعطينا مدخناً دون علمه سيكارات قليلة النيكوتين فإنه سوف يدخن أكثر لتعويض كمية النيكوتين التي نقصت عليه.
وبالتالي سواء أكان المدخن يتعاطى السيكارة أو يدخن الغليون، فإن الدخان Fumee يحدث لديه ـ دون شك ـ صدمة الدخان، فالدخان الحار (الدخنة الحارة) تؤثر مباشرة على مراكز المستقبلات الحرارية Thermo Receptor، وهي في نفس الوقت تمثل العامل الشال للحاسة الذوقية بتأثيرها في نهايات الأعصاب الذوقية، وفي هذه الأثناء يشعر المدخن الجديد Neophyte بأول الآثار الثانوية العرواءات، التعرق والغثيان، ويجب أن نضيف بأن هذا الشعور المخرش (فيزيائي كيماوي) يمكن أن يُعَدّ عاملاً قائماً بحد ذاته، وبالإضافة إلى ذلك من المحتمل أن تدخل بعض المواد الكيماوية إلى الدم في المرحلة الفموية، وهذا ما يضيف فعلاً مركزياً إلى أثر التدخين.
ويضاف إلى الآثار الفيزيائية المظاهر النفسية التي تقلب عادة التدخين إلى عبودية التدخين ـ فالتدخين ظاهرة اجتماعية نفسية ـ كالأكل والشرب، وهي كذلك قابلة للتبادل خاصة بشكل سيكارة يمكن أن تقدم أو تتبادل وترمز إلى التودد والتحبب الاجتماعي، ومن البديهي أن السيكارة هي أسهل شيء للاستهلاك بسرعة برفقة شخص آخر مهما يكن وضعه وطبيعته، وهناك ملاحظتان تساعدان على تعيين الأثر الأساسي لهذه الظاهرة:
1 ـ المعروف في الحفلات وجود اصطلاحات طقسية.
2 ـ إن التدخين ترف ولا يوجد مدخن واحد يفترض بأن التدخين ضروري للحياة، وأن تبادل السكاير هو عملية رمزية كتبادل الأنجاب.
التدخين سواء أكان سيكارة أو سيغار أو غليون أو غيره له علاقة بالشخصية، ويلفت انتباه الأصدقاء أو الأهل، فالشعور الذي تتركه السيكارة بوضعها بين الشفتين واستنشاقها تعطي نوعاً من النشوة هي للبعض Composante من ذكريات عمر الرضاعة والشعور الثاني هو Orale الامتصاص والجذب الفموي.
إن ما يقدم أو يتبادل يبقى ذو قيمة رمزية، سواء بالنسبة للشخص الذي يقدم أو للشخص الذي يتقبل، وأهم من ذلك شعور الشخص المدخن نفسه بأن التدخين يعطيه قيمته الشخصية بغض النظر عن نوع الدخان المستعمل أو طريقة التدخين، دخان غامق أو أشقر، غليون، سيكار، سيغاريللو.
إن طريقة التدخين تتعلق بالشخصية، وهي ذات أثر كبير جداً إلى درجة غير معقولة، وهذا ما يجعل المراهق الذي يدخن أول سيكارة يشعر برغبته في إظهار شخصيته سواء لأهله أو لأصدقائه، فالتدخين قد يكون عند بعضهم دليلاً على التقدم، ورمزاً للتخلص من مخلفات الماضي ومن سلطة الوالدين، وهو كذلك يمثل صفة هامة من صفات الطفولة Curiosity (الفضول وحب الاطلاع) واليفع والتظاهر بالتنكر لتعاليم الأهل (شعور أصبحت رجلاً).
يفقد المدخن شهيته للطعام، وينقص وزنه، ويتهم الدخان في ذلك، (الدخان ينهي المفرزات المعدية) وعلى العكس من ذلك فإن تارك التدخين يزداد وزنه بشكل مدهش وغير عادي، وذلك بسبب عودة المفرزات المعدية ونشاط عملية الهضم التي توقفت بسبب الفعل الناهي للدخان.
ـ التدخين تسمم بطيء:
من الملاحظ أن الهدف الرئيسي للمدخن هو الوصول إلى درجة الإشباع في كمية النيكوتين التي يتناولها، ويبدو من التجارب التي أجريت، أن المدخن يتحمل كميات من النيكوتين أكبر بكثير من الكمية التي يتحملها غير المدخن (مرتان أو ثلاث مرات أكثر) فالاعتياد والمثابرة تقرب كثيراً التدخين من الاعتياد الكلاسيكي.
ومع أن التدخين يدخل في صفات الاعتياد على الرغم من اشتماله على مادة سامة، فإن عادة التدخين لم تكن تصنف سابقاً بين المواد التي تسمم الإنسان، أما الآن فقد اختلفت النظرة وأصبح التدخين يعتبر من عوامل التسمم الأكيدة، إلا أنه تسمم بطيء المفعول والأثر، فلم يعد التدخين يُعَدُّ عادة بل أصبح إدماناً.
ــــــــــــــــــــ(42/199)
الاعلام وسلوك الشباب
في عالمنا المعاصر تطورت وسائل الاتصال، ونقل الافكار والمعلومات، بشكل لم يسبق له مثيل، فهي تنتقل بسرعة الضوء والصوت، وتغزو العالم في ثوان معدودة.
وهناك أعداد ضخمة من المؤسسات والاجهزة والادوات الخاصة بالتثقيف الجماهيري وتكوين الرأي العام، وتصميم الشخصية.
وغدت وسائل الاعلام والمعلومات، كالتلفزيون وشبكات الانترنيت والكومبيوتر والصحافة والراديو والكتاب والمجلة... هي القوة المهيمنة على التفكير والفعالة في تكوين نمط السلوك.
فالاعلام يساهم في تكوين الفكر السياسي والدعاية للشخصيات والافكار، كما يساهم مساهمة فعالة، لاسيما الاعلام المصور، كالتلفزيون والسينما والفيدو والمجلة بالاغراء الجنسي، والتعريف بالازياء والسلوك والافكار والاثارة، وتوجيه الرأي العام.
والشباب ـ لاسيما في مرحلة المراهقة ـ مهيأون أكثر من غيرهم، لتقمص الشخصيات، والتأثر بالشخصيات التي تظهر على شاشة التلفزيون، أو السينما، من الممثلين وعارضي الازياء، ورجال العصابات، وشخصيات العنف... الخ.
كما يتأثر الشباب بالشخصيات التي تمثل دور البطولة السياسية والاجتماعية والثورية وعظماء التاريخ، ذلك لان المراهق ـ من الاناث والذكور ـ في هذه المرحلة هو في طور تكوين الشخصية، وانتقاء المثال الذي يتأثر به.
وحيث انّ الغرائز والمشاعر، لاسيما غريزة الجنس، هي في قمة القوة والعنفوان، والضغط على المراهق، وتبحث عن طريق للتعبير والتفريغ، فإن وسائل الاعلام ساهمت مساهمة فعالة في اثارة الغريزة الجنسية عن طريق الافلام والصور الخلاعية والماجنة والمغرية وعن طريق القصص الغرامية والادب والثقافة، كما ساهمت أفلام العصابات والاجرام في حرف الكثير من المراهقين وتدريبهم على اقتراف الجريمة، لذا فإن الرقابة في بعض دول العالم تمنع العديد من عرض الافلام الجنسية، وأفلام العصابات، كما تمنع أحياناً حضور المراهقين الى قاعات عرض تلك الافلام.
وتفرض بعض دول العالم الرقابة على أفلام الفيديو الخليعة والمثيرة، أو التي تدرّب على تناول المخدرات والجريمة.
سجل الدكتور اسكندر الديلة نتيجة احصائية قام بها في لبنان، تخص مشاهدة الفيديو، جاء فيها: (أن مشاهدة الافلام الاجتماعية والعاطفية حازت على الدرجة الاولى، وحلت الافلام البوليسية في المرتبة الثانية....)(11).
وجاء في تقرير آخر: لقد تبين من دراسة اجريت في الولايات المتحدة على 110 من نزلاء مؤسسة عقابية أن 49% من هذه المجموعة أعطتهم السينما الرغبة في حمل السلاح و 12 ـ 21% منهم أعطتهم السينما الرغبة في السرقة ومقاتلة الشرطة.
ومن خلال دراسة اُجريت على 252 فتاة منحرفة بين سن 14 ـ 18 سنة تبيَّن أنَّ 25% منهن مارسن العلاقات الجنسية نتيجة مشاهدتهن مشاهد جنسية مثيرة في السينما. و41% منهن قادتهن المشاهد الى الحفلات الصاخبة، والمسارح الليلية. و54% منهن هربن من المدرسة لمشاهدة الافلام. و17% تركن المنزل لخلاف مع الاهل حول ذهابهن الى السينما.
وجاء في تقرير الهيئة الصحية العالمية عن انحراف الاحداث، وعلى لسان أحد القضاة الفرنسيين العاملين في ميدان الاحداث ما يأتي: «لا يخالجني أيّ تردد أن لبعض الافلام، وخاصة الافلام البوليسية المثيرة معظم الاثر الضار على غالبية حالات الانحراف لدى الاحداث».
وفي انجلترا تمكنت بعض الدراسات من خلال استجواب 1344 شخصية اختصاصية حول العلاقة بين السينما وانحراف الاولاد دون السادسة عشرة فأجاب ستمائة منهم بوجود علاقة بين انحراف الاحداث والسينما.
كما اظهرت بعض الدراسات في الغرب على أنَّ بعض السرقات الكبيرة كان الدافع اليها تردد الاحداث بشكل متكرر الى قاعات السينما)(12).
وهكذا يتضح أن مشاهدة الافلام العاطفية، ومنها الجنسية هي في المرتبة الاولى، وأن مشاهدة الافلام البوليسة يأتي في المرتبة الثانية، وكما أكدت الدراسات العلمية، فإن المراهق في هذه المرحلة يسعى من خلال المحيط لتكوين شخصيته، وهو سريع التأثر والتقبل؛ لوجود العواطف والغرائز والشحنات النفسية والجسدية المتوثبة، والباحثة عن التعبير والتفريغ.
ومن هذه الاحصائية ندرك أهمية العمل الاعلامي في تكوين السلوك العاطفي والغريزي، والاقدام على تقمص شخصيات أبطال الافلام والمغامرات.
ــــــــــــــــــــ(42/200)
مشجب القضاء والقدر في حياتنا
اعتاد الكثير من الشبّان ، والأكثر من الفتيات أن يلقوا تبعة الفشل أو الخسارة أو أيّة حالة سلبية تواجههم على مشجب القضاء والقدر .
فمن السهل أن تطلق فتاة لم توفّق في الحصول على الزوج المناسب ، القول : «المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين» . وهي تستسلم لحالة انتظار المقسوم وكأ نّه قدر محتوم وليس سعياً لطلب الرزق ، فحتى على سبيل الفرض لم يسمح حياء الفتاة باختيار شريك الحياة ، فإن بمقدورها رفض مَنْ يتقدّم إليها إذا لم يكن ضمن المواصفات التي تريد ، وقبول مَنْ يحوز عليها ، أي أنّها صاحبة الاختيار بالنتيجة .
وقد يتردّد على ألسنة بعض الشبان الذين عاشوا تجارب عاطفية صعبة ، أو فقراً اُسرياً شديداً ، أو ضغوطاً اجتماعية حادّة : «ما بأيدينا خلقنا تعساء» .
وكأنّ هؤلاء الشبان واُولئك الفتيات قد تخفّفوا من العبء النفسي بالقائه على مشجب القضاء والقدر ، فالقضاء هو المسؤول عن فقرهم ، والقدر هو المسؤول عن فشلهم الدراسي ، والقضاء والقدر هما المسؤولان عن اختيارهما السيِّئ وغير المدروس في الزواج أو في غيره .
وهم لا يرون الانسان إلاّ كمحمول الماء من القش والأوراق الصفراء يتقاذفها الموج من كلّ جانب ، وتنحدر مع المجرى ، أو تقذف إلى إحدى الضفاف وهي عاجزة خائرة القوى لا إرادة لها أبداً .
أين هو عقلك إذن ؟ هذا الذي بيده الكثير من مفاتيح الحلّ ؟
أين هي إرادتك إذن ؟ هذه التي تقهر المستحيل وتصنع المعجزات ؟
أين طاقاتك الخلاّقة والمبدعة كشاب أو كفتاة ؟
أين ثقافتك وتعليمك وخبرتك في الحياة ؟
أين المفاهيم والتعاليم الاسلامية النهضوية في (السعي) و (الجهاد) و (التغيير) ؟
ثمّ ماذا عن العظماء الذين غيّروا وأبدعوا ، واخترعوا ، واكتشفوا ، وجدّدوا ، وثاروا ، واصلحوا ، وملأوا الدنيا بآيات عظمتهم ونبوغهم ؟
هل تراهم كانوا يطوفون خارج مدار (القضاء والقدر) ؟
إنّنا كمسلمين وكمؤمنين نؤمن ونعتقد بالقضاء والقدر ، لكنّنا نؤمن أيضاً أ نّنا نصنع قدرنا بأيدينا ، وأن ما لا خلاصَ منه فهو في يد الله كـ (الموت) والكوارث الطبيعية وما شاكل ، أمّا القسم الأكبر من قضايانا فبأيدينا ، ونحن نردد مع الشاعر المتفائل قوله :
إذا الشعب يوماً أراد الحياة***فلا بدّ أن يستجيب القدر
ولا بدّ لليل أن ينجلي***ولا بدّ للقيد أن ينكسر
ــــــــــــــــــــ(42/201)
التعلق بالتدخين .. وهمٌ أم حقيقة؟!
* د. عبدالغني عرفة
لا شك بأن التدخين يؤثر على الجهاز العصبي المركزي، وإن كانت تسممات هذا الجهاز نادرة الحدوث إلا في حالات الاعتياد والإدمان، إن مما يجب أن يذكر الآثار المبهجة أولاً ثم المهدئة ثانياً، والتي تتماشى مع مفعول النيكوتين حيث تتظاهر حاجة المدخن المبكرة صباحاً للإسراع في تناول السيكارة للحصول على النيكوتين اللازم لإعطائه الإحساس النوعي بأنه في حالة جيدة (أحسن حالاته) فإذا أعطينا مدخناً دون علمه سيكارات قليلة النيكوتين فإنه سوف يدخن أكثر لتعويض كمية النيكوتين التي نقصت عليه.
وبالتالي سواء أكان المدخن يتعاطى السيكارة أو يدخن الغليون، فإن الدخان Fumee يحدث لديه ـ دون شك ـ صدمة الدخان، فالدخان الحار (الدخنة الحارة) تؤثر مباشرة على مراكز المستقبلات الحرارية Thermo Receptor، وهي في نفس الوقت تمثل العامل الشال للحاسة الذوقية بتأثيرها في نهايات الأعصاب الذوقية، وفي هذه الأثناء يشعر المدخن الجديد Neophyte بأول الآثار الثانوية العرواءات، التعرق والغثيان، ويجب أن نضيف بأن هذا الشعور المخرش (فيزيائي كيماوي) يمكن أن يُعَدّ عاملاً قائماً بحد ذاته، وبالإضافة إلى ذلك من المحتمل أن تدخل بعض المواد الكيماوية إلى الدم في المرحلة الفموية، وهذا ما يضيف فعلاً مركزياً إلى أثر التدخين.
ويضاف إلى الآثار الفيزيائية المظاهر النفسية التي تقلب عادة التدخين إلى عبودية التدخين ـ فالتدخين ظاهرة اجتماعية نفسية ـ كالأكل والشرب، وهي كذلك قابلة للتبادل خاصة بشكل سيكارة يمكن أن تقدم أو تتبادل وترمز إلى التودد والتحبب الاجتماعي، ومن البديهي أن السيكارة هي أسهل شيء للاستهلاك بسرعة برفقة شخص آخر مهما يكن وضعه وطبيعته، وهناك ملاحظتان تساعدان على تعيين الأثر الأساسي لهذه الظاهرة:
1 ـ المعروف في الحفلات وجود اصطلاحات طقسية.
2 ـ إن التدخين ترف ولا يوجد مدخن واحد يفترض بأن التدخين ضروري للحياة، وأن تبادل السكاير هو عملية رمزية كتبادل الأنجاب.
التدخين سواء أكان سيكارة أو سيغار أو غليون أو غيره له علاقة بالشخصية، ويلفت انتباه الأصدقاء أو الأهل، فالشعور الذي تتركه السيكارة بوضعها بين الشفتين واستنشاقها تعطي نوعاً من النشوة هي للبعض Composante من ذكريات عمر الرضاعة والشعور الثاني هو Orale الامتصاص والجذب الفموي.
إن ما يقدم أو يتبادل يبقى ذو قيمة رمزية، سواء بالنسبة للشخص الذي يقدم أو للشخص الذي يتقبل، وأهم من ذلك شعور الشخص المدخن نفسه بأن التدخين يعطيه قيمته الشخصية بغض النظر عن نوع الدخان المستعمل أو طريقة التدخين، دخان غامق أو أشقر، غليون، سيكار، سيغاريللو.
إن طريقة التدخين تتعلق بالشخصية، وهي ذات أثر كبير جداً إلى درجة غير معقولة، وهذا ما يجعل المراهق الذي يدخن أول سيكارة يشعر برغبته في إظهار شخصيته سواء لأهله أو لأصدقائه، فالتدخين قد يكون عند بعضهم دليلاً على التقدم، ورمزاً للتخلص من مخلفات الماضي ومن سلطة الوالدين، وهو كذلك يمثل صفة هامة من صفات الطفولة Curiosity (الفضول وحب الاطلاع) واليفع والتظاهر بالتنكر لتعاليم الأهل (شعور أصبحت رجلاً).
يفقد المدخن شهيته للطعام، وينقص وزنه، ويتهم الدخان في ذلك، (الدخان ينهي المفرزات المعدية) وعلى العكس من ذلك فإن تارك التدخين يزداد وزنه بشكل مدهش وغير عادي، وذلك بسبب عودة المفرزات المعدية ونشاط عملية الهضم التي توقفت بسبب الفعل الناهي للدخان.
ـ التدخين تسمم بطيء:
من الملاحظ أن الهدف الرئيسي للمدخن هو الوصول إلى درجة الإشباع في كمية النيكوتين التي يتناولها، ويبدو من التجارب التي أجريت، أن المدخن يتحمل كميات من النيكوتين أكبر بكثير من الكمية التي يتحملها غير المدخن (مرتان أو ثلاث مرات أكثر) فالاعتياد والمثابرة تقرب كثيراً التدخين من الاعتياد الكلاسيكي.
ومع أن التدخين يدخل في صفات الاعتياد على الرغم من اشتماله على مادة سامة، فإن عادة التدخين لم تكن تصنف سابقاً بين المواد التي تسمم الإنسان، أما الآن فقد اختلفت النظرة وأصبح التدخين يعتبر من عوامل التسمم الأكيدة، إلا أنه تسمم بطيء المفعول والأثر، فلم يعد التدخين يُعَدُّ عادة بل أصبح إدماناً
ــــــــــــــــــــ(42/202)
أنا والمجتمع
المجتمع مجموعة من الأفراد والاُسر الّذين تربطهم روابط مختلفة ، كالعقيدة أو القرابة ، أو المصالح المشتركة ، والعلاقات التأريخية ... وغيرها .
فكلّ فرد يشعر بانتمائه إلى اُسرته وإلى مجتمعه ، وبأ نّه جزء من اُسرته ومجتمعه ..
إنّ الفرد يتبادل المنافع مع الاُسرة والمجتمع الذي يعيش فيه . كما يكتسب من اُسرته الأخلاق والسّلوك وطريقة العيش ، بل ويكتسب جزءاً من أفكاره وطريقة تفكيره ..
وللفرد مصالح وشخصيّة مستقلّة ، كما إنّ للمجتمع شخصيّة ومصالح مستقلّة. وكثيراً ما يحصل التناقض بين مصالح الفرد والمجتمع; لذا اهتمّت القوانين والأنظمة الوضعيّة والإلهيّة بتنظيم العلاقة ، وحلّ التناقض بين مصالح الفرد والجماعة في المجالات التي تتعارض فيها المصلحتان: الفرديّة والإجتماعية ..
وقد اهتمّت التعاليم الدينية بتنظيم الحياة المدنيّة للفرد والجماعة ; لحفظ الحقوق والواجبات الانسانية ، كذلك اهتمّت دراسات الأخلاق والآداب الاجتماعية بتنظيم حياة الفرد والمجتمع والموازنة بينهما على اُسس أخلاقيّة وإحساس وجدانيّ سليم..
فالبعض من الناس لا يفكِّر إلاّ بتحقيق مصالحه الشخصيّة ، ولا تعنيه مصلحة الآخرين ..
فالتاجر المحتكِر والبائع والمنتِج المتلاعِب بالأسعار ، لا يفكِّرون إلاّ بتحقيق الرِّبح الفرديّ ، ولا يعنيهم ما يقع على المستهلكين الفقراء من غلاء وأزمات ومشاكل معاشيّة ..
وصاحب الحاجة يفكِّر في سدِّ حوائجه ، ولا يعنيه أن تبقى حوائج الآخرين وأزماتهم قائمة تفتك بهم ، وتسبِّب القلق والمشاكل والمعاناة لهم ..
والّذي له هدف سياسي خاص يسعى لتحقيق هدفه الشخصيّ ، والحصول على موقع أو منصب يطمح إليه . فإذا حقّق ذلك ، لا يعنيه ما يصيب الآخرين من مشاكل ومعاناة أمنيّة ومعاشيّة وسياسيّة ..
والفلّاح الّذي يملك أرضاً زراعيّة ، لا يتضامن مع الآخرين لتوفير الماء أو العلاج إذا توفّر ذلك لزرعه .
فهذا الصِّنف من الناس لا ينظر إلى القضايا والمشاكل إلاّ من خلال مصالحه .
وقد شخّص الرسول الكريم محمّد (ص) هذه المشكلة الاجتماعية الخطيرة ، وهذه الأنانيّة الضّارّة بمصالح الجماعة ، فحذّر منها بقوله :
«لا يؤمنُ عبد حتّى يُحِبّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِه من الخير»(1) .
وبذا يربط الرّسول الكريم محمّد (ص) بين التفكير بمصالح الجماعة، والخروج من الأنانيّة الفرديّة . فالأناني الذي لا يفكِّر بمصلحة الجماعة ليس بمؤمن صادق
(8)
الإيمان . ومَن لا يفكِّر بمصلحة الآخرين ، لا يفكِّر أحد بمصالحه .. وبذا تنهار وحدة المجتمع وبناؤه .
فما لم يتحقّق الشعور النفسي والتربوي السّليم لدى الفرد والجماعة ، وما لم تكن هناك قوانين تحفظ مصلحة الفرد والجماعة .. يتحوّل المجتمع إلى فوضى وأنانية ، وحرمان الأكثرية من أبناء المجتمع .. ومن ثمّ يفسح المجال أمام الأقوياء لقهر الضعفاء واستضعافهم ..
إنّ الإحساس الوجداني والأخلاقي في نفوسنا، والمبادئ الإلهيّة السّامية ، تدعونا إلى أن نحرص على مصلحة الجماعة ، كما نحرص على مصالحنا الفردية الخاصّة.. إذ إنّ كثيراً من المصالح الفرديّة تلحق الضّرر بمصلحة المجتمع ، لذا يجب الابتعاد عنها .
فتهريب الأرصدة المالية ، مثلاً ، يحقِّق مكاسب مادِّيّة كبيرة للأشخاص المزاولين لهذه الأعمال .. غير أنّ ذلك يُحدِث ضرراً كبيراً باقتصاد الاُمّة وثروتها ; لذا حرّمه القانون الإسلامي وعاقب عليه .
وفي سلوك الأبرار نجد المواقف المبدئية ، والتطبيق العملي للموازنة بين مصلحة الفرد والجماعة ..
من ذلك السلوك العملي ما رُوي عن إمام المسلمين ، أبي عبدالله ، جعفر بن محمّد الصّادق (عليه السلام).. روى أحد أصحابه المكلّف بإدارة شؤونه البيتية ، واسمه مُعتّب ، قال :
«قالَ لي أبو عبدالله، وقد تزيّد السِّعر بالمدينة: كم عندنا من طعام؟ قلتُ له : عندنا ما يكفينا أشهراً كثيرة ، قال : أخْرِجْهُ وبِعْه ، قال : قلتُ له : وليس بالمدينة طعام ، فقال : بِعْه ، فلمّا بِعْتُه ، قال : إشترِ مع الناس يوماً بيوم .
وقال ـ الصّادق ـ : يا مُعتّب ، إجعل قوت عيالي ، نصفاً شعير ، ونصفاً حنطة ، فإنّ الله يعلم أنِّي واجد أن أطعمهم الحنطة على وجهها ، ولكنِّي أحبّ أن يراني الله قد أحسنتُ تقدير المعيشة»(2) .
في هذه القصّة والموقف تعبير عمليّ عن الاهتمام الاسلامي بشؤون الجماعة .
فالإمام الصّادق (عليه السلام) يرفض أن يوفِّر الكفاية من الطّعام ، لعدّة أشهر من السوق لعائلته مرّة واحدة ويدّخره في بيته ، في حين يتعذّر على بقيّة أفراد المجتمع لظروف طارئة توفير حاجتهم اليومية ، وهو يريد بذلك أن يمتنع مَن كان قادراً على شراء كميّات كبيرة من الطعام عن شرائها لتبقى تلك الكميّات في السّوق، فتزداد كميّة العرض ـ عرض الطّعام في السّوق ـ فينخفض سعره ، ويتيسّر الحصول عليه للجميع .
تصرّف الإمام الصّادق (عليه السلام) مع هذه المسألة من مبدأ الاهتمام بشؤون المجتمع ، كما يهتم بشؤون اُسرته الشخصية . وتلك هي الصورة الصّادقة للإيمان .
(9)
جدير ذكره أنّ الإضرار بالمجتمع ، لا يبقى الفرد ، أيّاً كانت مصالحه الفرديّة متحقِّقة ، بمنأى عن الأذى ، إذ إنّ الانسان إجتماعي بالطّبع وبحاجة إلى أن يعيش في المجتمع السّليم والآمن .
* البلاغ
(1) ميزان الحكمة / ج 1 / (حقيقة الإيمان) / ص 395 .
(2) الكليني / الكافي / ج 5 / ص 166 / دار الكتب الإسلامية
ــــــــــــــــــــ(42/203)
كيف تواجه الفترة الحرجة ما بين المعصية والاستقرار؟
إن الإنسان حينما يبتلى بمرض، ثم يتعافى منه، فإنه يكون هناك بعض التوصيات الطبية من الأطباء الحاذقين، ليبقى الفرد على سلامته، ولئلا يعود إليه المرض ثانية.. وكذلك فإن الإنسان المذنب بمثابة مريض ابتلي بجراثيم الذنوب -بجرثومة أو أكثر، بحسب المعاصي- والآن وبعد ان تاب هذا المذنب ودخل مستشفى الطب الروحي، من خلال فترة روحانية، أو موسم عبادي، أو حتى ليلة من ليالي الإنابة إلى الله عزوجل.. إذ من الممكن أن تكون بعض ليالي السنة أبرك عمليا حتى من ليلة القدر.
فما هي التوصيات العامة، لهذا الانسان الذي اكتسب عافيته الروحية؟..
أولا: من الممكن بين فترة وأخرى أن يراوده الحنين إلى الحرام الذي تركه.. فإن بعض المعاصي يقوم بها الإنسان، ثم يستغفر منها.. إلا أنه من الممكن أن تُبقي بعض التغيرات الفسيولوجية في بدنه.. فالإنسان الذي توغل في عالم الشهوات، ربما تتغير حتى تركيبته البدنية، فيصبح إنسانا سريع الإثارة، وسريع التفاعل مع موارد الحرام.. إن ارتكاب الحرام المتواصل، من الممكن أن يؤدي إلى هذه النتيجة الوخيمة؛ ولهذا فإنه يحتاج إلى ما يشبه الاستبراء في الحيوانات الجلالة -مع فارق التشبيه- فالطير عندما يأكل طعاما محرما فترة، فإنه يحتاج إلى فترة يأكل فيها طعاما طاهرا، ليعود الى حالته الطبيعية.. فإذن، إن على الإنسان بعد التوبة، أن يحذر كثيراً من الشياطين وفخوخها المنصوبة؛ لأن الشيطان يتألم ويتأذى عندما يرى إنساناً تائبا.. كما أن الله عز وجل يفرح عندما يرى إنسانا تائبا.. قال الباقر (ع): (ألا إنّ الله أفرح بتوبة عبده حين يتوب، من رجلٍ ضلّت راحلته في أرض قفر وعليها طعامه وشرابه.. فبينما هو كذلك لا يدري ما يصنع، ولا أين يتوجّه، حتى وضع رأسه لينام، فأتاه آت فقال له: هل لك في راحلتك؟.. قال: نعم، قال: هو ذه فاقبضها.. فقال الباقر(ع): والله أفرح بتوبة عبده حين يتوب، من ذلك الرجل حين وجد راحلته).. والشيطان يتألم بنفس النسبة من ترك المنكر.. ولذا فإن على الإنسان أن يحذر من العودة إلى الحرام، الذي قد يحن إليه.
ثانيا: إن هذا الإنسان الذي هو في طور العافية، من الممكن أن تخدعه نفسه وشيطانه، فيقول له: ما دمت قد ارتكبت المعاصي في برهة من حياتك؛ فإذن لا يمكنك أن تدخل نادي الأبطال.. فهؤلاء لم يصبهم مرض قط؛ وأنت إنسان كنت في المستشفى، والآن خرجت منها، فاقنع بما أنت فيه من العافية، ولا تفكر في طموحات أكبر مما أنت فيه.. وهذا كلام شيطاني، فالإنسان التائب، ولو أنه يعيش حالة الخجل من الله، والتبرم من الماضي، والتقزز مما صدر منه.. إلا أنه عندما يجلس بين يدي ربه، فإنه يتفاعل في دعائه ومناجاته، أكثر من الإنسان الذي لم يقترف المعصية.. فإذن، إن هذا التاريخ الأسود هو من ناحية نقطة سلبية، ولكنه من ناحية أخرى نقطة إيجابية لمن عاد إلى رشده.. وعليه، فإنه من الممكن أن يصبح الإنسان بطلا، بعد أن يتعافى من مرضه.. والتاريخ مليء بهذه العناصر المتميزة بعد توبتها.
ثالثا: إن العاصي عندما يعود إلى طريق الطاعة، وخاصة إذا كان متجاهرا ببعض المعاصي: كامرأة سافرة تحجبت، أو شاب مراهق، يرتكب المعاصي علنا ثم تاب؛ فهذا من الممكن أن يخاف من النظرة الإجتماعية إليه.. فعندما يدخل المسجد أو يواجه المجتمع، ويرى نظرات الناس تجاهه، فإنه يعيش حالة من حالات الخجل الاجتماعي، وهذه حالة سلبية.. فإن المهم هو أن رب العالمين عفا عنه، ورضي عنه.. فعندما نجعل رضا المولى بجانب سخط المخلوق أو احتقاره، فلا قيمة لهذا الاحتقار، إذا لم يكن يكشف عن تحقير المولى له، وفي بعض الروايات: (لو كان في يدك جوزةٌ وقال الناس: لؤلؤةٌ، ما كان ينفعك وأنت تعلم أنّها جوزةٌ.. ولو كان في يدك لؤلؤةٌ وقال الناس: أنّها جوزةٌ، ما ضرّك وأنت تعلم أنّها لؤلؤةٌ).. فعلى الإنسان أن لا يفتح حسابا للخلق في هذا المجال، ويكون شعاره (إلهي!.. إن لم يكن لك عليّ غضب، فلا أبالي).
رابعاً: إن الانسان المعافى من مرضه، يحاول في فترة النقاهة أن يتغذى غذاءً سليما مقويا، ليستعيد العافية بسرعة.. وكذلك فإن الإنسان التائب عليه أن يكثر من بعض الأمور الاستحبابية، والتي توجب له سرعة القرب من المولى، ليجتاز الفترة الحرجة بين المعصية وبين الاستقرار.. فهنالك فترة انتقالية لا بد أن يضاعف الجهد فيها، لتستقر أموره في خط الطاعة، ويتحقق فيه هذا العنوان: (صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملأ الأعلى).
ــــــــــــــــــــ(42/204)
حركة الوعي في حياتنا
وحتى نفهم ضرورة الوعي في حياتك ، اعرف الذين يتضررون من الوعي ، فهناك فئتان تريان وعيك خطراً عليهما ، وهما في خير وعافية ما دمت تغط في جهل ونوم عميق أو غيبوبة عن واقع الحياة ، وهؤلاء هم :
1 ـ أعداء الأمّة :
وهم كل مَنْ يريد محاربة الوعي بتخلّفه وخرافاته وأساليبه القديمة سواء كانوا أفراداً أو جماعات .
2 ـ التجّار الانتهازيون :
وهم الذين يطرحون بضاعاتهم الفاسدة في أسواق المسلمين منتهزين ومستغلين انغماس الناس في أمورهم الدنيوية وابتعادهم عن مصادر ثقافتهم الدينية فيضيفون إلى جهلهم جهلاً ، وإلى تخلّفهم تخلّفاً ، لأ نّهم إذا افتضحوا كسدت بضاعتهم ، ولا يفتضحون إلاّ من خلال وعي عميق ودقيق لما يثيرونه من أفكار هدّامة .
من هنا ، فإنّ مسؤولية صياغة الوعي وتنويره ونشره مسؤولية تضامنية تقع على الجهات التالية ، كلّ بحسب موقعه وقدرته :
1 ـ الدولة : فهي بما تملك من أجهزة ومؤسسات ودستور وقوانين وصلاحيات قادرة على أن تزيد في رصيد الوعي لدى الأمّة ، هذا إذدا كانت نابعة من ضمير الأمّة ، وكانت تستهدف بفعالياتها وخدماتها تطوير مناشط الوعي لديها .
2 ـ العلماء : وهم ليسو علماء الدين فقط ، وإن كان هؤلاء ينبغي أن يكونوا من أصحاب المسؤولية الكبرى ، والرادارات التي تنذر بأيّ خطر داهم ، ولكن هذا العنوان يتسع ليشمل المفكرين وأساتذة الجامعات والباحثين والدارسين كلاً في حقله ليقدموا للأمّة مَنْ يرتفع بوعيها في مواجهة التحدّيات .
3 ـ الخطباء : وهم ليسوا أئمة الجمعة والجوامع فقط ، بل كلّ مَنْ يعتلي منبراً أو منصّة أو يقف في محفل متحدثاً . فهم يتحملون قسطهم من ترسيخ جذور الوعي وإشعال أكثر من شمعة لحرق جوانب من الظلام .
أنت أيضاً بمقدورك أن تساهم بتوسيع دائرة التوعية والتنوير بكلمة حقٍّ هنا ، وكلمة صدق هناك ، وكلمة وعي هنا وهناك تبثها بين أقرانك من الشباب ، فدوائر الوعي كدوائر الماء تأخذ بالاتساع شيئاً فشيئاً .
4 ـ المثقفون : الذين بلغوا درجة واسعة من الفهم والتبصّر وتكونت لديهم رؤية نظرة متعمقة في مجال معيّن أو مجالات عديدة فهؤلاء يستطيعون إغناء الوعي والبصيرة في ساحات مختلفة من المجتمع بقدر ما يملكه من سلامة وقوة الفكر والخطاب الثقافي المناسب والشمولية في الرؤية والفهم .
5 ـ أجهزة الإعلام : بكلّ أشكالها المرئية والمسموعة والمقروءة والجامعة ، فالصحف والإذاعات والمجلاّت والدوريات والفضائيات وشبكة المعلومات (الانترنيت) تسهم كلّها في مدّ جسور الوعي مثلما تعمل على تسميمه أيضاً ، وما أكثر الدسم الذي يختلط بالسموم ، وما أخطر الإعلام الذي يعمل على تسطيح الوعي بدلاً من تجذيره .
6 ـ الندوات والمؤتمرات والاحتفالات : وهي وسائل إعلام عصرية متنقلة تلعب دوراً بارزاً في إرساء دعائم الوعي فيما تحققه من تواصل بين أرباب الوعي وبين المتعطشين إليه .
7 ـ الكتب : وكما كانت الكتب منارات للوعي وتقوية البصائر واماطة الغلام عن أعين وعقول وقلوب الناس ، فإنّها ستبقى كذلك رغم ما يطرح في طريقها من مزاحمات ومنافسات أو بدائل .
* بلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/205)
إدمان الكحول.. اسوأ أمراض العصر
الكحول مشكلة اجتماعية خطرة وهي محرمة شرعا وغير مقبولة اجتماعيا لكن كثيراً من هؤلاء الأشخاص الذين يتناولون الكحول في المناسبات لا يعتبرون شرب الكحول مشكلة لديهم، ويخبرونك بكل وضوح بأنهم ليسوا مدمنين، بل انهم يستطيعون ترك الكحول لمدة قد تصل الى بضعة اشهر، وانهم لا يشربون إلا اذا كانت هناك مناسبة تستحق الشراب..!
مثل هؤلاء قد يكونون تعرضون لبعض المشاكل المالية والعملية والاجتماعية.. فمثلا قد لا يستطيعون التركيز في عملهم، وربما لا يستطيعون الذهاب الى العمل نتيجة الصداع او بقايا آثار الكحول من جراء شرب في الليلة الماضية. او مشاكل مالية، حيث يصرف الشخص الذي يشرب الكحول مبالغ كبيرة وذلك من مصاريف عائلته، الذين قد لا يستطيعون شراء بعض المستلزمات الضرورية لحياتهم اليومية.وهناك ثمة أوضاع يجب على المرء أن يتوقف مباشرة عن شرب الكحول وليس هناك مجال للتقليل او ما شابهه بل يجب التوقف تماما والابتعاد عن كل شيء يمت الى الكحول بصلة.
من هذه الحالات:
1- المرأة الحامل: يجب على المرأة الحامل ان تتوقف عن شرب الكحول، اما قضية التخفيف فانه غير منطقي وواقعي، فكثير من السيدات الحوامل، يحاولن التخفيف من شرب الكحول، غير انهن في غمرة الاستغراق في الشراب، خاصة أن الاقبال على الكحول لقي رواجا في العقدين الأخيرين، حيث ازداد نسبة السيدات اللاتي يتعاطين الكحول، سواء كان ذلك في المناسبات العامة، او ما يعرف بالشرب في المناسبات الاجتماعية اللائي يطلق عليهم (Social drinkers) وهن بالطبع يختلفن عن المدمنات Alcoholics)) وللاسف فان كلتا الفئتين بدأتا تكثر عند النساء، وربما ذلك يرجع الى الضغوط النفسية التي تواجهها السيدات في المنزل وكذلك خروج نسبة كبيرة منهن الى العمل، فأصبحن تحت ضغوط نفسية في العمل، وكذلك المسؤولية عن المنزل والزوج والاولاد ورعاية جميع شؤون المنزل..
المرأة الحامل يجب كما اسلفت ان تتوقف عن الشراب، لأن في ذلك خطر حقيقي على الجنين.. هناك بعض السيدات يعتقدن بان الشرب باعتدال اثناء الحمل لا يضر بالجنين ولا يسبب له مشاكل، ولكن الدراسات الاخيرة بينت بانه حتى وإن كانت لا تظهر مباشرة التأثيرات السلبية على الجنين فانها قد تتأخر وقد تظهر في سنين متأخرة عمر الطفل.
لذلك يفضل ان تتوقف المرأة الحامل عن الكحول، خاصة اذا كانت تستطيع ذلك، ولم تكن من المدمنات.
2- اذا اراد الشخص ان يتوقف تماما من الكحول، وقرر قراراً حاسماً بانه سوف يتوقف عن تعاطي الكحول لاسباب شتى، مثل عودة وعيه له بان الخمر والمسكر حرام، واراد ان يتوقف فجأة عن تعاطي الكحول، هنا يجب الأخذ بعين الاعتبار نوعية تعاطيه للكحول، فثمة اشخاص يجب ان يتركوا الكحول تحت اشراف طبي، حتى لا يصاب بأعراض انسحابية، وقد تكون هذه الاعراض الانسحابية خطرة وفي بعض الاحيان يؤدي الانقطاع المفاجئ عن الكحول، خاصة اذا كان المرء يتعاطى الكحول بشكل مستمر، وبكميات كبيرة، وبشكل يومي تقريبا، هنا يجب ان يخضع مثل هذا الشخص الى رعاية صحية، وان يكون توقفه في المستشفى او في مكان قريب من المستشفى، حتى لا يعرض حياته للخطر.
ويجب ان يكون هناك شخص يرعاه في مكان اقامته، مثل زوجه أو ابناؤه او احد اقاربه او شخص مختص، كممرض او شخص لديه دراية ومعرفة بمثل هذه الحالات.
في البداية يجب على المرء أن يعرف هل هو مدمن ام ان كل ما يعانيه هو مشاكل مع استخدام أو تعاطي الكحول.
السؤال الذي يجب أن يسأل المرء نفسه في هذه الحالة هو:
هل فعلا يريد ان يتوقف عن الشراب وتعاطي الكحول ام انه يرغب فقط ولكن لا يستطيع القيام بعمل جاد كهذا..!!
إن التوقف عن الشراب ليس امراً سهلا حتى بالنسبة لغير المدمنين.. فاكثرهم يظن ان الامر ليس سوى مجرد اوقات جميلة يستمتع بها دون أن يضره شيء.
واكثر من ذلك، فانهم يظنون ان الشراب مفيد بصورة جيدة اذا لم يفرط المرء في الشراب.. لكن مقدار الشراب ليس معروفا لهؤلاء، وخلال عملي اكتشفت بان كثيراً من الأشخاص حتى المتعلمين والمثقفين لا يعرفون كم النسبة وكم الكمية الضارة التي تسبب مشاكل صحية..
اذا رغب المرء في معرفة مشكلته مع شراب الكحول فانه يجب ان يكتب هذه النقاط ثم يجب عليها..
1- هل أنا مدمن كحول أو هل احد لمح لي بهذه الصفة، أو أن طبيب نصحه بانه مدمن كحول؟
2- هل لدي مشكلة مع تعاطي الكحول؟ هل قال لي احد من اصدقائي او اقاربي بانني أُعاني من مشكلة في تعاطي الكحول، بحيث انني حين اشرب اخلق بعض المشاكل لي شخصيا أو لأحد ممن حولي، وهل يؤثر الكحول على علاقاتي مع زوجتي وابنائى أو اصدقائي او يؤثر على عملي؟
3- هل أنا فعلا اريد من فعل شيء نحو موضوع تعاطي الكحول بالنسبة لي؟ هل انا جاد فعلا فيما انوي فعله أم انها مجردة نزوة، ومرحلة مؤقتة ثم تتلاشى هذه الرغبة، وربما ذلك جعلني اعود للكحول بصورة اشد واكثر شراسة وربما بدل من أن استفيد من تجربتي والرغبة التي راودتني في فعل شيء ما، فإن العكس قد حدث..
4- هل انا من الأشخاص الذين تجدي معهم النصيحة والكلام لمساعدة نفسي أم انني من الذين يستمعون الكلام من الأذن الأخرى.. اومن الذين يستمعون ويبدون تحمسا.. ولكني في قرارة نفسي ليس لدي القناعة بالتغيير فيما يتعلق بموضوع الكحول، واعتقد انه واحد من المتع في حياتي، وليس لدي اي رغبة في تركه، او تغيير عادة الشراب ايا كانت الظروف..
5- هل أنا من الأشخاص الذي ارغب في الاستمتاع بالشراب، ولكن ارغب في معرفة اقل الطرق ضررا، وارغب في مساعدة اشخاص يساعدونني في هذا الامر.
اي انني لا اريد التوقف عند الكحول ولكن اريد الانبساط والشراب وفي نفس الوقت لا اريد المضاعفات او المشاكل الصحية الناتجة عن تعاطي الكحول.
الكمية الضارة
في مجتمعنا هذا الامر بالغ الخطورة، فكما اسلفت كثير من الناس لا يعرفون الكمية الضارة للشراب، والامر الآخر هو ان الخمر ممنوعة من التداول (هذا لا يمنع من توفرها سرا، وبسعر مرتفع، وهذا يضاعف المشكلة!!) فان الذين يشربون الكحول عند توفر الكحول سواء كان خارجيا (وهو المفضل مثل الويسكي الفودكا والجن او حتى الجعة، البيرة المستوردة) فانهم لا يستطيعون التماسك امام هذه المشروبات التي تفتح شهيتهم، ثم هم لا يستطيعون معرفة متى تتوفر لهم مرة أخرى..
من أجل ذلك فإن في مجتمعنا السعودي هذا الامر لا يمكن الاعتماد عليه، وكون الشخص يريد ان يستمتع بالشراب الكحولي، وفي نفس الوقت لا يرغب في أن تلحق به الاضرار الصحية الناتجة عن الكحول، امر غير وارد، ولا يستطيع الشخص التحكم في الكمية التي يشربها، قد يقول قائل بان هناك اشخاص تتوفر لهم المشروبات الكحولية بشكل مستمر وليس لديه الخوف من الانقطاع الذي قد يسبب له القلق، في رأيي هذا النوع ربما يكون اخطر، فكونه في المملكة ويحصل على الشراب بصورة مستمرة دون انقطاع قد يجعله مدمناً، وذلك نظراً لقلة وسائل الترفيه، التي يريدها هو.. ليس هذا مبرراً، ولكن ربما تكون هذه هي الحقيقة التي يجب أن تكون في خلفية عقولنا، حتى لا نندم بعد ذلك.
للأسف الشديد فإني أرى الكحول تزداد،. فالكحول واحدة من أسوأ الأمراض في العصر الحديث، وانها وضعت في قائمة أكثر الاضطرابات الصحية التي تواجه العالم في القرن الحادي والعشرين..!!
ــــــــــــــــــــ(42/206)
الشباب والهروب من الوالدين والمربين ..لماذا وكيف ؟
* د. علي القائمي
عند المراهق والشباب تتفاوت السلوكيات والمواقف إزاء من الأشياء، وحتى قد نلحظ التضاد أحياناً فالسلوكيات مزدوجة أو متعددة، فالشاب يبدو مرة خجولاً وأخرى جريئاً.
فالشباب يحسون بأنهم أصبحوا كباراً ويفهمون كل شيء وليسوا بحاجة لأمر ونهي الوالدين ونصائحهم، ومن جهة أخرى يجعلهم النمو الجسمي ونقصان التجربة وعدم النضج العقلي، غير قادرين على السلوك المتوازن. ومن المسائل المهمة والأساسية هي التربية في هذه المرحلة ووجود الفواصل الفكرية والثقافية وحتى النظرة إلى العالم بينهم وبين الكبار إلى الدرجة التي تساعد على نشوء الاختلافات وعدم الانسجام، وتتفاقم هذه القضية في عصرنا الذي حصل فيه التقدم التقني وتراجع الاهتمام بالأخلاق.
ـ شكاوى الوالدين والمربين:
إن شكاوى الوالدين تتلخص بأن هؤلاء الشباب اصبحوا لا يطيعون أوامرنا، وأنهم لا أباليين. حتى أن بعض الآباء يتهمون أبنائهم بالانحراف والبعد عن الطريق القويم، أما الأبناء فيتهمون الآباء بالتخلف والرجعية وعبادة القديم. ويتحدث الآباء مع الأقارب عن قلة أدب أبنائهم وعدم رعايتهم لاحترام الوالدين، ويدعون أن هؤلاء يتعمدون الخصومة مع الآخرين ويريدون إثارة غضب الآباء.
وأمثال هذه الشكاوى كثيرة وهي متوارثة على مدى الأجيال، فالشاب في سن 17 ـ 18 عاماً لا يستطيع مسايرة والديه. فهو يرى خطأ عقائدهما وأفكارهما ويتهمها أحياناً بالسخف، كما أنه يثير غضب والديه بخبث، ويستعد لمواجهة هذا الغضب بشدة، ثم يبدي ردود فعل أكثر خصومة ومواقف أكثر خشونة، الأمر الذي يرى فيه الوالدين فرادةً في الجرأة وقلة الأدب.
ـ تصورات الشباب عن الكبار:
يظن المراهق والشباب أن الآباء ونتيجة لتراكم السنين يتخفون عن متابعة الحوادث فيعيشون القديم والماضي، ولا يدركون عمق حقائق الأمور وأن عقولهم متعبة تعجز عن الإدراك الصحيح ولا يعلمون شيئاً عن الاصطلاحات والمعلومات الجديدة، والحوادث السياسية، والتغييرات الحاصلة في المواقف.
إنهم يشكون حتى بنصائح الوالدين وفيما إذا عارض الآباء آرائهم فإن الشباب يتصورون أن ذلك تم لإيذائهم أو لمعرفة أسرارهم وإفشائها أمام الناس، إن المراهقين والشباب من أنصار الجديد يرفضون العادات الموروثة ويريدون محوها وقلب الموازين الأخلاقية، ويرون أنهم أحرار في ذلك، ولهذا فإن نظرتهم إلى الكبار سلبية، ويرون إن الكبار يتقصدون الخلاف لذا من حقهم أن يخالفونهم أيضاً عندئذ يحاولون تنفيذ أفكارهم وطرقهم للحياة.
ـ الهروب من الوالدين:
وبناءً على ما سبق فإن المراهق ذا استعداد للهرب من سلطة الوالدين والبيت والمدرسة. وإذا كانوا يذهبون إلى المدارس فإن الدافع هو اللقاء بالأصدقاء والزملاء والحديث معهم، وأغلب الظن فإن رغبتهم للقاء المعلمين والأساتذة ضئيلة جداً.
إنهم يهربون من المدرسة والبيت لأنهم يرفضون القواعد والأنظمة وينظرونها بعين الغضب، إنهم يتعاملون مع القدوات المفروضة بشك وتردد، فهم يعترضون باستمرار على الأسس والقيم التي تستند عليها كل تلك الأشياء. إذ أن أفكار هؤلاء مغايرة وثورية بينما أفكار الكبار ليست كذلك.
إن سلطة الآخرين عليهم تشعرهم بوطأة عديدة، فهم مستاؤون من التصرفات والضغوط، لأنهم لا يريدون أي سلطة تتحكم بهم. ولذا لن يطيعوا أوامر الوالدين، ثم أن أفكارهم (الكبار) ومعتقداتهم لا تطابق ذوق هؤلاء الشباب. إن الشباب يحبون أن يستند كل أمر أو نهي إلى استدلال ومنطق، وأخيراً فإنهم سيقبلون الاقتداء بأولئك الذين يعتقدون بهم الكمال فقط، وبديهي أنهم سوف لن يتخلوا عن المعارضة والعناد ما لم يرون توفر هذه المواصفات، وفي الوقت الذي لا تستطيع المعارضة أن تدر عليهم نفعاً فإنهم سيلجؤون إلى الهروب، الأمر الذي يؤلم الوالدين والمربين.
من شكاويهم العادية هي أن الكبار لا يفهمونهم ولا يفهمون ما يدور في أعماق قلوبهم وصفاء نفوسهم وصدق أقوالهم، ومن هذه الناحية أنهم لا يشكون فقط بل يشعرون بالدوار جراء ذلك، واليأس من والديهم والمربين.
إنهم يقولون إن الآباء والأمهات يخفون حياتهم الواقعية عنهم لأنهم يعتقدون بأنهم لا زالوا أطفالاً لا يدركون أسرار الحياة. وهم يتألمون من ذلك ويتعذبون. ويشتكون أيضاً من الآخرين الذين يتدخلون في أعمالهم دون مراعاة لظروفهم ولا يراعون احترامهم. ويجبرونهم على تنفيذ رغباتهم ومئات من الشكاوى المماثلة التي لا تخطر على بال الآباء والمربين.
ـ أسرار الشباب:
ومن المسائل التي تصادفنا في هذا المقطع من العمر هي مسائل كتم الأسرار، وقد يصل هذا الأمر عند بعضهم إلى أن يتحولوا إلى ألعوبة بيد هواة السياسة أو المجرمين إذ يستغلونهم لأهدافهم الخاصة.
ولأنهم لا يثقون بالوالدين فإنهم يخفون عنهم أسرارهم. وحتى لو اطلعوا على بعض أسرار هؤلاء فإنه غالباً ما يكون بعد فوات الأوان. وطبعاً إنهم في البداية ليسوا كذلك بل يدفعهم عدم الثقة إلى ذلك حينما يصطدمون بمواقف غير سليمة ـ من وجهة نظرهم ـ أو حينما يتعرضون إلى إفشاء أسرارهم.
كذلك فإن الاختلاف الفكري بينهم وبين الكبار وفي فترة ما انفصال أسلوب حياتهم عن حياة الآخرين، يكون سبباً لحفظ أسرار الأصدقاء والزملاء. فهم يكتمون كل خبر أو سر وبالمقابل فإن الأصدقاء والزملاء بدورهم يظلون أوفياء ولا يفشون أسرار زملائهم.
ويبقى إصرار الوالدين على معرفة أسرار المراهقين بدون طائل، وعليهم بدلاً عن هذا الإصرار أن يحاولوا كسب ثقتهم، عن طريق إبراز الحب والنصح وحب الخير لهم، وخصوصاً بالنسبة للأم التي يظل الأبناء على حبهم لها وقربهم منها ويرون فيها موضع أسرارهم، وهو أمر قد لا يحظى به الأب لأنه رمزاً للسلطة علامة السلطة والمصدِّر للأوامر والنواهي وهذا ما ينفر المراهقين.
ـ السلوك المتعارض:
إن اختلاف الكبار والمراهقين لا ينتج منطقاً علمياً واستدلالياً، وفي بعض المواطن قد يؤدي إلى الصدام والخشونة.
فالمراهق والشاب يسعى لإثبات تفوقه، ولأجل الوصول إلى الهدف، لا يتورع عن الخشونة والحدة، والصياح وأحياناً ارتكاب الجرائم.
إنهم يسعون بالحوار الحاد والعناد للدفاع عن أفكارهم وآرائهم، ولذا فإنهم يعلنون خلافهم للآخرين ومن هنا ينشأ الصدام، إنهم يبرزون مشاعرهم المعادية، وطبعاً قد يندمون بُعيد عدة ساعات ويلومون أنفسهم. وتعود أغلب اضطرابات الشباب إلى كونهم يرتكبون أعمالاً يندمون عليها.
ـ منشأ الصِدام:
في بحث الشكاوى أن تطرقنا لمنشأ الصدام فكل ما يشتكي منه الشباب هو باعث على الصدام، ولكن في نفس الحال ربما نشأ عن الاستنتاجات الخاطئة، فوجود الرقابة بين أعضاء الأسرة وبين الأصدقاء والأتراب، والضغوط العديدة التي يواجهها الشباب، قد تؤدي إلى نشوء المشاعر العدائية. فرغبة بعض المربين للتحكم والتسلط المفرط واستخدام القوة لجلب الاحترام و .. تعتبر من علل الصدام.
والشباب ليسوا في حالة تمكنهم من تحمل القوة والضغوط، خصوصاً إنهم يترصدون أصغر هفوان الوالدين والمربين فيضعونها تحت المجهر ويكبرونها عدة مرات وعلى أساسها يقومون بتوجيه اللوم للآخرين.
ولا شك بأن الاختلافات والصدامات تنشأ أحياناً لأسباب خارجية من قبيل مشاهدة الحوادث أو سماع أخبار قصص الخشونة التي تتخذ مظهر البطولة. وحينها يحاولون تكرارها في حياتهم.
وبخصوص منشأ الصدامات لابد أن نشير إلى رغبات الوالدين وطلباتهم، إذ يطالبون أبنائهم بأعمال خارجة عن قدراتهم وينتظرون منهم تنفيذها مع أن بعضها غير قابلة للتنفيذ أساساً.
ـ على طريق إيجاد العلاقات:
ولا زالت الاختلاف بين الشباب والكبار لابد أن ينظر الآباء والمربين بواقعية إلى الأمور. فالكبار وبحكم السن والعمر الطويل يمتلكون تجارب كثيرة ووصلوا إلى حالة من الثبات النسبي، وتعلموا درس الحياة في مدرسة العمر ولابد لهم من أن يراعوا الرغبة في مسايرة الجديد لدى الجيل الناشئ ولا يقارنوا بين الرؤى والآراء التي لديهم بالتي لدى الشباب.
الإهانات، والعبث، وعدم رعاية الوقار ومشاعر الانتقام أو اللجوء إلى المخدرات كل ذلك لا يؤدي إلى نتيجة، فإن الشباب حتى لو بدى عليهم السكوت فإنه سكوت مؤقت وسينتهي بمجرد حصولهم على القدرة.
وعند مواجهتهم لابد من رعاية الإنصاف ولا نتوقع منهم القبول بكل الأشياء القديمة، وعلينا أيضاً أن نشعر بعدم الرضى حينما نلاحظ عنادهم ومعارضتهم لأن ذلك من علامات نموهم ونضجهم، كما أنه لا يستمر طويلاً. وعلينا أن لا نشعر بالتعاسة حينما نرى سلوكهم السيئ الحال ويجب أن نعلم إننا لسنا وحدنا في هذا الحال.
يعود المراهقون والشباب في سلوكهم وبصورة اعتيادية إلى وضع الطفولة، لأنهم يحولون محيط الأسرة إلى ساحة حرب من أجل أشياء تافهة. وأن هذا يزول سريعاً إذا تم اتخاذ الموقف الصحيح منه.
ــــــــــــــــــــ(42/207)
كيف ننظر إلى المال نظرة واقعية ؟
المال يوفر لنا حاجاتنا ومتطلباتنا المعيشية ، ويحقِّق لنا الرفاه في الحصول على بيت وسيارة وحياة زوجية ، وتأمين نفقات السفر والترويح ، كما ننفق منها في البرّ والخير والإحسان . فإذا تمّ تأمين ذلك يصبح المال الآخر فضلة أو زيادة عن الحاجة ، وربّما انتفعنا من الزيادة في ظروف معيشية أصعب لا نضطر فيها إلى الاستدانة أو الاستعطاء .
لكنّ الحقيقة التي يجب أن لا نغفلها ، أنّ المال مثل (القوة) ومثل (الشباب) عرضة للنقصان والزوال ، فإذا ما شبّ حريق أو سطا لصّ على أموالنا أو تعرضنا إلى خسارة فادحة فإنّها تفنى ولا يبقى منها شيء ، وإذا كانت قابلة للنفاد والفناء فلِمَ الغرور والتكبّر ؟ هل لأنّي أملك ثروة أكبر من أخي أو صديقي أو جاري ؟ ماذا يكون موقفي إذا انحدرت ـ بسبب أو بآخر ـ إلى هاوية الإفلاس ؟ وما أكثر الأثرياء الذين أعلنوا إفلاسهم وكانوا بالأمس يصعّرون خدودهم للناس ، وإذا هم اليوم يتحرجون من النظر في وجوههم .
المال ليس كالعقل ، العقل ثابت((1)) والمال متغيّر ، العقل يزداد قيمةً مع الأيام والمال ينقص كلّما أنفقت منه ، العقل جزءٌ من شخصيتنا ، والمال شيء عارض عليها . ولا نريد بذلك التقليل من شأن المال وأهميته في حياتنا ، لكننا يجب أن نثمّن كلّ شيء ضمن حدوده ولا نخرج به عن تلك الحدود فنقع في الغرور والتكبّر .
(1) نعني بثبات العقل ، ثبات قيمته ، فالعقل قيمة كبيرة وقد ميّز الله بين الذين يعقلون والذين لا يعقلون ، ولا نقصد أنّ الانسان لا يمكن أن يفقد عقله فيصاب بالجنون ، أو أ نّه يغيب بالسكر والمخدرات ، فالذين يزهدون بعقولهم كثيرون .
ــــــــــــــــــــ(42/208)
ورجعت فى كلامى
محمد وإبراهيم وحسين زملاء فى الثانوية العامة، حدثت بينهم مشكلة مثل التى تحدث بين معظم الأصدقاء، فكان الحوار التالى بين محمد وإبراهيم:
محمد: لماذا لم تقض حاجة زميلنا حسين، والتى طلبها منك بالأمس؟
إبراهيم: يبدو أنه اشتكى إليك منِّى.
- نعم اشتكى، وماذا فى ذلك؟ نحن جميعًا أصدقاء وإخوة.
- [فى حدة] بصراحة لن أقضى له هذه الحاجة أبدًا، لقد أقسمت بالله على ذلك، ولن أرجع عن كلامى، لأن الرجوع عن الكلام عيب لا يليق بالرجال.
- من علمك هذا؟ ومن الذى قال ذلك بالضبط؟
- كل الناس تقول ذلك، لقد سمعت أحدهم يقول: «تقطع رقبتى ولا أغيِّر كلمتى»، وسمعت آخر يقول: «الذى يرجع عن كلامه ليس رجلاً» وسمعت ثالثًا يقول: «الأطفال فقط هم الذين يرجعون عن كلامهم».
- يا سلام!! وهل كل ما يقوله الناس صواب؟ أين عقلك؟ أين شخصيتك؟ أين علمك وأنت شاب مثقف فى الثانوية العامة؟ ثم هل أنت أعقل من الأمين العام - السابق - للأمم المتحدة؟
- تقصد الدكتور بطرس غالى؟
- نعم.
- [ضاحكًا] وما دخل الأمم المتحدة فى موضوع زميلنا حسن؟
- لقد قرأت فى إحدى المجلات - منذ فترة - أن صحفيًا سأل الدكتور غالى قائلاً: فى العام الماضى كان رأيك فى القضية «الفلانية» كذا كذا، والآن تقول كذا وكذا، فلماذا غيّرت رأيك وأنت من أنت؟ فأجابه الدكتور قائلاً: «الأغبياء فقط هم الذين لا يغيرون رأيهم».
- [يحك رأسه] ماذا تعنى يا محمد؟
- أعنى أنه لا عيب ولا حرج فى أن نغير آراءنا إذا ظهر لنا ما هو أفضل أو إذا ثبت خطأ نظرتنا للأمور.
- ترى هل فى ثقافتنا الإسلامية رأى فى هذا الموضوع؟
- نعم، نعم، نعم.
- لقد قلت نعم ثلاث مرّات، فما سبب هذه الحماسة؟
- لأن قائل هذا الرأى لا ينطق عن الهوى.
- عليه الصلاة والسلام .. هات ما عندك يا محمد.
- قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأتها وليكفّر عن يمينه».
- صدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. يا ويلى يا ويلى.
- ويسبق هذا طبعًا قول الله تعالى فى سورة المائدة/ 89: {لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون} صدق الله العظيم.
- [يكرر] يا ويلى، يا ويلى، هيا بنا يا محمد، أسرع أسرع، هيا نذهب الآن إلى أخينا حسين، لأقضى حاجته فورًا بإذن الله.
- [مبتسمًا] كنت أتوقع ذلك، حياك الله يا إبراهيم، إنك حقًا إنسان طيب كريم، وسرعان ما تعود إلى الحق والخير عملاً بالمقولة الرائعة «الرجوع إلى الحق خير من التمادى فى الباطل».
ــــــــــــــــــــ(42/209)
الأبعاد التي يجب الاهتمام بها في بناء شخصية الشاب
* د. علي القائمي
في تربية المراهق والشاب يجب الأخذ بعين الاعتبار الجوانب التالية:
ـ الاهتمام بالجوانب الجسمية وتحديد الغرائز.
ـ الاهتمام بالبعد النفسي للمراهق أو الشاب وإعانتهم على درك حقائق الحياة وتكوين رؤية متكاملة وصحيحة للكون. وإيجاد تطابق بين السلوك وهذه الرؤية، كالإيثار والتضحية من أجل العقيدة.
ـ الاهتمام بالبعد العاطفي كالحساسية والاضطرابات والقلق والصداقة والخصومة وما شاكل من الحالات التي تعتري حياة المراهق والشاب.
ـ البعد الاجتماعي وكيفية التعامل الصحيح مع الآخرين، والروابط والعلاقات الاجتماعية والمسائل الأخلاقية، وكيفية انتخاب الصديق.
ـ الجوانب المرتبطة بالحياة السياسية للشاب كالانضمام إلى الأحزاب أو الجماعات السياسية، وضروري أن يتم تنوير ذهن الشاب بمعنى الحرية وحدودها.
ـ الجوانب المرتبطة بتمايلات الشاب وانتماءاته ورغباته باعتبارها جوانب لها أثر فاعل في مجالات أخرى.
ـ والأهم من كل الجوانب التي تم ذكرها، سابقاً، يجب الاعتناء بالجانب الديني والمذهبي لما له من دور بالغه الأهمية في بناء شخصية الشاب ومنحه الطمأنينة والاستقرار كما يساهم الجانب الديني في تسلط الشاب على أهوائه وغرائزه وتوظيف طاقاته وقابلياته لما فيه الخير لنفسه ولمجتمعه.
ــــــــــــــــــــ(42/210)
مراحل التطور الديني للشباب
* د. علي القائمي
بالنسبة للدين فإن الشباب يتحركون وفق مراحل هي:
ـ الاستفادة من المعرفة الفطرية التي أودعها الله عند كل الناس.
ـ الاستفادة من العواطف الدينية التي تبدأ في حدود سن 12 وتتصاعد إلى أقصاها.
ـ البحث العقلي والتأمل في آيات الله وما قيل له بهذا الخصوص.
ـ أعمال الذهن في تحليل القضايا لمعرفة وتقييمها.
ـ الإيمان بالله ومحبته وتطبيق تعاليمه وفي التربية سيكون مهما بالنسبة للآباء والمربين ويستوجب متابعة كل هذه المراحل لمنع التراجع والسقوط وإيصالهم إلى التقدم والموفقية إذ أنهم يحتاجون إلى التوجيه باستمرار وإلى وجود القدوة التي تكرس النموذج الصالح.
ـ دور الإيمان:
إن التعليم الديني يحتاج إلى أرضية للإيمان بالله وتطبيق التعاليم الإلهية في هذا الإطار يجب الخروج من الحدود الخاص. وكذلك فإن الأساس في هذا هو الإيمان القائم على العقل والمصحوب بعواطف متوازنة.
ومن هنا فإن تقوية الإيمان عندهم يسبب ما يلي:
تخفيف الاضطرابات الناشئة من الهوس الغريزي أو إزالتها.
ـ النوم العميق الخالي من الوساوس.
ـ يحفظ الشاب من الانهيار والسقوط ويعينه على مواجهة المشاكل.
ـ إذا تعرض إلى خسارة فإنه لا ينهار.
ـ يحفظ الشاب في مواقع الخير.
فالدين يعمل على تقليص الذنوب وخصوصاً بالنسبة للشباب الذين يدفعهم إيمانهم إلى الاستقرار. كما إن الكثير من الأمراض تزول بفضل الإيمان بالله والعناية الجدية أو أنها لا تظهر أبداً.
ـ المراقبة اللازمة:
بالنسبة للتربية الدينية فإنها بصورة عادية تنطوي على مسائل كثيرة ترتبط بحياة الإنسان ويمكننا الإشارة إلى بعضها كما يلي:
أ ـ مراقبة التعليم، فالمراقبة بالنسبة للتعليم ضرورية منذ الولادة وحتى سنين البلوغ وربما لأبعد من ذلك يجب على الوالدين أن لا يغفلوا عن أبناءهم وأما ما يجب الاهتمام به فهو كالآتي:
1 ـ التعليمات اللازمة: يحتاج الإنسان إلى تشكيل معرفة صحيحة عن الدين. وعلى وسائل التربية أن تشبع هذه الحاجة، ويجب توفير كل الحقائق بالتعاليم المرتبطة بالتعاليم الدينية في إطار الأصول والفروع والعلاقات والمسائل وتقديمها بصورة صحيحة.
كما يجب إعداد المعلمين القادرين على التوجيه الصحيح لأن الدين يمكن أن يقدم للشباب بصورتين إما أن نقول أنه مخيف مرعب أو مسار غير قابل للاجتناب، أما أن ينتهي إلى السعادة أو الشقاء.
وللاستفادة من قوة الدين في التربية يجب:
ـ أن تعرفه بأن الله له صفات محبوبة.
ـ الاستفادة من محبته لله لتطبيق تعاليم الدين.
2 ـ المزج بين العلم والدين: من الضروري أن يدرك الشباب أن العلم والدين توأمان وأن العلم والأخلاق يؤديان سويةً واجب واحد. وأن الخطر ينشأ من الهرج والمرج.
وعلى أساس التجربة سيكون الدين بدون علم منشأ خرافات وتخلفات في العقل. ولربما لهذا السبب في الإسلام كان الدين ومنذ القدم في المسجد إلى جانب المدرسة وبذلت الجهد لتكون الأخلاق إلى جانب الإيمان.
وعكس هذه القضية أيضاً صحيح فإذا جاء العلم بدون دين فإن هناك نكبات واضطرابات ستنشأ ويغرق المجتمع في الماديات ويخر الناس نحو السقوط فالدين بحيرة اطمئنان للعلم كما أن نور العلم ينير الدرب للبشرية وعلينا أن لا نغفل عن ذلك.
وعن طريق التربية الدينية يمكن أن نوجه الشباب إلى الطريق السوي إذ تتم السيطرة على الرغبات وتنجيه من الإفراط والتفريط مما سيؤدي إلى خلاصهم من حالات السقوط.
3 ـ أسلوب الدفاع عن المعتقدات: في التربية لابد أن يتعلم الأفراد أسلوب الدفاع عن معتقداتهم منذ البداية يجب أن يمتلكوا الإجابة على سؤال لماذا صاروا مسلمين ولماذا يتبعون أمر الله.
لابد من أن تكون التربية بأسلوب يؤدي بالشاب إلى اهتمام عقائده الدينية وأن يستطيع الرد على كل الاعتراضات وأن تقدم له على لسان الخصم لابد من إغلاق كل المنافذ التي ينفذ منها الخصم وأن يتحرك العقل والمنطق ويعملا في هذا الاتجاه ولا يتبع طريقاً بدون تفكير حي.
من الضروري أن يتم الإيمان بعد تفكر.
4 ـ أسلوب الدعوة للدين: من المفيد جداً تفشي الدعوة للدين بين الشباب لأن هذه الدعوة تقطع الطريق على الانحرافات والانزلاقات، وعلى العكس من ذلك فإن الانحرافات والانزلاقات تنشأ من الدعوات المضادة.
والذي يجعل من الدعوة الدينية مؤثرة شيئان الأول هو الخطب والأحاديث التي تعتمد المنطق وتلائم الإدراك والفهم ثم استخدام الحماس والعواطف لأن عمر الشباب هو عمر فوران العواطف والمشاعر ولذلك فإن الدعوة ستكون مؤثرة.
5 ـ القدوة: ليس من الضروري أن نعلمهم كل ما نروم تعليمه لهم من خلال الخطب بل يمكن من خلال تقديم النموذج المناسب والقدوة الصالحة لهم أن تقطع شوطاً مهماً على هذا الصعيد وكم سيكون حسناً جداً أن يكون الداعي الدين قدوة ونموذجاً له.
لقد قلنا سابقاً إن أولادنا يرون فينا قدوة لهم فإذا كنا صالحين فإن احتمال صلاحهم كبير جداً وإن كنا متعبدين فإننا سنتمكن من جر أبنائنا إلى التعبد فتأثير الأفعال في الناس كبير جداً ولا يجب أن نتناساه.
فالأسرة التي لا تمارس الشعائر الدينية وين لا يمارس الأب والأم والمعلم واجبات دينية فإن احتمال أداء الأبناء لها ضعيف جداً ولهذا فإن الأولياء المسلمين يتوجب عليهم أن يعرفوا أبناءهم بالواجبات الدينية بأسلوب عملي وأن يدفعوهم إلى الصلاح كذلك.
ب ـ في البناء الديني: في ذهن وتفكير الشباب تساؤلات كثيرة تتعلق بالله والمعاد والحساب والصراط والمعجزة والوحي والقبر والعدل والاختيار والإجبار و ... ويلوح لنا أن هذه المسائل ما لم يتم الإجابة عليها بطريقة منطقية فإننا لن نستطيع إقناع الشباب بالاتجاه إلى الدين، كما يجب القضاء على الشكوك والتردد ومحو الوساوس وأن نضع بين أيديهم معلومات صيحة لأن أي عبادة ستفقد قيمتها إذا اقترنت بالشك والريب.
2 ـ إيجاد العادات الدينية: علينا هنا أيضاً أن نسعى منذ البداية إلى ترسيخ العادات الدينية عند الشباب تدريجياً، ومع التكرار والتذكير بالواجبات الإنسانية والعبادية تقضى على الإحساس بالتثاقل من أدائها وتخلق الإيمان بها. فالشاب يبحث عن الفضيلة والانطلاق نحوها.
إننا نجد عند الشباب ميول دينية ويمكن توظيف هذه الميول للتربية وتعويدهم على قراءة القرآن وأن يمتزج ذلك بدمائهم ولحومهم. وهو أمر ليس صعباً جداً.
من المسائل التربوية الدينية المهمة أن يراعي التوازن في الانتماء الديني أي عدم الإفراط أو التفريط في أداء العبادات لأن كلا الطرفين خطر جداً.
الإمام الصادق (ع) يقول: ((اجتهدت في العبادة وأنا شاب، فقال لي أبي: دون ما أراك تضع فإن الله عزوجل إذا أحب عبداً رضي منه باليسير)).
ح ـ البناء الديني: أولئك الذين لا نجد فيهم رغبة في الدين يجب أن لا نيأس من عودتهم إليه لأن فطرة هؤلاء حية ولكنها مخدرة. وعليه فأرضية العودة موجودة وخصوصاً في هذه السن التي تتصاعد عندهم بقوة.
فالشاب يبحث عن الفضيلة والانطلاق نحو الخير والسعادة. إنه يحب أن يصب فرداً مؤمناً وطاهراً وإن الدين بالنسبة له محترم جداً. وهذا كله بشرط أن يسيقه التوجيه الصحيح.
وعند البناء الديني لابد من تطهير الذهن وتخليصه من الشوائب وأن نملأ الفراغات بمعلومات إيجابية وأن نغسل نقاط التلوث في الفكر بأفكار خيرة.
كما أن علينا أن ندرس أسباب التردي والانحطاط وأن نسعى بعد ذلك لعدم تكرارها إذا كانت قد وجدت.
د ـ الاستفادة من الحماس الديني: حب الشاب والمراهق للدين باعث قوي وصحيح له للاتجاه نحوه. والحماس هذا نفسه سبب للتوجيه والتحرك نحو أهداف محددة ويمكن أن تكون عامل بناء لاتجاه سياسي.
المهم هو الاستقلال الصحيح من قبل الآباء والمربين من هذه الميول والحب فهذا النزوع الطبيعي يمكن أن يجاب بصورة حسنة بحيث أن لا يتحول إلى متشدد ومتعصب أو لا أبالي بالدين وأفكاره.
من الحماس المذهبي لابد أن نستفاد من توجيهم نحو الخير والتوازن والتعاضد الاجتماعي. الحرب والجهاد في طريق الخير أو الحرب والجهاد في سبيل الله والنزوع لتحقيق أهداف إنسانية وإسلامية وأن نسعى أن لا نتعبهم وأن لا يحصل إفراط أو تفريط وأن ينحصر سعينا في ملاحقة سبل الحق والتعاليم الصحيحة وأن تتوجه قوى الشباب لتنمية المجتمع ونشر الإسلام والدعوة إليه.
ــــــــــــــــــــ(42/211)
إلى الشباب
* محمد رفعت
1 ـ خفف من غلوائك.
2 ـ لا تغتر بجمال الفتاة فالجمال في التقاطيع وتعابير العيون والفم مظهر خارجي عابر ويجب أن تفتنك بسجاياها وأخلاقها.
3 ـ معيار أخلاق الفتاة معاملتها لمن هم أكبر سناً منها وصبرها عليهم.
4 ـ عامل الفتيات بلطف واعلم أن من شيمتهن الخفة وسرعة الخاطر والبداهة والتخيل وسطحية التفكير وسوء الظن بالرجل وعدم الثبات، ولذلك يجب أن تحسب حساب هذه الصفات في معاملتها ولا تؤاخذها بسببها إذا كانت في حدود الاعتدال.
5 ـ لا تحاول مغازلة فتاة بغير قصد الزواج وتذكر أن لك أخوات.
6 ـ لا تنغمس في ملذاتك الجنسية فقد لا ترضيك العلاقات الجنسية الزوجية عند الزواج لما تعودته في أحضان الماجنات.
7 ـ غلّب العقل على الشهوات واملأ فراغ وقتك بأعمال صحية ونافعة كالرياضة والهوايات الجميلة والتصوير والقراءة السليمة والأحاديث وهذه الهوايات كافية للتغلب على الشهوات بغير عناء.
8 ـ تعلم صحة الجنس والتناسل.
ــــــــــــــــــــ(42/212)
الإيمان .. ينبوع السعادة
الدكتور حسان شمسي باشا
ليست السعادة في وفرة المال .. ولا سطوة الجاه .. ولا كثرة الولد .. ولا نيل المنفعة .. ولا في العلم المادي .
السعادة شيء يشعر به الإنسان بين جوانحه : صفاء نفس .. وطمأنينة قلب .. وانشراح صدر .. وراحة ضمير .
السعادة - كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي - : " شيء ينبع من داخل الإنسان .. ولا يستورد من خارجه . وإذا كانت السعادة شجرة منبتها النفس البشرية .. والقلب الإنساني .. فإن الإيمان بالله وبالدار الآخرة هو ماؤها .. وغذاؤها .. وهواؤها "
ويقول أديب مصر ( مصطفى لطفي المنفلوطي ) رحمه الله : " حسبك من السعادة في الدنيا : ضمير نقي .. ونفس هادئة .. وقلب شريف " .
يروى أن زوجا غاضب زوجته ، فقال لها متوعدا : لأشقينك . قالت الزوجة في هدوء : لا تستطيع أن تشقيني ، كما لا تملك أن تسعدني . فقال الزوج : وكيف لا أستطيع ؟ فقالت الزوجة : لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني ، أو زينة من الحلي والحلل لحرمتني منها ، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون !.. فقال الزوج في دهشة وما هو ؟ قالت الزوجة في يقين : إني أجد سعادتي في إيماني ، وإيماني في قلبي ، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي !..
وتجاربنا في الحياة - كما يقول الدكتور أحمد أمين - تدلنا على أن الإيمان بالله مورد من أعذب موارد السعادة ومناهلها . وإن أكبر سبب لشقاء الأسر وجود أبناء وبنات فيها لا يرعون الله في تصرفاتهم ، وإنما يرعون أهواءهم وملذاتهم . وإذا فشا الدين في أسرة ، فشت فيها السعادة . ويقول الدكتور كامل يعقوب : " والحقيقة التي لامستها في حياتي - كطبيب - أن أوفر الناس حظا من هدوء النفس هم أكثر نصيبا من قوة الإيمان .. وأشدهم تعلقا بأهداب الدين " .
وقد حدث ذات مرة أن كان أحد الأطباء الناشئين يمر مع أستاذه على بعض المرضى في أحد المستشفيات الجامعية . وكان الأستاذ رجلا أيرلنديا واسع العلم متقدما في السن . وجعل الطبيب الشاب - كلما صادف مريضا قد زالت عنه أعراض المرض - يكتب في تذكرة سريره هذه العبارة : " شفي ويمكنه مغادرة المستشفى " . ولاحظ الأستاذ علائم الزهو على وجه تلميذه .. وقال له وهو يرنو إليه : اشطب كلمة " شفي " يا ولدي .. واكتب بدلا منها كلمة " تحسن " .. فنحن لا نملك شفاء المرضى .. ويكفينا فخرا أن يتحسنوا على أيدينا .. أما الشفاء فهو من عند الله وحده " .
ويعلق على ذلك الدكتور كامل يعقوب قائلا : " ولست أشك في أن مثل هذا الإيمان العميق - إلى جانب العلم الغزير هو من دواعي الغبطة الروحية .. والسعادة الحقة " .
السعادة .. في سكينة النفس :
وسكينة النفس - بلا ريب - هي الينبوع الأول للسعادة . " هذه السكينة - كما يقول الدكتور القرضاوي في كتابه القيم ( الإيمان والحياة ) - روح من الله ، ونور يسكن إليه الخائف ، ويطمئن عنده القلق ، ويتسلى به الحزين " .
وغير المؤمن في الدينا تتوزعه هموم كثيرة ، وتتنازعه غايات شتى ، وهو حائر بين إرضاء غرائزه وبين إرضاء المجتمع الذي يحيا فيه . وقد استراح المؤمن من هذا كله ، وحصر الغايات كلها في غاية واحدة عليها يحرص ، وإليها يسعى ، وهي رضوان من الله تعالى . قال تعالى : " فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا " طه 122 - 123 .
وأي طمأنينة ألقيت في قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يوم عاد من الطائف ، دامي القدمين ، مجروح الفؤاد من سوء ما لقي من القوم ، فما كان منه إلا أن رفع يديه إلى السماء ، يقرع أبوابها بهذه الكلمات الحية النابضة ، فكانت على قلبه بردا وسلاما : " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي .. وقلة حيلتي .. وهواني على الناس يا أرحم الراحمين . أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي .. إلى من تلكني ؟ إلى بعيد يتجهمني ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك أوسع لي .. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك ، أو يحل علي سخطك .. لك العقبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ".
ومن أهم عوامل القلق تحسر الإنسان على الماضي ، وسخطه على الحاضر ، وخوفه من المستقبل ، ولهذا ينصح الأطباء النفسيون ورجال التربية أن ينسى الإنسان آلام أمسه ، ويعيش في واقع يومه ، فإن الماضي بعد أن ولى لا يعود . وقد صور هذا أحد المحاضرين بإحدى الجامعات الأمريكية تصويرا بديعا حين سألهم : كم منكم مارس نشر الخشب ؟ فرفع كثير من الطلبة أصابعهم . فعاد يسألهم : كم منكم مارس نشر نشارة الخشب ؟ فلم يرفع أحد منهم إصبعه . وعندئذ قال المحاضر : بالطبع ، لا يمكن لأحد أن ينشر نشارة الخشب فهي منشورة فعلا .. وكذلك الحال مع الماضي ، فعندما ينتابكم القلق لأمور حدثت في الماضي ، فاعلموا أنكم تمارسون نشر النشارة !!..
السعادة .. في الرضا :
والرضا درجة أعلى من درجة الصبر ، لا يبلغها إلا من أتاه الله إيمانا كاملا وصبرا جميلا ، فترى الراضي مسرورا راضيا فيما حل به ، سواء أكان ذلك علة أم فقرا أم مصيبة ، لأنها حدثت بمشيئة الله تعالى ، حتى قد يجد ما حل به نعمة أنعم الله بها عليه . ولهذا كان من أدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأسألك الرضا بالقضاء .. " . وقد حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الراضين فقال : " لأحدهم أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء" رواه أبو يعلى .
ويحدثنا التاريخ أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كف بصره ، وكان مجاب الدعوة ، يأتي الناس إليه ليدعو لهم فيستجاب له ، فقال له أحدهم : يا عم ، إنك تدعو للناس فلو دعوت لنفسك فرد الله عليك بصرك ! فقال رضي الله عنه : يا بني ، قضاء الله عندي أحسن من بصري .
والساخطون والشاكون لا يذوقون للسرور طعما ، فحياتهم كلها ظلام وسواد . أما المؤمن الحق فهو راض عن نفسه ، راض عن ربه ، وهو موقن أن تدبير الله له أفضل من تدبيره لنفسه ، يناجي ربه يقول " بيدك الخير إنك على كل شيء قدير " آل عمران 26
السعادة .. في القناعة والورع
طبع الإنسان على حب الدنيا وما فيها ، وليس السعيد هو الذي ينال كل ما يرغب فيه .. إن الأسعد منه هو الذي يقنع بما عنده . قال سعد بن أبي وقاص لابنه : " يا بني ، إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة .. فإن لم تكن قناعة .. فليس يغنيك مال .. " .
وما أجمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه : مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا . رواه الترمذي .
قال حاتم الأصم لأولاده : إني أريد الحج . فبكوا وقالوا : إلى من تكلنا ؟فقالت ابنته لهم : دعوه فليس هو برازق . فسافر فباتوا جياعا وجعلوا يوبخون البنت فقالت : اللهم لا تخجلني بينهم . فمر بهم أمير البلد وطلب ماء ، فناوله أهل حاتم كوزا جديدا وماء باردا ، فشرب وقال : دار من هذه ؟ فقالوا : دار حاتم الأصم ، فرمى فيها قلادة من ذهب ، وقال لأصحابه : من أحبني فعل مثلي ، فرمى من حوله كلهم مثله . فخرجت البنت تبكي ، فقال أمها : ما يبكيك ؟ قالت : قد وسع الله علينا ، فقالت : مخلوق نظر إلينا فاستغنينا ، فكيف لو نظر الخالق إلينا ؟
وروى الطبري في تاريخه أن عمر بن عبد العزيز أمر - وهو في خلافته - رجلا أن يشتري له كساء بثمان دراهم ، فاشتراه له ، وأتاه به فوضع عمر يده عليه ، وقال : ما ألينه وأحسنه ! فتبسم الرجل الذي أحضره ، فسأله عمر : لماذا تبسمت ؟ فقال : لأنك يا أمير المؤمنين أمرتني قبل أن تصل إليك الخلافة أن أشتري لك ثوبا من الخز ، فاشتريته لك بألف درهم ، فوضعت يدك عليه فقلت : ما أخشنه ! وأنت اليوم تستلين كساء بثمانية دراهم؟ فقال عمر : يا هذا .. إن لي نفسا تواقة إلى المعالي ، فكلما حصلت على مكانة طلبت أعلى منها ، حصلت على الإمارة فتقت إلى الخلافة ، وحصلت على الخلافة فتاقت نفسي إلى ما هو أكبر من ذلك وهي الجنة .
السعادة .. في اجتناب المحرمات :
أي سعادة ينالها المؤمن وهو يتجنب ما حرم الله . وأي لذة يجدها في قلبه عندما يحيد عن طريق الزلل والفجور . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَنْظُرُ إِلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَوَّلَ مَرَّةٍ ثُمَّ يَغُضُّ بَصَرَهُ إِلَّا أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُ عِبَادَةً يَجِدُ حَلَاوَتَهَا . رواه أحمد
ويقول الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله : " إذا همت نفسك بالمعصية فذكرها بالله ، فإذا لم ترجع فذكرها بأخلاق الرجال ، فإذا لم ترتدع فذكرها بالفضيحة إذا علم بها الناس ، فإذا لم ترجع فاعلم أنك في تلك الساعة انقلبت إلى حيوان " .
وفي هذا المعنى يقول نابغة بن شيبان :
إن من يركب الفواحش سرا حين يخلو بسره غير خالي
كيف يخلو وعنده كاتباه شاهداه وربه ذو الجلال
والمعاصي تذهب الخيرات وتزيل النعم . قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة "
ومن كبح هواه ، ولم يسمح لشهواته أن تتسلط عليه سمي عاقلا مالكا لهواه ، وسعد في دنياه وآخرته . فقد ذكر عن أحد الملوك : أنه زار عالما زاهدا ، فسلم عليه ، فرد الزاهد السلام بفتور ولم يحفل له . فغضب الملك وقال له : ألا تحفل بي وأنا ملكك ؟ فابتسم الزاهد وقال له : كيف تكون ملكي وعبيدي كلهم ملوكك . فقال الملك : ومن هم ؟ فقال : هم الشهوات .. هي ملوكك وهم عبيدي !!
السعادة .. في شكر النعم :
وكثير من الناس يظن أن أكبر نعم الله تعالى علينا وأهمها هي نعمة المال ، وينسى نعمة الصحة والعافية ، ونعمة البصر والعقل والأهل والأبناء وغيرها كثير .
والسعادة أن تقنع بأن الله تعالى سيتولى أبناءك الصالحين ، فتسعى لإنشائهم النشأة الصالحة. فقد ترك عمر بن عبد العزيز ثمانية أولاد ، فسأله الناس وهو على فراش الموت : ماذا تركت لأبنائك يا عمر ؟ قال : تركت لهم تقوى الله ، فإن كانوا صالحين فالله تعالى يتولى الصالحين ، وإن كانوا غير ذلك فلن أترك لهم ما يعينهم على معصية الله تعالى . وقد خلف عمر لكل واحد من أبنائه اثني عشر درهما فقط ، أما هشام بن عبد الملك الخليفة فقد خلف لكل ابن من أبنائه مئة ألف دينار . وبعد عشرين سنة ، أصبح أبناء عمر بن عبد العزيز يسرجون الخيول في سبيل الله ، منفقين متصدقين من كثرة أموالهم ، أما أبناء هشام بن عبد الملك فقد كانوا يقفون في مسجد دار السلام ، في عهد أبي جعفر المنصور ، يسألون عباد الله من مال الله تعالى .
وأخيرا تذكر نعم الله عليك تسعد بما لديك .. فأنت تعيش وسط جو مليء بنعم الله ، ولا بد للإنسان من أن يدرك تلك النعم ، فكم من الناس لا يدرك فضل الله علينا إلا حينما يحرم إحدى تلك النعم ؟
يقول الدكتور مصطفى السباعي : " زر المحكمة مرة في العام لتعرف فضل الله عليك في حسن الخلق .. وزر المستشفى مرة في الشهر لتعرف فضل الله عليك في الصحة والمرض .. وزر الحديقة مرة في الأسبوع لتعرف فضل الله عليك في جمال الطبيعة ..وزر المكتبة مرة في اليوم لتعرف فضل الله عليك في العقل. وزر ربك كل آن لتعرف فضل الله عليك في نعم الحياة "
ويقول أحدهم : لتكن لك يا بني ساعة في يومك وليلك .. ترجع فيها إلى ربك ومبدعك مفكرا في مبدئك ومصيرك .. محاسبا لنفسك على ما أسلفت من أيام عمرك .. فإن وجدت خيرا فاشكر .. وإن وجدت نقصا فجاهد واصطبر "
ــــــــــــــــــــ(42/213)
كيف يجد الشباب الأمان والسلامة النفسية ؟
* محمد رفعت
في الدين يجد الشباب الأمان والاطمئنان والسلامة النفسية في الحاضر والمستقبل. هذه هي الحقيقة التي يؤكدها الدين نفسه والعلم الحديث وبخاصة الطب النفسي الذي يركز الآن على الخلاص من المشاكل النفسية والعصبية عن طريق التدين الواعي السليم. فكيف يتحقق لشبابنا من الجنسين هذا الهدف الكبير؟
الدين إحدى الدعامات الرئيسية التي يرتكز عليها الكيان النفسي لأي إنسان وهذه الدعامة تقيه من الهزات التي قد تعتريه في صراعه مع ظروف الحياة المتقلبة وتعطيه معنى لما يقابله فيها من سراء وضراء ورضا بما قسم الله له من رزق وصحة. فهو إن صبر جوزي بذلك وإن شكر جوزي بذلك. كما يساعد الدين في بناء المجتمع بناءً قوياً لما يدعو إليه من التعاون والإخاء وفعل الخير دون مقابل إلا ابتغاء وجه الله فالكلمة الطيبة صدقة وإبعاد الأذى عن الآخرين صدقة ومساعدة الفقير والضعيف والمحتاج هي كذلك أيضاً.
وتوجيهات الدين داخل الأسرة وخارجها واضحة كلها في اتجاه صحة الفرد والمجموع من الخوف والقلق في أمور الدنيا، إذا وضع الإنسان نصب عينيه أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. فلا يخاف المستقبل ولا يخاف إلا الله ولكن بدون تواكل كما يعتقد البعض فهناك دائماً دوافع للطموح والارتقاء والريادة.
والدين هام في جميع فترات الحياة وخاصة في فترة الشباب لما يصادف الإنسان في هذه الفترة من اندفاعات فكرية وتقلبات كبيرة في ظروف حياته. وأذكر في هذا المجال مؤتمر الصحة النفسية الذي عقد في القاهرة أواخر 1975م حيث ألقى السيد الدكتور طه بعشر مندوب هيئة الصحة العالمية لمنطقة البحر الأبيض المتوسط كلمته في هذا المؤتمر الذي كان مخصصاً للشباب فأشار فيها إلى ارتفاع نسبة المعاناة النفسية للشباب وإلى الزيادة الملحوظة في نسبة حوادث السيارات والانتحار في بعض البلدان العربية وتساءل عن المستقبل وما يحمله من توقعات خاصة وأن القيم الدينية عند الشباب في هذه الآونة ربما تعاني من نقص وربما ازداد هذا النقص في المستقبل عما هو الآن.
ومن الطبيعي حينما يمر أي إنسان بمحنة أن يلجأ إلى الله سواء كانت هذه المحنة ناتجة عن ظروف صعبة أو بداية لأي محنة نفسية من قلق أو اكتئاب، ولذلك فإن الدين يعتبر من الركائز الأساسية التي تقي الفرد الهزات المختلفة التي تواجهه.
كما أننا نلاحظ أن كثيراً من حالات الميول الانتحارية تمنعها محافظة الفرد على الدين، الدين هنا خير علاج لمثل هذه الحالات.
فمن الملاحظ أن إحدى المشاكل العالمية في عصرنا الحاضر هي أن الخمر والمخدرات وما ينتج عنها من مشاكل صحية أو حوادث وما يستخدم من طرق للحد من هذه المشاكل يتفوق عليها وجود الوازع الديني عند الفرد فهو خير ضمان لمكافحة الخمور والمخدرات وآثارها.
ويحدث في بعض الأمراض النفسية نوع معين من التدين يختلط به تفكير مرضي كالمعتقدات الخاطئة أو الهلاوس. وينغمس المرضى بهذه المعتقدات في الطقوس الدينية المختلطة بأفكارهم الخاطئة كأن يعتقد أحدهم أنه أرسل هداية للناس أو يسمع أصواتاً تأمره بأن يتدين بهذه الصورة ولكن صورة التدين هنا تكون بلا منطق. وتتضح الأعراض الأخرى المصاحبة لمثل تلك الأعراض وأهمها الفصام بأنواعه كما تتميز بعض الأمراض النفسية الأخرى بازدياد في درجة التدين أثناء النوبات كالأمراض الوجدانية مثل الاكتئاب والذي كان يعرف في الماضي بالمرض المقدس. وعموماً فإن مثل هذه الحالات ليست شائعة. فنسبة مرض الفصام مثلاً حوالي 1 في المائة في مجموع أفراد الشعب، كذلك حالات التدين المرضي، ولقد هزّت مشاعرنا في الآونة الأخيرة أحداث بعض جماعات الشباب الدينية في مصر وقد تابعنا تفاصيل أخبار هذه الجماعات في الصحف ويبدو أن بين أفرادها عدداً ممن يعانون من التدين المرضي أو الهوس، يبدو ذلك من معتقداتهم وسلوكهم كجماعة لا تسير على نهج سوي ولا يتضح لها هدف كما أن بين أفراد الجماعة عدداً كبيراً من الشباب المضللين والذين يعانون من الفراغ والفشل وهما التربة الخصبة التي تترعرع فيها أي انحرافات.
ولذلك نرى أنه من واجبنا جميعاً كآباء وكأفراد في هذا المجتمع أن نحسن توجيه أولادنا بالقدوة الحسنة وبالتدين الصحيح بلا اندفاع في تيارات غير مأمونة. وأن نحاول ملء فراغ هذا الشباب المتوقد بعمل بناء يشارك فيه الشاب تحت إشراف وتوجيه يبرز قدرته ليستعيد ثقته بنفسه وينمي مجالاته الفكرية. وفي كلمة أخيرة أن نبدأ بتعليم الشباب بالترغيب قبل الترهيب وبالجزاء والثواب قبل العقاب وأن تكون جميع فئات الشعب وأجهزة الدولة في اتجاه واحد نحو الوصول إلى الهدف الأسمى وهو صحة أبنائنا قادة المستقبل. وعلينا أن نبدأ بتوجيه ديني سليم في البيت وفي المدرسة والمشاركة في النوادي والنشاط الاجتماعي لجميع الأعمار على أن توضع لذلك برامج غير البرامج التقليدية التي تنقل الشعائر فقط بل تستخدم القصص التي تبين الصفات الطيبة وتتماشى مع فكر الطفل وروحه وليس مجرد النصح والإرشاد. وفي سن الشباب يجب تنظيم رحلات ونشاطات اجتماعية وزيارات دراسية للأماكن الدينية تجري بطريقة الندوات التدريبية حيث يشارك الشاب فيها، وتكون المعسكرات تحت إشراف دقيق من رجال الدين والموجهين الاجتماعيين بالإضافة إلى عناصر التشويق والمباريات والمسابقات سواء الرياضية أو العلمية وخلالها تقام الشعائر الدينية بصورة تلقائية. أما عن المرضى بالتدين فكل مصاب له علاجه تبعاً لنوع مرضه ودرجة الإصابة به.
ــــــــــــــــــــ(42/214)
مسائل وملاحظات بخصوص توجيه جيل الشباب
* د. علي القائمي
1 ـ التعرف على أوضاعهم: كثيراً ما نلاحظ سلوكيات عند هذا الجيل الشاب تنشأ بدون مراجعة النتائج، وعليه لابد من تذكيرهم بالأوجه الصحيحة لها وتذكيرهم أيضاً بأوضاعهم تلك. وهل إن تصرفاتهم كانت صحيحة وسليمة أم لا؟ وعلى الوالدين أعلام أبنائهم بأن وضعهم عادي أم لا؟
2 ـ المشاورة: على الآباء والمربين أن يستشيروا أبنائهم باستمرار وخلق الثقة المتبادلة معهم، وأن يوجهونهم لما يجب فعله وما يجب الابتعاد عنه وأن يستعينوا بالوالدين في أهم المسائل التي يواجهونها ويضعوا لمشاكلهم الحلول الصحيحة.
3 ـ الاعتراف بكفاءاتهم: من أجل تقوية معنويات الشباب، من المهم جداً أن يعترف الآباء وبطريقة ضمنية بكفاءة الشباب العقلية وشخصيتهم المحترمة، لأن ذلك عنصر هام لتجديد قواهم.
4 ـ معاشرة الكبار: علينا أن نسعى إلى مشاركتهم في المجالس التي يحضرها كبار السن كي يستمعوا لهم ويستفادوا من تجاربهم. وليرشدونهم إلى الكتب المفيدة التي تعينهم في حياتهم وتدلهم على المعايب الأخلاقية وسبل علاجها.
5 ـ توجيههم: ضمن إقامة علاقات المحبة والتآلف غير المباشرة وبدون تصدير أوامر أو نواهي، لابد للمربين من ممارسة التوجيه الملائم وإشعارهم بسبل الحياة الصحيحة، وتعريفهم بالا×لاق المطلوبة والسلوكيات السليمة وكيفية التحلي بها.
6 ـ منحهم الجرأة والشجاعة: مع كل التهور والنزق الذي نلاحظه عند الشباب، فإننا نرى لديهم مسحة كبيرة من التخوف والعجلة، وهذا ما نلاحظه أيضاً عند الأطفال، ومن خصوصيات الشباب إنهم يتعاملون مع الأمور بلا أبالية ملحوظة وعلينا أن نعلمهم أن يكونوا جريئين مع التحسب والتفكير في النتائج.
7 ـ استثمار طاقاتهم: وأخيراً، لابد أن نفهم الشباب أن عليهم أن لا يعتمدوا دائماً، وفي كل الظروف على الوالدين وأن يستثمروا طاقاتهم وقدراتهم لإدارة حياتهم.
ــــــــــــــــــــ(42/215)
التجارب ثروة
في مستهلّ حياتك العمليّة ، بل وعلى مدار حياتك كلّها يمكنك أن تستفيد من تجربتين :
أوّلاً : تجاربك الشخصية والتي تختلف ـ غنىً وفقراً ـ من شخص إلى آخر ، بحسب خلفيّة كلّ شاب أو فتاة ، وما عاشه كلٌّ منهما في حياته من تجارب ومعاناة وأخطاء ، وما اكتسبه من خبرات ومعارف .
وليس هناك إنسان قطّ بلا تجارب ، فحتى الطفل الصغير له تجاربه . وتجاربنا ككرة الثلج تنمو مع الأيام باطّراد . وهناك مَنْ ينتفع وهناك مَنْ لا ينتفع من تجاربه .
ثانياً : تجارب الآخرين ، سواء الشبّان منهم أو الكبار ، القريبين أو البعيدين . فكتابُ الحياة مفتوحٌ للجميع ، وحقوقه ليست محفوظة ، بل هي حقّ مشاع لأيّ إنسان .
وتجربةٌ عاشها أكثر من إنسان ، وخلصوا منها بنتائج معيّنة تكفيك مؤونة خوضها من جديد ، فلقد قيل : «مَنْ جرّب المجرَّب حلّت به الندامة» مثلما قيل أيضاً : «إنّ في التجارب علماً مستفاداً» أو «في التجارب علمٌ مستأنف» .
فتجارب الناس الذين عاشوا قبلنا ، أو الذين يعيشون معنا ، هي معينٌ لا ينضب ، يمكن لكلّ شاب وفتاة أن يغترفا منه ، ويستأنفا أو يبدآ حياتهما من عنده ومن خلاله .
والتجاربُ ـ بعد ذلك ـ ليست قوالب جامدة ، فقد تحتاج إلى بعض التحوير والتطوير لتناسب الوضع الذي نحن فيه ، ولكنّها كدروس واستخلاصات ونتائج وعبر ، ثروةٌ حريّ بنا أن نستفيد منها ، فهي كالحكمة العمليّة أينما وجدناها أخذنا بها ، بعد أن ندرس مدى صلاحيتها وملاءمتها لأوضاعنا وظروفنا .
إنّ تجربة شخص كان يعاني الخجل الشديد ، وقد تغلّب عليه ضمن خطوات عملية معلومة تنفعني كشاب أو كفتاة أعاني من الخجل .
وتجربة آخر نجح في دراسته أو تفوّق في عمله تنفعني كانسان يتطلّع إلى حياة أفضل .. وتجربة مبتكر مبدع ، فتح اُفقاً أو آفاقاً جديدة في مجال اختصاصه وحقل عمله ، تزيد في وعيي الابتكاريّ ، ذلك أنّ تجارب الناجحين في الحياة هي تجارب قابلة للتعميم ، شريطة أن تتوافر الظروف المماثلة ، والارادة القادرة على تذليل الصعوبات نحو النجاح .
ولذا ، فإنّنا نستوحي القرآن الكريم ، حينما ندعو إلى دراسة تجارب الآخرين ، اُمماً وأفراداً وجماعات : (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها )(1) .
فمن الضروري لكلّ شاب وفتاة يريدان أن يتثقّفا بثقافة الحياة ، وأن يستفيدا من تجارب الآخرين ، أن يقرآ كتب السيرة ، والتراجم الذاتية وكتب المذكرات ، فهي خلاصة تجارب حياتية تثري حياتنا ، فكأ نّنا نضيف إلى رصيدنا الفعليّ أرصدة أخرى .
أمّا قصص الصالحين والناجحين والمبدعين ـ في مختلف الأزمنة والأمكنة ـ فهي الأخرى رصيد غني يمكن أن نتوافر على تحصيله باستمرار من الكتب التي تتخصّص في نشره .
بل يمكن الاستفادة أيضاً من جلوسنا إلى كبار السنّ ـ نساء ورجالاً ـ لنغنم من تجاربهم الكثير .
فلا يقولنّ شاب : إنّ جدّي كبير السنّ ، وقد مضى زمنه ، ولي زمني ، فلا ينفعني في شيء .
ولا تقولنّ فتاة : إنّ جدّتي ـ لأبي أو لأمّي ـ بلغت من الكبر عتيّاً ، فما جدوى الاستفادة من إنسانة لا تعيش عصري .
فليس المطلوب أن ننسخ تجاربهما نسخاً ، لكنّ الكثير من تلك التجارب يحمل أساليب وطرق التعامل الاجتماعي الناضج الذي لا علاقة له بالزمن ، فهو يؤتي ثماره الآن وغداً ، كما آتى ثماره بالأمس ، أو توحي تجاربهما لك بأفكار تنفعك في الجديد من الحياة .
وخلاصة القول إنّ التجارب (معرفة) و (عقل) وأيّاً كانت معرفة الانسان وعقله ، فهو بحاجة إلى معارف وعقول الآخرين «مَنْ شاور الناس شاركها في عقولها» .
* البلاغ
(1) الحج / 46
ــــــــــــــــــــ(42/216)
سرعة وكسل الشباب .. كيف يتّفقان؟
فكما أنّ الشبان يتسرّعون في أعمالهم بذريعة العصر الذي يعيشونه ، فكذلك هناك صفة مناقضة ، أو تقف في الضد من السرعة ، وهي الخمول والكسل .
فثمة عدد من الشبان يميلون إلى الاسترخاء والراحة والكسل وكأ نّهم لم يدخلوا ساحة أو ساعة الجدّ بعد ، فترى الكثير من الأوقات المبعثرة والمضيّعة أو المقتولة .
يقولون إنّ الشباب عماد المستقبل ، وهذا صحيح ، لكنّ الأصحّ منه هو انّهم عماد الحاضر والمستقبل ، فالشباب في الوقت الراهن ، أو المرحلة الحاضرة من أعمارهم ، ليسوا طاقات عاطلة أو مجمّدة في انتظار المستقبل .
إنّ فرصة الشاب المواتية ليست بعد اجتياز العشرين أو عند بلوغ الثلاثين ، هي متاحة للتفجير من الآن ، في أن يبني شخصيته ، ويستثمر طاقاته وينمّي معارفه ، ويسهم في الانتاج والتطوير والتنمية ، ولو على سبيل الاستعداد والتعلّم لمرحلة أكبر إنجازاً وأكثر عطاءً وإبداعاً .
لقد كتب بعض الشبان والفتيات على أنفسهم التعطيل أو الدخول إلى الثلاجة ، أو أ نّهم وافقوا مجتمعاتهم على اعتبارهم طاقات مدخرة للمستقبل ، فاكتفوا بالدراسة دون العمل ، وبالمناهج الدراسية دون كتب العلم الواسعة ، واستحالت عطلهم الربيعية والصيفية إلى أوقات من اللهو والخدر بدلاً من استثمارها في كسب المزيد من الخبرات والمهارات التي تثري الحاضر وتبشِّر بالمستقبل .
إنّ الشاب الكسول أو المتكاسل شاب يرثى له . وقد كان بعض الأئمة يسألون عن الشاب ، فإذا قيل لهم إنّه في شغل كبُر في أعينهم ، وإذا قيل إنّه عاطل سقط من أعينهم . وقديماً قيل : «شاب كسول ، شيخوخة متسولة» . فأسس المستقبل لا تقوم في المستقبل ، وإنّما توضع من الآن ، وعلى متانة الحاضر يمكن قياس متانة وقوة المستقبل .
وثمة مفارقة يجب الإلتفات إليها ، فمفهوم الكسل والبطالة والتنبلة لا يتناسب إطلاقاً مع مفهوم الشباب والحيوية والإبداع والتجديد ، والقدرة على المغامرة والتضحية ، ومواجهة الصعاب والتفاؤل .
ولو نظرت إلى مرحلة شباب كلّ العظماء لرأيتها طاقات متحركة ، ومواهب مبدعة ، ومنافسة لا ترضى بالقليل ، وثقة لا يحدّها شيء، فلا كسل ولا خمول ولا استرخاء ولا ترهّل ، ولذلك أصبحوا عظماء .
وقد قيل : «مَنْ شبّ على شيء شاب عليه» وهذا يعني أنّ اعتياد التقاعس والخمول والتثاقل إلى الأرض ـ في مرحلة الشباب ـ قد يسري أو يزحف على مساحات العمر الأخرى ما لم يعاجله الشاب أو الفتاة بـ (ثورة) أو (انتفاضة) أو (حركة تصحيحية) .
ولو أنّ النبيّ (ص) كان يرى أنّ همّة الشباب قصيرة ، وأنّ شيمتهم الخمول والخدر ، لما أوكل إحدى مهمات التبليغ الكبرى لشاب اسمه (مصعب بن عمير) ولما أوكل إحدى المهمات العسكرية الصعبة لشاب اسمه (أسامة بن زيد) ولما أوصى بأن يغتنم الشبان شبابهم قبل هرمهم !
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/217)
أقراص الانسجام .. خطر يجب حماية شبابنا منه
* محمد رفعت
انتشرت أخيراً ظاهرة تعاطي الحبوب المنبهة والمنومة وأقراص التخسيس وهذه الحبوب تباع في الشوارع وعند البقالين وفي البوتيكات لكل مَن يطلبها طالما هو قادر على دفع الثمن وليذهب عقله بعد ذلك إلى الجحيم.
ـ اضطراب الأعصاب:
هذه العقاقير يستوردها أفراد ليس لهم أخلاق ولا ضمير بغرض الكسب المادي. وهناك بعض العقاقير المعترف بها طبياً وتباع في الصيدليات مثل الامفتامين والمنومات والريتالين ومثل الموجادن ومهدئات الأعصاب مثل الاتراكس والمفروض عدم بيعها بدون روشتة طبية لأن المنبهات وموانع الشهية تسبب اضطراباً شديداً في الأعصاب وتؤدي إلى ثورة أعصاب الشخص الذي يتناولها بسرعة فيتهور في تصرفاته ولا ينام. حتى أن بعض السيدات اللاتي يتعاطين أدوية السمنة يفقدن أعصابهن ويعانين من انهيار عصبي يفسد حياتهن الزوجية وبعض الطلبة يتعاطى أقراصاً منبهة للسهر والاستذكار، وتكون النتيجة عدم النوم والإرهاق وعدم استيعاب الدروس والرسوب مع الانهيار العصبي الشديد.
ـ مصروف الجيب:
والأسرة هي المسئول الأول عن انحراف الأبناء فيجب أن تكون هناك علاقة ودية وتفاهم مع الشباب، حتى لا ينحرف مع أقران السوء وحتى إذا انزلق الشاب في هوة تعاطي الأقراص فإنه يستطيع أن يلجأ إلى أسرته لكي يعالج قبل أن يستفحل الأمر كما يجب أن يراعي الآباء أن يكون مصروف الجيب للشاب وللشابة في حدود المطالب المعقولة، حتى لا تسبب كثرة النقود وسهولة حصولهما عليها الانحراف والاندفاع وراء اللهو المخرب.
ـ مستشفى متخصص:
ويجب ردع الصيدليات التي تتاجر في العقاقير الطبية بدون وصفة طبيب وكذلك عقاب الأفراد الذين يبيعون الأقراص حتى الآن من المخدرات، ولكن يذهب تأثيرها بالعقل ويسبب الإدمان. وهناك مسئولية كبيرة على مجالس رعاية الشباب والهيئات الاجتماعية المختلفة والنوادي في توجيه الشباب إلى نشاط مثمر مفيد.
وعلاج حالات الإدمان يكون بإنشاء مستشفى متخصص لمنع المريض من تعاطي الدواء بتاتاً وعلاجه نفسياً ومعنوياً حتى يصبح شخصاً سوياً وعضواً نافعاً للمجتمع.
ــــــــــــــــــــ(42/218)
كيف نواجه الضغوط الخارجية?
لا يمكن حصر الضغوط الخارجية بنقاط محدّدة ، ففي كل يوم قد يواجهك تحدٍّ أو ضغط جديد ، وبالتالي فأنت تزداد في كلّ يوم قوّة ومناعة وصلابة ، بما يستنفره الضغط الجديد من قواك الكامنة المدخرة ، وقديماً قيل «الضربة التي لا تكسر الظهر تقوّيه» .
ولكننا ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ يمكن أن نستعرض بعض تلك الضغوط ، وكيفيّة مواجهتها :
1 ـ ضغوط الأسرة : فلكلّ أسرة نظامها الحياتي ، ولكلّ عائلة برنامجها وقيودها والتزاماتها ، وهي تؤثر ـ بلا أدنى شك ـ على قرارات الشاب أو الفتاة اللذين يجدان في أحيان كثيرة أنّ عليهما أن يمتثلا لتلك الضوابط والقيود ، مما يشكّل ضغطاً على بعض حرّيتهما ، وبعض قراراتهما ، وبعض اختياراتهما .
ولا بدّ من التنبيه ، أنّ ضغوط الأسرة ليست كلّها سلبية ، ففيها أيضاً الإيجابيّ الذي يصبّ في مصلحة الشاب أو الفتاة ، والنابع من الحبّ والشفقة والحرص عليهما ، والتقدير لحداثة عهدهما بالتجربة .
فمن الضغوط البيتية التي يواجهها بعض الشبان والفتيات ، ضغوط تمارس عليهم في اختيار الفرع الدراسي الذي يريدون الدخول فيه . ومع أنّ هذه المشكلة راحت تتقلّص في الكثير من الأسر ـ نتيجة الوعي الثقافي والاجتماعي المتزايد ـ لكنّها ما زالت في أخرى قائمة إلى اليوم ، وقد تحدث في بيوت وأسر يتمتع فيها الوالدان بمستوى ثقافي جيِّد .
فالشاب يرغب في كلّية الآداب والأب يطالبه بكلّية الطبّ ، والفتاة ترغب بالتعليم وأمّها تضغط عليها بالهندسة ، وهكذا . ولم يلتفت بعض هؤلاء الآباء والأمّهات إلى حقيقة واقعة ، وهي أنّ عدداً لا يستهان به من المستجيبين لضغوط الأهل في هذا الجانب ، فشلوا في اختصاصاتهم أو فروعهم التي دخلوها رغماً عنهم ، أو لم يكونوا ـ في الأقلّ ـ من المبدعين المتفوقين فيها .
ولذا ، فلا بدّ من حوار عقلانيّ هادئ يخوضه الأبناء مع أسرهم وإقناعهم برغباتهم هم ، وأنّ الإملاءات لا تؤدي إلى نتائج طيّبة . وإذا كان الشاب أو الفتاة على قناعة تامّة بما يريدان ، فإنّهما سوف ينجحان في إقناع والديهما في رغبتهما الشديدة بهذا الفرع التخصصي أو ذاك . أمّا إذا كانت القناعة ناقصة أو مهزوزة ، أو لم يكن الشاب أو الفتاة يعلمان ماذا يريدان بالضبط ، فإنّ قناعة الأبوين هي التي تفرض نفسها في مثل هذه الحالات .
وقد يرتئي الشاب أو الفتاة الحاجة إلى وساطة آخرين مؤثرين لاقناع الأهل بالتراجع عن ضغوطاتهم السلبية ، كأن يقوم العم أو الخال أو صديق مخلص للعائلة في التفاهم مع الأبوين في المشروع الدراسي ، وأ نّهم قد يكسبون طبيباً لا يشكل سوى رقم عادي في قائمة الأطباء الطويلة العريضة ، لكنهم يخسرون أديباً بارعاً قد يفوق الأقران في أدبه .
ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ الضغط عادة لا يكون علمياً بل هو ماديّ بحت ، أي ليست الغاية هي أن نحصل على طبيب يداوي الناس ويعالج أمراضهم ويسكِّن آلامهم ، بل على مهنة تدرّ مالاً أكثر وربّما أوفر ، الأمر الذي يتطلب ثقافة أعمق في تقدير الإبداع والموهبة والميل النفسي لهذا الاختصاص أو ذاك .
ولا يخفى أنّ الأبوين اللذين يمارسان الضغط باتجاه معيّن ، يقعان هما أيضاً تحت ضغط آخر ، وهو ضغط الثقافة الاجتماعية العامّة التي تقوم على تفضيل الطب والهندسة على ما سواهما من مهن أو حرف .
ومن الضغوط الأسريّة ، التدخل في مسألة الزواج واختيار زوج أو زوجة المستقبل ، حتى مع عدم قناعة هذه أو ذاك باختيار الأهل .
وقد لا يكون الضغط بالغ الشدّة ، لكنّ مجرد شعور بعض الأبناء والبنات أنّ الأب أو الأم أو كليهما غير راضيين عن اختيارهما ، قد يجعلهما تحت ضغط نفسي ربّما يدفعهما إلى التنازل عن قرارهما واختيارهما ، والنزول عند رغبة والديهما .
أمّا في حالات العناد والإصرار على الزواج ببنت العم ، أو الخال ، أو زواج الفتاة بابن عمّها أو ابن خالها ، فإنّ الضغوط قد تصل إلى درجة براءة الذمّة أو المقاطعة ، أو خلق المشاكل والمتاعب ، مما يجعل من مشروع يفترض له أن يكون سعيداً ، وهو مشروع الزواج ، غصّة في قلب الشاب أو الفتاة .
ولقد كان الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) مقدّراً لخطورة هذا الضغط
على حياة الشباب ، عندما جاءه شاب ، وقال له : أبواي يريدان تزويجي ممّن لا أهوى ، وإنِّي لأرغب بالزواج من فتاة أخرى أهواها ، فقال له الإمام (عليه السلام) : «خذ ما هويت واترك هوى الوالدين» .
فالنظرة هنا في المدى البعيد ، فقد أرضي والديّ في بداية الزواج لأنني استجبت لضغطهما في الزواج بمن يريدان ، لكنني سوف أغضب نفسي في حياتي الزوجية التي ربّما تنتهي إلى الطلاق في حال عدم الانسجام والتوافق .
وترخيص الإمام (عليه السلام) باختيار الشاب الفتاة التي يُحبّ ، وترك اختيار الوالدين يدلِّل أنّ ذلك ليس معصية لهما ، وإنّما رفض لضغط سلبي لا معنى له سوى إملاء الإرادة (1) .
ولقد أباحت الشريعة الاسلامية للفتاة التي يُمارس الضغط الأسري عليها في الزواج بمن لا ترغب ، أن تتحلّل من عقد الزواج المكرهة عليه ، وأن تتزوّج مَنْ تختار ، ولا يحقّ لولي أمرها أباً كان أو جدّاً أو حتى أخاً أن يفرض عليها مَنْ لا تحب ، بل ويعتبر العقد في مثل هذه الحالات باطلاً .
ومن ضغوط الأسرة أيضاً ، اختيار نوع العمل ، وهو مشكلة شبيهة بمشكلة اختيار الفرع الدراسي . فقد يميل الشاب أو الفتاة إلى ممارسة عمل يقع ضمن نطاق هوايتهما أو رغبتهما الخاصّة ، وقد تختلف أو تتقاطع رغبة الأب أو الأم مع رغبتهما ، مما يجعلهما ـ أي الوالدين ـ يمارسان شتى الضغوط النفسية والعاطفية عليهما من أجل التراجع عن العمل المرغوب والانخراط في عمل يفضلانه عليه .
ونتائج مثل هذا الضغط كنتائج الضغط على اختيار الفرع الدراسي ، فقد يؤدي إلى فشل عمليّ وخسارة مادية ومعاناة نفسية وتوتر داخل المحيط العائلي ، ما لم يحسم الأمر لصالح الرغبة الذاتية .
2 ـ ضغوط العشيرة : وفي البلدان أو القرى والأرياف التي لا زالت كلمة العشيرة مسموعة فيها ، تتدخل أعراف وتقاليد العشيرة وربّما قناعاتها ، في التأثير على أبنائها وربّما الضغط عليهم في الاتجاه الذي لا يمثِّل قناعة الفرد ، مما يمثِّل الخروج عليها خروجاً على (القانون) العشائري وعصياناً وتمرّداً عليه .
ومع أنّ بعض أعراف العشائر ليست مخالفة للشريعة ولا للعرف الاجتماعي الذي تسالم عليه الناس أ نّه من المعروف وليس من المنكر ، إلاّ أن كلمة الفصل في ذلك كلّه لما يقوله الشرع الاسلامي ، الأمر الذي يتطلب تعاملاً ذكيّاً محنّكاً مع أعراف العشيرة ونظامها الداخلي وضغوطاتها بما لا يخلق حالة من النزاع الداخلي بين أبنائها والقائمين عليها .
3 ـ ضغط العادات والتقاليد الموروثة : ليس الأمر مقتصراً على ضغوط العشيرة في المناطق الضيقة والمحدودة ، بل حتى في المجتمعات المدنية المفتوحة ، تجد أنّ هناك جملة من العادات والتقاليد التي توارثها أبناء المدن ، حتى أنّها صبغتهم بصبغتها وطبعتهم بطابعها ، ولكنها ـ في كل الأحوال ـ أخفّ درجة ووطأة من تلك الموجودة في القرى والأرياف والمدن الصغيرة .
ويبدو ذلك واضحاً في المجتمعات التقليدية المحافظة التي تعتبر خروج أبنائها وفتياتها على بعض ما تعارفت عليه تنكّراً وتنصّلاً عن عاداتها وتقاليدها المخترعة أو المبتدعة ، مما يشكل عبئاً ضاغطاً على الشبان والفتيات ، فالسقوط تحت تأثيرها ـ لا سيما المتخلّف منها ـ سقوط لشخصية الشاب أو الفتاة ، وأنّ التحرر منها يحتاج إلى ثقافة عالية ، وجهد حثيث للتغيير ، وقدرة كبيرة على الإقناع ، والتعامل بحكمة . وكلّما اتّسعت دائرة الوعي تقلّصت دائرة التخلّف .
4 ـ ضغط الجماعة (الأصدقاء والرفاق) : وللأصدقاء تأثيرهم الواضح على الشاب أو الفتاة خاصّة في مرحلتي المراهقة والشباب ، لأ نّهم كثيراً ما يقعون تحت سلطة الجماعة وتأثيرها ، ويعتبرون الانتماء إليها والانقياد لأوامرها جزءاً مهماً من شخصياتهم .
ولقد كشفت العديد من الدراسات الاجتماعية أنّ حالات الجنون والانحراف والعنف والسرقة وتعاطي الممنوعات كالمخدرات ، التي ارتكبها شبان أو فتيات ، إنّما كانت منطلقة من التأثير الجماعي على الجانحين .
وتزداد خطورة الجماعة إذا كانت تمارس عملها من خلال حزب أو حركة أو منظمة أو جمعيّة أو حتى عصابة تسخِّر طاقات الشباب في مآرب دنيئة ، حتى ليصعب على المنتمين إليها ـ في أحيان كثيرة ـ الإفلات من قبضتها ، وحتى لو حاولوا فسيكونون عرضة للتشهير والتسقيط والاتهام وربّما القتل .
ولذلك فالحذر كلّ الحذر من الانخراط في الجماعات المشبوهة ، أو المجهولة الدوافع والأهداف ، أو التي تضمّ أشخاصاً سيئي الصيت ، والتحقق والتثبّت من ذلك كلّه قبل الإقدام على خطوة الإنتماء ، وإذا لم يتيسّر ذلك شخصياً ، فبالإمكان التحري من أشخاص أكثر معرفة وتجربة ، وإلاّ فالخروج من بعض هذه التنظيمات المشبوهة سيكون كالخروج من فم التنين .
5 ـ ضغوط الحكومات المستبدّة : وهي أقوى وأشدّ من الضغوط السابقة ، لأ نّها ضغوط تُمارس من خلال أجهزة ومؤسسات وإدارات وشعارات وقرارات . وقد يتطلّب التخلّص منها أو تغييرها جهداً جماعياً ليس بمقدور الأفراد المعدودين ، مما يجعل الضغط في ظلّ هذه الحكومات عنيفاً ومن اتجاهات مختلفة، وقد يضطر الشاب أو الفتاة إلى الانصياع أو الانسياق للجوّ السياسي العام الضاغط ، أو الهروب خارج الوطن ، أو الدخول في دائرة المعارضة ، وفي كلّ حالة من هذه الحالات هناك ضغوط معيّنة تتفاوت شدّة وارتخاء ، وقوّة وضعفاً .
6 ـ ضغط الإعلام والإعلان والدعاية : فالإعلام اليوم سلطة ، وأيّة سلطة ؟! إنّه يدخل بيوتنا طائعاً مختاراً وبدون استئذان ، أو هكذا رحّبنا به في كلّ وقت ومن قبل الجميع ، فوجد له مكاناً في الصدارة .
والإعلام يمارس سلطته عبر ضغوط فكرية ونفسية واجتماعية وسياسية وسلوكية كثيرة ، وبتخطيط حاذق لا يلبث المشاهد ـ خصوصاً العادي الذي لا ينطلق من خلفية ثقافية معيّنة ـ أن يجد نفسه واقعاً تحت سطوته منجرّاً معه إلى حيث ما يريد .
ويتّضح ضغط الإعلام أيضاً من خلال أساليب وصنع الدعاية المركزة والإعلان المشوّق الجذّاب الذي يشغل مساحات واسعة من البث تكاد تفوق التركيز على موادّ البث الأساسية .
والإعلان مبني أساساً على مخاطبة العقل الطفولي والغرائزي لدى الانسان المشاهد ، فكأ نّه يقوم بابتزازه علناً وجهاراً وهو راض ومبتسم .
والحقيقة التي لا يعرفها بعض ضحايا الدعاية والإعلان ، أنّ الإعلانات في مجملها تخلق حاجات متصورة أو مصنوعة ، وتوحي للمشاهد أو المستمع أنّ خياره هو هذا (أي الشيء المعلن عنه) وهو في الواقع ليس خياره وإنّما خيار المنتج والمسوّق .
7 ـ ضغط الإشاعة : وهو ضغط تمارسه الأجهزة السياسية والأمنية والاقتصادية لإبتزاز المواطنين واثقال مشاعرهم بالخوف ، والهائهم عن القضايا الكبرى أو الأمور الحيوية ، حتى أنّ بعض الأنظمة تعمد إلى جعل المواطن في حالة طوارئ قصوى خوفاً من المجهول المرتقب الذي تتفنّن الإشاعة في تصويره أو التهديد به ، وربّما التنويم والتخدير به أيضاً .
ولا بدّ للتخفيف من ضغط الإشاعة من دراسة طبيعتها من حيث مفرداتها ، ومقدار الحقيقة التي تتضمنها ، ومن الذين يروّجون لها ، وماذا تستهدف ، وماذا يمكن أن تسببه من آثار ومخاطر ، وإعلام المغرّرين أو المأخوذين بها بذلك كلّه ، حتى نخلق مصدّاً بوجه رياحها .
8 ـ ضغط الإغراء : ليس الإعلام وحده مَنْ يمارس الضغوط الإغرائية على شبابنا وفتياتنا ، ولا الدعاية والإعلان فقط ، وإنّما الشارع الذي تتحرّك فيه النساء والفتيات أنصاف عاريات ، أو
يتبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى من حيث إظهار الزينة وتنعيم الصوت والغنج وباقي مفردات الإغواء ، حتى لقد تحوّلت الأماكن العامّة إلى غرف نوم أو ما أشبه ذلك .
فالإغراء سواء كان لشراء بضاعة معيّنة ، أو لإشعال غرائز الشبّان والفتيات، أو للدخول في منتديات أو مقاهي أو ملاهي معيّنة ، هو وسيلة ضغط كبيرة يتساقط على أعتابها الكثيرون .
وكلّما خفت الرقابة الوالدية والمحاسبة البيتية ، وتضاعفت من الجهة الثانية وسائل الضغط الإغرائي التي تشجع عليها بعض الحكومات والأنظمة ، انفلتت الغرائز من عقالها ، وصعب لجمها وتعذّر ، لا سيما في أوساط الشبان والفتيات الذين لا يجدون سبيلاً إلى التعفّف أو الزواج عن طريق شرعيّ .
لقد أريد ليوسف الشاب (عليه السلام) أن يقع ضحيّة هذا اللون من الإغراء في أجواء مشجّعة ومحفّزة وضاغطة يفوح الجنس من كلّ ركن فيها ، لكنّه أبى واستعصم وتعفّف والتجأ إلى ركن وثيق : (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلّقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنّه ربِّي أحسن مثواي إنّه لا يُفلح الظّالمون )(2) حتى قوله تعالى : (فاستجاب له ربُّه فصرف عنه كيدهنّ إنّه هو السّميع العليم )(3) .
فقد تخاطبك نفسك ـ وهي أمّارة بالسوء إلاّ ما رحم ربّي ـ أن تتحرّش بفتاة تمرّ من أمامك ، فتستجيب لأمرها وضغطها ، فتسمعها بعض الكلمات غير المؤدّبة .
فإذا ما استجبتَ لنفس الطلب في حالة مشابهة وفي وقت لاحق ، فإنّك تكون قد ضخّمت ـ بإرادتك ـ حجم الضغط عليك ، ويمكنك التأكد من ذلك عند ما تجد أ نّك لا تستطيع رفض طلب النفس بالتحرّش بفتاة أخرى .
ونفس الشيء يقال بالنسبة للفتاة المستجيبة لضغط التحرّش ، فإنّ سكوتها ، أو ابتسامتها ، أو التفاتتها ، هي ايضاً استجابة لضغط داخلي ، وإذا تكرّر ذلك منها فإنّها قد تقع تحت ضغط آسر لا تلبث أن تجد صعوبة بالغة في الخلاص أو الإنفلات من قبضته .
9 ـ ضغوط الحاجة : ونقول ضغوط لأ نّها ليست ضغطاً واحداً ، وإنّما هي متعددة تزداد بازدياد متطلبات الحياة العصرية المدنية المنفتحة على منتجات السوق العالمية أزياءً وسلعاً وبضائع وأفلاماً وتقنيات عصرية .
فالكمالي اليوم قد تقلّص ، أو هكذا راحت أجهزة الدعاية والإعلان تصور ذلك . فكلّ شيء ضروريّ ، حتى غير الضروريّ ، فهم ـ كما مرّ معنا ـ يخلقون حاجات موهومة ، أو مفبركة تجعلك تشعر بضرورة تلبيتها ، وإلاّ كنت ناقصاً ، أو متخلّفاً عن الركب المتحضّر ، الأمر الذي دفع ـ للأسف الشديد ـ بعض الشبان المضغوطين بتلك الحاجات إلى اقتراف ، أو اتباع أساليب جنائية محرّمة للوصول إلى تلك الحاجات ، إمّا لتقليد الحائزين عليها ، أو مسايرة لوضع اجتماعي ومعيشي في قيمه واعتباراته المادية الدخيلة ، بحيث تعتبر السرقة شطارة والتحايل فتوة ودهاء أو لعدم المقدرة للحصول عليها بالطريق المشروع .
أمّا في مدرسة الاسلام ، فالشاب الذي يعثر على لقطة ـ محفظة نقود أو غيرها ـ يبادر إلى الإعلان عنها وارجاعها إلى أصحابها ما تيسّر له ذلك ، وإلاّ تبرّع أو تصدّق بها عن صاحبها ، وبالتالي فكأنّ صاحبها لم يفقدها .
في حين أنّ الشاب الذي لا يحمل مثل هذه الخلفيّة الثقافية الشرعية قد يتنازعه شعوران ضاغطان ، شعور تسليمها إلى صاحبها ، أو السؤال عنه ، وشعور الاستحواذ عليها .
فإذا رجح الأوّل ، وهو كما قلنا لا يرجح إلاّ من خلال تربية سلوكية معيّنة ، فإنّ الضغط يكون قد ارتفع ، أمّا إذا ألحّ الشعور الآخر ، شعور الاستحواذ وأعانه على ذلك رفاق السوء الذين قد يسخرون من تسليمه اللُّقَطة ، أو التعريف بها ، لأ نّه ـ كما يحاولون تصوير ذلك ـ سيضيِّع فرصة ثمينة ، فإن ذلك سيشكل ضغطاً عليه في استبقائها والتصرّف بها على أنّها ملكه الخاصّ .
ويصل ضغط الحاجة أحياناً إلى درجة الإذلال المهين ، فيمدّ الشاب يده للاستعطاء والاستجداء وربّما السرقة ، وهو قادر على أن يحصل على قوت يومه لو طلبه من حلال .
وقد يذلّ نفسه مقابل أشياء حقيرة كلفّافة تبغ ، ومن هنا نفهم البعد البعيد للحديث الشريف : «لا ينبغي أن تكون للمؤمن حاجة تذلّه» لأ نّها تكون الضاغط الذي يلحّ عليه بالتلبية ، فينساق إلى تلبيته بأيّ ثمن حتى لو كان كرامته !
----------------------------------------
* البلاغ
(1) من الطبيعي إنّنا نتحدّث في الإطار العام ، وربّما كانت لكلّ حالة خصوصيتها ، فلا بدّ من دراستها ميدانياً ومعالجتها بالشكل الذي قد يقارب وجهات النظر بين الطرفين .
(2) يوسف / 23 .
(3) يوسف / 34 .
ــــــــــــــــــــ(42/219)
نحن والحياة
نظرة في ما حولنا
منذ أن فتحتُ عيني على ما حولي من موجودات الحياة ، ومنذ بدأتُ أفهم وأدرك حركة الموجودات من حولي ، بدأتُ اُكوِّن أفكاراً ومفاهيم عن كلّ شيء ألتقي به ..
العالم الواسع الرّحيب : سماء ونجوم ، وشمس وقمر ، وماء وهواء ، وظلمة ونور، وأرض ونبات ، وبحار وأمطار، شجر وحيوانات مختلف أشكالها وألوانها ، اُناس يعيشون في مجتمع ، ينطقون ويتفاهمون ، يتبادلون السِّلع والخدمات ..
هذه الصّور المتفرِّقة .. المليئة بالجمال والنظام ، جعلتني اُفكِّر كثيراً .. بل جعلتني أسأل نفسي : لماذا لا اُطيل النظر فيها ولا اُفكِّر في عظمة وجمال هذا الوجود الرائع الجميل من حولي .. بل لماذا أنظر إلى هذه الأشياء نظرة منفردة .. أ لَيست هي صورة متكاملة يكمل بعضها بعضاً .. أ لَيست هي حقائق تعلِّمني أشياء كثيرة .. وبعبارة اُخرى ، لماذا أنظر لكلِّ شيء منفصلاً عن غيره ؟
حقّاً أنّ في كلِّ شيء ألتقي به ما يثير الإعجاب والتفكير .. ضياء الشمس .. نزول المطر .. نشأة النبات ونموّه .. ألوان الورد وعطورها المختلفة .. زرقة السماء .. حُمرة طلوع الشمس ..
لماذا كل هذه الموجودات وهذا التنوّع .. وكم هي جميلة رائعة الجمال ؟
كم ستكون الصورة مفاجئة وعظيمة ، لو كنتُ أفهمها في اللّحظة التي ولدتُ فيها وألتقي بها لأوّل مرّة ؟
لقد جئتُ من عالم آخر.. من عالَم الرّحم.. من عالم الظّلمة المحجوب عن هذا العالم ..
إنّني أشعر الآن بضرورة تفهّم ذلك العالم .. عالم الرّحم الذي لم أكن لأفكِّر به ، أو لأفهم شيئاً عنه .. لقد عشتُ فيه مجرّداً من الوعي والإرادة والإعتماد على النّفس .. لقد كنتُ جنيناً يعتاش على دم اُمِّه ..ترعاه رعاية الرّبّ;وتلك مرحلة اُخرى كانت مغيّبة عنِّي لا أعرف شيئاً عنها،سوى أنِّي أدرك الآن فضل تلك الرعاية الإلهيّة،وجهد الاُم التي حملتني في بطنها تسعة أشهر،وغذّتني من دمها،وبذلت الجهد المضني من أجل أن أجتاز تلك المرحلة بسلام ..
لقد كنتُ في ذلك العالم المجهول الذي لم يكن لي أيَّ دخل فيه .. فلم يكن لي أي دخل في الإيجاد ولا اختيار شكلي وصورتي ، ولا توفير الغذاء أو وصول الهواء أو الحماية من الأخطار .. لقد كنتُ جنيناً ، كالبيضة في جهاز التفقيس ، وكالبذرة في تراب الأرض .. اُنشّأ بعناية إلهيّة ، واُمِّي تحملني مسرورة بما يلحقها من أذى ومتاعب ، تحوطني بالحبّ والانتظار ، وتعدّ الأيّام لتلتقي بي ..
لقد كنتُ أعيش في ذلك العالم المظلم المجهول لديّ بين حُبّين : حُبِّ اُمِّي ، وحبّ الله ..
بدأتُ الحياة في أحضان الحبّ والرّحمة .. وإنِّي لأشعر الآن بعظمة ذلك الحبّ ، وفضل تلك الرّحمة والعناية.. وأشعر أنِّي لمدين لمن أحاطني بحبِّه وعنايته ، وزوّدني بدم قلبه طيلة إقامتي في عمق أحشائه ، دون أن أكن شاعراً بوجودي ، أو مدبِّراً لأي شأن من شؤون حياتي ..
إنّه الاحسان الكبير ، وإنّه لحقّ عليَّ أن أقول : (هل جزاءُ الإحسان إلّا الإحسان ) .. بل من الحقّ أن أقول : أنّ التنكّر لذلك الإحسان إساءة وانحراف وجدانيّ يستحقّ فاعله العقاب .
إنّه من الحق أن أكون شاكراً .. وأن أحمل الحبّ لمن أحاطني بالحبّ والإحسان ..
________
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/220)
وصايا للشباب قبل عقد الزواج
إذا هممت بأمر ما فعليك بالاستشارة ، فيا من تريد الزواج ، عليك استشارة من تثق بعلمه وأمانته في كل ما تحتاجه في هذا المشروع الطيب ، ولك في رسولك قدوة حسنة ، فالله يقول له : (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)(آل عمران/159) .
ومما قيل : " الاعتصام بالمشورة نجاة " ، وقيل : " إذا استشرت الناس شاركتهم في عقولهم " .
فالمشورة ليست عيبًا ولا ضعفًا ، بل تفتح لك أبوابًا لم تكن تدري كيف ؟؟؟ ، وهي من شيم العقلاء ، ومن جانبها فقد استبد برأيه ، وقد قيل : إذا أراد الله لعبدٍ هلاكًا أهلكه برأيه .
والاستشارة والاستخارة ينبغي أن تجعلهما نصب عينيك دائمًا حتى تكون خطاك مسددة بإذن الله تعالى وهما مما هجره أكثر الناس ، يقول ابن تيمية - رحمه الله - : " ما ندم من استشار وما خاب من استخار " ، ويقول أحدهم : " ما خاب من استخار الخالق وشاور المخلوقين " .
الدعاء :
لا تغفل جانب الدعاء فهو خير ما يوصي به مع الاستخارة والاستشارة ، والإلحاح فيه من أعظم العبادات ، لذلك ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ((الدعاء هو العبادة)) .
فارفع يديك إلى من يستحي أن يرد يدي عبده صفرًا إذا سأله ، وهو الذي يقول : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(غافر/60) .
وتحيَّن مواطن الإجابة وهي كثيرة أهمها :
- جوف الليل الآخر ووقت السحر .
- دبر الصلوات المفروضة .
- بين الأذان والإقامة .
- عند نزول المطر .
- آخر ساعة من عصر يوم الجمعة قبل الغروب .
- في السجود في الصلاة .
- بعد التشهد الأخير في الصلاة .
- شهر رمضان والليالي التي ترجى فيها ليلة القدر .
اختيار الزوجة :
الحياة الزوجية ليست ميدان تجارب ولا حقل تذوق ، ولا يلام الرجل إذا أخذ يبحث عن شريكة حياته ، وإذا قلبت بصرك وجدت أن من أعظم مشكلات الزواج وصعوباته وانحلاله ناجم عن التسرع في اختيار الزوجة دون بحث وتدقيق ، فبعضهم يختار زوجته بمجرد نظرة جمال ساحرة ، أو طمعًا في مالها ، أو غير ذلك ، والعلاقة التي يكون المقصد منها ذلك توشك أن تزول وتنتهي .
الصفات الحسنة في المرأة :
أول ما يتبادر إلى الذهن عند طرق هذا الموضوع هو حديثه - صلى الله عليه وسلم - : ((تنكح المرأة لأربع ، لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك)) .
وقد سئل - صلى الله عليه وسلم - : أي النساء خير ، قال : ((التي تسره إذا نظر ، وتطيعه إذا أمر ، ولا تخالفه في نفسها ولا ماله بما يكره)) .
وقد ورد في الحديث : أربع من السعادة : المرأة الصالحة ، والمسكن الواسع ، والجار الصالح ، والمركب الهنيء .
يقول الغزالي - رحمه الله : " وليس أمره - صلى الله عليه وسلم - بمراعاة الدين نهيًا عن مراعاة الجمال ، ولا أمرًا بالإضراب عنه ، وإنما هو نهي عن مراعاته مجردًا عن الدين ، فإن الجمال في غالب الأمر يرغب الجاهل في النكاح دون الالتفات إلى الدين ، فوقع في النهي عن هذا " .
لكن الجمال ليس في العيون الزرقاء ولا الخضراء ولا السوداء ، ولا العسلية ، ولا الكبيرة أو الصغيرة ، ولا ذات الرموش الطويلة أو القصيرة ، إنما الجمال في العيون التي إذا ما نظرت إليك وأنت غاضب لم تعد غاضبًا .
عرضت على المأمون جارية بارعة الجمال ، فائقة الكمال ، غير أنها كانت تعرج برجلها ، فقال لمولاها : خذ بيدها وارجع ، فلولا عرج بها لاشتريتها ، فقالت الجارية : يا أمير المؤمنين إنه في وقت حاجتك لن تنظر إلى العرج ، فأعجبه سرعة جوابها وأمر بشرائها .
ومن الصفات المرغوبة : أن تكون الزوجة ولودًا - أي ليست عقيمًا - فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)) .
وتعرف المرأة الولود من قرائن الحال في أسرتها وقريباتها ، وهذا شيء ظني ، ولكن لابد أن يضع الزوج ذلك في باله .
أما الزواج من العقيم فهو نزوة عابرة أو مصلحة مؤقتة وسرور بزواج من غير تبعات ، فعن معقل بن يسار قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني اصبت امرأة ذات حسب وجمال ، وإنها لا تلد أفاتزوجها ؟ قال : ((لا )) ثم أتاه الثانية فنهاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم أتاه الثالثة ، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((تزوجوا الودود الولود)) .
ومن الصفات الحسنة : أن تكون الزوجة بكرًا ، فقد حث الإسلام على البكر ، وهي التي لم توطئ بعد ؛ لأن البكر تحب الزوج وتألفه أكثر من الثيب ، وهذه طبيعة جُبِل الإنسان عليها - أعني الأنس بأول مألوف - .
وفي الحديث عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ((عليكم بالأبكار ، فإنهنَّ أنتق أرحامًا ، وأعذب أفواهًا ، وأقل خبًا ، وأرضى باليسير)) .
وتزوج جابر - رضي الله عنه - ثيبًا ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((هلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك)) .
وقد مدح الله الأبكار وجعل هذه الصفة من صفات نساء الجنة قال تعالى : (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً)(الواقعة/35 ، 36) .
يقول الغزالي - رحمه الله - : في البكر خواص لا توجد في الثيب ، منها : أنها لا تحن أبدًا إلا للزوج الأول ، وأكد الحب ما يقع في الحبيب الأول .
ومنها إقبال الرجل عليها ، وعدم نفوره منها ، فإن طبع الإنسان النفور عن التي مسها غيره ويثقل عليه ذلك .
ومنها : أنها ترضى في الغالب بجميع أحوال الزوج ؛ لأنها أنست به ولم تر غيره ، وأما التي اختبرت الرجال ومارست معهم الأحوال فربما لا ترضى بعض الأوصاف التي تخالف ما ألفته .
ولا يعني كل ما سبق أن الثيب مذمومة - إطلاقًا - وليس حسنًا أن نبالغ في ذمها إلى درجة التنفير منها ، فكم من ثيب خير من بكر ، وخير مثال زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين ، كلهنَّ ثيبات ما عدا عائشة - رضي الله عنهنَّ جميعًا - والله تعالى يقول : (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً)(التحريم/5) فقد قدم الثيب في هذه الآية على البكر .
وقد قيل في مدح الثيب : " أما الثيب فالمطبة المذللة ، واللهنة المعجلة ، والنغية المسهلة ، والصناعة المدبرة ، والفطنة المختبرة ، ثم إنها عجالة ، الراكب ، وأنشوطة الخطاب ، ونهزة المبارزة ، عريكتها لينة ، وعقلتها هينة ، ودخلتها متبينة ، وخدمتها مزينة " .
وقد بارك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجابر - رضي الله عنه - لزواجه من الثيب بعد أن علم - صلى الله عليه وسلم - أنه تم الزواج لتقوم الزوجة برعاية أخوات جابر - رضي الله عنه - التسع .
ومن الصفات الحسنة في الزوجة الصغيرة ، ألا تكون صغيرة صغرًا مفرطًا ، ولعل ما يخطر بالبال أن يقول الزوج : لماذا لا أتزوج الصغيرة ؟ فيقال : المقصود عدم الزواج بالصغيرة صغرًا يظهر فيه الفرق الشاسع في العمر كمن يكون عمره فوق الخمسين ، فيتزوج بنتًا دون الخامسة عشرة مثلاً لما قد يؤدي إليه من محاذير ومساوئ كثيرة خاصة في هذا الزمان الذي ضعف فيه الوازع الديني عند الكثيرين .
قال ابن الجوزي - رحمه الله - : " وأبله البله الشيخ الذي يطلب صبية ، ولعمر الحق إن كمال المتعة ، إنما يكون بالصبا ، ومتى لم تكن الصبية بالغة ، لم يكمل بها الاستمتاع ! فإذا بلغت أرادت كثرة الجماع ، والشيخ لا يقدر ! فإن حمل على نفسه ، لم يبلغ مرادها وهلك سريعًا " .
فإن قيل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - وعمرها ست سنوات وبنى بها وعمرها تسع سنوات ، وكان عمره ثلاثة وخمسين ؟ فنقول : إن هذه الحال تخرج عن القاعدة لأسباب منها :
أولاً : أن شخصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يمكن مقارنتها بأي شخصية أخرى ، ولذلك كانت عائشة سعيدة بهذا الزواج ، وقد خيرت قبل ذلك فاختارت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ثانيًا : أن غاية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الزواج هي زيادة الروابط بينه وبين أبي بكر - رضي الله عنه - .
ثالثًا : قوة دين عائشة وعفتها ، فلا يمكن تصور وقوع محظور من هذا الزواج .
وسئل أعرابي عن النساء ، فقال : " أفضل النساء أطولهنَّ إذا قامت ، وأعظمهنَّ إذا قعدت ، وأصدقهنَّ إذا قالت ، التي إذا غضبت حلمت ، وإذا ضحكت تبسمت ، وإذا صنعت شيئًا جودت ، التي تطيع زوجها وتلزم بيتها ، العزيزة في قومها ، الذليلة في نفسها ، الودود الولود ، التي كل أمرها محمود " .
ويروى أن العجفاء بنت علقمة السعدي وثلاث نسوة من قومها خرجن ، فتواعدن بروضة يتحدثن فيها ، فوافين بها ليلاً في قمر زاهر وليلة طلقة ساكنة ، وروضة معشبة خصبة ، فلما جلس قلن : ما رأينا كالليلة ليلة ، ولا كهذه الروضة روضة ، أطيب ريحًا ولا أنضر ، ثم أفضن في الحديث فقلن : أي النساء أفضل ؟ قالت إحداهنَّ : الخرود الودود الولود ، وقالت الأخرى : خيرهنَّ ذات الغناء ، وطيب الثناء ، وشدة الحياء ، وقالت الثالثة : خيرهنَّ السموع الجموع النقوع غير المنوع ، وقالت الرابعة : خيرهنَّ الجامعة .
ومن الصفات الحسنة في الزوجة ما ذكرته عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - عندما سئلت أي النساء أفضل ؟ فقالت : " التي لا تعرف عيب المقال ، ولا تهتدي لمكر الرجال ، فارغة القلب إلا من الزينة لبعلها ، ولإبقاء الصيانة على أهلها " .
" مجلة " الأسرة " العدد : " 103
ــــــــــــــــــــ(42/221)
شباب: الكمبيوتر صديقنا .. المدمر!!
- يزيد فرص العمل ويرفع الكفاءة المهنية.. ويقطع العلاقات الإنسانية ويسبب الإدمان
- الشباب يفضلونه على الأصدقاء، والحكومات تشجعه، والخبراء يطالبون بالحذر منه
- مدمن الكمبيوتر قاطع للرحم .. متوتر عصبيًّا.. مترهل بدنيا.. ضعيف البصر
ــــــــ
إذا سألت شابا هذه الأيام عن أعز أصدقائه فلا تتعجب إن كانت الإجابة هي "الكمبيوتر".. وإذا سألت طبيبا نفسيًا عن أشد المؤثرات السلبية على نفسية الشباب، وعلى مهاراتهم الاجتماعية فلا تندهش إن قال لك: "الكمبيوتر"، وإذا سألت وزيرا أو مسؤولا أو متخصصا في المعلوماتية عن المستقبل وفرص الشباب للحصول على وظيفة وتحقيق تطلعاتهم العملية، فلا تستغرب إن ربط كل ذلك أيضا بمهارات "الكمبيوتر".
هذه هي طبيعة الحصار الذي أصبح الكمبيوتر يفرضه حول شباب الجيل الجديد، فهو صديق لا يكتفي بالرفقة العملية، ولا يقبل بأدنى من الإدمان الكامل والانصراف عما سواه.. هو مفيد وعملي وواعد بتوفير أفضل الفرص المهنية، ولكنه أيضا "خطير" و "ضارّ" اجتماعيا ونفسيا، وربما بدنيا.
في السطور القادمة نرصد هذه العلاقة التي ربطت بين الشباب والكمبيوتر.
صديقي الوحيد
يقول محمد خيري بكر -طالب بكلية التجارة-: تقريبا.. الكمبيوتر هو صديقي الوحيد، علاقتي به بدأت قبل 3 أعوام قبل أن يوافق أبي على شرائه لي، ففي الإجازة الصيفية بدأت الحصول على دورة في الحاسب الآلي داخل الكلية التي أدرس بها، فأعجبت بهذا الكائن صاحب الآفاق اللا محدودة وأصبحت أكثر ميلا إلى القراءة عنه، ومعرفة كل أسراره، ثم بدأت أتردد على مقهى الإنترنت الملحق بالكلية فازداد انبهاري به، وأصبح مطلبي الملحّ من والدي هو شراء جهاز كمبيوتر خاص بي في المنزل.
يقول: وجاءت الفرصة عندما أعلنت الجامعة عن منحة خاصة للطلاب لشراء جهاز كمبيوتر منزلي مدعوم حكوميا، فاشتريت واحدا، ومن وقتها بدأت علاقاتي بمن حولي -في المنزل وخارجه- تقل تدريجيا، لدرجة أنني أصبحت تقريبا لا أجلس معهم ولا أتناول معهم الطعام في مواعيده بل يأتيني طعامي وأنا أجلس إليه.. ورغم أنني لا أستطيع الدخول إلى الإنترنت كثيرا وأنا في المنزل، لأن أبي وأمي يتشاجرون معي لأنهم يحتاجون الهاتف إلا أنني مع ذلك أجد في برامج الكمبيوتر عالما ساحرا لا يمكن الملل منه، فأنا أحصل دائما على أحدث البرامج وأقوم بتحميلها على الجهاز والتدرب عليها حتى أصبحت على معرفة عالية بعدد كبير من هذه البرامج، وإن كان هذا على حساب علاقاتي بالأسرة.
أمرض لمرضه!!
شاب آخر هو حسين الشهابي -بكالوريوس تجارة- يحكي عن حالة التوحد التي بينه وبين الكمبيوتر، يقول: هل تصدق أنني لا أستطيع النوم عندما يكون الكمبيوتر "مريضًا"!.. عندما يكون هناك عطل في الكمبيوتر -سواء في السوفت وير أو الهارد وير- فإنني أبيت الليل كله أحاول إصلاحه، وفي مرات يؤدي ذلك إلى ذهابي إلى عملي، وأنا غير قادر على فتح عيوني.. بالطبع المسألة ليست مجرد "تعاطف" مع هذه الآلة، ولكني أشعر أنه تحدٍ لقدرتي على إصلاحه، وخاصة أن الأعطال في الكمبيوتر ليست مثل ما يحدث في غيره من الأجهزة الكهربية، فأحيانا يتعطل دون معرفة السبب وأحار أياما لأكتشف بعد ذلك السبب لأجد أنه في غاية البساطة وأشعر أنني أصبحت أكثر تفوقا من أقراني.
أسأله: ولكن هل أفادك الكمبيوتر في مجال عملك؟ يقول: حتى الآن استخدام الكمبيوتر في مجال عملي -بإحدى شركات القطاع الخاص- محدود جدا، ولكن الجميع يصفني بأنني "عبقري الكمبيوتر" ولهذا السبب أتوقع أن تفيدني هذه المعرفة في يوم من الأيام.
العلاقات الاجتماعية
وتقول ماجي التركي -طالبة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالقاهرة-: قبل شراء الكمبيوتر كانت شكوى أبي وأمي مني هي أنني اجتماعية وأسرف في استخدام التليفون لدرجة أن أقاربنا يحارون في الاتصال بنا، ويضطرون إلى استخدام الهاتف النقال للحديث إلينا، وبعد شراء الكمبيوتر ما زالوا يشكون من إفراطي في استخدام الهاتف، ولكنني لم أصبح اجتماعية بصورة تزعجهم، ولكني أصبحت منعزلة بدرجة يشكون منها.
وتضيف ماجي: لست منعزلة كما يتصورون، فقد أقمت علاقات وصداقات عديدة عبر الإنترنت ومواقع الدردشة، وكثير من صديقاتي القدامى يمتلكن أيضا أجهزة كمبيوتر ونتحدث طوال الوقت عبر الإنترنت ويشاركنا الحديث آخرون.. حقيقة لم نعد نلتقي كثيرا أو نتحدث في شؤون خاصة، ولكنني ما زلت قادرة على إقامة علاقات بالناس، فلماذا القلق؟
فرصة للتقدم المهني
ولكن وائل إبراهيم -مهندس كمبيوتر شاب- يرى أن معظم استخدامات الشباب للكمبيوتر تركز على جوانبه السلبية، فهم يضيعون فيه وقتهم، ولكنهم لا يتعلمون ما يمكن أن يكون مفيدا لهم، بعضهم لا يستخدمه إلا في تصفح الإنترنت سواء في المواقع الإباحية أو للدردشة في مواضيع تافهة، وفريق ثاني يستخدمونه في الاستماع إلى الأغاني أو مشاهدة أفلام الفيديو "المسروقة"، وآخرون لا يعرفون عن الكمبيوتر إلا أنه أداة لتشغيل الألعاب الإلكترونية.
ويقول وائل: أنا أعشق الكمبيوتر بشدة، ولكني لا أسمح له أن يستغرقني، ففي وقت العمل أجلس إليه بانتباه شديد، وحرص على استكشاف الجديد، ولكني لست مدمنا للإنترنت دون فائدة، ولا أهوى "الشات"، ولكني أمارسه في حدود احتياجي العملي، وأفضل دائما لقاء أصدقائي، وأتمنى لو فهم الشباب أن الكمبيوتر هو وسيلة للاحتكاك المفيد بالعالم، ولتسهيل الأعمال، وأن يكون الإقبال عليه بهذا الهدف.
الدولة تدرب
وينسجم ما يقوله المهندس وائل مع الاتجاه العام للدولة في مصر التي أطلقت في أواخر عام-2001- أكثر من مشروع لنشر ثقافة ومهارات الكمبيوتر بين الطلاب المصريين وبين شباب الخريجين، باعتبار أن هذه المهارات تسهم في تنمية سوق العمل المصري وتطوير أدواته.
وإذا كان نظام التعليم ما بعد المدرسي في مصر لم يتأهل بعد لإعداد الخريجين في شكل لائق علي تكنولوجيا المعلومات، فإن وزارة الاتصالات والمعلومات -بالتعاون مع القطاع الخاص- يحاولان سد الفجوات التي تعجز عنها وزارتا التعليم والتعليم العالي.
إحدى تلك المحاولات لنشر ثقافة الكمبيوتر بين الشباب تتمثل في ICDL أي ما يمكن تسميته بالرخصة الدولية لقيادة الكومبيوتر، وهي شهادة تمنح بموجب الخضوع لبرنامج تدريبي للشباب الخريجين علي تكنولوجيا المعلومات، وبعدها يتأهل الخريج لدخول اختبارات الحصول علي شهادة ICDL.
وزارة الاتصالات والمعلومات المصرية وقعت في هذا الصدد بروتوكولاً للتعاون مع 21 جامعة مصرية، إضافة الي الاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا وأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، ومدينة مبارك للابحاث العلمية، ومعهد أبحاث الالكترونيات والمعهد القومي للاتصالات.
وبدأ البرنامج التدريبي قبل أكثر من عام، وفي إطاره تم تخريج 40 ألف شاب وشابة، وتم تعديل محتواه العلمي وتطويره لإعداد المتفوقين من الخريجين للحصول علي شهادة ICDL.
وعلي سبيل تشجيع الشباب، تتحمل وزارة الاتصالات والمعلومات كلفة البرنامج، وتقدمه للخريجين بالمجان بل إن كل متدرب يحصل علي مكافأة شهرية قدرها 150 جنيهاً لحملة المؤهلات العليا ومئة جنيه لحملة المؤهلات المتوسطة.
ويقول الدكتور أحمد نظيف إن الأولوية في التدريب بهذا البرنامج لشباب الخريجين الذين لم يعثروا علي فرص عمل بعد حيث ندربهم حتى يتمكنوا من الحصول على شهادة ICDL الصادرة عن اليونيسكو والمعترف بها عالمياً، وهي شهادة تجيز لحاملها العمل في مجال تطبيقات الحاسبات في العالم، وللحصول عليها ينبغي اجتياز سبعة اختبارات في أساسيات الحاسبات وتكنولوجيا المعلومات.
دور الشركات الخاصة
وبالمثل فقد افتتحت في القاهرة أكاديمية "راية" بالتعاون بين شركة مايكروسوفت العالمية وشركة راية القابضة العاملة في مجال الاستثمار، وتهدف هذه الأكاديمية الي سد الفجوة في الكفايات البشرية في سوق المعلومات.
ويقول العضو المنتدب رئيس مجلس إدارة شركة راية القابضة مدحت خليل إن الشركة استثمرت نحو خمسة ملايين دولار أميركي لتأسيس الاكاديمية وتزويدها بمعامل الكومبيوتر الحديثة. ويتوقع أن تصل قيمة الاستثمارات إلى 15 مليون دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ويشير المدير العام لشركة مايكروسوفت-مصر المهندس علي فرماوي الي أن التعاون مع راية هدفه دعم دور مايكروسوفت في تدريب وتأهيل الكوادر الاختصاصية في هذا المجال.
وتم الاتفاق بينهما علي إعداد الكوادر البشرية الشابة علي أحدث التقنيات المتاحة في مجال تكنولوجيا المعلومات والإدارة، من خلال التعليم والتدريب الفني في مجالات عدة، مثل تطوير البرمجيات والتجارة الالكترونية والاعمال الذكية، والـdata warchousing وإدارة المشاريع، وما يستجد من تطبيقات تكنولوجية جديدة.
خلل اجتماعي
ولننتقل الآن إلى الموقف الطبي وموقف علماء الاجتماع من تلك العلاقة التي تتوطد يوما بعد يوم من الكمبيوتر.
عن ذلك يقول الدكتور أحمد المجدوب أستاذ الاجتماع والرئيس السابق للمعهد القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: الكمبيوتر مثل غيره من الأجهزة ينبغي استخدامه في المجالات المفيدة دون إفراط، وإذا استخدمناه بالصورة السليمة، فهو أداة تواصل تدعم العلاقات الاجتماعية، ولكن إذا أفرطنا في استخدامه فإنه يتحول إلى إدمان يحتاج إلى علاج، ويتحول -على العكس مما هو مفروض- إلى وسيلة لقطع العلاقات بين الناس.
ويقول د. المجدوب: الكمبيوتر مثلا يسمح لنا بالتواصل مع أصدقاء وأقارب غائبين أو مسافرين بعيدا عنا بشكل رخيص وسهل، فيمكن أن نحدث أصدقاءنا وأقاربنا في أمريكا واستراليا واليابان دون تكاليف زائدة، ويمكننا مراسلتهم دائما لتصل رسائلنا إليهم في دقائق، وهنا فنحن نتحرك في إطار تواصل اجتماعي محمود وصلة رحم أمر بها الله سبحانه وتعالى، وبالمثل فإذا استخدمناه في تسهيل أعمالنا وإرسال رسائلنا فإنه يعد تطورا كبيرا في تسهيل التواصل بين الناس، وكذلك إذا استخدمنا الإنترنت في الحصول على معلومات جديدة نحتاج إليها لزيادة معارفنا فإنه يكون وسيلة ثقافية ممتازة.
ولكن الأمر ينقلب إلى ضده إذا كان الكمبيوتر يأخذنا ممن حولنا ويقطع صلتنا بهم، وهو أمر أثبتته الدراسات الاجتماعية الأجنبية، حيث كشفت أن الكمبيوتر دفع إلى مزيد من العزلة الاجتماعية، وأفقد الجيل الجديد الكثير من مهارات الاتصال بالناس والتكيف معهم، بل وزاد التفكك في الروابط الأسرية سواء بين الأبناء وأبنائهم أو بين الزوج وزوجته لدرجة أن كثيرا من الأزواج يشكون هذا الجهاز الذي أصبح "عزولا" بينهم، وتسبب في حدوث كثير من المشاكل الاجتماعية، وقد سمعت أن أحد الشباب في أوربا قرر اعتزال الناس في منطقة نائية ليس فيها إلا هو والكمبيوتر.. وهنا لا يمكننا القول إلا أن الكمبيوتر أصبح إدمانا خطيرا يمكن أن تعرقل مسيرة الحياة والعلاقات الطبيعية بين البشر التي تضيف للإنسان خبرات، وتدعم ثقته بذاته وإحساسه بأهميته، وتدفع إلى التراحم.
أمراض
أما طبيا فيقول الدكتور إيهاب نوح أخصائي الأمراض العصبية والنفسية بالقاهرة، إن الكمبيوتر يؤثر على الجهاز العصبي للإنسان، وله دور كبير في تزايد حالات الاكتئاب والقلق في السنوات الأخيرة، وإذا تركنا ذلك فإن له تأثيرا قويا على بصر الإنسان وكفاءة عينيه بسبب الساعات الطويلة التي يجلسها ناظرا إلى الشاشة، وهو أيضا السبب في تراجع الكفاءة البدنية عموما لأنه يدفع الإنسان إلى المزيد من الجلوس، والبعد عن الأنشطة البدنية والرياضية التي تحافظ على كفاءة الجسد في القيام بوظائفه.
-----------
* الشبكة الإسلامي
ــــــــــــــــــــ(42/222)
الدهر يومان : يوم لك و يوم عليك
الإنسان في حياته خاضع لتقلب الزمن و أحداث الأيام ، صحيح أن المرء يستطيع أن يكيف حياته بالشكل الذي يريده و يرضاه ، و لكن في الحياة أحوالاً لا تخضع لإرادة الإنسان فهي تارة حلوة عذبة المذاق و تارة أخرى فيها مرارة العلقم و هو في أكثر الأحيان مرغم على تقبل ما يأتيه به الدهر شاء أم أبى .
و الواقع أن حوادث الزمن و خطوبه هي مقاييس رجولة المرء و قدرته على تحمل المشاكل ، فالمصائب محك الرجال تكسب المرء الصلابة و الحنكة و تزوده بالتجربة النافعة ، فإذا استطاع المرء أن يصمد أمام الخطوب و المشاكل في الحياة و أن يتغلب عليها تمكن من فرض إرادته على الأيام و إخضاعها لمشيئته و جعلها تنقاد له و تنفذ رغباته و مراميه ، و الحياة في حقيقتها و واقعها سلسلة كفاح و جهاد في سبيل العيش و السعادة و التقدم في مجالات الحياة
و ما دامت الحياة هكذا ، فالعاقل يحتال للمستقبل و يتخذ لكل يوم عدته ، عليه أن يستقبل صدمات الدهر بصبر و ثبات و عزم متين لا ينهار أمام النكبات مهما بلغت ، و همة لا تنحني أمام النوائب مهما عظمت ، فالإنسان الذي يستسلم يائساً إذا داهمته النوازل لا يبقى لحياته معنى
و ليعلم المرء أن كل شديدة تحل به لا بد أن تنكشف و تزول ، قال تعالى : (( إن مع العسر يسراً )) و قال أبو تمام :
و ما من شدة إلا سيأتي لها من بعد شدتها رخاء
كما قال المنفلوطي : السرور نهار الحياة و الحزن ليلها ، و لا بد للنهار الباسم من أن يعقبه الليل القاتم ، و ما دام الأمر كما ذكرنا فلم العبوس ساعة النوازل و النكبات إذن حقيقة الحياة لا تتعدى ما أوردناه سعادة و شقاء و شدة و رخاء صعود و نزول ، شروق و أفول
و ليحذر المرء من أن يغتر بالدهر و يطمئن إليه ، ففي ذلك هلاكه و دماره ، فالدهر لا يؤمن جانبه و لا يركن إليه ، و خير الناس من عمل في يوم نعيمه ما يساعده على العيش الكريم في يوم بؤسه ، لأن الدهر يومان : يوم لك و يوم علي
ــــــــــــــــــــ(42/223)
أهمية القدوة الحسنة في تبليغ الدعوة
إن من الوسائل المهمة جدًا في تبليغ الدعوة، وجذب الناس إلى الإسلام، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ القدوة الطيبة للداعي، وأفعاله الحميدة، وأخلاقه الزاكية مما يجعله أسوة حسنة لغيره؛ فيقبلون عليه، لأن التأثر بالأفعال والسلوك أبلغ وأكثر من التأثر بالكلام وحده.
فالقدوة الحسنة التي يحققها الداعي بسيرته الطيبة هي في الحقيقة دعوة عملية للإسلام، يستدل بها سليم الفطرة راجح العقل من غير المسلمين على أن الإسلام حق من عند الله . وتكمن أهمية القدوة الحسنة في الأمور الآتية :
المثال الحي المرتقي في درجات الكمال: يثير في نفس البصير العاقل قدرًا كبيرًا من الإعجاب والتقدير والمحبة، فإن كان عنده ميل إلى الخير، تطلع إلى مراتب الكمال، وأخذ يحاول تقليد ما استحسنه وأعجب به، بما تولد لديه من حوافز قوية تحفزه لأن يعمل مثله، حتى يحتل درجة الكمال التي رآها في المقتدى به.
القدوة الحسنة المتحلية بالفضائل العالية : تعطي الآخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل من الأمور الممكنة، التي هي في متناول القدرات الإنسانية، وشاهد الحال أقوى من شاهد المقال.
مستويات فهم الكلام عند الناس تتفاوت: ولكن الجميع يتساوى أمام الرؤية بالعين المجردة لمثال حي. فإن ذلك أيسر في إيصال المعاني التي يريد الداعية إيصالها للمقتدى، فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: اتَّخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ - فَنَبَذَهُ وَقَالَ:- إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا] فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك وأحمد. قال العلماء :'فدل ذلك على أن الفعل أبلغ من القول'.
الأتباع ينظرون إلى الداعية نظرة دقيقة فاصحة : دون أن يعلم، فرب عمل يقوم به لا يلقي له بالاً يكون في حسابهم من الكبائر، وذلك أنهم يعدونه قدوة لهم، ولكي ندرك خطورة ذلك الأمر؛ فلنتأمل هذه القصة:
يروي أن أبا جعفر الأنباري صاحب الإمام أحمد عندما أخبر بحمل الإمام أحمد للمأمون في الأيام الأولى للفتنة؛ عبر الفرات إليه فإذا هو جالس في الخان، فسلم عليه، قال: يا هذا أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبن بإجابتك خلق من خلق الله، وإن أنت لم تجب ليمتنعن خلق من الناس كثير، ومع هذا فإن الرجل ـ يعني المأمون ـ إن لم يقتلك فأنت تموت، ولابد من الموت فاتق الله ولا تجبهم إلى شيء. فجعل أحمد يبكي ويقول : ما قلت ؟ فأعاد عليه فجعل يقول : ما شاء الله، ما شاء الله .
وتمر الأيام عصيبة على الإمام أحمد، ويمتحن فيها أشد الامتحان ولم ينس نصيحة الأنباري، فها هو المروزي أحد أصحابه يدخل عليه أيام المحنة ويقول له: 'يا أستاذ قال الله تعالى:} وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ...[29]{[سورة النساء: 29]. فقال أحمد : يا مروزي اخرج، انظر أيّ شيء ترى !! قال: فخرجت على رحبة دار الخليفة فرأيت خلقًا من الناس لا يحصى عددهم إلا الله والصحف في أيديهم والأقلام والمحابر في أذرعتهم، فقال لهم المروزي: أي شيء تعملون؟ فقالوا: ننظر ما يقول أحمد فنكتبه، قال المروزي: مكانكم . فدخل إلى أحمد بن حنبل فقال له: رأيت قومًا بأيدهم الصحف والأقلام ينتظرون ما تقول فيكتبونه فقال: يا مروزي أضل هؤلاء كلهم !! أقتل نفسي ولا أضل هؤلاء'. فمن أبرز أسباب أهمية القدوة أنها تساعد على تكوين الحافز في المتربي دونما توجيه خارجي وهذا بالتالي يساعد المتربي على أن يكون من المستويات الجيدة في حسن السيرة والصبر والتحمل وغير ذلك.
أصول القدوة : الأصل الأول: الصلاح، وهذا يتحقق بثلاثة أركان:
الركن الأول: الإيمان: وتحقيق معنى التوحيد ومقتضياته من معرفة الشهادتين والعمل بمقتضاهما.
الركن الثاني : العبادة: فيستقيم القدوة على أمر الله من الصلاة، والزكاة، والصيام، وسائر أركان الإسلام العملية، ويهتم بالفرائض والمستحبات، ويَجِدّ في اجتناب المنهيات والمكروهات.
ويتمثل القدوة الحديث القدسي: [... وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ...] رواه البخاري .
الركن الثالث: الإخلاص : فيكون المقصود بالقول والعلم والعمل وجه الله، بعيدًا عن أغراض النفس وأغراض المخلوقين بل عبودية خاضعة تمام الخضوع لله، أمرًا ونهيًا ونظرًا وقصدًا. وإن النصح والإخلاص يرقى بالعبد الضعيف العاجز إلى رتبة القادر العامل ففي غزوة العسرة من تبوك سجل القرآن الكريم هؤلاء الضعفاء الناصحين المخلصين في قوله سبحانه}لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[91]وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ[92]{.
وسجل لهم الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الموقف حين خاطب جنده الغازين في سبيل الله بخير هذه الطائفة بقوله: [ إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلَا وَادِيًا إِلَّا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ]رواه البخاري- واللفظ له- وأبوداود وابن ماجه وأحمد .
و أما ضعف الإخلاص عند كثير من ذوي المواهب والمواقع القيادية؛ جعل تابعيهم والمعجبين بهم يَشْقَوْنَ بمواهبهم ويرجعون بها القهقري. يتبين من كل ذلك أن الإسلام يلحظ في أعمال الناس ما يقارنها من نيات وما يصاحبها من دواعي وبواعث .
الأصل الثاني : حسن الخلق:إذا كان الصلاح يتوجه إلى ذات المقتدى به ليكون صالحًا في نفسه قويمًا في مسلكه؛ فإن حسن الخلق يتوجه إلى طبيعة علاقته مع الناس، وأصول تعامله معهم، وإليه الدعوة النبوية في قوله صلى الله عليه وسلم: [ ...وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ] رواه الترمذي والدارمي وأحمد.
والكلام في حسن الخلق واسع متشعب وتحاول أن نحصر عناصره الكبرى في خِلالٍ خمس:
الصدق : تبرز أهمية الصدق وعظم أثره في مسلك القدوة في قوله صلى الله عليه وسلم: [ إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ...] رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبوداود وابن ماجه وأحمد .
وقد سأل هرقل أبا سفيان عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : ' هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ' .
وما أنجى الثلاثة الذين خُلفوا في غزوة تبوك إلا صدقهم مع الله ومع رسوله، حين ظنوا ألا ملجأ من الله إلا إليه، ولقد نادى الله سبحانه عباده المؤمنين في ختام قصتهم بقوله:} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ[119] {[سورة التوبة]. وهل رأيت سوأة أزري ممن يتسنم مواقع القيادة والقدوة بينما ترمقه الألحاظ، وتشير إليه الأصابع بالخيانة والكذب. وما كان للتهريج والادعاء، والهزل أن يغني فتيلاً عن أصحابه. وفي الحديث: [ يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ] رواه أحمد.
الصبر : الأزمات إذا استحكمت والضوائق إذا ترادفت لا دفع لها ولا توقّي ـ بإذن الله ـ إلا بالصبر ذلك أن : [ ...الصَّبْرُ ضِيَاءٌ...] رواه مسلم . ومَنْ أَوْلَى من الرجل الأسوة بتوطين نفسه على احتمال المكاره من غير ضجر، والتأني في انتظار النتائج مهما بعُدت. والصبر من معالم العظمة المحمودة وشارات الكمال العالي ودلائل التحكم في النفس وهواها وهو عنصر من عناصر الرجولة الناضجة. فأثقال الحياة وأعباؤها لا يطيقها الضعاف المهازيل والحياة لا ينهض بأعبائها ورسالتها إلا الأكفاء الصبارون، وقد استحقت فتنة من بني إسرائيل الإمامة والريادة بصبرهم وحسن بلائهم:} وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ[24] {[سورة السجدة]. وأدركت بني إسرائيل حالة استحقوا بها ميراث الأرض المباركة، وكان درعهم في ذلك الصبر:} وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ...[137] {[سورة الأعراف]. ولهذا فإن نصيب ذوي القدوة والأسوة من العناء والبلاء مكافئًا لما أوتوا من مواهب وما تحملوا من مشاق، يجسد هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ أَشَدّ النَّاس بَلَاء الْأَنْبِيَاء ثُمَّ الْأَمْثَل فَالْأَمْثَل] رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي.
الرحمة : الرحمة عاطفة حية نابضة بالحب للناس، والرأفة بهم، والشفقة عليهم . والرحمة المذكورة هنا يقصد بها: الرحمة العامة لكل الخلق، فيلقى المسلم الناس قاطبة وقلبه لهم بالعطف مملوء، إن الرحمة الخاصة قد تتوفر في بعض الناس فيرّق لأولاده حين يلقاهم ويهشّ لأصدقائه حين يجالسهم، ولكن الرحمة المطلوبة من القدوة أوسع من ذلك وأرحب: [...ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ...] رواه الترمذي وأبو داود وأحمد.
بل إن الرحيم تنال رحمته الحيوان من غير البشر، والله يثيب على هذه الرحمة، ويغفر بها الذنوب. فالذي سقى الكلب لما رآه يأكل الثرى من العطش؛ شكر الله له فغفر له، المرأة البغي من بني إسرائيل سقت كلبًا كان يطيف حول بئر في يوم حار قد دلع لسانه من العطش فنزعت له خفها وسقته؛ فغفر لها. ولئن كانت الرحمة بكلب تغفر ذنوب البغايا، فإن الرحمة بالبشر تصنع العجائب .
التواضع : جبلت النفوس على كره من يستطيل عليها ويستصغرها، كما جبلت على النفرة ممن يتكبر عليها ويتعالى عنها، حتى ولو كان ما يقوله حقًا وصدقًا. إن قلوبهم دون كلامه مغلقة، وصدورهم عن إرشاده ووعظه موصدة . إن التواضع خلق يكسب صاحبه رضا أهل الفضل ومودتهم، ومَنْ أحق بهذا الخلق من رجل القدوة، فهو أنجح وسيلة على الائتلاف.. إن ابتغاء الرفعة، وحسن الإفادة من طريق التواضع هو أيسر الطريق وأوثقها؛ ذلك أن التواضع في محله يورث المودة، فمن عمر فؤاده بالمودة امتلأت عينه بالمهابة.
ويلتحق بهذا الأمر ويلتصق به: حديث المرء عن نفسه، وكثرة الثناء عليها، فذلك شيء ممقوت، يتنافى مع خلق التواضع وإنكار الذات، فينبغي لرجل الدعوة ومحل القدوة ألا يدَّعى شيئًا يدل على تعاليه. بل إن حق عليه أن يعرف أن كل ما عنده من علم أو مرتبة هو محضُ فضل الله عليه فليتحدث بفضل الله لا بفضل نفسه، فإذا أدرك الناس منه ذلك؛ فتحوا له قلوبهم، وتحلّقت حوله نفوسُهم قبل أجسادهم، ووقع وعظّه وتوجيهه منهم موقع القبول والرضا، ونال من الحظوة على قدر إحسانه وقصده.
الرفق : والرفق صفة المصطفى صلى الله عليه وسلم التي رحم الله العباد بها؛ فاصطفاه لها، يقول الله عز وجل:} فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [159]{ [سورة آل عمران]. نعم لقد أدرك الله برحمته أن يمنن على العالم برجل يمسح آلامه، ويخفف أحزانه، ويستميت في هدايته، فأرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم، وسكب في قلبه من العلم والعمل، وفي خلقه من الإحسان والبر، وفي طبعه من اللين والرفق، وفي يده من الكرم والندى ما جعله أزكى عباد الله قلبًا، وأوسعهم عطفًا، وأرحبهم صدرًا، والينهم عريكة . هذا بعض نعت محمد صلى الله عليه وسلم، المجتزأ من قوله تعالى:} وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[4]{ [سورة القلم]. وهذا إيراد من قبس النبوة في باب الرفق، وبيان أثره:
يقول عليه الصلاة والسلام : [إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ] رواه مسلم-واللفظ له- والترمذي وأحمد . وقال مخاطبًا عائشة رضي الله عنها: [عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ فَإِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ] رواه مسلم.
وقد يحسن أن نخصّ الدعاة المقتدى بهم بخطاب عن الرفق أخذًا من نهج السلف؛ إذ أن هذا الميدان- ونحن نعيش الصحوة الإسلامية وأجواءها المباركة- نحتاج فيه إلى مزيد عناية، وفقه، وترفق:
يقول عمر ـ رضي الله عنه ـ وهو على المنبر : 'يا أيها الناس لا تُبغّضوا الله إلى عباده، فقيل كيف ذلك أصلحك الله؟ قال: يجلس أحدكم قاصًّا- أي: واعظاً- فيقول على الناس حتى يبغض إليهم ما هم فيه، ويقوم أحدكم إمامًا فيطول على الناس حتى يبغض إليهم ما هم فيه'.
وَ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ:' يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ' قَالَ: ' أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا' رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد.
يعلق على هذا الحافظ بن حجر في الفتح بقوله: ' وَيُسْتَفَاد مِنْ الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب تَرْك الْمُدَاوَمَة فِي الْجِدّ فِي الْعَمَل الصَّالِح خَشْيَة الْمَلَال , وَإِنْ كَانَتْ الْمُوَاظَبَة مَطْلُوبَة لَكِنَّهَا عَلَى قِسْمَيْنِ : إِمَّا كُلّ يَوْم مَعَ عَدَم التَّكَلُّف . وَإِمَّا يَوْمًا بَعْد يَوْم فَيَكُون يَوْم التَّرْك لِأَجْلِ الرَّاحَة لِيُقْبِل عَلَى الثَّانِي بِنَشَاطٍ , وَإِمَّا يَوْمًا فِي الْجُمُعَة , وَيَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَال وَالْأَشْخَاص , وَالضَّابِط الْحَاجَة مَعَ مُرَاعَاة وُجُود النَّشَاط '.
والرفق ذو ميادين فسيحة ومجالات عريضة، فرفق مع الجهال: إما جهل علم، أو جهل تحضر، ولقد رفق النبي صلى الله عليه وسلم بالأعرابي الذي بال في المسجد، وتركه حتى فرغ من بوله وأمر أصحابه بالكف عنه وألا يقطعوا عليه بوله فلما فرغ دعاه النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره أن المساجد لم تبن لهذا وإنما هي لذكر الله والصلاة .
ومن الذين يخصون بمزيد من الترفق: المتبدئون في الإسلام والعلم وطريق الاهتداء. والغفلة في هذا الجانب قد تؤدي إلى فتنة وانعكاس في المقصود، وقد قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ وأبي موسى لما بعثهما إلى اليمن : [ يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا...] رواه البخاري ومسلم.
يقول ابن حجر:'والمراد تأليف من قرب إسلامه، وترك التشديد عليه في الابتداء، وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليُقبل، وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج؛ لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلاً حُبب على من يدخل فيه وتلقاه بانبساط وكانت عاقبته غالبًا الازدياد بخلاف ضده'.
وينبغي أن يتمثل القدوة في هذا الباب الرفق بمجالسيه، فيتحمل من كان منهم ذا فهم بطيء،ويسع بحلمه جفاء ذا الجهالة، لا يعنف السائل بالتوبيخ القبيح فيخجله، ولا يزجر فيضع من قدره.
الأصل الثالث : موافقة القول العمل : يقول الله عز وجل:} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ[2]كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ[3] {[سورة الصف]. الصدق ليس لفظة تخرج من اللسان فحسب، ولكنه صدق في اللهجة واستقامة في المسلك، الباطن فيه كالظاهر، والقول فيه صنو العمل .. هذا جانب.
وجانب آخر: أن الناس والنفوس مجبولة على عدم الانتفاع بمن علمت أنه يقول ولا يعمل، أو يعلم ثم لا يعمل، ولهذا قال شعيب عليه السلام: } وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ[88] {[سورة هود].
وجانب ثالث: هو أن كثيرًا من الناس لا يتوجه نحو العمل حتى يرى واقعًا ماثلاً، وأنموذجًا مطبقًا يتخذه أسوة، ويدرك به أن هذا المطلوب أمر في مقدور كل أحد. بل متى يكون المرء قدوة صالحة، وأسوة حسنة ما لم يسابق إلى فعل ما يأمر به من خير، وترك ما ينهى عنه من سوء؟! وقد جاء في الصحيحين وغيرهما عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ]
وغير تقي يأمرُ الناس بالتقى طبيب يداوي الناس وهو عليل
وهنا مسألة هامة يحسن التنبيه إليها: وهي أن المسلم حتى ولو كان قدوة مترقيًا في مدارج الكمال قد يغلبه هوى، أو شهوة، أو تدفعه نفس أمارة بالسوء، أو ينزغه الشيطان، فتصدر منه زلة، أو يحصل منه تقصير .فإذا حدث ذلك فليبادر بالتوبة والرجوع، وليعلم أن هذا ليس بمانع من التأسي به والاقتداء . وقد حدّث مالك عن ربيعة قال: سمعت سعيد بن جبير يقول:'لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف، ولا نهى عن منكر' قال: وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء'. وقد قال الحسن البصري لمطرف بن عبد الله بن الشخير: 'يا مطرف عظ أصحابك، فقال مطرف : إني أخاف أن أقول ما لا أفعل؛ فقال الحسن : يرحمك الله وأيُّنا يفعل ما يقول؟ لودَّ الشيطان أنه ظفر بهذه منكم، فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر'.
وقال الحسن أيضًا:' أيها الناس إني أعظكم ولست بخيركم ولا أصلحكم، وإني لكثير الإسراف على نفسي، غير محكم لها ولا حاملها على الواجب في طاعة ربها، ولو كان المؤمن لا يعظ أخاه إلا بعد إحكام أمر نفسه؛ لعُدم الواعظون، وقلّ المذكرون، ولما وُجد من يدعو إلى الله جل ثناؤه، ويرغّب في طاعته، وينهى عن معصيته، ولكن في اجتماع أهل البصائر ومذاكرة المؤمنين بعضهم بعضًا حياة لقلوب المتقين، وإذكار من الغفلة، وأمن من النسيان، فالزموا مجالس الذكر، فربّ كلمة مسموعة ومحتقرٍ نافع'
ــــــــــــــــــــ(42/224)
العمل والشريعة الإسلامية
لقد دعت الشريعة الإسلامية إلى العمل، وأكّدت الحثّ بما لا مزيد عليه من النصوص والمفاهيم والمواقف العمليّة .
منها قوله تعالى : (هو الذي جعل لكم الارض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النّشور ) . (الملك / 15)
ومنها قوله تعالى: (فإذا قُضيت الصّلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله). (الجمعة/ 10)
ومنها قوله تعالى: (وابتغ فيما آتاك الله الدّار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدّنيا). (القصص/ 77)
وكما دعت الشريعة الإسلاميّة الى العمل والانتاج، أوضحت اختلاف الطّاقات والمؤهِّلات البشريّة، وضرورة التكامل بتبادل المنافع بين أفراد النوع البشريّ، قال تعالى: (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتّخذ بعضهم بعضاً سخريّاً ) . (الزخرف / 43)
وكما حثّ القرآن على العمل والإنتاج وتبادل المنافع، اعتبر الرسول محمّد (ص) العمل والإنتاج جهاداً وعبادة، فقد جاء ذلك في ما رُوي عنه (ص) من قوله :
«الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله»(1) .
«العبادة سبعة أجزاء، أفضلها طلب الحلال»(2).
وقد كرّس الفقهاء جهداً كبيراً من دراساتهم وتحليلاتهم للعمل والانتاج ، فاستنبطوا أحكام الشريعة وموقفها من العمل الانتاجي والخدمي، وقسّموه من حيث الحكم الشرعيّ إلى خمسة أقسام هي :
1 ـ الوجوب:اعتبرت الشريعة الإسلامية العمل من أجل سدِّ الحاجة وإشباعها للنفس، أو لمن تجب إعالته، واجباً، بل أوجبت على المدين القادر على العمل أن يعمل من أجل قضاء دينه .
2 ـ اعتبرت العمل من أجل التوسعة في النفقة، وتوفير الرّفاه، وعمل البرّ والمعروف، من المستحبّات التي حثّت الإنسان على مزاولته .
3 ـ حرّمت الشريعة الإسلامية العمل في الأشياء المحرّمة؛كصناعة الخمر والمخدِّرات والرّقص والزِّنا..الخ،كما حرّمت كل عمل يقود الى الوقوع في الحرام،وإن كان محلّلاً بذاته.
4 ـ اعتبرت الشريعة الإسلامية بعضاً من الاعمال عملاً مكروهاً بذاته، أو لاجل غيره .
5 ـ وفيما عدا ما ذكرنا آنفاً،فانّ الاصل الذي ثبّتته الشريعة الإسلامية في العمل هو الإباحة، وبذا يكون العمل من أجل جمع المال وزيادة الثروة أمراً مباحاً،ما زال يجري وفق المباح في الشريعة.
وعند دراسة وتحليل مفاهيم الآيات والنصوص لا نجد فيها ما يمنع المرأة من العمل، ويخصِّص الإباحة بالرّجل، وإن ورد حثّ الرّجل ومخاطبته في بعض النصوص .
1 الكليني / الكافي / ج 5 / كتاب المعيشة / ص 67 .
2 الحرّاني / تحف العقول عن آل الرسول / مواعظ النبيّ (ص) .
ــــــــــــــــــــ(42/225)
الحياة كرة قدم..ينبغي التخطيط لها
* عبد الله المهيري
تخيل معي أنك في جالس في ملعب لكرة القدم، تنتظر مبارة بين فريقين من أعرق الفرق في بلادك، وبدأت المبارة وبدأت الهجمات من الفريقين وبدأ تسجيل الأهداف، وتحمس الجمهور وراح يغني ويشدو، وكل يغني على ليلاه!! أعني كل يشجع فريقه.
وفي خضم هذه الفوضى العامرة، فجأة!! وإذ بمجموعتين من الشباب، كل مجموعة اتجهت صوب المرمى حملته وهربت به لخارج المعلب!! صار الملعب من دون أهداف، في تصورك هل سيكمل اللاعبين اللعب؟ وكيف سيلعبون؟ ولأي جهة يتجهون؟ بالتأكيد سيتوقفون. لكن تصور لو أن الحكم أصر على إكمال المباراة، تخيل معي كيف سيقضي اللاعبين التسعين دقيقة من وقت المبارة، ليس هناك أي هدف، واللعب عشوائي، والجمهور لن يبقى في الملعب لمشاهدة مباراة من دون أهداف.
الحياة تتشابه مع المباراة تماماً، فاللاعب هو أنت، والمرمى يمثل أهدافك في الحياة، وحدود الملعب هي الأخلاقيات والعادات والشارئع التي يجب عليك أن لا تتجاوزها، والمدرب هو كل شخص يرشدك ويوجهك ويحاول أن يفيدك في حياتك، والفريق الخصم يمثل العقبات التي تواجهك في الحياة، واللاعبين الذين معك في الفريق هم أصدقائك وكل شخص يسير معك في مسيرة الحياة، والحكم هو الذي كل فرد يرشدك إلى أخطائك، وإذا أدخلت الكرة في مرمى الخصم فقد حققت هدفك.
وقبل دخولك المباراة يجب أن تخطط للوصولة إلى الهدف وتحقيق أعلى نسبة من الأهداف، وكذلك عليك أن تتدرب وتتمرن حتى تستعين بالتدريب على المباراة.
إذا كانت المباراة وهي من أمور الدنيا تتطلب أهدافاُ وتخطيطاً واستعداداً، فكيف بالحياة عند المسلم، أليس هو الأولى بالتخطيط والتمرين وتحديد الأهداف ثم السعي لتحقيق الأهداف، والاستعانة بالأصدقاء لتحقيق هذه الأهداف، والاستعانة بأشخص يمتلكون الحكمة حتى يرشدونه لتحقيق هذه الأهداف؟
ــــــــــــــــــــ(42/226)
كيف نساعد الشباب المعرضين لخطر الانتحار؟
* آذار عبداللطيف
تعتبر قضية الانتحار من أكثر المشكلات الإنسانية التي نالت
قدراً كبيراً من البحث والمناقشة, فهذه المشكلة قديمة قدم البشرية, ولقد اعتبر الفلاسفة اليونانيون وعلى رأسهم (طاليس) الانتحار عملا غير أخلاقي يضر بالمجتمع والعائلة.. ومازالت هذه المشكلة ترافقنا حتى يومنا هذا وستبقى ملازمة للبشرية
تفيد الدراسات الحديثة أن نصف مليون شخص يموتون سنوياً في العالم نتيجة للانتحار وبمعدل منتحر لكل دقيقة تمر. ومعدل الانتحار السنوي هو معيار للدلالة على مدى انتشار الانتحار في مجتمع ما. وأشارت الدراسات أيضا إلى تزايد الانتحار بين الشباب, وهذا يدل على تفاقم هذه المشكلة وتزايد مشكلات الشباب التي تؤدي إلى الانتحار.
واهتم علم النفس والطب النفسي بمشكلة الانتحار حيث تبين أن الانتحار هو عدوان موجه نحو الذات لأن الشخص لا يستطيع لسبب ما أن يوجه عدوانيته باتجاه المجتمع أو باتجاه شخص آخر. ولقد عرف عالم الاجتماع دوركهايم الانتحار بأنه (كل حالات الموت التي تنتج بشكل مباشر أو غير مباشر من فعل سلبي أو إيجابي ينفذه الضحية بنفسه وهو يعرف أن هذا الفعل يصل إلى هذه النتيجة أي (الموت).
أسباب الانتحار
إن السلوك الانتحاري هو سلسلة الأفعال التي يقوم بها الفرد محاولا من خلالها تدمير حياته بنفسه دونما تحريض من آخر أو تضحية لقيمة اجتماعية ما. ولذلك يعتبر من الصعب جداً وضع أسباب محددة للانتحار, فكل الدراسات القديمة والحديثة أجمعت على تضافر العوامل النفسية والاجتماعية والطبية فيما بينها لحدوث الفعل الانتحاري, وتعتبر الأمراض النفسية والاضطرابات العصابية والذهانية من المسببات الرئيسية للانتحار, ولكن فرويد (عالم النفس المشهور) أشار إلى أن الانتحار هو توجيه العدوانية الكامنة بالشخص ضد ذاته, أي أن هناك أزمة نرجسية يعاني منها الفرد تتجلى في اضطراب التوازن عنده بين العالم المثالي المنشود والعالم الواقعي المعيش.
وقد يكون جو البيت المحطم من أهم الأسباب المؤدية للانتحار, والبيت المحطم يعني الأسرة أو العائلة المفككة الأوصال والمتنافرة الأفراد, إذ تبين أن الذين فقدوا والديهم قبل سن الخامسة كانوا الغالبية بين المنتحرين وخاصة في عمر الشباب.
وأكدت الدراسات أن الرجال أكثر انتحارا من النساء, ولكن النساء يكثر انتحارهن في أعمار الشباب بين 20 ـ 29 سنة.
ويزداد إقدام الشباب على الانتحار في فصلي الخريف والربيع من السنة, وكأن هناك علاقة ما بين خصائص هذين الفصلين ونفسية المنتحرين.
وأكدت هذه الدراسة أن 18% من الشباب المنتحرين و24% من الفتيات (الشابات) المنتحرات كانوا يعانون خلال حياتهم اليومية من أمراض نفسية يحتل الاكتئاب المرتبة الأولى بين الأمراض النفسية المشخصة لدى المنتحرين.
أشكال خاصة
أثبتت الأبحاث والدراسات أن هناك أشكالا خاصة للانتحار, لها مدلولاتها المرضية النفسية المهمة وأهم هذه الأشكال:
* الانتحار الثنائي: هو الرغبة في الموت مع شخص آخر حيث يقدم الشخصان معا على الانتحار وخاصة المحبوبين والدافع الأساسي للانتحار الثنائي هو الحب.
* الانتحار الموسع: حيث يسبب الشخص المنتحر الموت لشخص آخر أو أشخاص آخرين غير راغبين في الموت. فقد تنتحر الزوجة بالغاز وينجم عن ذلك وفاة زوجها وأطفالها الموجودين معها في المنزل.
* الانتحار الموازن: وهو انتحار هدفه الأساسي إراحة الذات من مرض ما لاشفاء يرجى معه, ومثل هذا النوع من الانتحار يتقبله المجتمع إلى حد ما ومع ذلك فهو قليل الحدوث.
* الانتحار الإيثاري: حيث يقدم المنتحر على قتل زوجته وأطفاله ثم يقدم على الانتحار. وينتشر هذا النوع من الانتحار لدى الأفراد المكتئبين الذين يرون أن الحياة تافهة وبأن بلاء عظيما سيحل بعائلاتهم.
مساعدة واجبة
من المهم جدا تقديم يد العون والمساعدة للأشخاص المعرضين لخطر الانتحار وخاصة إذا كانوا من فئة الشباب عصب الحياة والمجتمع, وذلك عن طريق:
1ـ حماية الفرد من المحيط وإدخاله المشفى عند الضرورة.
2ـ الترفيه والترويح عن القلق وتأسيس علاقات تتسم بالهدوء والتفهم الكامل له من قبل المعالج.
3ـ المراقبة الدائمة وبلطف وعدم تقريع وإيذاء سلوكه الانتحاري.
4ـ العلاج بالعمل الدءوب واستعمال مضادات الكآبة عند الحاجة.
5ـ عند الاكتئاب الشديد لا مانع من العلاج بالصدمة الكهربائية.
6ـ العلاج النفسي والاجتماعي لإعادة ترميم شخصية المصاب من أجل مساعدته في القيام بدوره المنوط به كعنصر فعال في المجتمع.
7ـ وأخيرا مراقبة المريض في فترة النقاهة وتعديل ما يمكن تعديله في محيطه الاجتماعي مدركين بذلك ما المغزى من المحاولة الانتحارية وهي بمنزلة رسالة هادفة تشير إلى حاجته ليد العون.
ويمكن لنا في نهاية حديثنا أن نبين بأن إقدام شباب مجتمعنا العربي على الانتحار لا يأتي من فراغ بل تتعدد العوامل
انتحار وأهمها: الكوارث المالية, الفاقة, الفشل العاطفي ـ صراع الأجيال.
-------------------
* مجلة العربي
ــــــــــــــــــــ(42/227)
الرياء .. الشرك الخفي
* د. خالد سعد النجار
عن أبي سعيد الخدري ? قال : خرج علينا رسول الله ? ونحن نتذاكر المسيح الدجال فقال ( ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ ) فقلنا بلى يا رسول الله ! قال ( الشرك الخفي ، أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل) (1)
الرياء قناع خداع يحجب وجها كالحا ونفسا لئيمة وقلبا صدئا صلدا ، والرياء طلاء رقيق يخفي سوءات بعضها فوق بعض ، والرياء زيف كاسد في سوق تجارة ، قال وهب بن منبه [ من طلب الدنيا بعمل الآخرة نكس الله قلبه وكتب اسمه في ديوان أهل النار ]، وقال أبو العالية [ قال لي أصحاب محمد ? : لا تعمل لغير الله فيكلك الله إلى من عملت له ] وقال [ أدركت ثلاثين من أصحاب محمد ? كلهم يخاف على نفسه من النفاق ] ، وقال الربيع بن خثيم [ كل ما لا يبتغى به وجه الله يضمحل ] وقال [ السرائر السرائر اللاتي تخفين من الناس وهن لله تعالى بواد التمسوا دواءهن ]
[ ومن علم شدة حاجته إلى صافي الحسنات غدا في يوم القيامة غلب على قلبه حذر الرياء وتصحيح الإخلاص بعمله حتى يوافي الله تعالى يوم القيامة بالخالص المقبول ، إذ علم أنه لا يخلص إلى الله جل ثناؤه إلا ما خلص منه ولا يقبل يوم القيامة إلا ما كان صافيا لوجهه لا تشوبه إرادة شيء بغيره ] (2) ، قال أبو عبد الله الأنطاكي [ من طلب الإخلاص في أعماله الظاهرة وهو يلاحظ الخلق بقلبه فقد رام المحال لأن الإخلاص ماء القلب الذي به حياته والرياء يميته ] ، وكتب يوسف بن أسباط إلى حذيفة : إن لنا ولك من الله مقاما يسألنا فيه عن الرمق الخفي وعن الخليل الجافي ولست آمن أن يكون فيما يسألني ويسألك عنه وساوس الصدور ولحاظ الأعين وإصغاء الأسماع ، اعلم أن مما يوصف به منافقوا هذه الأمة أنهم خالطوا أهل الدين بأبدانهم وفارقوهم بأهوائهم ولم ينتهوا عن خبيث أفعالهم ، كثرت أعمالهم بلا تصحيح فأحرمهم الله الثمن الربيح .
? والرياء مشتق من الرؤية ،? وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس برؤيتهم خصال الخير ويجمعه خمسة أقسام وهي جوامع ما يتزين به العبد للناس :
1. الرياء بالبدن : ويكون بإظهار النحول والصفار ليوهم بذلك شدة الاجتهاد في العبادة ،2. وعظم الحزن على أمر الدين ،3. وغلبة خوف الآخرة ،4. قال الربيع بن خثيم [ لا يغرنك كثرة ثناء الناس من نفسك فإنه خالص إليك عملك ] وقال يحيى بن معاذ [ لا تجعل الزهد حرفتك لتكتسب به الدنيا ولكن اجعله عبادتك لتنال الآخرة وإذا شكرك أبناء الدنيا ومدحوك فاصرف أمرهم على الخرافات ]
5. الرياء بالهيئة والزى : بتشعيث شعر الرأس وإطراق الرأس في المشي والهدوء في الحركة وإبقاء أثر السجود على الوجه وتحري لبس الثياب الخشنة أو لبس المرقعات ،6. فعن محمد بن عبد الله الحذاء قال [ وقفنا للفضيل بن عياض على باب المسجد ونحن شباب علينا الصوف فخرج علينا فلما رآنا قال : وددت أني لم أركم ولم تروني ،7. أتروني سلمت منكم أن أكون ترسا لكم حيث رآيتكم وتراءيتم لي ! لأن أحلف عشرا أني مراء وأني مخادع أحب إلي من أن أحلف أني لست كذلك ]
8. الرياء بالقول : كرياء أهل الدين بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة وحفظ الأخبار لاستعمالها في المحاورة وإظهارا لغزارة العلم وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس وإظهار الغضب للمنكرات والأسف على مقارفة الناس للمعاصي ،9. وفي ذلك يقول مطرف رحمة الله عليه [ إن أقبح ما طلبت به الدنيا عمل الآخرة ]
10. الرياء بالعمل كمراءاة المصلي بطول القيام والركوع والسجود وكذلك بالصوم والغزو والحج والصدقة
11. الرياء بالأصحاب والزائرين كالذي يتكلف أن يستزير عالما أو عابدا ليقال إن فلانا قد زار فلانا وكالذي يكثر زيارة الشيوخ ليرى أنه لقي شيوخا كثيرة واستفاد منهم ويتباهى بشيوخه عند المخاصمة
? وأصل الرياء حب الجاه ،? والجاه هو قيام المنزلة في قلوب الناس ،? وهو اعتقاد القلوب نعتا من نعوت الكمال في هذا الشخص إما لعلم أو عبادة أو نسب أو قوة أو حسن منظر أو غير ذلك مما يعتقده الناس كمالا ،? فبقدر ما يعتقدون له من ذلك تذعن قلوبهم لطاعته ومدحه وخدمته وتوقيره
ومن غلب على قلبه حب هذا صار مقصور الهم على مراعاة الخلق مشغوفا بالتردد إليهم والمراءاة لهم ولا يزال في أقواله وأفعاله ملتفتا إلى ما يعظم منزلته لديهم ، وذلك بذر النفاق وأصل الفساد ، لأن من طلب هذه المنزلة في قلوب العباد اضطر أن ينافقهم بإظهار ما هو خال عنه ويجر إلى المراءاة بالعبادات واقتحام المحظورات والتوصل إلى اقتناص القلوب
وهذا باب غامض لا يعرفه إلا العلماء بالله العارفون به المحبون له وإذا فصل رجع إلى ثلاثة أصول
حب لذة الحمد ، الفرار من الذم ، الطمع فيما في أيدي الناس
كتب خالد بن صفوان إلى عمر بن عبد العزيز : يا أمير المؤمنين إن أقواما غرهم ستر الله وفتنهم حسن الثناء فلا يغلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك أعاذنا الله وإياك أن نكون بالستر مغرورين وبثناء الناس مسرورين وعما افترض الله علينا متخلفين ومقصرين وإلى الأهواء مائلين . فبكى عمر ثم قال : أعاذنا الله وإياك من إتباع الهوى
? والرياء منه الجلي ومنه الخفي
فالرياء الجلي : هو الذي يبعث على العمل ويحمل عليه ، أما الرياء الخفي : فهو الذي لا يحمل على العمل بمجرده إلا أنه يخفف مشقة العمل على النفس كالذي يعتاد التهجد كل ليلة ويثقل عليه فإذا نزل عنده ضيف تنشط للقيام وخف عليه ، ومن الرياء الخفي كذلك أن يخفي العبد طاعته ولكنه مع ذلك إذا رأي الناس أحب أن يبدءوه بالسلام وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير وأن يثنوا عليه وأن ينشطوا في قضاء حوائجه وأن يسامحوه في البيع والشراء وأن يوسعوا له في المكان فإن قصر مقصر ثقل ذلك على قلبه كأنه يتقاضى الاحترام على الطاعة التي أخفاها ، ومن الرياء الخفي أن الإنسان يذم نفسه بين الناس يريد بذلك أن يرى أنه متواضع عند نفسه فيرتفع بذلك عندهم ويمدحونه به ، قال مطرف ابن عبد الله [ كفى بالنفس إطراء أن تذمها على الملأ كأنك تريد بذمها زينتها وذلك عند الله سفه ] وقال الحسن البصري [ من ذم نفسه في الملأ فقد مدحها وذلك من علامات الرياء ]
الهوامش والمصادر
1- حديث حسن رواه ابن ماجة ـ كتاب الزهد 4194 والبيهقي ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم 27
2- الرعاية لحقوق الله ــ المحاسبي ص 155
* حديث الإخلاص د/ سيد العفاني دار العفاني ــ مصر
* إحياء علوم الدين الإمام الغزالي ط دار الحديث
ــــــــــــــــــــ(42/228)
كيف تتوقف عن التدخين ؟
التدخين عادة ، و الإدمان و العادة هي الأصعب في التحطيم و التخلص منها . و السبل المستخدمة في التوقف عن التدخين هي نفسها التي تستخدم في تحطيم أي عادة أخرى ، و مفتاح تحطيم العادة كما يلي :
1. قرار القيام بالتغيير
2. استخدام تدريب الوعي
3. ابتدع استراتيجيات لمساعدتك على التوقف عن العادة
4. استبدل العادة بسلوك بديل
5. ثابر بأن تكون ( راسخاً و ثابتاً ) في مواصلة خط تقدمك
6. تعلم التحكم في ( الهفوات و الفلتات )
7. الدافع و الحافز على تحطيم العادة
و بهذا فإنك إذا أردت فعلاً أن تتوقف ، فبوسعك أن تحقق ذلك ، فمعظم الذين يتم التشخيص لهم بإصابتهم بسرطان الرئة يقومون بالتوقف عن التدخين فوراً ، مهما كان قدر تدخينهم في الماضي ، إنهم يتوقفون ببساطة لأنهم يشعرون بأكبر درجات الدوافع ارتفاعاً و بأكبر حافز يمكن أن يتصورونه ، و من المحزن أنهم لم يشعروا بمثل هذا الحافز البالغ القوة من قبل الآن .
· لماذا تتوقف عن التدخين ؟ أسباب التوقف عن التدخين و في كلمتين هما : الصحة و المال . و الإرتباط بين التدخين و الحالات الخطيرة للصحة أقوى من أي سبب بيئي آخر للأمراض ، و ليس سرطان الرئة هو أكبر القتلة ، فإذا ما كنت تدخن 20 سيجارة أو أكثر في اليوم الواحد ، فإنك معرض للموت بالسكتة القلبية خمسة أضعاف أولئك الذين لا يدخنون ، و يعرض للإصابة بالنوبات القلبية ثلاثة أضعافهم ، ذلك لأن التدخين يعجل بالإصابة بتصلب الشرايين و ضيقها ، مما يؤدي إلى تعثر جريان الدم ، و يمكن لضعف انسياب الدم إلى المخ أن يؤدي إلى السكتة الدماغية ، كما أن جريان الدم الضعيف للدم إلى عضلة القلب يمكن أن يسبب النوبة القلبية .
· مشاكل صحية رئيسية بسبب التدخين 1. السكتة القلبية و الدماغية
2. النوبة القلبية
3. النزلات الشعبية الحادة و المزمنة
4. تعثر الدورة الدموية مما يؤدي إلى بتر الساقين
5. سرطان الرئة
6. سرطان المعدة
7. سرطان العنق
8. الإجهاض عند النساء
9. مواليد منخفضة الوزن
10. أثار ثانوية للتدخين على أطفالك : زيادة متاعب الصدر مثل الربو و التهاب الرئة و النزلات الشعبية ، كما يزيد من وفيات الأطفال ، و غيرها
و يتعرض المدخنون الشرهون للغليون لخطر الوفاة في منتصف أعمارهم بنسبة الضعف عن غيرهم من غير المدخنين
و تتناسب مخاطر التدخين مع كمية ما يستهلكه المرء من الدخان ، فكلما دخنت أكثر كلما بات أسوأ ، إلا أن أي كمية منه مضرة و خطيرة في حد ذاتها ، و عليه فإن ما يسمونه بالقار المتوسط أو المنخفض هو الآخر له ضرره و أذاه ، ذلك أنه لا يوجد هناك ما يمكن أن يسمى بالسيجارة الآمنة أو تلك التي يمكن أن نأمن شرها ، على أن إحتمال وقوع تلك المشاكل يمكن أن يقل بصورة درامية مؤثرة بمجرد التوقف عن التدخين .
· مزايا التخلي عن التدخين 1. حياة أطول
2. زيادة اللياقة الجسمانية
3. جلد أحلى و تجعدات و كرمشة أقل
4. مظهر أفضل ( انعدام بقع النيكوتين )
5. تصير رائحتك أفضل للآخرين
6. تتذوق طعامك بطريقة أفضل
7. نقود أكثر ، و فلوس زيادة ، و غيرها
· هل للتوقف عن التدخين عيوبه ؟ بالطبع لا ، باستثناء ذلك الإحساس الساخط الذي يأتي في أعقاب التوقف عن التدخين مباشرة ، و يتملك البعض انشغالهم باحتمال زيادة أوزانهم عند التوقف عن التدخين ، و سبب ذلك هو أنهم قد يكونوا صادفوا مثل هذا الأمر فعلاً عندما حاولوا التوقف في مرة سابقة ، و أكثر الأسباب شيوعاً في زيادة الوزن هو استبدالك للسجائر بأطعمة لها سعرات حرارية عالية مثل الأكلات الخفيفة و البطاطش المحمرة و الشيبس و الحلويات و الكولا وغيرها .
و على كلّ فمهما كان السبب وراء زيادة الوزن فهو أمر من السهل علاجه عن طريق تناول الغذاء المتوزان و زيادة الفواكه و الخضروات ، مع مضاعفة التمارين الرياضية ، إلا أن هناك البعض خصوصاً أولئك المصابون بالنزلات الشعبية ممن يشعرون بأنهم فور توقفم عن التدخين تطبق عليهم صدروهم بصورة أقوى و أشد مما يستنتجون معه أن التدخين أمر طيب لهم ، إلا أن ذلك استنتاج زائف و خطر للغاية ، فالتدخين هو الذي يقف وراء كل مشاكل الصدر هذه ، و مواصلة التدخين لا يزيد الأمر إلا سوء على سوء و إن كان بطريقة متدرجة ، إلا أنها مضطردة ، لكن الحقيقة هي أن صدرك سوف يتحسن أمره بفعل التوقف عن التدخين ، و إن لم تتوقف عن التدخين سوف يزيد الألم على المدى البعيد
· بعض الأسباب المؤدية للتدخين 1. تظن أنها تساعدك على الإسترخاء
2. تظن أن تناول السيجارة يشعرك بأنك في حالة أفضل
3. أنك تحب رائحتها
4. تظن أنها تعطيك الثقة و بخاصة وسط صحبة من الأشخاص
5. تعتقد بأنها تساعدك على التركيز و تمنحك الطاقة للعمل أو الدراسة مثلاً
6. تشعل السيجارة بشكل تلقائي
7. أنت مدمن و تشعر بالسأم إذا لم تتعاطى سيجارة
فإن أفضل خطة لذلك هو أن تدخن عدداً أقل من السجائر في كل يوم ، مثلاً إذا كنت تقوم بتدخين 20 سيجارة يومياً ، خطط بأن تنقص منها 4 سجائر في كل يوم إلى أن يجيء اليوم الخامس فتكون قد توقفت عن التدخين ، و أسهل طريقة لتحقيق هذا الأمر هو أن تأخذ أو سيجارة في اليوم لك في وقت متأخر ثم يزيد التأخر يوماً بعد يوم
· عندما تشعر بالرغبة الشديدة في تدخين سيجارة الاحساس [ الاشتياق ] سرعان ما يمضي بعد وقت قصير ، و عندما يتملك عليك هذا الأمر فسرعان ما يزول ، قم بالتنفس العميق لمرات عديدة و اعمل شيئاً تنشغل به و اشرب الماء لتشغل فمك ..... الخ
و قد تشعر ببعض هذه الأعراض الشائعة مثل :
1- أن تصبح سهل الإثارة سريع الغضب
2- اللهاث من أجل سحب نفس سيجارة
3- الإحساس بالرعشة و الرطوبة
4- الشعور بالدوران
5- احساس بالوخز و التنميل
6- صداع
7- الاحساس بالغثيان
ــــــــــــــــــــ(42/229)
قضية مدرسة وبيت ومجتمع .. التحصيل الدراسي
* بسماء آدم
الإنجاز الإقتصادي في أي بلد هو المحصلة للطريقة التي ينشأ بها أبناؤه!) خاصة في جانب التحصيل الدراسي. فالمسألة لا تتعلق بحاضر ومستقبل ابن من أبنائنا, بل هي مسألة أوطان بكاملها, تتشارك فيها عناصر عدة.
كان العالم الأمريكي هنري موراي أول من لفت النظر إلى مسألة الدافع إلى الإنجاز بوصفه مكوّنًا من مكونات الشخصية, فقد حدد عددًا من الحاجات دعاها حاجات عالمية تتوافر لدى الأفراد جميعهم بغض النظر عن الجنس أو العرق أو العمر. وكانت الحاجة إلى الإنجاز من بين الحاجات العالمية التي أقر بوجودها وعرفها بمجموعة القوى والجهود التي يبذلها الفرد من أجل التغلب على العقبات, وإنجاز المهام الصعبة بالسرعة الممكنة.
وتابع ماكيلاند جهود موراي في بحث الدافع إلى الإنجاز, فلخص نظريته والبحوث التي دارت حولها في مقالته الشهيرة التي نشرها عام (1955) في مجلة (علم النفس الأمريكي), وعرض ذلك في اثنتي عشرة قضية يهمنا منها القضية المتعلقة بالتحصيل التي وجد فيها أنه: كلما أدرك الفرد أن نمو دافع معين لديه يتسق مع مطالب الواقع والمنطق, فإن المحاولات التربوية الرامية إلى تنمية ذلك الدافع ستصادف نجاحًا, ثم وضع في عام (1961) كتابه (المجتمع المنجز) الذي بلور فيه العلاقة بين تصورات البشر عن إنجازاتهم والتقدم الاقتصادي الفعلي لمجتمعاتهم, وصنف المجتمعات على أساس ما لدى أبنائها من دافعية إلى الإنجاز والتحصيل, فمستوى الإنجاز الاقتصادي الموجود في أي مجتمع هو حصيلة الطريقة التي ينشأ بها الأطفال في هذا المجتمع. وتوج أعماله بكتابه الشامل (الدافعية الإنسانية) عام 1985.
تتالت الدراسات والأبحاث حول موضوع التحصيل الدراسي, فقد عرفه جابلن بأنه (مستوى محدد من الإنجاز أو براعة في العمل المدرسي يقاس من قبل المعلمين أو بالاختبارات المقررة. أما كود فعرفه (بأنه إنجاز أو براعة في الأداء في مهارة ما أو في مجموعة من المعارف).
أما فؤاد أبو حطب الباحث التربوي العربي, فرأى أن مفهوم التحصيل الدراسي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم التعلم المدرسي, إلا أن مفهوم التعلم المدرسي أكثر شمولاً فهو يشير إلى التغيرات في الأداء تحت ظروف التدريب والممارسة في المدرسة, كما يتمثل في اكتساب المعلومات والمهارات وطرق التفكير وتغيير الاتجاهات والقيم وتعديل أساليب التوافق, ويشمل النواتج المرغوبة وغير المرغوبة, أما التحصيل الدراسي, فهو أكثر اتصالاً بالنواتج المرغوبة للتعلم أو الأهداف التعليمية, وهو عامل تابع أو متأثر بعوامل أخرى مستقلة, أهمها وأكثرها مباشرة وحدوثًا هي: المتعلم والمعلم والمنهج أو الكتاب المنهجي. يلي هذه العوامل الإدارة المدرسية والأسرة والأقران والتقنيات التربوية والإرشاد الطلابي والغرفة الدراسية واللوائح التنظيمية وغيرها.
والتحصيل الدراسي هو الحصول على معلومات وصفية تبين مدى ما حصّله التلاميذ بطريقة مباشرة من محتوى المادة الدراسية, وذلك من خلال الاختبارات التي يطبقها المعلم على طلابه على مدار العام الدراسي لقياس مدى استيعاب الطلاب للمعارف والمفاهيم والمهارات التي لها علاقة بالمادة الدراسية في وقت معين أو في نهاية مدة تعليمية معينة. كما يساعد التحصيل الدراسي المدرس على رسم صورة نفسية لقدرات التلاميذ العقلية والمعرفية, فيما أن الاختبارات التحصيلية المدرسية تهدف إلى تحديد المستوى المعرفي للتلميذ بالنسبة لفرقته الدراسية أي تنسب درجة كل طالب في الاختبار التحصيلي إلى مستوى درجات كل الطلاب في فرقته الدراسية, فإن هذا يعطي للتحصيل الدراسي قيمة تشخيصية وتنبؤية.
ويعد تقويم هذه الناحية المعرفية للطالب - المتمثلة بالتحصيل الدراسي - من أبرز أساسيات عمل الأنظمة التعليمية, حيث يتم عن طريقها معرفة فعالية المؤسسات التعليمية بجانبيها الكمّي والنوعي, فهو عمل مستمر يستخدمه المدرس لتقدير مدى تحقيق الأهداف التربوية عند الطلبة, فضلاً عن أنه يؤدي دورًا مهمًا للتربية باعتباره العملية التي تصدر عنها أحكام تستخدم كأساس للتخطيط وتقدير خصائص المدرسة, من حيث النظام والمناهج والطرائق والنتائج.
وهناك عوامل تؤثر في التحصيل الدراسي, تقسم إلى قسمين: العوامل الخارجية وهي البيئة المحيطة بالطالب, والعوامل الداخلية وهي الخصائص المعرفية والنفسية للطالب التي تميز شخصيته عن غيره. وتعد هذه العوامل مهمة في زيادة مستوى التحصيل الدراسي عند الطالب.
التفاعل المفقود....والمأمول
إن المعلومات والخبرات التي يحصلها الطالب عن طريق البرامج الدراسية في مراحل التعليم المختلفة ما هي إلا وسيلة لعملية إعداده الشاملة التي تمكّنه من ممارسة أدواره الوظيفية التي يعد لها, ولغرس قيم المجتمع ومعاييره بما يجعل هذا الطالب عضوًا نشيطًا وفعالاً داخل مجتمعه.
ويعد المعلم ركنًا أساسيًا من أركان العملية التعليمية, فالخصائص المعرفية والانفعالية للمعلم مهمة في عملية التعليم ونتاجها الفعّال عند المتعلم, حيث إن لهذه الخصائص آثارها على الناتج التحصيلي للمتعلم من حيث إشباع حاجاته النفسية والحركية والانفعالية والمعرفية والاجتماعية.
ويؤدي التفاعل بين المعلم والطالب والمنهج إلى حدوث التعلم والتحصيل الجيد, فالتربية عملية تفاعل بين إنسان وآخر, في زمان ومكان محددين لتحقيق هدف تحصيلي معين, وعوامل التربية عندما تتفاعل معًا تنتج حاصلاً جديدًا نسمّيه بالتعلم.
كما أن الامتحانات المدرسية لها أهمية خاصة بالنسبة لجو الصحة النفسية في المدرسة, فيما أنها الجزء الأساسي من البرنامج التربوي, لذا فإن اتجاهات المدرس والتلاميذ نحوها تحتل أهمية بالغة بالنسبة للصحة النفسية, إذ ينبغي ألا يعطي المدرس انطباعًا عن الامتحانات أنها شيء يبعث على الخوف والرهبة, بل على العكس, ينبغي أن تكون وسائل لمساعدة كل من التلاميذ والمدرسين على كشف إلى أي حد قد حققوا تقدمًا في اكتساب المعارف والمهارات, كما أنها وسائل تستخدم كمشروع تعاوني بينهم, فالامتحانات بالصورة الخاطئة التي تتم بها تمثل فترات من التوتر التي تؤدي إلى تعطيل الاطراد في عملية النمو.
ويتأثر التحصيل الدراسي بمدى توافق الطالب مع محيط المؤسسة التعليمية من حيث علاقته مع زملائه ومدرّسيه.
فجماعة الأتراب, على سبيل المثال, قد تسهم في خفض دافعية التحصيل الدراسي عند المراهق, خاصة إذا انتمى إلى عصبة تهوّن من شأن التحصيل الدراسي, وذلك لأن الحاجة لهذه الجماعة في هذه المرحلة بالذات تمثل أهمية تفوق دافعية الإنجاز التي يمتلكونها.
كما تتعلق دافعية الطالبة للإنجاز بخصائصهم الشخصية وقدراتهم العقلية, ومن بين خصائص الشخصية هذه: الثقة بالنفس والانبساط والثبات الانفعالي وامتلاك اتجاهات إيجابية نحو التعلم والتفاعل الشخصي الجيد مع نشاطات المدرسة. أما القدرات والأساليب المعرفية العقلية فتتمثل بالمرونة الفكرية والاستدلال بشقيه الاستقرائي والاستنباطي والقدرة على مواجهة المشكلات.
فتش عن الأسرة
على الرغم من أن تأثير المدرسة قد ازداد فيما يتعلق بالتعليم واكتساب المهارات, فإن الأسرة لاتزال تملك دورًا أساسيًا في عملية التنشئة الاجتماعية, إذ إنها تشارك المدرسة في عملية التنشئة الاجتماعية وتؤثر بقوة في استجابة الطفل للمدرسة.
ولذلك تظهر فروق واضحة بين أفراد طبقات المجتمع الواحد والمنتمين إلى ثقافات مختلفة بسبب اختلاف ممارسات التنشئة من طبقة اجتماعية إلى طبقة أخرى ومن ثقافة إلى أخرى فالطبقات التي تشجع على الاستقلالية والمبادأة وتثيب ذلك منذ السنوات المبكرة في الطفولة تنزع إلى إنتاج أفراد يتمتعون بدافع مرتفع للتحصيل الدراسي.
كما أن طموح وتوقع الأبناء يرتبط بطموح وتوقع الوالدين, وهذا الطموح له علاقة بالوضع الطبقي للأسرة, فقد ظهر أن طموح وتوقعات الطبقة الوسطى تفوق تلك التي عند أعضاء الطبقة العاملة, مما يؤثر في اختلاف درجات ومعدلات التحصيل لدى الأبناء تبعًا لذلك. وقد وجدت علاقة سلبية بين المستوى الاقتصادي الاجتماعي ومستويات الطموح ومن ثم مستويات التحصيل الدراسي, أي أن مستوى الطموح يرتفع بانخفاض الطبقة الاجتماعية, وكذلك الأمر بالنسبة لمعدلات التحصيل الدراسي.
ويكتسب المراهقون مواقفهم تجاه المدرسة من أسرهم, فآباء الطلاب المراهقين متدني التحصيل يولون أهمية للنجاح في المدرسة أقل مما يفعل آباء المراهقين ذوي التحصيل الدراسي المرتفع, ولهذا فإن هؤلاء الآباء لا يشجعون على الأرجح الاهتمامات الفكرية أو المواقف الإيجابية إزاء المعلمين والمدرسة, ويشكون في فائدة التربية الرسمية كطريق للتقدم في الحياة, كما أنهم لا ينتبهون إلى كيفية سير أبنائهم في المدرسة, ولا يستخدمون المكافآت والعقوبات فيما إذا كانوا قد أنجزوا واجباتهم المدرسية أو حصلوا على درجات جيدة, ونتيجة لذلك لا ينمّي هؤلاء الأبناء - على الأرجح - دافعًا كبيرًا للتحصيل الدراسي.
فمعاملة الوالدين لأبنائهم تتأثر بالمستوى الاجتماعي - الاقتصادي للأسرة مما يؤدي إلى ارتباطها سلبًا أو إيجابًا بمستويات تحصيل الأبناء. فقد بين (تومي) أن الأبوين اللذين يهتمان بحياة أبنائهما ويشاركان في نشاطاتهم يؤثران إيجابيًا في إنجاز أبنائهم الدراسي.
وكذلك ما توفره الأسرة لأبنائها من بيئة اجتماعية نفسية, وما تتيحه لهم من إمكانات مادية تلبي متطلباتهم الدراسية, يساعد على تحقيق الأمن النفسي والاستقرار الاجتماعي لهؤلاء الأبناء.
الدافعية, ومفهوم الذات
تشير الدافعية إلى حال داخلية في الفرد تستثير سلوكه وتعمل على استمرار هذا السلوك وتوجيهه نحو تحقيق هدف معين.
وقد اعتبر ماكيلاند الحاجة إلى الإنجاز دافعًا أساسيًا من دوافع السلوك, يوجد في كل موقف يتسم بالمنافسة للوصول إلى مستوى معين من الإجادة. وعادة ما يكون هذا المستوى نتيجة لمقارنة جهوده بجهود الآخرين أو نتيجة لطموح الشخص نفسه. وتشبع هذه الحاجة عن طريق مثابرة الفرد عندما يتوقع أن إنجازه سوف يقيم في ضوء معايير التفوق, والدافع إلى الإنجاز وجهان أحدهما الرغبة في التفوق. والجدارة والآخر الخوف من الفشل.
وقد أشار بوكوك إلى أن دافع الإنجاز - كما يقاس حاليًا - وسيلة جيدة للتنبؤ بالسلوك الأكاديمي, كما بين دانهام ارتباط دافعية الإنجاز بالتحصيل الأكاديمي. وإذا كانت دافعية الإنجاز أحد العوامل المهمة التي تؤثر في تحديد النجاح أو الفشل في المستقبل, فإن لخبرات النجاح أو الفشل علاماتها المميزة في كل من شدة واتجاه الدافعية للإنجاز عند الأفراد, فيشعرون بها إذا كانوا مدفوعين للنجاح, أو يشعرون بقلق الإنجاز إذا كانوا مدفوعين لتجنب الفشل, فالعلاقة بين دافعية الإنجاز والنجاح أو الفشل علاقة دائرية يؤثر كل منها في الآخر, كما يتأثر به.
وقد لاحظ ويندت من خلال دراسة قام بها بجميع بيانات من مجموعة صغيرة من طلاب المدارس الثانوية, ارتباط مستوى الدافع للإنجاز بكمية العمل (عدد المسائل التي تم حلها) وبنوعية العمل (نسبة الإجابات الصحيحة) في أداء بعض المسائل الحسابية كما لاحظ أن الطلاب ذوي دافع الإنجاز المرتفع كان أداؤهم أفضل حتى عندما كانت فترة العمل غير محددة زمنيًا رغم أن الطالب في مثل هذه الحالة الأخيرة هو الذي يحدد سرعته في العمل.
ويمكن أن نستنتج من هذا أن قوة الدافع للإنجاز تجعل هؤلاء الطلاب يحافظون على مستويات أداء مرتفعة دون مراقبة خارجية, ويتضح من ذلك العلاقة الموجبة بين دافعية الإنجاز والمثابرة في العمل والأداء الجيد.
ويتأثر سلوك الفرد وأداؤه بمفهومه عن ذاته, والتحصيل الدراسي باعتباره نوعًا من الأداء يتأثر بمفهوم الطالب عن ذاته, فنظرة التلميذ إلى نفسه كشخص قادر على التحصيل والنجاح في تعلمه المدرسي, تعمل كقوة منشطة تدفعه إلى تأكيد هذه النظرة والحفاظ عليها. فمع مرور الزمن - أثناء تعلمه المدرسي - يطور مفهوم ذات يعكس إحساسه بالقدرة على تعلم المهام التعليمية, مما يؤثر في نظرته لنفسه كمتعلم (مفهوم الذات الأكاديمي) وفي نظرته العامة لنفسه (مفهوم الذات العام), ويطور التلاميذ الناجحون وغير الناجحين مفاهيم ذات أكاديمية مختلفة, فهناك العديد ممن يواجهون صعوبات دراسية وانخفاضًا في مستوى تحصيلهم الدراسي مع أنهم ليسوا من ذوي الذكاء المنخفض أو من ذوي الحاجات الخاصة, ولكن لأنهم تعلموا أن يعتبروا أنفسهم غير قادرين على التحصيل المرتفع, وهذه النظرة مستمدة من المحيطين بالتلميذ والمهمين في حياته كالآباء والمدرسين والأصدقاء, فإذا عاملوه على أنه قادر على التحصيل والنجاح فإنه سينظر إلى نفسه بما يتفق مع هذه المعاملة, ويتولد لديه إحساس عام بأن لديه القدرة على النجاح, مما يؤدي إلى بذل الجهد كي يحقق المزيد من النجاح, أما إذا كان التلميذ يقدر ذاته بأنه يعجز عن التحصيل والنجاح, وكان يرافق ذلك تقديرات خارجية مماثلة فسيتولد لديه إحساس عميق بالعجز عن النجاح في تعلم مهام الموضوع نفسه. وإن تكرار الأحكام الخاصة بالقدرة أو عدم القدرة على النجاح بشكل ثابت لعدد من السنوات يترك آثارًا بارزة في مفهوم الذات.
فتوقعات الآباء والمدرسين والأصدقاء الإيجابية تلعب دورًا في تكوين الصورة الإيجابية للذات عند التلميذ وتدفعه إلى العمل على رفع مستواه التحصيلي.
كما يتأثر التحصيل الدراسي بالطريقة التي ينسب فيها الطالب نجاحه وفشله, فمن يملك مفهوم ذات إيجابيا ينسب نجاحه أو فشله إلى إمكاناته الداخلية, وعلى العكس, من يملك مفهوم ذات سلبيا عن ذاته سوف ينسب نجاحه أو فشله إلى العوامل الخارجية.
ففي دراسة قام بها وينر وجد أن الأشخاص ذوي الدافع الإنجازي العالي ينسبون أداءهم إلى عوامل داخلية, فنجاحهم يعود إلى المقدرة العالية والجهد المبذول, وينسبون فشلهم إلى قلة الجهد الذي بذلوه, أما الأشخاص ذوو الدافع الإنجازي المنخفض فقد كانوا أكثر ميلاً لنسبة نجاحهم إلى عوامل خارجية مثل سهولة الواجب والحظ الجيد, وفشلهم إلى عوامل داخلية مثل قلة المقدرة أو نقصها أو سوء الحظ. ومن خلال هذه النتائج فإن من الممكن التنبؤ بنجاح الفرد أو فشله حينما يجابه بواجب ما, فالفرد الذي ينسب نجاحه إلى عوامل داخلية فإنه من المتوقع أن ينجح أما من ينسب فشله إلى عوامل خارجية فسيكون غيرواثق من نجاحه مما يؤدي إلى فشله واستسلامه بسهولة.
ولا يضمن النجاح في مهام التعلم المدرسي تكوّن مفهوم ذات إيجابي بشكل عام, وإنما يزيد من احتمال تحقيق ذلك. وعلى النقيض من هذا فإن الفشل في التعلم المدرسي ينتج عنه احتمال عالٍ لتكون مفهوم ذات أكاديمي سلبي بشكل عام ويدفع التلميذ لأن يبذل جهودًا جادة للحصول على الأمن وعلى ما يؤكد ذاته في ميدان آخر.
فلا شك أن التحصيل الدراسي يجعل الطالب يتعرف على حقيقة قدراته وإمكاناته, فوصوله إلى مستوى تحصيلي مناسب يبث الثقة في نفسه ويعزز مفهومه الإيجابي عن ذاته, ويبعد عنه القلق والتوتر, مما يقوي صحته النفسية. أما فشله في التحصيل الدراسي فإنه يؤدي إلى فقدان الثقة بالنفس, والإحساس بالإحباط والنقص, كما يؤدي إلى التوتر والقلق, وهذا من دعائم سوء الصحة النفسية للطالب.
الذكاء.. الذكاء
يعرف الذكاء بأنه قدرة الفرد على التكيف بنجاح مع ما يستجد في الحياة من علاقات.
ويعرف بأنه القدرة على التعلم أو التفكير المجرد أو التصرف الهادف والتفكير المنطقي, وهي تعريفات تهتم بقدرة الفرد على اكتساب المعارف والخبرات والإفادة منها واستخدامها في حياته, ذلك أن الشخص الذكي هو الأسرع فهمًا والأقدر على التعلم والابتكار وحسن التصرف والأنجح في الدراسة أو العمل بوجه عام.
وقد عرفه كامن: بأنه المعرفة المكتسبة, فالشخص المطلع في ناحية ما والذي حصل على درجة أكاديمية, أو الذي اكتسب بطريقة أو بأخرى شهرة لزيادة معرفته يعد شخصًا ذكيًا سواء أكان حاذقًا في حل المشكلات أم لم يكن.
والذكاء من أكثر الموضوعات التي نالت اهتمامًا من جانب علماء النفس والتربية منذ بداية القرن العشرين حتى الآن, إلى أن أصبح التنبؤ بمستوى تحصيل الطالب عن طريق قياس ذكائه من الأمور البديهية, فغالبًا ما يحصل الطلاب ذوو الأداء الجيد في اختبارات الذكاء على تقديرات مرتفعة في التحصيل الأكاديمي, بينما يميل ذوو الأداء المنخفض إلى الحصول على تقديرات ضعيفة.
ولا بد من الإشارة إلى الفرق بين اختبارات الذكاء واختبارات التحصيل, فاختبارات الذكاء تقيس القدرة على التعلم, أما اختبارات التحصيل فإنها تقيس ما الذي تعلمه الشخص وحصله, وهي تؤخذ من مناهج المدرسة, وتهتم بالعمليات العقلية, كما تبرز من خلال أداء التلميذ في المواد الدراسية المختلفة.
وقام كل من تيرمان وأودين بدراسة تتبعية لمجموعة من الأطفال الأذكياء جدًا حتى وصلوا إلى مرحلة الرشد, فوجدوا أن أفراد هذه المجموعة كانوا دائمًا متفوقين على الشخص العادي الذي في العمر نفسه, (90%) دخلوا الكليات, (70%) تخرجوا منها, (800) رجل منهم في سن الأربعين نشروا (67 كتابًا) وأكثر من (140) مقالة علمية ومهنية وأكثر من (200) قصة قصيرة ومسرحية, وحازوا على (150) براءة اختراع (المليجي, 2000, 375).
ويعد الارتباط بين الذكاء والتحصيل الدراسي أكبر وأوثق في مراحل التعليم الأولى منه في المراحل العليا.
فالطلبة ذوو الذكاء العالي والذين يكتسبون درجات تحصيل مرتفعة يستمرون في المدرسة لمدة أطول, في حين يميل الطلبة ذوو الذكاء المتدني إلى التقصير في العمل الصفي وإلى التسرب مبكرًا من المدرسة.
ماذا عن الاستعداد?
يعرف الاستعداد بأنه: مدى قابلية الفرد للتعلم, أو مدى قدرته على اكتساب سلوك أو مهارة معينة إذا ما تهيأت له الظروف المناسبة, ويختلف هذا السلوك المتعلم أو المهارة في درجة تعقده, فقد يكون مهارة عقلية مثل تعلم اللغات الأجنبية والرياضيات, أو يكون تعلم أنشطة حركية أو جسمية بسيطة, ولذلك فإن تعريف الاستعداد يتضمن القدرة على تعلم مهارات متنوعة وسلوك متعدد. فالمهم هو القدرة على التعلم وليس نمط السلوك المتعلم أو نوع المهارة المكتسبة.
وقد تم تحديد نوعين من الاستعداد وفق اتجاهات بياحيه: الأول منهما الاستعداد النمائي حين افترض أن المرحلة التطورية النمائية التي يمر بها المتعلم تحدد مدى استعداده لاستيعاب وتمثل الخبرة التي تقدم له, والاستعداد الخاص الذي سماه بالقابليات أو المتطلبات السابقة إذ افترض أن كل خبرة أو موضوع يقدم للطلبة يتطلب توافر خبرات سابقة, ومفاهيم قبلية ضرورية للتعلم الحالي, فتعلم الطلبة واستيعابهم للخبرة يتوقف على حالة استعدادهم العام والخاص وإن غياب الاستعداد يسهم في تدني الدافعية للتعلم لديهم.
ويختلف التحصيل الدراسي عن الاستعداد, فالاستعداد الدراسي يعتمد على الخبرة التعليمية العامة, أي يعكس التأثير التجمعي للخبرات المتعددة التي يكتسبها الفرد في سياق حياته اليومية, أما التحصيل فيعتمد على خبرات تعليمية محددة في أحد المجالات الدراسية أو التدريبية. كما أن الاختبارات التحصيلية تقيس التعلم الذي يتم تحت شروط محددة بدرجة نسبية وفي ظروف يمكن التحكم فيها مثل التعلم الذي يتم داخل الصف المدرسي أو في برنامج تدريبي معين, ويكون التركيز على الحاضر أو الماضي, أي ما تم تعلمه بالفعل, أما اختبارات الاستعدادات مثل بطاريات الاستعدادات المتعددة, واختبارات الاستعدادات الخاصة فإنها تتنبأ بالأداء اللاحق, أي ما يمكن للفرد أداؤه مستقبلاً إذا ما أتيحت له الظروف المناسبة.
وقد أدى استعمالها للتنبؤ بالتحصيل الدراسي إلى تأكيد أن مستويات التحصيل المرتفعة لا تتحقق إلا للطلبة الأكثر استعدادًا وقدرة, أي أن هناك علاقة سببية بين الاستعداد والتحصيل, بمعنى أن الطلبة ذوي درجة الاستعداد الدراسي المرتفع يستطيعون تعلم الأفكار والمفاهيم المعقدة في حين لا يستطيع ذلك الطلبة ذوو الاستعداد الدراسي الضعيف.
وقد دلت نتائج الدراسة التي قام بها أتكينسون والتي أجريت على مجموعتين من الطلبة, الأولى استعدادها الدراسي مرتفع, والثانية استعدادها الدراسي منخفض, على أن ذوي الاستعداد المرتفع يتميزون بارتفاع درجاتهم التحصيلية بغض النظر عن قوة دافع الإنجاز لديهم, وكذلك بالنسبة لذوي الاستعداد المنخفض, إذ تبين انخفاض مستوى تحصيلهم بغض النظر عن قوة هذا الدافع.
ــــــــــــــــــــ(42/230)
زواج "الهواء الطلق".. دعوة للشباب
د. عمرو أبو خليل
بين فترة وأخرى نسمع عن فتوى جديدة عن الزواج تتناول صيغ مختلفة يمكن أن يتم بها الزواج مثل "زواج المسيار" و"زواج المتعة" و"الزواج العرفي"، وأخيرا رأي "زواج فريند" وقد تلقف المسلمون في البلاد العربية والإسلامية هذه الفكرة في محاولة للتطبيق.
في هذا الإطار وعلى التوازي يمكن طرح حلول وصيغ اجتهادية لمشكلات اجتماعية يواجهها الشباب، مثل الزواج العرفي بحيث لا يكون دورنا فقط الإدانه والرفض لهؤلاء الشباب، بل النظر بعمق في أسباب اللجوء لهذه الصيغة من أجل تقديم رؤية مغايرة للطرح التقليدي لهذه المشكلة، للوصول بشابنا إلى بر الأمان الاجتماعي والنفسي.
أسر مفككة
ففي دراسة قام بها مركز الاستشارات النفسية والاجتماعية بالإسكندرية على عينة من 500 طالب وطالبة في إحدى الكليات كانت النتيجة هي وجود 20 حالة زواج عرفي بين هؤلاء الطلبة كان من بينهم 7 طالبات يشتركن في انتمائهن لأسر مفككة، لا يستمع فيها الأب أو الأم لهن، ولا يوجد مناخٌ دافئ يشجع على الالتزام والاستقرار.
فهؤلاء الشباب وجدوا أنفسهم في أسر تفتقد إلى الحنان والحب والرعاية والدفء والتوجيه فحاول كل منهم أن يوجد لنفسه بديلا يجد عنده الاهتمام والحب والرعاية التي افتقدها في أسرته، ورأى ذلك في شخص يحبه ويبثه همومه وآماله واستجاب لنداء فطرته وبحث عن صيغة فوجدها في هذا الذي أسموه الزواج العرفي.
إن تسطيح الأمر بأن نُرجع هذه الظاهرة إلى السبب الجنسي والرغبة في الإشباع الجنسي فقط أمر غير حقيقي؛ لأن الحاجة إلى الإحساس بالدفء والحب -الذي يتم ترجمته إلى لحظات حميمة يكون الجنس أحد الوسائل للتعبير عنها- هو الغاية من هذا الزواج.
فهؤلاء الشباب التفتوا حولهم، وسألوا أنفسهم: متى سيصبح من حقنا أن نشبع ذلك بصورة شرعية؟ أو ليس لنا الحق في ذلك؟ فوجدوا المسافة بعيدة والبون شاسعا، ووجدوا من حقهم أن يتم هذا الإشباع الآن طالما أن المستقبل القريب لا يكاد يبشر بأي أمل. والحقيقة أنهم تحت هذا الضغط لم يضربوا بكل قيمة عرض الحائط، ولم يسعوا إلى شهواتهم بدون أي احترام لقيم المجتمع.. بل توجهوا إلى رجال الدين يسألونهم ويستفتونهم فوجدوهم يكتفون بإدانتهم ودعوتهم إلى الصبر.. وكان السؤال: إلى متى؟ فيهز رجال الدين أكتافهم ويقولون ليست مسئوليتنا أن نجيب على هذا السؤال. فتوجه الشباب إلى أنفسهم وخاطبوا حسهم الديني الخاص ولم يخترعوا شيئا جديدًا، ولكنهم استعاروا نظامًا اجتماعيًّا كان موجودًا في ظروف مغايرة وهو نظام الزواج العرفي الذي عرفته بعض المجتمعات مع الأرامل والمطلقات اللائي تحول ظروف أزواجهن الجدد دون الإعلان عن هذا الزواج أو حتى ظروف الزوجات أنفسهن لأسباب عديدة.
الباحث عن الحب
فالشباب سحبوا شرعية هذا الزواج على زواجهم واجتهدوا في استيفاء أركانه واستفتوا قلوبهم فأفتتهم بأن ما يفعلونه صحيح، وأداروا ظهورهم للمجتمع كما أدار لهم ظهره من قبل ولم يستمع لشكواهم الحقيقية والواقعية وتعجبوا للضجة المثارة حولهم!! لماذا قبل المجتمع صيغة الزواج العرفي سابقًا للتاجر أو القادر على الزواج من أخرى سواء أرملة أو مطلقة حتى لا تعلم زوجته أو حتى لا ينقطع معاش الأرملة أو حتى لا تنتقل حضانة الأطفال للمطلقة، واعتبره حقًّا مشروعًا واقتنع بحجج هؤلاء بالرغم أنهم متزوجون أو كانوا متزوجين، ولم يقتنع بحجج هؤلاء الشباب الباحثين عن الحب والدفء الباحثين عن إشباع حاجتهم الفطرية، الفاقدين الأمل في أن يتم ذلك بصورة طبيعية يقبلها المجتمع بل ويتمناها هؤلاء الشباب؟!!
إن معظم هؤلاء الشباب والشابات الذين يقدمون على هذه التجربة ليسوا رافضين أو ثائرين على نظام الزواج التقليدي.. بالعكس إنهم يتمنون أن يتم زواجهم بمباركة الأهل وبمباركة المجتمع، ولكنهم لا يجدون إلى ذلك سبيلا، ويجدون أسبابًا وأفكارا وحقائق لا تقنعهم في أن يحرموا من حقهم في الحياة.. إن الشباب يحل مشكلته بطريقته. إنه ينشئ لنفسه كيانًا خاصًا يجد فيه الدفء الذي افتقده في أسرته، ويحل مشكلته الاقتصادية وأعباء الزواج التي يرفض المجتمع أن يتخلى عنها من مهر وشبكة وأثاثات، يحل مشكلته بأن يقفز على كل ذلك ويتزوج في الهواء الطلق بدون شقة ولا أثاث ولا أعباء، يحل مشكلته بطرح صيغة للارتباط تستوفي حسب فهمه لكل الشروط.
إن ما حركه لإيجاد هذه الصيغة ليس غياب الوازع الديني بل حضوره.. ما أسهل أن يختار صيغة العلاقة غير الشرعية تحت ادعاء الحرية أو الغربية أو... ويفعل ما يريد وتفعل ما تريد، ولكن الحضور الديني في أنفسهم دعاهم لاستلهام هذه الصيغة؟ ليس كل الشباب يقدم على هذه التجربة استهتارًا أو تسلية أو رغبة في إيقاع الفتاة في حبائله، إن أغلبيتهم تحركه أبعاد متعددة متراكبة لم يهتم أحد بدراستها أو السماع لها أو محاولة إيجاد حل واقعي يحل مشاكل الشباب وما يشعر به.. لا أن يتكبر عليه أو يلعنه، ويرجمه أو في صورة دنيا يعظه ويوجهه.
مدخل الحل الواقعي
إن الرسول -ص- عندما تعرض المحاربون للعنت لطول بعدهم عن زوجاتهم تعامل مع الصيغة، حتى أنهم يقولون إن زواج المتعة منع وأحل ثماني مرات (موسوعة الزواج ـ الشيخ عطية صقر - باب زواج المتعة)، ولم يقل الرسول -صلى الله عليه وسلم- إن هذا وضع مؤقت يجب أن تصبروا عليه وتتحملوا.. إننا مدعوون لإيجاد صيغة لهؤلاء الشباب تحت نظر المجتمع وتحت رقابته وحمايته.. صيغة اجتماعية وصيغة شرعية.. صيغة يقبلها المجتمع ويقرها الشرع ونجتهد في ذلك ولا نهرب من المواجهة تحت غطاء شعارات أو صياغات لا تسمن ولا تغني من جوع.
إن الموضوع يجب أن يطرح للحوار والنقاش من هذا المدخل.. مدخل الحل الواقعي، مدخل الإحساس بالمشكلة ووطئتها على هؤلاء الشباب المساكين، وسأكون البادئ بطرح صيغة مبدئية يدور حولها الحوار حتى لا نبدأ من فراغ.
لماذا لا يقبل الآباء والأمهات أن يرتبط أبناؤهم وبناتهم وهم في الجامعة بعقد زواج شرعي على أن يظل الشاب والشابة في بيوت آبائهم ويسمح لهم بالخلوة الشرعية في هذه البيوت بطريقة منتظمة، ويمكن أن يشترط في العقد ألا يتم الإنجاب إلا بعد فترة معينة أدناها فترة الدراسة وأقصاها يتفق عليها الطرفان حسب ظروفهما.. ويتعلم الشباب أن يتحملوا مسئولية أنفسهم بأن يجتهد الشاب مبكرًا في العمل حتى يتم زواجه بسرعة، وتجتهد الشابة في أن تقلل من طلباتها وصورة منزلها، وأن ترضى أن تبدأ في منزل صغير بأثاث بسيط مع من أرضته، ويتعلم الشباب كيف يختارون وكيف يقررون، ويقبل المجتمع هذه الصورة وما قد يترتب عليها من زيادة نسبة الطلاق في بداية التجربة، ولكن ستكون بدون أطفال، وتقبل البنت المطلقة كإنسان خاض تجربة وفشل فيها، ومن حقه أن يرتبط مرة أخرى بطريقة طبيعية بدون النظر السلبية الحاكية للمطلقات.. ويتحمل المجتمع مسئوليته في رعاية هذا الزواج وتوفير السبل لنجاحه فلا يضع الآباء والأمهات العراقيل أمام اختيارات أبنائهم بل يسلحونهم بالقدرة على اتخاذ القرار الصحيح وتحمل مسئوليته.
وينهض المجتمع المدني بمسئولياته فتتشكل الجمعيات والمؤسسات التي توجه هؤلاء الشباب وتفهمهم طبيعة الحياة الزوجية، وكيف تبني وكيف تتطور في صيغتها الجديدة وينهض رجال الأعمال والصناعة بمسئوليتهم لإنجاح هذه الصيغة بتوفير الأثاث العملي الرخيص لهؤلاء الشباب، ويقدم أصحاب الاستثمار العقاري ضريبتهم للمجتمع شققًا بسعر التكلفة لهؤلاء الشباب عشر وحدات من كل مائة وحدة يبنيها هؤلاء.. ويوجه الناس لإنشاء صندوق تمويلي من زكاة أموالهم للإسراع بزواج من ارتضوا هذه التجربة (أفتت هيئة كبار العلماء بالسعودية بجواز صرف زكاة المال في مساعدة العاجزين عن الزواج).
تكاتف المجتمع
إن هذه الصيغة التي نقترحها ليست صيغة إجبارية، ولكنها صيغة يجب أن تصبح متاحة يتم الدعاية لها والدعوة إليها بل ويتم تشجيعها من خلال ما افترضناه من جمعيات ومؤسسات أهلية، ويتم صياغتها بطريقة شرعية من قبل رجال الدين بجواز هذه الصورة التدريجية من الزواج، ويتم وضع الضوابط القانونية والتشريعية التي تحدد العلاقات في ظل هذا الوضع الجديد.
باختصار شديد: يجب أن ينهض المجتمع كله من أجل إنجاح هذه الصيغة: أولا بقبولها اجتماعيًّا واعتبارها شيئًا طبيعيًّا يحدث في حماية المجتمع، وليس من وراء ظهره ويزاد قبوله تدريجيًّا حتى يتسع ويعم. وثانيا بالدعم المادي على أرض الواقع من خلال الهيئات والمؤسسات التي تحول الصيغة إلى واقع. وثالثًا من خلال دعم شرعي ديني يستلهم الواقع ويحل مشكلاته من خلال اجتهاد وعصري يثبت أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان مستعد لمواجهة كل المتغيرات والتعامل معها وليس للهروب منها تحت ادعاء أنها مشاكل لم يصفها؛ ولذا فهو ليس مطالبًا بحلها.
إن ما أقدمه هو محاولة للنظر للقضية بصورة أخرى غير الإدانة أو الصراخ.. ولكن بالتعامل مع الواقع وإيجاد صيغة يوافق عليها كل الأطراف: الشباب والمجتمع فلا يولي كل منهم ظهره للآخر.. الشباب يفعل ما يريد.. والمجتمع يهدد ويتوعد أو يرفض ويلغي.
إن الأمر مفتوح للحوار الجاد بدون عصبية أو تشنج.. إننا لا نرضخ للأمر الواقع أو نتخلى عن صيغة الزواج الأصلية، ولكننا ندعو الجميع أن يتحمل مسئوليته نحو اختراق حقيقي للمشكلة وليس للدوران حولها أو وضعها ثم تركها كما هي بدون حل.
-----------------------
* اسلام اون لاين
ــــــــــــــــــــ(42/231)
من المسؤول عن تربية الشباب؟
مع تطور الحياة المدنية للانسان، وتشابك العلاقات، وتعدّد أنواع التفاعل والتأثير الاجتماعي والثقافي، تعددت العوامل والوسائل المؤثرة في تربية الانسان، وتوجيه سلوكه، وصياغة شخصيته. وتشعبت المسؤوليات والمهمات، لذا فإن مراكز الاعداد والتربية والمسؤوليات التربوية تتخطى حدود الاُسرة والأبوين لتشمل المدرسة والمجتمع والدولة ووسائل التوجيه وقيادة الرأي العام. لذا فان المسؤولية التربوية تتوزع بين المؤسسات والجهات الآتية:
1 ـ الاُسرة.
2 ـ المدرسة.
3 ـ المجتمع.
4 ـ الحكومة.
5 ـ الانسان نفسه.
1 ـ الاُسرة:
الاُسرة: هي المحيط التربوي الأول الذي يولد فيه الطفل، وينشأ في ظلاله.. فمنه يكتسب، ويتعلّم، وفي أجوائه ينمو ويترعرع..
فمن الاُسرة، وعاداتها، وطبيعة حياتها، واتجاهها الفكري والسلوكي يكتسب الطفل ويتشبّع.. لذا فإن تأثير الاُسرة في مرحلة الطفولة والنشوء المبكّر له أثره ودوره الفعال في شخصية الطفل ونشأته، ولذا أيضاً ألقى الاسلام المسؤولية الأساسية في التربية على الوالدين، واعتبرهما مسؤولين عن تربية أبنائهما، وخصوصاً الأب، حينما خاطبه القرآن الكريم بقوله:
{يا أيُّها الذينَ آمنوا قُوا أنفسكُم وأهِليكُم ناراً وَقودُها النّاسُ والحِجارةُ.. }. (التحريم/6)
لذا كان من واجب الآباء العناية بتربية أبنائهم، والحرص على سلامة توجيههم، فإن التربية الاسلامية صيانة وتحصين للأبناء من الانحراف والسقوط. وإنّ الأب الذي يهمل تربية أبنائه إنّما يساهم في دفعهم إلى الانحراف والسقوط، وبذا يكون شريكاً لهم، ومساهماً فعالاً فيما يؤولون إليه من أوضاع شاذة، وحالات سلوكية مخربة، لذلك حمّلته قوانين الجزاء الاسلامية مسؤولية تقصير ابنه غير البالغ، والذي يعيش في كفالته، واعتبرته مسؤولاً عن تحمل أي ضرر مادي يُلحقه بالآخرين، ليتمّ التنسيق والتكامل بين القوانين والمسؤوليات، هذا عدا المسؤولية الجزائية الكبرى التي يتحملها الأب أمام الله سبحانه، يوم يقوم النّاس لرب العالمين.
2 ـ المدرسة:
أما المؤسسة التربوية الثانية التي تقع عليها مسؤوليات تربوية كبرى فهي المدرسة، لأن للمدرسة ولعناصر التأثير فيها قوة تربوية وتوجيهية فعالة تساهم في بناء شخصية الطفل والمراهق، وتؤثر فيها تأثيراً بالغاً.
فالمدرسة هي المصنع الذي يعدّ الأجيال، والحاضنة التي تربّي أفراد الاُمة، واليد التي تخطّط صورة الحياة. لذا كان من الضروري العناية بالمدرسة، وبعناصرها الأساسية: المدّرس، والمنهج، والنشاط، وأُسلوب الحياة والتوجيه في داخلها.. إلخ، وصياغة كل ذلك على أُسس إسلامية دقيقة ومتقنة، لجعل المدرسة أداة بناء ووسيلة تنقيح وتوجيه، تعمل على حذف وتصحيح الأخطاء والانحرافات التي يكتسبها الطفل من محيط الاُسرة والمجتمع، واكتشاف القابليات والميول الخيّرة في الطفل لتنميتها وتقوية جذورها في نفسه، وتزويده بالمعارف والعلوم الثقافية، وتدريبه على أسلوب الحياة والسلوك الانساني السوي، ليكون عضواً نافعاً في مجتمعه، وقادراً على تحمّل مسؤوليات الحياة.
فمسؤولية المدرسة بصورة أساسية هي تحقيق أهداف التربية الاسلامية التي تحدّثنا عنها في موضوع (أهداف التربية في الاسلام) والحفاظ على هذه الأهداف.
3 ـ المجتمع:
والمجتمع هو المسؤول الثالث الذي يشاطر بقية المؤسسات والجهات المسؤولية في تربية أفراده.
فالمجتمع بما فيه من أعراف وتقاليد، وثقافة، ومفاهيم، وأُسلوب حياة، ولغة، ودين، وقيم يؤثر بشكل قوي على شخصية الفرد. لذا كان من الضروري تنقيح المجتمع وتصحيح تيار الحياة فيه، بصورة دائمة ومستمرة، وذلك في القيام بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ونظراً لما للمجتمع وللاختلاط الاجتماعي من دور، وأثر في حياة الأفراد، كان عزل الأبناء، وإبعادهم عن أصدقاء السوء، وبؤر تجمع الفساد، ومراكزه التي يتطاير الشر منها أمراً ضرورياً لئلاّ تنتشر العدوى ويعمّ الانحراف، ما دام المجتمع مجتمعاً غير إسلامي، يُخشى على الطفل والصبي والمراهق منه.
أما في حالة وجود المجتمع الاسلامي.. فإنّ الأمر يختلف كثيراً، إذ يصبح المجتمع عاملاً مساعداً من عوامل التربية والتوجيه التربوي السويّ، يساند الاُسرة والمدرسة المسلمة في عملية الاعداد والتوجيه.
4 ـ الحكومة:
والجهة المسؤولة والقوة المؤثرة الرابعة في التربية هي الحكومة. فالحكومة تحاول دائماً ـ وبكل وسائلها ـ أن تصنع الأفراد وتربّي الأجيال على مذهبها السياسي والاجتماعي.. فالحكومة الشيوعية، أو الاشتراكية، أو الرأسمالية، أو غيرها من الحكومات غير الاسلامية، تحاول أن تصنع الفرد على صورة نظريتها؛ كما تحاول الحكومة الاسلامية أن تربي الفرد والجماعة على أساس مبادئها، وقيمها في الحياة. لذا اهتمت الحكومات بإعداد الوزارات والأجهزة والوسائل المختلفة: كالمدارس، والجامعات والصحف، ووسائل الاعلام والتوجيه.. إلخ، لتربي شعوبها التربية التي تؤمن بها، وتوجههم الوجهة التي ترتضيها.
ويجب أن نُنبّه هنا إلى أن التربية في مدارس المسلمين اليوم كلها متأثرة بتيارات التربية غير الاسلامية ـ إلا ما رحم الله ـ وتحاول أن تربي أبناء المسلمين تربية لا دينية، بل معادية للاسلام في غالب الأحيان.. لهذا كان واجب الآباء، ورجال الفكر والدعوة إلى الاسلام أن ينتبهوا إلى هذا الخطر الحضاري الكبير، وأن يتّخذوا كل الوسائل الثقافية لمجابهة هذا التيار، وحماية أجيال المسلمين من السقوط والانحراف.
5 ـ الانسان نفسه:
بعد أن يتجاوز الانسان مرحلة الطفولة والصبا، ويصل حد البلوغ ومرحلة المسؤولية والتكليف يكون هو المسؤول عن تربية نفسه، وترويضها وتصحيح مواقفها، وتسديد مسارها. لذلك جاء الخطاب الالهي بادئاً بالنفس:
{ قُوا أنفسكُمْ وأهليكُمْ ناراً... }.
ولذلك أيضاً جاء الحث في آية أُخرى تأكيداً لمسؤولية الانسان عن تربية نفسه، وإنقاذها من محنة السقوط والعذاب، فقال تعالى:
{ وأمّا مَنْ خافَ مقامَ ربّهِ ونَهى النّفسَ عَنِ الهَوى* فإنَّ الجنّةَ هِي المَأوى }.(النازعات/40 ـ 41)
وتحتل هذه التربية المقام الأول في التأثير، والاصلاح، والتغيير، والالتزام، لذا جاء حديث الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) مدحاً وبشارةً بالجنة للمؤمن الذي يربي نفسه، ويكوّن شخصيته، ويبنيها بناءً إسلامياً.
فقد روى الامام محمد الباقر ابن الامام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
(إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ عن الله يقول: أينَ أهل الصبر؟ قال: فيقوم عنق(1) من الناس، فتستقبلهم زُمرة من الملائكة، فيقولون لهم: ما كان صبركم هذا الذي صبرتم؟ فيقولون: صبّرنا أنفسنا على طاعة الله، وصبّرناها عن معصية الله. قال: فينادي منادٍ من عند الله: صدق عبادي، خلّوا سبيلهم، ليدخلوا الجنّة بغير حساب)(2).
وعن الامام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)عن النبي(صلى الله عليه وآله)أنه قال:
(بعث سرية، فلما رجعوا قال: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر، وبقي عليهم الجهاد الأكبر. فقيل: يا رسول الله، ما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس)(3).
وبهذه التوجيهات، والارشادات التربوية، وأمثالها، حث الاسلام أبناءه على أن يربي كل مسلم نفسه، ويحرص على ترويضها، وقيادتها قيادة سليمة على أساس من منهج الاسلام، وبوحي من هداه.
وهكذا أحكم الاسلام نظام التربية، وشاد أُسس البناء التربوي على هدى وبصيرة لبناء الانسان، وإعداده إعداداً إنسانياً سليماً.
* البلاغ
1 عنق: جماعة.
2 الحر العاملي: وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة / ج6 / ص189 / ط2.
3 المصدر السابق / ص 122.
ــــــــــــــــــــ(42/232)
دور المال في الحياة وعلاقة الانسان به
«طوبى لمن أنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله» .
إن من أعقد مشاكل الإنسان هي سوء تعامله مع الأشياء والتصرّف بها . . وان من أبرز تلك التصرفات المسيئة إلى قانون الوجود والطبيعة ونظام الحياة التي تجلب له المآسي ، وتسير بمجتمعه نحو الدمار ، وتعرّض علاقاته الإنسانية للتوتر والخطر ، وتحمِّله التبعات . . إن من أسوأ تلك التصرفات هو التصرف بالمال والكلمة ، تصرفاً لا يتفق والأهداف الخيِّرة التي وجدا من أجلها .
فالإنسان في تعامله مع المال يكدح ، ويبذل الجهد ، ويسلك شتى السبل للكسب وجمع المال ، مندفعاً بدافع الجشع والشح وروح الاحتكار واكتناز المال ، ومن غير وعي ، ولا تفهم لوظيفة المال ، ودوره في الحياة ، وعلاقة الإنسان به .
فإن من الناس ، وهم الأكثرون ، قد جعل همّه جمع المال واكتنازه ، وحرمان الآخرين منه ، بل وحرمان نفسه وأهله مما يجمع ويدّخر ، فتحوّل إلى أداة هدم وتخريب في الحياة . . إن هذه السلوكية المالية هي سلوكية هدامة عدوانية ، تخالف المنهج الإلهي ، والرؤية الإسلامية للمال ووظيفته الاجتماعية ، وعلاقة الإنسان به .
إنّ المنهج النبوي الذي يلخّصه هذا المبدأ الاقتصادي الفريد يتمثل بدعوة الإنسان إلى الالتزام بقانون الطبيعة ، كما خلقها بارئها ، فقانون الطبيعة يقضي بوجود حاجات للإنسان يجب إشباعها ، وهو يحصل على المال لتوفير ذلك الإشباع ، لا لإكتناز المال واحتكاره ، وحرمان الآخرين منه ، لذلك جاء البيان النبوي ليدعو الإنسان إلى أن يأخذ من المال ما يكفيه ، ثمّ ينفق ما زاد على حاجته في حقول العمل الصالح ، ومجالات البرِّ والمعروف وخدمة المجتمع ، فإن هذه السياسة المالية والتربية العقيدية هي وحدها الكفيلة بحل مشكلة الإنسان الاقتصادية ، والتي تحول دون الاحتكار والاستغلال والطبقية الاقتصادية وحرمان الآخرين .
وكما تتأصل في أعماق الإنسان مشكلة جمع المال واكتنازه ، والحيلولة دون تسرّبه إلى الآخرين ، فهو بخيل شحيح به ، يقبض يده ، فلا يخرج منها المال إلاّ بالصراع والعناء ، وربّما بالانتزاع بقوة القانون ، أو الضغط القاهر ، نراه يتعامل مع الكلمة بإسراف وتبذير ، ودونما ضوابط ولا تحفظ .
فنراه يفتح فاه ، ويطلق لسانه من غير رقابة ولا حساب . . يطلقه بكلمة السوء واللغو والثرثرة ، فلا يتورّع عن الغيبة والنميمة والكذب والخداع ، وتناول الناس ، والإساءة إلى سمعتهم ، أو الفضول ، والتدخل فيما لا يعنيه ، أو إطلاق الكلمات من غير هدفية ولا حساب .
إنّه التعامل الخاطئ مع المال والكلمة ، إنّ هذا الإنسان يسير في تعامله معهما سيراً معاكساً لما ينبغي ، إنّ التعامل الصواب هو انفاق الفضل من المال ، وامساك الكلمة الزائدة والخاطئة ، غير أنّ الإنسان أمسك الفضل من ماله ، وأطلق لسانه اطلاق السوء والفضول ، فالناس ضحايا لسانه ، كما هم ضحايا ماله لسوء تعامله مع الكلمة والمال .
ــــــــــــــــــــ(42/233)
فعاليات الشباب الدينية والأمن الداخلي للدولة
* فهمي هويدي
هنا بعض ممارسات أجهزة الأمن تجاه الشباب المسلم الذي يريد أن يدعو إلى الله، ويخدم دينه وأهله المحيطين به، دون أن ينخرط في تنظيم سري أو جماعة متطرفة، ودون أن يتصادم مع السلطة، وهناك أيضاً أنشطة بعض التجمعات الإسلامية في صعيد مصر إلى أن الذين يبادرون إلى ملاحقة بعض المنكرات، لا يغيرون شيئاً من تلك المنكرات، وإنما هم فقط ((يشاغبون عليها)) مثيرين ضجيجاً إعلامياً يضر ولا يفيد. ودعوة الشباب المسلم إلى أن ينشغلوا بالتربية وبالبحث العلمي، وأن ((يتطرفوا ـ إن شاءوا)) ـ في خدمة الناس والنهوض بالمجتمعات المحيطة بهم.
منذ ذلك الحين، والبردي يحمل إلى خطابات تقول ما خلاصته: نحن نسعى إلى ما تدعو إليه، ونحاول جاهدين أن نفيد ونصلح. ولكن أجهزة الأمن تلاحقنا وتتهمنا.
تضمنت الخطابات تفصيلات لوقائع عديدة استشهد بها مرسلوها، وهو أمر يقتضينا الإنصاف والدقة أن نتحرى صحته، مما لم يتيسر لي لأسباب عديدة، بعضها يتعلق بمحدودية الجهد والطاقة، وبعضها يرجع إلى أننا اعتدنا أن نتلقى نفياً دائماً لكل ما ينسب لأجهزة السلطة من مخالفات أو تجاوزات. وهو نفي جاهز ومعد سلفاً فيما يبدو، لابد أن يتهم صاحب الواقعة أو مَن رددها بالتشكيك والإثارة في نهاية الأمر!.
مع ذلك فهناك وقائع ترجح صحتها، سواء لتواتر الروايات التي تنقلها، أو لتوفر قدر من المعرفة أو الخبرة الشخصية يسمح بقبولها وتصور إمكان حدوثها.
تحت يدي رسائل عدة من هذا النوع الذي ترجح صحة الوقائع المذكورة فيها. لكني أكتفي بنشر رسالة واحدة، بعث بها إلى طالب جامعي في السنة الرابعة بكلية آداب بنها اسمه محمد السيد عبدالخالق)).
يقول صاحبها ما نصه: يبدو أن الدولة لا تشجع التدين عموماً، ولهذا فإنها تغلق الأبواب أمام الشباب المتدين إذا ما أراد أن ينتهج سبيل الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة. وهي بذلك تشجع على التطرف والتشدد في أمور الدين. والدلائل التي حولنا تشير إلى ذلك، وهناك ثلاثة نماذج تؤيد صحة ما أدعيه.
ـ النموذج الأول: التقى بعض الشباب المتحمس لفعل الخير ومساعدة الفقراء والمحتاجين، واجتمعوا بعد صلاة المغرب في أحد مساجد البلد، واتفقوا على إنشاء صندوق أسموه ((بيت مال المسلمين)) لجمع الصدقات والزكوات من القادرين وتوزيعها على الفقراء، بعد إجراء بحوث اجتماعية لمعرفة المستحقين للصدقة. وانتخب المصلون لجنة يرأسها شيخ من أهل القرية موثوق به. ومعه ثلاثة من الشباب المتدين ذوي النشاط الاجتماعي. وأخذ نشاط اللجنة يتسع، حتى عم الخير كثيراً من بيوت الفقراء واليتامى والعجزة. وأخذت التبرعات النقدية والعينية من ملابس وأحذية وأغطية، تتدفق على اللجنة، التي استطاعت أن تغطي كل فقراء البلد، واتجهت لتغطي فقراء القرى المجاورة .. لكن ما إن علم القائمون على جهاز أمن الدولة بذلك حتى استدعوا أعضاء اللجنة القائمة بذلك العمل، وخيروهم بين إنهاء المشروع، أو إسناده إلى لجنة من الحزب الوطني. رفض الإخوة ذلك، لأنهم لم يثقوا في اللجنة المقترحة، وخشوا من أن تبدد أموال الصدقات في الدعاية للحزب أثناء الانتخابات (وكانت المعركة الانتخابية قائمة وقتذاك).
وكان الحل الذي انتهى إليه أهل القرية هو أنهم لجئوا إلى انتخاب لجنة أخرى بلدية، استبعدوا منها الشباب المتدين، إرضاء لجهاز الأمن. واستقر الرأي على أن تتعامل اللجنة مع بنك ناصر الاجتماعي في جمع الزكاة وتوزيعها على الفقراء .. ولكن حماس الناس ما لبث أن فتر بعد التغيير الذي تم، وبدأ البعض يخرجون زكاتهم بأنفسهم لضعف ثقتهم في اللجنة الجديدة، وحرمت القرية من ذلك المشروع الخيري، بسبب ضغوط جهاز الأمن وشكوكه.
ـ النموذج الثاني: أحد الشبان المتدينين قرر أن يعلم بعض الصبيان بين العاشرة والثانية عشرة كيفية تلاوة القرآن الكريم حسبة لله سبحانه وتعالى. فوجه الدعوة إلى مَن يعرف، وعقد لهؤلاء الصبية جلسة أسبوعية للتلاوة في المسجد ـ في العلن وعلى رءوس الأشهاد ـ ولما ((اكتشف)) أمره، استدعاه مسئول الأمن وطلب منه أن يكف عن هذا العمل فرفض الشاب وقال إنه عمل مشروع وليس فيه ما يعكر الأمن في شيء. فما كان منه إلا أن استدعى أباه، وهدده باحتجاز ابنه واعتقاله إذا لم يوقف نشاطه، لكن الابن ((ركب رأسه)) ولم يستجب لدعوة أبيه. فبعث مسئول الأمن باثنين من المخبرين إلى أهالي الصبية، ونقلا إليهم تهديداً بأنه إذا لم يتوقف الأولاد عن أخذ دروس التلاوة في المسجد، فسيتعرضون بدورهم للاعتقال. وفي النهاية سارع الأهالي إلى منع أبنائهم من الذهاب إلى المسجد سواء للصلاة أو لتلاوة القرآن، زيادة في الاحتياط وابتعاداً عن الشبهات!.
ـ النموذج الثالث: في قرية مجاورة، استشعر بعض الشبان أنهم بحاجة لأن يتعلموا شيئاً من أمور دينهم، فاتفقوا على عقد ندوة أسبوعية بمسجد القرية، يحضرها أحد شيوخ المنطقة. ولكن بفضل سعى القائمين على جهاز الأمن، منعت هذه الندوة العلنية، وأصبحت البلد خلوا من دروس العلم. فاتفق هؤلاء الشبان على أن يجلسوا مرتين أسبوعياً فيما بين المغرب والعشاء، في أحد المساجد الأهلية للقراءة في أحد كتب الفقه الميسرة. وكان كتاب ((فقه السنة)) للشيخ سيد سابق. واستمر الحال على ذلك لمدة أسبوعين ما لبث جهاز الأمن أن تدخل بعدهما. إذ أوفد بعض المخبرين إلى صاحب المسجد الأهلي، وهددوه بالمخاطر والشبهات، قائلين إنه إذا لم يطرد هؤلاء الشبان فسوف يضطرون إلى استصدار قرار إداري بإغلاقه. فسارع الشيخ إلى منع الدروس وإقصاء الشبان عن المسجد دفعاً للشبهة واتقاء للأذى!
ختم الطالب الجامعي هذا الشق من الرسالة بقوله: هذه النماذج التي عرضتها تبين بما لا يدع مجالاً للشك، أن الدولة ليست لديها وسيلة للتعامل مع التيار الإسلامي المعتدل سوى أجهزة الأمن. في حين أن تلك الأجهزة تتولى ((مقاومة)) أي عمل غير مشروع أو مخالف للقانون ـ وأعتقد أن ما فعله هؤلاء الشبان جميعاً لمي خرج عن القانون في شيء. وإذا كان لكل قاعدة شواذ، فإننا نؤيد أي إجراء متشدد يتخذ ضد أولئك الشواذ الذين ينتمون إلى التيار الإسلامي، ويرتكبون ما هو مخالف للقانون ـ في غير ذلك. فينبغي أن يظل الأصل هو الإباحة وليس الحظر. والتشجيع على التدين وليس ملاحقته أو مصادرته.
* * *
مثل هذه الوقائع التي وردت في العديد من الرسائل التي تلقيتها خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، تثيرا أموراً ثلاثة جديرة بالبحث والمناقشة.
ـ الأمر الأول يتعلق بأزمة الثقة القائمة بين أجهزة الأمن وبين المتدينين عامة.
فالشك متبادل ومستمر، والاتهام بات قاعدة وليس استثناء. ونحن نستطيع أن نلتمس أعذاراً للمسؤولين عن أجهزة الأمن فيما يساورهم من شكوك، لأنهم إذا كانوا مكلفين بالتصدي للتطرف والارهاب، فإن الشباب الذي يتورط في مثل تلك الأنشطة إنما يخرج أصلاً من قاعدة المتدينين. وهو ماقد يدفع البعض إلى التحوط وملاحقة أولئك المتدينين، خصوصاً إذا كانوا من الشبان، متصوراً أنه بذلك يستأصل التطرف أو الارهاب في محاضنه ومن جذوره.
إذ في غيبية صيغة مشروعة للعمل السياسي الإسلامي، فإن رجل الأمن يظل يتعامل مع ساحة مظلمة أو معتمة، ولا يتسنى له بسهولة أن يتعرف على الصالح أو الطالح من عناصرها ومكوناتها. وتصبح إحدى البدائل المتاحة أمامه هو الانحياز إلى منطق التحوط والأخذ بالشبهات والشكوك، الذي تكون ضحيته شرائح الشباب التي لا علاقة لها بمخاوفه، وليس لها ي أمر التطرف أو الإرهاب عبر أو نفير.
أي أن رجل الأمن يصبح في موقف حرج، يتحمل بمقتضاه خطأ المعالجة السياسية، حيث مصادرة النشاط السياسي عامة بحق الإسلاميين جميعاً، المعتدلين منهم قبل المتطرفين وبالتالي فإن فرصة ترشيد العمل الإسلامي، وتحقيق الفرز بين فصائله، تظلان غائبتين على الدوام، مما يحير رجل الأمن، ويضطره إلى توسيع دائرة الشكوك، حتى يتولى من جانبه عملية الفرز التي ليست منوطة به.
غير أن هذه لعبة خطرة، ومنزلق يوسع من نطاق التطرف ولا يقصله. الخطورة تكمن في أن ذلك المنطق يفتح الباب لانتهاك القانون وتجاوز ضوابطه، من حيث أن القانون يحاسب على الأفعال وليس على الشكوك والاحتمالات، فضلاً عن أنه من الضروري أن يكون هناك معيار متفق عليه بين الجميع للفصل فيما يجوز أو لا يجوز. وفي إطار العقد الاجتماعي القائم بين الناس والسلطة، فإن القانون يمثل هذا المعيار ـ ولم يقل أحد بأن تترك المسألة تقديرية لعناصر السلطة أو أجهزة الأمن فيها.
الوجه الآخر للخطورة يكمن في أن خطأ التناول السياسي للأنشطة الإسلامية لا ينبغي أن يعالج بخطأ أكبر، يتمثل في انتهاك الحدود الفاصلة بين المباح والمحظور، وإهدار دور القانون بالتالي.
أما كون هذا المسلك يوسع من نطاق التطرف ولا يقلصه، فأحسبه ليس في حاجة إلى تدليل وإثبات. فهؤلاء الذين تلاحق أنشطتهم العادية والمعلنة، يدفعون إلى دائرة العمل السري، والأبرياء الذين يحتجزون لبعض الوقت بدعوى ((التمشيط)) حتى يتم الفرز، ترشحهم أجهزة الأمن ليكونوا بين صفوف المتطرفين.
لا نستطيع أن نغفل دور الحماقات أو الجنايات التي ارتكبها بعض الإسلاميين في حق المجتمع أو في حق السلطة. والشرطة خاصة (ليس منسياً حادث الاستيلاء على مديرية أمن أسيوط في سنة 81 ومقتل حوالي 90 ضابطاً وجندياً بواسطة بعض شباب ((الجهاد)) ) .. لكننا نقول إن تعميم افتراض الحمق أو التجريم على كافة الشباب المسلم ليس من الحكمة في شيء ثم إن التذرع بأي ضرورة كانت لانتهاك نص القانون أو روحه، ليس من العدل في شيء.
ـ الأمر الثاني الذي تثيره الوقائع التي ذكرتها هو الأثر السلبي الذي أحدثه الإعلام الأمني، وشوه كل جهد ينتسب إلى الإسلام، بما في ذلك تحفيظ القرآن الكريم. ذلك أن حملة الاتهام والتشكيك التي ما انفكت تلاحق الإسلاميين ألقت بالشبهات على الجميع، حتى شاع ظن ظالم يحسب أن كل تجمع إسلامي هو بؤرة للتطرف والإرهاب.
أعرف جمعية للسيدات الفضليات ووجهت أنشطتها واتصالاتها بعقبات عديدة، لمجرد أنها تحمل اسم ((التعارف الإسلامي)) .. وأعرف خبيراً وهب نفسه وكرس خبرته من أجل التنمية في بلده، التقى بمسئول كبير وعرض عليه فكرة مشروع إيمائي حيوي قوامه صغار المدخرين والحرفيين الملحيين في القرى والمراكز، وقد رحب المسئول بالمشروع وتحمس له للغاية، ولكنه سأل صاحبنا الخبير: وهل من الضروري أن نسميه إسلامياً؟.
أعرف يقيناً أن هذه المخاوف لا تعبر عن خط سياسي، أو موقف مبدئي من الانتماء إلى الإسلام، ولكن كثافة الحملة الإعلامية على الإسلاميين عبأت كثيرين ممن هم في مواقع السلطة ضد النشاط الإسلامي. تعبئة ظالمة وغير صحية، كان ضحيتها قطاعاً عريضاً من الخيرين والمعتدلين.
ـ الأمر الثالث ينصب على تلك النقطة الأخيرة التي أثرتها، ويتمثل في الحيرة الشديدة التي يعيشها الشباب المسلم الذي يبحث عن طريق مشروع وآمن ليخدم دينه وأهله ووطنه، وتشعره بعض الممارسات الأمنية بأن الطريق أمامه مسدود، وأن عليه أن يلزم بيته وأن يبتعد عن أقرانه، وإلا تعرض لما يكره ولا يتمناه.
والعبارات التي رددتها رسائل هؤلاء الشبان، في هذه النقطة بالذات، تقطر حزناً وحنقاً. وأكثرهم لا يتردد في القول بأن الدولة ضد الإسلام في حقيقة الأمر، وما حديثها عن التطرف والإرهاب إلى ذرائع تخفي نواياها بينما كتب أحدهم يذكرني بما سبق أن قلة من أنه: إذا أغلق باب الاعتدال، فتلك دعوة ضمنية إلى التطرف، وإذا سدت منافذ الشرعية والعلنية، فلن يكون هناك مخرج أمام الراغبين في العمل سوى الظلام والسرية. وسألني آخر: لماذا تحتاج قراءة القرآن ودراسة كتب السيرة والفقه في المساجد إلى إذن من وزارة الأوقاف وجهاز أمن الدولة؟ ... وقال ثالث: إن مشكلة العمل الإسلامي الآن ليست في المتطرفين وحدهم، ولكن المعتدلين أيضاً يواجهون محنة شديدة!.
ــــــــــــــــــــ(42/234)
الإتكاء على السلالة ومدى تأثيرهاعلى الشباب
لا زالت النظرة إلى اسم العائلة والشهرة واللقب والسمعة والصيت تلعب دورها في التأثير على هذا الشاب أو تلك الفتاة كونهما منحدرين من أسرة ذات بريق اجتماعي أخّاذ .
فكما أنّهما يتكئان على مجد الأسرة واسمها وسمعتها وبريقها الوهّاج ، فكذلك نظرة بعض الناس إليهم على أ نّهم من أبناء السادة النبلاء والأشراف أو الأسر العريقة مما يعكس عليهم بريقاً لم يشاركوا في صناعته .
وربّما لعب اسم الأسرة دوراً آخر في التغطية على العيوب والمثالب والأخطاء ، فابن الأسرة المعروفة المشهورة لا يُحاسب ـ اجتماعياً ـ كما يحاسب ابن الأسرة المجهولة المغمورة ، الأمر الذي نهى عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله : «إنّما أهلك مَنْ كان قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحدّ» .
والشريف هنا هو المتحدّر من أسرة أو سلالة معروفة في أوساط الناس ، إمّا لاشتهارها بالتجارة أو العلم أو الأدب أو السياسة أو الدين .
وهذا أيضاً من المفاهيم المغلوطة ، فإنّ ما ينبغي التركيز عليه هو : ماذا قدّم أو يقدّم هذا الشاب أو هذه الفتاة من أعمال تشير إلى قدراتهما ومهاراتهما وإنجازاتهما ، وذلك هو قول الشاعر :
ليس الفتى مَنْ قال : كان أبي***إنّ الفتى مَنْ قال : ها أنذا
فربّ (دكّة) يصنعها الشاب بجهده الشخصيّ خيرٌ له من (منبر) كان يتربّع عليه (أبوه) أو (جدّه) أو أحد أعمامه أو أخواله . أمّا إذا أراد الجلوس على ذات المنبر فليقدم من خلاله ما قدّم أبوه أو جدّه أو أكثر من ذلك ، حتى يليق باسمه هو لا بأسمائهم هم ، وإلاّ فالألقاب لا تُتوارث ، أي أنّني قد أحمل اسم العائلة واللقب الذي تتلقب به لكنني لا أحمل غير الاسم ، ولا أرث العلم أو السمعة التي اكتسبوها بجهدهم وجهادهم وطول صبرهم وأناتهم ، خاصّة إذا كنت قصير الهمّة فارغ المحتوى لا أعيش إلاّ على أمجاد الماضي .
وربّما يقع بعض الآباء أو الاُمّهات في الخطأ عندما يزوّجون ابنتهم من ابن العائلة الفلانية لمجرد الاسم الرنّان دون النظر إلى مزايا وخصال وخصائص شخصية المتقدم لطلب يد ابنتهم ، وقد يسعى بعض الآباء والاُمّهات في تزويج ابنهم من ابنة العائلة الفلانية للأسباب ذاتها ، في حين أنّ اسم العائلة لا دخل له في سعادة الزوجين ، وربّما إذا تمّ التركيز على الاسم فقط بقطع النظر عن المواصفات الأخرى ، فقد لا يحصد العريسان إلاّ الندم .
-------------
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/235)
هل الدنيا مظاهر . . أم!
يهتمّ الشبّان بمظاهرهم ، وتولي الفتيات مظاهرهنّ عناية فائقة كجزء من لفت أنظار بعضهم لبعض . وقد يأتي الاهتمام بالمظهر الخارجي كصورة من التفاخر والتباهي على الأقران أصدقاء أو صديقات .
وإذا سألت أحدهم ، أو إحداهنّ عن السبب في المبالغة بالاهتمام بالمظهر ، يأتيك الردّ : «الدنيا مظاهر» .
والقرآن قد وصف الدنيا بأنّها دار لهو وغرور وزينة وتفاخر وتكاثر ، لكنّه أراد بهذا الوصف أن يذمّ هذا الوجه منها ، وإلاّ فهو قد دعا إلى الأخذ بنصيب الدنيا (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا ) أي التمتع بملذاتها في غير محرّم ، واغتنامها كفرصة للطاعة وللابداع الانساني الذي يخدم الانسانية ويعمر الأرض بالحق والخير والجمال والعدل .
إنّ تعبير (الدنيا مظاهر) ينمّ عن حالة ثقافية واجتماعية تولي العناية بالمظهر اهتمامها الأوّل بحيث يصبح مظهر الانسان لا جوهره هو القيمة .
فذو الملابس الفاخرة ، والسيارة الفارهة والقصر المنيف .. إنسان فاخر ، وذات الملابس الزاهية الغالية ، والزينة المترفة الباذخة من أساور وأقراط وقلائد ، إنسانة من الطبقة الراقية .
ولا بدّ من التنبّه إلى أنّ (الفخر) هناك و (الرقيّ) هنا ليسا حقيقيين وإنّما اعتباريان ، أي أنّ الناس وبسبب التخلّف الثقافي يعتبرون المظاهر فخراً ورقيّاً .
وقصّة ذلك الرجل الذي دخل إلى مأدبة فلم يأبه به أحد لأنّ الدعوة كانت مخصّصة لذوي المظاهر ، وحين ارتدى ملابس فاخرة لفت الأنظار وجذب الاهتمام ، معروفة ، حتى أ نّه حينما جيء له بالطعام لم يتناول منه شيئاً ، بل قدّمه إلى ملابسه ، وقال لها : كلي ، فهذا لك ! فتعجّب الحاضرون من هذا المشهد الذي يكشف عن أنّ الاهتمام كان منصباً على المظهر وليس على صاحب المظهر .
ولو أردنا أن نعرف حقيقة (الفخر) لقلنا أنّ من حقّ الانسان أن يفخر بقدراته ومواهبه وأفكاره وإبداعاته ومساهماته في خدمة المجتمع .
وأنّ (الرقيّ) الحقيقي هو في النمو المطرد الذي نلحظه على تفكير الانسان وتعامله أو تعاطيه مع الأشياء والأشخاص والأحداث .
إنّ واحدةً من أبلغ رسائل الحجّ التي يقدّمها الاسلام لأتباعه هي أنّ الله لا يعبأ بأشكال الناس وملابسهم ، بل بما انطوت عليه قلوبهم وسرائرهم ، ورسالة ثوبي الأحرام شبيهة إلى حدّ كبير بالكفن الذي يلفّ به جثمان الانسان في آخر المطاف .
إنّها رسالة تقول للانسان أنّ ما يميِّزك عن أخيك الانسان الآخر هو عملك وعلمك وتقواك ، وما عدا ذلك فلا قيمة له ولا اعتبار سواء لبست الحرير أو ارتديت الأسمال .
وهذا هو أحد جوانب الصورة .
أمّا الجانب الثاني ، فإنّنا لا نريد من الحديث عن المظاهر أن نهمل مظاهرنا وأن نرتدي الثياب المرقعة البالية ، فالزيّ الجميل والنظيف يضيف على حسن الانسان حسناً آخر ، لكنّنا نؤكد ونركز على الجوهر والمضمون أكثر من التركيز على المظهر والشكل .
فالثياب والزينة ـ حتى الفاخر والغالي منها ـ تبلى وتتغيّر ألوانها وتهبط أسعارها وربّما تسقط موديلاتها ـ إذا جارينا النظرة إلى الموضة ـ لكنّ أخلاق الانسان وفكره واسلوب تعامله وشمائله لا تبلى ، بل يمكن أن تتجدّد وتزداد قيمتها مع الأيام ، فالله لا ينظر إلى أجسامنا وأشكالنا وأزيائنا وإنّما ينظر إلى قلوبنا ، أي المحتوى الداخلي لكلّ منّا ، وفي ذلك يقول الشاعر :
إذا المرءُ لم يدنس من اللؤم عرضه *** فكلّ رداء يرتديه جميلُ
--------------
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/236)
أخلاقيات التحرر من التعصب
* د. يوسف القرضاوي
ومن التعصب الذي ينبغي أن نحذر منه: التعصب للفئة أو الحزب أو للجماعة التي ينتسب إليها المسلم، تعصباً يجعله ينتصر لها بالحق وبالباطل على نحو ما قاله العرب في الجاهلية (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) قبل أن يعدل رسول الله (ص) مفهوم الجملة، ويعطيها تفسيراً جديداً يتفق مع قيم الإسلام.
ومن التعصب للجماعة أو الحزب، أن يضفى عليها من الصفات ما يشبه القداسة أو العصمة، فكل ما تقوله فهو حق، وكل ما تفعله فهو جميل، وكل ما يصدر عنها فهو صواب، وكل تاريخها أمجاد، وكل رجالها ملائكة!
وهذا ليس بصحيح فكل جماعة قامت لنصرة الإسلام وتجديده في العقول والأنفس والحياة والمجتمع، ليست أكثر من مجموعة من المسلمين تجتهد في خدمة الإسلام وإعلاء كلمته، وهي في اجتهادها تصيب وتخطئ، وهي مأجورة على كل حال أصابت أم أخطأت، فلكل مجتهد نصيب، ولكل امرئ ما نوى.
ومن مظاهر هذا التعصب: أن لا يذكر لجماعته أو لحزبه، إلا المزايا والحسنات، ولا يذكر للجماعات الأخرى إلا العيوب والسيئات، وأن يعظم رجال مجموعته مهما يكن فيهم من تقصير أو قصور، ويحقر رجال الآخرين مهما يكن فيهم من سمو في العلم والعمل.
والإسلام يوجب على المسلم، أن يكون عدلاً مع مَن يحب ومَن يكره، يقوم لله شهيداً بالقسط ولو على نفسه، ولا يخرجه غضبه عن الحق، ولا يدخله رضاه في الباطل، ولا تمنعه الخصومة من الشهادة لخصمه بما فيه من خير، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) النساء: 135.
وقال: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) المائدة: 8.
ومن مظاهره: أن يفرح بأخطاء الآخرين، وقد يشنع بها، ويضرب بها الطبل، في حين يتعامى عن أخطاء فئته وجماعته، وإذا اعترف بها حاول أن يهون منها، ويعتذر لها، ويدافع عنها.
ومن مظاهر التعصب: المبالغة في المحافظة على الأشكال التنظيمية للحزب أو للجماعة، كأنها أمور تعبدية، حتى يضحى ـ في بعض الأحيان ـ بمصلحة الدعوة الإسلامية، والأمة الإسلامية، كيلا تخدش الصورة التنظيمية.
وهذا خطأ شنيع في الفهم، فالأشكال التنظيمية (وسائل وأدوات) تتغير بتغير الزمان والمكان والإنسان، وليست (أصناماً تعبد) أو غايات تقصد لذاتها، كما يفهم ذلك من تصرفات بعض الغلاة في احترام التنظيم!
ومن الضروري هنا: التنبه والتنبيه على جملة من الأخلاقيات التي نراها لازمة للدلالة على التحرر من اسر التعصب حقاً، ومن الواجب لفت النظر إليها والتذكير بها، فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
ومن هذه الأخلاقيات: أن ينظر إلى القول لا إلى قائله، وان تكون لديه الشجاعة لنقد الذات، والاعتراف بالخطأ، والترحيب بالنقد من الآخرين، وطلب النصح والتقويم منهم، والاستفادة مما عند الآخرين من علم وحكمة، والثناء على المخالف فيما احسن فيه، والدفاع عنه إذا اتهم بالباطل، أو تطول عليه أحد بغير حق.
ــــــــــــــــــــ(42/237)
كيف تنشأ اسس الصداقات الحميمة
اختيار الرفيق قبل الطريق
الصداقات اليوم ـ في العديد من نماذجها ـ هامشية سطحية تهدف إلى اللهو والثرثرة والسمر وتمضية الوقت ، إنّها أشبه شيء بالقميص الذي يملّ الشاب أو الفتاة من لبسه فيميلان إلى استبداله بآخر . هذا اللون من الصداقات لا يقوم على أساس متين ، ولذلك فإن أركانه تنهار بسرعة سريعة ، فما أن يختلف الصديقان ، أو المتعارفان على أمر أو موقف أو حاجة معيّنة ، حتى يتحوّلا إلى عدوّين متصارعين لا يراعي أحدهما حقاً أو حرمة للآخر .
إنّها صداقات وزمالات تجتمع بسرعة وتنفرط بسرعة .. قد يجمعها العمر .. أو المدرسة ، أو المحلّة ، أو النادي ، ويفرّقها : خلاف بسيط في الرأي ، أو مهاترة كلامية ، أو نزاع على فتاة ، أو سخرية لاذعة ، أو خديعة ، أو الخضوع لإيقاع طرف ثالث .. وهكذا .
إنّ حجر الأساس القويّ الذي تحتاجه الصداقات الحقيقية ، هو الإيمان بالله ، والأخلاق الكريمة ، والتقارب الثقافي ، والانسجام العاطفي ، والمواهب المشتركة ، ومعرفة حقوق الصديق ورعايتها .
وإلاّ فصداقة لاهية ، أو عابرة ، أو مجرد تمضية وقت ، ستنقلب على أطرافها وبالاً (يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً * لقد أضلّني عن الذكر بعد إذ جاءني )(1) ، (الأخلاّء يومئذ بعضهم لبعض عدوٌّ إلاّ المتّقين )(2) .
إنّ اختيار الرفيق قبل الطريق قد يكون مهماً في السفر من مكان إلى آخر ، لكنّه أكثر أهمية في السفر الدنيويّ إلى الآخرة . فنحن بحاجة إلى الصديق الذي يقوّي إيماننا ، ويزيد في علمنا ، ويناصرنا على قول وفعل الخير والحقّ ، وينهانا عن قول وفعل الباطل والمنكر ، ويدافع عنّا في الحضور والغياب ، وليساعدنا وقت الضيق والشدّة ، ولذا قيل : «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم مَنْ يخالل» .
الصداقة إذن عقد وميثاق أخوّة وتناصر وتباذل تزداد مع الأيام والتجارب وثاقة ، وليس لعبة نقبل عليها للتسلية ثمّ إذا مللناها تركناها .
------------------------ لماذا التركيز على شرف البنت دون شرف الابن؟
ومن المفاهيم المغلوطة الشائعة التي لا تستند على دليل قرآنيّ ولا على حكم شرعيّ ولا على قيمة اسلامية ، بل هي تتناقض مع المفاهيم الاسلامية ، هو التركيز على (شرف البنت) دون (شرف الابن) .
فالشرف واحد ، شرف البنت كشرف الابن ، وشرف الشاب كشرف الفتاة ، ولا ميزة للذكور في ذلك على الإناث ، وأي منتهك لحرمة شرفه ـ رجلاً كان أو إمرأة ـ مدان ومحاسب ، فإذا أهدرت الفتاة شرفها ، وأساءت لسمعتها ، وانحدرت في المباذل الرخيصة ، فإنّها تكون مساوية في التردّي الأخلاقي لذاك الشاب الذي ينغمس في الفواحش والمجون ويسكن المواخير والملاهي وبيوت الدعارة .
هي نظرة جاهلية لا تزال تعشش في عقول وأذهان الكثير من المسلمين ، أي أنّ رواسب الجاهلية التي كانت تئد البنات مخافة أن يتلوّث شرف القبيلة إن هي هزمت وسبيت نساؤها واعتدي على شرفهنّ ، ما زالت قائمة إلى اليوم .
فالنظرة العشائرية القبلية تعتبر الإساءة إلى شرف البنت إساءةً إلى شرف العشيرة أو القبيلة كلّها ، ولذا ـ فمن وجهة نظر عشائرية جاهلية ـ لا بدّ من (غسل العار) بقتل الفتاة التي استهانت بشرفها ، وبالتالي بشرف قبيلتها ، أو دفنها وهي حيّة ، أي وأدها تماماً كما كان يفعل الجاهليون مع الفرق في أنّ الأب في الجاهلية كان يئد ابنته وهي بعد طفلة صغيرة لا تعي من الحياة شيئاً ، والأب في الفهم العشائري للشرف يئد ابنته وهي في ريعان صباها وشبابها .
ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ الفارق الوحيد بين الفتاة والشاب في مسألة الشرف ، هو فارق في النتيجة الظاهرة ، أي في الحمل .
أمّا ما عدا ذلك فالشاب مرتكب الفاحشة والمستجيبة له بإرادتها كلاهما على درجة سواء فيما يتحمّلان من وزر عملهما المشين .
اُنظروا إلى التسوية في العقوبة الإلهية النازلة بالزاني وبالزانية : (الزانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة )(1) ، فالقرآن لا يميِّز في عقوبة الزنا تمييزاً جنسياً ، بل يوقع العقوبة على كلّ من مرتكبَي الفحشاء ويحمّل الطرفين المسؤولية فيها ، ولم يسقط أو يخفف العقوبة عن أحدهما تحيّزاً أو محاباة .
فشرف الرجل أو الشاب هنا قد انتهك وسقط وتمرّغ بالوحل بممارسة الزنا ، مثلما سقط شرف الفتاة وانتهك وتمرّغ بالوحل ، ولكنّ المجتمع الذكوري الذي تقدّم ويفضّل الذكر على الأنثى يتخذ موقفاً أشد من موقف الشريعة ، فهو يجلد المرأة أو الفتاة المرتكبة للفحشاء وحدها بسياطه ، ويلقي باللوم والتبعة والمسؤولية على الفتاة أو المرأة دون الشاب أو الرجل .
أمّا القول بأنّ شرف الفتاة من شرف أسرتها أو قبيلتها ، وإنّه إذا تعرّض إلى الأذى فكأ نّما تعرّضت الأسرة والعشيرة كلّها للنيل من شرفها ، مفهوم غير إسلامي ولا يقرّه القرآن البتة . فالله تعالى يقول : (ولا تزِرُ وازرة وزر أخرى )(2) أي لا يصحّ أن يؤخذ البريء بجريرة المسيء ، ولذا فما ذنب الأب أو الاُم إذا كانت البنت لم تحفظ شرفها وسمعتها ولوثتهما بالفاحشة ؟
إنّها وحدها التي تتحمّل ما جنته يداها من سوء وإثم ، ولا يتحمّل أهلها إثم ما فعلت إلاّ بقدر ما يساهمون في دفعها إلى ذلك . وإذا رجعنا مرة أخرى للعقوبة الإلهية المنزلة بالزانية والزاني ، فإنّنا لا نجد أيّ أثر لعقوبة ثالثة تنزل أو تترتب على المتعلقين بهما من ذويهما أو أهلهما سواء الأبوين أو الأقرباء أو العشيرة .
ومرّة أخرى نقول : إنّ النظر إلى مسألة الشرف هي نظرة اجتماعية أكثر منها نظرة إسلامية ، فمن الأمثلة الدارجة في مجتمعاتنا الشرقية قول بعضهم : «إنّ شرف البنت كعود الكبريت» يريدون بذلك أنّها إذا أباحت جسدها ـ في غير الطريق الشرعيّ ـ فإنّها تكون قد انتهت كإنسانة شريفة وعفيفة ، حتى أنّ قسوة بعض المجتمعات تصل إلى درجة أنّها لا تسامح حتى الفتاة أو المرأة (المغتصبة) علماً أنّها لم تقدم على العمل المشين طائعة مختارة ، وإنّما مورس معها تحت الضغط والعنف والإكراه .
ولا ينبغي التقليل من تأثير ذلك على سمعة الفتاة وكرامتها وصحّتها النفسية وعلاقاتها الاجتماعية ، سواء في نظرة الجنس الآخر لها ، أو حتى في ابتعاد بنات جنسها عنها . ولعلّ فيما يعرضه القرآن الكريم من قلق مريم (عليها السلام) وخوفها من اتهام قومها لها حينما حملت بعيسى (عليه السلام) وهي الطاهرة العفيفة النجيبة يدلّل على مدى حسّاسية هذا الأمر (يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسياً منسيّاً )(3) .
إنّ شرف البنت حسّاس ، لكنّ شرف الابن حسّاس أيضاً ، وقد لا يكون كعود الكبريت ، لكن ارتياد الأماكن الموبوءة ، ومعاشرة العاهرات والمتخذات أخداناً ، يجب أن يجعل من نظرة المجتمع إليه أن تكون من خلال شرفه أيضاً ، لا من خلال رجولته أو ذكورته أو فحولته ، وهذا ما تتناساه الكثير من المجتمعات الذكورية ذات النظرة المجاملة والمنحازة للرجل حتى ولو أهدر دماء شرفه .
(1) النور / 2 .
(2) فاطر / 18 .
(3) مريم / 23
ــــــــــــــــــــ(42/238)
الاثار الخفية للرياضة البدنية والروحية
الرياضات متعددة ، أشهرها الرياضة البدنية، لكنّ هناك رياضات أخرى ، مثل الرياضة العقلية التي تنشّط العقل في المسائل الحسابية والتفكير والتأمّل ويدخل الشطرنج في نطاق هذه الرياضة أيضاً .
وكما في الرياضة البدنية ، كذلك الحال في الرياضة العقلية أو الروحية أو النفسية ، فإنّ القوّة تزداد وتتكامل بالتمرين والممارسة ، وتضعف بالترك والإهمال لدرجة الضمور والتلاشي .
وهناك أيضاً ، الرياضة النفسية التي تركّز على تعويد الطاقات الكامنة في الجسد على تحمّل المشاق ، فلقد أودع الله سبحانه وتعالى في جسد كلّ واحد منّا طاقات خلاّقة وقوى مدخرة يحسنُ البعض تحريرها وتصريفها ويخفق آخرون .
فالقدرة الخارقة التي يتمتّع بها ممارس رياضة (اليوغا) في السيطرة على أفعال لا إرادية في الجسم ، مثل ضغط الدم ، ودقات القلب ، ومعدلات التنفّس ، وكمِّيّة السكر في الدم ، تعتبر اليوم علاجاً يعتمد مجموعة من الحركات الرشيقة للجسم ، مع التنفّس العميق والتأمّل العقلي الشديد والتركيز على هذه الحركات .
وتتكرّر هذه الحركات لمدّة ربع ساعة ، يجلس بعدها ممارس هذه الرياضة الذي ينطوي جسمه على قدرات كامنة ـ كما قلنا ـ لكنّه يهدف إلى مضاعفتها حتّى تتمكّن من علاج بعض الأمراض .
كما يمكن التحكّم في حرارة الجسم عن طريق التأمّل العميق المصحوب بترديد عبارات معينة ، كأن يوحي الذي يقف تحت دش الحمام وقد انقطع الماء الساخن عنه وبقي البارد ، أنّ ما ينزل عليه ماء ساخن أو ليس ببارد ، فيفرز جسده طاقة حرارية تتغلب على برودة الماء .
وبهذه الطريقة من الإيحاء أو التلقين الذاتي يمكن السيطرة على الكثير من الحالات النفسيّة والانفعاليّة والبدنيّة .
ففي المناطق المرتفعة من جبال الهملايا التي تكسوها الثلوج طوال السنة ، وتنخفض الحرارة إلى ما دون درجة التجمّد ، يعيش مجموعة من الأشخاص الذين ينتمون إلى هضبة التبت الصينية ، والذين يملكون قدرات أشدّ غرابة من ممارسي (اليوغا) فهم يتحكّمون ببرودة يستحيل تحمّلها بالنسبة للانسان العادي ، ويتحكّمون في درجة حرارة أجسادهم لتصبح قادرة على تجفيف قطعة كبيرة مبلّلة من القماش .
ولهذا ما يشابهه في التربية الاسلاميّة ، فالصوم كرياضة بدنية وروحية يراد به تقوية مناعة الجسم ضدّ الرغبات الملحّة المذلّة ، ففي الحديث الشريف : «لا ينبغي أن تكون للمؤمن رغبة تذلّه» أي يسقط مهاناً في سبيل بلوغها أو نوالها .
كما يقوِّي الصّوم مناعة الأخلاق ضدّ المعاصي والمنكرات والأشياء المحرّمة قولاً وفِعلاً ، تلك التي تحوم حولها الشبهات .
بالإضافة إلى المناعة النفسيّة التي تجعلك قادراً على تحمّل المشاق والصعوبات والطوارئ والأشياء الخارجة عن العادة .
كما أنّ عمليّة تطهير وتنقية الأخلاق من الرذائل المهينة والمشينة ، وغرس الفضائل النفيسة والثمينة تحتاج إلى رياضة تعتمد الإرادة والعزم والتصميم ، وهي نفس الأدوات التي يستخدمها لاعب رياضة (اليوغا) . فالحراثة تحتاج إلى جهد ، كما أنّ الزراعة تحتاج إلى جهد ، وكلاهما رياضة .
ولو تأمّلنا في إنسان مؤمن مقاوم صلب عنيد يعذّب من قبل جلاّد لا يحمل شيئاً من الرحمة ، لرأينا المؤمن المقاوم يتحمّل العذاب بصبر وجلد عجيبين ، والسبب في ذلك هو إيمانه بالله واحتسابه لما عنده ، ومعرفته أنّ الله يرى ويسمع ، وأ نّه سيجازيه الجزاء الأوفى ، الأمر الذي يهوّن عليه العذاب بل ربّما جعله يستعذبه : «هوّن ما نزل بي أ نّه بعين الله» .
وقد وردَ عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : «ما ضعف بدن عمّا قويت عليه النيّة» . أي أنّ الإرادة الصلبة المستندة إلى إيمان واع عميق ، قادرة على تحطيم الأشواك والسدود والمصاعب والعراقيل والعقبات .
فزمام النفس بيدك أنت ، وبإمكانك أن تطوّعها وتطبعها بالطابع الذي تريده أنت ، لا بما تشتهي وتأمر هي . يقول الإمام علي (عليه السلام) : «إنّما هي نفسي أروّضها حتّى تأتي آمنة يوم الفزع الأكبر» .
فإذا أمسكت بالزمام جيِّداً ، وسرت بنفسك في دروب الخير والصلاح، ولم تتركها تسير بك في متاهات الذلّ والخنوع والاستسلام ، فإنّها تسلس لك القيادة ، وبذلك تصبح أقوى رياضيّ في العالم !
--------------------
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/239)
موقف الإسلام من المهاجرين، يهدينا إلى أي ضرورة في الحياة؟
* صفاء السراج
من خلال قراءتك لسورة (الحشر)، تجد احد محاورها الاساسية تخبرك عن حكم الفيء في القرآن، والخلفيات الموضوعية لتقسيمه. وفي هذا السياق أشار القرآن إلى فقراء المهاجرين، في قوله تعالى: (للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله اولئك هم الصادقون).
فالذين فروا من اجواء الكبت والارهاب والكفر، والتحقوا بصفوف الحركة الايمانية والقيادة الرسالية التي استقرت آنذاك في المدنية المنورة؛ لا ريب انهم تحملوا بسبب هذا القرار ألوان الضغوط المعنوية والمادية، ولكنهم تجرعوا مضض الألم، ورضوا بكل ذلك في سبيل الوصول إلى اهدافهم السامية، التي تستحق اكبر التضحيات.
نعم؛ إنهم مهاجرون خرجوا من بيوتهم واموالهم بارادتهم، ولكن الله تعالى يلفتنا إلى حقيقة مهمة، وهي: إذا يعتبرهم مخرجين (الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم)، وهي ان العامل الرئيسي في هجرتهم هو الظلم والفساد وأجواء الكبت التي يصنعها الطاغوت، حيث انهم رفضوا مبادءهم والعيش الذليل في ظل حكمهم.. كما انهم لا يسمحون لهم بممارسة شعائرهم وتطبيق دينهم، فوجدوا انفسهم مجبرين على الهجرة كواجب شرعي لقول الله تعالى: (والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا)، ولقوله تعالى: (ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا). ولانهم يعلمون بأنهم مسؤولون عن تطبيق احكام الله، والالتزام بها ما دامت في الارض بقعة متحررة، كما انهم يدركون بأن الحرية لا يمكن المساومة عليها.. فهاجروا.
ثم يحدد القرآن الاهداف السليمة للمهاجر الصادق، وهي ثلاثة:
الأولى: البحث عن الفضل. وهنا قد يتساءل البعض هل في مفارقة الاهل والاوطان وتجرع الفقر من الفضل؟
بلى؛ لان المستقبل الكريم ليس بتوافر الوسائل المادية وحدها؛ وهل في الغنى والرفاه فضل إذا فقد الإنسان الحرية والكرامة، واستلبه الطغاة الامن والسلام؟
كلا؛ اما المؤمنون الصادقون الواعون فانهم يرون الفضل في المزيد من الايمان والعلم، والالتزام بالقيم، والعيش بحرية واستقلال وكرامة في كنف القيادة والحرية الرسالية. وكل ذلك يجدونه في الهجرة.
ثم انهم لا يقتصر نظرهم على الحياة الدنيا، بل ينفذون ببصائرهم إلى دار الآخرة، حيث المستقبل الابدي الذي ينبغي السعي للفلاح فيه، ولو تطلب الأمر التضحية بكل ما في الدنيا من الاموال والاولاد والانفس، ولذلك يسترخص المؤمنون المهاجرون حطام الدنيا.
من هنا فهم (يبتغون فضلا من الله)، و(ان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)
الثاني: انهم لا يتعاملون مع ربهم بمقياس الربح والخسارة، انما يتعبدون بالتزام القيم تعبد الاحرار الواعين. فلا يشبع طموحهم المستقبل المادي، حتى ولو كان هو الجنة؛ بل تراهم يبحثون من خلال الهجرة على هدف اكبر، وهو رضوان الله عزوجل. مهما كان ثمن ذلك الرضوان، من الاعتداء والتعذيب والقتل، ولو خالف هوى النفس ورضى الاسرة والمجتمع والحاكم؛ بل ولو وجدوا أنفسهم بسببه محاربين من كل العالم، (كما هو حال الحركات الإسلامية والقيادات المؤمنة المخلصة المهاجرة، التي تحاربها كل القوى الاستكبارية في العالم؛ سياسيا، واجتماعيا، واقتصاديا، واعلاميا).
الثالث: نصرة الحق، لانها الطريق إلى رضوان الله، وذلك بالانتماء إلى صفوف الحركات الايمانية المجاهدة، والانضواء تحت راية القيادة الرسالية التي تسعى لاقامة حكم الله وطمس معالم الباطل من على وجه الارض، وفي المجتمع والنفوس ـ باعتبارها القناة الاصح والافضل لنصرة الحق ـ.
فإن المؤمنين لا يعتبرون مصادرة ممتلكاتهم أو هجرتهم عنها يسقط عنهم الواجب، ولا يعتبرون دار الهجرة نهاية المطاف ومحلا مناسبا لممارسة الشعائر والعبادات الاعتيادية كالصلاة والصوم والخمس.. وانما يعتبرونها منطلقا لمسيرة جهادية مباركة.
من هنا فهم (ينصرون الله ورسوله) لتطبيق الحق وتحكيمه.
ومن طبيعة المؤمن الصادق انه لا يفكر في حدود نفسه، فإذا وجد الامن والسلام نسي الآخرين، انما يحمل ألم مجتمعه وأمته ويعتبره المه ويجاهد من اجل خلاصهم من ربقة الجهل والفساد والظلم من منطلق شرعي وانساني. وحيث يصل إلى دار الهجرة لا يتفرج على الصراع الدائر بين الحق والمتجسد في الحركات الرسالية وقياداتها، والباطل المتجسد في القوى والأنظمة والمؤسسات الاستكبارية؛ انما يعتبر نفسه معنيا بالصراع، ومسؤولا عن الانتصار للحق.
(اولئك هم الصادقون) في ايمانهم، والمصداق الحقيقي للمهاجر كما يراه الإسلام. اما الذي يبحث في المهجر عن حطام الدنيا، وراحة النفس، ولا ينصر الحق.. فليس بصادق في دعوى الهجرة، ولا مصداقا للمهاجر.
ولقد كانت قسمة رسول الله صلى الله عليه وآله في الفيء، حيث جعله للمهاجرين قسمة منطقية، لانهم فقراء من الناحية المادية، ولأنهم صدرت أموالهم ودورهم، ولانهم كانوا صادقين.
ولعل هذا الموقف النبيل من الإسلام والقيادة الرسالية في التاريخ من المهاجرين، وكذلك موقف الانصار يهدينا إلى ضرورة اعتناء الأمة الإسلامية بأولئك الذين يهاجرون في سبيل الله، ولخيرها، بان تتحمل قسطا من دعمهم المادي، ودعم حركتهم المجاهدة للتتواصل مسيرتهم، ويتفرغوا للعمل في سبيل الله بصورة افضل، ويحافضوا على استقلالهم، فانهم ومشاريعهم اولى بالدعم.
ــــــــــــــــــــ(42/240)
الاسلام وتلبية مطالب الاشواق الروحية من خلال أفضل السبل
انسجاماً مع الاتجاه الواقعي الذي يلتزمه الإسلام الحنيف في تعامله مع الأشياء والحقائق والأحداث، فقد تبنّى الإسلام نهجاً متميزاً في تلبية المطالب الروحية لدى الإنسان، يحرص هذا المنهج على تلبية مطالب الأشواق الروحية لدى الإنسان من خلال أفضل السبل وأقومها، مع المحافظة على خطّة التوازن بينها وبين المطالب المادية في كيان الإنسان، وقد كان المنهاج التربوي الذي سلكه الإسلام الحنيف وفق هذين المحورين فريداً متميزاً يجعل الإنسان المسلم دائم التسبيح، دائم الإتصال ودائم الذكر لله ربّ العالمين، فصحيح أنّ الصلوات والصيام والدعاء وقراءة القرآن الكريم والاستغفار والأوراد وما إليها ينابيع روحية، تمدّ جسور الصلة بالله الواحد الأحد، فتسبح فيها الأشواق الروحية مسبِّحة ذاكرة، فينقلب الإنسان ريّاً رويّاً راضياً، إلاّ أنّها ليست نهاية المطاف.
فالإسلام الحنيف يعطي العبادة مفهوماً شاملاً عميقاً إذ كل عمل يعمله الإنسان تلبية وطاعة لله عزّوجلّ فهو عبادة، وكلّ أمر ينأى ابن آدم عنه تقرّباً وطلباً للثواب فهو عبادة، وكلّ سبيل يسلكه المؤمن وقد ندب الباري عزّوجلّ إليه، فهو عبادة.
وهكذا يكون المسلم الذي هذا نهجه وكأ نّه في خشوع دائم وتطلُّع دائم إلى الله عزّوجلّ تجسيداً لقوله تعالى:
(قُل إنّ صلاتي ونُسُكي ومحيايَ ومماتي لله ربّ العالمين ).
إنّه في عبادة وهو في محرابه، كما هو في عبادة وهو في مكتبه، وهو في عبادة عندما يكون في متجره وعيادته أو قاعة درسه أو ساحة جهاده، إنّه الإتصال الدائم بالله جلّ وعلا، واستشعار وجوده، وعظمته في كلّ آن.
على أنّ الإسلام الحنيف قد وضع محطّات دائمة أخرى على طريق المسيرة الإنسانية هي غير الصلاة والصيام وما إليها، فهناك:
ـ استشعار وجود الله تعالى فيما حول الإنسان من حقائق وأشياء ومخلوقات تملاً ساحة النفس والآفاق، في السماء والأرض والحيوان والنبات والجماد، وكلّ دقيق وجليل فضلاً عن الإنسان هذا المخلوق العجيب.
ـ المراقبة الدائمة الواعية لله تعالى، واستشعار مخافته والشعور بهيمنته في كلّ حقل وفكرة ونشاط.
ـ التوكل على الله تعالى في الأمور كلّها.
ـ اللجوء إلى الله والتسليم له جلّ شأنه وعلا.
ـ التقوى والعمل الصالح كما شاء الله ربّ العالمين.
إنّ القرآن الكريم مليء بالآيات الموقظة الموحية التي تعمّق تلك المبادئ الهادية.
ففي حقل الشعور بعظمة الله عزّوجلّ من خلال مخلوقاته نقرأ هذا النموذج:
(واللهُ خَلَقكُم من تُراب ثمَّ من نُطفَة ثمَّ جعلكُم أزواجاً وما تحمِلُ من أُنثى ولا تضعُ إلاّ بعلمِه وما يُعَمَّرُ من مُعَمَّر ولا يُنقَصُ من عُمره إلاّ في كتاب إنّ ذلك على اللهِ يسير. وما يستوي البحرانِ هذا عذْبٌ فُراتٌ سائغٌ شرابُهُ وهذا مِلْحٌ أُجاجٌ ومن كُلٍّ تأكلون لحماً طريّاً وتَسْتَخرجونَ حِلْيةً تَلبسونها وترى الفُلْكَ فيه مواخِرَ لتبتغُوا مِن فضلِه ولعلَّكُم تشكرون يولِجُ الليلَ في النهارِ ويولجُ النهارَ في الليلِ وَسخَّرَ الشّمسَ والقَمَر كُلٌّ يجري لأجَل مُسمَّى ذلِكُم اللهُ ربُّكُم له المُلْكُ والَّذين تَدْعونَ مِن دونِه ما يَمْلِكونَ من قِطمير ) .
وفي حقل مراقبة الله تعالى الدائمة للعباد يقول عزّوجلّ:
(أَ لَمْ تَرَ أنَّ اللهَ يعلمُ ما في السَّمواتِ وَما في الأرضِ ما يكونُ من نجوى ثَلاثَة إلاّ هوَ رابعُهم ولا خمسة إلاّ هوَ سادسُهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلاّ هو معهم أينَ ما كانوا ثُمَّ يُنَبّئُهُم بما عَمِلوا يوم القيامةِ إنّ الله بكُلِّ شَيء عليم ).
(عالمُ الغيبِ والشهادةِ الكبيرِ المُتَعال سواءٌ منكم مَن أسَرَّ القولَ ومن جَهَرَ به ومن هو مُسْتَخْف بالليلِ وساربٌ بالنّهار).
ويسلّط القرآن الضوء على قيمة الخشوع والتقوى لله تعالى وآثارها العظيمة في مسيرة المؤمنين، فيقول تبارك وتعالى:
(قَد أفلَحَ المؤمِنونَ الَّذين هُم في صَلاتِهِم خاشِعُونَ والَّذين هُم عَنِ اللَّغوِ مُعرِضُونَ والَّذين هُم للزَّكاةِ فاعِلونَ والَّذين هُم لِفُروجِهِم حافِظونَ إلاَّ على أزواجِهِم أو ما مَلَكَتْ أيمانُهُمْ فَإنَّهُم غيرُ مَلومينَ، فَمَنِ ابتغى وراءَ ذلكَ فاُولئِكَ هُمُ العادُونَ، والَّذينَ هُم لأمَاناتِهِم وعَهدِهِم راعُونَ، والَّذين هُم على صَلَواتِهِم يُحافِظُونَ اُولئِكَ هُمُ الوارِثُونَ، الَّذينَ يَرثُونَ الفِرْدَوْسَ هُم فِيها خالِدُون).
وفي القرآن الكريم العديد من الآيات الكريمة التي تحثُّ على التوكل والصبر والتسليم لله ربّ العالمين.
وحول المحاور التي أشرنا إليها يتحدث أميرالمؤمنين (ع) حديث العبرة والتدبير والتعليم.
فحول حقيقة التقوى وأبعادها يقول علي (ع):
«فاتّقوا الله تقية من سمع فخشع، واقترف فاعترف، ووجل فعمل، وحاذر فبادر، وأيقن فأحسن، وعبر فاعتبر، وحُذِّر فحذر، وزُجِر فازدجر، وأجاب فأناب، وراجع فتاب، واقتدى فاحتذى، وأُري فرأى، فأسرع طالباً ونجا هارباً، فأفاد ذخيرة، وأطاب سريرة، وعَمَّر معاداً، واستظهر زاداً، ليوم رحيله، ووجه سبيله، وحال حاجته، وموطن فاقته، وقدَّم أمامه لدار مقامه، فاتّقوا الله عباد الله جهة ما خلقكم له، واحذروا منه كنه ما حذَّركم من نفسه، واستحقُّوا منه ما أعدَّّ لكم بالتنجُّز لصدق ميعاده، والحذر من هول معاده».
وحول محاسبة النفس وإشعارها بحقيقة وجودها وهدفها يقول الإمام (ع):
«عباد الله، زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا، وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا، وتنفَّسوا قبل ضيق الخناق، وانقادوا قبل عنف السياق، واعلموا أ نّه من لم يعِن على نفسه حتّى يكون له منها واعظ وزاجر، لم يكن له من غيرها لا زاجر ولا واعظ».
وفي أهمية أركان الإسلام وذكر الله عزّوجلّ يتحدث الإمام علي (ع) فيقول:
«إنّ أفضل ما توسَّل به المتوسلون إلى الله سبحانه وتعالى الإيمان به وبرسوله، والجهاد في سبيله فإنّه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص فإنّها الفطرة، وإقام الصلاة فإنّها الملّة، وإيتاء الزكاة فإنّها فريضة واجبة، وصوم شهر رمضان فإنّه جُنَّة من العقاب، وحجّ البيت واعتماره فإنّهما ينفيان الفقر ويرحضان الذنب، وصلة الرحم فإنّها مثراة في المال ومنسأة في الأجل، وصدقة السرّ فإنّها تُكفِّر الخطيئة، وصدقة العلانية فإنّها تدفع ميتة السوء، وصنائع المعروف فإنّها تقي مصارع الهوان.
أفيضوا في ذكر الله فإنّها أحسن الذكر وارغبوا فيما وعد المتقين فإنّ وعده أصدق الوعد، واقتدوا بهدي نبيّكم فإنّه أفضل الهدي، واستنّوا بسنّته فإنّها أهدى السنن».
وحول الموت يقول أميرالمؤمنين (ع):
«أوَ ليس لكم في آثار الأولين مزدجر، وفي آبائكم الماضين تبصرة ومعتبر، إن كنتم تعقلون، أوَ لم تَرَوا إلى الماضين منكم لا يرجعون، وإلى الخلف الباقين لا يبقون، أوَ لستم ترون أهل الدّنيا يُصبحون ويُمسون على أحوال شتّى، فميتٌ يُبكى، وآخر يعزّي، وصريع مبتلى وعائد يعود، وآخر بنفسه يجود، وطالب للدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وعلى أثر الماضي يمضي الباقي.
ألا فاذكروا هادم اللذات، ومنغِّص الشهوات، وقاطع الأُمنيات، عند المساورة للأعمال القبيحة، واستعينوا الله على أداء واجب حقّه ولا يُحصى من أعداد نعمه وإحسانه».
وهكذا شرَّع الإسلام الحنيف من سبيل معرفة الله عزّوجلّ، ووسائل الانشداد إليه عزّوجلّ وطرق الارتباط به الشيء الكثير «لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد».
وهنا تتجلّى العلامة الفارقة بين شريعة الله الخاتمة والنصرانية الحالية التي تعطي للعبادة لوناً باهتاً محصوراً في اطار طقوس كنسية خاوية لا تستجيب لطموحات الروح ولا تروي ظمأها، ولا تشبع جوعتها، إضافة إلى أنّ النصرانية المعاصرة تعطي للعبادة مفهوماً ضيّقاً لا تتعدى إطار الطقوس التي يؤدّيها النصارى في أيام الآحاد.
وبناءً على ذلك يكون أتباع الكنيسة قد اختطّوا اليوم منهجاً غريباً يقضي «بتقسيم الحقوق» بين الإنسان وبين الله تعالى، فللّه يصلّون في الكنيسة ويقرؤون الأناجيل مثلاً، بينما يمكِّنون الإنسان من رسم طريقه في الحياة وفقاً لمشيئته، فيشرع حسب مقتضيات مصالحه، ويقنِّن وفقاً لما تملي عليه رغباته وأهواؤه.
وقد كشف القرآن الكريم عن أخطاء التصور النصراني الكنسي، وأنحى باللائمة على النصارى الذين حصروا عبادة الله في زاوية محدودة، في حين أعطوا منظّريهم وقادة الرأي فيهم حقّ التشريع والتقنين، قال تعالى:
(اتّخذوا أحبارَهم ورُهْبانَهم أرباباً من دونِ الله والمسيحَ بنَ مريم، وما اُمِروا إلاّ ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلاّ هو سُبحانه عمَّا يُشرِكون ) .
ولقد أوضح الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) المفهوم الذي طرحته الآية الكريمة الآنفة الذكر، حيث قال (ع):
«أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم، ولكن أحلُّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالاً، فعبدوهم من حيث لا يشعرون».
غير أنّ إنسان الإسلام يرسم شوطه في الحياة، باجراء التوافق بين مصالحه، ومراد الله عزّوجلّ، فالله هو الخالق، والله هو المدبّر لشؤون البشر وحياتهم.
(ألا لهُ الخلقُ والأمرُ تباركَ الله ربُّ العالمين ).
(إن الحُكمُ إلاّ للهِ أمَرَ أ لاّ تعبدوا إلاّ إيّاه ذلك الدِّينُ القَيِّم ولكِنَّ أكثَرَ النّاسِ لا يَعلمون ).
والمسلم في المنطق الإسلامي عابد يتلقّى ما يأمره ربّه تعالى بالتسليم والطاعة، فليس له أن يخالف منهج الله، وليس له أن يشرِّع قبال شرعه الكريم:
(ومَا كانَ لمؤمن، ولا مؤمنة إذا قضى اللهُ ورسولُهُ أمراً أن يكونَ لهُمُ الخيرةُ من أمرِهِم، ومَن يعصِ اللهَ ورسولَهُ فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً ) .
على أنّ المشرِّع الأعلى عزّوجلّ قد ضمن للإنسان من جانبه تلبية شريعته الغرّاء لكل متطلبات الإنسان وطموحاته ومستجيبة لكلّ حاجاته الفطرية ومشاكله المستجدة لتضمن الشريعة الإلهيّة للمسلم ـ من خلال ذلك ـ . وهذا الموقف من الرسالة ـ موقف التغطية لكلّ الحاجات الأساسية للإنسان ـ موقف واقعي بالصميم، فقد علم الله سبحانه وتعالى أنّ حياة الإنسان من شأنها التحوّل والتغيّر والتطوّر.
ومن أجل ذلك، فقد وضع برنامجاً يحفظ اصالة الرسالة الإلهية، ويستوعب المستجدات الطارئة في حياة الإنسان!
ــــــــــــــــــــ(42/241)
دور التلفزيون في قضاء وقت الفراغ
* د. عبدالرحمن عيسوي
لقد أوضحت الدراسات أن أقل القطاعات الاجتماعية اهتماماً بالتلفزيون كانت من أرباب عمر العشرات teenagers ولكن منذ بداية برامج الموسيقى الشعبية pop music المصممة خصيصاً لجذب انتباه المشاهدين الصغار زاد تأثير التليفزيون فيهم. في دراسة مايكل سكوفيلد M. sghofirld سأل كل فرد من أفراد عينته: ما الذي كنت تفعله الليلة السابقة للمقابلة، وفي يوم السبت الماضي؟ لقد تبين أن التليفزيون كان أكثر المناشط التي ذكرتها هذه العينة سواء خلال أيام الأسبوع أو في نهاياته، وبينما كانت مناشط أخرى مثل الزيارات، الشرب، الدراسة، الرياضة، السينما، الرقص، أقل من التليفزيون وذلك بالنسبة للذكور، أما بالنسبة للإناث فكانت مناشطهن التي تلي في الترتيب التليفزيون، زيارة الأصدقاء،الاستماع إلى التسجيلات، استضافة الأصدقاء في المنزل، وفي نهايات الأسبوع كانت الزيارات والشرب والرقص والسينما.
ولقد وجدت النسب الآتية يشاهدون التليفزيون في إحدى ليالي الأسبوع:
خلال ذكور إناث
أيام 31% 27%
الأسبوع
السبت مساء 18% حيث يتوقع أن يكون معظم الشباب خارج المنزل. ولقد قرروا أنهم يشاهدون التليفزيون ست أو سبع ليال في الأسبوع، وذلك عند 10% من مجموع الإناث والذكور معاً و 34% شاهدوه من 3: 5 ليال في الأسبوع و 56% شاهدوه قليلاً أو نادراً. ولكن لم يتضح أي تأثير للتليفزيون على نشاط هذه العينة الجنسي أو خبرتهم الجنسية فلم تختلف عند المشاهدين كثيراً والمشاهدين قليلاً.
ــــــــــــــــــــ(42/242)
هل التغييرات النمائية لمرحلة الشباب تعتبر محاولة لتبرئة اخطائهم السلوكية؟
* يوسف مدن
إنّ جهود علم النفس الوضعي قد تمكنت إلى حد ما من رفع قدرات الأفراد في ضبط بعض الشهوات، والسيطرة على أنماط السلوك وبواعثه التي تسهم في تشكيل حالة «أزمة الشابة» في المجتمعات الصناعية المعاصرة، إلاّ إن بعض دراسات هذا العلم نفسه، تأبى أن تقضي على مظاهر هذه الأزمة وجذورها، وذلك من خلال إضعاف قدرات الضبط، والسيطرة عند الأفراد في مجالات متعددة من الإشباع، وبخاصة شهوة الجنس، التي تعتبر عاملاً حاسماً مؤثراً في تشكيل هذه الأزمة، وكأن المرء يحس بإصرار مسبق متعمد على تصوير مرحلة الشباب كمرحلة زوابع لا يمكن تجنبها.
وبالرغم من أن بعض أنماط السلوك الشاذ الذي يصدر في كثير من الأحيان عن مجموعات الشباب، في بيئات مختلفة من العالم، وأن هذه الأنماط مظاهر حقيقية للأزمة، فإن النظريات البيولوجية والنفسية التي أشارت إلى حتمية التلازم بين مرحلة الشباب والاضطرابات العصابية، قد يبدو للوهلة الأولى أنها تسوغ للشباب انحرافاتهم، وما يصدر عنهم من سلوك شاذ، وكأن هذه الأزمة أمر طبيعي لا مفر منه، وينبغي أن يتقبل الجميع مشاكل الشباب، بل وانحرافاتهم الخطيرة كجزء طبيعي وضروري من عملية النمو النفسي للفرد؟!!.
وإذا فهم الشابون مثلاً أن العناد والتمرد، والعدوانية، والشقاوة، وإهدار وقت الفراغ، ومعاكسة الفتيات، والأنانية والتمركز حول الذات مظاهر تقتضيها طبيعة المرحلة، وأن استجاباتهم الخاطئة أمر لا مناص منه، فإن مثل هذا الاعتقاد سوف يجعل كثيراً من الشابين يستمر أون الذنوب، وبالتالي يقل شعورهم بالحماس، ويتوانى عن تحمل مسئولياتهم في تعديل سلوكهم، وإعادة صياغة أنفسهم بتكوين اتجاهات جديدة في شخصياتهم.
وقد يؤدي ذلك أن ينسج الشاب عن ذاته نظرة خاطئة، ويُقدِّر قدراتها تقديراً خاطئاً، وعندما نروج للمراهقين مثل هذه الأفكار في ندواتنا، ومدارسنا، وأجهزتنا الإعلامية نعوق قابلية التغيير عندهم، ونصنع ألف حاجز في أنفسهم، كيلا نسمح لهم بتجاوز سلبيات فترة الشباب بهدوء تام.
ونلاحظ أن تسويغ الانحراف فكرة لها امتداد في دراسات بعض العلماء، وتشكل مع فكرة أخرى مرتبطة بها اتجاهاً عاماً عند بعض علماء النفس التحليلي، فقد تجد في بعض الكتابات السيكولوجية ـ وبخاصة عند الفرويديين ـ تأكيداً ضمنياً، وعلنياً أحياناً لأن الانحراف جزء طبيعي من عملية النمو النفسي، ولابد للفرد ـ طفلاً كان أو مراهقاً ـ في كل بيئة أن يمر به خلال نموه، فالسرقة والكذب والاعتداء، والعناد وغيرها من أنماط السلوك غير السوي لابد أن يصدر عن الطفل، وأن مسببات هذه الأنماط العصابية ليست ناشئة فقط عن انحرافات موجودة بالبيئة، والثقافة السائدة فحسب، بل هي أيضاً ناتجة عن تطور عملية النمو الداخلي نفسها، فخصوبة الخيال عند الطفل تجعله مثلاً ميالاً إلى الكذب، وتضخيم الأمور، وتصورها على غير واقعها، وأن نزعة التملك، والرغبة في الاستئثار لديه على الأشياء تحمله ـ أي الطفل ـ على الاعتداء على ممتلكات الآخرين، وسرقتها، بالرغم من محاولات التهذيب المستمرة.
وهكذا فإن الكذب عند الأطفال نتاج للخيال الخصب لديهم، وأن إشباع رغباتهم في التملك، وهي ـ فطرية ـ تقتضي بالضرورة أن يسرق الطفل وأن يعتدي، وهي انحرافات لم يتعلمها الطفل من بيئته فقط، وإنما بتأثير تطور العوامل الداخلية من عملية النمو، فطبيعة التغيرات النهائية الداخلية التي ترافق شخصية الطفل تفرض عليه دون قصد، وبراءته الوقوع في انحرافات السلوك.
ومع أننا لسنا بصدد مناقشة فكرة انحرافات السلوك عند الأطفال واعتبار ذلك جزءاً طبيعياً من عملية النمو، إلاّ إن الإشارة إليها اقتضتها إلحاحات بعض علماء النفس الغربيين على تسويغ انحرافات الشابين وإقناع الجميع بحكاية التلازم الضروري بين التطور البيولوجي للفرد في سن الشبابوبين العواصف المرتبطة بها، فما دامت الرغبة في الجنس عند الأفراد اقتضتها طبيعة التغيرات البيولوجية والفسيولوجية والجسمية للفرد في هذه المرحلة، فإن هناك تلازم بين إشباع هذه الرغبة، وبين حالات القلق والتوتر، ونمو الصراعات في داخل سيكولوجية الشاب.
ولكي نتحلل من مسئولية سوء التربية لأبنائنا ـ الأعزاء ـ وهم في سن الشابة، وتبرئة كذواتنا من نواقصنا في أداء واجباتنا التربوية نلقي بشاعة أخطائنا في توجيه أبنائنا على عاتق التطور البيولوجي لهذه المرحلة، ولكي نرع أنفسنا من عناء المواجهة مع الذات بالغنا في التأكيد على أسطورة الزوابع، وحتمية المشكلات في هذه المرحلة .
فما دامت التغيرات الحيوية للفرد تفرز نشاطاً هرمونياً يؤدي إلى بروز الحاجة إلى إشباع عدد من الدوافع، فلا بد من تقبل أن الشباب أزمة حقيقية ينبغي أن نرتب أنفسنا على التعامل معها، وبالتالي نرفع عن أنفسنا عناء وضغط الشعور بالتقصير الذاتي، ولا نشعر بالحاجة إلى ممارسة الاعتراف بعيوبنا في أعمالنا، وتوجيهاتنا التربوية.
وطالما أن التأثير الثقافي الغربي قد بسط نفسه على ذهنية الكثير من المثقفين في العالم الاسلامي، فلا غرابة أبداً أن يتسرب إلى أذهان بعض المشتغلين منهم بعلم النفس من العرب والمسلمين اعتقاد خاطئ يقوم على أساس الإيمان بأن الشباب وما يصاحبها من تغيرات بيولوجية هي المسئولة عن متاعب الشابين، وعنادهم، وشقاوتهم، واكتئابهم، وقلقهم المستمر، وشعورهم الدائم بإحباط إشباع حاجاتهم في هذا السن، وليس أمام الآباء والمعلمين، والمربين سوى تقبل هذا الواقع، وعزو الأزمة في حياة الشباب إلى طبيعة هذه المرحلة، وما يكتنفها من تغيرات بيولوجية ونفسية ليس بإمكان المجتمع وقيمه التربوية الحيلولة دون ظهورها.
ومما يؤسف له أننا سنبقى عيالاً على غيرنا في كل شيء، طالما بقيت نفوسنا مقلدة لا مبدعة، أو لا تستخدم أسلوب المعرفة النقدية الذي يسمح للعقل المسلم أن يمحص رأياً عن غيره.
ومن المفجع حقاً أن علماء الغرب أنفسهم لا يترددون عن توظيف ملكة النقد في سبيل الحقيبة العلمية، ولا يترددون عن نقد رأي آخر لا يثبت أمام الدليل والبرهان، وكثيراً ما حطمت مثل هذه الانتقادات قوة تأثير الآراء الأخرى التي تحاول أن تفرض في نهاية الأمر الحتميات على الانسان، وتلوي عنق الحقيقة.
بقيت فكرة أن مرحلة الشباب مرحلة عواصف التي نادى بها ستانلي هول، وفرويد وكأنها من المسلّمات التي لا يطالها شك حتى تجرأ علماء الغرب أنفسهم على نقدها أمثال مرجريت ميد التي أشارت خلال دراساتها الأنتروبولوجية إلى عدم وجود أزمة حقيقية في حياة الشباب بالقبائل البدائية في غينيا الجديدة، حيث ميزت ميد بين مجتمعات تعرف في حياتها أزمة الشبابكمجتمعها الأمريكي، وبين مجتمعات أخرى لا تعتبر الشباب مرحلة أزمة كالمجتمعات البدائية التي زارتها، وقد أتاحت هذه النظرة النقدية إلى محاكمة نظرية ستانلي هول، وفرويد.
ــــــــــــــــــــ(42/243)
نظرية الفكر الإسلامي لتفسير نشأة الروح وعلاقتها بالبدن
إنّ مسألة تفسير الكيان الإنساني لهي مسألة من أعقد مسائل العلم والفلسفة ، وعندما نستطيع فهم هذا الكيان الإنساني فاننا نستطيع أن نفهم الإنسان والحياة ونفسّرهما تفسيراً علمياً سليماً .
وينبغي أن نفهم أنّ الاختلاف في فهم الكيان الإنساني وحقيقة الإنسان، هو من أبرز مصادر الاختلاف العقيدي والفكري والحضاري بين المدرسة الإسلامية والمدارس المادية.
ولقد تقاسم التفسير البشري لحقيقة الإنسان على امتداد العصور والأزمنة، الماضي منها والحاضر تفسيران اثنان هما :
1 ـ التفسير المادي الذي لايرى في الإنسان غير أ نّه كيان مادي مكوَّن من مجموعة من الأجهزة والفعاليات المادية. وعندما يفقد الحياة سينحل ويستهلك في تراب الأرض وتنتهي دورة وجوده في عالم الطبيعة إلى الأبد .
وقد مثّل هذا التفكير والاتجاه المادي على مدى العصور الفهم الجاهلي المنكر لوجود الله تعالى الذي سجّله القرآن بنصه :
(إنْ هيَ إلاّ حَياتُنا الدُّنْيا نَمُوتُ ونَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِين ) . ( المؤمنون : 37 )
2 ـ أمّا التفسير الثاني فهو التفسير الإلهي لحقيقة الإنسان وفهم كيانه. وهو الفهم والتفسير الّذي عرَّف الإنسان بحقيقته، عرَّفه بأنّه كيان روحي مجرَّد عن صفات المادة وخصائصها ، وهو غير البدن العضوي والجهاز المادي الذي يؤدي الفعاليات والنشاطات المادية. وهو الذي ينطق عنه الإنسان فيقول (أنا) ، فليس (الأنا) الذات الإنسانية هي ذلك الكيان الجسدي، بل هي ذلك الكيان الروحي المستقل . لذلك يقول الإنسان : هذه يدي ، وهذا رأسي ، وهذا جسدي . فهو يشعر بالاثنينية، ويعبِّر عنها بقوله هذا .
والكيان الإنساني (الروح) هو القوة المدركة ، وهو القوة التي تشعر بالألم واللذّة والخوف والسرور والحزن، وهو القوة الناطقة . وما الجسم إلاّ آلة لتنفيذ مآرب النفس، كما يقول الفلاسفة الاسلاميون، وليست الأجهزة الحسّية والدماغ إلاّ أدوات يستخدمها الإنسان (الكيان الروحي) لفهم العالم المادي والتعامل معه .
فليس بوسع أي كيان مادي أن يدرك المعارف والآلام واللذّات ويقايس بين الأشياء .
وقد تحدّث القرآن في تفسير حقيقة الكيان الإنساني فأوضح بأنّه كيان مؤلَّف من روح وله جسد، وأنّ الروح (النفس) هي كيان متميِّز عن الجسد . وهي وجود قائم في الجسد ، وبه يُعمّر الجسد، ويمارس أنماط الفعاليات. وذلك التفسير مقروء في قوله تعالى :
(اللهُ يَتوفّى الأنفُسَ حينَ مَوْتِها والّتي لَمْ تَمُتْ في مَنامِها فيُمسكُ الّتي قَضى عَليها الموتَ ويُرسِلُ الاُخرى إلى أجَل مُسمّىً إنَّ في ذلك لآيات لِقَوم يَتفكَّرون ) . ( الزمر / 42 )
(قُلْ يَتَوفّاكُم مَلَكُ المَوْتِ الّذي وكِّلَ بِكُم ) . ( السجدة / 11 )
(وهُوَ الّذي يَتَوفّاكُم بالليلِ ويَعْلَمُ ما جَرَحْتُم بالنّهارِ ثُمّ يَبعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أجَلٌ مُسمّىً ثُمّ إليهِ مَرجِعُكُمْ ثُمّ ينبِّئُكُمْ بِما كُنْتُم تَعملون ) . ( الأنعام / 60 )
(وَلَو تَرى إذ الظّالِمونَ في غَمَراتِ الموتِ والمَلائِكَةُ باسِطو أيدِيهم أخْرِجوا أنفُسَكُم اليومَ تُجزَونَ عَذابَ الهُونِ بِما كُنْتُم تَقُولُونَ على اللهِ غيرَ الحقِّ وكُنْتُم عَن آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ) . (الأنعام / 93 )
فها هو القرآن الكريم صريح في بيانه وتفسيره للكيان الإنساني، فهو وجود مكوّن من عنصري المادة والروح، فالعنصر المادي هو (الجسد) ، وهو جزء من عالم الطبيعة، يخضع لقوانينه الطبيعية بأسرها ويعمل وفقها . ومن (روح) مجردة، لها نظامها وقانونها الخاص .
ونجد ذلك في دلالات البيانات الآتية :
(اللهُ يتوفّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِها والّتي لَمْ تَمُتْ في مَنامِها فَيُمْسِكُ الّتي قَضى عَليها الموتَ ويُرسِلُ الأخرى إلى أجل مُسمّىً إنَّ في ذلك لآيات لِقَوْم يَتَفَكَّرُون ) . ( الزمر / 42 )
(يَتَوَفّاكُم بالليلِ ويَعْلمُ ما جَرَحْتُم بالنَّهار ) . ( الأنعام / 60 )0
(ثُمّ يَبْعَثُكُم فِيه ) . ( الأنعام / 60 )
(أخْرِجُوا أنفُسَكُم اليَومَ تُجْزَونَ ) . ( الأنعام / 93 )
فكل تلك البيانات تؤكّد أنّ النفس كيان مستقل عن البدن، لذلك فانّ النفس تنفصل عن الجسد في النوم، ويتوفّاها الله في المنام، وعند الموت .
ولذلك ينادي الملائكة المجرمين بقولهم : أخرجوا أنفسكم من أجسادكم، أي اتركوا الدّنيا وهلموا إلى عالم الآخرة ، لتلقوا جزاءكم .
وهكذا يتضح لنا أنّ النفس كيان مجرّد ينفصل عن الجسد ويخرج منه عند الموت وفي المنام، مع بقاء الحياة (3) واستمرارها عند المنام ، وانقطاعها عند الموت .
وتأسيساً على هذا البيان القرآني شاد الفلاسفة والباحثون الإسلاميون أبحاثهم ودراساتهم في فلسفة الأخلاق والعلوم والسلوك والبعث والبرزخ، لارتباطها بالكيان الروحي المستقل للإنسان .
ولننقل بعض مقالاتهم الّتي تحدثت في هذا الموضوع :
قال الشيخ محمّد مهدي النراقي (1209 هـ ) : (اعلم انّ الإنسان منقسم إلى سرّ وعلن، وروح وبدن...) .
ثمّ قال : (انّ البدن مادي فان ، والروح مجرد باق) .
ثمّ قال : (لا ريب في تجرّد النفس وبقائها بعد مفارقتها عن البدن) (4) .
وتحدّث الفيض الكاشاني عن الروح فقال :
(وقد علمت أنّ نفس الإنسان وروحه غير بدنه العنصري المحسوس، وإليه أشير بقوله عزّ وجلّ : (ثُمّ أنشأناهُ خَلْقاً آخَر )فهذا الخلق الآخر إنما هو من النشأة الأخرى الباقية، وهي غير هذه النشأة الدنياوية الفانية، وهو روح الله المنفوخ في هذا القالب بعد استعداده له، وهو الغرض الأصلي من هذه الخلقة والتركيب، وأما المراتب السابقة عليه فإنما خلقت لتكون غشاءً وغلافاً حافظاً ، وهو الإنسان بالحقيقة، وإنما البدن آلة لتحصيل كمالاته خارجاً عن ذاته) (5) .
وتحدّث السيد عبدالله شبّر عن الروح فقال :
(والذي عليه أكثر المحققين انّ الإنسان مركّب من روح وبدن،وهما جوهران حقيقتهما مختلفتان وبينهما علاقة تامة مع نهاية البعد،فإن الروح مخلوقة مما خلق منه الملائكة من العالم العلوي،والبدن مخلوق من التراب والعالم السفلي،ولكل منهما عمل وأثر ليس للآخر،فأفعال البدن الرؤية والسماع والرائحة والقول والنوم واللمس ونحوها مما يدرك بالحواس الظاهرة والقوى والأعضاء،وآثار الروح اللذة والألم والصفات والملكات والفهم والعلم والاعتقادات،ولذا لايوصف البدن بالشجاعة والكرم والعلم والإيمان ونحوها،بل الأفعال الجزئية الحسِّية من الرؤية والسماع ونحوهما من أفعال الروح أيضاً إنما تصدر عنها بواسطة الأعضاء والجوارح التي هي كالآلة للروح،ولذا تقول:رأيت بعيني وسمعت بأذني، وقلت بلساني، وتخبر عن روحك بأن هذه الأفعال صدرت منها بواسطة هذه الأعضاء ، كما تقول : كتبت بالقلم في كون القلم آلة للكتابة ...) (6) .
وفي مورد آخر من البيان نقرأ تعريفاً للروح فقد كتب النراقي قائلاً :
(ما عرفت من تجرد النفس إنما هو التجرّد في الذات دون الفعل لافتقارها فعلاً إلى الجسم والآلة، فحدُّها أنّها جوهر ملكوتي يستخدم البدن في حاجاته. وهو حقيقة الإنسان وذاته . والأعضاء والقوى آلاته التي يتوقف فعله عليها،وله أسماء مختلفة بحسب اختلاف الاعتبارات، فيسمى(روحاً)لتوقف حياة البدن عليه،و(عقلاً)لادراكه المعقولات،و(قلباً) لتقلبه في الخواطر) (7).
وأَبَّنَ محمد بن الحنفية الإمام السبط الحسن بن علي (ع) فقال : (رحمك الله أبا محمّد ، فوالله لئِن عزّت حياتك لقد هدَّ وفاتك ، ونعم الروح روح عمِّر به بدنك) (8) .
إنّ التأمّل في هذه العبارات من رجل عاش في بيت العلم والمعرفة وعاش مع جيل القرآن والصحابة يوضح لنا فهم ذلك الجيل للروح واستقلاليتها عن البدن، وأنّها كيان يعمّر ويعيش البدن بواسطته.
وهكذا تتحدد أمامنا حقائق عن الكيان الإنساني تتلخّص بالآتي :
1 ـ انّ الإنسان كيان مكوّن من روح وبدن .
2 ـ انّ الروح هي حقيقة الإنسان وذاته التي يُدعى بها إنساناً.
3 ـ انّ النفس والعقل والروح هي أسماء لحقيقة واحدة هي ذات الإنسان، وتختلف الأسماء باعتبار النشاط الذي تؤدّيه.
4 ـ انّ الروح كيان مجرّد عن الخصائص المادية، رغم انّ هذا الكيان نشأ من عالم المادة، غير أنّه تجرد عن خصائصها ضمن قانون الحركة الجوهرية وقانون التكامل الذي أودعه الله في عالم المادة الإنسانية .
5 ـ انّ الروح(النفس)تمارس نشاطها وأفعالها من خلال الجهاز المادي(البدن)وآلاته المادية.
وبذا تتكامل أمامنا الملامح العامة للروح، وللكيان الإنساني .
------------------------
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/244)
الأسباب والعوامل الاجتماعية والحضارية التي تشكل أزمة الشباب
* د. عبداللطيف معاليقي
ـ الدراسة التفسيرية:
إن الدراسة التفسيرية تهتم بالأسباب والعوامل التي تشكل ما يطلق عليه اسم أزمة الشباب، وتحاول أن تُرجع هذه الأسباب والعوامل إلى أسسها الاجتماعية والحضارية.
فالعوامل الاجتماعية ـ البيئية تتناول عدة جوانب تتعلق ببعض منطلقات أساسية: المنطلق الأسري، والمنطلق المدرسي، والمنطلق الطبقي ـ الاقتصادي، والمنطلق الثقافي ـ الحضاري.
أ ـ المنطلق الأسري: يستخلص من هذا المنطلق الدراسة التي تنظر إلى مكانة الشاب من الأسرة كعامل مؤثر في تكيفه، ووصف الواقع الاجتماعي للأسرة، وعلاقة الشاببأفرادها، وخصوصاً الأب، ثم التساؤل عن الأسباب التي تجعل من أزمة الشباب في بعض الأسر أخف ونطأة منها في أسر أخرى. لا شك أن مكانة الشابفي الأسرة ذات صلة بتركيب الجماعة العائلية، وبنظام العلاقات القائمة بين أفرادها، وبدرجة التسامح أو التزمت، والقبول أو الرفض. كما أن حجم الأسرة واختلاف البيئة الاجتماعية تشكل هي أيضاً عوامل أساسية في مشكلات المراهقين.
وتشدد الدراسة التفسيرية على الأبعاد السلبية الحقيقية لعلاقات المراهقين بأسرهم، والتي يمكن ارجاعها إلى عدم الثبات في العلاقة بين المراهقين وأفراد العائلة نتيجةً لتفكك الحياة الأسرية، أو لعجز الآباء خاصة، عن مواجهة مشكلات أبنائهم لانعدام الرؤية الصحيحة عندهم وعدم مراعاة البيئة والعصر أو نتيجة لظروفهم ومآزمهم النفسية.
في الماضي كان التنظيم العائلي يستند كلياً على السلطة، وبخاصة سلطة الأب التي كانت تؤلف سنداً ودعماً وحماية واطمئناناً يجنب المراهقين الشعور بالقلق. أما اليوم، فإن هذا التنظيم الأبوي في العائلة قد زال، خصوصاً في المجتمعات المدينية. فالتطور الاجتماعي أحدث انقلاباً في العائلة فهي قد ضاقت من ناحية، وتمزقت، من ناحية ثانية، خصوصاً في المجتمعات الصناعية. وظروف العمل بعثرت أفرادها الذين لا يتلاقون إلاّ في أوقات قصيرة جداً. لذلك فإن سلطة الأب المطلقة لم تعد مقبولة في كثير من البيئات، إذا لم تكن قائمة على القبول والاختيار الحر والعاطفة والحب. وهذا الحب جعل الآباء يتنازلون عن سلطتهم ودورهم في التربية، فلم يعد بإمكانهم أن يكونوا النماذج الجيدة في عملية التماهي. وفي حالات أخرى يشعر الأب بخطر هذه العلاقات، فيحاول أن يسترجع السلطة المفقودة. ولكن، كما انه ليس من السهل القبول بتغير الموقف بشكل فجائي، فانه يجد نفسه مجبراً في النهاية على فرض سلطته من طريق العنف والقساوة، فيصل إلى الشعور بعدم الرضى عن هذا التصرف، ويحاول أن يعوض عنه بمضاعفة ضعفه عاطفياً. فنلاحظ، في النهاية سلوكاً أبوياً مترجحاً بين القساوة والحب. والنتيجة، في كلا الحالتين، خلل كامل في العلاقات بين الأب والمراهق.
ولا ننس هنا أيضاً دور الأم المركزي في هذه العلاقات العائلية. فدور الأم تغير بتغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية. فتطلع المرأة إلى العمل الاجتماعي جعلها مرهونة بدورها كأم وكربة بيت، فتشعر أن هذا الدور وهذه الوظيفة الأمومية والعائلية هما كعبودية تمنعانها من تحقيق طموحاتها في الاستقلالية والنمو الشخصي، وتعتبر نفسها ضحية قمع اجتماعي. وإذا توصلت إلى تحقيق بعض من طموحاتها، فإنها لا تجد الوقت الكافي للاعتناء بمشكلات أولادها العناية الكافية. إن هذا الوضع، ربما ساعد الشابفي الحصول على استقلالية مبكرة، ولكنها استقلالية ثمنها مرتفع نتيجة الجرح الذي يتركه عدم الاشباع العاطفي. فالمراهقون، كالأطفال، بحاجة إلى استقرار العائلة وتماسك أفرادها للتوصل إلى التوازن السليم والصحة النفسية السوية.
إضافة إلى ذلك، يعتبر تدخل العائلة في شؤون المراهقين الخاصة: في اختيار الأصدقاء، وفي انتمائاتهم الرياضية أو الترفيهية، وفي اختيار مستقبلهم من طريق فرض المهنة التي يجب أن يمتهنوها، هذا التدخل يؤدي إلى شعور المراهقين باغتصاب إرادتهم وحجز حريتهم، مما يفرض عليهم الشعور بتبخيس قيمة ذاتهم نتيجة لعدم ثقة أهلهم بهم.
وتهتم الدراسة التفسيرية الاجتماعية بالرجوع إلى عوامل أخرى أيضاً، مثل ترتيب الشابفي الأسرة: الابن الأول أو الثاني ... الولد الوحيد، ثم الاختلافُ والتمايز في بعض الأسر بين الأخوة والأخوات: تفضيل الذكر على الأنثى الذي يتولد منه شعور الصبي بالسيطرة على الفتاة، وشعور الفتاة بالحقد على الفتى. وأخيراً الحقوق والامتيازات التي تُمنح لواحد وتحرم على الآخر.
إن جميع هذه المشكلات تشكل عوامل من نتائجها إعاقة تطور الشابالنفسي والاجتماعي.
ب ـ المنطلق المدرسي: إن المدرسة عامل من عوامل التأثير في حاجات الشابالنفسية لا يقل أهمية عن عامل الأسرة. فالمدرسة قد تهيىء للفرد الامكانيات والوسائل التي تجعله يتوجه نحو الاعتماد على ذاته وتحمل المسئوليات واحترام القوانين ومزاولة النشاطات المختلفة، من طريق الأندية المدرسية والنشاطات وقاعات المحاضرات والسينما والمسرح والمشاركة، أو على العكس، فإنها قد تضع العراقيل والعوائق والصدود أمام تطلعاته وتحفزاته الذاتية، فيشعر بالإحباط والصد والمرارة.
والمعلمون والأساتذة يلعبون دوراً أساسياً في مساعدة المراهقين على تخطي مشكلاتهم الذاتية والاجتماعية: الأساتذة واسقاطاتهم ومعاناتهم في علاقاتهم مع المراهقين «أما أن يكون (المعلم) متفهماً وعطوفاً ومضحياً، أو قاسياً عنيداً وعنيفاً في تصرفاته لا لتقدير موضوعي منه لسلوك المراهق، بل لخلفيات لا واعية شعور بالذنب ـ الرغبة في عقاب الذات ـ الإحساس بالمرارة بسبب إخفاق أو إحساس بالغبن ... ) ... والأستاذ هو بديل عن الأب أو الأم، وباعتباره ممثلاً للسلطة، فهو عرضة لمشاعر الحب والتقدير ولانفعالات عدوانية يحملها الشاب عادة للكبار ... ».
وتتداخل أيضاً عوامل الأنظمة التعليمية والبرامج وملاءمتها مع الواقع الاجتماعي. فالمدرسة التي تتمسك بأطر التربية والتعليم البالية، وتعتمد الأساليب القديمة في التعليم تزيد مشكلات المراهقين بدلاً من الإسهام في حل صراعاتهم مع أنفسهم.
فالمدرسة يجب أن تكون المكان الصالح للإجابة عن التساؤلات والطروحات التي يطرحها المراهقون، إذ أن لهؤلاء المراهقين متطلباتهم وتطلعاتهم إزاء المواضيع التي تتعلق بحياتهم وتاريخهم ومستقبلهم. وأخيراً فإن المشكلة الأساسية التي تثير قلق المراهقين اليوم هي مشكلة النظام التعليمي، والبرامج التي لا تؤهلهم للحياة المنتجة والعمل الملائم.
ج ـ المنطلق الطبقي ـ الاقتصادي: إن التفسير الاجتماعي لظاهرة الشباب يتوقف على شروط حياة كل طبقة اجتماعية تتأثر بدورها بالمستوى الاقتصادي. فمثلاً، يلاحظ أن اضطرابات الشباب تكون أكثر شيوعاً بين الطبقات المتوسطة، أما في الطبقات الغنية فتتميز حياة المراهقين بشيء من التكيف الاجتماعي والوصول إلى النضج المبكر.
ففي الطبقات الغنية يُحدد مستوى الطموح في أن يحصل الأبناء على النجاح لابقاء المكتسبات العائلية ضمن الأسرة الواحدة، ومحاولة المحافظة على المركز الاجتماعي. لذلك فإن الأهل، في هذه الطبقات، يشجعون الأبناء ويقدمون لهم ما يحتاجون إليه وما يساعدهم على بلوغ هذه المكانة. فيتوفر لهم بذلك الاستعداد لتجاوز أزماتهم، والوصول إلى التحرر والاستقلالية.
أما في الطبقات الفقيرة، فانه يلاحظ وفرة في الأولاد تؤدي إلى تضاعف المسئوليات الاقتصادية. يضاف إلى ذلك التربية القائمة على القسر والطاعة والعقاب مما لا يطي الشابالفرصة للنمو السريع.
والأمر المثير في هذه الطبقات هو الخجل الذي يتميز به الشابمن والديه ومن مهنة أبيه. إن هذا الأمر يعيق عملية تماهيه ويؤخرها. ثم لا شك أن تنازل الأب عن سلطته لأسباب اقتصادية تتعلق بمشكلة العمل والارهاق، وقلة الاحتكاك بالأبناء، تنتهي جميعها إلى الشعور لدى هؤلاء الأبناء بعدم الاهتمام بهم وباللامبالاة والنبذ.
وأخيراً يظهر في الطبقات المتوسطة التأرجح بين تطلعات الطبقات الغنية ومعاناة الطبقات الفقيرة. وتتفاوت المواقف في هذه الطبقة ما بين النزعة إلى التحرر والنزعة إلى المحافظة.
فالطبقات المتوسطة هي أكثر الطبقات تأزيماً لحياة المراهقين، وأكثرها قلقاً إزاء بلوغ أبنائها. فكثيراً ما تتمسك هذه الطبقات بالتقاليد والعادات وتشدد من الرقابة خوفاً مما يقوله الناس.
وتشجع الطبقات المتوسطة أبناءها لإكمال دراستهم، وعادة ما تكون أهداف المراهقين فيها الالتحاق بالوظائف الحكومية والتدريس، وتمارس أحياناً ضغطاً على أبنائها للتحصيل المدرسي يبلغ حداً يفوق أحياناً ما تبذله الطبقات العليا وعلى عكس الطبقات الفقيرة التي غالباً ما تدفع، بطريقة مباشرة، أبناءها إلى ترك الدراسة ليجدوا لأنفسهم عملاً والحصول على المال والمركز الاجتماعي بسرعة، وأحياناً الزواج المبكر، فينتقلون إلى حياة الرشد انتقالاً سريعاً.
د ـ المنطلق الثقافي ـ الحضاري: قدم هذا التفسير علماء «الانتربولوجيا» من خلال دراساتهم المقارنة بين الشعوب البدائية والشعوب المتحضرة. فتوصلوا إلى استنتاجات مفادها أن ما يصيب الشابمن اضطراب في اتزان شخصيته يعقبه ازدياد في توتراته، بحيث تصبح معرضة للانفجارات الانفعالية واختلال علاقاتها الاجتماعية بأعضاء الأسرة، ترجع في أساسها إلى أسباب ثقافية ـ حضارية.
من أبرز الانتربولوجيين الذين اهتموا بدراسة هذه العوامل نذكر «روث بنديكت» خصوصاً في كتابها: «نماذج حضارية» و «مارغريت ميد». تنطلق هذه الدراسات من التأكيد أن ليس هناك نموذج واحد للمراهقة بل هناك نماذج متنوعة بتنوع البيئة والمستوى الحضاري: فهناك الشباب الهادئة والمتزنة في المجتمعات البدائية، والشباب في حضارات العصر الحالي حيث يسود القلق والتنافس والسرعة، فيشب الكائن ليجد نفسه في دوامة الآفاق المتعددة والمحيرة: أي طريق يختار، وأي قيم ومعايير يتبع؟
إن «ميد» في دراستها عن «الجنس والمزاج في مجتمعات أولية ثلاثة». و «الشباب في الساموا» حاولت أن تعطينا صورة عن بعض أنماط التربية وأساليبها في مجتمعات مختلفة، وتأثيرها في تشكل شخصية المراهق. ومن خلال دراساتها لتلك المجتمعات، حاولت أن تصل إلى إجابات عن تساؤلات مهمة: ما هي طبيعة الشباب، وهل المشكلات والاضطرابات التي تواجه المراهقين تنجم عن طبيعة هذه المرحلة نفسها، أم تسببها طبيعة المدنية؟ وهل تختلف صور الشباب وأوضاعها باختلاف الظروف التي تحيط بالأفراد، أي باختلاف المجتمعات؟
للإجابة عن هذه التساؤلات، قامت «ميد» بدراسات ميدانية لمجتمعات تختلف في نمط حياتها وأساليب التربية والعلاقات السائدة فيها. وتوصلت، في النهاية، إلى نتائج تبيّن أن شخصية المراهقين تتأثر بالنظام العلائقي الذي يقوم بين الكائن وأفراد العائلة، بخاصة الأم في أثناء مرحلة الطفولة. وبالتالي، فإن اختلاف التربية في نماذج المجتمعات البدائية التي قامت بدراستها عن التربية في المجتمعات الحديثة ينعكس على مرحلة الشباب.
ــــــــــــــــــــ(42/245)
في زمن اضطراب القيم والمفاهيم,الوعي الإسلامي ومهمة الاستقامة
* معتصم الغنيمي
عندما تضطرب القيم والمفاهيم لدى أي مجتمع من المجتمعات تبدو الفوضى والعبثية هي السائدة فيما يصبح الإنسان مهددا في نفسه وعرضه وماله، لأسباب عديدة في مقدمتها هيمنة الظلم وغياب العدل وتهميش العقل والمنطق فضلا عما يترتب على ذلك من فساد الخلق والضمير الأمر الذي يوفر الأجواء الموبوءة التي تمرر من خلالها أساليب سيئة كثيرة لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين والإيقاع بهم بدون مسوغ أو مبرر.
وفي مقدمة تلك الأساليب السيئة (القذف والاتهام) حيث يكونان عادة قرينان للظلم وغياب العدل ففي زمن الظلم يصبح اضطهاد الإنسان وإلحاق الأذى به هو القاعدة فيما يبدو الانصاف وتحكيم العقل والمنطق هو الاستثناء وبناء على ذلك فإن مثل هذه الأساليب تعد جزء لا يتجزأ من الفوضى السياسية والاجتماعية السائدة وبعضها من المبررات المعنية بتشغيل آلة الظلم والإرهاب ولاشك ان مثل ذلك الواقع المجرد من الضوابط والقوانين الإنسانية المطلوبة يبدو وهو بأمس الحاجة إلى المفاهيم التربوية والأخلاقية الكفيلة بتنمية كوامن الخير والصفات الحسنة في المجتمع وصولا إلى إيجاد القوة الذاتية الرادعة والتي يمكن الاستعاضة بها ولو نسبيا عن تلك القوانين والضوابط المصادرة.
ومن هنا نجد ان هناك العشرات من الأحاديث والروايات المعنية بإيجاد القوة الذاتية في المجتمعات الإسلامية عندما تعيش أوضاع الفوضى والعبثية ومصادرة القيم والأخلاق كما هو سائد اليوم في بقاع عديدة من عالمنا الإسلامي.
ويلاحظ ان هذه الأحاديث الشريفة الواردة عن الأئمة من أهل البيت (ع) إضافة إلى الروايات الداخلة في هذا الإطار تلتقي جميعها على ذم الاتهام والقذف وتنهى عنهما نهيا شديدا حيث لا يمكن ان يجتمعا مع حسن السريرة ويقظة الضمير.
وفي حديث للإمام علي بن موسى الرضا (ع) يؤكد ان هنالك العديد من الأخطار الإنسانية والاجتماعية المترتبة على قذف المحصنات مثلا وطعنهن في أعراضهن حيث يؤدي مثل ذلك الفعل السيء إلى المساس بالكثير من الضوابط والقوانين الفقهية والاجتماعية الأمر الذي يوجد مشاكل وأضرار كثيرة تلقي بضلالها السوداء على مصائر العديد من الأشخاص الأبرياء.
يقول الإمام علي بن موسى الرضا (ع): (حرم الله قذف المحصنات، لما فيه من فساد الأنساب، ونفي الولد، وإبطال المواريث، وترك التربية، وذهاب المعارف وما فيه من المساوئ والعلل التي تؤدي إلى فساد الخلق).
وروي عن الإمام الصادق (ع) إنه قال: (أتى عمر بن الخطاب بجارية قد شهدوا عليها أنها بغت، وكان من قصتها أنها كانت يتيمة عند رجل، وكان الرجل كثيرا ما يغيب عن أهله، فشبت اليتيمة، وكانت جميلة، فتخوفت المرأة ان يتزوجها زوجها إذا رجع إلى منزله، فدعت نسوة من جيرانها فامسكنها، فأخذت عذرتها بأصبعها فلما قدم زوجها من غيبته، رقت المرأة اليتيمة بالفاحشة، وأقامت البينة من جاراتها اللاتي ساعدنها على ذلك فرفع ذلك إلى عمر، فلم يدر كيف يقضي فيها، ثم قال للرجل: ائت علي بن أبي طالب، وأهذب بنا إليه.
فاتوا عليا (ع) فقصوا عليه القصة فقال لامرأة الرجل: ألك بينة أو برهان؟ فقالت: لي شهود هؤلاء جاراتي يشهدن عليها بما أقول فأحضرتهن، فأخرج علي (ع) السيف من غمده وطرحه بين يديه، وأمر بكل واحدة منهن، فأدخلت بيتا ثم دعا امرأة الرجل فأدانها بكل وجه، فأبت ان تزول عن قولها، فردها إلى البيت الذي كانت فيه، ودعا إحدى الشهود وجثى على ركبتيه، ثم قال: تعرفيني، أنا علي بن أبي طالب، وهذا سيفي وقد قالت امرأة الرجل ما قالت ورجعت إلى الحق، وأعطيتها الأمان، فإن لم تصدقيني لأملأن السيف منك. فالتفتت إلى علي (ع) فقالت: يا أمير المؤمنين الأمان على الصدق؟ فقال لها (ع) فاصدقي. فقالت: لا والله ما زنت اليتيمة، إنها أي امرأة الرجل رأت جمالا وهيئة فخافت فساد زوجها، فسقتها المسكر، ودعتنا فأمسكناها، فافتضتها بإصبعها.
فقال علي (ع): الله أكبر، أنا أول من فرق بين الشهود الا دانيال النبي (ع) وألزم علي (ع) المرأة حد القاذف وأمر المرأة ان تنفى من الرجل ويطلقها زوجها، وزوجه الجارية).
وهكذا نجد ان الأبعاد التربوية المشتملة عليها هذه الرواية تضع أمام الوعي المسلم الشروط والضوابط الواجب مراعاتها ازاء الأخبار والمعلومات غير الدقيقة والمشكوك في مصادرها وأسبابها ودواعيها قبل ان يجري إطلاق الحكم واتخاذ الموقف والاجراء ولاشك ان ذلك مصداقا لقوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
وفي عصرنا اليوم حيث تشهد القيم والمفاهيم اضطرابا واهتزازا خطيرا جراء انتشار الظلم والاضطهاد والاستعاضة عن الشريعة بالأطروحات الوضعية والافكار الدنيوية تأخذ مثل هذه الظاهرة السيئة (الاتهام والقذف) مساحة واسعة على الأصعدة الاجتماعية والسياسية حيث تعتمد كوسيلة لتصفية الحسابات الشخصية أو الحصول على المنافع والمكاسب الأنانية عن طريق التزلف لأصحاب السلطة والجاه وهكذا نجد ان المخاطر المترتبة على انحسار القيم والمفاهيم السماوية تتحول إلى ممارسات تقليدية وتجاوزات شائعة قد لا يرى الكثير من التعاطي معها والقيام بمزاولتها ما يترتب عليه مساس بالإيمان أو طعن في الدين ولاشك ان مثل ذلك الاعتقاد ناتج عن جهل أولئك البعض الأمر الذي يجعلهم يعتقدون ان صلاتهم وصومهم كافيون لأداء ما يناط بهم من واجبات وفرائض فيما يتعمد البعض الآخر مثل هذه الممارسة جراء سوء الطبع وضعف الإرادة وهما أمران كثيرا ما تقترن معهما دوافع وأسباب عديدة من قبيل الحقد والغيرة والتنافس غير الشريف وجميع هذه الدوافع والأسباب تسهم اسهاما مباشرا في خلق الأجواء الموبوءة والصالحة الانتشار مثل تلك الظاهرة الذميمة والخطيرة.
وعلى خلاف ما هو شائع في الأوساط التي أدمنت مثل تلك الممارسات القبيحة حتى أصبحت أشبه بالعادة المألوفة لديها نجد أن الأئمة من أهل البيت (ع) يؤكدون على الابتعاد عن الاتهام والقذف سواء جاءا ضد الإنسان المؤمن أو المسلم أو تمت ممارستهما بحق المشرك أو الذمي من أهل الكتاب وذلك مراعاة لحقوق الإنسان وحفاظا على أمنه وأمانه بغض النظر عن توجهه أو إنتمائه.
روى عمر بن النعمان الجعفي أنه كان لأبي عبد الله (الإمام الصادق (ع)) صديق لا يفارقه إذا ذهب إلى مكان. فبينما هو يمشي معه في الحذائيين ومعه غلام سندي يمشي خلفه، إذ التفت الرجل يريد غلامه، ثلاث مرات فلم يره فلما نظر في الرابعة قال: يابن الفاعلة أين كنت؟
قال فرفع أبو عبد الله (ع) يده فصك بها جبهة نفسه، ثم قال: سبحان الله تقذف أمه؟
قد كنت أرى ان لك ورعا.
فقال: جعلت فداك، إن امه سندية مشركة.
فقال: أما علمت ان لكل أمة نكاحا؟ تنحى عني.
قال: (فما رأيته يمشي معه حتى فرق الموت بينهما).
إن واجب الإنسان المسلم ان يشيع الطيب من العمل والقول وان يتصدى للخبيث منهما قال تعالى: (مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة أجتثت من الأرض مالها من قرار).
ويقول الرسول الأكرم (ص):
(المسلم من سلم الناس من يده ولسانه).
ــــــــــــــــــــ(42/246)
إحسان الظن بالاخرين
* د. يوسف القرضاوي
من المبادئ الاخلاقية المهمة في التعامل مع الاسلاميين مع بعضهم البعض : احسان الظن بالاخرين , وخلع المنظار الأسود , عند النظر الى اعمالهم ومواقفهم فلا ينبغي ان يكون سلوك المؤمن واتجاهه قائما على تزكية نفسه , واتهام غيره ...
والله تعالى ينهانا ان نزكي أنفسنا , فيقول : ( هو أعلم بكم اذ أنشاكم من الارض واذ انتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن أتقى ) .
ويذم اليهود الذين زكوا أنفسهم وقالوا : أنهم أبناء الله وأحباؤه , فقال الله تعالى : ( ألم تر الى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ) .
والمؤمن أشد حسابا لنفسه من سلطان غاشم , ومن شريك شحيح .
فهو ابدا متهم لنفسه ولا يتسامح معها , ولا يشوغ لها خطأها , يغلب عليه شعور التفريط في جنب الله , والتقصير في حقوق عباد الله .
وهو يعمل الخير , ويجتهد في الطاعة , ويقول : أخشى ان لا يقبل مني , فأنما يتقبل الله من المتقين , وما يدريني أني منهم ؟
وهو في الجانب المقابل يلتمس المعاذير لخلق الله , وخصوصا لاخوانه والعاملين معه لنصرة دين الله , فهو يقول ما قال بعض السلف الصالح : ألتمس لأخي من عذر الى سبعين , ثم أقول : لعل له عذرا اخر لا أعرفه .
ان سوء الظن من خصال الشر التي حذر منها القرأن والسنة , فالاصل حمل المسلم على الصلاح , وأن لا تظن به الا خيرا , وان تحمل ما يصدر منه على أحسن الوجوه , وان بدا ضعفها , تغليبا لجانب الخير على جانب الشر .
والله تعالى يقول : ( يا أيها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن أثم ) والمراد به : ظن السوء الذي لم يقم عليه دليل حاسم .
ويقول الرسول ( ص) : " اياكم والظن فان الظن أكذب الحديث .. " .
والمفروض في المسلم اذا سمع شرا عن أخيه ان يطرد عن نفسه تصور اي سوء عنه , وأن لا يظن به الا خيرا , كما قال تعالى في سياق حديث الأفك : ( لولا أذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا أفك مبين ) .
صحيح ان سوء الظن من الاشياء التي لا يكاد يسلمن منها أحد , كما روي ذلك في حديث ضعيف , ولكن يقويه ما ثبت في الصحيح , قول النبي (ص) لبعض الصحابة الذين رأوه في الاعتكاف يكلم أمرأة عند المسجد , فأسرعا الخطا فقال : " على رسلكما انها صفية بنت حي ( زوجته) " . فقالا: وهل نظن بك الا خيرا يا رسول الله ؟ قال : ان الشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم , ولني خشيت ان يقذف في قلوبكما شرا " .
ومع هذا ينبغي للمؤمن ان لا يستسلم لوسوسة الشيطان في اساءة الظن بالمسلمين , بل عليه ان يلتمس لهم المعاذير والمخارج فيما يراهم اخطؤوا فيه , بدل ان يتطلب لهم العثرات والعيوب .
فان من أبغض الناس الى رسول الله (ص) وابعدهم عنه مجالس يوم القيامة الباغين للبراء العثرات .
فاذا كان العمل الصادر عن المسلم يحتمل وجها يكون فيه خيرا , وعشرين وجها لا يكون فيها الا شرا , فينبغي حمل هذا العمل على وجه الخير الممكن والمحتمل .
واذا لم يجد وجها واحدا للخير يحمله عليه فيجمل به ان يتريث , ولا يستعجل في الاتهام , فقد يبدو له شئ عن قريب , وما أصدق ما قاله الشاعر هنا :
تأن ولا تعجل بلومك صاحبا لعل له عذرا وانت تلوم
ومما يجب التحذير منه : ما يتصل باتهام النيات , والحكم على السرائر ,وانما علمها عند الله , الذي لا تخفى عليه خافية , ولا يغيب عنه سر ولا علانية .
وهذا مطلوب للمسلم أي مسلم , من عامة الناس , فكيف بالمسلم الذي يعمل للاسلام والذي ضم الى الاسلام العام : الدعوة اليه , والغيرة عليه , والدفاع عنه , والتضحية في سبيله ؟
ومن اجل هذا يعجب المرء غاية العجب , ويتألم كل الألم اذا وجد بعض العاملين للاسلام يتهم بعضهم بالعمالة او الخيانة , جريا وراد العلمانيين واعداء الاسلام فيقول احدهم عن الاخر : هذا عميل للغرب او للشرق او للنظام الفلاني , لمجرد انه خالفه في رأي او موقف , او في أتخاذ وسيلة للعمل مخالفة له , ومثل هذا لا يجوز بحال لمن فقه عن الله ورسوله .
ان مجال السياسة الشرعية مجال رحب , وفيه تتفاوت الأنظار , ما بين مضيق وموسع وبخاصة ان تقدير المصالح والمفاسد وراء الشئ الواحد يختلف الناس فيه اختلافا شاسعا .
وينبغي ان نقدم دائما حسن الظن ولا نتبع ظنون السوء فاناه لا تعغني من الحق شيئا . فهذا يرى السكوت على الحاكم في هذه المرحلة أولى , واخر يرى وجوب المواجهة . وهذا يراها مواجهة سياسية , واخر يراها عسكرية .
وهذا يرى الدخول في الانتخابات وغيره ينكر المشاركة فيها .
وهذه كلها مجالات للاجتهاد لا ينبغي ان تمس دين شخص او ايمانه او تقواه بحال من الاحوال .
ويشتد الخطر حينما يجتمع اتباع الظن واتباع الهوى , كالذي ذم الله به المشركين في قوله : ( ان يتبعون الا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) .
( ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ) .
ومن أجل ذلك حذر الرسل - مع مالهم من مقام عنده - من اتباع الاهواء فقال تعالى لداود : ( يا داوود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) .
وقال لخاتم رسله محمد عليه الصلاة والسلام في القرأن المكي : ( ثم جلعناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع اهواء الذين لا يعلمون ) .
وفي القرأن المدني ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع اهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله اليك ) .
ان الاخلاص لله يجمع ويوحد , اما اتباع الهوى فهو يمزق ويفرق , لآن الحق واحدا , والاهواء بعدد رؤوس الناس .
وان أكثر ما فرق الامة الاسلامية الى فرق وطوائف شتى في القديم والحديث هو اتباع هوى النفس او اهواء الغير , ولهذا أطلق ( أهل السنة ) على الفرق التي حادت عن ( الصراط المستقيم ) هذا العنوان المعبر ( أهل الأهواء ) فكثيرا ما كان الخلاف غير جذري , وا غير حقيقي , ولكن الذي ضخمه وخلده هو الهوى , نسأل الله السلامة .
ــــــــــــــــــــ(42/247)
الآثار النفسية للمعصية
المعصية هي رفض التطابق مع إرادة الله.. إرادة الحق والخير. والمعصية حدث وموقف إنساني، يولد وينمو في داخل الذات الإنسانية، ثم يتجسد ويظهر نتيجة للاختبار والفعل الذي يمارسه الإنسان.. ولا يمكن لهذا الفعل والحدث أن يقع في عالم الإنسان، دون أن يترك بصماته وآثاره على لوحة النفس الإنسانية.. فكل فعل يصدر من الإنسان ـ خيراً كان أو شراً ـ يترك أثره ونتيجته، واضحة على تكوين الإنسان النفسي، وتشكيله الذاتي، وسلوكه الاعتيادي ،فالذنوب والمعاصي إذا ما تراكمت وتجمعت، صنعت حاجباً ضبابياً، ومحيطاً ظلامياً، يحول بين النفس وبين رؤية النور، وتلمس طريق الاستقامة.. فهناك علاقة طبيعية، بين تراكم المعاصي، وبين التطبع والاعتياد على الانحراف، وتشكيل شخصية إنسانية معقدة ومريضة.. فإن الإدمان على الجريمة والمعصية، يمتص كل ردود الفعل المعاكسة، الّتي يبديها الضمير والإحساس الإنساني اليقظ، ويسخر حركة النفس كلها، باتجاه الفعل الشاذ والمنحرف، نتيجة للتكرار والاعتياد.
وقد تحدث القرآن الكريم، عن هذه الوضعية الإنسانية المنحرفة، ولخَّص تحليلها وأسسها النفسية، وأبعادها السلوكية، قال تعالى:
(في قُلوبِهِمْ مَرَضٌ فزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً ولهمْ عذابٌ أليمٌ بما كانوا يَكذِبُون).( البقرة/10)
(كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُون).(المطففين/14)
(... فلمَّا زَاغُوا أزَاغَ اللهُ قُلوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهدي القومَ الفَاسِقين).(الصف/5)
(ثُمَّ قَسَتْ قُلوبُكُمْ مِنْ بعدِ ذلك فهيَ كالحجارةِ أو أشَدُّ قَسْوَةً).(البقرة/74)
(فَبَِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُم وكُفْرِهِم بآياتِ اللهِ وقَتْلِهِمُ الأنبياءَ بغيرِ حق وَقَولِهِمْ قلوبُنا غُلفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عليها بِكُفْرِهِمْ فلا يُؤمِنُون إلاّ قليلا).(النساء/155)
فهذا التحليل القرآني، يمنح الإنسان رؤية علمية، ويبصِّره بأثر المعصية على النفس الإنسانية ويُحذرُه من المردودات السلبية، الّتي تنعكس على النفس، وتحول الشخص السوي إلى شخص مدمن على الجريمة، معتاد على المعصية، لا يفرق بين قتل النفس المحرمة وصيد الطائر المباح، ولا يميز بين أن يعيش على السرقة والغش وبين أن يكسب من عرق جبينه وعصارة جهده.. ولا يعنيه أن يبيع كرامته، أو يسقط حرمة نفسه لقاء ثمن بخس لا يزيد على ملء بطنه.. إن مثل هذا الشخص سيوغل في المعصية، ويتمادى في الجريمة، حتى يتحول الى مجرم معتاد، يحب الجريمة، ويتلذذ باقترافها، ولا تستريح نفسه إلاّ بممارستها.
لذلك تحدث القرآن عن أخطار الآثار الانحرافية، الناتجة عن ممارسة المعاصي، والاستمرار عليها، فكشف عن أكثرها خطورة وتأثيراً، وهي:
الزيغ(3) ـ المرض ـ الرين(4)ـ القسوة(5) ـ الطبع على القلب(6).
فالإنسان إذا ما اعتاد على ارتكاب الجرائم والآثام، أثّر ذلك على قلبه، وتراكمت عليه، وحالت بينه وبين الرؤية السليمة، فلا يبصر الاستقامة، ولا يستسيغ حياة الفضيلة لذلك وصف القرآن الكريم هذه النفوس المجرمة بأنها نفوس مريضة، وعليها حجاب أو مطبوع عليها، أي متشكلة بموجب السلوك الإجرامي، وطبيعة الانحراف الذي اختارته تلك القلوب طريقاً لها في التعامل والتصرفات.
وقد جاء حديث الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) في أثر المعصية على الشخصية الإنسانية كاشفاً ومفسراً لمضمون هذه العبارات القرآنية وموضحاً لها.
قال (عليه السلام) : (ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة، إن القلب ليواقع الخطيئة، فما تزال به حتّى تغلب عليه، فيصير أعلاه أسفله)(7).
لذلك أمر الإنسان المسلم أن لا يستهين بذنب، ولا يستصغر معصية، وأن يحاسب نفسه ويستغفر، كلما أذنب أو عصى، لتتسع المسافات والأبعاد النفسية بينه وبين المعصية، وليبقى يقظ الضمير، حي الإحساس، سليم النفس، مستقيم السلوك.
-------------------------
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/248)
كيف يتعامل التوجيه الاسلامي مع الحالات النفسية للمريض
لقد أكّدت الدراسات والابحاث النفسية الاخلاقية أنّ الصحّة النفسية هي مصدر سعادة الانسان واستقرار المجتمع وحفظ النظام فيه.
فالمجتمع الذي يتمتّع أفراده بالصحّة النفسية، وبالسلوك السوي يبني نظاماً اجتماعياً تندر فيه الجريمة والانحطاط والمشاكل والازمات السياسية والاقتصادية والامنية، ويسلم من السلوكية العدوانية. والانسان يستطيع بالتربية والارادة وظروف العلاج والرياضة النفسية أن يتخلّص من الحالات المرضية، كالانانية والحقد والكبرياء والغرور والاعجاب بالنفس والجشع...الخ. وهو كما وصفه القرآن الكريم معرّض للاصابة بمرض الكبرياء والظلم والاستعلاء على الاخرين، ولكي تتضح الصورة فلنقرأ جانباً من تشخيص القرآن وتحليله، قال تعالى:
(ما أصابَ مِن مُصيبة في الارض ولا في أنْفُسِكُمْ إلاّ في كتاب من قَبلِ أنْ نَبْرأها إنّ ذلك على الله يسيرٌ* لِكَيلا تأسوا على مافاتَكُمْ ولا تَفْرَحوا بِما آتاكُمْ والله لايُحِبّ كُلْ مختال فخور). (الحديد/22 ـ 23)
(وأمّا الذينَ استنكفوا واستكبروا فَيُعذّبُهُمْ عَذاباً أليماً ولا يَجِدونَ لَهُم من دونِ اللهِ وليّاً ولانَصيرا). (النساء/173)
(إنّ الذينَ يُجادِلونَ في آياتِ الله بِغير سُلطان أتاهُم إن في صُدُورِهم إلاّ كِبْرٌ ما هُم ببالغيه فاسْتَعِذ بالله إنّهُ هو السميعُ البَصير). (غافر/56)
(إنّا جعلنا ما على الارضِ زينةً لها لنبلوهُمْ أيُّهُمْ أحْسَنُ عَمَلاً). (الكهف/7)
(وما الحَياةُ الدّنيا إلاّ مَتاعُ الغُرور* لتُبلونّ في أموالكُمْ وأنْفُسِكُمْ). (آل عمران/185 ـ 186)
(وأيّوبَ إذْ نادى رَبّهُ أنّي مَسَّني الضُرُّ وأنْتَ أرْحَمُ الراحِمين* فاسْتَجبنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وآتيناهُ أهلَهُ ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً من عِنْدِنا وذِكرى للعابِدين). (الانبياء/83 ـ 84)
(الذينَ إذا ذُكِرَ الله وجِلَتْ قُلوبُهُمْ والصابِرينَ على ماأصابَهُمْ والمُقيمي الصلاة وممّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقون). (الحج/35)
(الذي خَلَقَني فَهو يَهْديني* والذي هو يُطْعِمُني ويَسْقيني* وإذا مَرِضْتُ فَهو يَشْفيني). (الشعراء/78 ـ 80)
وهكذا يتحدّث القرآن عن حقائق كبرى في عالم الانسان، نستطيع أن نذكر أبرزها كالاتي:
1 ـ إنّ النفس البشرية عرضة للاصابة بالمرض النفسي، كالتكبّر والاستعلاء والغرور والطغيان، نتيجة الاحساس بالقوّة والاستغناء عن الله والناس، ولتغطية حالة الشعور بالنقص المترسّبة في أعماق العقل الباطن.
فكثير من المتكبّرين والمتغطرسين يعانون من عقدة الشعور بالنقص، لذا يلجأون وبشكل لا شعوري إلى ممارسة سلوك المتكبّر.
إنّ تلك الامراض التي تنعكس على شكل سلوك اجتماعي يظهر في التعامل والعلاقات الانسانية بشتّى صورها الاجتماعية والسياسية، وانّ هذه الامراض النفسية والاخلاقية هي محنة الانسان الكبرى، ومصدر شقائه وعذابه في الدنيا والاخرة، لذلك شخّصها القرآن بقوله:
(كلاّ إنّ الانسان ليطغى* أنْ رآهُ استغنى). (العلق/6 ـ 7)
(ولا تمشِ في الارضْ مَرَحاً إنّك لَنْ تخرقَ الارضَ وَلَنْ تَبلغ الجِبال طولاً). (الاسراء/37)
(وأمّا الذينَ استَنْكَفوا واسْتَكْبَروا). (النساء/173)
(ان في صدورهم إلاّ كِبَرٌ). (غافر/56)
(فأمّا عادٌ فاسْتَكْبَروا في الارضِ بِغيرِ الحَقِّ وقالوا مَنْ أشدُّ مِنّا قوّة). (فصلت/15)
وهكذا كانت تلك العقد هي مصدر الكفر والظلم والفساد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، كما هي مصدر الانحراف في السلوك الفردي.
2 ـ إنّ الابتلاء بشتّى أنواعه، ومنه الامراض الجسدية، هو أحد الوسائل التربوية والتأديبية الرادعة التي تُشعر الانسان بضعفه وحاجته إلى بارئه. كما تسلك كعقوبة للمجرمين والمتكبّرين والطاغين. ثمّ هي درس وموعظة للاخرين الذين يشاهدون الطاغي والمتكبّر والمغرور وقد فتك به المرض، وأذلّه وأفقده نعمة الصحّة والاستمتاع بالحياة. وقد أفاض علماء العقيدة والاخلاق الاسلاميون في دراسة الامراض وأثرها في تكامل النفس وتهذيبها فقسّموها إلى قسمين:
أ ـ قسم منها هو عقوبة وانتقام وتأديب وردع للمجرمين.
ب ـ وقسم منها تربية وكفّارة للذنوب، وتصعيد للسير التكاملي لدى الانسان.
فالمرض يوحي للانسان بالاحساس بالضعف أمام خالقه، وحاجته الى رحمته وعفوه وإحسانه، وإشعاره بالعطف والرحمة على الاخرين، والحيلولة بينه وبين حالات الغرور والطغيان وظلم الاخرين الذي يولّده الاحساس بالقوّة والاستعلاء عليهم.
3 ـ دعا القرآن الكريم الانسان الذي تلم به المحن والمصائب ومنها المرض إلى الصبر والشكر على المصيبة، ومواجهتها بعزيمة وإرادة قوية، وعدم اليأس من الشفاء، فانّ الشفاء بيد الله سبحانه، وما الدواء والعلاج إلاّ وسيلة تحتاج إلى توفيق ومشيئة إلهيّة.
4 ـ إنّ الله يعوّض الصابرين على ماأصابهم من محن وبلاء في أجسادهم. ولقد عرض القرآن نموذجاً فذّاً للابتلاء بالمرض الجسدي وللصبر واستحقاق الرحمة والعوض، عرض محنة النبي أيوب (عليه السلام)وتحدّث عن قصة مرضه وطول بلائه.
ومن هذه التجربة النبوية يتعلّم الانسان الصبر على المرض والاتّجاه إلى الله بالدعاء الذي يسير بقوى النفس نحو التكامل، ويركزّ مفهوم التواضع والعبودية والاتّجاه إلى خالق الوجود مفيض الخير والنعم.
5 ـ كشف القرآن عن حقيقة غائبة عن الكثيرين من بني الانسان الذين يتعاملون مع الحوادث والوقائع تعاملاً ساذجاً وسطحيّاً، فينظرون إلى كل ما يؤلمهم وتكرهه أنفسهم أو يعاكس أهواءهم أنّه شرٌ يجب التخلّص منه. يصحح القرآن هذا الخطأ، ويؤكّد أنّ كثيراً مما يحسبه الانسان شرّاً هو خير له. ويعرض هذا الفهم مساوقاً لفهم الطفل لمرارة الدواء ورفضه لتناوله. وبهذه القاعدة التربوية والفكرية العامّة يوضّح القرآن الحكمة من المرض وفلسفته في الحياة فيفهم الانسان أنّ وجود المرض ظاهرة طبيعية وضرورية في الحياة البشرية، وهي خير بوضعها القانوني العام، كالقتال بوضعه القانوني العام، وكالعقوبات القضائية بوضعها القانوني العام.
لقد أوضح القرآن هذه الحقيقة بقوله:
(كُتِبَ عليكُمُ القِتالُ وهو كُرّهٌ لَكُمْ وعَسى أن تَكْرَهوا شيئاً وهو خَيْرٌ لَكُمْ وعَسى أن تُحِبّوا شَيئاً وهو شَرٌ لكُمْ والله يَعْلَمُ وأنْتُم لاتَعْلَمون). (البقرة/216)
وكما أوضح فلسفة العقوبات القضائية بقوله:
(وَلَكُم في القِصاصِ حياةٌ ياأُولي الالباب). (البقرة/179)
فعلى الرغم مما في القتال والعقوبات القضائية من آلام وكراهة نفسية فهي إحدى وسائل الامن والسلام في المجتمع البشري، وبالتالي فهما من أبرز مصادر السعادة والطمأنينة. وعلى هذه القاعدة تبنى حكمة المرض الجسدي الذي يسلك كرادع للمرض النفسي وأداة للتربية والتأديب، لذلك نجد الايضاح لحكمة المرض تتجلّى في العديد من الاحاديث والبيانات النبوية والاخرى الصادرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) التي تتحدّث عن المرض كأداة للابتلاء والاختبار، والاخرى تتحدث عن المرض كوسيلة للتكامل وتطهير الذات والوجدان من الامراض النفسية فمن الطائفة الاولى نقرأ:
روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله) قوله:
(قال الله عزّوجلّ: ما من عبد أريد أن أدخله الجنّة إلاّ ابتليته في جسده، فإن كان ذلك كفّارة لذنوبه، وإلاّ ضيّقت عليه في رزقه، فإن كان ذلك كفّارة لذنوبه، وإلاّ شدّدت عليه الموت حتى يأتيني ولا ذنب له، ثمّ أدخله الجنّة)
وروي عن الامام الصادق (عليه السلام):
(ما يمرّ بالمؤمن أربعون يوماً وما يعاهده الله، امّا بمرض في جسده، أو بمصيبة يؤجره الله عليها)(.
وروي عنه قوله أيضا:
(انّه ليكون للعبد منزلة عند الله فما ينالها إلاّ بإحدى خصلتين، امّا بذهاب ماله، وامّا ببليّة في جسده)().
ويتحدّث الامام علي بن الحسين، السجاد (عليه السلام) عن المرض فيقول:
(إني لاكره في الرجل أن يعافى في الدنيا فلا يصيبه شيء من مصائبها)().
ويوضّح الرسول (صلى الله عليه وآله) القيمة التربوية والاثر الاصلاحي للمرض الجسدي ولما يصيب الانسان من بلاء، يوضّح أثر ذلك على تصميم المسار السلوكي وعلاج الحالات النفسية المرضية، وتصعيد حركة النفس التكاملية بشكل يفوق الاثار الاصلاحية التي تتركها أعمال البر الاخرى نظراً لما يترك الابتلاء من إحساس نفسي عميق وتفاعل فعّال في أعماق النفس، يوضّح الرسول (صلى الله عليه وآله) كلّ ذلك بحكمته الرشيدة فيخاطب أصحابه قائلاً:
((«من يحبّ أن يصح فلا يسقم»، فابتدرنا فقلنا: يانبي الله فعرفنا ما في وجهه، فقال: «أتحبّون أن تكونوا كالحمير الضالّة»؟ فقالوا: لا يانبيّ الله، فقال: «ألا تحبّون أن تكونوا أصحاب بلاء وكفّارات فوالذي نفسي بيده إنّ الله لايبتلي المؤمن بالبلاء مايبتلي إلاّ للكرامة عليه، إنّ الله قد أنزله منزلاً لم يبلغه بشيء من عمله دون أن ينزل به من البلاء ما بلغ به ذلك المنزل
ونقرأ تحليلاً دقيقاً للامام محمد الباقر (عليه السلام) لحكمة المرض وآثاره التي تعمل على تقويم النفس وتصحيح مسارها السلوكي، وعلاج حالاتها المرضية، فهو يوضّح أنّ مرض الجسم يعالج مرض النفس. روي عنه ذلك البيان بالنص الاتي:
(الجسد إذا لم يمرض أشر (ولا خير في جسد يأشر).
وهكذا تضع نصوص القرآن والسنّة تحليلاً علمياً لاخطر قضية تواجه الانسان في حياته، وهي قضية المرض الجسمي والنفسي. والكشف عن مسألة غامضة في هذه القضية، وهي أنّ كثيراً من حالات المرض الجسمي هي علاج للمرض النفسي. وانّ مرض المؤمن الذي يقع عليه من الله سبحانه، لا من تقصيره هو لصالحه، بل وحتى المرض الذي يحدث للانسان نتيجة التقصير يكسبه تجربة التوقّي من المرض، ويشعره بنعمة الصحّة التي أنعمها الله عليه. فالمرض كما تفيد النصوص هو تربية للانسان المؤمن، وتصعيد لحركة التكامل النفسي عنده، لما ينتج من الصبر على الالم، وتقوية الارادة، والرضا بقضاء الله وقدره، وكبح لجماح النفس، ومقاومة لنوازع الكبرياء والغرور والاستعلاء والبطر...الخ. وهو بعد ذلك كفّارة للذنوب، فالمرض النازل بالمؤمن بقضاء من الله سبحانه هو ألم، ولهذا الالم عوض إلهي.
وهذا العوض هو المغفرة والعفو الجميل، ولا يعني هذا الفهم طلب المرض أو الخضوع له، بل أوجب الاسلام على الانسان حماية نفسه من كلّ ضرر، وحرّم الاضرار بها، كما أوجب عليه العلاج من المرض الذي لايزال إلاّ بالعلاج. لذا اعتبر الفقه الاسلامي علاج الزوجة جزءاً من النفقة الواجبة على الزوج. بل وصوّر لنا كتمان المرض وعدم البوح به للطبيب ليتمّ التشخيص والعلاج خيانة للجسم. فقد ورد عن الامام علي (عليه السلام) قوله:
(من كتم الاطباء مرضه فقد خان بدنه).
ويتعامل التوجيه الاسلامي مع الحالات النفسية للمريض بإيجابية وتحليل علمي موجّه النتائج، منها أنّ بعض المرضى يشعر بالخطأ والتقصير تجاه نفسه وخالقه ومجتمعه غير أنّه سرعان ماينسى هذه الموعظة، وينسى فضل الله عليه عندما يزول عنه المرض وتعود إليه الصحّة، لذا تعامل معه بالتوعية والتذكير وتصحيح المواقف والسلوك، لانتشاله من هذه المشكلة السلوكية. جاء هذا التوجيه في وصية للامام علي (عليه السلام) قال فيها:
(لاتكن ممن يرجو الاخرة بغير العمل، إن سقم ظلّ نادماً، وإن صحّ أمن لاهياً، يعجب بنفسه إذا عوفي، ويقنط إذا ابتلي).
------------------------------------
* البلاغ
ــــــــــــــــــــ(42/249)
النقد والمحاسبة أداتان رئيستان من أدوات تصحيح السلوك والفكر
قال الله تعالى:{وإن تُبدوا ما في أنفسكم أو تُخفوه يُحاسبكم به الله...}. (البقرة/284)
ما من شيء في عالم الإنسان يتصف بالكمال المطلق، وكل شيء في حياته يحتاج إلى المراجعة والتنقيح والتصحيح والتسديد، ليخلص من الشوائب والنواقص والعثرات وأسباب الضعف والتخلف.
والتسليم بهذا المبدأ، مبدأ الاعتراف بالنقص، وعدم توفرّ الكمال في عالم الإنسان، هو الضمانة الأولى لتحقيق التكامل والنضج والاستقامة، فعندما يسلّم الإنسان أنه لابد وأن يخطئ، وانه ليس بمستوى الكمال في كل فعل وموقف، ولابد وأن تصدر عنه الهفوات والزلات، ويقع في الخطأ والقصور بسبب الجهل، أو هوى النفس ونزغ الشيطان، أو القصور وعدم القدرة على إدراك الحقيقة، أو تحقيق الكمال، فإنه يثبت الأساس والمنطلق في مسيرته التكاملية.
أما المغرور الذي لا يسلّم بقصوره الإنساني، أو تقصيره، فسوف لن يرضى بالإشكال عليه، ولن يخضع نفسه للمحاسبة والنقد الذاتي، وسيبقى موطناً للأخطاء والهفوات والتخلف، بعيداً عن السير التكاملي، والمستوى الأخلاقي والعلمي اللائق بالإنسان.
إن محاسبة الإنسان لنفسه على خطئه وتقصيره بحق الله والناس ونفسه، علامة صحة في تفكير الإنسان ودليل يقظة ضميره وحسه الأخلاقي.
لقد اعتنت الرسالة الإسلامية كثيراً بتربية هذا الجانب المهم في شخصية الإنسان، جانب النقد والمحاسبة الذاتية، وقبول ذلك ممن يوجهه إليه، في مجالات كثيرة من كتاب الله والسنّة المطهرة.
فقد دعت المبادئ والقيم الإسلامية إلى محاسبة النفس والإحساس بالمسؤولية، وحثت الإنسان على أن يراجع نفسه، ويقف وقفة تأمل معها، يراجعها ويحاورها، ويشكل عليها إشكال الخصم المتهم، وينقدها نقد الناصح الأمين، ويغور إلى أعماقها ومداخلها المعقدة التي تحاول الإخفاء والاستخفاء واصطناع الأعذار والمبررات والمدافعة والمغالطة.
إن من أخطر الحالات التي يواجهها الإنسان في حياته العملية والفكرية، هي: حالة اعتبار كل ما يصدر منه حسناً، ومتفوقاً ومتكاملاً، غير قابل للمناقشة، ولا نقص فيه، مما يدفعه إلى المغالطة والدفاع عن الخطأ، والإصرار عليه.
وبدافع من الجهل أو التكبر والعناد، فلا يقبل المحاسبة، ولا يستمع للنقد البناء الذي يوجه إليه.
وقد تحدث القرآن عن تلك الظاهرة الاجتماعية السيئة التي واجهت الدعوة الإسلامية في حياة الرسول الكريم محمد (ص)، وصدّت الكثيرين عن الهدى، وعرض تلك الحالات كنماذج لوضع نفسي وأخلاقي معاكس للطريقة العلمية والاستقامة الأخلاقية والصحة النفسية.
قال تعالى:
{ومِن الناسِ مَن يُعجِبُكَ قَولهُ في الحياةِ الدُنيا ويُشهِدُ الله على ما في قَلبهِ وهو ألدُّ الخصام * وإذا تَولّى سَعى في الأرضِ ليُفسِدَ فيها ويُهلِكَ الحرثَ والنّسل واللهُ لا يُحبُ الفَسادّ * وإذا قيلَ لهُ اتّقِ اللهَ أخذتهُ العزةُ بالإِثمِ فَحسبُهُ جَهنُم ولَبِئسَ المِهاد}. (البقرة/204ـ206)
فذلك نموذج من نماذج الإصرار على الخطأ والباطل، وعدم التنازل عن الموقف والفكرة والطريقة التي ألفها أو اختارها لنفسه.
ويتطابق هذا الموقف، وذلك النموذج البشري مع نظيره، الذي زين له الشيطان عمله فرآه حسناً:
{أفَمَن زُيِّنَ لهُ سوءُ عَملهِ فرآهُ حَسناً فإنّ الله يُضلُِّ مَن يشاءُ ويهدي من يشاءُ فلا تذهَب نفسُك عليهم حَسراتٍ إنّ الله عليمٌ بما يَصنَعونَ}. (فاطر/8)
إن الإنسان قد يُعرّض لعملية خداع وتضليل باطني، تستحكم في العقل الباطن أو في أعماق الذات، أو يصور له من يحيطونه ويؤثرون على صنع قراره، ومواقفه وسلوكه وتعامله مع الناس، وعلاقته مع الله سبحانه، فيرى سوء عمله وتصرفه وقصور رأيه، وتخلف قراره أمراً حسناً، وشيئاً متفوقاً، بسبب تلك المؤثرات الذاتية أو الخارجية غير الواقعية، فيصر على الخطأ، ويدافع عنه، فيرى ما صدر عنه بعين الرضى، وبمستوى النضج والكمال، ويلجأ إلى المبررات والمدافعة ومخادعة النفس ومحاولة إقناع الآخرين، حتى كأن الشاعر يصور لنا لوحة نفسه المشوهة وهو يردد شعره:
وعين الرضى عن كل عيب كليلة *** ألا إن عين السخط تبدي المساويا
فهو يفعل كل ما يتصور أنه مقنع لنفسه، وللآخرين بصحة رأيه وسلامة موقفه، وتصحيح قراره، ولكنه يبتعد عن قبول النقد وإعادة التقويم والحساب، ومراجعة النفس على ضوء الواقع والموازين الأخلاقية والشرعية والعقلية.
وينبه القرآن على خطورة النوازع الشيطانية التي تساهم في التأثير على الموقف والقرار، والاتجاه العام للإنسان، ويدعو إلى استماع كلمة النصح والنقد والرشاد، ويؤكد للإنسان المغرور، الواقع تحت تأثير المغالطة والمكابرة، إن العزة وقوة الشخصية والقرار، ليست في الإصرار على الخطأ، بل بقبول الحق، والتطابق مع الحقيقة، والاستماع إلى كلمة الرشاد:
{ مَن كانَ يُريدُ العزةَ فللهِ العزةُ جَميعاً إليه يَصعَدُ الكَلِمُ الطيبُ والعملُ الصالحُ يرفَعهُ والذينَ يَمكُرُونَ السَيئاتِ لهُم عذابٌ شديدٌ ومَكرُ أولئِكَ هوَ يَبُورُ}. (فاطر/10)
{للهِ ما في السماواتِ وما في الأرضِ وإن تُبدوا ما في أنفُسكم أو تُخفُوهُ يُحاسِبكُم بهِ اللهُ...}. (البقرة/284)
ولقد جعل الله الإنسان رقيباً على نفسه، ومقوماً لها، وازناً لحقيقة أفكاره ونواياه وأفعاله عندما خاطبه بقوله:
{بَل الإنسانُ على نَفسهِ بَصيرةٌ * ولَو ألقى مَعاذيرَهُ}. (القيامة/14ـ15)
قال الطبرسي في تفسير هذه الآية:
[{ بل الإنسانُ على نَفسهِ بَصيرة} أي أن جوارحه تشهد عليه بما عمل، فهو شاهد على نفسه بشهادة جوارحه عليه، عن ابن عباس وعكرمة ومقاتل، وقال القتيبي أقام جوارحه مقام نفسه ولذلك أنث لأن المراد بالإنسان هاهنا الجوارح، وقال الأخفش هي كقولك فلان حجة وعبرة، ودليله قوله تعالى: {كفى بنفسك اليومَ عليك حسيباً}، وقيل معناه أن الإنسان بصير بنفسه وعمله، وروى العياشي بإسناده عن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله (ع) قال: ما يصنع أحدكم أن يظهر حسناً، ويسرّ سيئاً، أليس إذا رجع إلى نفسه يعلم أنه ليس كذلك؟ والله سبحانه يقول: {بل الإنسانُ على نفسهِ بَصيرة}، إن السريرة إذا صلحت قويت العلانية، وعن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) أنه تلا هذه الآية، ثم قال: ما يصنع الإنسان أن يعتذر إلى الناس خلاف ما يعلم الله منه، إن رسول الله (ص) كان يقول: من أسرّ سريرة ردّاه الله رداءها، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وعن زرارة قال: سألت أبا عبدالله: ما حد المرض الذي يفطر صاحبه؟ قال: بل الإنسان على نفسه بصيرة، وهو أعلم بما يطيق، وفي رواية أخرى: هو أعلم بنفسه ذاك إليه. {ولو ألقى معاذيره} أي ولو اعتذر وجادل عن نفسه، لم ينفعه ذلك. يقال معذرة ومعاذر ومعاذير، وهي ذكر موانع تقطع عن الفعل المطلوب، وقيل معناه ولو أرخى الستور وأغلق الأبواب، عن الضحاك والسدي، قال الزجاج: معناه ولو أدلى بكل حجة عنده، وجاء في التفسير: المعاذير الستور، واحدها معذار، وقال المبرد هي لغة طائية والمعنى على هذا القول: وإن أسبل الستور ليخفي ما يعمل فإن نفسه شاهدة عليه](2).
لقد ثّبت رسول الله محمد (ص)، الهادي والمربّي، والمثل الأخلاقي الأعلى للإنسان المسلم، مبدأ المحاسبة، ونقد الذات وتقييمها، لأن الإنسان تصدر عنه الأفعال والأفكار، وتختلج في نفسه النوايا والمقاصد، والإسلام يريد أن يصحح النية والقصد الإنساني، وينقيه من الشوائب والانحرافات، فقد روي عن رسول الله (ص) قوله:
(ألا أُنبئكم بأكيس الكيِّسين، وأحمق الحمقاء، قالوا: بلى يا رسول الله (ص)، قال: أكيس الكيِّسين من حاسب نفسه، وعمل لما بعد الموت، وأحمق الحمقاء من أتبع نفسه هواه، وتمنى على الله الأماني)(3).
إن الرسول الكريم (ص) يصف المحاسب لنفسه بأنه كيّس (*)، يستخدم عقله ووعيه لتقويم سلوكه، وتوجيه مساره في الحياة، لأنه يُخضع ما يفكر به، وما يصدر عنه، للنقد والتقييم، فيصون نفسه من الخطأ والتقصير وتبعات المواقف ونتائجها السلبية الضارة.
ويصف من لا يراقب سلوكه وانفعالاته، ويندفع وراء هوى نفسه، بأنه أحمق(*) لا يستخدم عقله، ولا يقاوم نزغات الشيطان، ونزغات الشر، وأسباب التخلف والتقصير في حياته اليومية، تاركاً عمل الخير والاستعداد لعالم الآخرة، إلى خداع النفس والعيش على الأماني الكاذبة، والأوهام الخداعة.
ويشخص الرسول الهادي محمد (ص) للإنسان حقيقة أخرى، يلفت نظره إليها، ويحذره منها، وهي: أن الإنسان إن لم يحاسب نفسه على تقصيره وخطئه، فإن الله يحاسبه، والناس يحاسبونه، والقانون يحاسبه، ويسأله الجميع على تقصيره وإساءته، وسيتحمل نتائج ذلك ومسؤوليته، وعندئذ سيجد نفسه في قفص الاتهام، يقف أمام أسئلة كثيرة، لا يملك لها جواباً مقنعاً ومقبولاُ.
إنه لو اخضع نفسه وعمله للحساب، ووقف وقفة تأمل، وخلا بنفسه، أو بمن يثق به من الأهل والأصدقاء والناصحين له، وقيّم عمله ومواقفه، وسلوكه، لاستطاع أن يكتشف نقاط الضعف، ويشخص مواطن التقصير فيعالجها.
الرسول (ص) يقدّم النصيحة في مبادئ التربية والتنظيم الدقيق لمسيرة الإنسان وسلوكيته ومواقفه، عندما يقول له:
(حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزنوها قبل أن تُوزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر)(4).
بل وجاء عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) أن أولئك الذين سيطر عليهم الغرور، وأعجبتهم فعالهم حمقى، قد ركبهم الغرور، وغاب عنهم العقل والرشاد، لذلك استبعدهم عن الجماعة المؤمنة، ونزّه الشخصية الإسلامية عن هذه السلوكية المترديّة، فقال:
(ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل حسناً استزاد الله، وإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه)(5).
إن من صفات المؤمن هي محاسبة النفس، وإجراء التحقيق المستمر معها، ذلك لأن المحاسبة عبارة عن عملية تنقيح مستمرة للشخصية، وإعادة بناء الذات.
ولقد اعتبر الرسول الكريم محمد (ص) الاعجاب بالنفس والاقتناع بما يصدر عنها من فكر وعمل وممارسة دون التوقف، والنقد والمراجعة والتنقيح، اعتبر ذلك من أسباب الهلكة والتردي، فقال:
(ثلاث مهلكات: شحّ مطاع، وهوى متّبع، وإعجاب المرء بنفسه)(6).
ونصح الإمام محمد بن علي الجواد (ع) المؤمن بقوله:
(المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله، وواعظ من نفسه، وقبول ممن ينصحه)(7).
فالفرد والجماعة في أعمالهم الفردية والجماعية ـ سواء كانت في مجال النشاط الفردي أو التعبدي أو الاجتماعي أو السياسي أو الفكري ـ إذا سيطر عليهم الغرور، واستمروا في عملهم دونما نقد للذات ومحاسبة للمواقف، سيقودون أنفسهم إلى الهاوية والهلاك.
ويسوق القرآن الكريم بشراه إلى الذين يتعاملون بقلب منفتح، وعقل واع، ووضع نفسي سليم، مع كلمة الخير التي تأخذ بيد الإنسان، وتهديه سبيل الرشاد، وتنجيه من الهلكة، والضياع والتردد والتخبط الفكري والأخلاقي والسياسي والاجتماعي... الخ.
{فَبشِّر عبادِ * الذينَ يستَمعونَ القولَ فيتّبعونَ أحسنهُ أولئكَ الذينَ هداهُمُ اللهُ وأولئكَ هُم أُولو الألبابِ}. (الزمر/17ـ18)
ومن الخطأ الذي يقع فيه كثير من الناس، هو كراهية سماع ما يُظهر نقصهم أو تخلفهم وخطأهم وسقوطهم، لذلك فهم يميلون إلى من يزيّن لهم عملهم، ويكيل لهم المديح والثناء بغير حساب، وينفرون ممن يوجّه إليهم النقد البنّاء، والتقويم السليم، ويقدم لهم النصح.
إن الذين ينقدوننا نقداً بناءً هم الناصحون، وهم الذين يساهمون بتسديد خطئنا، وتقويم سلوكنا وعملنا الشخصي أو السياسي والاجتماعي والثقافي... الخ.
أما الذين يغفلون حالة الملق والتزلف والإنتهازية بالمديح والثناء المفتعل، فهم عنصر هدام، ودخان يحجب العيون عن رؤية الحقيقة، فينبغي للعاقل أن يفتح قلبه ونفسه لسماع نقد المخلصين، وأن يستفيد من نقد الخصوم وإثاراتهم وطعونهم ليحصّن نفسه، وينقح سلوكه وأفكاره ومواقفه في كل مجال يوجه إليه النقد فيه.
قال الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع):
(أحبُّ إخواني إليّ من أهدى إليّ عيوبي)(8).
وللنقد والمحاسبة آدابها وأصولها الأخلاقية والإنسانية، ومن أبرز تلك الآداب والأصول أن يكون الناقد مخلصاً وموضوعياً وأميناً ومحباً للخير ولمصلحة الآخرين، الذين يوجه إليهم النقد.
فالنقد أداة ترشيد وتقويم، وعامل بناء وتسديد للإنسان وتصحيح لمسيرته، وليس أداة للهدم والتخريب والتوهين واسقاط الشخصيات والجماعات والاتجاهات السليمة.
فالإنسان الناقد يجب أن يتصف بالصدق والإخلاص والموضوعية، ويبتعد عن التهريج والإثارة الهدامة وإرباك الآخرين والتشكيك بهم.
وينبغي للناقد أن يتناول المواقف والقرارات والأفكار والآراء بأسلوب علمي، وبنقد موضوعي يساعد الآخرين على رؤية النواقص، وتشخيص الضعف والتخلف والخطأ، وتلمّس طريق الصواب والتغيير، والتحرك نحو التكامل، وليس التشهير والطعن وكشف النواقص الواقعية أو المتصورة في ذهن الناقد بشكل مثير وهدام، فإن ذلك الأسلوب ليس من أساليب النصح والتسديد، بل هو من وسائل الهدم والتخريب، وتضييع الحقيقة والجوانب الإيجابية في الشخص أو الجماعة التي يوجه إليها النقد، بإثارة الغبار والتشكيك من خلال نقاط الخطأ أو التقصير، بحيث لا ترى إلا نقاط الضعف والقصور والصورة الشوهاء التي يصورها الناقد الهدام.
إن القرآن يؤكد وجوب الالتزام والانضباط الأخلاقي عند التقويم والنقد والمحاسبة، ويعد القول السديد من التقوى والتكامل الأخلاقي:
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً}. (الأحزاب/70)
في الوقت الذي ينهى فيه عن تضييع الجوانب الإيجابية، ومجالات القوة، والمواطن المضيئة، والحسنات والسلوكية البناءة وإهمالها عند النقد والتقويم، فيقول:
{ولا تَبخَسُوا الناسَ أشياءهُم ولا تُفسِدوا في الأرضِ بعدَ إصلاحِها ذلكم خيرٌ لكم إن كُنتُم مُؤمنين}. (الأعراف/85)
فلابدّ لمن يريد أن يمارس عملية النقد أن يلتزم بتلك الأصول والآداب، ويحافظ عليها.
فالنقد الهدام، واستغلال الثغرات، وانتهاز الفرص، وتتبع العثرات، ومحاولة إظهار أعمال الآخرين ومشاريعهم ومنهجهم الثقافي أو جهدهم العلمي، أو عملهم السياسي، والاجتماعي بمظهر الخطأ والتخلف والتفاهة، بدافع الأنانية، أو النزاعات الشخصية، أو بسبب الجهل والتعصب.
إن كل ذلك لا يسمى نقداً، بل هو عملية هدم وإسقاط لجهود الآخرين، وإحباط لمساعيهم، وإعاقة لنمو مشاريعهم وأعمالهم الإصلاحية والعلمية أو السياسية والثقافية، فكثير من الناس يقدم على مشروع عمل، فيصدر صحيفة أو مجلة إسلامية، أو ينشئ جمعية خيرية أو مشروعاً ثقافياً، كالمدارس والمعاهد الدينية، أو يؤسس حركة إسلامية، أو يحدث نشاطاً وعملاً سياسياً واجتماعياً، فيخطئ أو يفشل في عمله بسبب قلة الخبرة، أو ضعف الإمكانيات، أو عدم توفر الظرف المناسب.
إن حق أولئك العاملين الإسلاميين على الآخرين هو التسديد والنصح وتقديم العون والخبرة والنقد البناء بالوسائل والطرق الصحيحة المثمرة:
{وقُولوا للناسِ حُسناً...}. (البقرة/83)
{ألم تَر كيفَ ضربَ اللهُ مثلاً كلمةً طيبةً كَشجرةٍ طيبةٍ أصلُها ثابتٌ وفَرعُها في السماءِ * تؤتي أُكُلها كلَ حينٍ بإذنِ ربها ويَضربُ اللهُ الأمثالَ للناسِ لعلّهم يتذكَّرون * ومثلُ كلمةٍ خَبيثةٍ كَشجرةٍ خبيثةٍ اجتُثَّت من فوقِ الأرضِ ما لَها من قَرارٍ}. (إبراهيم/24ـ26)
وفي الحديث الشريف نجد تأكيداً على أهمية الكلمة والطريقة التي يتم بها الإرشاد والتوجيه، فقد ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع):
(إن العبد ليتكلم بالكلمة فيكتب الله بها إيماناً في قلب آخر، فيغفر لهم جميعاً)(9).
ومن آداب النقد والمحاسبة في الإسلام هو عدم التشهير بالآخرين، أو الإضرار بسمعتهم ما زالوا يحملون النوايا المخلصة، والقصد الصادق في اتجاههم الإيماني.
لذلك ورد هذا التشبيه على لسان الإمام الحسن بن علي العسكري (ع) وهو يرشد إلى كيفية النقد والنصح والتسديد:
(من وعظ أخاه سراً فقد زانه، ومن وعظه علانيةً فقد شانه)(10).
بل وتتأكد المهمة النقدية البناءة، كمسؤولية رسالية وواجب أخلاقي يتحمله المؤمن تجاه المؤمن في جملة من الروايات والأحاديث الشريفة، فعلى الناقد أن يصور الحقيقة، ويشخّص الواقع، وعلى المنقود أن يتقبل بصدر رحب، وعقل متفتح ذلك النقد البنّاء، والنصيحة الصادقة، جاء ذلك واضحاً ومصوراً بدقة متناهية تكشف قيمة النقد وكيفيته، في الحديث الذي يرويه الإمام
جعفر بن محمد الصادق (ع) عن جده رسول الله (ص)، قال: قال رسول الله (ص):
(المؤمن مرآة أخيه، يميط عنه الأذى)(11).
وفي الوقت الذي يريد الإسلام أن تكون المهمة النقدية لأعمال الآخرين الفكرية والاجتماعية والسياسية وأمثالها، مهمة تصوير للحقيقة، وتصوير لنقاط الضعف والقوة كما تصور المرآة الواقع دون تزييف، أو تلاعب، أو تدخّل ذاتي، أو أناني، فإنه ينهى المؤمنين المتآخين في الله، أن يهتك بعضهم حرمة بعض، ويحصي عليه زلاته ليسقطه، ويزعزع مكانته، أو يحطّ من كرامته وقدره.
فقد روي عن الإمام محمد بن علي الباقر (ع):
(إن أقرب ما يكون العبد من الكفر أن يؤاخي الرجل على الدِّين، فيحفظ عليه عثراته، ويحصي عليه زلاته، ليعنفه يوماً ما)(12).
إذن فلنخاسب أنفسنا، ولننقدها بوعي وتجرد، ولنقف ولنتأمل كلما سرنا شوطاً لنعيد التقويم والحساب، ولنصغ إلى النقد والنصيحة وكلمة الحق، ولنحسن النقد وتوجيه الآخرين، ولنتّق
الله عندما ننقد ونقوّم الآخرين، فإننا مسؤولون عن ذلك:
{ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيد}. (ق/18)
ولنتحاش التشهير بالآخرين ومحاولة اسقاطهم، وليكن هدفنا من النقد هو الإصلاح، وليكن دافعنا إليه هو حب التغيير وحب الخير.
ولنبتعد عن التبرير والاسقاط ومخادعة النفس، فمن الخطأ أن نقنع أنفسنا بصحة كل ما يصدر عنا ، والرضى بأوضاعنا دون أن نعمل على إعادة النظر فيها وتمحيصها، وتصعيد مستواها:
(مَن استوى يَوماه فَهوَ مَغبُون...)(13).
أما المصر على الخطأ، فهو ظالم لنفسه ولغيره.
ولنجعل قول الرسول (ص) منهاج عمل يومي لنا في الحياة:
(حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنُوها قبل أن تُوزَنُوا، وتجهَّزوا للعرضِ الأكبر)(14).
هدي وإرشاد
1ـ من وصية طويلة، وصّى بها الرسول (ص) أبا ذر الغفاري (رض): (يا أبا ذر حاسب نفسك قبل أن تُحاسب، فإنه أهون لحسابك غداً...)(15).
2ـ قال رسول الله (ص): (أكيس الكيّسين من حاسب نفسه، وعمل لما بعد الموت)(16).
3ـ قال الرسول (ص): (لا يكون العبد مؤمناً حتّى يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة الشريك شريكه)(17).
4ـ قال الرسول (ص): (الكيِّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتَّبَعَ نفسه هواها، ثم تمنَّى على الله)(18).
5ـ عن الرسول (ص)، قال: (من مقت نفسه دون مقت الناس آمنَهُ الله من فزع يوم القيامة)(19).
6ـ عن أمير المؤمنين (ع): (مَن حاسَبَ نفسهُ ربحَ، ومن غَفلَ عنها خسرَ، ومن خاف أمنَ، ومن اعتبرَ أبصرَ، ومن أبصرَ فهمَ، ومن فهمَ علمَ)(20).
7ـ عن أمير المؤمنين (ع)، قال: (يا أسرى الرغبة، اقصروا فان المعرّج على الدنيا ما لا يروّعه منها صريف أنياب الحدثان، أيها الناس تولّوا من أنفسكم تأديبها، واعدلوا بها ضراوة عاداتها)(21).
8ـ عن أبي الحسن (ع)، قال: (إن رجلاً في بني إسرائيل عبد الله أربعين سنة، ثم قرّب قرباناً فلم يقبل منه، فقال لنفسه: ما أتيت إلا منك، وما الذنب إلا لك، قال: فأوحى الله عز وجل إليه: ذمّك لنفسك أفضل من عبادتك أربعين سنة)(22).
9ـ عن الإمام علي بن الحسين (ع)، قال: (ابن آدم: إنك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همك، وما كان الخوف لك شعاراً، والحزن لك دثاراً، ابن آدم: إنك ميّت ومبعوث وموقوف بين يدي الله فأعّد جواباً)(23).
{والحمدُ لله ربِّ العالمين}
ــــــــــــــــــــ(42/250)