نظرة.. فلمسة.. فقبلة.. فكارثة.. فتوبة !!
الشهوة, مع الجنس الآخر
السلام عليكم، بارككم ووفقكم الله، أنا شاب عمري 15 عامًا، كنت على علاقة مع إحدى زميلاتي في المدرسة.. بدأت العلاقة بريئة، ومن ثم تطورت إلى: لمسة، فمعانقة، فقبلة، فقبل حارة في الفم، فلمس الأعضاء من الجانبين، وأخيرًا وصلت إلى النوم في السرير، وخلع الثياب (ما عدا الملابس الداخلية) وتمثيل ممارسة الجنس ولكن من دون خلع الملابس الداخلية. وأخيرًا وبعد ثاني مرة من النوم في السرير (من دون الاحتكاك الجنسي) وعيت والحمد لله لنفسي وتركت البنت ورجعت إلى الصلاة وقراءة القرآن حتى ختمته وصمت عدة أيام محددة يقال بأنها تكفر الذنوب.
والآن قد مضى حوالي سنة على هذه العلاقة المشئومة، ومصارحة البنت بأن ما كنا نفعله خطأ كبير؛ علما أنه لا أحد يعرف ما جرى بيننا.. وأنا الآن لست على علاقة مع أي بنت بعد هذه "العلاقة" حتى إنني أتجنبهن ولا أنظر إليهن.
وأريد أن أعرف إن كان الله سيسامحني ويعفو عني؟ أنا مسلم وأخاف ربي وأصلي وأصلي الجمعة في المسجد وأصوم وأقرأ القرآن وأنا أدعو الله دائما ليسامحني.. فكيف سيسامحني، وأنا ارتكبت خطأ فادحًا؟ ... المشكلة
أ.د. سحر طلعت ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... ابني الكريم، لا يمكنني أن أصف لك مقدار سعادتي برسالتك التي تعبر عن مقدار ما تتمتع به من تقوى لربك؛ فرسالتك تنم عن نفس لوامة تردع صاحبها وتمنعه من التمادي في الخطأ، وتدفعه دفعًا إلى التوبة والإكثار من الصالحات إذا وقع في ذنب، هذه النفس اللوامة كرمها المولى عز وجل وأقسم بها في محكم آياته.
الأمر الثاني الذي أسعدني أنني شعرت فعلا أنني أمام ابن لي؛ فعمرك يقارب عمر ابني؛ وهذا ما جعلني أشعر بقربك مني؛ وهو ما زاد من شعوري بمقدار مسئوليتي عنك.
والآن تعال نناقش معًا ما حدث ونناقش معًا مخاوفك، لقد اقترفت ذنبًا منذ حوالي سنة، وكانت بينك وبين هذه الفتاة علاقة ما تطورت تدريجيا، وفي غمرة استمتاعك بهذه العلاقة المحرمة استيقظت نفسك اللوامة، فتوقفت بكامل إرادتك عن أي ممارسة حرام، وهرعت إلى ربك الكريم الحليم العفو الغفور تائبًا ومكثرًا من الحسنات (وبالمناسبة جميع أنواع الحسنات تذهب جميع السيئات، وعلى قدر علمي لا يوجد عدد محدد من الأيام التي ينبغي صيامها لتكفير الذنوب)، فلماذا تتصور أن الله لن يسامحك وهو القائل: {إن الله يغفر الذنوب جميعا}، هل يمكنك أن تتخيل ما ينتظرك من فضل الله وكرمه وأنت تقرأ هذه الآيات: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.
وهل لك أن تتخيل أن الله سبحانه فرح بتوبتك ورجوعك إليه كما أخبرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم حينما قال: "لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة"، والمقصود أن الله سبحانه يفرح بتوبة عبده المؤمن أكثر من فرحة أي منا إذا وجد بعيره الذي يحمل طعامه وشرابه أمام عينيه بعد أن فقده في الصحراء القاحلة وجلس ينتظر الموت جوعا وعطشا، فهل بعد هذا يمكنك أن تتصور ولو للحظة واحدة أن الله لم يقبل توبتك ولم يسامحك؟!!
أنا أدعوك لأن تجلس بين يدي ربك متخيلا فرحته بعودتك إليه، كما أدعوك أن تتخيل موقفك يوم العرض عليه وهو يطلعك على صحيفتك فتجد كل ذنب فيها وقد تبدل بقدرته ومشيئته حسنات كما وعد ربى الذي لا يخلف الميعاد، فقال: {إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.
فإذا راودك مرة أخرى أي إحساس أن الله سبحانه لن يغفر ذنبك فاعلم أن هذا الإحساس من عمل الشيطان لعنه الله وأذله، فهو يريد لنا دائما أن نقنط من رحمة الله وعفوه؛ لأن هذا القنوط يمنعنا من الاستمرار في التوبة ويدفعنا دفعا لاقتراف الذنوب، فلا تجعل للشيطان عليك سبيلا، ولا تقنط من رحمة ربك، فهو سبحانه أرحم بك من الأم بوليدها.
ابني العزيز، شهوتك وميلك للجنس الآخر أمر طبيعي وفطري، ولكن الإسلام لم يجعل لهذه الشهوة مصرفًا إلا من خلال الزواج، وحتى يتم لك هذا عليك أن تحرص على شغل ذهنك ووقتك بالنافع والمفيد من الأنشطة والهوايات بحيث تقلل قدر الإمكان من المساحة المتاحة للتفكير في هذه الشهوة وفي هذا الصدد يفيدك أن تقرأ: "الشهوة تقتلني.. الفيزياء هي الحل".
وعليك أن تلتمس صحبة الأخيار، وعليك أيضا أن تتجنب مواطن الإثارة (كمشاهدة أفلام الدش ومواقع الإنترنت الإباحية وكذلك المصاحبة المنفردة للفتيات والخلوة بهن)، وعليك أيضا أن تجتهد في دراستك حتى تقترب من هدفك وهو الزواج وإرواء شهوتك المتقدة بالحلال.
ابني الغالي، أدعو الله سبحانه أن يربط على قلبك وأن يرزقك وجميع شبابنا وفتياتنا عفة الأبدان والضمائر، وأن ينعم عليك بسعادة الدنيا والآخرة
ــــــــــــــــــــ(41/317)
أحلام اليقظة.. لا للمقاومة.. نعم للترشيد
تحت العشرين
جزاكم الله كل الخير على هذه الصفحة الممتعة.. لن أطيل عليكم في ذكر مشكلتي، وهي بكل اختصار:
إني أعيش على الأحلام رغم أني والحمد لله من أسرة مترابطة وملتزمة ومتحابة، لا ينقصها شيء، والوضع المادي والحمد لله جيد، فأنا لا أحلم بأني أريد امتلاك هذا الشيء أو ذاك، أو أني أريد أن يكون لي أم أو أب، ولكن أحلامي تدور وتتركز أغلبها في رغبتي بالحصول على عشيق، ولكن طبعا بطريق شرعي.. فدائما أتخيل أني أعيش مع ذلك الرجل، وأنه يحضنني ويعاملني بكل لطف وحنان و... و... وما إلى ذلك مما يحصل بين المرأة وزوجها.
وفي بعض الأحيان أرى أن معي ذلك الحبيب الذي تعرفت عليه بالجامعة وكثيرا من هذه الأشياء التي بالفعل أتعبتني حتى أني أصبحت لا أستطيع الدراسة كالسابق، وأني دائما متضايقة وفكري مشغول بما ليس له فائدة.. فماذا علي أنا أفعل لكي أبعد عن هذه العادة السيئة، وهل ما أنا فيه شيء طبيعي لفتاة في مثل عمري، مع العلم أن عمري 19 سنة. ... المشكلة
د.فيروز عمر ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... إذا لم يراود الفتاة هذا النوع من أحلام اليقظة في سن التاسعة عشر فتُرى متى يراودها إذن؟ ذه الأحلام أمرٌ طبيعي وصحي في مثل هذه السن، حيث يتولد الميل الفطري نحو الجنس الآخر، وتكتمل أنوثة الفتاة، وينشط قلبها ووجدانها، وتتزايد الحاجة والرغبة لهذا النوع من الحب الذي لا يعوضه أي نوع آخر أو يحل محله.
ولقد تحدثنا عن هذا الاحتياج في مشكلة ظهرت على الصفحة أو ستظهر قريبًا بعنوان:
* ليس الحب قبلات وليست كل السوائل ماءً؟
ولعل أحلام اليقظة هذه نعمة من الله تعالى نشكره عليها كثيرًا، حيث إنها وسيلة من وسائل "التنفيس" عن هذه الطاقة الوجدانية المتأججة وصورة من صور "التعويض" المؤقت عن هذا الاحتياج إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولاً، ويأتي الفارس الموعود!
ولكن هذه الأحلام في الحقيقة لها ضوابط عليك أن تدركيها حتى لا تتحول هذه النعمة إلى نقمة، وحتى لا يصبح ضررها أكبر من نفعها. ولعلي أوجز هذه الضوابط في النقاط التالية:
1- لا للمقاومة.. نعم للترشيد والترويض:
لا تكبتي هذه الخيالات وهذه المشاعر، ولكن في نفس الوقت لا تستسلمي لها استسلامًا تامًا بحيث تشغل ذهنك وقتًا أطول من اللازم، وتؤدي لتشتيت تفكيرك أو تؤثر على تركيزك في المذاكرة وقدرتك على التحصيل مثلاً.. ضعيها في إطارها الصحي دون إفراط، ودون أن تؤثر سلبا على حياتك. أنا أعلم أن هذا يحتاج لمقاومة شديدة في البداية، ولكن سيصبح أكثر سهولة مع الوقت.. استعيني بالله تعالى.. اقرئي بعض آيات من القرآن.. صلي ركعتين لله.. استعيذي بالله من الشيطان الرجيم.. وأكرر: لا للمقاومة.. نعم للترويض والترشيد.
2- لا تخلطي بين هذه الأحلام وبين الواقع.. وحاولي ألا تُسقطي هذه الأحلام على شخص محدد في الواقع، فلا يسوقك هذا الخيال مثلاً إلى قصة حب، ولا يورّطك في علاقة!
3- حاولي استثمار طاقتك الذهنية والوجدانية في أنشطة متعددة، فالدنيا واسعة يا ابنتي، وهي أكبر مما تتخيلين، أكبر من مجرد فتى وفتاة وحب وجنس! فتعرفي على الدنيا الواسعة، وتخيري من أنشطتها وقضاياها ما يناسبك.. ولعلك تطلعين على مشكلة سابقة بعنوان: " إحياء الرغبات الضامرة.. وتحويل الشعار إلى عمل"، أعتقد أن بها ما يكمل لك المشهد.
4- اجعلي هذه الأحلام -في المستقبل- تُثري علاقتك الزوجية ولا تضرها.. فإذا حاولت -عندما تتزوجين بإذن الله- أن تضعي كل خبراتك الخيالية في علاقتك بزوجك، فهذا مفيد جدًّا، ولكن إذا تصورت أن الزواج مجرد حب ولمسات وقبلات فقد حكمت على العلاقة بالفشل؛ لأن الزواج أيضًا جدية ومسئولية وحياة كاملة.
أريد أن أقول: إن هذا الخيال من الممكن أن ينفعك في علاقتك بزوجك إذا أحسنت توظيفه في ضوء فهم صحيح للزواج.
كلمة أخيرة أقولها لك ولكل أصدقائي:
وسائل الإعلام أصبحت مكتظة بكل وسائل الإثارة الوجدانية والجنسية بشكل فاق كل الحدود، سواء من خلال أغاني الفيديو كليب أو الإعلانات أو الأفلام ... إلخ.
أنا أعلم أن تجنب هذه المثيرات ربما يكون مستحيلاً، ولكن على الأقل يجب عدم الإكثار من التعرض لها واستعذاب بضاعتها والاستسلام لها.
ــــــــــــــــــــ(41/318)
من كتائب الجهاد المدني.. "رابطة محاربة العُري"
الحياة الجنسية, العادة السرية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب في الصف الثالث الثانوي من الإسكندرية.. هذه هي أول مرة أرسل إليكم مشاركتي، ولكني أود أن أشارك ولو بالقدر القليل في هذا الموضوع:
في الحقيقة هذا الموضوع الذي سوف أتحدث عنه هو موضوع شغل هذا الموقع لفترة طويلة، وهو العادة السرية، ولقد قرأت كل إجاباتكم عن هذه المشكلة ولكثرة ما قرأت تبين لي كثرة من يفعلها سواء من الإناث أو الذكور، ولكني أريد أن أسأل لماذا لا نتناول هذه المشكلة؟ سواء على هذا الموقع الكريم أو في الدروس في المساجد أو في المدارس وفي الجامعات...
من جانب آخر غير جانب العلاج، وهو جانب الوقاية، وأنتم أطباء وتعلمون أن الوقاية خير من العلاج. فلماذا أجدكم تتحدثون عن العلاج دون البحث عن أسباب المرض وإن كانت معلومة لدى الجميع، ولكن كيف نتغلب عليها؟ هذا هو الذي لا نعرفه أو لا أعرفه أنا على الأقل. وهي مشكلة تصيب الشباب المسلم بالأخص، فكيف نطهر مجتمعنا من هذه المشكلة قبل الوقوع فيها؟ فبدلا من إطالة الحديث عن علاجها نتحدث عن منعها قبل وقوعها، فنحن يوما ما سنكون آباء وأمهات.. كيف نعلم أبناءنا البعد عن هذه العادة؟ وكيف نطهر مجتمعنا منها إلى الأبد حتى نعيش حياة خالية من هذا المرض الفتاك على الأقل؟ كيف نطهر وسائلنا الإعلامية من الأفلام المخلة وأفلام العري حتى لا تثار غريزة الشباب أو البنات كيف؟ كيف؟
وهناك أسئلة كثيرة، فنحن شباب، ونريد أن نرقى بأمتنا من الداخل، لماذا لا تنمون الوعي لدى الشباب حتى إذا ما أصبحوا مسئولين يوما ما كانوا على قدر هذه المسئولية، وأظن أن هذه رسالتكم السامية التي أظنكم مسئولين عنها أمام الله عز وجل.
وفي النهاية لي بعض الاقتراحات التي أظنها -من وجهة نظري الضيقة- يمكن أن تكون جزءا من خطة لإنارة الطريق للشباب:
1- ألا يكتفي الموقع بالإجابة على الأسئلة الموجهة إليه، بل تكون هناك من حضراتكم مقالات في الصحة النفسية وفى تربية النفس.
2- أن يكون هناك منتدى نستطيع من خلاله التحدث إلى سيادتكم مباشرة نعرض وجهة نظرنا وتسمعوننا.
3- تنظيم ندوات نستطيع من خلالها الاستماع مباشرة إلى سيادتكم وتسجيلها وعرضها على موقعنا المبارك.
وأخيرا لا يسعني سوى أن أقدم جزيل الشكر لحضراتكم على وقتكم الذي قضيتموه في قراءة هذه الرسالة.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. خالد. ... المشكلة
د.فيروز عمر ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أهلا بك يا "خالد" صديقاً لصفحتنا
تقول إنك في الصف الثالث الثانوي.. أدعو الله تعالى أن يوفقك في امتحاناتك التي اقتربت جدًّا، وأشكرك لك إيجابيتك التي دفعتك لاقتطاع جزء من وقت المذاكرة لترسل لنا بمشاركتك القيمة.
أعجبتني في مشاركتك الروح التي تتحدث بها، وبالتحديد كثرة استخدامك لـ (نون) الفاعلين تقول: نستطيع، نتناول، نطّهر، نرقى.. أنت تدرك إذن أنه ليس ثمة فئة محددة أو مجموعة بعينها هي المسئولة عن التغيير، وأن الإصلاح بمعناه الحقيقي والشامل لن يتم إلا إذا استخدمنا جميعاً (نون) الفاعلين، ولم يُلق أحدنا بالكرة في ملعب الآخر.
نحن -كناشطين اجتماعيين وأطباء نفسيين في فريق الحلول- حاولنا أن نقوم بجزء من دورنا في مشكلة " العادة السرية " من خلال إجابات سابقة مثل:
- المواقع الساخنة.. الاستمناء .. وداعاً للإدمان
- بعض عواقب الاستمناء
- في علاج الاستمناء
وأنشأنا حزب مقاومة المسخرة ، وقد كانت فكرة أحد أصدقائنا في الصفحة الذي بدأ برسالة " حزب مقاومة المسخرة : بيان رقم واحد " وكان الحزب مُلتقى لكل من يريدون المقاومة ليشد بعضهم أزر البعض.
تناولنا المشكلة من الزاوية العلاجية، وتعرّضنا لبعض وسائل الوقاية، وعلى رأسها تجنب المثيرات وشغل الفراغ، كما أننا لم نغفل عن إعادة تصحيح بعض المفاهيم المرتبطة بهذه العادة فوضّحنا مضارها دون مبالغة أو تهاون، كما حثثنا على الإقلاع عنها وعرضنا آراء الفقهاء حولها بنظرة معتدلة دون اعتبارها من الكبائر، وكذلك دون الترخص في الوقوع فيها، بل مقاومتها أو على الأقل عدم إدمانها.
وحاولنا أن نقّدم طرحاً آخر للوقاية منها، بل ومن انحرافات جنسية كثيرة ربما تكون أشد؛ وذلك من خلال فتح ملف " الزواج للجميع" الذي كان صاحب فكرته أحد أصدقاء الصفحة أيضاً، وذلك من خلال مشكلة " الجنس للبعض أم الزواج للجميع ؟.. خبرة ملتزم "
ثم المشاركات الآتية:
- الزواج للجميع .. انتفاضة اجتماعية : الجمهور مبدعًا
- الزواج للجميع : خبرة امرأة .. مشاركة
- الزواج للجميع : البيضة والدجاجة ..الاستشهاد الحي
- الجنس للبعض والزواج للجميع ... مشاركة
وبعد...!!؟؟
أنت الآن تطرح زاوية جديدة للتناول، ووسيلة جديدة للوقاية وهي " تطهير وسائل الإعلام من كل ما يثير الغرائز".
ورغم أني أعتقد أن السيطرة الكاملة على وسائل الإعلام وما تحويه من مواد مثيرة في عصر الفضائيات والإنترنت، هذا في الحقيقة أمر مستحيل، وأن من الأفضل تقوية البناء الداخلي للفرد حتى يستطيع التحكم بنفسه في نفسه، رغم ذلك فإنني أعتقد أيضاً أن السكوت على هذا الفحش، والصمت الجبان إزاء هذه التجاوزات هو من باب السلبية المذمومة التي لا تليق بـ "خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"، وأؤمن أيضاً أنه من الممكن عن طريق حركة جماعية منظمة مقاومة هذا العبث.
وأذكر لك مثالاً واحدًا ناجحًا:
استطاعت فتاة عادية بالتعاون مع مجموعة من الناشطين إلكترونيًّا أن توقف إعلانات عن نوع من العصائر يسمى "إيزي موزو"، كان يُعرض في (مصر) في رمضان، وكان هذا الإعلان يحمل إيحاءات جنسية فجة، وذلك بأن أرسلت خطابا لصاحب هذه الشركة شخصيًّا وهددته بمقاطعة منتجه، هي وآلاف من أصدقائها في المجموعات الإلكترونية إذا ما استمر هذا الإعلان.. وبالفعل توقف الإعلان في اليوم التالي مباشرة واختفى للأبد.
وأنا أدعوك يا أخي أن تقرأ نص رسالتها لترى ما فيها من: غيرة على الدين، وكيف أنها جمعت بين الترغيب والترهيب، وكيف كانت قوية بغير عنف، وكيف كانت مهذبة بغير خنوع أو تهاون وعنوانها:نشطاء الإنترنت أوقفوا "إيزي موزو"! ولعلك تطلع أيضا يا أخي على مقال " خلي (الجهاز) صاحي " لتدرك حجم التأثير الذي يمكن أن يصنعه العمل الجماعي المنظم عن طريق الإنترنت.
ربما طبيعة عملي تجعل الأمثلة التي ترد إلى ذهني مستوحاة كلها من الإنترنت، لكن في الحقيقة هذه ليست الوسيلة الوحيدة، وإن كانت هي الأخطر والأسرع والأصعب في محاربته أو التضييق عليه، لكنها ليست الوحيدة، فما أكثر وسائل وفصائل الجهاد المدني الذي تحدثنا عنه في إجابات ومقالات سابقة لعل أبرزها:
- الخروج عن ملتنا .... يسمونه المجتمع المدني
- طاقة وطموح وقلة حيلة : المجتمع المدني ... متابعة
- ضد العدوان.. الحرب الثقافية والجهاد المدني
- الجهاد المدني.. الطريق إلى الفعل (مشاركة)
لذلك يا أخي.. دعني أقرأ رسالتك على أنها (دعوة) لفتح باب الجهاد المدني لمقاومة كل المواد الإعلامية الخارجة عن سياق عرفنا وشريعتنا، سواء في الأغاني أو الأفلام أو الإعلانات التي تتسبب في مشكلات نفسية واجتماعية، لعل العادة السرية أهونها في الحقيقة، وهذا الجهاد الجماعي يراقب وسائل الإعلام العربية والإسلامية، ويُرسل بخطاباته للقائمين عليها والمشاركين فيها من مطربين ومخرجين وأصحاب شركات.. وتمارس عليهم الضغط السلمي للتوقف عن -أو على الأقل الحدّ من- بث هذه السموم بجسد مجتمعنا العربي والمسلم.
هذا الجهاد الجماعي يمكن أن يكون من خلال الإنترنت، أو عن طريق الجمعيات أو المدارس أو حتى في محيط الأسرة أو شلة الأصدقاء.
وأنا يا أخي أتقدم لك باقتراح محدد وهو إنشاء حزب للمقاومة -على غرار حزب مقاومة المسخرة- وليكن في صورة مجموعة إلكترونية مثلاً، ولتكن وظيفتهابالتحديد: "مراقبة الإعلام ومحاربةالعُري".. ونحن مستعدون للتعاون معك بإذن الله.
أما بالنسبة لاقتراحاتك التي ذكرتها في نهاية رسالتك:
1- المقالات: هذا موجود بالفعل، ولكن من خلال الصفحات الأخرى للموقع، فبعض أفراد الفريق لهم مقالات على صفحات مثل حواء وآدم، وثقافة وفن ، وغيرها، فيمكن قراءة مثلاً:
- قصص نجاح.. على صفحات حواء وآدم.
- حوار مع متخصص.. حول الثقافة الجنسية على صفحات حواء وآدم.
- الانفصام.. الفهم الاجتماعي بداية العلاج على صفحات حواء وآدم.
- من أجل ثقافة جنسية محترمة على صفحات حواء وآدم.
- المعاكسات بين الشباب في الصيف على صفحات حواء وآدم.
- عندما تهتز الثقة على صفحات حواء وآدم.
- عمارة بلا أخلاق.. هل تكون سببا للعنوسة؟! على صفحات ثقافة وفن.
- أنا والآخر.. شبابنا فيم يفكر على صفحات ثقافة وفن.
- اللغة العربية.. مشاكل وحلول على صفحات ثقافة وفن.
ونحن نقوم بعمل روابط بين بعض الإجابات وهذه المقالات عند الضرورة.. في انتظار إجراء بعض التعديلات التقنية التي تسمح بوجود هذه المقالات على الصفحة.
2- المنتدى: المتاح هو الآن:
- المشاركة عن طريق بريد الحلول holol@islamonline.net
- التواصل عن طريق أصدقاء الصفحة.hololfriends2000@yahoogroups.com
- عمل حوارات حية مع أعضاء الفريق مثل:
- مع تخطي الألف سؤال: قيم معنا صفحة مشاكل وحلول
- قتل الشرف.. خلافات الشريعة والتقاليد
- الجهاد المدني..عمل لا ينتهي
- مشاكل الشباب أون لاين
وإن كنا أيضًا في انتظار تطوير هذه الخدمة بحيث تشتمل على الخدمة الصوتية أيضًا.
3- الندوات: أفراد الفريق يشاركون بالفعل في ندوات داخل وخارج مصر وكذلك في لقاءات على الفضائيات، ولقد كنا عندكم في الإسكندرية الشهر الماضي عندما قدّم الدكتور أحمد عبد الله ورقة الجهاد المدني.. الطريق إلى الفعل .
ونحن أحيانًا نقوم بالإعلان عن هذه الندوات على صفحتنا خاصةً عندما تكون خارج مصر. وإن كانت رسالتك تدعونا لأن يكون هناك مكان مخصص على الصفحة للإعلان عن كل ندواتنا أو تسجيلها ووضعها على الصفحة.. وهذا اقتراح جدير بالدراسة والتطبيق، وإن كان في حاجة إلى تعاون أعلى مع منظّمي هذه اللقاءات. وأخيرًا يا أخي.. أشكرك، وفي انتظار المزيد من مشاركاتك.
ــــــــــــــــــــ(41/319)
مشكلة الإنجليزي تهدد حياتي بالانهيار "متابعة"
مع المجتمع, هموم الدراسة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والله لا أعرف من أين أبدأ؟ ولا حتى ماذا أكتب؟ فإني أشعر أن كلماتي لن توصل لك المعنى ولكن سأحاول.
في يوم من الأيام كنت بأمسّ الحاجة لمن يساعدني ويساهم في رفع معنوياتي فلم أجد غيرك ليقوم بتلك المهمة؛ فأنت قدمت لي النصيحة التي كم كنت بحاجة لها، في الوقت الذي كنت فيه أقترب من خط النهاية؛ فالشعور بالفشل كاد يدمرني، وعدم الثقة بالنفس نزعت كل ذرة تفاؤل من داخلي، وبدأت الأفكار والوساوس تتآمر علي إلى أن جئت أنت، نعم أنت الوحيد الذي استطاعت نصيحتك أن تحارب كل ذرة خوف هزمتني ودخلت إلى قلبي.. والحمد لله انتصرت عليها.
وبفضل الله ثم فضلك بحثت عن مادة متينة لأصنع منها أحلامي كي لا يستطيع أي عدو تحطيمها كما حصل سابقًا؛ فصنعت تلك المادة من مزيج من الأمل والتصميم والثقة بالنفس، وأهم شيء الثقة بالله.
بالتأكيد أنت لم تعرفني؛ لذلك سأعرف نفسي؛ فأنا طالبة جامعية في السنة الأولى.. بعثت لك مشكلتي التي كانت بعنوان " اللغة الإنجليزية تهدد أحلامي بالانهيار"، ففي بداية السنة الدراسية كنت أمر بحالة نفسية صعبة (سببها شعوري بأنني لم أتحمل صعوبة تخصص الصيدلة) فبعثت إليك بمشكلتي، ولكن تأخر الحل قليلا، في الوقت الذي كنت فيه أزداد انهيارًا، فقررت التحويل إلى تخصص آخر.
ولكن والحمد لله قبل أن أقدم على ذلك القرار أطلّت نصيحتك.. وكم كان لها تأثير في نفسيتي فبسببها قررت أن أتحدى وأحاول لعل الله يوفقني، والحمد لله استجاب الله لي؛ فأنا الآن أحمد الله لأنني أدرس ذلك التخصص لما وجدت فيه من متعة وتحد.. فالحمد لله استطعت أن أحصل في الفصل الأول على مجموع 84%، وهو مجموع جيد نسبيًا بالنسبة للتدريس في بلدي.
ولكن أنا أحب أن أعرف رأيك هل هو بالفعل مجموع جيد أم لا؟ وبالنهاية أنا بالفعل لا أعرف كيف أشكرك، ولكن بالتأكيد ستبقى في الذاكرة إن شاء الله.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... نحن ندعو كل من يرسل لنا بمشكلته أن يتابعنا بعد ذلك بنتائج ما قدمناه من حل أو بالتطورات التي حدثت في حياته.. والقليل هو الذي يفعل، ولكن هذا القليل يؤكد دعوتنا؛ لأن الفائدة تعم؛ فنحن يزداد إصرارنا على بذل مزيد من الجهد في عون أصحاب المشاكل لما تحدثه ردودنا من تغيير في حياة الناس.. وجمهور الصفحة يزداد تفاعله مع ما يعرض من مشاكل وحلول وهو يرى النتائج تعرض أمام ناظريه.
نحن نشكر لك رسالتك المتفائلة الراقية الرقيقة، والتي أحدثت في نفوسنا سعادة بالغة، خاصة ونحن نقرأ أخبار نجاحك بهذا المجموع المتميز، وهو دلالة على قوة في الإرادة أدت إلى تحويل الألم إلى قصة نجاح، وهي درجات أنت مرشحة للحصول على أفضل منها بإذن الله.. وهو في كل الأحوال نجاح مشرف كما نقول دائمًا، وهو النجاح في حدود القدرات والطاقات؛ لأنه ليس هناك صورة معينة للنجاح أو قالب له.
بل إن نجاحي في تحقيق ذاتي وما تصفينه بالشعور بالمتعة والتحدي وأنت تدرسين تخصصك هو النجاح في الحياة بصورة عامة؛ لأن النجاح في الدراسة جزء من الحياة وليس كل الحياة.. نهنئك بنجاحك، ونتمنى المزيد من التقدم، ونطلب منك استمرار التواصل معنا ونحن معك.
ويضيف د. أحمد عبد الله :
ماذا بين النجاح والفشل غير إرادة التحدي، وقرار البذل والإبداع؟ بداخل كل منا طاقة كافية ساكنة قد تكون منزوية في ركن من نفسه أو مبددة في التباسات عدم الثقة بالنفس أو عدم الوعي بالذات أو الموضوع المطلوب إنجازه، فيرى الإنسان نفسه وكأنه حشرة صغيرة تافهة أمام جبال المشكلات، وهو مجرد خلل في الإدراك تضطرب فيه النظرة، وتقدير الأحجام النسبية للأشياء والأشخاص، والمناخ الذي نعيش فيه عامة يبدو كاتمًا ومحبطًا أو غير مشجع -في أحسن الأحوال- وكم من الطاقات محجوبة عن الانطلاق بقيود من أوهام وتصورات خاطئة عن النفس والعالم! ولو تأمل الإنسان وتدبر لوجد هذه القيود محض خيال كابوسي يتلاشى في لحظة يقظة وانتباه.
نحمد الله أن كلماتنا تنهض بالبعض من كبوته، وتنير له طريقه، وتبدد الغيوم والشكوك فيرى نفسه أقوى وأوضح كما هي الحقيقة.. كلماتك ستمنحنا جميعًا المتعة والتحدي، وإرادة المواصلة رغم العقبات.. فجزاك الله خيرًا.
ــــــــــــــــــــ(41/320)
عيب صغير: حبيبي لا يصلي فكيف أقنعه؟!
مع الجنس الآخر, الحب لا يكتمل
أحببت أن أخط لكم مشكلتي بعد أن أيقنت أنني عاجزة تماما عن حلها، وكنت أعلم بموقعكم الذي يتمكن وحده من حل مشكلتي.
ومشكلتي هي أنني أحببت شابًّا من فلسطين يكبرني بثلاث سنوات، وهو طالب بكلية الهندسة، كانت الصدفة هي سبيل التعارف، دامت بيننا علاقة طاهرة وأخوية إلى أن اعترف لي بأنه يحبني، وعندما رفضت ذلك بسبب صغر سني وتفكيري بالدراسة وخطأ وجود مثل هذه العلاقات.. أيدني، وقال لي بأنه انجذب لي بسبب تحفظي ورجاحة عقلي بالتفكير.
ولا أنكر أن هذا الشاب خلوق، وعلى درجة عالية من الأدب والثقافة العالية والنباهة والتفكير، وهو ما جذبني إليه. وهذا الشاب يريد أن يخطبني، ولكن به عيب صغير لا أحب أن يكون بشريك حياتي وهو أنه لا يصلي، وعندما سألته عن السبب، قال لي بأنه مؤمن بربه، ولكنه غير مقتنع بالصلاة، وأقسم لي أنه سيصلي لو حاولت إقناعه فوافقت، وأنا أريد أن تساعدوني في إقناعه بالصلاة والقيام بتأديتها، وأملي هو التواصل معي لحل مشكلتي، مع خالص التحية، وجزاكم الله خيرا. ... المشكلة
أ.منيرة عثمان ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... حبيبتي الغالية، أقدر حبك ومشاعرك لهذا الشاب، وأملك بأن يكون شريك حياتك؛ فهذا حال قلب الفتاة حين يدق قلبها مع أول نسيم يمر عليها من حب أو إعجاب، وأقدر المنطلق الذي تتحدثين منه وحرصك على تأدية الصلاة كفرض من فروض الله عز وجل، فإن كان المسلم مؤمن بربه فمن باب إيمانه بالله عز وجل أن يمتثل لله عز وجل في أداء الصلاة كفرض من فروض الله سبحانه وتعالى.
قد وضع الله بين الشاب والفتاة مع بدء دخولهما عالم النضج والانتقال من الطفولة للمراهقة ومنها للرشد هذه العاطفة، وليس عيبًا أن تشعر الفتاة بدقات قلبها تدق نحو شاب أو الشاب حين يعجب بفتاة، ولكن كما وضع الله هذه العاطفة قد وضع ضوابط وحدودًا للتعامل بين الرجل والمرأة وحدودًا للاختلاط بين الرجل والمرأة يجب ألا نتعداها، ومن حرصك على علاقتك بالله يجب أن تحسمي علاقتك بهذا الشاب.
يجب أن يحدد هذا الشاب موقفة معك، فإن كان يريد الزواج منك فسيحاول أن يأخذ خطوات فعلية بمقابلة عائلتك والتقدم الرسمي لك، وإن كان على خلق كما تذكرين فمن باب احترامه وأدبه معك إن كان لا يستطيع أن يتخذ هذه الخطوات أن يقطع علاقته بك حتى يستطيع التقدم الفعلي لك.
أحمد فيك أن تكوني حريصة على أن ترتبطي بمن هو يؤدي فرائض الله وهمك على هذا الشاب بأنة تقنعيه بالصلاة، ولكن ما بني على خطأ فهو خطأ؛ فالتمادي في الحديث معه وفي هذه العلاقة لا يرضي الله عز وجل، فمن باب أولى ألا تتحدثي معه هذه الفترة حتى يأخذ خطوة إجرائية ويتقدم إلى أهلك بطريقة رسمية، وإن أراد أن يقابلك فيجب أن يكون بين عائلتك وأهلك ففي هذه الحالة يمكنك التحدث معه في موضوع الصلاة والاستفسار عن كيفية إقناعه.
كما أنك ما زلت تحت العشرين من عمرك فأنت في مرحلة تقلب العواطف والمشاعر فقد يكون هذا الحب وهمًا لك وله، ويصبح ذكرى في حياتك بعد مرور وقت، وقد يتحول إلى ارتباط حقيقي إن وجدت البيئة التي تساعده على ذلك؛ فبناء البيت والأسرة والزواج لا يعتمد فقط على الحب، فهناك جانب العقل وأنت ما زلت تبنين شخصيتك وتحتاجين للخبرة وللاندراج في الحياة الاجتماعية أكثر؛ فحاولي أن توسعي دائرة أصدقائك، وأن تندرجي في أنشطة ثقافية واجتماعية وخيرية مختلفة حتى تقللي حيز التفكير في هذا الشاب، وتصقل شخصيتك بتجارب نافعة، وتثمر لك خبرات تعينك وتوسع لك مدارك تفكيرك، وتعينك على الاختيار الصحيح للشريك المناسب، أو التأثير الإيجابي في هذا الشاب إذا تقدم لك بشكل رسمي.
وتذكري يا حبيبتي أن للزواج معايير يجب أن تختاري على أساسها من مستوى اجتماعي، واقتصادي، وثقافي، وديني وتعليمي، وطباع الشخصية، واهتمامات مشتركة.. فيجب أن تضعي معايير للاختيار تختارين على أساسها، وإن كان معيار الدين من الأولويات لديك فيجب أن تختاري بدقة أكثر وتأنٍّ من يراعي الله في حقوقه وأوامره، ويتقي الله في معاملته لك؛ لأن الذي يفهم الدين فهما صحيحا لا يفصل بين شعائر الدين وتطبيقه لسلوكيات الدين في بيته، وأهله، وعملة، وشتى جوانب حياته، وحذار من الاندفاع في اتجاه اختيار خاطئ أنت أول من سيدفع ثمنه.
حبيبتي، أعرف أن ما ذكرته لك قد يكون صعبا عليك، ولكن إن أدركت أن قطع العلاقة بينكما الآن حتى يأخذ خطوات فعلية بالتقدم لك سيحقق لك المنفعة، سواء في الدين والدنيا، وأنك ستنالين رضاء الله؛ لأنك قد قطعت هذه العلاقة طلباً لرضاء الله عز وجل.. فستقطعينها.
كما أن الله عز وجل رحيم وكريم بنا ويعلم بأحوال قلوبنا وضعفنا البشرى، وما دمت امتثلت لأمر الله فسيسخر لك الخير ويرزقك بالزوج الصالح، وإن كان هذا الشاب فيه خير لك فسيهيئ الله لك الأمر؛ فادعي الله عز وجل أن يهيئ لك الخير، وتذكري إن كان الزواج قد تم على ما يرضي الله فسيجمعكما على سكينة ورحمة ومودة من عنده سبحانه. واستخيري الله عز وجل في هذا الشاب، وادعي الله إن كان على خير أن ييسر لك الزواج منه، وإن كان على شر يصرفه عنك ويرزقك بالزوج الصالح.
حبيبتي أدعو الله أن يرزقك بالزوج الذي يعينك ويسعدك في الدنيا والآخرة
ــــــــــــــــــــ(41/321)
متاعب بنت 17: أكره المذاكرة وزواج الأقارب
مع المجتمع, هموم الدراسة
أنا فتاة عمري 17 سنة، عندي مشكلة أرجو أن تجدوا لها حلا، وهي أنني طالبة في الصف الثاني الثانوي بالقسم العلمي.. كنت أحب الدراسة حبا شديدًا! لكني أصبحت أكرهها جدا؛ لدرجة أنني انخفض مستواي الدراسي، وأنا قلقة جدا، فأنقذوني!!
ثانيا: ابن عمتي فيه كل الصفات الجيدة لزوج المستقبل، وهو -حسب تلميح عمتي إلينا- من الممكن بعد تخرجه في الجامعة أن يخطبني.. أنا صراحة معجبة بأخلاقه، ولكني لا أحب زواج الأقارب. علما أني أعرف أنه يحبني لوضوح ذلك في نظراته لي، فبِمَ تنصحونني؟ ... المشكلة
أ.منيرة عثمان ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أختي الحبيبة، أقدر شعورك بالقلق والحيرة من حالة كرهك للدراسة، واستغرابك من هذه الحالة الطارئة عليك. حبيبتي الدراسة ليست شيئا محبوبا أو مكروها، وإنما يمكن معرفة سبب حالتك لكره الدراسة برجوعنا إلى السبب في حب الدراسة أو كرهها، ويرجع هذا إلى عدة عوامل:
أولا: الهدف من الدراسة:
هدفنا من الدراسة.. لماذا ندرس؟ فهذا سؤال مهم يجب أن يسأله الطالب لنفسه، ويحدد أهدافه من التعليم؛ فالبعض يتعلم لكي يزيل غشاوة الجهل، والبعض يتعلم كأمر روتيني وتقليدي في الوجود، والبعض يتعلم لكي يرضي والديه فقط، والبعض يتعلم لكي ينشغل بشيء مهم. والبعض يتعلم لأن الله عز وجل أمرنا بالعلم وفضّل المتعلم والعالم عن غير المتعلم والعالم، فقال في كتابة الكريم: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}، وحثنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "طلب العلم فريضة"، وقال: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم"، ويقول رسول الله صلى الله علية وسلم: "طلب العلم فريضة". والبعض يتعلم لكي يزيد خبراته، ويزيد من توسيع مدارك تفكيره، والبعض يتعلم ليحقق حلمه وطموحه بأن يصبح في المستقبل مهندسا أو طبيبا... إلخ.
والبعض يجمع بين أكثر من هدف، ويجعل الهدف الرئيسي في تعليمه طلب رضاء الله، والبعض يجمع بين الأهداف، ويجعل الهدف الرئيسي هدفا آخر، والبعض لا يدرك ولا يحاول أن يضع هدفا من وراء تعليمه. فإن أدرك المتعلم ما هي الأهداف التي من أجلها يتعلم، ووضعها أمام عينه واضحة، كان هذا حافزًا لتعليمه، ودافعا قويا لكي يتعلم ويشعر برسالة مهمة وأمانة يؤديها؛ فتحديد الأهداف يعين على حب الدراسة والقدرة عليها.
ثانيًا: الميول والقدرات:
المواد التي ندرسها.. هل تتماشى مع ميولنا وقدراتنا؟ فيجب أن تكوني واعية بقدراتك وميولك؛ فقد يكون سبب كرهك للدراسة أن ميولك للمواد الأدبية مثلا أكثر من المواد العلمية، فحاولي أن تحددي ما هي ميولك الدراسية. كما أن القدرات عامل مهم أيضا؛ فالبعض لديه قدرات للحفظ والتحليل أعلى من بقية قدراته، والبعض لديه قدرات الفهم والاستنتاج أعلى من بقية القدرات؛ فهذا أيضا يساعد على معرفة سبب صعوبة الدراسة بالنسبة لك.
ثالثا: طريقة العرض:
طريقة عرض المواد وشرح المدرس لها للطالب؛ فإن كان للمعلم أسلوب مشوق وممتع للشرح فهذا يعين على حب المادة ودراستها.
رابعا: طريقة الدراسة:
الطريقة التي تتم بها دراسة المواد؛ فقد تكون دراستك للمواد بطريقة مملة تشعرك بكراهية الدراسة؛ فطريقة الدراسة من العوامل المهمة ليس فقط في حب الدراسة واستمتاع الطالب بما يدرس، وإنما عامل مهم أيضًا في زيادة خبرة الطالب وقدرته على التحليل والفهم والاستنباط والاستنتاج والتخيل العلمي، ومعينة له في تحديد أفكاره وبلورة أرائه. وطريقة الدراسة تشمل كيفية الدراسة وتنظيم الوقت وتهيئة الجو المناسب وتحديد الأولويات، ويمكنك مراجعة إجابتنا السابقة في هذا العامل، ومنها:
- على أبواب الامتحانات.. أفضل طريقة للمذاكرة
- المذاكرة بين وجود الرغبة وغياب الإدارة
- تساؤلات تحت العشرين.. الدراسة ستبدأ
- الدراسة الرهيبة وسوء الحظ
خامسًا: الحالة النفسية للمتعلم:
فحالة الطالب النفسية في وقت الدراسة من العوامل المهمة؛ فإن كنت تعانين من مشاكل أخرى سواء أسرية أو اجتماعية.. إلخ، خاصة أنك في مرحلة المراهقة، وهذه المرحلة تتميز ببعض الاضطرابات العاطفية والنفسية والاجتماعية الناتجة عن التغيرات الفسيولوجية؛ فإن كان لديك مشاكل أيا كان نوعها؛ فهي لا شك ستؤثر عليك في الدراسة، وتجعلك في حالة هروب من الدراسة والشعور بالملل والتشتت؛ فإن كان لديك أي مشكلة فيمكنك التحدث مع ذوي الخبرة من الكبار وذوي الثقة، ويمكنك أيضا إرسالها لنا لنشاركك ولنساعدك على حلها. أحيانا لا يدرك المتعلم أن لديه مشكلة تؤثر على دراسته؛ لأنه يفصل بين حالته النفسية والدراسة، ولكن كلا منهما يؤثر على الآخر؛ فالمتعلم الذي لديه دافعية للدراسة لا شك أن طريقة دراسته وإنتاجه ونجاحه أعلى من الذي لديه مشاكل أو ليس لديه أي دافعية للتعلم.
سادسا: بيئة المتعلم:
فالبيئة التي تحيط بالمتعلم سواء كانت الأسرة أو البيت أو المكان الذي تدرسين فيه يجب أن تكون مهيأة من حيث الإضاءة، ودخول الهواء النقي، وترتيب الغرفة، والابتعاد عن أي ضوضاء؛ فهذا يعينك على الدراسة.
حبيبتي، وقبل أن تبدئي بالدراسة استعيني بالله وتوكلي عليه وجددي النية، واقرئي بعض آيات من القرآن، وابدئي بدعاء الاستذكار قبل المذاكرة. ويوجد من الأدعية التي يمكن قولها قبل المذاكرة، وقبل بدء الامتحان منها:
* "اللهم إني أسألك فهم النبيين، وحفظ المرسلين والملائكة المقربين، اللهم اجعل ألسنتنا عامرة بذكرك، وقلوبنا بخشيتك، وأسرارنا بطاعتك، إنك على كل شيء قدير".
* "رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي"
* "اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الصعب إن شئت سهلا".
ويمكنك أيضا الدعاء بعد إنهاء الاستذكار، ومن هذه الأدعية:
"اللهم إني استودعك ما فهمت وما قرأت وما حفظت، فرده إلي عند حاجتي إليه يا أرحم الراحمين".
حبيبتي، بالنسبة للشطر الثاني من رسالتك فالزواج يجب أن يبنى على معايير للاختيار من مستوى اجتماعي واقتصادي وثقافي وتعليمي؛ فيجب أن تضعي معايير لاختيار شريك الحياة؛ ليكون اختيارك على أساس ناجح.
وبالنسبة لزواج الأقارب فيمكنك وضع مميزات الموضوع بأكمله وعيوبه، وقارني بينهما لتتضح لك الصورة، ولا تعتمدي على جزئية فقط في الموضوع، كما أن الحب والإعجاب الذي بينك وبين ابن عمتك لا يكفي وحده؛ فلا بد من اشتراك العقل في الاختيار، ويجب أن تقابليه عدة مرات في وسط العائلة لكي يتم التعارف بينكما أكثر، وتعرفي مساحة الاتفاق والاختلاف بينكما.
واستخيري الله في أمرك، ولكن أرى أن هذا الأمر سابق لأوانه حتى يتم فتح الموضوع بطريقة رسمية؛ فأنت ما زلت في مرحلة بناء الشخصية، وتحتاجين للنضج أكثر، والخوض في الحياة أعمق، كما أنه ما زال في الجامعة ولم يتقدم رسميا؛ فحاولي هذه الفترة التركيز في دراستك حتى يتضح الأمر لك.
أدعو الله أن يرزقك التوفيق في الدراسة، ويرزقك الزوج الصالح الذي يعينك على دنياك ودينك.
ــــــــــــــــــــ(41/322)
شوكة بالعنق: طيب ومسالم ومسكين
مع المجتمع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد..
لدي مشكلة في ذاتي لا أعرف إن كانت إيجابية أم سلبية في هذا الزمن.. ألا وهي طيبة نفسي؛ حيث أجد نفسي أمام الكثير من الشباب في نظرتهم عني، من حيث إنني مسالم، ولا أؤذي أحدا سواء بضرب أو بشتم أو باستهزاء، وإذا تعرض أحد لي بالإهانة فلا أرد عليه؛ لأني أصلا لا أمتلك لسانا طويلا على الأقل أدافع به ضد من يهينني؛ وبهذه الأمور فإنهم يرون أني طيب ومسكين، وبمعنى أدق ضعيف الشخصية؛ وهذا ما يقهرني ويؤلمني من الداخل، وما زال الحال مستمرا معي، وأخاف من أن تصبح هذه المشكلة لدي كالشوكة في العنق للأمور والمواقف المستقبلية، أتمنى أن تكونوا قد استوعبتم ما أرمي إليه. وأشكركم شكرا جزيلا على ما تقدمونه لنا من المساعدات في حل مشاكلنا اليومية. والسلام عليكم. ... المشكلة
د.إيهاب خليفة ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ العزيز، هناك فرق بين حسن الخلق والسمو عن مجاراة السفهاء، والجبن والضعف والتخاذل.
والإنسان العاقل لا يدخل في شجار مع إنسان سفيه، ولا يعرض نفسه للشجار من أجل مواقف تافهة، قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا}، إنما هو يدخر هذه الشجاعة، ويتحمل الإهانات في المواقف التي تستحق ذلك عندما يغضب لله، ويطالب بإحقاق الحق ورد المظالم. وكل هذه الأمور تحتاج إلى حكمة قبل أن تحتاج إلى شجاعة حتى يتم اتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب. فينبغي أن يدرس الإنسان الأمر جيدا، ماذا سيفيد اتخاذ هذا الموقف؟ وحجم الضرر الذي سيقع.
فإذا أراد الإنسان أن يقف وقفة حق، وتأكد مثلا أن هذا الخطأ لن يقل بوقفته بل سيزيد، وبأنه سوف يقع عليه الضرر الشديد غالبا؛ فمن الخطأ أن يغامر الإنسان في هذا الموقف. وهذه الشجاعة، وهذه الحكمة يكتسبها الإنسان من خلال المواقف المختلفة؛ بحيث يتعلم كيف يكون التصرف المناسب، ومن خلال القراءة في فقه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وهذه الشجاعة يكتسبها الإنسان من خلال مصاحبة ذوي الخُلُق الفاضل والشجاعة المحمودة، ومن خلال تقوية الصلة بالله، وممارسة الرياضة البدنية والألعاب القتالية.
والمفروض منك أن تتجاهل هؤلاء الشباب في استفزازهم؛ فهذا التجاهل يزيدهم غيظاً. أما إذا ظهر عليك أنك تصاب بالضيق من أجل هذا الاستفزاز فسيتمادون في هذا الإيذاء. ولكن إذا زاد هذا الإيذاء عن الحد، وتجاوز مسألة الغمز واللمز في القول؛ فهنا ينبغي أن يكون لك وقفة حاسمة، وتهدد بإبلاغ المسئولين في قسم الشرطة -مثلاً- وغير ذلك.
وأحب أن أقول: إن الشباب في السن المبكرة يغلب عليهم التفكير في أمور الصراع البدني والقوة البدنية، أما عندما يتقدم بهم العمر فإنهم ينظرون إلى تلك الأمور بشيء من السخرية؛ حيث يختفي التفكير في هذه الأمور، ويغلب التفكير في أمور أخرى ... مثلاً كيف يحقق وضعاً اجتماعيًّا مرموقاً أو مستوى ماديا مرتفعا أو درجة علمية ممتازة... إلى غير ذلك من الأمور المهمة. فلتتجاهل التفكير في هذه السفاسف يا أخي الكريم، ولتلتفت إلى التفكير فيما يفيد وبناء شخصيتك، وتحقيق التميز لنفسك. مع تمانيتنا بالتوفيق، وتابعنا بأخبارك.
ولمزيد من التفصيل يرجى الرجوع لإجابات سابقة بعنوان:
- عند المواجهة : مغص.. ارتجاف.. تعرق
- "الأدرينالين".. هل هو سر الشجاعة والجبن ؟
ويضيف د. أحمد عبد الله :
لم تذكر لنا يا أخي السائل في أي صف تدرس، ولكنك غالبا في المدرسة الثانوية، ومشكلة الشباب في مثل سنك وبلدك أنهم يمتلكون من الطاقة البدنية أضعاف ما لديهم من حكمة العقل، أو سعة الأفق والثقافة، كما أن مجالات استثمار هذه الطاقة عندكم شحيحة لا تخرج عن مشاهدة أفلام الجنس، أو التسكع في الأسواق ومعاكسة الرائحات والغاديات، أو اللعب والتفاخر بالسيارات، وهذا حال أغلب شبابنا في الخليج، وحال طبقات معينة في غيره، ولكن هناك من الشباب من يحترم نفسه وإنسانيته، ويسمو فوق هذه البهيمية الكريهة، وينشغل بالدعوة إلى الله أو يهتم بشئون أمته، أو يعمل لزيادة حصيلته من المعرفة والثقافة. وأعرف أن هؤلاء ليسوا أغلبية، ولكنهم موجودون في كل مجتمع فلا تمل من البحث عنهم، وإن طال بك البحث، فإن وجدت من تطمئن إلى رجاحة عقله، واستقامة مسلكه؛ فعض على صداقته بالنواجذ، واحرص على مصاحبته، واجتنب الرعاع والسائمة الذين لا همَّ لهم سوى بطونهم وفروجهم، وإظهار رجولتهم بالصوت العالي كالحمير، أو السلوك العنيف الفظّ أو الاهتمامات الجنسية الفجة، أو غير ذلك من مسالك الرعونة والنزق.
إن الله قد خلق الإنسان لغاية أسمى، وجعله المخلوق الأسمى، فلا تنحدر بنفسك إلى الدركات، ولكن ارتقِ بها إلى أعلى الدرجات، وتعينك الصحبة الصالحة، سواء من زملائك أو جيرانك، وتعينك شبكة الإنترنت التي صارت ملجأ لمن يفتقد الجليس الصالح، أو المجتمع السليم من حوله، ولكن إذا كان خجلك أو ما تسميه ضعف شخصيتك يمتد إلى كل نواحي حياتك وعلاقاتك (أي خارج أسوار المدرسة أيضا)؛ فإنك عندئذ قد تحتاج إلى عون نفسي مباشر أرجو ألا تتردد في طلبه.
أما إذا كان الأمر متعلقا بزملاء الدراسة فيكفي ما قاله لك د. إيهاب ، وما أضفته أنا لك كبداية، والله الموفق، فكن متابعا لنا، واطلع على إجاباتنا السابقة كلها فإن فيها ما يفيدك على مستويات متعددة، والله معك.
ــــــــــــــــــــ(41/323)
ثالث متوسط: كيف أستذكر قبل الإمتحان؟!
هموم الدراسة, مع النفس
عندما يأتي وقت الامتحان أتعب كثيرا بحيث لا أستطيع المذاكرة، وإن ذاكرت قبل الامتحان بفترة فلا أستطيع حل الأسئلة، فأريد الطريقة المثالية للمذاكرة والحصول على أفضل الدرجات؟ مع العلم بأنني عندما كنت في المرحلة الابتدائية كنت دائما من الأوائل.
ملاحظات: أنا في الصف الثالث المتوسط الآن وأتمنى أن يكون الرد سريعا ويحقق نتائج مرضية.
... المشكلة
د.إيهاب خليفة ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت الكريمة، من المعروف أنه في فترة ما قبل الامتحان يبذل الإنسان أقصى جهد ممكن لتحصيل المواد الدراسية والإلمام بأكبر قدر من المعلومات، والمطلوب:
أولاً: ألا يبذل الإنسان مجهودا فوق حدود المعقول، فهذا الأمر يؤدي إلى نقصان التركيز وتوتر الأعصاب ويأتي بنتائج عكسية.
ثانياً: تنظيم أوقات المذاكرة وتوفير البيئة الهادئة التي تساعد على التركيز، وأن يتخلل أوقات المذاكرة فترات من الترويح مثل أداء الصلوات وقراءة بعض آيات القرآن، فهذه العبادات تمثل دعما معنويا كبيرا للإنسان، وتذكره على الدوام بمعاني التوكل والإيمان بالقدر والدعاء بالتوفيق؛ مما يؤدي إلى الثقة بالنفس وهدوء الأعصاب، وهما أمران هامان للاستذكار والإجابة بإتقان.
ثالثا: تغيير مكان الاستذكار من وقت لآخر؛ فأحياناً ما يرتبط الملل بثبات المكان الذي يذاكر فيه الإنسان أكثر مما يرتبط بمسألة الاستذكار، وإن توافرت أماكن أخرى بجانب المنزل فهذه ميزة جيدة.
رابعاً: التعرف على الطريقة التي يأتي بها الامتحان في كل مادة، والمذاكرة بالطريقة التي تساعد على الإجابة في الامتحان في تلك المادة.
خامساً: التعرف على المواضيع المهمة والاطلاع على الامتحانات السابقة، ولا بأس من استخدام حل الأسئلة والامتحانات ثم مضاهاة إجابتك بالإجابة النموذجية لكسر حدة الملل.
سادسا: يمكن التغلب على الملل بالاستذكار مع إحدى الزميلات المتفوقات من وقت لآخر بطريقة التسميع الشفهي لبعضكما.
سابعاً: هناك طريقتان للاستذكار: أولاهما أن يتم تحديد عدة أيام لكل مادة. والطريقة الثانية أن يتم مذاكرة أكثر من مادة في اليوم الواحد فالطريقة الأولى تساعد على تحديد الوقت ومعرفة مقدار التحصيل بصورة واضحة، والطريقة الثانية أقل من ناحية الملل ولكن لا يمكن استذكار أكثر من ثلاث مواد في اليوم الواحد. واختيار أي من الطريقتين يتوقف على طبيعة الإنسان.
ثامنا: أخذ قسط كاف من النوم وعدم تقليل ساعات النوم بدرجة كبيرة وإن حدث ذلك فليكن ليومٍ عابر، وعندما تسمح حالة الإنسان الذهنية بذلك.
تاسعا: ينبغي أيتها الأخت الاستذكار بهدف تحصيل العلم لحد ذاته بعيداً عن أمر الدرجات لأن عملية تقدير الدرجات تتوقف على عوامل كثيرة منها طبيعة المصحح، فلتبذلي ما عليك ولتتركي أمر الدرجات لتدبير الله الحكيم العليم، مع تمنياتنا بالتوفيق
ــــــــــــــــــــ(41/324)
خالف واتفق: سر الشخصية المثالية
مع المجتمع
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد..
إلى الأب الغالي الدكتور أحمد عبد الله.. قبل أن أستهل حديثي معكم أود أن أرسل سلاما خاصا إلى كل الدكاترة الأفاضل الذين كسروا جدار الصمت، وجعلونا نبتعد عن حالة الانطواء؛ ليعيش كل واحد منا لحظة من الصدق بينه وبين نفسه، وليعبر عن ذلك الرفض جهرا ولو في أسطر معدودة يحس الشخص فيها بأنها المرآة التي تعكس حقيقته. وأبعث بشكر أخص إلى الأب العزيز الذي أتمنى أن يكون قارئ رسالتي كما أتمنى أن يقرأها بقلبه لا بلسانه فقط، وأن يعتبر صاحبتها ابنة يشاركها أحزانها تماما كما اعتبرته أبا فاضلا ستسعد بإجابته كيفما كان فحواها.
أنا فتاة مسلمة أبلغ من العمر 17 سنة، أعيش في كنف أسرة محافظة تحرص على الأخلاق والمبادئ الإسلامية، نشأت نشأة أعتبرها سليمة، ربما لا يكون هذا رأي الكثيرين ممن أعرفهم. مشكلتي لا تتعلق كما قلت بالنشأة أو التربية، مشكلتي عبارة عن صراع بيني وبين نفسي؛ لأني لا أدري أصحيح أن ما يقوله الناس عني حقيقة لا أملك ردها أم أن الناس تعودوا على نمط معين من الشخصيات. وأصبح ذلك بالنسبة لهم قاعدة عامة، ومن خرج عنها اعتُبر شاذا، وبطبيعة الحال: الشاذ لا يقاس عليه.
أنا أعترف أن تقديري للأمور يختلف بشكل كبير عما يراه الناس، وأعترف أيضا أني لست كالآخرين، قد لا تفهمون حقيقة مشكلتي، كيف لا وأنا العاجزة عن إعطاء تفسير لما أنا فيه، وهذه ليست مبالغة مني بطبيعة الحال.
أسرتي لا تعد برأيي؛ لأنه بطبيعة الحال يخالف الأغلبية رغم اقتناعي بصحته، ولكن لا أملك الدفاع عنه ليس عجزا مني، ولكن محاولة مني لكي لا أعطي الأمر أكثر مما يستحق؛ فأوجه الاختلاف لا تتعلق فقط بمواضيع معينة؛ لأني في أي حديث أجد نفسي نقيض الجميع حتى فيما يتعلق بالأكل. فمثلا عند جلوسنا حول المائدة ويطلب رأي كل منا حول ما طبخ اليوم؛ فإن كان رائعا فسيقولون عني: ورأيك بطبيعة الحال هو العكس، دون حتى أن يكلفوا أنفسهم عناء السؤال؛ كأن الجواب معروف، والأمثلة على ذلك كثيرة، حتى إني دائما مضطرة لتحمل الأمثلة الشائعة التي أصبحت أواجَه بها تقريبا كل يوم، ومنها "خالف تعرف".
أما عن رأي صديقاتي فهو لا يختلف كثيرا من ناحية المضمون عما يراه الناس، وإن لم يكن السبب واحدا فهن يعتبرنني إنسانة معقدة، والسبب أنهن يرين أنني أعيش داخل عربة لا تتحرك؛ فكل الأشياء تتغير من حولي، وكل المفاهيم تتبدل إلا أنا، خصوصا أننا نعيش زمن التحرر بمفهومه المريض.. التحرر حتى من تلك المبادئ التي حرص الأجداد على ترسيخها، وأعترف أن شخصيتي ليست بالعادية، وهذا لا يعني أنها مثالية، حاولت الابتعاد قدر الإمكان عن الشارع وعن الناس لأدخل إلى نطاق أضيق؛ لعلي أجد فيه مرتعي وضالتي. فخلت أني سأعيش في المدرسة أزهى أيامي ولكن الحلم شيء والواقع شيء آخر، فحتى في ذلك المكان وجدت نفسي وحيدة؛ لأني بكل بساطة رفضت أن يجالسني ذكر في طاولة واحدة، كما أنني أرفض أن يخاطبني أحدهم إلا إذا كان ذلك لسؤال أو حاجة له عندي دون أن يتعدى ذلك لحديث أو نقاش؛ لأني أعتبره مساسا بأخلاقي وباحترامي لنفسي، وهذا شيء أعتز به.
فأرجو ألا أكون قد ابتعدت عن صلب الموضوع، وعذري في ذلك أنني أمام علم أهم مرتكزاته هي الاستماع؛ فأرجو أن يتسع صدر مستمعي وألا يضيق. فنحن لسنا بحاجة إلى حلول لمشاكل عاطفية؛ لأنها أشياء اخترعها الغرب، وصدقها العرب، وأصبحت من ركائز الحياة اليومية، وأصبح الحديث عنها الشغل الشاغل لكل شخص يحمل بين ضلوعه قلبا مريضا كقلوب الكثيرين. فنحن لسنا بحاجة لشفاء القلوب بقدر حاجتنا لشفاء العقول والأرواح؛ لأن القلب لن يصنع لنا التاريخ، ولن يبني لنا الغد.
وهذا يقودنا لطرح تساؤل مهم عن المسئول الحقيقي للوضعية التي وصل إليها المجتمع العربي، وبطبيعة الحال لن أتولى الإجابة عنه لأترك للدكتور الفاضل كامل الصلاحية باعتباره رجلا وأبا وفردا في هذا المجتمع، ويبقى هذا مجرد رأي ليس بالضرورة أن يكون صائبا.
وأخيرا، أحب أن أطلعكم على آخر صفة أمتاز بها: كوني لست إنسانة اجتماعية، أحب العزلة والانفراد بالنفس، ليس طبعا في كل الأوقات، ولكن في أغلبها، لا أحب التودد كثيرا على العائلة، أحب أن أبقى وحيدة لأناجي نفسي؛ ففي تلك اللحظة أحس بسعادة كبرى. كما أنني إنسانة -بتعبير الكثيرين- قاسية؛ ربما لأني لا أبكي، أو ربما لأني لا أعبر عن الحزن بالدموع، وإنما أعبر عنه بقلمي؛ فهو بالنسبة لي بمثابة الطبيب، كيف لا والغرض من رؤيتهما واحد؟ فكلاهما أذن صاغية تضمن عدم بوح أسرارك، ومع فرق بسيط جدا هو أن الأول إنسان والثاني جماد.
وفي النهاية أتمنى من الله العلي القدير أن تلقى رسالتي هذه آذانا مصغية، وأن يكون الرد عنها بقلم الدكتور أحمد عبد الله لا بيد سواه، وأرجو ألا يعتبرها مشكلة تافهة لا تستحق الإجابة عنها.. فما بالك أن يكون الجواب بقلمه. فأرجو أن تكون بالفعل أبا يحرص على راحة الآخرين تماما كحرصه على راحة أبنائه، وألا تترفع على الإجابة عن هذه المشكلة حتى لا تكون صدمتي عامة؛ فحينها سأفقد الثقة في كل شيء حتى ثقتي بنفسي.
أما تساؤلي فهو كالآتي: ما هي معايير كمال الشخصية؟ وما هي في نظركم الشخصية المثالية؟ وهل اتفاق الآراء دليل على صحته؟ وأخيرا لماذا تميزت شخصيتي بهذا الاختلاف؟ وهل أتحمل جزءا من هذه المسؤولية؟
وجزاكم الله عني كل خير، وأعتذر عن الإطالة؛ لأني لم أجد بدا من كل كلمة قلتها في هذا الخطاب الذي أتمنى أن يدرج كاملا في حالة إدراجه، والسلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته. ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... سامح الله الذين وضعوا العروبة زمنًا في خصومة مع الإسلام، كما وضعه آخرون في خصومة مع الوطنية، أو الاعتزاز بالانتماء إلى بلد بعينه، وأنا لا أجد غضاضة، بل أراها سلسلة مترابطة حين يسلمني انتمائي للإسلام إلى حب العروبة والعربية وأهلها -ولا يخلو قوم من عيوب- ولا يتعارض هذا أو ذاك مع عميق عشقي لأم الدنيا، وأرى أنني في هذه المشاعر جميعها أتقلب فأسعد حينًا وأشقى أحيانًا، وهكذا الحب جراح وأفراح.
نفحات مغربية هذه المرة تهب من رسالتك، وتذكرني بهذا البلد الحبيب الذي طالما تمنيت زيارته، ثم لما رزقني الله تلك الفرصة مرة ومرات كنت أعود كمن لا يزيده الشرب إلا عطشًا وطلبًا للمزيد. بلد طيب وشعب أصيل له طابعه في ارتباطه بالإسلام وعلاقته بالغرب الذي يدنو ويقترب حتى لا يفصل بينه وبين أعلى نقطة في مغربنا سوى مضيق؛ فأصبح المغرب نسيجًا متميزًا تختلط فيه الأصالة الموروثة بالحداثة الوافدة على نحو فريد وجدير بالتأمل، ولا يخلو الأمر من صدام وخصام بين نزعة عميقة للتمسك بالأصول، ودفعة قوية للانخلاع منها أو من التقاليد التي ارتبطت بها، وأحيانًا فإن تلك التقاليد أثقلت كاهل الإسلام بقيود وأفكار وممارسات ليست منه.. وتلك قصة أخرى تطول.
المهم مرحبًا بك يا ابنتي عبر الأثير، ومن عجائب تصاريف القدر أنني بعد قراءتي لرسالتك، وبدء إجابتي عليها قابلت في طريقي شابًا يسأل عن الطريق فسألته: لست مصريًا على ما يبدو؟! فقال: بلى.. أنا لست مصريًا.. سألته: من أي البلاد أنت؟! فأجابني: من المغرب.. من أي المدن؟! مكناس، وأدرس في الأزهر، وهكذا سرت مع "محمد" حتى وصلنا إلى حيث يريد، ثم ودعته، فشكرني بأدب وهدوء يليق بمثله.
ابنتي الكريمة:
بالنسبة للمحيط الذي تعيشين وسطه فهو مثل أي محيط عربي تقليدي يستريح إلى "التنميط"، ولا يحتفي بالخلاف في الرأي كثيرًا من اتجاهات السياسة إلى أذواق الملبس والمأكل والمشرب، وهو يميل إلى تغليب المجموع ورغباته على الفرد وخصوصيته، فما بالنا والمعارضة هنا تأتي من فتاة، والأنثى عندنا ليست كالذكر، ولكن على نحو غير الذي قصدته أم مريم البتول حين قالت: "وليس الذكر كالأنثى".
المهم أن اختلافك مع أهلك حول اختيارات الحياة، وتفاصيل العيش مفهوم ووارد من ناحية التنميط والتمييز ضد الأنثى -أحيانًا- ومن ناحية خبرة السن التي تعيشينها، والتي يميل الإنسان فيها إلى التفرد والاستقلال، ولو كان بمخالفة الآخرين؛ لأن هذا الاستقلال يعني أنه موجود ومتحقق، وله رأيه وكيانه، ومع الوقت ينضج الإنسان أكثر، وربما يتعب من المخالفة، فيميل أكثر إلى التواؤم والتفاهم والاندماج في الجماعة، ولكن ليس على حساب ما يعتبره أساسيًا ولا تنازل عنه، وهذه الأخيرة تختلف من شخص لآخر، ولو بقيت على التزامك واحترامك لنفسك وحيائك فأتوقع أن مساحات الخلاف في تفاصيل الحياة بينك وبين أهلك ربما تتقلص نسبيًا، ولكن موقفك من تحديد العلاقة بالجنس الآخر ووضعها في إطارها السليم ستظل كما هي، وإن كنت مع الوقت ستكونين قادرة على إدارتها بشكل أكثر سلاسة وهدوءًا مع المحافظة على الحدود والآداب التي تلتزمين بها. وستتغيرين يا ابنتي كما يحدث مع كل البشر، ولكن مهارة الإنسان تقاس بمراقبته لنفسه والتزامه حتى يكون تغيره إلى الأفضل مع اكتسابه للخبرات والتجارب، وتعامله مع أحداث الحياة.
- وأختلف معك في أن مشكلات القلوب عندنا ناتجة عن تقليد الغرب فحسب، بل الأمر أعمق من هذا وأشمل، وبعضه يتعلق بطبيعة كل إنسان وميوله، وبعضه يرتبط بحسن أو سوء فهمه لنفسه ولدينه ولمن حوله، والميل إلى الجنس الآخر فطرة موجودة في النفوس، وإنما تأتي المشكلات من عدم التعامل معها على هدى من العقل والشرع، وإنما يترك الناس أنفسهم للشهوات والشبهات، وهنا يأتي دور تقليد الغرب فنحب كما يحبون، ونسلك كما يسلكون، رغم أن لنا تاريخًا وسبيلا مختلفًا حتى في الحب، والله سبحانه وتعالى يقول: {لكم دينكم ولي دين}. والدين في فهمنا يتناول أنشطة الحياة كلها، ومن هذه المنابع والتراكيب تنشأ مشاكلنا العاطفية، ونحتاج بالتالي إلى حلول لها.
- ومن المفهوم بناءً على وصفك لنفسك ولعلاقتك بمن حولك أن تميلي للعزلة والانفراد بنفسك، وهذا محمود شريطة ألا يزيد عن حده؛ فيصبح صفة ملازمة لك، والإنسان يظل محتاجًا إلى أن يخلو بنفسه أحيانًا، ولكن تواصله مع الناس يبقى مهمًا ومفروضًا على أصحاب الرسالات أو الأفكار خاصة، وفي الحديث: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وكما ترين فإن الأذى متحقق على كل حال، ومجاهدة النفس على ذلك لازمة، ولا تعني مخالطة الناس أن يفقد الإنسان تميزه أو احترامه لنفسه بل يسعى بينهم مدافعًا عن الحق والخير والجمال، والعدل والإحسان، وكل القيم النبيلة التي يؤمن بها، وينبغي أن يعمل من أجلها.
أما سؤالك عن معايير كمال الشخصية؛ فهو من نوعية الأسئلة المفتوحة التي لا أستريح للإجابة عليها، وبيننا -نحن أطباء النفس- وبين فكرة المعايير والمقاييس فيما يتعلق بالمعنويات خصام وعداء؛ لأننا نعتقد أن المعيار والمقياس يفترض نوعًا من الثبات، والنفس تستعصي عليه، ومحاولاتنا للقياس والمعايرة مهمة وقاصرة حتى الآن، وربما أطلب من أختي وزميلتي الأستاذة منيرة عثمان، وهي من تخصص "علم النفس" أن تكتب لك أو للجميع مقالاً عن الشخصية وقياساتها في تخصصها.
وستعجبين إذا قلت لك: إنني لا أعتقد بوجود شيء اسمه الشخصية المثالية، ولكن كل إنسان يدرك جوانب تميزه وتفرده ويعمل على تطويرها وتنميتها، ويعلم جوانب نقصه ومساحات جهله وقصوره ويعمل على تلافيها. هذه هي معالم الشخصية المثالية في تصوري، وأنصحك بقراءة إجاباتنا السابقة ففيها الكثير مما يفيد بمشيئة الله، وأهلا بك دائمًا.
ــــــــــــــــــــ(41/325)
مراهقة عادية أم مقدمة انحراف
تحت العشرين
السلام عليكم، المشكلة التي أريد أخذ مشورتكم فيها يخص أخي المراهق ذا 20 عامًا، أولاً سأعطيكم خلفية عن تربيتنا؛ نحن عائلة تتكون من عدة بنات وابن واحد وترتيبه الوسط فينا، الكبرى تزوجت، والأخرى تدرس في كلية علمية، أما هو فيدرس في كلية علمية دخلها بالواسطة، تربيتنا صارمة جدًّا من ناحية أبي إلى حد التزمت، ولا أقصد ذلك دينيا أو ماليا إنما أخلاقيا.
أما أمي فعاطفية جدا على عكس أبي تمامًا وهي تخاف من أبي جدا وهو يهينها كثيرا. المهم أننا نشأنا على الخوف من أبي الذي تعود على أن ننفذ أوامره بدون مناقشة.
أما أخي فقد لاحظت عليه الأمور التالية، ولا أدري كيف أحلها:
1- إدمان الصور الإباحية وذلك عن طريق ديسكات يتداولها مع أصدقائه، واكتشفت الأمر صدفة، وذلك عندما أردت تجريب أحد هذه الديسكات فأتلفتها ولم يسأل عنها (لي خال صغير كانت لديه نفس الهواية المنحرفة، ولكن عن طريق الإنترنت، وهو قريب جدًّا من أخي، ولا أدري هل هو الذي علمه أم لا؟).
2- سهره لأوقات متأخرة عند أصدقائه، وعدم مبالاته لأمي وأبي وغضبهما من ذلك، فشكته أمي لأحد أخوالي الكبار فناقشه في هذا الموضوع فارتدع فترة ثم عاد مرة ثانية لعادته.
3- عدم صلاته في المسجد، وأحيانًا لا يصلي نهائيا.
4- اكتشفت أنه يغش في اختباراته بالكتابة في أوراق صغيرة ووضعها في أقلام شفافة، وقد حاولت عدة مرات إتلاف الأوراق دون علمه فلم يسأل عنها.
5- لاحظت بوادر تدخين، وهو ينكر الأمر (وضعت له أوراقًا بصور تبين مضار التدخين، فقال لي: هل أنت مجنونة؟! أنا لست مدمنا).
لم أخبر أحدًا بمشكلة الصور الإباحية ومشكلة الغش؛ لأن أمي وأبي لن يستطيعا حل المشكلة؛ فهو لا يحترم رأي من في البيت ويسفهنا جدًّا ويصل لدرجة السخرية منا ومقارنتنا بأهل أصدقائه، وفكرت أن آخذ رأي أخوالي ولكنهم دائما يتشمتون بنا وبأمي.
والآن لا أدري ماذا أفعل؟ هل هي مشاكل مراهقين عادية أم هي مقدمة لانحرافات أخرى، خاصة أنه لدي شكوك بأنه يحدث فتيات بالهاتف؟ أم أن كل ذلك نتيجة أنه ابن واحد؟ لا أدري، دلوني على الطريقة الصحيحة لحل هذه الأشياء، فلا أريد أن أبقى سلبية هكذا وأنا أكبر منه، أريد أن أساعده ليجتاز هذه المرحلة دون ألم لنا وله. وشكرًا. ... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... نشكر لك اهتمامك بأخيك وحرصك على مساعدته، خاصة أنه يبدو أن الاحتمالات التي وضعتها تدل على بداية فهم لمشكلة أخيك تساعدك بإذن الله على مساعدته؛ فأنت ختمت رسالتك بالتساؤل: هل هي مشاكل مراهقين عادية أم بداية انحراف؟ ونرى أن المدخل الصحيح للتعامل مع هذا الأمر هو إدراك أن أسهل الأمور أن نوصم أو نصف الآخرين بالانحراف حتى نريح أنفسنا.
قد يبدو وصف تصرفات أخيك بالمراهقة وهو في سن العشرين أيضًا أمرا مبالغا فيه؛ حيث إنه من المفترض أنه قد تجاوز هذه المرحلة سنيًا، وإن كان يبدو أن الأمر أمر تصرفات أكبر من كونها سنًا معينة لبداية ونهاية المراهقة.
في كل الأحوال سيظل سؤالك الحقيقي هو: ماذا أستطيع أن أفعل مع أخي؟ ومثلما نقول بأن مرحلة المراهقة حلها السحري في الصداقة في إطار من الحوار والتفاهم؛ فإنه أيضًا من المؤكد أنه في حالة امتداد مشاكل المراهقة سيظل نفس الحل بل ربما أصبح أكثر إلحاحًا.
إن حالة المراقبة والترقب التي تقومين بها لتصرفات أخيك وإتلاف ديسك الصور الفاضحة أو إتلاف ما أعده من أوراق من أجل الغش ليس هو الحل.. الحل هو أن يجدك قريبة منه صديقة له.. تشعرين به.. تتفاعلين مع مشاكله.
وهذا أمر يحتاج إلى حكمة في التعامل ووقت من أجل حدوثه؛ فلن يتم بين يوم وليلة؛ فهو عندما يراك تقتربين منه سيستغرب ذلك الاقتراب وربما يكون رد فعله سخيفًا، وهذا يحتاج منك لصبر حتى يتأكد أن اقترابك من أجل رغبة حقيقية في مصادقته.
وابدئي بنفسك بأن تطرحي عليه مشاكلك، وتطلبي رأيه فيها، وتتحاوري، وتتفاهمي معه في الأمور المختلفة، وقد تطلبين منه أمرًا تبدو فيه ثقتك به، وعندها يرى أنه من المناسب أن يشركك في حياته ومشاكله، وعندها أحسني الاستماع والإنصات، ولا تأخذي موقف الناقد أو الواعظ بل موقف الصديق الشاعر بمشاكله، المشارك في همومه، الباحث معه عن الحل المشجع له فيما يصل إليه من أفكار، عندها سيطمئن إلى صداقتك، وعندها أيضًا وبطريقة غير مباشرة ستوجهينه إلى ما تريدين، وهو يشعر أن الأمر نابع من داخله؛ لأنه سيحب أن يكون عند حسن ظنك.
هذا هو الحل السهل الممتنع، حل سهل لأنه يقوم على إقامة علاقة طبيعية مع أخيك، وممتنع لأنه يحتاج إلى صبر وكياسة وحكمة.. ما أسهل أن نتقد الآخرين من بعيد، وما أصعب أن نصبر حتى نصلحهم من قريب أعانك الله.. ونحن معك.
ــــــــــــــــــــ(41/326)
أنا والأصدقاء.. تساؤلات تحت العشرين
مع المجتمع
بسم الله الرحمن الرحيم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد..
لدي عدة مشاكل أنشد وأطلب منكم حلها، جزاكم الله عني كل خير- المشكلات هي:
1-أنا شاب عمري سبع عشرة سنة، وفي السنة الحادية عشرة من الدراسة، ولي أصدقاء انغمسوا في الملذات وليس لديهم من ينهاهم عن المنكر، فهل يجب عليَّ أن أنهاهم عن هذا المنكر؟ علما بأنني لست سوى صديق لهم، ولست الناصح المعتاد لهم، وأنه ليس لدي أسلوب جيد في النصح، فماذا أفعل هل أترك الأمر لغيري؟ أم أنصحهم وكيف أنصحهم؟
2-عندما ينظر إليَّ أحد ويديم النظر فماذا أفعل؟ هل أنظر إليه؟ أم أتجاهله؟ أم ماذا أفعل إذا كان الناظر هو صديقي أو أستاذي أو أبي أو أخي أو أختي أو إنسان لا يعرفني ولا أعرفه؟
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... وكيف يكون الصديق صديقًا إذا لم ينصح صديقه.. إنهم قالوا الصديق هو من صَدَقَكَ؛ أي صدقك في النصح.. وإن الصديق الذي يحب صديقه يحب له الخير.. والخير يشمل كل الخير في الدنيا والأخرة.. إذن فبمقتضى الصداقة التي بينك وبينهم فالنصيحة جزء منها ولا تصبح صداقة إلا بها.. ولا يوجد ناصح معتاد وآخر غير معتاد.. والرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول: "بلغوا عني ولو آية"، ويحث على ذلك فاتحًا الأمر للجميع بلا استثناء فالنصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات الأمة التي أوجبت لها الخيرية: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"؛ ولذا فإن سؤالك الصحيح الذي أوردته في رسالتك هو كيف أنصحهم؛ لأن سؤال "هل أنصحهم أم لا؟" سؤال لا محل له كما أوضحنا.
فالنصيحة واجبة عليك بحكم الشرع وبحكم الصداقة؛ لذا فإن ما تحتاجه هو سؤال "كيف؟" ونبدأ بالمقولة المشهورة "إن فعل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل.. والمعنى المقصود هنا هو الدعوة بالقدوة.. فإنك وأنت صديق لهم فإن ما يرونه من تصرفاتك الطيبة، وأخلاقك الحميدة، وتعففك عن الدنايا، ومعاملاتك التي تستحضر فيها قول الرسول الكريم "الدين المعاملة" هي المفتاح الحقيقي من أجل الوصول إلى قلبوهم ونفوسهم.. إنهم عندما يرون فيك نموذجًا عمليًّا للالتزام وأنت شاب مثلهم في مثل سنهم وعندك ما لديهم من رغبات وشهوات، ولكن يمنعك دينك والتزامك عنها فسيكون ذلك حجة عملية عليهم، فإذا كنت أيضًا من أصحاب التمييز والسبق في دراستك وفي نشاطاتك فسيكون ذلك أولى لأن تكون محط تقديرهم؛ وبالتالي الرغبة في أن يكونوا مثلك.. إنهم يرون أمامهم شابًّا متميزًا يعيش حياتهم، ويخوض غمار الحياة بكل نجاح، ولكن له سمته الخاص فعندها إذا نصحت وتكلمت فلن تكون في حاجة إلى حسن بيان أو بلاغة ففعلك سيجعل قولك واضحًا ومؤثرًا، وسيحب هؤلاء الأصدقاء مصاحبتك، وعندها سيمتنعون عن أفعالهم السيئة في وجودك وبعدها سيستحون أن يفعلوها أمام الله.
وهم قد استحيوا منك.
الخلاصة أن التفاعل والإيجابية مع تقديم القدوة في الالتزام مع الموعظة الحسنة بمعنى أن تذكرهم بنعم الله وفضله عليهم، وترغبهم في جنته، وتدعوهم إلى الشعور بما تشعر به من متعة في معية الله سيكون المدخل الذي يجعل قلوبهم تفتح لما تقول.
بالنسبة للجزء الثاني من رسالتك.. فنحن لم نفهم ما تقصده من إدامة النظر إليك... فالطبيعي أن أستاذك أو أبيك أو أخيك أو صديقك سيديم إليك النظر طالما هو يحدثك، والطبيعي أيضًا أنك في هذه الحالة ستنظر إليه مبينًا اهتمامك لما يقول أو ردًّا على اهتمامه بالحديث إليك.. يبدو أن هناك أمرا أكثر تفصيلاً لم تفصح عنه بصورة جيدة في رسالتك فنرجو إذا كان لديك المزيد من التفاصيل أن تبعثها إلينا، ونحن معك..
ــــــــــــــــــــ(41/327)
اغفر لتنسى.. وسامح لتنعم بالحياة
مع الأهل
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
أحبتي في الله، هذه من المشاكل التي تؤرقني كثيرًا، وأعتبرها من الحواجز التي تمنعني من تحقيق المفهوم الشامل للإيمان؛ بل وتؤثر على علاقتي بربي في كثير من الأحيان:
عمري 15 سنة، تربيت وسط أسرة متوسطة الحال تسعى للالتزام بالدين الصحيح، تربيت تربية متوسطة لا بأس بها تشوبها ثغرات معينة جعلتني -بالإضافة إلى طبيعتي الاجتماعية - أصير عدوانيًّا بعض الشيء في معاملاتي مع أفراد أسرتي.
وبعد بلوغي سن المراهقة ازداد الطين بلة وكثرت المشاحنات، والغريب أني كنت دائمًا أتميز بأجلِّ الصفات وأكرم الأخلاق خارج البيت مع أصدقائي ومحيطي، الشيء الذي جعلني أشعر بانفصام وتذبذب.
وبمرور الأيام ازددت وعيًا ومعرفة وتعلقًا بالإسلام، وتنبهت أكثر لفساد نظام حياتي الذي قد أراه نفاقًا أو ما شابهه.. فقررت وضع حد لهذه المهزلة عن طريق معاملة إخواني وأبويَّ معاملة يرضاها ديننا، لكنني دائمًا أواجه بعقبات:
ومنها صعوبة الانسلاخ الكلي عن الماضي لترسب بعض الصفات السيئة في نفسي، لكنني مع ذلك أحاول، غير أنه في كل مرة أحقق شيئًا، وتركز الأسرة عليه، فإما أن يكون إطراءً، وأنا كما قلت لا أحب ذلك لطبيعتي الاجتماعية، أو أن يصير محط سخرية من إخوتي وتعجبهم المليء بمعاني التهكم، أو أن يصبح سببًا لتأنيبي من أبويَّ، كأن يقولان عندما أخطئ: لا داعي لذلك التصرف الحميد إذا كنت تفعل خطأ مثل هذا... وهكذا هي الأمور حتى أصبحت أتطبع بالصفات السيئة القديمة.
إنني شديد الغضب والعصبية، وأعتقد دائمًا أنني إذا لم أسع لأخذ حقوقي بنفسي فلا منصف لي في هذا البيت. أشعر بعدم التوافق مع أسرتي فأنا الوحيد بينهم الشديد الخجل، وهو ما يسبب سوء التفاهم في كثير من الأحيان.
كان والدي عندما أخطئ يشبعني ضربا رغم صغر سني، بل إن أخواتي ما زلن يعيرنني عند الاختلاف معهن بتلك الليلة التي أشبعني فيها والدي ضربا منذ ما يقرب 6 سنوات عندما رفضت أن أؤدي خدمة لوالدتي.. كل هذا جعل علاقتي بوالدي مبنية على الرهبة والخوف لا الاحترام.
لذلك لما بلغت المراهقة أراد والدي - اتباعا لكتب التربية التي تدعو إلى مصاحبة المراهق - أن يجدد ويغير علاقته معي، لكنني أنا لم أستطع ذلك بحكم علاقتنا القديمة، فصار يحاول محاورتي أكثر وإظهار اللين والرفق، لكنني أبحث دائما عن الخلاص من هذه المواقف، وهو ما يثير غضبه ويدفعه أيضا إلى ضربي.
هذه العلاقة المشحونة مع والدي انعكست على علاقتي بوالدتي التي صرت أعقها كثيرا، كأن أرفع صوتي عند الغضب، وأرفض فعل بعض ما تأمرني به متعللا ببعض المشاغل.. فصارت هي الأخرى ترفض بعض طلباتي وتعارضني دائما وتنسب كل خلل في البيت إليّ، كأن ترى انحرافا في سلوك إخوتي الصغار فتنسب ذلك إليّ لأنهم - كما تقول - يقتدون بي رغم أن هناك أخوات أكبر مني، وكلما ضاع منها شيء أو حدث عطب في جهاز أو تشاجرت مع أحد إخوتي كنت أنا وحدي موضع الاتهام.
هذه المشاكل - كما قلت - تبعدني عن الله وأفقد معها لذة الإيمان لأنني أرى نفسي مقصرا ولا أستطيع إصلاح الخلل، وأرى أن كل ما أقوم به من صالحات يحبط بسبب عقوقي.
أعرف أن مشكلتي معقدة جدا وصعبة الحل، لكنني على الأقل فرجت عن همومي.. جزاكم الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ... المشكلة
د .ليلي أحمد الأحدب ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الابن الغالي:
أنا آسفة إذا قلت بأن مشكلتك أحزنتني لدرجة أنني لم أستطع منع دموعي، ولعل صدق كلماتك هو الذي أثر بي، فأرجو أن تقبل مني ما سأقوله لك كأم حقيقية لك؛ فأنا أدرك تماما معنى عبارتك: (أشعر بعدم التوافق مع أسرتي)، وأعرف كم يحز في نفسك أن تكون عاقا لوالديك، خاصة أمك، رغم معرفتك بشرع الله، وكم أمر ببر الوالدين والإحسان إليهما. فهل تعدني يا بني الغالي أن تحاول أن تتنازل قليلا وأن تكون أكثر مرونة وتبدأ بتقبل نفسك كما هي لتستطيع تقبل من حولك؟
يا بني، أنت تعرف سمات السن التي تمر بها، لدرجة أنك أوضحت أن والدك قد حاول تغيير طريقته معك وتحويل علاقتكما إلى الصداقة، ولكنك رفضت هذا، فهل تغضب مني إذا أخبرتك بأن هذا تصرف خاطئ منك؟
والدك يعتذر ويحاول أن يصلح ما بينكما، ويقترب منك فلا يجد إلا نفورا وابتعادا؛ لذلك لا يستطيع أن يحتمل هذا الجفاء منك، فلا يكون منه إلا أن يرجع لسابق عهده، مع أن المفترض فيك أن تقبل اعتذاره حتى وإن كان غير مباشر، فيكفي شعوره نحوك بأنك أصبحت رجلا وأنه يجب أن يصادقك لتقبل منه، وأذكرك بما ورد في الحديث: (من أتاه أخوه متنصلا فليقبل ذلك منه محقا أو مبطلا؛ فإن لم يفعل لم يرد على الحوض)، فهل تريد أن تحرم نفسك منه؟
لا تنس أن الذي يعتذر إليك هو والدك وصاحب الفضل عليك، وأنت تعرف كم من الآيات القرآنية التي ربط الله بها بين حقه سبحانه في التوحيد بالعبادة وبين حق الوالدين بالبر والإحسان ومنها هذه الآية الكريمة: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)، وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عندما سأل الرسول عليه الصلاة والسلام عن أحب الأعمال إلى الله قال: (الصلاة على وقتها) قال: ثم أي؟ قال: (بر الوالدين)، قال: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله).
إذن فحق الوالدين يأتي تماما بعد حق الله سبحانه.
ويبدو من رسالتك أنك شاب واع تعرف الله وتحبه، لذلك عليك أن تعرف أن الله لم يُتعبد بأفضل من خلق حسن، وفي الحديث الشريف: (اتق الله حيثما كنت، و أتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)، وعندما سئل الرسول عليه الصلاة والسلام: ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: (التقوى وحسن الخلق).
أنت تقول عن نفسك بأنك عصبي وسريع الغضب، وإنه لشيء جيد أن تكون قادرا على معرفة نقاط ضعفك وعيوبك، لكن يجب أن تكون قادرا على التخلص منها، وأذكرك أن الحِلم بالتحلم والعلم بالتعلم، فعليك أن تتبع الوسائل الإيمانية في رفع الغضب وإبعاده عنك، وذلك بأن تجلس إذا كنت واقفا أو تستلقي إذا كنت جالسا، وتتوضأ وتصلي على الرسول عليه الصلاة والسلام، وإذا كنت تحبه فيجب أن تتخلق بأخلاقه، ومن صفاته عليه الصلاة والسلام أن حلمه كان يسبق غضبه.
وأكثر من الدعاء:
اللهم أغنني بالعلم وزيني بالحلم، اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت.
ويساعدك على هذا فعلا أن تزيد من عباداتك وتضع لك برنامجا إيمانيا، فتحاول أن تستيقظ قبل الفجر لتؤدي صلاة التهجد ولو ركعتين، وتجعل لك وردا من الذكر بعد صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب، وكذلك قراءة شيء من القرآن كل يوم، والمواظبة على الصلاة في أول وقتها، ويجب أن يكون لك بعض الأصحاب الملتزمين بالدين المتخلقين بالأخلاق الفاضلة فإذا وجدتهم فالزمهم؛ لأن الطبع يسرق من الطبع شيئا فشيئا، والصاحب ساحب، و"المرء على دين خليله" كما قال عليه الصلاة والسلام.
ثم نظرتك إلى الأمور يجب أن تحاول تغييرها، فهل يصلح أن يضع الإنسان نفسه في ساحة حرب وهو بين أهله وأحب خلق الله لهم؟
أنت بالطبع لا تشعر بمحبتهم لك لأنهم يستهزئون بك أو لا يشجعونك، ولكنك لو بحثت في الكون كله فلن تجد أحدا يحبك ويريد سعادتك مثل أهلك، فتحمَّلهم يا بني، وإذا أخطأت وانتقدوك فعود نفسك على تقبل النقد بدون حساسية أو على العكس اجعل نفسك أكثر مرونة بأن تضحك من نفسك أمامهم إذا أخطأت، فكثيرا ما يشعر الآخرون برغبتهم في الضحك ليس علينا ولكن لأنهم يرغبون في الضحك لأوهى الأسباب، فلماذا لا تشاركهم ضحكهم حتى لو كنت أنت المادة التي يضحكون عليها؟
هذا سيعلمك فضيلة التواضع، بل أريد منك أكثر من ذلك أن تسألهم - إذا فعلت أي شيء - عن رأيهم فإذا سخروا منك فتقبل سخريتهم بنكتة أو فكاهة أيضا، وهذا لا تصل إليه إلا إذا تقبلت نفسك رغم عيوبك، ومن منا بلا عيوب؟
وربما هم يسخرون منك لأنك أظهرت لهم عدم حبك للإطراء، فإذا مدحك أي أحد فلا تحاول أن تقلل من قيمة نفسك، بل اشكرهم، خاصة أنهم لا يجاملونك، ولماذا يجاملونك وهم أهلك، وأنت كذلك يجب أن تمتدح أفعالهم وأن تتحبب إليهم بكل وسيلة.
ودعني ألخص لك حقوق والديك عليك ثم حقوق إخوتك، فإن بدأتهم بها فلا بد أن يردوا لك إحسانك بأكبر منه، لأن النفوس فطرت على حب من أحسن إليها:
حقوق الوالدين:
1- طاعتهما في كل ما يأمران به أو ينهيان عنه ما لم يكن فيه معصية لله.
2- توقريهما وتعظيم شأنهما وخفض الجناح لهما وتكريمهما بالقول والفعل، فلا تنهرهما ولا ترفع صوتك فوق صوتهما.
3- برهما بكل ما تصل إليه يداك، ودفع الأذى عنهما وتقديم النفس فداء لهما.
4- صلة الرحم التي لا رحم له إلا من قبلهما، والدعاء والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما.
أما حقوق أخواتك عليك فهي حقوق كل مسلم عليك، ولكن حقهن عليك قبل حق أي مسلم آخر لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أمك وأباك، ثم أختك وأخاك، ثم أدناك أدناك).
ومن أفضل ما يحقق لك الوفاق معهن أن تسعى لخدمتهن ومساعدتهن والسؤال عنهن والابتسام في وجههن وتفضيلهن على نفسك.
ولذلك أرجو أن تزيل هذه الفكرة من رأسك تماما، وهي أنه إذا لم تسع لكسب حقوقك فلا منصف لك؛ فهذه فكرة فيها الكثير من التحامل على أهلك.
ومع تصديقي لك بأن أخواتك يعيرنك بشيء من الماضي، ولكن هذا يمكنك تعويضه بأن تثبت لهن أنك أفضل بكثير مما كنت عليه من 6 سنوات، فلا بد أنك إذا تفوقت في دراستك مثلا وفي طاعة والديك وفي معاملتهن معاملة ممتازة سينسين طفولتك، وأطمئنك أن ما يحصل في بيتك يحدث في كل بيت؛ لذلك لا داعي لهذه الحساسية أبدا.
إضافة إلى أن تصرفك مع والدتك لا يصح أبدا؛ فأنت تعرف أن حق الأم لا يعدله حق آخر، فكيف ترفع صوتك عليها؟ وكيف تتهرب من خدمتها ومساعدتها؟ إياك يا بني أن تتصرف برد الفعل، فهذا أكبر خطأ نرتكبه في حق أنفسنا، وعليك دائما أن تضع الأعذار لوالدتك، فربما هي تفعل هذا لأنها تعرف أنك تحبها أكثر فتظهر قسوتها عليك لمعرفتها أنك تتحمل منها ما لا يتحمله إخوتك وأخواتك.
ثم أليس لها حق مضاعف عليك، وكونها تعمل خارج البيت لتساهم في صنع مستقبل جيد لك ولإخوتك، أفلا تستحق منك بعد هذا التعب أن ترضيها بكل ما استطعت؟
أما بالنسبة لموضوع خجلك فيجب أن تعالجه بأن تختلط بالناس بالتدريج، وتتمرن بينك وبين نفسك على مواجهتهم، واسأل نفسك لماذا تخجل منهم؟ وبماذا يَفْضُلونك؟ فإذا رأيت فيهم صفة أفضل منك فحاول اكتسابها وتعلمها، واستمد ثقتك بنفسك من إيمانك بالله سبحانه، واعلم أننا كلنا بشر نخطئ ونحزن ونغضب، وقد وصف الله المؤمنين بهذه الصفة: (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون).
إذن المؤمن بشر قد يغضب، ولكنه يتميز عن غيره بأنه يسامح ويغفر (ولَمَن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور).
أخيرا يا بني، أنصحك أن تحب نفسك وتبحث عن محاسنك وأن تظهرها لنفسك ولأهلك ولمن حولك، وعندما تشعر بحبك لنفسك ستكون قادرا على حب غيرك. وعود نفسك على التسامح ففيه الراحة من كل معاناة، ولا تنس اللجوء إلى الله سبحانه دائما، فهو وليك من دون العالمين، ولا يخيب من التجأ له بصدق لأنه هو القائل سبحانه: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض).
ــــــــــــــــــــ(41/328)
رسالة إلى كل وزراء التعليم
هموم الدراسة, مع الأهل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشكلتي ليست بمشكلة إنما هي أشبه بالعقدة، وتحتاج هذه العقدة إلى عقل لا يبالي و"مكبر"، أو عقل دحاح، أو عقل يتميز بالحكمة.. إنها التعليم الفاسد والثانوية العامة اللعينة البلهاء.. إنها لا ذنب لها أن تُسبّ إنما الذنب لمن يريد أن يدمر عقولنا ونفسيتنا قبلها، ويبقي على هذه المناهج التي كانت على أيام أجدادنا، وأخشى أن تظل للأجيال القادمة.
إن التعليم يزيد تدهورًا وتعقيدًا، ويا ليته تعقيد بفائدة، إنما هو تعقيد يزيد من تفاهة عقولنا، ويزيد من وطأة الضغوط النفسية والعصبية. والذي يزيد من الطين بلة أن وزير التعليم يظهر دائما سعيدا، ويحاول أن يقنع الجميع أن التعليم في مصر في أرقى مستوياته، إنه يعادل التعليم في إنجلترا.. ما هذا الكلام الفارغ!، ولو أنه ظهر على شاشات التلفزة واعترف بما في التعليم من فساد وطلب أن نتعاون جميعا وندرك حجم المشكلة لاحترمناه.. لكن ماذا تفعل "لو"؟.
مشكلتي الشخصية هي أنني طالبة في 3 ثانوي شعبة علمي رياضة.. حاصلة على 74 درجة مئوية، وأنا عموما لا أبالي بهذا المجموع الهزيل.. والمشكلة هي أنني لا أريد أن أكمل هذا الـ(...) لا أعرف ماذا أطلق عليه.
أتمنى أن أعرف شيئا واحدا فقط، وهو لماذا ندرس هذه المناهج؟ أو نحفظها بمعنى أصح؟ والله لو أن أحدًا سألني ماذا أخذتم في الكيمياء السنة الماضية فلن أستطيع الرد.. أتذكر فقط بابًا اسمه العضوية كل الطلبة كانوا يكرهونه، وهناك موضوع في الرياضة اسمه log لا أعرف ما هو، ولست وحدي والله، وأكيد هناك القليل من يعرف.
لقد ضقت ومللت من هذه المناهج المملة. المدرسون يقولون لي بأنها سنة وتنتهي، كأنه عقاب مثلا.. مرة قال لنا مدرس في بداية درس الفيزياء: لا مجال للفهم؛ لقد أزف الوقت والامتحانات على الأبواب، وأنا لم أسمع لهذا الكلام الفارغ طبعًا. إن المدرسين أنفسهم يحتاجون إلى من يعلمهم.. إنهم دائما يستخفون بعقولنا.. هذا لا ينفي وجود معلمين محترمين، لكنهم قلة قليلة.
المشكلة الآن أني سوف أعيد السنة، أو أدخل الدور الثاني في بعض المواد، أو سوف أنجح، وأعلم أن الرسول قال: "بشروا ولا تنفروا"، لكن الله قال {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} لكن كيف أسعى في شيء لا أطيقه. أعلم أن اللوم يقع عليّ أولا وأخيرًا لأن الكثير يتعلم كما يقولون.
لا تظنوا أني لا أحب العلم.. بالعكس، والله إنني أقدس العمل والعلم، لكن ما نأخذه ليس علمًا بل سموه أي شيء غير ذلك.
إن أبي وأمي الكريمين دائما يقولان لي بأني عندما أتعلم فإنني أعبد الله.. بالله عليكم أهذا هو العلم الذي فرضه علينا الإسلام؟ لا أظن ذلك على أي حال. ثم وماذا بعد كل سنين العذاب؟؟ سألتحق بالكلية التي أصبحت مثالا آخر متكررًا من التعليم التافه.
أنا أحب الجانب العلمي الأدبي معًا.. هل طلبي هذا موجود؟ هل سأخرج من هذا السجن لأبحر في ميادين العلم والمعرفة أم هي حلقة مفرغة أم أذهب إلى بلد آخر؟ فهل من مساعدة ترجون بها وجه الله؟ وفقكم الله، ووفق أولادكم. فأنتم حقًا منبر من لا منبر له.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... كنا نود أن نبعث نسخة من رسالتك التلقائية العفوية ليس إلى وزير التعليم المصري فقط ولكن إلى كل وزراء التعليم في دول العالم الثالث الذي ما أصبح ثالثًا إلا بسبب انهيار نظم التعليم وفشلها.. ولكننا يا ابنتنا العزيزة فقدنا الأمل في هؤلاء، ولكن الأمل في الشباب الصاعد الواعد، وفيك أنت شخصيا.
إن فهمك لقصور نظام التعليم وصرختك المدوية التي بعثت لنا بها تدل على أنك شخصية متميزة، وهذا الشباب المتميز في عصر السماوات المفتوحة وعصر الإنترنت لن تعوقه نظم التعليم عن طموحاته وآماله في أن يبحر في بحور المعرفة الصحيحة.
نعم هناك أمل.. وهذا الأمل فيك أنت يا سارة، وفيمن هم أمثالك الذين يرفضون أن يضحكوا على أنفسهم متخيلين أنهم فعلا يتعلمون.
نعم إن البداية لحل أي مشكلة هي إدراكها على حقيقتها.. إن إدراكك أن ما تحصلين عليه ليس تعليمًا سيجعلك تسعين إلى الحصول على العلم الحقيقي، وأن ما يحدث في المدرسة أو ما يحدث في الجامعة هو مجرد الحصول على شهادة هي بمثابة "المركب" الذي تبحرين به حيث تشائين، ووجود "المركب" مهم جدا ولكن المشكلة تكون في كيفية استخدامه؛ فالبعض يكتفي بمجرد امتلاكه له ويصبح هو الغاية التي وصل لها، والبعض يبحر به في ترعة، والآخر في بحر، والقليل الذي يبحر به في محيطات العلم يجول ويصول.
إن ما يخفف معاناتك هو أن يكون هذا الهدف واضحًا أمامك، بل عليك أن تبدئي في اتخاذ خطوات عملية في سبيل ذلك فيكون لك قراءاتك الخاصة ومنهجك الذي تحصنين به نفسك وترفعين به كفاءتك سواء في فترة الصيف أو في أوقاتك الزائدة أثناء الدراسة، فليكن تعلم علوم الكمبيوتر واللغة وكل ما ترينه مناسبًا من قراءات لصورة مستقبلك هو إعدادك الحقيقي لنفسك، وهو يخفف ما تعانينه مع مناهج الدراسة سواء في الثانوي أو الجامعة، وحاولي أن تجدي فائدة فيما تدرسينه ولن تعدميها، خاصة إذا اخترت مجالا للدراسة الجامعية قريبا من طموحك المستقبلي.
إن رؤيتك لطاقة النور في نهاية النفق المظلم ستساعدك كثيرًا على تحمل رحلة الظلام، وتذكري أن الدكتور أحمد زويل صبر على دروسه في مصر والجامعة وانطلق بعدها في آفاق العلم الرحبة عندما تكونت لديه الإرادة لفعل ذلك.. لا تفقدي الأمل وأوقدي نور الإرادة في نفسك لتري كل الخير من نفسك، ونحن معك.
ــــــــــــــــــــ(41/329)
عزيزي المراهق.. اكتشف نفسك.. واقتنع بهدفك
مع النفس, الإنترنت والهاتف
السلام عليكم، أشكركم كثيرا على جهدكم في هذه الصفحة.. مشكلتي هي الفتور والكسل في القيام بالأعمال المطلوبة مني، سواء في الكلية أو في أي عمل آخر.
أنا أقوم دائما بكل شيء في اللحظة الأخيرة، وهذا مما يجعلني أحصل على درجات سيئة.
أقضي معظم الوقت في "الشات" أو مشاهدة التليفزيون، وهذا ما لا أرضى عنه ولا أحبه لنفسي.حاولت كثيرا أن أكون أفضل ولكني فشلت؛ ربما لأني لم أحاول بالجدية الكافية، أو ربما لأني لا أتلقى مساعدة من أحد، حتى من والديّ اللذين لا يعرفان القراءة والكتابة.
كل شيء من حولي ممل، أنا أومن بالقاعدة التي تقول: "أحبب ما تفعله، ولا تؤدِّ شيئا لمجرد أنك مضطر له". أنا أعلم أن هذه ليست مشكلة حقيقية، ولكنها شيء مهم بالنسبة لي. أشكركم على الوقت الذي ستنفقونه في قراءة مشكلتي، أنا سعيد جدا؛ لأني كتبت لكم لأني كنت في حاجة للحديث مع أي شخص.. شكرا لكم. ... المشكلة
د.فيروز عمر ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أحب أن أطمئنك يا أخي أننا نؤمن أن أي معاناة تشعر أنت بها أو أيٌّ من أصدقائنا هي أمر جدير بالاهتمام مهما كان بسيطا، وأن مشكلة تمر بها هي مشكلتنا معك مهما كانت هينة؛ لأننا في الحقيقة كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
تعالَ نقرأ خطابك مرة ثانية معا، ونحاول أن نضع كل الاحتمالات التي ربما تكون وراء معاناتك، ونحاول أن نضع حلا لكل منها:
1- ما هي الطاقة المحركة والدافعة للفعل عندك؟ يبدو أن غياب هذه الطاقة الدافعة هو الذي يجعلك تؤدي ما عليك في اللحظة الأخيرة، أنت تؤمن بقاعدة "أحب ما تفعله.. ولا تفعل شيئا لمجرد أنك مضطر لذلك".. ومعنى هذه القاعدة أنك مؤمن "بالحب" كدافع للفعل، ولست مؤمنا أن الدافع يمكن أن يكون هو الاضطرار، وبالتالي فإذا لم يكن الحب موجودا تصبح غير قادر على الفعل مهما كنت مضطرا له.. ولكن ألا تتفق معي أن "الحب" و"الاضطرار" ليسا هما الدافعين الوحيدين، وأن هناك دافعا ثالثا يمكن أن نسميه "الاقتناع"..
فأحيانا لا يصل المرء في علاقته بأهدافه لدرجة الحب، ولكن يصل لدرجة الاقتناع؛ فأنا مثلا لا أحب دراسة اللغة الإنجليزية، ولكني "مقتنعة" أنني لا بد أن أتقدم في ممارستها أكثر مما أنا عليه؛ لأن هذا ضروري بالنسبة لي في عملي وفي قراءتي لبعض الصحف أو الإصدارات الإنجليزية، وفي اطلاعي على المواقع الإنجليزية، وكذلك لمشاركتي في بعض المؤتمرات؛ لذلك فإن الاقتناع يدفعني لعمل بعض الأعمال حتى وإن كانت ثقيلة الظل من أجل الوصول لشيء آخر أحبه.. أقول لك هذا الكلام لمحاولة تغيير قاعدة "ألا تفعل إلا ما تحبه"، بل افعل ما أنت مقتنع به ومستشعر بقيمته..
والعجيب يا أخي أننا أحيانا نبدأ "مقتنعين" ثم ننتهي "محبين"!! وربما أنك سمعت قول التابعي الذي يقول إنه جاهد نفسه في الصلاة عشرين عاما -يقوم بها مقتنعا بقيمتها -، ثم استمتع بها عشرين عاما أخرى.. أي أن الحب والاستمتاع جاءا بعد الاقتناع.لذلك فأنا أدعوك لإعادة ترتيب أفكارك وأهدافك، وأن تعجل لذلك، وأن تقبل على أي عمل ممتلئا بالاقتناع بجدوى هذا العمل وأهميته في نقاط 1، 2، 3، 4..
2- ذكرت في بياناتك أن سنك بين 13 - 19 عاما.. وهي فترة المراهقة إذن -هكذا يسمونها- ويقال: إن هذه التسمية مشتقة من كلمة "رهق"؛ أي: "تعب"؛ وذلك لأن هذه الفترة تتميز ببعض التغيرات الفسيولوجية والنفسية للشاب، حيث لا يكون معها في كامل كفاءته؛ فيمر بحالات من الكسل أو الإحباط أو الاضطراب النفسي أو... أو...
وهذه الفترة هي التي يولد الإنسان فيها مولده الحقيقي، فإذا مرت بسلام، واستطاع الشاب فيها أن يتماسك نفسيا، وأصبح أكثر نضجا في التعامل مع مشاعره وأزماته، ويُنمي إرادته وعزيمته وقدرته على إدارة ذاته؛ فإنه يكون قد مر من عنق الزجاجة، أما إذا استسلم لإحباطاته واضطراباته فإنه يبدأ مرحلة الشباب بسلسلة من قصص الفشل واليأس!! لذلك أدعوك أن تأخذ نفسا عميقا، وتتعامل مع هذه الفترة العاصفة بصبر وحكمة، وتأخذ بيد نفسك نحو النجاح.
3- تقول: إن كل شيء حولك ممل.. وأسألك: لماذا لا تمارس أنشطة حياتية واجتماعية تستوعب طاقتك الذهنية والنفسية، وتشعرك بالحياة والحركة؟ ألا يوجد سوى "الشات" و"التليفزيون"؟
ألا يوجد لك أصدقاء إيجابيون في كليتك تنخرط معهم في أعمال خيرية أو اجتماعية؟ لماذا لا تبحث لنفسك عن قضية عامة تعيش من أجلها؛ فتصبح هناك جدوى من الحياة، ومن المذاكرة، ومن أي جهد يبذل.
4- تقول: إنك لا تتلقى مساعدة من أحد، وخاصة والديك.. وأعتقد أنك رددت على نفسك بقولك: إنك لم تعد صغيرا لهذا.. ولكن هناك صورة أخرى من المساعدة؛ فهل تبحث عنها؟! هذه الصورة هي مساعدة الله تعالى.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "استعن بالله ولا تعجز..."، هل جربت أن تستعين بالله، وأن تستمد قوتك من قوته تعالى؟ تقرب إلى الله تعالى بالدعاء والمناجاة والأعمال الصالحة لعله يأخذ بيدك للنجاح والتوفيق بإذنه تعالى..
ــــــــــــــــــــ(41/330)
لكل مراهق.. وصفة للقوة والاستقلال
مع النفس
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أولاً: كيف أصبح شخصية مستقلة وناجحة؟ فأنا إلى اليوم أعاني من عدم تحملي للمسؤولية رغم كبري في السن، وأريد أن أشعر وبشدة أنني أصبحت كبيرة جدًّا وحكيمة فكيف السبيل إلى ذلك؟ فعندما أزور أقاربي أريد أن أشعر من هم أكبر مني أنني في مثل عمرهم، بل وأنني أكبر منهم، ولكنني أصبحت جامدة جدًّا وجادة، فيؤثر ذلك في علاقاتي معهم.
ثانيًا: كيف أصبح قوية جدًّا بعيدة عن الحساسية الزائدة؟ وهل أعتمد على نفسي في كل أمور حياتي حتى أصبح قوية ومستقلة؟ مع العلم أنني فتاة في عمر 19 عامًا فما أفعل؟ احترت كثيرًا. ... المشكلة
د.إيهاب خليفة ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت الكريمة:
نعم وأنت في هذه المرحلة من العمر تهتمين بأن تحققي لنفسك شخصية ثابتة ومستقلة، وقد ذكرت في إجابات سابقة، مثل:
- معاناة مراهق
- العزلة مراهقة أم خجل أم اكتئاب؟
- جسر المراهقة : اضطراب.. كآبة.. ضعف
إن هذه المرحلة العمرية التي تعيشين فيها هي مرحلة انتقالية بين الطفولة والرشد وبين الاعتماد على الآخرين والاعتماد على النفس بحيث يصبح الإنسان مسئولاً عن كل قول أو تصرف يصدر منه، فمن الطبيعي أن تصيب الإنسان بعض الحيرة. وقد تحدث العالم النفسي إركسون عن هذه المرحلة، وذكر بأنها تحتوي على أحد الأزمات الثابتة نسبيًّا التي تمر بها حياة أي إنسان وهي أزمة تحديد الهوية، أي أن الإنسان في بداية تحمله للمسئوليات يسعى لإيجاد دور وطريق له من هذه الحياة، وهو ما عبرت عنه برغبتك في تحقيق شخصية ثابتة ومستقلة.
إن هذه الطموحات والتطلعات تدل على همة عالية، لكنها تحتاج إلى إرشاد حتى تستمر ولا تستهلك أو يصيبها الإحباط، فوجود الإنسان في بيئة صحية يساعد على توظيف هذه الطموحات، أما عندما تكون البيئة غير نقية فالأمر يحتاج إلى مجهود مضاعف.
والطريق إلى تحقيق الشخصية القوية المتميزة يتمثل:
أولاً: في اكتساب المعرفة وتحصيل العلوم على اختلاف ألوانها، فكلما اتسعت المعرفة ارتقى الإنسان وأثقلت شخصيته، وينبغي البدء أولاً والاهتمام بالأمور الأساسية التي لا غنى للإنسان عنها مثل أمور الدين والعقيدة، ومثل النجاح والتفوق الدراسي فهو السبيل الرئيسي لاعتراف المجتمع بتفوقك، وهناك أيضًا القراءة في أساليب التفكير المنظم والعلوم التي يميل الإنسان إليها ويهواها، وكل ما له صلة مباشرة بتطبيقات مباشرة في حياة الإنسان.
والأمر الثاني: هو التطبيق من منطلق اكتساب المعرفة وإنجاز الأعمال المفيدة، وكلما نجح الإنسان في إنجاز الأعمال وإتقان المهارات والهوايات زادت ثقته بنفسه وأعطاه ذلك مزيدًا من قوة الإرادة والثقة بالنفس "وَالَّذِينَ اهْتَدُوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُم".
ونصيحة أقولها لك إنه كلما نجح الإنسان في تطبيق هذين المبدأين في سن مبكرة مثل سنك، كلما كان ذلك أدعى لأن يتميز الإنسان بشخصية قوية، فالإنسان عندما يكبر تواجهه مسئوليات عديدة قد تعوقه عن أن يصمد ويستمر في بناء نفسه، وهناك خطوة أساسية ينبغي أن تسترشدي بها في كل خطوة من خطوات حياتك وهي الاستفادة من خبرات وتجارب السابقين بحيث تطبقين مميزاتهم وتتجنبي أخطاءهم.
الأخت الكريمة:
أما الوصول إلى الحكمة فهي حالة يصل إليها الإنسان بالتدريب المستمر "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا".
وإذا أردت الوصول إليها فينبغي:
أولاً: التدريب على مخالفة الهوى والتدريب على دراسة الأمور بصورة موضوعية بعيدًا عن الأهواء والعواطف والأمزجة الشخصية.
ثانيًا: مراعاة تعاليم الدين أوامره ونواهيه.
ثالثًا: الاعتبار بالعرف والتقاليد التي لا تتعارض مع تعاليم الدين.
رابعًا: الاستفادة من خبرات السابقين والرجوع إلى أهل الاختصاص إذا لم يكن لديك خبرة كافية في هذا الموضوع.
خامسًا: التأني في اتخاذ القرار وعدم اتخاذ القرارات الانفعالية.
مع تمنياتنا بمستقبل باهر.
-ــــــــــــــــــــ(41/331)
تحت العشرين.. مراهقة المشاعر "مشاركة"
مع الجنس الآخر, الحب الأول
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قرأت رسالة الشاب ذي الثمانية عشر ربيعًا والتي بعنوان " تحت العشرين.. مراهقة المشاعر واختلاط المفاهيم" يتحدث فيها عن حبه لفتاة في مثل سنه ويستفسر عن مشروعية كلامه معها هاتفيا، وأود المشاركة بتجربتي الشخصية ليستفيد منها.
صديقي العزيز:
حتى لا ترفض ما يقوله لك الكبار -إذ إن هذه سمة عامة لمن هم في مثل سننا!- هاك تجربة من يماثلك سنا تقريبا!
أنا مررت بالمشكلة نفسها وفي السن نفسها، عرفت فتاة ما زلت حتى الآن أقسم أنني لم أعرف من تفوقها أدبًا وجمالاً ورقة، وأحببتها وأحبتني، وبدأنا فقط بالمكالمات التليفونية كما تفعل أنت، وكنا مصممين على الاكتفاء بهذا والالتزام به رغم علمنا أن ما نفعله خطأ، ولكننا لم نستطع تحمل فكرة الابتعاد عن بعضنا أو عدم التحدث تليفونيا ولو ليوم واحد.
حاولنا بشدة أن نبتعد عن بعضنا ولكننا لم نستطع، أو للدقة لم أستطع أنا فكنت دائما أضعف وأعود لأكلمها، وشيئا فشيئا بدأت الحواجز تنهار؛ فكنت أذهب لرؤيتها من بعيد، وبعد ذلك قابلتها مع صديقتها ثم تقابلنا وحدنا، وهذا يؤكد كلام الخبيرة الفاضلة التي قالت لك بأن المحادثات التليفونية تفتح الباب لما هو أخطر، وما اجتمع رجل وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما.
بالطبع تربيتنا منعتنا من ارتكاب المزيد، ولكن من يدري؟ ربما سول الشيطان لنا ما هو أفظع.
وعموما فقد حاولت كثيرا الابتعاد عنها لأني أعرف أن ما نفعله حرام حتى ولو كان مجرد محادثات هاتفية؛ لأني لا أرضى لها ولا لنفسي أن تبدأ علاقتنا التي تصورتها طويلة الأمد! بالخطأ.
وفجأة بدون أي مقدمات بدأت تصرفاتها تتغير، وابتعدت عني، حاولت معرفة السبب بلا جدوى، ولأنني كنت صريحًا معها منذ البداية فقد تصورت أنها ستعاملني بالمثل، ولأنني أيضا مدرك أننا في سن صغيرة وقابلان للتغير بكل سهولة فقد طلبت منها فقط أن تبلغني إذا تغيرت مشاعرها كي أبتعد عن طريقها تمامًا حتى لا تتركني معلقًا لا أدري هل تريدني أم لا.
فماذا فعلت؟ تركتني قرابة الشهرين بلا أي كلمة ولم ترد على تساؤلاتي المتكررة لها التي لا تهدف سوى إلى إراحتها وإراحتي، فإذا لم تكن تريدني فلتخبرني كي تستريح مني ولا أتعلق أنا بأمل كاذب.
لاحظ أن كل هذا قد دار رغم أن بداية القصة كانت مماثلة تمامًا لبداية قصتي، وأنت لا تتصور إطلاقًا مجرد حدوث المثل بالنسبة لك. أنا استبعدت حدوث هذا معي لأنني كنت أعرفها أو أتصور أني أعرفها؛ فتصورت أنها الاستثناء من حقيقة تقلب المرأة ومشاعرها وعواطفها، كما تصورت أنها الاستثناء من تقلبات المراهقين وتغيراتهم المستمرة التي لا يد لهم فيها ولا حيلة.
وبعد شهرين من العذاب أرسلت -أخيرًا!- تخبرني بأن مشاعرها نحوي قد تغيرت!! لا أريد الاسترسال في رواية ما حدث، ولكن بقي أن أذكر لك أن عمري الآن 19 عامًا، وأن ما أرويه لك قد حدث من أقل من ستة أشهر، وأحمد الله أننا لم نرتكب ما هو أكثر من المكالمات الهاتفية وبضعة لقاءات لم نتلامس فيها بتاتا، وليغفر الله لنا ما فعلناه، فإنه أراد بنا خيرا أن جعلنا نتوقف عن عصيانه ولو بغير إرادتنا.
نصيحة أخيرة: لا تأمل في أن يبارك الله أمرًا بدأ بمخالفة نواهيه، ولا تتمن أن يجمع بينكما الله وأنت لم تحاول تجنب ما نهى عنه.
إذا كنت ترى أنك تحبها فعلا فابتعد عنها فورا، فهذا هو المحك الحقيقي لقوة حبك لها وحبها لك، لو كان حبا حقيقيا -وهذا ما أستبعده- فسيصمد حتى تصل إلى السن والوضع الذي يسمح لك بالتقدم لخطبتها، ولو كانت مشاعر مراهقة فستحمد الله على أنها لم تتطور لما هو أسوأ. واعلم أن ما يختاره الله فيه الخير دومًا حتى لو لم تدرك هذا في حينه.
آسف للإطالة، وشكرًا جزيلاً لسعة صدرك، وشكرًا لأسرة الموقع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... المشكلة
د.نعمت عوض الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الابن محمد:
لقد أخرني يا ولدي عن التعليق على رسالتك ما نمر به جميعًا، وهذا لا يعني أن المشاكل العامة للأمة أكثر أهمية من أحوالنا الخاصة، أبدا يا ولدي، فأنا أعتقد جازمة أن مشاكل الأمة هي نبت طبيعي لأحوالنا التي تؤثر فيها مشاكلنا الخاصة، كما أنني أعتقد وأومن تمامًا أن من لا يملك السلام والاستقرار بداخله لا يستطيع أن يمنحه لأحد، وهذا ما يجعلنا جميعا نلجأ إلى الله لنحصل عليهما.
شدتني قصتك ونبرة الصدق العالية فيها ووضوح رؤيتك، ولن أقول لك ما نتشدق به نحن الكبار أحيانا "ما أنا عارفة يا بني عادي سنكم، كويس إنك فهمت وخرجت من القصة على خير"، وكأننا لم نمر بهذه المرحلة أو كأننا أصبحنا في مأمن من الوقوع فيما يشبه ما وقعت به وإن اختلفت الظروف والملابسات.
الحماية الوحيدة للإنسان في أي سن وعمر هو قدرته على التمسك بشرع الله في تصرفاته، يستوي في ذلك الصغير والكبير، وأنت تنصح صديقك الذي يمر بالمرحلة نفسها والتجربة نفسها بحذافيرها، تفعل ما نفعله أحيانا نحن الأكبر سنا.. وهو أننا مررنا من قبل من الطريق نفسه وخضناه إلى نهايته ورأينا كل علاماته ومطباته ونريد أن نحمي الأبناء من مخاطره.
ولن أظلم الفتاة التي فكرت في الارتباط بها، بطلة علاقتك القصيرة؛ فالمشكلة الأزلية بين النساء والرجال أو الإناث والذكور أن الرجال يفكرون بعقل الرجل والمرأة تفكر بعقل المرأة، ومهما تغنى العلماء أن الصفة التشريحية واحدة، فإن الصفة الفسيولوجية الوظيفية ليست واحدة، فلكل واحد حساباته وأهدافه وآراؤه.
وقد عصمك الله من أن تطول مشكلتك، وإن كانت أي تجربة مهما قصر أمدها تترك أثرًا، فأرجو أن يكون هذا الأثر قد زادك قوة وعمقا ونضجا.
وأتمنى أن يرى صديقنا بعين العقل تجربتك ويخرج من الدائرة قبل أن يضطر للخروج منها متألما، ولا أعني بذلك أن فتاته ستسير في الطريق نفسه، بل أعني أن هناك تجارب لا تجر إلا الألم لأسباب كثيرة جدًّا، بداية من السن والظروف، ومرورًا بالتغيرات النفسية لكل فرد، وصولاً إلى تواجد عناصر أخرى لها اليد الطولي في قرار الاستمرار.
أتمنى أن أجدك دائما صديقًا على الموقع.
ــــــــــــــــــــ(41/332)
أخ سكير.. وأب مغلوب على أمره
مع الأهل, هموم الدراسة
الإخوة الأفاضل في "إسلام أو لاين.نت"، أنا شاب من المغرب عمري 19 عاما، على قدر من الالتزام، نشأت وسط عائلة لا تعرف معنى التربية السليمة للأولاد، ولا تعرف من أسس التربية شيئا يذكر، اللهم إلا توفير الحاجيات الأساسية: الملبس والمسكن والقوت... أما عن الأخلاق والفضيلة فلا تسأل.
مشكلتي هي أننا (أنا وأسرتي المكونة من الوالدين و4 أولاد وبنت، أكبرنا عمره 22 سنة) نعيش في مشاكل متواصلة، ونفتقد الأمان والطمأنينة؛ فأخي سكير ويتناول المخدرات، ولا يكف عن سرقة متاعنا عندما لا نوفر له النقود، وأمي لا تستطيع فعل أي شيء، وأبي هو الآخر مغلوب على أمره؛ فهو -على حد قوله- يخاف من العار؛ لذا لا يستطيع مجابهة أخي الذي يعمد إلى تكسير الأشياء ويخرج وسط الجيران ويبدأ بالسب والشتم.
المهم أنا الوحيد بين إخوتي من يفكر في هذه المشكلة؛ ربما لأنني على قدر من الوعي يسمح لي بذلك، والحقيقة أنا المتضرر بالدرجة الأولى من هذا الوضع؛ فأنا لا أتحمل أن أرى أخي يسب والدي وينزف نقوده، بل أحمل همًا متواصلاً عن الحالة التي سيؤول إليها مستقبلاً؛ فلا شك أنه سيتعود على استعمال السموم بشتى أنواعها.
اضطررت إلى التوقف عن الدراسة وإجراء ما يسمى "بسنة بيضاء"، رغم تفوقي في الدراسة، ورغم أنني في السنة الختامية من البكالوريا؛ فأنا لا أستطيع المذاكرة وسط المشاجرات التي تحدث يوميا في البيت.
صدقوني أحيانا أفكر في الانتحار حتى أستريح من هذا الوضع، صحيح أن المشكلة لا تعنيني بالدرجة الأولى، لكن أنا المتضرر الأول منها؛ فأنا أحمل معاناتي ومعاناة أمي بالذات؛ لأنني أعرف ما تقاسيه وتكابده من آلام رغم أنها تخفي ذلك.
لا أعرف إن كنت أستطيع تغيير الوضع، وبالتالي أستطيع إنقاذ أخي من عالمه الخاص، أم أن المشكلة أنني لا أتكلم معه؛ فنحن تعودنا منذ صغرنا على ذلك، وكيف أبدأ معه الموضوع؟ وهل ستقنعه بضع كلمات للعدول عن عادات ألفها منذ سنين؟!
بدأت أفكر في طريقة ما للتخلص منه؛ كأن أقذف حجرًا ضخمًا على رأسه وأقتله، أو أدبر له مكيدة ليوضع في السجن مدى الحياة... وأشياء من هذا القبيل.
أعرف أنني مخطئ فيما أفكر فيه، كما أعرف أنني سأرتكب جريمة شنعاء، وسيكون مصيري السجن، ويوم القيامة عذاب أليم، وما يطمئنني قليلا أن الله يمكن أن يغفر لي؛ فهو يعلم أسباب ودوافع الجريمة؛ لهذا أتساءل: هل من مسوغ لارتكاب مثل هذه الجريمة أخذًا بعين الاعتبار الأسباب والدوافع؟ وهل من حل لهذه المشكلة؟!
أم أننا سنبقى على هذا الوضع؟ لأنني في هذه الحالة سأضطر للتخلص من أخي (أنا أذكر "لفظة" أخي اضطرارًا حتى يكون كلامي واضحًا ومفهومًا؛ فأنا أكرهه من أعماق قلبي).
معرفتي المتواضعة بكم دفعتني للبوح لكم عن معاناتي؛ فأنا دائم الإطلاع على موقعكم رغم قلة الإمكانيات وعدم معرفة والدي بالأمر؛ فأنا أجمع النقود خفية لأزور مقهى الإنترنت.
لا أعرف إن كنت على خطأ أم على صواب فيما أفكر فيه؛ فأكيد أنني سأضع حدًا لهذه المشكلة، لكن بأي طريقة، ومستعد أن أضحي بمستقبلي لأضمن الأمن والاستقرار لأسرتي، أرجوكم ساعدوني بآرائكم واقتراحاتكم، فلعل الفرج يكون على أيديكم، وجزاكم الله خيرًا.
... المشكلة
د.إيهاب خليفة ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أيها الأخ الفاضل، أنت تحتاج أولاً لتعديل نظرتك الناقمة تجاه أسرتك، وهل السعي في توفير الاحتياجات الأساسية (باعترافك!!) شيء هين؟!
حين أمرنا الله بالبر بالآباء ولو كانوا كافرين، ألم يقل {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}؟ فلماذا تهون من أمر توفير الملبس والمسكن وتجعله شيئًا لا قيمة له؟ إن الإنسان ينظر إلى عيوب والديه لفترات طويلة، وإن خطر على باله بعض أفضالهما فللحظات، وينظر لهذه الأفضال كأنها شيء لا بد منه، وهذا هو معنى العقوق الذي نهينا عنه.
ولماذا تتجه في حل هذه المشكلة إلى التفكير السلبي الذي يريحك مؤقتًا ويزيد من مصائب وبلوى هذه الأسرة؟ "إما أن أنتحر، أو أقتل أخي أو أسجنه"!! ثم تقول: "إن الله يمكن أن يسامحني"، والمنتحر -حسب علمي- لا تقبل توبته؛ لأنه متمرد على قضاء الله ومضاد لمشيئته؛ فالمفروض أن من وهب هذه الحياة هو الذي يحق له فقط أن يسلبها، ومن يلجأ إلى الانتحار فكأنه ينازع الله في سلطانه.
ينبغي أيها الأخ الكريم أن تكون حريصًا على علاج أخيك وإخراجه مما هو فيه بدلاً من أن تقول: إنني أكرهه من أعماق قلبي، وأحد الحكماء كان يقول: "إننا ينبغي ألا نبغض الناس أنفسهم.. بل نكره فقط ما يقومون به من أعمال خاطئة"، فما بالك بأخيك الذي ترتبط معه بحق الرحم؟! لا ينبغي أن تكون هكذا مشاعر الملتزمين.
أخي المرسل، إنني أعرف جيدًا مقدار ما تعانيه الأسرة التي تحوي بينها شخصًا مدمنًا من ذوي الشخصية السيكوباثية التي تميل للإجرام، حتى إن بعض الأسر تضطر لإيداع أبنائها لمدد طويلة بمصحات علاج الإدمان قائلة بأن تكاليف إقامته بالمستشفى أقل من تكاليف إقامته والمشكلات التي يسببها بالخارج.
ينبغي أن تركز وتتكاتف مع أسرتك لعلاج أخيك المدمن، ولا تفقد الأمل في شفائه، وإن رفض العلاج فينبغي إيداعه في إحدى مصحات الإدمان فلديهم بعض الخبرة في علاج حالات الإدمان، سواء كانت رافضة أو متقبلة للعلاج.
كان ينبغي أن تجلس وتفكر في أسباب هذه المشاكل المتواصلة بالبيت.. هل سببها أخوك المدمن فقط أم لها أسباب أخرى؟ وما هي الطرق الممكنة لحل هذه المشكلات؟
وينبغي أن تتلمس الجوانب المضيئة في أسرتك وفي أخيك المدمن، وتحاول أن تنميها حتى تقودهم تدريجيا إلى الالتزام، ومهم أن يروا جمال هذا الالتزام على سلوكك وأخلاقك وتعاملاتك معهم فيقلدونك، وكم من أمثلة عديدة لأشخاص التزموا وكانوا مشعل نور وهداية لأسرتهم.
وختاما أرجو أن تذكر لي فائدة واحدة لتوقفك عن الدراسة، وهل هذا التوقف سيحل المشكلة؟ عليك أن تقاوم هذا الإحباط، ولا تنسَ مستقبلك في غمرة هذه الظروف القاسية، فإذا لم تنجح في إنقاذ أخيك فعلى الأقل أنقذ نفسك حتى لا تصبح نموذجا آخر من أخيك.
أخي الكريم، أدعو الله تعالى أن يعينك على هذا الابتلاء القاسي، ويأخذ بيدكم جميعا وتجتازوا هذه المحنة.
ــــــــــــــــــــ(41/333)
المثالية والشعور بالذنب
مع النفس
أنا فتاة في مقتبل العمر، مشكلتي تكمن في شعوري بالذنب الدائم في أكثر أمور حياتي؛ فعندما أخطئ أشعر بالذنب بشكل مبالغ فيه؛ لدرجة أنني أكره نفسي، وعندما أبدع في مجال معين حيث أقوم بعمل شيء لم يعمله الآخرون فإذا لم أُمدَح عليه أشعر أنني ارتكبت خطأ.
ومثال على ذلك: في إحدى المرات طلبت من مدرستي أن أكون مسئولة كل يوم عن الفقرة الأخيرة في الإذاعة في دور أجيده جيدًا، أعجبت المعلمة بالفكرة، ثم نفذتها لمدة يومين، ولم أجد تشجيعًا، فأحسست بعد ذلك بالذنب وبعدم القيمة؛ فلم أكمل.. فما الحل؟
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... كما يبدو من رسالتك ومن بيان العمر أنك في سن المراهقة.. وهي سن من طبيعتها أن الفتى أو الفتاة يرغبان في أن يكونا مثاليين، ويهويان قصص الأبطال ويتمسكان بالقيم العليا، ويتصوران أنهما يمكن أن يصلا للكمال، ويضعان صورة خيالية لشخصية خارقة يريدان أن يصلا إليها ويتمثلانها في كل تصرف، وهما في ذلك يريدان أن يثبتا ذاتهما وشخصيتهما التي يريان أنها من أجل أن تكون مستقلة يجب أن تكون بهذه الصورة التي رسمتها.
وبطبيعة الأمر فإنهما لا يستطيعان أن يتصرفا بمثالية، أو أن يصلا للكمال الذي ينشدانه؛ لأنهما بشر من أبناء آدم الذين خلقهم الله يخطئون ويصيبون، ولا يستطيعون أن يصلوا إلى الكمال، وإن كان سعيهم الدائم إليه يجعلهم يحاولون تحسين حياتهم قدر استطاعتهم، ولكن الله الذي خلقهم يعلم ضعفهم منذ خلقهم.
وقد اعترض الملائكة على جعل آدم خليفة لله في الأرض {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ}؛ ولذا فضّل الله آدم وأبناءه بعلمهم وبقدرتهم على عمارة الأرض وخلافة الله فيها وليس بكونهم لا يخطئون أبدًا..وعندما أخطأآدم علمه الله كلمات فتاب عليه وكذلك كان هذا هو القانون "كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون".
إن إدراكك لطبيعة سنك وطبيعة أفكارك ثم لطبيعتك البشرية الواقعية الحقيقية هي التي ستخرجك من حالة الإحساس الدائم بالذنب.. إن لوم النفس شيء جميل بشرط أن يكون إيجابيًا يؤدي إلى تغيير سلوكيات الإنسان وفعله الإيجابي في تحقيق الأفضل، أما إذا أدى إلى توقفه عن الفعل والعمل فإنه يصبح شيئًا مرضيًا يحتاج للعلاج.
أنت من بنات آدم تخطئين وتصيبين، ولن تكوني ملاكًا لا تخطئين، وليكن اللوم من أجل تصحيح الخطأ وليس من أجل التوقف عن العمل، ونحن معك.
ــــــــــــــــــــ(41/334)
عندما تتحدث الورود عن نفسها
مع النفس, مع المجتمع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أشكركم على هذا الموقع المتميز فعلاً، وجزاكم الله خيرًا.. في الحقيقة أنا لا أستطيع وصف مشكلتي بدقة، ولكني أحس أنها فريدة من نوعها فلم أجد أحدًا يعاني منها، وهي تتلخص في: أني متقلبة المشاعر والآراء، أحيانًا أحس بأني أحب شخصًا ما جدًّا، وأحيانًا أحس تجاه نفس الشخص بالكراهية الشديدة، كل يوم برأي، كل يوم باتجاه، أحس بعدم الثقة بالنفس.
أحس بأن شخصية مثلي شخصية ضعيفة غير قادرة على اتخاذ القرار، رغم أن كل من يراني يعجب جدًّا بثقتي الزائدة بنفسي، رغم أني لا أشعر بذلك والحمد لله يحبني الجميع، ويشهد لي بالتدين والتفوق في كل شيء، ولكن رغم ذلك لا أشعر بذلك إطلاقًا، دائمًا أسمع ثناءهم عليّ، ولكن أحس أنهم يجهلون. أحس باضطراب في التعامل مع الناس، ولكنهم يظنون ذلك ثقة بالنفس لا أعلم كيف لا يظهر علي الضعف الذي أحسه! مع العلم أني فتاة في الرابعة عشرة من عمري، أفيدوني أفادكم الله، وجزاكم الله خيرًا.
... المشكلة
د .ليلي أحمد الأحدب ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أهلاً بك حبيبتي، واسمحي لي أن أبدي إعجابي بك دون أن أراك، وكيف لا أعجب بك وأنا أسمع صبية بعمر الورد تتحدث عن نفسها وتحاول أن تتبصر ما بداخلها لتكتشف أخطاءها، فتاة متدينة متفوقة خلوقة يحبها الجميع، فكيف لا أحبها أنا أيضًا؟
فقط أطمئنك يا صديقتي أن ما تشعرين به من تقلب المشاعر والآراء شيء طبيعي بالنسبة للمرحلة الحرجة التي تمرين بها، وهي مرحلة تخزن مشاعر الطفولة، وتحضن أفكار النضج، وشتان ما بين الطفولة وأفراحها، وما بين النضج ومسؤولياته.
هذه المشاعر المتقلبة والآراء المتغيرة هي عادية إن كانت في مثل سنك؛ لأنها مرافقة للتغير الذي يحدث مع الفتاة على الصعيدين: الجسمي والنفسي، وبما أنك وضعت يدك عليها، فهي عابرة ولن تتطاول معك بإذن الله تعالى.
أنصحك فقط هنا بشيئين:
الأول- أن تنتبهي أن هناك أشخاصًا يجب ألا يطالهم هذا التعميم، فالوالدين مثلاً هم أعرف الناس بمصلحتنا، ومحبتنا لهما يجب ألا تنقص حتى لو كانا قساة علينا في بعض الأحيان؛ وذلك لأن قسوتهما نابعة من حبهما لنا وحرصهما علينا، ولأن ديننا الحنيف يأمرنا ببرهما حتى لو كنا نحسبهما ظالمين.
2 - إذا أحببت شخصًا ألا تُفرطي في حبك له، وإذا كرهت شخصًا ألا تبالغي في إظهار كرهك له، وإذا خطر لك رأي فلا تتعصبي له، وإذا ذكرت أمامك أي فكرة فلا تنكريها بشدة؛ لأن هذا الإفراط يقلب الحقائق ويجانب الصواب، والاعتدال في علائقنا مع الناس هي الحكمة التي تبقي على روابط
المودة، وتقضي على آثار العداوة، وتسدّ ثغرات الشيطان التي ينفذ منها إلى الصداقات والمودات، وتذكّري حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- المرفوع: "أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما".
أما بالنسبة لموضوع الثقة بالنفس فسأخبرك بسر مهم أن أغلبنا يبدو واثقًا بنفسه أكثر مما هو عليه في الحقيقة، وهذا ضروري؛ لأننا يجب ألا نظهر نقاط ضعفنا إلا أمام من نثق بهم، ونحبهم كي يساعدونا ويقدمون لنا العون والنصح.
ويكفي أنك تبدين واثقة بنفسك أمام الناس رغم ما تشعرين به من ضعف بينك وبين نفسك، وكلنا فينا جوانب ضعف وجوانب قوة، وعلينا أن نضع أنفسنا في موضعها الحق، وننظر إلى نقائصنا ومزايانا، فما وجدنا من مزية وفضل نحمد الله عليه وننفع الناس به، وما وجدنا من نقص نتداركه بالعلاج والإصلاح.
ويمكنك اتباع الأمور التالية لزيادة ثقتك بنفسك:
1 - سجِّلي قائمة بالنقاط الجيدة فيك، وضمّنيها أشياء عن شخصيتك، وإحدى المهارات التي قمت بتطويرها، وواحدًا على الأقل من الإنجازات التي تعتزين بها، سواء على صعيد البيت أو المدرسة أو المجتمع، وامنحي نفسك ما تستحقه من ثناء.
2 - احتفظي بيومياتك الأسبوعية، تسجلين الأشياء الإيجابية فقط: متاعب تخلصت منها، أناس كانوا ودودين ولطيفين معك، مواقف استمتعت بها، ودائمًا أضيفي إلى يومياتك عندما تكونين في حالة طيبة، اقرئيها عندما تشعرين بعدم الراحة.
3 - تمرَّني أن تقدمي الإطراء إلى شخص في كل يوم، وتأكدي أن ثناءك صادق ومناسب دون أن تستخدمي النفاق أو المدح الزائف، ولكن قدمي كي تستلمي بالعدل ما تستحقينه، ولاحظي الطرق المختلفة التي يستقبل الأشخاص بها الثناء المقدم لهم، وحين يجيء دورك في تلقي أحدها لا ترفضيه أو تضحكي عليه أو تقولي: إني كنت محظوظة فحسب، عليك أن تتلقي الثناء باعتباره شيئًا تستحقينه، وليس سببًا للشعور بالحرج.
طبعًا لا بد لك من عقد صداقات جيدة، وحاولي أن تجدي الصديقة الوفية التي تفهمك، ولعلها تكون والدتك، فاقتربي منها وبُوحِي لها بمخاوفك؛ لأنها أعرف الناس بك، وأكثرهم حبًّا لك، وإذا استطعت أن تجدي مجموعة من الصديقات تعتبريهن أخوات لك في الله تعالى، وتلتزمين معهن عند مربية فاضلة الخلق غزيرة العلم، فإن في هذه الصحبة ما يعينك بإذن الله سبحانه على تخطي هذه المرحلة بسهولة.
أرجو لك كل الخير والتفوق في كل مجال، ويسعدني أن أسمع منك.
ــــــــــــــــــــ(41/335)
هل للطهر ان يعود من جديد
تحت العشرين.. حب وجنس وفشل دراسي!!
تحت العشرين
السلام عليكم ورحمة الله.. إخوتي في الله في بادئ الأمر أشكركم على هذا الموقع الرائع الذي يتيح للشباب عرض مشكلاتهم، والاستفادة من الحلول المقدمة لهم التي قلما يهتم بها الناس، وخصوصا أهالي هؤلاء الشباب لسبب أو لآخر.
إخوتي.. إنني فتاة بالسابعة عشرة من عمري، نشأت في بيت يعمه الأمن والطمأنينة، لكنني أفتقد للصراحة بين والدي أو إخوتي؛ لأنني لم أعتد على وجودهم لفترات طويلة بجواري مذ كنت طفلة؛ وذلك لانشغالهم كل في عمله، سواء أبي أو أمي، أو إخوتي وهم في كليات القمة؛ الأمر الذي دفعني لأخذ المشورة منكم.
إخوتي.. إنني الآن في عامي المدرسي الأخير؛ أي العام الذي يعتمد عليه كل مستقبلي.. الأهل والأقارب والأصدقاء والمعلمات يتوقعون مني مجموعا مرتفعا جدا، وكلمة "ادرسي" لا تفارق آذاني لكثرة ما سمعتها منهم، حتى أنني أصبحت أبتعد عن كتبي كل الابتعاد؛ أملا أن تفارقني تلك الكلمات.
أصبحت ألهي نفسي بالروايات أو الجلوس على الحاسوب والإنترنت لفترات طويلة؛ وهو ما كان سببا في مشاكل أخرى، أو بالهروب من واقعي باللجوء للنوم لساعات طويلة، وأصبحت أخشى الرسوب فعلا لما ينتابني من ساعات طويلة من التفكير والسرحان في أمور بالية لا معنى لها، إلى أن بات الفشل حليفي الدائم.. هذا أولا.
ثانيا: مشكلتي مع الإنترنت تكمن في الشات والمواقع الفاسدة، وأما الشات فإنني تعرفت على شباب كثر، وكلهم كانوا يحبونني فعلا؛ لدرجة أن كلا منهم يعطيني كلمة المرور والمستخدم والرقم مجانا فقط مقابل أن أشبك وأتكلم معهم. لا أعلم هل هذا براعة مني في انتقاء الكلمات التي تفعل بهم هذا؟ مع أنني أكتب بكل بساطة وعفوية في تلك المواقع.
أصبحت أسهر على جهاز الحاسوب إلى أذان الفجر، ثم أتوجه للنوم لمدة ساعتين أو ثلاث لأستيقظ بعدها وأمسك كتابي وأشرد في فكري، وما إن أستيقظ من أحلامي حتى يكون قد مضى ثلاث أو أربع ساعات.
وأما المواقع الفاسدة فقد كانت تنزل على شكل دعايات على حاسوبي، بداية إلى أن انتهى الأمر بي لأبحث أنا عن مثل تلك المواقع؛ وهو ما أصبح يدعوني إلى التفكير في أنه كيف يمكن لي أن أنظر إلى مثل هذا وأنا أقوم بالعبادات؟ وبدل أن أترك النظر لتلك المواقع تركت العبادات، ولم أستطع الرجوع إليها..
وقد أصبحت أشعر بأنني فتاة جنسية للغاية؛ فقد أصبحت دون قصد أجد نفسي ألهو في أعضائي، وعندما أرقد إلى سريري أتخيل أن هنالك شخصا يلهو معي أيضا؟! فماذا أفعل علما بأنني حاولت ترك الحاسوب مرارا، ولكنني لم أفلح؟
ثالثا: ابن الجيران شاب وسيم جدا يكبرني بثلاث سنين، غرفة نومه موازية لغرفتي، وأول ما أفتح الستار في الصباح أجده على النافذة بانتظاري، وكان يفعل المستحيل، ولكنني كنت دائما لا أبالي، إلى أن جاء يوم خطفت بصري قُبلة منه كان قد بعثها لي، وقتها لم أجد بُدا من النظر إليه لأرى ماذا يريد، مع العلم أنني محجبة، والآن وقد ظهرت عليه من غير حجاب طلب أن أكلمه بالهاتف.. رفضت، سألني إذا ما كنت أرغب بالنظر إليه وهو مجرد من الثياب.. رفضت أيضا، وغاب بعدها إلى أن مرت ثلاثة أيام، ولم أجده كسابق عهده، استخدمت الهاتف لأسترق السمع لصوته وأغلق فورا.. فلا أدري هل أصبحت عاشقة له؟ مع العلم أنه أخبرني أنه يرغب في التقدم لخطبتي، ولكنني أبيت ذلك، وآسفة لكل الشباب فيما سأقول.
رفضت لأنني بصراحة أقرف من الشباب، وأشمئز منهم كل الاشمئزاز، حين يراودني التفكير بتركيب أجسادهم وما يفعلونه، وهنا المشكلة أنني أعشق وأشمئز؛ فهل هذا انفصام في شخصي؟
رابعا: من فترة وجيزة قرأت أن الصيام باطل إذا رافقه لعب في الأعضاء وإنزال للسائل، وأنا من الناس الذين كانوا يلهون ولا يعلمون في شهر رمضان.. فماذا عساي أن أفعل؟ وكيف لي أن أتخلص من هذه العادة القذرة؟ آهٍ إخوتي إن ما يؤرقني حاليا أنه كلما جاء زائر إلينا يخرج ويتغنى ببراءة وجهي وطفولته، وبياض قلبي، وجمال أخلاقي، ورشاقة قوامي، وعذوبة لساني، ورنين صوتي، وابتسامة ثغري.
ولكن الأهم هو التزامي، وكل هذا لا يتفق وما أنا فيه، على الحقيقة لا يتفق وممارستي التي أقوم بها مع نفسي.. فهل أكون تلك الفتاة الخائنة للثقة التي منحها إياها والداها، أم أكون فتاة في قمة النفاق، أم أنه الغموض والكتمان، أم ماذا؟
أعلم أنني أطلت عليكم كثيرا، ولكن كل هذا ما هو إلا جزء بسيط مما هو في قلبي الصغير.. فإن شئتم ابعثوا لي بالإجابة، وإن شئتم فلا، فواأسفاه على أيام عفافي!! إذ إنني ظللت أياما حتى قررت أن أبعث إليكم؛ لأنني أعلم أنه من لا يعرف الصواب من الخطأ فإنه لا حجة عليه؛ فإنني لم أشأ أن أبعث إليكم حتى يتسنى لي أن أفعل ما يحلو لي، ولكن ضميري وإنسانيتي لا يسمحان بذلك.. فهل سأبقى طريدة الأحلام، وعاشقة الأوهام، وحزينة الأيام، باكية على الدوام، مخادعة للناس، ومغضبة للرب؟!
... المشكلة
د.فيروز عمر ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... رسالتك يا ابنتي تصلح أن تكون نموذجًا يدرس..
فهي تضم أشهر 5 مشكلات يمر بها شبابنا وبناتنا، وهذا الترتيب الذي سردت به أحداث وتطورات المشكلات هو -تمامًا- نفس الترتيب في معظم الحالات!!
أولا- المذاكرة: وهي الصخرة الأولى التي يصطدم بها الشاب عند انتقاله من سن الطفولة إلى سن الشباب، مرورًا بجسر المراهقة؛ حيث يكثر "السرحان" ويقل التركيز، وتحدث التغيرات النفسية والبيولوجية، وتصبح المذاكرة ثقيلة الظل بعد أن كانت بالأمس عملا هينًا يقوم به بسهولة عندما كانت القدرة على الحفظ أكبر، والعقل غير مشغول بشيء.
ثانيًا- إدمان الإنترنت: المواقع الإباحية والشات؛ حيث يجد الشاب في شاشة الكمبيوتر متنفسًا لطاقته، وخروجًا عن ملل المذاكرة، ومن جهود الحياة الاجتماعية التي تخلو من الأنشطة والاهتمامات والترفيه النظيف.
ثالثًا- الغوص في مستنقع الجنس: عادة سرية وإدمان مواقع إباحية، وهذه هي الاستجابة الطبيعية لضغوط المثيرات الجنسية الخارجية من ناحية، وتدفق الرغبة المتزايدة داخليًّا -في هذه السن بالتحديد- من ناحية أخرى، وعدم وجود أنشطة واهتمامات تساعد المرء على الانشغال والتسامي عن رغباته من ناحية ثالثة، وتأخر سن الزواج وتعقيد سبله وعدم إتاحتها من ناحية رابعة.
رابعًا- البحث عن حب: لإشباع احتياجات الوجدان -وليس الجسد فقط- التي تفور في هذه السن؛ فيسقط الفتى أو الفتاة أمام أول من يطرق الباب، وليكن ابن الجيران الذي ألقى القُبلة من النافذة، أو ابن العم.. أو ابن الخال... أو... أو...
خامسًا- صراع الضمير:
فبعد كل ما سبق ليس متوقعًا أن يشعر الشاب بالطمأنينة والراحة، بل يطارده التمزق ووخز الضمير، وحدوث التصدع الهائل في بنائه؛ فقد أصبح الآن شخصين: شخصا يحمل بقايا الخير والفطرة النقية وأطلال الطفولة، وآخر عاشقا ومدمن جنس وفاشلا دراسيًا!!
هذه هي مشكلاتك الخمس كما ذكرتِها وبنفس الترتيب، بدأنا بـ"أولا"، وانتهينا بـ"خامسًا"..
أما عن الحل فسنبدأ بـ"خامسًا" وننتهي بـ"أولا":
(1) بداية: الحل هو آخر ما ذكرته في خطابك.. فأنت يجب عليك ألا تعرفي الصواب من الخطأ فقط -فمن الواضح أنك تعرفينه جيدًا-، وإنما يجب أن تقفي مع نفسك موقفًا شجاعًا وتصري على الصواب مهما كان شاقًّا وصعبًا ومكلفًا.. البداية تكون منك أنت -بعزيمتك وإرادتك- فهذه هي الشرارة الأولى، واعلمي يا ابنتي أن كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، واعملي أن الله يفرح بعودتك أكثر مما يفرح الأعرابي الذي ضلت ناقته في الصحراء، وعليها طعامه وشرابه حتى كاد يهلك، ثم عادت إليه، واعلمي أيضًا أن التوبة ما هي إلا لحظة صدق يقف فيها المرء أمام ربه ويقول بكل بساطة: "آسف.. أنا أخطأت أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه".. ويندم على ما فات ويعزم ألا يعود مهما حدث.. وعندئذ وعندما تتقربين إلى الله شبرًا فإنه يتقرب إليك ذراعًا، وعندما تتقربين ذراعًا فإنه يتقرب باعًا، وإذا أتيته تمشين أتاك هرولة!!
هذه هي البداية ، وبدونها فلا أمل في النجاة ...عافاك الله من الشرور.
(2) الخطوة الثانية: وهي التوقف الفعلي والفوري عن كل ممارسة تغضب الله أو تؤثر على مستقبلك..فلا مواقع إباحية، ولا شات، ولا ابن الجيران، ولا عادة سرية...
ونحن قدمنا في هذه القضية كتابات كثيرة، لعل أهمها:
- المواقع الساخنة.. الاستمناء .. وداعاً للإدمان
لعلك تطلعين عليها فتجدين فيها ما يعينك بإذن الله!
(3) استثمار الفراغ: وهذا يتم بالإجابة على سؤال واحد، وهو: من أنا؟ وماذا أستطيع أن أفعل؟ حاولي أن تكتشفي ميولك ومواهبك وهواياتك، ثم تقوِّي بتنمية هذه المواهب والميول لصالح قضية كبيرة أو اهتمام محترم، سواء كان اجتماعيًّا أو دينيًّا أو ثقافيًّا.. فإن هذا سوف يستثمر طاقتك الوجدانية والجسدية، ويرشدها ويهذبها ويحميك من موات الفراغ الذهني.
ولعل مشكلة إحياء الرغبات الضامرة.. وتحويل الشعار إلى عمل
تفيدك كثيرًا في هذا الصدد.
(4) وأخيرًا مشكلة المذاكرة.. ولعل هذه هي الأصعب؛ لأن العام الدراسي أوشك على الانتهاء، ولا أدري إن كان ما بقي منه كافيًا للتفوق أو حتى النجاح أم لا..
ولكن على أي حال ما زال الأمل موجودًا، أنا لا أعرف حدود قدراتك الذهنية؛ فهل تستطيعين أن تلملمي مناهجك في شهرين مثلا؟.. لا أدري، وهل أنت قادرة على عمل جداول محكمة لتنظيم الوقت وتعويض ما فات؟ وهل لديك صديقة وفية يمكن أن تأخذ بيدك وتعينك في هذا؟ وهل أنت مصرة على دخول كلية قمة تحتاج مجموعًا ضخمًا مثل إخوتك، أم أنك تكتفين بالنجاح الذي يؤهلك لأي كلية مناسبة؟ لا أدري. ولكني أقول لك: "من يتقِ الله يجعل له مخرجًا"، ولعلك تطلعين على إجاباتنا السابقة حول المذاكرة مثل:
- المذاكرة من أول العام.. وصفة للتركيز
- على أبواب الامتحانات: تنظيم وقت المذاكرة
- على أبواب الامتحانات.. أفضل طريقة للمذاكرة
لعلها تفيدك بإذن الله..
وأخيرًا.. يا ابنتي أقول لك: ستمر هذه المرحلة بسلام بإذن الله، وستجتازين آلامك بقوة ونجاح، والله تعالى لن يضيعك طالما لجأت إليه..
ــــــــــــــــــــ(41/336)
هذه هي الشمس.. هذا هو الشيطان المراهق
مع الجنس الآخر
أنا طالبة في المرحلة الثانوية التقيت بمعلم في أحد الأسواق، وقام بإلقاء رقم هاتفه بورقة على الأرض، فخشيت أن يراها والدي فأخذتها، وفكرت، ووجدت نفسي أودّ رؤيته بصفة دائمة، وتأكدت من حبه لي بعدة طرق. حدثت خلافات بيننا وقررنا الانفصال على أن يكون بيننا صداقة، وبعد فترة كنت أتحدث معه، ففاجأني بأنه مطلق وبعدها بفترة استمرت أكثر من 3 أشهر اختلفنا فبعدت عنه فقام بالاتصال بي، وقال إنه يريد خطبتي كنت في هذا الوقت بالامتحانات، فانشغلنا عن بعضنا وبعدها لم يحدثني بأمر الخطبة ثانية، وكل ما أعلمه أني أحبه جدًّا، مع العلم أنه يكبرني بـ19 سنة، فأنا حائرة، فهل هو يحبني أم يخدعني؟
ملاحظات:
مع العلم أنني متفوقة جدًّا في دراستي، وكان يشجعني دائمًا على المذاكرة، ولكنه كان دائمًا يحدثني عن الأمور الجنسية بصورة مستمرة، وعندما أطلب منه الامتناع عن ذلك غضب وأراد إنهاء المكالمة.
... المشكلة
د.فيروز عمر ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... هل تعلمي يا ابنتي ما هو أصعب شيء في خطابك؟!
أصعب شيء يا ابنتي أنك تطلبين مني أن أوضح لك شيئًا هو بالفعل واضح!!
ما أصعب أن تطلبي مني أن أثبت لك أن الشمس في السماء الساعة الثانية عشرًا ظهرًا!! أو أن الجو في الشتاء بارد، أو أن العسل حلو!! هذه أشياء واضحة لا تحتاج لإثبات.
انظري.. هذه هي الشمس!! هل ترينها؟!
معلم مراهق يلقي برقم هاتفه في ورقة على الأرض لاصطياد فريسته، يكبرها بـ19 عامًا، يريد أن يمارس معها الجنس بالهاتف، ويغضب عندما تمتنع.. يعرف مفاتيح شخصيتها ويحاول الدخول إليها من خلال هذه المفاتيح، فلأنها متفوقة في دراستها يحاول أن يبدو في صورة المشجع النبيل على الدراسة، ولأنها عفيفة ولا تسلم نفسها له بسهولة يلمح لها بالخطبة ويلوح لها بمنديل الحلال!!
هذه هي الشمس.. هل رأيتها الآن؟!
بعد هذا تقولين "أنا حائرة هل يحبني أم يخدعني؟!!"
إذا أقسمت لك أنا وكل فريق الحلول وكل العاملين بالموقع وكل زوار الموقع إذا أقسمنا لك جميعًا أنه يحبك فلا تصدقينا.
وصدقي "الشمس" التي تلسع حرارتها جسدك.. إنه بكل تأكيد يخدعك ويستدرجك كما استدرج كثيرات من قبلك، ويقوم باصطيادك بأشهر وأبسط وأقذر طرق الاصطياد.
ابنتي الحبيبة.. هذا النوع من الرجال لن يسمح له أن تضيعي من يده، ولن يهدأ له بال حتى يتمكن منك، وسيلجأ لكل الحيل: الغضب، البكاء، الرسائل، التهديد أحيانًا!!
قاومي مهما كانت الضغوط أو الحيل، واعملي أنه سيمارس كل وسيلة وردت في مناهج "الإغواء" مستغلاًّ حسن بيتك وبراءتك وسذاجتك...
إنه الشيطان فلا تتبعي خطواته..
ــــــــــــــــــــ(41/337)
ثقي بنفسك.. وابني مستقبلك
هموم الدراسة, مع النفس
لن أطيل عليكم بالكتابة وسأدخل في مشكلتي.. أنا طالبة جامعية/ سنة أولى/ ومشكلتي أني إلى الآن لا أعرف ماذا أدرس؟ ففي البداية طلع قبولي بالجامعة في تخصص أنا أحبه جدا، وحمدت الله على ذلك، وكانت هذه دائما أمنيتي أن أدرس هذا التخصص، ولكن قبل بداية الدراسة بالجامعة عرض علي أهلي تغيير تخصصي لتخصص آخر؛ لأن مجاله أفضل من الذي تم قبولي فيه، وحاولوا إقناعي بذلك وأنا استخرت كثيرا، وبعد إقناعهم لي وكلت أمري لربي، وقلت: سأدخله وأحاول به مع عدم رغبتي التامة فيه، وقلت: إني أتمنى أني بذلك أرضي أهلي حتى لو أني لا أريد هذا التخصص، وبالفعل حولت لهذا التخصص الجديد، وأنا بداخلي أرفضه، وحاولت بالبداية أن أقنع نفسي وأن أتقبله، ولكن دون فائدة؛ لأن ميولي أبدا ليست لهذا التخصص، ولم أستطع أن أتقبل الوضع الذي أنا فيه، وعرضت على أهلي فكرة أن أرجع لتخصصي السابق، ولكن ذلك لم يعجبهم، ولكن لم يجبروني على شيء، بل تركوا لي حرية الاختيار مع عدم رغبتهم، وأنا استخرت للتحويل وكنت مرتاحة، وبالفعل قدمت طلب تحويل لتخصصي السابق.
والآن أنتظر القبول، وكل من أخبره يأني سأحول من تخصصي لا يعجبه، ويقول لي: "بلا هبل"، ولكني مقتنعة بما أفعله؛ لأني أعرف نفسي، سأبدع بهذا التخصص؛ لأني فعلا أحبه والحمد لله بالمدرسة كانت علاماتي دائما عالية..
والآن أنا أعيش فترة صعبة؛ لأني أخاف أن أكون قد تسرعت في اختياري كون أن أهلي لم يعجبهم ذلك، ولكني في قرارة نفسي أريد أن أرجع لتخصصي السابق.. هل ما فعلته سيجعلني أندم في المستقبل؟ هل ما فعلته خطأ؟ أرجوكم أفيدوني أفادكم الله.
... المشكلة
أ.منيرة عثمان ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أختي الكريمة،
أحمد فيك حوارك الصريح مع نفسك، وتحديدك الواضح لقدراتك وميولك؛ فكثير من الشباب الآن لا يستطيع تحديد ما يريد، وكيف يحقق ما يريد، وقد لا يدركون هذا إلا بعد فوات الأوان؛ فقد ينتهي البعض من الدراسة الجامعية، ويكتشف بعد أن يمضي 4 أعوام من عمره أو أكثر في تخصصه ودراسته أنه لا يريد هذا النوع من التخصص، ولا يجد ذاته فيما يدرس أو يعمل.
حبيبتي الغالية،
حيرتك جعلتني أتذكر موقفا لصديقة احتارت كثيرا في موقف تعرضت له، وكان أمامها خياران:
- إما أن تقبل عرض الوظيفة المقدم لها في المؤسسة التي تعمل بها، وهي تشعر أنه لا يتناسب مع طموحاتها وميولها.
- وإما أن تترك وظيفتها، وتقوم فقط ببعض الأعمال في هذه المؤسسة، وهذا يترتب عليه أنه لن تأتي لهذه المؤسسة إلا يوما أو يومين فقط في الأسبوع بعد أن كانت هذه المؤسسة جزءا مهما من حياتها، ومعظم أوقات يومها فيها.
وهي شغوفة بهذه المؤسسة وبجميع من حولها في هذا المكان، وتعتبره ليس فقط مكان وظيفتها، وإنما رسالة في حياتها، ولتمسكها برسالة هذه المؤسسة -وهي بمثابة مؤسسة إسلامية دعوية ورسالتها راقية وهادفة أحبتها- تشعر بأنها جزء من كيانها.
والخياران كانا بمثابة تحديين لها، وقد تخبطت بعض الوقت، ومرت بفترة صعبة من التفكير والقلق لتستطيع اتخاذ قرارها.
استخارت واستشارات من حولها، والبعض كان يؤيدها في قرارها لترك الوظيفة، والبعض كانوا يعارضون قرارها بأنها ستترك وظيفتها الرئيسية في المكان لمجرد أنها لا تتناسب مع طموحاتها وميولها.
وأخيرا.. اتخذت قرارها بترك الوظيفة والبحث عما تجد فيه تحقيق ذاتها وطموحاتها مع عدم ترك الصلة بهذه المؤسسة والحضور إليها ولو مرة أسبوعيا، والحرص الدائم للإيجاد فيها على عمل يناسب طموحاتها وقدراتها وتنمية إمكانيتها ومهاراتها في آنٍ واحد، وبعد مرور هذه التجربة على صديقتنا قد أصقلت بخبرة جديدة؛ لأنها كانت ترى وهي بداخل وظيفتها الأمور من منظور واحد، وبالتالي بدأت تتحرر من رؤية أحادية إلى رؤية متعددة ومركبة، وبدأت محاولتها لإيجاد ذاتها ومحاولة الإبداع في مختلف الحقول التي تشعر بأنها تتناسب مع ميولها وطموحاتها، فبدأت تصقل بخبرات وتجارب جديدة خارج المؤسسة وداخلها، وتتفتح على ميادين عديدة سواء أكاديمية أو اجتماعية أو ثقافية من مؤتمرات أو أبحاث أو ندوات أو خبرات يومية حياتية لهذا الوجود، وتكون رؤية مختلفة، وتشعر بأنها تجد ذاتها وكيانها فيما تصنع، ولديها التفاؤل الدائم والأمل، وقبل ذلك اليقين بأن الله تعالى سبحانه بكرمه وفضله ورحمته سيضعها دائما في المكان الذي تستطيع العطاء فيه، وأن المولى عز وجل سيستخدمها فيما يحب ويرضى؛ فهو كريم رحيم مجيب دعوة الداعي إذا دعاه.
حبيبتي..
قصدت من طرح هذه الخبرة أن أوضح لك ولقراء صفحتنا أن الاختيار سواء في ميدان الدراسة أو العمل يجب أن يتم على أسس، منها تحديد ماذا نريد، وماذا نحب، ومعرفة قدراتنا وميولنا ومهارتنا ومحاولة إشباعها وتنميتها والإبداع المستمر في الميدان الذي نشعر بشغفنا به وقدرتنا على تنميته.
أختي الغالية،
حددي قدراتك وميولك واتجاهاتك، وإن وجدتِها في الاختصاص الذي تريدين الالتحاق به فلا تتردي.
فالإنسان بطبيعته البشرية إن أحب وكان مهتما بتخصصه فسيبدع فيه ويصقل بخبرات وتجارب جديدة ومثمرة، ويكون مستمتعا ومندمجا فيما يدرس أو يعمل وهذا نفتقده كثيرا الآن.
أما بالنسبة لعدم إعجاب بعض البشر من حولك بما تريدين القيام به فتفسيره أن بعضا من البشر يتأثر بنظرة المجتمع، وينظر للتخصصات من منظور ضيق وأحادي الرؤية؛ فمن وجهة نظر تفكيرهم يوجد ترتيب أفضلي للتخصصات في المجتمع؛ فمثلا توجد أفضلية لتخصص الطب عن العلوم، والهندسة عن التجارة... ولكن قد يبدع الشاب في العلوم ويضيف لها ولذاته خبرات جديدة، وإن دخل فرع الطب لا يستطيع أن يضيف إضافة جديدة أو ينجز مثلما أنجز في العلوم؛ ولذلك يجب أن تتغير هذه النظرة. فليس النجاح بدخول تخصص أو فرع عليه الإقبال، وإنما النجاح والتميز بمعرفة قدراتنا وميولنا ودمجها مع التخصص الذي نحبه ونستمتع به.
هذا لا يتعارض مع أهمية كل التخصصات.. فالطب والهندسة والعلوم وجميع الفروع مهمة، ولكن اختلاف الأمة رحمة؛ فيجب أن تتنوع الأمة في قدراتها وتخصصاتها ووظائفها، ويكون من منطلق قدرات وميول واتجاهات الأشخاص، وهذا هو عين التميز.
أما بالنسبة لرضا والديك فإن لمسا إبداعك وتفوقك في التخصص الذي تريدين الالتحاق به فسيفخران بك.. وسيسعد قلبهما.. وستتغير نظرتهما للموقف وستفوزين ببرهما.
ولكني يا حبيبتي أنصحك قبل أن تقومي بالتحويل الفعلي أن تطلعي على كتب وموادّ هذا التخصص واهتماماته حتى يكون اختيارك صحيحا ومبنيا على أسس سليمة، واستخيري المولى عز وجل.. وتوجهي لله بالدعاء أن يرشدك للخير حيث كان، ويوفقك لما يحب ويرضى، وتذكري يا أختي الكريمة نيتك في رضا الله عز وجل.. ونفع المسلمين أين كان تخصصك الذي ستلحقين به؟
أخيرا أدعو الله أن يوفقك ويلهمك الخير حيث كان. وتابعينا بأخبارك..
ــــــــــــــــــــ(41/338)
تقلبات المراهقة وأحلام الشهادة
الوعي السياسي, تحت العشرين, الإنترنت والهاتف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. ربما سأطيل عليكم في كلامي، ولكن أرجو أن تتحملوني؛ لأنني أريد منكم أن تحددوا نقاط ضعفي أو المشاكل التي سأقولها وتعالجوها لو سمحتم.
أنا فتاة عمري (15 سنة) أصف لكم شخصيتي بأنها متوسطة، ولكنني أحيانًا أحس بضعف فيها، وهذا الضعف لا يظهر، ولكني أحاول جهدي أن أقويها وأقوي إرادتي.
تعرفت على شاب من الإنترنت أعطاني كل حنانه حتى إنني كنت أقول له بابا، وكنت سعيدة بمعرفته ولا زلت، ولكنني خفت ألا تكون مشاعري تجاهه حقيقية، أو أنني أخدعه؛ لذلك قررت أن أنسحب من حياته وفعلاً قلت له، وقال لي إنه لن يأتي إلى الـ"تشات" أبدًا، وأعطاني رقم تليفونه إن احتجت منه شيئًا، ولكنني أحيانًا أشتاق إليه كثيرًا وأتمنى أن أكون معه طوال الوقت، ولكني أخاف أن ذلك يغضب الله فأبتعد عنه، وأحاول أن أنسى مشاعري تجاهه، ولكنه يقول لي الصواب من الخطأ ويحاول أن أكون فتاة صالحة.
أما الآن فقد ذهب وتحملت مسئولية ذلك. أخاف على نفسي كثيرًا من شهوات الدنيا. أنا أتمنى أن أحس بحلاوة الإيمان، ولكنني أحس بها أحيانًا لثوانٍ وما تلبث أن تختفي، لا أعرف إن كنت فتاة طيبة أم لا؟ وإن كان الله راضيا عني هل يغضب مني الله عندما أفكر بهذا الشاب أو عندما أفكر بالجنس هل هذا حرام؟ أرجو منكم أن تقولوا لي كيف لي أن أكون فتاة طيبة وأحس بحلاوة الأيمان؟
وأريد أن أسأل هل العادة السرية حرام أم لا؟ وأيضًا عندما يريد أحد أن يعمل عملية استشهادية هل يجب أن يفكر بأهله؟ وماذا سيحصل لهم أم يجب أن يقوم بها من دون أن يفكر بذلك؛ لأنه لو فكّر كل من يريد أن يعمل عملية بذلك لما تقدم أحد ليستشهد ولذهب وطننا؟ أرجو أن تساعدوني وتقدموا لي النصيحة. ... المشكلة
د .ليلي أحمد الأحدب ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الابنة الكريمة.. أهلاً وسهلاً بك،
وعلى كل حال فأهنئك أنك استطعت قطع علاقتك به؛ لأن العلاقة بين الجنسين إذا كانت سرية فيندر أن تؤدي إلى خير؛ ولذلك فإن علاقات الصداقة بين الجنسين مرفوضة شرعًا -وهي غير الزمالة المفروضة في المدرسة أو العمل- إلا إذا دخلت تحت مسمى الأخوة في الله، وعندها لا تكون كذلك إلا إذا كانت علنية ولها ضوابطها المعروفة، سواء كانت على الإنترنت أو في الواقع، ويساعدك أن تراجعي هذه الفتاوى:
- المحادثة بين الجنسين على الإنترنت
- المراسلة بين الجنسين بالبريد الإلكتروني
كما يساعدك أن تطلعي وباستمرار على صفحة(مشاكل وحلول الشباب ) حيث تأتينا مشاكل مشابهة وحلولها وإن كانت مختلفة حسب حال السائل، لكن ستلاحظين أن العواقب السيئة أكبر بكثير من العواقب الحسنة وكأمثلة على ذلك:
- إنقاذ ضحايا الشات
- المظلوم الأبدي في زمن العجائب
- الفارس الإلكتروني.. هل هو خاطب ليل؟
والسبب يا ابنتي الكريمة أنه كما قال عليه الصلاة والسلام: "إن الحلال بيّن وإن الحرام بيِّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه" (متفق عليه)، وفي حديث آخر: "الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس"، وهنا يمكنني طمأنتك أنك بإذن الله تعالى فتاة طيبة ومؤمنة وتقية؛ لأنك جاهدت نفسك عن الوقوع في المعصية التي تؤدي إليها هذه الشبهة، وهي محادثة ذلك الشاب على الإنترنت، والحمد لله أنه كان متفهمًا وتقيًّا أيضًا فابتعد عما يوقعكما في الإثم.
بالنسبة للجزء الأول من مشكلتك وهو شعورك بالضعف في شخصيتك، فهذا يتطابق مع المرحلة العمرية التي تمرين بها، حيث تنمو الانفعالات والعواطف والغرائز بشكل أسرع من النمو العقلي؛ ولذلك تشعرين بعدم الاستقرار والتوازن، ففي هذه المرحلة تحدث تقلبات شاملة وعميقة نتيجة تأثير هرمونات البلوغ في وجود الإنسان، ولكن نتيجة ليقظة الرغبات والأمنيات في هذه السن تظهر حساسية في المشاعر تتحكم بالنشاطات والفعاليات النفسية حتى لدى ذوي الطبائع الفعالة والجدية.
ويتيقظ العقل أيضًا لكن لا يتوازى نموه مع النمو الجسدي والانفعالي؛ لذلك فإنك تجدين بعض تصرفاتك غير متوازنة تمامًا ولا تحكمها الإرادة القوية دائمًا؛ مع ذلك فإن هذا مما يسهل تحصيله بالثبات على الإيمان والمثابرة على حثّ النفس على الخير ومراقبتها لئلا تقع في الشر.
وكذلك يجب ألا نقتنع كثيرًا بما يقال عن سن المراهقة، فهي لم تكن موجودة في المجتمعات البدائية، حيث كان الفتى والفتاة يتزوجان بمجرد البلوغ فيشعران بالمسؤولية، ولا في المجتمعات الإسلامية المتوازنة، وإنما أتتنا بفعل معاول التخريب بتأثير الثقافات الغربية التي تضافرت مع الجهل حتى أصبح أغلب الناس يتقبلون فكرة أن فترة المراهقة هي فترة التمرد والطيش وعدم الاستقرار، وهذا صحيح في بيئة منحرفة عن فطرة الله تعالى، أما إسلاميًّا ففترة المراهقة هي فترة حماسة و حيوية ونشاط، وفترة بناء واستيقاظ وهمة، وفترة فهم وتوسع في المعرفة والعلم والمدارك، فاعملي أن تستغلي هذه الطاقات التي لديك.
ويمكنك مراجعة مشكلة: أخشى من حبي للشهوات .
ونصائحي للسائل في هذه المشكلة هي نصائحي إليك بأن تضعي لنفسك برنامجًا للعبادات وتثابري عليه، وكذلك أن يكون لك صحبة صالحة تساعدك وتذكرك؛ فالمؤمن بالمؤمن يقوى، وحلاوة الإيمان هي ثمرة لبذرة إذا أحسنت سقايتها ورعايتها وتعهدها لا بد أن تنالي نتيجتها، ولا تكون إلا بترك المعاصي ظاهرًا وباطنًا، فخيالات الحب والجنس ليست محرمة إلا إذا أدت إلى محرم؛ لأنه من رحمة الله بنا أن الله لا يحاسبنا إلا على ما كسبت أيدينا أو تناولته ألسنتنا، كما قال عليه الصلاة والسلام: " إن الله تجاوز لأمتي عما توسوس به صدورهم ما لم تعمل أو تتكلم به وما استكرهوا عليه " ، ولكن في نفس الوقت هذه الخيالات يمكن أن نعتبرها معاصي باطنة؛ لأنها تجعل علانية المرء خير من ظاهره، والمؤمن هو من يدع الإثم ظاهرًا وباطنًا كما قال الله تعالى: "وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ"، وبالتالي هي تمنع حلاوة الإيمان التي تسألين عنها والتي فصلت عنها في إجابتي:
- كل ابن آدم خطاء.. وخير الخطائين التوابون
وأكتب لك هذا القول القيم لابن القيم رحمه الله:
"دافِع الخطرة فإن لم تفعل صارت شهوة، فحاربها فإن لم تفعل صارت عزيمة وهمة، فإن لم تدافعها صارت فعلاً، فإن لم تتداركه بضده صار عادة فيصعب عليك الانتقال عنها، واعلم أن مبدأ كل علم اختياري هو الخواطر والأفكار، فإنها توجب التصورات والتصورات تدعو إلى الإرادات، والإرادات تقتضي وقوع الفعل وكثرة تكراره تعطي العادة فصلاح هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار وفسادها بفسادها، واعلم أنَّ الخطرات والوساوس تؤدي متعلقاتها إلى الفكر فيؤديها إلى التذكر، فيأخذها التذكر فيؤديها إلى الإرادة فتؤديها إلى الجوارح والعمل فتستحكم فتصير عادة فرَدُّها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوتها وتمامها".
لذلك فمن الأفضل أن تبتعدي عن هذه الخيالات وكذلك عن العادة السرية التي هي وإن لم تكن بحرمة الزنى، لكنها تتنافى مع الحياء من الله سبحانه؛ إذ نخون الأمانات التي أنعم بها علينا، وغريزة الفتاة مهما كانت قوية لكنها تضبط بالحياء الذي هو فطرة في الأنثى أكثر من الذكر، ولم يحرم الفقهاء العادة السرية لمن يفعلها بحكم الغريزة القوية إذا أوقفت الشاب على باب الزنا، أما إذا كان من يفعلها هو الذي يستجلب الشهوة لنفسه فهي حرام قطعًا؛ ولذلك فإذا امتنعت عن المثيرات الغريزية وقويت مراقبة الله تعالى في نفسك، وإذا علمت أن الغريزة الجنسية خلقها الله سبحانه فينا لتكون كالنهر الذي يتدفق في الأرض القاحلة فيخصبها، لكنه إذا لم يوضع له السدود فهو يحدث طوفانات تهلك الحرث والنسل، ومن هنا وضع الشرع ضوابط لهذه الغريزة ولم يسمح بإخراجها كل على هواه، وفي نفس الوقت لم يكبتها وإنما حدّد ممارستها في إطار الزواج. وهنا يمكنك الرجوع إلى:
- لن أتزوج.. مخاوف الغشاء والعادة
- حائرات.. بين نار الرغبة وتأنيب الضمير
سؤالك الأخير عن العمليات الاستشهادية وهو الذي جعل دمعة كبيرة تترقرق في عينيَّ، إذ وحده سؤالك هذا يبين لي كم أنت فتاة صالحة، وكم أنت فتاة مؤمنة؛ لأن حب الوطن من الإيمان، فبورك قلبك النبيل يا ابنتي؛ ولكن حبنا لوطننا هو عاطفة ويجب ألا تمنعنا من النظر إلى الأمور بعقل وحكمة، فأول شيء هنا يجب أن نؤكد أن الدفاع عن الوطن تجاه المحتل هو فرض عين على الجميع، ولكن أوجه الجهاد لم تَعُد واضحة تمامًا، خاصة مع اختلاف آراء المناضلين الفعليين وآراء المتحكمين بالقرار النهائي في الشعوب؛ لذلك فالموضوع يجب أن يكون محاطًا بالكتمان تمامًا، وبالتالي يجب ألا يدور الحديث عنه إلا ضمن أضيق دائرة كالمخطط والمنفذ، فكيف يمكن لمن عزم أن يقدم نفسه فداء لوطنه لتحريره من أعداء الله أن يُعلِم أحدًا من أهله؟ هذا غير ممكن طبعًا.
كما يجب أن نعرف أن العمليات الاستشهادية هي ليست فرض عين إلا على القادر على القيام بها، ويجب أن يتحلى بصفات قوية أولها قوة الإرادة، وثبات الجأش، وفعالية الإيمان، وإخلاص النية لله عز وجل، وهذه توجد لدى بعض الرجال كما توجد وبشكل أقل عند بعض النساء، خاصة أن المرأة يغلب عليها الخوف؛ لذلك لم يفرض عليها الله الجهاد إلا في حالة مهاجمة البلد من قِبل عدو غاصب كما في حالتكم، وما تخلى قوم عن الجهاد إلا ضربهم الله بالذل كما قال أبو بكر -رضي الله عنه-، والذل الذي تعيش فيه الأمة ما بعده ذل، ولن يخرجنا منه إلا التمسك بحبل الله المتين، وتغلغل الروح الفدائية فينا وليس حب الشهوات واتباع المغريات.
لذلك فرأي الأهل لا يكون بأخذه بشكل مباشر، إنما يكفي أن يجس الشاب نبض والده ووالدته إذا كانا موافقين أم لا، وبالطبع إذا كان إيمانهما قويًّا بالله فلن يواجه أي مشكلة، بل على العكس سوف يشجعونه على ذلك، أما إذا كان أحد الوالدين ممانعًا فلا أنصح بالقيام بالعملية، وقد بينت رأيي في مشاركتي:
- دعوة المستشارة الأم.. حي على الجهاد - مشاركة
ويمكن أن أضيف هنا رأيي الخاص بأن العمليات الاستشهادية يجب أن يقوم بها الشباب إلا إذا مُنعوا كليًّا من ذلك، ولم يبقَ إلا الفتيات فهنا يفترض على الفتاة المؤمنة القادرة أن تقوم بذلك، وسبب رأيي هذا أننا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن المرأة هي المنجبة، فرجل واحد قادر على أن يتزوج أربع نساء وينجبن، لكن قلة النساء مشكلة؛ لأنه يؤدي إلى قلة عدد الجيل القادم، ونحن نفتخر بأن المرأة الفلسطينية هي الأقدر على التوالد والإنجاب، وهي كذلك الأقدر على تربية أولادها على العزة والكرامة؛ ولذلك إذا لم يكن طريق الشهادة مفتوحًا أمام المرأة كما هو أمام الرجل، فيمكنها أن تكون شهيدة بحياتها، وثباتها على إيمانها، وحسن إسلامها، وتربيتها لأولادها على الكرامة، وأول الكرامة هي كرامة النفس التي لا تكون إلا باجتناب المعصية، فرحم الله من قال: (من كرمت عليه نفسه لم يهنها بالمعصية)،
ــــــــــــــــــــ(41/339)
في الخامسة عشر.. يبحث عن عروس
مع الجنس الآخر, معوقات الاختيار
بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد..
مشكلتي أنني أريد الزواج، أنا أعرف أن هذه المشكلة هي مشكلة كل الشباب، ولكن أنا أزيد عنهم؛ فأنا الآن لا يمر علي يوم واحد إلا وأفكر بالزواج، وعندما يأتي الليل وأذهب إلى فراشي لأنام لا أرى زوجتي بجانبي، وأتذكر أنني لم أتزوج أصلا، وأحزن وأعاني.
صدقوني لقد مرت شهور على هذا الحال والأمر لم يتغير، أنا أتمنى الزواج الآن أو على الأقل أن أملك فتاة، والزواج فيما بعد، ولكن أعلم أن أبي لن يوافق؛ لأني صغير، عمري 15 عاما، وكذلك لا أعتقد أن هناك فتاة ستوافق، ولكن لدي فكرة أن أملك فتاة الآن، ويعيش كل منا في بيته، ولكن أراها كل أسبوع، ويكون الزواج بعد سنوات، ولكن الأمر أيضا صعب، ولا أعتقد أن أحدا سيوافق، ولكن أنا لا أستطيع الانتظار أكثر من ذلك، أرجوكم أخبروني بالحل.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
نحن نشكر إحساسك المرهف الرافض إلا أن يصرف شهوته في الحلال.. ولما كان الحلال في الزواج والارتباط.. فإنك تفكر فيه وتحلم به، ولكنك ترى الواقع على غير ما ترجو وتصبو؛ فتبعث حائرًا.. والمشكلة قديمة منذ وجد شباب لا يستطيعون الباءة؛ سواء لأن سنهم لا تسمح، أو لأن ظروف تعليمهم وقيامهم بواجبات الزواج المادية لا تسمح، أو لأمور كثيرة تجعل هناك دائمًا فاصلاً زمنيًّا ما بين بداية شعور الشباب بالرغبة في الزواج وقدرتهم عليه. وبقي الحل دائمًا هو أن يفرغ الشباب هذه الطاقة في أمور مفيدة في حياته من علم ودراسة وهواية ورياضة وسياحة في إطار من صحبة الخير، ويغلق على نفسه كل المثيرات؛ فيغض البصر، ولا يطلق لنفسه العنان بين مواقع الإنترنت الإباحية أو الأفلام الجنسية، ويحفظ العقل وما حوى من خيالات أو أفكار، ويشغل نفسه بالمهم من الأمور، ويتذكر أنه كلما أمعن في العفاف وفي طلب الحلال فإنه عندما يكون الوقت مناسبًا سيكون حقًا على الله أن يعينه..
اجعل لنفسك صحبة من الأخيار، واشغل وقتك بكل ما هو مفيد، وابتعد عن كل ما هو مثير، وارسم مستقبلك بحيث تسرع في الزواج، وستجد العون من الله في كل هذه الأمور.
لم تشكُ في رسالتك من استمناء أو مطالعة مواقع جنسية، ولكن ربما يكون البرنامج الذي قدمناه في حلنا "المواقع الساخنة.. الاستمناء .. وداعاً للإدمان" مساعدًا لك على شغل أوقات فراغك بصورة عامة.
ونحن معك، وأصدقاء لك كلما احتجتنا أو شعرت بالرغبة في من تناجيه، وتبث له شكواك، ستجدنا بإذن الله.
ــــــــــــــــــــ(41/340)
التأقلم على حياة الجامعة.. كسر الانطواء أولا
هموم الدراسة, مع المجتمع
إني أحس دائما أني معقدة، دخلت كلية التجارة بعد مقارنة بينها وبين الحقوق والآداب ومشورة أناس كثيرين، والتقيت ثلاثة أصدقاء من الثانوية العامة، لكنني أريد أن أتعرف على أصدقاء غيرهم، لكن أنا بطبعي من الصعب أن أتعرف على أحد.
كما أني أحس بتردد؛ حتى إني لا أسأل أحدًا عن شيء حتى المحاضرات، أو أي شيء داخل الجامعة، وحتى الأنشطة أود أشترك فيها، ولكن لا أعرف، بمعنى آخر لا أعرف كيف أتأقلم مع حياه الجامعة، لدرجة أني ليس لي أصدقاء فيها.
... المشكلة
د.إيهاب خليفة ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت السائلة أماني، المرحلة الجامعية تختلف عن المرحلة المدرسية كثيرا؛ ولذا كان من المتوقع أن يكون الانتقال إليها مصحوبا ببعض الاضطراب.. والجامعة ليست كما يعتقد البعض مكانا للتعليم فقط، إنما هي لها معنى أوسع وأشمل؛ فهي تُعنى بتربية الكوادر والقيادات التي من المفروض أنها ستحتل بعد قليل أماكن هامة من المجتمع.
ولذا كان من المهم أن يتخرج الطالب والطالبة في الجامعة وهو مصقول الشخصية وقادر على تحمُّل المسئولية، ومواجهة العقبات التي تعترضه بجانب كفاءته وبروزه في تخصصه العلمي.
فأنت تحتاجين أولا إلى كسر مسألة الخجل والانطواء وتوسيع دائرة التعارف مع الآخرين، وهذا الأمر يتحقق بشيء من الصبر والتدريب، وهذا مهم أيضا من أجل الحصول على المعلومات والمصادر المفيدة في الاستذكار.
ومن المهم أيضا ممارسة أنشطة وهوايات غير الدراسة يكتسب الإنسان من خلالها صفات هامة، مثل القدرة على تحمل المسئولية، ومواجهة العقبات والإحباطات، والتعامل مع الآخرين، واكتساب صداقتهم. وتحمل مسئولية النجاح والفشل عند إقامة هذه الأنشطة وتوسيع دائرة التعارف ينبغي أن يصاحبه انتقاء مجموعة من الفتيات ذوات الخلق والسلوك الحسن يكنَّ لك خير صحبة.
ينبغي أيضا أن تهتمي بالتعارف على من هن في سنين أكبر منك وتتوسمين فيهن الخير والقدوة حتى يعطينك من خبرتهن في الحياة الجامعية؛ فهذا أمر بالغ الأهمية.
الأخت الكريمة، لقد زاد من قلقك واضطرابك وجودك في هذه الفترة العمرية غير المستقرة التي تنتقلين فيها من مرحلة الاعتماد على الغير إلى مرحلة النضوج وتحمل المسئولية ومواجهة صعوبات الحياة.
وأدعوكى بتصفح بعض الإستشارات التى تخص حدود العلاقة والصداقة على صفحتنا:
ماذا أفعل لتكوين الأصدقاء
قضبان الأفكار.. الصداقة أنواع وألوان
وأخيرا.. أقول لك يا أختي الكريمة: ادعي الله تعالى أن يرزقك الصحبة الصالحة، واجتهدي أن تصلي إليها؛ فهي خير معين على تجاوز هذه المرحلة، والتأقلم على هذه الحياة الجديدة. وأهلا بك صديقة لهذا الباب، وتابعينا بأخبارك.
ــــــــــــــــــــ(41/341)
هو لا ينام.. فهل تنامي أنت؟؟
مع الجنس الآخر
بسم الله الرحمن الرحيم.. السلام عليكم ورحمة الله، أما بعد..
لكم شكري وتقديري على خدماتكم وعلى سماعكم مشاكل أبناء وبنات هذه الأمة.. أنا فتاة عمري 14 سنة، بدأت مشكلتي منذ 5 أشهر ونصف، كنت في مدرسة (في بلد آخر غير بلدي).. مدارسنا كانت مختلطة، ولكني كنت ملتزمة بالحجاب وبتعاليم الدين، وكذا بقية الفتيات في المدرسة. وعمومًا كان كل من في المدرسة لديه دين وأخلاق ومن عائلة معروفة.. الشاهد أنه كان معي شاب في صفي، وكنا دائمًا نتنافس على المركز الأول، وكنت أنا من يحصل على المركز دائمًا وبيننا قضايا، ولكن لا أراه إلا في المدرسة.
وبعد ذلك بفترة صارحني بحبه، مع أني كنت أضمر ذلك في نفسي، وكنا سنسافر بعد ذلك اليوم ببضعة أسابيع.. فأعلمته بحبي له، وكان كلما سمع بسفري كاد يبكي، ولم أهدِ له نفسي هكذا، بل مرّ في امتحانات وقاسى مني ما قاساه حتى أتأكد من أنه يحبني، وحاولت قطع علاقتي به، لكن لا جدوى.. لم أستطع، وكأنه يطبق "لا تطلب من المرأة أن تحبك.. اجعلها تحبك". وبعد السفر كان لدي عنوانه، وأصبحت أراسله، ولا يدري أحد من أهلي بذلك -فقط صديقتي-.. كنت أنصحه، لكنني لم أستطع أن أتجاهله، وأحاول أن أبتعد عن "الماسنجر" حتى ابتعدت عنه فعلاً، وفي الإجازة انشغلت وانتقلنا إلى بيت جديد، وظل فترة لم يرسل لي رسالة، وأنا أحيانًا لا أنام من قلقي.. كنت لا أسمع أخباره، بل لا أدري أهو حي أم ميت؟ مريض أم معافى؟
وعندما دخلت على بريدي رأيت منه رسالة "اشتقت لك" فقط، وبعدها في البيت بعد أيام أتاني أبي وأمي، وكنت أخاف أن يعرفا، فقالا لي: إنهما علما واستغربا ذلك مني؛ لأني ملتزمة بديني، وكنت دائمًا أبحث في الفتاوى، وأحاول أن أجد أن علاقتنا بالإنترنت فقط حلال، لكني بقيت محتارة، وحاولت أن أتوقف بالذات؛ لأنه من بلد غير بلدي، لكني كثيرًا ما أشعر أن حبنا حقيقي وغير مزيف.. بعدما قال لي والداي بعلمهما بعلاقتي معه واستغربا، وأمرتني أمي بأن أرسل إليه رسالة لنوقف العلاقة، لكني لم أرسلها بعد، وقد مر أكثر من شهر وهو لا يرسل لي.
لا أستطيع أن أنساه لحظة كما كان يقول لي "سأتزوجك عندما أكبر"، ولم أكرهه أبدًا بل ما زلت أحبه، وقد ملك قلبي.. كثيرا ما أكون عصبية، وأشعر بحاجتي إلى البكاء.
آسفة لطول الاستشارة.. أرجوكم أرشدوني ماذا أفعل؟ وهل خطأ ما كنت أفعله مع أني أحببته لأنه ملتزم بدينه؟ أنا محتارة جدًّا، والكل يقول: "منذ أتيت هنا من ذلك البلد وأنت فقط هيكلك هو الموجود، أما عقلك فليس معنا أبدًا".. فماذا أفعل؟ لا أستطيع أن أنساه، وماذا أقول له؟ مسكين.. أعلم جيدًا إن قلت له عن قطع العلاقة فلن ينام؛ لأن صديقتي كانت تحكي لي أنه كان يحبني لدرجة أن صورتي لا تفارق يديه، وفي نهاية الدوام يطل عليّ من الشباك عندما أركب السيارة!! وأحاول ألا أسمع الأغاني وأعود كما كنت، مع أني فعلا لا أضع أغنية بنفسي، لكن إذا وضعتها لي أختي أو أي إنسان آخر وأنا موجودة فأسمعها وتؤثر كلمات بعض الأغاني فيَّ لدرجة أني أخرج كي لا يرى أحد دموعي.. جزاكم الله خيرا، والسلام مسك الختام.
... المشكلة
د .ليلي أحمد الأحدب ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أسعدتني رسالتك كثيرا يا ابنتي الحبيبة؛ وذلك لما تحمله من صدق وبراءة، ولما يتضح فيها من خوف وخشية من الله سبحانه وتعالى، وأجمل ما في رسالتك هو سمو العاطفة التي رافقت علاقتك بهذا الشاب. ولو أنك كنت تتابعين صفحة "مشاكل وحلول الشباب" لوجدت أنني بينت في كثير من الردود على المشاكل العاطفية أن الإسلام لا يحكم على المشاعر، ولكن يحكم على الانحرافات التي تؤدي إليها هذه المشاعر.. فالإسلام يعترف بالميل الفطري بين الجنسين، لكن يهذب هذا الميل بالزواج، ولذلك فإن العلاقة بين الشاب والفتاة سواء كانت حبًّا أو إعجابًا ليس لها حل إلا بالزواج، ولكن كما يبدو من بياناتك يا حبيبتي أنك صغيرة على الزواج أنت وهذا الفتى الذي أحببتِه، فهل حقا ستنتظرينه مدة 10 سنوات على الأقل؟ هل أنت متأكدة أنه سيبقى وفيًّا لعهدك كما أنت وفية له؟
القلوب تتقلب، وما سُمي القلب قلبًا إلا لتقلبه، ومشاكل الحياة وتجاربها تجعل كلا منا يأخذ مسارا مختلفا، حسب المصالح، سواء كانت مصالح فردية أو أسرية أو اجتماعية، والبشر ليسوا حديدا أو خشبا أو كمبيوترات بحيث تكون استجابتهم للمؤثرات متشابهة، بل إن تأثير الوقائع يختلف باختلاف الأشخاص ومدى مرونتهم وتقبلهم لحوادث الحياة؛ لذلك فأول شيء يجب أن تقتنعي به هو أن وجود الإخلاص في حبكما سواء من طرفك أو طرفه ليس شيئًا محتمًا، وهذا يستدعي أن تقللي من تعلقك به.
الشيء الثاني هو أن غيابه عنك غير مفهوم، فأنت ابتعدت عن الماسينجر، وانشغلت بسبب الانتقال من بيت إلى آخر، لكن ما هو مبرر غيابه عنك؟ وهل تكفي كلمة "اشتقت لك" في الشهر مرة كدليل على حبه لك؟
ما أريد أن أقوله لك يا حبيبتي وأود أن تفهميه جيدا رغم صغر سنك هو أن الحب عند الرجل أخْذ وانتزاع أما عند المرأة فهو منح وعطاء؛ لذلك فقلبك هذا الذي أحب هو نبع متدفق من العواطف يجب ألا تدعيه يجري كيفما يشاء.. بل يجب أن تحكمي عواطفك بعقلك، ولا تمنحيها إلا لمن يستحقها، وقد يستحقها هذا الشاب فعلا، لكن هل لديك دليل آخر سوى أنه كان يضع صورتك أمامه، وينظر إليك من شباك السيارة؟
يا حبيبتي، الحب رغم أنه شعور سامٍ فإن مشكلته كما قال رسولنا -عليه الصلاة والسلام-: "حبك الشيء يعمي ويصم"، وحب المراهقة ليس له طابع الاستمرار ولا الاستقرار، فقد تنكشف لك عيوب من تحبينه مع دخولك في سن النضج، ولذلك فكثيرا ما ينتهي زواج الحب بالفشل بمجرد أن تظهر مسؤوليات الزواج؛ ففترة المراهقة تتسم بالعواطف الملتهبة، وقد يضاف إليها الغرائز المشتعلة، خاصة في زماننا هذا الذي شُوه فيه الحب بسبب الخلط بين الحب والجنس؛ نتيجة للأفلام الإباحية والمسلسلات الساقطة وبعض الأغاني الهابطة.. فهل هناك ما يؤكد لك أن علاقتكما ستبقى حبا ساميا ولن تهبط بكما الغرائز لتخرجكما من جنة الحب حتى لو كانت علاقتكما مجرد كلام على الماسينجر؟
أذكرك بقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: "العين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها السماع، واللسان يزني وزناه الكلام".. فهل يمكن الوقوف في الحب عند مرحلة المشاعر لمدة سنوات طويلة؟
أنت عاطفية جدا وحنونة جدا، والأنثى ليست جميلة إلا هكذا.. فسلاح المرأة هو الحب، لكن الأنثى تخطئ كثيرا إذا منحت هذا الحب لمن لا يستحقه، ولا يستحقه فعلا إلا من أثبت حبه لها بأن يحافظ عليها من نفسه كما يحافظ عليها من غيره، ويسعى بأن يبني مستقبله بشكل يستطيع أن يؤمِّن لحبيبته الحياة الكريمة في عش الزوجية.. فهل هذا ممكن في علاقتكما رغم صغر سنكما، وخاصة أنك من بلد وهو من بلد آخر؟
أنت يا حبيبتي مسكينة أيضا لأنك تتعبين قلبك، وتقولين عن هذا الشاب: "إنه لن ينام إذا قلت له عن قطع العلاقة".. فهل تستطيعين أنت أن تنامي إذا حاولت قطعها؟
أريدك أن تكوني قوية، وأن تحاولي قطع علاقتك أنت به كما طلب والداك منك، وأن تنسيه كلية، وليس من سبيل لذلك إلا بأن تشغلي نفسك بكل شيء نافع لك ولمجتمعك بحيث لا تجدين وقتا للتفكير به، فالعقل البشري لا يمكن أن يُشغل بشيئين في نفس الوقت، والجئي إلى الله سبحانه كي يعينك على نسيانه
ــــــــــــــــــــ(41/342)
اكتشفي نفسك.. حددي رسالتك
مع النفس
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا فتاة في التاسعة عشرة من عمري، طالبة بكلية الهندسة في جامعة مختلطة، أشعر أنني ضائعة، وكل ما أتمنى معرفته هو كيف أحيا بإسلامي؟ أنا غير قادرة على فعل ذلك بتاتا، أنا ما قدمت شيئا لديني، أخشى أن أُقبض وأنا في هذه الحالة من الضياع والغفلة، لا أدري كيف أحيا؟ ساعدوني.. الدنيا أصبحت في منتهى الصعوبة، الناس ضائعون، لا أجد من هم على الخير أعوانا، بل هناك الكثير منهم، ولكن لا أدري؟ أنا في حالة يرثى لها، أفكر في الذهاب إلى طبيب أمراض نفسية، ولكني متأكدة أنه لن ينفعني، أنا شخصية متناقضة ليس لي اتجاه محدد، أقول شيئا وأفعل شيئا، وفي قلبي أشياء أخرى، أشعر بالذنب، وأشعر بالرضا، أتمنى أن أعيش وحدي فلا أرى أحدا، أتمنى أن أخرس وأعمى وأشل فلا أتكلم أو أرى أو أتحرك، وعلى الرغم من ذلك فإني أحب فضول الحديث، وكثرة الحركة، إنني عالة على المجتمع، لا أقدم خيرا، بل أسبب فساده؛ لأن فساد فرد يفسد المجتمع، وأنا فاسدة، أنا على وشك أن يذهب عقلي، بل وأتمنى أن يحدث ذلك حتى يرفع عني القلم فلا أحاسب!
أنا لا أريد أن أحيا، ولولا أنه ينبغي على أن أدعو الله أن يبلغني رمضان لدعوت الله أن يميتني إن كان في الموت خير لي، الناس تُتخطف من حولي، يموتون في فلسطين والشيشان، وفي كل بلاد المسلمين، وأنا هنا أعاني من أمراض الرفاهية مرضا نفسيا، لا حول ولا قوة إلا بالله، أنا لا أدري ماذا علي أن أقول؟ وماذا علي أن أفعل؟
أعلم أن القرآن منهج الحياة، أحبه كثيرا، ولكن نادرا ما أقرؤه، ولكني كثيرا ما أستمع، بل دائما ما أفعل، أحب الله لحظة سماعي درسا ما أو آية ما، ولكن هذا لا يظهر في حياتي، أنا لا أدري ما الذي على فعله، أريد المساعدة، أنا أعلم أن الهدى من الله، ولكنني بالفعل لا أدري ماذا أفعل؟ فلذا أنا أسأل أهل الذكر، ساعدوني بالله عليكم، أنا متعبة، أخبروني كيف أحيا بالإسلام؟ جزاكم الله خيرا.
... المشكلة
أ.د. سحر طلعت ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... ابنتي الحبيبة:
كلماتك أعادتني سنوات للوراء عندما كنا في مثل سنك، وكنا نشعر بنفس المشاعر ونفس الأفكار، مشاعر غضة بريئة وأفكار تخلو إلى حد كبير من العمق والتدقيق، ولكن قد يكون من المفيد أن تدركي أن ما تعانينه من مشاعر الغضب ورفض الذات يعتبر من سمات وطبيعة المرحلة التي تمرين بها، حيث يطمح الشباب في سنوات المراهقة إلى المثالية، ويتصورون واهمين أن من حولهم من البشر ملائكة تمشي على الأرض، ويشعرون أنهم أسوأ خلق الله أو كأن المعاصي قد خلقت لهم ليرتكبوها، وهذا التصور للأسف الشديد يدفعهم لاحتقار أنفسهم، ويكون مدخلا من مداخل الشيطان الذي يتربص بابن آدم ليورده المهالك، وذلك بأن يقنطه من رحمة الله ضامنا بذلك أن يستمر في طريق المعصية والغواية... ولكن لو أدركنا حبيبتي أن الله سبحانه الرحمن الرحيم أرحم بنا من الأم بوليدها، وأنه سبحانه يفرح بتوبة عباده بأكثر مما يفرح من وجد ناقته وعليها طعامه وشرابه بعد أن فقدها في صحراء مقفرة وأيقن بالهلاك.. "لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاه".. ولو أدركنا أن "الإيمان يزيد وينقص" كما علمنا رسولنا وقدوتنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم.. ولو تدبرنا في رده على أحد الصحابة عندما شكا له أنهم يكونون عنده صلى الله عليه وسلم على حال ثم ينشغلون بعد ذلك بالأهل والأموال، فكان رد الحبيب المصطفي الذي يدرك جيدا طبيعة النفس البشرية: "لو ظللتم على الحال التي تكونون فيها معي لصافحتكم الملائكة وأنت تسيرون في الطرقات".. لو أدركنا هذا كله وتدبرناه لما سمحنا للشيطان أن يتمكن منا وأن يكون له سلطان علينا.
فهوني عليك يا بنيتي الحبيبة، ولا تتمني الموت أو زوال أي نعمة من نعم الله عليك، وتعلمي أن تشكري الله على نعمة الحياة والعقل والجوارح بتسخير هذه النعم في طاعته كلما مرت عليك هذه الهواجس، وسارعي بالتوبة كلما أتيت ذنبا، وحددي بدقة عيوبك الشخصية، (ومن منا لا يخلو من عيوب) مع وضع خطة للتخلص من هذه العيوب تباعا وحسب ترتيب الأولويات.
وفي هذا قد يفيدك مراجعة الطبيب النفسي، حيث يمكنه مساعدتك في تحديد العيوب ووضع خطة وخطوات للتخلص من هذه العيوب. واللجوء للطبيب النفسي لا يعتبر ترفا يستحق أن تلومي نفسك عليه؛ لأن المشاكل النفسية يمكنها أن تعيق من يعاني منها بأكثر مما يعيقه المرض الجسدي، كما تساعد هذه المشاكل على ظهور أعراض جسمانية (ما يعرف بالأعراض النفسجسمية) وكذلك تعمل على إظهار الكثير من الأمراض الجسمانية لمن تتوافر عندهم القابلية للإصابة (مثل ارتفاع ضغط الدم والسكر وأمراض القلب).
ونأتي للشق الثاني من سؤالك وهو: كيف أحيا بإسلامي؟
وهو سؤال أعتقد أن الإجابة عليه شبه مستحيلة في هذه العجالة؛ لأنه سؤال يلخص الغاية من خلق الإنسان، ولكن سأحاول معك أن نرسم معالم وخطوط الطريق، ولتكن البداية من البداية، منذ خلق آدم عليه السلام: حينما أخبر الله سبحانه ملائكته بهذا الأمر قائلا: {إني جاعل في الأرض خليفة}، ومعنى الاستخلاف أن يقوم المرء برعاية وإصلاح ما استخلف عليه.
ومثال ذلك: لو تركت لك مالي واستخلفتك عليه فإن واجبك أن تحفظي الأمانة وأن تراعيها وتمنعيها من اللصوص والمفسدين وأن تسلكي كل السبل الممكنة لتنمية هذا المال.. وبتطبيق هذا المعنى نجد أن الله سبحانه خلقنا وخلق لنا هذا الكون وسخر لنا كل ما فيه من كائنات حية وجمادات لتعيننا على أداء هذه الوظيفة، وبذلك أصبحنا مسئولين عن الحفاظ على هذا الكون، وتنمية وتجميل كل ما فيه؛ بدءا من أصغر المخلوقات ومرورا بأجسامنا وعقولنا وقلوبنا وبالمحيطين بنا من بني آدم من الأهل والأصدقاء والجيران وغيرهم من الإخوة في الدين والإخوة في الوطن والإخوة في الإنسانية، وكذلك مرورا بالأرض كتربة وكماء وهواء، وبما حولنا من أجرام ومجرات.
وهدفنا في كل حركة من حركاتنا هو تحقيق ونشر معاني ومبادئ العدل والسلام والحب والحرية والكرامة والجمال وغير ذلك من القيم النبيلة التي حث عليها ديننا.
وعلينا في سبيل ذلك أن نسعى لتشخيص مواطن العلل والأدواء، وأن نتعرف على الأعراض، وأن نكتسب العلوم والمعارف والخبرات اللازمة لتحقيق هذه الغايات، والتخصص في مجال ما حسب قدرات الفرد وإمكاناته وهواياته لازم وضروري؛ لأن مواطن الخلل كثيرة والجهد البشري محدود، وكل ميسر لما خلق له، فقد يختار أحدهم أن ينشط في مجال التعليم أو الصحة أو حل المشكلات الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية المختلفة أو في مجال المحافظة على البيئة أو الرفق بالحيوان أو غير ذلك من الأنشطة التي تحفظ هذا الكون وتجمل وجهه وترسم البسمة على شفاه قاطنيه.
ولأننا كبشر خلقنا من طين الأرض ثم ارتفعنا وارتقينا بنفخة من روح الله، ولأن قوتنا مهما بلغت، وعلمنا مهما عظم محدود ولا يمثل إلا أقل من قطرة من محيط قوة الله وعلمه، ولأننا لن نؤجر إلا إذا صلحت النوايا؛ فقد شرع الله لنا العبادات من فرائض ونوافل لنتواصل مع مصدر القوة والطاقة، وكأننا نجدد شحن أرواحنا بشحنات من الإخلاص والقوة.
وتصور أن الإسلام ما هو إلا عبادات تؤدى وآيات تتلى وكلمات تحفظ بدون أن ينعكس هذا على حياة المرء وتعاملاته، وبدون أن يفيض هذا على الكون حوله.. لهو تصور قاصر وفهم مغلوط ما أنزل الله به من سلطان.
فمتى ندرك هذا ونقتدي بصحابة المصطفى صلى الله عليه وسلم الذين وصفوا بأنهم كانوا رهبانا بالليل فرسانا بالنهار؟ ولا يقتصر مفهوم الفارس على الفارس المحارب بالسلاح في ميدان القتال، ولكنه الفارس المحارب بكل الوسائل وفي كل مناحي الحياة.
ومتى نقتفي ونتلمس آثار أجدادنا ممن جابوا دروب الدنيا برا وبحرا، تعلموا العلم وعملوا به وأبدعوا في كل مجالات الحياة؟
ابنتي الحبيبة:
هل تراني جعلت الأمر أكثر صعوبة مما تتصورين؟ أتمنى ألا أكون قد فعلت. ولكن لنعيد صياغة الأمر ببساطة واختصار: اكتشفي نفسك وحددي المجال الذي تريدين العمل والسعي فيه لخدمة مجتمعك، وحددي المهارات والمعارف التي تعينك على حسن الأداء واعملي على اكتسابها، والإنترنت عظيم الفائدة في هذا الصدد بما يتيحه من التواصل مع أصحاب الخبرات في المجالات المختلفة، وابحثي فيمن حولك عن الصحبة الصالحة ممن تتوافق ميولهم مع ميولك لتتعاونوا سويا من أجل تحقيق الأهداف المرجوة.
وقد لا يكون من المفيد هنا أن نذكر لكِ مثالاً لتجربة شاهدتها منذ أيام قام بها زملاء وزميلات لكِ من كلية الهندسة جامعة القاهرة، حيث قرروا أن يوظفوا طاقاتهم لخدمة المجتمع فكانت أسمى رسالة، وبارك الله سبحانه في جهدهم، وأصبحت مؤسسة "رسالة" للعمل التطوعي، وللجمعية موقع على الإنترنت اسمه:
http://www.resala.org .
مع الحرص على الاتصال الدائم بالخالق سبحانه مصدر القوة والطاقة الروحية، وركعات قليلة ودعوات في جوف الليل لها فعل السحر، والقليل الدائم من العبادات أفضل من الكثير المنقطع، والقليل من العبادة بذهن حاضر وقلب خاشع أفضل من الكثير بذهن لاه وقلب مشغول وجامد.
ابنتي الحبيبة:
أحب أن أسمع منك ما يطمئن قلبي عليك فلا تترددي في أن تتابعينا بالتطورات.
ــــــــــــــــــــ(41/343)
لا آكل اللحوم...
مع النفس
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شكرا على الموقع الجميل. لا أدري هل مشكلتي مشكلة أم عقدة نفسية؟ ولكنها دوما معي، ودائما تسبب لي الإحراج، إنها في الطعام، وبالذات اللحم؛ حيث إنني لا آكله. وصدقوني أنا لا أحب "الدلع"، وقد حاولت كثيرا ولكني لا أستطيع، ولا أعلم لماذا؟!!
والمشكلة تظهر وتُلاحظ في الحفلات والولائم؛ حيث إن الأكل فيها دائما يجب أن يكون لحما، وفي كل مرة يقولون لي: كُلْ كُلْ..، وأنا لا أستطيع والإحراج يملؤني.. وأبي أحيانا يحرجني ويقول: إنني لا آكل اللحم أمام الناس.
لقد حاولت عدة مرات، ولكني لا أستطيع؛ حتى صرت أكره الذهاب إلى الولائم.. والآن أرجوكم ساعدوني، أخبروني: ماذا أفعل؟ ولكن أرجو ألا يكون الجواب :أن آكل...... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... ما تعاني منه -إن صح أن نسميه معاناة- نوع من الاختلاف الطبيعي بين أفراد البشر؛ بمعنى أن هناك مجموعات كبيرة من البشر؛ فمن لا يستسيغون أكل اللحوم كطبيعة خاصة بهم لا تدل على أي مشكلة أو عقدة نفسية.. وهناك من يمتنعون عن أكلها بإرادتهم ويسمون أنفسهم "النباتيين"؛ سواء لفكرة أو اعتقاد لديهم كنوع من أنواع الاحتفاظ بالصحة؛ لتصورهم أن اللحوم تضر بمناعة أجسامهم.. وهم يعوضون أكل اللحوم بمصادر أخرى للبروتين، خاصة البقوليات أو أنواع البروتين الحيواني الأخرى من الأسماك والطيور.
وهذا هو أهم ما نريد أن ننبهك إليه، وهو أنه لا مشكلة في عدم أكلك اللحوم بشرط أن تعوض ذلك بمصادر أخرى، سواء كانت نباتية أو حيوانية حتى تحصل على غذاء متوازن يحفظ لك صحتك، ولا تتحرج من عدم أكلك اللحوم.. فأكله ليس فضلا، وعدم أكله ليس نقصًا.. واتخذها مادة للفكاهة مثلما كان يفعل أحد أصدقائي؛ حيث كان أيضًا لا يأكل اللحم؛ فكان أول شيء يفعله في الولائم هو أن ينادي علي أو على أحد أصدقائه بصوت عالٍ أمام كل الناس: يا فلان تعالَ فكُلْ نصيبي من اللحم، وهات نصيبك من السلطات والخضراوات، ويضحك الجميع، وقد فهموا الأمر بغير حرج أو مشكلة، بل العكس ستجد من يشجع هذا السلوك ويستحسنه ويتمنى أن يتخلص من أكل اللحوم.
ولاستكمال الصورة فإن هذا الصديق مع مرور السنين بدأ تدريجيًّا يأكل اللحم.. في بداية الأمر اللحم المفروم أو المعد بصورة لا تظهر طبيعته، وبعد فترة استطاع أن يأكل اللحم وهو في سن الأربعين الآن ويرى أنه لا مانع من أكلها إن كانت معدة بطريقة جيدة..
الخلاصة أنه أمر عادي بشرط أن تعوض البروتين من مصادر أخرى؛ وهو لا يدعو للحرج، ومع مرور الزمن ستأكل اللحم بإرادتك وبرغبتك وبدون دعوة من أحد، وإن لم يحدث فلن تكون هناك مشكلة، ومرحبًا بك بجانبي في كل الولائم والحفلات؛ فأنت فرص
ــــــــــــــــــــ(41/344)
ائذن لي في "الحب"
علاقات أسرية, مع الأهل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشكلتي كالآتي: لي أخ في السابعة عشرة من عمره، سمعته من فترة بسيطة يكلم فتاة في التليفون، وعندما واجهته أنكر ذلك.. ولكن بعد فترة اعترف بأنها فتاة كانت في بداية الأمر قد أخطأت في رقم الهاتف فاتصلت به.. وهكذا بدأت العلاقة.
المهم هو في آخر مرحلة من عمره.. وهو لا يهتم بدراسته، فأنا نصحته بأن يبتعد عن هذه الأشياء؛ لأن الحياة ديون، وأن يقوي صلته بربه.. ويهتم بدراسته، ولكنني لم أطل الحديث معه، المهم أنا لا أعرف ماذا أفعل؟ هل أخبر والدي عنه؟ ولكنني وعدته بأنني لن أخبر والدي، علما بأن والدي رجل يحفظ السر، ويعالج الأمور بروية ورزانة وعقل، أو هل أكتم الأمر وأظل أراقبه؟ فأنا أخاف عليه من المشاكل ومن عذاب الله.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... طالما أنك وعدته فلا تخلف الوعد، وبدلا من أن تراقبه.. كن قريبًا منه وصاحبْه، وكن صديقًا مقربًا له.. ولا تتخذ معه سبيل الواعظ والمرشد، بل كن له الصديق المخلص الذي يبحث عن مصلحته لحبه له وحرصه عليه.. وإذا شعر بصدقك في حبه وتفاعلك معه في مشاكله وفهمك له؛ بمعنى أن توصل له تفهمك لمشاعره في الحديث إلى هذه الفتاة، وكيف أنك تدرك تلذذه من هذا الحديث للميل الفطري ناحية الفتيات، ولكن بصورة منطقية تسأله عن مآل هذه العلاقة، وهل يرضاها لأخته؟
وأحب دائمًا في التعامل مع المراهقين أن أُذكّرهم بموقف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما جاءه هذا الشاب الذي قويت عليه شهوته، فجاء مستأذنا الرسول في الزنا.. أمام كل الناس في المسجد ينادي على الرسول الكريم: يا رسول الله ائذن لي في الزنا، فلم يغضب الرسول، ولم ينهره.. بل دعاه لأن يقترب منه.. إذن تعالَ.. إشارة لضرورة إحساس هؤلاء الشباب للقرب منهم وتفهم مشاعرهم، ثم بدأ الرسول حوارًا موضوعيًّا منطقيًّا، سائلا إياه: أترضاه لأمك؟ والشاب ينفي بأبي أمي يا رسول الله لا أرضاه لأمي.. أترضاه لأختك؟ أترضاه لعمتك؟ أترضاه لخالتك؟
والشاب ينفي والرسول يكرر: "والناس كذلك لا يرضونه".. ثم يضع يده على قلب الفتى، ويدعو له، فيخرج وليس في قلبه كراهة لشيء أكثر من الزنا.
هذه هي وسيلة التعامل مع أخيك.. وإذا أردت أن تخبر أباك فيكون ذلك بالاتفاق معه؛ بمعنى أن تخبره بحاجتك لإخبار الوالد للاستنارة برأيه إذا تحول الأمر إلى مشكلة تحتاج للمساعدة.. أما قبل ذلك فكن صديقه، وتحدث معه طويلا، وستجد الاستجابة المُرْضية بإذن الله.
ــــــــــــــــــــ(41/345)
كيف نستثمر "الزملات" ؟!
مع المجتمع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا في السادسة عشرة من عمري، دخلت في دوامة من التفكير وتحليل كل مسألة تقابلني في حياتي منذ أن بدأت أعي الحياة، أي في السادسة تقريبا إلى أن أحسست أني وصلت إلى نهايتها في الحادية عشرة تقريبا، ولكني انتقلت بعد مدة قصيرة إلى مرحلة أخرى من طريقة التفكير؛ حيث كانت المرحلة الأولى متواصلة (أي أن الأفكار تتجدد بشكل سريع) حيث كنت أتخذ لنفسي وقتا أختلي به مع نفسي.
أما المرحلة الثانية فكانت متقطعة وغير متزنة.. يمكن أن أقول بتعبير آخر إنها غير روتينية.. ربما بسبب ازدياد وعيي بشكل كاف؛ حيث أصبحت ملمًا بمعلومات أكثر عن الحياة. عموما كنت أريد أن أعرف كل شيء عن الحياة وعن نفسي وكل ما يدور حولي.
أما مشكلتي فإنني لا أعلم إن كان كل ما سبق أن ذكرته يجعلني معقدا.. هذا أولا. أما ثانيا فإنني لا أعلم إن كنت غبيا بالنسبة إلى عامة الناس؛ حيث إنني أرى في عامة الناس مؤشرات على الغباء في نظري لا أجدها في نفسي، هل هذا بسبب ذكاء فيّ أم غباء، أم عدم إلمامي بشيء معين؟ أريد أن أعرف موقعي بين الناس.
ثالثا: بدأت أحس بعد زيادة وعيي بالحياة بشكل أكبر أنه لا يوجد شيء أهم من أن أجد الفتاة المناسبة لي؛ حيث إني لا أجد جدوى من أي شيء آخر.. حتى لو حاول أحد تذكيري بجوانب الحياة الأخرى فإني لا أستجيب؛ لأنني أعتقد أن طبيعتي هكذا، ربما بسبب غروري بنفسي، والنظر إلى نفسي دائما من أعين الناس لأرى أنني متميز، ولكني لا أعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي، ولا أعتقد أنها المراهقة، فقد حللت الأمر مرات عديدة.
ولا أعتقد أن هذا سيتغير في المستقبل، فاعتقادي هذا مرتكز على فكرة معينة لا يمكن أن تتغير، فأنا أعتقد بأني واع بشكل كامل عند اعتقادي بهذا الاعتقاد، فما هي المشكلة برأيكم؟
وجزاكم الله خيرا.
... المشكلة
د.إيهاب خليفة ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ الكريم، لم يقم علم النفس بوضع توصيف معين للشخصية السوية ربما لأن هناك أنماطا متعددة من الطباع الشخصية عند بني الإنسان تقع جميعها في حدود الطبيعي، لكنهم عرفوها بأنها الشخصية القادرة على التكيف مع الصراعات الموجودة بداخلها ومع الوسط المحيط.
أما عيوب الشخصية واضطراباتها فقد أفاضوا في التحدث عن أنواعها وسماتها، وهي عبارة عن أساليب معينة في التعامل مع الآخرين ومع البيئة، تكون مستمرة وتسبب اضطرابات ومشاكل مع الآخرين.
وشخصيتك أرى أنها تميل إلى الناحية "البارانوية"، وهذه الشخصية تكون حساسة وشكاكة عند التعامل مع الآخرين، بالإضافة إلى الشعور الداخلي بالأفضلية عليهم والإصرار على الرأي وعدم القابلية لتغييره.
وهناك شخصية أخرى هي الشخصية شبه الفصامية التي تتميز بقلة العواطف وحب العزلة وعدم الميل لتكوين علاقات مع الآخرين، وقلة الرغبة في الناحية الجنسية، بالإضافة إلى الميل إلى فلسفة الأمور والتفكير الفلسفي بصورة زائدة عن الحد.
وبما أنك لم تبلغ الثامنة عشرة حتى الآن فإن شخصيتك لم تتشكل بعد، وهي في طور النمو والنضوج وما عندك هي مجرد سمات وطباع قابلة للتغيير والتشكيل خاصة في هذه السن المليئة بالتقلبات.
فهذه السمات التي ذكرتها لا تعتبر مرَضية ولا يكون لها صفة الاضطرابات إلا إذا كانت مستمرة وسببت أزمة مستمرة في التعامل مع الآخرين أو بين الإنسان ونفسه.
ففي داخل شخصية كل واحد منا قد يوجد بعض من هذه السمات بدرجة متفاوتة، وهي عند ذلك تسمى (زملات) وليس اضطرابات.
وهذه السمات يمكن للإنسان أن يتكيف معها بل ويستثمرها في أمور نافعة؛ فالسمات البارانوية من الإصرار على الرأي والشك في الآخرين يمكن أن يستثمرها الإنسان في الأمور السياسية ووضع الخطط والوصول للحقيقة.
والسمات التي يكون فيها حب الفلسفة والتفكر يمكن أن يستثمرها الإنسان في أمور الاكتشاف والإبداع، فهذه السمات المختلفة كما قلت لا ترقى إلى درجة الاضطراب إلا إذا سببت أزمة مستمرة في تعامل الإنسان مع الآخرين، وأعاقت الإنسان عن ممارسة حياته الطبيعية.
ومسألة توارد الأفكار أمر طبيعي في هذه السن إلا إذا كانت هذه الأفكار غير منطقية وتأتي رغما عن الإنسان حتى في المواقف المهمة، فلا يستطيع أن يوقفها عندما يتطلب الأمر ذلك.
والنقطة الوحيد أخي الكريم التي تستحق العلاج هي مسألة الغرور والشعور الداخلي بالأفضلية على الناس، فهذا منهي عنه في الدين؛ حيث إنه نوع من الكبر، والكبر هو بطر الحق (عدم الإذعان للحق) وغمط الناس، أي احتقارهم، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. ونرجو منك مراجعة قسم الفتوي بموقعنا ، كما ندعوك لمراجعة إجابة سابقة لنا بعنوان :
الكبر والغرور
ينبغي أن تقاوم الشعور الموجود بداخلك أنك أفضل من الناس؛ فأنت إن كنت متميزًا عليهم في ناحية ما فهم من المؤكد متميزون عنك في باقي الجوانب. وعليك أن تدرب نفسك على احتمال التنازل عن رأيك متى شعرت بخطيئة.
والحصول على الفتاة المناسبة أمر هام بالطبع، لكن ينبغي أن تؤجل التفكير فيه بدرجة كبيرة حتى تصبح قادرًا على الزواج. وندعوك هنا لمراجعة مقال لنا بعنوان :
اختيار شريك الحياة.. السهل الممتنع
مع تمنياتنا بالتوفيق.
ــــــــــــــــــــ(41/346)
المتعة والشعور بالذنب : هل أنت قسرية ؟
الوسواس القهري والإدمان, مع النفس
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة وبعد :
أنا فتاة في السابعة عشرة من عمري، أعاني من مشكلة رافقتني في سنوات دراستي السابقة وما زالت تؤرقني حتى اليوم، علما بأنني أصبحت في آخر سنة من سنوات دراستي الثانوية، في الواقع لا أعلم إن كان بوسعي تسميتها مشكلة أم لا؟ ولكن كل ما أيقنه أن هذا الموضوع يسبب لي الكثير من الألم والمتاعب...
وموضوعي أن هناك فكرة راسخة في ذهني وهي أن السعادة والنجاح في الدراسة لا يتفقان، قد يبدو الأمر بالنسبة لكم غريبا، ولكنني سأحاول شرحه وإيضاحه.
أنا من المتفوقات في مدرستي ومحبوبة لدا زميلاتي ومدرساتي، وعادة أحصل على معدلات مرتفعة وشبه نهائية في معظم المواد، ولكن هناك شيء ما في داخلي يشعرني بذنب شديد كلما جلست مع صديقاتي تحدثنا واستمتعنا بوقتنا، أو كلما قمت بأمر ممتع شعرت بالسعادة، فأقول في نفسي بأن هذا الوقت وقت مذاكرة ودراسة ولا يحق لي أن أستمتع وألعب، حتى إن كانت هذه المتعة في وقت الفراغ؛ ولهذا السبب أحاول أن أبتعد عن أي مصدر من مصادر السعادة في حياتي، فأبتعد عن صديقاتي وأتجاهلهن، وأبتعد عن هواياتي وعن كل ما يمتعني حتى لا أشعر بتأنيب الضمير.
الجميع يقولون إنني نكدية أو أبحث عن التعاسة، وكلما راجعت في نفسي هذا الكلام وجدته صحيحا، ولكنني بصراحة أخاف أن أريح نفسي حتى لا يتأثر مستواي الدراسي؛ حتى أنني أفكر في الانتقال إلى مدرسة أخرى لا أعرف فيها أحدا فأكون متفرغة لدراستي تفرغا كاملا.
إن هذا الموضوع يشعرني بأنني لست إنسانة طبيعية؛ فأنا لست ككل الذين في مثل عمري فلا أملك أصدقاء ولا معارف ولا حتى ذكريات مدرسية جميلة؛ فكل الذي أهتم به هو دراستي فقط، أرجوكم ساعدوني في إيجاد حل يريحني ويريح ضميري. وجزاكم الله خيرا.
... المشكلة
أ.د. وائل أبو هندي ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... المشكلة يا أختي هي باختصار شديد أن لديك إحساسًا متضخمًا بالمسؤولية ورغبة دائمة في إدراك الكمال؛ فأنت تحسين بأنك مسؤولة عن الحفاظ على ما وصلت أنت إليه من نجاح وتريدين استمراره وهذا شيء طيب، ولكن في حدود ألا يتعارض مع متطلبات فتاة في بدايات شبابها من توسيع لمدركاتها ودائرة أنشطتها. كما أن لديك نزوعا مفرطا للشعور بالذنب كلما توهمت أنك استمتعت بحياتك وضيعت الوقت .
وكلتا هاتين الصفتين هما من صفات أصحاب الشخصية القسرية، والشخصية القسرية هي واحدة من الشخصيات الطبيعية التي تعيش بين الناس، وكثيرًا ما تتمتع باحترامهم وإعجابهم في العديد من صفاتها كالانضباط والدقة والالتزام والتفاني في العمل والشعور بالمسؤولية والواجب؛ فأصحاب الشخصية القسرية العادية التي لا تصل إلى مرحلة الاضطراب هم أشخاص يتميزون بوجود بعض السمات السلوكية التي يمكن أن تعد صفات مرغوبة أو خصالاً حميدة أو خصائص يوسم بها الأخيار من البشر كالنظافة والدقة والنظام ويقظة الضمير والوفاء بالعهد وغيرها من الصفات المحمودة في المجتمع.
وبعض هذه الصفات حتى في درجتها المتطرفة يمكن أن تعد لازمة لبعض المهن، كالنظافة المفرطة بالنسبة للجراح، والدقة والنظام والمراجعة بالنسبة للباحث في المجالات العلمية، وتكرار التأكد من صلاحية أجهزة قيادة الطائرة قبل الإقلاع لدى الطيار مثلا، ويقظة الضمير والوفاء بالعهد بالنسبة لأي إنسان صالح.
لكن هذه الصفات والسمات إذا وصلت شدتها وزادت حدتها عن الحد الذي يسمح لحياة الشخص وتفاعلاته مع الآخرين بالسلاسة، فإنها قد تصل إلى مرحلة اضطراب الشخصية القسرية التي تتسبب في بعض الأحيان في إعاقة حياة الفرد بدلاً من تيسيرها، وتؤثر سلبًا في حسن أدائه لدوره في الحياة، فتكون سببا في معاناة الشخص ومعاناة المقربين منه سواء في محيط أسرته أو محيط عمله.
واضطراب الشخصية القسرية في الطب النفسي لا يكفي لتشخيصه بالطبع وجود صفتين فيك فقط، ولكنني سأسرد عليك هنا صفات اضطراب الشخصية القسرية لكي تبحثي في نفسك عما هو موجود وعما هو غير موجود، فإذا وجدت في نفسك ثلاثة ملامح على الأقل من الملامح التالية، موجودة بشكل دائم، وفي معظم الأحيان إن لم يكن كل مواقفك وتعاملاتك في حياتك (بشرط أن تكون هذه الملامح غير قابلة للتكيف تبعًا للمواقف الحياتية المختلفة، أي يجب ألا تكون أي صفة منهم مرنة حسب الظروف)، فإن شخصيتك تعتبر شخصية قسرية:
1- مشاعر الشك والحذر الشديدين: ومشاعر الشك والحذر هي مشاعر يعيشها البشر جميعًا بالطبع، لكن المقصود هنا هو أن تكون هذه المشاعر عامةً ومتغلغلة في كل ما يقوم به الشخص من أنشطة بما في ذلك الأنشطة الفكرية؛ فكلنا يشك عندما تكون صورة موقف معين غير واضحة في ذهنه، ولكن المقصود بالشك هنا إنما هو الشك المرضي في الأشياء التي عادة لا يشك فيها الناس، مثلاً الشك في إتمام فعل ما على النحو المضبوط من وجهة نظر الشخص، أو الشك في أنك قمت بالفعل من عدمه.
أي أن الشك هنا يقصد به الشك في أفعال الشخص نفسها؛ وهو ما يجعل الآخرين يرون في ذلك دليلاً على عدم ثقته بنفسه، وهذا المفهوم للشك مختلف عن نوع آخر من الشك هو الشك في نوايا الآخرين، أو ما أرى أن الظن تسمية أفضل له، فحتى عندما يشك صاحب هذا النوع من الشخصية القسرية المتسمة بالشك والحذر في أفعال الآخرين فإنه يشك فيها ليس من جانب نواياهم وإنما من جانب اهتمامهم بإتمام الفعل على النحو الأكمل، وهو لذلك يفضل أن يعمل كل ما يخصه أو يخص عمله بنفسه.
وأما الحذر فإنه أيضًا خبرة بشرية نعرفها جميعًا، وكثيرًا ما نكون حذرين أثناء قيامنا بالعديد من المهام، ولكن المقصود بالحذر عند صاحب الشخصية القسرية هو الحذر المتطرف في غير موضعه في الكثير من الأحيان، وإذا ما تعمقنا في محاولة فهم الدافع وراءه عند صاحب الشخصية القسرية فإننا سنجد إحساسًا متضخمًا بالمسؤولية، وتصورًا مبالغًا فيه لما يمكن أن يحدث من كوارث نتيجة خطأ بسيط صادر عن الشخص.
2- الانشغال بالتفاصيل، والقواعد، والقوائم، والنظام، والتنظيم، أو مخططات العمل: وكل إنسان يحترم عمله، ويحب أن يتقنه ينشغل بهذه الأشياء أيضًا، إلا أن انشغال صاحب الشخصية القسرية بذلك يختلف من ناحية الكم؛ لأن انشغاله يزيد بشكل واضح عن المعقول أو المطلوب بالنسبة للعمل الذي يؤديه، كما أن انشغاله يختلف من ناحية الكيف أحيانًا فتراه يصنع الجداول ويسجل القوائم لأشياء يعتبرها الكثيرون لا تحتاج إلى أكثر من مجرد التركيز أثناء العمل، أما صاحبنا فإنه ربما يقضي الليل منهمكًا في إعداد القوائم وتفاصيل التفاصيل لكيفية عقد لقاء مرءوسيه في العمل مع مندوب شركة صغيرة مثلاً، فإذا أردنا تطبيق ذلك عليك فسنجد أنك تعطين وقتًا أكثر من اللازم لاستذكار دروسك في حين أن مستوى ذكائك يحتاج إلى أقل من ذلك.
3- الكمالية التي تتداخل مع إكمال الواجبات المطلوبة: أما الكمالية فإنها صفة محمودة بوجه عام، يربينا عليها آباؤنا وأمهاتنا، ويحث عليها ديننا ونحاول جميعًا الوصول إليها في كل ما نحبه من أفعالنا، إلا أن الكمالية المقصودة عند صاحب الشخصية القسرية مختلفة إلى حد كبير فهي كمالية في الالتزام بالقواعد والتفاصيل والترتيب أكثر مما هي كمالية تتعلق بالفعل نفسه، بمعنى أنها كمالية تتعلق بشكل وحرفية الأداء أكثر مما تتعلق بالأداء نفسه، وبمعنى أنها قد تتعارض أحيانًا مع إتمام الفعل بسبب الشك والتردد المستمر حول سلامة الإجراءات والخطوات.
4-الدقة المفرطة والشك الشديد، والانشغال غير الضروري بالإنتاج لدرجة استبعاد المتعة والعلاقات الشخصية: وأما الدقة المفرطة فإنها بالطبع نتيجة طبيعية للالتزام بحرفية الأداء مع الخوف من الوقوع في الخطأ، والدقة في حد ذاتها صفة مرغوبة ومحمودة في كل المجتمعات البشرية، لكنها عند صاحب الشخصية القسرية تأخذ أبعادًا تعيق الشخص عن أداء الفعل؛ لأنها تتسببُ في البطء الشديد والتردد في اتخاذ القرارات وأحيانًا الإحجام عن الفعل بسبب عدم التمكن من الوصول إلى الدقة المطلوبة من وجهة نظره.
وأما الانشغال غير الضروري بالإنتاج لدرجةِ استبعاد المتعة والعلاقات الشخصية فيتعلق بما يبديه صاحب الشخصية القسرية من انغماس في عمله وتفانٍ فيه إلى الحدود التي تجعله يهمل كل ما عدا العمل ومعدل الإنتاج الذي يصل إليه خلال أدائه، إنه مثلاً لا يهتم بمراعاة الواجبات الاجتماعية، ولا يهتم كثيرًا مثلا باصطحاب زوجته أو أطفاله إلى الطبيب لا لشيء إلا لأنه ملتزم بإتمام العمل الخاص بالشركة التي يعمل بها حتى أثناء وجوده في البيت، هو بالطبع لا يفعل أكثر مما يفعله الآخرون، لكنه يفعله بدقة تستغرق وقتًا أطول، كما أنه يلزم نفسه بأداء ما لا يحتاج لمن هم في مركزه لأدائه، لكنه لا يستطيع بسهولة أن يحمِّل المسؤولية للآخرين كما سأبين في السطور التالية.
5- الحذلقة المفرطة والالتزام الشديد بالتقاليد والعادات: ثم إن صاحب الشخصية القسرية يتميز بالحذلقة المفرطة والالتزام الشديد بالتقاليد الاجتماعية؛ بحيث يضيق من حوله بالتزامه المبالغ فيه إلى هذا الحد فتراه جاهزًا لإعطاء النصائح للآخرين ولمطالبتهم بالعمل بالشكل الذي يرضي الله كما يرى، بينما الحقيقة هي أنه يريدهم أن يفعلوا الأشياء بنفس الطريقة والشكل الذي يفعلها هو به، والحقيقة أن الفرق ما بين الشكلين أو الطريقين لا يكمن إلا في اهتمامه المبالغ فيه بحرفية الأداء والذي -كما قلت من قبل- قد يؤثر على روح العمل نفسه، فصاحبنا مثلاً متدين جدا ويهمه جدا أن تصح صلاته إلى درجة أنه قد لا يصلي لأنه لن يستطيع الصلاة على الوجه الذي يراه صحيحًا.
6- التصلب والعناد: وهاتان صفتان غير محمودتين في أغلب الأحيان، ولعل وجودهما إلى جانب الصفات سابقة الذكر هو السبب في حرمان هذه الشخصية من المرونة التي تسمح بالتعامل مع المواقف الحياتية المتباينة، ويرجع السر في وجودهما في الحقيقة لا إلى تمسك بمبدأ أو وجهة نظر معينة بقدر ما يرجع إلى عدم قدرة الشخصية على تغيير القواعد واللوائح التي يراها سليمة لسبب بسيط هو أنه يخاف إن لم يلتزم بالطريقة الحرفية للأداء أن يخطئ أو يفقد قدرته على التحكم في كل شيء، وهذه الرغبة في التحكم في كل شيء إنما تصبغ تصرفات هذه الشخصية.
7- الإصرار غير المقبول من قِبل المريض على أن يخضع الآخرون بشكل كامل إلى طريقته في عمل الأشياء، أو التردد غير المقبول في السماح للآخرين بعمل شيء: ومعنى ذلك أن هذا الشخص يريد من الآخرين أن يلتزموا بأداء الأشياء بنفس طريقته هو في الأداء، فلا يقبل من أحد أن يكون مبتكرًا مثلاً، ولا أن يكون مجددا، وهو في الواقع لا يثق في هؤلاء الذين يخالفون اللوائح والتفاصيل الدقيقة، وعادة ما تراه مترددًا في السماح للآخرين بأداء أجزاء من العمل الذي يتحمل هو مسئوليته الكلية إلى الحد الذي يضطره في الكثير من الأحيان إلى القيام بكل شيء بنفسه كما أسلفنا.
هذا النوع من أنواع الشخصية إذن يحمل من الصفات الطيبة المحمودة اجتماعيا أكثر مما يحمل من الصفات السيئة أو المذمومة اجتماعيا، وهو لذلك من أكثر أنواع الشخصيات انتشارا، حيث يوجد في نسبة تزيد على الواحد في المائة، وهو أكثر في الرجال عنه في النساء، وعادة ما تبدأ السمات في الظهور بصورة ما في فترة الطفولة، ولا أحد بالطبع يتوقع من أسرة تجد ابنها يريد الوصول إلى الكمال أو الدقة أو الانضباط أو الالتزام، إلا أن تشجعه الأسرة على ذلك، لكن تشخيص اضطراب الشخصية القسرية في الطب النفسي غير ممكن قبل سن السابعة عشرة من العمر، وكذلك تشخيص أي نوع من أنواع اضطرابات الشخصية إلا بعد الوصول إلى هذه السن.
وأما من الناحية المعرفية فإن أصحاب الشخصية القسرية يختلفون من ناحية طريقة التفكير ومن ناحية الاعتقادات والأساليب التي يفهمون العالم من خلالها ويتصرفون على أساسها، ولعل المعتقد الأساسي في عقولهم هو أن الأخطاء سيئة، وأنني يجب ألا أخطئ لكي لا أكون سيئًا، وطريقته في ذلك بالطبع هي محاولة الوصول إلى الكمالية في كل ما يفعل ويطلبه من كل من يستطيع الحكم على أفعالهم، ومما وجده رواد التوجه المعرفي في العلاج النفسي في أصحاب هذه الشخصية المجموعة التالية من المفاهيم المركزية:
1- يجب أن أعتمد على نفسي، إذا كنت أريد الأشياء أن تُنجز بحق وكما يجب.
2- الآخرون عادة غير مبالين، وغالبًا غير مسؤولين أو غير أكْفاء.
3- من المهم أن تتقن كل شيء تفعله، أهم شيء هو الإتقان.
4- إن لم يكن لدي نظام محدد في كل شيء فكل شيء سيضطرب.
5- من الممكن أن يتسبب الخطأ البسيط في كارثة كبيرة.
6- يجب أن أكون متحكمًا تماما في مشاعري.
7- يجب على الآخرين أن يفعلوا الأشياء بنفس طريقتي في فعلها.
وسواء وجدت هذه الصفات أو بعضها فيك بالفعل أو ظننت في نفسك ذلك فإن ما تحتاجين إليه يا عزيزتي هو تغيير مجموعة من الأفكار التي تعتنقينها دون تدقيق أو فحص فكري حكيم لصحتها؛ لأن استمرارك على هذا الأسلوب في حياتك سوف يعني حرمانك من الكثير، وسوف تكتشفين في وقت ما من حياتك أن المقربين منك كزوجك فيما بعد وبوجه خاص أولادك يشتكون من انكماش مشاعرك، وعدم قدرتك على البوح بالمشاعر الحميمة، وكل هذه الأشياء قد تتسبب في جعلك عرضة للاكتئاب.
وفي النهاية أقول لك إنه إن كان الأمر مقصورًا على الصفتين اللتين قلتِهما أنت في إفادتك فإنه سيكون سهلاً بعد أن تستعيني بالله -عز وجل- ثم بأحد الأطباء النفسيين من ذوي الخبرة في العلاج المعرفي.
وأما إن كنت قد وجدت في نفسك ثلاث صفات أو أكثر مما ذكرته لك بحيث تكون هذه الصفات دائمة ولا تقبل المرونة مهما كانت الظروف، فإن دور الطبيب النفسي سيكون أصعب، ولكن رغبتك في التغير هي التي ستساعده وتساعدك بإذن الله على الوصول إلى حل وسط يسمح لك بالحياة الطبيعية دون أن تتخلي عن كل ما تتصفين به من صفات أوصلتك حتى الآن إلى التفوق، وكل ما نريده هو أن نضيف إليها صفة المرونة لكي تستطيع الحياة.
ــــــــــــــــــــ(41/347)
المراهقة.. أحلام وآمال.. وحيرة
مع النفس, هموم الدراسة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا فتاة في الرابعة عشرة من عمري.. متدينة، وأعيش في أجواء عائلية مستقرة، والحمد لله.. مشكلتي تبدأ مع بداية السنة الدراسية.. فأنا متفوقة في دراستي والحمد لله.. ولكنني أدفع ثمن هذا التفوق غاليا.. وغاليا جدا.. من صحتي وسعادتي..
ففي اليوم الدراسي العادي أرجع من المدرسة، وأنا منهكة، وليس بي قدرة على فعل أي شيء - بسبب نومي متأخرة في الليلة التي قبلها - فأتفرج على التلفاز ما يقارب الساعتين (أرجع إلى البيت في حوالي الساعة الثالثة)، ومن بعدها أبدأ الدراسة بعد أن سوفت البدء فيها.. وقد تستغرق هذه العملية 5 ساعات.. وهذا كله بسبب عدم التركيز.. ومن طبعي أنني لا أستطيع الجلوس على الكرسي أكثر من ربع ساعة.. لأخرج، وآخذ استراحة أطول من الوقت الذي قضيته في الدراسة.. وهكذا.. حتى أصل إلى منتصف الليل.. فيحين موعد النوم وأنام.. وبالطبع 6 ساعات لطالبة لا تكفي.. فأنا لا أنام في الظهر على أمل أن أنام مبكرة في ذلك اليوم.. والنتيجة أنني قد لا أنام في اليومين أكثر من 10 ساعات.. وهذه حالتي طوال السنة.. فتنشأ الهالات السوداء تحت عيوني.. مما يجعلني أبدو مريضة ومتعبة طوال العام.. يعني لا أرحم نفسي ولا أدع رحمة ربي تنزل.
وبعد أن قرأت صفحة مشاكل وحلول للشباب.. انتابتني صدمة.. بعد أن عرفت أن من الملتزمين من يقع في الفتنة، ويوقع نفسه في علاقات غير شرعية.. ليس فقط الملتزمين.. لكن الذين انخرطوا في سلك الدعوة، ونظن أنهم صفوة المجتمع.. طبعا ما من أحد معصوم من الخطأ.. لكنني خفت على نفسي الوقوع في الزلل.. وبت أحس أنه حتى لو حبست نفسي في صومعة.. فسأظل عرضة للخطأ.. وأن احتمال هذا وارد.. ومن هنا أحببت جدا فكرة الزواج المبكر.. وشعرت أنه أحفظ لديني وأخلاقي.. لكن أمي ما تلبث وتردد أنني لن أتزوج حتى أنتهي من الجامعة، وهذا مع تقدم الخُطاب! أرجو أن ترشدوني إلى ما هو الصواب.. وجزاكم الله خيرا على جهدكم.. وبارك الله أوقاتكم.. وجعل جهدكم في ميزان حسناتكم يوم القيامة.
... المشكلة
د. مني البصيلي ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... جزاك الله خيرا يا ابنتي على دعواتك لنا.. ونرجو من الله أن نكون عند حسن ظنك بنا.. أجمل ما في رسالتك أنها تعبر تعبيرا صادقا عن مرحلة المراهقة بكل أسئلتها وحيرتها وآمالها وحماسها ونشاطها وخمولها.
إن مرحلة المراهقة هي أخطر مراحل التحول في حياة الإنسان في خلالها تتحول الطفلة الصغيرة بأفكارها البسيطة ومشاعرها البريئة إلى مرحلة الشباب والنضج، ويصاحب ذلك الكثير من التغيرات الفسيولوجية في جسم المراهق، وفي هذه المرحلة نجد أن شخصية المراهق يعاد صياغتها وتشكيلها، ويبحث فيها المراهق عن ذاته، ويحاول إثبات ذاته، وأهم ما تتميز به مشاعر وأفكار فترة المراهقة هو التردد الشديد، وتضارب المشاعر فتارة نجد الحماسة تملؤه في اتجاه معين، وتارة نجده خاملا كسولا زاهدا في كل الأنشطة.
فأنت متفوقة في المدرسة، ولكنك ترين أنك تدفعين ثمن هذا التفوق غاليا من صحتك ووقتك.. دعيني أسألك أليس التفوق والنجاح غاليا؟ فعلا ألا يستحق التفوق التضحية والجهد والسهر؟ فلا يمكن أبدا أن يتساوى مَن اجتهد وسهر مع الكسول الذي لم يبذل جهدا.
ولكن مشكلتك هي عدم تنظيم وقتك ومجهودك، فأنت في الواقع تعانين من فوضى شديدة في وقتك.. فكيف بمن تعود من المدرسة مرهقة متعبة أن تشاهد التليفزيون لمدة ساعتين كاملتين.. أنا أفهم أن الإنسان يريح أعصابه بربع ساعة ترفيه.. نصف ساعة.. لكن ساعتين كثير جدا.. كان أولى بك النوم قليلا حتى تستطيعي مواصلة اليوم.. كما أن الأسلوب الذي تذاكرين به غريب جدا، ومن العجيب معه أنك متفوقة فإن المذاكرة لمدة ربع ساعة ثم الراحة لمدة ساعة لا تساعد أبدا على تثبيت المعلومة، وكل ذلك المجهود الذي تبذلينه على مدار 6 ساعات يمكن أن يُختصر إلى 3 ساعات فقط لو أنك حاولت بتركيز المذاكرة لمدة ساعة واحدة ثم النوم مبكرة الساعة 10 مساءً مثلا، فيختفي بذلك الإجهاد، وتختفي الهالات السوداء، وترحمين نفسك، أما رحمة الله فتنزل شئت أم أبيت لأنها ليست مرهونة برغبة البشر.
ونرجو منك مراجعة أجابة سابقة لنا بعنوان :
على أبواب الامتحانات.. أفضل طريقة للمذاكرة
صداع المذاكرة.. أعراض هروبية
المذاكرة من أول العام.. وصفة للتركيز
المذاكرة بين وجود الرغبة وغياب الإدارة
أما قضية الملتزمين وانحرافاتهم التي تقرئينها على الموقع فلا بد أن تفهمي أولا أن الدنيا هي مجال العمل والخطأ والاستغفار والتوبة، فلا يوجد في الدنيا ملائكة، بل كلهم بشر خطاءون حتى المتدينون منهم، ونحن بذلك لا نشجع الخطأ أو نتقبله، ولكن فقط نعتقد ونُسِّلم بوجوده، وكما توجد نسبة قليلة مخطأة، وهناك قاعدة عريضة في الصالحين، وأنت عندما تفتحين موقع "إسلام أون لاين.نت" فأنت تنظرين للحياة من جانب المشاكل؛ لأن صفحة مشاكل وحلول لا بد أن تستقبل المشاكل، وأصحاب الأفكار، وفي النادر أن يبعث إلينا أحد ليقول لنا إنه ناجح، وليست عنده مشاكل، ولهذا لا تصلح مشاكل الصفحة لتحكمي بها على العالم كله.
والذي يعينك على الأمر هو نفسك أنت، وخوفك عليها من الخلل أحييك عليه، وأرجو أن تكوني صادقة في حماية نفسك. ولكن ليس بالزواج، وإنما بالقرب من الله تعالى بالطاعات وزيادة جرعة قراءتك ومعرفتك بدينك فأنت كما تقولين متدينة، والحمد لله، وأهم ما أوصيك به هو الصحبة الصالحة، فإن "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".
عليك بحماية نفسك بأصدقاء صالحين على خلق حتى يعينوك على التقوى والقرب من الله تعالى، ويساعدوك على بناء شخصية صالحة وسوية، وساعتها عندما يأتي أوان الزواج نجد عندنا فتاة ناضجة واعية متدينة تصلح لأن تكون زوجة صالحة، ولكن يا فتاتي ذات الأربعة عشر ربيعًا.. يا من تتخيلين أن الزواج الآن هو الحل.. فهل أنت مؤهلة الآن لتحمل مسؤوليات الزواج وتبعات البيت؟ هل أنت من النضج من الأفكار والمشاعر التي تساعدك على تفهم زوجك والتعامل معه وبناء حياة زوجية قوية وصحيحة؟
أظن أن الوقت مبكر بعض الشيء، وليست العبرة بالسن أو بالانتهاء من الدراسة في الجامعة، ولكن انشغلي بمستقبلك وحياتك وبناء شخصيتك، وتقربي إلى الله تعالى، وأكثري الدعاء أن يرزقك الزوج الصالح ويرزقك حسن التبعل له، أي يعينك أن تكوني زوجة صالحة، ودعي الوقت والشخص لتدبير الله تعالى.. ولا يقربك أو يقلقك كثرة الخطاب ويجعلك ذلك تتعجلين الزواج، فكل شيء عندما يأتي في وقته المناسب يكون ناجحًا وصحيحًا.
ونرجو منك مراجعة إجابات سابقة ، منها :
ظنون المراهقة: علامات النضج
العزلة مراهقة أم خجل أم اكتئاب؟
ونرجو في النهاية أن نسمع أخبار تفوقك ونجاحك دائمًا وشكرًا.
ــــــــــــــــــــ(41/348)
"المثالية".. نموذج الأوهام
مع النفس
أشعر أني فتاة سيئة جدا وكسولة إلى أقصى درجة ممكنة، وأختي الصغرى متدينة وطيبة القلب وجميلة الشكل والخلق.. والمشكلة أني لا أستطيع أن أصبح مثلها، لقد تمنيت ذلك كثيرًا، ولكني لم أستطع.. فماذا أفعل ؟ أريد وصفات لمضادات الاكتئاب..
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... إن أزمة كثير من الناس وخاصة الشباب هي تصورهم لوجود نموذج مثالي لصفات البشر وأشكالهم وأخلاقهم.. ومن لا يشبه هذا النموذج يصبح سيئًا.. وتؤدي هذه الفكرة في غالب الأحيان إلى حالة من الإحباط لدى الشخص الذي يؤمن بها؛ لأنه في الغالب لا يصل إلى "نموذج الأوهام"؛ لأنه في الحقيقة لا يوجد في عالم الواقع، ولكنه يوجد داخل رأسه فقط؛ لأن الله خلق البشر مختلفين، وجعل هذا الاختلاف جزءًا من ميزتهم، ولم يفرض صورة معينة يكون بها البشر سواء في الجمال أو الأخلاق أو غيرهما، بل وضع قواعد عامة واسعة حتى في أمور الدين حتى تسع الناس جميعًا، ويجد كل إنسان حسب طاقته ما يكفيه، ويحفظه من أمور الدين.. فما بالنا في أمور الدنيا؛ حيث السعة أكبر وأرحب، والفرص أكبر ؟ .
لا تقارني نفسك بأختك أو غيرها، ولا تحاولي أن تكوني مثل أختك أو غيرها، ولا تصفي نفسك بالسوء.. بل انظري إلى نفسك بإنصاف، وكوني نفسك بمميزاتها وعيوبها، فستجدين أنك تستحقين أن تكوني "نموذجًا"، ولكنه نموذج الواقع الحقيقي لا نموذج الأوهام.. ابحثي عن إيجابياتك وستجدينها، فلا يوجد شخص بلا إيجابيات، وحللي عيوبك ولا تكبريها، وابحثي كيف تتخلصين منها أو تقللينها.. فهذا هو المطلوب من الإنسان مع نفسه.. إن الله لم يطلب من البشر أن يكونوا خالين من العيوب أو أن يكونوا ملائكة يمشون على الأرض، بل طلب أن تتغلب حسناتهم على سيئاتهم، وجعل من تثقل موازينه يدخل الجنة، ولم يقل "فمن لم يفعل خطيئة قط"، ولكن أخبر أنه من ثقلت حسناته على سيئاته فهو في عيشة راضية، فإذا كان هذا حساب خالقنا لنا.. فمالنا نقسو على أنفسنا في حسابنا لأنفسنا؟! في أثر تسأل الملائكة الله عن هذا الإنسان المليء بالعيوب والخطايا لماذا يمهله الله ويرحمه، فيقول الله وهو العليم بطبيعة البشر: لو خلقتموه لرحمتموه..
رحمة بنفسك، وبدلا من السؤال عن وصفات ومضادات الاكتئاب أحبي نفسك كما هي، واستخرجي أفضل ما فيها، ولا تحاولي أن تكوني إلا نفسك التي خلقها الله بين جنبيك في شكلك وخلقك، فلو شاء الله لخلقك شخصًا آخر، ولكن مشيئته أن تكوني أنت كما أنت يرحمك ويحبك؛ لأنه خالقك.. فارحمي نفسك، وأحبيها كما أحبها خالقها، وحاولي أن تغيري من نفسك من أجلك أنت، وليس من أجل أي أحد آخر؛ فأنت أولى أن تشبهي نفسك، ولا تشبهي أحدًا آخر، ونحن معك.
ــــــــــــــــــــ(41/349)
جسر المراهقة : اضطراب.. كآبة.. ضعف
تحت العشرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أودُّ أن أشكر كل من يساهم في حلول مشاكل الشباب الاجتماعية والنفسية وغيرها.. وأودُّ أن تُحل مشكلتي بأيديكم إن شاء الله.
قصتي بدأت عندما كنت طفلة صغيرة. كنت كباقي الأطفال ألعب وألهو وأمرح، ولكن كنت أشعر بنقص في نفسي وشخصيتي.. كان الأطفال من حولي يعبِّرون عما في نفوسهم أمام الكبار، هذه الميزة لم تكن فيّ، مع العلم أن علاماتي في المدرسة لم تكن عالية.. كنت غير متثقفة.
بقيت على هذا الحال إلى أن وصلت سن الخامسة عشرة، حتى قابلت شخصًا متعلمًا ومتثقفًا أدخل في عقلي أشياء من واقع الحياة، فغيَّرت نفسي، ومرة فمرة أصبحت إنسانة أخرى.. أصبحت أتكلم مع الناس دون خوف، وحصلت على ثقافة عالية من قراءتي الكتب وغيرها، والتزمت بالصلاة، وأصبحت أدرس دراسة جدية، وأصبحت من الأوائل في المدرسة، وأصبحت شخصيتي شخصية متميزة في كل مكان، في البيت، بين الأقارب وغيرهم، والتعامل مع الناس.
وفي المدرسة كنت أؤدي واجبي على أكمل وجه بكل حيوية وحب لعملي إلى أن جاء يوم فقدت فيه أعز إنسان في قلبي وكان عمري 16 سنة.. بعد ذلك لا أدري ما حدث؟ بدأت أتراجع إلى الوراء مرة فمرة، حيث إن كلمة صغيرة أثرت في نفسي، مرة فمرة تراجعت إلى الخلف أكثر فأكثر.. أصبحت بدون جدوى، لا أتكلم مع الناس، وأصبحت علاماتي متدنية في المدرسة، والكل تعجب من ذلك، وسألوني: ماذا حدث ؟ قلت لهم: لا أدري.
أصابتني كآبة شديدة لا أدري كيف تنتهي؟ كرهت كل شيء في الكون.. كرهت المدرسة والناس. كنت أفكر مع نفسي بأشياء غريبة لا معنى لها.. لا بد أن قراءة الكتب جعلتني هكذا أو هناك بعض المشاكل التي عانيت منها هي التي جعلتني هكذا.. لا أعرف، كل هذه الأمور عقدتني وجعلتني هكذا، وشخصيتي أصبحت منعدمة.. بل كلما أكون بين مجموعة من الناس هم يتكلمون وأنا بدون كلام.. لا أعرف ما أقول؟ كنت في المدرسة من المتميزين، كنت مثلاً في مسائل الرياضيات والفيزياء أجيب وأحل أذكى الأسئلة دون غيري.. تعجبت من نفسي كيف أصبحت كذلك؟!!
في حياتي يوجد الكثير من المشاكل. لقد تحملت أشد الإهانات التي حدثت لي، أما الآن فأي كلمة صغيرة تجعلني أتراجع، مثلاً سمعت من إحدى الفتيات بأني أفتخر بذكائي أمامهم كثيرًا.. تلك الكلمة أثرت فيّ كثيرًا. أنا صحيح حصلت على معلومات كانت أعلى من مستواي، ولكن هذا كله كان من مجهودي، فكلما قالت المعلمة شيئًا كنت أزيد عليه أكثر من مستوى أعلى، أحدها من قراءتي الكتب، وغيرها من تفكيري، وكنت أدرس دائمًا بكل حب للدراسة، والآن أحاول أن أعيد نفسي كما كنت عليه من قبل، وأكون شخصية أفضل مما كنت وأحب، ولكن كيف؟
فكلما أحاول أن أعيد نفسي، وكلما أخطو خطوة أتراجع أكثر فأكثر، وكلما أحاول أن أمسك ورقة وقلمًا وأكتب كل ما في نفسي أتراجع، فالكآبة تغلبني في جميع الأحوال.. تركت الصلاة.. أصبحت بلا جدوى، لقد تعرضت لكثير من الإهانات لا أعرف كيف أدافع عن نفسي؟ أصبحت لا أثق بنفسي، وأصبح المستقبل يأخذ كل تفكيري. أخاف أحيانًا من المستقبل فأسمع أحيانًا أن هناك الكثير من الناس كانوا مبدعين وأصبحوا مجانين أو أصبحوا...
لا أعرف أخاف من هذا الكلام، فكلما أسمعه أخاف.. أشعر أنني سأصبح مثلهم، فأنا فتاة فقيرة.. كلما أصبحت أفكّر بأن الدراسة والتعليم لا يفيدانني بشيء لأن أبي يقول لي دائمًا لن أجعلك تكملين تعليمك وتأخذين دراسات عليا.. أقول: ماذا سيفيدني هذا إذا لم أحصل على النقود لدخول الجامعة؟ حيث سألت إحدى النساء المتخصصات بعلم النفس وتحليل الشخصيات، فقالت لي بأن شخصيتي قوية أستطيع أن أدبِّر كل الأمور بذكاء، وقالت لي إحدى المعلمات في المدرسة بأنني ذكية ويوجد عندي ذكاء، لكنني أنا أخفيه.. لا أعرف لماذا كلما أحاول أن أبدع أتراجع إلى الخلف؟!
أرجوكم ثم أرجوكم أرسلوا لي الحل، ما الحل؟ فأنا بحاجة لتغيير نفسي وتكوين شخصية متميزة عن جميع الناس، أحب أن أكون من المبدعين، وأن أخفي الكآبة من نفسي إلى الأبد، فأنا مقدمة إلى المرحلة الأخيرة في المدرسة ألا وهي التوجيهي، أي الصف الثاني عشر، وعمري الآن 17 سنة أريد أن أرجع من المتميزين في الدراسة.. كيف؟! أصبحت كلما أمسك ورقة وقلمًا وأحل مسألة رياضيات أو فيزياء عقلي يتوقف عن التفكير.. لا أعرف ما الحل؟ لما أصبحت كذلك أصرخ أصرخ مع نفسي، ولا أحد يسمعني فما الحل.. أرجوكم؟.. لا بد أني أطلت عليكم، ولكن أنا أعرف أنكم تريدون التفاصيل. وأريد أن أرسل لكم الآن مشكلة أخرى أواجهها في الوقت الحالي عن شاب يلاحقني يمكنكم أن تعتبروها مرتبطة بهذه المشكلة، وشكرًا جزيلاً لكم.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... في البداية يقول لك د. إيهاب خليفة:
أختي المرسلة، من المؤكد أنك شخصية قوية قادرة على التغيير، وعلى مواجهة سلبياتك، فعندما توافر لك الحافز والدافع للتغيير وهو ذلك الشخص القدوة الذي قابلته تغيَّر كل شيء إلى النقيض وأحرزت درجات مرتفعة وأصبحت واثقة بنفسك.
وعندما فقدت إنسان عزيزا -وربما كان هو نفس الشخص القدوة- تراجع كل شيء مرة أخرى.
وقد حدث كل هذا؛ لأن انتماءك كان لشخص بعينه، فما بالك لو كان انتماؤك لأهداف ومبادئ ثابتة، ولن يتأثر مستواك بذهاب شخص أو إيابه.
أختي المرسلة ، أنت بحاجة فعلاً لأن تمتلكي حيثيات ثابتة للتغيير تعالج مسألة التقلب التي هي سمة مميزة لهذه الفترة من العمر، وهذه الحيثيات هي الثقافة المستمرة ومراجعة الأهداف والمبادئ والطموحات التي تكون مقنعة لك، ولا تكون مجرد حاجات مادية رخيصة بقدر أن تكون معاني وأهدافا نبيلة.
وأنت بحاجة أيضًا إلى أشخاص قدوة تتأثرين بهم وتستفيدين من خبرتهم وتجاربهم ونظرتهم للأمور، وستجدين هؤلاء "القدوة" لو بحثت عنهم في محيط عائلتك، وفي سير الأنبياء والصالحين، وفي تراجم العظماء الذين غيَّروا مجرى التاريخ، سيمثلون لك الشمعة التي تضيء الطريق، وتقوي عزيمتك كلما ضعفت ووهنت، وأنت بحاجة إلى صحبة صالحة تعينك وتتفاهمين معها، فالإنسان بمفرده ضعيف، لكن عزيمته تزداد قوة ويزداد ثباتًا إذا وجد أفرادًا يشاركونه نفس المبادئ والأهداف، ويسيرون معه في نفس الطريق.
وفي انتظار خطابك الثاني، مع تمنياتي بالتوفيق.
وتضيف د. فيروز عمر:
ابنتي الكريمة، هناك بعض النقاط لفتت نظري في رسالتك، فأردت أن أتوقف عندها لأهميتها:
* تقولين إن قراءة الكتب ربما هي السبب الذي جعلك في الحالة التي تمرين بها، وأقول لك إن هناك مفهوما خاطئا شائعا بين الناس وهو أن كثرة القراءة تؤدي للجنون؟! وإذا كان الأمر كذلك فنحن إذن "أمة المجانين"؛ لأن أول كلمة خاطبنا بها الله تعالى هي "اقرأ"!! القراءة يا ابنتي تزيد المرء نضجًا وحكمة وعلمًا، وإلا ما أمرنا بها الله تعالى في أول آيات كتابه الكريم.
* تقولين إنك "تركت الصلاة"، وأقول لك يا ابنتي "الصلاة عماد الدين"، وهي الركن الثاني من أركانه، وهي أول ما يُسأل عنه المرء يوم القيامة، ونحن نستعين بها على مصاعب الحياة، حيث قال تعالى: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاة"، فإذا تخليت عنها تكونين قد حرمت نفسك من أهم مصادر العون والمساعدة، فاستعيني بالصلاة ولا تسمحي للشيطان بأن يصل بك لهذا المستوى.
* التميز في الدراسة في الصغر لا يشترط أن يستمر؛ لأن قدرة الطفل على الحفظ تكون -بلا شك- أعلى من قدرة البالغ، ولكي يحافظ الشخص على نفس مستواه السابق فإنه يحتاج لبذل جهد لم يكن يحتاجه من قبل، ويحتاج أن يضاعف جهده الذي كان يبذله في طفولته، ويكتسب مهارات جديدة في التحصيل والفهم، وهو ما يستلزم دأبًا ومثابرة ووقتًا، وربما يفشل مرة وينجح مرة حتى يستطيع أن يتقدم بالتدريج نحو المستوى الذي يطمح إليه.
* وأخيرًا، أقول لك إن الأعراض التي تمرين بها الآن، قد مررنا بها جميعًا من قبلك، وهذه هي سن المراهقة، حيث تتغير كيمياء الجسم كله، فيزاد تركيز هرمونات ويقل تركيز هرمونات أخرى، وعليك أن تحتفظي بصبرك وهدوئك حتى تمر هذه المرحلة بسلام، وحتى تستعيدي توازنك وكامل لياقتك وحيويتك.
ونرجو منك مراجعة إجابات سابقة لنا ستفيدك بإذن الله ، منها :
ظنون المراهقة: علامات النضج
العزلة مراهقة أم خجل أم اكتئاب؟
ــــــــــــــــــــ(41/350)
فتاة الخامسة عشرة.. تبحث عن فريسة
مع الجنس الآخر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أرجو منكم يا إخواني أن تجدوا لي الحل في هذه المشكلة التي أرى فيها صعوبة أن أستشير فيها أحدًا أعرفه.
المشكلة تتمثل فيما يلي: أنا -وأعوذ بالله من كلمة أنا- شاب مسلم ملتزم منذ صغري، وذلك مما ساعدني على بناء سمعة طيبة يحسدني عليها الجميع، وكان لذلك السبب الأكبر لمشكلتي الحالية وهي أن إحدى الفتيات اللاتي يسكنّ معي في المبنى والتي تبلغ من العمر 15 عامًا، وهي أيضًا ملتزمة بالحجاب الشرعي قامت بلفت نظري أكثر من مرة بأنها معجبةٌ بي، وأنها تريد أن (تتعرف إليّ)، وكانت آخر محاولاتها للفت نظري بكتابة حرف اسمي واسمها على الحائط .
عندما كنت أنظر إليها فكانت تباشر في الكتابة وهي تنظر إليّ أيضًا، وكان والله أعلم وراء إعجاب تلك الفتاة بي هي كثرة التركيز على شخصيتي وتصرفاتي من قبل أهلها في المنزل.. إن كان من والديها أو حتى من إخوتها، وذلك بالثناء عليّ، مع العلم أن عمري لا يتجاوز 20 عامًا، وأمْر أبنائهم الشباب أن يصاحبوني ويجلسوا برفقتي لما أحمل من سمعة طيبة والحمد لله.
أرجو منكم يا إخواني أن تسرعوا إليّ بالحل المناسب لمثل هذه المشكلة التي أجد صعوبة في أخذ الحل الجذري للبتّ فيها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
أيها الشاب ذا العشرين عامًا، وقد تخطيت مرحلة المراهقة، وتقول إنك صاحب سمعة طيبة لالتزامك وخلقك الذي دعا أهل الفتاة إلى أن يطلبوا من أبنائهم أن يصاحبوك ويجالسوك.. ماذا تريد من فتاة عمرها خمسة عشر عامًا في بداية سن المراهقة ؟ وما يدعوها لهذه التصرفات الطائشة هو رغبتها في إقامة علاقة مع الجنس الآخر، وبسمعتك وما عرفته عنك أرادت أن تثير انتباهك .
إن الحل البسيط والمنطقي القائم على واقع أنك الآن غير مؤهل لأي ارتباط، حيث إنك ما زلت طالبًا تدرس ولا تسمح ظروفك بالارتباط الآن، وأن هذه الفتاة الصغيرة الطائشة أيضًا لا تصلح للارتباط، وأنه لا علاقة بين فتى وفتاة من أجل مجرد التعارف، وأنه لا بد من وجود هدف لهذه العلاقة والتعارف يكون الارتباط هو نهايته الطبيعية، فيكون الحل هو التجاهل التام لما تطلبه أو تقوم به من تصرفات، حتى لو استدعى الأمر أن تقطع علاقتك بإخوانها أو لا تتواجد في مجال تدرك أنها ستتواجد فيه، عندها ستهدأ الأمور وستنسى مغامرتها معك.
المشكلة لديك هي أن تحسم إرادتك فيما تريده من هذه الفتاة، ولا يعجبك إعجابها بك، ولا تستمرئ هذا الأمر، ثم تسأل ما هو الحل.
ــــــــــــــــــــ(41/351)
لا يعرف سوى اسمي .. إنه " أبي" !!
مع الأهل, علاقات أسرية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. مشكلتي هي والدي، فهو إنسان قاسٍ، جامد المشاعر، مستبد بآرائه، ولا يكترث بي ولا بإخوتي ، بسببه لم أهنأ بطفولة سعيدة، ولم أحظَ بالحنان والعطف.. وعشت في خوف دائم.. حتى في مراهقتي عانيت الأمرين منه دائمًا في شجار وصراخ. كنت وما زلت لا أطيق الجلوس معه في مكان واحد.. لا حوار ولا نصح ولا كلمة حانية، وسبَّب لي آلامًا نفسية بالغة.
وبفضل من الله استعدت اتزاني وشخصيتي وثقتي بنفسي، وحاولت تجاهل ما يفعله، حتى غدوت متفوقة جدًّا في دراستي ومحبوبة اجتماعيًّا.
أنهيت دراستي الثانوية بتفوق واضح، لكن صدمت بردة فعله تجاه نجاحي، منعني من دخول الجامعة.. لا لشيء سوى أن هذا رأيه وعليّ الرضوخ دون مناقشته، وفي الواقع لا توجد أي حجة لمنعي.
وحقيقة أتعجب منه فهو وبدون مبالغة لا يعرف سوى اسمي حتى إنه لم يكن يعلم أني في آخر سنة دراسية لي، ثم يأتي بعد ذلك ويحرمني من التعليم الجامعي الذي سيفيدني في ديني ودنياي، قبلت هذا الأمر لعلَّ الله أن يعوضني خيرًا.
مشكلتي هي كيف سأقضي وقتي في البيت؟ في السابق كنت أشغل نفسي بالدراسة وأحاول نسيان مشاكلي، لكن الآن لا دراسة ولا عمل لديّ.. أحس بالملل وبالوحدة.. ولا أخت لي تؤنسني، وأعلم أني سأبقى هكذا لمدة سنتين أو أكثر؛ لأنه لن يزوجني قبل ذلك، وبصراحة أخشى على نفسي من الفراغ فالنفس أمارة بالسوء.. أحاول قضاء وقتي في أمور مفيدة كحفظ القرآن، لكن سرعان ما تفتر همتي، والوقت طويل..
الوضع في البيت لا يطاق أحس بأني سأنهار.. سأنهار حتمًا إذا استمر يضغط عليّ في كل أموري.. ما العمل مع هذا الأب؟؟ وما العمل مع إجازتي طويلة الأمد؟؟
... المشكلة
د.إيهاب خليفة ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أختي السائلة، قد يهون من هذا الابتلاء أنه لا دخل لك فيه فهو من تدابير القدر ومن حكمة الله تعالى، ورغم أنه لا يمكن لي الحكم على شخصية والدك إلا بالجلوس معه فإنه يظهر من حديثك أن في شخصية والدك نوعًا من الاضطراب، وهنا ينبغي أن نتلمس له بعض العذر، فجزء من هذه الاضطرابات لا يكون للإنسان دخل فيه، ومثل هذا النوع من الاضطرابات لا يكون علاجه سهلاً، ولا يكون التغيير فيه سريعًا إن حدث، فعليك إذن أن تبني خططك بناء على أنه سيظل هكذا، ولن يتغير وإن تغير ولو بقدر يسير فبها ونعمت.
الأخت الكريمة، أنت الآن بين خيارين، أولهما: أن تتوقفي عند هذه المشكلة الموجودة في شخصية والدك، وتجلسي لتندبي حظك أو أن تبحثي عن بعض النقاط الإيجابية الموجودة، سواء في شخصية والدك أو أسرتك أو محيط المجتمع، وتسعي للاستفادة منها، والإنسان الناجح هو الذي يتمكن من استغلال نقاط القوة التي أودعها الله عز وجل في ملكاته وشخصيته وفي المجتمع المحيط من حوله، والتغلب على الصعاب والعقبات التي تعترضه أو على الأقل الحد من سلبياتها إلى أقصى درجة ممكنة.
وما أوصيك به هو:
أولاً: لا تستسلمي لما فرضه عليك والدك من عدم إكمال تعليمك الجامعي، خاصة إذا كان هذا الأمر متاحًا للكثير من البنات في العائلة، وغير مستغرب من قبل المجتمع، فينبغي عند ذلك أن تتلمسي من يعاونك في العائلة على إكمال تعليمك، ويحاول أن يتفهم وجهة نظره ويناقشه، فقد يكون السبب هو الغيرة الشديدة أو الخوف عليك من الدراسة مع الفتيان في مكان واحد، وعندها يمكن التحايل على ذلك بإرسال من يرافقك بصورة دائمة، بل وينبغي إذا لزم الأمر أن تصل له رسالة أن القانون لا يسمح له بأن يعوقك عن إكمال تعليمك. ويفضل أن يأتي ذلك من قبل من يكبرونه في السن في محيط العائلة.
ثانيًا: لم تذكري لنا ما هي طريقة تعامل أبيك مع إخوتك، وهل يميز البنين على البنات، فإن كانت هذه المعاملة مع الجميع فينبغي أن تتوحدوا في التحدث والتحاور معه، وسماع وجهة نظره في الأمور التي ترونها ظالمة، والبدائل الممكنة للتقريب بين الوجهتين.
ثالثًا: وجودك بصفة مستمرة داخل المنزل لا يعني عدم القدرة على استثمار وقت فراغك، فهناك الكثير من الأنشطة والأعمال التي يمكن أن تمارسيها والتي تتفق مع ميولك وهواياتك، وأحدها بالطبع هو استثمار مجال الكمبيوتر والإنترنت الذي أرسلت لنا من خلاله هذه الرسالة.
رابعًا: زيادة مساحة تعارفك على الكثير من الفتيات، خاصة ممن هن من العائلة، والذين لن يستغرب الوالد زيارتهن لك أو ذهابك إليهن، فعن طريق هذه الصداقة يمكن التشجيع على عمل الكثير من الأنشطة المشتركة، والخروج من دائرة العزلة والوحدة، وحتى لا تكوني فريسة للشيطان الذي كثيرًا ما يغوي الإنسان إذا كان بمفرده.
خامسًا: ينبغي ألا تيئسي مع ذلك من إمكانية تغيير والدك ولو بقدر يسير، فينبغي أن تستمري في التحاور معه ما وجدت إلى ذلك سبيلاً، وأن تحاولي رغم ضيقك الشديد من ناحيته أن تتلمسي الجوانب الإيجابية في شخصيته وتحاولي استثمارها.
أختي الكريمة، حاولي أن تطبقي هذه الخطوات بصبر وعزيمة، فما أيسر الكلام ونحن معك بالمشورة.. مع تمنياتنا بالتوفيق
ــــــــــــــــــــ(41/352)
تحت العشرين : الحب.. والدراسة.. والأم
مع الأهل
السلام عليكم.. هذه أول مرة أكتب فيها لأحد طالبة النصيحة.. ولكن لثقتي فيكم قررت أن أشكو لكم همي عسى أن أجد منكم الرد الشافي.
مشكلتي هي أمي.. أنا أبلغ 19 سنة.. وأعيش مع أمي وإخوتي في بيت بسيط ومحترم.. توفي والدي وأنا طفلة، ولا أتذكره، ولكن مع هذا أنا أحبه، وكنت دائما أتمنى لو كان معنا في هذه الأوقات.
ولكن الحمد لله عندما كنا أطفالا كانت حياتنا سعيدة وهادئة، ولكن بدأت المشاكل عند البلوغ، خاصة في مرحلة المراهقة التي لا تفهمها أمي.. أمي غير متعلمة ولهذا الأفكار القديمة ما زالت مسيطرة على تفكيرها.. أمي لا تفهم أن من حق الفتاة إكمال تعليمها واختيار شريك حياتها، هذه هي المشكلة.
من فترة تقدَّم لي شاب، ولكن "ما صار نصيب" فأنا رفضته لأني أرغب في إكمال دراستي، وأنا في نظري لست مستعدة للزواج في هذه الفترة، ولكن هناك سبب مهم لي في حياتي وهو الحب.
أعرف أنكم ستقولون إني مراهقة، وهذا تفكير كل المراهقات، ولكن اسمحوا لي أن أقول إنه من حق الفتاة أن تعرف وتحب من ستعيش معه عمرها الباقي.. وأنا أخبرت أمي عن هذه الأسباب.. أمي اقتنعت واعتذرت لهم، ولكن وللأسف حدث ما لم أكن أتوقعه وهو أن تعايرني أمي فصارت دائما تقول لي: إلى متى ستبقين بدون زواج وإن كل البنات اللائي في سنك تزوجن...
وصارت تلومني ودائما تختلق المشاكل معي بالذات، وكلما طلبت منها طلبا صارت ترفضه، وتقول لي: "إذا بغيتي كذا وكذا ليش ما تزوجتي".. وللأسف صرت أكره حياة البيت وندمت على رفضي للعريس، وقررت الموافقة على أي واحد فقط لإرضائها، والآن تقدم لي آخر لا أعرفه، ولا أعرف أهله.. أتمنى أن تنصحوني وتريحوني فأنا في حيرة كبيرة، وحالة خوف شديدة وأنتظر ردكم على نار.
... المشكلة
أ.د. سحر طلعت ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الابنة الحبيبة..
يمكن تلخيص الجوانب البارزة في مشكلتك تحت عنوانين كبيرين: "أنت والحب" و"أنت ووالدتك". وإذا نظرنا للجانب الأول من المشكلة وهو "أنت والحب":
تقولين: إن من حق كل فتاة أن تعرف من سترتبط به وتحبه، ونحن نؤيد رأيك هذا بشدة، ولكن كل ما أخشاه أن نقصد نحن شيئا آخر غير ما تقصدين، فإن كنت تقصدين بالحب (الميل القلبي والقبول العاطفي لفكرة الارتباط بشخص ما) فهذا ما نقصده وهو ما نوافق عليه، وإن كنت تقصدين التعرف على شخصية من تحبين في الإطار العام - سواء بين الأهل أو من خلال زمالة الدراسة أو العمل أو أي نشاط اجتماعي عام - فهذا ما نوافق عليه ولا نرفضه، وهنا نحب أن ننوه على ضرورة ألا يسمح طرفا العلاقة لها بالتطور والانتقال من المجال العام إلى الخاص إلا بعد وضع تصور محدد لخطوات الارتباط المعلن على أن يكون هذا الانتقال تحت سمع وبصر الأهل.
أما إن كنت تقصدين بالحب الصورة المتعارف عليها في وسائل إعلامنا من نظرات ومكالمات وخطابات ولقاءات ... ولا مانع أيضا من لمسات وقبلات وتواصل جسدي يختلف حسب الظروف؛ فهذا ما نرفضه ولا نوافق عليه، لأنه لا يتوافق مع شرعنا وقيمنا، ولأن أول من تضار بهذا هي الفتاة البريئة التي ذهبت تبحث عن الحب.
المشكلة أيضا أن بعض الفتيات في مثل سنك تتصور أن الحب لا بد أن يبدأ عنيفا، حتى إن إحدى صديقاتي كانت تنوى رفض من تقدم إليها؛ لأنها لا تشعر عندما تلقاه باضطراب في ضربات القلب وخفقان ورعشة في اليدين وعرق شديد ... وكانت تتصور أن هذه هي أعراض الحب، ولم تكن تدرك أن الحب قد يبدأ بالقبول والشعور بعدم رفض فكرة الارتباط بهذا الشخص.
ومن رسالتك لم يتضح لنا أنك مرتبطة عاطفيا بشخص آخر، ومن الواضح أيضا - كما قلت أنت - أنك لا تعرفين الخاطب الجديد، ولذلك فقد يكون من المفيد لك أن تُعلمي والدتك بموافقتك على التعرف على الشخص الذي تقدم إليك؛ على أن يكون واضحا من البداية أنها فرصة فقط للتعرف ومعرفة مشاعرك نحوه، وعلى أن تكوني واضحة وصريحة مع نفسك ومع أهلك ومعه كذلك.
هي فرصة للتعارف والتفكير قد تنتهي بارتباط رسمي، وقد تنتهي برفض الفكرة من أساسها. على أن تنظري للأمر من كافة جوانبه، وتحكمي عقلك مع قلبك لتصلى لأفضل اختيار.
ولا تنسي استخارة المولى عز وجل، ولا يجب أن تقرري الموافقة على أي خاطب لإرضاء والدتك، فالزواج شركة وحياة ومسئولية مشتركة لا بد أن يتراضى ويتوافق فيها الطرفان.
أما بالنسبة لأمر الدراسة فيمكنك الاتفاق معه على أن تتمي دراستك بعد الارتباط إذا وجدت في نفسك القدرة على ذلك، أما إذا لم تجدي في نفسك القدرة على الجمع بين الدراسة والزواج، أو رفض هو السماح لك بالانتهاء من تعليمك، فهنا قد يكون من الأفضل لك تأجيل الارتباط لبعض الوقت حتى لا يعطلك هذا عن إتمام تعليمك.
والشق الثاني من مشكلتك ينبع من اختلاف نظرتك للأمور عن نظرة والدتك، وهو ما يسبب لك الضيق، ويمكنك التعامل مع هذا الأمر بداية بتجنب الصدام قدر المستطاع، ويفيدك أن توضحي لها وجهة نظرك، ويفضل أن يتم هذا في لحظات الصفاء، كما يمكنك الاستعانة في هذا الأمر بمن له القدرة على تفهمك ويستطيع التأثير عليها.
ابنتي الحبيبة.. هي أمك حتى ولو كانت أفكارها لا تناسبك، وحتى لو كانت من جيل وأنت من جيل، وحتى لو كانت غير متعلمة، ولا أقصد من كلامي هذا أن تفعلي ما يرضيها بغض النظر عن سعادتك وعن طموحاتك، ولكني فقط أقصد أن تكفّي عن الضيق منها، وأن تحاولي أن تتحمليها.
وأدعو الله سبحانه أن ييسر لك الخير كله
ــــــــــــــــــــ(41/353)
البحث عن أب في الخيال
مع الأهل, مع النفس
السلام عليكم والرحمة والبركات.. أنا فتاة عمري 19 عاما، ولقد توفي أبي وكان عمري 10 سنوات، ومنذ سنة أو سنتين بدأت أتخيل وكأن لي أبًا يعطف عليّ ويأخذني في حضنه غير أبي الذي توفي، ولكن أحيانا أتخيل وكأن هذا الأب يقسو عليّ قسوة ثم يعطف عليّ.
وبدأ هذا التخيل يمتلك مشاعري رغم أنني لدي العديد من الإخوة والأخوات وعندي أمي، وحياتي سعيدة مع عائلتي، ولكن لا أعرف لماذا تملكني هذا الشعور قلبي؟ وبدأت أنسج التخيلات، كيف أن أبي الذي أتخيله قد تركني ثم عاد إلي ولم يتركني وحدي، بل ترك أيضا أختي وأخي..
... المشكلة
د .ليلي أحمد الأحدب ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
يا صديقتي الغالية، كلنا نحلم بما نحن محرومون منه، وأنت قد حرمت من والدك منذ طفولتك، وربما لم تكوني تدركين حجم الأمور بشكلها الطبيعي في صغرك كما أنت الآن؛ ولذلك بدأت تعانين من شعورك بالفقد لوالدك وتستعيضين عن هذا الفقد بخيالاتك هذه.
لكن يا حبيبتي لماذا لا تفكرين أن تخرجي نفسك من هذه الخيالات التي لا يمكن أن تتحول إلى حقيقة أبدًا؟ لماذا لا تشغلين نفسك بأمور نافعة لك ولمجتمعك؟ أنت تقولين بأنك سعيدة مع عائلتك فلماذا لا تقضين الوقت الأكبر في ظل هذه العائلة المتماسكة رغم فقد عائلها؟
أذكرك يا عزيزتي بالحكمة القائلة: (ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس)، فالله سبحانه هو الذي يعطي وهو الذي يأخذ، وفي كل فعل من أفعاله حكمة خافية لا ندركها، وفي كل قضاء له سبحانه لطف بنا، قال تعالى "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون".
لم تذكري شيئا عن دراستك أو عملك، فكيف تقضين يومك؟ هل تستغرقين الوقت كله حالمة بأمور لا فائدة منها؟ هل لك صديقات سواء في العمل أو في الدراسة أو خارج إطارهما أو أنك تميلين إلى العزلة والوحدة؟ هل يمكنك أن تصارحي والدتك بخيالاتك هذه فربما تستطيع إخراجك منها بدعمها النفسي لك؟
حاولي أن لا تبقي منفردة كي لا تستسلمي لهذه الأوهام، فاندمجي بشكل أكبر في أسرتك وكذلك في مجتمعك، والجئي إلى الله سبحانه ليساعدك "واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين".
إذا استمرت هذه الخيالات معك بعد مصارحة والدتك ومحاولتها لمساعدتك فقد يكون من الأفضل أن تستعيني بطبيب نفسي؛ إذ إن حالتك قد تستدعي المساندة النفسية بشكل أكبر مما نستطيعه عبر هذه الصفحة، لكن يجب أن تفعلي شيئا للتغيير، وإذا لم تحبذي هذه الفكرة فليكن الله سبحانه هو طبيبك، فاستعيني بهذا الدعاء "اللهم إليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، ولا حول ولا قوة إلا بك" والسلام عليك. يمكنك مراجعة إجابة سابقة :
سواسية أمام الموت... دمع ودعم
ــــــــــــــــــــ(41/354)
تكتب وأكتب : في حب البنات للبنات
مع المجتمع, علاقات الدراسة
السلام عليكم، أشكركم على موقعكم.. أنا فتاة في 19 من عمري، طوال عمري لم يكن لي صديقات، كنت دائما أحس بالوحدة، وكنت دائما أدعو الله أن تكون لي صديقة، والحمد لله استجاب لدعائي، وأصبح عندي صديقة الآن وأحبها جدًّا، وبعد ذلك بفترة رأتني صديقتي يومًا من الأيام أمشي مع إحدى زميلاتي غضبت مني، وعندما سألتها فوجئت أنها تقول بأنها تغار عليّ ممن تكون معي.
وبعد ذلك بدأت تكتب لي الخطابات، وتقول فيها بأنها تحبني جدًّا، وتشبهني بالهواء الذي تعيش عليه، ودائما تكتب الأغاني عن الحب. في البداية كنت مستغربة جدًّا، ولكن وبعد ذلك أصبح عاديا بالنسبة لي؛ لأني كنت أرى الكثير من الصديقات يفعلن نفس الشيء، وأحببتها أكثر وأكثر. لا أعلم ماذا حدث لي، بدأت أسمع كثيرًا من الأغاني، وأصبحت دائمة التفكير بها، وكانت تقول بأني لا أكتب؛ لأنه لا يوجد بداخلي أشياء أحس بها، فبدأت أكتب لها.
وعندما قرأت موقعكم عن الأصدقاء توقفت عن الكتابة لها، علما بأني لم أكن أكتب لها كثيرا، وبدأت أشعر أن الله غاضب مني، فحاولت أن أقلل من سماعي للأغاني، وعاهدت نفسي ألا أسمعها نهائيا.
أما عن صديقتي فهي لم تتوقف عن الكتابة، سواء ما تكتبه تعطيه لي أو تكتبه في أجندة المذكرات الخاصة، ولا أنكر أني أغار عليها من صديقاتها، ولكن ذلك لا إرادي، وهي قليلا ما تحس بذلك، وهي من كثرة حبها لي وغيرتها عليّ كلما تسمعني أقول مثلا بأني أتمنى أن أصادق هذه الفتاة غضبت مني، رغم أن لها صديقات كثيرات.
وأحيانا تتخيل أني سافرت، وتكتب لي خطابا على أساس أني نسيتها، وهي دائما تسرح وتفكر كثيرا، وعندما أسألها فيم تفكرين؟ تقول فيك وفي أشياء كثيرة، رغم أني لا أرى في حياتها أشياء تستدعي هذا التفكير الكثير و"السرحان" الدائم. وهي دائما تسيء الظن بي، وعندما أسألها تقول بأنها لا تريد أن تأتي يوما وتصدم فيّ كما صدمت في غيري. وأنا إن لم أتصل بها لمدة 6 أو5 أيام تقول أخواتها بأني أعذبها، وأنها دائما تنظر إلى صورتي وأحيانا تبكي.
حقيقية بدأت أن أخاف عليها من هذا الحب ولا أعرف ماذا أفعل لها؟ علما بأني لا أريد أن أتركها؛ لأني أحبها، علما بأن حالة "السرحان" أصبحت عادة عندها، وتجلس أغلب الأوقات وحدها، وتقول بأنها تستريح بذلك.
أنا أريد أن أساعدها، ولا أريد أن تعذب أرجوكم أريد حلا دون أن أتركها؛ لأني اعتبرها هدية من الله لي ولا بد أن أحافظ عليها.. فهل هي بهذه التصرفات تعتبر مريضة؟
ملحوظة: لها صديقات أخريات، وكانت دائما تكتب لهن؛ لأني قرأت ذلك في مذكراتها، وعندما قلت لها بأنك تكتبين لهن كما كنت تكتبين لي، قالت لي بأنها معي تحس غير ما كانت تحس معهن. أنا أعتذر عن الإطالة، وأرجو أن تسرعوا بالإجابة، وشكرا.
أنا تعودت أن أحكي لها كل شيء أفعله.. هل أقول لها إني بعثت إليكم أم لا؟
... المشكلة
د . مأمون مبيض ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... هنيئا لك أيتها الأخت أن استجاب الله لك فجعل لك صديقة تعزينها ، ولكن ككل شيء في الحياة هذه النعمة تأتي ومعها مسئوليتها التي عليك أن ترعيها حق رعايتها، حيث تكون متوازنة فلا إفراد ولا تفريط.
وليس من النادر أن يرتبط الفتيات ومن هن في سنك ببعض صديقاتهن، ولكن ككل شيء في الحياة لا بد من التوازن في هذه العلاقات فلا تخرج عن الحد المعقول والمنطقي والطبيعي كما يحدث مع البعض. والقاعدة البسيطة بشكل عام أن العلاقة التي تبدأ تشغل بالك وتشعرك ببعض القلق يجب أن تعيدي النظر فيها فقد تحتاج لبعض التوازن والتعديل من الطرفين، بل وتحتاج إلى تغيير في نمط الحياة والتفكير.
وليس طبعا من السهل القيام بمثل هذا التوازن خاصة عندما تشعرين بمحبة صديقتك الشديدة لك، ولا شك أنك تساعدين صديقتك بعض الشيء عندما تحاولين ترشيد هذه العلاقة فلا تعود تأخذ كل اهتمامك واهتمام صديقتك في الحياة.
والنصيحة المفيدة أن يحاول الإنسان أن يوسع بعض الشيء دائرة العلاقات الاجتماعية مع الناس، ومن المفيد ألا يقصر الإنسان صداقاته مع شخص واحد، كما يفيد أن يكون للإنسان دوائر حركة وتفاعل وأنشطة متنوعة وهوايات واهتمامات مختلفة.
أنصحك بمصارحة صديقتك بأنك قلقة من طبيعة هذه العلاقة أو الصداقة، وأنك تودين المحافظة على صداقتها، ولكن ترغبين في ذات الوقت بوضع حدود لها. ولا بأس أن تخبريها بسؤالك لهذا الموقع، وأن تجعليها أيضا تقرأ هذا الجواب؛ فقد يكون في ذلك فائدة لكما معا.. وفقك الله وصديقتك لكل خير وجنبكما كل سوء.
ويضيف د. أحمد عبد الله:
نرجو مراجعة إجاباتنا السابقة التي تناولت العواطف القوية بين الفتيات في مثل المرحلة العمرية التي تعيشينها،ومنها :
تزوجت صديقتها الحميمة.. وتركتها وحيدة
صديقتي تغار ، وأنا أغار : هل الصداقة نار
أحب صديقتي.. وأحب الأخريات
ونكرر ونؤكد أن هذه الطاقة الشعورية العارمة التي تتردد في جوانح كل فتاة تحتاج إلى استثمار يخرج بها من الدوائر الضيقة والحركة المحدودة التي تقتصر عليها الأنثى العربية في أوطاننا.
خذي بيد صديقتك إلى العالم الواسع من حولكما ففيه من نواحي الجمال والمتعة والنفع ما يستحق أن يعاش، وأهلا بك دائمًا
ــــــــــــــــــــ(41/355)
مدارس البنات : هل الضرب ينقض الوضوء ؟
مع الجنس الآخر
السلام عليكم.. أنا طالبة بالمرحلة الثانوية وفي المدرسة يرفضون النزول لأداء الصلاة، وإذا وافقوا ففي بعض الأحيان نصلي بسرعة، ومرات أخرى ينقض وضوءنا ونضطر لجمع الصلاة. فما الحل؟ .
بعض المدرسين يستخدمون أيديهم لضرب الفتيات على أيديهم أو أجسامهم، وهذا حرام. فما العمل إذن؟! أشكركم، السلام عليكم ورحمة الله.
... المشكلة
د.إيهاب خليفة ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت الكريمة، كم أنا سعيد أن أرى فتاة في مثل عمرك تهتم بمراعاة الحلال والحرام، وأتمنى لك الثبات والاستمرار على ذلك.
وبعد.. فإن ما ذكرته هو جزء يسير من كم هائل من المشكلات التي تنشأ بسبب عدم انتظام مجتمعاتنا وفق تعاليم الإسلام، وأقول ذلك حتى تتوقعي أن مثل هذا النوع من المشكلات ربما يزيد بمرور الوقت وباتساع دائرة علاقاتك وتعاملاتك. ومن رحمة الله بنا أنه جعل الإسلام دين الواقعية وليس مجرد تعاليم جامدة.. فنسمع دومًا عن فقه المضطر، ونجد عبارة "إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه" تتكرر كثيرًا في القرآن الكريم، ونجد في كتب الفقه متسعًا ومنفذًا لكل الظروف التي تحيط بالإنسان.
ففي حالة رفض أداء الصلاة يمكنك أن تؤديها بعد انتهاء الدرس، والوزر يقع على من منعك من أدائها، وكان من المفترض أن يكون أول المؤيدين لها!
وفي حالة نقض الوضوء يُكرر، كما يمكنك اللجوء إلى التيمم؛ فحكم التيمم لا يتعلق فقط بغياب الماء، وإنما يتعلق أيضًا بصعوبة الحصول عليه، أو بالخوف من زوال وقت الصلاة.
ولمزيد من الإيضاح يمكنك الرجوع إلي قسم الفتوي بموقعنا .
وأما عن مسألة ضرب الفتيات فعلاجها هو الحديث المباشر مع الأستاذ بضرر هذا الأمر من الناحية التربوية، والدينية وليس مجرد أنه ينقض الوضوء، ولكن هذا الحديث إلى الأستاذ ليس دورك ولا هو دور زميلاتك.
إذا تكرر هذا السلوك منه وشعرت بأن الأمر بدأ يخرج عن حدوده الطبيعية، فيمكن التحدث معه بصورة جماعية، وبلهجة جادة حتى يتوقف ويهتم، وإن استمر في ذلك يمكن تقديم شكوى جماعية إلى مدير المدرسة، أو حتى إلى الوزارة، ولعلَّ الأمور لا تتطور إلى هذا الحد.
مع تمنياتي لك بالتوفيق والثبات.
ــــــــــــــــــــ(41/356)
الدراسة.. ضرورة ثقيلة الظل
هموم الدراسة, مع الأهل
أنا فتاة في السابعة عشرة من عمري، مشكلتي أنني لا أحب الدراسة، وأهلي يجبرونني عليها على الرغم من أن مستواي الدراسي قليل جدا، ويقول لي أبي لماذا هذا المعدل؟ وأريد أن أقول له لأنني لا أقتنع بالدراسة، خاصة الرياضيات، لكنني لا أقدر. ... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
هل الدراسة أمر يمكن أن نقبله أو نرفضه ؟! هل إذا أحببناه فعلناه وإذا كرهناه لم نفعله ؟! ويكون السؤال الأهم هو: لماذا ندرس ؟ هل هو أمر كمالي في حياتنا أم أمر ضروري ؟
أظنك لو فهمت هذه الأسئلة السابقة وأجبت عليها بهدوء وموضوعية فستصلين إلى حل مشكلتك، ليس مع أهلك ولكن مع نفسك؛ لأن أهلك في الحقيقة لا يجبرونك على الدراسة ولكنهم يفعلون ما يرونه واجبا ناحيتك.. فمثلما هو واجب عليهم أن يطعموك ويكسوك ويوفروا لك كل أسباب الراحة فواجب عليهم أن يعلموك؛ لأن هذا جزء ضروري من بناء شخصيتك من أجل أن تستطيعي الحياة بنجاح الآن وفي المستقبل.
إن التعليم أصبح أمرا ضروريا في حياة البشر حتى يستطيعوا أن يتعاملوا مع مفردات حياتهم المختلفة، لقد أصبحت الحياة من التعقيد بمكان بحيث أصبح غير المتعلم ليس له مكان في هذا العالم أو له مكان على هامشه لا يشعر به أحد أو يعطيه أي اعتبار، في عالم أصبحت فيه الأمية (الجهل) تقاس بالجهل بالكمبيوتر وعلومه - كما في اليابان - يصبح التعلم والتعليم والدراسة ضرورة وليست ترفيها أو شيئا كماليا يمكن الاستغناء عنه عندما لا نحبه.
لسنا نفعل فقط ما نحب وربما تكون الدراسة هي أول درس في الحياة تتعلمين فيه أن تفعلي في بعض الأحيان ما لا تحبينه من أجل أن تصلي إلى ما تحبينه. إنك تحبين أن يحترمك الناس ويقدروك، إنك تحبين أن يكون لك مستقبل تعيشين فيه سعيدة، ولن يكون ذلك إلا بالعلم ولن تحصلي على العلم إلا بالدراسة.
قد تكون طريقة التدريس مملة.. قد تكون بعض المواد غير مقبولة لك، والأمر يحتاج إلى تذكّر الأهداف والدوافع التي من أجلها أتعلم حتى أستطيع أن أتغلب على إحساسي بالصعوبة أو الملل. أو نقولها بطريقة أخرى: إذا لم تدرسي وتتعلمي.. فماذا ستفعلين؟ وما هو الشكل الذي تكون عليه حياتك الآن وفي المستقبل؟ وعندما تصبح كل زميلاتك وقريباتك وأخواتك متعلمات وفي مراكز مرموقة ويتزوجن شخصيات مرموقة.. فهل ستكونين راضية عن نفسك وأنت غير متعلمة.. لا شهادة معك.. وليس لك أي مركز.. ويتقدم من لا مركز لهم للزواج منك؟
إن العلم قيمة في ذاته يرفع به الله شأن الإنسان ويأمره بالتعلم والاستزادة منه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: اطلبوا العلم ولو في الصين، وكانت أول آية في القرآن: "اقرأ".
ــــــــــــــــــــ(41/357)
عدوى المرض النفسي : الابن مفتاح العلاج
مع الأهل
السلام عليكم ورحمة الله، مشكلتي عويصة بدأت منذ ولادتي ولم تنته حتى الآن (18 سنة) وهي (والدي)، لقد جعل حياتي أنا وأمي وإخواني الأربعة أكثر مما يكون جحيما، والمشكلة تخص أمي المعذبة أكثر منا نحن أبناءها.. لقد أفنت حياتها من أجلنا وما زالت تضحي وتضحي.
أبي إنسان قليل أدب سفيه لأقصى الدرجات لم أتعلم السب والسفاهة إلا منه، يسب أمي ويدعو عليها دعوات أشد من دعوته على الكفرة، ويتهمها بالقذف مع أي شخص يخطر في باله، يضربها ويعذبها أشد التعذيب، وأنا شاهد على ما يفعل؛ حتى إنه من قسوة ضربه يصيب جسمها زرقة من شدة الألم والضرب.
لا أدري بصراحة ماذا يريد منا؛ فأمي تعامله أطيب معاملة، وهو على العكس تماما، تقدم له الطعام فلا يأكل ويذهب ليأكل من المطعم، وإذا لم تقدم له الطعام ينفجر كالقنبلة الذرية. وضربه لها عاصرته من صغري وفي تلك الأوقات لم يكن في مقدوري أن أفعل شيئا، أما الآن فأنا أستطيع أن أدافع عنها وهذا ما يغيظ أبي ويجعله يثور أكثر وأكثر، وهو ما يجعله في بعض الأحيان وبالذات في الآونة الأخيرة يتعارك معي، وهذا ما يجعلني أضربه لا حقدا عليه، مع أني أكرهه أحيانا وأحبه أحيانا، ولكن في سبيل تهدئته؛ حيث لا يوجد غير هذه الطريقة فيلعنني ويسبني ويدعو عليّ وأنا أسكت، إلا في آخر مرة وهي اليوم الذي أرسل فيه هذه الرسالة الطويلة أمامكم والقصيرة أمامي حيث دعوت عليه وشتمته من غير وعي مني، وقررت أن آخذ بيد أمي إلى المحكمة لأطلب الخلع.
ومعاملة أبي القاسية والدنيئة لم تقتصر مع أمي ومعي ولكنها امتدت إلى الخادمة المسكينة والسائق المسكين أيضا، ونحن نتلهف على وجود خادمة تعمل بإخلاص وتفان، ووالله العظيم إن هذه الخادمة فيها من الإخلاص والتفاني ما لا يتواجد في أي خادمة أخرى، وكذلك السائق. أهله لا يطيقونه، ولا يدعوننا بسببه في أي مناسبة.
نحن معزولون عن العالم؛ فأقاربي لا أراهم إلا مرة في السنة تقريبا، أما عن أقاربي من أعمام وأخوال فقد حاولوا كثيرا لإصلاحه لكن ذهب ذلك في أدراج الرياح مع أبي. ففي يوم من الأيام الطاحنة أخذوه إلى الشرطة وكتب تعهدا أنه إذا اعتدى على أمي مرة أخرى فسوف يسجنونه. ولا حياة لمن تنادي فبعد أيام رجع الحال كما كان.
مستوى الدراسي بالنسبة لي.. كنت من الأوائل من بداية حياتي الدراسية حتى أولى ثانوي وها أنا الآن راسب في التوجيهي، ومع ذلك لا أعتقد أن ما يحصل هو السبب في ذلك، أعتقد أن ابتعادي عن الله هو السبب، ولكني أحاول أن أرجع كما كنت سابقا. وإخواني ولله الحمد متفوقون، وإن شاء الله يستمرون في ذلك.
أما أمي فلا أعرف ماذا أفعل معها، هي تعمل ولديها من المال ما يكفيها، وهي حساسة، والذي يؤكد ذلك أنني مثلها، وهذا أدى إلى أنها وقعت في شباك أحد الذئاب - عفوا الخنازير الشيطانية - حين كنت صغيرا، وطبعا وقعت بسبب ما فيه، وقد كان الأمر مجرد مكالمات تليفونية ووعود بالزواج بعد طلاقها من زوجها، لكنني عندما عرفت سخطت عليها وكرهتها ولكن صديقتها وعظتها ونصحتها، وأبلغتني عما تفعله معها جزاها الله ألف خير. وبعد أن عرفت أمي عقوبة الخيانة الزوجية في الآخرة تركت ما كانت عليه وأصبحت تضحي بحياتها من أجلنا.. هذه نبذة مختصرة جدا عما يحصل في بيتنا الجميل خارجيا والقبيح داخليا.
والدي عصبي المزاج منذ صغره وأهله يعرفون ذلك، لا يعجبه شيء (بطران) لا يحمد الله على الخير والنعمة التي هو فيها، تعرّض لحادث سيارة في بداية الزواج أدى إلى فقدان السمع تماما، ولديه الصرع.
وأنا لا أعرف بالضبط ماذا لديه أيضا.. فهل هو مريض نفسيا نتيجة هذه الضغوطات الماضية أم ممسوس من الجن؟! قال والدي مرة بأنه ذهب لشيخ وقال له بأنه أصابته عين. وأنا قد ناقشته مرة بأن يذهب إلى طبيب نفسي فسكت ولم يفعل شيئا حيال مصيبته وقدره الذي يؤمن به أحيانا، والعكس في أحيان أخرى.
عذرا للإطالة فليس لديّ أحد أناقشه لأجد الحل الأكيد منه، وليس لدي إلا الله ثم أنتم أفضل المواقع العربية لديّ. واعذروني إذا كان كلامي غير متوازن أو دقيق؛ فأنا مشوش. ووفقكم الله. وشكرا.
... المشكلة
أ.د. وائل أبو هندي ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... مشكلة أسرتك للأسف تفاقمت بسبب عدم الاهتمام بعلاج والدك منذ بداية مرضه فيما يبدو؛ فمريض "الصرع" يحتاج إلى علاج دائم في الكثير من الأحيان، وأنت لم توضح في رسالتك أي معلومات عن حالة الصرع هذه، فمن الواضح يا أخي أنك كنت تكتب وأنت في غاية الانفعال، ولذلك لم تستطع التماس العذر لأبيك مريض الصرع بعد سنوات من مرضه، خاصة عندما لا يعالج يحدث تغير عضوي في شخصيته، وهو ما يطبع سلوكياته كلها بالحدة والنزق والشراسة.. وأسرته كلها لا بد أن تعاني من ذلك.
والغريب أن الكثير من الأسر في مجتمعاتنا ما تزال تتمتع بقدر عال من تحمل سلبيات المرض النفسي في أحد أفرادها، وهذا شيء رائع ومفيد لو اقترن بمحاولة العلاج لدى الطبيب النفسي، لكننا في الواقع نظل نتحمل سلبيات المرض النفسي إلى أن يمرض باقي أفراد الأسرة ولا نلجأ أبدًا للطبيب.
إذن فهذا هو المفتاح، لقد قلت في آخر الرسالة بأن والدك ذهب إلى أحد الشيوخ، وقد قال له الشيخ بأنه مصاب بعين وليس ممسوسًا من الجن كما كان أبوك يظن!
الصرع كما نعرفه نحن الأطباء عبارة عن اختلال في النشاط الكهربي للمخ ينتج عنه نوبات يحدث فيها تهيج في مناطق معينة من المخ حسب مكان البؤرة الصرعية، وهذا ما يجعل النوبة تأخذ العديد من الأشكال. المهم أنه مرض يعالج الآن بالأدوية، وبنجاح كبير نحمد الله تعالى عليه.
ومن المهم أيضًا أن أنبه إلى أن فقد أبيك لحاسة السمع بعد الحادث الذي شاء الله أن يتعرض له سيكون له تأثير سلبي على حالته؛ حيث يمكن أن يؤدي إلى إصابته بالاكتئاب وبالأفكار الضلالية عندما تتقدم به السن وهذا ما سيزيد حالته سوءا؛ لذلك يستدعي اللجوء إلى الطبيب النفسي قبل أن يصبح لزامًا عليكم إدخاله إلى مصحة نفسية، أي أن الوقاية الآن خير وألف خير.
وأما عن تغير الشخصية العضوي الذي حدث والذي هو السبب في سوء معاملته لك ولأمك ولجميع الأسرة، فإنه أيضًا يحتاج إلى مساعدة الطبيب النفسي الأقرب منك، وعليك أن تبذل جهدًا في إقناع الوالد بذلك.
وأما عن دروسك التي أهملتها وابتعادك عن الله فيكفيني أنك على دراية بإهمالك وتقصيرك في حق نفسك، سارع إذن بالتقرب من الله والانتباه لدراستك والله معك.
ــــــــــــــــــــ(41/358)
في وجود الميسرات: الطاعة أقرب أم المعصية ؟
مع الجنس الآخر
المشكلة بدأت عندما كنت في الثانوية العامة، كنت أعرف بنات كثيرات جدا بسبب الدروس الخصوصية، وفي يوم شؤم عرضت عليّ إحدى زميلاتي الزنى فاندهشت في أول الأمر جدا ولكن لم أستطع أن أقاوم مع الأسف، ولسوء حظي أن زميلتي هذه كانت جميلة جدا، ووقعت في براثن الشيطان الذي لا يرحم، وارتكبت جريمة الزنى، ومنذ ذلك الوقت وأنا في دائرة المغضوب عليهم، وأسأل الله الغفور الرحيم أن يتوب عليّ من هذه الجريمة البشعة.
والمشكلة أنني فعلت هذه الجريمة أكثر من مرة، وكل ميسرات المعصية عندي: الشقة والفلوس، والجمال ... بمعنى أصح إن جاز التعبير: صعب أن ترفضني واحدة. أنا الآن محطم جدا وأريد في كل وقت أن أنتحر و"اخلص"؛ لأني كلما تبت سرعان ما أرجع إلى هذه الجريمة البشعة مرة ثانية لدرجة أنني أدمنتها - الله يعافيكم - ولا أعرف ماذا أفعل؟ أفيدوني الله يجازيكم عني خيرا وعن المسلمين إن شاء الله. وأعتذر على الإطالة.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... ولماذا تكون الشقة والفلوس والجمال ميسرات للمعصية ولا تكون ميسرات للطاعة؟ إذا كان لديك الشقة والمال فلماذا لا تتزوج؟ وبدلا من إدمانك الزنى فلماذا لا تشبع رغبتك في الحلال؟ وعندها لن تعود إلى الحرام وأهله وتتوب توبة صحيحة.
إن من وصل إلى حالك في عدم القدرة على السيطرة على شهوته لدرجة الوصول إلى الزنى يصبح الزواج في حقه واجبا وفرضا مقدما على كل الأمور حتى التعليم والدراسة.. بمعنى ألا تتحجج بكونك ما زلت تدرس أو أن الأهل سيرفضون ارتباطك وأنت طالب، فطالما أن الشقة والمال ميسر للمعصية فالأولى أن يوجه للطاعة، وهل سيعطلك الزواج ولا يعطلك الزنى؟
إننا في بعض الأحيان نستمرئ المعصية ونضع أمام أنفسنا المبررات غير المنطقية ونريح ضمائرنا بين الحين والحين بمحاولة الامتناع، ونقول لأنفسنا بأننا نريد الانتحار؛ لأننا لا نستطيع، والأمر لا يعدو حيلة نفسية دفاعية حتى نريح أنفسنا أمام أنفسنا ... بدلا من الانتحار تزوج.. فالزواج أهون من الانتحار في كل الأحوال. لن يغنيك أمام الله شيء طالما أنك قادر على الزواج فالشقة موجودة والمال متوفر... فلن يغنيك أمام الله شيء. توبتك العملية الصادقة هي أن تسعى للزواج بأسرع ما يمكن... وحق على الله أن يعين من يطلب العفاف.
ملاحظة أخيرة: من أسلوب الرسالة يتسرب إلينا أحيانًا الشك في حديثها، ولا نجد في أنفسنا الرغبة بالرد الجدي عليها بالتالي، ونرجو من الآن فصاعدًا أن تكون الكتابة بالعربية الفصحى "ما أمكن" وبالتفاصيل اللازمة، مع اجتناب الخوض في مشكلات واضحة الحل مثل هذه التي بين أيدينا، ولنتق الله جميعًا في فرصة إرسال المشكلات التي قد تضيع على البعض وفي وقت وجهد الفريق...
والله حسبنا وهو نعم الوكيل.
ــــــــــــــــــــ(41/359)
يحدث بين الطلبة والطالبات: هواجس ملتزم
مع الجنس الآخر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاكم الله خيرًا على هذه الخدمة العظيمة التي تقدمونها. فأكثر ما سُررت له أنكم تقدمون حلولا نفسية ذات صبغة دينية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الشمولية في الإسلام.
عندي مشكلة أحسبها صغيرة، وهي: أنا أدرس في كلية عملية بمصر، وبفضل الله أنتمي إلى التيار الإسلامي في الجامعة، ونظرا لهذا النشاط يحدث بيني وبين الطلبة والطالبات بعض الاحتكاك والحوار الصغير جدًّا الذي لا يتجاوز دقيقة واحدة على الأكثر بالنسبة للطالبات.
المهم في الفترة الأخيرة حدث احتكاك بيني وبين إحدى الأخوات في دفعتي، وهو عبارة عن إعطائي لها ورق درس يخص إحدى المواد، وانتهى الموضوع على ذلك، ولكن ظلت تلك الواقعة في ذهني، وأحسست أنني أخطأت على قيامي بهذا العمل (لا أدري لماذا؟)، ثم تطور الأمر، وصرت أفكر في هذه الأخت كثيرا، وأحسست أن في قلبي إعجابًا بها؛ فلمت نفسي وأحسست أنني خائن لأمانة الأخوة والدين، فقررت حضور محاضراتي في وقت غير وقتها، مع العلم أننا في نفس المجموعة، وبالنسبة لنشاطي قررت عدم ممارسة أي نشاط تراني فيه خوفًا من الرياء، وصرت أكلف به أحد أفراد طاقمي للقيام به، ولكن لم يمنع هذا العاطفة نحوها بشكل نهائي، خاصة أنني بدأت أشعر بنظراتها المختلسة إليّ.
فأرجو منكم توجيهي لحل هذه المشكلة.. بفضل الله استطعت التقليل من تلك العاطفة بالدعاء والانشغال بالأعمال الدعوية، ولكنها ما زالت موجودة، مع العلم أني لا أضاد الحب، ولكن اعتقادي فيه أن لكل وقت أذانًا؛ بمعنى أنني الآن همي الأول والأخير النجاح والتفوق في ديني ودنياي وجزاكم الله خيرا.
... المشكلة
د .ليلي أحمد الأحدب ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... هوِّن عليك يا بني العزيز.. فما حصل لا يستحق أن تلوم عليه نفسك بهذا الشكل؛ لأنه لم يتعدّ المشاعر القلبية، وسواء كانت مشاعر إعجاب أو حب، فإن الله سبحانه لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وفي الحديث الشريف: "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به نفسها ما لم تقل أو تفعل".
ما شعرت به شيء طبيعي وفطري، وليس منا نحن الأكبر منك سنا من لم تهزه نسائم الحب يوما ما، ودعني أردد مع الشاعر:
ألا ليت الشباب يعود يوما **** فأخبره بما فعل المشيب
رسالتك لامست شغاف قلبي لصدقها، وأدخلت إلى نفسي شيئًا من الانتعاش؛ لأنها تحمل شيئين يندر وجودهما في هذا الزمن:
أولهما: الحب أو الإعجاب الصافيان دون أن يتلطخا بإثم الشهوة أو يتدنسا بهوس الغريزة.
ثانيهما: وجود شاب واع مثلك يضع همَّه الأول والأخير في نجاحه وتفوقه دينًا ودنيا. ودليل وعيك ليس فقط ما ذكرته عن نفسك، بل ما بدأت به رسالتك من أنك سُررت بما نقدم من حلول نفسية ذات صبغة دينية، واستنتجت أن الإسلام دين الشمولية فليس لي هنا إلا أن أثني عليك لتحليلك الصحيح أولا واستنتاجك الأصح ثانيا؛ فالإسلام هو الثوب السابغ للفطرة الإنسانية، وهو دين التوازن الذي لا ينكر أشواق الروح ولا يلغي مطالب الجسد، وهذا فعلا ما نحرص أن نظهره؛ لأننا نريد للجميع أن يعودوا إلى الفطرة بعد أن شُوهت كثيرا بفعل أفكار غربية أو تقاليد جاهلية، والعودة إلى الفطرة هي العودة للدين.
بداية سأشرح لك الحالة التي مررت بها من الناحية النفسية أولا ثم أقيمها من الناحية الدينية ثانيا؛ إذ أعتقد أن ما شعرت به حيال هذه الفتاة لا يزيد عن الميل الطبيعي، أو لعل هذا الشعور في أحسن أحواله هو الإعجاب، ولا أظن أن شعورك هذا بلغ مرتبة الحب لسببين:
أولهما: لأن الحب لا ينمو إلا في تربة عدم الرضا عن الذات والرغبة في اكتمالها، ولذلك يجد من يقع في الحب أنه يشعر بنوع من الدهشة العاجزة تجاه القيم المتفوقة لدى المحبوب، وهذا ما لم تتعرض له ولم يظهر في رسالتك أبدًا.
ثانيهما: أنك شاب طموح، ولا يمكن للحب والطموح أن يبلغا غايتيهما في الوقت ذاته؛ فهما قوتان متنافستان، ومن يبقى شديد الطموح لا يمكن أن يكون عاشقًا مولهًا، ومن يقع في الحب يتخلَّ عن طموحه إلى بلوغ الأنا المثالي المتمثل في المحبوب المتفوق.
ومع ذلك على فرض أنه الحب، أو أنك وقعت في الحب مستقبلا، فأخبرك أن شعور الحب لدى الشاب من الناحية النفسية شعور ضروري لتهذيب وحش الجنس عنده، ولتلطيف غريزة العنف كذلك علما بأن هناك بعض الذكور يمتلكون بالفطرة خاصة الحساسية واللطف -رغم أنها صفات أنثوية- كالإناث أنفسهن أو أكثر.
أما من الناحية الدينية فلا أريدك أن تحمل نفسك فوق طاقتها لدرجة تنكر على نفسك نداء الفطرة فيها؛ فالميل بين الجنسين هو شيء أودعه الله في الذكر والأنثى لحكمته البالغة في جذب كل منهما للآخر لتستمر الحياة متدفقة مع كل جيل جديد. فهذا الشعور ليس حراما بشرط ألا يتمادى بحامله فيهوي به في واد سحيق وهو لا يشعر. إذا استطعت أن يبقى هذا الحب أو الإعجاب عفيفًا لا يداخله غش في النظر، ولا رقة في الكلام، ولا زغل في النفس.. فاعلم أن هذا الشعور يقوي إيمانك ويقربك من الله سبحانه.
قد تستغرب كلامي، لكنك ستفهمه أكثر عندما تحاول تطبيقه واقعًا بحيث تستطيع أن تفصل بين عواطفك ومشاعرك من جهة وغرائزك وشهواتك من جهة أخرى. فإذا استطعت ذلك فاعلم أنك ازددت في الإيمان مرتبة، وارتفعت في القرب من الله درجة رغم بقائك معجبًا بهذه الفتاة أو محبًا لها.
أرجو أن تراجع ردي على هذه الصفحة: دفاع حار.. الحب كما يجب أن يكون
، وعلى صفحة معا نربي أبنائنا: سخافات الخلط بين الحب والجنس ؛ ففيهما ما يفيدك ويفيد إخوتك أيضا، خاصة أنك تعمل في حقل الدعوة، وقد ظُلم الحب كثيرا بسبب خلطه مع الجنس؛ فأصبح أكثر الملتزمين ينكرون هذا الشعور، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم ينكره بل قال: "لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلَ النِّكَاحِ"، وذكر ابن القيم -رحمه الله- كيف أن بعض الخلفاء الراشدين تشفعوا للمحبين عند محبوبيهم ليجمعوا بين أجسادهم على سنة الله ورسوله كما جمع الله بين قلوبهم، وكان الشاعر يأتي القوم المعروفين بالتقى فينشدهم من شعره الغزلي فيستطيبونه ما دام لا يشبب بمحبوبته ولا يذكر مفاتنها، وحتى إن قصيدة كعب بن زهير رضي الله عنه في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام بدأت بما اعتادوا عليه في معلقات الشعر الجاهلي من المطلع الغزلي، ولم ينكر عليه الرسول ذلك.
إذن الحب ليس عيبًا ولا حرامًا، فلا ترفض من قلبك رقة الحب إذا شعرت بها؛ فالداعية إلى الله بشر، وكي يستطيع أن يؤثر في البشر يجب أن يفهمهم، وإذا مر بمعاناة إنسانية من أي نوع فربما استطاع أن يتفهم أفضل عواطف البشر وأتراحهم وأفراحهم، وتفهمه هذا يهيئه ليقترب منهم أكثر ويساعدهم أكثر، وبالتالي يكون تأثيره فيهم أشد.
لذلك أرجو أن تلغي من رأسك هذه الأفكار بأنك خائن للأمانة والدين والأخوة، فهي ليست إلا من وساوس الشيطان ليدخل إلى عقلك أنك أخطأت خطأ كبيرًا ويحملك على تأنيب نفسك وجلد ذاتك، وقد يؤدي بك هذا الشعور إلى أن تعاني من شعورك بالنفاق والرياء، بل بالأحرى لقد بدأ معك هذا الشعور فتركت نشاطك الدعوي أو الحركي ليقوم به أخ غيرك. فاعلم يا بني أن أبواب الشيطان -لعنه الله- ليست عن طريق المعاصي فقط، بل إنه أحيانا يأتيك عن طريق الطاعات كما يسول لك أن تتركها خشية الرياء، فلقد انتصر عليك هنا فرد كيده في نحره وعد لنشاطك الإسلامي كأن شيئا لم يكن.
ويجب أن تعترف لنفسك بأنك ضعيف كما قال الله تعالى: "وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا" لتستطيع أن تعترف بهذا أمام خالقك سبحانه وتعالى فتسأله أن يقويك على شيطانك وعلى نفسك وأن يلهمك الرشد، فلولا معونة الله لكنا جميعا في قبضة الشيطان الذي آل على نفسه كما ذكر القرآن الكريم: "قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ . ثُمَّ لآَتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ".
أنت ما زلت تشعر بأنك مهتم بهذه الفتاة، ورغم أنك حاولت التخفيف من عاطفتك بالدعاء والانشغال فهذه العاطفة ما زالت موجودة بين جوانحك وإن استطعت أن تكتم صوتها أن يزعجك، لكنك لا تستطيع منعها من التحرك في داخلك، خاصة عند رؤيتك لهذه الفتاة، وكذلك بدأت تشعر بنظراتها المختلسة لك.
فهنا يجب أن أتوقف قليلا لأصارحك بأنك قد تكون مخطئًا بشعورك الأخير هذا -أي بإعجاب الفتاة بك-؛ ولذلك فعليك أن توقفه عند حده، واحذر أن تتركه يتمادى، وحتى إذا كان صحيحا فإياك أن تعطيها الفرصة لأن تعبر عن شيء من مشاعرها، وتذكّر أن النساء ضعيفات أمام قلوبهن، فإذا ضعفت الفتاة جرّت وراءها الشاب إلى الهم والحزن، فكن أنت الأقوى، ولا تفسح لها مجالا بأن تنظر في وجهها أو تكلمها مباشرة أو تختلي بها ولو لثانية؛ فالشيطان بالمرصاد، والمرأة دميته يغري بها الرجال، خاصة في سنك يا بني.. هذا السن المتوقدة شبابًا وحيوية وعاطفة وغريزة.. فكن من الشيطان على حذر!
لا يبرر كلامي هذا أن تتهرب من المجموعة التي تشتركان فيها لتنتقل بين المجموعات كي لا تلتقي بها، بل ما أريدك أن تفهمه أن تجعل عقلك مسيطرا على قلبك، وهنا يحسن مثلك الذي تقوله: "لكل وقت أذان"، وإن كان يشمل البعد الزماني فإن الحكمة: "لكل مقام مقال" تتضمن البعد المكاني؛ فوقت الدراسة في الجامعة ليس وقتا للحب والإعجاب، كذلك فالمكان الذي هو الحرم الجامعي ليس مكانا لتبادل العواطف والأشواق، وأنت ترى كيف يدنس بعض الشباب اللاهين وبعض الفتيات العابثات قدسية هذا الحرم، فكن أنت القدوة في الحفاظ عليه من الدنس؛ وذلك بمنع نفسك من مجرد الخاطرة أو الفكرة أثناء تواجدك فيه؛ فهذه الفتاة وغيرها هي أخت لك في هذا الحرم كما لك أخوات في البيت، وكما يحرم على الشاب التفكير بأخته كذلك يحرم عليه التفكير أثناء دوامه وضمن الجامعة بأي فتاة أخرى.
هكذا يجب أن يكون نمط تفكيرك؛ إذ لا أجد من الحكمة أن أقول لك "امنع نفسك عن التفكير بها في الجامعة وخارجها"؛ فقد يكون ذلك صعبا عليك مع أنه سهل على من سهله الله عليه، ولكن أقول لك: امنع نفسك من التفكير بأنها تعني لك أي شيء داخل الجامعة، وامنع مشاعرك أن تتحول إلى غرائز، واكبح جماح عاطفتك بألا تسمح لها بتجاوز عتبة قلبك مهما كلف الأمر.
وعندما تستطيع أن تتحكم بعقلك وبعاطفتك بهذا الشكل فستجد أنك تتصرف معها ومع غيرها بشكل طبيعي، ولا أقصد بالشكل الطبيعي ما يفهمه الطبيعيون أو الوجوديون، بل اجعل الرسول عليه الصلاة والسلام قدوتك في هذا الأمر وغيره؛ فقد كان عليه الصلاة والسلام وهو خير الدعاة يلقي السلام على النساء إذا مر عليهن، وتسأله النساء ويجيبهن بدون حرج أو تكلف.
وفي قصة إسلام "عدي بن حاتم الطائي" ذكر أن الرسول عليه الصلاة والسلام جاءته امرأة ضعيفة فوقف في حاجتها وكلمها طويلا، فقال عدي في نفسه: "ما هذا بأمر ملك"، ثم دخل في دين الله، وقد قال الله تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا"، فأكثر من الصلاة عليه سرا وجهرا لتكون موصولا به، واتبع سنته ظاهرا وباطنا، وزد من إيمانك بمداومتك على ذكر الله فهو درع حصين من فتنة الشيطان والهوى.
وكما يقول ابن القيم رحمه الله: "إذا طلعت على العبد شمس النبوة والرسالة، وأشرق عليه نورها رأى في ضوئها تفاصيل مصالح الدارين ومفاسدهما، فتلمح العواقب ولبس لأمة الحرب وأخذ بأنواع الأسلحة ووقع في حومة الحرب بين داعي الطبع والهوى، وداعي العقل والهدى، والمنصور من نصره الله، والمخذول من خذله الله، ولا تضع الحرب أوزارها حتى ينزل في إحدى المنزلتين ويصير إلى ما خلق له من الدارين".
ويفيدك الاطلاع على إجابتنا السابقة: زميلته والدعوة وفلسطين : جولة جديدة في التفاصيل
كلمة أخيرة أهمسها في أذنك وأذن كل من ينتمي إلى التيار الإسلامي أن هذه العبارة قد تحمل مفهوما سياسيا يجعل الحركة الهادرة كالتيار تطغى على سكون القلب؛ إذ يجب أن ندرك أن قلب المؤمن هو كأعماق المحيط الهادئة التي لا تتأثر بالأمواج المتلاطمة الظاهرة.
وكما بدأت أن الإسلام هو دين التوازن بين الروح والجسد أختم أن هذا الدين العظيم هو دين التوازن أيضا بين الحركة والسكون، فكما هو دين الحركة الخيرة بين الناس سواء بالدعوة أو بالأخلاق كذلك هو دين السكون بين يدي الله بالخشوع والتذلل والعبودية لتكون الأعمال خالصة لوجه الله. وفقك الله في دراستك وفي دعوتك، وزاد في همتك، وقوى عزمك. ولا تنس أن تبقى معنا، كذلك لا تنسنا من دعائك.. والسلام عليك.
ــــــــــــــــــــ(41/360)
تحت العشرين : لفت انتباه الجميلات
مع الجنس الآخر
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أشكر لكم فتح بوابة الحوار مع الشباب لكشف مشاكلهم. إن مشكلتي ليست مشكلة بمعنى الكلمة، ولكني لا أجد ما أقوله غير هذه الكلمة؛ فالمشكلة هي أنني أخجل كل الخجل من مخاطبة الفتيات (الجميلات بصفة خاصة جدا). ليس لي أي تجربة صداقة مع أي فتاة، وإذا رأيت فتاة جميلة أرتبك وأحاول إلفات نظرها إليّ فأفتعل الحركات التافهة التي أشعر بتفاهتها بعد انتهاء الموقف، وإذا رأيت فتاة تنظر إليّ نظرة عادية أظنها "وقعت فيّ".
وبسبب هذه الأشياء حينما أرتدي ملابسي للخروج أظل قرابة الساعة أمشط شعري وأعدل ثيابي، وهو ما أدى إلى فقدان الثقة في نفسي وخلق مشاكل لي مع أسرتي؛ لأنهم لا يريدونني فاقدا للثقة.
سبب سؤالي أنني سأدخل مدرسة خاصة فيها بنات، وأخاف أن يؤدي ارتباكي إلى إحراجي. أعتذر جدا جدا عن الإطالة، وأشكركم على الإجابة مقدما. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
إن الشاب في مثل سنك مع دخوله سن المراهقة وحدوث التغيرات الجسمية نتيجة للبلوغ يصبح مهتما بجسده وشكله، ويكون لديه تصور خاطئ أن الجسد والشكل لهما دور كبير في حياة الإنسان؛ فيتخيل أن الناس ينظرون إليه من هذا المنظور، ويحكم على الآخرين أيضا من نفس الرؤية، فيكون جمال الفتيات هو محور اهتمامه، ويرى الفتاة الجميلة شخصية تستحق لفت الانتباه، وأنها لو التفتت إليه فإنها تكون معجبة به، ويتصور أيضا أن جماله معيار نجاحه في إثبات نفسه.
ومع نضج المراهق ونضج تفكيره يكتشف خطأ هذا التصور، ويدرك أن خصال الإنسان وصفاته الطيبة وأفكاره التي يحملها والقيم التي يعمل من أجلها وقدراته العلمية والثقافية والاجتماعية أساس التقييم الحقيقي للإنسان، وأن ما يلفت انتباه الآخرين إليه هو هذه الأمور؛ لأن صاحب الشكل الجميل إذا كان خاويا من العواطف والمشاعر والأفكار فلن يغني عنه هذا الشكل الجميل.
وقصة الإمام أحمد وهو يجلس إلى تلامذته يلقي إليهم درس العلم ويدارسهم مواقيت الصلاة خير دليل على ذلك، حيث يحكى أنه لما دخل رجل يلبس ثيابا فخمة وتبدو عليه الهيبة على الإمام وهو بين تلاميذه.. ضم الإمام رجله -وكان قد مدها أمامه- احتراما لهذا الرجل، وعندما وصل الإمام في الدرس إلى ميقات صلاة المغرب وأنه يحين عندما تغرب الشمس.. فسأل الرجل وإذا لم تغرب الشمس يا إمام ماذا نفعل هل نصلي أم لا؟ قال الإمام: وآن للإمام أن يمد قدميه ... أي أن كلام الرجل أظهر جهله فلم يغن عنه شكله أو جماله .
وعندما سخر الصحابة من دقة سيقان عبد الله بن مسعود وهو يصعد النخلة قال لهم الرسول: إن سيقان عبد الله أثقل عند الله من جبل أحد؛ ليضع القاعدة أن الله لا ينظر إلى صوركم وأشكالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم.
إن ما سيذهب الارتباك عند تعاملك مع الفتيات هو أن ترى نفسك فيما تحمل من أفكار وعواطف ومشاعر، وأن ترى عقول الفتيات قبل أن ترى جمالهن.. إن ما يربكك هو إعطاؤك للشكل قيمة أكبر مما يستحق.. إنهن زميلات لك تقيمهن وتتعامل معهن مثل أي زميل لك إذا طرحت من عقلك أن تلفت انتباههن لك أو أن تلتفت أنت إليهن.
ــــــــــــــــــــ(41/361)
في عطلة الصيف.. هو وهي معًا بالإجبار!
مع المجتمع, مع الجنس الآخر
السلام عليكم ورحمة الله، أنا طالبة في الصف الأول الثانوي، عمري 16 سنة، متدينة والحمد لله، وعلاقتي مع زميلاتي جيدة.
المشكلة التي أريد السؤال عنها لم تقع بعد! في العطلة الصيفية القادمة هناك معسكر شبيبي إجباري لطلاب وطالبات الصف العاشر، وعلينا جميعًا أن نحضره. وهنا تكمن المشكلة؛ فأنا أعيش في جو محافظ لا يوجد فيه اختلاط، ونادرًا ما أتحدث مع شاب، وهذا المعسكر سيكون المرة الأولى التي ألتقي فيها مع أفراد من الجنس الآخر بعدد كبير وبشكل يومي، حيث نقضي في المعسكر من الصباح حتى الظهر لمدة عشرين يومًا، وهناك دروس وتدريبات ونشاطات مختلفة، وهناك رحلات اختيارية أيضًا.
لست خائفة من المعسكر، لكنني حائرة كيف ينبغي أن أتصرف فيه، وكيف أتعامل مع الآخرين، وكيف أتصرف أمامهم، كما أنني حائرة من مواقف صديقاتي، فبعضهن ينتظرن المعسكر كفرصة لإظهار النفس والتنفيس عن رغباتهن المكبوتة، وبعض المتدينات يحاولن التهرب من المعسكر بشكل أو بآخر..
أرجو أن تنصحوني، وأن ترشدوني كيف أنصح صديقاتي؛ فهنّ أحيانًا يسألنني عن كثير من الأشياء؟ وشكرًا لكم.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... إننا نحيي وعيك الذي دفعك إلى السؤال والاستفسار عندما جدّ في حياتك موقف رأيت أنك لا تعرفين كيف تتعاملين معه. وحيرتك ليست غريبة؛ لأنها حيرة أهل الوسط والاعتدال، فكما ذكرت في رسالتك: انقسمت الفتيات إزاء المعسكر إلى فريقين متطرفين؛ فريق يراه فرصة لإظهار النفس والتنفيس عن الرغبات المكبوتة، وفريق يحاول التهرب من المعسكر بشكل أو بآخر. والحقيقة أن الموقفين خاطئان، وهذا ما أوقعك في الحيرة، ودعاك إلى السؤال؛ لأنك لم تشعري بالانتماء لأحد الموقفين، وترين أن هناك موقفًا ثالثًا يجب أن يحدث ولكنك لا تستطيعين تحديد ملامحه، أو لديك بعض ملامحه وأنت خائفة، خائفة من نفسك؛ لأن بها الخليط من المشاعر.. مشاعر الترقب للقاء الشباب لأول مرة والاختلاط بهم، ومشاعر التحفظ والخوف من الوقوع في الخطأ المجهول الذي لا تعرفين ملامحه أو حدوده، خاصة أن المواقف السائدة هي المواقف المتطرفة التي ذكرناها سابقًا، ولا يوجد نموذج لهذا الأمر يحقق هذه المعادلة الصعبة؛ التعرف على عالم الشباب والتعامل معه دون الوقوع في التجاوز والخطأ.
والآن تعالي نتعرف على ما يدور في نفوس البنات وهن مقبلات على هذه التجربة.. هكذا يدور الحوار والتساؤل داخلهن.. إننا سنقابل الشباب.. هل نتعرف عليهم؟ هل نجيبهم إذا كلمونا؟ هل سيعجبون بنا؟ هل سنعجب بهم؟
إذا عبّر أحدهم عن الإعجاب بي ماذا أفعل؟
إنني أحب إعجاب الآخرين بي.. وهل إذا أعجبت بشاب أكمل التعرف به؟
هل سيتحول الأمر إلى قصة حب.. حب! يا للهول!
فلتكن صداقة بريئة نتبادل فيها الإعجاب والأحاديث الظريفة ولنتبادل التليفونات بعد ذلك.
هل هذا يليق؟
هل أتحفظ تمامًا ولا أكلم أحدًا ولا أرد عليه؟
سأكون مثار انتقاد الآخرين، وسيعتبرونني معقدة.. وسينفر مني الشباب.
إنني أريد أن أحب.. إنني أريد أن يكون لي صداقات بريئة مع الشباب.. مع العمل.
هل انطلق.. هل أتحفظ.. هل لا أذهب.. هل أذهب؟؟؟
والآن تعالي نخرج إلى أرض الواقع ونفكر بصوت عال، ونحاول أن نجد حلا وسطًا مناسبًا لأعرافنا وتقاليدنا، مناسبا لأخلاقنا وديننا:
إن هؤلاء الشباب زملاء معنا في المعسكر.. هذا أمر واقع سنتعامل معه وهم في مثل سننا قادمون إلى المعسكر بنفس الهواجس والأفكار.. في حين أن الحد الأول الواضح للعلاقة هو الزمالة، وهي تقتضي في جو المعسكر القائم على المشاركة في الأنشطة المختلفة.. أن يتعرف كل طرف على الآخر في حدود هذه الزمالة.
هي فرصة أن تكتشف البنات أن هؤلاء الأولاد مثلهن، يفكرون مثلما يفكرن، يتكلمون مثلما يتكلمن، وفي إطار النشاط المشترك يمكن أن تدور بينهم أحاديث محترمة يتبادلون فيها الرأي ويتحاورون في القضايا، وكل منهم ينظر إلى صاحبه الجديد (شاب أو شابة) مثلما تنظر البنت إلى زميلتها أو الولد إلى زميله.
ولكن الميل الفطري للجنس الآخر يجعل الأمر يختلف، ويتوق كل طرف إلى تطويره، وهنا نسأل: تطويره إلى أي صيغة، وإلى أي مدى؟. صيغة الحب.. الحب لماذا؟
سؤال هام يجب الإجابة عليه بوضوح وصراحة، من أجل المتعة والحصول على اللذة من القرب من شاب أعجبت به وأشعر بميل طبيعي نحوه.. ترجمته إلى عاطفة الحب.. ثم ماذا؟
لا يكفي في أعرافنا ومجتمعنا وقيمنا وديننا.
لا تصلح صيغة الحب للحب. إنما الحب للارتباط، هذه هي الصيغة المقبولة، وهل أنا أصلح للارتباط الآن؟ وهل يصلح زميلي ذو السادسة عشرة أو حتى الثالثة عشرة في الفصل العاشر الدراسي أن يرتبط بي الآن؟ بالطبع لا. ففي ظل ظروف مجتمعاتنا فإن أمام هذا الشاب عشر سنوات - إذا كان محظوظًا - حتى يرتبط.
إذًا فسيكون الأمر للتسلية والمتعة وإضاعة الوقت وتنفيس الرغبات المكبوتة.. وهل هذا حب.. كما نقول دائمًا؟
إن الحب عاطفة سامية بشرط أن تكون للشخص المناسب في الوقت المناسب في المكان المناسب، فإذا كان زميلي الطالب ليس هو الشخص المناسب، وإذا كانت سن السادسة عشرة ليست الوقت المناسب فإن المعسكر بالقطع لن يكون المكان المناسب، ليس تصغيرًا من شأنكم أو شأن مشاعركم؛ ولكن لأن مشاعركم ما زالت في مرحلة النمو حتى تصل إلى النضج المناسب الذي يجعلها قادرة على أن تتحول إلى ارتباط حقيقي قائم على أرض الواقع، وليس شطحات خيال أو أمنيات واهمة، أو كما يقولون: إننا نريد الحب.
لماذا تقفز إلى الحب مرة واحدة، أين ذهبت الصداقة البريئة؟
ولماذا تسمونها "بريئة"؟
لماذا لم تكتفوا بكلمة الصداقة؟
لأنكم تشعرون أن الأمر بين الولد والبنت لا تكفي له كلمة الصداقة وحدها، فأردتم أن تبرئوها.. الصداقة العادية بين ولد وولد أو بنت وبنت لا تحتاج إلى براءة.. ولكن الصداقة بين الولد والبنت تحتاج إلى إثبات براءة؛ لأنها مرحلة مستترة في الطريق إلى الحب الذي لا يريد صاحبه أن يعترف به؛ ليستمر في خداع نفسه أو خداع الطرف الآخر.
ولذا فإنهم في الغرب - لوضوحهم مع أنفسهم ولاختلاف ثقافتهم ومرجعهم بالنسبة لنا - كانوا صرحاء في وصف العلاقة بين الولد والبنت، ولم يحاولوا أن يزينوها أو يبرئوها، وكان استخدام مصطلح Girlfriend أو Boyfriend دالا على حقيقة هذه العلاقة دون مواربة أو خداع، فهذا المصطلح يعني عندهم الممارسة الجنسية في العلاقة بين الطرفين كأحد معطيات هذه العلاقة، أو ممارسة "الحب" كما يحلو لهم تسميته.
لسنا بصدد تقييم هذا الأمر؛ فهذا أمر يخصهم ويخص ثقافتهم، ولكن الشيء المؤكد أنه لا يصلح لنا أو لثقافتنا أو لديننا، ومحاولة تعديل التسمية إلى الصداقة البريئة يحولها إلى مسخ غير مفهوم، فلا هي صداقة الغرب الصريحة بدلالاتها، ولا هي الصداقة العادية بين الأفراد من نفس الجنس.. بل إن البعض يحصل منها على حقوق ولا يدفع الثمن الواجب لها.
إذًا فإن صيغة "الزمالة الطبيعية" بحكم التواجد المشترك في المعسكر والتعاون في أداء الأنشطة هي الصيغة المرشحة للاستمرار دون تطور إلى صداقة بريئة أو حب.. هذا هو القرار الذي يجب أن تذهب به كل بنت بدون استعراض أو هروب؛ ولذلك فإنها ستغلق قلبها وتفتح عقلها من أجل الاستفادة من التحرك في التعرف على النصف الآخر من المجتمع بدون تصور مسبق.. تعرّف واقعي يمكّنها من التعامل معه بدون حساسية أو خوف أو قلق.. تعرّف يمكنها من التعاون معه دون إفراط أو تفريط، وعندها فستجد البنت أن هذا الزميل - الذي يتعامل معها في المعسكر بعد أن زالت رهبة التعرف عليه والهالة النفسية التي كوّنها الجهل بمعرفته - لا يختلف كثيرًا عن أخيها الذي تعامله في البيت؛ طالما نظرت إليه بعين العقل وليس برجفة القلق، وأنه ربما يفوق أخاها في محاولته أن يكون أكثر ذوقًا وأدبًا في التعامل معها، ويُعتبر هذا الذوق والأدب يحتاج للإعجاب العقلي أيضًا به كزميل في المعسكر بحسن تقديم نفسه كزميل وليس كحبيب.
وعندها فلن أسمح لمن يحاول أن يتجاوز حدود الزمالة بذلك؛ لأنني صاحبة الأمر والقياد، أعرف ماذا أريد من المعسكر، إنني ذاهبة من أجل الاستفادة الثقافية والعلمية والترويحية، وسأضيف إليها الاستفادة من التعرف على الآخرين بما فيهم هؤلاء الشباب، والتعرف على كيفية التعامل مع الأنماط المختلفة من الشخصيات.
إذا أدركت هدفي أدركت كيف أتعامل مع الأمور وكيف أبدو أمام الآخرين وماذا أقول.
سأقول ما أقوله أمام زميلاتي في المدرسة، سأفعل ما أفعله أمامهن، ولكن في حدود الالتزام بغض البصر والحدود الشرعية للزي واللفظ المناسب اللائق غير المتجاوز.
سيكون هذا المعسكر تدريبًا للخروج إلى الحياة العملية والتي من طبيعتها وجود الزملاء من البنين، سواء في الجامعة أو في العمل بعد ذلك، وسيكون تدريبًا تتحكمين فيه أنت، وليس مفروضًا عليك ومضطرة للتعامل معه دون إعداد سابق، وبذلك تحققين كل أهدافك من المعسكر دون خلط بين الجدية والهزل.. أو بين الحقيقة والوهم.
نرجو أن نكون قد استطعنا أن نوصل لك التصور الوسط دون تطرف بين تنفيس وهروب.
ونحن معكم، ويا ليتك تبعثين لنا بتجربتك العملية بعد انتهاء المعسكر، وكيف حققت هذا التصور على أرض الواقع.
ــــــــــــــــــــ(41/362)
صداع المذاكرة.. أعراض هروبية
هموم الدراسة, مع النفس
أنا طالب في الثانوية العامة بالقسم الأدبي.. ومشكلتي هي أنني عندما أريد المذاكرة أحس بصداع وعدم التركيز وشيء من الضيق.. ماذا أستطيع أن أفعل والامتحانات على الأبواب؟
أرجو إفادتي في أسرع وقت.. جزاكم الله خيرا.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... إن الأعراض التي تشعر بها هي أعراض هروبية من ضغط المذاكرة والإحساس بالتوتر لقرب الامتحانات، والأمر يحتاج منك إلى أن تهدأ بفهمك لعدة أمور هامة في تخلصك من هذه الأعراض أولها: أن تضع دائما أمامك الهدف الذي من أجله تذاكر بدءا من الهدف القريب وهو النجاح، وإحراز المجموع المناسب لدخول الكلية التي تريدها، ومرورا بحصولك على إرضاء أهلك واحترام من حولك، وانتهاء بوضع تصور لمستقبلك الذي تضع فيه اللبنة الأولى بنجاحك، تذكر هذه الأهداف، وضعها نصب العين في بداية كل جلسة للمذاكرة فسوف تقلل الإحساس بالضيق وثقل المذاكرة؛ لأن ما يبعث على الضيق والإنسان يذاكر هو إحساسه بأنه سيقوم بمجهود لا طائل من ورائه، في حين أنه إذا تذكر الأهداف الكبرى التي يسعى لها هان عليه التعب، ولم يشعر بهذا الضيق.
ثاني هذه الأمور أن تضع لنفسك فترات للراحة والاستجمام بين فقرات المذاكرة بحيث تذاكر لمدة ساعة مثلا ثم تستريح لمدة ربع ساعة تمارس خلالها كل ما تحبه ويحلو لك، فإذا ما أكملت ثلاث ساعات للمذاكرة أعطيت لنفسك راحة لمدة نصف ساعة تمارس فيها لفترة أطول هواية تحبها؛ وهكذا حتى لا تمل، وتستريح أعضاؤك، ويستعيد ذهنك نشاطه من الإرهاق المتواصل بدون فترات للراحة والاستجمام.
وآخر هذه الأمور وأهمها هو الاستعانة بالله -عز وجل-، وتذكُّر معيته، ودعاؤه بالأدعية التي تزيل الهم والغم، والدعاء باليسر، مثل "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال".
ونرجو منك مراجعة ملف شامل علي موقعنا عن المذاكرة ، بعنوان :
أسرار التفوق الدراسي
ونطمئنك أن الوقت ما زال كافيا أمامك، وأن المطلوب منك بعد أن تبذل ما عليك هو أن تدخل الامتحان بغير خوف أو وجل فإن الله لا يضيع أجر مَن أحسن عملا، والامتحان القادم مثله مثل امتحانات كثيرة دخلتها، ولن يكون الأصعب، ولن يكون الأخير، ونحن في انتظار أخبار نجاحك وتفوقك بإذن الله.
ــــــــــــــــــــ(41/363)
البحث عن المثالية.. بعيون سلبية
مع المجتمع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب عمري سبعة عشر عاما ونصف العام، مشكلتي هي أني لا أحسن التعامل مع الآخرين، لا أعرف هل الخلل في شخصيتي أم فيمن أتعامل معهم في المدرسة؟ مثلا أنا غير اجتماعي وليس لدي الكثير من لأصدقاء..
وبعض المعلمين يُدرسون لي منذ سنتين ولا يعرفون اسمي؛ لأنني لا أشارك في الحصة كثيرا إلا عندما أجد سؤالا لا أفهمه، وأحيانا أستحيي أن أسال، وأقول: لربما كان سؤالي مضحكا فيهزأ بي زملائي، وعندما يسأل الأستاذ وأرفع يدي لكي أجيب أكون خائفا، وأحيانا أخطئ في الإجابة مع أنني أعرفها.
أما بالنسبة لتعاملي مع أهلي فأظنها ليست كما يجب أن تكون؛ حيث لا أتحدث مع أبي؛ لأنني لا أخرج بنتيجة معه ولا يغير آراءه، ربما بسبب الفارق العمري الكبير بيننا. وأمي إذا تحدثت إليها تقول بأن طريقة حديثي إليها نوع من العقوق، وسرعان ما أنفعل إذا تحدثت إليها حين أطالبها بما أظن أنه حقي بأن تجلس معي وتنصحني وتزورني في غرفتي وتحضر لي فطوري إلى غير ذلك من الأمور.
يرى أصدقائي أن نظرتي للأمور أعلى من مستوى عمري؛ حيث قال لي أحد أصدقائي: أنت في تفكيرك سابق لعمرك. أختي التي تكبرني بعامين تقول بأني شاب متزن وليس كباقي الشباب الذين في عمري، لكنني أشك في ذلك؛ لأنني أجد نفسي غير قادر على التعامل مع الناس أو كسب أي أصدقاء جدد.
كيف أُعدل نفسي لكي أكون الشاب المسلم الاجتماعي المقبول عند جميع الناس؟ لا بد أن مشكلتي متشعبة كثيرا، ولكنني جمعتها في استشارة واحدة. آسف على الإطالة، وجزاكم الله خيرا سلفا.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... في سن المراهقة يرسم الشاب صورة مثالية للأمور يسعى إليها، ويعتبر عدم الوصول لها فشلاً.. وإذا نظرنا إلى طلبك في آخر سطر من رسالتك فسنلمح ذلك واضحًا جليًا.. "إنني أريد أن أكون الشاب الاجتماعي المقبول عند جميع الناس".
أين يوجد هذا الشاب الاجتماعي المقبول عند جميع الناس ؟! إن الناس لن يتفقوا على شخص واحد مهما كان حتى الأنبياء والرسل، وهذا ما نلمحه في بقية رسالتك؛ فأنت لديك الأصدقاء، ولكنك تراهم قليلين، وترى أنه من الضروري أن يعرفك مدرسوك بالاسم رغم أن هذا ليس شرطًا، وتسأل عندما تحتاج للسؤال وهذا هو الأمر الطبيعي، وترى أن أمك يجب أن تحضر لك الفطور في غرفتك، ولا ندري لماذا الفطور بالذات؟ وإلا فإنك تنفعل عليها وتعتبرها مقصرة في حقك..
إنه التصور المسبق لنفسك ولعلاقاتك بالآخرين.. تصور لا ترضى له بديلاً ولا تقبل غيره بالرغم أنه لا يوجد نموذج أمثل للصداقة أو لأعداد الأصدقاء أو للعلاقة بالمدرسين أو الأب أو الأم.. النموذج الصحيح هو أن أكون "أنا" بقدراتي وبتعاملاتي الطبيعية مع الآخرين، وبدون إنكار لهذه القدرات الحقيقية والبحث عن قدرات خيالية أو وهمية.
إنك ترفض تقدير صديقك وأختك لك، ولا ترى إيجابياتك وتذهب تبحث عن سلبياتك التي هي في الحقيقة نتيجة لرؤيتك السلبية لنفسك وليس لسلبيات حقيقية، وحتى لو كانت سلبيات فهذا أمر طبيعي؛ فلا يوجد شخص من غير سلبيات يحاول تحسينها.. ولكن في الحدود العادية، بدون طلب أن يكون الشخص الاجتماعي المقبول من جميع الناس.. لا يوجد هذا الشخص ولن يوجد الإنسان الذي يجد من يصادقه ويحبه ويتعامل معه ويتكيف، ولكن سيكون هناك أناس لا يستطيع كسب ودهم ولا يقدر على التعامل معهم، ولا يقلل ذلك من شأنه.
ارسم صورة واقعية لإنسان يخطئ ويصيب، له نقاط قوته ونقاط ضعفه، يتعامل ويتكيف قدر طاقاته وقدراته.. ولا ترسم صورة لإنسان "سوبر" غير موجود.
ــــــــــــــــــــ(41/364)
تساؤلات المراهقة
مع المجتمع, اضطرابات أخرى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.. أشكركم على موقعكم الرائع الذي أفادني الكثير والكثير.
لدي عدة عيوب في ذاتي استطعت أن أجد لبعضها حلا، ولكنني لم أستطع إيجاد الحل للبعض الآخر، وهي كالتالي:
أولا: أجد صعوبة في بعض الأحيان في التعبير عما أريد أن أقول؛ فينتج عن ذلك كلام غير مفهوم مع "التكليج" أحيانا (نطق الكلمة بالمقلوب أو ما شابه ذلك) وهو أمر جديد عليّ، ولم يكن متواجدا فيما سبق حيث كنت فصيح اللسان، ولي سنتان على هذه الحالة المقززة.
ثانيا: التسريح المفرط.
ثالثا: سريع التأثر في بعض الأمور والمواقف التي تحتاج إلى برودة وشدة أعصاب.
أخيرا: تأتيني في بعض الأحيان تخيلات بعيدة أشد البعد عن الواقع والمنطق، فهل هذا طبيعي أم أنه مرض ؟ وعذرا على الإطالة، وجزاكم الله ألف خير، وشكرا.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... يمضي الشباب في مثل سنك في التدقيق في أنفسهم نتيجة لوعيهم الجديد بذواتهم وبحثا عن الكمال في الصفات؛ لذا فإنهم يذهبون للشكوى من أمور عادية لا تسترعي الانتباه في الظروف العادية، ولكنها تسترعي انتباههم ويظنونها مشاكل فيهم تحتاج إلى علاج.. والأمر قد لا يحتاج إلى أكثر من بعض الملحوظات العابرة دون كثرة تدقيق.
ونبدأ بأحلام اليقظة التي هي سبب كثرة "التسريح" كما تسميه في رسالتك، وهي أمر طبيعي في سنك بشرط ألا تبعدك عن الواقع والتعامل معه؛ فهي نوع من الاستراحة التي يستخدمها المراهق للخروج من توتراته وإحباطاته وهو يواجه واقع الحياة لأول مرة في وضعه الجديد كمراهق وليس كطفل، فإذا صعب عليه الواقع هرب إلى عالم الخيال يستريح فيه بعض الوقت.. والحد الطبيعي ألا تعطل الإنسان عن أداء وظائفه أو تواصله مع الآخرين بحيث تصبح بديلاً عن حياته الواقعية؛ لأنها إذا تمت بهذه الصورة تحولت إلى خيالات مَرضية تحتاج للتدخل والعلاج.
أما بالنسبة لما تتصوره من تلعثمك بالكلام أو عدم اتخاذك مردود الفعل المناسب تجاه المواقف المختلفة، فهو ناتج من تصور مثالي يصفه المراهقون لأنفسهم في كيفية حديثهم أو كيفية تعاملهم مع الأمور وأي صورة أخرى يرفضونها؛ فهم يرون للكلام صورة بذاتها يرفضون معها أي تلعثم، بل إن التلعثم في غالب الأحيان يكون ناتجا من تدقيقهم في كلامهم بصورة مبالغة، وأيضًا تصورهم لتفاعلهم مع المواقف.. وهو أمر يحتاج إلى خبرة في التعامل يستعجل المراهقون اكتسابها دون مراعاة للزمن المطلوب لاكتسابها.
لذا فنحن نطمئنك إلى أنك لا تعاني من أي مشكلة سوى استعجالك في اكتساب خبرات في التعامل مع المواقف المختلفة التي لا بد لها من عامل الزمن حتى تنضج وتتكلم بصورة عادية.
ولا مانع من بعض التلعثم حتى تكتسب القدرة على التعبير عن أفكارك؛ لأنها أيضًا قدرة مكتسبة تحتاج إلى زمن من أجل إتقانها، ولا تجعل أحلام اليقظة تطوح بك بعيدًا عن عالم الواقع، بل اجعلها محطات استراحة تعود بعدها إلى عالم الواقع تنجز فيه وتحقق آمالك وأحلامك.
ــــــــــــــــــــ(41/365)
الحب عام 2002
مع الجنس الآخر, تساؤلات حول الحب
أنا فتاة عمري 17 عاما، جميلة بشهادة الجميع، أتمتع بخصال حميدة وبأخلاق رفيعة. كنت من قبل فتاة يانعة كل همي هو الدراسة وطاعة والدي، إلى أن ظهر في حياتي شخص في البداية لم أعره أي اهتمام، وكنت أتحاشى الكلام معه؛ لأنه كان يدرس معي، وأراد أن يرتبط معي بعلاقة حب لكني رفضت؛ لأنه -كما يقولون- زير نساء، ومعظم فتيات القسم معجبات به.
وبعد أن رفضته ارتبطت بعلاقة مع شخص آخر، ولكن يشاء القدر أن أقع في حب ذلك الشاب الذي رفضته ، وأحببته بكل ما في من جوارح، أصبحت في القسم دائمة النظر إليه إلى أن تراجعت معدلاتي. وأخيرا جدد طلبه، وأراد مني أن أكون صديقته بعدما أكد لي أنني حبه الأول، وافقت ولا تتصوروا فرحتي العظيمة وأنا أفوز بأول حب في حياتي، ومرت الأيام سعيدة وعلاقتنا معروفة في كامل المعهد كأجمل علاقة حب.
ولكنه تغير، وأصبح يتحاشى الوقوف معي، إلى أن اكتشفت أنه لا يحبني؛ بل يتلاعب بمشاعري ومشاعر كل فتاة يعرفها، وأن هوايته الكبرى هي اللعب بالفتيات، واكتشفت ذلك بالصدفة يوم خرجت مع ابنة عمي لشراء بعض الأشياء، وأرادت أن تعرفني على صديقها، فكلمته عبر الهاتف، ولم أعرف أن هذا الرقم هو رقم حبيبي، وجاء أينما أخبرته، وما إن شاهدني حتى فوجئ، ومنذ ذلك اليوم وضعت حدا لهذه العلاقة، وقررت أن أنساه، وألا أسمح لقلبي بأن يقع في الحب ثانية مهما كانت الأسباب.
ومرت تلك السنة على خير ونجحت، وفي السنة التالية وجدته يدرس معي، وفي يوم أراد أن يجدد علاقته معي لكنني رفضت، فتعرف على صديقتي التي تدرس معنا التي سرعان ما وقعت في حبه، وجعلها تصبح صديقته فوافقت، ولكني صممت ألا أعلمها؛ لأنها أعز صديقة لدي.
ومرت فترة، وفي يوم انضم إلى قسمنا شاب جديد كان وسيما للغاية وهو صديقاً لحبيبي الأول الذي جاء وطلب مني أن يتكلم معي قليلا، فوقفت وأنا كلي أمل أن يخبرني أنه يحبني، لكنه قال بأن صديقه الوسيم يريدني صديقة له؛ لأنه معجب بي، تركته يتكلم ودخلت المعهد أبكي بحرقة.. تصور ماذا يعني لفتاة أن يأتي حبها الأول ليقنعها بالارتباط بغيره! كم هم خادعون هؤلاء الأولاد!!
المهم وبعد أن تأكدت من حسن نية الوسيم وافقت عليه ليس إعجابا به، بل لأغيظ حب حياتي، ومرت فترة.. في البداية أعجبت به وبدأت أنسى حبيبي القديم إلى أن تخاصما الإثنان وأنا الآن حائرة؛ فكل تصرفات حبيبي القديم تؤكد أنه يحبني، فهو يسأل صديقاتي عن أخباري، ودائما يحاول الجلوس إما أمامي أو بجانبي، لكن كل ما يعيقه هو أني كنت صديقة صديقه، ماذا أفعل؟ هل أنساه رغم حبي الكبير له ورغم تأكدي من حبه لي، أم أحاول استعادته بكل شكل من الأشكال؟ وما هي الطريقة؟
أنا تائهة ومعدلاتي تراجعت، ولم أعد أهتم بشيء سوى زينتي حتى أظهر في عينه جميلة جدا. وما هو الحل؟ أرجوكم ولكم مني ألف تحية وألف شكر، وكل ما أريده هو أن يبعث لي زوار هذا الموقع بنصيحة؛ لأني محتاجة لها جدا.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... كم هو مظلوم ذلك "الحب"!! وكم من الجرائم تُرتكب باسم الحب، والحب الحقيقي منها براء!! ما علاقة هذا الذي تتحدثين عنه في رسالتك بالحب؟ هل التسلية، وإضاعة الوقت، والتنقل بين الشباب بدون هدف، والاهتمام بالزينة من أجل أن تظهري جميلة جدًا هل هذا هو الحب؟
إن الحب ليس مشاعر هائمة هكذا في الفضاء بدون حدود أو هدف تبحث عن أي شخص لتدعي أنها تتجه نحوه، لا يوجد فيه حبيب يقدم حبيبته لصديقه حتى يتعرف عليها ويذهب لحبيبته لتسهيل هذه المعرفة حتى إذا اختلف مع صديقه استرد منه حبيبته.. أي هراء هذا؟ وأي تهريج؟ وأي خلو للعقول من أي شيء مفيد؛ فراحت تتسلى، وتهتم بالتافه من الأمور؟
إذا كان حبيبك الأول يحبك كما تدعين فلماذا قدمك إلى صديقه ؟ وإذا كنت تحبينه كما تتصورين فكيف مِلتِ إلى هذا الوسيم ؟ إنه العبث وعدم الفهم للحب الحقيقي.. إن الحب الحقيقي هو الذي يربط بين طرفين قررا أنهما مناسبان لبعضهما من أجل الارتباط الشرعي.
إن أحدهما أو كليهما في مجال الدراسة أو العمل، وقد شعر أن ظروفه مواتية من أجل الارتباط يلتقي بالطرف الذي يشعر أنه قد يكون المناسب له؛ فيتقدم إليه من أجل مزيد من التعارف من أجل الارتباط، ويكون ذلك واضحًا من أول يوم لبدء التعارف الذي يكون أمام كل الناس بدون تجاوز في اللفظ أو الفعل.
فإذا ما وجدا أنهما متفاهمان وظروفهما مناسبة للارتباط.. تقدما خطوة نحو الارتباط الشرعي بالتقدم إلى الأهل، واتخاذ صورة رسمية للعلاقة ينمو الحب في ظلالها هادئًا راسخًا يغذيه الاحترام المتبادل لمشاعر كل طرف، والحفاظ على كرامته؛ فلا مجال فيه لتبادل الأحباب كما يتبادلون الألعاب..
الحب ليس لعبة أو تسلية أو كلمة نلوكها بألسنتنا.. لا يوجد ما يسمى الحب للحب.. لا يوجد حب بلا هدف، ولا يصل للارتباط.. فهذا شهوة ونزوة، ولذا يكون التزين فيه أحد عناصره الأساسية.
أما الحب الحقيقي فيبحث عن جمال الروح، ويكون الشكل انعكاسًا لهذا الجمال الذي رآه الحبيب في روح حبيبته مثل أن يراه في شكلها..
الخلاصة: إن ما تقومين به لا علاقة له بالحب، وهو نوع من العبث.. وللأسف الكل يعبث بك وبمشاعرك، وأنت التي أعطيتهم الفرصة لذلك؛ فصرت صيدًا سهلاً لهم يتلاعبون بك.. اخرجي من هذه الدائرة تمامًا، واهتمي بدروسك وبزينة عقلك وروحك، وعندما يأتي الوقت المناسب للارتباط الذي لن يكون وأنت على أعتاب دراستك الجامعية، إذا جاء هذا الوقت فستجدين الحب الحقيقي كما وصفناه لك، وعندها ستضحكين وتسخرين مما تفعلينه الآن..
زينة العقل هي أفضل زينة.
ــــــــــــــــــــ(41/366)
ملكوت السماوات أم أسفل الدركات؟
الحب لا يكتمل, الخيانة الزوجية, مع الجنس الآخر
السلام عليكم.. أشكركم بالبداية مسبقا للاهتمام بمشكلتي هذه وإني لآمل أن تنتهي عذاباتي بعد كتابتي لكم إن شاء المولى..
أنا فتاه متوسطة الجمال ومرحة دوما أعيش في عائلة متفككة نوعا ما.. فأبي وأمي يتخاصمان منذ أن كنت بعمر 12 سنة، وأمامنا أنا وإخوتي، وحتى أصبحت بهذا العمر وهما مستمران بالخصام بشكل شبه يومي، وقد وصلوا كثيرا إلى الطلاق، لكنه لم يتم لأن أبي رجل يخاف الله ويحبنا أنا وإخوتي.
وسط هذه المشاكل تعرفت على عائلة من "حينا"، تتكون من: رجل، وزوجته، ولديهما أولاد يعيشون مع جدتهم ببلد آخر.. في البداية أصبحت عائلتهم صديقة لعائلتنا ولأنه تبين لنا أنهم أقرباء لأبي لذلك صاروا من العائلة، وكثرت زياراتهم أثناء مرض أختي الكبيرة، وكان الزوج يجلب لأختي الأطباء ويهتم بنا ويشتري لنا الهدايا... وتدريجيا وقعت بحب هذا الرجل.
إنه يبلغ من العمر - 37 عاما - وذلك عندما كنت أنا بعمر -عاما 17- ولأنه قريبنا صار يتصل بنا، وشعرت تدريجيا أنني أهتم به وأنه صار يهتم بي... كان حبنا رائعا في البداية لأنه اعترف أنه يحبني رغم فارق العمر، وأنه كذلك يحترم زوجته كثيرا ولا يستطيع أن يؤذيها، وكذلك أولاده.
لكنه تزوج وهو صغير جدا بعمر - 18 عاما - لذلك فإنه لم يعرف الحب وقتها... وهكذا استمر حبنا بالخفاء وعبر الهاتف، وكنت إلى جانبه وقت مرضه، وكان دوما يدفعني للنجاح في الدراسة ويشجعني... ومع تزايد خلافاتنا مع أمي شعرت أنني محتاجة لصدر حنون ورغم أن أبي طوال عمره كان لي نعم الصديق والأب فإنني بدأت أشعر أنني صرت عاشقة، وكذلك حبيبي شعر بذلك.. وللأسف -وأقولها وكلي قهر وندم- قد وقعتُ في الحرام معه مرتين، ولكنني ما زلت بنتا، ولم يؤذني بالمعنى المعروف.. وفي المرة الثانية كم دعوت ربي ألا تتيسر لي مقابلته، لكن الأمور جرت سهلة وتقابلنا.
الآن لا أدري بماذا أشعر.. أحس أولا: أنني لا أحترم نفسي، وثانيا: أشعر أنني لا أستحق الخير أبدا، وأن ربي سوف يعاقبني، ولن يبعث لي بزوج صالح؛ لأنني فعلا لا أستحقه.. وأعترف أنني ما زلت أحب حبيبي، وهو كذلك يحبني، وقد قررت أن أتهرب من مقابلته بأي عذر كان وأنني سوف أتوب عن الحرام.
لكنني خائفة أن أضعف خاصة مع حالة الكآبة التي أعيشها وخلافاتنا مع أمي.. وأيضا خوفي ورعبي من المستقبل، وأنني حتى لو تزوجت رجلا صالحا فإنه ربما سيحب فتاة غيري كما فعلت أنا بزوجة حبيبي.. أعينوني أرجوكم أكاد أُجن.. جزاكم الله خيرا.
... المشكلة
د .ليلي أحمد الأحدب ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... كثيرا ما أحمد الله على فضله أن جعلنا نتواصل مع من لا ملجأ لهم -بعد الله- إلا هذه الصفحة، وأدعوه سبحانه أن يجعلنا عونا للتائهين وهدى للضالين.
وأسأل نفسي في الوقت نفسه: أين الدعاة والمصلحون المخلصون من مشاكل كهذه المشكلة؟ هل تكفي الحلول التي نقترحها على هذه الصفحة في حل مشكلة ليست فردية بل هي ممتدة وموجودة، ودليل وجودها آثارها ككثرة حالات الطلاق وانتشار الفاحشة والاستغناء بها عن الزواج؟
لماذا يكتفي بعض الدعاة والمصلحين بالعيش في أبراج عاجية ولا ينزلون إلى مجتمعهم ليروا ما حل به من انحلال خلقي وآفات اجتماعية فيبحثوا عن أسبابها ويحاولوا إيجاد حلول لها؟
قد يظن البعض أننا نبالغ عندما نقول مشاكل ممتدة وموجودة، ولكن الواقع يظهر أن سبب أكثر الانحرافات الخلقية التي يعاني منها الشباب والفتيات تعود إلى فقدان الأمان والثقة في البيت نفسه؛ ولذلك هم غالبا ما يكونون بحاجة إلى آباء وأمهات من خارج البيت ناصحين أمناء، وهنا يأتي دور الدعاة والمربين.
لقد كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- خير الدعاة إلى الله، ومع ذلك نرى الشاب يأتي إليه ويطلب منه أن يبيح له الزنى، فلا ينهره الرسول الكريم، وإنما يقنعه بضرره في الأسرة والمجتمع، ويضع يده الشريفة على صدر الشاب فينطلق، وقد أصبح الزنا من أكره ما يكره.
أنا لا أنكر أن بعض الدعاة قد بدءوا يشعرون بفداحة الخطب، وعمق المسؤولية الملقاة على كاهلهم فرديا واجتماعيا، ولكنني أتحدث بالنسبة لبعض المجتمعات وبالأخص المجتمع الذي تقيم فيه الأخت السائلة، فرغم كثرة الدعاة فيه، لكنني لم أسمع إلا القليل جدا منهم من يتجرأ على إظهار مشكلة اجتماعية كالمخدرات والزنى رغم انتشارها، أما في صفوف الأخوات الداعيات فلا صوت لهن ولا كلمة في موضوعات خطيرة كهذه، هذا إذا لم يكن بعضهن عونا للشيطان على أخواتهن، فما إن تخطئ الفتاة وتعترف بخطئها حتى كأن الطامة الكبرى قد وقعت، فيمتنعن عن الكلام أو التعامل معها.
فلماذا ننسى الضعف البشري الذي يلازمنا؟ ولماذا ننكر كيد الشيطان لنا وتربصه بنا؟ لماذا ننسى أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يقيم الحد على شارب الخمر فإذا أعاد الذنب يقيم عليه الحد مرة أخرى؟ وعندما يلعنه أحد الصحابة لتكرار سكره، يمنعه النبي العظيم -عليه أفضل الصلاة والتسليم- من ذلك بقوله: "إنه يحب الله ورسوله".
بعد هذه المقدمة التي رأيتها ضرورية آتي إلى صاحبة المشكلة فأقول:
يا ابنتي..
أنا أشعر بما تحملينه بين جنبيك من أسى لحالك مع الله، فليس هناك ذل كذل المعصية، وليس أصعب من تأنيب الضمير ووخز الوجدان على المؤمن، وكما قال الشافعي -رضي الله عنه-: "ليس من مسلم يطيع الله ولا يعصيه، ولا من مسلم يعصي الله ولا يطيعه"، فكلنا بشر خطاؤون وخير الخطائين التوابون، كما قال -عليه الصلاة والسلام-.
وأدرك أننا مخلوقون من حفنة تراب مهين، لكنها ممزوجة بنفحة الروح العالية، فتساميْ بروحك عن الوحل والطين، وإذا كنت قد أضعت نفسك في متاهات المعصية، فعودي إلى ربك واستغفريه، تجديه توابا رحيما غفورا حليما، يقول سبحانه: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الزمر: آية 53).
إحساسك بهذا الرجل الذي أحببتِه كان ناجما ليس فقط عن جوِّك الأسري المليء بالمشاحنات فأنت تقولين إن أباك كان نعم الصديق لك -وإن كنت أعتقد أن الأب لا يعوض الفتاة عن فقد الأم بعاطفتها وحنانها وتفهمها-، بل هو ناجم عن فراغ عاطفي ونفسي، وإذا كانت شريعتنا السمحة لا تنكر المشاعر والعواطف فهي تضع قيودا على التصرفات التي تقود إليها هذه المشاعر.
وقد بينا سابقا أن الإسلام لا يقول: لا تحب أو لا تكره، ولكن يقول: إذا أحببت فلا تزنِ، وإذا كرهت فلا تقتلْ. وكل ظروف دنيانا التعيسة وأحوالنا البائسة في البيت أو غيره لا تبرر لنا الانجرار وراء شهواتنا وغرائزنا باسم الحب، ولن ينجينا شيء من عقاب الله سواء في الدنيا أو الآخرة إلا الخوف منه سبحانه واللجوء إليه هربا من شهوات أنفسنا ومكائد شياطين الإنس والجن.
وهنا أتوقف عند هذا الرجل الذي تقولين إنه يبادلك حبا بحب، فهو إما أنه لا يحبك بل يحاول أن يستغل ضعفك وحاجتك النفسية ليشبع حاجته الجسدية، أو أنه يحبك فعلا لكنه ضعيف أمامك، ففي الحالة الأولى أنت الخاسرة لأنه سيمل منك عاجلا أو آجلا وسيبحث عن أخرى يسعى إلى اصطيادها بنفس الطريقة، أما في الحالة الثانية فأنت من يتحمل وزرك ووزره دون أن ينقص من وزره شيء، وقد بينت في الكثير من ردودي أن المرأة هي التي تبدأ بالخطوة الأولى، ولا يستطيع الرجل أن يحرك شعرة في امرأة إذا لم تكن هي التي تريد الغواية، ففي الحالتين عليك أن تبتعدي عنه نهائيا، وبذلك تتخلصين من شَرَكه المنصوب لك إذا كان شيطانا من شياطين الإنس، أو تنتزعين نفسك وإياه من شباك الهوى والشيطان والحب الحرام.
أما قوله إنه يحترم زوجته ولا يحب أن يؤذيها، فكيف يكون موقفه إذا علمت زوجته بعلاقتكما، والحكمة تقول: "كل خفي لا بد أن يظهر"؟ وإذا كان يحترمها حقا، فالمفروض أن يحترمها في غيابها كما في حضورها، لا أن يستمر معك بالخطيئة وأنت في عمر ابنته. ثم ما هذا الخطل في تفكيره؟ كيف يقبل أن يتعامل جنسيا مع من تصغره بعشرين سنة وفي الحرام؟!
هل تظنين أنه يحافظ على بكارتك من أجل سواد عينيك أم لأنه لا يريد أن يتحمل المسؤولية عن أفعاله؟ وإذا تخلص من مسؤوليته في الدنيا فكيف سيتخلص منها في الآخرة؟ إنه لا يمزق بكارتك ولا يؤذيك جسديا، لكنه يساعدك على أذية نفسك بتمزيقكما معا لرداء العفة والحياء والخوف من الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
كما أنك تساعدينه على جريمة الزنا ولا أقول عنها فاحشة فهي في حق المتزوج المحصن جريمة ليس لها توبة إلا بالرجم حتى الموت، فهلا كففت عن فعل الفاحشة في نفسك، وامتنعت عن مساعدة غيرك في جريمته؟
إذا كان يحبك فعلا فخيريه بين أحد أمرين:
إما أن يتقدم لأهلك ويخطبك بشكل رسمي، أو أن يبتعد عن طريقك نهائيا، ويدعك تعيشين حياتك بدون معصية تؤدي بك إلى فضيحة الدنيا أو العذاب في الآخرة أو كليهما معا.
يا ابنتي..
تذكري أن الله سبحانه أمدك بالنعم الكثيرة ومنها هذا الجسد الممتلئ شبابا وقوة وصحة وعافية، وهي أمانات لديك، فإن حفظتها حفظها الله عليك، أما إن ضيعتها فهل تأمنين أن يسلبك الله إياها لأن عاقبة نكران النعمة سلْبُها؟ وإذا لم يعاقبك عليها في الدنيا فهل تعرفين متى سينتهي أجلك؟ وهل في عمرك بقية لتوبة؟
هل تعرفين ما هو عقاب الزناة يوم القيامة؟ ذكر الرسول -عليه الصلاة والسلام- رؤيا أراه إياها الله ورؤياه جزء من النبوة، ومما ورد فيها: "إنه أتاني الليلة آتيان وأنهما قالا لي انطلق، وإني انطلقت معهما ... " فذكر أصنافا من أهل النار ثم قال: "فانطلقنا إلى نقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع، يتوقد تحته نار، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، وإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة"، وفي رواية: "فانطلقنا فأتينا على مثل التنور فإذا فيه لغط وأصوات فاطلعنا فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضَوْضَوْا" أي صاحوا، وفسرها -عليه الصلاة والسلام- بأنهم الزناة والزواني، وتذكري أن نار الدنيا التي لا نطيق لسعها نار جهنم أشد لهيبا منها سبعين مرة أو أكثر، فهل تحبين أن يكون مصيرك كهؤلاء -لا سمح الله - نار الجحيم وشقاء مستديم؟
هل يكفي أن تدعي الله ألا ييسر لك طريق المعصية، بينما أنت مقبلة عليها بقلبك وهواك ونفسك وكيانك كله؟
أنت تخافين من الله سبحانه ومن عقابه الدنيوي بأن لا يرسل لك الزوج الصالح، أو أن يخونك زوجك لأنك تساعدين هذا الزوج على الخيانة والجريمة، فهلا تذكرت أيضا أن العقاب يمكن أن يكون قبل زواجك بحرمانك مثلا من نعمة القوة في رجليك اللتين تمشيان بهما إلى المعصية؟
الجئي إلى الله سبحانه وتوجهي إليه بهذا الدعاء: "اللهم عرفنا نعمك بدوامها ولا تعرفنا إياها بزوالها". وداومي على الدعاء بسيد الاستغفار الذي علمنا إياه رسولنا -عليه الصلاة والسلام-: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، فجمع في قوله: أبوء بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي شيئين: مشاهدة منة الله علينا بنعمه، ومطالعة عيب النفس وأخطائها، فمشاهدة المنة توجب المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان وهو الله، ومطالعة عيب النفس توجب الذل والانكسار والافتقار والتوبة في كل وقت، وتذكري قوله تعالى في وصف عباده الصالحين: "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (آل عمران: آية 35).
يا ابنتي إن الذي يستحق الحب فعلا هو المنعم الأول، وهو الله سبحانه الذي ينتظر توبة التائب ليفرح بها سبحانه، وكيف يفرح الله؟ اسمعي قوله عليه الصلاة والسلام: "لَلَّهُ أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح"، فهل تعودين إلى الله وتتوبين إليه وتسألينه أن ينعم عليك بمحبته، بعد إذ أنعم عليك بالخوف منه وترك معصيته والسعي إلى طاعته؟
رحم الله من قال: "انتماؤك إلى الله ارتفاع إليه، واتباعك الشيطان ارتماء عليه، وشتان بين من يرتفع إلى ملكوت السماوات ومن يهوي إلى أسفل الدركات"، فاختاري لنفسك، وكل منا ساعٍ فإما معتق نفسه أو موبقها.
جميعنا هنا في انتظار رسالة منك تفرحنا بتوبتك وانشغالك بما ينفعك دينا ودنيا، ونحن جميعا إخوتك ونريد الخير لك فاعتبرينا أسرتك، ولا تترددي بإرسال أي استفسار أو طلب معونة ولن نتأخر عليك بإذن الله، والسلام عليك.
ــــــــــــــــــــ(41/367)
سياسة حافة الهاوية
عند الزوج, مع الأهل
أنا متزوج ولدي فتاة عمرها عامان ومقيم بأسبانيا، وزوجتي تريد أن يأتي أحد إخوتها الشباب (وعمره فوق الـ20 عاما) للبقاء معنا بصفة دائمة!! وأنا رفضت ذلك رفضا قطعيا، فقالت لي: إنها تريد الطلاق لو أنني رفضت بقاء أخيها معنا!! مع العلم بأننا أمضينا عامين على زواجنا .
أفيدونا جزاكم الله خيرا.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... لا يوجد في العلاقات الإنسانية بين البشر بصورة عامة وبين الزوجين بصورة خاصة قرارات نهائية قاطعة تستخدم فيها لغة "لقد رفضت رفضا قطعيا".. أو "لقد طلبت الطلاق إذا لم أستجب لطلبها"..
فالوصول بالأمور إلى حافة الهاوية هو وسيلة للتفاوض والضغط بين الدول، وقد تصلح للتعامل بين الأفراد في القضايا الاقتصادية أو غيرها، ولكن لا تصلح أساسا للعلاقة بين زوجين تقوم حياتهما على التفاهم والحوار في كل أمر من أمور حياتهما.
لم توضح في رسالتك سبب رفضك القاطع لحضور أخي الزوجة.. وهل طلب الزوجة هو لإقامة دائمة معكم أم لإقامة مؤقتة حتى يجد عملا أو يجد مسكنا آخر إن كان قد حضر للدراسة ؟
وهل لرفضك علاقة بالأسباب المادية مثل الإعالة والإعاشة.. أم أن الرجل سيتكفل بإعالة نفسه؟
ومهما تكن الأسباب التي ترفض من أجلها ومهما تكن الصورة التي تطلبها الزوجة.. ألا توجد صيغة وسطى بين صيغة الرفض القاطع أو القبول المطلق دون أي تنازل؟
ألا يمكن بدلا من الرفض القاطع أن تقدم الصورة التي ترتضيها سواء بتحديد المدة أو بتحديد صورة الإعاشة أو بما تراه من شروط معقولة، وليست أيضا مستحيلة، بحيث تتفاهم الزوجة معك عندها على بعض التعديلات أو الإضافات التي أيضا لا بد أن يكون لديك تصور لمدى قبولها؟
نظن أن رفضك القاطع هو الذي أوصل زوجتك إلى الحل القاطع بطلب الطلاق..
إن بعضا من المرونة والتفاهم وسعة الصدر سيوصلكما إلى حل وسط يحفظ للأسرة كيانها، ويحل مشكلة الأخ، ويعيد السعادة والهدوء ليرفرفا فوق العائلة الجديدة الصغيرة.
وليكن درسا نتعلم منه البعد عن "سياسة حافة الهاوية".
ــــــــــــــــــــ(41/368)
تحت العشرين : لا أحلام.. لا طموح
مع النفس
السلام عليكم ورحمة الله، أنا فتاة في الـ17 من عمري.. تتوافر في حياتي الكثير من الأشياء الجيدة.. ولكني أعاني من ضعف شديد في الإرادة.. ولا أسعى لتطوير نفسي أبدا.. ودائما أفكر في الماضي بدلا من السعي للمستقبل.
لقد مللت حياتي ولا توجد لدي أي طموح؛ فلا أحلم كغيري من الفتيات بالزواج والإنجاب ولا العمل والدراسة بالرغم من أني متفوقة. أتمنى أن أحصل على مساعدتكم، علما بأني لا أريد نصائح بالتوقف عن ذلك؛ بل كيف أفعل ذلك.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أختي الكريمة هذا الملل وهذا الضعف مجرد عارض، وليس الأساس فيما تعانينه من هذه المشاعر السلبية. وهذه المشاعر كثيرًا ما تتواجد في هذه الفترة من العمر، التي تتميز بأنها فترة انتقالية بين الطفولة والرشد؛ فقد كان الإنسان في مرحلة الطفولة يعيش لمجرد أنه يعيش في كنف الوالدين ولا يُتعب عقله كثيرًا في التفكير في الهدف من وجوده في هذه الحياة، ثم بعد ذلك يبدأ العقل والمدارك والعاطفة في الاتساع وفي التفكير فيما وراء الأشياء المادية والحقائق المجردة التي كان من قبل يأخذها على علتها، ويقتنع بما يخبره به الآخرون عنها.
وهنا تحدث الأزمة التي سماها العالم النفسي "إريكسون" بأزمة تحديد الهوية؛ حيث قال بأن الإنسان في كل فترة من فترات حياته يمر بأزمة نفسية إذا ما استطاع تجاوزها يحدث له النضوج بدرجة أكبر، وإذا لم يستطع أصبح عرضة للمرض النفسي.
وإنني أتمثل في هذه الأزمة قول الشاعر:
جئتُ لا أعلم من أين؟ ولكني أتيتُ
فوجدتُ أمامي طريقًا فمشيتُ
وسأبقى ماشيًا إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟.. كيف أبصرت طريقي؟.. لست أدري!
أما القرآن الكريم كتاب رب العالمين، فقد حدد للإنسان الهدف من وجوده في هذه الحياة وهو خلافته والسير على منهاجه واتباع أوامره واجتناب نواهيه حتى يفوز برضوانه، ومن هذا الهدف الشامل تتفرع باقي الأهداف الأخرى كالدراسة والعمل والزواج واكتساب المال وتحقيق المركز المرموق؛ فكل ذلك من المفروض أن يسعى إليه الإنسان حتى يحقق الهدف النهائي وهو تحقيق معنى الخلافة.
وهذه الأعراض الواضحة من الضعف تحتاج إلى مراجعة أمرين:
أولاً: النواحي المعرفية: التي عليها يعتمد سعيك لتحقيق هذه الأشياء.
وثانيًا: العواطف التي تحركك وأنت تسعين لتحقيقها، وكلما كانت المعرفة واضحة والعاطفة جياشة جاءت العزيمة قوية والإرادة فتية.
وتحقيق هذه الأمور وبناؤها داخل النفس يحتاج إلى وقفات ووقفات {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ}.
أعانك الله وسدد خطاك.
ــــــــــــــــــــ(41/369)
الأذن والعين.. أبواب الحب وآلامه
مع الجنس الآخر, الإنترنت والهاتف, تساؤلات حول الحب
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. دعائي لله أولا بأن يجزيكم خيرا، ويجعل عملكم هذا كله في ميزان حسناتكم وأن يديمكم مساعدين معينين - بعد الله جل وعلا - للشباب على حل مشكلاتهم التي غدت كثيرة! أما بعد..
فأنا فتاة اجتماعية، أحب التعارف كثيرا ولي أصدقاء كثر، وكلهم أكبر مني بسنين عدة، وأغلبهم ليسوا من مدينتي، بمعنى أنني لم أتعرف عليهم وجها لوجه أو مباشرة، كان التعارف إما عن طريق المنتديات في الإنترنت ومن ثم الهاتف، أو عن طريق إحدى الإذاعات المحلية التي تبث إرسالها من إحدى مدن الوطن.. والوسيلة الثانية هي الغالبة.. وهذه ليست المشكلة، بل بالعكس أنا يسعدني ذلك، ولقد كان لمن تعرفت عليهم الأثر الأكبر على الخروج قليلا من وحدتي .
المشكلة في إعجاب بعض الشباب بي، أولا أنا والحمد لله فتاة ملتزمة، أصلي وأصوم وأرتدي الحجاب، ومن عائلة ملتزمة أيضا.. ومشكلة إعجاب الشباب بي لا أدري كيف أشرحها لكم.. لذا سأقص عليكم ما يحدث معي: وهو ما حدث لواحدة من الصديقات اللاتي تعرفت عليهن عن طريق الإذاعة.
أخ شاب يبدو عليه في أوائل العشرينيات من عمره، متزوج حديثا، ولكنه منفصل عن زوجته، ليس بالطلاق فهما متزوجان، ولكن انفصالهما لا أدري مؤقت أم غير ذلك؟ المهم أنهما منفصلان، قبل فترة كنت أهاتف هذه الصديقة، فحدثني أخوها، وسألني عن الوضع في مدينتي، وأنا حييته ورددت عليه بنفس القدر من الاحترام الذي حدثني به.. وتكلمت مع صديقتي، ومن خلال حديثنا عاد ليحدثني وسألني سؤالا عن "الحب هذه الأيام"؟ فأجبته وقلت له رأيي، ويبدو أنه اقتنع به.. فشكرني، وعدت لأحادث صديقتي فقالت لي: إن أخاها قد أُعجب بي فأجبتها أنا بأنه أخي الكبير واحترامي له.. ومرة أخرى، حدثتها وبالصدفة هو الذي رد على الهاتف فتحدث معي، وكانت كلماته حقا تنم عن إعجاب!! أنا لم أتجاوز حدودي، بل كنت في حديثي في منتهى الأدب والاحترام، وأنا لا أحاول ترقيق صوتي أو غيره.. ولكن لا أدري سبب هذه الرقة واللطافة في الحديث معي باحترام!!
هناك مواقف أخرى ... ولكن لا أريد أن أسرد الكل لأتمكن من سرد المشكلة الثانية، وهي أيضا في نطاق الإذاعة، وهي مشاركتي في أحد برامج الإذاعة، وتحديدا عن الشعر، وإعجاب أحد الشعراء الشباب بي، وإهداؤه قصيدة لي، وإعلانه ذلك على الملأ، وقصائد أخرى فهمت وفهم من يستمع أنها كانت لي؛ وهو ما فُسر من قبلي ومن قبل المنتبهين لقصتي أنا وهو أنه يحبني مع العلم بأن القصة لم تتوقف حيث هنا!
المهم أن ما قصصته عليكم هو ما حدث معي، إعجاب هؤلاء بي لم يكن مجرد إعجاب، بل تعداه إلى حب، وهذا ما أنا متأكدة منه بلا مبالغة 80%، والعقدة في هذه المشكلة أنني فتاة عاطفية جدا ورومانسية، وإذا ما سمعت كلمة إعجاب من أحد فإني أتأثر كثيرا، فما بالكم لو سمعت كلمة إعجاب؟! وخاصة من شاب! أهيم وأحلم وقد يصل الأمر إلى أن أحبه، ولكن في النهاية أهوي على أرض الواقع أتجرع مر الحقيقة، وأئن وأعاني؛ لأنني أدرك حينها أني كنت أحلم وأن حلمي هذا كان سرابا!
وأنا لا أريد حقا أن أخوض في متاهات، بل غايتي حقا هي إرضاء الله، وأنا أصلا أرفض أي علاقة بين شاب وبنت خارج نطاق الزواج أو الارتباط الرسمي.. حسب رأيي الخاص أن سبب إعجابهم بي هي طريقة تفكيري وآرائي التي يبارك لي عليها من حولي، وأني أكبر من سني بكثير، فأنا في الخامسة عشرة من عمري فقط، ولكن من حولي لا يصدقون ذلك، لدرجة أن الشاب شقيق صديقتي - الذي تحدثت عنه سابقا - قال بأنه اعتقد بأن عمري 22 عاما أو أكثر!
الأمر الثاني الذي قد يكون سببا هو أن صوتي جميل نوعا ما - هذا ما يقوله لي السامعون ليس أنا مع أني لا أظنه سببا رئيسا - أما عن شكلي فأنا لا أملك ذلك الجمال الأخاذ أبدا، فأنا متوسطة الجمال، وربما أقل من المتوسطة، يعني أنا أتخيل لو أن هؤلاء رأوني أولا ثم سمعوني ما كان سيحدث كل ذلك، ربما أطلت عليكم فأرجو المعذرة، ولكني أردت التفصيل حتى تساعدوني.. هل أتخلص من عاطفيتي الزائدة عن الحد؟ وكيف؟ أم أعود لوحدتي ولا أخالط أحدا أم ماذا؟
هذا ودعواتي وشكري الجزيل لمن سيبادر في المساعدة، تحياتي لكم جميعا..
... المشكلة
د .ليلي أحمد الأحدب ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... دعيني يا صديقتي الصغيرة - وأقصد الصغيرة عمرا الكبيرة فكرا - أروي لك في البداية قصة فتاة تعرفت على شاب عن طريق الهاتف مع أن عمرها يزيد عشر سنوات على عمرك، وغرقت في حبه من رأسها حتى قدميها - كما يقول نزار قباني - وحملها بصوته العذب بعيدا عن دنياها القاحلة، وطارت معه على أجنحة الخيال إلى عوالم لازوردية لم تحلق بها قبله، وأخيرا عندما حصل اللقاء الذي أمضت الليالي تحلم به، وقضت الأيام تستعد له، كانت المفاجأة الأليمة أو الصدمة! فهذه الفتاة كانت قد تعرضت في طفولتها لحادث اغتصاب أثَّر في نفسها كثيرا، إذ إن مغتصبها هو أحد محارمها، ولم تكن تستطيع النظر في وجهه من شدة كراهيتها له. هل تراك استنتجت ما هو سبب الصدمة؟!
كان وجه حبيبها الذي تعرفت عليه على الهاتف هو نفسه وجه المجرم الذي اغتصبها بملامحه ونظراته، وسبحان من يخلق من الشبه أربعين كما يقول المثل! فهل تخيلت نهاية قصة الحب الهاتفي كم يمكن أن تكون مؤلمة ووخيمة وصاعقة ؟!
رغم هذه القصة الخالية من الخيال تماما فأنا لا أنكر أنه يمكن للمرء أن يكوّن صداقة عبر الهاتف أو الإنترنت أو الإذاعة وذلك في حالة وجود الصدق بين الطرفين المتخاطبين، ولكن ألست معي أن الصدق أصبح عملة نادرة في هذه الأيام؟
ثم هل يمكن أن تصل هذه الصداقة إلى مستوى الصداقة الحقيقية التي تكونين بها مع الطرف الآخر جسدا وروحا.. ماهية وليس خيالا؟
هذه الصداقة التي تنشأ عبر هذه الوسائل يلعب فيها الخيال دورا كبيرا، فعندما أسمع صوت المتكلم على الهاتف أو بالإذاعة ولا أرى تعابير وجهه أو لغة جسده، لا يمكنني أن أحكم عليه دون أن يكون صوته هو المسيطر على حواسي؛ لأنه يتعامل معي من خلال حاسة واحدة هي السمع أما باقي الحواس فمعطلة، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نبي مرسل قد قال: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار".. فكيف نستطيع نحن أن نحكم على صدق الأشخاص أو كذبهم خاصة من خلال حديثهم فقط الذي يسهل جدا اللحن به كما بيّن الحديث؟ ثم كيف وأنا لا أرى وجه محدثي، ولا أسمع صوته أستطيع بناء علاقات متينة على الإنترنت؟ كيف أستطيع أن أميز بعقلي - مهما كان أكبر من عمري - بين الخيال والحقيقة، وبين الكذب والصدق في حال توقف حواسي كلها؟
ومع ذلك أقول يمكن في هذه الحالة عقد صداقات فكرية عند من يدينون بنفس المبادئ، ولكنها لا ترقى إلى مستوى العلاقات الكاملة، وقد يكون هناك استثناء وحيد عندما تكون الأرواح نامية لدرجة كبيرة، فيمكن لها أن تتعارف على الصادقين أمثالها رغم الحواجز، وهذا النمو والتعارف الروحي لا يكون إلا عندما تشترك النفوس في حب خالد: هو حب الله وحب رسوله - صلى الله عليه وسلم - وحب دينه الذي ارتضى، وهذا هو الحب الذي يخلق المعجزات ويفعل الأعاجيب، ومع ذلك فلا أحد يقول إن هذا الاستثناء يمكن أن يضم شابا وفتاة في أوج الرغبة، ويبقى روحيا خالصا في هذا الزمن الغارق في مستنقعات المادة، وأولها مستنقع الجسد.
أنت تقولين إنك ملتزمة.. وإنك ترفضين أي علاقة بين شاب وفتاة خارج إطار الزواج.. فما رأيك بعلاقاتك التي تقيمينها مع شباب على الهاتف أو عن طريق الإذاعة أو الإنترنت.. هل هي داخل إطار الزواج مثلا؟!
أخو صديقتك قلت عنه إنه أعجب بك، وبعد ذلك بالتأكيد يا صديقتي الرومانسية قمت بتحويل هذا الإعجاب في خيالك البكر إلى حب ذي أجنحة، ورحت تطيرين يمينا مرة وشمالا مرة أخرى، ولكن ماذا أنت فاعلة إذا تكسرت أجنحة خيالك على صخرة الواقع عندما يعود هذا الشاب لزوجته؟
والثاني ذلك الشاعر المتيم الذي أعجب بك وتحول إعجابه إلى حب بنسبة 80%، فأذكرك أولا بقول الله تعالى: "وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ" [الشعراء: آية 224-227]. ثم أخبرك - وأرجو ألا أجرح مشاعرك كثيرا - أن ما يقوله الشعراء العاطفيون في شعرهم هو كذب بنسبة 80% أيضا، وقديما قيل : "أجمل الشعر أكذبه"! وأكثر من 90% من الشعر هو خيال، ولا أحد يقول من هؤلاء الشعراء إنه يريد أن يحقق خياله بنسبة 100% ؛ لأنهم يعلمون أن تحقيق خيالاتهم في الحب يعني تحمل مسؤوليات الزواج، وهم في غنى عن ذلك بإعجاب المعجبات وصيد الساذجات بكلمات سرعان ما تتبخر معانيها بعد أن تقع الفريسة سهلة في شباك وهْمٍ اسمه الحب. وما أدراك ما الحب؟ وهل ما يسمى حبا في هذا الزمن هو الحب؟ أم أنه الجنس وقد غطى عورته بورقة التوت؟ وإذا سقطت هذه الورقة وبان ما تحتها فقولي على جنة الحب السلام!!
هل تعلمين يا ابنتي كيف هو خيال الشاب عن فتاة ما؟ وما الفرق بينه وبين خيال الفتاة عن شاب ما؟ أخبرك بأنه لا يستطيع الشاب أن يكون خيالا تاما عن أنثى إلا إذا تخيلها عارية، هذا ما تفرضه طبيعة الذكر النفسية والجسدية، ولقد أوضح ذلك عالم فاضل من علمائنا هو الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - في رسالته التي عنوانها "يا ابنتي"، ومن هنا أمر الله النساء بالستر والحجاب ولم يأمر الرجال لأنه هو سبحانه خلق الذكر والأنثى، وعلم ما يصلحهما هما الاثنين وما يصلح مجتمعهما بالضرورة.
فهل تراك تبقين باب الشيطان مفتوحا ليلج منه إلى ما هو أكبر من مجرد الخيال، أم تغلقينه بالكف عن هذا النوع من التعارف مع الجنس الآخر فورا وبدون تردد؟
ثم لنفترض أنه وجد فعلا ذلك الشاب الصادق الذي يرغب فيكِ، لكنه كون عنك فكرة من صوتك أنك ذات جمال أخَّاذ، ولما رآك وجدك متوسطة الجمال أو أقل - كما تقولين - ألا يكون وقع المفاجأة قاسيا عليه؟ وكيف يكون حالك أنت إذا صارحك بأنه كان يعتقدك أجمل الجميلات؟ ولماذا تضعين نفسك في موقف كهذا من الأساس؟ هل تغضبين مني إذا قلت لك: إنك تخدعين الشباب وتخدعين نفسك بهذه الحيل التي تجعلينها طريقا للتعارف؟ ألا يمكن أن تكون هذه الحيل دفاعية لتغطي على نقص في نفسك بسبب عدم تميزك بجمال صورتك كما هو صوتك؟
أنا لا ألومك، فعمرك هو عمر الرومانسية والأحلام، لكن عليَّ أن أصحح لك بأن الالتزام ليس بالصلاة والصوم وارتداء الحجاب فقط، وإنما هو أن تكون الأقوال والأفكار والأعمال كلها خالية من شوائب هوى النفس، خالصة لوجه الله تعالى، مصبوغة بصبغة الشرع "صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ" (البقرة: آية 138).
لا أحد يمنعك من إنشاء صداقات مع فتيات.. لكن لو كان ذلك ممن حولك من زميلات أو قريبات لكانت الصداقة أمتن، وما أنصحك به أن تبحثي عن مجموعة تعتبرينهن أخواتك في الله لالتزامهن بشرع الله بصحبة عالمة فقيهة تفهم الإسلام أنه دين ودنيا؛ فترشدك إلى استخدام خيالك وإبداعاتك لنصرة دينك الذي يحتاج لجهد كل فرد وعلى كل مستوى.
ولعل في هذه الصحبة ما يغنيك عن الخوض في متاهات كما قلت، وإذا تعذر عليك ذلك فحاولي أن تكوني أمة وحدك، بأن تعملي على تثقيف نفسك دينيا وتعمقي مفاهيمك عن شمول الإسلام لمناحي الحياة كلها، وإذا صعب عليك الحصول على كتب بسبب ما يحدث في وطنك الغالي علينا جميعا، فهذا الموقع "إسلام أون لاين.نت" موقع غني بصفحاته ومتنوع بمواضيعه، ولا مانع أن تقتبسي أي أفكار تعتقدين أنها تجذب القطاع الأكبر من المستمعين إليك في الإذاعة، فبذلك تجندين مواهبك في خدمة هذا الدين العظيم، ولا خير في الكلمة إن لم توقظ عقلا أو ترقق قلبا، وهي الكلمة الطيبة التي قال الله عنها في كتابه المحكم: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ".
وانتبهي أن صاحب العقل الكبير مسئوليته كبيرة أمام الله يوم القيامة لحديث عائشة - رضي الله عنها - عندما سألت الرسول عليه الصلاة والسلام: بم يتفاضل الناس يوم القيامة؟ قال: بالعقل، فقالت: بل بالعمل، فقال عليه الصلاة والسلام: "على قدر عقولهم يعملون، وعلى قدر ما يعملون يجازون".
وفقك الله لما يحبه ويرضاه، وجعلني وإياك خدما له، وأختم لك بهذين البيتين من الشعر اللذين يتناسبان مع شاعريتك، ويساعدانك على تفهم المهمة التي من أجلها خلقت والتي لها يجب أن تعملي، ألا وهي العبودية لله سبحانه:
ومما زادني شرفا وتيها ***** وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي ***** وأن صيرت أحمد لي نبيا
وأتركك الآن مع إضافة ثرية للدكتور " أحمد عبد الله " :
الرومانسية في حد ذاتها شيء رائع، لكنه يمكن أن يكون خطيرًا إذا أدى إلى إدراك خاطئ للواقع، وحالتك يمكن أن تكون مثالا على هذا الخطر.. فما تصفينه عن مواقف "المعجبين" بصوتك وكلامك لا يعدو أن يكون مجرد تلميح بمشاعر باهتة في الأفق، وصحيح أن الأذن تعشق مثل العين فكلاهما يحمل الرسائل إلى نفس الدماغ، ولكن الحب الحقيقي لا يبدأ إلا عندما تتكامل رسائل الحواس فيتحرك القلب أو يتحفظ.
أما أنت فكنت وفية لعمرك الجميل الذي تكفي كلمة رقيقة تقال فيه لإشعال خيالك، وتغيير حالك، وأنت أصلا تحبين عالم الكلمات فحذار من سحر البيان الذي وصفه من أوتي جوامع الكلم، وحذار من الرومانسية التي إذا زادت عن حدها انقلبت وبالا على صاحبها.
أفاضت المستشارة في حديثها، ولا أحب أن أكرر أو أطيل، ليس مطلوبًا - وربما ليس ممكنًا - أن تتحولي عن نشاطك، أو تتوقفي في مسارك، بل ينبغي أن تضاعفي سرعتك فسنوات الإنجاز في عمر الإنسان قليلة، وستتضاعف مشاغلك تدريجيًّا فانتهزي فراغك قبل شغلك، وبالغي في الاهتمام بتكوين وإنضاج نفسك وعقلك حتى تتكامل هذه النواحي مع عواطفك الجياشة، فتكونين إلى الكمال والجمال أقرب.
فالمرء بأصغريه قلبه ولسانه، والإنسان يكون بالروح، أكثر منه بالجسد، فاستكملي نقص معارفك وتجاربك ليكون لك قلب حكيم إذا رأى فهم، وإذا تحرك أصاب، وإذا اختار أحسن الاختيار، ولا تسمحي لنفسك أبدًا بأن تقفزي إلى استنتاجات قبل أن تتوافر عليها القرائن التي لا تقبل التشكيك، وبيتكم معروف لمن يريد أن يقابل أهلك ليخطبك، ومكانك متاح لمن أراد أن يرى وجهك بعد أن أعجبه صوتك، ولا تدخلي عالم الحب من باب الأماني والتوقعات لأنه باب واسع، ولكنه يؤدي سريعًا إلى الخروج بخبرات أليمة، وتجارب قاسية وساعتها ستقولين: ظلمني الحب بينما تكونين أنت الظالمة لنفسك، وأربأ بك أن تكوني كذلك.
ــــــــــــــــــــ(41/370)
الطفل لم يعد طفلا
مع الأهل, علاقات أسرية
السلام عليكم، لدي ابن يبلغ من العمر 18 عاما يعاني من اضطراب في سلوكه؛ حيث يتعامل بعنف مع أمه وإخوته عندما أكون غائبا، تمرد عليّ برفضه لمتابعة الدراسة وهو مقبل على امتحان البكالوريا رغم أنه في الطور الثانوي، وهو يمارس الكذب في كثير من الأمور، ولا يشارك في الصلاة الجماعية في البيت، ويقرأ القرآن قليلا جدا. وقد حاولت منه معرفة مشاكله، ولكن في كل مرة يدخل في صمت رهيب ولا يقول لي شيئا.
في كثير من الأحوال أعطف عليه وأظهر له الحب، وهو لا ينقصه شيء من الماديات. في بعض الأحيان أميل عاطفيا إلى إخوته؛ لأني أشعر بالغضب تجاهه وهو يحس بذلك الميل. في بعض الأحيان أخاطبه مثل الصديق فيزداد هيجانا، وإذا ضربته أو قرعته بالكلام يصمت ويتظاهر بالهدوء.
أنا في حيرة مع طفلي هذا رغم أن بيتي بيت مسلم مستقر يُسمع فيه القرآن يوميا والتلفزيون لا يُشاهد فيه إلا الحصص الإسلامية. حاولت أن أجره إلى المسجد ولكن بدون جدوى.
مع العلم أن والدتي البالغة من العمر 80 عاما تسكن معي، وهي في سوء تفاهم مستمر مع زوجتي التي تتحلى بالصبر رغم معاملة والدتي السيئة لها. شكرا لكم. وأنا في انتظار ردكم.
... المشكلة
د . مأمون مبيض ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... شكرا لك أيها الأخ على سؤالك، وأوضح أن ولدك يمر بما يمر به معظم الشباب في هذه السن؛ فلا تستغرب عدم حديثه عن مشكلاته عندما تسأله، أو رغبته للقيام ببعض الأعمال بمفرده وفي الوقت الذي يرغب فيه.
لا شك أن ولدك يبحث عن هويته الذاتية الجديدة؛ حيث إنه في الثامنة عشرة من عمره، وكل الذي يحتاجه هو أن تساعده على هذا، ولا تكن عقبة في طريقه. نعم يا صديقي يمكن للآباء -بحسن نية- أن يكونوا عقبة! إنني مثلك أب لشباب في مرحلة المراهقة، وأعلم كيف يمكن أن نخطئ مع أولادنا رغم أننا نتمنى لهم الخير.
ولدك يبلغ من العمر 18 عاما، ومع ذلك تقول في سؤالك: "أنا في حيرة مع طفلي"!! المشكلة أن ولدك لم يعد طفلا، وعليك أن تبدأ بالتكيف مع هذه الحقيقة، ومن نتائج هذا ألا تضربه وهو شاب في طولك إن لم يكن أطول منك. إنه يحتاج أن تصادقه، ليس لبعض الوقت ثم تلجأ للضرب من جديد وإنما تتعامل معه كشاب أو رجل، وأن تعطيه فترة طويلة ليتكيف مع أسلوبك الجديد في التعامل؛ فقد يظن من خلال التجارب السابقة أنك قد تغير أسلوبك لوقت قصير ومن ثم تعود للأسلوب السابق.
تقول "حاولت أن تجره إلى المسجد!!"، وهذا مثال، علينا ألا نعامل الشباب كالصغار، وإنما نشعرهم بالاحترام والتقدير؛ فلو كان هذا الشاب صديقك حقيقة فهل "تجره إلى المسجد"؟ والأمر الأخير الذي أشكرك على ذكره أن ولدك ربما يشعر بميلك العاطفي نحو إخوته، وهذا ما يقع كثيرا للأسف مع الابن الأكبر، ولعل ولدك هو أكبر الأبناء. إن الإسلام يأمرنا كما تعلم بالعدل بين الأولاد ومن جوانب العدل الميل العاطفي.
حاول حقيقة أيها الأب العزيز أن تقترب من ولدك لتتعرف عليه ويتعرف عليك؛ فستجد مع الوقت أنه تحول إلى أكثر من صديق، سيتحول إلى ابن يقف معك في هذه الحياة، ولكن بنفس الدرجة التي تقف فيها معه. وفقكما الله إلى كل خير..
ــــــــــــــــــــ(41/371)
لعب المراهقين
مع الجنس الآخر
السلام عليكم، جزاكم الله خيرا على مساعدتكم وتقديم الحلول المناسبة لنا، أحب أن أكتب مشكلة أواجهها حاليا في الجامعة؛ حيث إن هناك شابا دائما يبين لي بنظراته أنه يهتم بي، أو أنه معجب بي حتى أن جميع صديقاتي لاحظن عليه ذلك، وإذا كن وحدهن وأنا لست معهن لا ينظر إليهن ويغض بصره.
أحيانا أقول بأنه يريد أن يلعب بمشاعري، وأنه يعرف صديقاتي؛ فيريد أن ينقلن لي أنه لا يرى سواي، وأنه لا ينظر إلى أي فتاة أمامه.
وسبب كلامي هذا لقصة حدثت، وهي أنه في يوم علقت صديقتي عليه بيني وبينها، وأطلقنا عليه لقبا مضحكا، وأصبحت كلما أراه ذكرتني صديقتي باللقب فأضحك، فمن المحتمل أنه فسر ذلك بأني مهتمة به. وحين نسينا موضوع اللقب، وأصبحنا لا ننظر إليه أراد أن يعيد ذلك الاهتمام، خاصة أني رأيته مرة يتكلم مع فتاة فنظرت له باستغراب.
لا أعلم قد أكون مهتمة به قليلا، لكن ليس لدرجة ما فهم، فماذا أفعل؟ هل أتجاهله أو أبادله الاهتمام؛ لأني معجبة به أيضا، ولا أخفي ذلك؛ فهو وسيم وله أصدقاء كثيرون ومحبوب بينهم؟
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... كم هي جميلة أيام المراهقة.. وكم هي جميلة تصرفات المراهقين وهم يتصرفون في بعض الأحيان كالأطفال، ولا يدركون أنهم كبروا على بعض الألعاب التي لا تليق بها وهم على أعتاب الشباب..
ذكرتني رسالتك بشكوى الأطفال الدائم لأمهاتهم.. حيث يشكو كل طفل من أخيه أو أخته أنها تنظر إليه أو إليها وتصرخ الأم: وماذا في ذلك ؟ ويرد الطفل: ولماذا ينظر إليّ؟ إنه يريد أن يغيظني.. ويمعن الأطفال في غيظ بعضهم البعض فيطلق أحدهم على الآخر اسمًا أو نعتًا مضحكًا حتى إذا رآه أشار إلى زملائه فتذكروا الاسم أو النعت؛ فضحكوا، وصاحبنا الصغير يستشيط غضبًا على هؤلاء الذين يضحكون منه..
فإذا أراد هو الآخر أن يغيظهم تجاهلهم وأبدى عدم الاهتمام؛ فلا ينظر إليهم فيغتاظون هم كذلك، وهكذا تستمر لعبات الطفولة بين نظرات ونعوت، وتصبح هذه هي قضايا الأطفال التي تشغل أوقاتهم، ويمعن الأطفال في تناقل حكاياتها، وفي الإيماء لبعضهم البعض بها وهم سعداء يضحكون ويمرحون..
ألا ترين معي أنه من العبث المضحك أن يلعب شباب وشابات في الجامعة نفس اللعبة التي يلعبها إخوتهم الصغار في المدرسة الابتدائية ؟ هل أتجاهله.. أم أبادله الإعجاب ؟ وبعدما تبادلينه الإعجاب ماذا سيحدث ؟ وكيف ستبادلينه الإعجاب ؟ هل ستنظرين إليه وتبتسمين، أم تنظرين إليه باستغراب ؟ ثم ماذا بعد ؟ هل كل شاب وسيم في الجامعة سينظر إليك ستبادلينه الإعجاب ؟
إن الإعجاب يكون بداية لعلاقة يتطور فيها الإعجاب إلى علاقة ارتباط.. فهل أنت على استعداد للارتباط الآن؟ وهل هذا الشاب الذي لا تعرفين عنه إلا نظراته على استعداد لذلك؟ وهل هذه هي الوسيلة الحقيقية والجادة للارتباط.. أم هو الإعجاب لمجرد الإعجاب للتسلية ولقص الحكايات والروايات عن الذي يعجب بدلا من الذي ينظر؟ .
أرى أن تنشغلي وينشغل زميلاتك بما دخلتم الجامعة من أجله؛ وهو تحصيل الدروس والتعليم الجاد بدلا من حكايات الأطفال؛ لأنكن عندها لن تجدن وقتًا لملاحظة مَن نظر إلى مَن؟ أو مَن ضحك على مَن؟ أو مَن أُعجب بمن؟ نرجو ألا تغضبي من كلماتنا؛ فستعلمين كم هي مفيدة عندما تنضج تجربتك، وتضحكين مما كنت تفعلينه في مرحلتك الحالية.
ــــــــــــــــــــ(41/372)
بنات المدرسة : يركبن مع أي شاب
مع الجنس الآخر
بسم الله الرحمن الرحيم.. لقد تعرفت على بنات من المدرسة، وسمعت عنهن الكثير عن طريق فتاة، قالت لي: إنهن يخرجن مع شباب، وما إلى ذلك حتى وصل الأمر أنهن يعتبرنها تسلية ومتعة.. لا دين ولا عفة، إلى درجة أنهن يركبن مع أي شاب.
أنا لا أتكلم معهن، ولكن ماذا عن الغيرة على هؤلاء البنات؟ هل أكلمهن وأنصحهن مع أنهن لا يعرفن أني أعرف شيئًا؟ وشكرًا.
... المشكلة
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..
الأخت الكريمة.. حيَّاك الله على هذه الغيرة المحمودة على زميلاتك، وهي غيرة امتدحها الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما لاحظ تعجب الصحابة -رضي الله عنهم جميعًا- من شدة غيرة سعد بن عبادة -رضي الله عنه- فقال: "أتعجبون من غيرة سعد؟ فوالله لأنا أغير من سعد، والله أغير مني". وذلك لأن الغيرة على الحرمات صمام أمان للمجتمعات.
وهذه الظاهرة التى لاحظتها وعبَّّرت عنها بقولك: "يركبن مع أي شاب" تحتاج إلى سؤالين:
1- ماذا يردن؟ أو لماذا يفعلن ذلك؟
2- ماذا أريد؟ أو لماذا أريد منعهن؟
مناقشة السؤال الأول تكوِّن لدينا الوعي بأبعاد هذه الظاهرة، ومناقشة السؤال الثاني تكوِّن لدينا الوعي بأبعاد العلاج المطلوب.
أولاً: أبعاد المشكلة:
لا بد للسلوك البشري من دافع، وهذه الظاهرة لها دافعان: دافع داخلي يتمثل في الميل العنيف تجاه الجنس الآخر، خاصة في مرحلة التفتح، والرغبة في المتعة والتسلية. ودافع خارجي يتمثل في البيئة المحيطة، وما تحتويه من مغريات تجاه هذا السلوك، ومن ناحية أخرى غياب أو ضعف الوازع الإيماني الداخلي والمحيط الإيماني الخارجي.
ثانيًا: أبعاد العلاج:
هل المطلوب مجرد منعهن من الركوب مع الشباب؟ أم أن المطلوب دخول الإيمان إلى القلوب (تغيير الفرد)، وإحاطة هذا الإيمان بمفردات الحياة (تغيير المجتمع)؟
في ظني أن الأمر الثاني هو المطلوب، ويؤيد هذا حديث السيدة عائشة -رضي الله عنها-: "أول ما نزل من القرآن فصار المفصل، وذكر الجنة والنار، ولو أن أول ما نزل لا تشربوا الخمر لقالوا والله لا ندع شرب الخمر أبدًا...".
وهكذا تصبح مهمتك على قدر من الصعوبة، ولكنها تستحق بذل الجهد، وأختتم بالنصائح التنفيذية التالية:
1- كونهن لا يعرفن أنك تعرفين نقطة تفوق لصالحك فلا تضيعيها.
2- تسلحي بالدعاء لنفسك بالعون والتثبيت فلا أحد يضمن ألا يفتتن.
3- تسلحي بالصحبة الصالحة فالجهد المطلوب لا يستطيعه فرد.
4- الخطوة العملية الأولى: إثارة الانتباه وإيقاظ الإيمان المخدر فى القلوب، وفي بيئتكن المدرسية يمكن ذلك عن طريق الموضوعات التى تتناولها الندوات، والمجلات الحائطية، والإذاعة المدرسية، بمساعدة المدرسين والإداريين الصالحين؛ للتركيز على قضايا تشمل: مفهوم العبودية لله تعالى (حب تام، وخضوع كامل).
هدف الإنسان في الحياة ودوره على الأرض ومن أين يكتسب قيمته.
لذة الدنيا فانية ولذة الآخرة لا مقطوعة ولا ممنوعة.
5- يمكن استخدام الشرائط والكتيبات التي تتناول مثل هذه الموضوعات كهدايا فى مناسبات مختلفة.
6- وفي كل ما سبق نراعي كشف المشكلة لعلاجها، مع ستر من وقع فيها.
ــــــــــــــــــــ(41/373)
بنت الثانوي.. استغاثة من معلمة
مع الأهل
أنا معلمة في إحدى المدارس الثانوية.. أريد منكم مساعدتي في مشكلة طالبة ألا وهي كالتالي:
تعيش هذه الطالبة في وضع سيئ، إلا أن الله قد منّ عليها بالهداية، المهم أن المشكلة تكمن في والد هذه الطالبة: فهو يشرب الخمر والعياذ بالله، ويدخل على أبنائه في هذه الصورة، حتى إنه في إحدى المرات دخل عليهن، وكاد أن يعتدي على ابنته المسكينة، ولقد جاءت هذه الطالبة تشتكي لي الحال، وهي في وضع متأزم جدًّا؛ لأنها تشعر بالحنان من جهة والدها أكثر من والدتها؛ ولهذا لا تريده أن يكون في هذه الصورة. أتمنى حلًّا لهذه الطالبة، وجزاكم الله خيرًا. ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... مشكورة جهودك مع طالباتك، وهنّ أمانة بين يديك يسألك الله تعالى عنها يوم القيامة.
هذه الفتاة تحتاج إلى دعم نفسي مستمر يمكن أن تستمده من علاقتها بك، وبشبكة من الزميلات والأنشطة التي من شأنها تقوية مناعتها، وتطوير قدراتها، وتوسيع حيلتها لمواجهة ما هي فيه من مشكلات.
وعبر هذه الشبكة -وليس عبر غيرها- يمكن أن تتضافر الجهود، وتتدخل الأطراف المناسبة للتعامل مع حالة الوالد المتأزم ، فقط تكون مشكلته مادية أو صحية أو غير ذلك، وهو يدرك أن إخباره بها لمن حوله -ومنهم ابنته- لن يقدم ولن يؤخر في شيء.
ومع أهمية الدعاء لربِّ هذه الأسرة المسكينة بالهداية وصلاح الحال، فإن خطوطًا حمراء ينبغي أن تكون أمامه لا يتخطاها، ووضع هذه الخطوط يبدأ بالتقرب منه، ومعرفة أحواله، ومساعدته فيها، ويمتد إلى إبلاغ الشرطة عنه في حالة تماديه في الغي، وعلى نفسها تجني براقش.
الدائرة المهمة أيضًا هنا هي دائرة جيران الفتاة في سكنها؛ لأن بيوتهم يمكن أن تكون ملاذات آمنة لها أحيانًا عند اللزوم؛ ولذلك ينبغي التعرف على الجيران جيدًا حتى لا تكون المسكينة كالمستجير من الرمضاء بالنار، ويمكنك أن تساهمي معها في هذا التعارف.
وبمناسبة سؤالك أعيد التأكيد على أمر كنت قد أشرت إليه من قبل، وهو أن الله -سبحانه وتعالى- في شرعه الحكيم قد أقام عبر أحكامه وتوجيهاته المبثوثة في آيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وسنة مسلكه الشريف، أقام بناءً هامًّا، ونسيجًا متينًا من العلامات لا يقوم الشرع إلا بها، فهي جزء منه.
وبعضنا يظن أن صلة الرحم، وغيرها من التوجيهات بالإحسان إلى الجار، وبرِّ الوالدين، وتفاصيل أحكام الميراث وغيرها، يظنها أغلبنا تقاليد أخلاقية أو قانونية فحسب، تهدف إلى توزيع الثروة، وعمارة الآخرة، وهي تتضمن هذا بالطبع، ولكنها قبله تحيط كل إنسان بسياج حماية متين يعينه على نوائب الدهر، ولا ينبغي أن نعتقد عودة للدين دون خطة واضحة وعملية لاستعادة فاعلية وجاهزية هذه الشبكة التي تقطعت وتآكلت حتى كادت تغيب، وفي حالة تلك الفتاة فإن تكوين هذه الشبكة يشملك كما يشمل الجيران والأصدقاء، وبعض الحكماء من ذوي المكانة المعنوية، والتأثير الأدبي على الوالد وسلوكه، وفي هذا الإطار ينبغي أن نفهم توجيهات، مثل:
"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا".
"مثل المؤمنين في توادهم، وتعاطفهم، وتراحمهم كمثل الجسد الواحد...".. هذه الروابط فرض وواجب، وإحياؤها ضرورة حتمية حتى لا تضيع صرخات الضحايا أصواتًا في البرية،
ــــــــــــــــــــ(41/374)
الباحثة عن الحقيقة
تساؤلات حول الحب, الحب والخطئية, مع الجنس الآخر
في البداية أحب أن أتوجه إليكم بالشكر العميق على هذا الكرم، وعلى ما تعطونه من وقتكم للناس لتفرجوا كروبهم، وأدعو الله أن يفرج عنكم كرب يوم القيامة؛ فتكونون من السابقين إلى الجنة.
أنا فتاة في الثامنة عشرة من عمري من بيئة ملتزمة، وقد تعلمت بعضا من قواعد الدين، ولكن بأسلوب خاطئ، وهو ما جعلني أنفر ولا أعرف الصحيح من الخطأ، وكان هذا يزيد في اضطرابي وتمردي على كل شيء؛ فطبيعة عائلتنا أنها تمنع كل شيء حتى أدق تفاصيل حياتنا يجب أن يتدخلوا فيه.
ومنذ فترة أستمع لدروس أحد العلماء، واستدرجت العائلة كلها لتشاهده معي، وحسن ذلك الكثير من الأمور، وشعرت بلذة القرب من الله تعالى، ولكنني في غمرة هذه الأمور ومنذ سنة تقريبا بدأت أراسل قريبا لي عن طريق الإنترنت، وكنا نبث بعضنا همومنا، ووقفنا إلى جانب بعض بأزمات كثيرة، ويشهد الله أننا لم نخرج يوما عن حدود الأدب.. هو يعيش في بلد ثانٍ، وقد اكتشفنا أننا تنفق في كثير من النقاط، ودوما متفقين على الأخلاق الحميدة التي يجب أن تسود ذلك.
وبالصيف الماضي سافرنا إليهم والتقينا بعد انقطاع دام ثلاث سنوات، وكنا نتكلم كثيرا، وأعترف بأنني أحببته، وهو كذلك، وهو لم يصرح لي بذلك، ولكنه كان يقول لي دوما: أنا أخاف أن يجعلك أهلك تخطبين لمن هو ليس أهلا لك، فكنت أضحك، وقبل سفرنا كتب لي رسالة وقال لي بأنك يجب أن تكملي دراستك.
أرجو أن لا تظنوا أنها علاقة حب صريح، إننا بصراحة نتناقش بأمور ذات معنى، ولم نخطئ يوما، حتى أنني عندما أكتب له أقول الأخ فلان، ولكن هذه المشاعر الحبيسة التي أحسها أخاف أن تكون ذنبا، وأنا أتساءل: هل علاقتنا هذه ضمن الحرام؟ وأنا بصراحة أخاف إن كانت ذلك أن أكون السبب في أن جعلته يتعلق بي، أنا لا أريد أن يغضب الله علينا، وأفكر أيضا أننا من بيئة متزمتة جدا، بل لا تفقه شيئا في الدين، والذي تعرفه مجرد عادات، ولا نستطيع مناقشة أهلنا في شيء، فأين الخطأ إن بقينا هكذا؟
أنا لا أخفيكم أنني كثيرا أحس أنني بحاجة لشخص حنون يكون إلى جانبي، يسألني بعطف وحنان: ما بك؟؟ لأن حنو الأب وعطف الأم وحب الأخ والأخت لا يعوض إلا بزوج صالح. برأيكم: ما هو الحل لمشكلتنا؟ أرجو أن لا أكون قد أطلت، ولكنني أريد نصيحة صادقة، ولكم فائق احترامي وتقديري، وشكرا. الباحثة عن الحقيقة.
... المشكلة
أ. سمر عبده ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أختي الباحثة عن الحقيقية، بدأت طريقك لمعرفة نفسك وحياتك بتساؤلاتك كثيرة كنت غارقة بالمشاكل أسرتك وما زلت.. بدأت تبحثين عن نفسك ربما بسبب شيخك الفاضل الذي انتظمت على سماع دروسه، فبدأت تبحثين عن الأمان والسكينة والحياة الهادئة التي تفتقدينها وفي نفس الوقت تحذرين من الوقوع في الخطأ.. تسرعين الخطى طامحة أن تصلي لغايتك بسرعة وتحقي أملك.
أختي الحبيبة، عن أي حقيقة تبحثين؟ عن حقيقة مشاعرك تجاه هذا الشاب؟ أم عن حقيقة علاقتك به؟ أم عن شرعية هذه العلاقة؟
أختي، رأيي في علاقتك وهذا الشاب أن ما جمعكما شدة التشابه في النشأة؛ فكلاكما يفتقد الأمان والاستقرار الأسرى، وكلاكما يشعر بالوحدة والفراغ، وكلاكما يحاول البحث عن حل خارج الأسرة، وهذا يعني أن ما يجمعكما ليس حبًا بالضرورة، وإنما الرغبة في الاستقرار والبحث عن الأمان، ربما أصبح حبًا وربما لا، وربما بمرور السنين تغيرت مشاعركما.
ناهيك عن حقيقة أنك لا تعرفين هذا الشاب جيدًا؛ فالشات وحديثك لأخته بل رؤيتك له مرات قليلة ليست كافية لمعرفته، أو الجزم أنه الزوج المناسب.
والحقيقة أيضًا تقول: إنكما لستما في سن تسمح بالارتباط الآن؛ فهو يحب أن ينهي دراسته ويكون نفسه، وأنت لا بد أن تنهي دراستك.. فهل تضمنين ألا تتغير مشاعرك أو مشاعره خلال هذه الفترة؟، وساعتها تكونين ربطت نفسك بعلاقة تغضب ربك، وتكرهين نفسك؛ لأنك استمررت فيها هذه السنين.
والحقيقة تقول بأن أي علاقة بين الشاب والفتاة خارج النطاق العام والذي وضعه الشرع غالبًا ما تبوء بالفشل ويخسر فيها الطرفان.. فهل تقبلين هذا لنفسك؟
ونكرر مرات ومرات: العلاقة بين الشاب والفتاة طالما أنها لم تخرج عن الإطار العام الجماعي مع الالتزام بالضوابط فلا حرج، ولكن إذا انتقلت إلى علاقة خاصة يكون الحكم مختلفًا، وتطرح أسئلة كثيرة نفسها، ويجب الإجابة على هذه الأسئلة بكل وضوح وحسم ودون تمييع للحقائق:
هل الزواج وارد أم لا؟ وإن كان واردًا فمتى يكون؟ وهل الشخص مناسب كزوج؟ وما هي التدابير اللازمة للزواج؟ وأسئلة أخرى كثيرة أختي.. هذه هي بعض الحقائق التي تضع النقاط على الحروف، ونصيحتي لك هي:
أولاً: اقطعي علاقتك بهذا الشاب تمامًا، ولا تتصلي به بأي وسيلة، ولا تسعي وراء أخباره، واتركي الأمور تسير في أعنتها فإن قدر الله أن يرتبط بك هذا الشاب، وكان مناسبًا لك فلن تغير مشاعره عدم اتصالك به، وإذا لم يأت فلعل هذا هو الخير وأنت لا تعلمين.
ثانيًا: ليس صحيحًا أن عطف الأم والأب والإخوة لا يعوض إلا بالزوج الصالح، لا بل يعوض أيضًا بالصحبة الصالحة إن وجدت.. فهل لديك أصدقاء يعينونك على الخير وتجدين بينهم الأخت التي تبثين لها همك وتعينك على الخير؟
ثالثًا: أنت لديك وحدة ولا يملؤها إلا ممارسة الأنشطة المختلفة رياضية وثقافية، وربما الانضمام إلى إحدى الجمعيات الخيرية التي تستطيعين أن تشاركي من خلالها بعض الأنشطة، والتي ربما فيها وجدت أن في الدنيا مشاكل وهموما تفوق بكثير مشاكلك فتهون في عينك.
رابعا: الأهل يتغيرون إن تحولنا من ناقدين لهم إلى مشفقين عليهم، ولقد بدأت معهم بأسلوب غير مباشر، ولكنه مؤثر عن طريق دروس شيخك الكريم واجتماعكم حولها، ونصيحتي لك أن تستمري وتحاولي مصاحبة والديك والتودد لهما رغم كل ما يفعلانه وبرهما ما استطعت.
خامسا: وصدقيني مع الوقت ستتغير نظرتك للحياة ولنفسك.. فاستعيني بالله وتوكلي عليه، وأعلمينا بأخبارك.
ــــــــــــــــــــ(41/375)
كراهية الخُلُق أم كراهية المخلوق؟
مع الأهل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله خالقنا وبارئنا ومصورنا، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.. أنا فتاة عمري 18 عامًا، من عائلة متدينة والحمد لله، أود أن أعرض عليك مشكلتي التي أعاني منها وتسبب لي القلق والتعب من كثرة التفكير.. حالتي الإيمانية جيدة ولكنها كانت أفضل في السابق.
مشكلتي هي في علاقاتي مع الآخرين؛ فعلاقاتي جيدة مع جُلّ من أعرفهم، ولكنني أبغض بعض الصفات في بعض الناس؛ ولهذا السبب أخاصم بعضهم أحيانا.. وقبل سنة تركت صديقة لي؛ لأنني تغيرت كثيرًا عندما صاحبتها؛ فأصبحت أهزأ من الناس، وأغتاب كثيرا بعد أن كنت في حالة إيمانية جيدة، وبعد ذلك ضقت من هذا الأمر، وقطعت علاقتي بها. وهناك فتاة أخرى في نفس عامي الدراسي، كانت علاقتي بها جيدة، ولكنها كانت تشغلني بكثرة الكلام في الحصص؛ وهو ما سبب انشغالي عن الحصص؛ فغيرت مقعدي لأبتعد عنها، بالإضافة إلى وجود عيوب أخرى عندها مثل: الغيبة، وحبها لأشياء لا أحبها، بالإضافة إلى استهزائها بي، وحبها لإشعاري بأنها أفضل مني في كل شيء، وأنا أصلا حساسة ولا أحب هذا الكلام عني حتى ولو كان هزلا.. خاصة أنني ضعيفة الشخصية، ولم أستطع الرد عليها، وإنما ابتعدت عنها وقطعت علاقتي بها.
المشكلة الثالثة هي علاقتي السيئة مع زوجة أخي.. وهذه أصعب مشكلة؛ لأنني أعيش معها، وأراها، ولن أستطيع الصبر عليها.. فأنا أبغض فيها بعض الصفات؛ فهي تكذب كثيرًا، وتنافق وتهمل في واجباتها تجاه زوجها وبناتها، وهي دائما تتدخل فيما لا يعنيها؛ وهو ما جعلني أكرهها إلى حدّ أني لا أطيقها، وهذا يؤثر على علاقتي بأخي طبعًا، ومنذ فترة اختلقت مشكلة دون أي سبب حتى تصبح علاقتي بها محدودة، ولكنني لا أدري كيف غضبت وتكلمت كلامًا كثيرًا أغضب أخي، وقطع علاقته بي، وحدث هذا أثناء سفر والديّ لأداء العمرة.. ومنذ ذلك الوقت وأنا لا أستطيع الدراسة أو النوم أو التركيز في أي شيء؛ فأنا أدرك أنني ارتكبت ذنبًا وأنا أشعر كأنه جريمة، وأشعر أن الله لن يغفر لي، خصوصاً أنني لا أفضل أن أرد هذه العلاقات إلى ما كانت عليه، وهذه في حد ذاته يجعلني أشعر بذنب عظيم.
واليوم عاد والداي والحمد لله أنه ردهما لنا سالميْن، ولكنني حزينة وأنا أجلس وحيدة، ولا أستطيع أن أجلس معهما؛ لأن أخي وزوجته معهما، وهما يسكنان بجوارنا ويطيلان المكوث هنا؛ فهل أبقى هكذا وحيدة؟ أنا أشعر الآن بأنني غريبة عن أهلي وعن الكل، وأنني مريضة نفسياً! لماذا لا أستطيع الصبر على طباع الناس وصفاتهم؟! صحيح أن أخواتي ووالديَّ يكرهون تصرفات زوجة أخي وكلامها وأفعالها، إلا أنهم يصبرون عليها.. ولماذا يكون الكل له علاقات جيدة مع كل الناس إلا أنا؟
وأخيرًا، اهدني إلى الصواب، وإلى حل هذه المشكلة، علمًا بأنني تبت إلى الله منها واستغفرته، ولكنني لم أقدر على ربط ما قطعت يداي من علاقات مع الناس. أعتذر عن كلامي الطويل، ولكنني أطلب العون.. أعنِّي أعانك الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... المشكلة
... ... الحل ...
...
... إن أول ما يجب أن تدركيه هو أن الكمال لله وحده.. وأن كل إنسان إلى نقصان.. وأن كل شخص نقابله سنجد فيه ما نحبه وما نكرهه، وأننا نتعامل مع ما نحبه ونترك ما نكره، وأننا عندما نرفض سلوكيات في أشخاص فإننا نكره السلوكيات ولا نكره الأشخاص؛ لأن كراهية الأشخاص تجعلنا لا نستطيع أن نرى مميزاتهم، أو نحكم عليهم بموضوعية، في حين أننا حين نكره التصرفات فإننا نستطيع أن نبتعد عنها، وأن ننقدها بموضوعية؛ بل وأن نوجه صاحبها لتصحيحها.
ويجب أن ندرك أيضًا أن لنا عيوبنا التي يتحملها الآخرون، وهم يتعاملون معنا، وأننا أيضًا نكره عيوبنا، ولكننا لا نكره أنفسنا.. إذا تعاملت بهذه الأفكار مع نفسك ومع الآخرين؛ فستستريحين كثيرًا، وستستطيعين التكيف مع الآخرين.
إن الآخرين ينتظروننا لنمد أيدينا إليهم.. إن الرفق أمر بسيط؛ كلمة طيبة، ووجه طليق.. عوِّدي نفسك على رؤية المميزات في الآخرين، ولا تنقبي في العيوب؛ فسيرى الآخرون مميزاتك ولا يرون عيوبك.. لا يوجد إنسان بغير مميزات.. كل إنسان فيه الخير الذي إذا بحثنا عنه فسنراه.. إننا عندما نكره نرى من نكرهه شيطانًا رجيمًا لا يوجد به أي خير.. والله خالقنا الذي يعلم من أحوالنا السر وأخفى لا يحاسبنا بهذه الصورة.. وإنما يأخذنا كلا لا جزءا جزءا (على بعضنا) فإن غلب الخير فينا نجونا.. فالله ينجينا بغلبة الخير.. ونحن لا نرى أن ننجي أنفسنا!! اسعيْ إلى الناس بوجه طليق وبكلمات طيبة وبنظرة ترى المميزات عندئذ ستحسن علاقتك بكل الناس، ونحن معك.
ــــــــــــــــــــ(41/376)
وقالت: هيت لك.. قال: معاذ الله
مع الجنس الآخر
أنا شاب في الثانوية العامة في مدرسة مختلطة، وأنا ملتزم، وليس لي علاقات مع البنات في المدرسة، ذات مرة كنت سائرًا وبدون شعور كدت أن أصطدم بفتاة فنظرت إليّ طويلاً، ولم أُعِر ما حدث أي اهتمام، وبعدها صرت كلما نَظَرْت حولي رأيتها تنظر إليّ، فتولَّد شيء في داخلي يدفعني إلى النظر إليها، وهكذا بدأت النظرات تتوالى، فبدأت تقوم بحركات لكي أتحدث إليها، وكنت أحاول تجاهلها، ولكن مع الوقت أصبحت أفكر بها.
وأنا معروف بين زملائي بالالتزام، وأنا في حيرة من أمري، وأودَّ أن أتحدث إليها، ولكن خوفي من الله يحول دون ذلك، فماذا أفعل؟
... المشكلة
د.نعمت عوض الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أيها الابن العزيز، بارك الله في أخلاقياتك والتزامك، وأعانك على الفتن بمعونة ربانية تحميك، وتقيك شر إغواء الإناث.
ما حدث معك شيء طبيعي جدًّا؛ فهي أنثى وإن صغر سنها، وهي تحاول اصطياد اهتمامك بأي وسيلة وكل وسيلة، ومن الطبيعي أن تستجيب للإغراء بعد فترة مقاومة..
ومن الطبيعي أن تنشغل، ولكن يا بني قل لنفسك دائمًا بأن كل الذنوب وردت في قرآننا الكريم تصف المذكر ثم المؤنث، مثل قوله تعالى: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا..."، "وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَات..."، "الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَات..."، إلا الزنى يا ولدي، فلقد جاء صريحًا في سورة النور "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي..."؛ فالإغراء يبدأ من الإناث في كثير من الأحيان، كما فعلت امرأة العزيز.
قاوِم يا بني، واستمسك بشرع الله والتزامك عسى يصرف عنك السوء والفحشاء، مارس رياضات بدنية، وانخرط في أنشطة ثقافية مختلفة، وأشغل نفسك بهوايات جديدة، واقترب أكثر من أصحابك الملتزمين، وابتعد عن طريقها قدر استطاعتك، ولو أن هذا سيثير شهيتها إليك أكثر..
باختصار املأ وقتك بصحبة صالحة مفيدة؛ لتطرد فكرة طالحة مخرِّبة للنفس والدين، وأهم شيء ألا تصدق ادعاءات الحب والإعجاب؛ فالعلاقة بين الرجل والمرأة في الإسلام تقوم في إطار، وبدونه يصبح كل شيء فاسد، ولك مني كل الدعاء.
ــــــــــــــــــــ(41/377)
وهل أنت على صواب ؟
مع النفس, مع الأهل, الإنترنت والهاتف
السلام عليكم، أنا فتاة في الـ"18" من عمري، لديّ ثلاث مشكلات:
الأولى هي أن أمي تفرق كثيرا بيني وبين إخوتي، فأنا في نظرها دائما المخطئة.. لا أستطيع أن أتناقش معها في أي شيء، ولا أستطيع أن أشكو لأحد؛ لأني لا أثق بأي شخص كان؛ فقد مررت ببعض المشاكل بسبب ثقتي الزائدة بالناس، مع هذا فإني أبكي لمجرد التفكير بأن شيئا ما قد يحصل لأمي.
مشكلتي الثانية هي أني ارتكبت بعض الأخطاء بحياتي، وكلما فكرت بما فعلت احترق قلبي لدرجة أني أفكر في الانتحار، مع أنها أشياء لا تقارن بما يفعله بعض البنات هذه الأيام.
أما مشكلتي الثالثة، فهي أني قد وقعت في شباك "الشات" منذ ثلاث سنوات، ولا أستطيع التخلص منه، ففي نظري، أصدقائي على الشات هم فقط الذين يستطيعون فهمي؟
ساعدوني أرجوكم، ولكم مني جزيل الشكر.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... عندما يأتيني أحد الشباب يشكو إليّ أهله لأنهم لا يسمعون رأيه ودائما يسفهون كلامه، فأبادره بالسؤال: هل أنت دائما على صواب ؟ وهل هم دائما على خطأ ؟...
إن بعض الشباب وهو يدافع عن حريته في إبداء رأيه، يريد أن يصادر آراء الآخرين، ويقع في نفس ما يلوم عليه الآخرون.
إن تقييمك للمشكلة مع أمك لأنها تراجعك في آرائك أو تنتقدها أنها تفرق في المعاملة بينك وبين أخوتك هو تقييم يحتاج إلى المراجعة؛ لأنني في مقابل أن أمي تعتبرني دائما مخطئة؛ فيجب ألا أعتبر نفسي دائما على صواب، وعندما يخالفني أحد في الرأي أقول بأنني لا أستطيع المناقشة معه، فإما أن توافق أمي على رأيي وإما أن يصبح الأمر أني لا أستطيع النقاش معها.
إن القاعدة الذهبية التي وضعها الإمام الشافعي حيث يقول: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" تفتح أبواب الحوار والنقاش على مصراعيه، وإذا كانت عاطفتك ناحية أمك بهذا التدفق فتأكدي أن مشاعر أمك أكثر تدفقا من ناحيتك.. وكل ما في الأمر أنك تحتاجين أن تنظري إلى الأمور بصورة أخرى.
وبالنسبة لما يقع فيه الإنسان في حياته من أخطاء، فليست المشكلة في وقوعه في الخطأ، ولكن المشكلة فيما يتعلمه من هذا الخطأ، لا تفكري في الانتحار، ولا تصابي بالجنون؛ فليس هكذا يتعامل الإنسان مع أخطائه، إنك تريدين أن تزيدي إلى أخطائك أخطاء جديدة بهذه الأفكار الحمقاء؛ فلتتعلمي من أخطائك، وعندها تتحول الأخطاء إلى نور يضيء حياتك المستقبلية.
أما بالنسبة للشات، فليس كله شر وليس كله خير، فما هو صواب ومفيد فهو خير، وما هو ضار ومضيعة للوقت والجهد فهو شر. المهم هو التوسط في استخدامه فيما يفيدنا.. وإذا كان الأمر يقتصر على الصداقة والتفاهم بدون تجاوزات أخلاقية أو شرعية وبدون إفراط في وقت ومدة الاستخدام، فإن الصداقة دائما خير، ولكن إذا تجاوز الأمر الحدود الأخلاقية والشرعية، فيمكنك مراجعة كيفية التخلص من إدمان الشات والإنترنت على صفحتنا في مشكلة سابقة بعنوان :
الحب بالشات واقع أقرب للخيال
الهاتف والشات: وسائل اتصال لا تواصل
ــــــــــــــــــــ(41/378)
الثانوية العامة والنجاح المنشود
هموم الدراسة, مع الأهل
السلام عليكم أما بعد، أود أن أطرح مشكلتي عليكم أملاً في أن تساعدوني، أنا فتاة في آخر سنة دراسية، أي أنا في الثانوية العامة، ومشكلتي هي أنني لا أدرس كما يجب في السنوات الماضية، كنت أدرس جيدا وكان تحصيلي في نهاية العام جيد جداً، وفي السنة الماضية تخاصمت مع صديقاتي في المدرسة؛ فأثر ذلك علي وأصبحت أكره المدرسة والدراسة، وأصبحت أهمل كثيرا في دراستي، ولم أكن أدرس جيدا حتى في الامتحانات، وانخفضت درجتي أو علامتي النهائية حوالي 5 درجات، مما سبب قلق أهلي علي وكذلك غضبوا مني كثيراً.. أما الآن فأنا لا أدرس كثيرا، أحاول ولكنني لا أنجح، وضعت جدولا لأنظم وقتي ولم يجدني ذلك شيئاً، واستعنت بالمرشدة التربوية في المدرسة، فقدمت لي النصائح ووضعت لي جدولا لأنظم وقتي، ولكن دون فائدة.. ماذا أفعل لأدرس.. أهلي قدموا لي كل ما أحتاج ومدرستي كذلك وأنا أريد أن أحصل على درجة عالية لأرضي والداي ولأدرس التخصص الذي أرغب فيه.. ولكن كل هذه الأمور لا تجعلني أقبل على الدراسة، وما يزيد من همي هو أن كل صديقاتي وأقاربي ممن هم في مثل عمري يدرسون أفضل مني.. وهناك كثيرون سينتقدونني إذا لم أحرز علامة جيدة؛ لأنني في أفضل المدارس وكل شيء موفر لي وأنا أخاف من الرسوب أو من الحصول على علامة متدنية فماذا أفعل؟؟
... المشكلة
د.إيهاب خليفة ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت المرسلة، بعد التحية، كثرة المشتتات التي تعوق الإنسان عن الاستذكار من الأمور المعروفة في فترة المراهقة، وأعني بالمشتتات وجود اهتمامات وأفكار أخرى ينشغل الشاب أو الفتاة بتحقيقها والتفكير فيها، وربما كان أحد الأسباب في حالتك هو شعورك بالوحدة في هذه المدرسة بسبب اختلافك مع صديقاتك، ولكن قد لا يكون هذا السبب هو السبب الوحيد ولعلاج هذه الحالة عليكِ:
أولاً: أن تراجعي أهدافك من مسألة المذاكرة بصفة عامة فهذا مما قد يعينك ويقوي عزيمتك، وأعني أن تحددي بينك وبين نفسك لماذا يعتبر هذا الاستذكار مهما بالنسبة لك، وهذا يحتاج إلى جلسات منتظمة وأحاديث مع النفس.
ثانيًا: عليكِ أن تحددي ما هي الأسباب الأخرى التي تصرفك وتوهن عزيمتك في عملية المذاكرة، وقد يكون من الأسباب أيضا وجود اهتمامات أخرى كالانشغال بالتفكير في المشكلات الفلسفية أو الأمور العاطفية أو عدم الإحساس بأهمية المذاكرة وتحصيل الدرجات العلمية، وهنا ينبغي وضع أهداف أخرى تعلي من قيمة المذاكرة وبالنسبة لك.
ثالثًا: وبالنسبة للاختلاف مع صديقاتك عليكِ أن تحددي بصدق ما هو سبب هذا الخلاف.
فهل هذا الخلاف لمواقف عابر ينتهي بعلاج هذا الموقف أم هو لعيب في شخصيتك يدفع الآخرين للاختلاف معك؟
أم هو بسبب عدم وجود تناسق في الطباع؟ وهنا يعالج الأمر بتكوين صداقات أخرى مع من يماثلنك في الطباع وطريقة التفكير.
رابعًا: من الأمور التي تعين في عملية الاستذكار أن يضع الإنسان لنفسه أهدافًا سامية لهذه المذاكرة بالإضافة إلى الأهداف المادية المعروفة التي يتخذها معظم الناس لتحقيق المصلحة الشخصية ومن هذه الأهداف السعي إلى خدمة دينك ووطنك وبر الوالدين والتسلح بسلاح العلم الذي هو أعظم قوة في الوقت الراهن، وتنمية الشخصية ورفع المستوى العلمي بما يفيد في المستقبل في القيام بدور الأمومة وتربية الأجيال الناشئة على أكمل وجه.
خامسًا: أما باقي الأمور الأخرى التي تحدثت عنها مثل وضع جدول للاستذكار وتنظيم الوقت فهي أمور وإن كانت مهمة إلا أنها فرعية تأتي بعد إصلاح الأسس الأخرى التي تحدثنا عنها في النقاط السابقة.
ــــــــــــــــــــ(41/379)
إذا اشتعل رأسهما شيبًا.. فقد أموت بكاء
مع الأهل, مع النفس
أنا فتاة عمري (16)، الأخت الوسطى بين شقيقة أكبر مني وأخ أصغر، مشكلتي هي أنني شديدة الخجل، حيث إنني أستحيي أن أظهر أمام أمي بملبس يظهر ذراعي!!، وأنا أيضًا من شدة حيائي لا أعبر لأمي أو أبي عن حبي لهما -وهذا هو لب المشكلة- فأنا أفضل أن أموت دون أن أعبر لهما عن حبي الجنوني لهما، فأنا لا أستطيع أن أقبلهما، حتى صديقاتي يخبرنني ويؤكدن أنني شديدة الحياء.
أنا لا أتخيل أني في يوم من الأيام سوف أفقد أبوي، فإن مجرد التفكير في ذلك يجعلني أبكي، وأدعو الله أن أموت قبلهما، فإلى متى سأظل كذلك، فإنني أحبهما بجنون. وأنا مثلاً لا أستطيع أن أهدي أحدهما هدية، إلا في العيدين؛ حيث تكون هذه هي حجتي التي أشجع بها نفسي لتحمل ما تستحي منه.
أنا أيضًا حساسة جدًا، ولكنها ليست تلك الحساسية التي تجعلني أحزن من أجل كلمة، ولكن مثلاً أحزن وأبكي إن فقدت شيئًا أحبه أو شعرت بشيء يضايقني، وهكذا.. ورغم أني أشعر في بعض الأوقات أن أمي تعاملني بشيء من الغلظة فإن كل هذا يذوب حين أتذكر أنني أحبها.
وأنا لا أستطيع أن أتخيل أمي أو أبي في كبرهما مريضين وعاجزين، وقد اشتعل الشعر شيبًا، وأراهما وقد أصيبا بأمراض الدنيا تنهش في جسديهما النحيلين، إنني أموت من البكاء إذا تخيلت -مجرد تخيل- أن هذا قد يحدث.
هل عرفتم كيف أحبهما أرجو منكم أن تساعدوني في هذه المشكلة، وأتمنى أن أكون قد استطعت أن أشرح لكم المشكلة من كل أبعادها.
ولي رجاء خاص هو أن تسألوا لي الله أن أحصل على مجموع عال هذه السنة والسنوات القادمة؛ فأنا الآن في الصف الثاني الثانوي، ولا يخفى عليكم المجاميع الرهيبة التي أتمنى من الله أن يجعلني أحوزها، أشكركم جزيل الشكر، وأرجوكم ألا تنسوا هذا الرجاء الخاص، والسلام عليكم ورحمة الله.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... تتميز العاطفة في سن المراهقة بالشدة والحدة والمبالغة في التعبير عنها؛ حيث يخرج الفرد من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب مارا على جسر المراهقة، فيعيد اكتشاف عواطفه ومشاعره، فتجده يعبر عنها لأنه سعيد بها وبإحساسه الجديد لها.. وعلى المستوى العقلي مع اطراد النمو العقلي في هذه المرحلة تجد المراهق أيضا يطرح على نفسه أسئلة غريبة، ويجيب عليها ثم ينفعل بها عاطفيا أيضا من قبيل: ماذا أفعل إذا كبر أبواي واشتعل رأساهما شيبا؟ كيف يمكن أن أعيش إذا فقدتهما؟.. وهو في ذلك أيضا يمرن عقله على طريقة التفكير الجديدة في استشراف المستقبل.
المقصود أن ما يتم معك هو جزء من طبيعة هذه المرحلة؛ فلا تنزعجي له.. ستهدأ عاطفتك وتعود إلى توازنها الطبيعي.. ستكونين أقرب إلى التعامل مع الواقع ومفرداته مع مرور الزمن ونضجك النفسي والعقلي، وستضحكين يومها من هذه الأفكار والمشاعر التي انتابتك.. فلا تتعجلي الأمر.
إن فهمك لنفسك وإدراكك لما يحدث جزء من العلاج.. أو قولي جزء من نضجك النفسي الذي يحدث رويدًا رويدا كلما زادت تجاربك وخبرتك في الحياة.. وهكذا أيضا في انفعالاتك عندما تفقدين شيئا أو يضايقك شيء سيكون تفاعلك في بادئ الأمر كما هو الآن حادًا وشديدًا، ويصل إلى درجة البكاء، ثم تكتشفين الحياة وما فيها وتنضبط وتتكيف مشاعرك مع الواقع حتى تصبح متفاعلة بطريقة عادية وأنت على أعتاب الرشد والشباب.
وندعو الله أن يوفقك في حياتك كلها بما فيها الدراسة، وأن تنجحي النجاح المشرف في حدود إمكانياتك وطاقاتك، افعلي ما عليك وتوكلي على الله ولا تفكري في المجاميع الرهيبة.. فالنجاح في الحياة بكل محاورها لا علاقة له بهذه المجاميع، ولكن له علاقة باستواء الإنسان نفسيًا ونضجه عقليًا وعاطفيًا وقدرته على التكيف، ويمكنك العودة لبعض الحلول السابقة في شأن التعامل مع الدراسةمنها:
على أبواب الامتحانات: تنظيم وقت المذاكرة
المذاكرة من أول العام.. وصفة للتركيز
ــــــــــــــــــــ(41/380)
"قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم"
مع النفس
مشكلتي هي في نفسي؛ فنفسي لا تحب الصلاة ولا العبادة، حاولت أكثر من مرة التوبة؛ فأحافظ على العبادة يوما فقط، ثم أعود إلى الكسل، وأحس أن الدنيا ضاقت علي، أصبحت لا أحب الحياة ولا الدراسة، وبدأ مستواي يقل بشكل ملحوظ، وشخصيتي تضعف. بدأت أفكر في الانتحار، أريد أن أموت؛ لأني أعيش في بحر من الظلمات والكرب، لا أحد يحس بما أعانيه. أهلي دائما يأمرونني بأن أفعل كذا، وأذهب لكذا، حاولت الرجوع إلى الطريق الصواب، وكنت أرجع لبضعة أيام، ثم أعود لطريق الهلاك. أنا لا أفعل المعاصي فقط؛ فأنا لا أصلي، وأيضا أنا مدمن العادة السرية. أرجوكم أنقذوني من هذا الظلام. ... المشكلة
د.إيهاب خليفة ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ المرسل، بعد التحية، تفكيرك في الانتحار يدل على شدة اليأس والغمّ والحزن، والشعور بالعجز الذي ليس معه أمل، وهذا من السمات الموجودة عند ابن آدم إن لم يكن مستعينا بربه؛ فهو -كما أخبر عنه القرآن- لا يسأم من دعاء الخير، وإن مسَّه الشر فيئوس قنوط.
ودعنا نتأمل إلامَ سيوصل هذا اليأس؟ إن الإنسان إذا فكر في الانتحار، وأقدَمَ عليه؛ فعاقبته الخسران المبين، والخلود في النار، وإذا عاش على ظهر هذه الأرض فإن هذا اليأس يدفعه إلى المزيد من الضعف؛ فالحكمة تقتضي -إذن- عدم الاستسلام لهذه المشاعر التي هي أمر شائع لمن هم في مثل سنِّك؛ حيث لم يكتسب الإنسان الخبرة الكافية، ولم يتعلم كيفية التعامل مع هذه الحياة، وبمرور الوقت يتعلم الإنسان العاقل بأنه سيظل في حرب مع هذه النفس الأمّارة بالسوء؛ يهزمها وتهزمه حتى يموت.
والله (سبحانه وتعالى) العليم بخلقه لم يتركهم ويتخلى عنهم؛ ففتح لهم باب التوبة دائما، وجعل الحسنة بعشر أمثالها، وأخبرهم بأن مع العسر يسرا؛ فهل هناك رحمة أعظم من ذلك؟! حتى إنه -أحيانا- يغفر الذنوب للإنسان دون طلب منه.
فلتسعَ -أخي المرسل- إلى دفع هذه المشاعر، وإصلاح نفسك، وما تشاهده من مباريات الكرة يماثل ما أقول، إن الفريق يظل يحاول حتى النهاية، سواء كان منتصرا أم مهزوما!! وحتى إن تأكد من هزيمته فهذا لا يُقعده عن محاولة تحسين النتيجة عسى أن ينفعه ذلك فيما بعد.
ومما يعين على مسألة الإصلاح القراءة في كتب التزكية مثل كتاب "منهاج القاصدين"، والبعد عن الوحدة، والالتزام مع الصحبة الصالحة، واستثمار وقت الفراغ في ممارسة الرياضة البدنية والأنشطة المختلفة؛ فهذا مفيد في تقليل المعاصي -بصفة عامة-، وعلاج العادة السرية -بصفة خاصة-، وإكسابك المزيد من الصبر والثقة بالنفس.
وانقطاعك المتكرر عن الصلاة سببه أنك لم تُدرك -بعد- حلاوتها ومتعتها، وهذا هو الحال مع جميع الطاعات تنفر منها النفس في البداية، ثم تميل بعد ذلك عندما تشعر بمتعتها وفوائدها وروحانيتها الجمّة.
ولمزيد من التفاصيل يمكنك مراجعة إجابات سابقة لنامنها:
بفضل موقعكم أقلعت عن العادة السرية.. ولكن؟
شعار حزب مقاومة المسخرة : سأنتصر على نفسي
ــــــــــــــــــــ(41/381)
حائرة بين الزوج والابن والابنة
الحياة الجنسية, الصدمة الحضارية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أشكركم على جهودكم البارزة والواضحة لحل المشاكل الاجتماعية بألوانها المختلفة؛ حيث يعجز الكلام عن التعبير عن مدى إعجابي بهذا الموقع الممتاز.....
المشكلة تكمن في أن ابني يبلغ من العمر 14 سنة، وهو في سن حرجة كما تعلمون، ولقد شعرت بأنه يرتكب بعض الأخطاء، فهو يطلع على بعض المواقع الجنسية على صفحات الإنترنت، وبعد محاولات للتقرب منه كصديقة اعترف لي بأفعاله، والمشكلة تتشكل في سنه وتمرده وعناده؛ لدرجة جعلته يفقد مستواه الدراسي هذه السنة، مع العلم أنه يصلي....
والآن أنا في حيرة من أمري، هل ألجأ للسفر إلى وطننا الأصلي، حيث إننا نقيم في بلد آخر لظروف عمل زوجي، وابنتي في موطننا تدرس في الجامعة أم أستسلم وأظل مع زوجي ؟! من ناحية أخرى زوجي عبارة عن بركان في حالة غليان مستمر لا ينطفئ ، لا يريد أن يناقشه أحد في شيء، فكلمته المسموعة والمطاعة، فهو عصبي المزاج؛ لذلك لا يستطيع أن يكون لابني بمثابة الصديق والأب الحنون ...
والآن هل تنصحونني بالسفر أم أظل مع زوجي مع خوفي من فقدانه وفقدان أولادي، زوجي يتمتع بصفات حميدة كالكرم ومساعدة الناس بكل ما عنده، وهو يحبني، وأنا أكثر ولكنني لم أعد أتحمل كل هذه الضغوط ...
... المشكلة
أ. سمر عبده ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أختي الكريمة ، أنت حائرة بين مشاكل ابنك، وزوجك وخلافك معه؛ فهوني على نفسك ، فلكل مشكلة حل، وربما لو حلت إحدى المشكلتين؛ لصلحت الأخرى.
بالنسبة لابنك فأنت على دراية بطبيعة سنه وهذا واضح في رسالتك، فأحسنت بمصادقتك له، ومحاولتك استيعابه، ولكنه ما زال يحتاج للمزيد، فعليك:
• أن تحافظي على الموازنة بين صداقتك له، وبين احترامه لك، وتجنبي النقد المباشر له، وحاولي أن تحمليه بعض المسؤوليات؛ ليعي معنى المسؤولية.
• ما زال ابنك يفتقد وجود والده، فمع كل أسف أصبح اليوم السعي وراء الرزق يتطلب التغيب لفترات طويلة عن البيت؛ فيفتقد الأبناء آباءهم، وحل هذا أن تحاولي أن تجدي لولدك من يقوم بدور والده، كأحد الأخوال أو الأعمام، أو من في دائرة المحيطين بكم، ولديه بعض الوقت، ويكون قريبا إلى نفسية ولدك؛ فيتقبل منه النصح، فلا تنتظري حتى يتغير طبع زوجك أو يسمح وقته.
• حاولي معرفة كل أصدقائه وتعرفي على أسرهم، حتى تأمني له الصحبة الصالحة.
• أما الإنترنت فعلى الأقل قومي بإلغائه من البيت لفترة؛ حتى تشعري أن ولدك أصبح قادرا على تحمل مسؤولية اختياره.
• اعلمي أن خلافك مع والده ينعكس عليه نفسيا، وصدقيني مهما حاولت إخفاء خلافكما فقلوب الأبناء مجسات لما في قلوب الأباء؛ لذا لو تحسنت علاقتك بزوجك لحلت مشكلتك .
ويا أختي، علاقتك مع زوجك لن تتحسن للأفضل بين يوم وليلة بل تحتاج للوقت والصبر، ولا جدوى للنقاش معه، ولكن عليك الفعل لا القول، فلا تنتظري منه أن يبادر بإعطائك حقوقك، ولكن بادري أنت بإعطائه حقوقه، ولا تنتظري أن يفعل ما تحبين، بل افعلي له أنت ما تحبين أن يفعله معك، وهذا سيجعله يحرص على إرضائك.
وإذا لم تجد معه هذه الطريقة فربما كان الحل الوحيد أن تقفي في وجه البركان ولو لمرة واحدة، وتقيمي أمامه سدا ليهدأ، فخذي منه موقفا لفترة قصيرة عله يراجع نفسه، ويحاول تغييرها، احكي له عن مشاكل ابنه وحاجته إليه، ولا تخفي عنه من أمور أولادك شيئا.
أما موضوع سفرك فلا أنصحك به، لا أنصحك أن تتركي زوجك وحده رغم خلافكما ولا أن تبعدي ابنك عنه؛ فتزيد مشاكله، وربما كان الحل أن تسافري فترات قصيرة لكي تري فيها ابنتك وتطمئني عليها، خاصة إذا كانت تقيم في مكان تأمنين عليها فيه، فهذا أفضل من الاستقرار معها بعيدا عن زوجك.
ــــــــــــــــــــ(41/382)
بل اكسري قلوبهن
مع النفس, السحاق
أنا طالبة في المرحلة الثانوية ، مشكلتي هي أنني أتمتع بقدر كبير من الجمال والحمد لله ، ولكنني للأسف بدأت ألاحظ أن بعض الفتيات معي بالمدرسة يردن أن يصبحن صديقاتي المقربات ولكن بطريقة سيئة يسمونها " الشذوذ " ....
إنهم يشعرون بالغيرة علي ، وبل وتريد إحداهن ألا أكلم غيرها . وفي الوقت نفسه وبالرغم من رفضي لمثل هذه الأفعال فإنني لا أريد أن أكسر قلوبهن ، من فضلكم دلوني علي الطريقة التي أتصرف بها خاصة أنني قلقة علي مستقبلي الدراسي الذي بدأ يتدهور بالفعل ...وشكرا لكم
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... إذا تعلق الأمر بالشذوذ ، فلا مكان للعواطف أو الأحاسيس وإذا لم يكونوا أصدقائك الحقيقيين ... فما الداعي للتمسك بهن ... خاصة وأنهن يمنعنك عن أصدقائك الحقيقيين ... فهل العقل يقول أن يترك الإنساني الحقيقي من أجل المزيف وليته مزيفًا فقط ولكنه شاذًا أيضًا..
فلتنكسر قلوبهن أو تتحطم فهذا أمر لا يخصك أو يهمك ... المهم أن تبتعدي عن هذه العناصر الفاسدة المفسدة ولتكوني حاسمة مع نفسك أولا وصريحة معها ... فإن إحساسك الزائد بجمالك جعلك بالرغم من ضيقك من هؤلاء الشاذات فإن شعورًا بالرضا والسعادة لإعجابهن بك ... لأن ذلك يزيد إحساسك بجمالك هو الذي جعلك حتى الآن تتخذين موقفًا حاسمًا منهن موقفًا لا يتردد أي إنسان في اتخاذه بوضوح شديد ولكن إعجابك بإعجابهن هو الذي يمنعك ... ويجعلك تتحدثين عن قلوبهن اللاتي تخشى أن تكسريها..
ليس للموضوع علاقة بالقلوب ... إن له علاقة بالشهوات والنزوات والرغبات الثائرة بغير حدود حتى تصل إلى الشذوذ لن تكسر قلوبهن كما تتصورين أو كما تحاولين أن تبرري لنفسك لأنه أيضًا يرضيك أن تشعري أن القلوب تلتف حولك وتحبك والحقيقة أنه ليس حبًا ولكن رغبة الشيطان فإذا حسمت أمرك وقطعت علاقتك بهن فالشيطان هو الذي سيخذل والشهوات هي التي ستنكسر وليس القلوب وابحثي عن الحب الحقيقي بين أصدقائك الحقيقيين وتخلصي من الزيف والمزيفين.
ــــــــــــــــــــ(41/383)
أنت بخير.. التدريب هو الحل
مع النفس, مع الأهل, إضطرابات نفسية
عندي 17 عامًا، وأعاني من ضعف الشخصية والخجل الزائد والتلعثم في الكلام؛ وذلك بسبب معاملة الوالدين القاسية والاعتداءات الخاطئة ....
أرجو الرد على رسالتي، وشكرًا.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ المرسل بعد التحية، قسَّم علماء النفس أنماط الشخصية إلى شخصيات انطوائية وشخصيات منفتحة (وهذه هي إحدى التقسيمات)، وقالوا بأن جميعها يقع في حدود الطبيعي، إلا أنهم ذكروا أن هذه السمات الانطوائية تصبح من عيوب الشخصية إذا أثرت على تكيف الإنسان مع البيئة وعاقته عن ممارسة حياته بصورة طبيعية.
وهذه الشخصية الانطوائية هي نتاج تضافر عوامل مختلفة من الاستعداد الخلقي والوراثي وطريقة النشأة والتربية والظروف الاجتماعية.
والمطلوب منك أن تسعى إلى تغيير هذه الصفات على الأقل بالقدر الذي يعينك على التكيف مع الآخرين ومع البيئة من حولك، وهذا الأمر يحتاج منك:
أولاً: الاعتقاد بأنك قادر على ذلك؛ إذ إن هذه السمات قابلة للتغيير، وإن كان تغييرها قد يأخذ وقتًا طويلاً ومجهودًا كبيرًا، وهذا خير من السلبية ومن إلقاء اللوم على الآخرين وعلى ظروف النشأة والتربية.
ثانيًا: التدريب المستمر والمتدرج على التحدث والتعرف على الآخرين، ولا بأس من أن تلزم نفسك بأن تتعرف على شخص جديد كل يوم، وأن تتعلم فنون اكتساب الصداقة، وستجدها في كتب كثيرة مثل كتاب "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس" للأستاذ "ديل كارينجي".
ثالثًا: ممارسة الأعمال التي من شأنها أن تعطيك شعورا بالثقة في النفس والقدرة على إثبات الذات، مثل: تحصيل العلوم النافعة المختلفة، والعمل في أوقات الفراغ، وممارسة الرياضة البدنية، واكتشاف المواهب والميول والقدرات الموجودة فيك والسعي إلى تنميتها.
رابعًا: يمكنك أن تسعى إلى تدوين محاولاتك بصورة دورية وما نجحت وما لم تنجح فيه، وتطورك من الناحية النفسية في هذا الأمر.
وقد يحتاج الأمر إلى معونة الطبيب النفسي، ولمزيد من التفصيل يمكنك مراجعة إجاباتنا السابقة حول مرض الخوف الاجتماعي والخجل الزائد ، ومنها :
ماذا وراء حمرة الخجل؟!
في زنزانة الخجل
الخجل والحساسية الزائدة ... الأسباب والأسئلة
ضعف الأعصاب..والخوف الاجتماعي
في الخوف الاجتماعي: لا بد من مراجعة متخصص
الخوف الاجتماعي.. العلاج ممكن
مرض الخوف الاجتماعي
د . " إيهاب خليفة "
ــــــــــــــــــــ(41/384)
مزاج الأهل الثقيل : الناضج أقل تأثرًا
مع الأهل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عمري 18 سنة، وأعاني من حالة صدام بيني وبين والدي ووالدتي، المشكلة أنهما يريدان أن يسبا ويمزحا المزاح الثقيل معي أمام الناس بطريقة جارحة لنفسي، وإذا تفوهت بكلمة اعتراض واحدة فهما يعتبرانني متمردا وليس عندي أدب ولا أخلاق، مع أن الحق يكون معي.
والمشكلة في وجهات النظر؛ لأنني أكره أن أعامل كالحمار في البيت، لا أحد يراعي شعوري، وهو ما يسبب لي المشاكل والإحباط، ويؤدي إلى الصدام بيني وبين عائلتي، ولكنني لا أحب المشاكل وأضغط على نفسي بالسكوت أحيانا، ولكني لا أستطيع السكوت طويلاً، علمًا بأنني حاولت أن أقنعهم بطريقة معاملتي، ولكن دون فائدة ...
الرجاء إفادتي بسرعة، وشكرًا لكم.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
الأخ المرسل بعد التحية، أنت الآن في بدايات مرحلة الشباب، وقد غادرت مرحلة الطفولة لتنتقل بعد ذلك إلى مرحلة الرجولة والنضوج، ويحتاج الأهل إلى بعض الوقت وشيء من الصبر من جانبك لإدراك هذه الحقيقة، خاصة وأن الآباء بصفة عامة يرون أبناءهم صغارًا مهما كبرت أعمارهم.
ودورك أخي المرسل أن تثبت هذه الحقيقة بصورة عملية من خلال تعاملاتك مع الناس، ومن خلال المواقف المختلفة؛ فهذا الإثبات العملي أفضل بكثير من كلمات الاعتراض أو المطالب الشفهية، وأولى خطوات هذا الإثبات أن تبتعد بقدر الإمكان عن التصرفات الطفولية التي قد تقلل من شأنك وتجعلك صغيرًا في عيون الآخرين.
وثانيها: أن تستقبل نقدهم ومزاجهم بصدر رحب دون أن يظهر عليك شيء من الضيق؛ فهذه من علامات الرجولة الكاملة. ولتعلم أن الوقت جزء من العلاج، ولا بأس من أن تتقمص في بعض الأحيان شخصيات بعض الرجال الذين تعجب بهم وتتخيل كيفية تصرفهم في المواقف المختلفة، فهذا مما قد يعينك على تجاوز سخافات المزاح الثقيل، وتذكر أن السلوك الأحمق يشين صاحبه مهما كان سنه، والحلم زينة الرجال صغارًا وكبارًا.
فلا تكن سريع التأثر، وكن رابط الجأش، ثابت النفس؛ حتى يتأكد لهم أنه لا طائل من وراء استفزازك بتصرفات سخيفة، وعندها سيحترمون رجلا أمامهم من خلال تصرفاته وردود أفعاله.
وثقتك بنفسك يا أخي الكريم تستمدها من إيمانك بالله، ثم من نشاطاتك المختلفة وتفوقك الدراسي، وعلاقتك بأترابك خارج المنزل.
إن من آيات النضج يا أخي الكريم أن يخف تأثر الشاب أو الفتاة بمسلك الأهل معهم؛ لأن دوائر حركة الحياة تتسع، والمؤثرات الأخرى تتنوع وتزيد.. وأهلا بك دائمًا.
ــــــــــــــــــــ(41/385)
الطريق إلى القدس : الدّعم ثم الدّعم ..
الوعي السياسي, مع المجتمع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أشكر لكم جهودكم الطيبة، وأسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعًا لما فيه خير هذه الأمة، أما بعد، فأريد أن أعلق على المشكلة التي بعنوان : الدّعم ثم الدّعم ثم الدّعم....ثم الاستشهاد ، فأنا شاب من فلسطين أبلغ من العمر 18 عاما، وقد لاحظت من الرسالة التي أعلق عليها أن الإخوة في الخارج ليس لديهم صورة واضحة عما يحدث في فلسطين...
إنهم يتحرقون شوقًا لدخول فلسطين، وقتال المحتل الصهيوني، وكأنهم إن دخلوا سوف يجدون جيشين ملتحمين ويشاركون في القتال، ولكن الصورة ليست بهذا الشكل ، ولو أنهم وصولوا إلى هنا لعرفوا أن عملية مقاومة المحتل ليست بالأمر الهين ولا السهل، بل إنها تكون في كثير من الحالات مستحيلة حتى على أبناء شعبنا في الداخل، وأريد أن أعطي مثالا بسيطًا على ذلك، فأنا أرى ما يحدث في أرضي، وأحس بالظلم والقهر والذل، ولا أملك فعل أي شيء حتى الكلمة لا أستطيع قولها؛ لأن الكلمة تعني السجن، فما بالك بالمقاومة، وهذا هو حال الكثيرين من الشباب في فلسطين، الذين يتمنون الشهادة، ولا يملكون إلى ذلك سبيلا، إن الحرب التي نخوضها أشبه ما تكون بحرب العصابات، وحتى يكون الشاب مجاهدًا عليه أن ينضم إلى إحدى حركات المقاومة من أمثال حماس والجهاد الإسلامي، ومن ثم عليه الانتظار بعد الاختبار؛ ليكون جنديًا في الجناح العسكري، وهو أمر شائك ومعقد وخطير...
ثم إنه من بعد ذلك إذا أراد القيام بعملية استشهادية مثلا، فإنه من بعد التخطيط الدقيق والمحكم واجتياز العراقيل يكون قد وصل إلى ساحة المعركة، تلك الساحة التي يحسب الكثير أنهم بمجرد دخولهم فلسطين يمكنهم المشاركة في أحداثها، هذه صورة مختصرة لمعركتنا مع اليهود، فعدونا جبان قبل أن يملك العتاد والتكنولوجيا المتطورة لذا فإنه من غير السهل الوصول إليه ...
هذه الصورة جعلت الكثيرين منا يصابون بالإحباط، إذ إن الجهاد أمامنا لا نملك خوضه، ولكن الأمر الذي أخرجنا من هذا الإحباط وأخص نفسي أنني أيقنت أن لي دورًا في هذا الصراع، ولكن لم يحن وقته بعد، وقد وجدت أكثر الوسائل جدوى هي التعليم، فإن عدونا قد امتلك قوة عسكرية هائلة عن طريق العلم، وقد وضع أبناء المقاومة الإسلامية هذه القضية نصب أعينهم، فمعظم الاستشهاديين هم طلاب جامعة، وهم طلاب متفوقون مثقفون، وعلى قدر عال من الدين، وترى منهم من هو على درجة عالية من التقدم؛ ليصنع المتفجرات التي تودي بحياة المئات من المحتلين، لا أستطيع أن أصف لكم حجم الرعب الذي يصيب الجنود الإسرائيليين عندما يعرفون أن من يقف أمامهم هو مهندس، كيف لا وهذه الكلمة كانت تشكل لديهم هاجسًا وكابوسًا على مدى أعوام عندما كانوا يبحثون عن المهندس الشهيد " يحيى عياش "، إن إسرائيل - كل إسرائيل- تخاف أن يعود " عياش " أو من هو مثله ليسبب لهم المزيد من الذعر، ويحدث فيهم الخسائر الفادحة، هذه هي حقيقة المحتل، بكل قوته لا يستطيع التماسك أمام شخص واحد تحداهم بدينه وعلمه ...
لذلك أقول لهذا الأخ وتلك الأخت وأمثالهم الكثيرين: إن الطريق إلى القدس يبدأ من المدرسة ثم الجامعة، فهما السلاح الذي إن قام على الدين القويم لا يمكن لأي قوة في العالم أن تقف في طريقه، فابذل جهدك اليوم ليأتي دورك ودوري في الغد بإذن الله تعالى ...
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... من السهل على الكثيرين أن يتكلموا ويتألموا ويصرخوا، بل من السهل أن يبذل الإنسان نفسه في لحظة تتدفق فيها المشاعر، ويملأ الغضب فيها الصدر، ومن الصعب أن يرسم الإنسان خطة طويلة المدى يبذل فيها كل يوم من أيام حياته لصالح قضية يؤمن بها ويجاهد في سبيلها.
وقلنا قبل ذلك إن معركتنا ممتدة بطول الأرض وعرضها، وعمق الحياة واتساعها، وامتداد التاريخ وتشعب الحضارة وميادينها. ومن قبيل الطفولة الثورية أن يعتقد أحد أن الدم وحده يربح المعركة ولو دون تخطيط وتحضير، وعظيم أن يكون لدينا زخم من الرغبة في الشهادة، لكننا لا ننتصر إلا إذا توافرت مع إرادة الحياة الحرة الكريمة.
إن القوات التي تلتحم وجها لوجه تحتاج إلى أجهزة تغذيها بالخطط والمؤن، والتغطية الصحية والمعنوية، وكذلك فمعركتنا داخل فلسطين تحتاج إلى غطاء إعلامي دولي، وعون مادي ومعنوي، ومعارك دبلوماسية وثقافية تتكامل مع الفعل الجهادي المباشر على الأرض، وقد تسكت المدافع إلى حين، ولا ينبغي أن يكون صوت المدفع هو الصوت الوحيد الذي نملكه، وما أقوله هنا ليس جديدا ولا فريدًا، واليهود يحسنون التحضير لمعاركهم، وابتزاز الآخرين ليحصلوا على آخر قطرة من كل شكل من أشكال الدعم، وهم لذلك ينتصرون رغم بطلان موقفهم، ونخسر رغم عدالة قضيتنا.
إننا نحتاج إلى برامج تتناول تفاصيل عملية، وبرامج محددة لتنظيم صفوف الباحثين عن نصرة الحق والعدل. وفي معركة مثل فلسطين فإن كل شيء وارد، والحساب مفتوح من دفقة الشعور إلى آخر قطرة دم، و"من لم يغز، ولم تحدثه نفسه بالغزو مات ميتة الجاهلية".
وبرجاء مراجعة مشاكل سابقة لنا بعنوان :
لفحات يوليو..صمت الحملان أم صيف الشجعان
لفحات يوليو:صمت الحملات... مشاركة
حتىلا تضيع فلسطين مرتين
ــــــــــــــــــــ(41/386)
بعد الطموح .. الحكمة والخبرة
إضطرابات نفسية, مع النفس
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. إخوتنا الأفاضل ... جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء، أنا فتاة في العشرين من عمري، احترت في أمر نفسي كثيرا، ولطالما حاولت أن أنفرد بها، وأفهمها حتى أستطيع التعامل معها وتزكيتها، وآخذها نحو الأفضل، وأن أصل بها إلى الشخصية القوية المؤثرة المؤمنة.
منذ سنة تقريبا استطعت أن أعرف مواطن الضعف في نفسي وفي شخصيتي، أصبحت أحاول أن أتداركها، وأن أعالجها، وأن أنمي شخصيتي في تعاملي مع المجتمع الذي يحيط بي، وأحاول ألا أعود للأخطاء التي كنت أقع فيها بالماضي، ولكنني لم ألاحظ أي تحسن في نفسي ؟!...
تمر عليَّ نفسُ المواقف فأعيد نفس الأخطاء، دوما أحس بالخطأ بعد أن يقع فألوم نفسي عليه كثيرا، وأعاهد نفسي ألا أقع فيه مرة أخرى، ولكنني لا أستطيع التعامل مع الأمور إلا بعد أن تنتهي، وأقول: كان يجب علي أن أتصرف بكذا ... وأن أقول كذا؛ فهل أنا فتاة تعيش في عالم الأحلام فقط، ولا وجود لها على أرض الواقع؟
فإن كان ذلك؛ فكيف أنقل أفكاري إلى أرض الواقع؟ وكيف أحول الكلمات إلى عمل؟ علما بأنني طموحة جدًّا وأفكاري سامية راقية، أرجوكم دلوني على الصواب، وأتمنى أن تخبروني عن أسماء كتب تعالج هذا الموضوع ...
ولكم منا جزيل الشكر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
... المشكلة
د . مأمون مبيض ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
يبدو أن ما تعانين منه أيتها الأخت السائلة هي حالة "طبيعية" مما قد يصيب الفتيات في عمرك من بعض التردد والحيرة والشعور بعدم وجود هدف واضح ومحدد لما تريد الفتاة عمله .
إن مجرد كتابتك لهذا السؤال دليل على حرصك على خير نفسك وصلاحها، وإلا لم تبالي بما يجري معك؛ فاطمئني أيتها الشابة، واستعيني بالله ولا تعجزي.
إنك لا تعيشين عالم الأحلام، بل أنت في عالم الواقع، ولكن الواقع ليس بالبساطة والسهولة كما يحب الإنسان ويتمنى أحيانًا.
سررت بقولك: "إنك طموحة جدًا، وإن أفكارك سامية راقية". وكل الذي عليك الآن هو أن تعطي نفسك فسحة من الوقت لتحقيق طموحاتك وأفكارك؛ فهذه الأمور تحتاج للكثير من الوقت والمحاولات والجهد، وأنا على يقين من أن الأيام والتجارب ستكسبك مع الوقت الخبرة والحكمة للوصول إلى ما تطمحين إليه.
وطالما سألت عن كتاب يفيدك في هذا فأنصحك بكتاب بعنوان "العقل فوق العاطفة" وهو كتاب أمريكي، وقد طبعت ترجمته العربية من أشهر قليلة للدكتور مأمون مبيض - المكتب الإسلامي - بيروت (2001).
ــــــــــــــــــــ(41/387)
بين سماء الرومانسية وأرض الواقع
مع الجنس الآخر, تساؤلات حول الحب
السلام عليكم، أرجو أن يتسع وقتكم للإجابة عن سؤالي : أنا فتاة متدينة، عمري 16 سنة، ورومانسية، ولكني لا أفعل أبدًا ما يغضب الله رغم وجود آلاف الطرق لذلك كما تعلمون؛ فأنا أؤمن أن رضا الله أهم من كل شيء، وكل ما أملكه هو انتظار الزوج الذي أتمناه، وأنا أعلم أن سني صغير جدًا على الزواج، ولكن المشكلة هي أنني أبحث في كل الوجوه من حولي، ترى من سيكون زوجي المنتظر ؟
ظللت أفتش في الوجوه من حولي عن ذلك الإحساس الخاص الذي يشعرني أن هذا الشخص هو الشخص المرتقب حتى قابلت أحد أقاربي، وهو شاب يكبرني بعامين، رأيته في أحد اللقاءات العائلية، وكانت أول مرة أراه فيها، انجذبت نحوه بشدة، لا أستطيع أن أصف لكم مشاعري تجاهه في تلك اللحظة، وكأني وجدت كل ما أبحث عنه، فعندما تحدثنا معًا وجدت أنه شاب مسلم متدين، تفكيره متميز، ولأول مرة أستمع لشخص آخر من كل قلبي وبدون مجادلة وبكل استسلام.
ربما ترون أنه لا توجد مشكلة حتى الآن، ولكني -كما قلت لكم- رومانسية جدًا، ولا أستطيع نسيان هذا الشاب، وفي نفس الوقت لا أريد أن أغضب الله. ماذا أفعل ؟ أنساه أم أنتظر عدة سنوات حتى يتقدم ليتزوجني ؟ وهل سيتقدم للزواج ؟ إنه أكبر مني بعامين فقط.
لا أريد أن أفعل شيئًا خطأ، أنا أبكي كثيرًا وأدعو الله إن كان فيه الخير أن يرزقني به وإن لم يكن فيه خير يبعده عني ويجعلني أكرهه. لا تقولوا عني: إني (تافهة)، أرجوكم ساعدوني وجزاكم الله خيرًا.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... إن من يبعث إلينا يشترط ألا نجيب عنه إجابة معينة.. هو يدرك مشكلته جيدًا ويدرك حلها ولكنه لا يعجبه ولا يريده، وهو في نفس الوقت يريد من يقول له ما يريد أن يسمعه ويخاف ألا يسمعه منه فيفقد الأمل تمامًا في أحلامه وأوهامه...
وهذا ما تفعلينه مع نفسك أيتها الرومانسية صاحبة الستة عشر ربيعًا.. إنك تدركين جيدًا أنه سن صغيرة على أي ارتباط -ليس في مصر فقط-، وأنت تدركين أن ما حدث لك مع هذا الشاب ذي الثامنة عشر ربيعًا والذي قابلته مرة واحدة وأخيرة هو من تفاعلات سن المراهقة، ولكنك ترتضين هذا التفسير لأنك تريدين -بسبب رومانسيتك- أن تعيشي قصة حب فيها: الحبيب لا يشعر بك، ولا تستطيعين الاتصال به، وأنت لا تعرفينه؛ هل هو جيد أم سيئ؟ فتدعين الله أن يختار لك.. قصة رومانسية جميلة تتمتعين بالعيش فيها والتحليق في أجوائها، وعذاب جميل تستعذبين الشعور به؛ لأنه يعني أنك كبرت، وأصبح لك حب تتعذبين به مثل الكبار.
لا نسخر منك ولا من مشاعرك، ولكنها الحقيقة، ولا يمكن تغييرها حتى لو طلبت منا ألا نذكرها لك؛ لأن الهروب من الحقيقة -أو عدم مواجهتها- لا يغير من الأمر شيئًا. افهمي طبيعة ما تشعرين به، إنه مجرد الإعجاب والميل الطبيعي نحو الجنس الآخر، وإن هذا اللقاء العائلي سمح لك بالتعرف على هذا الشاب الذي أحسن تقديم نفسه لفتاة في حالة تطلع وانتظار وبحث عن فارس أحلامها في وجوه كل من تقابله؛ فإذا تجسد ذلك في شاب وسيم يحسن الحديث ويهز القلب والمشاعر؛ فلماذا لا يكون هو فارس الأحلام؟ لن يأتي على حصان أبيض ليخطفك أو يخطبك؛ لأنه ربما لا يتذكرك!!..
ما عليك إلا أن توقفي التفكير في هذا الشاب وسينتهي أمره في نفسك، اشغلي أوقات فراغك، واتصلي بصديقاتك، لسنا ضد الحب، ولكن مع الحب الحقيقي في الوقت المناسب للشخص المناسب، ولا نظن أن سن ستة عشرة سنة ستكون السن المناسبة لهذا الأمر.
ــــــــــــــــــــ(41/388)
الدّعم ثم الدّعم ثم الدّعم .... ثم الاستشهاد
الوعي السياسي, مع المجتمع
المشكلة الأولي : س - الإمارات
مشكلتي هي أنني فتاة تتمنى الجهاد والاستشهاد في سبيل الله؛ حيث إنني أرغب في الخروج إلى فلسطين الحبيبة والجهاد فيها ضد الصهاينة الطغاة حتى أستشهد، ولكن وللأسف يرفضون ذلك خوفا علي، وبالإضافة إلى ذلك أنا لا أعرف كيف أستطيع الدخول إلى فلسطين وحدي.
أرجو منكم أن تساعدوني؛ فالاستشهاد في سبيل الله أصبح هاجسي الوحيد الذي أسعى إليه وأشعر بالحرقة والذنب الشديد كلما أرى أو أسمع أحوال فلسطين، وكلما رأيت شهيدًا تمنيت أن أكون مكانه.
المشكلة الثانية : ر - فلسطين
السلام عليكم ورحمة الله.. أنا شاب في السابعة عشرة من عمري.. فلسطيني، أقيم في الخارج وهنا تكمن مشكلتي.. أعاني كثيرا عندما أرى شعبي يقتل.. وأتألم كثيرا على أقاربي هناك، وكنت أعول على أن أذهب في الإجازة هناك، ولكن أحلامي حُطِّمت لما رفض الصهاينة إدخالنا وإعطاءنا تصريحا بالدخول.
أريد أن أشارك في القتال، أريد أن أستشهد، أريد أن أموت على الأرض التي عشقتها.. تنتابني أحيانا أفكار مجنونة تقول لي: اخرج إلى الشارع واقتل أقرب غربي تراه، ولتذهب الدنيا إلى الجحيم، ثم أتراجع وأقول لا داعي لهذا.. ثم أسمع وأشاهد على الشاشة فظائع اليهود فأشتعل وأغضب حتى الجنون، وأعود أخطط للانتقام.
وقبل أسابيع تعرضت عمتي لإطلاق نار في بيتها في فلسطين كادت أن تستشهد فيه؛ فجن جنوني، والآن أخطط لأفعل شيئا جنونيا لا أريده، ولكن قلبي ما عاد فيه إلا الغضب والحقد.
وزاد على ألمي أن أصدقائي في فلسطين يظنون أني لا أريد الذهاب إلى هناك جبنا وخوفا.. وأنا أحب وطني أكثر منهم.. أعيش جحيما ونارا ويزيده ما أرى من العرب والمسلمين الذين باتوا يتحدثون عن دولة الصهاينة كدولة حقيقة ولا تحتل إلا الضفة وغزة، لا تنسوا باقي فلسطين..
لقد علمني أبي حب الوطن وخدمته.. لكن لم يعلمني ماذا أفعل الآن. هل أبقى أشاهد التلفاز حتى أموت غيظا ؟ أم أجن وأموت من جنوني ؟
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... لماذا نتصور أن فلسطين لا تحتاج منا إلا الموت ؟! .. نعم إن الشهادة هي أعظم سلاح يوجه اليوم إلى صدور اليهود لتحرير الأرض.. ولكن أهل فلسطين الموجودين بالداخل لم يقصروا في ذلك، وموكب الشهداء ممتد وطويل ولم ينقطع عنه المدد منذ شهور في صورته الأخيرة، ولم تنقطع مواكب الشهداء عبر السنين منذ احتلت فلسطين.
لذا، فإن الفلسطينيين وغيرهم من المسلمين خارج الأرض ليس مطلوبًا منهم مشاهدة التلفاز حتى يموتوا بغيظهم؛ لأنه إذا كان الشهداء هم وقود المعركة التي يجعلها مشتعلة ومستمرة حتى لا ننساها.. فإن تحول هذه الدماء الزكية إلى وقائع وحقائق تنقل للعالم تشرح القضية وتوضحها.. تطارد اليهود وتلفهم ... وإن دعم المعركة معنويًا وماديًا و ... بكل السبل هي وسائل جهاد كل من هو خارج الأرض المحتلة، إن الإنترنت ... إن وسائل الإعلام.. إن معرفة الناس بالحقائق، إن جمع التبرعات والمال.. إن كل ذلك درجات وأنواع من الجهاد.
لقد أرسل إلينا فلسطيني من أمريكا يشكو إلينا نفس شكواك، فرددنا عليه الردود نفسها بما لو اطلعت على ردنا عليه لوجدت أن هناك أمورًا كثيرة ربما تكون أفضل من العودة إلى أرض فلسطين، أو أفضل من قتل غربي يمشي في الشارع؛ فهذه معارك صغيرة بالعكس قد تشوه صورتنا، وقد تضر قضيتنا أكثر مما تنفعها.
الحماس جميل، ولكن بشرط أن يتحول إلى عمل منظم ومثمر ومنتج، وما أكثر المجالات التي تحتاجها قضية فلسطين، فيشعل الحماس قلوبنا، ولكن من أجل أن تعمل عقولنا في الاتجاه الصحيح لا أن تصاب بالخبل أو الهذيان.
وأخيرًا، فإنني أطلب منك ومن أمثالك من المخلصين أن تجلس مع نفسك جلسة بعد أن تصلي ركعتين لله ليفتح عليك وتفكر في برنامج عملي لدعم إخوانك في فلسطين ماديًا ومعنويًا، وأريد أن أقول لك بأنك لن تكون أول من يفعل ذلك؛ فأنا التقيت في فلسطين العام الماضي بفتاة فلسطينية تعد مشروعًا ضخمًا لدعم الفلسطينيين عبر الإنترنت؛ لذلك أدعوك أن تبحث عن دور وبرنامج وتقوم به مثلها.
ــــــــــــــــــــ(41/389)
لا للاستقلال التام.. لا للاستسلام التام
مع الأهل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أود أن أشكر الإخوة القائمين على هذه الصفحة، وأدعو الله أن يثبتهم.
مشكلتي هي أنني لا أحب أن يأمرني أحد في الأمور البديهية، كأن يأمرني والدي بالذهاب إلى الصلاة أو الدراسة؛ فأنا أعرف مصلحتي، وأعرف قيمة الصلاة وأعرف وقتها.
وحتى الدراسة أعرف أن مصلحتي فيها، وإذا أمرني والدي بالاستذكار، فإني لا أستطيع ذلك، وإن حاولت فإني لا أستطيع التركيز لأني أشعر بأن أحدًا ما قد أجبرني، ولا أفعل إلا إذا نسيت أن والدي أمرني بذلك.
المشكلة الثانية هي أنني آخذ معظم الأمور على سبيل التحدي وإن كان مزاحًا؛ فأتحدى نفسي حتى أستطيع إنجاز أفضل من ذلك.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ المرسل بعد التحية، إن المرحلة العمرية التي تمر بها الآن والتي يسميها البعض بمرحلة المراهقة هي فترة انتقالية ينتقل فيها الإنسان من طور الطفولة إلى طور الرجولة والبلوغ والنضج،
ويخرج من حيِّز الاعتماد على الأبوين إلى الاعتماد الكامل على النفس، وكثيرًا ما يدفع ذلك الشاب إلى التمرد لرفض الاعتماد على الغير في معظم المواقف، والإتيان بغرائب الأعمال بغرض لفت الانتباه، وقد يؤدي ذلك إلى نوع من الاصطدام مع الآخرين، خاصة إذا شعر أنهم يقللون من شأنه.
ونحن لم نجد هذه المشكلات في عصر صدر الإسلام أو العصور الراشدة، فهذا هو الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يولِّي شابًّا عمره ستة عشر عامًا قيادة جيش المسلمين في إحدى الغزوات وهو "أسامة بن زيد" رضي الله عنه، وها نحن نرى فاتح القسطنطينية لم يتجاوز عمره الثمانية عشر عامًا.
هل تعرف ما السبب في غياب هذه المشكلة في ذلك الوقت؟
السبب هو أن الطفل منذ صغره كان يتحمل المسؤولية بالتدريج، فكان يعمل ويشارك في الإنفاق على نفسه وعلى أسرته، وكان يشارك في الحروب والأنشطة الاجتماعية، حتى إذا وصل إلى سن السابعة عشرة أو الثامنة عشرة - وهي السن التي يتعطش فيها لتحمل المسؤولية كاملة - عندئذ يُلقَى به في البحر دون أن يخاف عليه أحد؛ لأنه تعلم العوم من الصغر.
أما الآن، فإن الشاب لا يتدرب على أي صورة من صور المسؤولية - نتيجة التربية الخاطئة - وهو يقوم بدور المتلقي، فإذا وصل إلى سن النضج يُصِرّ الوالدين على معاملته بالطريقة السابقة نفسها، فنكون عندئذ في مأزق، بماذا ننصحه: هل نشجعه على الاستقلال التام المفاجئ دون أي خبرة عملية حقيقية؟ أم نطلب منه الاستمرار في الاستسلام لهذه التبعية التي لم تَعُد مناسبة لسنِّه؟ في الحقيقة التوسط هو الصواب؟
لذلك نقول لك: افطم نفسك بالتدريج وبالحكمة.
ولا ننسى أن نلفت انتباهك ونحذِّرك في هذه المرحلة من تدخل الشيطان الذي ربما يوسوس لك ويدفعك إلى رفض نصائح الآخرين بصورة مستمرة، والتمرد عليهم حتى لو كان ذلك في غير صالحك، وحتى لو أدت هذه التصرفات إلى الإضرار بك.
وما أطالبك به أخي المرسل أن ترد هذه الرغبة الجامحة الموجودة بداخلك إلى حد التوسط أو الاعتدال الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، ولا يمنعك سعيك للاستقلال الكامل من الاستفادة بخبرات الآخرين وتجاربهم، فلتنظر إلى هذه الأوامر بصورة عقلانية مجردة دون إدخال النواحي العاطفية والرغبات الشخصية.
ولتتقبل بشيء من الصبر أوامر من يكبرونك وتعنُّتهم في التعامل معك، ولتعلم أن مبعث ذلك هو الخوف الداخلي عليك.
ولتعلم أن تحسين العلاقة مع الوالدين، وبرَّهم، والسعي إلى قضاء حوائجهم من شأنه أن يحول شكل العلاقة بينكم من صورة التحدي الذي يقوم كل طرف فيه باستفزاز الآخر، إلى الصورة التي يشفق كل فيها على الآخر؛ فترى عندئذ أن الأوامر التي يطلبونها منك إنما هي من باب الحرص والخوف عليك.
دإيهاب خليفه من فريق الحلول
ــــــــــــــــــــ(41/390)
معاناة مراهق
مع الأهل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشكلتي تتلخص في التالي: أنا أعاني من أهلي معاناة شديدة؛ وذلك بسبب حرصهم الزائد علي، وهوس ما يسبب لي إحراجا مع أصدقائي؛ فالآن أصدقائي يتهربون مني خوفا من المشاكل مع أهلي، فأبي ما إن يراني مع أحد حتى يتحرى عنه ويحقق معي عنه، وهو دائم الشك بي حتى في أتفه الأسباب، أما أمي فهي مثل أبي وأكثر بكثير، وإخواني دائما يتدخلون في خصوصياتي، ويرقبونني حتى من هم أصغر مني.
وأنا أشعر أحيانا أني أكره أهلي، وأحس أن المنزل كالجحيم؛ لذلك أخرج منه كثيرًا، وخوف أهلي عليَّ لم ينفعني، وقد انخفض مستواي الدراسي كثيرا بسبب كثرة خروجي من المنزل، وأنا إذا قارنت نفسي مع إخواني وهم في سني أجد أنهم فعلوا الكثير مما لا يسمح أهلي به الآن.
الرجاء المساعدة، فأنا في الخامسة عشرة من عمري، أفيدوني جزاكم الله خيرا.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... مرحبًا بك على الجسر ... الجسر بين عالم الطفولة البريء.. وعالم الشباب المستقبل ... إنك لم تعد طفلاً.. ولم تصبح بعد شابًا من حقه أن يتحرك وأن يذهب ويجيء ويستقل ماديًا ومعنويًا وتكون له حياته الخاصة ... ولكن مشاعر الشباب ورغباتهم وأفكارهم بدأت بذورها في نفسك؛ فأنت تريد أن تشعر بذاتك، وترى ذلك من خلال اختيارك لأصدقائك، ومن خلال خصوصية تضفيها على حياتك.
هذه أشياء تحس أنها تخصك وحدك ... وأسرار لا يعلمها إلا أصدقاؤك ... ومجتمع جديد خارج مجتمع الأسرة التي تنتمي لها.. لقد قضيت طفولتك تدور في فلكها فآن الأوان أن تنطلق خارجها ... . هذه هي طبيعة سنك، وهذه هي طبيعة أفكارك ومشاعرك ...
وعلى ذلك فمن الطبيعي أن يحدث هذا الاحتكاك بينك وبين أسرتك، ولا نقول الصدام ... . وإذا فهمت كيف يفكر أبوك وكيف تفكر أمك ... . وإذا فهمت نفسك فإن كثيرًا من المشاكل سوف تحل ... يجب أن تضع نفسك مكان أبيك وأمك ... إنهم يحبونك ... . إنهم يخافون عليك ... ربما لا يدركون التغير الذي يحدث في شخصيتك وفي نفسيتك مع دخولك مرحلة المراهقة ... ربما يخطئون في بعض الأحيان في طريقة التعامل معك ... ولكن المؤكد أنهم لا يتعمدون الإساءة إليك أو إهانتك.
إنك بدلاً من أن تغضب وتترك البيت وتقضي أوقاتًا طويلة خارجه، لماذا لا تحاول أن تتقرب إلى أهل بيتك وتفهمهم وضعك الجديد ليس بالكلام فقط ولكن بالفعل أيضًا.. لماذا لا تتحمل مسئوليات جديدة لم تكن تتحملها.. لماذا لا تهرع إلى مساعدة من يحتاج للمساعدة بدون طلب منه.
لماذا لا تُري أهلك منك أنك كبرت وأصبحت رجلاً؛ فأنت تساعد في قضاء حوائج البيت، وأنت تهرع لعمل المهام الصعبة، وأنت تهتم بغرفتك وبملابسك وبنظام البيت، في إشارة واضحة أنك لم تعد ذلك الطفل المدلل، بل أصبحت ذلك الشاب المسئول الذي يعتبر نفسه جزءًا من مؤسسة البيت وليس عالة عليها ... بدلاً من الرفض السلبي فلتعبر عن وجودك بطريقة إيجابية.
إن خروجك من البيت وابتعادك عنهم يزيد الفجوة بينك وبينهم ويزيد الشعور لديهم بأنك مجرد طفل يريد أن يهرب من تحمل مسئولياته.. إن اندماجك معهم وعيشك في مشاكلهم يعطيك الإحساس أنكم شركاء على مستوى المسئولية وستشعر أنهم لا يتدخلون في خصوصياتك بل يشاركونك حياتك مثلما تشاركهم حياتهم ...
إن الاستقلال والرغبة في إثبات الذات لا يكون دائمًا برفض البيت والابتعاد عنه والتمرد على نظمه ... . بل إن قدرة الإنسان على إثبات ذاته قد تنبع من انتمائه القوي إلى جذوره.. إلى أهله وإلى من يحبونه ولكن بشخصيته هو في إطار فهم الآخرين وكيف يفكرون.
تقرب إلى أهل بيتك.. تحاور معهم، وقدم لهم الدليل بالفعل على نموك ونضجك، شاركهم حياتهم ومشاكلهم.. وستفسح لك مكانًا في عالم الكبار من خلالهم، لتكن بنّاء، وقدّم من نفسك ما تأخذ به مكانتك ونحن معك ننتظر النتيجة.
ــــــــــــــــــــ(41/391)
هل أنفي طويل ؟ ... أخي وزميله الجميل
مع النفس
بسم الله الرحمن الرحيم، لدي أخ عمره 18 سنة، وهو طالب بكلية الشرطة ؛ ولذلك يُفرَض عليهم السكن الداخلي طوال الأسبوع ماعدا يومي الأربعاء والخميس ...
أخي طالب مهذب جدا ومتفوق في دراسته، ولكن المشكلة تكمن في عدم ثقته بنفسه، فبعض زملائه يستهزئون به ويعلقون على جسمه وشكله، الأمر الذي يسبب له الكثير من الأذى النفسي مع أن شكله مقبول جدا، ولكنه بدأ يسألنا كثيرا (كيف ترون رأسي؟ هل أنا سمين؟ هل أنفي طويل جدا؟)، ونحاول جاهدين أن نبين له أن شكله طبيعي جدا ولكنه لا يتقبل.
ولكن ليست هذه هي المشكلة فقط، بل الأمر الذي زاد المسألة سوءًا هو وجود زميل لأخي في منتهى الوسامة والجمال وجميع الطلاب معجبون بجماله، الأمر الذي جعل أخي ينظر إليه نظرة إعجاب، حتى أنه يستحي من النظر إليه، ويحس بالخجل عندما يتواجد معه، بل وينظر إليه كما ينظر الفتى إلى الفتاة.
وأخي خجول فهو لا يرفع عينه في هذا الفتى مما يزيد من عذابه وإحساسه بأن هذا السلوك غير صحيح، حتى أنه اقترح عليّ الذهاب إلى طبيب نفسي، ولكني بررت له موقفه بضعف ثقته بنفسه، واستجابته لاستهزاء زملائه، الأمر الذي جعله يحس بالضعف أمام هذا الشاب الجميل، ولكن كلامي لم يُجد نفعا..
فهل أنا محقة ؟ وما هو الحل لأجعل أخي يكتسب شخصية قوية ويثق بنفسه ؟ .
... المشكلة
د . مأمون مبيض ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... شكرا لك على اهتمامك بصحة أخيك وسعادته.
يبدو أن شقيقك يعاني من مشكلة في النمو العاطفي والاجتماعي ، وهو ما يؤثر سلبيا على علاقته بالآخرين ، ولا ننسى أنه ما زال صغيرًا في الثامنة عشرة ، ولا شك أن الأيام وتجارب الحياة ستعلمه الكثير، خاصة أنه في كلية الشرطة ؛ فهو سيتعلم الكثير من المهارات الاجتماعية وغيرها، وهو ما سيعطيه الثقة في نفسه وفي التعامل مع الناس ، وليس غريبًا على الشباب في هذه السن أن يقلق على مظهره وشكله، ويفيد هنا أن تشعري شقيقك بأنك تتفهمين مشاعره ومخاوفه، وأن تستمعي إليه باهتمام.
ويبدو أن الشق الثاني لسؤالك هو موقف شقيقك من زميله الوسيم ومدى العلاقة بينهما، وإن كان هناك ما يقلق في طبيعة علاقتهما.
ولا بد للجواب على هذا السؤال من معرفة أكثر دقة في طبيعة الأفكار التي يحملها شقيقك عن هذا الزميل، وأنا لا أستطيع من خلال المعلومات المتوفرة أن أقول إن هذا موجود في شقيقك.
ولكن يمكن أن أقول بشكل عام بأن الإعجاب غير الطبيعي بين شابين من نفس الجنس قد يزداد في حالات وجود مشكلة عاطفية أو انفعالية عند أحد الشباب كالخجل الشديد والارتباك في العلاقات الاجتماعية، والذي يكون على أشده في تعامله مع الجنس الآخر، وهو ما يجعل هذا الشاب يرتاح أكثر لعلاقته مع من هو من جنسه.
والحالة الثانية التي قد يزداد فيها مثل هذا السلوك توجد في المدارس والمؤسسات الوحيدة الجنس كالمدارس الداخلية والثكنات العسكرية (الشرطة هنا).
ويمكنك مساعدة شقيقك من خلال إبقاء العلاقة القريبة منه للحديث والاستماع إليه، ومن خلال تشجيعه على الزيارات والعلاقات الاجتماعية مع الأسرة والأقرباء، كي لا ينعزل أكثر، وهو ما يزيد من تعلقه بمدرسة الشرطة على حساب العلاقات الاجتماعية العامة.
وإذا استمرت صعوبات شقيقك، أو رغب بمراجعة طبيب نفسي وكما اقترح هو فلا بأس أبدًا في هذا، وقد يجد شقيقك حرجًا من البوح لك بكل ما في نفسه، ويمكن للطبيب النفسي أن يستبعد حالات نفسية قد تترافق مع بعض الأعراض التي ذكرتها كالقلق أو الاكتئاب أو غيره.
ــــــــــــــــــــ(41/392)
تحت العشرين : خيال وصداقة وعاطفة مكبوتة
مع الجنس الآخر
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم، من خلال قراءتي للعديد من المشاكل فهمت من أجوبتكم أنكم تدعون إلى التمسك بالعاطفة، فكيف يكون هذا ؟...
وحتى لو تمسكنا بالعاطفة فستكون مكبوتة داخل الإنسان والتخلص منها أرحم، وكلامكم يضعني في حيرة، خاصة ونحن في مرحلة عدم النضج والمراهقة، أي ما بين 13 -19 ...
إني كثير التفكير في كيفية البحث عن الفتاة المناسبة، فهذا الأمر أشبه بالخيال، وهو ما يجعل التخلي عن العاطفة أو جزء منها أرحم لي، وكيف نظهر عواطفنا ولمن ؟ للأهل ؟ هذا شيء أشبه بالخيال، للصديق ؟ فأين الأصدقاء ؟! أصدقاء اليوم نادرون...
أرجو الرد عليَّ، مع أني أتوقع عدم الرد على هذه الرسالة ، وشكرا على جهودكم الطيبة.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أولاً سعدنا بك كزائر دائم لصفحتنا، كما نؤكد أننا لا نهمل أي رسالة تصلنا حتى لو كانت تنتقدنا بل على العكس نحن نرحب بالتفاعل معنا ....
وإن كنا ندعوك لقراءة الصفحة بعمق أكثر، لأننا في هذه الصفحة لا ندعو لأي أمر على إطلاقه، وإنما لكل حالة ما يناسبها في ردنا عليها، فنحن لم يصدر عنا رأي يدعو للحب والتمسك بالعاطفة دائمًا بأي شكل وتحت أي ظروف، ولا حتى كبت المشاعر أو تجاهلها؛ فالتعميم لا يصلح، فلكل إنسان ظروفه وخصوصيته، والناس يختلفون ويتباينون.
ولكنا دائمًا ما نقول للشباب الذي في مثل سنك: إن الإحساس بالرغبة في الحب ووجود ميل عاطفي لديكم في هذه السن أمر طبيعي فطري، وليس معنى كلامنا هذا أن ما نقوله دعوة للحب وإنما هو تفهم للمشاعر الإنسانية.
ولكن إذا أراد الشاب الاستجابة لهذه المشاعر فيحب أن يتم هذا وفق شرع الله، وبعلم الأهل بالحلال لا بالحرام ما دام في استطاعة الشاب الزواج، استطاعة مادية ونفسية لتحمل أعباء الأسرة التي يسعى لإقامتها، وإذا لم يكن في استطاعة الشاب تحمل هذه المسئولية الآن فعليه أن يركز جهده ووقته لإعداد نفسه لها، وفي الوقت نفسه يستثمر وقته في أمور أخرى تبني شخصيته وتجعله أكثر قدرة على حسن الاختيار عندما يكون مستعدًا للزواج في الوقت المناسب.
أما بالنسبة للتفكير الدائم في البحث عن الفتاة المناسبة، فلا يجب أن يكون هذا أول ما يشغلك، ولكن أنت تحتاج لإعداد نفسك حتى تستطيع أن تحسن الاختيار.
وأما التحدث عن مشاعرك مع والدك أو والدتك أو أخيك الأكبر فليس دربًا من الخيال، كل ما تحتاج إليه أن تحسن التعبير عن نفسك وأن تقوي علاقتك وتظهر اهتمامك واحترامك لرأي من ستستشيره أو تخبره بمشاعرك، وعلى عكس ما يعتقده الكثيرون أرى أن الصراحة والمصارحة بين الابن والأب أو الأخ الأكبر تكون أفضل بكثير من البوح بمشاعرك للأصدقاء؛ لأنهم يكونون أكثر خبرة بالحياة وأقدر على التفهم والمساعدة.
كما أن الأصدقاء الصالحين كثيرون، ولكن المشكلة أننا كثيرًا ما نخطئ في اختيار الصديق الحقيقي، فحاول البحث عن الصديق الحقيقي، وحاول أن تكون صديقًا لوالديك ...
ــــــــــــــــــــ(41/393)
تصورات العمر المتوتر : حدود الأماني والنصائح
مع الأهل
أنا فتاة عمري 17 سنة، أعاني من أن أمي تعمل، وأنا أريدها أن تبقى في البيت، وأمنيتي أن آتي من المدرسة وأراها تنتظرني، ولكنها لا تريد ذلك...
بالإضافة إلى أنني أعاني من المشاكل المستمرة بين أبي وأمي بسبب كلمتين: (أهلي، وأهلك)؛ حيث إن علاقة أبي بأخوالي سيئة، وعلاقة أمي بأعمامي بدورها سيئة جدا، ودائما تأتي المشاكل من وراء هذا الأشياء، بالإضافة إلى أنهم لا يسمعون ندائي بأن يتوقفوا عن هذا المشكلات التي استمرت 25 سنة، وحتى الآن لم تنتنه..
أرجوكم أريد حلا، وأريد أيضا أن أعرف: هل يجوز الصراخ على الأم والأب في أثناء المشكلة أم يعد ذلك عصيانًا لهما ؟
وشكرا لكم وجزاكم الله خيرا
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... قد يتصور الإنسان في سن معينة ، وخاصة في بدايات سن الشباب أن كل أمنية يتمناها لا بد أن تتحقق، وأن كل نصيحة يسديها لا بد أن يؤخذ بها. وقد يتصور ويغضب ويعتبرها مشكلة إذا لم يحدث ذلك....
والحقيقة أن الأمر غير ذلك ؛ لأن كل الأماني لو تحققت في الدنيا، ولو استمع الناس لكل النصائح، لما كنّا في الدنيا ولأصبحنا في الجنة، أو قل حتى في "المدينة الفاضلة" التي يحلم بها المصلحون والفلاسفة ؛ وذلك لأن هنا حدودا للأماني ، وحدودا للنصائح ، تنبع من نقطة مهمة، نحاول نحن في سن المراهقة أو بداية الشباب أن نثبتها لأنفسنا أو نحققها لذواتنا، ولكننا ننساها أو نتناساها، إذا تعلق الأمر بالآخرين.. وهي حرية الاختيار.
إننا نتقاتل في هذه السن من أجل أن نحصل على حقنا في الاختيار، ونتحدث عن الحرية، وعن الذاتية، والرغبة في إثبات الذات، وحرية الاختيار، حتى إذا تعلق الأمر بغيرنا نسينا ذلك، ورحنا نصادر اختيارهم أو حريتهم في الاختيار مهما كان هذا الاختيار..
إننا في النهاية لا نملك أن نفرض على أحد آراءنا، ولكننا نملك النصيحة، التي قد تقف حدودها في بعض المواقف عند مجرد إسدائها، ولا يتعدى الأمر ذلك، ونصبح قد فعلنا ما علينا، وليس مطلوبا منا أكثر من ذلك. ولا نعتبر الأمر مشكلة تحتاج إلى حل.
نظن أننا بهذه المقدمة قد أوصلنا لك ما نريد قوله، ومع ذلك فإننا سنطبق ما قلناه على حالتك، فلكِ الحق أن تتمني أن تجلس أمك في البيت، ولك الحق أن تتمني أن تريها عندما تعودين إلى البيت في انتظارك.
ولك الحق في أن تعبري عن هذه الأمنية للأم وتحاولي بكل السبل إقناعها بذلك.. وفقط؛ لأنه في المقابل من حق الأم أن تختار أن تستمر في العمل ولها الحق أن يكون لها حساباتها الخاصة في ذلك، وقد تطلعك عليها، أو في هذا الاختيار، ولكما الحق سويًا أن يستمر الحوار بينكما في هذه المسألة.
وليس من حق أحد أن يصادر حق الآخر: حقك في إبداء أمنيتك، وحقها في التمسك بموقفها. ولا يعتبر ذلك مشكلة؛ لأننا في النهاية مطالبون باحترام اختيارات الآخرين، والتكيف معها طالما أن الأمر في إطار الاجتهاد والحوار؛ لأن هناك عوامل كثيرة تتدخل في اتخاذ القرار، قد أرى منها أنا جانبا واحدا يخصني، ولكن ليس من حقي أن أفرضه على الآخرين.
وهكذا الأمر بشأن نصيحتك في هجوم أبويك المتبادل على أهلهما، فلك كل الحق أن تنصحي لهمها، بعد فعل ذلك، ولكنهما إذا لم يأخذا بذلك فلتنشغلي بأمر نفسك وإصلاحها والاهتمام بها في كل المجالات؛ حتى تنشغلي عن هذه الخلافات ولا تكوني طرفا فيها.
إن الزوجين لهما معادلاتهما الخاصة بهما التي تجعل الحياة تستمر بينهما، فلا تأخذي سلبياتهما، وترفّعي عن ذلك، وارفعي مستوى اهتماماتك، ولا تنشغلي بإصلاحهما؛ فكل ما تملكين هو النصيحة، ولكن بدون صياح أو تجاوز؛ لأن ذلك ليس من حقك، بل وقد يفسد نصيحتك ويكون سببا لرفضها، فالدعوة للإصلاح لا تكون بصورة فاسدة من الصياح أو غيره؛ فلكل شيء حدود فلا تتجاوزيها.
ــــــــــــــــــــ(41/394)
تقلب الصواب خطأ.. الهدوء هو الحل
مع النفس, القلق والتوتر
السلام عليكم ، في البداية أود أن أشكركم علي هذه الصفحة الرائعة ، أنا لدي مشكلة بسيطة أتمني أن أجد حلاً لها عندكم ...
أنا طالبة في الصف الثاني الثانوي وحاليا في فترة الإمتحانات ...مشكلتي هي أنني لا أستطيع التركيز أثناء الإمتحانات مما يجعلني أرتكب أخطاء بسيطة وساذجة للغاية ..فمثلا بعد خروجنا من الإمتحان تسألني زميلاتي عن إجابة السؤال رقم واحد - علي سبيل المثال - فأسرد لهن الإجابة الصحيحة ، ولكنني أتذكر بعد ذلك أنني أجبت بشكل خاطيء في الإمتحان بسبب التوتر والتسرع ، والغريب أنني في البداية أكتب الإجابة الصحيحة في ورقة الإمتحان ، ولكنني بعد ذلك أقوم بشطب الإجابة وتغييرها لعدم تأكدي منها والتوتر والخوف من الفشل ، وهو ما يجعلني أفقد درجات كثيرة في الدراسة ...
هل يمكنك إخباري كيف أتغلب علي هذا التوتر لكي لا أفقد تركيزي خلال الإمتحانات ؟ ، والسلام عليكم
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت السائلة ، ما الفرق بين حالتك النفسية في أثناء الامتحان وحالتك بعده ؟ الفرق هو أنك تكونين متوترة بدرجة عالية في أثناء الامتحان ؛ فيؤدي هذا التوتر إلى ضعف عملية استرجاع المعلومة بطريقة صحيحة من الذاكرة؛ فيحدث الخطأ في حين يزول هذا التوتر بعد الامتحان، فتعود عملية الاسترجاع أو الاستعادة إلى طبيعتها، وعندها تصلين إلى الإجابة الصحيحة، وأيضًا التوتر هو الذي يجعلك عندما تراجعين تشطبين الإجابة الصحيحة، وذلك لحدوث اضطراب في عملية الاسترجاع؛ مما يؤدي إلى تداخل المعلومات..
المهم هو أن التوتر الشديد سبب مشكلتك؛ لذا فإن الهدوء هو الحل، خاصة أنه يبدو من رسالتك أنك من الطالبات المتفوقات اللائي يبذلن مجهودًا في عملية الاستذكار والدراسة.
إذن، فلماذا التوتر والقلق؟.. لو أن القلق يزيد من الإنجاز لقلقنا جميعًا، ولكن الحقيقة أن العكس هو الصحيح، وأن القلق يؤدي إلى ضياع التركيز والانتباه، ويؤثر على عملية الاسترجاع من الذاكرة.
لو علمنا أنه طالما أننا قمنا بما علينا، وأن الامتحان هو مجرد تكرار لأسئلة مشابهة كثيرة قمنا بالإجابة عنها سلفًا فسنستطيع الإجابة عنها لاحقًا بشرط أن نوفر الظروف النفسية المناسبة لاستعادة هذه المعلومات..
إن المعلومة موجودة طالما أننا قمنا بعملية الاختزان في الذاكرة سلفًا، بل إن هذا السؤال وإجابته موجودان. وطالما قد وُجدا وقد خُزِّنا، فسيأتيان إلى ورقة الإجابة، بشرط ألا نشوش عليهما بالقلق والتوتر بدون داع..
الهدوء والتخلص من التوتر والقلق سلوك يمكن اكتسابه بالتدريب وبالتدريج، وتسبقه علمية عقلية، يقتنع فيها الإنسان بعدم جدوى القلق في إنجاز مهامه..
وإن قليلاً "لا نقول من القلق"، ولكن من الحافز المناسب، يؤدي إلى توجه الإنسان لأداء مهمته، أما إذا زاد القلق عن حدِّه تحوّل إلى قلق مرضي، لا بد من التعامل معه.. لا نريد أن ننتقل إلى دائرة الأدوية المضادة للقلق أو المهدئات في حالة القلق من الامتحانات، خاصة في السن الصغيرة- سن المراهقة والشباب- لأننا نعتقد أن الشاب الجاد في دراسته، القائم بواجبه، يستطيع أن يسيطر على القلق بالتدريج وبالتدريب.. ويمكنك مراجعة مشاكل سابقة لنا شبيهة منها :
على أبواب الامتحانات: تنظيم وقت المذاكرة
على أبواب الامتحانات.. أفضل طريقة للمذاكرة
في قفص الخوف: رهاب الامتحانات
على أعتاب الامتحانات ... وصفة للتفوق
وفي النهاية يجب أن نضع الأمور في نصابها؛ حيث إن نسبة ضئيلة من الأخطاء نتيجة السهو أو عدم التركيز مقبولة؛ لأن الإنسان لن يصل إلى درجة الكمال أبدًا، فيجب أن يقتنع بالأداء المناسب، بحيث لا يثور ولا يغضب إذا حدث بعض النقص مهما كانت صورته أو طريق حدوثه.. مع ضرورة الاتزان في حياتك كلها بصورة عامة، بحيث تكون الدراسة أحد محاورها، ولكنها ليست المحور الوحيد الذي تدور حوله حياتك؛ فهناك الهوايات، والعلاقات مع الآخرين، وأشياء جميلة في حياتنا تستحق الاهتمام.. كل ذلك سيقلل التوتر، فيزيد التركيز، وتقل الأخطاء، ولكنها لن تنعدم؛ لأن الكمال لله وحده.
ــــــــــــــــــــ(41/395)
حائرة في أمره : فهو يدرس ، ووالده شبه متوفى
مع الجنس الآخر, اختيار شريك الحياة, تساؤلات حول الحب
أنا طالبة جامعية ، مشكلتي هي أنني في حيرة من أمري ؛ حيث إنني أواجه مشكلة معقدة جدًّا ، وهي: منذ شهر تقريبًا شاهدني شاب وأنا مع إخوتي في أحد الأسواق، لم يكتف هذا الشاب بالنظر إليّ، بل تبعنا؛ حتى علم بمكان المنزل، ومنذ ذلك اليوم وهو يتصل بي ويحلف لي أنه أحبني منذ شاهدني للمرة الأولى ، وهو يرغب بالزواج بي، وهو صادق في رغبته.
ولكن المشكلة تكمن في كونه طالبًا جامعيًّا في السنة الأولى، ولا يعمل، بل يعتمد على أمه، ووالده شبه مُتوفَّى؛ إذ تركهم منذ كانوا صغارًا.
وقد تكلم مع والدته عني، وبالفعل اتصلت أمه بي، وأخذت تكلمني في الموضوع، ولكنها قالت لي: سأكلمك بصراحة يا ابنتي، تعلمين أن ابني لا يعمل وليس له أي مصدر دخل، وأنا- بصراحة شديدة- لا أملك ما يُسمى بتكاليف الزواج، وأود أن أسألك بصراحة شديدة: هل أنت على استعداد لانتظار ابني لمدة 5 أو 4 سنوات حتى ينهي دراسته الجامعية ثم يعمل ويتزوجك ؟ وهل تضمنين يا ابنتي ألا تتغير مشاعر ابني تجاهك طوال هذه الفترة، وكذلك بالنسبة لمشاعرك ؟ أنت حرة يا ابنتي....
المشكلة تكمن في حيرتي بين كلام الأم والابن؛ حيث يؤكد لي هذا الشاب مدى حبه وتمسكه بي، ويحلف مرارًا بذلك، ويؤكد أنه من المستحيل أن يجد غيري، فما الحل ؟
أنا في حيره شديدة. أفيدوني أفادكم الله.
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت الكريمة ، مشكلتك ليست معقدة جدًا كما تتصورين ، ولا تدعو إلى كل هذه الحيرة الشديدة؛ فكلمات والدة الشاب وضعت- فعلاً- النقاط فوق الحروف، فأين الغموض ؟! وما معنى أن والده شبه متوفى؟! جديدة هذه!...
أنت مأخوذة بهذا الشاب الذي وقع في حبك -كما يقول - من النظرة الأولى، ولا نعرف كيف حصل على رقم هاتفك ليتصل بك ! ويحلف لك... إلخ، ولا ندري كيف علمت بصدق رغبته في الزواج منك !
هل الكلام يكفي لإثبات حسن النوايا، وجدية الطلب ؟! وإذا افترضنا معك أن رغبته فيك صادقة، و"غرضه شريف"- كما يقول المصريون- فما هو المطلوب منك مقابل ذلك، إذا كان لا يزال طالبًا يتقاضى مصروفه من والدته، وليس لديه أو لدى والدته استعداد لتقديم خطة محددة لارتباط رسمي بمعرفة أهلك؟!...
ما الذي يريده شاب جامعي ما زال في سن المراهقة، لا يملك ما يعول به نفسه، ثم هو يقتحم على عذراء خدرها، أو يتسلل إلى عقلها وقلبها عبر الهاتف، أو الإنترنت، أو معاكسات الشوارع ليقول لها: أحبك وأريدك؟!
ما الذي يمكن أن يترتب على هذه المشاعر في الوقت الحالي، غير الانشغال الذهني، والمشاعر المتدفقة التي تتردد حائرة بين الرغبة، وعدم القدرة لانتفاء الإمكانيات الأساسية للارتباط؟!
والذي لم تذكره والدة الشاب أن مشاعرك أنت أيضًا يمكن أن تتغير تجاه هذا الذي يتصل بك، ويحلف لك، فتتعلقين به دون أن تعرفيه حقًّا.
\نحن في هذه الصفحة- منذ البداية- نحاول أن نتشاور ونتحاور حول مفهوم الحب؛ لأنه صار غائمًا وغامضًا ومغلوطًا ومختلطًا بالأوهام والأساطير. كيف نطلق كلمة "حب" على عاطفة كل منطلقاتها هي مجرد نظرة أو نظرات عابرة، ثم أحاديث ومكالمات هاتفية؟! وكيف يمكن أن نربط على هذا وعودًا وعهودًا، أو حتى مشاريع ارتباط؟!
أختي، الذي بينكما لا يمكن تسميته بالحب أصلاً، والزواج ليس لعبة، ما بينكما هو مجرد ميل عاطفي لشكل أو هيئة من ناحيته صادف بحثك عن ميل من الجنس الآخر، وهو طبيعي في مثل سنك، والحب الحقيقي هو شيء آخر تمامًا.
أما أن يكون هذا الخيط الرفيع، والأساس الهش، منطلقًا لزواج ومسئوليات وحياة ممتدة، فلا ينبغي أن تتورطي في هذا العبث، ولا ينبغي أن تخدعي نفسك بأمنيات وخيالات رومانسية لا يوجد لها أي رصيد في الواقع، وأرجوك ألا تنسبي هذا الوهم للحب الحقيقي.
إذا كنت تبحثين عن بعض التسلية أو تضييع وقت الفراغ؛ فعليك أن تصارحي نفسك بذلك، واحذري؛ لأن الهزل في هذه التسلية ينقلب إلى جد يسبب مشكلات كثيرة، حين تتطور هذه العلاقة بعيدًا عن العيون. أما إن كنت باحثة حقًا عن الحب، فليس هذا هو الحب يا آنستي، إنه "سراب الحب"، وشتان بين هذا وذاك.
فإما أن يتقدم هذا الشاب "رسميًّا" هو ووالدته إلى أهلك، ويضع تصورًا لخطة سير ارتباطكما، ولو بعد سنوات، وعند ذلك نقول حقًا إنه جاد، وننظر كيف تُدار علاقة كهذه، أو أنه يريد أن يتلاعب بك، ويتسلى تحت غطاء وعود وهمية، وهو ما ينتظر الرد الحاسم منك.
ــــــــــــــــــــ(41/396)
عاصفة المراهقة : تحذير من العلميات الانتحارية
مع الجنس الآخر
السلام عليكم ، المشكلة التي أود أن أطرحها عليك لا تخصني ، فهي تخص إحدى صديقاتي ، وهي معجبة برجل يكبرها في السن بل تحبه إلى درجة الهيام بالرغم من أنه في عمر والدها، وعلاقتها بأسرتها جيدة للغاية، وهي تقطن مع العائلة ، وعائلتها صغيرة: أخت وأخَوَان، وهي أوسطهم، وهي فتاة جامعية جميلة، وذكية، ونشيطة، كانت طيلة حياتها محل حسد بالنسبة لأترابها..
المشكلة تتمثل في أن حبيبها المزعوم هذا لا يعيرها أي اهتمام، رغم أنها تملك كل المزايا اللافتة للنظر، هذا بالإضافة إلى أنه متزوج، ورزق بمولود منذ شهر، ومع ذلك فهي ترفض أن تكف عن التفكير فيه ...
وهي على أي حال فتاة عقلانية !! ؛ فلا يوجد في تصرفاتها شيء يدل على ما بها، كذلك هي تعلم أنه من كامل المستحيل أن تقترن بشخص مثله، وهي تحاول أن تبتعد عنه، ولكنها إن ابتعدت عنه فلن تنساه؛ لأنه شخصية محترمة وجذابة، فقد كانت حين تستمع إليه تتمنى أن تقف الحياة عند هذه اللحظات.
لماذا فتاة ناجحة مثل صديقتي تحب شخصًا في عمر والدها ؟ وما الحل لهذه المشكلة ؟ وهل يمكنني مساعدتها ؟ وهل يكون هذا سببًا في عزوفها عن الزواج ؟
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... المرسلة الفاضلة، أحمد فيك حبك وحرصك الشديد على مصلحة صديقتك، ورغبتك في مساعدتها.
أختي الكريمة، من الواضح أن صديقتك معجبة ومبهورة بشخصية هذا الرجل؛ فهي تفكر فيه، وغالبًا سبب هذا الانبهار أنه رجل له مكانة اجتماعية وذو شخصية متميزة؛ لذا فهي لا تفكر في سنه الكبيرة، ولا كونه متزوجًا.
لا تقلقي، فلا أحسب أن مشكلة صديقتك ستسمر طويلاً؛ لأنه مجرد إعجاب وانبهار، وسينتهي بمجرد ابتعادها عن رؤية هذا الرجل، على عكس ما تتوقعين؛ فانقطاعها عن رؤيته سيجعلها تنسى مع الوقت، وإذا كانت فراستك في صديقتك صحيحة، وكانت فعلاً عقلانية، فلن تُقدِم على أي عمل يسيء إليها، أو يفسد على هذا الرجل حياته، وتستطيعين مساعدتها، بأن تعينيها على ممارسة أنشطة مختلفة: ثقافية، واجتماعية؛ تستثمر بها وقتها، وتملأ بها عقلها، وتنمي بها اهتماماتها المختلفة، ولتصقل شخصيتها أكثر...
وأرجو أن تلاحظي أنت وتلفتي نظرها إلى أن هذه المشاعر التي في قلبها تجاه هذا الرجل هي مشاعر الإعجاب والانبهار والتقدير، وهي في بعض الحالات تختلط على صاحبها؛ فيظن أنها مشاعر حب، والحب لا يكون إلا متبادلا بين طرفين، ولا يكون إلا واضح الأبعاد، محدد الملامح والهدف، لا تنفصل فيه الرومانسية بروعتها وأحاسيسها عن الواقعية بظروفها وأحكامها، ولكن عند البعض - وفي مثل أعماركما - فإن البحث عن مثال أو قدوة، والتنقيب عن قضية للنضال، وروح التحدي والتمرد، والنزعة الرسالية الاستشهادية، وكل هذه من المكونات النفسية للشباب تحت العشرين، فتكون هذه الطاقة الخام - إضافة إلى تأجج الشهوة الجنسية - بمثابة مقدمات إلى هذا الخلط والتشويش، ولا علاج له إلا الصبر، والنضج العقلي الحقيقي، الذي لا يكون إلا باتساع الخبرات، وتراكم التجارب، ولا يمكن تحصيله في أيام أو أسابيع، ولا تدل عليه فصاحة لسان، وإنما رجاحة عقل وسلامة تصرفات.
أختي، لا صديقتك يمكن وصفها بالعقلانية، وليس ما في قلبها تجاه هذا الرجل هو الحب الناضج المتوازن، الذي يمكن أن ينبني عليه قرار بالارتباط السليم المستقر.
الأمر لا يعدو مجرد اندفاعة طارئة، تتراكم فيها عوامل نفسية واجتماعية، وفي لحظة ساخنة قد يقرر الإنسان القيام بعملية تفجير انتحارية، وقد يقوم بها إن لم يكبح جماح غريزة الدمار البدائية الموجودة بداخله، أو يستثمر الطاقات المتصاعدة في ذهنه ونفسه وجسده، وإذا لم يجد حوله من يفيقه، ويخرجه من الوهم الذي يسيطر عليه، فحتمًا سيكون من الخاسرين.
استعيني بالله، ولا تعجزي، وكوني إلى جوار صديقتك مهما حدث، ولا تفرطي في استخدام العنف معها، ولا تتساهلي في الانفراد باللين أسلوبًا لمعاملتها، ولكن كوني حكيمة باستخدام الأسلوب المناسب في الموقف المناسب؛ حتى تمر عاصفة مراهقة صديقتك بسلام، وتابعينا بالأخبار.
-ــــــــــــــــــــ(41/397)
عن الحب والإعجاب: المعاني في الأغاني
مع الجنس الآخر
السلام عليكم، أنا فتاة في السادسة عشرة من عمري، أحببت ابن عمي حبا جمًّا، ولكن الحب كان من طرف واحد، فهو لم يُظهر لي أي مشاعر، وأنا أيضا كان حبه في قلبي ولم أذكر له أي مشاعر، علم أهلي بحبي له؛ ونصحوني بترك هذا الحب؛ لأنه لن يدوم.. ووعدتهم بأنني سوف أترك هذا الحب؛ وتركته مدة ثم عدت إليه، لا أدري لماذا؟.
وفي يوم من الأيام كلّفت إحدى صديقاتي بالاتصال على ابن عمي بدون أن يعرف من هي أو ما اسمها أو من أرسلها وأعطاها الرقم، وفعلا اتصلت به صديقتي وكلّمها هو بكل صراحة ولم يكذب عليها بأي شيء، وقال لها اسمه، وكل شيء عنه، وهو لا يعرف من هي.
ثم سألته إن كان يعرف أو يكلم البنات؟ فأجابها بأنه لا يكلم أحدا سواها، وأنه كلمها لأنه ارتاح لصوتها جدًّا، وقد سألته هي: هل في قلبك أحد من الفتيات؟ فأجابها بأنه لا أحد في قلبه مطلقا، فقالت له هي بأن هناك فتيات حولك معجبات بك جدا فانتبه لهن، وأغلقت الهاتف وانتهت العلاقة تماما؛ فهل تصرفي هذا صحيح؟ أم أنني أخطأت عندما أعطيت رقم هاتفه لصديقتي؟ مع العلم أنني متأكدة تماما من صدق وأمانة صديقتي، وأرجو أن تنصحوني ماذا أفعل في حبه الموجود في قلبي؟؟ كيف أنتهي منه؟ وشكرا لكم.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أختي السائلة، الخلط بين الحب والإعجاب شائع في مثل سنك والفتاة تحت العشرين تتفتح مشاعرها، وتميل عواطفها طبيعيا إلى الجنس الآخر، وحين تفور هذه العواطف قد تتوجه بها إلى أقرب شخص في الدائرة التي تتحرك فيها حين تلتمس فيه بعض الصفات الحميدة، وقد يكون هذا الشخص المعلم في المدرسة، أو قريبا في العائلة أو ابن الجيران. .. إلخ.
وهي غالبا تندفع غير عابئة بما قد يكون في هذا الشخص من نواح سلبية، أو لا تجعله الشخص الأنسب ليكون الطرف الآخر في علاقة لها معنى وهدف
، ومساحة الأحلام والخيال تكون أضعاف مساحة الواقع في مثل هذه العاطفة التي تكون غالبا من طرف واحد كما تصفين، والحب لا يكون إلا بين طرفين، ولكنه خلط التسميات والألفاظ، وفوضى المعاني التي زرعتها الأغاني والمسلسلات، وصفحتنا تمتلئ بأمثلة من تساؤلات واسعة، وتفاصيل دقيقة، ومحاولات عميقة في التعرض بالتحليل لمسائل العواطف في هذه المرحلة من العمر، وأرجو أن تراجعيها ففيها الكثير من الفائدة.
نعود لقصتك؛ فأنت لم تذكري كم هو عمر ابن عمك، فإن كان في مثل عمرك فما هي جدوى إخباره بمشاعرك نحوه، هل هو قادر على الارتباط بك حاليا؟.
وإذا لم يكن قادرا، فما هو الهدف من أن يعرف أنك معجبة به؟ وإذا عرف فما هي الحدود التي تتصورينها للعلاقة بينكما، تبادل الرسائل مثلا أم العناق والقبلات أم ماذا؟.
إن الشاب الشرقي يحب غالبا أن يكون هو صاحب المبادرة في البحث والتعرف على الفتاة التي يريد تبادل العواطف معها والارتباط بها، وسعيك إليه سيقلل من قيمتك في تقديره، وخاصة إذا كان في مثل مرحلتك العمرية.
لقد حاولت أنت التأكد من مشاعره نحوك عبر صديقتك، والنتيجة التي وصلت إليها لا تنفي ولا تؤكد شيئا، ولكنها فقط تعني أن ابن عمك مستعد للتجاوب مع فتاة تعاكسه بالهاتف، ولو لمجرد معرفة ما وراءها، ومن أين وصلت لرقم هاتفه، فما هي جدوى هذا التصرف الذي قمت به؟ وهل حصلت على نتيجة من ورائه؟.
أختي، إذا كنت معجبة بابن عمك حقا، فأنصحك بأمرين:
الأول: ألا تحاولي الاتصال به بأية صورة مباشرة أو غير مباشرة، وأن تنصرفي تماما إلى تحصيل دروسك وزيادة معارفك وتوسيع مداركك، فإن أكثر ما يلفت نظر الشاب إلى الفتاة بعد الشكل مقدار تفوقها، وتميز ثقافتها، ورجاحة عقلها.. هذا إذا كان سيفكر بالارتباط بها، فأين أنت من التفوق الدراسي، والاتساع الثقافي؟.
والأمر الثاني: أن تتفحصي هذه المشاعر جيدا، وتتأملي في ظروف ابن عمك جيدا، فقد لا يكون الشخص الأصلح للارتباط بك.. أنضجي هذه المشاعر بعد وضعها على المحك العقلي، وحكمك على الأمور سيختلف مع تطور شخصيتك فإن بقي هو الأفضل في نظرك بعد نضجك يكون لنا عندها كلام آخر.
ويمكنك الإطلاع على مشاكل سابقة حول هذا الموضوع منها:
الحب الأول.. هكذا تكون الصدمات
بين الميل والحب.. فرق كبير
صغيرة على الحب.. وأخونا يتساءل
الحب الأول: النضج لازم أو التأجيل
ــــــــــــــــــــ(41/398)
تحت العشرين وحيدة وجادة.. وأفكر بالأولاد
مع الجنس الآخر
أنا فتاة في التاسعة عشرة من عمري، طالبة في الجامعة أعاني من الوحدة بالرغم من وجود الفتيات معي في سكن الجامعة، أحس بأنني مختلفة عن الآخرين لا أدري لماذا؟
كثيرا ما يقال لي بأنني هادئة جادة، في كل تصرفاتي أحاول دائما أن أكون مرحة وخفيفة الدم كما يقولون، ولكنني أجد صعوبة في ذلك، وبسبب عدم وجود من يفهمني فإنني أكره الوحدة حتى وإن كان لدي امتحان فإني أحاول تضييع الوقت بمشاهدة التلفاز أو الاتصال الأهل، لا أدري ماذا أفعل؛ فأنا خائفة على مستواي الدراسي.
وبسبب وجود الأولاد معنا في الجامعة أصبحت أهتم بهم كثيرا، وأقول لو أنني كنت ولدا لكنت منفتحة أكثر، مع العلم أنني وحيدة بين خمسة أبناء، ولكن لا يوجد في العائلة من هو منطو مثلي....
وبالنسبة لموضوع الأولاد أنا كثيرة التفكير بفلان وعلان، ولكنني لم أجرؤ في حياتي على مخاطبة ولد، أرجو منكم تفسير حالتي، وما هو الحل المناسب؟ وأخيرا أشكركم جزيل الشكر على جهودكم العظيمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت المرسلة، بعد التحية، إن الحياة الجامعية تختلف كثيرا عن حياة المدرسة؛ فهي تطلب نوعا من الانفتاح وتكوين العلاقات، من أجل ذلك فإن هناك بعض التوصيات التي يجب أن تأخذيها بعين الاعتبار لتستفيدي من الحرية النسبية لهذه المرحلة.
أولا: إن هناك فرقا بين الزمالة والصداقة، فالزمالة تكون مع جميع الناس، وهي تعني التعارف والمعاملة الطيبة وتبادل المصالح بإفادة الآخرين والاستفادة منهم. أما الصداقة فيفضل أن تكون مع من يماثلونك في الطباع والسلوك والأخلاق، وطريقة التفكير؛ فالسعي إلى تكوين صداقات مع أناس يخالفونك في هذه الأمور يُحدث نوعا من الفجوة يسعى الإنسان إلى إلغائها عن طريق محاكاتهم وتقليدهم، وهذا يسبب نوعا من الحرج فلا الإنسان يستطيع تقليد الآخرين طوال عمره، وفي الوقت نفسه لا يحتفظ بشخصيته التي وهبها الله له.
ثانيا: هناك فارق بين السعي إلى اكتساب الصفات الطيبة الموجودة عند الآخرين، وبين السعي إلى التغيير من سلوك الإنسان الظاهري بموافقة من حوله، فالأولى محمودة والثانية مذمومة، وقديما كانت الحكمة تقول: أنت نسيج وحدك، وكن أنت ولا تكن غيرك، فإنك إن بحثت في التاريخ كله فلن تجد شبيها لك فلماذا تظلم نفسك وتقضي على هذا التميز، وتسعى إلى تقليد الآخرين؟
فعلاج هذه النقطة من الشعور بالوحدة أن تبدئي بالتعرف على من يماثلونك في الأخلاق والطبائع، فهن الدائرة الأقرب، وأن تتعرفي على الباقيات وتدربي نفسك تدريجيا على ذلك، وشيئا فشيئا ستتسع الدائرة.. دائرة الصداقة.
أما الزمالة فتكون مع الجميع كما ذكرنا، ويجب أن تراعي فيها عدم تقليد الآخرين، والفصل بين الحلال والحرام، والمدن السكنية الجامعية مشهورة بأنها مكان لتعارف الناس، واختلاطهم، وتكوين صداقات تستمر فترة طويلة من الزمن شريطة أن يختار الإنسان من يصاحب، ويرى الطيب والخبيث ويتعلم التمييز.
أما عن مسألة التفكير في الأولاد فهو أمر غريزي وفطري، خاصة في مرحلة الشباب، حتى إن بعض علماء النفس يعتبر التفكير في هذه المسألة نوعًا من الوسواس الطبيعي الذي لا يفارق الإنسان خاصة عند الشباب الأعزب.
وينبغي في هذه النقطة البحث عن اهتمامات حقيقية والاشتراك في الأنشطة المختلفة النافعة، وهي سمة من سمات الحياة الجامعية، وهذه الأنشطة لها فائدة كبيرة في استثمار الطاقة وصقل الشخصية وانضباطها وتفعيل أوقات الفراغ، وإبعاد أشباح الوحدة، وجلب أبواب المتعة النافعة؛ إذا راعت هذه الأنشطة الضوابط الشرعية.
ولنا إجابات سابقة كثيرة على أسئلة وصلتنا من حالات مثلك، نرجو أن تراجعيها لتكتمل الفائدة، ومن أمثلتها:
صفحتنا: الكلمات والمعاني: الجنس والدين الفراغ
د.إيهاب خليفة
فريق الحلول
ــــــــــــــــــــ(41/399)
أعراض الوحدة في غياب الأهل بالخارج
مع الأهل, هموم الدراسة, الاغتراب والهوية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا طالب في الفرقة الأولى في الجامعة، وأنا هنا أعيش مع بعض أهلي، وأسرتي تعيش في الخارج في إحدى الدول العربية، وأنا في الحقيقة متفوق وذو مواهب عدة، ومن أول حياتي لم أتنازل عن المركز الأول على مستوى المنطقة.
ولكن بعد جلوسي وحدي -وهذه تعتبر السنة الثانية لي- أحس كأنما صدري يضيق، ولا أحتمل حتى أن أجلس على المكتب مثل سابق عهدي، وأحس بأن حولي مشاكل عدة، مع أن أهلي يهتمون بي، وفي بعض اللحظات لا أركز في المذاكرة كما كنت، وأصبحت أنام كثيرا ولا أرغب في الكلام مع أحد، وأصبحت سريع الغضب، عموما حالي صار صعبا بعض الشيء.
وأريد أن أسأل حضراتكم عن: هل عدم وجود أسرتي قد يؤثر عليَّ هذا التأثير البالغ؟ مع أنني لست حزينا على أنهم تركوني بل هم يسعون ويتعبون من أجلي أيضا، ولكن هل من الممكن أن أتغلب على هذه الحالة، وأستعيد مستواي العالي، وأحقق طموحاتي بأن أكون الأول كما رتبت لنفسي؟
وشكرًا.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ المرسل بعد التحية، عيش الإنسان بمفرده بعيدًا عن أسرته له تأثير كبير عليه، خاصة في مرحلة الشباب، وتأثيره يزداد حين لا يكون الإنسان متعودًا على ذلك، إذ إن الأسرة من أب وأم وأشقاء يمثلون حاجزًا نفسيًا ومعنويًا أكثر منه ماديًا للشباب عن الانزلاق في الأخطاء، والتفريط في أداء الواجبات، ومستوى الأبناء الدراسي، ودرجة التزامهم تتأثر بغياب الأب، فما بالك وأفراد الأسرة جميعهم غائبون!!.
من أجل ذلك كانت مشكلة سفر الأهل وبُعدهم عن أبنائهم هي مشكلة الكثير من الشباب - عندنا - الذين لم يتعودوا أن يعيشوا بمفردهم مع أخطر صاحب ألا وهو النفس، وتتفاقم الآثار في المرحلة الانتقالية بين المراهقة والشباب بما تعنيه هذه المرحلة من تغيرات في أسلوب الدراسة، والأجواء الاجتماعية التي يتعاملون معها في الجامعة وغيرها.
وسبب ذلك الأوضاع الخاطئة، وضيق العيش الذي تدفع بأحد الأبوين أو كليهما للسفر بعيدًا عن الأبناء سعيًا في طلب الرزق، وعلاج هذه الحالة في المرسل يكون بأحد أمرين:
أولاً: أن يتحدد مدى احتياج أسرتك للسفر، فإن لم يكن هناك داع كبير لذلك فلا بأس من أن تحادثهم بخطر هذه الوحدة وأثرها السيئ عليك.
أما إن لم يكن هناك مفر من سفر الأهل، فعليك أن تتفاوض مع أسرتك على أن يبقى أحدهما بجانبك: الأم غالبًا.
ثانيًا: إن لم تتيسر هذه النقطة أيضاً، فعليك بالخروج من حيز هذه الوحدة بالسعي إلى التعرف على بعض الأصحاب ذوي الأخلاق الفاضلة والمتفوقين دراسيًا، وأن تدعوهم باستمرار للاستذكار والنزهة معك، فهذا علاج هام وفعال لهذه المشكلة.
وأعرف - من خلال تجاربي - شبابًا كثيرين كانت هذه الوحدة، ومن ثم هذه الصحبة نقطة تحول في حياتهم، وأصبحت لهذه الصحبة فائدة عظيمة بعد أن كانت الوحدة نقطة ضعف كبيرة عندهم، فهذا شاب كان يعيش في الغربة، وتعرف على بعض الأفراد الصالحين وازدادت قوة الصداقة شيئًا فشيئًا بدعوتهم للاستذكار حتى أقام أحدهم معه لمدة ستة أشهر كاملة تعلم فيها الشاب الوحيدة الكثير من الأخلاق والفضائل من هذا الصديق الصالح، واستذكر الكثير من الدروس، وتدرب على الاعتماد على نفسه.
إذن فعلاج هذه الوحدة حتى تعود هذه الأسرة على الأقل هو الأخوة والصحبة الصالحة التي توفر لك البيئة الصالحة للاستذكار، وتعينك على شئونك، وتبعدك عن طرق السوء والصحبة الفاسدة التي يكون أمثالك صيدًا سهلاً بالنسبة لمجموعات المنحرفين والمدمنين، ولا تنس "أن الشيطان هو ذئب الإنسان" كما ذكر في الأثر، وهذا يعني أنه كلما وجده بمفرده التهمه.
نرجو أن تهتم بالتدقيق في اختيار هذه الصحبة، وتتدرج في الاعتماد على نفسك لتكوين شخصيتك، وإدارة حياتك وتتشاور مع الأسرة في العطلة القادمة للوصول إلى الترتيب الملائم لظروف الجميع، وأنت أدرى بنفسك وظروفك واحتياجاتك النفسية والعاطفية فلا تكتمها، ولا تتجاهلها، ودق لهم ناقوس الخطر عندما تدعو الأمور إلى ذلك.
وأخيراً ، ننصحك بمراجعة مشاكل سابقة لنا شبيهة منها :
حديث النفس في الغربة
الأعزب في الغربة.. الحرام متاح
المذاكرة بين وجود الرغبة وغياب الإدارة
د - أيهاب خليفة
فريق الحلول
ــــــــــــــــــــ(41/400)
تحت العشرين : سلامة القصد لا تحمي الغافلين
مع المجتمع
أذهب لآخذ درسًا عند معلمة مع مجموعة من الطالبات، وتسمح المعلمة لهن باستخدام الهاتف؛ لغرض طلب الوالد مثلا عند انتهاء الحصة؛ ليأتي أو ما شابه ذلك..
لكنني رأيت بعضهن يستخدمنه لمكالمات دولية، طبعًا بدون علم المعلمة، أو مكالمات داخلية محظورة شرعًا، وهن لا يستمعن لنصيحتي أبدًا، ولا يتقبلن مني كلامًا...
أنا في حيرة من أمري، هل أُبلغ المعلمة أم أسكت؟.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أختي المرسلة ، أحمد فيك إيجابيتك وإحساسك بالمسئولية والأمانة، عليك أن تنصحي زميلاتك وأحسني النصيحة بلطف وحرص عليهن لا بتأنيب أو لوم، فإن لم يقبلن النصيحة، فهدديهن بأنك ستخبرين المعلمة، فإن لم يستجبن فلا حرج عليك فقومي بإخبار المدرسة، ولها حرية التصرف معهن كيف تشاء، ولا تخشي في الحق لومة لائم، واستعيني بالله ولا تعجزي، ولا تنسي التذكير والتحذير أولاً...
وغريب أن المعلمة لا تلاحظ ضخامة مبلغ الفاتورة من المكالمات الدولية!! ونقترح عليك أن تسيري في خط مزدوج يجمع بين حسن التذكير والتحذير للزميلات، وسؤال مبدئي للمعلمة من طرفك: هل يمكن إجراء مكالمات دولية؟! أي هل تسمح هي بهذا؟!
وسؤال آخر: هل يمكن إجراء مكالمة مع بعض الصديقات؟! وهل ترضين أيضًا بمحادثة الشباب؟!.
نخشى أن المعلمة يمكن أن تكون موافقة مبدئية على هذا الأمر، وبالتالي تتغاضى عما تقوم زميلاتك به، أو أن تكون من النوع الساذج الغافل، وفي كل الأحوال عليك بالحذر من كيد البنات، فقد تجدين نفسك أنت ضحية مؤامرة جماعية منهن عند المعلمة، وربما في المدرسة بسبب كشفك لأفعالهن، فيتهمنك بالباطل أنك أنت التي لديك علاقات بشباب!!.
فاحذري؛ لأنك في مجتمع يغلب عليه التناقض بين مظاهره وحقيقته، والمناخ العام فيه منغلق وملغوم ومشحون بآثار كثيرة ومسببات متنوعة لأمراض نفسية واجتماعية طاحنة، ونخشى أن تنفجر فيك كل هذه الألغام، رغم أنك تتصرفين ببراءة وحسن نية، وتقصدين إلى الخير والحق أولاً وأخيرًا، ولكن كل هذا إذا لم يقترن بالحكمة والحذر والتدبير فقد يمكن أن يسوق صاحبه إلى المهالك .
والله معك
د - أحمد عبد الله
أ - سمر عبده
فريق الحلول
ــــــــــــــــــــ(41/401)
تحت العشرين : ترياق الحب الضائع
مع الجنس الآخر, الحب وآلام الفراق, الحب الأول
كنت على علاقة حب مع ابنة عمي، وقد افترقنا منذ نحو ثماني سنوات ، ودائما أفكر فيها، ولا أستطيع أن أنساها.. فما الحل؟ ... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ المرسل، بعد التحية : ذكرنا في أكثر من مرة سلبيات علاقة الحب غير الناضجة، وأن أي علاقة حب لا يكون لها تصور أو مستقبل واضح، وقد لا تكون معلومة لأسرتي الطرفين، حتمًا ستبوء بالفشل، وسيكون لها عند ذلك أضرار نفسية بالغة على الطرفين. وهذا سببه عدم الاحتكام إلى العقل منذ البداية.
ويمكنك مراجعة مشاكل سابقة لنا في ذلك ومنها :
فشل الحب الأول.. آلام في العمق
مشاعر تحت العشرين.. حب حقيقي أم مراهقة؟
تحت العشرين: ترياق الفراق
وعلاج هذه المشكلة:
أولاً: أن تسأل نفسك: هل هذا الشعور بالحب كان حقيقيًّا أم لا؟! إذ إنه عادة ما يختلط الأمر على الكثيرين من الشباب، خاصة ممن هم في مثل سنك، بين الشعور بالحب من ناحية، والشعور بالإعجاب والرغبة من ناحية أخرى، وعلامات الحب الناضج أن يختلط فيه الاقتناع العقلي بالميل القلبي، وأن يكون تجاه إنسانة بعينها، وليس شعورًا بالإعجاب نحو العديد من الفتيات، وأن يكون مصحوبًا بترتيب محدد لتتويجه بالزواج.
ثانيًا: عليك أن تقرر: هل أنت قادر ماديًّا على الزواج من هذه الفتاة؟ وهل مرحلتك السنية تسمح بذلك، وأنت في التاسعة عشرة من عمرك على أقصى تقدير؟
ثالثًا: إذا شعرت بأن هذه الفتاة غير مناسبة لك، أو بأنك غير قادر على الارتباط بها لسبب أو لآخر، عليك أن تعالج هذا الأمر باتباع التوصيات التالية:
1- أن تعلم يقينًا أن الوقف جزء من العلاج، وهو كفيل أن ينسيك آلام هذه التجربة ومرارتها، مثلما فعل فعله في نفوس من سبقوك.
2- أن تراعي شروط علاقة الحب السليمة الناجحة في تجربتك القادمة، وتتذكر دائمًا السلبيات التي كانت في هذه الفتاة التي كنت تحب نواحي التميز فيها.
3- أن تجتهد وتحاول أن تبحث عن اهتمامات أخرى في هذه الحياة تكون أكثر سموًا، وتنسيك هذه التجربة، وستدرك أن الدنيا بحر واسع متلاطم الأمواج، وفيه من الغرائب والآفاق ما يجذب الاهتمام.
وهناك من الاهتمامات والأهداف، التي لو انشغل الإنسان بها، فستجعله ينظر إلى هذا الأمر- أمر الانشغال بالمحبوبة- على أنه مجرد أمر بسيط ومتعة تعلوها متع أخرى، فتضع الأمور في نصابها عند ذلك، ولا تترك هذا الأمر يسيطر على تفكيرك، ومن هذه الاهتمامات: الانشغال بالأنشطة الاجتماعية، ومساعدة المحتاجين، أو التفكير في القضايا الهامة التي تشغل أمتنا، والانشغال بإيجاد الحلول لها، والمساهمة في ذلك قدر المستطاع.
ويمكنك مراجعة مشكلة شبيهة سابقة بعنوان :
أوهام الحب الأول.. آخر الدواء الكي
د - أيهاب خليفة
فريق الحلول
ــــــــــــــــــــ(41/402)
ونحن نسألك : هل كل الرجال أشرار ؟
مع الجنس الآخر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشكلتي تتلخص في كرهي للجنس الآخر، وأشعر أن طباع الجنس الآخر كلها خيانة وغدر ، وأن نظرته للفتاة نظرة متوقفة على جمال الشكل والجسم فقط.
وأنا دائمًا أسمع قصصًا من فتيات دمرت حياتهن؛ لأنهن أحببن وبقين على وفاء دائم لهذا الحب، وبالمقابل أسمع قصص الشباب المليئة بالمغامرات التي لا تنتهي، ويكون الموضوع بأكمله تسلية وإضاعة وقت.
لا يعني هذا أنني عانيت من أحدهم، فأبي والحمد لله يفخر بي أمام الجميع وليست لي أية تجربة سابقة، ولكنني أخاف مما سيأتي حتى إنني أمنع أمي من مجرد استقبال الخُطّاب؛ لأنني لا أجد أي شاب يستحق بأن أعيش له معه..
ولولا نظرة المجتمع لأقسمت ألا أتزوج أبدًا، ومنذ فترة علمت بأن أحد الشباب يكنّ حبا لي، ولكنني أكرههم جميعا، وأخاف أن أنتقم من الجميع به. والسلام
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت السائلة، إنه داء التعميم والمبالغة الذي الذي يصل بالإنسان إلى نتائج غير صحيحة ، لا بد وأن هناك شبابا لا ينظرون للفتاة إلا من خلال جسدها، ولا بد أن هناك شبابا قد خانوا حبيباتهم أو غدروا بعهودهم، ولا بد وأن هناك شبابا يتسلون ويغامرون بعلاقاتهم بالفتيات، ولكن ... هل معنى ذلك أن كل الشباب كذلك ؟
ألا توجد فتيات لا ينظرن للشباب إلا من خلال أناقتهم أو أشكالهم وألا توجد فتيات لم تحفظ العهد وأيضا يتسلين بعلاقاتهن بالشبان، فهل كل الفتيات كذلك ؟ ...
إذن فالتعميم آفة خطيرة إذا أصيب بها الإنسان وهو يقيّم الأمور ويحكم على الأشياء، ويكوّن وجهة نظرة في الحياة، خاصة وهو في مقتبل حياته في مثل سنك، حيث يكون في بداية تعرفه على الدنيا وما يجري فيها، فإذا اكتفى بسماع بعض القصص أو بعض الآراء ولم يضعها في حجمها الطبيعي بل قام بالتعميم، ثم إذا أضاف إلى ذلك المبالغة في رد الفعل فيما يصل إليه من أحكام.. فإن الصورة الناتجة تكون صورة مشوهة تماما بعيدة عن الواقع، بدليل أنك تتناقضين مع نفسك في رسالتك حيث تعلنين اعتزازك وفخرك بوالدك، أليس أبوك جنسا آخر ؟ ألم يكن شابا في يوم من الأيام ؟ ألم تثق به والدتك وكان عند حسن ظنها ولم يخن عهدها؟ ولم يتغير حبه لها مع مرور السنين وتغير شكلها وجمالها.
أليس خالك وعمك و..، في مثل أخلاق والدك؟ أليس آباء أصدقائك مثل والدك؟ أليست كل هذه البيوت السعيدة المقامة أو التي تنشأ كل يوم هي قائمة على شباب وشابات يعرفون معنى الحب الحقيقي والارتباط الشرعي والحياة الزوجية وقدسيتها؟ لماذا لا ننظر إلى كل هذه العلاقات الناجحة والزيجات المتواصلة وننظر إلى بعض القصص التي لو أمعنا النظر فيها لرأينا أنها نتيجة لخطأ من الطرفين.
فإن هذا الشاب العابث لم يشجعه على عبثه إلا فتاة مستهترة أعطته الفرصة أن يمارس عبثه معها، فتاة لا تعرف الحدود في العلاقة بين الفتى والفتاة، ولم تحدد هدفها لهذه العلاقة، بل لم تحدد متى وأين وكيف ولمن تعطي عواطفها، وهكذا أيضا الفتاة العابثة إنما شجعها شاب يريد أن يتسلى.. وهكذا. والفتاة الخاوية من شيء تفتخر به في عقلها أو علمها هي التي تظهر مفاتنها، وتعطي الفرصة لشباب أيضا خالي العقل والذهن ألا يرى في الفتاة إلا جسدها.
ولكن استمرار الحياة دلالة على وجود العدد الأكبر والنسبة الأهم من الفتيان والفتيات الذين يضعون كل شيء في مكانه، ويقدرون متى يعطون عاطفتهم ولمن، وما هي الخطوات التالية لذلك.
لا مكان للانتقام أو الكراهية، فإن الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها جعلت هناك انجذابا بين الجنسين؛ بشرط أن نضعه في إطاره الشرعي الصحيح بدون إفراط أو تفريط، إفراط يخيف كل طرف من الآخر بحيث يقع في روع كل فتاة أن كل شاب هو شيطان ماكر يريد أن يغتصبها أو تفريط يؤدي إلى علاقات مفتوحة بغير حدود أو ضوابط..
وقد أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث شريف "الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة)، ويبشرنا أنه طالما أنك خيرة وتحبين الخير؛ فلا بد وأن هناك أمثالك الكثير أيضا خيرين ويحبون الخير، لأن الخير لن ينقطع أبدا، وسيرزقك الله بمن يعيد لك ثقتك، وترين فيه الصورة التي تحلمين بها بإذن الله.
ــــــــــــــــــــ(41/403)
بعيدًا عن المزعجين : علاقة غامضة
مع المجتمع
بسم الله الرحمن الرحيم، أرجو أن تهتموا برسالتي، وأن تردوا عليها بشكل جدي، أنا في الثانوية العامة، ومعدلي التراكمي جيد جدا ، تعرفت على رجلين معي في الصف معدلاتهما هابطة تقريبًا.. حاولت أن أبتعد عنهما، ولكني لم أستطع ذلك؛ حيث إني قد تعرفت عليهما في السنة الأولى من الدراسة، ولو صاحبت غيرهما، اغتابني.
وبعد ذلك تعرفت على صديق لي قريب مني؛ حتى حلمت به الليالي من حبي له الصادق والنظيف أيضًا، وحينها يا إخواني لم أستطع أن أكلمه بسبب الحياء الكبير الذي في داخلي وداخله أيضًا؛ حيث يكون الكلام بيننا بالعين وليس باللسان.
ولم تمر أيام قليلة إلا وقد سمعت بأن صديقي القدامي يغتابني أنا وصديقي الجديد، ومن ضمن الكلام الذي يقولونه: إنه تخلى عن صداقتنا القديمة والعريقة وذهب إلى هذا الرجل الجديد الذي خطف روحه وجسده مرة واحدة.
إخواني، بصراحة لا يوجد لدي حل لهذه القضية، ما الحل يا إخواني الأعزاء؟ أريد بعض الأشياء التي تجعلني أستطيع أن أتقارب معه؛ لنصبح متحابين بعيدين عن هذين الصديقين المزعجين.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ السائل، الحقيقة نحن لم نفهم ماذا تعنى برغبتك في أن تصبحا اثنين متحابين ... ولم نفهم معنى أن تحلم الليالي بالحب الصادق النظيف ، لأن هذه اللغة التي تعبر بها عن حبك لهذا الرجل لا تستخدم في عالم الصداقة بين الرجال، ولكنها تستخدم في عالم الحب بين الرجال والنساء؛ لأن صداقة الرجل للرجل هي الأمر الطبيعي المفهوم في عالم العلاقات.
وهي صداقة قائمة أيضًا على الحب، ولكنه حب من نوع مختلف قائم على توافق الطباع وعلى احترام الأفكار والتصرفات ولا علاقة له بالأحلام، ولا يعبر عنه إلا من خلال كلمات مثل الصداقة والتفاهم وليس الحب والأحلام.
وهو فارق كبير يجب أن تستوعبه وتفهمه؛ لأن هذه السن تحتاج إلى التحديد والفهم للعلاقات بين البشر حتى لا تضع علاقة مكان أخرى أو مشاعر في غير موضعها الصحيح؛ لأنه يترتب على ذلك أوضاع غير صحيحة قد تؤدي إلى نتائج لا يدركها الفرد، وهذا قد ظهر من كلام الرجلين الآخرين عنك وعن علاقتك بهذا الرجل؛ حيث إن تلميحهما له مغزى ومعنى.
يجب أن تفهم أن تصرفاتك وعدم فهمك لطبيعة العلاقة بين الرجل والرجل قد تكون سببًا فيما قالاه، فليست المسألة أنهما صديقان مزعجان.. ولكن المسألة أن تستفيد من نقد الآخرين لك حتى لو كانوا أعداءك، فلا بد وأنه في تصرفاتك ما دعاهما لهذا القول الخطير في حقك، وهو ما يستدعي منك أن تراجع نفسك وفهمك لعواطفك وعلاقتك بالآخرين خاصة الرجال.
ما تحتاجه ليس وسيلة للتقرب إلى هذا الرجل بل وسيلة حتى تضبط عواطفك وتفهم أن الصداقة بين الرجال ليس فيها هذا النوع من الحب والهيام والأحلام؛ لأنه يمكن أن يترتب عليه علاقة غير سوية ومرضية.
ولا ندري هل تعني بالرجل أو الرجال زملاءك في مثل سنك، وهذا ما حملنا عليه الرسالة، أم تقصد أنهم رجال يكبرونك في السن.. وهنا سيصبح الأمر أكثر إثارة للتساؤل والاستغراب، للرجال طبيعتهم فلا تنحرف عنها حتى لا تقع في المشاكل.
ويمكنك مراجعة مشكلة كبيرة الشبة بمشكلتك وهي بعنوان
تحذير للجنسين : الالتصاق الأعمى يقتل أحيانًا
وأهلا بك دائماً...
ــــــــــــــــــــ(41/404)
وحيدة في سجن الأهل : السلطة والقرار
مع الأهل
قد تكون مشكلتي بالنسبة لكم هينة، ولكنها تسبب لي القلق والكآبة والتشتت في التفكير، والسبب سلطة أهلي عليَّ ....
فأنا أصغر واحدة من 6 بنات، فأنا دائمة محاسبة على الخروج من البيت، وليس لي حرية اتخاذ القرار، وأرى نفسي وحيدة، كان لدى أصدقاء كرهتهم بسبب تحكم أهلي في..
لقد سئمت من هذا الوضع، وكأني مراهقة.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... إن سلطة الأهل كسلطة في حد ذاتها ليست أمرًا مرفوضًا ، فطالما أنك تعيشين في بيت أهلك فلا بد وأن يكون هناك سلطة، وأن يكون هناك نظام لا بد من اتباعه.. فحتى لو كبرنا وأصبحنا شبابًا ومسئولين عن تصرفاتنا فإن الخروج من البيت والعودة إليه لا بد أن يكون تبعا لنظام متفق عليه يراعي الظروف المشتركة لأهل البيت...
وإذا كان هناك قرار.. فلا بد وأن أراعي عند اتخاذه آراء الآخرين خاصة أهلي؛ لأنهم سيتحملون جزءاً من نتائج هذا القرار.
إن الحرية ليست أمرًا مطلقًا لا حدود له، بل العكس هو الصحيح.. إن الحرية في جوهرها مسئولية.. إن الذي يمتلك حريته هو القادر على تحمل مسئولية تصرفاته وقراراته.
إن إحساسك بوطأة سلطة الأهل يبدو أن له أسبابًا أخرى لم توضيحها في رسالتك، ولكن ظهرت لها بعض الدلالات، فسأمك من أصدقائك لا علاقة له بسلطة الأهل؛ فيبدو أنك تمرين بظروف اجتماعية صعبة هي التي جعلت لديك حالة من الرفض والغضب جعلتك حساسة حتى لتصرفات أهلك الطبيعية.
إنك في تعريفك لنفسك كتبت في حالتك الاجتماعية أنك مطلقة.. فهل عودتك إلى بيت أهلك بعد فترة من وجودك في بيت الزوجية هو سبب شعورك هذا، خاصة وأنه انسحب على أصدقائك الذين لا علاقة لهم بذلك ..
ما نود قوله: إن الأمر أكبر من مجرد تحكم أهلك في دخولك أو خروجك.. إن الأمر متعلق بحياتك كلها وما تفعلين فيها .. إن الفراغ أيضًا وعدم عمل شيء مفيد سواء عمل أو هواية أو غير ذلك يبدو أيضًا أحد مشاكلك.
انظري لحياتك نظرة شاملة إلى كل محاورها، وأعيدي ترتيب حياتك وتحديد أهدافها وعندها سترين الحياة من منظور آخر فستجدين أن المشكلة ليست في سلطة الأهل، ولكن في أن نراها سوداء كئيبة وهي ليست كذلك ...
ــــــــــــــــــــ(41/405)
بين الفتيات : ينتشر في مدارسنا منذ زمن
إضطرابات شاذة, تحت العشرين
ينتشر في مدارسنا منذ زمن ما يسمى بالإعجاب، سواء بين الطالبة وزميلاتها أو بينها وبين معلماتها ....
وهو يتضمن حب التلميذة لهن ، وإرسال الرسائل التي ممكن أن نسميها غرامية ، إضافة إلى المكالمات الهاتفية الطويلة التي يتضمنها الكثير من العتاب؛ بسبب ظن إحداهن أن الأخرى قد أهملتها أو أصبحت تميل لغيرها ...
فما هو تعليقكم علي ذلك ؟
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت المرسلة ، أنت واحدة من اللائى تدين لهن هذه الصفحة بالشكر؛ لأنها فتحت ملفًا يتحاشى الكثيرون والكثيرات فتحه.
وسؤالك في حقيقته استفسار عن طبيعة هذه المشاعر التي تصفينها: هل هي طبيعية فطرية أم شاذة ومنحرفة؟!
والمسألة تحتاج إلى بعض التفاصيل:
- قلنا قبل ذلك : إن جانب المشاعر والعواطف يتمدد في مرحلة المراهقة على نحو كبير، ولا نبالغ إذا قلنا: إن هناك موجة من الاندفاع تجتاح نفس المراهق أو المراهقة، وهذه الدفقة أو الموجة إن لم يكن المراهق مستعدًا لها على النحو السليم؛ فمن شأنها أن تسبب لها آلامًا ومعاناة قد تستمر لفترة طويلة، وقد تترك عليه آثارًا تبقى طوال حياته.
- يميل الإنسان في هذه المرحلة إلى توسيع دائرة معارفه وأصدقائه، وربما يغيب عن هذا التوسيع معيار التدقيق اللازم في الاختيار الحكيم للأصدقاء، وربما يكون هنا للأسرة دور في حسن انتقاء الصديق الأصلح من الناحية الاجتماعية والأخلاقية، ولكن للأسف فإن التشارك في فرز الأصدقاء بين الشاب (أو الفتاة) والأسرة يكاد ينعدم لأسباب لا يتسع المجال هنا لذكرها، كما أن ملاحظة الأسرة والمجتمع تكاد تقتصر على تحجيم العلاقة بين الجنسين، بينما تترك العلاقة بين الأشخاص من نفس الجنس مفتوحة بلا منهاج أو ضوابط !
- معظم مجتمعاتنا العربية والإسلامية تعاني من خلل عميق في مسألة إدارة العلاقة بين الجنسين، ووضع المرأة في المجال العام، وهذا الخلل سيظهر أكثر مع ضغوط التحديث المستورد، والعولمة التي تجتاح كل شبر من الأرض الآن.. والمتابع للأحداث يرى أن آثار غياب منهاج واضح- لإدارة شئوننا في هذه وغيرها- باتت صادمة ومتنامية، ولا يبتعد عن هذا مسألة إدارة العلاقة بين الأشخاص من نفس الجنس، وإذا لم ننتبه ونتحرك؛ فالنتائج ستكون في غير صالحنا، وسنعاني أكثر من شروخ عميقة في المجال الاجتماعي.
بعد هذه المقدمات الثلاث السريعة أقول لك:
أولاً: يمكن الحديث عن فراغ عاطفي شائع لدى الشبان، وهو لدى الفتيات أكبر، وناتج عن أسباب كثيرة، منها ضعف البناء الأسرى والاجتماعي، وقصوره عن الوفاء بالاحتياجات العاطفية لإنسان على نحو صحي وسلمي، فكلنا نحتاج إلى الاهتمام والحب المتبادل بأنواعه المختلفة ، وحين تغيب الفرصة من الأصل أو تنعدم في الحصول على النوع المطلوب بالقدر المعقول تصبح الأجواء مهيئة لانحراف النفس ، واضطراب المشاعر في بحثها عن حقها في الحصول على تواصل إنساني تشعر معه بالدفء ونبض الحياة.
ثانيًا : الحد الفارق بين المشاعر الطبيعية الشاذة ؛ سواء بين الفتيات أو الشبان تكمن في أمرين : أولهما وجود مشاعر الميل الطبيعي للجنس الآخر، والتي قد تأخذ عند البعض صورة الميل إلى شخص بعينه، وقد لا تأخذ هذا الشكل، أما غياب محض هذا الميل إلى الجنس الآخر بما يشمله هذا الميل من أحلام يقظة ومنام، وخيالات عاطفية وجنسية أحيانًا.. غياب هذا الميل أو ضعفه يعد علاقة غير صحية تؤخذ في الاعتبار، خاصة إذا لم يكن في حياة الإنسان قضية كبرى تشغله عن مسألة العواطف والمشاعر برمتها، ولا أقصد أن هذا الانشغال هو الأمثل، ولكنني أقول إنه يحدث.
الأمر الثاني : يكمن في التعبير عن المشاعر والعواطف.. والشرع الشريف له توجيهات محددة في التعبير عن الحب؛ سواء بين الجنسين أو بين الأشخاص من نفس الجنس، وتجدين في السُّنة المطهرة مثلاً توجيهات واضحة عن هيئة الاستقبال والتوديع، ومظاهر التعبير عن الحب، وفي السيرة قصص متعددة تتضمن التطبيق العملي لهذه التوجيهات في علاقات الرجال بالنساء، وعلاقات النساء بالنساء، والرجال بالرجال.. وحين تكمل صورة العلاقات في مجتمع النبوة الأول في أذهاننا سنجد بونًا شاسعًا بينها وبين ما يحدث في مجتمعاتنا المعاصرة أحيانًا باسم المحافظة، وأحيانًا أخرى باسم الانفتاح والمرونة والتحديث !
ثالثًا: تأتينا رسائل كثيرة تتحدث عن الحب والإعجاب بين أشخاص من نفس الجنس، ونخشى من عدم الدقة في اختيار الألفاظ من جهة من يكتب، إضافة إلى وجهة النظر المسبقة من جهة من يقرأ؛ أن يصل بنا الأمر إلى تحليل وتوصيف غير منضبط، فالأمر يحتاج إلى دقة حتى لا نظلم أنفسنا، وننسب إلينا أو إلى أشخاص بعينهم ما ليس فيهم.
فالأخوة في الله ، والصداقة المعروفة تتضمن نوعًا من الحب قد يصل إلى مرتبة الإيثار؛ أي تفضيل الإنسان لغيره على نفسه، وهي أعلى مراتب الأخوة، ولكن لا الأخوة ولا الصداقة بين نفس الجنس تتضمن الرسائل (الغرامية) ، على حد وصفك ، بما قد تتضمنه من غزل في المفاتن الجسدية ، أو استخدام تعبيرات لا تكون إلا بين المتحابين من الجنسين ، وهو ما يحدث على نطاق كبير؛ فلا الأخوة ولا الصداقة تتضمن نشاطًا حسيًّا يشمل المبالغة في التقبيل أو الملامسة الجسدية ، وما هو أكثر أحيانًا بحجة أننا جميعًا رجال ، أو نساء، ولا حرج.
فالشرع الشريف واضح في تحديد العورة ، وضوابط التعري والملامسة بين الجنسين، وفي نفس الجنس ، وحين يتطور الميل العاطفي إلى تعبير سلوكي وجسدي ينبغي الحذر أكثر.
رابعًا: أخشى أن أقول: إن الزواج لا يحل هذه المشكلات إن وجدت وتفاقمت، بل ينبغي من البداية ردع النفس عن الانسياق وراء الهوى الفاسد تجاه نفس الجنس، والميل بغير هدف أو جدوى تجاه الجنس الآخر، والصحيح أن للصداقة بين الأشخاص من نفس الجنس حدودًا ينبغي ألا تتخطاها، وللحب بين الجنسين معالم ينبغي مراعاتها؛ ليحدث التوازن المطلوب، والتواصل المرغوب، والذي لا تكون عمارة الأرض إلا به.. فالإنسان كائن اجتماعي، ولا يستطيع أن يتناسل وحده، اللهم إلا بالاستنساخ، ونعوذ بالله أن نرى يومًا يستغني فيه الرجال بالرجال، أو النساء بالنساء، أو يستغني فيه الإنسان بذاته عن العاملين..
اللهم أصلح أحوالنا أجمعين.
ــــــــــــــــــــ(41/406)
لا للاستقلال التام.. لا للاستسلام التام
مع الأهل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أود أن أشكر الإخوة القائمين على هذه الصفحة، وأدعو الله أن يثبتهم.
مشكلتي هي أنني لا أحب أن يأمرني أحد في الأمور البديهية، كأن يأمرني والدي بالذهاب إلى الصلاة أو الدراسة؛ فأنا أعرف مصلحتي، وأعرف قيمة الصلاة وأعرف وقتها.
وحتى الدراسة أعرف أن مصلحتي فيها، وإذا أمرني والدي بالاستذكار، فإني لا أستطيع ذلك، وإن حاولت فإني لا أستطيع التركيز لأني أشعر بأن أحدًا ما قد أجبرني، ولا أفعل إلا إذا نسيت أن والدي أمرني بذلك.
المشكلة الثانية هي أنني آخذ معظم الأمور على سبيل التحدي وإن كان مزاحًا؛ فأتحدى نفسي حتى أستطيع إنجاز أفضل من ذلك.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ المرسل بعد التحية، إن المرحلة العمرية التي تمر بها الآن والتي يسميها البعض بمرحلة المراهقة هي فترة انتقالية ينتقل فيها الإنسان من طور الطفولة إلى طور الرجولة والبلوغ والنضج،
ويخرج من حيِّز الاعتماد على الأبوين إلى الاعتماد الكامل على النفس، وكثيرًا ما يدفع ذلك الشاب إلى التمرد لرفض الاعتماد على الغير في معظم المواقف، والإتيان بغرائب الأعمال بغرض لفت الانتباه، وقد يؤدي ذلك إلى نوع من الاصطدام مع الآخرين، خاصة إذا شعر أنهم يقللون من شأنه.
ونحن لم نجد هذه المشكلات في عصر صدر الإسلام أو العصور الراشدة، فهذا هو الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يولِّي شابًّا عمره ستة عشر عامًا قيادة جيش المسلمين في إحدى الغزوات وهو "أسامة بن زيد" رضي الله عنه، وها نحن نرى فاتح القسطنطينية لم يتجاوز عمره الثمانية عشر عامًا.
هل تعرف ما السبب في غياب هذه المشكلة في ذلك الوقت؟
السبب هو أن الطفل منذ صغره كان يتحمل المسؤولية بالتدريج، فكان يعمل ويشارك في الإنفاق على نفسه وعلى أسرته، وكان يشارك في الحروب والأنشطة الاجتماعية، حتى إذا وصل إلى سن السابعة عشرة أو الثامنة عشرة - وهي السن التي يتعطش فيها لتحمل المسؤولية كاملة - عندئذ يُلقَى به في البحر دون أن يخاف عليه أحد؛ لأنه تعلم العوم من الصغر.
أما الآن، فإن الشاب لا يتدرب على أي صورة من صور المسؤولية - نتيجة التربية الخاطئة - وهو يقوم بدور المتلقي، فإذا وصل إلى سن النضج يُصِرّ الوالدين على معاملته بالطريقة السابقة نفسها، فنكون عندئذ في مأزق، بماذا ننصحه: هل نشجعه على الاستقلال التام المفاجئ دون أي خبرة عملية حقيقية؟ أم نطلب منه الاستمرار في الاستسلام لهذه التبعية التي لم تَعُد مناسبة لسنِّه؟ في الحقيقة التوسط هو الصواب؟
لذلك نقول لك: افطم نفسك بالتدريج وبالحكمة.
ولا ننسى أن نلفت انتباهك ونحذِّرك في هذه المرحلة من تدخل الشيطان الذي ربما يوسوس لك ويدفعك إلى رفض نصائح الآخرين بصورة مستمرة، والتمرد عليهم حتى لو كان ذلك في غير صالحك، وحتى لو أدت هذه التصرفات إلى الإضرار بك.
وما أطالبك به أخي المرسل أن ترد هذه الرغبة الجامحة الموجودة بداخلك إلى حد التوسط أو الاعتدال الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، ولا يمنعك سعيك للاستقلال الكامل من الاستفادة بخبرات الآخرين وتجاربهم، فلتنظر إلى هذه الأوامر بصورة عقلانية مجردة دون إدخال النواحي العاطفية والرغبات الشخصية.
ولتتقبل بشيء من الصبر أوامر من يكبرونك وتعنُّتهم في التعامل معك، ولتعلم أن مبعث ذلك هو الخوف الداخلي عليك.
ولتعلم أن تحسين العلاقة مع الوالدين، وبرَّهم، والسعي إلى قضاء حوائجهم من شأنه أن يحول شكل العلاقة بينكم من صورة التحدي الذي يقوم كل طرف فيه باستفزاز الآخر، إلى الصورة التي يشفق كل فيها على الآخر؛ فترى عندئذ أن الأوامر التي يطلبونها منك إنما هي من باب الحرص والخوف عليك.
دإيهاب خليفه من فريق الحلول
ــــــــــــــــــــ(41/407)
معاناة مراهق
مع الأهل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشكلتي تتلخص في التالي: أنا أعاني من أهلي معاناة شديدة؛ وذلك بسبب حرصهم الزائد علي، وهوس ما يسبب لي إحراجا مع أصدقائي؛ فالآن أصدقائي يتهربون مني خوفا من المشاكل مع أهلي، فأبي ما إن يراني مع أحد حتى يتحرى عنه ويحقق معي عنه، وهو دائم الشك بي حتى في أتفه الأسباب، أما أمي فهي مثل أبي وأكثر بكثير، وإخواني دائما يتدخلون في خصوصياتي، ويرقبونني حتى من هم أصغر مني.
وأنا أشعر أحيانا أني أكره أهلي، وأحس أن المنزل كالجحيم؛ لذلك أخرج منه كثيرًا، وخوف أهلي عليَّ لم ينفعني، وقد انخفض مستواي الدراسي كثيرا بسبب كثرة خروجي من المنزل، وأنا إذا قارنت نفسي مع إخواني وهم في سني أجد أنهم فعلوا الكثير مما لا يسمح أهلي به الآن.
الرجاء المساعدة، فأنا في الخامسة عشرة من عمري، أفيدوني جزاكم الله خيرا.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... مرحبًا بك على الجسر ... الجسر بين عالم الطفولة البريء.. وعالم الشباب المستقبل ... إنك لم تعد طفلاً.. ولم تصبح بعد شابًا من حقه أن يتحرك وأن يذهب ويجيء ويستقل ماديًا ومعنويًا وتكون له حياته الخاصة ... ولكن مشاعر الشباب ورغباتهم وأفكارهم بدأت بذورها في نفسك؛ فأنت تريد أن تشعر بذاتك، وترى ذلك من خلال اختيارك لأصدقائك، ومن خلال خصوصية تضفيها على حياتك.
هذه أشياء تحس أنها تخصك وحدك ... وأسرار لا يعلمها إلا أصدقاؤك ... ومجتمع جديد خارج مجتمع الأسرة التي تنتمي لها.. لقد قضيت طفولتك تدور في فلكها فآن الأوان أن تنطلق خارجها ... . هذه هي طبيعة سنك، وهذه هي طبيعة أفكارك ومشاعرك ...
وعلى ذلك فمن الطبيعي أن يحدث هذا الاحتكاك بينك وبين أسرتك، ولا نقول الصدام ... . وإذا فهمت كيف يفكر أبوك وكيف تفكر أمك ... . وإذا فهمت نفسك فإن كثيرًا من المشاكل سوف تحل ... يجب أن تضع نفسك مكان أبيك وأمك ... إنهم يحبونك ... . إنهم يخافون عليك ... ربما لا يدركون التغير الذي يحدث في شخصيتك وفي نفسيتك مع دخولك مرحلة المراهقة ... ربما يخطئون في بعض الأحيان في طريقة التعامل معك ... ولكن المؤكد أنهم لا يتعمدون الإساءة إليك أو إهانتك.
إنك بدلاً من أن تغضب وتترك البيت وتقضي أوقاتًا طويلة خارجه، لماذا لا تحاول أن تتقرب إلى أهل بيتك وتفهمهم وضعك الجديد ليس بالكلام فقط ولكن بالفعل أيضًا.. لماذا لا تتحمل مسئوليات جديدة لم تكن تتحملها.. لماذا لا تهرع إلى مساعدة من يحتاج للمساعدة بدون طلب منه.
لماذا لا تُري أهلك منك أنك كبرت وأصبحت رجلاً؛ فأنت تساعد في قضاء حوائج البيت، وأنت تهرع لعمل المهام الصعبة، وأنت تهتم بغرفتك وبملابسك وبنظام البيت، في إشارة واضحة أنك لم تعد ذلك الطفل المدلل، بل أصبحت ذلك الشاب المسئول الذي يعتبر نفسه جزءًا من مؤسسة البيت وليس عالة عليها ... بدلاً من الرفض السلبي فلتعبر عن وجودك بطريقة إيجابية.
إن خروجك من البيت وابتعادك عنهم يزيد الفجوة بينك وبينهم ويزيد الشعور لديهم بأنك مجرد طفل يريد أن يهرب من تحمل مسئولياته.. إن اندماجك معهم وعيشك في مشاكلهم يعطيك الإحساس أنكم شركاء على مستوى المسئولية وستشعر أنهم لا يتدخلون في خصوصياتك بل يشاركونك حياتك مثلما تشاركهم حياتهم ...
إن الاستقلال والرغبة في إثبات الذات لا يكون دائمًا برفض البيت والابتعاد عنه والتمرد على نظمه ... . بل إن قدرة الإنسان على إثبات ذاته قد تنبع من انتمائه القوي إلى جذوره.. إلى أهله وإلى من يحبونه ولكن بشخصيته هو في إطار فهم الآخرين وكيف يفكرون.
تقرب إلى أهل بيتك.. تحاور معهم، وقدم لهم الدليل بالفعل على نموك ونضجك، شاركهم حياتهم ومشاكلهم.. وستفسح لك مكانًا في عالم الكبار من خلالهم، لتكن بنّاء، وقدّم من نفسك ما تأخذ به مكانتك ونحن معك ننتظر النتيجة.
ــــــــــــــــــــ(41/408)
هل أنفي طويل ؟ ... أخي وزميله الجميل
مع النفس
بسم الله الرحمن الرحيم، لدي أخ عمره 18 سنة، وهو طالب بكلية الشرطة ؛ ولذلك يُفرَض عليهم السكن الداخلي طوال الأسبوع ماعدا يومي الأربعاء والخميس ...
أخي طالب مهذب جدا ومتفوق في دراسته، ولكن المشكلة تكمن في عدم ثقته بنفسه، فبعض زملائه يستهزئون به ويعلقون على جسمه وشكله، الأمر الذي يسبب له الكثير من الأذى النفسي مع أن شكله مقبول جدا، ولكنه بدأ يسألنا كثيرا (كيف ترون رأسي؟ هل أنا سمين؟ هل أنفي طويل جدا؟)، ونحاول جاهدين أن نبين له أن شكله طبيعي جدا ولكنه لا يتقبل.
ولكن ليست هذه هي المشكلة فقط، بل الأمر الذي زاد المسألة سوءًا هو وجود زميل لأخي في منتهى الوسامة والجمال وجميع الطلاب معجبون بجماله، الأمر الذي جعل أخي ينظر إليه نظرة إعجاب، حتى أنه يستحي من النظر إليه، ويحس بالخجل عندما يتواجد معه، بل وينظر إليه كما ينظر الفتى إلى الفتاة.
وأخي خجول فهو لا يرفع عينه في هذا الفتى مما يزيد من عذابه وإحساسه بأن هذا السلوك غير صحيح، حتى أنه اقترح عليّ الذهاب إلى طبيب نفسي، ولكني بررت له موقفه بضعف ثقته بنفسه، واستجابته لاستهزاء زملائه، الأمر الذي جعله يحس بالضعف أمام هذا الشاب الجميل، ولكن كلامي لم يُجد نفعا..
فهل أنا محقة ؟ وما هو الحل لأجعل أخي يكتسب شخصية قوية ويثق بنفسه ؟ .
... المشكلة
د . مأمون مبيض ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... شكرا لك على اهتمامك بصحة أخيك وسعادته.
يبدو أن شقيقك يعاني من مشكلة في النمو العاطفي والاجتماعي ، وهو ما يؤثر سلبيا على علاقته بالآخرين ، ولا ننسى أنه ما زال صغيرًا في الثامنة عشرة ، ولا شك أن الأيام وتجارب الحياة ستعلمه الكثير، خاصة أنه في كلية الشرطة ؛ فهو سيتعلم الكثير من المهارات الاجتماعية وغيرها، وهو ما سيعطيه الثقة في نفسه وفي التعامل مع الناس ، وليس غريبًا على الشباب في هذه السن أن يقلق على مظهره وشكله، ويفيد هنا أن تشعري شقيقك بأنك تتفهمين مشاعره ومخاوفه، وأن تستمعي إليه باهتمام.
ويبدو أن الشق الثاني لسؤالك هو موقف شقيقك من زميله الوسيم ومدى العلاقة بينهما، وإن كان هناك ما يقلق في طبيعة علاقتهما.
ولا بد للجواب على هذا السؤال من معرفة أكثر دقة في طبيعة الأفكار التي يحملها شقيقك عن هذا الزميل، وأنا لا أستطيع من خلال المعلومات المتوفرة أن أقول إن هذا موجود في شقيقك.
ولكن يمكن أن أقول بشكل عام بأن الإعجاب غير الطبيعي بين شابين من نفس الجنس قد يزداد في حالات وجود مشكلة عاطفية أو انفعالية عند أحد الشباب كالخجل الشديد والارتباك في العلاقات الاجتماعية، والذي يكون على أشده في تعامله مع الجنس الآخر، وهو ما يجعل هذا الشاب يرتاح أكثر لعلاقته مع من هو من جنسه.
والحالة الثانية التي قد يزداد فيها مثل هذا السلوك توجد في المدارس والمؤسسات الوحيدة الجنس كالمدارس الداخلية والثكنات العسكرية (الشرطة هنا).
ويمكنك مساعدة شقيقك من خلال إبقاء العلاقة القريبة منه للحديث والاستماع إليه، ومن خلال تشجيعه على الزيارات والعلاقات الاجتماعية مع الأسرة والأقرباء، كي لا ينعزل أكثر، وهو ما يزيد من تعلقه بمدرسة الشرطة على حساب العلاقات الاجتماعية العامة.
وإذا استمرت صعوبات شقيقك، أو رغب بمراجعة طبيب نفسي وكما اقترح هو فلا بأس أبدًا في هذا، وقد يجد شقيقك حرجًا من البوح لك بكل ما في نفسه، ويمكن للطبيب النفسي أن يستبعد حالات نفسية قد تترافق مع بعض الأعراض التي ذكرتها كالقلق أو الاكتئاب أو غيره.
ــــــــــــــــــــ(41/409)
تحت العشرين : خيال وصداقة وعاطفة مكبوتة
مع الجنس الآخر
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم، من خلال قراءتي للعديد من المشاكل فهمت من أجوبتكم أنكم تدعون إلى التمسك بالعاطفة، فكيف يكون هذا ؟...
وحتى لو تمسكنا بالعاطفة فستكون مكبوتة داخل الإنسان والتخلص منها أرحم، وكلامكم يضعني في حيرة، خاصة ونحن في مرحلة عدم النضج والمراهقة، أي ما بين 13 -19 ...
إني كثير التفكير في كيفية البحث عن الفتاة المناسبة، فهذا الأمر أشبه بالخيال، وهو ما يجعل التخلي عن العاطفة أو جزء منها أرحم لي، وكيف نظهر عواطفنا ولمن ؟ للأهل ؟ هذا شيء أشبه بالخيال، للصديق ؟ فأين الأصدقاء ؟! أصدقاء اليوم نادرون...
أرجو الرد عليَّ، مع أني أتوقع عدم الرد على هذه الرسالة ، وشكرا على جهودكم الطيبة.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أولاً سعدنا بك كزائر دائم لصفحتنا، كما نؤكد أننا لا نهمل أي رسالة تصلنا حتى لو كانت تنتقدنا بل على العكس نحن نرحب بالتفاعل معنا ....
وإن كنا ندعوك لقراءة الصفحة بعمق أكثر، لأننا في هذه الصفحة لا ندعو لأي أمر على إطلاقه، وإنما لكل حالة ما يناسبها في ردنا عليها، فنحن لم يصدر عنا رأي يدعو للحب والتمسك بالعاطفة دائمًا بأي شكل وتحت أي ظروف، ولا حتى كبت المشاعر أو تجاهلها؛ فالتعميم لا يصلح، فلكل إنسان ظروفه وخصوصيته، والناس يختلفون ويتباينون.
ولكنا دائمًا ما نقول للشباب الذي في مثل سنك: إن الإحساس بالرغبة في الحب ووجود ميل عاطفي لديكم في هذه السن أمر طبيعي فطري، وليس معنى كلامنا هذا أن ما نقوله دعوة للحب وإنما هو تفهم للمشاعر الإنسانية.
ولكن إذا أراد الشاب الاستجابة لهذه المشاعر فيحب أن يتم هذا وفق شرع الله، وبعلم الأهل بالحلال لا بالحرام ما دام في استطاعة الشاب الزواج، استطاعة مادية ونفسية لتحمل أعباء الأسرة التي يسعى لإقامتها، وإذا لم يكن في استطاعة الشاب تحمل هذه المسئولية الآن فعليه أن يركز جهده ووقته لإعداد نفسه لها، وفي الوقت نفسه يستثمر وقته في أمور أخرى تبني شخصيته وتجعله أكثر قدرة على حسن الاختيار عندما يكون مستعدًا للزواج في الوقت المناسب.
أما بالنسبة للتفكير الدائم في البحث عن الفتاة المناسبة، فلا يجب أن يكون هذا أول ما يشغلك، ولكن أنت تحتاج لإعداد نفسك حتى تستطيع أن تحسن الاختيار.
وأما التحدث عن مشاعرك مع والدك أو والدتك أو أخيك الأكبر فليس دربًا من الخيال، كل ما تحتاج إليه أن تحسن التعبير عن نفسك وأن تقوي علاقتك وتظهر اهتمامك واحترامك لرأي من ستستشيره أو تخبره بمشاعرك، وعلى عكس ما يعتقده الكثيرون أرى أن الصراحة والمصارحة بين الابن والأب أو الأخ الأكبر تكون أفضل بكثير من البوح بمشاعرك للأصدقاء؛ لأنهم يكونون أكثر خبرة بالحياة وأقدر على التفهم والمساعدة.
كما أن الأصدقاء الصالحين كثيرون، ولكن المشكلة أننا كثيرًا ما نخطئ في اختيار الصديق الحقيقي، فحاول البحث عن الصديق الحقيقي، وحاول أن تكون صديقًا لوالديك ...
وحبذا لو تراجع إجاباتنا السابقة عن اختيار الزوجة ومنها :
اختيار الزوجة:ما حَكَّ جلدك مثل ظفرك
اختيار الزوجة..خبرة هذه الصفحة
أخواتها لسن كذلك..دليلك لاختيارالزوجة
سمر عبده
فريق الحلول
ــــــــــــــــــــ(41/410)
تصورات العمر المتوتر : حدود الأماني والنصائح
مع الأهل
أنا فتاة عمري 17 سنة، أعاني من أن أمي تعمل، وأنا أريدها أن تبقى في البيت، وأمنيتي أن آتي من المدرسة وأراها تنتظرني، ولكنها لا تريد ذلك...
بالإضافة إلى أنني أعاني من المشاكل المستمرة بين أبي وأمي بسبب كلمتين: (أهلي، وأهلك)؛ حيث إن علاقة أبي بأخوالي سيئة، وعلاقة أمي بأعمامي بدورها سيئة جدا، ودائما تأتي المشاكل من وراء هذا الأشياء، بالإضافة إلى أنهم لا يسمعون ندائي بأن يتوقفوا عن هذا المشكلات التي استمرت 25 سنة، وحتى الآن لم تنتنه..
أرجوكم أريد حلا، وأريد أيضا أن أعرف: هل يجوز الصراخ على الأم والأب في أثناء المشكلة أم يعد ذلك عصيانًا لهما ؟
وشكرا لكم وجزاكم الله خيرا
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... قد يتصور الإنسان في سن معينة ، وخاصة في بدايات سن الشباب أن كل أمنية يتمناها لا بد أن تتحقق، وأن كل نصيحة يسديها لا بد أن يؤخذ بها. وقد يتصور ويغضب ويعتبرها مشكلة إذا لم يحدث ذلك....
والحقيقة أن الأمر غير ذلك ؛ لأن كل الأماني لو تحققت في الدنيا، ولو استمع الناس لكل النصائح، لما كنّا في الدنيا ولأصبحنا في الجنة، أو قل حتى في "المدينة الفاضلة" التي يحلم بها المصلحون والفلاسفة ؛ وذلك لأن هنا حدودا للأماني ، وحدودا للنصائح ، تنبع من نقطة مهمة، نحاول نحن في سن المراهقة أو بداية الشباب أن نثبتها لأنفسنا أو نحققها لذواتنا، ولكننا ننساها أو نتناساها، إذا تعلق الأمر بالآخرين.. وهي حرية الاختيار.
إننا نتقاتل في هذه السن من أجل أن نحصل على حقنا في الاختيار، ونتحدث عن الحرية، وعن الذاتية، والرغبة في إثبات الذات، وحرية الاختيار، حتى إذا تعلق الأمر بغيرنا نسينا ذلك، ورحنا نصادر اختيارهم أو حريتهم في الاختيار مهما كان هذا الاختيار..
إننا في النهاية لا نملك أن نفرض على أحد آراءنا، ولكننا نملك النصيحة، التي قد تقف حدودها في بعض المواقف عند مجرد إسدائها، ولا يتعدى الأمر ذلك، ونصبح قد فعلنا ما علينا، وليس مطلوبا منا أكثر من ذلك. ولا نعتبر الأمر مشكلة تحتاج إلى حل.
نظن أننا بهذه المقدمة قد أوصلنا لك ما نريد قوله، ومع ذلك فإننا سنطبق ما قلناه على حالتك، فلكِ الحق أن تتمني أن تجلس أمك في البيت، ولك الحق أن تتمني أن تريها عندما تعودين إلى البيت في انتظارك.
ولك الحق في أن تعبري عن هذه الأمنية للأم وتحاولي بكل السبل إقناعها بذلك.. وفقط؛ لأنه في المقابل من حق الأم أن تختار أن تستمر في العمل ولها الحق أن يكون لها حساباتها الخاصة في ذلك، وقد تطلعك عليها، أو في هذا الاختيار، ولكما الحق سويًا أن يستمر الحوار بينكما في هذه المسألة.
وليس من حق أحد أن يصادر حق الآخر: حقك في إبداء أمنيتك، وحقها في التمسك بموقفها. ولا يعتبر ذلك مشكلة؛ لأننا في النهاية مطالبون باحترام اختيارات الآخرين، والتكيف معها طالما أن الأمر في إطار الاجتهاد والحوار؛ لأن هناك عوامل كثيرة تتدخل في اتخاذ القرار، قد أرى منها أنا جانبا واحدا يخصني، ولكن ليس من حقي أن أفرضه على الآخرين.
وهكذا الأمر بشأن نصيحتك في هجوم أبويك المتبادل على أهلهما، فلك كل الحق أن تنصحي لهمها، بعد فعل ذلك، ولكنهما إذا لم يأخذا بذلك فلتنشغلي بأمر نفسك وإصلاحها والاهتمام بها في كل المجالات؛ حتى تنشغلي عن هذه الخلافات ولا تكوني طرفا فيها.
إن الزوجين لهما معادلاتهما الخاصة بهما التي تجعل الحياة تستمر بينهما، فلا تأخذي سلبياتهما، وترفّعي عن ذلك، وارفعي مستوى اهتماماتك، ولا تنشغلي بإصلاحهما؛ فكل ما تملكين هو النصيحة، ولكن بدون صياح أو تجاوز؛ لأن ذلك ليس من حقك، بل وقد يفسد نصيحتك ويكون سببا لرفضها، فالدعوة للإصلاح لا تكون بصورة فاسدة من الصياح أو غيره؛ فلكل شيء حدود فلا تتجاوزيها.
ــــــــــــــــــــ(41/411)
تقلب الصواب خطأ.. الهدوء هو الحل
مع النفس, القلق والتوتر
السلام عليكم ، في البداية أود أن أشكركم علي هذه الصفحة الرائعة ، أنا لدي مشكلة بسيطة أتمني أن أجد حلاً لها عندكم ...
أنا طالبة في الصف الثاني الثانوي وحاليا في فترة الإمتحانات ...مشكلتي هي أنني لا أستطيع التركيز أثناء الإمتحانات مما يجعلني أرتكب أخطاء بسيطة وساذجة للغاية ..فمثلا بعد خروجنا من الإمتحان تسألني زميلاتي عن إجابة السؤال رقم واحد - علي سبيل المثال - فأسرد لهن الإجابة الصحيحة ، ولكنني أتذكر بعد ذلك أنني أجبت بشكل خاطيء في الإمتحان بسبب التوتر والتسرع ، والغريب أنني في البداية أكتب الإجابة الصحيحة في ورقة الإمتحان ، ولكنني بعد ذلك أقوم بشطب الإجابة وتغييرها لعدم تأكدي منها والتوتر والخوف من الفشل ، وهو ما يجعلني أفقد درجات كثيرة في الدراسة ...
هل يمكنك إخباري كيف أتغلب علي هذا التوتر لكي لا أفقد تركيزي خلال الإمتحانات ؟ ، والسلام عليكم
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت السائلة ، ما الفرق بين حالتك النفسية في أثناء الامتحان وحالتك بعده ؟ الفرق هو أنك تكونين متوترة بدرجة عالية في أثناء الامتحان ؛ فيؤدي هذا التوتر إلى ضعف عملية استرجاع المعلومة بطريقة صحيحة من الذاكرة؛ فيحدث الخطأ في حين يزول هذا التوتر بعد الامتحان، فتعود عملية الاسترجاع أو الاستعادة إلى طبيعتها، وعندها تصلين إلى الإجابة الصحيحة، وأيضًا التوتر هو الذي يجعلك عندما تراجعين تشطبين الإجابة الصحيحة، وذلك لحدوث اضطراب في عملية الاسترجاع؛ مما يؤدي إلى تداخل المعلومات..
المهم هو أن التوتر الشديد سبب مشكلتك؛ لذا فإن الهدوء هو الحل، خاصة أنه يبدو من رسالتك أنك من الطالبات المتفوقات اللائي يبذلن مجهودًا في عملية الاستذكار والدراسة.
إذن، فلماذا التوتر والقلق؟.. لو أن القلق يزيد من الإنجاز لقلقنا جميعًا، ولكن الحقيقة أن العكس هو الصحيح، وأن القلق يؤدي إلى ضياع التركيز والانتباه، ويؤثر على عملية الاسترجاع من الذاكرة.
لو علمنا أنه طالما أننا قمنا بما علينا، وأن الامتحان هو مجرد تكرار لأسئلة مشابهة كثيرة قمنا بالإجابة عنها سلفًا فسنستطيع الإجابة عنها لاحقًا بشرط أن نوفر الظروف النفسية المناسبة لاستعادة هذه المعلومات..
إن المعلومة موجودة طالما أننا قمنا بعملية الاختزان في الذاكرة سلفًا، بل إن هذا السؤال وإجابته موجودان. وطالما قد وُجدا وقد خُزِّنا، فسيأتيان إلى ورقة الإجابة، بشرط ألا نشوش عليهما بالقلق والتوتر بدون داع..
الهدوء والتخلص من التوتر والقلق سلوك يمكن اكتسابه بالتدريب وبالتدريج، وتسبقه علمية عقلية، يقتنع فيها الإنسان بعدم جدوى القلق في إنجاز مهامه..
وإن قليلاً "لا نقول من القلق"، ولكن من الحافز المناسب، يؤدي إلى توجه الإنسان لأداء مهمته، أما إذا زاد القلق عن حدِّه تحوّل إلى قلق مرضي، لا بد من التعامل معه.. لا نريد أن ننتقل إلى دائرة الأدوية المضادة للقلق أو المهدئات في حالة القلق من الامتحانات، خاصة في السن الصغيرة- سن المراهقة والشباب- لأننا نعتقد أن الشاب الجاد في دراسته، القائم بواجبه، يستطيع أن يسيطر على القلق بالتدريج وبالتدريب.. ويمكنك مراجعة مشاكل سابقة لنا شبيهة منها :
على أبواب الامتحانات: تنظيم وقت المذاكرة
على أبواب الامتحانات.. أفضل طريقة للمذاكرة
في قفص الخوف: رهاب الامتحانات
على أعتاب الامتحانات ... وصفة للتفوق
وفي النهاية يجب أن نضع الأمور في نصابها؛ حيث إن نسبة ضئيلة من الأخطاء نتيجة السهو أو عدم التركيز مقبولة؛ لأن الإنسان لن يصل إلى درجة الكمال أبدًا، فيجب أن يقتنع بالأداء المناسب، بحيث لا يثور ولا يغضب إذا حدث بعض النقص مهما كانت صورته أو طريق حدوثه.. مع ضرورة الاتزان في حياتك كلها بصورة عامة، بحيث تكون الدراسة أحد محاورها، ولكنها ليست المحور الوحيد الذي تدور حوله حياتك؛ فهناك الهوايات، والعلاقات مع الآخرين، وأشياء جميلة في حياتنا تستحق الاهتمام.. كل ذلك سيقلل التوتر، فيزيد التركيز، وتقل الأخطاء، ولكنها لن تنعدم؛ لأن الكمال لله وحده.
ــــــــــــــــــــ(41/412)
حائرة في أمره : فهو يدرس ، ووالده شبه متوفى
مع الجنس الآخر, اختيار شريك الحياة, تساؤلات حول الحب
أنا طالبة جامعية ، مشكلتي هي أنني في حيرة من أمري ؛ حيث إنني أواجه مشكلة معقدة جدًّا ، وهي: منذ شهر تقريبًا شاهدني شاب وأنا مع إخوتي في أحد الأسواق، لم يكتف هذا الشاب بالنظر إليّ، بل تبعنا؛ حتى علم بمكان المنزل، ومنذ ذلك اليوم وهو يتصل بي ويحلف لي أنه أحبني منذ شاهدني للمرة الأولى ، وهو يرغب بالزواج بي، وهو صادق في رغبته.
ولكن المشكلة تكمن في كونه طالبًا جامعيًّا في السنة الأولى، ولا يعمل، بل يعتمد على أمه، ووالده شبه مُتوفَّى؛ إذ تركهم منذ كانوا صغارًا.
وقد تكلم مع والدته عني، وبالفعل اتصلت أمه بي، وأخذت تكلمني في الموضوع، ولكنها قالت لي: سأكلمك بصراحة يا ابنتي، تعلمين أن ابني لا يعمل وليس له أي مصدر دخل، وأنا- بصراحة شديدة- لا أملك ما يُسمى بتكاليف الزواج، وأود أن أسألك بصراحة شديدة: هل أنت على استعداد لانتظار ابني لمدة 5 أو 4 سنوات حتى ينهي دراسته الجامعية ثم يعمل ويتزوجك ؟ وهل تضمنين يا ابنتي ألا تتغير مشاعر ابني تجاهك طوال هذه الفترة، وكذلك بالنسبة لمشاعرك ؟ أنت حرة يا ابنتي....
المشكلة تكمن في حيرتي بين كلام الأم والابن؛ حيث يؤكد لي هذا الشاب مدى حبه وتمسكه بي، ويحلف مرارًا بذلك، ويؤكد أنه من المستحيل أن يجد غيري، فما الحل ؟
أنا في حيره شديدة. أفيدوني أفادكم الله.
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت الكريمة ، مشكلتك ليست معقدة جدًا كما تتصورين ، ولا تدعو إلى كل هذه الحيرة الشديدة؛ فكلمات والدة الشاب وضعت- فعلاً- النقاط فوق الحروف، فأين الغموض ؟! وما معنى أن والده شبه متوفى؟! جديدة هذه!...
أنت مأخوذة بهذا الشاب الذي وقع في حبك -كما يقول - من النظرة الأولى، ولا نعرف كيف حصل على رقم هاتفك ليتصل بك ! ويحلف لك... إلخ، ولا ندري كيف علمت بصدق رغبته في الزواج منك !
هل الكلام يكفي لإثبات حسن النوايا، وجدية الطلب ؟! وإذا افترضنا معك أن رغبته فيك صادقة، و"غرضه شريف"- كما يقول المصريون- فما هو المطلوب منك مقابل ذلك، إذا كان لا يزال طالبًا يتقاضى مصروفه من والدته، وليس لديه أو لدى والدته استعداد لتقديم خطة محددة لارتباط رسمي بمعرفة أهلك؟!...
ما الذي يريده شاب جامعي ما زال في سن المراهقة، لا يملك ما يعول به نفسه، ثم هو يقتحم على عذراء خدرها، أو يتسلل إلى عقلها وقلبها عبر الهاتف، أو الإنترنت، أو معاكسات الشوارع ليقول لها: أحبك وأريدك؟!
ما الذي يمكن أن يترتب على هذه المشاعر في الوقت الحالي، غير الانشغال الذهني، والمشاعر المتدفقة التي تتردد حائرة بين الرغبة، وعدم القدرة لانتفاء الإمكانيات الأساسية للارتباط؟!
والذي لم تذكره والدة الشاب أن مشاعرك أنت أيضًا يمكن أن تتغير تجاه هذا الذي يتصل بك، ويحلف لك، فتتعلقين به دون أن تعرفيه حقًّا.
\نحن في هذه الصفحة- منذ البداية- نحاول أن نتشاور ونتحاور حول مفهوم الحب؛ لأنه صار غائمًا وغامضًا ومغلوطًا ومختلطًا بالأوهام والأساطير. كيف نطلق كلمة "حب" على عاطفة كل منطلقاتها هي مجرد نظرة أو نظرات عابرة، ثم أحاديث ومكالمات هاتفية؟! وكيف يمكن أن نربط على هذا وعودًا وعهودًا، أو حتى مشاريع ارتباط؟!
أختي، الذي بينكما لا يمكن تسميته بالحب أصلاً، والزواج ليس لعبة، ما بينكما هو مجرد ميل عاطفي لشكل أو هيئة من ناحيته صادف بحثك عن ميل من الجنس الآخر، وهو طبيعي في مثل سنك، والحب الحقيقي هو شيء آخر تمامًا.
أما أن يكون هذا الخيط الرفيع، والأساس الهش، منطلقًا لزواج ومسئوليات وحياة ممتدة، فلا ينبغي أن تتورطي في هذا العبث، ولا ينبغي أن تخدعي نفسك بأمنيات وخيالات رومانسية لا يوجد لها أي رصيد في الواقع، وأرجوك ألا تنسبي هذا الوهم للحب الحقيقي.
إذا كنت تبحثين عن بعض التسلية أو تضييع وقت الفراغ؛ فعليك أن تصارحي نفسك بذلك، واحذري؛ لأن الهزل في هذه التسلية ينقلب إلى جد يسبب مشكلات كثيرة، حين تتطور هذه العلاقة بعيدًا عن العيون. أما إن كنت باحثة حقًا عن الحب، فليس هذا هو الحب يا آنستي، إنه "سراب الحب"، وشتان بين هذا وذاك.
فإما أن يتقدم هذا الشاب "رسميًّا" هو ووالدته إلى أهلك، ويضع تصورًا لخطة سير ارتباطكما، ولو بعد سنوات، وعند ذلك نقول حقًا إنه جاد، وننظر كيف تُدار علاقة كهذه، أو أنه يريد أن يتلاعب بك، ويتسلى تحت غطاء وعود وهمية، وهو ما ينتظر الرد الحاسم منك.
ــــــــــــــــــــ(41/413)
عاصفة المراهقة : تحذير من العلميات الانتحارية
مع الجنس الآخر
السلام عليكم ، المشكلة التي أود أن أطرحها عليك لا تخصني ، فهي تخص إحدى صديقاتي ، وهي معجبة برجل يكبرها في السن بل تحبه إلى درجة الهيام بالرغم من أنه في عمر والدها، وعلاقتها بأسرتها جيدة للغاية، وهي تقطن مع العائلة ، وعائلتها صغيرة: أخت وأخَوَان، وهي أوسطهم، وهي فتاة جامعية جميلة، وذكية، ونشيطة، كانت طيلة حياتها محل حسد بالنسبة لأترابها..
المشكلة تتمثل في أن حبيبها المزعوم هذا لا يعيرها أي اهتمام، رغم أنها تملك كل المزايا اللافتة للنظر، هذا بالإضافة إلى أنه متزوج، ورزق بمولود منذ شهر، ومع ذلك فهي ترفض أن تكف عن التفكير فيه ...
وهي على أي حال فتاة عقلانية !! ؛ فلا يوجد في تصرفاتها شيء يدل على ما بها، كذلك هي تعلم أنه من كامل المستحيل أن تقترن بشخص مثله، وهي تحاول أن تبتعد عنه، ولكنها إن ابتعدت عنه فلن تنساه؛ لأنه شخصية محترمة وجذابة، فقد كانت حين تستمع إليه تتمنى أن تقف الحياة عند هذه اللحظات.
لماذا فتاة ناجحة مثل صديقتي تحب شخصًا في عمر والدها ؟ وما الحل لهذه المشكلة ؟ وهل يمكنني مساعدتها ؟ وهل يكون هذا سببًا في عزوفها عن الزواج ؟
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... المرسلة الفاضلة، أحمد فيك حبك وحرصك الشديد على مصلحة صديقتك، ورغبتك في مساعدتها.
أختي الكريمة، من الواضح أن صديقتك معجبة ومبهورة بشخصية هذا الرجل؛ فهي تفكر فيه، وغالبًا سبب هذا الانبهار أنه رجل له مكانة اجتماعية وذو شخصية متميزة؛ لذا فهي لا تفكر في سنه الكبيرة، ولا كونه متزوجًا.
لا تقلقي، فلا أحسب أن مشكلة صديقتك ستسمر طويلاً؛ لأنه مجرد إعجاب وانبهار، وسينتهي بمجرد ابتعادها عن رؤية هذا الرجل، على عكس ما تتوقعين؛ فانقطاعها عن رؤيته سيجعلها تنسى مع الوقت، وإذا كانت فراستك في صديقتك صحيحة، وكانت فعلاً عقلانية، فلن تُقدِم على أي عمل يسيء إليها، أو يفسد على هذا الرجل حياته، وتستطيعين مساعدتها، بأن تعينيها على ممارسة أنشطة مختلفة: ثقافية، واجتماعية؛ تستثمر بها وقتها، وتملأ بها عقلها، وتنمي بها اهتماماتها المختلفة، ولتصقل شخصيتها أكثر...
وأرجو أن تلاحظي أنت وتلفتي نظرها إلى أن هذه المشاعر التي في قلبها تجاه هذا الرجل هي مشاعر الإعجاب والانبهار والتقدير، وهي في بعض الحالات تختلط على صاحبها؛ فيظن أنها مشاعر حب، والحب لا يكون إلا متبادلا بين طرفين، ولا يكون إلا واضح الأبعاد، محدد الملامح والهدف، لا تنفصل فيه الرومانسية بروعتها وأحاسيسها عن الواقعية بظروفها وأحكامها، ولكن عند البعض - وفي مثل أعماركما - فإن البحث عن مثال أو قدوة، والتنقيب عن قضية للنضال، وروح التحدي والتمرد، والنزعة الرسالية الاستشهادية، وكل هذه من المكونات النفسية للشباب تحت العشرين، فتكون هذه الطاقة الخام - إضافة إلى تأجج الشهوة الجنسية - بمثابة مقدمات إلى هذا الخلط والتشويش، ولا علاج له إلا الصبر، والنضج العقلي الحقيقي، الذي لا يكون إلا باتساع الخبرات، وتراكم التجارب، ولا يمكن تحصيله في أيام أو أسابيع، ولا تدل عليه فصاحة لسان، وإنما رجاحة عقل وسلامة تصرفات.
أختي، لا صديقتك يمكن وصفها بالعقلانية، وليس ما في قلبها تجاه هذا الرجل هو الحب الناضج المتوازن، الذي يمكن أن ينبني عليه قرار بالارتباط السليم المستقر.
الأمر لا يعدو مجرد اندفاعة طارئة، تتراكم فيها عوامل نفسية واجتماعية، وفي لحظة ساخنة قد يقرر الإنسان القيام بعملية تفجير انتحارية، وقد يقوم بها إن لم يكبح جماح غريزة الدمار البدائية الموجودة بداخله، أو يستثمر الطاقات المتصاعدة في ذهنه ونفسه وجسده، وإذا لم يجد حوله من يفيقه، ويخرجه من الوهم الذي يسيطر عليه، فحتمًا سيكون من الخاسرين.
استعيني بالله، ولا تعجزي، وكوني إلى جوار صديقتك مهما حدث، ولا تفرطي في استخدام العنف معها، ولا تتساهلي في الانفراد باللين أسلوبًا لمعاملتها، ولكن كوني حكيمة باستخدام الأسلوب المناسب في الموقف المناسب؛ حتى تمر عاصفة مراهقة صديقتك بسلام
ــــــــــــــــــــ(41/414)
عن الحب والإعجاب: المعاني في الأغاني
مع الجنس الآخر
السلام عليكم، أنا فتاة في السادسة عشرة من عمري، أحببت ابن عمي حبا جمًّا، ولكن الحب كان من طرف واحد، فهو لم يُظهر لي أي مشاعر، وأنا أيضا كان حبه في قلبي ولم أذكر له أي مشاعر، علم أهلي بحبي له؛ ونصحوني بترك هذا الحب؛ لأنه لن يدوم.. ووعدتهم بأنني سوف أترك هذا الحب؛ وتركته مدة ثم عدت إليه، لا أدري لماذا؟.
وفي يوم من الأيام كلّفت إحدى صديقاتي بالاتصال على ابن عمي بدون أن يعرف من هي أو ما اسمها أو من أرسلها وأعطاها الرقم، وفعلا اتصلت به صديقتي وكلّمها هو بكل صراحة ولم يكذب عليها بأي شيء، وقال لها اسمه، وكل شيء عنه، وهو لا يعرف من هي.
ثم سألته إن كان يعرف أو يكلم البنات؟ فأجابها بأنه لا يكلم أحدا سواها، وأنه كلمها لأنه ارتاح لصوتها جدًّا، وقد سألته هي: هل في قلبك أحد من الفتيات؟ فأجابها بأنه لا أحد في قلبه مطلقا، فقالت له هي بأن هناك فتيات حولك معجبات بك جدا فانتبه لهن، وأغلقت الهاتف وانتهت العلاقة تماما؛ فهل تصرفي هذا صحيح؟ أم أنني أخطأت عندما أعطيت رقم هاتفه لصديقتي؟ مع العلم أنني متأكدة تماما من صدق وأمانة صديقتي، وأرجو أن تنصحوني ماذا أفعل في حبه الموجود في قلبي؟؟ كيف أنتهي منه؟ وشكرا لكم.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أختي السائلة، الخلط بين الحب والإعجاب شائع في مثل سنك والفتاة تحت العشرين تتفتح مشاعرها، وتميل عواطفها طبيعيا إلى الجنس الآخر، وحين تفور هذه العواطف قد تتوجه بها إلى أقرب شخص في الدائرة التي تتحرك فيها حين تلتمس فيه بعض الصفات الحميدة، وقد يكون هذا الشخص المعلم في المدرسة، أو قريبا في العائلة أو ابن الجيران. .. إلخ.
وهي غالبا تندفع غير عابئة بما قد يكون في هذا الشخص من نواح سلبية، أو لا تجعله الشخص الأنسب ليكون الطرف الآخر في علاقة لها معنى وهدف
، ومساحة الأحلام والخيال تكون أضعاف مساحة الواقع في مثل هذه العاطفة التي تكون غالبا من طرف واحد كما تصفين، والحب لا يكون إلا بين طرفين، ولكنه خلط التسميات والألفاظ، وفوضى المعاني التي زرعتها الأغاني والمسلسلات، وصفحتنا تمتلئ بأمثلة من تساؤلات واسعة، وتفاصيل دقيقة، ومحاولات عميقة في التعرض بالتحليل لمسائل العواطف في هذه المرحلة من العمر، وأرجو أن تراجعيها ففيها الكثير من الفائدة.
نعود لقصتك؛ فأنت لم تذكري كم هو عمر ابن عمك، فإن كان في مثل عمرك فما هي جدوى إخباره بمشاعرك نحوه، هل هو قادر على الارتباط بك حاليا؟.
وإذا لم يكن قادرا، فما هو الهدف من أن يعرف أنك معجبة به؟ وإذا عرف فما هي الحدود التي تتصورينها للعلاقة بينكما، تبادل الرسائل مثلا أم العناق والقبلات أم ماذا؟.
إن الشاب الشرقي يحب غالبا أن يكون هو صاحب المبادرة في البحث والتعرف على الفتاة التي يريد تبادل العواطف معها والارتباط بها، وسعيك إليه سيقلل من قيمتك في تقديره، وخاصة إذا كان في مثل مرحلتك العمرية.
لقد حاولت أنت التأكد من مشاعره نحوك عبر صديقتك، والنتيجة التي وصلت إليها لا تنفي ولا تؤكد شيئا، ولكنها فقط تعني أن ابن عمك مستعد للتجاوب مع فتاة تعاكسه بالهاتف، ولو لمجرد معرفة ما وراءها، ومن أين وصلت لرقم هاتفه، فما هي جدوى هذا التصرف الذي قمت به؟ وهل حصلت على نتيجة من ورائه؟.
أختي، إذا كنت معجبة بابن عمك حقا، فأنصحك بأمرين:
الأول: ألا تحاولي الاتصال به بأية صورة مباشرة أو غير مباشرة، وأن تنصرفي تماما إلى تحصيل دروسك وزيادة معارفك وتوسيع مداركك، فإن أكثر ما يلفت نظر الشاب إلى الفتاة بعد الشكل مقدار تفوقها، وتميز ثقافتها، ورجاحة عقلها.. هذا إذا كان سيفكر بالارتباط بها، فأين أنت من التفوق الدراسي، والاتساع الثقافي؟.
والأمر الثاني: أن تتفحصي هذه المشاعر جيدا، وتتأملي في ظروف ابن عمك جيدا، فقد لا يكون الشخص الأصلح للارتباط بك.. أنضجي هذه المشاعر بعد وضعها على المحك العقلي، وحكمك على الأمور سيختلف مع تطور شخصيتك فإن بقي هو الأفضل في نظرك بعد نضجك يكون لنا عندها كلام آخر.
ويمكنك الإطلاع على مشاكل سابقة حول هذا الموضوع منها:
الحب الأول.. هكذا تكون الصدمات
بين الميل والحب.. فرق كبير
صغيرة على الحب.. وأخونا يتساءل
الحب الأول: النضج لازم أو التأجي
ــــــــــــــــــــ(41/415)
تحت العشرين وحيدة وجادة.. وأفكر بالأولاد
مع الجنس الآخر
أنا فتاة في التاسعة عشرة من عمري، طالبة في الجامعة أعاني من الوحدة بالرغم من وجود الفتيات معي في سكن الجامعة، أحس بأنني مختلفة عن الآخرين لا أدري لماذا؟
كثيرا ما يقال لي بأنني هادئة جادة، في كل تصرفاتي أحاول دائما أن أكون مرحة وخفيفة الدم كما يقولون، ولكنني أجد صعوبة في ذلك، وبسبب عدم وجود من يفهمني فإنني أكره الوحدة حتى وإن كان لدي امتحان فإني أحاول تضييع الوقت بمشاهدة التلفاز أو الاتصال الأهل، لا أدري ماذا أفعل؛ فأنا خائفة على مستواي الدراسي.
وبسبب وجود الأولاد معنا في الجامعة أصبحت أهتم بهم كثيرا، وأقول لو أنني كنت ولدا لكنت منفتحة أكثر، مع العلم أنني وحيدة بين خمسة أبناء، ولكن لا يوجد في العائلة من هو منطو مثلي....
وبالنسبة لموضوع الأولاد أنا كثيرة التفكير بفلان وعلان، ولكنني لم أجرؤ في حياتي على مخاطبة ولد، أرجو منكم تفسير حالتي، وما هو الحل المناسب؟ وأخيرا أشكركم جزيل الشكر على جهودكم العظيمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت المرسلة، بعد التحية، إن الحياة الجامعية تختلف كثيرا عن حياة المدرسة؛ فهي تطلب نوعا من الانفتاح وتكوين العلاقات، من أجل ذلك فإن هناك بعض التوصيات التي يجب أن تأخذيها بعين الاعتبار لتستفيدي من الحرية النسبية لهذه المرحلة.
أولا: إن هناك فرقا بين الزمالة والصداقة، فالزمالة تكون مع جميع الناس، وهي تعني التعارف والمعاملة الطيبة وتبادل المصالح بإفادة الآخرين والاستفادة منهم. أما الصداقة فيفضل أن تكون مع من يماثلونك في الطباع والسلوك والأخلاق، وطريقة التفكير؛ فالسعي إلى تكوين صداقات مع أناس يخالفونك في هذه الأمور يُحدث نوعا من الفجوة يسعى الإنسان إلى إلغائها عن طريق محاكاتهم وتقليدهم، وهذا يسبب نوعا من الحرج فلا الإنسان يستطيع تقليد الآخرين طوال عمره، وفي الوقت نفسه لا يحتفظ بشخصيته التي وهبها الله له.
ثانيا: هناك فارق بين السعي إلى اكتساب الصفات الطيبة الموجودة عند الآخرين، وبين السعي إلى التغيير من سلوك الإنسان الظاهري بموافقة من حوله، فالأولى محمودة والثانية مذمومة، وقديما كانت الحكمة تقول: أنت نسيج وحدك، وكن أنت ولا تكن غيرك، فإنك إن بحثت في التاريخ كله فلن تجد شبيها لك فلماذا تظلم نفسك وتقضي على هذا التميز، وتسعى إلى تقليد الآخرين؟
فعلاج هذه النقطة من الشعور بالوحدة أن تبدئي بالتعرف على من يماثلونك في الأخلاق والطبائع، فهن الدائرة الأقرب، وأن تتعرفي على الباقيات وتدربي نفسك تدريجيا على ذلك، وشيئا فشيئا ستتسع الدائرة.. دائرة الصداقة.
أما الزمالة فتكون مع الجميع كما ذكرنا، ويجب أن تراعي فيها عدم تقليد الآخرين، والفصل بين الحلال والحرام، والمدن السكنية الجامعية مشهورة بأنها مكان لتعارف الناس، واختلاطهم، وتكوين صداقات تستمر فترة طويلة من الزمن شريطة أن يختار الإنسان من يصاحب، ويرى الطيب والخبيث ويتعلم التمييز.
أما عن مسألة التفكير في الأولاد فهو أمر غريزي وفطري، خاصة في مرحلة الشباب، حتى إن بعض علماء النفس يعتبر التفكير في هذه المسألة نوعًا من الوسواس الطبيعي الذي لا يفارق الإنسان خاصة عند الشباب الأعزب.
وينبغي في هذه النقطة البحث عن اهتمامات حقيقية والاشتراك في الأنشطة المختلفة النافعة، وهي سمة من سمات الحياة الجامعية، وهذه الأنشطة لها فائدة كبيرة في استثمار الطاقة وصقل الشخصية وانضباطها وتفعيل أوقات الفراغ، وإبعاد أشباح الوحدة، وجلب أبواب المتعة النافعة؛ إذا راعت هذه الأنشطة الضوابط الشرعية.
ولنا إجابات سابقة كثيرة على أسئلة وصلتنا من حالات مثلك، نرجو أن تراجعيها لتكتمل الفائدة، ومن أمثلتها:
صفحتنا: الكلمات والمعاني: الجنس والدين الفراغ
د.إيهاب خليفة
فريق الحلول
ــــــــــــــــــــ(41/416)
المراهقة والمبالغة
مع الأهل
الإخوة الأفاضل، أنا مدرسة واجهت إحدى طالباتي مشكلة صعبة، فنصحني بعض الإخوة بعرضها على حضراتكم، فاسمحوا لي أن أعرضها عليكم بلسان صاحبة المشكلة:
أنا واحدة من بين سبعة من الإخوة، فقدتُ أمي منذ خمسة عشر عاما، وكان عمري حينئذ عامًا واحدًا، وكان أكبر إخوتي عمره ثلاثة عشر عامًا، وقد كبرتُ وكبر في نفسي ذلك الفراغ الهائل الذي يتركه فقد الأم في نفوس أبنائها، كان أهلي يقولون بأنها ماتت، ولكن كان هناك شعور خفي يراودني بأنها ربما ما تزال على قيد الحياة، ولم أفكر في حياتي أن أسأل أبي عنها؛ لأنني أخشى أن يكون الجواب مؤلمًا.
وقبل عام من اليوم جمعتني الصدفة بفتاة علمت من خلال الحديث معها أنها ابنة خالي؛ حيث إنني لم أكن أعلم شيئا عن أقارب أمي، وكم صُعقت حين علمت من ابنة خالي أنَّ أمي ما تزال على قيد الحياة، وأنها تعيش في مكان ما مع زوج آخر كانت قد تركت زوجها الأول - أي أبي - وأبناءها السبعة للعيش معه، رغم أن علاقتها بوالدي - كما علمت مؤخرًا- لم تكن سيئة يوما قبل تركها إياه.
لقد كان هذا الخبر فاجعة جديدة لقلبي المحطم، وشعرت أنني أكرهها كرهًا شديدًا، ورغم ذلك أشعر أنني بحاجة إلى رؤيتها والتعرف إلى تلك الأم التي تركت أبناءها يُعانون اليتم وهي على قيد الحياة، وأنا أعلم أن الشعور ذاته يشغل بال إخوتي جميعًا، ولكن لا يجد أحد منا الجرأة في نفسه بمناقشة هذه المأساة مع إخوته.
ومما يجدر ذكره أن أخي الأكبر قد تعرف إلى أمه حديثاً، وهو يذهب لزيارتها بشكل مستمر، ولكن أخي هذا لا نراه إلا في العيدين فقط، فهو يعمل في مكان بعيد عنا قريب من أمنا المجهولة. أما عن أبي فقد تزوج امرأة أخرى تكاد تكون نفسها مقفرة من معاني الرحمة والشفقة، فقد قست على طفولتنا وأضافت إلى يتمنا انكساراً وهوانا.
وبعد أيها السادة الكرام، أود رؤية أمي كيفما كانت، وأنا مصممة على البحث عنها ومعرفة هذه الأم التي تناست أبناءها، وتجاهلت حاجتهم الماسة إليها، وأن قلوبهم تحترق شوقا لمحبتها وحنانها، وأقسم أنها لا تغيب لحظة عن فكري، وكم كنت في بعض الأوقات أتمنى نسيانها ولا أستطيعه. فكيف أتصرف في ذلك كله؟!.
واسمحوا لي وإن أطلت عليكم أن أسمعكم بعض أبيات كتبها أخي الأكبر منها:
كسرت قلبي فمن يجبره إن تكن أمي التي تكسره
مالها يغشى محيَّاها العبوس كسماء أفلت منها الشموس
بسمة منها على ليل النحوس كانت الفجر الذي أنشده
كسرته فأصابت قلبها وتلهت تتناسى حبها
ليت شعري حين تلقى ربها مثل هذا الذنب هل يغفره؟
إن أهلي قلتُ للآسي الكريم لا تسل عنهم فما فيهم رحيم
إن لي أماً وبي جرح اليتيم
أي جرحٍ بعدها أحذره كسرت قلبي فمن يجبره؟
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت المدرسة الفاضلة، نحن سنتحدث إليك لأن صاحبة المشكلة قد عرضتها عليك، وهذا يدل على ثقة بك، نود أن تنتهزيها في إخراجها من هذا الجو الكئيب الذي تعيش فيه بدون داع.. حيث تميل المراهقة في هذه السن إلى نوع من المبالغة في التعبير عن مشاعرها، وعما تتعرض له من مواقف وأحداث، نعم هو حدث كبير في حياة هذه الفتاة أن تكتشف أن أمها ما زالت حية، وأنها تخلت عنهم في الصغر بسبب الارتباط بشخص آخر..
ولكن يجب أن ننقلها بسرعة إلى استيعاب الموقف والتعامل مع الواقع؛ فهذه الأم كانت بالنسبة لهم ميتة طوال الفترة الماضية، والأمر لم يختلف كثيرا، فالأم التي تتخلى عن أولادها، ولا تسأل عنهم طوال الفترة الماضية هي في حكم الميتة لا يوجد اختلاف كبير.
أما المبالغة في الحديث عن البحث عن الأم والتعرف عليها فهو كلام متناقض؛ لأنها بعد قليل تعلن في رسالتها أن أخاها الأكبر يعرف مكان أمها بل ويزورها.. إذن فلا داعي للبحث والحديث عن المجهود من أجل ذلك، فمكان الأم معروف، وإذا شاءت أن تذهب لزيارتها مثلما يفعل الأخ الكبير فليس أمامها غير أن تطلب من أخيها الكبير أن يستأذن الأم في هذه الزيارة، وأن تستأذن والدها أيضا في ذلك.
وتقوم بهذه الزيارة، ولا تتوقع أشياء كثيرة تترتب على ذلك؛ لأن الزمن قد مرّ والظروف قد تغيّرت، ولا يمكن العودة للوراء، وإن كل ما سيتم في الزيارة هو أن تشبع رغبتها في رؤية الأم، ولكن الوضع لن يتغير كثيرًا؛ لأن هذه الأم لن تستطيع أن تقدم لها أي شيء إضافي.
ما نريد قوله: إنك يجب أن تأخذ بيد هذه الفتاة إلى التعامل مع الواقع بيسر وبدون مبالغة في ردود الفعل العاطفية وبدون شعر أو رثاء أو بكاء على الأطلال؛ حتى تستطيع أن تستمر في حياتها بصورة طبيعية، ولتنجح في أول اختبار لها في الحياة، ولتعلم أن الحياة ستستمر بإرادتها القوية في أن تنجح وتعيش حياة ناجحة.
ــــــــــــــــــــ(41/417)
أعراض الوحدة في غياب الأهل بالخارج
مع الأهل, هموم الدراسة, الاغتراب والهوية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا طالب في الفرقة الأولى في الجامعة، وأنا هنا أعيش مع بعض أهلي، وأسرتي تعيش في الخارج في إحدى الدول العربية، وأنا في الحقيقة متفوق وذو مواهب عدة، ومن أول حياتي لم أتنازل عن المركز الأول على مستوى المنطقة.
ولكن بعد جلوسي وحدي -وهذه تعتبر السنة الثانية لي- أحس كأنما صدري يضيق، ولا أحتمل حتى أن أجلس على المكتب مثل سابق عهدي، وأحس بأن حولي مشاكل عدة، مع أن أهلي يهتمون بي، وفي بعض اللحظات لا أركز في المذاكرة كما كنت، وأصبحت أنام كثيرا ولا أرغب في الكلام مع أحد، وأصبحت سريع الغضب، عموما حالي صار صعبا بعض الشيء.
وأريد أن أسأل حضراتكم عن: هل عدم وجود أسرتي قد يؤثر عليَّ هذا التأثير البالغ؟ مع أنني لست حزينا على أنهم تركوني بل هم يسعون ويتعبون من أجلي أيضا، ولكن هل من الممكن أن أتغلب على هذه الحالة، وأستعيد مستواي العالي، وأحقق طموحاتي بأن أكون الأول كما رتبت لنفسي؟
وشكرًا.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ المرسل بعد التحية، عيش الإنسان بمفرده بعيدًا عن أسرته له تأثير كبير عليه، خاصة في مرحلة الشباب، وتأثيره يزداد حين لا يكون الإنسان متعودًا على ذلك، إذ إن الأسرة من أب وأم وأشقاء يمثلون حاجزًا نفسيًا ومعنويًا أكثر منه ماديًا للشباب عن الانزلاق في الأخطاء، والتفريط في أداء الواجبات، ومستوى الأبناء الدراسي، ودرجة التزامهم تتأثر بغياب الأب، فما بالك وأفراد الأسرة جميعهم غائبون!!.
من أجل ذلك كانت مشكلة سفر الأهل وبُعدهم عن أبنائهم هي مشكلة الكثير من الشباب - عندنا - الذين لم يتعودوا أن يعيشوا بمفردهم مع أخطر صاحب ألا وهو النفس، وتتفاقم الآثار في المرحلة الانتقالية بين المراهقة والشباب بما تعنيه هذه المرحلة من تغيرات في أسلوب الدراسة، والأجواء الاجتماعية التي يتعاملون معها في الجامعة وغيرها.
وسبب ذلك الأوضاع الخاطئة، وضيق العيش الذي تدفع بأحد الأبوين أو كليهما للسفر بعيدًا عن الأبناء سعيًا في طلب الرزق، وعلاج هذه الحالة في المرسل يكون بأحد أمرين:
أولاً: أن يتحدد مدى احتياج أسرتك للسفر، فإن لم يكن هناك داع كبير لذلك فلا بأس من أن تحادثهم بخطر هذه الوحدة وأثرها السيئ عليك.
أما إن لم يكن هناك مفر من سفر الأهل، فعليك أن تتفاوض مع أسرتك على أن يبقى أحدهما بجانبك: الأم غالبًا.
ثانيًا: إن لم تتيسر هذه النقطة أيضاً، فعليك بالخروج من حيز هذه الوحدة بالسعي إلى التعرف على بعض الأصحاب ذوي الأخلاق الفاضلة والمتفوقين دراسيًا، وأن تدعوهم باستمرار للاستذكار والنزهة معك، فهذا علاج هام وفعال لهذه المشكلة.
وأعرف - من خلال تجاربي - شبابًا كثيرين كانت هذه الوحدة، ومن ثم هذه الصحبة نقطة تحول في حياتهم، وأصبحت لهذه الصحبة فائدة عظيمة بعد أن كانت الوحدة نقطة ضعف كبيرة عندهم، فهذا شاب كان يعيش في الغربة، وتعرف على بعض الأفراد الصالحين وازدادت قوة الصداقة شيئًا فشيئًا بدعوتهم للاستذكار حتى أقام أحدهم معه لمدة ستة أشهر كاملة تعلم فيها الشاب الوحيدة الكثير من الأخلاق والفضائل من هذا الصديق الصالح، واستذكر الكثير من الدروس، وتدرب على الاعتماد على نفسه.
إذن فعلاج هذه الوحدة حتى تعود هذه الأسرة على الأقل هو الأخوة والصحبة الصالحة التي توفر لك البيئة الصالحة للاستذكار، وتعينك على شئونك، وتبعدك عن طرق السوء والصحبة الفاسدة التي يكون أمثالك صيدًا سهلاً بالنسبة لمجموعات المنحرفين والمدمنين، ولا تنس "أن الشيطان هو ذئب الإنسان" كما ذكر في الأثر، وهذا يعني أنه كلما وجده بمفرده التهمه.
نرجو أن تهتم بالتدقيق في اختيار هذه الصحبة، وتتدرج في الاعتماد على نفسك لتكوين شخصيتك، وإدارة حياتك وتتشاور مع الأسرة في العطلة القادمة للوصول إلى الترتيب الملائم لظروف الجميع، وأنت أدرى بنفسك وظروفك واحتياجاتك النفسية والعاطفية فلا تكتمها، ولا تتجاهلها، ودق لهم ناقوس الخطر عندما تدعو الأمور إلى ذلك.
وأخيراً ، ننصحك بمراجعة مشاكل سابقة لنا شبيهة منها :
حديث النفس في الغربة
الأعزب في الغربة.. الحرام متاح
المذاكرة بين وجود الرغبة وغياب الإدارة
د - أيهاب خليفة
فريق الحلول
ــــــــــــــــــــ(41/418)
تحت العشرين : سلامة القصد لا تحمي الغافلين
مع المجتمع
أذهب لآخذ درسًا عند معلمة مع مجموعة من الطالبات، وتسمح المعلمة لهن باستخدام الهاتف؛ لغرض طلب الوالد مثلا عند انتهاء الحصة؛ ليأتي أو ما شابه ذلك..
لكنني رأيت بعضهن يستخدمنه لمكالمات دولية، طبعًا بدون علم المعلمة، أو مكالمات داخلية محظورة شرعًا، وهن لا يستمعن لنصيحتي أبدًا، ولا يتقبلن مني كلامًا...
أنا في حيرة من أمري، هل أُبلغ المعلمة أم أسكت؟.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أختي المرسلة ، أحمد فيك إيجابيتك وإحساسك بالمسئولية والأمانة، عليك أن تنصحي زميلاتك وأحسني النصيحة بلطف وحرص عليهن لا بتأنيب أو لوم، فإن لم يقبلن النصيحة، فهدديهن بأنك ستخبرين المعلمة، فإن لم يستجبن فلا حرج عليك فقومي بإخبار المدرسة، ولها حرية التصرف معهن كيف تشاء، ولا تخشي في الحق لومة لائم، واستعيني بالله ولا تعجزي، ولا تنسي التذكير والتحذير أولاً...
وغريب أن المعلمة لا تلاحظ ضخامة مبلغ الفاتورة من المكالمات الدولية!! ونقترح عليك أن تسيري في خط مزدوج يجمع بين حسن التذكير والتحذير للزميلات، وسؤال مبدئي للمعلمة من طرفك: هل يمكن إجراء مكالمات دولية؟! أي هل تسمح هي بهذا؟!
وسؤال آخر: هل يمكن إجراء مكالمة مع بعض الصديقات؟! وهل ترضين أيضًا بمحادثة الشباب؟!.
نخشى أن المعلمة يمكن أن تكون موافقة مبدئية على هذا الأمر، وبالتالي تتغاضى عما تقوم زميلاتك به، أو أن تكون من النوع الساذج الغافل، وفي كل الأحوال عليك بالحذر من كيد البنات، فقد تجدين نفسك أنت ضحية مؤامرة جماعية منهن عند المعلمة، وربما في المدرسة بسبب كشفك لأفعالهن، فيتهمنك بالباطل أنك أنت التي لديك علاقات بشباب!!.
فاحذري؛ لأنك في مجتمع يغلب عليه التناقض بين مظاهره وحقيقته، والمناخ العام فيه منغلق وملغوم ومشحون بآثار كثيرة ومسببات متنوعة لأمراض نفسية واجتماعية طاحنة، ونخشى أن تنفجر فيك كل هذه الألغام، رغم أنك تتصرفين ببراءة وحسن نية، وتقصدين إلى الخير والحق أولاً وأخيرًا، ولكن كل هذا إذا لم يقترن بالحكمة والحذر والتدبير فقد يمكن أن يسوق صاحبه إلى المهالك .
والله معك
د - أحمد عبد الله
أ - سمر عبده
فريق الحلول
ــــــــــــــــــــ(41/419)
ونحن نسألك : هل كل الرجال أشرار ؟
مع الجنس الآخر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشكلتي تتلخص في كرهي للجنس الآخر، وأشعر أن طباع الجنس الآخر كلها خيانة وغدر ، وأن نظرته للفتاة نظرة متوقفة على جمال الشكل والجسم فقط.
وأنا دائمًا أسمع قصصًا من فتيات دمرت حياتهن؛ لأنهن أحببن وبقين على وفاء دائم لهذا الحب، وبالمقابل أسمع قصص الشباب المليئة بالمغامرات التي لا تنتهي، ويكون الموضوع بأكمله تسلية وإضاعة وقت.
لا يعني هذا أنني عانيت من أحدهم، فأبي والحمد لله يفخر بي أمام الجميع وليست لي أية تجربة سابقة، ولكنني أخاف مما سيأتي حتى إنني أمنع أمي من مجرد استقبال الخُطّاب؛ لأنني لا أجد أي شاب يستحق بأن أعيش له معه..
ولولا نظرة المجتمع لأقسمت ألا أتزوج أبدًا، ومنذ فترة علمت بأن أحد الشباب يكنّ حبا لي، ولكنني أكرههم جميعا، وأخاف أن أنتقم من الجميع به. والسلام
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت السائلة، إنه داء التعميم والمبالغة الذي الذي يصل بالإنسان إلى نتائج غير صحيحة ، لا بد وأن هناك شبابا لا ينظرون للفتاة إلا من خلال جسدها، ولا بد أن هناك شبابا قد خانوا حبيباتهم أو غدروا بعهودهم، ولا بد وأن هناك شبابا يتسلون ويغامرون بعلاقاتهم بالفتيات، ولكن ... هل معنى ذلك أن كل الشباب كذلك ؟
ألا توجد فتيات لا ينظرن للشباب إلا من خلال أناقتهم أو أشكالهم وألا توجد فتيات لم تحفظ العهد وأيضا يتسلين بعلاقاتهن بالشبان، فهل كل الفتيات كذلك ؟ ...
إذن فالتعميم آفة خطيرة إذا أصيب بها الإنسان وهو يقيّم الأمور ويحكم على الأشياء، ويكوّن وجهة نظرة في الحياة، خاصة وهو في مقتبل حياته في مثل سنك، حيث يكون في بداية تعرفه على الدنيا وما يجري فيها، فإذا اكتفى بسماع بعض القصص أو بعض الآراء ولم يضعها في حجمها الطبيعي بل قام بالتعميم، ثم إذا أضاف إلى ذلك المبالغة في رد الفعل فيما يصل إليه من أحكام.. فإن الصورة الناتجة تكون صورة مشوهة تماما بعيدة عن الواقع، بدليل أنك تتناقضين مع نفسك في رسالتك حيث تعلنين اعتزازك وفخرك بوالدك، أليس أبوك جنسا آخر ؟ ألم يكن شابا في يوم من الأيام ؟ ألم تثق به والدتك وكان عند حسن ظنها ولم يخن عهدها؟ ولم يتغير حبه لها مع مرور السنين وتغير شكلها وجمالها.
أليس خالك وعمك و..، في مثل أخلاق والدك؟ أليس آباء أصدقائك مثل والدك؟ أليست كل هذه البيوت السعيدة المقامة أو التي تنشأ كل يوم هي قائمة على شباب وشابات يعرفون معنى الحب الحقيقي والارتباط الشرعي والحياة الزوجية وقدسيتها؟ لماذا لا ننظر إلى كل هذه العلاقات الناجحة والزيجات المتواصلة وننظر إلى بعض القصص التي لو أمعنا النظر فيها لرأينا أنها نتيجة لخطأ من الطرفين.
فإن هذا الشاب العابث لم يشجعه على عبثه إلا فتاة مستهترة أعطته الفرصة أن يمارس عبثه معها، فتاة لا تعرف الحدود في العلاقة بين الفتى والفتاة، ولم تحدد هدفها لهذه العلاقة، بل لم تحدد متى وأين وكيف ولمن تعطي عواطفها، وهكذا أيضا الفتاة العابثة إنما شجعها شاب يريد أن يتسلى.. وهكذا. والفتاة الخاوية من شيء تفتخر به في عقلها أو علمها هي التي تظهر مفاتنها، وتعطي الفرصة لشباب أيضا خالي العقل والذهن ألا يرى في الفتاة إلا جسدها.
ولكن استمرار الحياة دلالة على وجود العدد الأكبر والنسبة الأهم من الفتيان والفتيات الذين يضعون كل شيء في مكانه، ويقدرون متى يعطون عاطفتهم ولمن، وما هي الخطوات التالية لذلك.
لا مكان للانتقام أو الكراهية، فإن الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها جعلت هناك انجذابا بين الجنسين؛ بشرط أن نضعه في إطاره الشرعي الصحيح بدون إفراط أو تفريط، إفراط يخيف كل طرف من الآخر بحيث يقع في روع كل فتاة أن كل شاب هو شيطان ماكر يريد أن يغتصبها أو تفريط يؤدي إلى علاقات مفتوحة بغير حدود أو ضوابط..
وقد أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث شريف "الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة)، ويبشرنا أنه طالما أنك خيرة وتحبين الخير؛ فلا بد وأن هناك أمثالك الكثير أيضا خيرين ويحبون الخير، لأن الخير لن ينقطع أبدا، وسيرزقك الله بمن يعيد لك ثقتك، وترين فيه الصورة التي تحلمين بها بإذن الله.
ــــــــــــــــــــ(41/420)
بعيدًا عن المزعجين : علاقة غامضة
مع المجتمع
بسم الله الرحمن الرحيم، أرجو أن تهتموا برسالتي، وأن تردوا عليها بشكل جدي، أنا في الثانوية العامة، ومعدلي التراكمي جيد جدا ، تعرفت على رجلين معي في الصف معدلاتهما هابطة تقريبًا.. حاولت أن أبتعد عنهما، ولكني لم أستطع ذلك؛ حيث إني قد تعرفت عليهما في السنة الأولى من الدراسة، ولو صاحبت غيرهما، اغتابني.
وبعد ذلك تعرفت على صديق لي قريب مني؛ حتى حلمت به الليالي من حبي له الصادق والنظيف أيضًا، وحينها يا إخواني لم أستطع أن أكلمه بسبب الحياء الكبير الذي في داخلي وداخله أيضًا؛ حيث يكون الكلام بيننا بالعين وليس باللسان.
ولم تمر أيام قليلة إلا وقد سمعت بأن صديقي القدامي يغتابني أنا وصديقي الجديد، ومن ضمن الكلام الذي يقولونه: إنه تخلى عن صداقتنا القديمة والعريقة وذهب إلى هذا الرجل الجديد الذي خطف روحه وجسده مرة واحدة.
إخواني، بصراحة لا يوجد لدي حل لهذه القضية، ما الحل يا إخواني الأعزاء؟ أريد بعض الأشياء التي تجعلني أستطيع أن أتقارب معه؛ لنصبح متحابين بعيدين عن هذين الصديقين المزعجين.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ السائل، الحقيقة نحن لم نفهم ماذا تعنى برغبتك في أن تصبحا اثنين متحابين ... ولم نفهم معنى أن تحلم الليالي بالحب الصادق النظيف ، لأن هذه اللغة التي تعبر بها عن حبك لهذا الرجل لا تستخدم في عالم الصداقة بين الرجال، ولكنها تستخدم في عالم الحب بين الرجال والنساء؛ لأن صداقة الرجل للرجل هي الأمر الطبيعي المفهوم في عالم العلاقات.
وهي صداقة قائمة أيضًا على الحب، ولكنه حب من نوع مختلف قائم على توافق الطباع وعلى احترام الأفكار والتصرفات ولا علاقة له بالأحلام، ولا يعبر عنه إلا من خلال كلمات مثل الصداقة والتفاهم وليس الحب والأحلام.
وهو فارق كبير يجب أن تستوعبه وتفهمه؛ لأن هذه السن تحتاج إلى التحديد والفهم للعلاقات بين البشر حتى لا تضع علاقة مكان أخرى أو مشاعر في غير موضعها الصحيح؛ لأنه يترتب على ذلك أوضاع غير صحيحة قد تؤدي إلى نتائج لا يدركها الفرد، وهذا قد ظهر من كلام الرجلين الآخرين عنك وعن علاقتك بهذا الرجل؛ حيث إن تلميحهما له مغزى ومعنى.
يجب أن تفهم أن تصرفاتك وعدم فهمك لطبيعة العلاقة بين الرجل والرجل قد تكون سببًا فيما قالاه، فليست المسألة أنهما صديقان مزعجان.. ولكن المسألة أن تستفيد من نقد الآخرين لك حتى لو كانوا أعداءك، فلا بد وأنه في تصرفاتك ما دعاهما لهذا القول الخطير في حقك، وهو ما يستدعي منك أن تراجع نفسك وفهمك لعواطفك وعلاقتك بالآخرين خاصة الرجال.
ما تحتاجه ليس وسيلة للتقرب إلى هذا الرجل بل وسيلة حتى تضبط عواطفك وتفهم أن الصداقة بين الرجال ليس فيها هذا النوع من الحب والهيام والأحلام؛ لأنه يمكن أن يترتب عليه علاقة غير سوية ومرضية.
ولا ندري هل تعني بالرجل أو الرجال زملاءك في مثل سنك، وهذا ما حملنا عليه الرسالة، أم تقصد أنهم رجال يكبرونك في السن.. وهنا سيصبح الأمر أكثر إثارة للتساؤل والاستغراب، للرجال طبيعتهم فلا تنحرف عنها حتى لا تقع في المشاكل.
ويمكنك مراجعة مشكلة كبيرة الشبة بمشكلتك وهي بعنوان
تحذير للجنسين : الالتصاق الأعمى يقتل أحيانًا
وأهلا بك دائماً...
ــــــــــــــــــــ(41/421)
وحيدة في سجن الأهل : السلطة والقرار
مع الأهل
قد تكون مشكلتي بالنسبة لكم هينة، ولكنها تسبب لي القلق والكآبة والتشتت في التفكير، والسبب سلطة أهلي عليَّ ....
فأنا أصغر واحدة من 6 بنات، فأنا دائمة محاسبة على الخروج من البيت، وليس لي حرية اتخاذ القرار، وأرى نفسي وحيدة، كان لدى أصدقاء كرهتهم بسبب تحكم أهلي في..
لقد سئمت من هذا الوضع، وكأني مراهقة.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... إن سلطة الأهل كسلطة في حد ذاتها ليست أمرًا مرفوضًا ، فطالما أنك تعيشين في بيت أهلك فلا بد وأن يكون هناك سلطة، وأن يكون هناك نظام لا بد من اتباعه.. فحتى لو كبرنا وأصبحنا شبابًا ومسئولين عن تصرفاتنا فإن الخروج من البيت والعودة إليه لا بد أن يكون تبعا لنظام متفق عليه يراعي الظروف المشتركة لأهل البيت...
وإذا كان هناك قرار.. فلا بد وأن أراعي عند اتخاذه آراء الآخرين خاصة أهلي؛ لأنهم سيتحملون جزءاً من نتائج هذا القرار.
إن الحرية ليست أمرًا مطلقًا لا حدود له، بل العكس هو الصحيح.. إن الحرية في جوهرها مسئولية.. إن الذي يمتلك حريته هو القادر على تحمل مسئولية تصرفاته وقراراته.
إن إحساسك بوطأة سلطة الأهل يبدو أن له أسبابًا أخرى لم توضيحها في رسالتك، ولكن ظهرت لها بعض الدلالات، فسأمك من أصدقائك لا علاقة له بسلطة الأهل؛ فيبدو أنك تمرين بظروف اجتماعية صعبة هي التي جعلت لديك حالة من الرفض والغضب جعلتك حساسة حتى لتصرفات أهلك الطبيعية.
إنك في تعريفك لنفسك كتبت في حالتك الاجتماعية أنك مطلقة.. فهل عودتك إلى بيت أهلك بعد فترة من وجودك في بيت الزوجية هو سبب شعورك هذا، خاصة وأنه انسحب على أصدقائك الذين لا علاقة لهم بذلك ..
ما نود قوله: إن الأمر أكبر من مجرد تحكم أهلك في دخولك أو خروجك.. إن الأمر متعلق بحياتك كلها وما تفعلين فيها .. إن الفراغ أيضًا وعدم عمل شيء مفيد سواء عمل أو هواية أو غير ذلك يبدو أيضًا أحد مشاكلك.
انظري لحياتك نظرة شاملة إلى كل محاورها، وأعيدي ترتيب حياتك وتحديد أهدافها وعندها سترين الحياة من منظور آخر فستجدين أن المشكلة ليست في سلطة الأهل، ولكن في أن نراها سوداء كئيبة وهي ليست كذلك ....
ــــــــــــــــــــ(41/422)
بين الفتيات : ينتشر في مدارسنا منذ زمن
إضطرابات شاذة, تحت العشرين
ينتشر في مدارسنا منذ زمن ما يسمى بالإعجاب، سواء بين الطالبة وزميلاتها أو بينها وبين معلماتها ....
وهو يتضمن حب التلميذة لهن ، وإرسال الرسائل التي ممكن أن نسميها غرامية ، إضافة إلى المكالمات الهاتفية الطويلة التي يتضمنها الكثير من العتاب؛ بسبب ظن إحداهن أن الأخرى قد أهملتها أو أصبحت تميل لغيرها ...
فما هو تعليقكم علي ذلك ؟
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت المرسلة ، أنت واحدة من اللائى تدين لهن هذه الصفحة بالشكر؛ لأنها فتحت ملفًا يتحاشى الكثيرون والكثيرات فتحه.
وسؤالك في حقيقته استفسار عن طبيعة هذه المشاعر التي تصفينها: هل هي طبيعية فطرية أم شاذة ومنحرفة؟!
والمسألة تحتاج إلى بعض التفاصيل:
- قلنا قبل ذلك : إن جانب المشاعر والعواطف يتمدد في مرحلة المراهقة على نحو كبير، ولا نبالغ إذا قلنا: إن هناك موجة من الاندفاع تجتاح نفس المراهق أو المراهقة، وهذه الدفقة أو الموجة إن لم يكن المراهق مستعدًا لها على النحو السليم؛ فمن شأنها أن تسبب لها آلامًا ومعاناة قد تستمر لفترة طويلة، وقد تترك عليه آثارًا تبقى طوال حياته.
- يميل الإنسان في هذه المرحلة إلى توسيع دائرة معارفه وأصدقائه، وربما يغيب عن هذا التوسيع معيار التدقيق اللازم في الاختيار الحكيم للأصدقاء، وربما يكون هنا للأسرة دور في حسن انتقاء الصديق الأصلح من الناحية الاجتماعية والأخلاقية، ولكن للأسف فإن التشارك في فرز الأصدقاء بين الشاب (أو الفتاة) والأسرة يكاد ينعدم لأسباب لا يتسع المجال هنا لذكرها، كما أن ملاحظة الأسرة والمجتمع تكاد تقتصر على تحجيم العلاقة بين الجنسين، بينما تترك العلاقة بين الأشخاص من نفس الجنس مفتوحة بلا منهاج أو ضوابط !
- معظم مجتمعاتنا العربية والإسلامية تعاني من خلل عميق في مسألة إدارة العلاقة بين الجنسين، ووضع المرأة في المجال العام، وهذا الخلل سيظهر أكثر مع ضغوط التحديث المستورد، والعولمة التي تجتاح كل شبر من الأرض الآن.. والمتابع للأحداث يرى أن آثار غياب منهاج واضح- لإدارة شئوننا في هذه وغيرها- باتت صادمة ومتنامية، ولا يبتعد عن هذا مسألة إدارة العلاقة بين الأشخاص من نفس الجنس، وإذا لم ننتبه ونتحرك؛ فالنتائج ستكون في غير صالحنا، وسنعاني أكثر من شروخ عميقة في المجال الاجتماعي.
بعد هذه المقدمات الثلاث السريعة أقول لك:
أولاً: يمكن الحديث عن فراغ عاطفي شائع لدى الشبان، وهو لدى الفتيات أكبر، وناتج عن أسباب كثيرة، منها ضعف البناء الأسرى والاجتماعي، وقصوره عن الوفاء بالاحتياجات العاطفية لإنسان على نحو صحي وسلمي، فكلنا نحتاج إلى الاهتمام والحب المتبادل بأنواعه المختلفة ، وحين تغيب الفرصة من الأصل أو تنعدم في الحصول على النوع المطلوب بالقدر المعقول تصبح الأجواء مهيئة لانحراف النفس ، واضطراب المشاعر في بحثها عن حقها في الحصول على تواصل إنساني تشعر معه بالدفء ونبض الحياة.
ثانيًا : الحد الفارق بين المشاعر الطبيعية الشاذة ؛ سواء بين الفتيات أو الشبان تكمن في أمرين : أولهما وجود مشاعر الميل الطبيعي للجنس الآخر، والتي قد تأخذ عند البعض صورة الميل إلى شخص بعينه، وقد لا تأخذ هذا الشكل، أما غياب محض هذا الميل إلى الجنس الآخر بما يشمله هذا الميل من أحلام يقظة ومنام، وخيالات عاطفية وجنسية أحيانًا.. غياب هذا الميل أو ضعفه يعد علاقة غير صحية تؤخذ في الاعتبار، خاصة إذا لم يكن في حياة الإنسان قضية كبرى تشغله عن مسألة العواطف والمشاعر برمتها، ولا أقصد أن هذا الانشغال هو الأمثل، ولكنني أقول إنه يحدث.
الأمر الثاني : يكمن في التعبير عن المشاعر والعواطف.. والشرع الشريف له توجيهات محددة في التعبير عن الحب؛ سواء بين الجنسين أو بين الأشخاص من نفس الجنس، وتجدين في السُّنة المطهرة مثلاً توجيهات واضحة عن هيئة الاستقبال والتوديع، ومظاهر التعبير عن الحب، وفي السيرة قصص متعددة تتضمن التطبيق العملي لهذه التوجيهات في علاقات الرجال بالنساء، وعلاقات النساء بالنساء، والرجال بالرجال.. وحين تكمل صورة العلاقات في مجتمع النبوة الأول في أذهاننا سنجد بونًا شاسعًا بينها وبين ما يحدث في مجتمعاتنا المعاصرة أحيانًا باسم المحافظة، وأحيانًا أخرى باسم الانفتاح والمرونة والتحديث !
ثالثًا: تأتينا رسائل كثيرة تتحدث عن الحب والإعجاب بين أشخاص من نفس الجنس، ونخشى من عدم الدقة في اختيار الألفاظ من جهة من يكتب، إضافة إلى وجهة النظر المسبقة من جهة من يقرأ؛ أن يصل بنا الأمر إلى تحليل وتوصيف غير منضبط، فالأمر يحتاج إلى دقة حتى لا نظلم أنفسنا، وننسب إلينا أو إلى أشخاص بعينهم ما ليس فيهم.
فالأخوة في الله ، والصداقة المعروفة تتضمن نوعًا من الحب قد يصل إلى مرتبة الإيثار؛ أي تفضيل الإنسان لغيره على نفسه، وهي أعلى مراتب الأخوة، ولكن لا الأخوة ولا الصداقة بين نفس الجنس تتضمن الرسائل (الغرامية) ، على حد وصفك ، بما قد تتضمنه من غزل في المفاتن الجسدية ، أو استخدام تعبيرات لا تكون إلا بين المتحابين من الجنسين ، وهو ما يحدث على نطاق كبير؛ فلا الأخوة ولا الصداقة تتضمن نشاطًا حسيًّا يشمل المبالغة في التقبيل أو الملامسة الجسدية ، وما هو أكثر أحيانًا بحجة أننا جميعًا رجال ، أو نساء، ولا حرج.
فالشرع الشريف واضح في تحديد العورة ، وضوابط التعري والملامسة بين الجنسين، وفي نفس الجنس ، وحين يتطور الميل العاطفي إلى تعبير سلوكي وجسدي ينبغي الحذر أكثر.
رابعًا: أخشى أن أقول: إن الزواج لا يحل هذه المشكلات إن وجدت وتفاقمت، بل ينبغي من البداية ردع النفس عن الانسياق وراء الهوى الفاسد تجاه نفس الجنس، والميل بغير هدف أو جدوى تجاه الجنس الآخر، والصحيح أن للصداقة بين الأشخاص من نفس الجنس حدودًا ينبغي ألا تتخطاها، وللحب بين الجنسين معالم ينبغي مراعاتها؛ ليحدث التوازن المطلوب، والتواصل المرغوب، والذي لا تكون عمارة الأرض إلا به.. فالإنسان كائن اجتماعي، ولا يستطيع أن يتناسل وحده، اللهم إلا بالاستنساخ، ونعوذ بالله أن نرى يومًا يستغني فيه الرجال بالرجال، أو النساء بالنساء، أو يستغني فيه الإنسان بذاته عن العاملين..
اللهم أصلح أحوالنا أجمعين.
ــــــــــــــــــــ(41/423)
الثانوية العامة: حوار هادئ ونصائح عاجلة
هموم الدراسة, مع المجتمع
اقتربت الامتحانات، ولا أدري ماذا أفعل، فالوقت ضيق، ولم استذكر منذ بداية العام الدراسي، ولديَّ بعض المشكلات مع أصدقائي؛ إذ لا يروق لي الكثير منهم، ماذا عساي أن أفعل؛ لأتجنبهم، وأفكر في دراستي ومستقبلي فقط؟ ويأتي ذلك مع العلم بأنني أخاف المستقبل، وأشعر أنني لن أصل إلى ما حلمت به طويلاً.
والامتحانات النهائية على الأبواب ـ كما ذكرت ـ وأعاني من إحباط شديد، فهل يمكن أن أنجز شيئًا خلال تلك الفترة القصيرة، وأغير ما يعكر صفو حياتي؟ لم يبق سوى شهرين فقط، وتبدأ امتحاناتي (في الثانوية العامة).
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ المرسل، في هذه الحالة يكون أفضل السبل للمذاكرة هو مراجعة الموضوعات المهمة والتركيز عليها وإتقانها أولاً، وتعرف هذه الموضوعات بالنظر في الامتحانات السابقة أو بما أجمع عليه المدرسون.
ثم يأتي بعد ذلك في المقام الثاني أن تقوم بقراءة باقي المنهج في كل مادة قراءة عامة سريعة، وأن تحصل منه على ما استطعت، وليكن تركيزك أيضا ليلة الامتحان على هذه الأسئلة التي أتقنتها من قبل، وليس من الحكمة الآن النظر إلى الأخطاء والتقصير الذي كان منك في بداية العام، ومن المؤكد أن هناك نوعا من التقصير عند كل إنسان، وتزداد نسبته في هذه السن الشابة، ومع نقص الخبرة في الحياة، ومع هذا الأسلوب العقيم في التقييم والتدريس، واختيار الموضوعات المدرسية؛ مما يجعل كثيرا من التلاميذ ينفرون من هذا الأمر، ولا يكون لهذا الاستذكار متعته التي هي أشد ما يجذب الإنسان إلى الاستذكار والتحصيل.
وأيا كان الأمر فلا تنظر خلفك، ولا تبك على اللبن المسكوب؛ فهذا يضر، ولتجتهد ما استطعت في تعويض ما فاتك وقديما قالوا: الشهر الأخير قبل الامتحان عليه 90% من عوامل النجاح، وليلة الامتحان لها النصيب الأكبر من ذلك، والاطمئنان القلبي، والبعد عن القلق هي نقاط هامة تساعدك على التركيز.
والتوتر في درجته البسيطة الخفيفة يكون مفيدا، ويدفع الإنسان للتحصيل والإنجاز ذلك لأنه يورث نوعا من الاهتمام، أما إذا زاد هذا القلق وارتفعت حدته؛ فإنه يكون عاملا مثبطًا ومعوقًا عن الاستذكار والتحصيل، ويحتاج عنده إلى دفعه بشتى الوسائل التي من إحداها مراجعة الطبيعة النفسية إذا لزم الأمر.
ومما يساعد على دفع هذا القلق وهذا التوتر أن تعلم أن هذه الامتحانات والإجادة في الإجابة عنها والتوفيق في نتائجها نوع من الرزق؛ فلنترك الأمور بيد الله ولتؤد ما عليك، وقد يلزم تناول بعض المهدئات التي ليس لها أثار جانبية وليس لديها قابلية للإدمان، خاصة إذا أثر هذا التوتر على النواحي الفسيولوجية في الجسم كالنوم أو أدى إلى سرعة الانفعال.
الأخ المرسل، لا أدري ما هي المناسبة أن تتحدث عن هذه المشكلات الأخرى رغم إقبالك على موسم الامتحانات وقلقك بشأنها، إلا أن تكون هذه المشكلات تسبب لك نوعا من التشتت في التركيز وتعوقك عن المذاكرة.
وأحب أن أقول لك: إن هذه المشتتات ليست خاصة بك وحدك، لكنها سمة مميزة لجميع من هم في مثل سنك، سن بدايات الشباب؛ حيث يبدأ العقل في التمدد والتعرف على مساحات وجوانب جديدة في هذه الحياة، وينشغل بالتفكير في الكثير من القضايا، كفلسفة هذه الحياة والتفريق بين الحق والباطل والصواب والخطأ.
إن رؤية هؤلاء الشباب إلى قدوة يفضل أن تكون من غير أقربائه يقتنع بها ويطمئن قلبه إليها ويقتدي بها، ويصارحها بما يعن له من أمور هو أهم علاج لحالة التشتت وعدم الاستقرار هذه، ونحن معك.
الأخ المرسل، لقد ذكرت في نهاية رسالتك كلمة بين قوسين دفعتني للتفكير مليا في شكواك هذه، وما تعاني من قلق وتوتر، وهل أنت مخطئ تماما بسبب هذا القلق والتوتر بشأن هذه (الثانوية العامة)؟ نعم أنت تتحمل جزءًا من المسئولية لضعف إيمانك وتركيزك.
ولكن يبقى الجزء الأكبر من الخطأ من نصيب واضعي سياسة التعليم، فمن قال: إن يكون دخول الكليات وفقا لمجاميع محددة بالمقاس بحيث لو قل عنها الإنسان درجة واحدة لا يدخلها؟ أليس ذلك جديرا بأن يسبب نوعا من القلق والتوتر؟ وهل هذا هو النظام الأمثل؟ بالطبع لا.
وفي معظم دول العالم يكون التقييم في الامتحانات على أساس تقييم الناس إلى مستوى أ و ب و جـ، ويسمح للإنسان بإعادة الاختبار مرات ومرات على نفقته الشخصية إذا أراد، فينشأ الإنسان وليس عنده هذا التعقيد من نظام التعليم والعملية التعليمية الموجودة في بلادنا. ألا تعتقد أن هذا النظام لو طبق فإنه سيقلل كثيرا من حدة التوتر؟! ولكن هذا هو حال التعليم؛ حيث يستخدم كأحد الوسائل للتفريق بين فئات المجتمع وتقسيمها إلى شيع وطوائف وطبقات، تبعا لكليات القمة وكليات القاع!!!.
أقول هذا الكلام لا ليدفعك للتمرد على نظام الامتحانات والركون إلى ذلك، ولكن حتى تنظر إلى هذا الأمر (الثانوية العامة) من أفق واسع؛ فيقل قلقك وتوترك، وتتخفف من بعض هذه المشاعر السلبية، ويزداد تركيزك لإنجاز ما هو مطلوب منك، وهو ممكن فيما تبقى من وقت.
بقيت نقطة أخيرة ليست هي لب الموضوع، وهي شعورك بالضيق من بعض الزملاء، ولقد ذكرتها خطأ، وقلت الأصدقاء، وهناك فرق بين الزميل والصديق؛ فالزميل هو ما جمعتك به الظروف أيا كان حاله، رقيقا أم غليظا، مؤدبا أم غير ذلك، وأنت مضطر للتعامل معه ومع محاسنه ومساوئه، وسيكسبك هذا نوعا من الخبرة الشخصية في التعامل مع الناس.
ولكن تبقى النقطة الهامة، خاصة مع هؤلاء الزملاء، وفي مثل هذه السن، وهي ألا تظهر انزعاجك الشديد لأي تصرف خاطئ يقومون به تجاهك، وليكن لك وقفة دون أن تفقد أعصابك أو تظهر لهم نقاط ضعفك؛ فهذا يدفعهم إلى المزيد والمزيد من العناد، ولتتجاهل بقدر المستطاع ما يقومون به من أخطاء في حقك، وقديمًا قال الشافعي:
إذا نطق السفيه فلا تجبه
فخير من إجابته السكوت
فأعرض عمن لا يناسبك مسلكه، واهتم بتحصيل علومك، واستعن على ذلك بالله سبحانه، ثم بالصحبة الصالحة، وأهلا بك.
وبرجاء مراجعة مشاكل سابقة لنا عن موضوع المذاكرة ومنها :
المذاكرة من أول العام.. وصفة للتركيز
المذاكرة بين وجود الرغبة وغياب الإدارة
على أبواب الامتحانات.. أفضل طريقة للمذاكرة
على أبواب الامتحانات: تنظيم وقت المذاكرة
الدكتور / إيهاب خليفة
فريق الحلول
ــــــــــــــــــــ(41/424)
مشكلة تؤرق الشباب من الجنسين
الحياة الجنسية
لا أدري إلى متى ستظل هذه المشكلة هي أخطر مشكلة بالنسبة لي؟ مشكلة قد تبدو لكم أن علاجها سهل، ولكن هيهات هيهات أن تحل معي!.
مشكلتي أنتي ومنذ ما يقارب السنوات الثلاث وإلى الآن، وأنا الآن في سن العشرين ما أزال أعاني من حب الشباب! أرجو لمن لديه الحل المناسب والدواء الشافي إغاثة إنسان معذب في وجهه كتعذيب الطفلة البريئة! لقد حاولت وحاولت استخدام عدة أدوية، ولكن كلها باءت بالفشل؟!
أرجو لمن لديه ما يرضيني أن يرد عليَّ بريديًّا، وله جزيل الشكر مني.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ السائل، رغم أن علاج هذه الحالة يختص به أكثر ما يختص طبيب الجلدية، فإنني أقول: إنه قد يكون لظهور هذا الحَب، وتفاقم مشكلته أسباب نفسية، والقول بأن هذا الحب يختفي بعد سن العشرين ليس صحيحًا تمامًا.
ورغم عدم الاتفاق على سبب واضح ومحدد لظهور هذه الحبوب، فإنه قد يكون ناتجًا عن واحد أو خليط من هذه العوامل الثلاثة التالية:
1- فمنهم من يقول: إنه ناتج عن زيادة الهرمونات الذكرية والأنثوية في هذه السن والمسماة بالهرمونات الخاصة بالجنس (الإنروجينات والإستروجينات).
2- ومنهم من يقول: إنه ناتج للإصابة بميكروب جلدي معين إضافة إلى السبب الأول (وهذا هو عادة ما يسبب الخراريج والتقحيات والآلام والانتفاخات) في هذه الحبوب.
3- ومنهم من يقول: إنه وليد للحالة النفسية والقلق والتوتر المصاحب لهذه السن والتي تساعد على ترسيب ظهور الحب.
إلا أنني أراني مضطرًا للتركيز بحكم تخصصي، وبحكم ما ورد في هذه الرسالة على الحالة النفسية فلقد استشعرت من رسالتك آلامًا نفسيًا وضيقًا شديدًا رغم أن هذا الحب عند كثير من الشباب هو علامة على القوة والحيوية والنشاط.
وأهم ما في هذا الباب (الناحية النفسية) هو نظرتك لهذه الحبوب وتوهمك أنها قد تسبب لك كثيرًا من التشوهات في خلقتك، وإن كان هذا ممكن الحدوث في بعض الأحيان النادرة، ولكن في كثير من الأحيان لا تسبب ذلك، إلا أن تكون سببًا لبعض الآلام ..وهنا نحتاج إلى تفصيل عن ماهية ما يضايقك في ظهور هذه الحبوب بالتحديد.
فأخشى ما أخشاه أن يكون هناك توهم من أن خلقتك سيئة من ظهور هذه الحبوب، وأن يكون لهذا التوهم ناحية مرضية؛ فتحتاج عند هذا إلى مراجعة الطبيب النفسي.
وأحب أن أطمئنك أن هذه الحبوب عادة ما تقل مع الزواج، ومع تقدم السن (بعد الثلاثين).
وهذا لا يمنع من ضرورة استشارة الإخصائيين والنابغين في علاج مثل هذه الحالات والمطلعين على أحدث ما وصل إليه العلم الحديث، في علاجها (أعنى أن لا يكون العلاج بالطرق القديمة التي درسوها، ولم يطلعوا على ما هو أحدث منها، خاصة وأن معلوماتي أنه قد ظهرت أدوية حديثة ومتطورة في علاج مثل هذه الحالات
ــــــــــــــــــــ(41/425)
في العشق الجنوني: ألوان الجحيم المعروفة
مع الجنس الآخر, معوقات الاختيار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قد تكون مشكلتي بالنسبة لكم قديمة، ولكنها جديدة في حياتي.. إنني على وشك الانهيار العصبي لما أمر به من أزمة نفسيه وحيرة من أمري، لقد أحببت، بل وصلت إلى درجة العشق الجنوني به، إنه شاب خليجي يدرس معي في الجامعة المختلطة، يكبرني بـ 7 سنوات؛ فعمري الآن 20 سنة.. بدأت علاقتي معه منذ سنة وأربعة أشهر، أما إن سألتم عن أهلي؛ فوالدي لا أشعر أنه والدي؛ فهناك حاجز بيني وبينه، واشتد حجم هذا الحاجز حينما علم أن الرجل الخليجي متزوج، ولديه طفلان، أما والدتي؛ فأراها مشفقة على حالي الذي وصلت إليه من الهم والبكاء المتواصل اليومي، وأغلب أهلي معارضون.. لمّا أفكر بعواطفي أراني لا أستطيع أن أفارقه؛ فقد أصبح هو حياتي وهوائي الذي أتنفس به، وروحي وجسدي.. قولوا ما تشاءون؛ فلن تستطيعوا أن تصفوا ما أحمله لهذا الإنسان من عواطف جياشة، تدخلت في كل حياته صغيرها وكبيرها حتى أصبحت مستشارة له يستشيرني في كل شيء.. تدخل أحد الأشخاص من أهلي، وبدأ يعالج الموقف، وأول ما بدأ به العلاج أخذ الهاتف الجوال من يدي، ويا ليته لم يأخذه؛ لأنه قطع متنفسي الوحيد معه، وكأن شخصا قطع الأكسجين عني، وأصبحت أشعر أن بيتنا أصبح كالجحيم بسبب تعلقي به واختلاف أهلي هل يزوجونني منه وأعيش معه في حياة الغربة بعيدة عن أهلي أم أنتظر الزوج الذي سيطرق بابنا والذي أخشى ما أخشى عليه أنه لا ولن يكون مثل حبيب قلبي؟ أرجوكم، ثم أرجوكم، ثم أرجوكم أن يكون الجواب سريعا؛ لأنني أشعر أنني أغرق وأحترق؛ فإنني في حيرة من أمري، أرجو أن يصلني الجواب سريعًا جدًّا، ولو استطعتم اليوم فهذا أفضل لي، وأسأل الله عز وجل أن يكون الجواب مقنعا بالنسبة لعقلي ومشاعري، وجزاكم الله خيرًا على جهودكم المباركة.. أختكم المعذبة.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... عزيزتي، إن كل حالة بشرية، سواء كانت نفسية أو اجتماعية أو غيرها، قد تكون بالفعل قديمة؛ لأن كل إنسان معرض لأن يكون في هذه الحالة، والوضعية أيضًا تكون جديدة؛ لأن كل فرد له خصوصية، وله طبائع خاصة في معايشته للمشكلة، ولكن التميز الحقيقي يكمن في قدرة الفرد على الخروج من مثل هذه الحالات بطريقة يتفرد بها هو، والتعبير عن المشكلة هو أحد المعطيات الأساسية لتشخيص الوضع.
أنت والحمد لله تستوعبين جيدًا أن ما أنت فيه هو مجرد أزمة وتقولين: إنك في حيرة، والأزمة لا تدوم أبدًا، أي أن لك استعدادًا، وقناعة كبيرة في تخطي المصاعب، ناهيك عن أن الحيرة تعني التردد بما يفيد أنك لست مثبتة في موقف تتحجرين عليه، بل إنك تحتاجين فقط إلى من يساعدك على الحسم في موضوع، كلُّ تفاصيله غير ملائمة لتلبية رغبتك على المدى البعيد، وإن كانت تلوح واحة قريبة، وأنت لا شك أنك تعلمين أن الحاجات والرغبات تتغير بالمؤثرات الخارجية، وأيضًا تتطور وتتبدل مع الزمان والمكان، أي مع التقدم في العمر، ومع الانتقال من موطن إلى موطن، وخلاصة القول إن الزواج أحصن للفرج، وأكثر استجابة للمشاعر الآنية، والعقل ينسّبه إلى عاقبة الأمور، وشرع الله يجمع بينهما.. هذا بعد ما وقع ما وقع، وإلا فالوقاية خير من العلاج، واجتناب المخالطة والخلوة كان سيغني عن كل هذه المواجع، والله المسدد في الاختيار.. "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"، فالإنسان يعتقد في لحظة معينة أن سعادته تكمن في شيء محدد ثم بعد أن تتغير الظروف يجد أنه قد جلب لنفسه الشقاء من حيث أراد لها السعادة، ولو أنه في حينه تحلى بالحكمة والصبر لكان أنجع له وأفضل.
ومع الوقت لا يراها سوى سحابة صيف مرت وانتهت، وما كان علينا أن نقيم الدنيا ونقعدها، ومع ذلك يجب أن نتعامل مع الوضع بواقعية، بغض النظر عن ضرورة استشراف ما هو آت؛ لأن المستغرق في عاطفية مشبوبة لا يرى شيئًا سواها.
أختي، يبدو أن شخصيتك قوية، تتصف بالإصرار والإلحاح، وجديرة بالثقة؛ مما يجعل الشخص الآخر يستشيرك في أدق أموره، والأهم هو رغبتك في الموازنة بين المشاعر والعقل، كل هذا يجعلني أستغرب أن تسقط مثل شخصيتك في الانهيار العصبي، أو العشق الجنوني؛ لأن هذه الحالات متطرفة، وبعيدة كل البعد عن الاعتدال، وعن سلامة تقدير الأمور، ونحسب أن لغربتك وضعف روابطك الأسرية دورا كبيرا في هذا.
الذي لم تتم الإشارة إليه في سؤالك هو: هل هذا الرجل يرغب في الزواج منك؟! وهل يتمسك بك على أساس حبه لك، وبحجم حبك له، أم ماذا؟!
على العموم، إذا كان الأمر كذلك، فليس للمتحابين أنجح من الزواج، والتعدد جائز في الإسلام مع توافر شروطه: كضمان القدرة على النفقة على بيوت كلا الزوجتين، وضمان العدل في العلاقة معهما.. والزواج في إطار التعدد تنتج عنه عدة صعوبات نفسية واجتماعية واقتصادية، فعلى المقبل على الأمر أن يستعد له، أو أن يقلع إذا كان لا يقبل هذا الواقع؛ فما هو موقفه؟!
لهذا السبب، ولأسباب أخرى يمتنع الآباء عن تزويج بناتهم للرجل المتزوج ذي الأطفال.. فالأم مستشارة للبنت والأب وليها، وشرعًا "لا نكاح إلا بولي"، ناهيك عن أن الوالدين لهما خبرة في الحياة، وهم أكثر حرصًا على مستقبل الأبناء.
ونكرر لك- أخيرًا- ما نقوله في مثل حالتك: إن الوصول إلى رضا الأهل يحدث، ولو بعد صعوبة ومحاولات، ولكن الأهم هو التحقق من سلامة الاختيار من الاندفاع الذي يجلب الشقاء، ويفتح أبوابًا أخرى لجحيم في البيت الجديد الذي حسبت أنه سيكون حلم حياتك، فحاولي الابتعاد لفترة عن ضغوط أهلك بالرفض، وفورة مشاعرك بالاندفاع.. انقطعي عنه لفترة باتفاق مسبق، وأعيدي النظر في المسألة برمتها، واستخيري الله سبحانه، واحسمي أمرك، واتخذي قرارك بشأن المستقبل، وكل اختيار في حالتك ستكون له عواقبه وآلامه؛ فانظري أيهما تستطيعين تحمله، والتعامل معه: الفراق أم الإصرار على هذا الارتباط؟..
برجاء مراجعة مشاكل سابقة لنا قريبة الشبه بمشكلتك ومنها
رفض الأهل ليس أهم الجوانب
أحببت متزوجًا، وليس من القبائل
الزواج الثاني.. قيد على قيد
كوني على صلة بنا، وتابعينا بأخبارك.
ــــــــــــــــــــ(41/426)
ليس حبًا في الله
إضطرابات شاذة, الحياة الجنسية
أولاً: أشكركم على هذا الموقع الذي يشهد له أي أحد يراه، ويطلع عليه؛ لأنه من المواقع التي نحتاج لها نحن الشباب؛ ومن المواقع النادرة، ومشكلتي هي أنني ابتليت بحب زميل في مثل عمري تقريباً (19 سنة)، وهذا الحب ولد بداخلي من بداية انتقالي للبيت الجديد؛ فأنا انتقلت لحي هذا الفتى، وبدأت أنجذب له أكثر وأكثر؛ وذلك لأن الفتى ذو أخلاق عالية جدًّا، وهو محبوب من الكل، وبدأت تكبر محبته بداخلي أكثر وأكثر؛ حتى بدأت أغار عليه إذا وجدته واقفًا مع أحد غيري أو يتكلم، مع العلم أن هذا الفتى يبادلني هذه المحبة، ولكنها أخف من محبتي؛ لأنني صرت أحبه أكثر من أهلي، وأكثر من أي شخص آخر، وأصبحت أقدم كلامه على كلامي، وعلى كلام أهلي، مع العلم أن هذه الظاهرة منتشرة بكثرة في الحي الذي أسكن فيه الآن، والآن بدأت أحس أن الفتى الذي أحبه بدأ يبتعد عني شيئاً فشيئاً، وبصراحة بدأت أغار عليه أكثر وأكثر، وقبل مدة غضبت منه؛ وذلك لأنه جلس يكلم شخصا آخر لمدة، فخفت أن يأخذه الشخص، مع العلم أني والله أحب هذا الفتى لله وفي الله، ولا أبغي منه مصلحة أو أي شيء، ولكن قلبي مال إليه، وحبي له شديد فوق الخيال، بحيث إنني صرت لا أفكر إلا فيه، حتى إنني أصبحت أبكي وأتضايق إذا غضب مني، مع العلم أن كل الأصدقاء يقولون لي: إن فعلي هذا خطأ.. وأنا أحس أني في بعض الأحيان غلطان وفعلي هذا غلط، ولكن ماذا تريدون أن أفعل؛ فأنا أحبه غصبا عني وأشد؛ فهو سيطر عليّ سيطرة تامة؛ فأصبح هو همي الوحيد في هذه الدنيا، فماذا تريدونني أن أفعل؟ وهل عملي هذا صحيح أم خطأ؟! أرجوكم أن تحلوا لي هذه المشكلة بسرعة؛ لأني والله في حالة يُرثى لها، وأرجو منكم ألا تهملوا مشكلتي هذه، وتردوا بأقصى سرعة، وجزاكم الله ألف خير مع شكري وتحياتي لكم. ... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... لا يوجد حب بين الرجال بهذه الصورة التي تصفها في رسالتك، بل حتى بين النساء؛ لأن الحب الذي يصل إلى درجة الغيرة من حديث الصديق إلى شاب آخر؛ خوفًا من أن يأخذه منك هو نوع من المرض.. ولا علاقة له بالحب في الله؛ لأن الحب في الله يكون حبًا للصفات الطيبة، ولقاءً على الخير وعمله؛ لأنه لا يوجد حب لمجرد الحب.. يجلس الإنسان يفكر فيمن يحب ويصبح همه الوحيد في الدنيا؛ لأنه حتى لو كان هذا الأمر بين رجل وامرأة لأصبح أيضًا أمرًا غير طبيعي؛ لأن الحب الحقيقي طاقة للبناء ومساعد للإنسان على القيام بعمله والعيش بطريقة سوية..
إن دلالة المرض في علاقتك بهذا الصديق هي إفساد حياتك وسوء حالتك التي أصبح يرثى لها، وإن علاج هذا الحب المرضي يكون أولاً في إدراك أنه مرض لا بد من العلاج منه وعدم الاستسلام له، أما العلاج الناجح إذا أدركت ضرورة الشفاء مما أنت فيه؛ فهو أن تقطع علاقتك تمامًا بهذا الشاب.. ستتألم قليلاً وتشعر بالحزن لبعض الوقت، ولكن بعدها ستخرج من هذه التجربة وقد تعلمت منها كيف تكون الصداقة الحقيقية السوية، وستضع الحدود السلمية لعلاقاتك مع زملائك في المرات القادمة، بحيث لا تتطور إلى هذا الحب المرضي..
إنك في سنك هذه قد تبدو التجربة بالنسبة لك صعبة، ولكنها البداية التي تستطيع بعدها أن تكون قوي الإرادة في جميع أمور حياتك، ولا علاج آخر لمثل هذه الحالة إلا الحسم والقطع، وإلا فإنك ستدخل في طريق ربما لا تتخيل أنك يمكن أن تصل إليه، خاصة أنك ما زلت في السن التي تتحدد فيها اتجاهاتك العاطفية والنفسية والجنسية؛ فلا تجعل الأمور تختلط عليك بالصورة التي لا تسمح للعلاج بعد ذلك، ويمكنك العودة إلى المشاكل المشابهة على صفحتنا؛ فستجد المزيد من الإيضاح لما يمكن أن يترتب على هذه العاطفة المريضة. ومن أقرب هذه المشاكل إلي حالتك تلك التي بعنوان
الحب المرضي : الميول المثلية وحدود الصداقة
ــــــــــــــــــــ(41/427)
الأخ الأصغر: ناصح أم أب بديل
علاقات أسرية, مع الأهل, علاقات الدراسة
السلام عليكم، تُوفّي والدي منذ عامين، ولي أخوان أكبر مني ومتزوجان، وأعيش أنا وأختي وأمي وأخ لي. التزمت والحمد لله منذ عام ونصف، أختي في كلية فنون جميلة قسم عمارة، وهذه الكلية مثل كلية هندسة، ويوجد عندهم تجمعات لعمل ما يُسمى بالمشاريع، مما يتطلب منها السهر في الخارج كثيرًا، وفي بعض الأحيان يكون التجمع في المنزل عندنا، فأجد أن أمي وأختي لا تلتزمان بالآداب الإسلامية في معاملة الشباب والشابات المجتمعين عندنا. مثلاً: 1 - الضحك بصوت مرتفع حتى ولو في منتصف الليل. 2 - في بعض الأحيان تدخل والدتي لتنام وتتركهم بمفردهم اثنين كانوا أو أكثر. 3 - تسمح والدتي لها بالخروج مع الأولاد والبنات للتنزه بحجة الترفيه. 4 - تسمح والدتي لها بالكلام مع الشباب في الهاتف في غير أمور الدراسة لأوقات كثيرة، وغير هذا كثيرًا مما هو منافٍ لتعاليم الإسلام، وإذا سجلت اعتراضي على شيء قوبلت باتهامي بالتخلف والرجعية، إن الزمن تغير.
السؤال: هل إذا غضبت أمي لاعتراضي ولم تكلمني يكون هذا من عقوق الوالدين ويغضب مني الله، ممن يَعْتبر نفسه الولي على أختي وأمي؟ كيف أتعامل معهما مع العلم أنهما لا يكلماني؟
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... كثير من مشاكلنا الأسرية تنشأ بسبب أن أحد أفراد الأسرة لا يعرف دوره داخل الأسرة وحدوده، ويترك دوره، ويعيش داخل الأسرة جسدًا بلا روح، ويكون كالحاضر الغائب، أو أن ينتحل دورًا غير دوره، وفي كلتا الحالتين تنشأ المشاكل.
أخي، أسعد في اهتمامك بأسرتك وأختك خاصة، كما أسعد في حرصك على بر والدتك، أعانك الله على برِّها، وأقرّ عينها بك.
أخي، كما ذكرت لك سابقًا أنت بدون وعي منك تنتحل شخصية والدك، وتسعى لأخذ دفة الأسرة بدلاً منه في غيابه - رحمه الله -، وبهذا التصرف أنت تعدّيت رب الأسرة الحالي وهي والدتك؛ لذا مهما كان كلامك صحيحًا فلن يؤخذ به، طالما جاء من منطق أنك رجل البيت، الأمر الذي لن يكون أبدًا، فأنت دورك ابن وأخ، فالابن يبرّ ويطيع ويسأل ويستفهم وينصح، فلا يستجوب ولا يعاقب أو يدين، فعند حديثك لوالدتك حول وضع أختك، كان يمكن أن تقول مثلاً: "هل يمكن أن يكون في تصرف أختي إساءة لسُمْعَتها، وما يغضب الله؟" بدلاً من: "إن تصرف أختي هذا يسيء لسمعتها، ولا يجب فعله، ورضاك عنها خطأ، وسماحك لها بالخروج مع زملاء الدراسة خطأ، وأنا معترض على هذا... إلخ"، صدقني أخي إذا اتبعت الأسلوب الأول بصفة عامة فستجد رد فعل مختلفًا.
أما دورك كأخ فهو ليس انتقاد أختك وعقابها إن أخطأت، ولكن عليك أن تحتوي أختك، وتكون أمينًا على أمورها وأحسِن الاستماع لها، وتفهّم كيف تفكر، ثم تحاول إرشادها بالحسنى، فإن أعرضت فلا حيلة لك إلا الدعاء، وأن تصبر عليها، وتستمر في المحاولات بالحسنى، وصدقني إذا وَجَدت كل أخت في أخيها المعنى الحقيقي للأخوة فلن تقع في الخطأ؛ لأنه معها دائمًا ينصحها.
ويمكنك التشاور مع إخوانك الذكور ممن هم أكبر منك في تسوية ما تراه خطأ، وكل هذا في إطار حدودك ودورك ومكانك في الأسرة.
وفي النهاية نرجو منك مراجعة مشكلة
أخاف على أخي
سمر عبده
فريق الحلول
ــــــــــــــــــــ(41/428)
تحت العشرين: عاطفية جدًّا من ناحية الشباب
مع الجنس الآخر
أنا فتاة عمري 19 سنة، واقعة في مشكلة، وهي أنني عاطفية جدا، خاصة من ناحية الشباب، حيث إنني أحب أكثر من شاب، لكنني أرجع إلى نفسي في معظم الأوقات وأقول بأن الذي أفعله لا يجدي، ولكن عندما أرى الشاب أنسى كل ما اتخذته من قرارات انصحوني.. ماذا أفعل؟ ... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت المرسلة، دعينا نتفق على أن هذه المرحلة العمرية التي تعيشين فيها تتميز بهذه النقطة، وهي تمدد العواطف والمشاعر، وازدياد الرغبة، والميل إلى الطرف الآخر، وفي المقابل تزداد الطاقة العقلية والجسمانية والنفسية، وتظهر المواهب، وتزداد القدرة على التفكير، ووزن الأمور ومعرفة الصواب من الخطأ.
وهذا الميل وهذه الرغبة إن لم يكبحها الإنسان بلجام العقل؛ فشأنها شأن كل الغرائز؛ فإنها ستسبب ضررًا جسيمًا له.. دعينا نتحدث أولا عن العلاقة العاطفية المثالية؛ فنقول:
أولا: يجب أن يكون لهذا العلاقة هدف واضح ومحدد وهو الزواج، وإلا سببت هذه العلاقة خسائر كبيرة للطرفين، وبالطبع الفتاة هي الخاسر الأكبر فيها.
ثانيا: أن تكون بمباركة الأهل، وأن تكون في النور، وأن يكون لها صفة رسمية.
ثالثا: أن تراعي الحدود والضوابط الشرعية المعروفة.
لقد أردت أن أذكر لك الصفات المثالية لهذه العلاقة حتى تستطيعي أن تفرقي بين الحب الناضج الحقيقي من ناحية، وبين الرغبة الجنسية أو الاندفاع العاطفي والنزوات من ناحية أخرى، وهذه العلاقات التي تحدثت أنت عنها ليست إلا نزوات طارئة، والحب الناضج الحقيقي عادة ما يكون ثابتا مستقرا على إنسان واحد يتكامل فيه الإعجاب بالصفات الأخلاقية، والصفات المادية والشكلية، ويكون بالقلب والعقل معا، أما عن هذه الرغبات، وتلك النزوات؛ فيولدها تارة مجرد الإعجاب الجسماني، وتارة أخرى الميل العاطفي، ثم تنطفئ بعد حين وقد تمتد هذه الرغبة وهذا الإعجاب إلى أكثر من شخص في نفس الوقت، علامة على الرغبة المشروعة في الارتباط العاطفي.
وعلاج هذه النقطة، أختي المرسلة، يأتي بصقل الشخصية، والتفكير المنطقي، والبحث عن اهتمامات أخرى في هذه الحياة الذاخرة بالأنشطة والمتع النافعة:
أولا: محاولة النظرة العقلية إلى هذه المسألة العلاقة بين الشاب والفتاة، وهذا يتطلب قدرا من الثقافة والاطلاع واتساع الأفق، وعدم الانشغال بالتفاهات وسفاسف الأمور؛ فهذه إحدى الحيل الدفاعية النفسية الناضجة التي يلجأ إليها الإنسان للهروب من الصراع النفسي الداخلي، وهي مسماة بالتعقل، وهي محاولة النظر العقلية العميقة إلى الأمور وعواقبها، والأشياء التي تسبب الحيرة للإنسان، ويعتقد أنها خاطئة، وفي نفس الوقت يجد نفسه يميل وينجذب إليها.
ثانيا: الانشغال بتكوين الصداقات مع الفتيات ذات الأخلاق الفاضلة والثقافة المرتفعة، وهذا يعتبر أكبر عاصم للإنسان من هذه المرحلة، ويزيد من فرص الارتباط بالشباب الملتزم الجاد القادر على تحمل مسئولية بيت أو أسرة.
ثالثا: شغل أوقات الفراغ بالقراءة والثقافة والاطلاع، والأنشطة الاجتماعية المختلفة والهوايات، مع الاستعداد بالمعارف اللازمة للقيام بمسئولية الزوجية والأمومة، وهي تحتاج إلى اهتمام مبكر بها.
رابعا: محاولة قطع السبل التي تؤدي إلى تكوين هذه العلاقات بهؤلاء الشباب، طالما لم تكن واضحة الهدف والمعالم، غامضة الجدوى والمصير.. وتابعي صفحتنا لتجدي الكثير من الإجابات السابقة تفيدك،..ومنها :
ـ مشاعر طبيعية في سن المراهقة !!ـ
مشاعر تحت العشرين.. حب حقيقي أم مراهقة؟
وتذكري أن الطاقة العاطفية لها منافذ كثيرة لاستثمارها، وقد ذكرنا لك هنا بعضا منها.
مع تحيات الدكتور " إيهاب خليفة " من فريق الحلول
ــــــــــــــــــــ(41/429)
دواء الغفلة: ملاحظات قبل الزنا
الحياة الجنسية
بسم الله الرحمن الرحيم، سادتي الأعزاء أرسل لكم هذه الرسالة وأرجو منكم أشد الرجاء أن تردوا عليها بأقصى سرعة ممكنة؛ لأن الوضع طارئ كما سيتضح بعد قليل، أنا طالب في الصف الثالث الثانوي، عمري 18 عاما، ولي صديق آخر عمره 17 عاما، لنا صديق ثالث عمره 18 عاما، صديقنا الثالث يريد أن يرتكب جريمة الزنا والعياذ بالله لقد حاولنا أنا وصديقي منعه بشتى الوسائل ولكن دون جدوى، ذكرناه أن فعلته حرام بالرغم من أنه يعرف ذلك بل ويستطيع أن يلقي محاضرات عن أضرارها ومساوئها ومدى التحذير الذي وضعه الدين الحنيف من أجل الابتعاد عن هذه الفعلة الشنيعة، حاولنا أن نذكره كثيرا ولكن دون جدوى من خلال معرفتي به علمت أن له أختا أكبر منه سنا (تقريبا 20 أو 21 عاما حاولت أن أذكره بأخته وهل يرضي لها ذلك فرد قاطعا نافيا وبكل جزم ثم كرر أنه مصر على الذهاب وفعل الفاحشة وأخذ يقول: هذه مرة واحدة وأقلع بعدها، سادتي الأفاضل أرجوكم أنجدوني وأرشدوني على الطريقة التي أستطيع بها أن أمنعه من ذلك أرجوكم في أقرب ممكن أرجوكم بأقصى سرعة ... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... لست أدري إن كنت ستقبل عذرنا في تأخرنا عليك في الرد أم لا؟ لكن على أية حال أريد أن أوضح لك أن الموقع- كما تعلم - يخاطب العالم وهو واجهة الإسلام؛ لذلك يجب أن يكون في أفضل صورة، وأي كلمة تصدر عنه لا بد أن تمر بتصحيح لغوي وخطوات فنية، ولن أطيل عليك في شرحها، ورغم أن الكل يعمل في دأب إلا أن هذه الخطوات تستغرق وقتا طويلا ويصعب جدا اختزالها، خاصة في ظل العدد الهائل من المشاكل الذي يصل كل يوم.
وأنا لم أملك إلا أن أدعو الله كثيرًا أن يحول بين صديقك وبين الفاحشة؛ حتى يصلك الرد، وهو سبحانه قادر على كل شيء، فإن كان قد وقع فيها قبل وصول الرد فأدعو الله أن يغفر لنا وله، وأن يقبل عذرنا، ولعل ردنا يفيد في منعه من تكرار فعلته، لأنه طالما اتبع أول خطوة وراء الشيطان فهو قطعًا سينوي متابعة المسير إلا أن يتغمده الله برحمته وحفظه.
مشكلة صديقك ليست هينة، مشكلته أن قلبه غافل، وكل أجهزة الاستقبال فيه معطلة؛ لذلك فهو لا يسمع شيئا مما تقولون أو يستجيب أو يتأثر بكلامكم، وأنا لست أدري ما الذي أوصله لهذه الحالة، قطعًا هناك سبب أو مجموعة من الأسباب؛ لذلك فإن أول مرحلة في علاجه هي إيقاظ هذا القلب الميت، قبل الحديث عن الحلال والحرام، والبحث عن الأسباب التي أدت لموته، وتتبعها واحدا واحدا، وعلاجه بالتدريج هل هو تارك الصلاة؟ "إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر" هل هو بعيد عن القرآن؟ فالقرآن ضياء وشفاء لمن يقترب منه بقلبه وروحه، ألا يوجد في حياته شخص قدوة شخص قريب أو بعيد، يتمثل به وبأخلاقه، هل هناك رفقة سوء، هل هناك مشاكل أسرية مدمرة؟.
هل هناك ترف زائد أو حياة تسير بلا هدف؟.
أين هو من الأشياء التي تحيا بها القلوب، والأشياء التي تموت بها القلوب؟.
إذا استطعت أن تتبع هذه الأشياء وتصوغ برنامجا لعلاج هذا القلب الغافل تكون قد نجحت، وإياك أن تنسى الدعاء؛ فالدعاء سلاح المؤمن، وهو يستطيع أن يفعل كل ما لا تستطيعه باقي الوسائل من كتب أو لقاءات أو شرائط كاسيت أو فيديو، وكثيرًا ما يهدي الله القلوب بدعاء المخلصين "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء".
واسمح لي أن أخاطب صديقك مباشرة، وإما أن يقرأ كلامي بنفسه أو توصله أنت بلسانك عني.
سألت نفسي ما الذي أوصلك إلى هذه الحالة من الغيبوبة التي تجعلك تلقي بنفسك في النار، نار الدنيا ونار الآخرة، والتي تفقدك إرادتك ورشدك وصوابك؛ فتذهب بقدميك للجحيم، رغم أن كل من حولك يحاولون إيقافك وإيقاظك ولا فائدة.
سألت نفسي ما هو سر هذه الغيبوبة؟ فلم أجد إلا إجابة واحدة: وهي أنك في حالة فرار من الله.
لماذا تفر من الله، لماذا تهرب من مواجهته؟ لماذا لا تحبه مع أنه هو يحبك؟ لماذا لا تقبل عليه مع أنه هو مقبل عليك ويرسل لك أصدقاء طيبين يدعونك للخير؟ عندما أقول لك كلمة الله ماذا تعني هذه الكلمة بالنسبة لك؟ هل تشعر تجاهها بأي درجة من درجات الود أو الحنين؟ أم تشعر بالفتور؟ أم تشعر بالغيظ، أم تشعر بلا شيء؟.
هل الله من وجهة نظرك هو المصدر الذي يحرم الأشياء ويضع حواجز بيننا وبين السعادة، ويهددنا إذا لم نلتزم بالأوامر؟ فإن جهنم في انتظارنا وبئس المصير، هل أنت ساخط من داخلك ولكنك لا تستطيع أن تظهر سخطك؛ لأنه هو (الإله) وأنت بالطبع لست كافرا.
فتكتفي بالفرار منه، وتظل تفر وتفر، وتصور لك نفسك أن هذا الفرار مؤقت، فتقول سأفعل الفاحشة مرة واحدة ثم أتوقف.. أنت واهم؛ فأنت إذا دخلت هذه الدائرة دائرة الفرار ستكرر الفاحشة هذه أو غيرها مرات ومرات، ولن تخرج منها إلا إلى المصير الأسود.
لماذا لا تحب الله مع أنه هو يحبك؟ إذا كنت لا تصدقني أنا، فهل تصدقه هو سبحانه عندما يتحدث عن ذاته فيقول: "ولا يرضى لعباده الكفر" ويدعو الناس جميعا إليه بقوله: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله"، و"سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض"؟.. الله سبحانه وتعالى يدعونا لنتوجه إليه بقلوبنا؛ فنجد عنده كل شيء ونجد غفرانا لذنوبنا، ونجد خيرا وحياة طيبة، ونجد عونا على مشقة الحياة ونضع بين يديه همومنا وكروبنا وأحلامنا، ونفر إليه كما أمرنا هو سبحانه وتعالى فقال: "ففروا إلى الله" وأنت تفعل العكس تفر من الله؟.
إذا كنت لا تعرف الله فيجب أن تتعلم كيف تعرفه.. فهذه مصيبة كبرى، هل تريد معرفته؟ انظر إلى الكون حولك، انظر إلى آيات الله في نفسك فسبحان من خلق فأبدع، وأعطاك الصحة والشباب والقوة التي تستخدمها فيما يغضبه، "وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها".. انظر إلى آيات الله من حولك ستجد الكون كله ينطق ويقول: "ءإله مع الله؟"؛ فترد أنت دون أن تشعر: لا إله إلا الله.
توضأ وضوء المحبين لله، وأمسك بالمصحف واقرأ كلام الله ورسالته للبشر.. اقرأ بقلبك ستجد فيه النور، والهداية، اقترب من الرسول صلى الله عليه وسلم الإنسان القدوة وليس فقط المشرع الذي يحرم ويبيح، هل تحب الرسول صلى الله عليه وسلم من قلبك؟ ماذا ستقول له إذا تخيلنا أنه رآك وأنت تفعل فعلتك، هل سيشفع لك مع باقي المسلمين أم سيتبرأ منك، ومن عملك؟.
إذا كنت لا تعرف عن الله سوى الحرام والحلال والتشريعات؛ فأنت مسكين إذا لم يكن بين قلبك وبين الله حديث ومناجاة وشكوى ودعاء؛ فأنت أيضا مسكين.
إن الله يفرح لتوبتك إذا تبت، ويحبك ويقبل عليك ويدعوك إليه، وهو (صبور) إلى أقصى درجة، ولكن إذا أصررت على الفرار منه وأصررت على معصيتك فسيكون قد حق عليك الغضب عندئذ.
والله هو الودود الرحيم الغفور الحليم مع من يتوب ويعود ويتوقف عن الفرار، وهو أيضا المنتقم الجبار، مع من يصر على الفرار، بما ينتقم منك بزوال نعمة الصحة التي تعصاه بها وليس الإيدز أو السيلان أو الزهري ببعيد، أو ربما ينتقم منك في أختك أو أمك أو زوجتك في المستقبل، وهو لن ينتقم منك كراهية لك؛ فهو لا يكرهك، ولكن أنت الذي تكره نفسك، وإنما سينتقم منك حتى لا تصبح الحياة فوضى؛ فالكون له مالك ومدبر ولا يسير عبثا، فتخيل مثلا أن شخصا فعل ذلك مع زوجتك أو أمك وتركه الله بغير انتقام.. شفقة ورحمة به، فهل هذا سيرضيك؟ الرحمة والشفقة لها حدود.
وأكرر السؤال للمرة الأخيرة: ما هو سر هذه الغيبوبة؟ هل تعتقد أنك أضعف من أن تتحمل التكاليف والأوامر التي أمرك الله بها.
أقول لك أنت واهم، أنت لست ضعيفا.. أنت بداخلك طاقة الإنسان العملاقة التي جعلته جديرا بأن يكون خليفة الله في الأرض؛ فأسجد له الملائكة.. أنت قادر بعون الله على الاستجابة لأوامر الله، والشيطان يصور لك أنك لا تستطيع، وصدقني هذا كذب، لو كنت غير قادر لما كلفك الله؛ لأن الله لا يكلفنا إلا بما يعلم أننا قادرون عليه.
وإذا كنت أضعف من أداء أوامر الله؛ فهل أنت قوي تتحمل ضريبة عدم أدائها، هل تستطيع أن تتحمل الإيدز أو السيلان؟
هل تستطيع أن تتحمل الوحشة والبعد عن الله؟ أو تتحمل نظرة المجتمع لك إذا انكشف أمرك؟ أي الحملين أثقل أداء الأوامر أم عدم أدائها؟
والسؤال الأخير: هل تعلم ما هي مصيبة الطرد من الله؟ المصيبة الكبرى هي أنك لا تعلم متى ستموت، ربما تموت حالاً وأنت تقرأ هذه الكلمات، وربما تموت وأنت تفعل الفاحشة، والمرء يبعث على الحال التي مات عليها، عندئذ تقول: "يا ليتني لم أوت كتابيه، ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه".
أدعوك أن تعرف الله وتقف أمامه في صلاتك، وتقترب منه وتزيل الوحشة التي بينك وبينه، وإذا كنت فعلت الفاحشة مرة فلا تبتئس (إن الله يغفر الذنوب جميعًا)، إذا رأى منك ندمًا عزمًا على التوبة، حاول أن تعف نفسك بالزواج إن كان متاحًا في أقرب وقت، وإلا فعليك أن تتجنب المثيرات وتشغل نفسك بالأنشطة الطيبة وتحضر حلقات الذكر، وتتمسك بصديقيك الوفيين وتصارحهما بالحقيقة فهما خير ناصح قد وفّى لك (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)
وكلمتي الأخيرة: (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين).
" مع تحيات الدكتورة " فيروز عمر " مستشارة فريق المشاكل "
ــــــــــــــــــــ(41/430)
جيل الإنترنت يتحدث
مع الأهل
أنا أحب اللعب، ولكن أبي وأمي لا يسمحان لي بالعب، ويقولان لي دائما: اقرأ، وصرت أشعر وكأن القراءة عقاب لي. ... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... نظنك أصغر من بعث رسالة في صفحتنا؛ ولذا فقد سعدنا جدا بها لأننا أدركنا أننا نجحنا في أن نصل إلى جيل الإنترنت، وأن نكتسب ثقته فيتحدث إلينا، وكانت مشكلتك معبرة عن طبيعة جيلك، والذي تفتحت عيناه في عصر الإلكترونيات، فبات كل شيء سهلا، وباتت بعض الأمور التي اعتادها جيل الآباء تبدو ثقيلة، أو كما تقول في رسالتك تبدو كعقاب.
إن قدرتك على أن تتدخل على الإنترنت ثم أن تكتب رسالتك تدل على أنك صبي متعلم.. ولو كنت غير ذلك ما استطعت أن تتعامل مع الكمبيوتر، فضلا على أن تتعامل مع الإنترنت ومواقعه. ما الذي وصلك لذلك؟ إنه العلم. وما هي وسيلة العلم؟ إنها القراءة.
لسنا ضد أن تحب اللعب؛ فهذا سن اللعب إن صح أن اللعب سنا، ولكن هل تستقيم حياتنا إذا تحولت كلها إلى لعب، ومن يخترع الكمبيوتر؟ ولا نقول من يتعلمه. ومن يضع البرامج التي تسهل لنا الدخول على الإنترنت أو استخدام الكمبيوتر في المجالات المختلفة؟.
أيها الصبي الصغير، لسنا ضد اللعب، ولكن ضد أن يتحول إلى كل حياتنا.. أن اللعب هو استراحة بين سعينا لأن نتعلم ونعلي من شان عقولنا، ونعطيها الغذاء الكامل الذي يمكنها أن تبدع وتبتكر..
أيها الصبي العربي، إن الصبي الياباني يلعب ولكنه يخترع ويبتكر؛ لأنه يقرأ ويقرأ؛ ولذا فأنت عندما تريد لعبة تريدها يابانية، وعندما تريد جهازا إلكترونيا تريده يابانيا.
إن هؤلاء اليابانيون المتميزون كانوا أطفالا في يوم من الأيام ولكنهم لم يكتفوا باللعب، وجعلوا بجانبه القراءة.. وزع وقتك أنت بين اللعب والقراءة، وعندها لن يتدخل أبويك في حياتك، ولن تصبح القراءة عقابا، ولكن سيكون تخلفنا عن ركب الدول المتقدمة هو العقاب؛ لأننا فضلنا أن نلعب باستمرار دون انقطاع.
ــــــــــــــــــــ(41/431)
تقديم النصيحة
مع المجتمع
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أولاً لكم جزيل الشكر علي هذا الموقع وخاصة هذه الصفحة.. مشكلتي باختصار أني أواجه صعوبة في تقديم النصيحة لأي إنسان أكبر مني؛ فأنا لا أعرف كيف أتصرف وقتها؟. فما رأي فضيلتكم؟ وجزاكم الله كل الخير. ... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... إن رسالتك متميزة؛ لأنها جاءتنا من عالم المراهقة، ولكنها جاءتنا بسؤال متميز وجديد وهو الرغبة في تقديم النصيحة لمن هو أكبر سنا، ونحن نشكر بداية حرصك على تقديم النصيحة بصورة عامة فهو يدل على تميز في التفكير وفي التطلعات، ونذكر لك موقف الحسن والحسين حفيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد وجدا رجلا يخطئ في الوضوء؛ فتقدم إليه أحدهما قائل:ا يا عم، إنني وأخي قد اختلفنا في كيفية الوضوء الصحيح، ونريد أن تحكم بيننا، فتوضأ أحدهما الوضوء الصحيح، وتوضأ الآخر بالصورة التي يتوضأ بها الرجل؛ فأدرك الرجل خطأه، ورد ضاحكا بل أنا المخطئ.
وسيدنا إبراهيم وهو يدعو أباه الكافر حرص أن يناديه ويقول له يا أبت وهو أحسن نداء يتوجه به الابن لأبيه، ثم ذهب يدعوه بهدوء وبمنطق سليم، ولكنه يؤكد أن ما يدعوه إلى نصيحته هو حرصه وحبه وخوفه من نزول عقاب الله به، في عبارات تحرك القلب وتحترم من تتحدث إليه.
وبعد ذلك ننبهك إلى نقطتين:
الأولى: هي دافعك في نصحك من هو أكبر منك، وهذا أمر يجب أن تتأكد فيه من نفسك؛ لأنه إذا كان دافعك هو إظهارك أنك تعرف أكثر مما يعرف أو أن تحرجه أو أن تظهر نفسك في موقف الكبير الناصح، فإن المتلقي للنصيحة لن يقبلها منك، وسيعتبر ذلك نوعا من التجاوز في حقه.
والنقطة الثانية: أن يكون ما تنصح فيه ليس من الأمور المختلف فيها، بحيث يبدو الأمر وكأنك تريد أن تفرض وجهة نظرك؛ لأن الأمر هنا يجب أن يخرج من دائرة النصيحة إلى دائرة الحوار وهو أمر أقرب إلى النفس أن تقبله، بحيث يبدو الأمر كأنك تعرف وجهة نظرك وأنك مستعد لقبول الوجهة الأخرى واقتنعت بها.
وفي النهاية لا تنس قول الله عز وجل: "أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة".
ــــــــــــــــــــ(41/432)
صفعة على الوجه
مع الجنس الآخر
بسم الله الرحمن الرحيم، المشكلة باختصار هي أنني أعاني من خجل شديد من النساء، وأحاول دائما التقرب منهن ولكن دون جدوى، وفي إحدى المرات حاولت الكلام مع إحداهن فواجهتني بالسب وحاولت صفعي. أفيدوني أرجوكم. ... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... معذرة أيها المراهق الصغير.. ما الذي يدعو أي فتاة أو امرأة أن تسب شخصا ما وتحاول صفعه؟.. ما الذي وجهه إليها من كلام فأدى بها إلى رد فعل مثل هذا؟.. وما الذي يدعوك إلى دوام المحاولة للتعرف إلى النساء وأي جدوى تريدها وراء ذلك؟.. من الذي أخبرك أو ألقى في روعك أن التقرب إلى النساء من الأهداف السامية التي يجب أن يسعى الإنسان وراءها حتى لو تم صفعه أو سبه؟.
إن إحساسك بالميل نحو الجنس الآخر هو شيء طبيعي يحدث في هذه المرحلة نتيجة لتغيرات جسمانية ونفسية تعدك وتهيؤك للانتقال إلى مرحلة الرجولة؛ حيث يكون هذا الميل الفطري هو الأداة التي تستخدمها في اختيار شريكة حياتك من أجل إعمار هذا الكون، وهو الغرض الذي من أجله خلق الله هذا الميل الفطري داخل الرجل والمرأة تجاه بعضهما.. ولم يقف الله ضد هذا الميل الفطري، ولكن جعل له حدودا وقنوات يسير فيها؛ فكان الحجاب للمرأة وغض البصر للطرفين، وكان الزواج هو الصيغة المقبولة المتوجة لأي عاطفة تنشأ بين الطرفين..
ولم يمنع الإسلام من تطور العلاقة بين الرجل والمرأة، ولكن في إطار من الالتزام الذي يليق بطبيعة بني آدم الذي كرمه الله على جميع مخلوقاته؛ حتى لا يتدنى الإنسان سعياً وراء شهواته ورغباته إلى درجة أدنى من الحيوان، أما أن يستجيب الإنسان لنداء الشهوة والرغبة بدون حدود.. أو يعلي من شأن متطلبات الجسد على حساب الروح التي هي قبس من الله من أجل أن تصنع هذا المخلوق العجيب المتوازن بين متطلبات جسده وسمو روحه.. لا تنس أن لعقلك غذاء أو لروحك غذاء كما أن لجسدك غذاء، فلما تعلي من متطلبات الجسد ولا تعطي لكل حق حقه..
وبرجاء مراجعة المشاكل التالية
اللاعلاقة أم مصادمة الضمير ؟!! الطريق الثالث
في زنزانة الخجل
الخجل والحساسية الزائدة ... الأسباب والأسئلة
ــــــــــــــــــــ(41/433)
تحت العشرين: رهانات الحب والمخاطرة
الحب وآلام الفراق, الحب لا يكتمل, مع الأهل
قصتي طويلة ومعقدة، وعذابي شديد يقتلني ببطء..أتمنى لو أجد عندكم حلا يريحني.. أنا فتاة في العشرين من عمري، أدرس بالجامعة.. بدأ كل شيء من حوالي سنة ونصف، قابلت شابا على الشات من نفس جنسيتي، ويقيم في نفس البلد الذي أقيم فيه.. في تلك الأيام كنت مدمنة الدخول إلى الشات، وكان لدي عشرات الأصدقاء على الشات، وكان ذلك الشاب بالنسبة إليّ صديقا مثله مثل الجميع، ولكني مع مرور الوقت اكتشفت نبل أخلاقه وتدينه وفكره القريب جدا جدا لفكري، قد لا تصدق أني وجدت فيه نسخة طبق الأصل من فارس أحلامي، ويوما بعد يوم ازداد إعجابي به إلى أن جاء في يوم وأخبرني أنه حدث أهله عني، وأنه يريد التقدم لخطبتي، كل هذا وأنا لم أسمع صوته، ولم أرَ حتى صورته، وكان حديثنا طوال تلك الفترة عاديا جدا حتى أني لم أعرف أنه يحبني، ففي نظره لا يجوز أن نتحدث عن الحب ما دام لا يوجد رابط بيننا، وهكذا كان تفكيري أيضا، فنحن متفقان في طريقة التفكير.. عندما أخبرني بعزمه على خطبتي أخبرت أمي بكل شيء ويومها سألتني سؤالا واحدا "هل يعجبك؟" فقلت لها: نعم، وقالت لي إذن أنا موافقة.. بعدها جاء لخطبتي وكان ذلك اليوم أول يوم أراه فيه وأسمع صوته، وأقول لكم إنه من ذلك اليوم وأنا أحبه أكثر وأكثر في كل ثانية تمر.. ومن ذلك اليوم بدأت المشكلات، أبي لم يوافق على الخطبة؛ لأن الشاب الذي أحبه كان مستواه المادي ضعيفًا بعض الشيء؛ ولأنه ليس لديه شهادة جامعية، وأمي التي وعدتني بالمساعدة كانت أول من وقف بوجهي رغم أني أعلمتها بكل ظروفه من قبل.. اتفقت أنا وأمي على أن تسمح لي بالحديث معه بالهاتف إلى أن يحسن من ظروفه المالية والدراسية.. استطاع حبيبي أن يجد عملا أفضل براتب أكبر، كما أنه التحق بدورات متخصصة في الحاسب، وأيضا الآن بدأ التسجيل في جامعة.. وكانت لديه ظروف قاهرة حرمته من دخول الجامعة.. وأنا لا أرى أن عدم حصوله على الشهادة الجامعية مشكلة.. المهم أنه عاد الآن وتقدم لخطبتي مجددا، ولكن أمي وقفت بوجهي وجرحتني فهي كل مرة تعدني بالمساعدة، ثم تخذلني حتى لم أعد أستطيع أن أثق بها، وأبي رفض بحجة أني ما زلت صغيرة، وحبيبي ما زال أمامه عدة سنوات قبل التخرج.. صدقوني أحبه، أعشقه، ولا أستطيع الحياة دونه.. مع أني أحدثه بالهاتف يوميا لأكثر من ساعتين إلا أني أبكي بمرارة كل يوم؛ لأنه بعيد عني ولا أستطيع رؤيته.. أمي تقول إنه لا يناسبني؛ لأن أهله أقل مستوى منا، وأبي يريده أن يكمل تعليمه أولا، أليس من الممكن أن نتزوج ما دام قادرا على فتح بيت ويكمل دراسته في أثناء الزواج؟.. ثم أليس المهم هو خلقه ودينه؟؟ إنه يعرف ربه بخلاف أهلي فالإسلام بالنسبة لهم كلمة في جواز السفر، إنه كل ما تمنيته من هذه الدنيا.. المشكلة الحقيقية الآن أن والده لن يعود مطلقا لخطبتي بعدما رفض طلبه مرتين، وهكذا لم يعد عندي أمل بالزواج منه.. ارحموني ماذا أفعل؟؟ إنني أبكي في هذه اللحظة من الألم وأحس بالدنيا سوداء ولا معنى لها.. وحبيبي يتألم أكثر مني أضعافا.. لقد اقترح علي أن أرفع قضية ضد أهلي.. ولكني لم أقبل أن أفضح أهلي وأقف ضدهم بالمحكمة مع أنهم وقفوا ضدي بحياتي، وحرموني أن أعيش حياتي كما أتمنى.. فعرض علي حبيبي أن نهرب سويا، ولكنني لا أستطيع أيضا فرغم الألم الذي أحسه من أهلي لا أستطيع خيانتهم.. ولكن بربكم أفيدوني إلى متى يتحكم الآباء في حياتنا بحجة مصلحتنا، ويحيلون حياتنا جحيما؟؟ هل كتب علي أن أعيش حياتي كما يريدون هم، وما معنى حياتي إذن؟؟ أنا لست صغيرة ويحق لي أن أختار على الأقل الإنسان الذي سأمضي بقية عمري معه، الذي سأراه صباحا ومساء، الذي سأعيش من أجله وأحس بالسعادة معه.. لا أريد أن أجد نفسي على فراش الموت وأنا أقول لنفسي: لماذا عشت إن لم أفعل شيئًا بإرادتي؟؟ ماذا جنيت من الدنيا؟ ولماذا كتب أهلي عليَّ الشقاء؟ إن من حقهم علي أن ينصحوني وينيروا طريقي، ولكن ليس من حقهم هدم حياتي؛ فأنا من ستتحمل النتائج بالنهاية، وأريد أن أتحمل نتائج قرار أخذته بنفسي لا قرار فرض علي... آسفة على الإطالة، ولكنني أحتاج لمن يسمعني، كما أنني أتمنى أن يقرأ كل أب وأم هذه الرسالة، ولا يحرمون أبناءهم حق الاختيار..الآن أريد أن أسألكم: هل من طريقة أستطيع بها الزواج ممن أحب غير الهروب معه؟ مع العلم أننا يجب أن نتزوج سريعا فكل يوم يمر يزداد شوقنا لبعضنا، ولا أريد فعل ما يُغضب الله.. وشكرًا على وقتكم. ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت الكريمة..
أرسلت لك ردًّا سريعًا فور استلامي لرسالتك على بريدك الخاص المثبت ضمن بياناتك، ولا أدرى هل وصلتك رسالتي أم لا؟ أهلاً بك على كل حال.
أختي.. لو أنك تزورين صفحتنا، وتقرئين المشاكل والحلول بانتظام، لاكتشفت أن وضع المسألة ليس كما تتصورين في غمرة العاطفة الرائعة المشبوبة في صدرك، بل وكل كيانك.
نعم يا أختي، تختل نظرتنا للأمور، ونحن سكارى بخمر الحب، واقعون تحت تأثيره الساحر، وعندما يزول نعود للوعي وتختلف الأمور قليلاً أو كثيرًا.
هذه حقيقة أرجو أن تكوني مستوعبة لها طالما تقولين إنك ناضجة، ومن حقك الاختيار؛ لأن أمانة الاختيار ترتكز على جدية المسئولية وحسن التقدير.
طبعًا أنت مأخوذة بصفات فارسك العظيمة، وكل نقص فيه أو في عائلته عندك له تبرير أو تهوين.
أختي.. اعلمي أولاً: أن أهلك ليسوا مطالبين بتقدير الأمر بنفس إدراكك ومنطقك ببساطة؛ لأنهم ليسوا واقعين في هواه كما أنت! إنما هم ينظرون من موقعهم، حيث يريدون الأفضل لابنتهم، ويرون العلاقة بينكما مشوبة بشيء من عدم التكافؤ، وهم هنا على حق، ولم يكن الالتزام الديني وحده -رغم أهميته- هو الأساس المطلق لزواج سعيد يستقر ويستمر، وإلا لما تطلق زيد بن حارثة حبيب رسول الله من زينب بنت جحش، والطرفان كانا ذروة في الإيمان والتقوي، ولكن عنصر التكافؤ الاجتماعي كان مفتفدا.
هل أقول هذا الكلام لأقنعك بالاستسلام لرغبة أهلك وإرادتهم؟! في الحقيقة ..لا .. إنما أقوله لأساعدك على فهم موقفهم ومبرراته بعيدًا عن الخطبة العصماء التي ذكرتها، والتي كنا نرددها، ونحن في مثل سنك بشأن حقوق الأبناء، وحرية الاختيار.
أما موقفك أنت فاسمحي لي أن أرصد عليه الملاحظات التالية:
أولاً: لنا موقف واضح من العلاقات العاطفية عن طريق الشات وتناولنا هذا الموقف في إجابات سابقة كثيرة منها"
الحب بالشات واقع أقرب للخيال ومعرفتك بهذا الشاب عن طريق الشات ليست كافية لإطلاق حكم دقيق بأنه نسخة طبق الأصل من فارس أحلامك.. هذه الجزئية تحتاج إلى مراجعة.
ثانيًا: يبدو الشاب جادًا في الارتباط بك، وهذا يحمد له، وأنت صريحة في تعاملك مع أهلك، وهذا ينبغي أن يستمر بل ويزداد، ورفضه مرتين لا يعني انتهاء الموضوع إنما يعني أنه متمسك بك، وأهلك يريدون استكمال بعض الأمور قبل الارتباط.
ثالثًا: مثلما نقول لمن يريد الارتباط، ولا يوافق أهله، أن المشكلة ليست في الحصول على موافقتهم، إنما المشكلة في أن انفراده بالقرار والاختيار يعني انفراد بالمسئولية عنه، فعندما يشترك الأهل في اختيار الشريك فإنهم يكونون متضامنين في المسئولية، وعندما يخالف الابن أو البنت، ويصمم على اختياره المخالف لرغبة الأهل؛ فعلية أن يعلم أنه هنا اختار أن يراهن رهانًا كبيرًا، ويتخذ قرارًا هامًا بمفرده، وأنه سيتحمل تبعاته وحده.
رابعًا: إذن، ليست المشكلة في الحصول على موافقة أهلك إطلاقًا - فهذا ممكن بطرق كثيرة - ولكن المشكلة الحقيقية التي غالبًا ما يخفيها رفض الأهل هي أن يكون الرهان على الشخص الذي يستحق، وإلا كان هذا الحب طعنة في الظهر بدلاً من أن يكون فرحة في القلب وسعادة في الحياة؛ ولأن أهلك يرفضون أو يتحفظون، فإن حسن تقييم هذا الشخص هو مسئوليتك وحدك تمارسينه وتتحملين تبعاته، ويحتاج الأمر إذن إلى مزيد تدقيق منك.
خامسًا: نحن نصدقك حين تقولين: أحبه وأعشقه ولا أستطيع الحياة بدونه، وكنا نتمنى أن تذكري لنا عيوبه كما ترينها أنت، وليس كما يراها أهلك، وتقررين بعدها أنك قادرة على تحمل هذه العيوب، ويكون هو أيضًا قادرًا على تحمل عيوبك. وإنه إن كان جادًّا في رغبته في الارتباط بك، فمن براهين جديته أن ينجح في عمله الجديد ودراسته؛ ليكون في مستوى أفضل، ليس لأن أهلك يشترطون هذا، ولكن لأن الرجل ينبغي أن يكون مكافئًا للمرأة التي سيتزوجها، ويكون قوّاما عليها، وهذه الجدية هي المطلوب منه حاليًا، بدلاً من اقتراحات الهروب والزواج بعيدًا عن الأهل التي نناشدك عدم الاستجابة إليه فيها؛ لأن الرجل غالبًا ما يكون أول من يحتقر الفتاة التي توافق على هذا لو أصبحت زوجته؛ فإنه لا يكف عن تعييرها بذلك، رغم أنها فعلته من أجله وفي سبيله!
سادسًا: نحن إذن مع حقك الكامل في اختيار من يناسبك في إطار الضوابط التي ذكرناها لك، فكوني حقًّا ناضجة ومسئولة، وانظري إلى فتاك هذا بإنصاف وتجرد وموضوعية. انظري إليه بعين العقل لا بعاطفة القلب. أعرف أن هذا سيكون صعبًا، ولكنه ثمن الانفراد بالقرار وتحديد المسار، ادرسي القرار الذي أنت بصدده مرة ومرات، وراجعي الرهان الذي توشكين على الدخول فيه، وأعط الزمان بعض الفرصة لإظهار حقيقة فارسك، فإن الأيام تلد كل عجيب، ولا تتعجلي فتكوني كمن يقطف ثمرة قبل اكتمال نضجها، ولو أنه صبر لذاق حلو الطعم، واشتم فوح العطر، وقرت عينه بنتائج غرسه ورعايته لها.
واتركي- بربك - لهجة التهديد بأنك توشكين أو لا تريدين فعل ما يغضب الله، فإنك إن فعلت تخسرين دنياك قبل آخرتك، تماسكي، واصبري صبرًا جميلاً، فالوقت في صالحك طالما تديرين أمرك بحكمة، وبعيدًا عن الاندفاع وراء عاطفة ليس هذا وقت إنفاذها، إنما هي ساعة العقل، وستأتي ساعة الوصل قريبًا بإذن الله.
راجعي اختيارك، واستشيري، واستخيري، واسألي عن هذا الشاب وسيرته وأسرته، كمن يجري تحريات أمنية عنه، فهو مستقبلك، وستكونين عنده أسيرة، وحين يتأكد لك بالبرهان الساطع والجدية الظاهرة والمعلومات المؤكدة أنه هو الذي تبحثين عنه، راجعينا؛ لنقول لك كيف تقنعين أهلك، وكُفّي-أرجوك- عن مكالمات الهاتف، وغيرها من الأساليب التي تزري بك في نظره، فالمكالمات لن تطفئ نار العواطف المتأججة، بل ستزيدها ويزيد الألم معها، وتكفي الاتصالات غير المنظمة في المناسبات، وبعلم الوالدة على الأقل.
أنا واثق في أن حكمتك ستقود رغبتك إلى حيث السعادة التي تطمحين إليها، وندعو الله أن يكتبها لك حيثما كانت، وأن يختار لك، ويرضيك باختياره، وتابعينا بأخبارك، وراجعي إجاباتنا السابقة والتي منها:
أختنا أحبت... ولكن الشخص الخطأ
بين القوامة والندية .. تحذير من التعيير
ــــــــــــــــــــ(41/434)
البحث عن الذات.. أنا جوقة
مع النفس, اضطرابات أخرى
السلام عليكم، أنا شاب لبناني الجنسية، وأعترف بأنني أعاني الكثير من المشاكل، أشعر أن نفسي مكونة من شخصيتين: واحدة صباحًا أندمج معها، وأعيش معها، وأكون مبسوطًا وثقتي بنفسي كبيرة، وفي الليل أكون ذلك الإنسان الكئيب، لا أستطيع النوم؛ لأنني أفكر في الغدر، وما علي أن أقوم به، وأشعر بالألم كأنني مسئول عن كل المشاكل التي حصلت، أما المشكلة الثانية هي أنني أكذب على نفسي، وأصدق الكذبة وأندمج فيها وأعيشها كأنها حقيقة، وأشعر في بعض الأحيان أنني ملاك، وفي أحيان أخرى أشعر كأنني شيطان في هيئة إنسان، وأفكر في كل شيء يسيء إلى الناس، ومستعد أن أقوم بكل شيء لمصلحتي الخاصة، أرجو منكم مساعدتي، وإرشادي؛ لأنني أريد أن أعيذ نفسي. ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ السائل، لا يمكن الحديث عن الشخصية بالمعنى العلمي للكلمة قبل سنوات من تخطي العشرين، فشخصيتك ما زالت إذن في طور التكوين.
وتمر الشخصية بتطورات ومنعطفات هامة، ربما تكون مرحلة المراهقة هي أهمها على الإطلاق لأسباب متعددة يضيق المجال هنا عن شرحها.
ومن معالم هذه المرحلة تعدد الأصوات، وتضارب التوجهات بداخل النفس الإنسانية، وتجد لذلك الملاك والشيطان، والكسول والنشيط، والعابد والفاسق، والطيب والشرير، والمثالي والنذل، جوقة كاملة من العازفين، كل منهم يُمسك بآلته الموسيقية، ويعزف لحنه بغض النظر عن إيقاع كل لحن مع اللحن الآخر، فهل تنتهي هذه التعددية في الأصوات بعد عبور مرحلة المراهقة؟
الاعتقاد العلمي السائد أنها تظل، ولكن بشكل أكثر تناغما واتساقا، وأقل تنافرا وتوترا، وهذا الانسجام يعطي الشخصية ملامحها التي تظل تتميز بها، مع وجود هامش يتغير تبعا للقدرات والخبرات والحوادث المستجدة.
الخلاصة أن ما تجده بداخلك هو من طبيعة المرحلة، وما يمكنك القيام به هو زيادة مساحة التعرض للخير عبر طرقه، والاتصال بالصحبة الصالحة المناسبة؛ لأن تأثيرها على تحديد الاختيارات الشخصية يكون كبيرا، والتعرف أكثر على العالم لتحدد مكانك فيه بالضبط.
كن على صلة مستمرة بنا، وأهلا بك متابعًا لصفحتنا، وحبذا لو راجعت مشكلات سابقة عرضناها تتعلق بالمرحلة نفسها التي تعيشها.
ومنها :
مشاعر طبيعية في سن المراهقة
شكوك مراهقة أم شك مرضي
مشاعر تحت العشرين.. حب حقيقي أم مراهقة؟
هذه هي إجابتنا على قدر ما توافر من معلومات في رسالتك، ولكن في حالة وجود خلل عميق في التصورات أو السلوكيات لديك فإنك تحتاج إلى عون مباشر من متخصص
ــــــــــــــــــــ(41/435)
تحت العشرين: مشاعر ما بعد الطلاق
الطلاق, مع النفس
أشكر القائمين على هذا الموقع، وعلى إجاباتهم الصادقة، وهذا ما مكنني من طرح مشكلتي؛ فأنا فتاة أبلغ من العمر 19 عامًا، وأنا طالبة في أول سنة في الجامعة، تزوجت لمدة عام ثم طلقت بسبب بعض المشاكل، ولم أندم على اتخاذي قرار الطلاق.
ولكني الآن أصبحت أشعر بنقص في حياتي لم أشعر به قبل الزواج، ولم أفكر فيه، أشعر بأنني أحتاج إلى إنسان يبادلني مشاعر الحب ربما لأني عاطفية وحساسة، وكذلك أصبحت في بعض الأحيان أشعر برغبة جنسية.
فكيف أستطيع أن أتخلص من هذا الشعور؟ علمًا بأنه قد مضى على انفصالي ستة أشهر، ولكني ما زالت تراودني هذه المشاعر بالرغم من انشغالي الدائم في دراستي، وأشكركم على مجهودكم.
... المشكلة
د. أحمد عبدالله / د. عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت الفاضلة، سبق وكتبت لك متسائلاً عن بعض نقاط، ولم أتلق منك ردًا! من الطبيعي أن يحتاج الإنسان إلى رفقة يأنس بها، ويركن إليها فهذه غريزة وفطرة أودعها الله في تركيبة نفسه، وزواجك السابق فتح أبوابًا في عقلك وجسدك وروحك كانت مغلقة، ومن ذاق عرف، ومن عرف ثم افتقد فإنه يشتاق، ويشعر بنقص ما كان متاحًا من قبل.
هذه مشاعر طبيعية وفطرية لا ينبغي التخلص منها، ولكن التعامل معها، وهناك أساليب كثيرة لهذا التعامل منها التماس ما من المفترض أن يجتمع في شخص واحد ألا وهو الزوج عند أكثر من طرف، فقد تقوم صديقة بدور كاتم الأسرار"، وقد يقوم أحد آخر بدور الرعاية والسؤال للاطمئنان، وقضاء الحوائج.. وهكذا.
ويبقى الدور الجنسي الذي يتعامل معه البشر بأساليب مختلفة ـ حين يتعذر الوصول إليه، وإشباعه بطريق مقبول ـ بوضعه في حجمه ضمن الانشغالات الأخرى، والاهتمامات المتعددة، واستثمار طاقته العاطفية الخلاقة في إبداعات أدبية أو فنية، وأنشطة عضلية أو اجتماعية حتى تجدين الشريك المناسب، وأرجو أن تبتعدي عن المثيرات، وكوني على صلة بنا.
وأترك زميلي د.عمرو ينظر إلى الأمر من زوايا أخرى، يقول:
إن هذه المشاعر التي تشعرين بها هي مشاعر طبيعية، لمن في مثل سنك ومثل ظروفك.. حيث إن الفتاة قبل الزواج يكون لديها الرغبة في الحب والجنس، ولكنها رغبة مبهمة غير واضحة المعالم، لا تعرف كنهها؛ فهو شعور عام ينتابها، ولكنها تستطيع السيطرة عليه، ولكن بعد أن تجرب الفتاة الحياة العاطفية الحميمة سواء من الناحية الجنسية أم من ناحية المشاعر وتتعود على أن تحيا بها.. ثم تحرم منها فجأة.. فإن ذلك يشعرها بالاحتياج خاصة في الشهور الأولي بعد هذا الانقطاع.. وهذه أول نقطة يجب أن تدركيها؛ حيث إن البعض يشعر بالانزعاج أو الذنب نتيجة لهذه المشاعر رغم كونها مشاعر طبيعية.
والنقطة الثانية.. وهي رغم أنه أمر طبيعي، ولكن يجب ألا نجعله يسيطر على تفكيرنا، وكأن الحياة قد خلت من الاهتمامات أو المشاغل غير هذا الأمر؛ ولذا فإن الانشغال الذهني والنفسي والعلمي هو أحد أهم الوسائل ليس للتخلص تمامًا، ولكن للتغلب والسيطرة على المشاعر بحيث لا تفسد حياة الإنسان.
وأول صور الانشغال هي صحبة الخير.. وهي أن ننتقي مجموعة من الصويحبات من أهل الخير والتقوى، ممن ينتقون أطايب الكلام مثلما ينتقي الناس أطايب الثمر، ممن يشغلون وقتهم بكل خير من ذكر الله والعمل الصالح، ويتواصون بالحق ويدعون إليه ويعملون من أجله ... إنك يجب أن تنخرطي في نشاط للخير يشغل عليك وقتك وتبذلين فيه جهدك، وما أكثر مجالات الخير التي تحتاج المتطوعين.. إنك سترين للحياة وجهًا آخر وسترين عوالم عجيبة وستشعرين بسمو ورقي عن كل ما هو أرضي..
يجب أن يكون لك حال مع الله عز وجل، صلاة لا يراها أحد، وصيام لا يعلم به إلا الله، وتلاوة القرآن الكريم تستشعرين فيها حلاوته وتخاطبين فيها الله وتبثين فيها شكواك.. ثم انخراط في دراستك مع هدف لتحقيق أعلى الدرجات وجدية في التحصيل تقطع أي أفكار ووساوس، ثم دعاء لله عز وجل أن يلقي في قلبك السكينة والهدوء، وأن يعوضك خيرًا مما ضاع منك.
ولكن دون اندفاع إلى تجربة جديدة دون دراسة وروية، نعم إن الارتباط والزواج هو الحل الأمثل لحالتك، ولكن بعد وقت كاف تستوعبين فيه دروس التجربة الماضية، وتكون النفس قد هدأت والعقل قد استعد لخوض التجربة الجديدة بوعي وإدراك، وليس برد فعل واستعجال، ونحن معك دائمًا على استعداد لمساعدتك واستقبال رسالتك.
كيف أعلّم أخي أمور المُراهَقة؟
الحياة الجنسية, علاقات أسرية
هل يدل وجود الشعر تحت الإبط على البلوغ؟ وإذا بلغ أخي الأصغر مني؛ فكيف أعلمه أمور المراهقة وأحكامها؟! وكيف أبدأ الحديث معه عن هذه الأمور؟! وشكرًا جزيلاً لكم. ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... لا يدل وجود الشعر تحت الإبط على البلوغ؛ لأنها من الصفات الثانوية للبلوغ والتي قد تكون من مقدماته قبل حدوث البلوغ الفعلي بمعناه البيولوجي، وهو الاحتلام عند الذكور، والدورة الشهرية عند الإناث.. ولقد تحدثنا في رسائل سابقة عن توجيهات للآباء والأمهات عن كيفية التعامل مع أبنائهم المراهقين، وإرشادهم لما يحدث في هذا السن.. ولكن ما لفت انتباهنا في رسالتك أنكَ شاب مراهق، وتريد أن تعلم أخاك الأصغر أمور المراهقة، وهو أمر يبدو غريبًا؛ حيث إن هذه ليست مهمتك، وليس هذا هو الدور المطلوب منك؛ لأنك يمكن أن تقع في أخطاء تسبب مشاكل لك ولأخيك، ولا ندري ما هو السبب الذي يجعلك تضطلع بهذا الدور أو تستدعي نفسك له؟!
نرجو أن تترك هذا الأمر للأب أو الأم، وتطلعهم على إجاباتنا السابقة بهذا الصدد، ومنها
مراهق وسط الأمواج
مشاعر طبيعية في سن المراهقة
شكوك مراهقة أم شك مرضي
ونرجو منك ألا تشغل نفسكَ أنت بذلك.. واشغل نفسك بما يهمك، وبما هو في نطاق مسئولياتك.
ــــــــــــــــــــ(41/436)
أحب أمي.. ولكن علاقتي بها سيئة
مع الأهل, علاقات أسرية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لا أعرف أهي مشكلة أم لا، وهي سوء علاقتي مع أمي، أعرف أنها تحبني وأنا أحبها، ولكنها تصرخ في وجهي كثيرا، وهي دائما تحطم معنوياتي في أي شيء؛ لذلك فأنا لا أخبرها بأي أمر يخصني، وأصبح كلانا لا يعرف عن الآخر إلا القليل.
وأنا أخشى كثيرًا أن تغضب عليَّ، وأن لا يسامحني الله بسبب ذلك، وأحاول قدر المستطاع أن أرضيها، وأحيانا أتمنى كثيرًا لو أقبل يديها وأقول لها سامحيني، ولكني لا أستطيع أبدًا، أشعر أنها بعيدة عني كثيرًا، وأن الله سوف يعاقبني على الجفاف الذي بيني وبينها.
وأنا أعاني كذلك من عادة قضم الأظافر، حيث حاولت كثيرًا الإقلاع عنها، ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل، وأصبحت أقضم أظافري دون أن أشعر. أرجو أن ترشدوني إلى الصواب، وجزاكم الله خيرًا.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... لقد وفرت علينا الكثير عندما ذكرت في رسالتك أن أمك تحبك وأنك تحبينها؛ لأن البعض نتيجة لسوء التفاهم الذي يحدث بينه وبين أبويه في بعض الأحيان يذهب مشككًا في حب أبويه له أو في حبه لهما، وهذا أمر بديهي أن يحب الآباء أبناءهم وأن يحب الأبناء آباءهم.
ولكن المشكلة تكون في طريقة التعبير عن هذا الحب، خاصة إذا تباعدت الأجيال بين الأم وابنتها أو تباعد المستوى العلمي والثقافي، حيث يصبح لكلٍّ منطقه وفكره وطريقة رؤيته للأمور فتصطدم الأفكار والرؤى، ويعبر كل واحد عن هذا الاصطدام بثقافته وبمخزون ما تعلمه، وبما تربى عليه ...
وبالرغم أنك في الرسالة لم تذكري أمثلة لما أسميته بتحطيم المعنويات، فإنني أتوقع أن كثيرًا من الأمهات والآباء يقعون في خطأ شائع وهو أن يقللوا من شأن ابنهم أو ابنتهم وإنجازاته، ويرون في ذلك حفزًا له على بذل مزيد من الجهد، ويصلون في ذلك كما تقولين في رسالتك إلى درجة الصراخ؛ حتى يؤكدوا وجهة نظرهم ودافعهم في ذلك من وجهة نظرهم هو حبهم لأولادهم ورغبتهم في أن يرونهم خيرًا منهم، ولكنهم لا يدركون ما لهذا الأمر من سلبية شديدة على نفوس أبنائهم..
ولكن إذا علمنا أن هذه طريقتهم، وأنها تنبع من جهل بطريقة التعامل الصحيح مع أبنائهم، فيجب أن نتكيف مع ذلك ونفهمه بحيث لا ننفعل معه ويفسد علاقتنا معهم، بمعنى أن هؤلاء الآباء والأمهات يصعب تغيير أفكارهم واتجاهاتهم بعد هذا العمر، فلماذا لا نتكيف نحن مع طريقتهم لا تنفيذًا لتوجيهاتهم التي ربما لا تصلح لنا، ولكن تحملاً لطريقتهم واحتسابًا لها عند الله عز وجل؛ لأنه من أجل ذلك أوصى الله عز وجل بالوالدين: "وَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا ... ".
راجعي إجابتنا السابقة تحت عنوان
سوء التفاهم التاريخي.. الحكمة هي الحل
ــــــــــــــــــــ(41/437)
دموع الغضب سؤال وعلاج
مع النفس, اضطرابات أخرى
بسم الرحمن الرحيم، السلام عليكم.. وبعد.
إنها مشكلة نفسية أتعرض لها، وهي:
عند الغضب عيوني تدمع، وأشرف على البكاء، أي عندما أتشاجر مع أي شخص؛ علمًا بأن عمري 20 عامًا، وحتى الآن أتعرض لهذه المشكلة. وجزاكم الله خيرًا.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ المرسل، نحمد الله أن هذه الدموع تأتي بعد خُلُق غير محمود وهو الشجار، ولعلها تكون زاجرة لك عن هذا الخُلُق. وبعد..
فإن هذه الصفة الموجودة عندك نوع من السلوك الإنساني الذي قد يكون متوارَثًا، أعني أن يكون سببه عوامل جينية (خِلْقيَّة ووراثية)، أو تكون الصفة قد اكتسبْتَها منذ الصغر.
ويحتاج العلاج إلى عمل برنامج علاجي سلوكي متدرج لتغيير هذه الصفة، يُراعَى فيه السلبيات الموجودة في التدرج في التغيير، وأولى خطوات التغيير أن تسعى إلى تغيير طبيعتك الشخصية إن وجدت، ويأتي على رأسها حب العزلة، وعدم السعي لتكوين الأصدقاء، ثم بعد ذلك تزيد من قوة احتكاكك بالمجتمع، وهذا سيعرضك لكثير من المواقف التي قد تغضبك.. وستتعود تحمل مثل هذه المواقف شيئًا.. فشيئًا، وستزداد قوة صبرك وتحملك، وعندها ستكون أقدر على تغيير هذا السلوك الذي تعاني منه.
وإجمالاً عليك أن تركز في التغيير على تجنب الشجار ذاته، ويكون تغيير هذا السلوك (سلوك البكاء) مكملاً لتغيير هذه الصفة.
(أجاب عن هذا السؤال د. إيهاب خليفة)
ــــــــــــــــــــ(41/438)
انفصال الأب والأم.. والدراسة
مع الأهل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب عمري 18 عامًا، وأنا الآن في فترة أنتقل فيها من المدرسة إلى الجامعة، مشكلتي تكمن في عائلتي، فهي عائلة كثيرة المشاكل والخلافات، حتى إنه من النادر أن تجد فيها اثنين على علاقة جيدة، وأنا لا أتكلم عن أبي وأمي فقط، وإنما أتكلم عن كل عائلتي.. أعمامي وعماتي ... إلخ (من ناحية أبي فقط)، ولكن ما يهمني أنا هو أبي وأمي؛ فكثرة المشاكل بينهما أثرت عليَّ بشكل كبير، فهما على خلاف دائم حتى أوصلانا إلى حالة سيئة، ففي إحدى مشكلاتهما التافهة سافرتْ أمي إلى بلد أهلها، وقام أبي بالزواج من أخرى يعيش معها في بيت قريب منا، أما أنا وأخي الصغير فنعيش مع الخادمة في بيت وحدنا. شعورنا بالوحدة والملل والضياع أصبح لا يطاق، وللأسف لا أحد يشعر بنا، فأبي لا نراه إلا نادرًا ورغم محاولاتي لإقناعه بأن يعيد أمي لتعيش معنا لكنه رفض؛ فتكوَّن عندنا شعور بعدم الثقة والاحتقار لمن هم أكبر منا وحتى لأنفسنا، أثّر ذلك على دراستنا بشكل سلبي، وأصبح عندنا شعور باللامبالاة وعدم الاهتمام بأي شيء، حاولت أن أفصل نفسي عن هذه الأجواء، وأهتم بدراستي كما يقال لي دائمًا، ولكني لم أستطع. ... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الابن الفاضل، لن نخوض في أسباب انفصال الوالدين ... أو في موقف الوالد الرافض لحضور الأم؛ لتمكث معكم وترعاكم ... ولن نعيب عليكم مشاعركم المحبَطة والمليئة بالشعور بعدم الثقة والاحتقار للكبار، وسنتحرك خطوة للأمام ونتحدث بطريقة عملية بعض الشيء يصح لمن هو في مثل سنك، وفي مثل دراستك الجامعية أن يفكر بها، وهي تبدأ بسؤال: كيف الخلاص من هذه الظروف التي تعيشها وتعاني منها؟! ... أليس الخلاص بالحصول على حريتك واستقلالك عن هذا الأب، وخروجك للحياة العملية؟! ... تحدد طريق حياتك وكيف ستكون؟! ... وما هو الطريق للخروج إلى هذه الحياة العملية ومعه الاستقلال؟ أليس هو طريق الحصول على عمل تحصل منه على دخل يمكّنك من الاستقلال واتخاذ ما يناسبك من قرارات؟ أو ليس هذا الطريق يبدأ من الانتهاء من دراستك الجامعية؟ أليس الانتهاء من الجامعة هو المعبر الذي يوصلك إلى ما تريد؟ ستقول: إن كل شيء فقد طعمه ومعناه ولم يَعُد هناك رغبة في الحياة ... وهل هذا تفكير منطقي؟! ... إنك موجود في الحياة ولن تغادرها إلا بإذن الله ... ألا تستحق الحياة أن نعيشها كما ينبغي ونستمتع بها ... إذا كان مقدرًا لنا أن نستمر في الحياة ولا نغادرها؛ فيجب أن نتخذ الأسباب من أجل أن نحقق غايتنا وهدفنا من الوجود فيها، وهو أن نحقق ذاتنا ونصل إلى آمالنا إذا بدأنا هذه البداية، وهو أننا في هذه الحياة لا بد أن نعيشها.
إن طريقنا للحياة والاستقلال يمرّ عبر بوابة الدراسة الجامعية، عندها تتحول الدراسة إلى تحدٍّ للنفس وللظروف المحيطة وليس مجرد واجب نؤديه ... عندها تنبعث في أنفسنا الرغبة في أن ننتصر على أنفسنا حتى ننقذها من الضياع ... إذا لم تكن الظروف التي نحياها تعجبنا فهل من العقل الاستمرار فيها بإطالة أمد الدراسة الجامعية أم الأفضل أن نغادرها بسرعة عن طريق الانتهاء من دراستنا الجامعية؟! لن تكون الأول أو الأخير الذي انفصل والده ... ولن تكون الأول والأخير الذي يحيا في ظروف صعبة، ويحتاج لإنهاء دراسته تحت وطأة هذه الظروف ... ولكن هل ترى أنك الأسوأ في ظروفك ... إنك لو نظرت حولك بتمعن وتدقيق لرأيت نفسك أفضل حالاً من كثيرين يعانون معاناة لا يتصورها عقل ... إن أباك ما زال ينفق عليك وعلى دراستك ... إنك ما زلت تعيش في بيت يُغلَق عليك بابُه، وفيه خادمة تقوم على خدمتك، إن لك والدة تستطيع رغم كل شيء أن تتصل وتتواصل معها عبر الهاتف أو الإنترنت وتستفيد بنصحها وحبها ... إن لديك الكثير مما حُرِم منه غيرك.
أَرَأَيْتَ، هناك قائمة من النِعم تعيش فيها؛ فانظر إليها؛ لأن غيرك لا يجد مَن ينفق عليه ويكمل تعليمه الجامعي، ينحت في الصخر لينفق على نفسه ... إن هناك مَن يتمنى غرفة يسكن فيها ويذاكر فيها حتى يكمل دراسته ولا يجدها، ومع ذلك يكمل ويتحدى كل الصعاب ... انظر إلى النعمة والخير في حياتك، واعلم أنه بالرغم من الظلام فإن الفجر لا بد وأن ينبثق، ولكن لا بد من الإيمان بأن الله -عز وجل- كما وعد: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا".
واعْلَم أن لك أصدقاء على هذه الصفحة دائمًا سيكونون معك يمدون لك يد العون، حتى تنتصر على إحباطك ونراك وقد تحققت آمالك بعون الله.
ــــــــــــــــــــ(41/439)
تحت العشرين: بناء المجد أم معاناة السعير
هموم الدراسة, مع النفس
المشكلة الأولي : م - السعودية
أنا طالب في الثانوية العامة متعبٌ جدًّا، حيث إنني لا أستطيع المذاكرة، وأريد النجاح بمجموع كبير، وفي الوقت نفسه تراودني نفسي أن أنجح بأي نسبة وأنهي الأمر، كيف أحفز نفسي لأنجح بتفوق، أريد دكتورًا نفسانيًّا إن أمكن.
المشكلة الثانية : ر - سوريا
بسم الله الرحمن الرحيم، أنا شاب حالتي ميسورة، وأواجه مشاكل عدة في تعليمي، فقد كنت من الأوائل في بداية حياتي حتى سن الخامسة عشرة، وكنت من المتفوقين دائمًا، ولكن كنت كلما اقتربت من السنة المصيرية بالنسبة لي "البكالوريا" (الثالث الثانوي) تراجعت دراسيًّا، حتى إنني رسبت سنتين في البكالوريا.
وأنا الآن في السنة الثالثة، وأخشى أن أعيد الكرة وأرسب، وقد اقترب الامتحان، على الرغم من أن كل وسائل الراحة والدلال متوفرة لي. وكنت كل عام أرسب فيه أعد أبي وأمي وأصدقائي أني سأرجع إلى سابق عهدي في السنة التالية، ولكنني كنت لا أنفذ شيئاً مما كنت أعد به، وكنت أرسب.
ولقد اعتدت على ممارسة العادة السرية، وفي الفترة الأخيرة بشكل كبير، وصورة الفتيات لا تفارقني أبدًا، وعلى ما أعتقد أن هذا هو السبب في تراجعي دراسيًّا. فأرجو منكم أن تجدوا لي الحل قبل فوات الأوان؛ عسى أن تنقذوا شابًّا في الثامنة عشرة من عمره يتمنى أن يكمل دراسته في مجال الحاسب، وأجركم عند الله، أرجوكم أنقذوني قبل أن أفقد الأمل؛ وتصبح حياتي لا معنى لها، وشكراً.
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... إخواني الشباب، آثرت أن أنشر هاتين الرسالتين معًا لعدة أهداف لا تخفى على لبيب.
وأتمنى أن يأتي اليوم الذي تكون لنا فيه شبكة ممن يستطيعون تقديم العون والمشورة لمن يطلبها، بناء على التصورات والأفكار التي يحاول هذا الباب بلورتها ونشرها.
وحتى يحدث ذلك، نوصي بالبحث عن الطبيب النفساني الثقة الذي يجمع بين العلم والخلق، والمعرفة بالشرع مع المعرفة بالواقع، وعلى الله قصد السبيل.
لنا إجابات كثيرة سابقة تناولت مشكلات المذاكرة، ولعل الباب الناشئ على موقعنا تحت عنوان "استشارات تربوية" يهتم بالأمر من ناحية التنشئة على مهارات التعلم، وفنون الاستيعاب التي ينبغي غرسها في الإنسان منذ نعومة أظفاره، والتي تبدو غائبة عن مدارسنا ومعاهدنا، فلا بأس من مراجعة استشارات تربوية، ولا بأس أن نعيد هنا بعض ما قلناه: فإن في الإعادة إفادة، ومزيد بلورة وتذكير "فإن الذكرى تنفع المؤمنين".
المذاكرة أصلاً مهمة صعبة، وتحتاج إلى دافع قوي للتغلب على مغريات الكسل والانشغال بغيرها، وإذا غاب هذا الدافع أو ضعف، فإن المهمة تصبح أكثر صعوبة، والمسألة تحتاج إلى بذل جهد خاصة في مرحلة المراهقة؛ حيث الذهن منشغل بأسئلة واهتمامات كثيرة ومتنوعة في هذه المرحلة، التي يعبر فيها الإنسان من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج.
ومن يتابع صفحتنا هذه يجد عينة دالة من هذه الأسئلة والاهتمامات من العلاقات العاطفية الجنسية، إلى العلاقة بالوالدين والأسرة، إلى التساؤل عن الهدف والجدوى والمسار والقدوة..إلخ.، ومشكلة هذه التساؤلات حين لا تجد إجابة، وحين لا يجد المراهق عليها عونًا راشدًا ممن حوله؛ أنها تشتت التركيز والتفكير، وتطلق مشاعر كثيرة سالبة مما يخلق الكثير من الارتباك في مسار التحصيل والدراسة.
ولا مناص من سد ثغرة العون المطلوب، والمتمثل في صديق أكبر يقوم بدور المعاون أو المرشد المتفهم، ومؤقتا فإن الصحبة الصالحة تبدو عونًا أكيدًا ولازمًا في الصدد نفسه، فالمرء على دين خليله، وهو يتأثر بمجموعة الأصدقاء، في هذه المرحلة سلبيًا وإيجابيًّا، وهو يساعد نفسه حين يحسن الاختيار، ويظلمها بسوء اختياره لأصدقائه، وحبذا لو كانت هذه المجموعة من المجتهدين دراسيًا؛ فيكون لهم أبلغ الأثر في تشجيعه في هذه الناحية أيضًا، والأنشطة الشبابية المتعددة من رحلات ومعسكرات، لا بد منها للقاء والاحتكاك وصقل الشخصية والحث على الخير بالتعلم من الآخرين: ميزاتهم لتقليدها، وعيوبهم لاجتنابها.
إن الوحدة والانغلاق في مرحلة المراهقة تفتح الباب على مصراعيه للشيطان يختلي بالشاب من هؤلاء، في فراغ من القدوة والدافع والاهتمام الإنساني؛ ليتلاعب به كيف يشاء، وصدق من قال: "من لا شيخ له فالشيطان شيخه"، ونحن نضيف أن من لا صحبة له فالشيطان صاحبه، والمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، بعيدًا عن فراغ الذهن والقلب والصور المثيرة، والخيالات الآسرة دون إمكانية تحقق أو فعل.
وتحدثنا في إجابات سابقة عن برنامج مبسط لتنظيم وإدارة الذات والمذاكرة و هي:
أعتاب الامتحانات ... وصفة" للتفوق"
من أجل مداراة الموقف: برنامج إنقاذ عاجل
< وغياب الإدارة
وتبقى مرحلة المراهقة خبرة رائعة متدفقة بالخبرات والتجارب الثرية لمن فهمها، وأحسن التعامل معها، وتكون سعيرًا متقدًا لمن يستخف بها أو يهملها أو يجهلها. وبالمناسبة نحن نقوم هذه الأيام بإعداد برنامج تدريبي لفئة المرشدين والموجهين للشباب تحت العشرين، فمن أراد أن يسهم في هذا الإعداد بفكرة أو غير ذلك فسنكون له من الشاكرين.
ــــــــــــــــــــ(41/440)
وما زالت أسئلة الحب من الأعماق
مع الجنس الآخر, تساؤلات حول الحب
السلام عليكم، أنا فتاة في السادسة عشرة، ومشكلتي التي تضايقني هي أنني عندما أحب فإنني أحب من أعماق قلبي.. لا تظنوا أن هذا شيء جيد، بل على العكس، يكفي أن أحدًا لا يعطيني القدر نفسه من المشاعر التي أعطيها إياه، لقد حاولت مرات عديدة أن أتوقف عن الحب بهذه الطريقة، ولكني لم أستطع، أرجوكم انصحوني؛ حتى لا تصيبني الصدمات في الحياة. ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الحل السريع والأكيد لتجنب صدمات الحياة هو الامتناع عن الحياة!!
ماذا تريدين منا أن نقول لقلبك الأخضر البريء الذي يحب من الأعماق؟! لأنه يعيش مرحلته السنية وفيًّا لخبراته البسيطة، وتجاربه المتواضعة، لماذا تستعجلين النضوج والحكمة؟!! وهل يمكن نقل الخبرات المؤلمة بكلمات مهما كانت؟! وهل هذا شيء مطلوب ونستطيع القيام به فعلاً ؟! وهل يتعلم الإنسان إلا من خبراته الشخصية الأليمة؟!
إذا أردت سماع قصص عن تجارب سالبة، وتعتقدين أن هذا يحقق لك ما ترغبين فصفحتنا تمتلئ بكثير من الخواطر المنكسرة، والقلوب المكلومة.. فهل مقابلة الحياة من وراء غلالة سوداء على العين قد صار طموحًا لدى بعض جيل اليوم في مواجهة قسوة الواقع؟!
وإذا كنت تريدين التعلم؛ فالناس حولك، وكتاب الحياة المنشور مليء بما يردع عن الحب من الأعماق.
أختي، يقول الرسول المصطفى: "أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما" فلماذا تراه يقول ذلك؟!
لأن البشر مطبوعون على التقلب، ولذلك قالوا: دوام الحال من المحال، فسبحان الباقي، ولأنه هو وحده قديم منذ الأزل، وباق إلى الأبد، وما بعد الأبد، ولأن الخلق يريدونك لهم، وهو يريدك لك، ولأنه لا يَضل ولا ينسى، ويعفو ويغفر، وهو أرحم بالعبد من الوالدة بولدها، وهو الكريم الذي لا يمل العطاء، والقريب الذي لا يحتاج النداء، والأنيس المؤتمن في السراء والضراء؛ ولأنه أكمل من اكتملت فيه صفات الحبيب: يستر القبيح، ويجازي على الحسن بالأضعاف المضاعفة، ويتجاوز عن الإساءة، ويجازي إحسان الضعيف بإحسان العظيم، وقد كمل فيه كل ما نقص في خلقه وزيادة، فاستحق أن يكون وحده "الحبيب" ولا يشعر مؤمن بحلاوة الإيمان إلا إذا كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وكل حب لشيء أو شخص يكون بعد ذلك فيه.
يا أختي، هو فقط الله سبحانه وتعالى أحبيه من أعماق الأعماق، ولا تخافي بخسًا ولا هجرًا، ولا صدًا ولا صدمة، ودعي الأيام تعمل عملها، وتمارس دورها في إلجام العواطف بالعقل.
اللهم علمنا كيف نحبك كما علمتنا كيف ومتى تحبنا، اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، يا رب ماذا نعني إن فاتنا حبك؟! يا رب فهمنا أنه لا موجود إن فقدناك، ولا مفقود إن وجدنا
ــــــــــــــــــــ(41/441)
معًا إلى الله .. خطوة بخطوة .. قصة ملتزمة
مع النفس, مع المجتمع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أشكركم على هذا الباب المتميز بحق والذي أتابعه باستمرار، ولولا إعجابي الشديد بالردود ما فكرت في الكتابة إليكم .. أنا فتاة في السابعة عشرة السنة من عمري .. مشكلتي هي ديني، وبالأخص صلتي بربي، مذ كنت صغيرة تربيت في بيئة لا صلة لها بالدين أبداً اللهم إلا بعض الأخلاقيات .. رسخ في ذهني أن الحجاب ليس مهمًا ما دامت الفتاة مهذبة وتتعامل مع الشباب ضمن حدود الأدب، وعلى ما شابه هذه الأفكار في كل نواحي الحياة..
ولأنني عشت في بلد خليجي فقد نَمَت لديَّ معلومات دينية بسيطة دون توجيه، فكنت أتأثر بها في أثناء السنة الدراسية، وعندما نذهب في فصل الصيف لبلدنا أنساها أو أتناساها لأعيش حياةً لاهية بعيدة عن الله تمامًا في أجواء مختلطة، وأرى أمامي الفتيات شبه عاريات مع الشباب في كل مكان، خاصة أننا كنا نقضي الإجازة الصيفية في مصيف على البحر..
واستمر هذا الحال إلى أن أصبحت في الثالثة عشرة من عمري، وبدأت أهتم بأنوثتي ولباسي ومظهري ورائحة عطري، وكنت أصادق الفتيات والشباب على السواء، حتى أصبح لي شلة أصدقاء مختلطة وكثيراً ما كنا نقيم الحفلات وما بها من رقص وأغاني و.. إلى أن جاءت لمدرستنا مدرسة دين جديدة بهرت الطالبات بأفكارها وأسلوبها .. ولكن قسوة قلبي من أثر المعاصي لم تجعله يهتز في السنة الأولى إلا لخاطرة مرت لثوان: "أين أنا مما تقول؟ أنا هنا متلفحة بالثياب؛ لأذهب في الصيف أراقص الشباب مرتدية ما يُخجل!".
ولكن هذه الخاطرة سرعان ما ذهبت ليأتي الصيف من جديد؛ فيأسرني بروعته وجاذبيته، أضف إلى ذلك أنني بدأت أكبر وأحببت شاباً لم يكن بيني وبينه حديث؛ فتعلقت به بقلبي فقط، وأنا المعروفة بالرومانسية والشاعرية وأصبحت أجلس وحدي على شاطئ البحر بالساعات ... وانقضى الصيف ليزداد تأثير تلك المعلمة عليّ، وأبدأ في الحيرة والتخبط هنا وهناك، وكان لدي مجموعة من الصديقات اللواتي تأثرن مثلي، وبدأنا نقترب من تلك المعلمة وبدأت تعطينا مما أعطاها الله من العلم والدين وزرعت داخلي الضمير تجاه ربي وضرورة الدعوة ..
ولكني اضطررت في السنة التالية لترك هذا البلد والعودة لإكمال دراستي الثانوية في بلدي، وكنت وقتها في الصف الأول الثانوي .. عدت لبلدي حائرة محتارة لكنني أعترف أني لم أستطع مقاومة إغراء الصيف وما به من سعادة لي وما يزرعه في قلبي من شعور بالتحليق عن الأرض، ولكنه لم يخل من فترات تطول أحياناً من التأنيب والألم على حالي، وكنت قد بدأت ألتزم بالصلاة وكثيرًا ما كانت رغبة عارمة بالبكاء تتملكني في أثناء جلوسي مع شاب أو ارتدائي للملابس الضيقة..
وعندما بدأت الدراسة في بلدي كان كل من عرفني في ذلك البلد قد خوفني من بدايات التدين التي نمت داخلي، وقال: إني سأنحرف وأصبح أسوأ مما كنت .. فعشت تلك السنة على نية التغيير والخلوص من المعاصي والعودة إلى الله بصدق، وبدأت أكثر من تلاوة القرآن والدعاء؛ ولكني عجزت عن القراءة، وصلتي بربي بدأت تنمو ببطء شديد، ولم أستطع ارتداء الحجاب؛ لممانعة أهلي الشديدة؛ فأصبحت أحبس نفسي في المنزل؛ لأخفف عنها معاصي الظهور دون حجاب، وأخلو بها في غرفتي بالساعات.
وبدأت تنمو داخلي هموم دعوية لم أحسن توجيهها، ولم أحاول الاختلاط بالجماعات الدينية في بلدي؛ فبقي ديني في جدران غرفتي، وفي الصيف التالي ساعدني ربي وارتديت الحجاب، وابتعدت عن ذلك المجتمع الآسن قدر استطاعتي، وذهل الجميع بحجاب من كانت تُسمى بالفراشة.
وبعد أشهر عدت لذلك البلد الخليجي؛ لأتم دراسة الثانوية العامة هناك، وذهلت بما وجدته من حال صديقاتي من الالتزام الرائع وخوف الله والإخلاص والعمل الدعوي الدؤوب بهمة، وقد سبقنني بأشواط في حفظ القرآن وتغيير أنفسهن، والقراءة، ومدرستنا الغالية توجههن أول بأول؛ فأحببت هذه الأجواء المتدينة بحق التي تعرف ربها دون بدع أو تزمت، رأيت فيهن أخوة في الله ذهلت لها، وما إن عدت حتى انخرطت معهن، لكن لم يكن من الممكن أن ألحق بهن فما أنجزنه في فترة غيابي كان أكبر من أن أستطيع اللحاق به.
وقبل عودتي بأشهر مررت بظروف عائلية قاسية للغاية خربت علاقتي بربي تماماً، وما عدت أعي من صلاتي حرفاً، وتوقف حفظي للقرآن، وعقد لساني عن الدعاء، وبعد أن انخرطت بهذه المجموعة وجدت أن فترة غيابي زرعت بينهن وداً لم يكن موجوداً بيني وبينهن فأصبحت غريبة بين صديقاتي، وزاد هذا من آلامي وحالتي النفسية التي بدأت تتدهور شيئاً فشيئاً، كما أن علاقتي بهذه الأستاذة كانت سطحية فزاد شعور النقص لدي، وزاد شيء أفظع.. زاد ابتعادي عن الله، لم يكن لي من ديني إلا المظاهر والدعوة بين الناس فقد كنت جهازاً دينياً دعوياً متحركا أما من الداخل فلا شيء إلا صلاة في آخر وقتها ولسان لا يدعو إلا في الأزمات، ولكني كنت أصدم حتى عندما أرغب في الدعاء فإني سرعان ما أملّ وأفتر وأقوم عن سجادة الصلاة.
وعندما لاحظت هذه المشاكل داخلي، وعندما رأيت صلاتي ليس فيها شيء من الخشوع، وعندما بدأت استشعر أن كل هذه الصلوات تصعد إلى السماء قائلة: ضيعك الله كما ضيعتني؛ حاولت فعل المستحيل لتحسين هذا الوضع، وحاولت فهم ما أقرأ في الصلاة، حاولت بالاستماع للأناشيد الدينية والدروس والعبر والمواعظ وما من فائدة، وذهبت مع أهلي للحج فتأملت فيه الكثير من التغيير لصلتي بربي ولكني عدت خائبة الأمل فحالي كما هو.
وفي أثناء هذا سافرت تلك المعلمة إلى أمريكا لإتمام دراستها، فبقيت أنا كالغريبة مع مجوعة تفدي فيها الواحدة الأخرى بروحها.. وتدهورت علاقاتي بهن حتى بقيت مع واحدة فقط ولكنني ظللت أحضر اجتماعاتهن .. ثم إن ظروفي العائلية قاسية لدرجة لا تُحتمل وأنا الآن في الثانوية العامة؛ فشكلتْ كل تلك المآسي ضغوطاً على نفسيتي حتى الاختناق، أضف لذلك ذاك الشاب الذي أحببته أيام طيشي؛ فما زالت ذكراه تجول بخاطري؛ فصرت صورة للكآبة والحزن..
والآن أنا ذاهلة مما حدث عندما كنت غارقة في المعاصي حتى النخاع كنت سعيدة لدرجة لا توصف، ولم تبدأ هذه السعادة في التلاشي إلا عندما بدأت أستشعر أنها معاص، فلم أعد أستطيع أن أهنأ، وأنا أعلم أني بكل خطوة آخذ إثماً وتزداد أيامي في جهنم، فبدأت العودة إلى الله ونجحت في الأمور الظاهرية: الحجاب، وترك الأغاني، والالتزام بالصلاة، وحفظ القرآن. وفشلت فشلاً ذريعاً في الأمور القلبية: الخشوع، والدعاء، والإخلاص. كما فشلت تماماً في القراءة وتثقيف النفس التثقيف اللازم لأي داعية، أضف لذلك مستواي الدراسي الذي تدهور حتى بات الجميع يخشى على مستقبلي وأنا التي أعيش السنة التي تحدد المصير الدراسي ..
مفارقة عجيبة لا أحسن فهمها؟ عندما كنت في المعاصي كنت سعيدة، والآن أنا الفتاة المتدينة ظاهريًا تعيسة حتى الموت.. ولكنني متأكدة أن الطريق الذي اخترته هو الصواب، وأن درب الله هو الموصل للسعادة الحقيقية، لكن أين هي هذه السعادة؟ كيف السبيل إلى الوصول إلى صلةٍ بربي.. قالوا لي: إن المعاصي تقسي القلب فتحجبت؛ وتركت الأغاني وابتعدت عن أجواء الفساد، وأنا فتاة بارة بوالدي جدًّا..فأين الخطأ؟ ولماذا حين أصلي خلف الإمام وهو يدعو ويبكي والناس يبكون لا تتحرك مشاعري ؟؟ لماذا ما زال قلبي قاسياً هكذا وأنا التي عرفت بالشاعرية والرومانسية أيام طيشي؟؟.
أقسم أني أمرّ بأفظع وأصعب أيام حياتي، ومنذ حوالي شهرين لم أفعل أي شيء مفيد من دراسة أو عبادة أو غير ذلك حتى أصبحت عصبية المزاج حادة الطباع، وقد كنت مثال الرقة والنعومة، ومضى رمضان دون أن يتغير شيء ، مع أني التزمت بصلاة التراويح والقيام في المسجد؛ أملا أن أجد ذاتي وأعود لعلاقة طيبة بربي تخرجني مما أنا فيه ولكن كان الأمر دون فائدة..
ما الحل؟ هل أستمر على هذا الحال؟ وهل من الممكن أن يرضى عني ربي ويرحمني في الآخرة بدخول الجنة دون أن تكون هناك صلة لي به.. هل يمكن أن يشفع لي جهادي لنفسي وأعمالي.. لا يمكن لا بد من دعاء أرتاح بعده .. لا بد من شعور بأن الله معي.
أرجوكم أرشدوني كيف أصل لذلك؟، وآسفة للإطالة عليكم، وربما كان هناك بعض الأفكار المكررة، لكن اعذروني لصغر سني، فلم أقرأ في هذا الباب مشاكل لمن هم في مثل عمري وجزاكم الله ألف خير.
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت الكريمة، شكرًا على ثقتك، وجعلنا الله عند حسن ظنك، عندما أقرأ قصة من القصص التي تأتي ضمن مشكلات هذه الصفحة أتوقف عند أشياء، وتتبادر إلى ذهني أسماء مختلفة لأضعها عنوانًا للإجابة، ولو كنت نشرت رسالتك فربما أسميتها "مقاطع من سيرة فتاة في هذا الزمان"، وبصدق وبدون مجاملة وجدت في أسلوبك ما يدل على عقل أكبر بكثير من السن التي ذكرتها، ولغتك العربية جيدة أفضل من لغة كثير ممن يكتبون في صحافتنا.
وقبل أن أسترسل في الحديث معك فأنسى نقطة أظنها مهمة، أرجو أن تنتبهي إلى أن مشاكلنا قد قاربت على السبعمائة الآن، وهي معروضة في صفحات تحتوي كل صفحة منها على قرابة العشرين عنوانًا، وإذا ضغطت على عنوان تخرج لك تفاصيل السؤال والإجابة، وربع هذه المشكلات - إن لم يكن أكثر ـ خاص بمن هم في مثل سنك، ولكن الأمر يستلزم بحثًا، ولعلك تجدين بعضًا من هذه المشكلات، وضمن عناوين الإجابات مقطع "تحت العشرين".
أختي، سأسعد بالتواصل معك مرة تلو المرة، وسأكتفي هذه المرة بمجموعة من الملاحظات على ما تثيرينه بما يتسع له المجال؛ لأن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضًا، وتحتاجين أنت إلى صحبة أكثر من حاجتك إلى موعظة أو كلمة عابرة.
يا أختي، أنت في مفترق طرق بطبيعة مرحلة المراهقة التي تقترب من نهايتها بالنسبة لك، ومن معالم هذه المرحلة التوتر والتردد والقلق، وقد شاء الله سبحانه أن يعرض أمامك أكثر من سبيل للعيش: أحدهما سبيل ترينه مليئًا بالفساد والمعاصي الظاهرة والفتن، والآخر ترينه سبيل النور والبراءة والطهر.
وهذه الرؤية الحادة في ألوانها بين أسود قاتم لا يكاد يحوي بصيصًا من الضوء، والآخر الملائكي الذي ليس فيه شائبة، هذه الطريقة في رؤية العالم خطيرة وغير دقيقة، فالحياة التي يعيشها أهلك، وأهل بلدك هي حياة لا تخلو من بعض القيم، ولكن تغلب عليها مظاهر حب الحياة الدنيا، والاهتمامات والممارسات الشائعة في هذا النمط من الحياة تتسق مع هذا الأسلوب في التفكير.
وأهل الله يعيشون في الدنيا، ويسعون لعمارتها ماديًا وروحيًا مع فارق جوهري قد يبدو بسيطًا ألا وهو أنهم يسعون لعمارتها بالروح والمادة معًا، وأن تمتعهم بالدنيا يكون محكومًا بحدود الشرع ومطالبه، وهم ينجحون أحيانًا ويفشلون أحيانًا؛ إذن هؤلاء الغافلون لا تخلو حياتهم من بعض خير. وأولئك العابدون لا تخلو حياتهم من الدنيا، ومن بعض الأخطاء والعيوب، وبعضها يكون فادحًا بالمناسبة، ولكنهم " في التحليل الأخير" يريدون وجه الله واليوم الآخر، ويجتهدون في تحصيل هذا.
وأهل بلدك وراءهم تاريخ مثقل بجراحات تزول من وطأتها الجبال إذا تجلت عليها، وقد أتقابل معك، أو تقابلين يومًا من يروي لك بعض هذه الأهوال التي يشيب لها حتى الجنين في بطن أمه، ورغم أن هذا الماضي المستمر "إلى حد كبير" لا يمكن أن يكون تبريرًا لفساد فاسد، أو انحراف منحرف فإنه ينبغي أن يوضع في الحسبان حتى لا نظلم الناس ونحن نحاكمهم، والقانون يعرف ما يسمى بالظرف المخفف، وفيه يخفف القاضي من حكمه على المتهم ليس بسبب ذات الجريمة، ولكن من أجل السياق المتعلق بها فيما يخص ظروف المتهم، أو ملابسات وقوع الجريمة.
وحين يكون لديك وقت أوسع، وفرصة أكبر ستعرفين في أية أمة تعيشين، وأتعجب كيف يدعو الإنسان إلى الله في أمة لا يكاد يعرف تاريخها أو حاضرها أو مشكلاتها، وأسباب انحراف المنحرف، أو غفلة الغافل فيها!!
وحين يختار الإنسان طريق الله تعرض له صور من الالتزام، ومن خلال الخبرة والتجربة فإن معظم هذه الصور يبدو شكليًا "على الأقل في البدايات" مثل ترك سماع الأغاني، وشكل وكثافة الحجاب، واستخدام ألفاظ معينة في الحديث مثل: جزاك الله خيرًا.. بدلاً من شكرًا.. وهكذا. وهذه لا تعدو مجرد قشرة خارجية للالتزام، وصورة شكلية له، وهي جزء صغير وهام من عالم كبير هو اختيار كامل في نمط الحياة والعيش والثقافة، ومزاج حب أشياء وكراهية أشياء.. إلخ.
والدين كما يكون حلاً يمكن أن يتحول إلى مشكلة بحسب تناولنا له، وتعاملنا معه، ولذلك فإن الكلمات التي تصفين بها عالم الملتزمات بدءًا من مدرستك الفاضلة، وبقية الأخوات من حولك تبدو بالنسبة لي غير كافية للدلالة على حقيقة وعمق واتساع هذا الالتزام، لأن طرق الالتزام وألوانه وسبله كثيرة كما ذكرت، وكلنا يجتهد في الوصول إلى الله، ولكن عبر مسارات ووسائل مختلفة بما يصل أحيانًا إلى حد التناقض والتضارب، والبشر مختلفون في رؤيتهم للأشياء، وهناك في هذه السبل الكثير مما يمكن الحديث عنه، والاتفاق أو الاختلاف بشأنه على خلفية مقاصد الشرع، ومعالم الواقع الذي نعيشه مع غيرنا.
الإسلام منهج متكامل ويحتاج إلى وقت وجهد للتعمق في فهمه وممارسته، وصدق الحبيب المصطفى الذي آتاه الله جوامع الكلم فكان مما قاله: "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى".
أتعرفين معنى "المنبت" إنه ذلك الرجل الذي يقسو على ناقته، ويشدد عليها فيضربها بمقمع من حديد يكسر ظهرها، فلا هو أبقى ظهرها تحمله إلى حيث يريد، ولا وصل إلى ما كان يطمح الوصول إليه سريعًا، كما كان يرغب!!
وهذه الصورة البلاغية النبوية يفيدنا أن نتوقف أمامها نتأملها؛ ففيها الكثير من الحكمة: فالناقة هنا هي نفس الإنسان، والصحراء التي تقطعها هي الحياة بصعوباتها وعوائقها، ومشاكلها وأفراحها، والحكيم هو من يحسن استخدام زواجر الشرع في حث دابته على السير في هذه الفلاة دون أن يتركها تقف مسترخية، ودون أن يشدد عليها ضربًا ـ رغبة منه في الإسراع ـ فإذا بظهرها ينكسر، ويخسر كل شيء.
إذن هذه بعض ملامح المحيط الذي تتحركين فيه، وبعض معالم الاختيارات التي أمامك، وبعض تضاريس الأرض التي فوقها تسيرين، فماذا عن نفسك التي بين جنبيك؟!
وماذا عن الشيطان في الإغواء والإيقاع بالناس.. أحكي لك طرفًا من هذا وذاك.:
لا تترك النفس الأمارة بالسوء صاحبها يهنأ لحظة، وطالما يجاهدها فهي تجاهده، وهي غالبًا تختار شيئًا تحبينه، ويمثل لديك "نقطة ضعف" معينة، فإذا أعجبك جسدك مثلاً فإنها تأتي لك من هذه الناحية تدعوك لتعريته، فإذا جاهدتها فستظل تلح على شأن الجسد، ولو بالعكس فتقول لك: ممتاز.. أنت الآن محجبة، وهذا يلفت لك الأنظار أكثر!!، أو تقول لك: اختاري الألوان القاتمة، والأقمشة الكثيفة حتى لا يظهر منك شيء، فيتشوق الرجال لمعرفة ما تحت الأغطية أكثر وأكثر!!!
وجهاد النفس مستمر من ميدان إلى ميدان حتى تصفو ويسلس قيادتها، وذلك بحسب جهدك، ويحتاج إلى زمن، ولا تستعجلي، ومن فضل الله عليك أن يكون لك نفس لوامة مثل التي تسمعين صوتها بين الحين والآخر.
أما الشيطان فيُروى عنه أنه قابل أحد الأنبياء فسأله ذلك النبي: ما أشد أصناف البشر عليكم؟!! فقال له: البشر معنا ثلاثة أصناف الأول: مثلك وهم المعصومون، وليس لنا عليهم سبيل. والثاني هم: اللاهون ، وهؤلاء كفونا أنفسهم. والصنف الثالث وهو الأشد علينا، وهم أقوام نُقبل على أحدهم بالإغواء والتزين حتى يقع في المعصية فنفرح، ثم يتذكر ربه ويستغفر ويتوب فيتوب الله عليه فنغتم، فلا نحن نيئس منهم مثل الأنبياء، ولا نحن نبلغ حاجتنا منهم مثل أصحاب الغفلة المزمنة.
ومن روائع تراث علماء السلف كتاب " تلبيس إبليس"، وفيه يذكر المُصنِّف بعض سبل الالتباس الذي يمارسه الشيطان على الناس بمختلف أصنافهم، ومنهم العبّاد والزهاد، حتى ينال من نفوسهم، ويشوش على تفكيرهم، والحكيم يتعرف على هذه الطرق، ويفقه أحوال النفس والقلب. ومن يفقه معالم الطريق إلى الله فقد جاز نصف المراد، ويبقي له التشمير، وبذل الجهد للسعي إلى ظلال رضاه بالطاعات الظاهرة والباطنة؛ حتى يصبح الله سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، وهذا يحتاج إلى جهد في المعرفة والمجاهدة، ويحتاج إلى وقت يا صغيرتي، وأنت تحسبين أن بضع سنوات كانت مسيرة، وتحاولين تأملها وتقييم نتائجها، والخروج بأحكام من قبيل: كنت سعيدة حين كنت عاصية، وأنا اليوم تعيسة وطائعة ظاهريًا!!.
لا يا أختي الحياة أكثر تركيبًا من هذا الأحكام المتعجلة السريعة، والسعادة التي كانت يوم الغفلة هي سعادة الجاهل الذي يفرح بعطاء الله، يحسبه منحة خالصة دون مقابل، ولا يرى في جوفه الابتلاء منه سبحانه؛ لينظر ماذا سيفعل فيما أتاه مولاه!!.
طبعًا الغافل سعيد، ومسرور بعقله المحدود، ودنياه الصغيرة المليئة بلعب الأطفال، والمتع العابرة، وعمل النار سهل بسهوة، وعمل الجنة حزن بربوة"، كما ورد، وأكثر ما في الدنيا الغفلة، وأكثر ما في الآخرة الندم"، "وحُفت الجنة بالمكاره، وحُفت النار بالشهوات"، "والدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر".
وآثار كثيرة تدل على أن الحياة الدنيا ليست هي المستقر أو المستودع أو غاية المنى عند المؤمن، وأنه ينبغي أن يعيش فيها كالغريب، أو عابر السبيل، فهو على خوف دائم: إذا أحسن فقد لا يقبل الله إحسانه، وإذا أساء فقد يقبضه الله على الإساءة، ويكتب له سوء الخاتمة، ولكن من قال: إن المؤمن يبقي ليله ونهاره في حال الخوف فقط..
لا يا أختي المؤمن يتقلب بين الخوف والرجاء في غمار محبة الله الكريم الرحيم، وإذا جاءه الخوف وضعه خلفه دافعًا للتشمير والاجتهاد لا مقعدًا له، ومعجزًا عن الجد وعمارة الأرض. وإذا جاءه الرجاء جعله طوق نجاة ينتشله من لجة الأحزان التي تجتاح نفسه من فرط تقصيره في جنب الله مهما أنجز، وهو في الحالين منغمس في حب الله، فهو الحب الأكبر في حياة المؤمن. وفي ينابيع هذا الحب ومن جداوله يرتشف من ألوان الرضا والنهم في بدنه وروحه وسائر أموره ما يجعله يطمح دائمًا إلى المزيد، فهو لا يغتر بعفو الله، ولا يقنط في الوقت ذاته من رحمة الله، ولا ييئس من روح الله، وهو بالله، ومع الله، ولله حياته ومماته، وفي الله يحب ويكره الأشياء والأشخاص، وهكذا يعيش في الدنيا حتى يلقى وجه الله، وهو كذلك.
أختي.. الكلام كثير، والأمر يطول شرحه، وقد أطلت عليك بالفعل، حذار من اليأس، يا أختي فهذا الطريق طويل، ولا تتوقفي عن التقرب من الله فإنه ينزل إلى السماء الدنيا في جوف كل ليلة؛ فقومي لتناجيه قدر استطاعتك، وقولي له كل شيء ـ وهو أعلم بك منك ـ واطلبي منه ما تريدين بلا حدود ولا قيود ولا سدود؛ فهو مالك الملك ذو الجلال والإكرام، وإياك أن يكون تذكرك لذنوبك مقعدًا لك عن السعي إلى الله، وعمارة الأرض؛ ففي هذه الحالة يجب نسيان الذنب؛ لأنه أصبح محور التفكير، وينبغي أن يكون مجرد حافز على التشمير، وأدعو الله أن يجعل قلبك موصولاً به، وهو حال ومقام في الوقت ذاته.
أختي، لقد بدأت الطريق، وسرت في خطوات منه فلا يقعد بك الكسل، أو تعيقك أفخاخ الشبهات النفسية والشيطانية عن متابعة السير، ولا تظني أن الالتزام شربة ماء أو مضغة علك إنما هو سبيل متين فتوغلي فيه برفق، واستعيني بالصحبة الصالحة على المذاكرة، واكتبي لنا عن ظروفك العائلية القاسية التي مررت بها، وكوني معنا: تابعي إجاباتنا السابقة، وتجولي على صفحات موقعنا، ولا تنسي أهم عباداتك وواجباتك حاليًا، وهي المذاكرة.. وسأنتظر خطابك القادم.
ــــــــــــــــــــ(41/442)
موم الشباب البازغة: الوسيطة حلاً
مع النفس, الصدمة الحضارية
شكرًا جزيلاً وجزاكم الله عن المسلمين خير الجزاء عن هذا الموقع الرائع الذي استفدت منه كثيرًا من معرفة أخبار الأمة الإسلامية وقراءة المقالات المختلفة عن المواضيع المهمة، وأعجبت كثيرًا ببعض الردود التي تشفي القلب وتبعث الطمأنينة فيه في قسم "مشاكل وحلول".
أنا لا أريد أن أطيل عليكم لكن اعذروني إن فعلت. أنا شاب "ملتزم" في الثامنة عشرة من العمر تبت إلى الله، وأتمنى أن يقبل توبتي ويوفقني في أن أخدم هذا الدين بكل ما أملك.
أنا مقيم في بلد غربي، والحمد لله أنى ثابت على ديني بل ويزداد إيماني بالله، ولكن هناك مشكلة كبيرة وهي أني أحس دائمًا أني مقصر تجاه الله ووالدَي وأخي. أحس أنى أريد أن أبكي وأناجي الله وأعمل كل ما يرضيه، ولكن كلما تقربت من الله أتذكر الماضي وأحس بإحساس فظيع وأخجل من الله.. كم هو رحيم وكريم، وأحس أني مهما عملت لن أرضي الله بالشكل اللائق بجلاله، وعندما أرى التضحيات التي قدمها الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين والصالحين وحتى علماء عصرنا أجد نفسي كالذبابة أين أنا من هؤلاء، ونفس الشعور أحسه تجاه والدَاي فهم كبار في السن أريدهما أن يفخرا بي وأن يكونا مطمئنين عليّ.
وكل يوم يمر عليّ أجد أفكاري تتزايد وطموحاتي تتزايد في الاندفاع تجاه أفكاري السابقة.. في عالمنا المادي يجب على أصحاب الأفكار أن يكون لهم دعم مادي وأنا ما زلت طالبًا، ويا للعجب فأنا لست متفوقًا مع أني أبذل جهدي، فأنظر لنفسي على أني إنسان فاشل، فأنا لم أحقق شيئًا منذ عام ونصف. لست موفقا في مجال الكمبيوتر الذي أحاول أن أدرسه ولا أقبل أي اتجاه آخر غير خدمة دين الله وكيف أخدم بدون شهادة. وأنا لا أجد حتى وقتًا كافيًا لأجد عملا بجانب الدراسة . والله إني أريد أن أفعل شيئا.. أي شيء، لكني لا أحتمل أن أرى نفسي هكذا، فأنا لا أقدم شيئًا والعمل الوحيد المطلوب مني لست موفقًا فيه، أنا لست يائسًا لكني أريد حلاً، الأمة تحتاج إلى شباب يقودها. فكيف أستطيع أن أساند أمتي، وأرد فضل الله عليّ، وأقف بجوار والدَي وأخي؟ أنا لست راضيًا عن نفسي، أرجو النصيحة جزاكم الله خيرًا، داعيًا لكم أن يستمر نجاح الفريق القائم على أمر هذا الموقع. أرجو أن تبلغوهم سلامي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... المشكلة
... ... الحل ...
...
... الإجابة:
الأخ الكريم، الشعور بالتقصير قد يكون دافعًا لتلافيه وقد يكون مُقْعِدًا عن طلب المعالي، والأخذ بالأسباب هو العلامة الأكيدة على التوكل الصحيح.
ولقد أقسم الله تعالى بالنفس اللوامة في القرآن الكريم، واعتبرها العلماء درجة مهمة وهي النفس التي تصعد لكي تصل إلى النفس الراضية أو المطمئنة "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي".
والنفس اللوامة هي نفس مؤمنة في بداية طريقها إلى الله؛ ولذا فهي قلقة، وهذا القلق يدفعها إلى المضي قدمًا في سبيل الله تحاول أن تسبق الزمن من أجل أن تعوض ما فاتها، وهي بعيدة عن طريق الله. وتظل هذه النفس اللوامة أمرًا صحيًا طالما أنها تدفع صاحبها إلى العمل، وإلى البحث عن كل ما يرضي الله وعن كل السبل التي تؤدي إلى رفع مكانتها حتى تصل وتصبح نفسًا مطمئنة. ولكن إذا تحول الأمر إلى القلق أو لنقل "لوم مرضي" يفقد الإنسان ثقته في نفسه ويحبطه عن العمل، ويشده إلى الوراء، فإن الأمر هنا يحتاج إلى وقفة؛ لأن الشيطان يريد أن يجعل الإنسان يائسًا من رحمة الله ومن فضله فيقنط من رحمته، فيتحول منتكسًا عن طريق الله إلى طريق الشيطان!!.
إن التقصير أمر وارد في حياة الإنسان، وعبّر عنه الله تعالى بقوله: "وخُلق الإنسان ضعيفًا"، وعبّر عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون".. "لو أنكم لا تذنبون لأتى الله بقوم يذنبون ويستغفرون".. وهكذا تصير حياة الإنسان بجناحي الخوف والرجاء، ويجب أن يتوازن هذان الجناحان حتى يستطيع الإنسان أن يحلق في طريق الله.
إننا نحمد فيك شعورك بالتقصير ناحية والديك، وأخيك، وليكن هذا دافعًا لك لمحاولة جبر هذا التقصير قدر استطاعتك؛ لأنه في النهاية "لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها"، فلتكن عمليًا ولتضع برنامجًا واقعيًا في حدود إمكانياتك لرفع كفاءتك، ولا تكتفي بمجرد لوم نفسك على أنك غير متفوق، وأن الأمة تحتاج أصحاب التفوق.
إن الأمة تحتاج إلى أصحاب الهمم المجتهدين في تغيير أنفسهم إلى الأحسن؛ لأن الله "لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، إنها معادلات متشابكة وليست معادلة واحدة، أو معنى واحد يفسر كل المسائل، إنها الوسطية بين الخوف والرجاء، بين "لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها" و"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
ــــــــــــــــــــ(41/443)
آية العجز التضييق.. رسالة من سجن الأسرة
مع الأهل, علاقات أسرية
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. أرجو من سيادتكم التكرم بالبحث عن حل لمشكلتي.. أنا فتى في الصف الثاني ثانوي.. أبلغ من العمر سبعة عشر عامًا.. وأصغر إخوتي..
أعاني مشكلة: وهي أن أمي لا ترضى أن أخرج من البيت.. أبدًا أبدًا.. لا أستطيع أن أذهب لأي مكان.. أحيانًا يتّفق أصدقائي على الخروج إلى إحدى الأماكن الترفيهية.. بالقرب من البحر مثلاً أو إحدى المزارع.. فأرى منها منعًا باتًّا للخروج معهم.. وعندما يسأل أصدقائي عن عدم الذهاب معهم.. لا أعرف ماذا أقول لهم.. وأشعر بالقهر لذلك.. حتى أنني من قهري شكوت لهم حالي.. وأخبرتهم عن سر عدم خروجي معهم لأي رحلة.. وأحيانًا أرى في أعينهم السخرية منّي.. أنا محرج جدًّا جدًّا من أصدقائي.. لدرجة أنهم عندما يسألونني في أمر ما.. يقولون لي.. هل ترضى أمك أن نذهب للمكان الفلاني..
والذي زوّد الهم الذي أنا فيه.. أشعر بأني أريد أن أضرب أمي.. والعياذ بالله.. فأنا إن خرجت.. تسبب لي مشكلة كبيرة في البيت.. مشكلة يتخللها الصراخ والإزعاج التّوبيخ.. ومن كثرة خوفها الزائد عليّ الذي لا أطيقه أنني الآن وفي هذا السن.. ممنوع من أن أقترب من أراجيح الأطفال كي لا أتأذّى!!
وكذلك أبي فهو ليس ببخيل.. وهو ينفق كثيرًا ومسرف أيضًا.. ولكن له عيب.. وهو أنني عندما أطلب منه مصروفًا لا يقول شيئًا.. ولكن عندما يراني أشتري شيئًا.. يحرجني بتوبيخه على ما أشتريه.. رغم أنه مصروفي ويحق لي أن أشتري ما أريده.. من أدوات لغرفتي أو شكولاته أو أي شيء..
ولديّ رخصة قيادة.. ولكن يُحرّمون عليّ الذهاب إلى كثير من الأماكن الآمنة.. ولا يسمحون لي أن أقود السيارة في الأماكن الخطرة.. أشعر بالحرج عندما يطلب منّي بعض زملائي بالمدرسة إيصالهم إلى منازلهم.. حيث إن أهلي يرفضون ذهابي إلى تلك الأماكن التي ليس فيها معنى للخطورة..
وكذلك.. السباحة.. فأنا أحب السباحة.. وتعلّمتها دون علم أهلي.. والمكان الذي فيه بركة يمنعونني منه.. بل ويحرجونني أمام زملائي بتوجيهي وتقديم النصائح التي من المفروض أن تقدم لطفل في السابعة ليس لي..
ماذا أفعل؟!! هل أخرج من البيت وأتشرد أم ماذا؟!!! أنا مثل الفتاة في المنزل.. لا أخرج.. وكأنني مسجون.. حتى المسجون ينعم ويرتاح أكثر مني.. أنا أتألم.. لا أستطيع أن أتحدث مع الرجال.. ولا التعامل معهم.. كل أصدقائي أفضل منّي أنا محطّم.. محطّم.
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ الكريم:
يبدو أن العزلة التي يفرضها عليك الوالدان قد منعتك من إدراك أن العالم يمتلئ بمن هم في مثل حالتك.
يا أخي.. التضييق على من هم في مثل عمرك هو ممارسة ثابتة في مجتمعاتنا المسكينة التي لم تدرك بعد ماذا يعني الإنترنت، أو ماذا تعني ثورة الاتصالات؟! لأن أبجديات وبديهيات العصر الذي نعيشه تقول: إن فكرة درء المفاسد بالمنع قد انتهت من تاريخ البشرية إلى غير رجعة غالبًا، وبقي لتحقيق هذه المصلحة طريق واحد كان وما زال هو الأصل.. ألا وهو: الوعي والفهم والتقوى.
يا أخي.. والدك ووالدتك يخافان عليك من أخطار الانحراف التي تهدد شباب اليوم، وهي كثيرة، وتعبيرهم عن هذا الخوف يأخذ هذا الشكل الذي يبكيك، ويضحك أي عارف بشئون العصر الذي نعيشه.
والحل النهائي أن تتعدل تصورات الآباء والأمهات للدنيا من حولهم، ولأدوارهم فيها بالتالي، ولا أنصحك بانتظار تحقق هذا الحل لأن الأمر ربما يطول، ولكن أنصحك:
أولاً: بعدم العناد أو مصادمة هذا التضييق؛ فهذا "التمرد" متوقع منك، وهم مؤهلون أنفسهم لاستيعابه، والصبر عليه، وبالتالي الإصرار على موقفهم.
ثانيًا: أنصحك بالتفوق في دراستك على نحو لا يتوقعونه؛ لأن أهم معالم شخصيتك الآن - على الأقل في نظرهم - أنك طالب تدرس، وتفوقك يعني أنك مسئول، وهذا التفوق الباهر هو وحده ورقتك الرابحة في المساومة التي سأشرحها لك حالاً، فبعد أن تكف الصياح والشكوى والتفكير الساذج في ضرب أمك، ويروا منك تفوقًا يفوق كل حساباتهم يمكنك أن تبدأ في المطالبة بحق كل مجتهد في الترفيه.
وأنواع هذا الترفيه متعددة، وأقترح أن تبدأ مطالبتك بأشكال من الترفيه تدخل أسرتك طرفًا فيها - أمثلة: الذهاب في رحلة خلوية بصحبة أحد أشقائك، قيادة السيارة لتوصيل أمك إلى زيارة صديقة لها، دعوة الأصدقاء إلى منزلكم لتناول طعام الغداء أو العشاء، ويقوي من جانبك أن تتعرف والدتك على أمهات الأصدقاء المقربين منك فتعرف أنهم من بيوت طيبة، وأنك معهم ستكون في أمان، كما يستحسن أن يعرف والدك أو إخوانك طبيعة الأماكن التي تترد عليها، وطبيعة الأنشطة التي تقضي فيها وقت فراغك.
وحبذا لو كانت لك هواية نافعة ممتعة، أو موهبة متميزة في ضرب من ضروب الاهتمامات، التي تشغل البشر، فإن وجود مثل هذه الهواية وتميزك فيها من شأنه إنضاج شخصيتك من ناحية، وإشعار أسرتك بالمزيد من الجدية في مسلكك، فحين تتميز في رياضة ما مثلاً سيكون عليك أن تتدرب لها بانتظام، وستكون الأسرة في مقدمة المشجعين على مداومة التدريب، والإنجاز في هذا الميدان.
والخلاصة أنك تستطيع بالحكمة أن تربح ما تخسره يومًا بالتذمر واليأس، ودعني أصارحك أن الأمل منعقد على أمثالك في استيعاب مخاوف جيل الآباء والأمهات، وإدارة الحياة بمهارة أكبر لتحقيق ما فشلت فيه أجيال سابقة من نهضة واتزان.
ــــــــــــــــــــ(41/444)
تحت العشرين ... بعض متاعب الأنوثة
الحياة الجنسية
أنا وصديقتي وكل النساء غالبا ما نعاني في مدة الحيض من آلام شديدة لا توصف.. ولذلك أتعاطى بمجرد بداية نزول دم الحيض مسكّن للألم ، وفي اليوم الأول والثاني تكون الآلام شديدة للغاية، ويصل بي الأمر لأخذ ثلاث حبات في اليوم الواحد من نوع "فيفادول" أو "بنادول إكسترا"، ومع ذلك لا تزول الآلام وقد تخف أحيانا.. سؤالي: ما سبب آلام الحيض الشديدة التي تصاب بها النساء عامة ؟ ولقد سمعت أن التي تعاني من آلام شديدة في حيضها يدل ذلك على أن الرحم لديها قوي؛ وبالتالي قدرتها السريعة على الإنجاب والحمل وانخفاض نسبة إصابتها بالعقم .. فهل ذلك صحيح ؟ ولكم ... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت الكريمة:
أهلاً بكِ في عالم الأنوثة الذي لا يخلو من متاعب مثله مثل عالم الرجولة، أو أي شي جديد في الدنيا.
أختي، الآلام المصاحبة للدورة الشهرية عند النساء ناتجة عن انقباضات الرحم، والتي تحدث ليتخلص الرحم من الغشاء المخاطي الذي تكوّن لاستقبال البويضة الملقحة بنطفة الرجل في حالة حدوث الحمل؛ وحيث إن الحمل لم يحدث فإن الرحم يقوم بعملية التنظيف الشهرية بالتخلص من كل مخلفات عملية الاستعداد هذه، وهذا الغشاء الذي يتخلص منه الرحم - بالانقباض لطرده - غني بالشعيرات الدموية، وهذا سبب نزول الدم، والانقباض هو سبب الألم، ومن المفروض ألا يكون الألم بالشدة التي تصفينها، وهذه الشدة لها علاقة بالتغيرات الهرمونية المصاحبة للدورة، والتي تكون حادة في بعض النساء، كما أن بعضهن يكون احتمالهن للألم أضعف من الأخريات.
وللعامل النفسي، والضغوط الحياتية دور كبير في زيادة التقلصات والآلام، ولا علاقة للأمر بقوة الرحم أو ضعفه، أو القدرة على الإنجاب... أو ما شابه.
ويمكن مراجعة طبيبة متخصصة في أمراض النساء لوصف علاج لهذه الآلام، وتتضمن هذه العلاجات أحياناً بعض مضادات المواد المسببة للتقلص، وغالباً ما تخف هذه الآلام تدريجياً - وخاصة مع الزواج - من تلقاء نفسها، بسبب تزايد هرمون معروف بتأثيره المضاد للآلام من هذا النوع.
وأهلاً بكن يا بنات اليوم، وأمهات المستقبل ... تابعن صفحاتنا، ولا تبخلن علينا بالتعقيب والتسديد، وأهلاً بك.
ــــــــــــــــــــ(41/445)
بنات ثانوي والعلاقة بالجنس الآخر
مع الجنس الآخر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أود بداية أن أشكركم على جهودكم. إن المشكلة التي سوف أتحدث عنها ليست مشكلتي، بل مشكلة كثير من بنات المدارس الثانوية اللاتي يشتكين من علاقاتهن مع الجنس الآخر، والمشكلة الرئيسية أنهن مع علمهن بأن هذه علاقة خاطئة ولا ترضي الله، فإنهن يبدين إصرارهن على الاستمرار في هذه العلاقة، وبالرغم من نصائحي المتكررة لهن فلا أجد فائدة.
فهل من نصيحة ترشدونني إليها أستطيع بها أن أرشدهن وأنصحهن .. علمًا بأنني أقوم بإلقاء بعض المحاضرات في المدارس الثانوية للبنات. مع جزيل شكري وتقديري .
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ الكريم، نشكر لك ثقتك، ونرجو أن نكون عند حسن ظنك. إذا تابعت صفحتنا هذه، وبخاصة في الآونة الأخيرة، فستجد العديد من الإجابات التي تعطيك مادة خامًا، وبعض الأفكار التي قد تعينك فيما تريد.
ودعني هنا أحاول تشريح المسألة لعلها تتضح لك ولنا وللسامعين أكثر وأكثر.. قلنا ونكرر إن مرحلة المراهقة هي الفترة الفاصلة بين البلوغ الجسدي، والنضج النفسي والشخصي، وهي بهذا التعريف تتفاوت من شخص لآخر، ومن مكان لآخر.
من معالم هذه المرحلة أشياء لها علاقة بمسألة الميل للجنس الآخر، فهناك التغيرات البيولوجية المصاحبة، وهناك الطموح إلى التميز وإثبات الذات، وهناك التطور العاطفي خروجًا من الطفولة وتطلعًا إلى مرحلة تكوين الأسرة بما يتضمنه ذلك من ارتباط بـ"شريك العمر" كما يسمونه.
وهناك في المناخ المحيط بنا بيئة ملتهبة تتحدث عن الحب بحديث معسول فيه خلط وإغواء، وفيه لغو وميوعة حتى صار الحب مرادفاً لكثير من المنكرات، رغم أنه أصلاً ليس "بمحرم في الديانة" كما يقول الإمام " ابن حزم" ، ولا غريب عن الفطرة السليمة، بل هو من خصائص الإنسانية، ويعنينا هنا أن هذا المناخ يلهب المشاعر، ويزيد الالتباس ويُعِّمق من التناقضات والتشوهات حين يوضع الحب -الذي هو أصل من أصول الشعور الإنساني، والتكوين النفسي- في سياق من التفاهة والخفة والتهريج، وبعض المنكرات؛ والنتيجة أن الحب الحلال صار صعباً في مقابل سهولة الحرام.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهذا وضع مستجد لم يعرفه مجتمع صدر الإسلام، بل لم يعرفه المجتمع المسلم إلا مع موجة المدنية الحديثة على مثال النمط الغربي، والتي أدخلت من التغييرات على نمط المعيشة ما جعل الفاصل الزمني والاجتماعي والمادي بين الحب والزواج كبيرًا، ولو كان الزواج ميسوراً - كما كان - لأصبح الحب مسئولاً، ولتقلّصت إلى حد كبير التشوهات التي نعاني منها حاليًا، ولتضاءلت فرص الانحراف وأجواء الفتن من هذه الناحية.
تبقى مسألة العلاقة نفسها ومحتواها.. فلا يخفى عليك أن العلاقة بين الرجل والمرأة تأخذ حكمها والموقف الشرعي منها بحسب طبيعتها وحدودها ومكوناتها بما حدده الله سبحانه ورسوله الكريم، وعلى ذلك لا أفهم قولك أو تعبيرك بأن هذه "علاقة خاطئة"؛ إذ ليس خطأً من حيث المبدأ أن يتعارف الرجال والنساء، ويتعاملون - بحسب الحاجة والظروف - في المجال العام، ولو كان كذلك فمن الخطأ من حيث المبدأ أن يتقابل الشباب ذكوراً وإناثاً في إطار الأسرة والقرابة وصلة الرحم، وفي وجود العائلة!! فهذا حيز عام.. وإن كان ذا طبيعة خاصة، ونفس الأمر ينطبق على التفاعل في إطار العلم أو العمل.
وبالجملة لا يمكننا هنا الحديث عن علاقة خاطئة بمقدار ما ينبغي الحديث عن صور مرفوضة أو خاطئة للعلاقة بين الجنسين، وهي مرفوضة بسبب محتواها لا أصلها، فالعلاقة التي تتضمن خلوة أو ملامسة أو خضوع بالقول ... إلخ هي ما ينكره الشارع، وهي صور مرفوضة ومستنكرة، وكما ترى فإن المسألة تحتاج إلى تحديد وتحرير يتجاوز خطاب المصادَرة والقمع الذي صرنا لا نجيد غيره تقريبًا، والذي يزيد الطين بلة حين يبدو منه أن هذا الأمر ممنوع، وذلك الباب مغلق جملة وتفصيلاً؛ فندخل في التباس "كل ممنوع مرغوب".
وأمامك يا أخي العزيز أن تقوم بتصحيح الفهم الخاطئ، والالتباسات المتعددة المحيطة بالمسألة بنوع من التفاهم والاستماع والنقاش الهادئ المنطقي، الذي يجمع بين الفهم الصحيح للشرع، ومراعاة الواقع الحالي وطبيعة المرحلة السنية، وملامحها الذهنية.
واعلم يا أخي الفاضل، أن عفة الفتاة وشرفها واستقامتها هي بالمقام الأول مسئوليتها هي أمام الله سبحانه، وينبغي أن ندعم في المرأة احترامها لذاتها، وتقواها لربها بدلاً من التضييق على حركتها بدعوى حمايتها وصونها، بل هي تصون نفسها، وتحترم كيانها إن شاءت، وهي تدير حركتها حيث دارت، وليس علينا سوى البلاغ المبين، وهو التحديد الواضح، والتمييز السليم، وإزالة الشبهات، والتفريق بين الرغبات الفطرية والشهوات المرفوضة، وبين أصل الميل القلبي وتعبيرات الممارسة والسلوك.. والله معك.
ــــــــــــــــــــ(41/446)
أحلام اليقظة: مرض أم علاج؟!
اضطرابات أخرى, مع النفس
المشكلة الأولي :
السلام عليكم، مشكلتي تتلخص في أنني كثيرة السرحان والتحدث مع نفسي بصوت مسموع، وقد أقوم بفعل بعض الحركات؛ مما يجعلني أضيع على نفسي فرصًا كثيرة، ولكني أشعر بالراحة عندما أقوم بذلك؛ لأني أرى هذا وسيلة لإفراغ عواطفي
المشكلة الثانية :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا من المعجبات جدًّا بموقعكم وآرائكم وردودكم على القراء؛ وهذا ما شجعني على الكتابة إليكم؛ وطرح مشكلتي العجيبة، إنني أعاني من كثرة أحلام اليقظة وذلك منذ صغري، فحينما أكون وحدي فإني أجول في عالم الأحلام غير المتناهي، وعادة ما تكون شخصيتي في عالم الأحلام أفضل بكثير جدًّا من عالم الواقع المشكلة أنني أندمج كثيرًا مع الأحلام هذه لدرجة أنني أحدث نفسي بصوت عال، وأضحك أحيانًا وأتشاجر أحايين أخرى! أدرك غرابة هذا الأمر، وأعرف خطورته، فلو أن أحدهم شاهدني سيظن بي الظنون، وسيعتقد أنني مجنونة ... صدقوني حاولت كثيرا وكثيرا، وفي كل مرة أحاول فيها كبح هذه الأحلام تزداد حالتي سوءا وأستغرق في الأحلام أكثر فأكثر ... .إن وقتي يضيع دون عمل مجد، وهذا هو أهم ما يؤلمني في الموضوع أتساءل كثيرًا بيني وبين نفسي لماذا كل هذا؟ ولكنني لا أعرف الإجابة، ولا أعرف كيف أتوقف ...أتمنى أن تساعدونني، وإذا كان لديكم أي استفسار عن حياتي، فأنا مستعدة للإجابة، وفقكم الله. ... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخوات الكريمات، من النعم الجليلة التي أنعمها الله على الإنسان: نعمة الخيال والحلم، واختلف العلماء المحدثون هل تحلم الحيوانات أم لا؟ والاجتماع منعقد أنها إن كانت تحلم فأحلامها بسيطة جداً وبدائية، وليست مثل أحلام البشر، هذا عن أحلام المنام، فماذا عن أحلام اليقظة؟!
الحقيقة أن أحلام اليقظة هي ممارسة متكررة في الطفولة والمراهقة وحتى الشباب ثم تقل بعد ذلك تدريجياً، وهي في أصلها ممارسة مفيدة يستخدمها الإنسان في مواجهة قسوة واقعه، وعبور صعوبات تواجهه، ولا يستطيع حيالها فعلاً في الواقع، وفي الوقت نفسه يريد التعامل معها وتجاوزها فيفعل هذا في الخيال.
وقد يكون في هذه الأحلام تعويض عن افتقاد الأمل أو الأمان أو الحب والتقدير، وفيها طموحات وتطلعات لا تجد لها مكاناً في الواقع فتنطلق في عالم الخيال، وقد تكون أحلام اليقظة ممارسة مُنضبطة في إطار العملية الإبداعية في العلم أو الأدب أو الاختراعات الجديدة، بمعنى أنها قد تكون بناء لعالم جديد ممتع ومفيد يؤنس الوحشة، ويعالج قصور الواقع الحقيقي، ويضيف إليه، ويمكن أن تكون مجرد هروب من قسوته، أو تعويض عن فقره وجدبه.
وهي في كل الأحوال مفيدة بدرجات متفاوتة إلا إذا اختلطت بالواقع الفعلي، وتداخلت معه على نحو معوق أو ضار عندما تؤثر على علاقات الإنسان بالمحيطين به، وعندما تكون هي الوسيلة الوحيدة لملء أوقات الفراغ ثم تتمدد لتملأ أوقات العمل على حساب حقوق الذات والآخرين.
والحقيقة أن محاولة قمع هذه الأحلام، والامتناع عنها كلية يبدو تصرفاً فاشلاً يشبه الاستسلام الكامل لها، فكما رأينا أنها ممتعة، بل ومفيدة طالما بقيت في إطار معقول كماً وكيفاً، ومن الأفضل بالتالي ترشيدها وتوظيفها لتؤدي دورها على خير وجه.
وننصح من رزقهم الله بهذه المنحة الإلهية أن يشكروا الله عليها، وأن يكفوا عن اعتبارها شراً ينبغي مقاومته في ذاته، وأن يبدءوا في ترويض هذه الخيالات واستثمارها بطريقة إبداعية وممتعة، ومن وسائل هذا:
- الكتابات الأدبية التي يتم بناء شخصياتها وأحداثها من الخيال ومخزون تفاعلاته وصوره، وقد تصل الموهبة إلى مستوى النشر العام، وقد تقتصر على المحيطين المقربين، وقد تتطور إلى رسومات مصاحبة للكلمات، وهناك مجموعات مهتمة بهذا على الإنترنت، أعني تبادل هذه القصص، والصور، والتدريب على الرسم، وكل ما من شأنه صقل هذه الموهبة.
-تندثر عندنا تقاليد الحكي، وهي ممارسة تحافظ عبرها الثقافات والحضارات على تراثها وشخصيتها وقيمها، وحكايات الأطفال التي ننتجها تبدو حتى الآن فقيرة وغير ملائمة، وتحتاج إلى تغذية ذلك بخيال خصب، يغترف من التاريخ والواقع، ويطعمه بمفردات إبداعية أخرى، وما أحوجنا إلى استعادة هذا التراث الجميل من حكايات الأمهات والجدات.
- تعطينا أحلام اليقظة فكرة عن طموحاتنا وأهدافنا، وما نراه من عيوب فينا، وفي واقعنا، ونود إصلاحه، ونستطيع الاستفادة من هذه الصورة، والمقارنة بينها وبين حالنا، والواقعي أن نضع برنامجاً فعلياً لنكون أقرب إلى ما نريد، ونمتلك المهارات والكفاءة المطلوبة لذلك فيكون الخيال دافعاً للتطور، ولا يكون مقعداً أو مثبطاً أو معوقاً.
- نحتاج على كل حال إلى التواصل مع الآخرين، وقد نختار أسلوب الحكايات لنقوم بهذا بأسلوب غير مباشر، فعندما نطلع أصدقاءنا المقربين، أو حتى أصدقاء الشبكة على الإنترنت على ما صنعناه -سواء كان خليطاً بين الواقع والخيال، أم عملاً إبداعياً- فنحن بهذا نحقق التواصل الذي لا غنى للإنسان عنه، ويكون هذا مقدمة لتواصل ومشاركة نحتاج فيها إلى أطراف أخرى من لحم ودم، وعقل وخيال، ولهذا كانت الصداقة، وكان الزواج، وأشكال العلاقات المختلفة بين البشر، وينبغي ألا يكون الخيال بديلاً عن التواصل الإنساني بل داعماً له.
بهذا الشكل يصبح الخيال - كما هو أصلاً- نعمة لا نقمة، أما سوء فهمه، وبالتالي محاولات قمعه أو الاستسلام له فيؤدي إلى سلبيات كثيرة، وتأثيرات ضارة، قد تحتاج إلى عون متخصص من طبيب نفساني، ولا ينبغي أن يحدث خلط بين أحلام اليقظة وضعف التركيز لأسباب جسمانية، منها اضطراب وظائف الكبد، أو نقص نسبة الهيموجلوبين في الدم، وغيرها.
خلاصة القول: إن المطلوب هو تنظيم العلاقة بين الواقع والخيال، وتنمية الأحلام في اليقظة واستثمارها على نحو مبدع ومنتج، ولن أملّ من تكرار التذكير بالمرأة التي تشغل العالم كله الآن بنتاج خيالها المبدع الذي خلط بين الأساطير القديمة، والخيال العلمي، ومفردات واقعها الشخصي في القصص المعروفة بسلسلة "هاري بوتر"، فهل نطمح إلى مثيلات لها؟! وقضايانا كثيرة، وتراثنا غني، وأطفالنا ينشئون محرومين من الخيال، فيكونون كباراً ضد الإبداع!!.
ــــــــــــــــــــ(41/447)
المذاكرة بين وجود الرغبة وغياب الإدارة
هموم الدراسة, مع النفس
أنا فتاة في السادسة عشرة من العمر، وفي العام الثاني من شهادة الثانوية الإنجليزية التي أحاول الحصول عليها، وأنا هنا في بلدي العربي، وهذه الشهادة تحتاج إلى مجهود كبير للحصول على معدلات عالية، وبالتالي التأهل لدخول كلية جيدة.
مشكلتي أنني لا أستطيع المذاكرة !!!
رسبت في ثلاث مواد من أربع خلال السنة الأولى وكانت صدمة كبيرة جدًّا لي، ثم أخرت مادة واحدة للإعادة، وأخذت على نفسي عهدًا أن أبذل قصارى جهدي للحصول على درجات مرتفعة، ولكنني لم أستطع، فكلما جلست لأذاكر شعرت كأن شيئًا ما يمنعني من المذاكرة حتى أشعر بالرغبة في البكاء؛ لأنني حقيقة أريد ولكن لا أستطيع المذاكرة، فقط أجلس ولا أفعل شيئاً أبداً!! أقضي وقتي بين النوم والبكاء رغم أنني جربت وسائل كثيرة للمذاكرة ولم أستطع.
هذا كله يحدث رغم أنني في اختبار الشهادة المتوسطة "الإعدادية" حصلت على مجموع أعلى من تسعين بالمائة. هل يمكنكم مساعدتي بأن تخبروني عما يحدث لي، وتنصحوني ماذا أفعل؟!
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت الكريمة:
ما تعانين منه هو أمر طارئ بدليل أنك حصلت على معدل مرتفع في شهادة الإعدادية، وكان هذا من عامين فقط.
وهناك احتمالات متعددة للأسباب الكامنة وراء هذه الأعراض التي تشتكين منها:
الأول: أنك تمرِّين بمرحلة المراهقة، وهي فترة تتميز بصفات نفسية، واضطرابات وجدانية ناتجة عن كونها مرحلة انتقالية بين الطفولة بأحلامها وبراءتها، والشباب بآفاقه ومسئولياته. وتتضمن هذه المرحلة طموحات كثيرة منها الطموح إلى تحقيق الذات، والاستقلال عن الوالدين، والتميز داخل المحيط الاجتماعي، والميل إلى انتقاد الآخرين بحثًا عن نموذج مثالي، وقدوة تتمثل فيها القيم العليا، وهدف أو غاية تجعل للحياة معنى وجدوى، أو طعمًا ونكهة.
كما يشيع في هذه المرحلة تفتح العواطف، وتوجُّه المشاعر إلى الجنس الآخر، وقد تنشأ في هذه المرحلة علاقات مما نسميه نحن في صفحتنا "الحب الأول".
وكل ما تقدم من صفات تميز مرحلة المراهقة، يمكن أن ينتج عنه قلق نفسي وتوتر ينعكس في أداء الشاب أو الفتاة للأدوار المطلوبة ومنها المذاكرة.
فهل ما تعانين منه من مشكلات تشتت وعدم تركيز مرتبط بسبب أو أكثر مما ذكرناه: مشاكل أسرية - عاطفية - توتر أو قلق بشأن أهداف الحياة أو غياب القدوة أو عدم وضوح الغاية أو معنى المذاكرة.. إلخ، ونرجو إفادتنا.
الاحتمال الثاني: أن تكون أفكار عدم المذاكرة هي أفكار وسواس متكرر يطرح عليك فكرة كريهة، ولكنها سرعان ما تسيطر على تفكيرك، وتشل حركتك، وتستطيعين التغلب على هذه الفكرة باستمرار تهميشها ومقاومتها.
والثالث: إذا كانت هذه الأفكار مصحوبة بنوع من التوتر أو الاضطرابات الأخرى في التفكير والإدراك والعواطف والعلاقات بالناس والقدرة على القيام بالواجبات الاجتماعية، والاهتمام بالشئون الشخصية، وما إلى ذلك، فربما تكون هذه مقدمات مرضية لتدهور نفسي أكبر، فهل هناك اضطرابات من هذا النوع ؟!!
هذا بشأن الأسباب المحتملة لما تعانين منه، أما عن العلاج فقد سبق لنا التعرض إلى برامج وخطوات المذاكرة والتحصيل الجيد، مما يمكنك الرجوع إليه باستخدام أداة البحث للوصول إلى الإجابات السابقة المتضمنة لكلمة "المذاكرة"، وباختصار ننصحك بالتالي:
1- الدافع الكافي للمذاكرة هو عبارة عن هدف واضح، ويستحق السعي إليه، مثل: دخول كلية بعينها أو العمل مستقبلاً في تخصص محدد، أو التفوق على الأخريات لإثبات الذات عبر المسار التعليمي، وعليك بتحديد هدف يغري ببذل الجهد.
2- لا بد من وضع برنامج معقول لتقسيم الوقت وتنظيمه بين المذاكرة والترفيه، وعلى غير ما يظن البعض فإن الترفيه السليم والممتع يبدو أحيانًا الضلع الغائب في مثلث التفوق الذي يتمثل ضلعاه الآخران في الهدف والجهد، فما هي برامج ترويحك عن نفسك؟!
3- لا بد أن يتضمن جدول المذاكرة تنويعًا في المواد، وتخصيصًا لقدر أكبر من الوقت والجهد للمواد الأصعب، وربما من الأحسن تنازلها في فترات التركيز الأعلى.
4- تقسيم الكتل الكبيرة إلى أجزاء أصغر، واستخدام أسلوب حل الأسئلة والتمارين، بالإضافة إلى المراجعة المستمرة للحفظ والاستيعاب.
5- اختيار الوقت والمكان والإضاءة والأغذية والإجراءات المناسبة للمذاكرة، والابتعاد عن الأماكن والأوضاع والأساليب غير المناسبة، وتنظيم الغذاء والنوم يبدو من أهم البنود.
6- المكان المناسب للمذاكرة هام؛ فهو يساعد على التركيز، والابتعاد عن الضوضاء، وحشد الطاقة الذهنية والنفسية المطلوبة، وينبغي الاهتمام بهذه الجزئية من أول المقعد والمكتب، إلى الإضاءة والترتيب.
7- الابتعاد عن شرب المكيفات بكثرة فهي تسبب زيادة في القلق والتوتر، وأحيانًا الأرق واضطراب النوم، بينما تبدو بعض الأعشاب، مثل: الكركدية، والينسون والنعناع، والعصائر الطبيعية أنسب وأفضل.
8- هيكلة الموضوع المراد مذاكرته بتقسيمه إلى عناوين رئيسية وأخرى فرعية، والمزج بين التفصيل والتلخيص، وتناول المعلومة بأكثر من طريقة ومن أكثر من زاوية.
9- تجنب الحفظ دون فهم أو استيعاب، وعدم تركيز هو الفاعل الرئيسي وراء النسيان السريع.
10- البعض يستفيد من المذاكرة الجماعية فهي وسيلة لتخفيف التوتر أحياناً، وكذلك لتبادل وتنويع أساليب التحصيل، والتواصي بالصبر والتركيز، والتهوين من أعباء المذاكرة بالمشاركة في الجهد المطلوب، وربما يفيدك طرق هذا الباب وتجربة هذا السبيل على أن تختاري صحبة مناسبة تساعدك، ولا تزيد في تعطيلك.
ولعلك يا أختي حين تفعلين هذا كله متوكِّلة على الله سبحانه، بادئة بحمده وتسبيحه، وقراءة بعض آيات من القرآن قبل المذاكرة، وفي فترات الراحة البينية؛ لعل الله أن يعينك ويمدك بالتثبيت، وسندعو لك بالنجاح والتوفيق، وسننتظر رسالتك.
اشترك في هذه الإجابة: الدكتور إيهاب خليفة الطبيب النفسي، ومنيرة محمود الأخصائية النفسية بفريق الحلول.
ــــــــــــــــــــ(41/448)
أملنا الأخير غالبًا.. مسافر زاده الخيال
علاقات أسرية, مع الأهل
أنا موسيقي .. وطفلي عمره ثماني سنوات .. وهو ذكي ونشيط، مشكلته تكمن في أنه قليل التركيز في المذاكرة .. كثير الالتفات في الفصل .. فما إن تلتفت المعلمة إلى السبورة حتى يتحدث إلى زميله، أو يقذفه بما قد يكون في يده من ورق أو قلم .. وفي بعض الأحيان يتحرك إلى آخر الفصل خلف المقاعد؛ ليلعب .. المدرسون والمدرسات جميعًا يشتكون منه .. وقد أجمعوا كلهم على أنه ذكي ويفهم بسرعة، ولكن مشكلته - حسب كلامهم- تكمن في قلة التركيز، وأنا ألاحظ أنه في بعض الأحيان عندما أشرح له بعض الدروس في المنزل يكون في حالة ذكاء متوهج، ويتجاوب بشكل رائع .. ويعدني بالاستمرار على هذا المستوى .. وفي أحيان أخرى كثيرة أجد أنه لا يتجاوب معي في استيعاب ما أقوله له !! وإذا حفظ درسًا في المساء فلا بد من مراجعته في الصباح قبل الذهاب إلى المدرسة وإلا نسيه تمامًا!!
دائمًا يتخيل .. ويسرح ويتمنى لو أنه يناضل في فلسطين؛ ليقتل اليهود كلهم .. ويتمنى لو أنه يقود طائرة؛ ليجول بها في أنحاء الدنيا .. وهذا الخيال لا يتوقف حتى في أثناء المذاكرة .. فهو يأخذ من موضوع الدرس الذي يدرسه منطلقًا لخيالات وأسئلة يطرحها عليَّ .. واضطر إلى تعنيفه غالبًا، لأننا ندرس شيئًا محددًا الآن .. وأقول له: فيما بعد يمكننا التحدث عما تشاء، فما رأيكم؟
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ الكريم، من الأمثال المصرية العامية: "ابن الوز عوّام" وسؤالك يغري بفتح ملف مهم يشغلني هذه الأيام، وهو ملف "الخيال"، هذه النعمة التي منحها الله للإنسان تمييزًا له عن سائر المخلوقات، هذه الطاقة التي تقف وراء الكثير من القفزات التي غيّرت وجه الدنيا، وحياة الناس عبر التاريخ، وفي وقتنا الحاضر.
هذه النعمة الغالية تحولت لدينا؛ لأسباب متعددة، وفي ظل ملابسات كثيرة إلى نقمة!!
ورغم أهمية الخيال حيث إنه: لا تقدم دون خيال، ولا توجد نفس صحيحة دون خيال، ولا إيمان دون خيال، ولا حياة سليمة دون خيال ـ رغم هذه الأهمية القصوى لهذه النعمة الجليلة، والطاقة الهائلة فإنها تبدو في حالتنا عبئًا ثقيلاً، وضيفًا غير مرغوب فيه، وخيلاً جامحة نريد لها أن تسكن؛ لتجر عربات الخضار، أو تدير السواقي!!
هل أقول لك: إن المؤامرة المنظمة، والخطة المحكمة التي نعيشها ونمارسها في القضاء على الخيال تبدو مسئولة - بقدر كبير - عن تخلفنا ؟!
هل أقول لك: إننا نستلم الطفل أي طفل مؤهل ليكون عبقريًّا في مجال من المجالات، ثم نجبره على القيام بالواجبات في البيت والمدرسة، والإعلام والمجتمع؛ لنقضي على ملكات الإبداع عنده الواحدة تلو الأخرى عبر مناهج تعليم عقيمة، وبرامج أطفال تسبب التخلف العقلي في أحسن الأحوال، وقمع منزلي يشبه عمليات "غسيل المخ" التي تقوم بها أعتى أجهزة المخابرات، ثم إننا في نهاية الأمر نسأل: لماذا نحن متخلفون ؟!
أخي الفاضل، أعود لسؤالك عن ولدك، وأقول لك: إن النشاط الحركي وعدم التركيز قد يكون طبيعيًا كونه من معالم هذه المرحلة العمرية، وقد يكون مرضيًا يحتاج إلى تدخل من طبيب متخصص، فكيف يمكن التمييز بين هذا وذاك؟!
أولاً: ينبغي أن نبحث هل هناك إشباع لميول الطفل واهتماماته؟! وفي حالة ولدك: هل هناك من وقته في البيت والمدرسة أوقات أو حصص مخصصة للخيال والنشاط الذهني واستثماره ؟!
هل أبادر بالقول: لا أعتقد ؟!
لدينا الآن في مصر جمعية أهلية أكتفي بذكر اسمها أو مهمتها التي هي الدفاع عن "حق الطفل في اللعب"، فهل نحتاج إلى جمعية أخرى أو ربما قسم من هذه الجمعية للدفاع عن حق الطفل في الخيال.
ثانيًا: هل هناك محاولات لاستثمار هذا الخيال في تأليف مسرحية للأطفال أو كتابة قصة أو رسم لوحات ؟! وهل هناك حد أدنى من التفهم والتعامل الرشيد مع هذه الملكة في المدرسة أو المنزل غير التعنيف والملاحقة والزجر؟!
ثالثًا: هناك أسباب عضوية لعدم التركيز، أو تساهم فيه وعلى رأسها أنيميا فقر الدم، وسببها الغذاء غير المتوازن والذي يؤثر على الطفل بصورة أسرع من الكبير، فهل قمتم بتحليل قياس نسبة الهيموجلوبين في الدم لاستبعاد هذا الاحتمال ؟!
رابعًا: هناك مرض نفساني معروف في الأطفال ومن ضمن أعراضه عدم التركيز، ولكن من خلال وصفك لحالة ولدك أرى أنه - في الغالب - لا يعاني من هذا المرض بإذن الله.
وفي سبيل التعامل مع حالة ولدك تعال نبدأ بالخطوات التالية، مستخدمين الخبرة الميدانية، وبعض "الخيال" المفيد:
- ما رأيك لو جعلنا نشاط التخيل عند ولدك هو الأصل في البيت؟! شريطة أن ينجز واجباته المدرسية في الوقت المخصص لها، وأن تخصص الجزء الأكبر، وليكن بنسبة 3:2 للخيال، وليكن الخيال موظفًا في نشاط يستثمره ويطوره:
رسم، أو تأليف شعر، أو كتابة قصص للأطفال ... ، ونقوم بتوثيق هذا الإنتاج بصور بسيطة: تسجيل، صف للنصوص على الحاسوب.
- ما رأيك لو حاولنا أن نجعل الخيال طريقًا للدرس، كما يجعل ولدك للدرس طريقًا ومنطلقًا للخيال كما تقول ؟!
- ما رأيك إن بحثنا على الإنترنت عن المجموعات المهتمة بإبداع الفتية والأطفال، وهي متوافرة، ولكن تحتاج إلى بعض البحث، واتصال ولدك بمن لهم الاهتمام نفسه سيشبع بعض احتياجه، ويجعله يستطيع تفريغ وقت أكبر بتركيز أكبر للمذاكرة في أوقاتها.
- ما رأيك لو حاولنا الوصول إلى حل وسط فيما يخص سلوكه بالمدرسة، فلا نطمح ولا نسعى إلى أن يكون الطفل المعتاد المطيع الساكن في الفصل، كما لا نرضى بأن يكون بهلوان الفصل.
إن توجيهنا له بأن لكل نشاط وقته وأهميته، هذا التوجيه لا معنى له إن لم يتوافق معه تشجيع عملي وبرامج حقيقية لممارسة نشاط التخيل الذي قد نقول: إنه جميل ومهم، ولكننا لا نفعل حياله إلا القمع، على حين نسلك مسلكًا آخر تجاه نشاط التعلم مثلاً فنلحقه بمدرسة نظامية عظيمة تقمع خياله.
وقد يجدر بنا أن نتعرف أكثر على المشكلات التعليمية التي من المتوقع أن يواجهها طفل كهذا، وأن ندخل طرفًا أصيلاً متعاونًا في حلها دون أن نبدو دائمًا في صف المدرسة ضد الطفل، بل يكون للأسرة دور متفهم لاحتياجات ومواهب الطفل من ناحية، ومتطلبات المدرسة من ناحية أخرى، وتبحث الأسرة دائمًا عن حلول معقولة في إدارة العلاقة بين المدرسة والطفل
وأخيرًا، فإن الربط بين التعلم المدرسي وغير المدرسي، وتنمية الخيال وتطويره بعد احترامه والاعتراف به هو مهمة من المهام الغائبة عن أداء الآباء والأمهات في عالمنا العربي المسكين فهل نتعاون على سد هذه الثغرة؟!
أهلاً بك، وتابعنا بأخبارك.
ــــــــــــــــــــ(41/449)
قصص حب ساخنة.. البنات يحلمن
مع المجتمع
بسم الله الرحمن الرحيم: إلى الإخوة الأفاضل.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة بالغة من العمر(19) عامًا، ومشكلتي هي أنني أرى مجتمعنا أصبح كمجتمعات الغرب في التصرفات كمقابلة الولد لفتاة والتحدث معها وهي أجنبية عنه.. فأرى شلةً من الفتيات والصبيان يتحدثون ويمزحون ويلعبون مع بعض.. ولكني والحمد لله لا علاقة لي بأي ولد، ولَدَيَّ العديد من الصديقات المخلصات.. و لكني عندما أرى هؤلاء أحس أنني أحتاج إلى ولد ارتبط معه وبعدها أتزوجه.. ولكن الارتباط بولد ليس من أخلاقنا وعقيدتنا.. فأنا أخاف من ربي وأحس بمراقبته.. فأرجع وأستعيذ بالله من هذه الفكرة.. والمشكلة أنه تراودني دائمًا هذه الفكرة عندما أرى الفتيات مع الصبيان.. فما الحل؟ جزاكم الله ألف خيرٍ.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت الكريمة: لستِ وحدكِ ـ من بين البنات ـ التي تريد أن يهتم بها الأولاد، أو تريد أن ترتبط بولد. إن الله ـ عز وجل ـ خلق الرجل والمرأة وخلق معهما ميلاً فطريًّا وغريزيًّا إلى بعضهما البعض، وهذا الميل هو الضمان لالتقاء الرجل والمرأة من أجل عمارة الكون، ولكن الله مثلما خلق هذا الميل وأودعه الرجل والمرأة، فإنه وضع نظامًا لحصول الالتقاء وهو الزواج. وبالرغم من اختلاف البشر في صور العلاقة بين الرجل والمرأة على مر الأزمان، وفي مختلف الأماكن؛ فإن الزواج كنظام اجتماعي يُعتبَر هو اللقاء الشرعي الذي يبتعد الناس ويقتربون منه، ولكنه في النهاية الصورة المُتَّفَق عليها التي يباركها المجتمع، والعجيب أن مباركة الكاهن أو القسيس أو الشيخ وهي السلطة الدينية أو الرمز الديني ظل أيضًا الإطار التي تتحرك فيه هذه العلاقة.
ما نريد قوله من هذه المقدمة أنَّ ما تشعرين به من رغبة في الارتباط بولد هو رغبة طبيعية؛ ولكن يجب أن تكون في الإطار الشرعي، والذي يبدو أنه واضح في ذهنكِ حيث إنك بسرعة تذكرين أن غرضكِ من هذا الارتباط هو الزواج، المسألة ليست فيما يراودكِ من أفكار، أو تشعرين به من رغبات، ولكن ما ينجم عن ذلك من أفعال.
ومع ذلك فإننا نحتاج إلى تنقية أفكارنا وعواطفنا لأن الأفكار والعواطف يمكن أن تضغط علينا في وقت معين فتؤدِّي بنا إلى أي أفعال لا نتمناها أو لا نتصور فعلها، وهذه الأفكار يتم تصحيحها؛ إذا علمنا أن هؤلاء الفتيان والفتيات الذين تشاهدينهم لا يفكِّرون في الارتباط بالزواج غالبًا؛ ولكنهم يفكرون في التسلية والعبث وتضييع الوقت، بدليل أن كل فتى من هؤلاء عندما يفكر في الارتباط، فإن أول شيء يفعله أن يستبعد الفتاة التي عبث وأمضى معها أوقاتًا مسليةً عن قائمة اختياراته؛ لأنه يبحث عن زوجة تشاركه حياته، وتربي أولاده، وتكون أمينةً على بيته، وعلى كرامته، أي أنه سيبحث عمَّن هي مثل صفاتك والتزامك وساعتها وعندما يأتي الشخص المناسب الذي سيدخل من الباب أمام الناس جميعًا؛ سترتبطين به فتتحرك مشاعركِ نحوه، وتنمو بطريقة طبيعية في النور بدون إحساس بالذنب أو الخطأ.
إن هناك من قصص الحب التي نشأت بين فتيان وفتيات بدأ ارتباطهم هادئًا من خلال العائلات والاختيار العقلي المتوازن، ثم تحول هذا الارتباط إلي قصص حب ساخنة وشرعية في إطار الزواج، إن نسبة النجاح في الزواج بهذه الصورة أعلى بكثير من الصورة المنعكسة؛ وذلك لأن كل طرف في هذه العلاقة ينافس في إظهار أحسن ما عنده حتى يُحبِّب الطرف الآخَر فيه.
إنَّها بذرة يتعهدها الطرفان بالرعاية حتى تنمو شجرةً وارفة الظلال يحيا فيها الشريكان حياةً سعيدةً، وإنَّ تأخُّر حدوث هذا الارتباط ـ نتيجةً لظروف التعليم، ونتيجةً لظروف اجتماعية، ومتغيرات كثيرة تشهدها مجتمعاتنا ـ هو السبب في معاناة الشابات المُلتزِمات من الوضع الذي تُعانين منه، ولكنَّ الصبر الجميل، وصحبة الفتيات من نفس الشاكلة يساعد على الوصول إلى بر الأمان بإذن الله.
وحتى يأتي هذا اليوم الذي نرجو أن يكون قريبًا نوصيكِ بالابتعاد عن المُثيرات، واستثمار وقتكِ في العمل النافع والممتع من أنشطة الحياة، خاصةً ما يتعلق بالاستعداد لتحمل أعباء الزواج والأمومة؛ لأن وقتكِ في المستقبل سيضيق عن استكمال هذه الجوانب الأساسية لكل امرأة بل لكل إنسان.
ــــــــــــــــــــ(41/450)
خائفة على بناتي
الحياة الجنسية, العادة السرية
السلام عليكم أشكركم جزيل الشكر على هذه الفرصة لنا للبوح بمشكلاتنا ومخاوفنا أنا سيدة متزوجة وأم لثلاث بنات ما يؤرقني كثيرا هو خوفي عليهم من ممارسة العادة السرية، وكيف أجنبهم من الوقوع في هذا المرض؛ فخوفي هذا ناجم من تجربتي المرة في هذا المجال هل ختان البنات يساعد على تجنب هذه العادة، وخاصة أننا نعيش في منطقة حارة ولكم جزيل الشكر ... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أختي الكريمة
ليس لختان البنات أي دور في مسألة ممارسة العادة السرية من عدمه.. حيث إن العادة السرية هي منظومة من المشاهدة والنظر الحرام ثم الأفكار والخيالات ثم الممارسة الجسدية كذروة لما سبق فيعتقد البعض أنه بإزالة البظز أو جزء منه يؤدي إلى كسر حلقة الشهوة وهذا كلام غير صحيح يشبه من يعالج من يعاني من كثرة النظر إلى المحرمات.. بفقأ عينيه حتى لا يرى شيئًا على الإطلاق
أما بالنسبة لخوفك على بناتك من ممارسة العادة السرية نتيجة لمعاناتك الشخصية من هذه المسألة، فإن المجرب خير من الطبيب وأنت الأدرى والأعلم بالأسباب التي أدت بك إلى هذه العادة، ولو قمت بعملية استرجاع واعٍ لها فستدريكن في الحال كيفية الوقاية.
أختي الفاضلة
إن التربية السليمة لهؤلاء البنات القائمة على التواصل معهن وفتح الجسور معهن بحيث تصبح الأم صديقة لهن يبثونها أشواقهن وأفكارهن ورغباتهن بغير حرج ولا تردد هو الطريق الأصلي، كذلك مع تربية جنسية سليمة قائمة على الوضوح والصراحة والعملية البسيطة التي تقدم المعلومة الصحيحة لهؤلاء البنات في الوقت المناسب، وهو ما قبل البلوغ بقليل بحيث لا تحتاج هؤلاء البنات للبحث عن المعلومة من مصدر آخر غير مأمون العواقب يعطي لهن المعلومة الخاطئة، ومعها الممارسة الخاطئة، ثم السرية والكتمان يؤدي إلى مزيد من تفاقم الأمور واكتشافها بعد فوات الأوان.
ثم استمرار لهذه التربية الجنسية مع البلوغ وبعد البلوغ وحوار مفتوح صريح يطرح كل المسائل على نطاق البحث بدون مواربة أو دفن للرؤوس في الرمال مع تعويد لهؤلاء البنات على البعد عن مواضع الإثارة، ودعوة لطيفة لغض البصر مع فهم واضح لدور الجنس في الحياة، وأنه ليس شيئًا نجسًا أو مستقذرًا تتم ممارسته في الخفاء أو السر أو في الدهاليز، بل هو جزء من حياة الإنسان الصحيحة والصحية، ولكن في الإطار الشرعي الصحيح بدون إفراط أو تفريط.. ثم مساعدة لهؤلاء البنات على الزواج المبكر قدر الإمكان وتوعية صحيحة أيضًا لدور الجنس في الحياة الزوجية، وإعداد صحيح لاستقبال هذا الأمر بيسر وسهولة.
خلاصة القول أن الوقاية: هي تربية جنسية صحيحة علمية مستنيرة، مع حوار مفتوح مستعد لطرح كل شيء للبحث حتى لا يتوه أولادنا في دهاليز كل ما هو سري وممنوع، دعاء خالص ومستمر لله سبحانه وتعالى أن يسترنا في الدنيا والآخرة.
ــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــ(41/451)
ابن العاشرة يتشاغل عن الصلاة
علاقات أسرية, مع الأهل
ابني في العاشرة من عمره، أجد صعوبة في إقناعه ليصلي دائمًا، يحتج بأمور تشغله عن الصلاة كالجوع أحيانًا وبالتعب أحيانًا أخرى، وهكذا ... في العادة لا أشتد معه، بل أحاول معه بالهدوء، وأحدثه عن أن الصلاة شيء جميل، وأنها الطريق إلى الجنة، وأن الله يحب المصلين، ولكن لا فائدة، بماذا تنصحونني؟ وشكرًا ... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... إن الصلاة مثلها مثل أي سلوك نريد أن نكسبه لأطفالنا.. ولكننا نتعامل مع الصلاة بحساسية نتيجة لبعدها الديني .. في حين أن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ حينما وجهنا لتعليم أولادنا الصلاة راعى هذا الأمر بوضوح حيث قال "عودوا أولادكم الصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر" .. حيث تبدو كلمة عودوهم تتحدث عن خطوات مخططة، وتجعل لذلك مدة زمنية قدرها ثلاث سنوات حتى يكتسب الطفل هذه العادة، ويبدأ الحساب عليها، ويدخل العقاب كوسيلة من وسائل التربية في نظام اكتساب السلوك ..إن عامل الزمن في اكتساب السلوك عامل مهم يغفله كثير من الآباء وهم يحاولون إكساب أبنائهم سلوكيات جديدة أو يمنعونهم من سلوكيات سيئة .. حيث يعتقدون أن مجرد التوجيه للسلوك الجيد يكفي لاكتسابه في حين أن الأمر يحتاج إلى تخطيط وخطوات وزمن كاف للوصول إلى ذلك .. إن الدافع لاكتساب السلوك أيضًا من الأمور المهمة، وحتى يتكون فإنه يحتاج إلى بداية مبكرة وإلى تراكم في القيم والمعاني التي تصل إلى الطفل؛ حتى يكتسب أو يتكون لديه الدافع الخاص بالسلوك الذي نود أن يكتسبه.
إذا أردنا أن نطبق هذا الكلام العام السابق على حالة ابنك فإننا إن لم نكن قد بدأنا معه في سن السابعة على التعود على الصلاة وخلق الحافز داخله ناحيتها سواء بالقدوة أو بالحافز المعنوي أو المادي؛ فإننا لا يمكن أن نغفل عن هذه الخطوات، ونطالبه بالصلاة في سن العاشرة، وندعوه للالتزام بها بذكر بعض الكلمات عن حب الله لمن يصلي وما إلى ذلك .. إننا يجب أن نبدأ من البداية الصحيحة وهي التدرج وخلق الدافع وإعطاء الزمن حقه في اكتساب السلوك وفي هذه الحالة قد نحتاج إلى زمن أطول مما لو بدأنا مبكرًا، حيث إن طبيعة التكوين النفسي والعقلي لطفل العاشرة قد تحتاج لمجهود أكبر من المجهود الذي يحتاجه طفل السابعة من أجل اكتساب السلوك نفسه، خلاصة القول أن المسألة لا تحتاج إلي عصبية أو توتر أو تعجل ونحن نتعامل مع الصلاة، بل يحتاج المرء إلى صبر وحكمة وهدوء .. لا يحتاج إلى أوامر مباشرة وتوجيهات وعظية قدر ما يحتاج إلى استيعاب للطفل والإقناع العقلي له، وإيجاد علاقة طيبة مع هذا الطفل حتى يحب أباه وأمه، ويحب سلوكهما وأفكارهما بما فيه سلوكهما المتدين .. للأسف فإن كثيراً من الآباء والأمهات المتدينين قد يتسبب عدم فهمهم للمسألة كما شرحناها سابقًا إلى تكون أجسام مضادة للتدين في أجسام أولادهم ترفض التدين كصورة من صور رفض سيطرة الآباء والأمهات وسلوكهم بما فيه سلوكهم المتدين ..ولا ننس أن التربية عملية صعبة طويلة مستمرة، أعانك الله وساعدك على التحلي بالصبر والحكمة.
ــــــــــــــــــــ(41/452)
لماذا ينعزل الطفل؟
مع النفس, اضطرابات أخرى
في البداية نشكر لكم هذا الجهد الكريم ومساهماتكم المثمرة في رفع المعاناة عن كاهل كثير من المعذبين بمشاكلهم ومعاناتهم، ونسأل الله العليّ القدير أن يجعلكم ويجعل من أمثالكم ذخراً لنا ولأمتنا الإسلامية وقدوة حسنة يقتدي بها عباد الله الصالحون، مشكلتي التي أعرضها هي مشكلة لابن أخي تتمثل في عزلته الوجدانية والعاطفية، وعدم انخراطه العاطفي مع أسرته وخاصة أمه التي تعاني من جفاء معاملته وعدم الاكتراث بغضبها أو لفرحها، فهو في عزلة عاطفية تامة امتدت لجميع الأسرة، وعلى الجانب الآخر فهو مع أصدقائه وأقرانه كثير الانخراط والاندماج، ولا نجده بهذا السلوك الانعزالي. فما هي الطريقة المثلى للخروج به من هذا المأزِق الذي تراه أمه ككابوس يهدد حياتها العاطفية مع فلذة كبدها، وتخشى في المستقبل أن يهجرها وتفقد حبه ووده إلى الأبد؟. علماً بأنه في الحادية عشرة من عمره، وله أخ يصغره بخمس سنوات تقريباً . وجزاكم الله خير الجزاء
... المشكلة
... ... الحل ...
...
... ابن أخيك لو كانت عزلته مع الجميع لكنا بصدد حالة مرضية نفسية تحتاج للبحث عن أسبابها وطبيعتها ولكن هذا الاختلاف في سلوكه في البيت مع أمه وأفراد أسرته عن سلوكه مع أقرانه حيث يكون كثير الانخراط والاندماج يدل على وجود مشكلة في البيت يجب أن نبحث عنها لماذا يعرض هذا الصبي عن أمه وأهل بيته في حين أن الطبيعي في مثل هذا السن أن تكون صلته على الأقل بأمه وأهل بيته في حين أن الطبيعي في مثل هذا السن أن تكون صلته على الأقل بأمه وأهل بيته في مثل علاقة بأقرانه وأصدقائه إن هناك سبب ما في معاملة الأم لابنها جعله ينفر منها ويبتعد عن البيت .. وبعد شكرك على اهتمامك بأختك وابنها نرجو أن تجيب على الأسئلة التالية:
1- أننا لم نر أثرًا في رسالتك للأب وعلاقته مع ابنه.. فأين الأب وما طبيعة علاقته مع ابنه؟!
2- كيف تعامل الأم هذا الابن عندما يخطئ ؟!!
3- هل هي كثيرة النقد والاستخفاف به؟!!
4- هل هي كثيرة المقارنة بينه وبين أخيه الصغير؟!
أم هي تعطي اهتمامًا أكبر للابن الصغير مما جعل الطفل الكبير ينعزل عنها؟!
5- ماذا تعني بقولك "عزلته الوجدانية والشعورية" نرجو التوضيح والتفصيل وإعطاء أمثله.
6- هل كان هناك علاقة طبيعية بين هذه الأم وابنها ثم ساءت هذه العلاقة؟!! أم أن الجفاء بينما قديم ومنذ متى والعلاقة متوترة بين الأم وابنها؟!!
7- طبيعة العلاقة بين الأم والأب وهل هناك مشاكل أسرية؟!
8- هل هناك أخوات إناث لهذا الطفل أكبر أو أصغر؟؟
9- هل هو متفوق في دراسته؟!
ــــــــــــــــــــ(41/453)
أهلي وبلدي أم الحب المجهول؟
مع الجنس الآخر, الحب الأول
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شكرًا لكم على مساعدتكم لحل العديد من المشاكل التي تواجهنا .. وجزاكم الله ألف خير، في البداية أقول لكم: إنني فتاة أبلغ من العمر 19 عاما.. وأحب أحد أقربائي حبًّا كبيرًا .. وأحس أنه أيضًا يحبني، فهو دائمًا يكلمني إذا خرجنا مع أهلنا ويجلس بجانبي، ويحدثني كثيرًا، ولكن المشكلة أنه ليس من بلدي .. وإنما هو من بلد مجاور لبلدي .. وأقول أحيانًا لا أريد إظهار حبي له؛ كي لا يحبني كثيرًا، ويطلبني للزواج؛ لأنني إذا تزوجته فسوف أعيش في بلده، وأنا لا أستطيع فراق أهلي وأسرتي وأمي وأبي .. وهو أيضًا يحب أهله ولا يستطيع فراقهم .. فما الحل ؟؟ والذي يؤكد حبه لي أنه قال لي أحد الأيام كلامًا عن الزواج .. وبعدها قال لي: هل تتزوجينني؟ وكان هذا أمام أخته .. فنظرت إليه، بعدها قال كلامًا مضحكًا بعدها فهمت أنه كان يمازحني .. ربما ليرى نبضي .. بمعنى أنه يريد أن يعرف: هل أحبه أم لا؟ .. ولكني دائمًا عندما أفكر في الزواج منه وإظهار حبي له أتساءل: كيف سأعيش معه؟ ولقد أخبرت صديقتي القريبة مني جدًّا أنني أحبه حبًّا كبيرًا، لكني لا أستطيع فراق أهلي وأمي وأبي .. قالت لي كلامًا حزنت منه، ولكن كلامها كان صحيحًا .. قالت لي: إنك ستفارقينهم آجلا أم عاجلا، ففارقيهم وأنت مع الذي تحبينه، ولكني أريد أن أبقى معهم أطول وقت، أرجوكم أيها السادة الكرام الأفاضل ساعدوني .. وجزاكم الله ألف خير،،،
... المشكلة
... ... الحل ...
...
... احترت مع أي مشاكلك أتعامل بالرغم من قصر رسالتك، وبالرغم من أن الأمر يبدو بسيطاً لأول وهلة، ولكنني عندما تمعنت في الأمر وجدت أنني بصدد عدة مشاكل:
1- الحب الذي تذكرينه ... ما حقيقته؟وهل هو من طرف واحد فقط؟وهل تكفي الأدلة التي قدمتها في رسالتك للدلالة على أن الطرف الآخر يبادلك نفس المشاعر والأحاسيس؟ وهي تبدو كلامًا عاديًّا وطبيعيًّا ممكن أن يصدر من أي شاب قريب لقريبته دون أن يعني ذلك حباً أو عاطفة.. ويبدو أنك فعليًّا غير متأكدة من حبه لك؛ لأنك تحاولين في أجزاء مختلفة من رسالتك البرهنة عليه أو محاولة إقناعنا بذلك.. وأظن أن هذه هي المشكلة الأولى والأهم.. حيث إنه إذا كان الشعور من طرف واحد فقط.. فتصبح هذه هي القضية وليس الارتباط، والبعد عن الأهل؛ لأن هذا شيء سابق لأوانه؛ لأن الرجل إذا كان خالي الذهن من هذا الحب والارتباط؛ فيجب أن تكوني واقعية وتفيقي من خيالاتك، ويكون السؤال عند ذلك هو: كيف أتخلص من هذا الوهم أو الحب الخيالي؟
البعد عن الأهل.. المفروض أنها مشكلة مترتبة على حل المشكلة الأولى، وهي أنك لو تأكدت من مشاعرك نحوه ومشاعره نحوك بصورة واضحة صريحة لا يلّمح فيها، وإنما صرح ودخل البيت من بابه، وجاء متقدماً طالباً الزواج منك بما تقتضيه عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا هنا نقول أيضا: إن مَن تحب حقًّا تنتقل مع من تحب وترتبط إلى أي مكان في الدنيا، وليس فقط إلى بلد قريب أو بعيد يقيم فيه.. وأما إحساسك بارتباطك بأهلك فهو شيء طبيعي الآن، وأنت ما زلت في كنفهم، ولكن بمجرد ارتباطك بمن تحبين، ويصبح لك زوجًا، فإن مشاعر جديدة وعاطفة جديدة ستنمو، ويصبح هذا الزوج هو عالمك الجديد الذي تحيين فيه، وليس في ذلك تأثير على عاطفتك ناحية أهلك أو إنقاص منها، فهذا نوع وذلك نوع آخر، وهذا مجال وذاك مجال مختلف، والعالم اليوم أصبح قرية صغيرة، وهذا التحول الطبيعي أو لنقل النمو الطبيعي لهذه العاطفة والارتباط بالزوج والانتقال معه حيث يكون ويعيش إنما هو شيء فطري غرسه الله في نفوس الزوجات حتى يجد الأزواج عندهن السكن حيث تسكن لزوجها ويسكن إليها، ويشعر بالأمان.
3- مشكلة الخيال والافتراض.. فبرغم أنني ناقشت معك الجزئيتن السابقتين، وحاولت مساعدتك فيهما، فإن هناك أمراً مهماً يجب أن تعيه، وهو أن كل رسالتك قائمة على الافتراض والخيال، وهذا أمر يحتاج إلى وقفة مع نفسك حتى تتعاملي مع الواقع، وأنت الآن في بداية فترة الشباب تحتاجين إلى التعامل مع الأمور بموضوعية وعقلانية أكثر، ولا تتركي العاطفة تتحكم فيك بصورة تؤثر على رؤيتك للأمور.. إنك ما زلت صغيرة نوعًا ما وقليلة التجارب، وإن لم يكن هذا الشاب مناسبًا أو راغباً؛ فالفرصة أمامك ما زالت متاحة للاختيار الموضوعي دون أن يتحول الأمر إلى مشكلة فوق مشكلة، ونرجو أن تتواصلي معنا، وأن نسمع منك قريباً بإذن الله.
ــــــــــــــــــــ(41/454)
آباء وأبناء ..قصة كل بيت
مع الأهل, علاقات أسرية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشكلتي تكمن مع والدي وتتلخص فيما يلي: والدي لا يتقبل الأمور بصدر رحب مهما كانت القضية، ولا يؤمن بقضاء الله وقدره، ويتعامل مع الأسرة كاملة بشكل عصبي للغاية، ولا يتقبل سماع المشاكل؛ لذا أضطر إلى اللجوء إلى أخي الأكبر أو أصدقائي، مع العلم أن الحل عند والدي، حاولت التعامل معه بعدة طرق؛ لكني لم أنجح أرجو تقديم النصائح، والتوجيهات بأسرع وقت. ... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أخي العزيز، خطابك مختصر، ومكتوب بأسلوب عام للغاية مع أنه يضع قائمة اتهامات من النوع الثقيل.
وقلنا من قبل: إن الأسئلة العامة الغامضة لن تحظى بغير إجابات عامة واسعة أيضاً.
وقبل أن نجيب عن تساؤلك، أتوجه إليك، وأنبهك إلى أن الكثير من الشباب يتمسكون بآرائهم، ويطمحون إلى إنفاذ رغباتهم ضد رأي الأهل ورغبتهم، والوالد خاصة دون أن يكلفوا أنفسهم عناء النظر - مجرد النظر - في رأي الوالد بعمق وتجرد، بل إنهم ربما يقبلون النصح إذا جاء من صديق أو أخ أكبر، ويرفضونه حين يأتي من الأب لمجرد أنه مصدره، وهذا من ضعف التجربة، وقلة الخبرة والحكمة.
وفي مقابل ذلك فإن الرغبة الجامحة لدى الآباء في إبعاد أبنائهم عن تكرار أخطائهم الشخصية، ورغبتهم في أن يروهم في أحسن مكان قد تترافق مع عدم القدرة على إدارة العلاقة بين الأكبر والأصغر على نحو يتم فيه الاستماع والتناصح على أكمل وجه، وتتحول الأمور - أحياناً - إلى شكل يشبه طبيباً يسقي مريضه دواءً شديد المرارة، والمريض المسكين يتجرعه ولا يكاد يسيغه، وهو يجهل تركيب الدواء وأثره وسبب مرارته!!
ولا حل لهذا الوضع إلا بالمرونة والتقدير من الطرفين: بأن يفهم الأبناء دوافع سمت الآباء الذي ينزع إلى السيطرة أو محاولة التحكم في مجريات الأمور، وعدم تفويض بعض المهام، وإعطاء بعض الثقة تدريجياً للأبناء مخافة أن تفسد النتائج، ويكون مطلوباً من الأبناء أن يستمعوا بإنصات، ويتأملوا بوعي في مضمون رسائل الأهل، ومواقفهم بغض النظر عن أسلوب هذه الرسائل، وحدة تلك المواقف، وبالمقابل فإن التربية عبء كبير، ولها همومها في كل مرحلة، وفي مرحلة تجاوز الأبناء سن الطفولة والتنشئة فإنه يكون مطلوباً من الآباء الدخول في عملية "طويلة المدى"؛ لتدريب أطفال اليوم/ رجال الغد على تحمل المسئولية، واتخاذ القرارات.
وللأسف يا أخي العزيز، فإن المرحلة التي ينبغي، ويمكن أن تنتقل فيها الخبرات من الأكبر إلى الأصغر وبالعكس، سرعان ما تنقضي حين يستقل الأبناء بحياتهم، وفي بيوتهم وأسرهم الناشئة الجديدة، ونكون بصدد دورة جديدة تتبدل فيها المواقع، وقد يشكو فيها الأبناء الجدد مما كان آباؤهم يشتكون آباءهم فيه، والحكماء من الناس آباءً وأبناءً يستطيعون أن يحققوا المعادلة الصعبة، فيكونون بذلك قد أدوا ما عليهم من أمانة عرضها الله على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها، وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً.
يا أخي، ترفق بوالدك، ولو كان خشناً لا يتقبل الأمور بصدر رحب، واجعل همك اليوم أن تتعلم منه، ولو كان الثمن بعض الصبر عليه، فغداً يفوت أوان التعلم، ويأتي أوان المسئولية فماذا أعددت له؟
ــــــــــــــــــــ(41/455)
تحت العشرين ..شكاوي معتادة "متابعة "
مع الأهل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بداية نشكركم على طرح حلول لمشاكلنا، لقد أرسلت مشكلة من قبل، وقمتم بالرد عليها، ولكم جزيل الشكر عن ذلك، وكانت بخصوص أخي شارد الذهن، وقد فعلت ما طلبتم مني، ولكنه للأسف لم يتغير، وأهلي لم يساعدوني في حل المشكلة، وقالوا لي: "هو إحنا لِسّه بِدّنه ندلل فيه" ولا أدري ماذا أفعل؟ وكيف أقرب بيننا وبينه؟ فالفجوة كبيرة، دلوني بالله عليكم ماذا أفعل؟ ... المشكلة
... ... الحل ...
...
... أختي المحترمة، أهلاً بك مرة أخرى، وأنت تتابعين اهتمامك بأخيك رغم عدم جدية أهلك في متابعة أموره.
يا أختي، ما حدث من انحراف في سلوك أخيك تم خلال شهور وسنوات، وهو يحتاج إلى وقت طويل لكي يتعدّل، فهل تظنين أن أخاك سينصلح حاله، وسيقترب منك في يوم أو أسبوع أو شهر؟!
الأمر يحتاج إلى جهد وإلى وقت، ولذلك فإن التربية تبدو من أصعب المهام، وما تقومين به يبدو أصعب من التربية، لأنك لست في موضع التوجيه "كونك أخته"، ولكن في موقع النصح اللطيف غير المباشر كما ذكرنا لك سابقاً.
ليس أمامك سوى الصبر والحرص على حسن السلوك، وإظهار الاهتمام بشئونه وهواياته وكافة أموره، وبعد مواقف كثيرة، ووقت معقول ستكونين موضع ثقته وأسراره، وشكاواه وسيسهل عليك وقتها إرشاده من خلال الإجابة عن أسئلته، والحديث حول أحداث حياته وصداقاته.
وينبغي أيضاً أن تستمري في طلب المساعدة من أهلك في معاملته بالحسنى؛ لأن العنف لن يزيده إلا تمرداً، وليست الحكمة مرادفاً للتدليل، وليس الهدوء معناه التهاون، لكن التجاهل يؤدي إلى تفاقم السلبيات، وأبواب السوء اليوم كثيرة، فلا تدفعوا إليها أخاك برعونة الأسلوب، وخشونة رد الفعل، فهذا أسهل شيء، ولكن الاحتواء والتفهم أساسي - على صعوبته - لاجتياز هذه المرحلة الحرجة.
وأرى أن اشتراكك مع أخيك في أنشطة مفيدة وممتعة، وتعاملك معه بوصفه صديقًا مقربًا، وليس بوصفك معلمته أو مربيته؛ سيكون له أبلغ الأثر في تقصير الوقت المطلوب لنجاح مهمتك.
شاركت في حل هذه المشكلة السيدة سمر عبده من فريق مشاكل وحلول.
ــــــــــــــــــــ(41/456)
تساؤلات تحت العشرين.. الدراسة ستبدأ
هموم الدراسة, مع النفس
بسم الله الرحمن الرحيم، أنا شاب سني 15 سنة تقريبًا، وإن شاء الله سأكون في أولى ثانوي. مشكلتي بعض الناس يعقدونها، والبعض الآخر لا يقولون شيئًا، فأريد أن أعرف ما هي الأساسيات التي أقوم بها؛ لكي أتفوق في المرحلة الثانوية كلها؛ ولأذهب إلى كلية كبيرة، وكيف تكون طرق المذاكرة، وكيف أوازن بين الصلاة في المسجد والمذاكرة، وجزاكم الله كل خير. ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... إن أول أساسيات التفوق في الحياة بصورة عامة وفي الدراسة بصورة خاصة هو وضوح الهدف الذي يؤدي إلى قوة الدافع من أجل الوصول لهذا الهدف.. ويبدو في رسالتك أن هدفك هو التفوق في الثانوية والالتحاق بكلية كبيرة.. وهو هدف معقول، ولكن الأمر يحتاج إلى مزيد من التحديد.. وهذا الأمر قد يحتاج منك إلى معرفة بميولك وقدراتك؛ حتى تستطيع تحديد اتجاهك.
وبعد ذلك تصبح قضية المذاكرة قضية بسيطة تحتاج إلى:
1- تنظيم الوقت.. بمعنى المذاكرة من أول العام، وتقسيم الوقت إلى وحدات تتخللها فترات للراحة والاستجمام.. وقد يكون من المناسب أن تكون هذه الفترات البينية بين ساعات المذاكرة هي أوقات الصلوات بمعنى أن تشمل فترة الراحة وقت الصلاة والنزول إلى المسجد.. مما يؤدي إلى عودة النشاط إلى الجسم، والذهن ويساعد على العودة إلى المذاكرة بدرجة تركيز وانتباه أكثر.
2- زيادة الانتباه أثناء المذاكرة من خلال:
أ- تحديد وقت ومكان معين للمذاكرة؛ وذلك حتى يرتبط هذا الزمان والمكان بالمذاكرة فيزداد التركيز.
ب- عدم التفكير في المشاكل والهموم أثناء المذاكرة.
ج- تنشيط الدورة الدموية من خلال ممارسة بعض التمرينات الخفيفة بين جلسات الاستذكار.
3- القراءة المتكررة الجيدة للموضوع المطلوب مذاكرته مع التسميع، وحلّ الأسئلة كتدريب على الامتحان، ومع البعض تكون المذاكرة الجماعية عنصرًا مساعدًا، ومع آخرين تكون عنصر تعطيل.
ومع ذلك كله الاستعانة بالله عز وجل، والدعاء المستمر له؛ حتى يعينك على ما أنت مقدم عليه.
ــــــــــــــــــــ(41/457)
مخاوف حول قصر القامة
مع الأهل, اضطرابات أخرى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا فتى تونسي أبلغ من العمر 17 سنة، أعاني منذ مدة قصيرة من مشكلة أذهبت النوم عن أجفاني، وجعلتني أعيش حالة من القلق والتوتر الشديدين، لم أعشهما طوال حياتي، قد تضحكون من مشكلتي، لكني والذي نفسي بيده أكاد أحترق من فرط ما أحس به، دون إطالة مشكلتي هي: أمي وأبي قصيرا القامة نسبيًّا (أبي 1.66م و أمي 1.56 م) وكنت كذلك في طفولتي أقصر من أقراني؛ فكنت أشعر بشيء من الغيرة أو الخجل ثم في فترة البلوغ (15 سنة بالنسبة لي) حصل لي طول في القامة ففرحت أيما فرح، وحمدت الله على هذه النعمة، فقد تجاوزت والدي قامةً، وطول قامتي حاليًا قرابة 1.71 م وقنعت بذلك، ولم أكن أطمع في المزيد، لكن منذ فترة قصيرة، أصبح أخي الذي يصغرني بسنة والذي كان أقصر مني قامةً يساويني فيها، وهو يكاد يتجاوزني فأصبح يسخر مني ويدعوني بالقصير، وكذلك والداي صارا يضحكان مني وأصدقائي و .. حقيقة ثارت ثائرتي وشعرت بالعجز والحزن والخجل وفقدان الثقة في النفس .. ومما زاد أزمتي أن لي صديقًا درس معي سابقًا، وكان شديد القصر إلا أنه الآن أطول مني بكثير، وأطول من أبيه وأمه وإخوته الأكبر منه سنا (1.78 م) وقد قال لي: إنه فعل ذلك بشرب لترين من الحليب يوميًّا طوال سن 15 و 16 فتألمت كثيرًا، وأحسست بأني أضعت فرصة العمر بعدم فعلي كما فعل، وأنه قد فاتني الوقت ولا فائدة ترجى الآن ... أنا الآن أعاني اضطرابا نفسيا لم أعشه طوال حياتي فصرت أرى -أو ربما هكذا يخيل لي-أن كل من حولي أطول مني قامة، وأني أقصرهم جميعًا كما صرت أغار من أخي وأخشى جدًّا أن يفوقني قامة كثيرًا فيما بعد؛ فأصير أضحوكة.. ملجئي الوحيد أني هرعت إلى شرب الحليب بمعدل لترين يوميًّا والقيام يوميًّا بحركات استطالة وتمدد ولعب رياضة كرة السلة، وأنا أدعو الله دائما أن يعينني في أزمتي هذه.. أرجوكم أرجوكم أرجوكم أن تجيبونني عما يلي 1-هل طولي حقًّا مدعاة للسخرية طولي يبلغ 1.71 م؟ 2 -هل حقًّا توقف نموي في سني هذه (17 سنة )؟ وهل أنا حقًّا ضيعت فرصتي فشعور الحسرة يكاد يحرق قلبي؟! 4-متى يتوقف نمو الفتى في سن: 17 أم 18 أم 19 أم 20 سنة؟ 5- هل الحليب يسهم حقًّا في نمو القامة؟ وإن شربته الآن بمعدل لترين فهل سيعينني على الطول؟ 6-الحركات الرياضية التمددية (كالتي في كرة السلة) هل تنفعني في سني هذه؟ 7-هل تقوية العضلات على نحو كمال الأجسام يعيق نمو القامة؟ 8-سمعت عن حقن وعمليات جراحية تزيد الطول فهل هي موجودة فعلا؟ وهل هي ممكنة في عمري هذا؟ وهل تنصحونني بها؟ 9-هل لوزن الفرد دور في نمو طوله؟ 10-كم سنتيمترا يمكن لي أن أنموه حتى أصل إلى المعدل الطبيعي؟ 11-ما الحل الأنسب الذي ترونه كي أزيد الحد الأقصى الممكن في القامة؟
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... طولك بالنسبة لسنك طول طبيعي ومناسب، وكون صديقك أطول منك فهذا ليس له علاقة بشرب اللبن أو غيره؛ فالمسألة متعلقة بالجينات الوراثية وتراكمها، مما يتحكم في طول الإنسان.
والغذاء المناسب الجيد وممارسة الرياضة بأنواعها المختلفة من الأشياء المهمة في المساعدة على النمو السليم للجسم بصورة عامة، ولا يوجد غذاء معين أو رياضة خاصة لزيادة الطول، ولكن يوجد اهتمام عام بالصحة يؤدي إلى نمو طبيعي وجيد للجسم خال من الأمراض.
ولا توجد عمليات جراحية أو حقن لزيادة الطول الطبيعي، وأنت لا تحتاج إلى مثل هذه الإجراءات، وتستخدم العمليات الجراحية في حال العيوب الخلقية عافاك الله منها، أو تستخدم الحقن في حالة نقص الهرمون الوراثي الذي يؤدي إلى توقف النمو.. وهو أيضًا أمر لا علاقة لك به.
ونحن نخشى من كثرة اهتمامك بهذا الأمر وسيطرته على تفكيرك أن يتحول الأمر إلى صورة مرضية نفسية؛ ننصحك بالإقلاع تمامًا عن التفكير في هذا الأمر خاصة وأنه ما زالت أمامك فرصة لزيادة طولك حتى سن الحادية والعشرين، وأيضًا لأن قيمة الإنسان تظهر من أفكاره وعلمه وليس بطوله، ونرجو أن يكون ذلك آخر عهدك في التفكير في هذا الأمر وإلا لأصبح الأمر يحتاج إلى تدخل الطبيب النفسي.
ــــــــــــــــــــ(41/458)
تحت العشرين.. خلافات وعقبات غامضة
هموم الدراسة, مع الأهل
بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فأرجو منكم أيها الإخوة الأعزاء، أن تتفهموا مشكلتي التي تتلخص في اختلافي الدائم مع أبي، والذي يصل إلى حد المقاطعة عن الكلام، لفترة قد تصل إلى عام في بعض الأحيان؛ وذلك بسبب تعثري غير المفهوم في الدراسة؛ حيث يقع لي أثناء المطالعة والمذاكرة شيء من عدم التركيز يمنعني من استذكار دروسي؛ مما يجعل نتائجي غير مرضية لوالدي، رغم أنني أبذل ما في وسعي، ووفقكم الله سبحانه وتعالى. ... المشكلة
... ... الحل ...
...
... ليست المشكلة في ركاكة الأسلوب، ولكن المشكلة تكمن في نقص التفاصيل.
نحتاج إلى معرفة أدق حول مسألة تعثرك في التحصيل الدراسي، وطبيعة علاقتك بوالدك بالنسبة للتعثر الدراسي:
هل السبب يكمن في عدم اهتمامك بالدراسة أو الرغبة فيها؟
هل هناك مشكلة في المدرسة تتعلق بالمدرسين أو بمسألة الاختلاط بين الجنسين التي شكوت منها سابقاً؟!
وما هي أسباب عدم تركيزك في المذاكرة؟! ما الذي يشغل بالك، ويحتل تفكيرك، ويشتت ذهنك؟!
هل تحصيلك كان ضعيفاً منذ الصغر أم أن هذه شكوى مستجدة؟!
وما هي درجة تعثرك الدراسي: رسوب، نجاح بدرجات منخفضة أم ماذا بالضبط؟! وعن علاقتك بوالدك نريد أن نعرف: هل الخلافات خاصة بالدراسة فقط أم هناك أمور أخرى؟!
وماذا عن بقية الأسرة: ما هو دور أمك وموقفها من هذا الخلاف؟ وما هو موقف إخوتك وأخواتك؟! وكم عددهم؟ وما هو ترتيبك بينهم؟ وما هي طبيعة علاقتك بهم؟
أخي، أسباب تعثرك الدراسي تبدو غامضة، وخلافك مع الوالد يبدو أكثر غموضاً، وعلى كل حال أرجو أن تعرف أن أي والد إنما يحرص على أولاده - خاصة الذكور - ولا يوجد إنسان يحب أن يكون آخر أفضل منه، إلا الوالد تجاه الولد، ويدفعهم هذا الحرص إلى بعض القسوة أحياناً دون أسباب، وغالباً بأسباب، فما هي الأسباب يا أخي؛ وهل التعثر الدراسي فقط يكفي لتفسير الخلافات مع الوالد؟ نحن في انتظار معلومات أكثر.
ــــــــــــــــــــ(41/459)
الغيرة بين الأطفال
مع الأهل
ابني البالغ من العمر ثلاث سنوات ونصف يشعر بالغيرة البالغة من شقيقه الأصغر البالغ من العمر ثمانية أشهر، علمًا بأنني ووالدته حريصان على عدم المبالغة في الاهتمام بالابن الأصغر على حساب الأكبر، أيضًا ومنذ ولادة الابن الأصغر أولينا الابن الأكبر المزيد من الرعاية حتى لا يشعر بالغيرة، أرجو الإفادة عن كيفية التصرف حيال هذا الأمر، أثابكم الله. ... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ الفاضل، أهلاً بك على صفحتنا
الابن الأكبر دائمًا ما يكون حلم الوالدين ويكونان في غاية السعادة والاحتفاء به، وقد يبالغان في تدليله، ويستمر الحال هكذا إلى أن يرزق الوالدان بالطفل الثاني، ونظرًا لضعف الطفل الثاني وفرحة الوالدين به والإحساس بأن الابن الأكبر صار أقدر على القيام بحاجاته الأساسية ـ ينشغلان برعاية الصغير، وينال القدر الأكبر من وقتهم.
وكذلك الطفل الكبير كان يشعر بأنه سيد الموقف ومركز اهتمام الوالدين والأقارب قبل قدوم الضيف الجديد، وفجأة يجد من يشاركه الاهتمام أو يحرمه منه أحيانًا؛ فيبدأ في السلوك العدواني دفاعًا عن حقوقه كما يعتقد.
لذا كان يجب أن يعد الأب والأم الطفل الكبير لتقبل قدوم الطفل الجديد من خلال جلسات معه، يخبرانه خلالها أن هناك أخًا وصديقًا وحبيبًا قادم يحبك، وسيأتي لك محملاً بالهدايا، وأنه الأكبر الذي سيساعد والدته في رعايته، وعند قدوم الطفل الصغير يفضل عندما يراه أخوه الأكبر أول مرة أن تكون هناك هدية كبيرة في انتظاره كهدية من أخيه الأصغر، والهدف من ذلك أن يشعر بالحب تجاه أخيه الصغير وفي نفس الوقت ينشغل بالهدية عنه وهكذا..
أما حل مشكلة الغيرة من الابن الأكبر حيال الأخر الأصغر بعد مجيئه بفترة فتكون بانتقال الابن الأكبر من إحساسه بالمنافسة على الحب والرعاية مع أخيه الأصغر إلى دور المسئول عن رعاية أخيه الأصغر، بمعنى أن تشركه الأم معها في رعاية أخيه الصغير؛ فتدعوه عندما تقوم مثلاً بتغيير الحافظة المبتلة له إلى إحضار الحافظة الجديدة، وتجعله يساعدها في عملية التغيير نفسها، وتشكو له هذا الطفل الصغير، وكيف أنه يرهقها بذلك، وكيف أنه أصبح كبيرًا لا يحتاج إلى هذا المجهود، بل هو مشارك معها الآن في رعاية هذا الصغير الجديد.. وفي أحوال أخرى تضعه على حجره وتدعوه إلى هدهدته حتى يسكت تحت إشرافها، ومرة أخرى تجعله يساعدها في مشط شعره ومرة في محاولة ملاعبته؛ حتى يسكت حيث إن الأم مشغولة، وهكذا حتى تنتقل مشاعر الطفل الكبير من صورة المنافسة إلى صورة الرعاية.. وأن اهتمام والديه به صورة أخرى مختلفة عن رعايتهما لهذا الصغير؛ حيث إنه يشاركهما في ذلك، وأيضًا يجب مراعاة أن يهتم الأب بالابن الأكبر في حالة وجوده في لحظات الاهتمام القصوى بالطفل الأصغر مثل الرضاعة مثلاً؛ فيقوم الأب خلالها بملاعبة الطفل الأكبر بصورة حانية قوية، وستنجح هذه الطريقة في التغلب على هذه الشكوى بإذن الله مع الصبر على الطفل الكبير، وعدم زجره على هذه الغيرة الطبيعية التي ستقل مع كبر الطفل الجديد وتساوي نوع الرعاية بين الطرفين.
ــــــــــــــــــــ(41/460)
تحت العشرين.. سنوات القلق والشك
مع النفس
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا تائهة وحائرة ..لا أعرف من أين أبدأ، وماذا أقول، مشكلتي هي أنني غير راضية عن نفسي ..ودائمًا أعاتب نفسي، بالرغم من أن كل من يراني ويعرفني يقول: إني واثقة من نفسي، نعم هذا ما أظهره، ولكن في داخلي صراع كبير، أبلغ من العمر 17 عامًا، والحمد الله أؤدي كل فرائض الصلاة وسننها، كما أنني أقوم ببعض النوافل كقيام الليل، وصلاة الضحى، أحيانًا أحس بأني ماكرة ومخادعة ..كما أنني أرفض إذا ظلمني أحد أو أساء فهمي أن أصحح له الخطأ ..ولا أعرف لماذا؟ قد يكون السبب أني أشعر أحيانًا بحزن شديد؛ لأن هذا الشخص ظلمني، وأساء فهمي، أنا بطبعي عفوية ومتسرعة؛ وهذا يضعني في مشاكل، ويؤدي إلى سوء الفهم أرجوكم أرشدوني ..أرشدوني ..فأنا في صراع كبير ..ألوم نفسي على كل شيء، أشعر أني مخادعة ..أريد أن أطهر قلبي وأنقيه ..الكل يقول: إني طيبة، ولكني لست كذلك، أريد أن أتغير، وتستقر نفسيتي، أرجوكم أفيدوني، وسأكون شاكرة لكم لو أعطيتموني بعض الأدعية، وجزاكم الله خيرًا لما تقدمونه لشباب المسلمين، أسأل المولى عز وجل أن يهدي جميع شباب المسلمين، ويستر على بنات المسلمين، اللهم آمين ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخت العزيزة، أهلا بك، وليتك تظلين على اتصال بنا، بشكل عام فإن الشعور بالحيرة، وعدم التحديد، والطموح المثالي إلى الكمال، ودوام لوم النفس، وتأنيب الذات مع اهتزاز الثقة في الناس، وتقلب المشاعر بين الحزن والفرح، والشعور بعدم القدرة على التكيف مع الحياة والمحيط.. هذه بعض الملامح المتعارف عليها مما يطلق عليه مرحلة "المراهقة" التي تمرين بها حالياً، ومن شأن الاندراج في تحمل بعض المسئوليات العملية في الحياة اليومية من ناحية، وكذلك الاحتكاك والتعلم من خبرات وتجارب الآخرين مع وجود مجموعة الأصدقاء والأنشطة والاهتمامات والميول المناسبة لشخصيتك وظروف مجتمعك، كل هذا من شأنه أن يساعد على مرور هذه المرحلة بسلام بل باستفادة في شأن الدين والدنيا.
وليس هناك أدعية معينة غير دوام الذكر، ومخالطة الناس، وتحمل المسئوليات ولو كانت بسيطة، والخروج من قوقعة الذات الضيقة للتعرف على العالم الواسع الذاخر بالخير والشر، ومن هنا تنضج الشخصية، وتستقر النفس.. تدريجيًّا.
أما في حالة وجود شكوك محددة في النفس أو الآخرين، أو مشكلات معينة في التصورات أو العلاقات أو السلوكيات فنرجو التوضيح.
ــــــــــــــــــــ(41/461)
تحت العشرين.. شكاوى معتادة
مع الأهل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاكم الله عنا كل خير على هذا الموقع المميز والمتنوع. ومشكلتنا تكمن في أخٍ لي. أخ تقدم للثانوية العامة هذا العام ولم يوفق؛ لأنه لم يدرس إلا قبل الامتحانات بقليل، وكان يُمَنِّينا بأنه سينجح، ولكن لم يُوَفَّق، والمشكلة تكمن فيه؛ حيث إنه لا يسمع كلام والدي، ودائمًا شارد الذهن، ودائمًا في خلاف ومشاجرة معنا. أنا لا أنكر أنه - وهو طفل - كان مدللاً كما أخبرتني أمي، وبعد ذلك انقلبوا عليه بشدة؛ لأنه كان لا يسمع الكلام، ومهملاً في حياته وعنده لا مبالاة رهيبة؛ حتى كاد والدي ييئس منه، وهو لا يدري ماذا يفعل معه ولا نحن، ولا يدري أبي كيف يُؤَمِّن له مستقبله، حتى إنه فاشل في الحياة العملية كل هَمِّه الرياضة وطلب النقود. والله لقد احترنا في أمره. ماذا نفعل بالله عليكم؟! أفيدونا بارك الله فيكم. ... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أختي المرسلة، أقدر اهتمامك بأخيك وحرصك عليه، وأعتقد أن سبب مشكلته أمران:
1- أنه مدلل في الصغر، وزيادة التدليل للطفل تجعله "يكره المسئولية"، ويسعى للأمور السهلة الممتعة بأي طريق، وإصلاحه يحتاج لمجهود كبير.
2- أن أخيك في سن المراهقة، ومن طبيعة هذه السن التقلبات والانفعالات والاستهتار وشرود الذهن.. "كما ذكرت".
ومع الأسف معظم الآباء والإخوة الكبار لا يَحْتَوون أو يتفهمون هذه المرحلة؛ لذلك يقابلون تصرفات الشباب في هذه المرحلة بالشدة والإهانة واللوم والسخرية، مما يؤدي لنتيجة عكسية؛ فيزيد الأبناء في العناد والخطأ.
والحل في رأيي، هو أن عليك:
1- مصاحبة أخيك واحتواءَه، وإياك والسخرية أو النقد المباشر اللاذع لتصرفاته، وعليك مشاركته في بعض هوايته الرياضية مثلاً.
2- متابعة أخباره ومعرفة أصدقائه، فأصدقاء السوء يكون لهم تأثير كبير في سوء سلوكه.
3- البعد قدر الإمكان عن المشاجرات والخلاف، وعليكم محاولة مناقشته بهدوء مهما كانت المشاكل كبيرة.
4- تشجيعه وإخباره بثقتكم فيه وفي قدراته، حتى وإن كان ذلك غير صحيح؛ فهذا سيجعله يتحمل المسئولية.
5- محاولة إيجاد صحبة صالحة له تعينه على الخير، فالمرء على دين خليله.
وأعانكم الله وأعلمينا بالتطورات.
حررت هذه الإجابة الأستاذة سمر عبده من فريق الحلول
ــــــــــــــــــــ(41/462)
تحت العشرين .. الأوضاع تدفع للجنون
الوعي السياسي, مع المجتمع
السلام عليكم، مشكلتي أحتار في وصفها ... فأنا أعاني منها منذ حوالي سنتين، منذ بدأت أطلع بشكل واسع على المشاكل التي نعاني منها في العالم العربي والإسلامي، وخاصة مشكلة فلسطين بالدرجة الأولى، ثم مشكلة العراق وكشمير والسيطرة الأمريكية على دول الخليج، ثم سيطرة الأحزاب البعثية الاشتراكية على الحكم في كثير من الدول العربية، وضرب كل محاولة لأحزاب إسلامية من أجل الوصول إلى السلطة، ثم تجاهل الحكام العرب لبرامج الأبحاث العلمية ........ كل هذه المشاكل دفعتني إلى التفكير في حلول لها قد تستغرق ساعات وأيامًا وشهورًا، العجيب أنني أفكر تارة بعقلانية وتارة أخرى في حلول مدمرة، وذلك على أنها الحل الوحيد للمشكلة، فمثلا مشكلة كامتلاك إسرائيل للسلاح النووي (300 رأس نووية) فلو أن حربًا حقيقية اندلعت بين إسرائيل ومصر، وقامت الأولى بإلقاء قنبلة نووية على القاهرة (15 مليون نسمة) فماذا سيفعل العرب؟ أنا سأقول لك: سيجتمع الزعماء العرب، ثم يصدرون بيانًا يستنكرون الاعتداء بشدة، ويطالبون بتعويضات عن الأضرار، ثم يعود كل منهم إلى قصره، وكأن الأمر لا يعنيه من قريب أو بعيد، إن مجرد التفكير في هذا الواقع؛ يدفعني إلى الجنون، ثم أعود لأفكر فأتوصل إلى أنه على أثرياء العرب الذين يملكون أموالا لا تُعد ولا تُحصى أن يفكروا في الأمر بشكل جدي، وأن يسعوا لإقامة تنظيمات تسعى للحصول على السلاح النووي، خاصة وأن الوضع ملائم للحصول عليه من المافيا في روسيا ودول الاتحاد السوفيتي، ثم أعاود التفكير فأقول بيني وبين نفسي: إن هذا لهو الجنون بعينه، فإذا كانت الدول لا تقدر على هذا فكيف بالأفراد؟!. إن هذا التفكير المستمر في القضايا... يسبب لي الكثير من المشاكل خاصة مع أهلي، وعدم انسجامي مع أصدقائي بسبب عدم شعوري بقدرتهم على فهم ما أفكر فيه، في النهاية أريد تقييمًا عن كيفية تفكيري بشكل صريح (غبي، جيد، خيالي.......) ؟ وهل هذه الطريقة في التفكير سليمة؟ وهل من حل لهذه المشاكل؟ وشكرًا. ... المشكلة
... ... الحل ...
...
... الأخ العزيز، دون إفراط في التفاؤل أهنئك بتحرير جنوب لبنان، وأقول لك: صَدَقْتَ يا أخي، بشأن أوضاعنا العامة التي تدفع العاقل إلى الجنون.
أما عن طريقة تفكيرك فهي جيدة، وتحمد عليها: "فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، ولكننا قد نختلف معك في نتيجة هذا التفكير، فإذا كانت نتيجته هي الإحساس بالإحباط والشعور بالعجز، فهذه نتيجة سلبية؛ لأنها ستؤدي إلى القعود، وفقدان الأمل؛ لتزداد الأمور سوءاً على سوء.. أما إذا كانت نتيجة هذا التفكير هو التساؤل عن كيفية الخروج مما نحن فيه؟ والسعي لتغيير ذلك، وبدء الإنسان بنفسه فيما يراه من أدوار مطلوبة؛ فهذه نتيجة إيجابية؛ لأنها تؤدي إلى انتعاش الآمال وإلى الحركة الإيمانية الفعالة المؤدية للتغيير بإذن الله .. لقد تحدثت في رسالتك عن القدرة النووية الإسرائيلية، وعن خطرها على المنطقة، وأظنك كنت تقدم ذلك كنموذج للتفوق التكنولوجي، والأخذ بأسباب العلم في هذا المجتمع، الذي كانت ذروته هذا التفوق النووي.
إن السؤال عن حل هذه المشكلة يبدأ من سؤال نفسك عن واجبك نحوها؟.. إن هؤلاء القوم الذين أوصلوا وطنهم "المزعوم" إلى هذه الذروة لا بد وأنهم قد آمنوا بقضيتهم أولا، وضرورة الانتصار لها بكل السبل، وهؤلاء وجدوا أن لغة العصر التي تضمن لهم التفوق هي لغة العلم.. فإذا ما عدنا إليك فإن قضيتك التي يجب أن تؤمن بها وهي نصرة الإسلام تحتاج إلى فهم عميق لهذا الدين ومعانيه، حتى لا يؤدي فهمك الخاطئ له إلى إلحاق الضرر به، بل وإلحاق الضرر بك.
وهذا يحتاج إلى دراسة ووعي بمفردات الواقع، وبدروس التاريخ، وبعدها يجب أن تتسلح بسلاح العلم في مجال تخصصك، وتصبح بارعاً فيه؛ حتى تستطيع أن تصبح نواة من الأنوية الصُّلْبة التي يمكن الاعتماد عليها في بناء نهضة إسلامية حقيقية.. إن المشكلة ليست في إلقاء القنبلة النووية على القاهرة، وردود الفعل نحو ذلك، بل إنه إذا حدث ذلك فسيكون تجليًا لحالة من الضعف العام على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية.. إن الأمة انهزمت أولاً، ثم انهزم الجيش، أو جاء الاحتلال؛ ولذا فلا بد أن تنتصر الأمة أولاً، أي لا بد من البعث على كل المستويات السابق ذكرها، لا بد من النهوض والنهضة، وهذا قد يحتاج إلى زمن طويل وجهد ليس بالقليل، ربما تكون أنت أحد رواده، ولن يكون ذلك بالتفكير العاجز الذي يكاد يوصل إلى الجنون، بل بالتفكير الواعي. إن المعركة مع عدونا معركة حضارة منتصرة تبدأ في النفوس والعقول، فإذا أردنا أن ننتصر فلا بد وأن نأخذ بأسباب انتصار الحضارات، التي يعتبر الزمن أحد محاورها الأساسية، فإذا أراد أحد أن يخالف السنن، ويتحدى النواميس، ويحقق انتصاراً تافهًا بفرقعة هنا أو هناك؛ فإنما هو يخدع نفسه، بل ويعطل المسيرة الحقيقية لتحقيق الانتصار، ليس في المعركة، ولكن في الحياة بامتدادها وتشعبها وتعقدها.
إنها نواميس الله وسننه التي لن يغيرها من أجل مجموعة من الكسالى القاعدين كما قالها الشيخ الغزالي عليه رحمة الله.
إن الانتصار في معركة الحضارة والحياة له قوانينه فإن أخذنا بها انتصرنا وفزنا وسدنا، وإن لم نأخذ بها فلا نلومن إلا أنفسنا، وليبدأ كل منا بنفسه بوعي، وإدراك لحقيقة ما هو فيه، وما هو مقدم عليه.
ــــــــــــــــــــ(41/463)
تحت العشرين.. العبور دون خجل
تحت العشرين
السلام عليكم، هذه هي رسالتي الثانية لكم، وأنتم لم تردوا على رسالتي الأولى، ولا أدري لماذا؟ ربما لم يحن الوقت، المهم اليوم سوف أعرض عليكم مشكلتين: المشكلة الأولى: هي ما عرضته عليكم في رسالتي السابقة وهي "الاستمناء أثناء النوم" عندما يغيب عقلي، ولا أملك السيطرة على نفسي، وأنا متدين جدًّا، وأحرص على الصلاة في المسجد، وأقوم الليل بعض الأحيان، ومع هذا فأنا نادرًا ما أحتلم بشكل طبيعي، وعادة ما أحلم حلمًا جنسيًّا، ولا أستيقظ إلا لحظة القذف، وكما قلت في رسالتي السابقة فأنا في الماضي قبل أن ألتزم بالدين، كنت أحيانًا ما أفتح مناطق محرمة على شبكة الإنترنت، ولكن ذلك يكون للحظات قليلة جدًّا، وأكاد لا أرى شيئًا وسرعان ما أعود إلى عقلي، وأستعيد السيطرة على نفسي، وأندم بعدها أشد الندم، وأتوب وأستغفر الله رغم أنني لم أكن تقيًّا في تلك الفترة كما أنا اليوم، ولكنني حتى في أسوأ لحظات حياتي كنت محافظًا على الصلاة، ولم تتجاوز هذه المرحلة المخزية عدة أشهر، ربما 7 أشهر، ولكن مع هذا استمرت معي هذه العادة البشعة: "الاستمناء أثناء النوم"، وأخذت صورة منتظمة يومًا معينًا كل أسبوع، في البداية كنت أظن الأمر يحدث لكل الناس، ولكنني بدأت أرتاب، خاصة وأنا كنت أصاب بالإرهاق وعدم التركيز، وأنا متفوق في دراستي، ولقد حاولت كثيرًا، ولم أفلح، وأحيانا ما كانت تتوقف لفترة تزيد عن الشهر، وأفرح فرحًا شديدًا، وأتخيل انتصاري على هذا العدو، ولكنها سرعان ما تعود، أرجوك ساعدني، فأنت آخر أمل بعثه الله لي.
المشكلة الأخرى تكمن في أنني خجول جدًّا بشكل مرضي، وعندما أدخل في مكان عام أشعر أن الناس ينظرون إليّ لينتقدونني، هذا مثال بسيط، يبدو أنني أطلت عليكم؛ فاعذروني، وسوف أبعث إليكم رسالة أخرى بها تفاصيل أكثر عن المشكلة الأخرى إذا احتجتم لهذا، وفقكم الله، وسدد خطاكم.
... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أخي العزيز،نأسف لعدم الإجابة على رسالتك الأولى نظراً لوجود عيوب فنية في طريقة إرسالك للمشكلة أدت للحيولة دون وضوح نص المشكلة رغم وضوح بياناتك الشخصية ولكنك للأسف لم ترفق مع هذه البيانات عنوانك الإليكتروني.
لا يمكن أن تتصور مدى فرحتنا بأصحاب المشكلات من سن "تحت العشرين"، هذه السن الحرجة التي يحتاج الإنسان ـ شاباً كان أم فتاة ـ إلى من يستمع إليه، ويشير عليه. ومازلنا ننتظر تواصلاً أكبر مع الشباب في هذه المرحلة، ونعتقد أنه سيكون من أهم نجاحات هذه الخدمة التي نقدمها لجمهور هذا الموقع المبارك.
يبدو يا أخي أنك لا تدرك بوضوح بعض المفاهيم المتعلقة بالبلوغ، فأنت تشكو من "الاستمناء أثناء النوم" ولا يوجد شيء يسمى هكذا، فلا يكون الاستمناء إلا يقظة وإرادياً، وبالتالي ما يحدث أثناء النوم لا يسمى استمناء، ولكنه "الاحتلام العادي"، والاحتلام يكون بنزول السائل المنوي، وقد يكون هذا مصحوباً بحلم جنسي يتذكره الإنسان أو لا يتذكره، وقد لا يكون مصحوباً بحلم، وغالباً ما يستيقظ الشخص في لحظة القذف، وكل هذا طبيعي 100% ومعناه أنك بلغت، وأصبحت مكلفاً بأوامر الشرع، ومسئولاً عن تصرفاتك.
أما عن الميل إلى الجنس الآخر فهو أيضاً ميل فطري وطبيعي يأخذ أشكالاً كثيرة منها التفكير، ومنها الرغبة في رؤية الصور العارية.. إلخ.
وإذا كان هذا الميل في حد ذاته فطرياً وطبيعياً وضعه الله في تركيب الإنسان فإن التعبير عنه بوسائله المختلفة يكون منه المباح ومنه الحرام ومنه الواجب.. إلخ
فإذا كان النظر إلى عورات النساء حرام، فإن الرغبة في الزواج ـ كتعبير عن الميل للنساء ـ تعد من المباحات، وأحياناً من الواجبات خاصة على المستطيع الذي يخشى على نفسه الوقوع في الحرام.
وكثرة التفكير في الجنس تؤدي إلى عدم التركيز بالضرورة، والتهيج الحاصل لرؤية الصورة العارية يؤدي إلى عواقب كثيرة منها احتقان منطقة الحوض، ومنها تزايد سرعة ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم، وغيرها من أعراض التهيج الجنسي، وهو ما من شأنه إشعارك بالإرهاق البدني الذي تشكو منه، ومن شأن هذا وذاك التأثير على تفوقك الدراسي، وحالتك المعنوية والروحية.
وقد أجبنا كثيراً عن حالات مشابهة لحالتك بما خلاصته أنك تحتاج إلى صحبة صالحة تشغلك عن هذه العادات السيئة، كما تحتاج إلى استثمار طاقاتك الذهنية والجسمانية والروحية فيما هو نافع وممتع، وتحتاج إلى اجتناب الجلوس إلى الإنترنت، وربما إلى قطع الاشتراك فيه، وتحتاج إلى استمرار التواصل مع الأكبر سناً، ونحن نعدك أن تجد لدينا الإجابة والنصيحة بإذن الله.
أما عن الخجل فأنا في انتظار تفاصيل مشاعرك، وأعراض خجلك، ودرجته، ويعينك على شرح حالة خجلك الاطلاع على المشاكل السابقة الخاصة بالخجل، واستخدم أداة البحث لتصل إلى هذه الإجابات، ونحن في انتظار رسالتك القادمة.
ــــــــــــــــــــ(41/464)
المزاح باليد
مع النفس
مشكلتي أنني كثير المزاح باليد، حتى إن الجميع بدءوا يملون مني؛ فما الحل؟ ... المشكلة
... ... الحل ...
...
... الأخ العزيز، رغم أنك لم توضح تفاصيل هذا المزاح باليد، وهل هو شيء طارئ عليك في السنوات الأخيرة أم هو ممارسة تعودت عليها من الصغر؟ وهل هو شيء تنفرد به أم شائع في أسرتك؟! وهل حاولت التغلب عليه أم لم تحاول؟! وما هي مشاعرك وأنت تمزح هكذا؟ رغم أنه كان ينبغي أن توضح كل هذه الأشياء لتحظى بإجابة واضحة منا، أقول لك: إن الأمر يبدو بسيطًا بإذن الله، وبشيء من الإرادة والتدريب على التحكم في التصرفات والحركات يمكن التغلب على هذا السلوك الذي يبدو أنه يسبب لك بعض الحرج الاجتماعي، وأهلاً بك متواصلاً معنا، ونرجو أن نتلقى منك تفاصيل أكثر.
ــــــــــــــــــــ(41/465)
تحت العشرين.. العذاب الجميل
مع النفس
إنها ليست مشكلة بل بلوة، ألا وهي الخوف من الواقع، الخوف من كل شيء، عدم وجود القوة في النفس، عدم وجود التركيز في الذهاب إلى الاتجاه الصحيح، وللأسف كم منا من يقع في هذه البلوة ؟!... إن ضعف الإيمان في القلب هو الذي يبرز هذه الأشياء وللأسف... المشاكل العامة للناس: 1 - الزواج المختلط 2 - الشباب والمجتمع الفاسد 3 - الهزيمة النفسية 4 - السكوت عن الخطأ 5 - ضعف الإرادة النفسية ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... سؤالك يا أخي يحتاج إلى أسئلة، ويفتقد إلى التحديد، ويضع المشكلة، ويصف الحل، ويكرر ويتشعب.
إنه جمال هذه المرحلة الذي يكمن في التشتت، وعدم اليقين، والتحولات في البدن والذهن، والانتقال من طور إلى طور، ونريد أن نبقى على اتصال وتواصل، وأن يكون بيننا حوار، حبَّذا لو يبدأ من جانبك بسؤال محدد عن مشكلة محددة خاصة بك أو عامة في جيلك أهلاً بك دائمًا.
ــــــــــــــــــــ(41/466)
معاناة من الأفكار
مع النفس, الوسواس القهري والإدمان
بسم الله الرحمن الرحيم، إني شاب أبلغ من العمر 19سنة، أعاني من أفكار تَتَنَاوبُنِي باستمرار، وينتابني بعض القلق والتفكير ...وأريد من حضرتكم توضيح هذه المشكلة وشكرًا. ... المشكلة
... ... الحل ...
...
... إذا كانت الأفكار التي تنتابك أفكارًا لا تستطيع التخلص منها بالرغم من علمك أنها غير صحيحة، وتظل تلح عليك بالرغم من محاولتك إيقافها مما يؤدي إلى إصابتك بالتوتر؛ ففي أغلب الظن يكون ما تعاني منه هو ما نسميه في الطب النفسي بحالة الوسواس القهري، والأمر يحتاج إلى علاج نفسي يعتمد على إيقاف الفكرة وعدم الاستسلام لها، ولكن مع المساعدة الدوائية، وينبغي أن يكون ذلك تحت الإشراف الطبي النفسي حيث إن العلاجين النفسي والدوائي في هذه الحالة يكونان متكاملين، ولا يغني أحدهما عن الآخر، وفي كل الأحوال نحتاج إلى تفاصيل أكثر عن حالتك، وعن الأفكار التي تشكو من صعوبة التخلص منها، ومحاور وطبيعة القلق الذي تعاني منه، هذا إذا كنت تحتاج إلى إجابة أوسع.
ــــــــــــــــــــ(41/467)
تبول الأطفال ... الجواب في السؤال
مع النفس, اضطرابات أخرى
ابني في الثالثة من عمره .. رغم أنه تخلّص من الحفَّاظة قبل عام؛ فإنه الآن عاد إليها بسبب كثرة تبوله على نفسه .. مع العلم أنه حدث له موقف ربما أخافه، فقد تعرَّض لضرب شديد ومفاجئ لارتكابه خطأ فوق الحسبان .. ولا أدري هل لهذا سبب أم لا؟ مع العلم أن كثرة التبول جاءت بعد هذا الموقف .. فما الحل ؟؟ ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أخي العزيز، أنت تجيب عن سؤالك بنفسك حين تتساءل في براءة مدهشة عن تأثير الموقف الذي "ربما" أخاف طفلك في عامه "الثالث" حين تعرض لضرب شديد ومفاجئ، وبالمناسبة فإن تأثير العنف على الطفل يتضاعف كلما كان صغيراً؛ لأن الطاقة الاستيعابية الاستقبالية للمخ وبالتالي إدراكه للمؤثرات المحسوسة تكون أعلى بكثير من البالغ.
ويحتاج طفلك إلى مراجعة طبيب نفساني، حبذا لو كان متخصصاً في الطب النفسي للأطفال.
ما يزعجني، ولا أستطيع الامتناع عن توجيهه لك هو:
ما هو الخطأ الذي "فوق الحسبان" الذي يمكن أن يرتكبه طفل في الثالثة من عمره؟!
وهل يجوز تسمية أي تصرف - مهما كان - خطأ من الأصل في هذه السن؟!!
ما هي مصادر معرفتنا عن نمو الطفل وتطوره؟!
وهل يجوز أن تسمى "أمًّا" أو يوصف "أب" بتلك الأسماء أو الأوصاف مع جهلهم المطبق بشئون تلك الأمانة الغالية التي استودعهم الله إياها؟!
أعتقد يا أخي أن هذا هو الخطأ الذي "فوق الحسبان" ويستحق العقاب، لكن أحداً لا يعاقب عليه عندنا، رغم شيوعه وكوارثه، تحياتي وتمنياتي لطفلك بالشفاء، ولكن بالمعرفة والحكمة يا أهل الحكمة.
ــــــــــــــــــــ(41/468)
الزواج ... والصدمة الأولى
مع الجنس الآخر, اختيار شريك الحياة
أنا فتى أبلغ من العمر 19 سنة، أحببت فتاة مقاربة لي في العمر، وأريد الزواج منها، ولكن التعقيدات التي تواجهنا ـ نحن معشر الشباب هذه الأيام ـ تحول بيني وبين ذلك، فأولاً: يجب أن أتخرج في الجامعة، ثم أعمل، وأكوِّن لنفسي مبلغاً ماليًّا كبيرًا؛ حتى أستطيع شراء شقة تمليك، وأن أفرش البيت بأثاث جديد ... أنا لا أعارض هذه الأمور، ولكنها حتى تتحقق تحتاج إلى عشر سنوات على الأقل، أنا أريد هذه الفتاة كزوجة لي، وهي تريدني أيضًا، والخُطَّاب بدءوا يتوافدون عليها، وأهلها يحاولون الضغط عليها للموافقة على أحدهم، علمًا بأنهم من عائلات كبيرة،... ماذا أفعل أنا حتى يفهم أهلي وأهل الفتاة أن الزواج ليس بالمظاهر والشقة والأثاث والحلي والذهب؟ علمًا بأنني أستطيع أن أدبر شقة مفروشة بإيجار لفترة؛ حتى أشتري الشقة التمليك، وأنا حاليًا أعمل في مجال برمجة الحاسوب الذي هو مجال دراستي الجامعية إلى جانب الدراسة. هذا وأنا -والحمد لله- من الطلاب المجتهدين في الدراسة، وأنا دائمًا من العشرة الأوائل على الدفعة التي تتكون من 200 طالب ....... أفيدوني أفادكم الله. ... المشكلة
... ... الحل ...
...
... أخي العزيز، مشكلتك تثير قضية عامة، سبق وأن عالجناها من زوايا مختلفة، فصعوبة الزواج في مجتمعاتنا من شأنها أن تصل بنا إلى ما وصلنا إليه من أن الحرام قد صار أيسر من الحلال، وهو الوضع الذي يجب أن نتعاون جميعًا على الخروج منه، ولكنني أسارع بالتنبيه إلى أن صعوبة التبكير بالزواج لا تَكْمُن فقط في توفير الماديات التي يطمح إليها الكثيرون الآن بالحق أو بالباطل خالطين فيها بين الضروريات والكماليات، ولكن أيضًا في توافر النضج الكافي في الطرفين: الشاب والفتاة، واللازم لاختيار سليم، وإدارة ناجحة للحياة الزوجية والأسرية.
الزواج يا أخي كما تعرف ليس جنسًا فقط، وليس حبًّا عاطفيًّا رومانسيًّا فحسب، وإنما أيضًا مسئوليات مادية ونفسية واجتماعية تحتاج إلى إعداد وتهيئة نفتقدها في بيوتنا ومدارسنا وإعلامنا، وفي الغالب يتدرب الزوجان "عمليًّا" بعد إقامة الأسرة!!
أقول لك هذا لأتجاوب مع ملامح الرجولة والمسئولية البادية في جديتك وتوجهك لأبواب البيوت تطرقها بحثًا عن مرادك، لا كما يحلو للبعض أن يقفز من النوافذ، وهذا السمت المحترم هو الذي دفع أعضاء فريق الحلول إلى أن يوافقوا - من حيث المبدأ - على أن أمامك اختيارًا، وفرصة للنجاح في الظفر بالفتاة إذا ما توافرت عدة مسائل، منها: اقتناع أهلك أنت باختيارك وبمنطقك، واستعدادهم للوقوف بجانبك، إضافة إلى قدرة الفتاة على الصمود - لبعض الوقت - في انتظار تخرجك على الأقل، مع حفاظك على تفوقك الدراسي الذي أرى أنه أهم هذه الأمور على الإطلاق، فهذا التفوق هو الذي يَعِدُ بمستقبل مطمئن "إن شاء الله"، ويعطي الفرصة لقبولك زوجًا لابنتهم في حالة تقدمك خاطبًا لها قبل تخرجك، إذا أضفنا هذا التفوق إلى عملك الحالي لبعض الوقت، إضافة إلى موافقة أسرتك، وتمسك الفتاة بك نصبح أمام صورة معقولة يمكن أن تتيح موافقتهم على ارتباط مبدئي يتم استكماله تدريجيًّا وفق برنامج زمني تتفوق عليه: أسرتك وأسرتها، والزمن وجهدك المستمر فيه جزء من تدعيم ثقتهم فيك.
بالرجولة، وحسن إدارة الأمور دراسيًّا وعمليًّا، وبالإصرار والصبر سيقتنع أهلك وأهلها بأن الزواج ليس بالأثاث والمظاهر.. إلخ، وأنا دائمًا أقول: إن وهمًا يشيع بين الشباب مُؤَدَّاه أن أصعب عقبة تقف في وجه الزواج هي موافقة الأهل، والحقيقة أن هذه هي مجرد "الصدمة الأولى" في النزول من الأحلام والخيالات الرومانسية الرائعة إلى الواقع بكل صعوباته وتحدياته، والحاصل أيضًا أن الأمور الأخرى بعد ذلك من تحمل لأعباء الزواج، وإدارة الحياة الأسرية هي الأصعب، وتستطيع أن تتأكد من ذلك بنفسك حين ترى حولك نماذج كثيرة حصلوا على موافقة الأهل طواعية أو انتزاعًا، ثم فشلوا في إدارة حياتهم بسبب قلة الخبرة، ورعونة الأداء، وسوء التدبير؛ فكان الحصاد حالات طلاق سريع، وقلوبًا منكسرة عديدة، وفقدان ثقة واسعًا في الحب واعتبارات العواطف، رغم أن الخلل كامن في العقل لا في القلب.. تمنياتي لك بالتوفيق، وأحب أن أعرف تطورات موضوعك.. والسلام
ــــــــــــــــــــ(41/469)
ابن الرابعة عشرة .. كيف نعامله؟!
علاقات أسرية, مع الأهل
الأخ د.أحمد عبد الله، عندي ابن عمره 14 سنة، بحمد الله هو ذكي، ويحفظ القرآن، وموفق في دراسته، ولكنه يغضب بسرعة منذ صغره، وكان كثير البكاء على الصغيرة والكبيرة، وفي نفس الوقت صعب التعامل، لا ينفّذ إلا ما في ذهنه، ويجادل دفاعًا عنه بالباطل منذ صغره ... والمشكلة زادت الآن، وهو طبعًا في سن المراهقة لدرجة أني لا أستطيع مجرد الحوار معه .. أنا أعرف أن ذلك من طبيعة مرحلة المراهقة، وأصبر وأتلطف معه؛ ولكنه لا يقبل الحوار الهادئ وبسرعة يثور، فالأمور عنده متطرفة جدًّا، ومتناقضة في نفس الوقت .. هو يعرف الصح من الخطأ، والحلال من الحرام، ويطالب الغير بذلك وبدقة .. ولكنه يقع في عقوق والديه، ويكذب بسهوله ليخرج _ في نظره _ من مطب قد وقع فيه ... كان في صغره وحتى الآن يوفر الكثير من المال لمدة طويلة، ثم في خلال ساعات يفقده كله أمام الألعاب الإلكترونية .. إذا كلّمه مَن أثق به في أي أمر ناصحًا له يثور؛ لظنه أني الذي قد طلبت منه القيام بذلك. أطالب أمه بمزيد من إظهار الحب له، وأحاول دائمًا أنا كذلك، ولكن لا يعطينا الفرصة.. نصبر عليه كثيرًا، ولكن لم نستطع حتى الآن أن نتحاور معه بهدوء ... أرشدنا جزاك الله خيرًا ونفع بك. ... المشكلة
د. أحمد عبدالله / د. عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أخي العزيز، تأثرنا- أنا ود.عمرو- بمشكلتك مع ولدك، ورأينا فيها مشكلة الكثيرين من الآباء الحريصين على أبنائهم، العاجزين في الوقت نفسه عن التواصل معهم.
دعني أولاً أشير إلى عدة ملاحظات بعدها أتركك مع د. عمرو.
1- عناد ابنك معك يحدث محاولة منه لتحديك، وإثبات ذاته، وليس ناتجًا عن قلة أدب أو احترام، أو حتى اقتناع بما يعاند من أجله.
2- ابنك يعيش - بحكم عمره، وبحكم تنشئته - في جدال وصراع دائم بين المعايير التي تربى عليها، وتتمسك أنت بها، وبين بعض التمرد الذي يريده كمراهق بما يعني حرية قد تؤدي إلى خطأ، يبدو أنك تخشى دائمًا من وقوعه، وربما لذلك تحاصره بالنصائح المباشرة، وغير المباشرة "عبر آخرين"
3- ربما نشأ ولدك على أن يحصل على ما يريد بالبكاء، ويبدو أنه كان - وما يزال- يلعب لعبة النفس الطويل في الجدال بالحق أو بالباطل، ولا يصلح مع هذا النوع إلا نفس أطول مع تفويض بالتصرف في بعض الأشياء بحرية كاملة ليرى بنفسه أن اختياره الحر " الذي لم يكن عليه أي قيد" كان اختيارًا خاطئًا وسفيهًا "دعه يكتشف هذا بنفسه، ومن خلال العواقب لا من خلال النصائح"
4- وصفت ولدك بالعقوق، وهذه تهمة شنيعة إما أن تقدم عليها دليلاً ساطعًا، وإما أن تتراجع عنها فورًا؛ لأنك إذا تعاملت معه كولد عاق فإن نفسك لن تتسع لشقاوته وحماقاته الصغيرة أبدًا، علمًا بأنك ألقيت التهمة "هكذا" دون تدليل كافٍ، بل دون أدلة على الإطلاق "اتق الله".
5- الحوار بغرض الإقناع، أي التفاوض بين طرفين ليحمل أحدهما الآخر على النزول إلى رأيه لا يسمى تفاوضًا أو حوارًا من الأصل، يمكن أن تسميه وعظًا أو إقناعًا أو غير ذلك، لكنه يا سيدي، ليس حوارًا، الحوار يصل غالبًا إلى حلول وسط، وقد يصل إلى نقطة "أنا أرفض هذا، ولكن لك الحرية أن تتصرف كما ترى، أو صيغة أنا أرفض، وبالتالي لن أتعاون أو أشارك" .. إلخ.
وضع في ذهنك أن الحوار بينكما "غير متكافئ"؛ لأن هناك طرفًا يملك المال، والسلطة "إذا صح التعبير" وطرفًا لا يملك سوى رأي مستند إلى خبرة بسيطة في الحياة، فلا تشعر ولدك بهذه الفجوة حتى يكون الحوار حوارًا.
السلطان الأكبر على النفوس جميعًا هو سلطان الإحسان والفضل "تفضل على من شئت تكن أميره"، وأفضل الفضل هو ما لا مِنَّة فيه، ولا معايرة. وأحكم الآباء هم الذين ينصحون بقليل الكلام، وحكيم الأسلوب، ولسان حالهم يقول: يا بني، لقد قلت ما عندي، وأنا هنا إن راق لك أن تعود خلال التجربة أو بعدها، وستجد عندي دومًا السند والدعم قبل العتاب واللوم.
7- لست مستريحًا من قولك: "هو يعرف الصح من الخطأ، والحلال والحرام، ويطالب الغير بذلك وبدقة" فمن هو ومن أنت ومن أنا حتى نقف رقباء محاسبين للناس نتابع تنفيذهم للحلال والحرام "بدقة"؟؟ وتقمصنا لدور القضاة خروج عن روح الإسلام ومقاصده، فنحن في أحسن الأحوال مجرد "دعاة" نرفق بالناس وبأنفسنا، علينا النصح والأمر بالمعروف بمعروف، ولهذا الأمر آداب وضوابط شرحها يطول.
أرجو ألا تعامل ولدك بوصفك إلهاً أو قاضياً، يحكم ويعاقب "فلست كذلك" وإنما - كما هي الحقيقة - كأخ أكبر، وصديق أنضج يشفق، ويغضب - أحياناً - غضب الشقيق الشفيق الصديق، وأرجو أن تصل نفس الرسالة بالتالي لولدك؛ فيكف عن مطالبة الآخرين، ويطالب نفسه فحسب.
أما د. عمرو فيقول لك: إنك تصف ابنك الذي على أعتاب المراهقة وصفاً دقيقاً.. ونحن لم نتعجب مما تصفه أو نجد فيه شيئاً شاذًّا أو غريباً.. إنها مرحلة المراهقة أيها الأب الكريم التي يعبر فيها ابنك عن ذاته ويريد أن يثبتها؛ فترى منه الأمور التي تصفها بالتطرف والتناقض.. إنه في بداية مرحلة من الحيرة لم يثبت فيها على شيء. فيفعل الشيء ونقيضه ويرفض السيطرة في صورة ما تصفه في رسالتك لحقوق الوالدين وما هو بحقوق، ولكنها الرغبة في أن يعلن: إنني هنا صاحب رأي وذات مستقلة.. وهو في نفس الوقت غير قادر على ذلك؛ لأن تجاربه وقدراته لا تسعفه. والأب الماهر هو الذي يعطي الفرصة لهذا المراهق في أن يبدي رأيه ويثبت ذاته ولا يشعره بعجزه بل بالعكس يقدم له العون بطريق غير مباشر، وإليك هذه المحطات التي تعينك في تعاملك مع ابنك.
1- ستجده مهتماً بمظهره وبشكل جسمه وربما يميل للبس الغريب من الثياب أو التقاليع، فلا تصطدم به وحاول أن تفهم دوافعه، ولا تصطدم به، وتجاوز معه الحديث عن علاقة مظهر الإنسان بجوهره، وقدم له الأمثلة عن أهمية جوهر الإنسان، وما يقوم به من جهد وعمل في ظهور صورته أمام الناس، وليكن ذلك بدون ربط مباشر بمسألة ملابسه.. ولا يكن نقدك حادًّا وساخراً لمظهره.. ولكن افتح حواراً مفتوحاً؛ تكن فيه متسلحاً بالحجج والبراهين.
2- ستجده شديد النقد لكل ما حوله رافضاً لكل شيء، فلا تتحداه بقولك: أرني ماذا فعلت؟ ولكن قل له: نعم أنا معك فيما تنقده فما رأيك في كيفية صلاحه؟ وحاول معاونته بتقديم البدائل له؛ حتى يبدو وكأنه هو الذي وصل إلى الحل الصحيح ، ثم تعاون معه في تنفيذ التغيير المطلوب، وقدم له الشكر والحفز في كل خطوة حتى يشعر بالثقة بنفسه وفيك؛ فيزداد اقترابه منك.
3- إن المدخل العاطفي هو أقوى المداخل في هذه السن؛ فأظهر له الحب والتقدير والاحترام؛ تحصل منه على كل ما تريد، ويكون ذلك بأن تشعره بأنك تعتمد عليه في بعض المهام الصعبة، وأن ذلك نتيجة لثقتك به وبقدراته؛ فيشعر بالانتماء، وتصرفك معه دليل على الحب؛ فتتحرك عواطفه ويذعن إلى ما تقول من باب الحب؛ لأنه لا يريد أن يفقد من يحب، وهذه من أعظم صور النجاح التي يستطيع الأب والأم أن يصلا بها مع ابنهما وابنتهما المراهقة.
4- أعطه حرية الاختيار في أمور حياته المختلفة، وبالذات في أموره الدينية والعبادية؛ فيشعر أنه ينتمي إلى هذا الدين باختياره وبمحض إرادته وليس تابعاً لأحد أو خضوعاً لتوجيه صورة السيطرة الممثلة في أمه وأبيه، بل هو أمر اختاره بنفسه، ويتحرك فيه بإرادته؛ فتقوى همته في الطريق إلى الله.
5- نختم بأن مسألة المراهقة والتعامل معها أمر طويل وكبير، ولكننا نوجزه في كلمة واحدة هي: "الصداقة"، وإنها مصداق لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يجعل السبعة الثالثة من سن الرابعة عشرة هي سبعة المؤاخاة والمصاحبة، ونختم بحديث لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يذكره في المراهقة، ولكنه ينطبق على حال الآباء والأمهات في تعاملهم مع أبنائهم في هذه السن الخطيرة، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مثلي ومثلكم مثل رجل انسلت منه دابته؛ فجعل الناس يسعون وراءها، وهي تسعى، فجاء صاحب الدابة وقال: خلوا بيني وبين دابتي، وجاء بشيء من خشاش الأرض فقدمه إليها فجاءت طائعة مختارة" أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم. إننا أصحاب الدابة في هذا الحديث لو سعينا وراء أبنائنا بالرفض والهجوم والنقد الدائم لتصرفاتهم لانصرفوا عنا وهربوا من أمامنا، في حين أننا نستطيع أن نملك قلوبهم ونفوسهم بالشيء الهين القليل من خشاش الأرض بالحب والتقدير والمصاحبة؛ فنجدهم وقد أصبحوا طوع أيدينا بسلطان الحب وليس بسلطان القهر.. بالمحاورة الذكية الصبورة.
وأيضاً في هذا المقام نذكر هذا الذي جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يواجهه بطلب أظننا لا نتخيل أن أحداً من أبنائنا اليوم يستطيع أن يواجهنا به، لقد جاء هذا الشاب إلى الرسول الكريم وقال له: ائذن لي في الزنا يا رسول الله! فماذا فعل الرسول؟ لقد فعل ما يجب أن يفعله كل أب مع ابنه المراهق .. قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ادنُ أي اقترب ... فقربه إليه أولاً، وهذا ما يجب أن يفعله كل أب وأم، أن يقتربا من ابنهما المراهق وأن يعبرا على ذلك ولا يفقدا الأمل بسرعة، ثم أدار النبي -صلى الله عليه وسلم- حواراً يعتمد على المنطق مع هذا الشاب، ولم يزجره ويسخر منه أو يطرده ويقول له كلمة مقتضبة بل أطال معه الحديث، وهو يقول له: أترضاه لأمك؟ والشاب يقول: لا ، بأبي وأمي أنت يا رسول الله. أترضاه لأختك؟ أترضاه لعمتك؟ والرسول يقول: وكذلك الناس لا يرضونه. وبعد الحوار تأتي المرحلة الأخيرة والرسول يضع يده على صدر هذا الشاب يدعو له بأن يطهر قلبه.
وهذا سلاحنا الأهم في تربيتنا لأولادنا بصورة عامة وفي تعاملنا مع أبنائنا المراهقين بصفة خاصة، يجب ألا ننسى الدعاء لهم، والاستعانة بالله في ذلك، وليكن لساننا ولسان حالنا دائماً يقول: "واجعل لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا".
أعانك الله، واعلم أن التربية عملية صعبة طويلة مستمرة فاصبر واستمر وخطط لما تريد تحصل على أحسن النتائج.
ــــــــــــــــــــ(41/470)
خلاف بين جيلين.. مظاهر الرجولة
مع المجتمع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشكلتي كبيرة ومعقدة بعض الشيء، والرجاء الرد علي في أسرع وقت ممكن، أنا شاب خليجي، قارب سني على الـ 21 عامًا، منذ أن كنت بالمدرسة وأنا طالب مجتهد، أسمع كلام والدي، وأطيعه طاعة عمياء، ولكنني بعد أن انتهيت من الثانوية العامة وصار عمري 17 عامًا، أحببت أن أصنع مثل باقي الشباب كتعلم لقيادة السيارة، وفعلًا تعلمت القيادة في فترة الصيف، وأخذت الرخصة، لكن والدي كان دائمًا يمنعني من الخروج؛ ولو للحظات على الأقل لممارسة ما تعلمته، وكان دائمًا يخيفني من القيادة، وأنه ستحصل لي حادثة بالتأكيد، وأنه لا جدوى مني فأنا لا أعلم القيادة؟! وبفضل الله حصلت على مجموع كبير بالثانوية؛ مما أهّلني للدراسة بالخارج، وفعلًا سافرت، وأنا في تقدم والحمد لله، ولكنني كلما أرجع في الإجازة الصيفية؛ أحاول أن أقنع والدي بأن أقود السيارة؛ لكنه يرفض حتى إنه لم يشترِ لي سيارة، وقال: أخاف عليك من الزحمة، واستمرت هذه القصة ثلاث سنين، وأنا قاربت على الانتهاء، وحتى الآن لم أقدْ سيارة، وأقسم أني فعلًا صرت أخاف من القيادة، وكأنها وحش مريب، وقد شككت في نفسي أني فعلًا لا جدوى مني، فأخذت دروسًا مع مدرب قيادة في البلد الذي أدرس فيه، وبعد فترة قال: إنك تحتاج للممارسة فقط، وعندما رجعت إلى بلدي في الإجازة؛ حاولت أن آخذ سيارة البيت وقدتها، ومن سوء حظي أني عملت حادثًا بسيطًا، ولكن الخطأ لم يكن من جانبي، ويا ليتني لم أقدْ، قامت الدنيا ولم تقعد،..نهرني أبي، ووبّخني، وأمرني بعدم القيادة، لا في بلدي ولا في البلد الذي أدرس فيه، ولكي يتأكد أني لن أقود سيارة مرة أخرى؛ حلّفني على ذلك؛ وفعلًا لم أفعل، إخواني الأعزاء، أغيثوني، ماذا أفعل في هذا الأب، والله، إني أرى أصحابي يقودون، وكل واحد منهم عنده سيارة، وأنا جالس في البيت مثل البنات ...... قاطعت أصدقائي لهذا السبب، وأصبحت منطويًا على نفسي، معزولًا عن العالم، عصبيًّا جدًّا، والأدهى من هذا وذاك أني كرهت أبي؛ لمعاملته القاسية، وأحس أنه ارتكب جريمة في حقي، وأنا الآن في الغربة، وقد اقتربت إجازة الصيف، لكن ليس لدي أي رغبة في الرجوع؛ لهذا السبب قد سئمت نظرة الناس وتعليقهم علي بأني كالبنت؛ أحب الجلوس في البيت، وامتحانات الجامعة اقتربت؛ وأنا دائمًا أفكر في هذه المسألة حتى إني والله أحلم بكوابيس أن أبي يوبخني، أغيثوني أغيثوني أغيثوني أغيثوني أغيثوني ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أخي العزيز، قد يبدو للوهلة الأولى أن مشكلتك لا تستحق كل هذا الحزن الذي أنت فيه، ولكن إذا فهمنا أن لكل إنسان اهتمامات وإدراكات للحياة، تختلف باختلاف الظروف والبيئة المحيطة؛ يمكننا أن ننفذ إلى ما وراء التفاصيل إلى معالم أرى أنها جديرة بالمعالجة.
أولاً: فكرة تعبر عنها بقولك "أحببت أن أصنع مثل باقي الشباب" بمعنى أن كل شاب حولك يمتلك سيارة؛ ولذلك ترى أنه من البدهي أن تكون لديك سيارة بغض النظر عن حاجتك لها، أو قدرة والدك مثلاً على أن يشتري لكل ابن من أبنائه سيارة؛ لأنه لو اشترى لك واحدة فلا بد وأن يشتري للكل.
فهل تنوي أن تسير في حياتك بمنهاج "أنا مع الناس" - أحسنوا أم أساءوا - بغض النظر عن الظروف، إنك بهذا يا أخي العزيز، تتنازل طواعية عن حقك الطبيعي، وحريتك الغالية في الاختيار لصالح الانقياد لما يمارسه الناس من حولك، وهو أمر لا يليق بشاب يحترم عقله.
ثانياً: يحرص بعض الآباء على أبنائهم حرصاً يقيد من حركة الأبناء - بعض الشيء - ولا ينتبه الأبناء غالباً إلى أن هذا التقييد مرده إلى الحرص، وإن خانه التعبير أحياناً.. فهل تشك في حب والدك لك وحرصه عليك؟!!
وهل نجحت في تجربتك "المختلة" أم أخطأت؟! لقد أخطأت خطأ مزدوجاً: حين أخذت سيارة البيت رغم معرفتك برفض الوالد لذلك، وحين وقع منك هذا الذي تصفه بالحادث البسيط، فهل كان مطلوباً من الوالد أن يعطيك السيارة مرة أخرى، أو يشتري لك واحدة جديدة لتعود إليه - يوماً - "محمولاً على الأعناق" في تابوت أو نعش موتى لا قدر الله وأنت تعرف خطورة حوادث السير في بلادكم.
ثالثاً: هل كل الناس ينتقلون بالسيارات؟ وهل البديل الوحيد للخروج بالسيارة هو الجلوس في البيت؟! وهل الجلوس في البيت شر كله؟! وهل محض الخروج هو الخير العظيم الذي تحرمون منه بناتكم؟! وهل سألت نفسك هذه الأسئلة؟!
لا يا أخي العزيز، إن أغلب الناس لا ينتقلون بالسيارات الخاصة، والخروج والحركة متاحان على الأقدام، أو باستخدام المواصلات المختلفة من تاكسيات أو نقل جماعي أو غير ذلك، والجلوس في البيت للقراءة أو حتى للخلوة بالنفس لا غنى عنه للإنسان السوي، والبنت مثل الولد ينبغي أن تخرج حين تكون هناك حاجة لذلك، وفي الأثر: "وليسعك بيتك" أنصحك يا أخي، بأن تنتهي من دراستك بنجاح، وأن تفكر بعد ذلك في الزواج - فهو أهم من السيارة - وأن تطلب دعم والدك حين تجد الفتاة المناسبة، واعلم أن نضج تفكيرك، وانتقالك من نجاح إلى نجاح في الحياة العملية، ثم تكوينك لأسرة تكون أنت قائدها، كل هذا من شأنه أن يغير من نظرة والدك جذريًّا، ويومها سيقوم هو من تلقاء نفسه بشراء سيارة هدية مستحقة لابن جدير بالثقة، تكون عونًا له في تدبير شئون الحياة، وصديقك يا أخي، من صدَقك "بفتح الدال" لا من صدّقك "بتشديد الدال"، ودمت سالماً.. والسلام.
ــــــــــــــــــــ(41/471)
الامتحانات على الأبواب
هموم الدراسة, مع النفس
أنا شاب مغربي عمري 18 عامًا، أدرس في البكالوريا، وأريد ولوج مدرسة المعلمين إلا أنني لم تتح لي الفرصة للحصول على مجموع التأهل إليها، ورغم هذا فإنني أريد ولوجها بأي طريقة، ماذا أفعل لولوجها؟ وهل ينفع الاجتهاد في هذا الوقت مع العلم بأني حصلت في الدورة الأولى على :9.36. والمعدل الذي تطلبه المدرسة هو:12.00؟ وأنتم تعلمون أن البكالوريا عبارة عن ثلاث سنوات، وهذه السنوات هي على الشكل التالي:السنة الأولى ويضرب معدلها في 1، السنة الثانية: ويضرب معدلها في 2. السنة الثالثة: و يضرب معدلها في 4. مع العلم أني حصلت في السنة الأولى على:10.54. وفي السنة الثانية على:9.38. هل أستطيع أخي ،أختي، تجاوز هذه المشكلة؟ وهل أستطيع أن أؤهل لولوجها، ماذا أفعل ؟؟؟؟ أفيدوني وأرشدوني؟ إنني كما سبق أن ذكرت يسعدني أن أدرس..؟؟ أجبني بسرعة من فضلك أتمنى أن أمر من هذه المرحلة الصعبة من حياتي وأعيش سعيدًا كباقي المعلمين، وبسرعة لأن الامتحان على الأبواب، هذه المعدلات التي ذكرتها كانت لأسباب حصلت معي مما جعلني أتشوش ولم أستطع الحصول على المعدل المطلوب. ... المشكلة
... ... الحل ...
...
... أخي العزيز: من الجميل أن يحدد الإنسان هدفه بوضوح، ويسعى لتحقيقه بكل طاقاته، وبكل السبل، ولكنه لا بد وأن يستعد لبعض العقبات وأحيانا فإن الفشل مرة لا يعني أن الحياة قد انتهت وقديما قالوا: إن خسارة معركة لا تعني نهاية الحرب، وقالوا: علينا أن نسعى وعلى الله النجاح.
وقال المتنبي:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن
أخي: ينبغي عليك بحث الأسباب التي أدت إلى تعثرك؛ لتضمن عدم تكرارها بإذن الله، وبالإضافة إلى نصائح كثيرة ذكرناها عن المذاكرة وأساليبها أنقل لك نصائح الأخت سمر عبده الأخصائية الاجتماعية بفريق مشاكل وحلول:
- عليك أولا الاستعانة بالله والتوكل عليه ثم تقوم بتقييم قدراتك بوضوح، فقد تكون محبًا للمذاكرة والدراسة ولكن قدرتك على التحصيل ضعيفة؛ فيحتاج الأمر منك لجهد أكبر لتحقق نجاحًا في دراستك، ولتحسين أسلوبك في التحصيل والمذاكرة، إليك بعض الإرشادات التي وضعها المختصون للمذاكرة بطريقة جيدة:
1- قراءة ملخصات المواد والمضمون والفهرس للكتاب.
2- قراءة سريعة للكتاب وتصفح سريع له.
3- أن تعرف الأشياء المألوفة لديك والأشياء الصعبة.
4- أن تقرأ الجديد جيدًا وتستوعبه.
5- أن تختبر نفسك كل فترة وتقيم ما درسته سابقًا.
6- أن تترك المادة الدراسية، وتعود لدراستها بعد فترة للتأكد من إجادتها.
7- يفضل أن تحدد وقتًا ومكانًا ثابتين للمذاكرة بحيث تكون المذاكرة عادة باستمرار.
8- قسم مذاكرتك على فترات فمثلًا خذ بعد كل ساعتين فترة راحة.
9- تجنب أوقات التعب الجسدي مثل وقت العصر والعشاء ولا تسهر كثيرًا.
10- أنسب الأوقات للمذاكرة هو الوقت المبكر.
11- ضع جدولا للدراسة والمذاكرة ولا تؤجل أوقات المذاكرة؛ فيصبح الإلمام بالمواد المتراكمة في وقت قصير فوق طاقتك.
وفي النهاية إن لم تحصل على التقدير المطلوب لدخول مدرسة المعلمين هذا العام فما زال في إمكانك المحاولة من بداية السنة الدراسية القادمة.
واعلم أننا يجب أن نرضى بما قسمه الله لنا فهناك الكثير من الأمور نتمناها ونسعى لها ولا ندركها، وبعد مرور الوقت نعلم أن من رحمة الله بنا ورأفته أن أكرمنا بالابتعاد عنها.
ولا تنسَ أن عدم دخول مدرسة المعلمين لا يعني نهاية لعالم وأن السعادة لا تنحصر في دخولها، فهناك الكثير من الكليات والمدارس العليا يمكنك دخولها وتحقيق السعادة والنجاح فيها. واستعن بالله ولا تعجز.
ــــــــــــــــــــ(41/472)
كلهن يحببنه!!
مع الجنس الآخر
بسم الله الرحمن الرحيم
أرجو ألا أخطأ في طرح موضوع سؤالي؛ وهو يتعلق بحب الكثير من الفتيات لي فأنا شاب في المرحلة المتوسطة، لكن مشكلتي هي أن كثيرا من الفتيات يحبونني حبا يوصف بالجنون، وسؤالي إخواني الأعزاء: هل أتكلم مع الفتاة التي تناسبني وأناسبها، وتعينني في الأسرة أم أتكلم معهن كلهن ؟
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أظن أن السؤال الذي يستحق الإجابة في مشكلتك هو المتعلق بمدى استعدادك الحالي للارتباط تمهيداً للزواج؟! وعندها يصبح التساؤل الذي تطرحه غير ذي موضوع؛ فإذا كنت غير مستعد الآن للارتباط والزواج سواء لانشغالك بالدراسة أم لظروف اجتماعية أو اقتصادية غير مواتية الآن؛ فإن الإجابة ستكون أنك لن تقوم بأي علاقة مع أي فتاة من هؤلاء اللائي يحببنك بجنون.. لأن غرض العلاقة والحب في مجتمعنا هو الارتباط الشرعي، أما علاقات التسلية وتمضية الوقت فلا مكان لها عندنا؛ لأنها طريق لكل ما يغضب الله ـ عز وجل ـ وكل هذا إفساد لحياتك وضياع لوقتك وإهلاك لصحتك، وأما إذا كنت الآن قادراً على متطلبات الارتباط النفسية والاجتماعية والاقتصادية؛ فأظن أن الإجابة البديهية أنك في هذه الحالة سترتبط بمن تميل إليها نفسك وتراها مناسبة لتكون زوجة المستقبل بالمقاييس الشرعية والعقلية: من حيث حفظها لنفسها وحفظها لك في عرضك ودينك ومالك.. وأيضاً هذا الأمر لا يحتاج إلى علاقة خارج الإطار الشرعي، فإذا وجدت هذه الفتاة فأسرع وتوكل على الله وأعلن خطبتك وعندها ستختفي هؤلاء المجنونات بحبك؛ لأنهن سيعلمن أنهن بصدد شخص قد وجد ضالته في مَنْ ارتبط بها، فلا مكان لهن، فاحسم أمورك وحدد موقفك قبل أن تصاب بجنون لا علاج منه، وفقك الله إلى الاختيار المناسب ولا تنس صلاة الاستخارة وأنت تختار.
ــــــــــــــــــــ(41/473)
إني أغرق وأنهار
هموم الدراسة, مع النفس, الإنترنت والهاتف
مشكلتي هي غنى والدي؛ فأبى غني ولله الحمد، وهو مشغول عنا دائما، وأمي تعتقد أني كبرت وتحملني مسؤولية نفسي رغم أن عمري "18" سنة، بدأت أدخل موقع "الشات" في الإنترنت؛ لكي أهرب من همومي، أجلس عليه طيلة الوقت دون حساب لما أضيعه من وقتي، ولدي هاتف خاص في غرفتي مما يعقد الأمر عليّ، وها أنا أرغب كل يوم بالموت؛ حتى لا أتهور وأُخطئ؛ لأني إذا أخطأت سيقع اللوم علي وحدي دون الآخرين، إني أشعر بالوحدة، وأرى هذا الهاتف هو سبيل الفرار من وحدتي، أصحو في ساعات متأخرة من الليل وتراودني أفكار باستخدامه، ولكني أتغلب على الشيطان، وأخاف أن أضعف، فها أنا أنحرف يومًا بعد يوم، أريد حلاً يبعدني عن وساوس الشيطان خاصة أني في مرحلة الثانوية العامة، وأمامي امتحانات ولا أستطيع المذاكرة لما أعيش فيه من رفاهية، أتمنى أن أرى والدي في الشهر ولو مره ليرشدني، فما زلت صغيرة لا أتحمل مسؤولية نفسي، أرجو المساعدة لكي أستطيع أن أُنهي هذه السنة التي هي سنة مصيرية، فأنا لا أفتح أي كتاب، وأمضي وقتي على الإنترنت للأسف، ولا أحد من أهلي يعلم ذلك؛ فأنا -ولله الحمد- أملك قدرة عالية على التحصيل؛ وكنت طيلة السنوات الماضية من الأوائل، حتى عرفت الإنترنت؛ فأصبحت من الناجحين فقط، أرجو المساعدة فلم يبقَ شيء على الامتحانات، إني أنهار يومًا بعد يوم، إني أغرق وأنهار. ... المشكلة
... ... الحل ...
...
... أختي العزيزة:
أهلاً بك، وشكرًا على ثقتك بنا، وندعو الله أن نكون عند حسن ظنك.
يمكن بسهولة أن نلقي اللوم على والدك المشغول بأسفاره وأعماله عن أسرته، أو على والدتك التي تعتقد أنك كبرت، وتحملك المسئولية قبل الأوان، ولكن هل إلقاء التبعة على الوالدين سيبرئ ساحتك، ويعفيك من المسئولية وأنت في الثامنة عشرة من العمر، وهو عمر كانت صاحبته ـ حتى عهد قريب ـ تتزوج وتصبح أمًا وربة منزل مسئولة عن تنشئة أطفال، ورعاية زوج، والنهوض بشئون أسرة.
يا أختي أنت لست بهذا الضعف الذي تتصورينه، وتعتقدينه عن نفسك.. نعم أنت وحيدة رغم أصدقاء "الشات"، نعم تشعرين بضغوط الثانوية العامة، وتتبدد طاقتك في مقاومة الأوهام والهواجس والأفكار الشريرة، ولكنك أبدًا لست صغيرة، ولا ضعيفة.
أنت قوة جبارة إذا اقتنعت بهذا، ولقد رأيت في مناسبات متعددة فتيات عربيات وغربيات في مثل سنك، وأصغر يتحدثن عن العالم بثقافاته ومشكلاته، ولديهن من القدرات والمهارات ما يفوق أترابهن من الشباب والفتيان.
الشعور بالضعف والضياع ناشئ عن الفراغ الذي تعيشنه، والذي تحاولين أن تكدسي فيه أشياء غير نافعة، ولا كافية لتملأ فراغ حياة فتاة يافعة في مثل سنك.وأعتقد أنك تحتاجين إلى:
أولاً: مقاومة هذه الهواجس عن ضعفك وقلة حيلتك...استعيني بالله في هذه المقاومة، وكوني على صلة مستمرة بنا، فنحن هنا إخوانك وأخواتك.
ثانيًا: وضع "خطة إنقاذ دراسية عاجلة" تقسم المواد الدراسية، وتضع في الحسبان المدى الزمني البسيط المتبقي على الامتحانات، وربما يكون هدف هذه الخطة الخروج بمعدل مرضٍ أفضل من الرسوب لا قدر الله.
ثالثًا: عون أسري يمكن أن يكون مصدره أبوك أو أمك إذا فتحت معهما الحوار حول اهتماماتك ومشاغلك وأفكارك، فالحوار بين أفراد الأسرة أمر لازم لاستمرار العلاقة بينهم، وعليك أن ترتبي لهذا الحوار، وتضعي قائمة بالموضوعات التي تريدين الحديث معهم فيها، ولا يغيب عن ذكائك اختيار الوقت والأسلوب الملائم لعرض الموضوع الملائم.
رابعًا: تحديد حازم لمسألة الإنترنت ـ ولو اقتضى الأمر وقف الاشتراك في الشبكة ـ حتى تنتهي على الأقل من الامتحانات.
خامسًا: صحبة صديقات صالحات مجتهدات في المذاكرة، وفي العبادة.. فهل خلت بلادنا ومدارسنا من الصالحات؟! اللهم لا، وأكبر دليل هو أنت نفسك.
يا أختي إن كيد الشيطان كان ضعيفًا، وليس له على الإنسان المؤمن القوي سلطان؛ فكوني هذه الإنسانة المؤمنة القوية بفضل الله واعتمادا عليه، وتقدمي لما يؤهلك له ذكاؤك وقدراتك من نجاح، وأقلعي عن كل ما ينال من احترامك لنفسك، واهتمامك بدراستك، ولا تخجلي من طلب المساعدة من كل من يستطيعها حولك: دراسيًا ونفسيًا واجتماعيًا: "إنما المؤمنون أخوة"، وصادقي أمك واقتربي منها أكثر.. وتحملي مسئولية التكليف التي ألقاها الله علينا حين جعلنا نستطيع الاختيار بين الخير والشر.. وفقك الله وأعانك..والله مع العبد يؤيده ويصرف عنه السوء إذا دعاه ولجأ إليه، فلا تَمَلّي من طرق بابه. وفي انتظار أخبارك الطيبة.
ــــــــــــــــــــ(41/474)
الاستيقاظ لصلاة الفجر
مع النفس
ما هي الإرشادات التي بإمكاني اتباعها للاستيقاظ لصلاة الفجر، جزاكم الله خيرًا ... المشكلة
... ... الحل ...
...
... أهلاً بك .. ونحمد لك حرصك على صلاة الفجر، ولعلك تقصد "صلاة الصبح"، والرسول الكريم عليه صلوات الله وسلامه يقول: "من صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله"، وكان من دعائه: "اللهم بارك لأمتي في بكورها"، ومنذ أن تركت الأمة صلاة الصبح في جماعة، وأهملت البكور وساعاته المباركة، أصبح الوقت ضيِّقاً، والصدور أكثر ضيقًا، فمن المعروف علميًّا أن هرموناً ـ ضد القلق والتوتر ـ يتم إفرازه في البكور، وشرط الإفراز أن يكون الإنسان مستيقظًا. يفوز المستيقظ إذن بالأجر والفائدة، ويحرم النائمون الخير كله ..وللاستيقاظ في موعد الصلاة ننصحك بالتالي:
1ـ النوم مبكراً، فالجسم الطبيعي يحتاج إلى متوسط 6 ـ 8 ساعات يوميًّا تزيد في مرحلة الطفولة، والمراهقة بمقدار ساعة إضافي أو ساعتين، وينبغي الحصول على أغلب هذه الفترة في المساء "في الفترة بين العشاء والفجر".
2ـ الوضوء قبل النوم، وتلاوة أذكار النوم، والنوم على الشق الأيمن في مكان هادئ ومريح.
3ـ ينصح بعدم تناول العشاء قبل النوم مباشرة، بل بفترة أقلها ساعة، كما ينصح بالتريُّض مشيًا لمدة نصف ساعة داخل المنزل أو خارجه.
4ـ مما يساعد على الاستيقاظ ترتيب مسألة القيام من النوم، والذهاب إلى المسجد، والبعض يرتب هذا بالتعاون مع المصلين في المسجد بأن يتصل أحدهم تلفونيًّا به، أو يمر عليه ليذهبا سويًّا.. إلخ، بما لا يزعج البيت طبعًا.
5ـ من المفيد أيضًا أن يتعاون أهل البيت الواحد في هذا الأمر.. تقبل الله منك ومنا.
ــــــــــــــــــــ(41/475)
ثانوية عامة.. الخوف من المجهول
هموم الدراسة, مع النفس
أنا مقبلة على الانتهاء من الثانوية العامة، وأحس أن أمامي مجهولاً، وخائفة من الفشل أو سوء الاختيار في شؤوني المختلفة، أتمنى أن أحصل على أدوات تساعدني في اجتياز المرحلة القادمة بكل تحدياتها وشكرًا ... المشكلة
د. أحمد عبدالله / د. عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أهلاً بك يا طالبة الثانوية، وأنت تجتازين بوابة الدخول من عالم المراهقة إلى بدايات عالم الشباب بجماله ومسئولياته.
مما لاشك فيه أن الانتقال من مرحلة إلى مرحلة، أو حتى من حال إلى حال، أو من مكان إلى مكان يؤدي إلى الشعور بالقلق والخوف عند الإنسان، وانعدام الاتزان لفترة، وأنت في مرحلة انتقال من الجبر إلى الاختيار، وهذا الشعور الطبيعي يصبح مرفوضاً وضاراً إذا تحول إلى رعب يشل القدرات، أو هلع يعيق المواصلة في مسيرة الحياة.
والحقيقة أنك إذا تأملت في الأمر لوجدت الحقائق الآتية:ـ
أولاً: ما تعتبرينه مجهولاً هو معلوم تماماً للملايين الذين سبقوك إليه، والخبرات التي لديهم والتجارب التي مروا بها رصيد متاح لك بالوسائل المتعددة للحوار، وانتقال الخبرات واستشارة هؤلاء على مختلف أعمارهم أداة من أدوات المساعدة فيما أنت مقدمة عليه، وأخص بالذكر من هم أو هن في مثل ميولك واختياراتك الشخصية، وأسلوب حياتك وتفكيرك من كافة الأعمار.
ثانيًا: "التعرف على العالم" وهو أمر لازم في كل المراحل، وأعني معرفة الاتجاه العام للمعارف، والوظائف، والأشكال المعاصرة للعيش والتواصل، والدراسة، والعمل ... إلخ، ويدخل في ذلك بالطبع ظروف البلد الذي تستقرين فيه، وآفاق مستقبله لأن هذا مهم في تحديد دورك ومكانك، فأنت لست ذرة طائرة في الفراغ، ولكنك جزء في سياق اجتماعي واقتصادي وسياسي بعينه.
ثالثاً: تحتاجين إلى الوعي بخطوات اتخاذ القرار الحكيم المناسب، وهي بجانب الاستشارة والاستخارة، والصدق مع النفس بشأن القدرات والرغبات تشمل ما يأتي:ـ
* تحديد السؤال المطلوب الإجابة عنه، أو القرار المطلوب اتخاذه بدقة ووضوح.
* جمع أكبر قدر من المعلومات، والخبرات عن تفاصيل الموقف الذي أنت بصدده، فلا قرار بدون معطيات كافية، ومعلومات صحيحة ودقيقة.
* على ضوء ما سبق تتحدد مجموعة من الاختيارات، أو الإجابات المحتملة.
* يتم بعد ذلك اختبار هذه الفروض ذهنياً على ضوء المعلومات والخبرات المتوافرة، وعلى ضوء دراسة سلبيات وإيجابيات كل بديل.
* قد يكون من الأفضل دائماً اختيار الأنسب، وليس بالضرورة أن يكون هذا "الأنسب" هو الأحسن مطلقاً. فمثلاً قد يفضل أغلبية الشباب الدراسة العملية بينما يجد البعض ميولهم متجهة ناحية الدراسة الأدبية، فيكون الأنسب أن يختاروا الاستمرار في هذا المجال لأنه يناسبهم أكثر، رغم أن الأغلبية ربما تختار غيره.
* بعد هذا كله لابد أن يستقر طيلة الوقت يقين راسخ بداخلنا، وهو أنه لا يوجد في الدنيا شيء كله إيجابيات أو سلبيات، وأن احتمالات الخطأ تظل واردة، ولكن علينا استفراغ الوسع في الأخذ بالأسباب.
* ينبغي أن يظل الباب مفتوحاً لإمكانية تعديل القرار - عندما يصبح ذلك لازماً - دون ندم مؤلم، أو تردد معطِّل، أو تسرع مُهْلِك.
وتبقى الاستعانة بالله - سبحانه -، والاستخارة في كل أمر، والتوكل على من بيده مفاتيح القلوب، ومقاليد الأشياء هي الركن الشديد الذي يأوي إليه المؤمن حين يريد اتخاذ القرار، كما تبقى رحمته، وعزته، وفرحه بعباده هو الضمان المغري بالرجوع إليه بعد كل خطأ.
وفقك الله ، وسدد خطاك.
ــــــــــــــــــــ(41/476)
ماذا وراء حمرة الخجل؟!
مع النفس, اضطرابات أخرى
لدي مشكلة أتصادم بها أينما ذهبت ألا وهي الخجل، لا أستطيع فعل شيء ما هو الحل؟
... المشكلة
... ... الحل ...
...
... أهلاً بك .. سؤالك نموذجي في قلة المعلومات، فبالنسبة للبيانات المرسلة لم أعرف هل أنت ذكر أم أنثى؟! ولم أعرف سنك بالتحديد، ولم أعرف البلد الذي تعيش أو تعيشين فيه.
ولم أعرف من متن السؤال أية معلومات دالة عن هذا الشعور بالخجل، في أي المواقف يحدث بالتحديد، ومع من: الأسرة، الأصدقاء، الجنس الآخر، الدوائر الجديدة في التعامل ... إلخ.
وهل يتكرر في كل المناسبات أم يقتصر على المواقف الصعبة أو المحرجة؟! أم في مواقف أخرى معينة؟!
كما لم أعرف انعكاسات هذا الخجل على حياتك العملية والدراسية، وهل هو طابع شخصي في أسرتك. أريد وصفاً تفصيليًّا، وتعريفاً دقيقاً لما تسميه خجلاً بمواقفه، وأعراضه، وتأثيراته، وأريد معرفة علاقاتك بمن حولك كماً وكيفاً: الأسرة، الأصدقاء، المدرسة ... إلخ.
أكبر قدر من المعلومات .. أرجوك.
ــــــــــــــــــــ(41/477)
التواصل مع الجنس اللطيف
مع الجنس الآخر
بسم الله الرحمن الرحيم
إنني شاب أبلغ من العمر 18 عاما، طالب في المرحلة الثانوية، تتجلى مشكلتي في صعوبة التواصل مع الجنس اللطيف؛ لأننا في المغرب ندرس مختلطين مما يسبب لي الإحراج الشديد، فدلوني جزاكم الله عني خيرًا، والسلام عليكم.
... المشكلة
... ... الحل ...
...
... الأخ العزيز:
أحمد فيك هذا الإحراج الذي تشعر به من الدراسة في مدرسة مختلطة.
فالحقيقة أنني؛ وإن كنت أرى أن الميل إلى الجنس الآخر في سن المراهقة ميل طبيعي وفطري، وأن السعي لتكوين علاقات بين الجنسين هو سعي مفهوم له ما يبرره؛إلا أن الحاصل في مدارسنا وجامعاتنا ونوادينا يبتعد عن تحقيق هذه العلاقات على نحو طبيعي ؛ وسط أنشطة المجتمع الواسعة من الرياضة إلى الثقافة وغيرهما، بل قد يصل الأمر إلى حال من الفوضى التي لا يرضاها عقل ولا دين.ليست مشكلة أنك تخجل من التعامل مع زميلاتك في الدراسة؛ المشكلة أن يكون هذا الخجل مستمراً في كل مكان، وفي كل وقت، مع الرجال والنساء.
من حقك أن يكون لعلاقتك بالناس ،إناثاً وذكوراً ،حدود ترضاها وتحددها لنفسك، فلا يتجاوزها من يريد الاقتراب منك، والتواصل معك.
إن اعتبار الأنثى مجرد موضوع جنسي للفتنة وأخواتها بلاء شائع، كما أن التعامل معها خارج حدود الأدب والدين أمر شائع هو الآخر، وربما يرتبط الأول بالثاني، وأنا أنصحك أن تتعامل بشكل طبيعي مع الجميع، وأن تراجع إجاباتي السابقة حول الحالات القريبة من حالتك، وألا تتحرج إلا من العيب، ولا عيب إلا الحرام.. وهو معروف على كل حال.
ــــــــــــــــــــ(41/478)
ابنتي الصغيرة تكذب وتسرق
مع الأهل, اضطرابات أخرى
صغيرتي عمرها ثماني سنوات تكذب ومشكلتها أنها تأخذ حاجيات إخوتها دون علمهم وتنكر أنها أخذتها إلا بعد محاولات كثيرة وعصيبة، وكل هذا ولا أريد أن أضربها، المشكلة أخذت النوم من عيني، و شكرًا مسبقًا على إجابتكم. ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... أختي العزيزة: الكذب والسرقة عند طفلة في الثامنة له معنى مختلف، ويحتاج إلى تعامل مختلف.
فمن ناحية المعنى: يختلط الواقع بالخيال في إدراك الطفل، وعليه فقد يعكس الكذب قدرة عالية على الخيال عند الطفل لا تشبع بأنشطة تستثمرها، كما إنه لا يتصور أن تكون قدرة الطفل على ضبط وتدقيق المعلومة مثل قدرة الأكبر سنًا.
والسرقة كذلك فهي تعكس الميل الطفولي لحب الامتلاك دون تحمل مسئولية، وكلاهما: الكذب والسرقة يرتبط كجريمة بوجود المعيار الأخلاقي الناضج والمستقر الذي يمنح الأشياء أحكامها، ويحدد الموقف منها، وهذا المعيار لا يكون موجودًا قبل سن البلوغ "على الأقل".
وعليه فابنتك ـ على نحو معين ـ لا تسرق، ولا تكذب بالمعنى الحقيقي والأخلاقي للكلمة.
ويفرض عليك هذا الفهم تعاملاً مختلفًا أنصحك فيه بالآتي:
1ـ حاولي إنعاش خيال ابنتك، واستثمار إنتاج هذا الخيال في قصص تكتبها هي، أو ترويها لكم في الأسرة، أو للنشر العام إذا أمكن.
2ـ تحدثي معها بشكل غير مباشر عن الصواب والخطأ بأمثلة من فعل آخرين، أو عبر قصة من الخيال.. وهكذا.
3ـ العدل بين الأولاد في الأدوات المدرسية والملابس.. إلخ وحبذا لو تشابهت، أو تطابقت بعض هذه الأشياء فيصبح تبادلها ممكنًا، ولا يسبب هذا أي قيام متاعب.
4ـ إياك أن تضربيها، فالضرب سلاح العاجز، وإن كنا جميعًا نفعله للأسف، واستخدام الضرب يهدر فاعلية كل الوسائل الأخرى من ترغيب وترهيب، وتهديد وإغراء.. إلخ
ويسرني أن تخبريني بالنتائج بعد شهر من التجريب على الأقل.
ــــــــــــــــــــ(41/479)
ضريبة الكفاح..أم شماعة للتقصير؟
هموم الدراسة, الوعي السياسي, مع النفس
بسم الله الرحمن الرحيم، أحييكم على هذا الموقع، وأسأل الله لكم التوفيق والسداد، والمشكلة بدأت عندما دخلت الثانوية العامة حيث رسبت فيها 3 سنوات؛ لأننا كنا في زمن الانتفاضة، وكان التعليم متذبذبًا فكانت المظاهرات، ودائماً شهداء ومواجهات، فلم يكن هناك انتظام في الدارسة للجميع، وبعد تجاوزي الثانوية دخلت الجامعة، وعندي أمل أن أعوض ما فاتني، ولكن كان ينتابني شعور أن كل من في الجامعة ليس من جيلي، وكلهم أصغر مني، وأتألم على ما فاتني، ثم فشلت في تخصصي، والله ليس ضعفاً مني؛ ولكني لم أكن أدرس جيداً؛ فقمت بالتحويل إلى كلية أخرى، ثم ندمت ورجعت ثانياً إلى التخصص الذي أحبه، ثم فشلت في فترة الامتحانات فانتكست ثانية، وبالطبع كل هذا أخذ من وقت الجامعة المحدد بأربع سنوات، وأهلي لا يعلمون عن ذلك شيئًا، كل الذي يعلمونه أني سأنهي دراستي العام القادم، ولكني لن أستطيع؛ فعندي مواد كثيرة، قد تقول لي: صارح أهلك، ولكني إن صارحتهم فسيزداد الألم، وأنا لا أحتمل ذلك، لقد فكرت في الانتحار لأول مرة في حياتي؛ برغم أنني إنسان متدين، لكني أريد أن أهرب من تلك المشكلة، الرجاء الأخذ بيدي لطريق الخلاص، إن عقلي يعجز عن التفكير فالآلام أعجزتني. ... المشكلة
د.أحمد عبد الله ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... الأخ العزيز، أهلا بك وبمشكلتك التي ترى أنت أنها بلا حل حتى ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وفكرت في الانتحار، وهذا لا يليق بمسلم مؤمن مثلك، كما أن الأمر لا يستحق كل هذا.
غالب الظن أن أهلك ينتظرون اليوم الذي تتخرج فيه؛ لتشترك معهم في تحمل أعباء الحياة بتحمل أعبائك الشخصية على الأقل، ويمكنك أن تبحث عن عمل معقول بجانب استكمال الدراسة، هذا إذا كنت ترغب في هذا الاستكمال من الأصل، وتستطيع أن تستخدم المعاريض في كلامك بدلا من الكذب عليهم، بأن تقول مثلا: إنني أسعى لتحصيل درجات أعلى، أو اكتساب مقررات أكثر ستساعدني في الوظيفة بعد ذلك، المهم أن المشكلة ليست في أهلك، إنما فيك أنت، وفي إرادتك، وقدرتك، وعزيمتك ... فهل تريد أن تجعل من نفسك شيئا؟!.
إذا كنت تريد فستستطيع أن تتغلب على المصاعب، سواء في بلدك أم في أي مكان آخر، وتذكر أن جزءًا مما تعانيه هو ضريبة يدفعها شعبنا المناضل في فلسطين، ولكن هناك جزء آخر يتعلق باجتهادك وتقصيرك كن على اتصال بنا، والله معك.
ــــــــــــــــــــ(41/480)
تحت العشرين.. الإسلام والمنطق
مع النفس
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا فتى تونسي (أقطن بتونس) أبلغ من العمر 17 سنة، أدرس بالمعهد النموذجي بسوسة (يضم نخبة من تلاميذ تونس) من عائلة 'محافظة' أو لنقل مسلمة إسلامًا معتدلا، ولدت بالمدينة المنورة، وترعرعت فيها وتلقنت فيها **مبادئ الإسلام** التي لا تزال راسخة فيّ جدًّا.. المهم قد تبتسمون وقد تتململون ضجرًا إذا قلت لكم: إن لي عشرات الأسئلة التي تؤرقني، ولولا ثقتي في كونكم ذا عقل وحكمة ومعرفة وتجربة؛ لما أقدمت على استفساركم عن مشاكلي هذه التي أرجو أن تعينوني من خلالها على شق طريقي في الحياة عبر الطريق السليم.. في طريقة تفكيري وكلامي وتعبيري عن أفكاري ... أجدني **منطقيًّا** جدًّا لدرجة أني أملّ من نفسي. صدقوني .. وعلى الرغم من أن من يحيطون بي يجدونني عبقريًّا في تناولي للمشاكل وحلها على اختلافها (من أبسط المشاكل العائلية إلى أصعب البرمجيات الإعلامية)، أنا نفسي أبقى مندهشًا حائرًا هل المنطق طريق قويم لحل كل مشاكلي أم هو صالح لبعضها فقط؟ أوليس المنطق من صنع العقل البشري والعقل البشري ليس فذا بما فيه الكفاية ؟ أعينوني جزاكم الله خيرًا. ... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... للوهلة الأولى بدت لنا مشكلتك غير واضحة، ولكنني وجدت علامتين عند كلمتين في رسالتك فأعطى ذلك إيحاءً أن وجود هاتين العلامتين عند هاتين الكلمتين ربما يكون له دلالة في مشكلتك التي تود طرحها أو الاستفسار بشأنها، أما الكلمتان فكانتا "مبادئ الإسلام" و"منطقيًّا" ويبدو أن هذا هو مصدر تساؤلاتك، بدا لي أن هناك تعارضًا في ذهنك بين مبادئ الإسلام التي لا تزال راسخة فيك جدًّا والتفكير المنطقي.. والحقيقة غير ذلك، فالعقل في الإسلام هو مناط التكليف، والقرآن كثيرًا ما يدعو للتأمل، واستخدام العقل وبيّن أن الآيات لقوم "يعقلون" بل يستخدم كل الأساليب في مناقشة حجج المجادلين والمناوئين، ويدعو أولي الألباب في أكثر من موضع للتأمل.. حتى نكاد نزعم: القرآن هو معجزة الله التي أنزلها لمخاطبة العقول والدعوة لإعلاء قيمة العقل والعقلاء، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً زاخرة بذلك؛ حيث لم يكن أسلوب الرسول سواء في الدعوة أم في التوجيه هو القهر العقلي، بل كان أسلوبه تحريك العقول للتأمل ولحل المشاكل وللوصول إلى الحقائق، وعندما فهم المسلمون ذلك أنشئوا أعظم حضارة للعقل، وأضافوا إضافات ذات قيمة إلى من سبقهم في علوم العقل، ولم يجدوا حرجاً في أن يخوضوا علوم المنطق والفلسفة والكلام، بل كانوا أصحاب السبق في اكتشاف المنهج التجريبي في العلوم.. كل ذلك لأنهم فهموا إسلامهم فهماً صحيحاً، عرفوا منه أن الحدود التي وضعها الإسلام للعقل حدود ضيقة جدًّا ألا وهي حدود الغيبيات التي هي خارج نطاق قدرات العقل، والمطالب فيها الإيمان بها كما أخبر عنها الله في كتابه ورسوله في سنته، أما ماعدا ذلك فهو متروك لاجتهاد البشر وسياحة عقولهم في إطار الإيمان بالله ورسله وكتبه وملائكته والقدر خيره وشره.
خلاصة الأمر أننا مدعوون لاستخدام المنطق والعقل في حل مشاكلنا وفي بحث كل أمورنا وما حولنا بشرط ألا يصيبنا الغرور حتى نتخيل أن ما ندركه بعقولنا فقط هو ما نؤمن به وما عداه لا نقبل الإيمان به؛ فنصاب بالشطط الذي أصاب الماديين الذين عبدوا عقولهم، وتخيلوا أنها تحل وتدرك كل شيء، وأيضاً لا نُهمل عقولنا ونسلمها للخرافات والخزعبلات.. ونرفض الأسباب ونتواكل ولا نعمل عقولنا في الكون وسننه.
هذا المنهج الوسطي في التعامل مع العقل ومع المنطق هو المنهج المطلوب، وإلا ما جعل الله العقل مناط التكليف، وأهلاً بعشرات التساؤلات التي تدور في ذهنك.
ــــــــــــــــــــ(41/481)
ضحية اغتصاب.. روعة التسامح
علاقات أسرية, علاقات اجتماعية عامة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لا أدري هل ستسنح لي الفرصة بإرسال هذه المشاركة أم كالعادة فموعد استقبالكم محدد وقصير وهو وقت الصلاة غالباً ومما شجعني على الإعداد قبل المشاركة هو استجماع وترتيب الأفكار والعرض الذي من خلاله لن يعذبني طول انتظار الإجابة، فأنا أكره الانتظار مع أني صبورة بالعادة!!! ولكن يصعب انتظار حكم المحكمة وأنا أضع حالي تحت مجهركم ومجهري قبلكم وأنشد الجواب الصادق، وأدعو الله أن يزيدكم علما ونورا ويجزيكم خير المثوبة على هذا الموقع الأكثر من رائع.
ولأعطيكم نبذة عني قبل أن أطلب العون في عدة نقاط: أنا فتاة أعيش في السعودية أبلغ من العمر 24 عاماً، عازبة تعرضت في صغري لاغتصاب، عندما أكتب هذه الكلمة أشعر بالعار والخزي الآن لأنها خرجت مني ومن قلبي بعد أن خبأتها وما أذكره أني حكيت لإخوتي ونقلوها لأمي ولكن لم يحدث شيء وهذا ما تجود به ذاكرتي، أحيانا أشعر بأني كنت شديدة الغباء، ولكن هل البراءة شيء ألوم نفسي عليه وأنا حينها كنت في الـ7 أو الـ8 من عمري؟.
لأن ما حدث هو أنني ركبت معه السيارة بملء إرادتي حيث أنه وبمحض الصدفة ذكر اسم والدي مستفسراً هل أنا ابنة فلان فأجبته بالإيجاب فسألني أن أركب معه السيارة فركبت وحدث ما حدث بشكل مرعب وما أذكره أنني لم أتألم ولم يدخل عضوه لذا لست خائفة على غشائي ولكن ما يشعرني بالغرابة أنني لا أشعر أن ما حدث لي وما ذكرته أثر علي نفسياً أو جعلني أكره الرجال، بالعكس أشعر أن ميلي الفطري موجود ولا أعاقب نفسي أبداً على ما حدث ولا أحمل أي ضغينة عليه (المعتدي) بل أحياناً أحدث نفسي أنه إذا تاب أو استغفر عن ذنبه فإنني سأسامحه فهل هذا طبيعي وهل أنا بحاجة إلى تأهيل ما؟.
إذ إنني لا أرى أن هناك مشكلة تتمثل لدي ولكن في هذه اللحظات أشعر بالألم ولا أدري هل السبب أنني أخرجته أخيراً أم لأنني شعرت أحياناً أن غبائي هو ما أوصلني إلى هذه النتيجة وهو ما ينافي العقل والمنطق لأنني كنت حينها صغيرة ومنطقي يخبرني بسبب أنه كان هناك الكثير من أصدقاء والدي يزوروننا وعددهم كبير ونحترمهم كثيراً وبالتالي عندما أسمع أنا هذا صديق والدي وذكر لي اسمه أي والدي أطعته وركبت معه السيارة؟.
لا أدري ليست هذه مشكلتي أو تساؤلاتي التي أردت أن أطرحها ولكن أردت أن أعطيكم خلفية أكبر عن طفولتي وتساؤلاتي التي لا يتسع المجال أن أشرحها بالتفصيل سأطرحها سريعاً.
عندي مشكلة وهي الخوف والجبن وحاولت أن أتخلص منهما وهو أنني إذا غضب مني شخص أسكت وأهون الموضوع ولا أعطي بالا لكرامتي وهذا حصل لي في عدة مواقف. أجد صعوبة كبرى أن أصف نفسي بالجبن فأنا لدي شجاعة أن أقول الحقيقة حتى لو عوقبت عليها ولكن الآن أصبحت أكثر أوازن بين التسامح وعدم التغاضي عن حقي ولا أسمح لأحد بهضمه. والمشكلة الحقيقية هي عندما أواجه شخصا يصرخ بوجهي فأنا أواجهه بقوة ولكن تعودت أني يشوب صوتي البكاء الذي أحاول أن أخفيه. كيف أتخلص نهائيا فأنا أعالج نفسي تدريجيا وأشجع نفسي كثيرا وأشعر أنني من الداخل إنسانة جميلة وذكية اجتماعيا ولكن كثيرا وفي الطفولة ما حطمت من قبل أخواتي فكانوا ينعتونني بالغباء والضعف وأنني أخاف إذا ضربني أحد ولا أدافع عن نفسي وأقول في نفسي ربما أن السبب ما حدث لي وذكرته لكم.
بالإضافة أنهم توقعوا فشلي بعد اجتيازي الثانوية ولكن ولله الحمد فتحت لي فرص كثيرة وتحديتهم بداخلي حتى تخرجت وكنت الأولى ونلت شهادة لحسن سلوكي وأخلاقي وكذلك حصلت على وظيفة في مكان لم ينجحوا هم بالوصول إليه فأنا راضية عن نفسي وغيرت نظرهم عني ولكن أريد أن أتخلص منه أي الضعف في مواجهات المواقف الصعبة في حياتي العملية والاجتماعية.
أرجونصحكم لي فيما ذكرت، ولا أعتبرها مشكلة بقدر ما أرغب في حلها!! للمعلومة: كتبت هذه الرسالة عندما عرضتم بمناسبة العام الهجري لمدة أسبوع أنكم ستستقبلون الأسئلة وتجيبون عليها في نفس اليوم ولكن لم يكن لي نصيب في إرسالها في نفس الوقت، الحمد لله على كل حال.. بالمناسبة شكراً على صفحتكم هذه الرائعة التي دائما أتعلم منها، وعلى المختصين الرائعين الممتعين في الإجابة والصادقين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... نحن نشكر لك ثقتك في صفحتنا ونتمنى أن نكون عند حسن ظن الناس دائماً فالحقيقة أنك كم تصفين نفسك في رسالتك إنسانة جميلة وذكية وليس من الداخل فقط لأن جمال الداخل لابد أن يظهر في الخارج ليس جمالاً في الشكل ولكن جمالاً لا يراه الناس في التعامل والتفاعل. لا يوجد إنسان كامل بغير نقاط ضعف ولا يوجد إنسان ترضى عنه جميع الأطراف أو يرضى عنه جميع الناس.
فهذاشيء لم يدركه الأنبياء ولا الرسل فما بالك بالبشر العاديين. إنك فعلاً إنسانة قوية ولست إنسانة ضعيفة لقد تغلبت على أزمة الاغتصاب ووصلت إلى درجة من التسامي والتسامح حتى مع من آذاك كل هذا الإيذاء وهي درجة ليست بالسهلة أو اليسيرة كما يتصور البعض، فرغم مرور السنين يظل الإنسان لديه الرغبة في أن يشفي غليله ممن آذاه، ونجحت في حياتك العلمية والعملية وهاأنت في وظيفة مرموقة.
وهاهيعلاقاتك الاجتماعية بالناس متشعبة ومتواصلة وربما لو غيرك ممن مر بنفس ظروفك لكان قد تقوقع داخل نفسه رافضاً التفاعل مع الآخرين وربما اختار لنفسه الفشل العلمي والعملي. وما تصفينه بالجبن أو التساهل ليس كذلك ولكنها روحك المتسامحة الإنسانة من الداخل ترفض أن يكون الثأر للنفس هو دينها في التعامل مع البشر.. إنك قادرة بالفعل على الرد على كل إساءة ولكن سيكون هذا على حساب طاقتك النفسية.
فلماذا يصرف الإنسان من طاقته النفسية على من آذاه، هل يستحق من آذانا قولاً أو فعلاً، هل يستحق من آذانا أن نخصم من رصيد النفس من أجله.. الحق أنه لا يستحق. فالحفاظ على سلامنا النفسي وتوازننا هو خير ما نحصل عليه عندما نتجاوز عمن أساء لنا.
نكرر لك الشكر على رسالتك الرقيقة الجميلة والتي تعبر فعلاً عن إنسانة جميلة من الداخل.
ــــــــــــــــــــ(41/482)
الاحتواء لا المقاطعة.. لترك الخمر
مشاكل وحلول, علاقات أسرية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أحب أن أشكركم على ما تقومون به من مجهودات في مساعده كل إنسان وجعله الله في ميزان حسناتكم..
أنا مشكلتي تتعلق بأخي الأكبر مني وأريد أن أطرح مشكلته راجية من الله تعالى أن تجدوا لي حلا فيها نحن عائلتنا تتكون من أربع بنات وأربع أولاد وأبي متوفى من قبل ولادتي أي عندما أمي كانت حامل بي وتحملت أمي مسؤولية تربيتنا ولم تتزوج لأجلنا وأخواتي البنات متزوجات إلا واحدة وإخواني ثلاثة متزوجون إلا واحد ولهم بيوت مستقلة ولكن يسكنون بجانب أمي وأخي عمره 28 سنة وهو طيب جدًّا ومؤدب وعلاقتي به أكثر من أخ فنحب بعض كثيرا ودائما يحكي لي عن كل شيء يحصل معه ولا يرفض لي طلب وأنا الآن متزوجة ولكن قبل الزواج بسنتين تقريبا.
أعترف لي بشيء لم يحس به أي أحد داخل البيت وهو أنه يشرب الخمر وعندما سألته لماذا قال لي أسباب خاصة تجعلني أفعل هذا وحاولت معرفه الأسباب ولكن لم يقول بالرغم إنه لا يخبئ عني شيئا إلا هذا الموضوع.
وفي يوم من الأيام جاء إلى البيت شارب الخمر فعرفت أمي وأختي بذلك وحاولنا أن نتناقش معه ولكن دون جدوى مع العلم أنه عندما يأتي إلى البيت سكران لا يقول أي شيء أو أي ألفاظ سيئة فهو يتكلم وكأنه في كامل وعيه، الدليل الوحيد على سكره رائحته وبطء كلامه المهم في الصباح تكلمت معه أمي وإخواني لم يعرفوا في بداية الأمر.
ولكنه وعد أمي أنه لن يرجع للسكر وفعلا تركه مده طويلة ورجع مرة أخرى وفي يوم من الأيام عمل حادث بالسيارة وإخوتي اكتشفوا الأمر وحاولوا التكلم معه بالأسلوب الهادي والمسايسة وكذلك وعدهم أن يتركه وبعد مده طويلة رجع للسكرمرة أخرى وأنا كنت دائما أتكلم معه بخصوص هذا الموضوع ويقول إنه شيء خاص لا يسألني أحد فيه وفي كل مرة يعد ويخلف وعده ومرة أخي الكبير عندما رآه عائدا إلى البيت سكران وقد وعده أن يتركه من شدة غضبه ضربه ضربا شديدا وتكلم معه، ندم كثيرا وكان يبكي بشده ويقول لي أريد أن أتركه ولا أستطيع.
المهم بعد مده قرر أن يذهب إلى العمرة وفرحنا جدا وأخذ أمي معه وعندما رجع تغير كثيرا كل صلواته في المسجد وترك صحبة السوء ولا يخرج كثيرا من البيت واستمر على هذا الوضع لمدة سنة تقريبا حتى تأكدنا أنه لم يعد يشرب الخمر وبعدها تزوجت أنا وسافرت إلى بلد أوروبي وبعد زواجي كنت دائما أسأل أمي وأختي عن أوضاعه يقولان لي إنه ترك الشرب.
وفي يوم من الأيام اتصلت بي أختي تقول لي إنه رجع يشرب الخمر ومثل ما قلت سابقا عندما يأتي سكران لا يلفظ أي ألفاظ بذيئة ولا يعمل ضجة ولا أي شيء يدخل ينام على طول المهم أمي تكلمت معه وكالعادة وعدها ورجع ثانية وآخر مرة أمي طردته من البيت وقالت له إما أن تترك الخمر أو لا ترجع أبدا وبقي بخارج المنزل ثم رجع يستسمح أمي ويبكي وأمي سامحته.
هذا كل شيء مهم في المشكلة أنا أريد منكم أن تساعدوني في إيجاد طريقة تجعله يتركه لأننا فعلنا كل الأساليب معه، ولم تأتي بنتيجة أسلوب الضرب والمسايسة والحوار كله لا يأتي بنتيجة يعد ثم يخلف وعده مع العلم أنه إلى الآن لا يترك الصلاة والذهاب إلى المسجد بالرغم أنه ما زال يشرب الخمر وهو لا يشرب كل يوم، بل في الشهر مرة تقريبا ولا توجد أي مشاكل في البيت تجعله يشرب الخمر ووضعه المادي ممتاز فهو يعمل والآن يعمر البيت للزواج، ومع ذلك أنا أشعر أن هناك شيئا يجعله يشرب الخمر، وهذا الشيء ليس داخل المنزل وإنما خارجه وحاولت بكل الطرق لمعرفه هذا السبب لم أستطع ومؤخرا هو لا يعلم أني علمت برجوعه لشرب الخمر ولم يعد يتصل بي حتى لا أحرجه بمعرفتي لشربه الخمر وأكلمه وهو يحبني كثيرا وأنا الوحيدة التي أقدر أن أتناقش معه في هذا الموضوع والآن لا أعرف ما أفعل هل أكلمه؟
وأنا أعلم ومتأكدة أن الكلام لن يأتي بنتيجة وسيقول نفس الرد لا أحد يكلمني في الموضوع. وأنا بصراحة سئمت من هذا الوضع لأنه يغضب الله تعالى ولا أريد أن يكون من الذين غضب الله عليهم وأفكر أن أقاطعه ولا أكلمه أبدا لأنه... وفي نفس الوقت لا يهون علي مقاطعته لأني أحبه جدا وهو بالفعل طيب فأرجوكم دلونا على الحل لأننا احترنا والله.
ماذا علينا أن نفعل؟ وكيف نجعله يترك الخمر هل نقاطعه كلنا ولا نكلمه أبدا أم ماذا؟
أنتظر الرد بسرعة وأي سؤال أو استفسار أنا جاهزة وأتمنى أن أكون وضحت المشكلة لأني أول مرة أكتب ولا أعرف كيف أكتب كل شيء جزاكم الله خيرا.
... المشكلة
د.عمرو أبو خليل ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... نحن نشكر لك اهتمامك بأخيك وحرصك عليه.. ولذا فإننا نرى أنه لا داعي لأن تفقدي الأمل فيه وتقولي إن الكلام لن يجدي معه..
ليس معنى أنه تاب وعاد أن نفقد الأمل فيه فالله عز وجل وهو الخالق سبحانه وتعالى علمنا ذلك وترك باب التوبة مفتوحا للعبد طالما رجع وأناب..
وأخوك تاب عدة مرات ويبكي ويعلن رغبته في ترك هذه المعصية وهو كما تصفين شخص طيب وهو الآن يستعد للزواج أي أن هناك عاملا جديدا سيدخل حياته.. وهو كونه سيصبح زوجا ومسئولا عن أسرة وهو ما قد يساعده هذه المرة على الخروج النهائي من أزمته..
لا تيأسي من أخيك.. عاودي الحديث معه حتى ولو تجنب هو هذا الأمر.. فاتحيه وصارحيه واستجمعي كل الحب الذي في قلبك له وأنت تحدثيه وسيكون لحديثك أثر في نفسه حتى ولو لم يظهر هذا الأثر في التو واللحظة، رب كلمة صادقة تخرج من قلبك المحب له تحدث فيه أثرا لا تتصوريه.. ليست المقاطعة حلا.. فأنت تتركيه في هذه الحالة مع شيطانه.. في حين أن استمرار التذكير والتفكير في مداخل جديدة للوصول إلى قلبه سيجدي بإذن الله إن الإصرار على دعوة العاصي ورؤيته لحبنا له وحرصنا عليه رغم معصيته وإننا إن نرفض فإننا نرفض مصيبته فقط ولا نرفضه هو..
إن أخاكِ نفسه هو أحد العوامل الهامة في نجاح مهمتنا في تغيير هذا الشخص..
إنني لن أنسى أحد الشباب المدخنين والذي قضى في إدمانه مدة تجاوزت السنوات وقد هداه الله بعد مجهود مضنٍ من أبيه.. جاء مكانه في صلاة القيام بجانبي فسألته ما هو الشيء الذي فعله أبوك وتظن أنه كان له أكبر الأثر في تخلصك من الإدمان؟
أجاب الشاب.. إنني كنت متأكدا أنه لن يتخلى عني وأنني سأجده دائما عندما أحتاجه فتوجهت للسؤال نفسه إلى الأب وكان معنا في المسجد بعيد عن ابنه فكانت الإجابة على غير اتفاق بينهما وهو أنه دائما يوصل له رسالة أن يكره فعله ويرفضه، ولكنه أبدا لن يتخلى عنه لأنه يحبه وظل صابرا صامدا لا يفقد الأمل حتى فتح الله قلب ها الشاب واستطاع أن يقلع نهائيا بعد محاولات متعددة فاشلة أيضا ولكنه بعد كل محاولة فاشلة كان يجد أن أباه ما زال موجودا بجانبه ينتظر عودته ليصبح شابا ناجحا في حياته على كل المستويات وليصبح صديقا لي أعتز بصداقته بعد أن كنت معالجا له وليكون مساعدا لي في إرشاد الشباب المدمن للتخلص من إدمانه.. لأنه يعتبر قصته قصة نجاح تستحق أن يعلمها للآخرين لا أن يخفيها عنهم خجلا أو خوفا.
هدى الله أخاك إلى الخير وأعناك على الصبر عليه
ــــــــــــــــــــ(41/483)
أريد أن أموت... اضطراب التعلقات
علاقات اجتماعية عامة, للشباب فقط
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
مشكلتي الأزلية هي الحاجة إلى مودة حقيقية صادقة، واستغلال الكثيرين لهذه الحاجة، أنا شاب عمري 27 عاما، مشكلتي الحقيقية أنني عندما أجد صديقا حقيقيا، متوافقا معي في أفكاري، وفي شخصيتي، أتعلق به تعلقا جنونيا، وأكون في غاية اللطف معه، وأقدم روحي فداءه، وأقدم حاجاته على حاجاتي بشكل لافت للنظر.
في داخلي، أشعر بأني وجدت كنزا، وجدت سعادتي القصوى، ولكن للأسف الشديد، هذا التعلق والمحبة اللافتين للنظر، تبعث الشك والريبة في نفوس أصدقائي هؤلاء، ويظنون أنني أسعى وراء منفعة حسية أجنيها من وراء هذا، والأسوأ أنهم يظنون أن في الأمر دوافع جنسية، ويعلم الله أنه ليس من هذا شيء من الصحة أبدًا، بل على العكس أشمئز ممن يفعل مثل هذا الأمر، وأجد ميولي نحو الجنس الآخر طبيعية جدا جدا، لست أزعم أنها محبة في الله، أي بمنظور الدين، وإنما هي صداقة ووفاء، كقيم عالية بحد ذاتها، وقد تكون هذه الصداقة مع أي أحد يشاطرني أفكاري وهمومي.
نعود للمشكلة، كما ذكرت لكم، الكل يشكك في هذه الصداقة، مما يضطرهم لإنهاء علاقتهم معي وبشكل نهائي، أقل من الطبيعي حتى، أي لا يريدون حتى كلامي. هذا الأمر لا يستوعبه عقلي بالمرة، ولا يطيقه قلبي، خصوصا أن هذا يحدث بعد مرور فترة طويلة نسبيا على نشوء هذه الصداقة، وبصراحة لا أستطيع أن أكذب على نفسي وأتصنع عدم معرفتي للشخص المقابل، ولا أكلمه، عقلي لا يستوعب هذا بالمرة.
عرضت نفسي على الطبيب المختص، فوصف لي مضادات اكتئاب وقلق، وآخر ما توصل إليه هو تشخيصي بمرض ADHD ، طبعا بناء على معطيات أخرى لا يسع المقام لذكرها.
أعطاني الدكتور الدواء، وكل ما أشعر به هو زيادة في الألم والإحباط، ورغبة شديدة في الموت، أفكر في هذا في كل لحظة، لا أستطيع أن أعيش في هذا العالم، أنا لست منه.
أخبرت ذلك للطبيب، فطلب مني إيقاف الدواء الأخير، والاستمرار على حبوب الاكتئاب، والتي لا تنفع أبدا.
أعتبر نفسي مسلما ملتزما، وأملي بالله كبير، كل ما يمنعني من الإقدام على قتل نفسي، هو خوفي من الرحمن، ويقيني أن هذا هو سبيل العذاب الخالد، الذي أحاول الهرب منه.
لم أعد أقدر على الصلاة ولا الدعاء حتى..
أرجو أن تساعدوني رجاء، أنا أموت وأتعذب ولا أطيق هذه الحياة بالمرة.
... المشكلة
د.محمد المهدي ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
أخي العزيز، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
للإنسان ثلاثة مستويات للعلاقات منها: علاقته الداخلية بذاته، ثم علاقته الأفقية بالناس، وقبل هذا وفوق هذا علاقته الرأسية بالله عز وجل.
ولكي يعيش الإنسان حياة طبيعية يحتاج لوجود توازن بين هذه المستويات المختلفة للعلاقات، بحيث تكون علاقته بنفسه إيجابية، وتقديره لنفسه مناسبا، وتكون علاقته بالآخرين قوية ومتوازنة، وعلاقته بالله نشطة ومتجددة ومشبعة.
وفي حالتك أرى أن المستويين الداخلي والرأسي للعلاقات بهما ضعف كبير، ولذلك تركزت كل طاقة العلاقات لديك في علاقة واحدة أو في مستوى واحد، هو مستوى العلاقة بالناس، ولذلك تجد نفسك شديد التعلق بهم وشديد الحرص على بقاء العلاقة بالآخرين في صورة تزعجهم وتخيفهم منك وتجعلهم يظنون بك الظنون.
وأنت تشعر أن انتهاء العلاقة بالناس أمر مهدد لوجودك فأنت تعتبر علاقتك بهم مسألة حياة أو موت؛ لأن ثقتك بذاتك ضعيفة وعلاقتك بها كذلك، وأيضا علاقتك بالله تحتاج لمراجعة، فأنت كما ذكرت لا تستطيع أداء الصلاة أو حتى الدعاء، أي أن المستوى الرأسي في العلاقة ضعيف أو متوقف، وهذا يجعل علاقتك بالناس تستولي على كل شحنات المشاعر، وأنت بهذا تغرق من تتعلق بهم بمشاعرك فينفرون منك ويبتعدون عنك.
والحل أن تعيد توزيع طاقة مشاعرك على المستويات المختلفة للعلاقة، وأن تثق بنفسك وتسعد بالحديث إلى نفسك ومصاحبتها في بعض الأوقات، وأن يكون بينك وبين الله لحظات أنس ومناجاة تشعر معها بقربه تعالى منك وتشعر بالراحة والطمأنينة كلما لجأت إلى رحابه.
فإذا نجحت في تنشيط هذين المستويين للعلاقات فإن علاقتك بالناس ستكون أكثر هدوءا وأكثر توازنا، حيث إن المستويين السابقين للعلاقة سيمنحانك الشعور بالأمان، فتتعامل مع الناس على أنك ناضج، ولست طفلا صغيرا خائفا يتعلق بثيابهم، فينفرون منه ويدفعونه بعيدا عنهم.
وأنا أرى في كلامك وفي سلوكياتك بعض علامات الشخصية الحدية، وهذا النوع من الشخصيات يقلق كثيرا من احتمالات الهجر ويخشى الوحدة، ويعيش مشاعر حزن وربما اكتئاب، وقد تساوره -كما هو حادث معك- بعض الأفكار الانتحارية؛ لذلك أنصحك بالاستمرار في مضادات الاكتئاب التي وصفها لك الزميل الطبيب إضافة إلى تدريب نفسك على تنشيط المستويات المختلفة للعلاقات كما ذكرت لك آنفا.
ــــــــــــــــــــ(41/484)
مثاليتي .. يكرهها زوجي والناس
أزواج و زوجات, علاقات أسرية
أعانكمالله دائما للمساعدة الآخرين وأنار لكم طريقكم دائماً أما بعد..
إنكمقد تستغربون من شكواي هذه، وطلب مشورتكم إن زوجي يكره -كما يقول - مثاليتي في التعامل مع الآخرين بحسن نيتي عند تعاملي مع أهلي وأهله مثلاً، فيقول أنت طيبة جدا وطيبتك ستضيعك فهل فعلا الطيبة الزيادة خطأ؟، هل فعلا يجب أن أعامل من حولي بحذر؟ وأنهم قد لا يكنون المحبة لنا ويظهرون العكس؟
لاأدري كيف أعامل زوجي فهو يكره مطالبتي له بصلة الرحم دائما مع من يحصل معهم خلاف أو بحسن النية مع إخوانه وإخواني بقولي مثلاً لا يقصدون الإساءة أو كن أحسن منهم وهكذا.. لا وبل يقول لي أنت مثالية وهذه الأيام لا ينفع معها المثالية يجب تتعاملي مع من حولك كما تُعاملي، فيريدني أن أفكر في مصلحتي قبل كل شيء ومعتقده أن تعامل الناس مع بعضها قائم على المصالح وحتى في عملي عندما أتغيب كثيرا أقول له إنني يجب أن أهتم بعملي فالله سيحاسبني إن لم أتقن عملي وضميري يؤنبني يغضب ويثور بأنني مثالية زيادة عن اللزوم وأن صاحب الشركة لا يدري أساساً كم عدد موظفيه كنوع من الاستهزاء طبعا وبألا أحد يلتزم بعمله إرضاء لرب العالمين هذه الأيام ولكن من أجل الراتب.
وإنقلت له لا تأخذني قبل نهاية دوامي يمقتني بنظرات غضب قائلا صاحب الشركة قريبك ولن يحاسبك! ودائما يردد "الحياة هكذا تريد لا تريد التي بطريقتك"، رغم أني أعلم بأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله لكن إذا عاندته يثور وإذا تعاملت معه بالحسنى وبالكلمة الطيبة أدخل والدي بالموضوع وأبي مثله في التفكير وبالتالي الاثنان ضدي!!
ماذا أفعل فمثاليتي التي لا تعجب الناس هذه الأيام ولا تعجب زوجي أصبحت من الأسباب المشاكل بيننا، مع أنه يصلي ويحب الدين وسيؤدي العمرة إن شاء الله قريباً، فهو يعتقد المثالية كانت أيام الرسول عليه الصلاة والسلام؛ وذلك لأنهم يستحقون المعاملة المثالية، أما هذه الأيام -في ونظره- الناس لا يستحقون فعل الخير لهم أو معاملتهم بالحسنى فهو نوع من الضعف في التعامل، إنني أحس مقصرة في ديني بسبب ما قلت لأنني للأسف أضطر لمجاراته فأصبحت مقصرة في عملي تفاديا للمشاكل، وهل فعلا الحياة أصبحت تحتاج إلى نوع من الوعي والحذر والطيبة لا تنفع هذه الأيام، أرجو نصحي لكيفية أيضا التعامل مع زوجي.
... المشكلة
د .ليلي أحمد الأحدب ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
...
تحياتي لك وتقديري لمحاولاتك في تأدية واجبك نحو أقاربك ونحو عملك، فالأمر الذي يسميه زوجك ووالدك بالمثالية هو ليس إلا تأدية الواجب وأداء العمل كما يحب الله ويرضى، والمعاني السلبية التي يحملها زوجك - وكثيرون مثله- تجاه تأدية الإنسان واجبه منتشرة بشدة في مجتمعاتنا العربية، والحقيقة أنه لو أدى كل منا واجبه لأتت حقوقه إليه والعكس بالعكس، لأن واجبات المسلم هي حقوق لغيره عليه، وحقوقه واجبات على غيره، ولكن أكثر الناس -للأسف- يريدون الوصول إلى حقوقهم دون التفكير بالبدء من جانبهم أولا بإعطاء الآخرين حقوقهم عن طريق تأدية العمل والواجب، ولو أن كل الموظفين في المؤسسة التي تعملين بها مثلا أدى عمله على أحسن وجه، لاستطاع كل المراجعين العودة إلى أعمالهم وبالتالي تأديتها بإتقان، وهكذا فإن البناء الاجتماعي يأتي على شكل متتالية مطردة، سواء في الأسرة إلى المدرسة إلى أي عمل آخر.
كثيرون هم الذين يؤدون واجباتهم الدينية كزوجك يا أختي العزيزة، أما واجباتهم الدنيوية -سواء تجاه أقاربهم أو غيرهم- فلا يعتبرونها سوى عبء ثقيل يحاولون التهرب منه، والأسباب كثيرة، منها الفصام بين الدين والدنيا مع أن المفروض هو العكس أي أن تكون أعمالنا الدنيوية مرتبطة بالدين وبالثواب الأخروي، ومنها أن الحقوق ضائعة في المستويات العليا أي لدى المسئولين عن الشعوب، وكما قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: (الناس بأمرائهم أشبه منهم بآبائهم) وهذا القول يقرر حقيقة واقعة وموجودة، لكنه لا يعني استدامة الحال على ما هو عليه.
فإذا كان الواقع سيئا فإن خلق واقع جديد هو الواجب الذي يشير إليه حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (كما تكونوا يولى عليكم)، لذلك عندما تلقى التهم على كاهل الحكام فهو أمر مفروغ منه لكن في نفس الوقت يجب أن يوجه كل منا اللوم إلى نفسه ليغير ما بها فالتغيير الفردي هو أساس التغيير الاجتماعي والسياسي: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وقد امتدح الله سبحانه النفس اللوامة بل وأقسم بها في القرآن الكريم، وعندما نبه النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه على فتن ستأتي كقطع الليل المظلم ذكر من هذه الفتن الأمراء الذين يفضلون أنفسهم على الرعية وكانت نصيحته الخالدة: (أدوا الحق الذي عليكم واسألوا الله الذي لكم)، وعلى هذا يؤكد كثير من المفكرين الإسلاميين وعلى رأسهم مالك بن نبي رحمه الله، والذي أشار إلى سبب آخر في ما يعاني منه زوجك وغيره مما أسماه ظاهرة المسجد، فالدين ينتهي عندهم بمجرد الخروج من المسجد، ولعل زوجك لا يقصد أن يكون من هؤلاء الذين لا يعلمون أن معاملة الخلق هي معاملة للخالق، ولكنه التيار الغالب الذي يجرف الجميع إلا من رحم ربك.
تسألين عن كيفية تعاملك مع زوجك فأنصحك بالموازنة بين حقوق الله عليك، والتي هي حقوقه الخاصة من جهة وحقوق الخلق من جهة أخرى على اختلاف مستوياتهم، فصاحب العمل له عليك حق حتى لو كانت وظيفتك حكومية، فأنت تسترزقين منها ولا بد أن يكون راتبك حلالا بأداء العمل كما لو كان صاحب العمل أو المراقب أو المشرف موجودا ويراك، فاشرحي لزوجك وجهة نظرك في رغبتك باستمرارك بأداء عملك على أحسن وجه كي لا يكون راتبك مقابل عمل لم تؤديه، فيتحول من الحلال المبارك إلى الحرام المنقطع، وهو ما عبرتِ عنه بتقصيرك في عملك.
أرجو أن تعلمي أن ديننا دين واقعي ومثالي في آن واحد، لكن لا بد من التذكير بأن تعاملنا مع الأقارب يجب أن يكون عنوانه صلة الرحم وهي لا تكون فقط بصلة من يصلنا بل بصلة من قطعنا أيضا وأذكر هنا حديثا شريفا جامعا أيضا: (أمرني ربي بأن أعفو عمن ظلمني وأصل من قطعني وأعطي من حرمني) أو كما قال عليه الصلاة والسلام؛ وبالنسبة لتعاملك مع الناس فإني أذكرك بالحديث الشريف: (الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله) وإذا احتج بعضهم بأن هذا الحديث ضعيف أو بعض ألفاظه غير مستحبة، فلا يمكن أن ينسى أحد الأحاديث الأخرى التي تحض على الخلق الحسن وهي كثيرة جدا ومن الأحاديث المجملة بمعانيها حديث: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع الحسنة السيئة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) ومثل الأحاديث هناك الآيات الكثيرة في القرآن الكريم الذي أُنزل على من قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فصلِّ اللهم عليه وسلم وبارك واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ورزقنا العمل بسنته والموت على ملته لنكون من أهل شفاعته..
بعد كل ما أوضحته لك يا أختي الكريمة أنصحك بألا يأخذ ثباتك على موقفك طابع المعاندة للزوج، ولكن ليكن حوارك معه بالحسنى بأن تبّيني مثلا أنه حتى لو كان صاحب الشركة قريبك، لكنه يمكن أن يتجاوز عن تقصيرك مرة أو مرتين أو ثلاثة، ولكن لا شك أن ثمة مرة ستكون القاضية، فليس من صالحك ولا من صالح زوجك أن تجلسي في البيت، خاصة إذا كان عملك يشكل دعما ماديا له، أما بالنسبة للأقارب فصلة الرحم كما يأمرنا بها الدين هي ذات طابع مثالي، مع ضرورة التمييز بين هذه المثالية وقدرة النفس على الاحتمال حيث لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولا يسأل الله الإنسان ما هو فوق طاقته، فلكل منا قدرة احتماله المختلفة عن الآخر؛ كما أن كثيرا ما تختلط علينا الأمور فنعتبر التسامح قوة في الوقت الذي لا يكون بمقدورنا إظهار أي رفض لموقف تخسف فيه حقوقنا، فالتسامح الحقيقي يكون مع المقدرة على إمضاء العقوبة أو الرد بالمثل.
وقد نحتاج أحيانا أن نظهر لفئة معينة من الناس أن تسامحنا معهم ليس نتيجة ضعف وذلك كي لا يتمادوا في باطلهم أكثر، وهناك فرق بين أن نتسامح في حقوقنا الخاصة، حيث هو من التسامح المحمود، وأن نتسامح بحقوق الأسرة أو الجماعة وهو ما يعتبر ضعفا وهوانا، على سبيل المثال يمكن أن يتسامح شخص غني مع أخيه الفقير في دين لم يستطع أن يوفيه، لكن إذا انعكس الوضع واستولى الغني على مال الفقير الذي يعاني أولاده من الفاقة أصلا فلا معنى لتسامح الأخير هنا لأنه سيضر بمصلحة من هو مسئول عنهم، وتسامحه سوف يفهم بأنه نتيجة الضعف والخوف والجبن، وهو مثل بسيط ضربته لك لكن يمكنك أن تطبقيه على المجتمعات والدول فتجدينه صحيحا، كما أن التسامح في بعض الحق قد يكون نوعاً من التكتيك للوصول إلى حقوق أوسع، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــ(41/485)
نظرات في مشكلات الشباب.. ومحاولات الحل
الثلاثاء:12/09/2006
(الشبكة الإسلامية)
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> للشباب فقط >> قضايا شبابية
الشباب هم عدة الأمة في حاضرها، ومعقد آمالها في مستقبلها، وهم وقودها في حربها وسلمها، وبفلاحهم يكون فلاح الأمة، وبضياعهم يكون ضياعها، لذا كان على الأمة أن تعدّهم إعدادًا حسنًا لحمل مسؤولية الأمة في غدها ومستقبلها.
وقد أدرك أعداء الإسلام أن قوة أي أمة تكمن في شبابها، فوجهوا سهامهم للنيل منهم، وأعملوا كل وسيلة لتخريب طاقاتهم، في وقت غاب فيه حماة الدين وتكالب أعداء الإسلام من كل حدب وصوب للقضاء على طاقات الأمة، والعمل على إفسادها، حتى حققوا ما أرادوا.
مشكلات متعددة
وعند تشخيص واقع شبابنا، نجد عددًا من المشاكل التي أصبحت تواجههم وتقف حائلاً أمام قيامهم بدورهم المنشود في خدمة الأمة وبناءها، ولعل من أهم هذه المشاكل:
أولا: ضياع الهوية الإسلامية، وذلك نتيجة سيطرة الإعلام اليهودي والغربي على الساحة العالمية، وما نتج عنه من تغلغل وغزو ثقافي استهدف عقيدة الأمة وتراثها، وذلك من خلال التشويه والتشكيك في عقيدتها ودينها، مُتبعًا في ذلك جملة من الوسائل منها:
• إضعاف العقيدة وزعزعة الإيمان عن طريق بث الصراعات الفكرية، وإثارة الشبهات، ونشر الأفكار والمبادئ الهدامة كالماسونية والبهائية والماركسية وغيرها.
• محاولة تجفيف المنابع الفكرية وتسميم الآبار المعرفية عبر رسائل الإعلام الرخيص.
• العمل على إفساد اللغة العربية والتهوين من شأنها،ووصفها بالقصور وعدم قدرتها على مواكبة تطور العصر، إضافة إلى نشر تعليم اللغات الأجنبية والترويج لها.
• العمل على تزييف التاريخ الإسلامي، والتشكيك في حوادثه وأخباره.
• العمل على إشغال المسلمين عامة والشباب منهم خاصة بالشهوات ووسائل الترفيه الفارغة، والتي تستهلك طاقات الأمة وأوقاتها فيما لا خير فيه.
• إفساد الأخلاق وإشاعة الفاحشة، وتشجيع الشباب والفتيات عليها تحت مسمى "التحرر" وإباحة الاختلاط والشذوذ الجنسي.
• استقطاب المرأة المسلمة، والتغرير بها، عن طريق دعاوى "تحرير المرأة" ومساواتها بالرجل.
• العمل على تجهيل العلم بحيث يفقد صلته بالخالق.
• العمل على "تغريب" الأمة عن دينها وطبعها بطابع المدنية الغربية.
ثانيا: غياب الوعي الديني والثقافي والسياسي، واستبدال ذلك بأفكار هدامة، وثقافات رخيصة تُمجد كل باطل وتافه، وتُعادي كل حق، ورافق ذلك ظهور ما يسمى بظاهرة "التحرير الفكري" الذي أخذ بَعْتَوِر كثيرًا من الشباب نتيجة اختلاطهم بمذاهب فكرية وتربوية مختلفة.
ثالثا: انتشار البطالة ضمن صفوف الشباب، نتيجة قلة فرص العمل المتاحة، وتدني الدخل الفردي مع انخفاض في مستوى المعيشة، كل ذلك دفع بدوره إلى بروز ظواهر جديدة بين الشباب كالفساد الأخلاقي والتحايل لتحصيل المال.. كما نتج عنه ظاهرة الهجرة وما رافقها من ترك الشباب لأوطانهم والبحث عن أماكن في بلاد الغرب تؤمن لهم العيش المناسب، هذا الوضع أدى في النهاية إلى ضياع الدين لدى كثير من الشباب المهاجر، إضافة إلى تفكك الروابط الأسرية والتحلل الخلقي.
رابعا: الثورة المعلوماتية والطفرة التحررية فيما يمكن أن نسميه بـ "ظاهرة الإنترنت"، فقد انتشرت شبكات "الإنترنت" في العديد بل في كل البلدان الإسلامية، والمتأمل يجد مفاسد عديدة ظهرت على أفواج الشباب ممن لم يُحسن استخدام هذه الوسيلة. ويكفي أن نذكر أن الإحصائيات تدل على أن نسبة 80 بالمائة ممن يدخلون مقاهي النت تقل أعمارهم عن 30 سنة، وأن أكثرهم يستخدمونه استخداما سيئا.
مصدر المشاكل
وإذا كانت تلك أهم المشاكل التي تواجه الشباب المسلم، فما هي الأسباب التي أدت إليها وساهمت في انتشارها وتفاقمها؟
لا شك أن هناك العديد من الأسباب التي دفعت بالواقع الشبابي إلى أن يصل إلى ما وصل إليه، وأقتصر هنا على ذكر أربعة أسباب هي:
( أ) غياب القيادة الحكيمة والقدوة الصالحة، والتي تعمل على ملء طاقات الشباب بمثل الحق والعدل وتوجهها صوب جادة الرشاد والسداد، فكان لهذا الغياب القيادي دور بارز في ضياع طاقات الشباب، وتشتيت أفكارهم وابتعادهم عن شرع الله ومنهجه.
( ب) غياب الممارسة الشورية على كافة الصعد، ابتداءً بالأسرة وانتهاء بالدولة، وما رافق ذلك من مصادرة للرأي الآخر، وتغييب لثقافة الحوار، حيث نجد الأب في بيته مستبدًا برأيه، فهو صاحب القرار والمنفرد فيه أولاً وأخيرًا، والحال كذلك في كافة مرافق الحياة كالمدرسة والجامعة والمصنع والإدارة.. ونتج عن هذا الوضع تهميش الرأي الآخر أو مصادرته وربما محاربته مما جعل الشباب يشعرون بالتهميش وأنه لا دور لهم في صنع القرار أو الحياة عموما.
( ج) عدم استثمار أوقات الشباب بما فيه خيرهم وصلاحهم، فقد أضحى الوقت - وهو عنصر الحضارة الأساسي - المورد الأكثر تبديدًا وضياعًا في حياة الشاب المسلم، وأصبح فن "إدارة الوقت" من الأمور الغائبة عن تفكير وسلوك الشباب، واستبدل ذلك باللهو واللعب، كالجلوس خلف شاشات التلفاز ساعات طويلة لمشاهدة المباريات الرياضية والمسلسلات الفارغة والأفلام الهابطة.
( د) سيطرة وسائل الإعلام الرخيص كالتلفاز والفيديو وما رافق ذلك من انتشار المحطات الفضائية وشبكات الاتصال العالمية، والتي لعبت دورًا مهمًا في زعزعة إيمان الشباب بعقيدته ودينه، وزرعت فيه روح الخنوع والكسل والتساهل، ويممت وجه شطر التغريب والتحديث.
سبل العلاج
وإذا كان واقع الشباب المسلم على الصورة التي سبق الحديث عنها، فما هو السبيل الذي ينبغي السير فيه للخروج من هذا الواقع المؤلم؟
لا شك أن تجاوز هذا الواقع لابد فيه من تضافر كافة الجهود الفردية والجماعية لإصلاح أوضاع الشباب المسلم للخروج به من الحال التي آل إليها، والأخذ بيده إلى جادة الرشد والصواب، ولعل مما يساعد على ذلك:
1- العمل على إيجاد القيادات الرشيدة والحكيمة، والعاملة وفق شرع الله ومنهج نبيه، كحمل أمانة الأمة وإخراجها من المآل التي أفضت إليه.
2- توفير فرص العمل للشباب، والقضاء على البطالة، وفتح أبواب الإبداع أمامهم ليستطيعوا خدمة أنفسهم وأمتهم.
3- سد أبواب الفتن وطرائق الفساد وسبل الانحراف، واستغلال أجهزة الدول وخاصة الإعلام في توجيه الشباب ثقافيا وعلميا واجتماعيا بما يليق بأمة تحمل هم إصلاح نفسها أولا ثم إصلاح العالم كله
4- العمل على غرس عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر، مع زرع خوف الله ومراقبته في نفوس الشباب، وتربيتهم على الرغبة فيما عند الله من الأجر والثواب. إضافة إلى تزويد شباب اليوم ورجال الغد بالقيم الإسلامية التي تحافظ على أصالة أمتهم وتراثها، مع الدعوة إلى الانفتاح على تجارب الآخرين والاستفادة من كل ما فيه خير وصلاح.
5- العمل على ربط شباب الأمة بعلمائها وأصحاب الشأن فيها، وتنمية حب العلم والعمل في نفوسهم، والحرص على إبراز شخصية الشاب المسلم بصورة المسلم الحقيقي، الراغب في إعمار الكون .
وأخيرًا فإن ما نسعى إليه هو أن نربي شبابًا تقيًا ورعًا عالما مجاهدًا، بصيرا بأمور دينه ودنياه يعتز بهويته وانتمائه إلى إسلامه، وتراث أُمته، ويقود أمته بالعلم والدين لتستعيد مكانتها التي كانت تتبوؤها والتي خلقت من أجلها وهي قيادة الدنيا والأخذ بيد الخلق إلى سبيل السعادة في الدنيا والآخرة
ــــــــــــــــــــ(41/486)
الطلبة المصريون... ومواجهة رعب الامتحانات
الأربعاء:21/06/2006
(الشبكة الإسلامية)
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> للشباب فقط >> قضايا شبابية
الامتحانات تملأ بيوت المصريين بالرعب
المنظر مثير فعلاً.. ثلاثة أرباع الرصيف المتاخم للمحطة مغطى بأشكال وألوان من كل أنواع الكتب والكراسات والملازم. «أفضل مئة سؤال في الأحياء للثانوية العامة»، «كراسة الأول لامتحانات الجبر للصف الثالث الإعدادي»، «التوقعات المرئية في علوم الإعدادية»، «دليل التفوق في جميع المواد للصف الأول الابتدائي». وفي وقت الظهيرة يتجمع الأطفال والمراهقون والشباب ممن يخضعون في الأيام القليلة المقبلة لكل أنواع الامتحانات، الشفوية والمكتوبة، والأهم من هذه وتلك، الاختبارات النفسية العنيفة التي يمرون بها في مثل هذا الوقت من كل عام.
المشهد في مجمله ليس جديداً أو مستهجناً. وعلى رغم غرابته، نما نوع غريب من الألفة بينه وبين ضحاياه من الطلاب وذويهم. إنها ألفة أشبه بالألفة التي تنشأ بين البشر والكوارث الطويلة المدى التي تحل بهم. ولكن هذا التعايش السلمي هو أقرب ما يكون إلى الحرب الباردة التي تنذر بانفجار الوضع في أي لحظة، وإن كان من الممكن أن يبقى الإنذار قائماً لسنوات طويلة قبل مرحلة الانفجار. فهناك من الضحايا من يشغل منصب «طالب» اعتاد الوقوع سنوياً ولمدة لا تقل عن 12 عاماً، أمام ما يعرف برعب الامتحانات، وهناك الضحايا من الآباء والأمهات الذين ينفقون ويسخرون حياتهم من أجل تعليم الأولاد فيتحولون في منظومة التعليم إلى كائنات مسلوبة الإرادة أمام سطوة الامتحانات لدرجة أن تقارير التنمية البشرية التي تصدرها الحكومة المصرية مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي باتت تدرج الدروس الخصوصية ضمن تحليلاتها الاقتصادية والتنموية.
محمد السيد (45 عاماً) أب لابن في الثانوية العامة وابنة في الصف الأول الثانوي، يتحدث عن الأوضاع الراهنة ويقول: «لولا أن الانتحار حرام لأقدمت عليه من دون أدنى تفكير. فأنا موظف في القطاع العام وشبح الخصخصة وتسريحي يطاردانني حتى في المنام، وإذا أضفنا إلى ذلك الضغوط النفسية والعصبية والمادية اللازمة لاقتطاع بند الدروس الخصوصية للولد والبنت من الموازنة المثقلة أصلاً بأحمال من الوزن الثقيل تبدو الحياة أشبه بعقاب قاس».
ويضيف السيد أن الحمل يزداد ثقلاً ووطأة في مثل هذه الأيام «الصعبة» من كل عام، يقول: «يتصرف المدرسون الخصوصيون تماماً مثل التاجر الجشع في موسم امتحانات آخر العام، فيغالون في أسعار الحصص، بل ويخضعون الطلاب لعملية غسيل مخ، إذ يقنعونهم بأن تكثيف الدروس الخصوصية في الأيام السابقة للامتحان هو طوق النجاة وضمان النجاح».
ويقترح السيد - وإن على سبيل التندر - أن يكون الدرس الخصوصي مصحوباً بشهادة ضمان نجاح الطالب.
إلا أن النجاح وحده ليس هدف غالبية الطلاب والطالبات، لا سيما وهم يرون جحافل من سبقوهم في النجاح «يجلسون» على المقاهي أو على النواصي في انتظار فرج قد لا يأتي. فجيش العاطلين عن العمل من حملة الشهادات الجامعية متخم ولا يحتمل المزيد.
ويقول تامر فتحي، طالب الثانوية العامة، إنه عرف من خلال الإنترنت أن 700 ألف خريج جامعي في مصر يتنافسون سنوياً على 200 ألف فرصة عمل، وهو ما أدى بتامر إلى «تكبير دماغه» من موضوع «عنق الزجاجة الذين يصدعون به رؤوسنا كل عام» ـ على حسب تعبيره.
يقول تامر من موقعه شبه الرسمي في أحد مقاهي ميدان التحرير في وسط القاهرة: «أنفق أبي دم قلبه على دروس أخي الأكبر حين كان في الثانوية العامة إلى أن تخرج قبل عامين في كلية الطب. وهو حالياً شبه عاطل، يجول على المستوصفات الخيرية في الأماكن الشعبية طوال الليل والنهار ومجموع دخله الشهري لا يكفي مواصلاته وبعض النفقات. وعلى رغم كل ذلك، فإن تامر لم يتخل عن «عادة» الدروس الخصوصية ويقول: «الدروس الخصوصية طقس من طقوس التعليم في مصر وهو طقس ضروري في عامي الثانوية العامة ولا علاقة له بالتفوق والتميز». ويضيف ساخراً: «أعتقد لو كان طه حسين ما زال حياً بيننا لغير مقولته الشهيرة في كون التعليم ودروسه الخصوصية كالماء والهواء».
وعلى النقيض تماماً من واقعية تامر المفرطة، تقبع منار الطالبة في الصف الثاني الثانوي في غرفتها في حال أشبه ما تكون بحال الناسك المتعبد. فقد فصلت منار نفسها عن البشر مستثنية بعض الوقت للإذاعة الذي تكسر به قيود الإقامة الجبرية التي فرضتها على نفسها من أجل إحراز القدر الأكبر من الدرجات لإضافتها إلى درجات العام المقبل علها تلتحق بكلية طب الأسنان.
قلق إلكتروني
وفي تفقد سريع لحال القلق الإلكتروني الذي ألم بالعوالم الافتراضية تحت وطأة الامتحانات، تبين أن الغالبية العظمى من المواقع الإلكترونية أعلنت الطوارئ هي الأخرى وكأن الجميع تضامن من أجل إعلان المجتمع الطلابي «مجتمعاً موبوءاً» بداء قلق الامتحانات الشديد العدوى. أيقونات ومواضيع ووصلات فرعية ورئيسية للتعامل مع الأزمة: «فن الاستذكار ومواجهة الامتحانات»، «دليل الآباء لتفوق الأبناء»، «في قفص الخوف: إرهاب الامتحانات»، «محطات الأمان في لجان الامتحان»، وآلاف غيرها من المواقع والمواضيع التي تساهم بقدر غير قليل في ترسيخ الحال المرضية وغير المبررة للرعب من الامتحان. حتى الصحف القومية والمعارضة اليومية دخلت اللعبة هي الأخرى، فأدلة تفوق المرحلة الثانوية والإعدادية والابتدائية التي توزع في داخل الجرائد تحقق نسب مبيعات عالية جداً، لا سيما إذا كانت تحمل عناوين دراماتيكية مثل «التوقعات المرئية في مادة الكيمياء» أو «دليل الأذكياء في مادة الأحياء» وغيرهما من العناوين المؤثرة التي تغازل أحلام ضحايا نظام التعليم الذي قدس الامتحان على حساب التعلم، واعتبر مكتب التنسيق خير مؤشر إلى احتياجات الوطن بصرف النظر عن أي اعتبارات علمية أو منطقية أو واقعية أو حتى إنسانية.
أمينة خيري: الحياة(15753)
ــــــــــــــــــــ(41/487)
الشباب.. والعناية بالقرآن الكريم
الاحد :30/04/2006
(الشبكة الإسلامية)
الشبكة الإسلامية >> المركز الإعلامي >> للشباب فقط
القرآن دستور الأمة وأساس نهضتها، به أخرجها الله من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى، وفي كل زمان هو المخرج لها من الفتن والهادي لها من الضلال والحافظ لها من موارد الشبهات والشهوات.
ومع كثرة الفتن وتتابعها في زماننا وانفتاح أبواب الشهوات ـ أمام الشباب خصوصاـ على مصارعها، كان لابد من توجيه كل شاب يريد الخلاص إلى أهم أسباب النجاة والعصمة ألا وهو كتاب الله الذي من تمسك به فلن يضل أبدا.
ونحن معاشر الشباب اليوم أحوج ما نكون لنتعلم كيف نتعامل مع القرآن الكريم وليس من سبيل إلى هذه المعرفة إلا بقراءة أحوال شباب الصحابة الذين عاشوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلموا منه.. فكيف تعامل هؤلاء الصحابه الشباب مع أعز وأكرم وأفضل كتاب؟
الحرص حتى التفوق
لقد كان الحرص الذي تمتع به شباب الصحابة - رضوان الله عليهم - على هذا الكتاب مدعاة لأن يفوقوا غيرهم حتى يأمر النبي صلى الله عليه وسلم باستقراء القرآن من أربعة، ثلاثة منهم من الشباب وهم: معاذ، وابن مسعود، وسالم - رضي الله عنهم - إذ يقول: "استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود فبدأ به، وسالم مولى أبي حذيفة، وأُبَيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل". قال: لا أدري بدأ بأبي أو بمعاذ" [رواه البخاري ومسلم].
ويشهد أنس رضي الله عنه مع معاذ لشاب آخر هو زيد بن ثابت رضي الله عنه، بأنه قد وعى القرآن وجمعه فيقول: "جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة؛ كلهم من الأنصار: أُبي، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد، وزيد بن ثابت" [رواه البخاري ومسلم].
أربعة من الشباب
وتعالوا أخواني الشباب لنتعرف على هؤلاء الأربعة وعما صنعه القرآن بهم وماذا بلغوا به:
فأما معاذ بن جبل: فقد اتفق أهل السير على أنه مات في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة للهجرة في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واختلفوا في عمره عند وفاته فقال البعض كان عمره 33 سنة، وقال آخرون 38 سنة، وعليه فيكون عمره عند هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إما خمس عشرة سنة وإما عشرين سنة... فماذا صنع القرآن بابن العشرين؟
لقد بلغ به القرآن مكانا فاق به كبار الصحابة وصغارهم في الفقه والعلم، ولك أن تتخيل ذلك الأثر حين تسمع النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقول عنه: "أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل " رواه أحمد، وأخبر عنه أنه يأتي يوم القيامة إماما للعلماء قد سبقهم جميعا برتوة، أي رمية سهم أو رمية حجر.
لقد قاده القرآن للخير كل الخير.. فعن ابن كعب بن مالك قال: كان معاذ بن جبل شابًّا جميلا سمحًا من خير شباب قومه لا يسأل شيئا إلا أعطاه.
وعن أبي مسلم الخولاني قال: أتيت مسجد دمشق فإذا حلقة فيها كهول من أصحاب محمد وإذا شاب فيهم أكحل العين براق الثنايا كلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى، قال: قلت لجليس لي من هذا؟ قالوا هذا معاذ بن جبل.
وعن ثور بن يزيد قال: كان معاذ بن جبل إذا تهجد من الليل قال: اللهم قد نامت العيون وغارت النجوم وأنت حي قيوم: اللهم طلبي للجنة بطيء، وهربي من النار ضعيف، اللهم اجعل لي عندك هدى ترده إلي يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد.
وفي الخاتمة كان الوسام الذي وشحه به النبي صلى الله عليه وسلم حين قال له: "والله إني لأحبك".
الفتى المعلم
وأما ابن مسعود فهو الغلام المعلم كما قال له النبي صلى الله عليه وسلم فاسمع إلي الغلام يقول: كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله تعالى عنه وقد فرا من المشركين فقالا: يا غلام هل عندك من لبن تسقينا؟ قلت: إني مؤتمن ولست ساقيكما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل؟ قلت: نعم فأتيتهما بها فاعتقلها النبي صلى الله عليه وسلم ومسح الضرع ودعا فحفل الضرع ثم أتاه أبو بكر رضي الله عنه بصخرة منقعرة فاحتلب فيها فشرب وشرب أبو بكر ثم شربت ثم قال للضرع: اقلص فقلص فأتيته بعد ذلك فقلت: علمني من هذا القول قال: إنك غلام معلم قال: فأخذت من فيه سبعين سورة لا ينازعني فيها أحد "[رواه أحمد وهو صحيح].
علاقته بالقرآن وطيدة ومنزلته به عند النبي صلى الله عليه وسلم رفيعة وهو الذي استقرأه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كما في الصحيحين أن النبي قال له: "اقرأ علي . قال : قلت : اقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : إني أشتهي أن أسمعه من غيري . قال : فقرأت النساء حتى إذا بلغت : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } . قال لي : كف ، أو أمسك . فرأيت عينيه تذرفان .
إنها شهادة تدل على حسن القراءة مع الإتقان مع جمال الصوت وخشوع القلب وإلا فلماذا اختاره هو دون غيره ليسمع منه، وهذه الشهادة أكدتها شهادة أخرى وزينها قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ القُرْآنَ رَطْباً كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ). وهو سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه.
وهو الذي قال عن نفسه : مَا نَزَلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إِلاَّ وَأَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ نَزَلَتْ، وَفِيْمَا نَزَلَتْ .
وأقر له بالفضل سادة الصحابة: فعن علقمة قال : جاء رجل إلى عمر، فقال : إني جئتك من عند رجل يملي المصاحف عن ظهر قلب . ففزع عمر ، فقال : ويحك انظر ما تقول . وغضب ، فقال : ما جئتك إلا بالحق . قال : من هو ؟ قال : عبد الله بن مسعود . فقال : ما أعلم أحدا أحق بذلك منه ، وسأحدثك عن عبد الله : إنا سمرنا ليلة في بيت أبي بكر في بعض ما يكون من حاجة النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم خرجنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيني وبين أبي بكر ، فلما انتهينا إلى المسجد إذا رجل يقرأ ، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم- يستمع إليه ، فقلت : يا رسول الله ، أعتمت ، فغمزني بيده : اسكت ، قال : فقرأ وركع وسجد ، وجلس يدعو ويستغفر ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : سل تعطه . ثم قال : من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل ، فليقرأ قراءة ابن أم عبد . فعلمت أنا وصاحبي أنه عبد الله .
لقد أورثه القرآن سمتا حسنا وهديا أشبه بهدي رسول الله فما كان أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم منه حتى قال عنه حذيفة: إن أشبه الناس هديا ودلا برسول الله (صلى الله عليه وسلم) من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع، والله، لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد أنه من أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة.
وعَنْ أَخِيْهِ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ إِذَا هَدَأَتِ العُيُوْنُ قَامَ، فَسَمِعْتُ لَهُ دَوِيّاً كَدَوِيِّ النَّحْلِ.
عَنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ، قَالَ: رَأَيْتُ بِعَيْنَيْ عَبْدِ الله بن مسعود لهِ أَثَرَيْنِ أَسْوَدَيْنِ مِنَ البُكَاءِ.
وأما هو فقد علمه القرآن التواضع وهضم االنفس حتى قال: لَوْ تَعْلَمُوْنَ ذُنُوْبِي، مَا وَطِئَ عَقِبِي اثْنَانِ، وَلَحَثَيْتُمُ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِي، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ اللهَ غَفَرَ لِي ذَنْباً مِنْ ذُنُوْبِي، وَأَنِّي دُعِيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ رَوْثَةَ. وكان يَقُوْلُ فِي دُعَائِهِ: خَائِفٌ مُسْتَجِيْرٌ، تَائِبٌ مُسْتَغْفِرٌ، رَاغِبٌ رَاهِبٌ.
زيد بن ثابت
ونلمس الحرص نفسه عند زيد بن ثابت رضي الله عنه، فيأتي قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مفاخرين يقولون: "هذا غلام من بني النجار معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "يا زيد، تعلم لي كتاب يهود؛ فإني والله ما آمن يهود على كتابي". قال زيد: فتعلمت كتابهم ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب"[رواه البخاري وأحمد].
ولك أن تعلم أن زيدا أسلم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وعمره أحد عشر عاما. ولم يشهد بدرا لصغر سنه وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد. وكان هذا الصغير يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصار أحد فقهاء المدينة السبعة, واشتهر بالفرائض, وكان ابن عباس على جلالة قدره يأتيه إلى بيته للأخذ عنه ويقول: العلم يؤتى ولا يأتي. استعمله عمر بن الخطاب على القضاء وكان يستخلفه في كل سفر.
وأما منقبته الكبرى التي فاقت نقل الجبال والتي تكفي لمعرفة قدر هذا الشاب الهمام أنه هو الذي أشرف على جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر ثم للمرة الثانية في عهد سيدنا عثمان رضي الله عنهم أجمعين، وإنما اختاروه لتولي هذا الشرف العظيم وتلك المسؤولية الجسيمة وثوقا بدينه وحفظه وإتقانه وحسن كتابته, مع من معه.
سالم مولى أبي حذيفة
كان عبدا رقيقا، رفع الإسلام من شأنه وبلّغه القرآن بين المسلمين شأوا رفيعا ومكانة عالية، أهّلته لها فضائل روحه وسلوكه وتقواه، فقد كان سالم ملتقى لكل فضائل الإسلام الرشيد فكانت تزدحم فيه وحوله .. وكان إيمانه العميق الصادق ينسقها أجمل تنسيق. حتى إن سيد الأمس أبو حذيفة بن عتبة سيد قريش يجد شرفا لنفسه أن يوالي من كان بالأمس عبدا بل ووجد شرفا لأسرته، أن يزوج سالما ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة..!!
و كانت الخاتمة السعيدة في حروب الردة، حيث كان سيفه صوّالا جوّالا في أعناق المرتدين، أخذ راية المهاجرين يوم اليمامة بعد أن سقط حاملها زيد بن الخطاب، فقال المسلمون نخشى أن نؤتى من قبلك! فقال سالم:" بئس حامل القرآن أنا .. لو هوجم المسلمون من قبلي! وحفر لنفسه في الأرض حفرة حتى لا يتزحزح وأمسك بالراية والسيف يقاتل في سبيل الله.. وهوى سيف من سيوف الردة على يمناه فبترها.. وكان يحمل بها راية المهاجرين ولما رأى يمناه تبتر، التقط الراية بيسراه وراح يلوّح بها الى أعلى وهو يصيح تاليا الآية الكريمة:{ وكأيّ من نبي قاتل معه ربيّون كثير، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين}
وأحاطت به غاشية من المرتدين فسقط البطل.. ولكن بعد أن كان قد نال الشهادة العظمى من أصدق شاهد على وجه الأرض حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك" [رواه أحمد].
شباب عظماء آخرون
ولم يتوقف الاهتمام بالقرآن عند هؤلاء وإنما كان الأمر فاشيا في كل شباب الصحابة.. فكان عمرو بن سلمة رضي الله عنه وهو من صغار الصحابة حريصًا على تلقي القرآن، فكان يتلقى الركبان ويسألهم ويستقرئهم حتى فاق قومه أجمع، وأهَّله ذلك لإمامتهم، ولنستمع لذلك من روايته رضي الله عنه، إذ يقول: "كنا على حاضر فكان الركبان يمرون بنا راجعين من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدنوا منهم فأسمع حتى حفظت قرآنًا، وكان الناس ينتظرون بإسلامهم فتح مكة، فلما فتحت جعل الرجل يأتيه فيقول: يارسول الله! إنا وافد بني فلان، وجئتك بإسلامهم، فانطلق أبي بإسلام قومه فرجع إليهم. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قدموا أكثركم قرآنًا" قال: فنظروا وإني لعلى حِواء عظيم(أي مكان فيه عدد كبير من الناس)، فما وجدوا فيهم أحدًا أكثر قرآنًا مني، فقدموني وأنا غلام"[رواه أحمد].
ولم يكن البراء بن عازب رضي الله عنه قد تخطى العاشرة إلا قليلا حين قال: "لم يقدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأت سورًا من المفصل"[طبقات ابن سعد].
وفي كتاب الإصابة: "كان مجمع بن جارية حدثًا قد جمع القرآن".
ولن أكلمك عن ابن عباس فأنت أعرف به مني لكن أذكرك أنه حين مات النبي صلى الله عليه وسلم كان قد ناهز العاشرة فقط.
فضل القرآن على أهله
إن هذا الذي ذكرناه ليمثل أعظم دافع لشبابنا بأن يغتنموا سني شبابهم في حفظ كتاب الله تبارك وتعالى والعناية به، كيف لا وقد رتب الشرع على ذلك الفضائل العظيمة. ومنها:
أن صاحبه مع السفرة الكرام البررة: كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران"[رواه البخاري].
تفضيل في الحياة وبعد الممات: فقد جعل الشرع حامل القرآن مقدمًا على الناس، فهو أحقهم بالإمامة في الصلاة؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة..."[رواه مسلم].
ولا يقف التقديم عند حد الحياة بل حتى بعد موته؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين رجلين من قتلى أحد، ثم يقول: "أيهم أكثر أخذًا للقرآن؟" فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد؛ فقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة..."[رواه البخاري].
رفع المنزلة في الجنة: فحامل القرآن الحافظ له العامل به تعلو درجته يوم القيامة حين يدخل الجنة كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها" [رواه الترمذي وأبو داود].
إن هذه النصوص وغيرها كانت تدفع شباب الرعيل الأول للعناية بالقرآن وتعلمه وتعاهده، فما أجدر شبابنا بالسير على نهجهم واقتفاء أثرهم.
الأمر لا يقف عند مجرد الحفظ:
ولم يكن الأمر لدى شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في تعلم القرآن واقفًا عند مجرد حفظه وإقامة حروفه، بل كانوا يتعلمون أحكامه وحدوده.فالحفظ وسيلة إلى ما بعده من المداومة على التلاوة والقراءة والتدبر والوقوف عند المعاني، ومن ثم أخذ النفس بها والالتزام بما دلت عليه. كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهنَّ حتى يعرف معانيهنَّ، والعمل بهنَّ"[أخرجه الطبري].
تعليم القرآن:
ويدرك الشباب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن حفظ القرآن وتعلمه يتطلب منهم أن يقوموا بواجب التعليم، كما أخبر صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"[رواه البخاري].
ولهذا بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحدهم وهو مجمع بن جارية رضي الله عنه لأهل الكوفة يعلمهم القرآن.
وفي النهاية أقول لإخواني الشباب: إذا كانت الأمة بأسرها مطالبة باتباع الرعيل الأول والسلف الصالح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلامة دينهم وعقيدتهم ومنهجهم ولشهادة الله لهم ورضاه عنهم، فإن شباب اليوم أحوج ما يكونون إلى الاقتداء بشباب الصحابة رضوان الله عليهم في كل أحوالهم عامة وفي تعاملهم مع القرآن خاصة ففي ذلك السلامة من الفتن والانتصار على الشهوة وعلو الهمة ورفعة الدرجة في الحياة وبعد الوفاة
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالرجال فلا
ــــــــــــــــــــ(41/488)
صمت المراهقين.. من المسؤول؟ وما العلاج؟!!
الصغير يكبر، والذي كنا بالأمس نحاول إسكاته، أصبحنا اليوم نفكر في سحب الكلمات من فيه، وصرنا نطرح على أنفسنا أسئلة عدة: لماذا لا يطلعنا على عالمه؟ وما هي الشعرة التي تفصلنا عنه؟
يقول البعض: إن علينا أن نظهر لهم الحب والحنان، لنحاول كسب ثقتهم، ويرى البعض بأن علينا أن نراقبهم عن قرب، وهناك أطروحات كثيرة، لكن أيها الحل الأمثل؟
تبدأ هذه الرحلة من كتمان الأسرار تحديدًا في سن المراهقة، وهو المقطع الذي يشكل أخطر مفترق طرق يمر به الشاب والفتاة. ونحن هنا نحاول وضع أيدينا على هذه القضية الشائكة وهي: لمن يبوح الأبناء بأسرارهم؟ ولماذا لا يبوحون بأسرارهم لأهليهم؟
خصائص المرحلة
يقول علماء الاجتماع إن الفجوة الموجودة بين الآباء والأبناء تبدأ بالاتساع بشكل كبير في سن المراهقة، ومن خصائص هذا العمر من الناحية النفسية أنه عمر غير مرتاح، قلق، متقلب. فالشاب الصغير لم يعد طفلاً، كما لم يصل بعد إلى مرحلة النضوج، أول ما يرفضه المراهق هو أن يقرر الآخرون بدلاً عنه، وهذا الشعور بـ (الأنا المجروحة) يسبب عنده الرفض والثورة والبعد، وعلى القائد في هذه المرحلة أن يتحلى باللين، كي لا يكسر شوكة المراهق، والقوة كي لا يخسره.
هذا العمر هو عمر العقل المفكر، عمر البحث عن البراهين، وبالتالي فالعمل والبحث الشخصي هو ما يعتقدون أنه يوصلهم، فالحقيقية ليست ما يقوله القائد، وإنما ما يكتشفه المراهق بنفسه، ومع ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار أن تفكير المراهق ليس متينًا، لذا يجب السماح له بالتفكير على قدر ما يستطيع ومرافقته في اكتشاف عالم الفكر اللامتناهي.. فهي تربية التفكير الذاتي ومناسبة الإنماء؛ فالخط التربوي في هذا العمر يتم من خلال تحليل الواقع، وصقله في تعابير واضحة وعملية.
على من تقع المسؤولية
وأما مسؤولية إخفاء المراهقين أسرارهم وعدم البوح بها إلى الأهل، فيرى الدكتور "ماهر أبو زنط" أن الجانب الأكبر منها يقع على الأبوين، ويجب على الوالدين السعي إلى التقرب من المراهق دون أن يمس هذا باحترامهما له، كما أن عليهما أن يظفرا بصداقته واكتساب ثقته حتى يتعود الابن على البوح والصراحة مع أبويه، وبهذا يظل الوالدان على دراية بما يواجهه المراهق فيواجهانه بالنصح والإرشاد ليكتمل واجب الآباء تجاه الأبناء.
أما المراهقون أنفسهم فلهم رأي آخر.. فيقول م.يوسف (16 عامًا): ربما الخوف من العقاب هو السبب، فمنذ صغري وأنا أسمع كلمات الزجر والنهي، فهذا عيب، وهذا حرام، وهذا ممنوع، وذاك لا يجوز...، فتأصل الخوف لدي منذ الطفولة، بأن ما أتحدث به قد يحرجني أما الأهل، فأضطر إلى أن أفتح باب قلبي إلى صديقي، وأخفي عن أبي وأمي ما أشعر به.
وعندما سئل أحد المراهقين (17 عامًا): لماذا لا يبوح الأبناء بأسرارهم؟ أجاب وقد علته مشاعر الغضب: أين هم الآباء أصلاً؟ همّهم توفير الشراب والطعام والملابس، والاحتياجات الأساسية لحياتنا، أما حاجاتنا النفسية فهي آخر ما يفكرون به.
ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للفتيات المراهقات عن الشباب في اتهام الأهل بالتقصير وعدم الاهتمام.. فتقول نجلاء (16 عامًا): إن أهلي لم يقوموا - ولو لمرة واحدة - بفتح باب الحوار معي، وأشعر أحيانا بأنهم يحاولون التهرب من الاستماع إليَّ.. وحاولت مرات كثيرة أن أفاتح أمي، لكنها كانت تتهرب مني. أما الشخص الذي تبوح نجلاء بأسرارها له فهو دفتر مذكراتها. فقالت: أسجل كل ما يخص حياتي في مذكرات يومية، وهو بالنسبة إليها البئر الذي تلقي فيه بكل أسرارها.
المراهقون في قفص الاتهام
وبعد أخذ آراء المراهقين كان لابد للاستماع لآراء الآباء ومعرفة وجهة نظرهم في تلك القضية.. يقول أحد الآباء (43 عامًا): أبناء اليوم جيل متفتح، متمرّد على الواقع بكل أشكاله، يهرب عندما يجد نفسه مضطرًا إلى الاعتراف بخطيئته؛ لذا ينأى بأسراره بعيدًا عن أهله، هذا ما قاله الأب.. أما زوجته الأم (35 عامًا)، فعلّقت على الموضوع قائلة:
أنا أم لولدين أحاورهما، وأحاول أن أزيد مساحة التفاهم بيننا، إلا أنني كلما اقتربت منهما، ابتعدا عني، وأشعر أحيانًا بأنهما يعيشان في عالم آخر غير العالم الذي أعيش فيه، وأراقبهما عن قرب لأعرف تفاصيل عالمهما الذي أشعر بأنه مليء بالأسرار التي لا يستطيعان البوح بها لي، ولا أعرف السبب، وأنا حائرة معهما.
أما أ.جابر (54 عامًا) فيشكو من تصرفات أبنائه الذين لا يسمحون له بالاقتراب من خصوصياتهم، ويقول: عندما أسمع أبنائي يتحدثون في موضوع ما، وأحاول مشاركتهم فيه، فإنهم إما أن يغيروه، أو يتوقفوا عن الحديث، وكأنني غريب عنهم، ولست والدهم.
وعن السبب تحدث جابر - وقد بدت عليه علامات الغضب -: مشكلة أبناء اليوم بأنهم يظنون أنفسهم أنهم أكثر وعيًا من أن يناقشهم الكبار.
علم النفس .. والتنشئة
وأما أساتذة علم النفس فقد أكدوا على لسان الدكتور عبد الله عسَّاف - رئيس قسم علم النفس في جامعة النجاح - أن سبب الفجوة هو الجو الذي أصبح يعيشه الأبناء والآباء، وهو عصر السرعة، والانفتاح. وأضاف: إن الأبناء لا يثقون برأي الآباء ويرون الآباء ليسوا على قدر من الوعي والمسؤولية في تحمّل الأسرار، وكذلك هناك من الأبناء من يخشى فضح أسراره خوفًا من العقاب، ولعل من الأسباب أيضًا: عدم عيش المراهق منذ الصغر في جو من المحبة والحنان مما يجعله يبحث عن بديل في الخارج، وهذا يشكل خطرًا كبيرًا على مستقبله، خاصة إذا سلك طريقًا غير صحيح، وكان بعيدًا عن الرقابة.
وأضاف د.عساف: إن الطفل عندما يبلغ سن المراهقة تطرأ عليه تغيرات فجائية في بداية النضوج، لقد جرت العادة في مجتمعاتنا العربية على تجنب الآباء الحديث إلى الأبناء عما يصيبهم في هذه السن من تغيرات؛ لذلك يجد المراهق نفسه حائرًا وقلقًا؛ إذ يلاحظ التغيرات النفسية والجسدية التي تصيبه، وهو لا يدري ما سر هذه التغيرات، فيحاول أن يستمد المعلومات فيما بينهم.
ويرى أساتذة علم النفس أن التغيرات الجسدية والنفسية التي تظهر على الطفل، وهو في سن المراهقة تجعله يشعر بالفرح أو الحزن، فالفرح ناتج عن شعوره بأنه مقبل على مرحلة الرجولة، أما الخوف فهو ناتج عن شعوره بالأعراض الطبيعية التي تصيبه، فهو يجهل أنها طبيعية أم لا، وهذا الجهل يجعله يخشى الكشف لوالديه عما يصيبه؛ ظنًّا منه أن سؤاله خارج عن نطاق الاحترام والأدب، ولكي يتدارك الأهل مثل هذه الأمور يجب أن يبدؤوا بشرح الأمور إلى المراهق بطريقة مبسطة، لكي لا يحصل على معلومات من الخارج ربما تكون خاطئة.
رأي التربية
وكان لمتخصصي التربية أيضا مشاركة في المشكلة حيث يقول الدكتور فواز عقل: إن مشكلة تربية المراهقين من المشاكل التي تؤرق الكثيرين من المتهمين بأمور التربية؛ إذ إن الأولاد يبقون حتى سن معينة، تحت قبضة الوالدين، لكنهما كثيرًا ما يسيئان استثمار هذه السيطرة، ليندما بعد خروج الولد عن دائرة قبضتهما.
وقال د.فواز: إن الأسباب وراء اتساع الفجوة بين الأبناء والأهل أسبابها كثيرة، فمنها مثلاً المشاكل النفسية التي يدخل بها الطفل، عندما يشاهد مثلاً خوفًا أو نزاعًا بين والديه، أو انشغالهما عنه بشؤونهما الخاصة، مثل هذه الأمور قادرة على صنع جدار سميك بين الأبناء المراهقين وأهلهم، وأيضًا هناك عناصر مؤثرة في تربية المراهق وسلوكه.. فمنها ما هو ذاتي، كالصفات الوراثية، والبنية النفسية والعقلية، ومنها ما هو محيطي، كسلوك الآباء والأقارب المنحرفين، والأصدقاء، والجو المدرسي، وأخيرًا وسائل الإعلام المختلفة.
ما العمل؟!
وبعد أن عرضنا وجهات نظر جميع الأطراف في هذه القضية الخطيرة كان لابد من السؤال الأهم وهو ما الحل وما العلاج؟
يقول الدكتور عبد الله عساف: إن التعامل مع فئة المراهقين في غاية الخطورة سواء كانوا بنين أو بنات، ولابد أن يكون هناك حذر في التعامل معهم، حتى لا تكون هناك ثغرات يستغلها المراهقون في سلوكياتهم الحياتية، ولابد من تقليص الفجوة بين الأبناء والأهل عن من خلال الاهتمام بالبعد النفسي للمراهق أو الشاب. والاهتمام بالبعد العاطفي كالحساسية والاضطرابات والقلق والصداقة والخصومة، وما شاكل ذلك من الحالات التي تعتري حياة المراهق والشاب.
بينما يرى دكتور التربية فواز عقل أن تقليص الفجوة يتم من خلال التوصيات العملية لتربية المراهقين تربية حوارية هادفة. ويوصي الآباء بضرورة إنشاء صداقة مع الولد، والابتعاد عما هو سائد في مجتمعات الشرق من أسلوب (العصا والخيزران)!.
إن من شأن هذه الصداقة أن تجعل الولد يشكو همومه إلى والديه - وهما الأعرف بما يصلحه - بدلاً من الالتجاء إلى الغرباء..كذلك من التوصيات، إظهار حبهم ومشاعرهم ورضاهم للأبناء، والابتعاد عن الاتهام وسوء الظن؛ إذ يلاحظ أن الولد عندما يرى نفسه متهمًا في المنزل، فإنه سيفقد الثقة بنفسه، ومن هنا ينبغي على الأب الذي يرى من ولده بادرة حسنة أن يستثمر الفرصة ويشجعه ويمتدحه معبرًا عن ذلك بفرحة، وإلى أن يقوم كل بدوره تبقى الفجوة والجدار آخذين بالاتساع.. فهل نستطيع إيقافهما وتلاشي خطرهما المحدق بنا؟
ــــــــــــــــــــ
الإسلام اليوم(12) بشار دراغمة
ــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــ(41/489)
المراهقات .. وتجاهل الأمهات
حين طُلب من مراهقات وضع لائحة عن الأشخاص الذين يفضلن الحديث معهم، كانت المفاجأة أن الأم جاءت أخيراً. وأشارت هذه النتيجة «غير المتوقعة» لدراسة قام بها خبراء اجتماعيون إلى اختلال العلاقة بين الأم والابنة.
وبرّر العديد من المراهقات ذلك في كون «الأمهات لا ينصتن»، ما يجعل الأصدقاء ـ وحتى العالم الافتراضي الذي تنسجه خيوط الشبكة العنكبوتيةـ «الملاذ الأفضل» لتفريغ الشحنات والتعبير عما يراودهن.
ورأى أستاذ علم الاجتماع حسين العثمان الذي اشرف على الدراسة أنّ عدم إنصات الأمهات لبناتهن المراهقات يفسّر خشيتهن من أن يعرفن أشياء لا يرغبن بمعرفتها كتورط بناتهن في علاقات عاطفية، أو أن يضطررن للإجابة عن أسئلة ما زالت تعدّ من المحرمات بخاصّة الجنس.
ويضيف العثمان بأنّ هذا الأمر أشبه بـ «دفن الرأس في الرمال». فهو لا يفيد بل يزيد المشكلات تعقيداً مشيراً إلى أنّ «الحوار الإيجابي مع المراهقات يحميهن من الانزلاق في أتون الانحراف، لا سيما أنّ شلة الرفاق التي ستصبح مرجعيتهن غير مؤهلة أصلا للقيام بتلك المهمة التي تحتاج إلى خبرة وحكمة».
أمهات مشغولات
تقول إحدى المراهقات: «لا أتذكر أنني اشتركت مع أمي في حوار من أي نوع، كل ما تفعله من أجلي هو ترك المصروف بجانب المزهرية الخضراء». «هي لا تعلم أني أحتاج للتكلّم معها».. وتضيف أنها اختارت صديقتها شذى بديلاً متاحاً للاستشارة والاستماع. وأنهما تتحدثان معاً عن كل شيء: الموضة، الشبان، الدراسة، برامج التلفزيون، آخر الألبومات الغنائية، وعندما تصطدمان بما لا تعرفانه تلجآن الى الإنترنت الذي يجيب من دون «حرج أو تهرب».
أمّا مها وأعضاء شلتها فأجمعن أن «ماما دائماً مشغولة» على رغم أنهن اختلفن في تفسير أسباب الانشغال. تقول مها: «ماما أستاذة جامعية يستهلك عملها كل وقتها وأعصابها وبالتالي، فالمنزل بالنسبة إليها هو للراحة فقط».
أما سارة فتقول «ماما بتهلك بشغل البيت والتنظيف ورعاية إخوتي الخمسة ووالدي»، وهكذا فوالدتا مها وسارة مشغولتان بالعمل إما خارج المنزل أو داخله.
غير أن اللافت كان تفسير "ن.أ" لانشغال والدتها عن الاستماع إليها، إذ قالت «ماما مهووسة بقوامها، هي على أبواب الأربعين وهو أمر يثير قلقها». وتضيف: «تتردد أمي باستمرار على مراكز اللياقة البدنية والتجميل والأسواق لتبدو أصغر. أما أنا ففي آخر سلم اهتماماتها». وأجمعت فتيات الشلة أيضاً على «حبّ أمهاتهن» على رغم الاهمال المعنوي الذي يعانين منه.
الحوار ضرورة
ويلعب الحوار بين الأم وابنتها المراهقة دوراً أساسياً وفق تقريرات اختصاصيي علم النفس. فهو يقلّص فارق العمر بين جيلي الأمهات والبنات ويساعد البنات في تعزيز ثقتهن بأنفسهن ويحقق لهن الاستقلالية. كما أنّه يبقي الأمهات قريبات من بناتهن ومطلعات على مشكلاتهن وهمومهن، ما يمكّنهن من «التدخل السريع عند الحاجة».
ويعتقد الدكتور وليد شرف ـ أخصائي علم النفس ـ أنّ المراهقات يخسرن كثيراً بابتعادهن عن أمهاتهن. إذ أن القرب من الأم «يقدم الدعم النفسي للنمو، ويخفف من مشاعر الكبت والقلق والخوف».
ويحدد الدكتور شرف جملة مفاهيم خاطئة تعوق الحوار بين الأم وابنتها من أبرزها التعليقات الجارحة أو الاستهزاء بكلام المراهِقة، وكثرة مقاطعتها وعدم الاكتراث بها، وإصدار الأحكام المسبقة قبل الانتهاء من الحوار، والاتهام المباشر واللوم والتهكّم واستخدام الألفاظ النابية أثناء الحديث.
ويشدد شرف على أن «معطيات العصر المغرقة بالرقمية أثرت في العلاقة بين الأم وابنتها المشغولة بالكومبيوتر والهواتف» منبهاً الأمهات الى ضرورة أن تشعر الفتاة باستمرار بأن أسرتها هي ملاذها لمواجهة المشكلات التي تعترضها.
ــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــ
الحياة: ليلى خليفة
ــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــ(41/491)
عزيمة الشباب.. حينما تتحدى الشلل
لم يتوقف عند الإعاقة في ذراعيه، بل تحدى نفسه وأثبت ان لا يأس في الحياة، بعد أن اقتحم أدق التخصصات وأكثرها حساسية، وهو إصلاح الساعات ليصبح أشهر وأول ساعاتي معوّق في مصر والعالم. إنه الشاب رجب عبد المقصود الذي لم يتجاوز عمره الثلاثين عاماً، وجعل من الظروف الصحية والاجتماعية الصعبة التي واجهها حافزاً للإبداع وإثبات الذات. ولم يتوقف مشوار التحدي عند رجب هنا، بل اقتحم أخيراً عالم الكومبيوتر وباتت الإنترنت صديقته الدائمة.
إصابة مبكرة
يبدأ رجب حديثه مبتسماً، خصوصاً أنه اعتاد اللقاءات الصحافية في الآونة الأخيرة يقول: «بدأت معاناتي عقب ولادتي مباشرة، إذ أصبت بما يعرف بتملخ الذراعين اي ما يشبه إصابتها بالشلل. وبعد أيام من ولادتي اكتشف والدي عدم قدرتي على تحريك ذراعي فذهب بي إلى الأطباء وأجريت لي جلسات كهربائية مكثفة. لكننا لم نصل إلى أي تقدم ملموس، بل على العكس، جاءت النتيجة معاكسة، ولم يحدث تقدم يذكر إذ تعرضت أجزاء كبيرة من صدري وظهري إلى التشويه، وبرزت بقع تشبه الحروق على جسدي ولم يجد الأطباء أمامهم سوى وصف بعض المراهم لعلاج هذه التشوهات.
وتابع رجب حديثه: «وبدأ اليأس يتسلل إلى قلبي ولم يكن أمامي سوى التوقف عن طرق أبواب أخرى للعلاج، خصوصاً أنني ذقت الأمرين جراء آلام العلاج. ساءت حالتي النفسية ولم يعد باستطاعتي حتى الذهاب إلى المدرسة والاختلاط مع الآخرين... لم أتعلم سوى القراءة والكتابة وحفظ بعض سور القرآن الكريم.
رجل محل اليد
بعد أن بلغت الثانية عشرة من عمري بدأت أتأقلم مع ظروفي الصحية واعتمدت على رجلي اليمنى في تناول حاجاتي مثل ارتداء الملابس وتشغيل جهاز التلفزيون ورفع سماعة الهاتف وغلق الباب وفتحه وتناول الطعام وكي الملابس وإخراج النقود من جيبي وغيرها من الأعمال التي أريد القيام بها.. وهكذا حلّت رجلي محلّ يدي، وباتت تقوم بالمهمات التي يعتمد فيها الشخص العادي على يده. حينما بلغت السادسة عشرة من عمري، قررت ألا أكون عالة على والدي أو أي أحد من أفراد أسرتي، فاتجهت إلى تعلم كي الملابس باستخدام مكواة رجل وخصصت مساحة في المنزل الذي أقيم فيه لتكون محلاً استقبل فيه الزبائن... لكن بعد مرور أقل من عام، وبعد أن أنهكني التعب الشديد، لم أعد قادراً على الاستمرار. واصلت مشوار التحدي مع نفسي واخترت العمل في مهنة تصليح الساعات والمنبهات باستخدام رجلي التي اعتمدت عليها اعتماداً أساسياً في فك وقفل الساعات لمعرفة سبب العطل فيها.. وأخيراً، قررت أن أفتح متجراً خاصاً بي في المنزل. كنت أتساءل دوماً عن سر إقبال الكثيرين على مركزي الصغير، وكنت أحزن حينما أنظر إلى الشفقة في أعينهم... لكنني مع الوقت أدركت أن الشفقة لا تطعم خبزاً، بمعنى أنهم يعملون على تصليح ساعاتهم عند الشخص الماهر... استطعت أن أكسب ثقة الناس بعد أن أثبت جدارتي ومهارتي في هذا المجال».
وعن سبب اتجاهه إلى هذا المجال الدقيق، قال: «منذ صغري وأنا مغرم بعالم الساعات وكان حلم حياتي أن أرتدي ساعة في يدي. كنت أتابع في ترقب عقارب الساعة وهي تتحرك بانتظام شديد إلى أن أتقنت مهنة تصليح الساعات وأصبح لي زبائن كثيرون في زمن قياسي... أحرص دائماً على أن أكون دقيقاً في تصليح الساعات خصوصاً الغالية الثمن لأن أي خطأ في طريقة إصلاحها قد يوقف عمل الساعة.
اجتهاد وأمنيات
ويضيف: «استطعت أخيراً تعلم الكومبيوتر بعد أن حصلت على دورة تدريبية مكثفة والحمد لله استطعت أن أحرز تقدماً كبيراً في التعامل مع هذه التقنية الحديثة باستخدام أصابع قدمي في الكتابة والدخول إلى مختلف مواقع الإنترنت».
وعن أمنياته، يقول رجب، وهو يرسم ابتسامة صغيرة على وجهه: «أحلم بأن استكمل مشوار تعليمي الجامعي بعد أن نلت شهادة محو الأمية التي تجيز لي أن انتقل إلى المرحلة الإعدادية مباشرة إلا أن ذلك لم يتحقق إلى الآن بسبب رفض أي مدرسة قبولي بسبب إعاقتي. لذا أطلب من وزير التعليم ضرورة النظر بعين الاعتبار إلى مشكلتي.
يبقى أن نقول إن قهر المرض وتحدي المعوقات ليس حكرا على شخص بعينه، وإنما كل من ملك العزيمة القوية والهمة العالية والرغبة في تحقيق الهدف فسوف يصل لا محالة، لكن عليك فقط ألا تستسلم لليأس واستعن بالله ولا تعجز
ــــــــــــــــــــ(41/493)
الرجولة بين المظهر والمضمون
الرجولة وصف اتفق العقلاء على مدحه والثناء عليه، ويكفيك إن كنت مادحا أن تصف إنسانا بالرجولة، أوأن تنفيها عنه لتبلغ الغاية في الذمّ. ومع أنك ترى العجب من أخلاق الناس وطباعهم، وترى مالا يخطر لك على بال، لكنك لاترى أبدا من يرضى بأن تنفى عنه الرجولة. ورغم اتفاق جميع الخلق على مكانة الرجولة إلا أن المسافة بين واقع الناس وبين الرجولة ليست مسافة قريبة، فالبون بين الواقع والدعوى شاسع، وواقع الناس يكذب ادعاءهم.
وفي عصر الحضارة والمدنية المعاصرة، عصر غزو الفضاء وحرب النجوم، عصر التقنية والاتصال، ارتقى الناس في عالم المادة، لكنهم انحطوا في عالم الأخلاق والقيم، صعدوا إلى الفضاء وأقدامهم في الوحل والحضيض، تطلعوا إلى الإنجاز المادي وهممهم حول شهواتهم وأهوائهم (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا).
وورث المسلمون من هؤلاء العفن والفساد، ورثوا منهم مساويء الأخلاق، وساروا وراءهم في لهاث وسعار، فلا للمدنية والحضارة أدركوا، ولا لأخلاقهم ورجولتهم أبقوا؛ فاندثرت الأخلاق والشيم مع عالم المادة، وصرنا بحاجة إلى تذكير الرجال بسمات الرجولة، وأن نطالب الشباب أن يكونوا رجالا لا صغارا ولا مجرد ذكور فكم بين وصف الذكورة والرجولة من فوارق.
معنى الرجولة
الرجل: قد يطلق ويراد به الذكر: وهو ذلك النوع المقابل للأنثى، وعند إطلاق هذا الوصف لا يراد به المدح وإنما يراد به بيان النوع كما قال تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر)، (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة).
وقد تطلق الرجولة ويراد بها وصف زائد يستحق صاحبه المدح وهو ما نريده نحن هنا.. فالرجولة بهذا المفهوم تعني القوة والمروءة والكمال، وكلما كملت صفات المرء استحق هذا الوصف أعني أن يكون رجلا، وقد وصف الله بذلك الوصف أشرف الخلق فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى). فهي صفه لهؤلاء الكبار الكرام الذين تحملوا أعباء الرسالة وقادوا الأمم إلى ربها، وهي صفة أهل الوفاء مع الله الذين باعوا نفوسهم لربهم (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا). وصفة أهل المساجد الذين لم تشغلهم العوارض عن الذكر والآخرة (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ). إنهم الأبرار الأطهار (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ).
والذي يتتبع معنى الرجولة في القرآن الكريم والسنة النبوية يعلم أن أعظم من تتحقق فيهم سمات الرجولة الحقة هم الذين يستضيؤون بنور الإيمان ويحققون عبادة الرحمن ويلتزمون التقوى في صغير حياتهم وكبيرها كما قال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وعندما سئل عليه الصلاة والسلام: [من أكرم الناس؟ قال:"أتقاهم لله] (متفق عليه).
الرجولة بين المظهر والمضمون
الرجولة وصف يمس الروح والنفس والخلق أكثر مما يمس البدن والظاهر، فرب إنسان أوتي بسطة في الجسم وصحة في البدن يطيش عقله فيغدو كالهباء، ورب عبد معوق الجسد قعيد البدن وهو مع ذلك يعيش بهمة الرجال. فالرجولة مضمون قبل أن تكون مظهرًا، فابحث عن الجوهر ودع عنك المظهر؛ فإن أكثر الناس تأسرهم المظاهر ويسحرهم بريقها، فمن يُجلّونه ويقدرونه ليس بالضرورة أهلا للإجلال والتوقير، ومن يحتقرونه ويزدرونه قد يكون من أولياء الله وعباده الصالحين، وقد ثبت عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنه قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما تقولون في هذا؟) قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يسمع. قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: (ما تقولون في هذا؟) قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا خير من ملء الأرض مثل هذا(. رواه البخاري، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" (رواه مسلم).
مفاهيم خاطئة:
كثيرون هؤلاء الذين يحبون أن يمتدحوا بوصف الرجولة ولكن لايسعفهم رصيدهم منها فيلجؤون إلى أساليب ترقع لهم هذا النقص وتسد لهم هذا الخلل، ومن هذه الأساليب:
1ـ محاولات إثبات الذات: التي غالبا ما يلجأ إليها الشباب المراهق، فيصر على رأيه ويتمسك به بشدة حتى تغدو مخالفة الآخرين مطلبا بحد ذاته ظنا منه أن هذه هي الرجولة.
2 - التصلب في غير موطنه:والتمسك بالرأي وإن كان خاطئا، والتشبث بالمواقف والإصرار عليها وإن كانت على الباطل ظنا أن الرجولة ألا يعود الرجل في كلامه وألا يتخلى عن مواقفه وألا يتراجع عن قرار اتخذه وإن ظهر خطؤه أو عدم صحته.
3 - القسوة على الأهل: اعتقادا أن الرفق ليس من صفات الرجولة وأن الرجل ينبغي أن يكون صليب العود شديدًا لا يراجع في قول ولا يناقش في قرار، فتجد قسوة الزوج على زوجته والوالد على أولاده والرجل على كل من حوله.. مع أن أكمل الناس رجولة كان أحلم الناس وأرفق الناس بالناس مع هيبة وجلال لم يبلغه غيره صلى الله عليه وسلم.
ويوجد سوى ما ذكرنا أمور يحاول البعض إثبات رجولته بها رغم أنها لا تعلق لها بهذا الوصف إلا في ذهن صاحبها.. فمن ذلك: ظاهرة التدخين لدى الناشئة والصغار، أو مشي بعض الشباب مع الفتيات أو معاكستهن ومغازلتهن، أو التغيب عن البيوت لأوقات طويلة، أو إظهار القوة والرجولة من خلال المشاجرات والعراك مع الآخرين .. غير أن كل هذه التصرفات لا تدل في واقع الأمر على اتصاف صاحبها بهذا الوصف الكبير الدلالة.. والحق أن الشاب أو الإنسان الذي يملك مقومات الرجولة ليس بحاجة إلى تصنعها أو إقناع الآخرين بها، فمالم تنطق حاله بذلك، ومالم تشهد أفعاله برجولته فالتصنع لن يقوده إلا إلى المزيد من الفشل والإحباط.
مقومات الرجولة
إن الرجولة نعت كريم لا يستحفه الإنسان حتى يستكمل مقوماته وتصف بمواصفاته، ومن هذه المقومات:
الإرادة وضبط النفس
وهو أول ميدان تتجلى فيه الرجولة أن ينتصر الإنسان على نفسه الأمارة بالسوء، فالرجل الحق هو الذي تدعوه نفسه للمعصية فيأبى، وتتحرك فيه الشهوة فيكبح جماحها، وتبدو أمامه الفتنة فلا يستجيب لها. فيقود نفسه ولا تقوده، ويملكها ولا تملكه وهذا أول ميادين الانتصار.. وأولى الناس بالثناء شاب نشأ في طاعة الله حيث تدعو الصبوة أترابه وأقرانه إلى مقارفة السوء والبحث عن الرذيلة، ورجل تهيأت له أبواب المعصية التي يتسابق الناس إلى فتحها أو كسرها؛ فتدعوه امرأة ذات منصب وجمال فيقول إني أخاف الله.
وإذا كان كل الناس يحسن الغضب والانتقام للنفس عند القدرة إلا أن الذي لايجيده إلا الرجال هو الحلم حين تطيش عقول السفهاء، والعفو حين ينتقم الأشداء، والإحسان عند القدرة وتمكن الاستيفاء؛ فاستحقوا المدح من الله {والْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} والثناء من رسوله كما في الحديث المتفق عليه:" لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ".
علو الهمة
وهي علامة الفحولة والرجولة وهي أن يستصغر المرء ما دون النهاية من معالي الأمور، ويعمل على الوصول إلى الكمال الممكن في العلم والعمل، وقد قالوا قديما: "الهمة نصف المروءة"، وقالوا: "إن الهمة مقدمة الأشياء فمن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ما وراء ذلك من الأعمال".
أما غير الرجال فهممهم سافلة لا تنهض بهم إلى مفخرة، ومن سفلت همته بقي في حضيض طبعه محبوسا، وبقي قلبه عن الكمال مصدودًا منكوسا، اللهو عندهم أمنية وحياة يعيشون من أجلها، وينفقون الأموال في سبيلها، ويفنون أعمارهم ويبلون شبابهم في الانشغال بها. ليس يعنيهم كم ضاع من العمر والوقت مادام في اللهو والعبث، قد ودعوا حياة الجد وطلقوها طلاقا باتا، بل سخروا من الجادين واستعذبوا ماهم فيه من بطالة وعبث. تعلقت هممهم بأشكال وأحوال الفنانين الذين يعشقونهم، وقلوبهم بألوان الفرق التي يشجعونها، همة أحدهم بطنه ودينه هواه.
إنها صورة مخزية من صور دنو الهمة، وأشد منها خزيا أن تعنى الأمم باللهو وتنفق عليه الملايين، وأن تشغل أبناءها به.
إن رسالة الأمة أسمى من العبث واللهو؛ فهي حاملة الهداية والخير للبشرية أجمع، فكيف يكون اللهو واللعب هو ميدان افتخارها، وهي تنحر وتذبح، وتهان كرامتها وتمرغ بالتراب.
النخوة والعزة والإباء
فالرجال هم أهل الشجاعة والنخوة والإباء، وهم الذين تتسامى نفوسهم عن الذل والهوان. والراضي بالدون دني.
وقد كان للعرب الأوائل اعتناء بالشجاعة والنخوة، وكانت من مفاخرهم وأمجادهم. جاء في بلوغ الأرب: "والعرب لم تزل رماحهم متشابكة وأعمارهم في الحروب متهالكة، وسيوفهم متقارعة، قد رغبوا عن الحياة، وطيب اللذات... وكانوا يتمادحون بالموت، ويتهاجون به على الفراش ويقولون فيه: مات فلان حتف أنفه" حتى قد قال قائلهم:
إني لمن معشر أفنى أوائلهم .. ... .. قول الكماة : ألا أين المحامونا
لو كان في الألف منا واحد فدعوا.. .. من فارس؟ خالهم إياه يعنونا
ولا تراهم وإن جلت مصيبتهم .. ... .. مع البكاة على من مات ييكونا
فجاء الإسلام فربى أبناءه على الشجاعة والعزة والحمية، وهذب معانيها في نفوس أتباعه وضبطها فلم تعد عند أتباعه مجرد ميدان للفخر والخيلاء، بل هي ميدان لنصر للدين والذب عن حياضه. وجعل الجبن والهوان من شر ما ينقص الرجال كما قال صلى الله عليه وسلم: "شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع" رواه أبو داود. وأخرج الشيخان واللفظ لمسلم عن أنس - رضي الله عنه- قال : " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس ، وكان أجود الناس ، وكان أشجع الناس..."
الوفاء: والوفاء من شيم الرجال، التي يمدحون بها، كيف لا وقد كان أهل الشرك يفتخرون به قبل أن يستضيئوا بنور الإسلام، يقول أحدهم:
أَسُمَيَّ ويحكِ هل سمعتِ بغَدْرةٍ .. رُفع اللواءُ لنا بها في مجمعِ
إنا نَعْفُّ فلا نُريبُ حليفَنا .. ونَكُفُّ شُحَّ نفوسِنا في المطمعِ
وخير نموذج للوفاء لدى أهل الجاهلية ما فعله عبد الله بن جُدعان في حرب الفِجَار التي دارت بين كنانة وهوازن، إذ جاء حرب بن أمية إليه وقال له: احتبس قبلك سلاح هوازن، فقال له عبد الله: أبالغدر تأمرني يا حرب؟! والله لو أعلم أنه لا يبقي منها إلا سيف إلا ضُربت به، ولا رمح إلا طُعنت به ما أمسكت منها شيئاً.
وحين جاء النبي صلى الله عليه وسلم أنسى بخلقه ووفائه مكارم أهل الجاهلية. ومن أمثلة وفائه (عليه الصلاة والسلام) موقفه يوم الهجرة وإبقاء على رضي الله عنه لرد الأمانات إلى أهلها. وموقفه يوم الفتح من حين أعطى عثمان بن طلحة مفتاح الكعبة وقال: "هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء".
وحين تخلت الأمة عن أخلاق الرجال وساد فيها التهارج هوت وانهارت قواها حتى رثاها أعداؤها.يقول كوندي - أحد الكتاب النصارى - حيث قال: "العرب هَوَوْا عندما نسوا فضائلهم التي جاؤوا بها ، وأصبحوا على قلب متقلب يميل الى الخفة والمرح والاسترسال بالشهوات".
وهناك مقومات أخرى كثيرة كالجود وسخاوة النفس، والإنصاف والتواضع في غير مذلة، وغيرها من كل خلق كريم وكل سجية حسنة كلما اكتملت في إنسان اكتمل باكتمالها رجولته. وهذا الكلام فأين العاملون؟
لقد كانت الرجولة إرثا يتوارثه الناس لا تعدو أن تكون بحاجة إلا إلى مجرد التهذيب والتوجيه، أما اليوم فقد أفسدت المدنية الناس، وقضت على معالم الرجولة في حياتهم، فنشكو إلى الله زمانا صرنا فيه بحاجة إلى التذكير بالشيم والمكارم وأخلاق الرجال.
ــــــــــــــــــــ(41/494)
فتياتنا بين الحجاب وصرعة الأزياء
لا شك أن زي الفتاة ومظهرها دليل عفتها وطهارتها أو علامة على عكس ذلك، ومن خلال ما تلبسه المرأة يمكن في أكثر الأحوال الحكم على نوع ما تحمله من فكر وخلق.
ولا يستطيع أحد أن ينكر أن المرأة كلما كانت محتشمة في زيها متأدبه في مشيتها مع وقار في هيئتها كل ذلك ينم عن داخل نقي ومنبت زكي ونفس طاهرة، وبقدر ما يظهر ذلك على الفتاة بقدر ما تبتعد عنها همم اللئام وأفكار وأنظار الذئاب، وأطماع الكلاب، وتطلعات مرضى القلوب، ولصوص الأعراض.
والفتاة التي تتفنن في إظهار مفاتنها من خلال الموضات المثيرة التي تظهر أكثر مما تخفي سواء بإظهار مفاتن البدن من خلال لبس الأزياء العارية أو الضيقة التي تصف تقاطيع البدن أو الخفيفة التي تشف عما تحتها أو من خلال الموضات الصارخة والعجيبة والغريبة التي تلفت الانتباه وتعلق عين الناظر هذا كله يعرض الفتاة لأن يتعرض لها الفسقة ومرضى النفوس والقلوب .. وهي في ذات الوقت تعرض نفسها لخطر هي في غنى عنه.
والغريب أن فتياتنا وبناتنا بتن يلهثن وراء الموضات في سعار غريب ورغبة محمومة للبحث عن كل جديد حتى وإن كان يخالف شريعتنا وعقيدتنا بل وأعرافنا أيضا، وفي كثير من الأحيان تكون الحالة المادية للأسر لا تسمح بمثل هذا التطرف في اختيار الموضات الذي تصر عليه بناتنا وفتياتنا بحجة الظهور بالمظهر اللائق وعدم الإحراج أمام بقية البنات في المدارس أو الطالبات في الجامعة أو الزميلات في العمل..
ونظرة إلى واقع مدارسنا المتوسطة والثانوية وجامعاتنا وشوارع كثير من بلداننا مع إطلالة سريعة على ما تعرضه محلات الأزياء في أسواقنا تدلنا على واقعنا ومدى ما وصل إليه فكر نسائنا وبناتنا، وقد وصل الحال في بعض البلدان أنك لا تستطيع أن تفرق بينها وبين شوارع أوروبا وبلاد الغرب.. وهذا نذير شؤم أن يصل حال نسائنا يوما إلى ماوصل حال نسائهم إليه.
هذا الكلام أعلم أنه لا يعجب دعاة التحرر حملة لواء الاختلاط ودعوات المساواة .. وغيرها من المسميات المزيفة، الذين يرون في عفة المرأة ردة عن طريق الحرية وتخلفا عن طريق المدنية، وانتكاسا في المنظومة الفكرية!! وربما لا يعجب هذا الكلام أيضا بعض أخواتنا الفتيات ظنا منهن أن هذا افتئات على آرائهن الفكرية واختياراتهن التحررية، وحريتهن الشخصية. أو يرين أن الواقع على خلاف ما نقول وأن نظرتنا نظرة تشاؤمية أو مبالغا فيها..
ولذلك سنترك الكلام لمن سبقنا في هذا التحرر المزعوم ونال منه المطلوب وزيادة فكانت العاقبة ما أظهره استطلاع أجرته منظمة العفو الدولية في لندن، وشمل نحو 1000 رجل وامرأة، حيث كانت النتيجة أن السبب الأساسي لجرائم الاغتصاب التي يشهدها الشارع البريطاني، تعود لـ"عبث المرأة" و "لباسها الفاضح"، لتتحمل، بذلك، مسؤولية تعرضها للاعتداء.
وقد تفاجأ المشاركون في الاستطلاع بأن معظم جرائم الاغتصاب لا تتم من قبل غرباء كما كانوا يعتقدون، حيث تظهر الوقائع أن 80% من هذه الاعتداءات تحدث من قبل أصدقاء، أو أشخاص معروفين من قبل الضحايا.
وأعربت المشرفة على الاستطلاع كات ايلين، عن "قلقها الشديد" تجاه هذه الأرقام، مشيرة إلى ضرورة اتخاذ الحكومة البريطانية لخطوات تجاه هذه الجرائم. ولفتت إلى أن أغلبية المشاركين في الاستفتاء يعتقدون أنه توجد أكثر من 10 آلاف امرأة تتعرض للاغتصاب سنوياً، بينما يتجاوز الرقم الحقيقي لحالات الاغتصاب، بحسب الخبراء، الـ 50 ألف امرأة سنويا.
ومن النتائج التي خلص إليها الاستطلاع، اعتبار 30 % أن العديد من النساء يتحملن مسؤولية تعرضهن للاغتصاب لأسباب عدة منها اللباس الفاضح والمظهر المثير.(انتهى الخبر).
ومن هذا الاستفتاء نعلم أن هناك 137 حالة اغتصاب يوميا .. ولذلك ضج الغيورون وأصحاب العقول وأولياء الأمور في الغرب وضاقوا ذرعا بما وصل إليه حال المرأة هناك، وبدأ الكثيرون يطالبون باتخاذ إجراءات لإصلاح الأحوال في الوقت الذي يسعى أناس في بلادنا لنبدأ نحن الطريق من أوله بل من آخره إذ إن نهاية المرأة الغربية هو ما يريد دعاة السفور أن يكون بداية للمرأة المسلمة والعربية.
إن الله سبحانه لما كان أعلم بما يصلح العباد والبلاد والرجال والنساء، أمر المرأة أن تخفي مفاتنها وتستر نفسها عن كل من لا يحل له النظر إليها فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً" الأحزاب:59
فأمر الله المسلمة بالحجاب الذي هو علامة العفاف والطهارة يستر جميع بدنها، صفيقاًً لا يشف، فضفاضاً واسعاً لا يصف، لا يشبه ملابس الكافرات، ولا ملابس الرجال، وليس بزينة في نفسه، ولا بثوب شهرة.. فلا يلفت نظرا ولا يبعث على ريبة.. فإذا رأى منها أحد هذا الظاهر لم تطمح إليها عينه ولم يطمع فيها قلبه؛ فيحفظها حجابها ووقار ثيابها من التعرض للمعاكسات وسماع كلمات الغزل النابيات أوالتعرض لها بما هو أكبر من ذلك.
إن حجاب المرأة تشريف وتكريم لها، وليس تضييقا عليها، بل هو حلة جمالها وصفة كمالها، وهو أعظم دليل على إيمانها وسمو أخلاقها، وطاعة ربها واتباع نبيها "ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما".
ــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــ(41/495)
الألغام تحصد شباب كردستان
يحظى الفرد في إقليم كردستان العراق، بما معدله ستة ألغام؛ فهو كالمحكوم عليه بالإعدام أكثر من مرة. الموت مخبأ في أرضه على شكل آلة قابلة للتفجير بلمسة بسيطة في أي لحظة. مزروع بخبث، يكاد يضع الإقليم في صدارة المناطق الغنية بالألغام.
"كوارث الحرب تأتي بعد انتهائها" وهذا ما تفعله آلات الدمار الخبيثة هنا. فإن كانت الحرب وضعت أوزارها تقريبا، إلا أن جذور الدمار والإبادة الجماعية، باقية راسخة في أرضها، لحصد المزيد من الأرواح، كأن الدماء التي أريقت لم تكن كافية!!
لم تكتف الألغام، بقدرتها على القتل وهي مزروعة في مكانها، بل ابتدعت طرقًا أخرى في سبيل إتمام عملها الشيطاني، إذ إن الكثير منها ينجرف مع مياه الأمطار والينابيع والعيون، وما أكثرها في إقليم كردستان، وفي هذه الحال يكون الشبان من السابحين هم ضحيتها الأولى، وبعد ذلك تدفع المرأة الكردية حياتها، ثمنًا لغسل أطباق الطعام في العين (النبع) القريبة من بيتها، أو أن يعود قطيع الغنم إلى بيته، تاركًا راعيه، مقطوع الساقين. وهي أمور لطالما تحدث في القرى الجبلية، والمناطق الوافرة الظلال والألغام.
وقودها الشباب
يقول جمال جلال حسين، وهو معاون المدير العام للشؤون الفنية، في المؤسسة العامة لشؤون الألغام في إقليم كردستان/العراق Action Regional Mine Center of Kurdistan: "إن عدد الأشخاص الذين قتلوا بالألغام خلال السنوات القليلة الماضية، بلغ 10417 شخصًا، وأن هناك 2094 جريحًا، هذا بالنسبة إلى الذكور، بينما يقل العدد بين الإناث لكون عمل المرأة الكردية ينحصر في إطار القيام بالأعمال المنزلية ورعاية الأطفال. وكانت نسبة القتلى لدى النساء 963 امرأة، و21 جريحة، 550 منهنَّ شابات تراوح أعمارهن بين 15و35 عامًا".
ويضيف بأن نسبة الضحايا من الشباب الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 15و40 عامًا، كانت 6738 بينما عدد الجرحى بينهم كان 1344.
ويؤكد أن هناك عددًا هائلاً من الألغام المزروعة في كردستان العراق، والتي زُرعت خلال الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988م، والجزء الأكبر منها هو في المناطق الحدودية والمرتفعات الجبلية المستعملة كنقاط عسكرية، بالإضافة إلى أن هناك أراضي عراقية لُغمت من جانب القوات الإيرانية أثناء احتلالها لها، ناهيك بالألغام التي زرعتها قوات النظام السابق في ما كان يعرف (بالخط الأخضر) الفاصل بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية.
ويتابع: "إن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم توافر الخرائط الخاصة بحقول ا لألغام، إذ لم يتم تزويد المنظمات الإنسانية العاملة في هذا الشأن ولا حتى الأمم المتحدة بالمعلومات الوافية عن عدد الألغام وأماكن تواجدها".
وبحسب المعلومات المتوافرة في قسم إدارة المعلومات في المؤسسة المذكورة، يوجد في شمال العراق 3814 منطقة ملوثة بالألغام تتصدرها محافظة السليمانية، تليها محافظة أربيل، من ثم دهوك وديالي وكركوك. كما أن هناك 190 حقلاً للألغام تم تنظيفها وتسليمها إلى أصحابها.
إسلام بيرموز (29 عامًا) فقد ساقيه وبصره جراء انفجار لغم أثناء ممارسته كرة القدم في منطقة ديرا لوك الواقعة في العمادية والعائدة لمحافظة دهوك. وعلى رغم أنه غير متزوج إلا أنه كان المعيل الأساسي لعائلته. وبعد أن تم إدخاله إلى مركز دهوك التأهيلي بإشراف منظمة (RMAC)، وبعد تلقيه العلاج اللازم وحصوله على أطراف اصطناعية، اشترى المركز لعائلته عددًا من الأبقار، ضامنين طريقة تستطيع العائلة بها أن تحصل كفاف يومها.
هناك مراكز عدة تأهيلية لضحايا الألغام في أقليم كردستان العراق. في ديانا يقع المركز الرئيس، وهناك غيره في دهوك والسليمانية وحلبجة.
أمين أحمد مشكو (35 عامًا) تعرض لانفجار لغم، عندما كان يرعى ماشيته في المناطق الجبلية المحيطة بقريته وتحديدًا في زاخو. الانفجار أفقده إحدى ساقيه بشكل كامل، مع أضرار في ساقه الأخرى. يقول أمين إنه لم يحتر مثلما احتار عند معرفته بأنه لن يستطيع بعد الآن، إعالة عائلته المؤلفة من ستة أطفال وزوجة". أسعف أمين، بالعمل في دكان، تعود ملكيته لمركز مساندة الضحايا في دهوك.
ويقول الدكتور عبد الله بيندروبي - مدير مساندة الضحايا في منطقة RMAC - إن المراكز العاملة ضمن نطاق منظمتنا، تتولى المريض من مراحل دخوله الأولى إلى المركز، بدءًا بعمل الإجراءات الطبية اللازمة له وانتهاء بعمل أطراف اصطناعية، ويجري بعد ذلك العمل على تأهيله وتدريبه وظيفيًا، وهذا يعتمد على عدد الضحايا وعلى نوعية الضرر الواقع عليهم".
ويضيف: "إن أكثر العاملين في مجال إزالة الألغام هم من الشبان الذين تم تأهيلهم، بشكل عالي المستوى، بعد أن تلقوا دورات تدريبية في مجال إزالة الألغام وفق المعايير والقياسات العالمية المتبعة في أكثر بلدان العالم التي تعاني من مشكلات الألغام".
محظوظ!!
هناك بعض الحوادث التي تصيب العاملين في مجال إزالة الألغام، أثناء القيام بواجبهم. وعلى رغم معرفة غالبيتهم بخطورة عمل إزالة الألغام، إلا أن قلة فرص العمل والبطالة المنتشرة بين أوساط الشباب، لاسيما أن الكثير منهم يبدأون حياتهم الزوجية مبكرين، يزيد من حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم.
كل هذه الأسباب تبرر إطلاق تسمية "المحظوظ" على من يسعفه الحظ بحصوله على فرصة عمل كهذه، على رغم أنها تؤدي في بعض الأحيان إلى إعاقة دائمة.
إسماعيل توفيق (26 عامًا) كان يعمل قبل فقدانه عينه اليسرى، مزيلاً للألغام، في منطقة جومان (المنطقة الحددوية بين إيران ومحافظة أربيل)، يقول: "إن حالات مشابهة لحالته حصلت لأصدقاء له في مجال إزالة الألغام، وسببها الرئيس يعود إلى عدم توافر خرائط دقيقة تحدد مراكز وجود الألغام بشكل دقيق".
إسماعيل يعتقد بأنه محظوظ كونه مازال يستطيع تحريك ساقيه وذراعية والاعتماد عليهما بشكلٍ كامل".
لطيف عبد الله (25 عامًا) نجار من دون ساقين، على ماذا يقف؟ أو كيف يتنقل في ورشة العمل؟
يقول لطيف: "إنه يجلس في مكانه والعمل يأتي إليه!". ويضيف بأن موت الساقين لا يعني موت أطراف الأخرى.
كثيرة هي الحالات التي تترك الألغام أصحابها أشباه موتى، إلا أنهم على رغم ذلك "يستمرون" في الحياة، ربما لأدراكهم أن الحياة أيضًا ما هي إلا لغم كبير، ينفجر بوجه من لا يحرك ساكنًا فيها.
ــــــــــــــــــــ(41/496)
يوسف وامرأة العزيز .. ودرس في العفة للشباب
شبابنا هم أبناؤنا وإخواننا وأحبابنا، كلنا يعلم ما يعانونه في شبابهم من مشكلات تواجههم في حياتهم.. ولعل مشكلةَ تأجج الشهوة في تلك الحقبة من العمر وانتشار دواعيها مع قلة مصارفها الحلال هي واحدة من أكبر هذه المشكلات، بل وأهمها لدى إخواننا الشباب..
وإذا كانت العفة مطلبًا شرعيًا واجتماعيًا ـ صيانة للدين وحفاظًا على المجتمع بحفظ أهم طبقة فيه ـ فلا يخفى صعوبة هذا المطلب في مثل زماننا، زمان الفضائيات والدشوش والكليبات والشبكات العنكبوتية والتي تتكاتف جميعًا لعولمة النمط الثقافي والاجتماعي الأمريكي خاصة والغربي عامة بما فيه من إباحية جنسية، وهدم للمنظومة الأخلاقية، ومغايرة للمفاهيم الإسلامية والشرقية.
وكل هذا يجب أن لا يحملنا على اليأس والاستسلام والرضا بالواقع، بل على العكس ينبغي أن يحث الهمم ويهيج على العمل لدرء الفتن وصيانة الشباب.
ويبقى الأمل في نفوسنا وحسن ظننا بشبابنا بابًا ندخل منه لدعوتهم لمجابهة الشهوات وعدم الرضوخ لها والوقوع في أسرها.
قصة يوسف
إننا حين نتحدث عن مواجهة الشهوة لا نتحدث عن أمر معجز يستحيل الحصول عليه، وإنما مطلب واقعي ممكن، وإن كان صعبًا. وقد قص علينا القرآن قصة من قصص الشباب مع الشهوة ليتخذ شبابنا منها قدوة وأسوة ودرسًا عمليًا في كيفية التعامل مع مثل هذه المواقف، ويتعرف على الأسباب المعينة على الخلاص من ورطاتها.
إن الواقع الذي عاشه يوسف عليه السلام هو في الحقيقة أشد من أي واقع يقابله شاب منا، فلقد تهيأت له كل أسباب الفاحشة ودواعيها :
فالشباب والقوة والشهوة متوفرة؛ فقد كان في عنفوان شبابه، وهو يحتاج لتصريف شهوته وهو عزب، ولا مصرف له حلال، وقد بذلت له ولم يسع إليها..
والمرأة جميلة؛ فهي زوجة العزيز ومثله لا يتزوج إلا بأجمل النساء.
ولا خوف من العقوبة؛ فالمرأة هي الطالبة والراغبة، وقد طلبت وأرادت بل وراودت، فكفته مؤنة التلميح أو التصريح بالرغبة.
وقد أغلقت الأبواب عليهما ليكونا في مأمن، ولترفع عنه حرج الخوف من الفضيحة.
ثم هو غريب في بلد لا يعرفه أحد؛ فلا خوف من أن يفتضح، وهو خادم وهي سيدته، فهو تحت سلطانها وقهرها، فيخاف إن لم يجبها أن يطوله أذاها.
وقد عانى عظم الفتنة وشدة الإغراء.. فالمرأة لا شك قد أعدت للأمر عدته وبيتته بليل وخططت له، فدخلت وأغلقت الأبواب كل الأبواب، وبدأت في المراودة، ومثل هذه لابد أنها تزينت بكل زينة وجمعت كل فتنة، فما ملك إلا الهرب، وأنقذه هذه المرة وجود سيده لدى الباب رغم أن ردة فعله كانت مخيبة للآمال.
تكرر الإغراء
لقد تكرر الموقف لا شك مرات، وقد هددته وتوعدته وخوفته بالسجن، ورأى جرأتها على زوجها وقدرتها على تنفيذ أمرها، وإصرارها على تحصيل مبتغاها في قضاء وطرها، والإعلان بذلك أمام النسوة في وقاحة وعدم حياء أو خوف، مع أمنها مكر زوجها؛ فهو كأكثر رجال هذه الطبقة لا يمثل الطهر والشرف كبير قيمة لديهم وهذا ظاهر من موقفه: {يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين}[يوسف:29].
لقد أعلنتها صريحة: {ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمروه ليسجننَّ وليكونًا من الصاغرين}[يوسف:32]. فما وجد الصدّيق بعد كل هذا إلا أن يعتصم بالله، وأن يقدم رضًا الله على هوى النفس، بل ويرضى بالسجن (وأرجو أن نلاحظ ذلك) ترك اللذة والشهوة، وآثر عليها السجن بما فيه، وهو لا يدري متى سيخرج منه، ولعله لا يخرج أبدًا، لكنه كان أحب إليه من رغبة الشباب ولذة الحرام، فأطلقها صريحة: {رب السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهنَّ أصب إليهنَّ وأكن من الجاهلين}[يوسف:33].
إننا يا شباب نحتاج إلى استحضار هذا الموقف وأشباهه لنتخذه أنموذجًا يحتذى، ومثلاً يقتدى، ونتشبث بما تشبث به يوسف لننجو من أغلال الشهوة وذل المعصية.
قوارب النجاة:
لقد تمسك الصادق العفيف "يوسف" بأمور كانت سببًا بعد توفيق الله وحفظه في عصمته وصيانته، ولو تمسك بها كل واحد منا لبلغ بأمر الله بر الأمان كما بلغه يوسف:
أولها: خوف الله ومراقبته
لقد كان في خلوة لا يراه من البشر أحد، والضغوط كلها عليه، ومداخل الشيطان كثيره، فما بحث عن تبريرات، ولا استسلم لوخز الشهوات واستحضر في ذلك الموقف العظيم خوفه من الله تعالى ومراقبته له، وتعظيمه لحق الله تعالى فقال لما راودته بملء فيه: {معاذ الله}، {إنه لا يفلح الظالمون}.
وما أجمل هذا الخوف وما أجل عاقبته التي أخبر بها نبينا صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم: "...ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله...".
ثانيها: توفيق الله وحفظه لعبده:
فلما رأى الله تعالى منه صدقه وصبره صرف عنه السوء وصرفه هو عن السوء صيانة له وتكريما وجزاء على عفته: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}[يوسف:24].
ثالثها: فراره عن أسباب المعصية:
فلما رأى منها ما رأى، وخاف على نفسه فر منها وهرب إلى الباب يريد الخروج، وهي تمسك بتلابيبه وهو يشد نفسه وينازعها حتى قدت قميصه من شدة جذبها له وشدة هربه منها.
وهذا الفرار هو أعظم أسباب النجاة، فالفرار من الأسواق المختلطة، والفرار من المتنزهات، والفرار من الخلوة بالأجنبيات، وصيانة النظر عن رؤية المحرمات والعورات، والبعد عن مواقع الشهوة والعري في النت والفضائيات، كلها من أسباب الفرار بالدين من الفتن .. وخلاصتها غض الأبصار عن الوقوع في حمى الأخطار.
كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت من قلب صاحبها كمبلغ السهم بين القوس والوتر
يسر مقلته ما ضر مهجته لا مرحبا بسرور جاء بالضرر
ومن صدق الفرار أن يفر الواحد منا من قرناء السوء الذين يذكرونه بالمعاصي، ويحدثونه عنها وعن سبلها ووسائلها وكيفية الوصول إليها، بل ويمدونه بها وييسرونها عليه،، فهؤلاء معرفتهم في الدنيا عار وفي الآخرة خزي وبوار .
ومن أراد السلامة فليلزم أهل التقى ومواطن الخير وأصحاب العبادة كما قال العالم لقاتل المائة نفس: "ودع أرضك هذه فإنها أرض سوء واذهب إلى أرض كذا فإن فيها قوما يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم".
رابعها: الدعاء والالتجاء إلى الله:
فقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها ويصرفها كيف يشاء، فهو سبحانه القادر أن يثبت قلبك ويصرف همم أهل السوء عنك، والتوفيق كله بيده، والخذلان أن يكلك إلى نفسك. وقد علم يوسف ذلك؛ فالتجأ إلى الحصن الحصين والركن الركين: {وإلا تصرف عني كيدهم أصب إليهنَّ وأكن من الجاهلين * فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهنَّ إنه هو السميع العليم}[يوسف:33، 34]. فإذا أردت العصمة فاعتصم بربك: {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}[آل عمران:101].
خامسها: تهويل خطر المعصية:
فقد رأى الكريم أن الفاحشة أمر عظيم وخطب جليل، وتجرؤ على حدود الله خطير، وتفكر في عقوبة الآخرة، فهانت عليه عقوبة الدنيا، فاختار السجن ومرارته على أن يلغ في عرض لا يحل له، أو أن يقضي وطرًا في غير محله: {قال رب السجن أحبُّ إلي مما يدعونني إليه}[يوسف:33].
سادسها: الاعتصام بالإيمان:
فالإيمان يصون أهله ويحمي أصحابه، ومن حفظ الله تعالى حفظه الله في دينه ودنياه وأهله وأخراه، وما عصم يوسف عليه السلام إلا الإيمان بربه وصدقه معه وإخلاصه له، وقد سجل الله له ذلك فقال: {إنه من عبادنا المخلصين}[يوسف:24].
الزواج أو الصوم:
لقد عالج رسول الله صلى الله عليه وسلم مشكلة الشهوة عمليًا بدعوة القادرين على سرعة إعفاف النفس، وكذلك الآباء على سرعة تزويج أبنائهم لرفع الحرج عنهم ودفع القلق وجلب الاستقرار النفسي والاجتماعي، فإن دعت الظروف وامتنعت القدرة فاللجوء إلى الصوم، فإنه يقطع الشهوة ويحطم جموح النفس: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
تذكر عاقبة العفة:
وهو معين للشاب على هجر الفاحشة ومقاومة الشهوة الجامحة أن يتذكر عاقبة العفة الدنيوية والأخروية. فأهل العفة هم أهل ثناء الله وفلاح الآخرة: {قد أفلح من تزكى}[الأعلى:14]. {والذين هم لفروجهم حافظون.... أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}[المؤمنون:5].وأهل العفة هم أهل المغفرة والأجر العظيم: {والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا}[الأحزاب:35].
وأهل العفة هم أهل الجنة: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة".ثم تذكر الإحساس بلذة الانتصار على النفس والشيطان، والتخلص من رقة المعصية ومذلة الذنب وكسرة النفس والقلب، وخوف عقوبة الآخرة.
وللأسرة دور أيضًا:
إننا ونحن ندعو شبابنا للعفة ومقاومة الشهوة لا ينبغي أن نغفل دورنا كآباء وولاة أمور، بل الواجب على الوالدين تيسير أسباب العفة للأبناء، ودفع غوائل الشهوة عنهم. فغرس الإيمان في القلوب بحسن التربية والتنشئة، وسد ذرائع الشهوة بإخراج آلات اللهو والإغراء من البيوت، والعلاقة الأخوية ورابطة الصداقة مع أبنائنا التي تحمي من قرناء السوء، وحسن الاستماع والإنصات لمشكلات الأبناء، مع البحث عن العلاج السليم دون التأنيب والاندفاع، مع فتح باب المصارحة لإيجاد أيسر الحلول من أقرب الطرق.. كلها معينات للأبناء، ولا تنسوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".
نسأل الله أن يصرف عن شباب المسلمين كل مكروه وسوء. والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
ــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــ(41/497)
معاكسات الشباب.. والاستهتار بالأعراض
لم يستغرق الأمر لحظات.. فقد كانت سيارة الفتيات واقفة، وجاءت سيارة الشاب فصفت بجانبها مباشرة لينفتح زجاج النوافذ وتمتد يد الشاب بورقة تتلقفها اليد الناعمة ثم تنطلق سيارة الشاب تتبعها السيارة الأخرى.
لم يذهلني من المشهد أكثر من جرأة الطرفين الشديدة، ولم أتعجب فأنا أقرأ وأسمع عن انتشار المعاكسات بين الشباب والبنات.. ولكن حملني الموقف على الدراسة والكتابة والمتابعة للموضوع فكانت عجائب في زمن الغرائب.
ربما يعتقد البعض أن المعاكسة مرض تخطاه الزمن، ولكن المتابع يعلم أنه عاد بقوة إلى شوارعنا وبيوتنا وأسواقنا، وانتشر بين شبابنا وبناتنا انتشار النار في الهشيم، حتى صار ظاهرة في مجتمعاتنا وشيئا يملأ الأسماع والأبصار، تروى فيه وقائع تثيرالعجب، وتدمي القلب ، وتستوقف الحريص الغيور.
عواقب وخيمة
فالمعاكسات تعتبر واحدة من أعظم وسائل جلب الفساد وانتشار الفاحشة، بتيسير اللقاء الحرام، وما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما. وهي وسيلة من وسائل دمار الأسر وتضييع مستقبل الفتيات.. فكم من فتاة عرف عنها ذلك السلوك المشين فأغلقت على نفسها باب الزواج، وعن أخواتها، وربما عن إخوانها أيضًا. وكم من زوجة وقعت فريسة للمعاكسات فعلم زوجها فطلقها، وضاعت وضاع أولادها معها. والمعاكس لا يحسن الظن بأهله وزوجته فيما بعد، فكل حركة سيظنها تعاكس وكل كلمة أو مكالمة سيظنها مع رجل، كما كان يفعل هو بغيرها. فيضيع الاستقرار من الأسر وكأنها عقوبة من الله تعالى على فعلة السوء والتسلط على أعراض الناس.
ومن تتبع ما وقع من جراء المعاكسات من حوادث أليمة، وفواحش عظيمة، تحسر أيما تحسر على أحوال بنات المسلمين، وأدرك أن هذه المعاكسات وسيلة تغرير، وشباك صيد، يستهدف عرضهنَّ ويسود وجوههنَّ، ويتركهنَّ ضحايا في الزوايا، أو بائعات هوى ومنحرفات، سوسًا ينخر في جسد الأمة.
تفنن وتنوع
وقد تعددت طرق المعاكسات وتفنن فيها الشباب ـ بنوعيه ـ أيما تفنن، فبين غمز بالعين، أو همز ولمز باللسان، أو ابتسامة ناعمة، أو نكتة طريفة، أو تعليقة يظنها صاحبها ظريفة. وبين نظرة ناعسة، أو تسريحة ساحرة، أو عباءة ملفتة، أو مشية متكسرة متغنجة، أو ابتسامة موحية، أو عطر يسحر القلب قبل الأنف.
وأما الهواتف فهي البلاء المبين والخطر العظيم، فاتصالات عشوائية تبحث عن فريسة، أو إلقاء رقم من طرف ليلتقطه الطرف الآخر، لتبدأ رحلة العصيان والتي لا تنتهي على خير في أكثر وقائعها.
وقد استعيض عن الأخير بما يسمى خدمة "البلوتوث" الأسرع والأضمن والأكثر أمنًا وتقدمًا وتطورًا، علاوة على ما يرسل مع الرقم من لقطات فكاهية أو كلمات غرامية أو مقطوعات غنائية أو حتى صور إباحية وخلاعية.
وسل الشات في النت وغرف الدردشة تخبرك الخبر اليقين.
والبنات أيضا يعاكِسن
والعجيب في الأمر أن نسبة ليست بالقليلة من تلك المعاكسات تصدر عن فتيات يعاكسن الرجال، وبنات يشاغلن الشباب في الهواتف بمعسول الكلام وعبارات الغزل والتهتك، والغرض في البداية اللعب والتسلي أو تمضية وقت فراغ، أو سماع بعض كلمات الحب المحرومة من سماعها، أو حتى كلمات ماجنة لتفريغ شحنة كامنة، أو حتى بحثًا عن عريس الغفلة المختبئ وراء سماعة الهاتف أو النت؛ ولكن النهاية - في أغلب الأحيان ـ هي كما تحكى إحدى المعاكسات:
"كانت البداية مكالمة هاتفية عفوية.. تطورت إلى قصة حب وهمية.. أوهمني أنه يجنى وسيتقدم لخطبتي.. طلب رؤيتي .. رفضت.. هددني بالهجر.. بقطع العلاقة .. صعقت .. أرسلت له صورتي مع رسالة معطرة.. توالت الرسائل.. طلب مني أن أخرج معه.. رفضت بشدة.. هددني بالصورة والرسائل .. بصوتي في الهاتف - فقد كان يسجله - خرجت معه على أن أعود بأسرع وقت ممكن ومعي أغراضي كما وعدني.. لقد عدت ولكن ليتني ما خرجت وليتني ماعدت .. عدت وأنا أحمل العار والذل.. توسلت إليه أن يتزوجني ويسترني من الفضيحة.. فقال بكل سخرية واحتقار: إني لا أتزوج فاجرة.
وهكذا يتركها إلى مصيرها الأسود، ومستقبلها المظلم، ويذهب يبحث عن فريسة أخرى يفترسها ويلقي بها في الوحل.
الأسباب
لقد كان لهذه الظاهرة أسبابًا أدت لانتشارها وتأججها ومن أهم هذه الأسباب:-
أولا: الفراغ والبطالة
فمع انتشار البطالة ووجود الفراغ القاتل، والساعات الطويلة .. أصبحت كثير من أوقات شباب الإسلام ضائعة وساعاتهم طويلة وفارغة بلا عمل ولا وظيفة، ولا كسب ولا تحصيل ولا طاعة، فلما لم تجد ما يشغلها في الصالح المفيد شغلوها بالطالح الضار، فراحت ساعاتهم في المعصية واللهو، واللعب والحرام واللغو، ومعاكسة كل جنس نظيره.
وقد صدق أبو العتاهية حين قال:
إن الفراغ والشباب والجدة.. ... .. مفسدة للمرء أي مفسدة
فينبغي على شبابنا أن يعرفوا للوقت قيمته، ويشكروا لله نعمته، فإن الفراغ والصحة نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس.
واسمع إلى ابن مسعود رضي الله عنه يقول: "إني لأمقت الرجل أن أراه فارغًا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة".
إذا ما مضى يوم ولم أصطنع يدا .. ... .. ولم أقتبس علمًا فما هو من عمري
فالقضاء على أوقات الفراغ في حياة الشباب ينبغي أن يكون من أول ما يوجه الآباء المصلحون عنايتهم له، ولا يشترط أن يقضي الشباب فراغه في الحفظ وتعلم العلم، بل كل حسب وجهته: (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ)[البقرة:60] فمن كانت وجهته علمية فلينهل من منابع العلم، ومن كان له تميز في مجال فليذهب إلى ما يهواه طالما لا يتعارض وتعاليم ديننا الحنيف من تجارة نافعة، أو صناعة مفيدة، أو حرفة شريفة؛ حتى لا يندم على شبابه حين يسأل عنه فيما أفناه، وعن عمره فيما أبلاه، فتكون الإجابة: قضيته في معاكسة الفتيات والتشبيب بالمسلمات، والولوغ في الأعراض والحرمات. فما أعظم الندم ولات حين مندم.
ثانيا: ضعف الإيمان:
فأكثر شبابنا رقيق الديانة، قليل الإيمان، ليس له علاقة بالله تعصمه، ولا عبادة تشغله، ولا ورد من القرآن والذكر يؤنس وحشته، فلما أعرض عن الله آخاه الشيطان فاستوحش فذهب يبحث عن شيء يؤنس وحشته، ويُذهب عن القلب ظلمته، فما وجدها إلا في مغازلة الفتيات، وخبيث الكلمات، وسماع فاحش القول من الساقطات. يظن أن ذلك يسعد قلبه ويزيل وحشته، ويدخل عليه السعادة والسرور. ولا يعلم صاحبنا أن تلك الوحشة في النفس لن يزيلها إلا معرفة الله، وتلك الظلمة في القلب لا يرفعها إلا نور القرب من الله، وذلك الإصرار على المنكر لن يوقفه إلا الخوف من الله، والإحساس بمعية الله وقربه ومراقبته واطلاعه عليه.
فاعلم أن الله معك في خلواتك، وأنه يراك في حركاتك وسكناتك، وأنه يسمع سبحانه كل كلماتك، ويعلم مكنونات نفسك، ومرادات قلبك من وراء معاكساتك ومغازلاتك؛ فبماذا ستجيبه إذا وقفت بين يديه فسألك عن كل كلمة حرام وعن كل خطوة حرام وعن كل نظرة حرام وهمسة حرام ولمسة حرام.
(أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)[الزخرف:80]. (... الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[الجاثية: 28، 29].
ثالثا: رفقة السوء:
فكم قادت هذه الرفقة إلى بلاء وعناء، وصديق السوء لا يأتي من ورائه إلا الشر، فالطباع سراقة، والمرء على دين خليله.. ومن صادق معاكسًا فلابد يومًا أن يعاكس، ومن صاحبت مستهترة فلابد أن يصيبها شيء من استهتارها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة"[متفق عليه].
والصديق المعاكس المتمرس في العلاقات المشبهوهة كنافخ الكير لا يهدأ له بال ولا يقر له قرار حتى يوقع صاحبه فيما هو واقع فيه.. فكم من صديق زين لصديقه معاكسة الفتيات، وكم من صاحبة أوقعت صاحبتها في مصيدة المغازلات، فتقترح عليها من تغازل وتعاكس، وربما تعطيها بعض الأرقام، ودروس في فنون الغزل والمعاكسة، حتى وقعت في براثن ذئب بشري، أو في ورطة لا مخرج منها إلا بعون الستير الحليم.
رابعا: النت ووسائل الإعلام
فما يعرض في إعلامنا أو على شاشاتنا أكثره عهر ودعوات فاضحة ومكشوفة لنزع الحياء وإشاعة الفحشاء، وتهييج للعواطف، وتأجيج للغرائز، وإثارة للشهوات.. أغاني ماجنة، وأفلام خليعة، وكليمات رقيعة، يجأر إلى الله منها العجوز الفاني ذي الإيمان، فكيف بالشباب الفائر قليل الدين وعديم القدرة على الزواج.
فإطلاق النظر في هذه القنوات أو المجلات أو المواقع العفنة في النت، كل ذلك من أعظم دواعي الفتنة، وإثارة الشهوة، ومما يهج النفس ويهيئوها للبحث عن المعاكسات والمكالمات، ويجعل في النفس جموحًا لتقبل دعوات الفساق، سواء في الهاتف أو غيره. وربما تعب الشاب من المكلمات وما روى غليله فيبحث أو تبحث هي عن علاقة محرمة. فكف البصر عن النظر إلى الحرام غلق لأعظم أبواب الفتنة، ودرء خطر المعاكسات، وصدق من قال:
كل الحوادث مبدأها من النظر .. ... .. ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت من قلب صاحبها .. ... .. كمبلغ السهم بين القوس الوتر
والعبد مادام ذا طرف يقلبه .. ... .. بأعين الفيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهحبته .. ... .. لا مرحبًا بسرور جاء بالضرر
خامسا: تعقيد الزواج وتأخيره وسهولة الحرام وتيسيره
فإن الباعث الأكبر على تلك البلية (أعني المعاكسات والمغازلات)، إنما هو الشهوة والفراغ، وفي الزواج المبكر حفظ للشباب والبنات، فيجد الشاب المنفذ الحلال لشهوته، ولا يجد فراغ العاطلين لانشغاله بأمور بيته وأولاده.
فإذا صُعِّب على أبنائنا طريق الحلال وسُهِّل لهم طريق الحرام ؛ فقل لي بربك ماذا تنتظر من الشباب والفتيات؟!.
إن الزواج عصمة لبناتنا وأعراضنا قبل أن يكون لأبنائنا، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغضن للبصر وأحصن للفرج...".
سادسا: تبرج النساء وغياب المحرم
قال أحد الشباب عندما سئل: لماذا تعاكس؟ قال: البنت هي السبب تخرج متزينة ومتعطرة متكسرة، ولا تريد أن يعاكسها أحد. هذا محال.
فالبنت هي التي تدعو الشباب لمعاكستها بطريقة لبسها ومشيها وزينتها وعطرها. وقد نهاها الشرع عن الخروج بمثل هذه الهيئة درءا للفتنة وصيانة للعرض.
كما وأن خروج المرأة وحدها مغر للكلاب النابحة والذئاب الجامحة بالتعرض لها. وقد ذكرت كتب الأدب أن امرأة خرجت لتطوف بالبيت فتعرض لها خليع من هؤلاء، فعادت إلى أخيها فقالت: تعال لتعلمني المناسك، فذهب معها وفي الطريق كان ذلك الشاب ينتظرها فلما رأى معها رجلا انخنس وذهب، فقالت المرأة بيتا يكتب بماء الذهب:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي مربض المستأسد الضاري
إن الشباب لا يتجرأ على التعرض للمرأة إلا إذا كانت وحدها بدون رجل يدفع عنها، ومن العجب أن يترك رجل زوجته أو ابنته أو أخته تذهب إلى السوق أو غيره وهو في بيته أو مع أصحابه.. ثم يبكي بعد ذلك على ضياع الأعراض.
إن الرجال الناظرين إلى النسا مثل الكلاب تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها ذهبت بلا عوض ولا أثمان
سابعا:كثرة الهواتف وضعف الرقابة
قالت إحداهنَّ يومًا: أبي وأمي هما السبب.. فثقتهما الزائدة بي فتحت لي الباب للمعاكسات والمغازلات والخروج دون علمهما، لا يعرفان ما أصنع، وقد كدت أهلك مرات ومرات. وهما في البيت لا يعرفان عني شيئًا.
فكل بنت من بناتنا معها جوالها الخاص بها، وفي غرفتها هاتف خاص، وربما تجلس الساعات الطوال مغلقة غرفتها ولا يدري أحد ماذا تصنع ولا مع من تتكلم.
ونحن لا نقول لك كن على أبنائك رجل مخابرات، ولكن لا تكن مغفلاً. والثقة الزائدة تضر أحيانًا خاصة مع البنات.
العلاج:
كل ما ذكرناه من أسباب فضده علاجه.. لكن الأمر يحتاج إلى مجهودات متكاتفة.. فلابد من شغل أوقات فراغ الشباب، وزيادة الجرعة الإيمانية، والتركيز على التوجهات الأخلاقية، وتوجيه الشباب لاختيار الصحبة الزاكية النقية، وتيسير الزواج على الشباب ومعالجة البطالة المتفشية، ووجود الرقابة المنضبطة.. ولابد من إصلاح وسائل الإعلام فهي أهم وسيلة لانتشار هذا الأمر أو الحد منه ومعالجته. مع وجود العقاب الرادع لمن تسول له نفسه الوقوع في المسلك المشين وإن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن.
همسة في أذن معاكس
اعلم أخي أن أشد الأذى أذى العرض، وإذا كنت لا ترضى أن يؤذيك أحد في أمك أو أختك أو ابنتك أو زوجتك، فكذلك كل الناس لا يرضى ذلك لأهله.
واعلم أيضا أنك كما تدين تدان: فمن وقع في عرض غيره ربما أوقع الله في عرضه غيره.. والأمر كما قال الإمام الشافعي رحمه الله:
يا هاتكًا حرم الرجال وقاطعا .. ... .. سبل المودة عشت غبر مكرم
لو كنت حرًا من سلالة ماجد .. ... .. ما كنت هتاكًا لحرمة مسلم
من يزن في بيت بألفي درهم .. ... .. في أهله يزنى بغير الدرهم
إن الزنا دَيْنٌ إذا أقرضته .. ... .. كان الوفا في أهل بيتك فاعلم
ــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــ(41/498)
عوامل الانحراف عند الشباب
الشباب هم قوة المجتمعات وعمادها، وصلاح أي مجتمع ـ بل أي أمة ـ مرتبط بل متوقف على صلاح شبابها، وهذه القاعدة تطرد فسادًا بعد ثبوتها في حال الصلاح، فالشباب للأمة كمثل القلب للبدن إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد وانحرف انعكس ذلك على المجتمع كله.
وهناك معوقات تعصف بمسيرة الشباب، تعوق عملهم، وتهدر طاقتهم، بل وتغير وجهتهم.. مما يعود بالسلب عليهم وعلى مجتمعاتهم.. هذه المعوقات التي نقصدها هي عوامل الانحراف عند الشباب.. وقد تنوعت هذه المعوقات (داخلية وخارجية) وتعددت مصادرها وأسبابها بحيث من أفلت من أحدها وقع في حبائل غيرها، والمعصوم من عصمه الله. ومن أهم هذه الأسباب:
الفراغ:
روى الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ".
فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن الفراغ نعمة في حق العبد إذا استعمله فيما يعود عليه بالنفع في دنياه وأخراه، أما إذا لم يغتنمه الشاب تحول من نعمة إلى نقمة، ومن منحة إلى محنة، ويصبح شبحًا مخيفًا يحول الشاب إلى ألعوبة بيد شياطين الجن والإنس.
إن الشباب والفراغ والجدة.. ... ..مفسدة للمرء أي مفسدة
وقد قرر علماء النفس والتربية في الغرب أن فراغ الشباب في تلك البلاد يعد واحدا من أكبر أسباب الجرائم فيها. وأجمعوا على أن الشاب إذا اختلى بنفسه أوقات فراغه وردت عليه الأفكار الحالمة، والهواجس السارحة، والأهواء الآثمة، والتخيلات الجنسية المثيرة، فلا يجد نفسه الأمارة إلا وقد تحركت وهاجت أمام هذه الموجة من التخيلات والأهواء والهواجس، فيتحرك لتحقيق خيالاته مما يحمله على الوقوع في كثير مما هو محظور.
وليس هذا مما ينفرد به شباب الغرب بل هو مما يشترك فيه شباب الدنيا بأسرها؛ ولذلك كان اغتنام أوقات الفراغ قبل الانشغال، واستغلال زمان الشباب قبل الهرم، والصحة قبل المرض، والحياة قبل الممات، من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته.
ورحم الله عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "إني لأمقت الرجل أن أراه فارغًا، ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة".
التفكك الأسري:
الأسرة هي المحضن الذي ينبت فيه الشاب ويترعرع في كنفه، ولتأثيرها وضوح في صقل شخصية الشاب واكتمال شخصيته. والوالدان يعتبران القدوة الفعالة في نفس الشاب، فكما يعودانه يعتاد، وكما يعلمانه يتعلم، إن كانا صالحين نشأ صالحًا، وإن كانا فاسدين نشأ فاسدًا
وينشأ ناشئ الفتيان منا.. ... ..على ما كان عودُه أبوه
والتفكك الأسري من أكبر الأسباب التي تدفع إلى انحراف الشباب، فإذا وجد الشاب والفتاة أن الأبوان دائما الخلافات، فالأم في ناحية والأب في ناحية أخرى، أو أن الأب لا يأبه للبيت ولتربية أولاده.. فكل هذه الأمور تتسبب في القلق النفسي عند الطفل، ويشب على هذا القلق ثم يتجه إلى الانحراف من شرب للخمور، أو المخدرات لينسى مجتمعه الصغير "الأسرة" ويبحث له عن رفقة خارج الأسرة يكوّن بها مجتمعا آخر لعله يجد فيه ما لم يجده في أسرته. وهذه الرفقة لها دورها في تشكيل هذا الشاب صلاحا أو عكسه؛ كما سنبينه في العنوان التالي.
الرفقة السيئة:
لا شك أن الرفقة تقع في قاعدة الحاجات الاجتاعية فكل إنسان يحتاج الرفقة، لأن الرفقة حاجة نفسية متأصلة في النفس البشرية من يوم يبدأ يدرك ويفهم ما يدور حوله، فإذا صلحت الرفقة صلح الإنسان وإذا حدث العكس فسد الإنسان، ولذلك كان التوجيه النبوي في اختيار الأصدقاء والرفقاء في قوله عليه الصلاة والسلام : [مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك : إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة](متفق عليه)
فإذا صاحبت خيّراً حيا قلبك، وانشرح صدرك، واستنار فكرك، وبصّرك بعيوبك، وأعانك على الطاعة، ودلّك على أهل الخير.
وجليس الخير يذكرك بالله، ويحفظك في حضرتك ومغيبك، ويحافظ على سمعتك، ومجالس الخير تغشاها الرحمة وتحفّها الملائكة، وتتنزّل عليها السكينة، فاحرص على رفقة الطيبين المستقيمين، ولا تعد عيناك عنهم، فإنهم أمناء.
والحذر كل الحذر من رفيق السوء، فإنه يُفسد عليك دينك، ويخفي عنك عيوبك، يُحسّن لك القبيح، ويُقبّح لك الحسن، يجرّك إلى الرذيلة، ويباعدك من كل فضيلة، حتى يُجرّئك على فعل الموبقات والآثام، والصاحب ساحب، فقد يقودك إلى الفضيحة والخزي والعار، وليست الخطورة فقط في إيقاعك في التدخين أو الخمر أو المخدرات، بل الخطورة كل الخطورة في الأفكار المنحرفة والعقائد الضالة، فهذه أخطر وأشد من طغيان الشهوة؛ لأن زائغ العقيدة قد يستهين بشعائر الإسلام، ومحاسن الآداب، فهو لا يتورع عن المناكر، ولا يُؤتمن على المصالح، بل يُلبس الحق بالباطل، فهو ليس عضواً أشل، بل عضو مسموم يسري فساده كالهشيم في النار.
وفي الأثر: "إياك وقرين السوء فإنك به تُعرف".
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
وإن كنت في قوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
التأثير السلبي للإعلام:
إن للإعلام تأثيرا سلبيا على عقول الناس جميعًا كبيرهم وصغيرهم وقد تنوع الإعلام بين مرئي ومسموع كلها تقصف العقول قصفا وتخاطب غرائز الشباب خطابا مشبوبا، أججت معه العواطف وأثارت مكنونات النفوس وعرضت نماذج للقدوات غير صالحة مما أثر في شخصية الشباب، حتى أخذ كثير من الشباب يشكل ثقافته وشخصيته بالطريقة التي يحبها ويهواها.
والإعلام بشكل عام سلاح ذو حدين من الممكن أن يكون نافعًا للشاب، ومن الممكن أن يكون عاملاً من عوامل الانحراف، ولكن المشاهد في الواقع هو أن ماتعرضه وسائل إعلامنا بداية من أفلام الكارتون إلى الأفلام والمسلسلات الأجنبية البوليسية، أو الإثارة أو الرعب، مع التفصيل في مواطن الانحراف كالرقص والزنا وشرب المخدرات وجرائم السرقة، كل هذا ما هو إلا طريق للانحراف الفكري والسلوكي لدى شبابنا.
البيئة المحيطة بالشباب:
للبيئة تأثير خاص في الإنسان، فالإنسان كما يقال ابن بيئته، فإن تربى في بيئة تعتز بالفضيلة والأخلاق الحسنة، صار الإنسان يعتز بالفضيلة والأخلاق، وإن عاش في بيئة موبوءة بالسموم الأخلاقية والفكرية، أصبح كذلك، فالإنسان يؤثر ويتأثر.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه" والنفس الإنسانية قابلة للخير والشر، وعندها استعداد للاستقامة أو الانحراف والبيئة هي التي تعزز ذلك وتيسره
هي الأخلاق تنبت كالنبات.. ... ..إذا سقيت بماء المكرمات
تقوم إذا تعهدها المربي.. ... ..على ساق الفضيلة مثمرات
وأكبر الأخطار على الشاب أن يعيش في بيئة يشوبها القلق والاضطرابات النفسية والسلوكية، سواء كانت بيئة البيت أو بيئة الشارع، فكل يؤثر في مجاله، لذلك يرى كثير من المربين: أن الإنسان منذ مراهقته يجب أن يهيأ له جو صالح في البيت أولاً ثم خارجه في المدرسة والشارع لأنه حتمًا سوف يتأثر بما يختلط به ويعايشه والبيت، والمدرسة، والشارع هي المحيط والبيئة التي تستغرق أكثر حياة الإنسان، فإذا صلحت هذه الأماكن صلح الإنسان.
هذه كانت بعض العوامل التي تساعد على انحراف الشباب، ذكرناها للتنبيه على خطرها والتصدي لمعالجتها ولينتبه أخواننا الشباب والمربون لها.. ونسأل الله لنا ولإخواننا الشباب الحفظ والسلامة.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــ(41/499)
مقاهي الإنترنت تختطف الشباب
لم يكن الحديث عن الإنترنت لسنوات مضت بالكثافة التي هو عليها الآن. الكثيرون اعتقدوا أن الأمر لا يعدو كونه ثورة سريعة لن تلبث أن تخمد لتعود الحياة إلى مسارها الطبيعي العادي المعتمد على الورقة والقلم.
وكما يقول عبد القادر استيتو: "تمر السنوات و تخيب توقعات هؤلاء، في حين تصيب توقعات الخبراء والمهتمين الذين كانوا يؤمنون بأن المستقبل سيكون معلوماتيا محضا.
أشياء كثيرة قيلت و كتبت عن الإنترنت، و شيئا فشيئا تحول التوجس إلى فضول، ثم إلى اكتشاف فإقبال كبير من مختلف الشرائح المجتمعية".
ومع انتشار الإنترنت المريع ظهرت مكملات ومتممات جانبية تلتصق بهذا الانتشار ومنها ما يسمى بمقاهي الإنترنت التي استمالت إليها طائفة كبيرة من الناس غالبيتهم العظمى من الشباب الذين انجذبوا إلى ذلك الفضاء الفسيح وذلك الوافد الجديد بكل قوة حتى أصبح ارتياد الشباب لها ظاهرة جديدة تستحق البحث والتحليل والعلاج؛ إن كان ثم ما يحتاج إلى علاج.
من هنا كانت البداية
انطلقت أول سلسلة في العالم من هذه المقاهي في عام 1995م في المملكة المتحدة، ثم انتشرت في كثير من الدول العربية منذ سنوات قليلة، وكان دافع أرباب المقاهي من وراء افتتاحها تحقيق هامش ربحي من خلال المزاوجة بين خدمتين، خدمة المقاهي التقليدية وخدمة الإيجار في شبكة الإنترنت، في المقابل وجد فيها الشباب تسلية جديدة تختلف عن المقاهي التقليدية!!
ومقاهي الإنترنت بحد ذاتها ليست ظاهرة سيئة لو استغلت الاستغلال الأمثل، لكن الخطير في الأمر أن تصبح هذه المقاهي أوكاراً للاستخدام السيئ من قبل بعض الزبائن، وذلك من خلال الدردشة لأجل الدردشة فقط، والنفاذ إلى المواقع الجنسية بعيدا عن الرقابة الأسرية.
إحصائيات مرعبة
وقد دلت الإحصائيات أن معظم مرتادي هذه المقاهي هم من الشباب، فقد أثبتت إحصائية وزعتها مجلة خليجية على عدد من مقاهي الإنترنت أن 80% من مرتادي هذه المقاهي أعمارهم أقل من 30 سنة، فيما قالت إحصائية أخرى أن 90% من رواد مقاهي الإنترنت في سن خطرة وحرجة جداً.
وهذه نتيجة خطيرة، فكون معظم مرتادي المقاهي من الشباب ومن فئة عمرية خطرة تحديدا، وأن معظمهم يرتاد هذه المقاهي للدردشة، فإن الظاهرة هنا تصبح خطرة تستدعي إيجاد بدائل يمكن للشباب أن يقضوا أوقات فراغهم فيها، بدلا من إضاعة المال والوقت والأخلاق بما لا ينفع !!.
المقاهي لماذ؟
كان اندفاع الشباب نحو تلك المقاهي لأسباب مختلفة يأتي على رأسها الفراغ الممتد في يوم الشباب والفرار من الأعمال الجادة، خصوصا مع ارتفاع معدل البطالة في كثير من دولنا العربية والإسلامية، فيبحث الشاب عن مكان يقطع فيه فراغه. ثم بعد ذلك أسباب أخرى منها:
أولا: عدم إمكانية شراء جهاز كمبيوتر لغلائه ونظرا للحالة الاقتصادية عند بعض الشباب فاستعاضوا عن ذلك بساعات يقضونها في المقاهي.
ثانيا: صعوبة الوصول إلى النت عند البعض، خصوصا أن هذه الوسائل لم تعمم في جميع البلدان ووجودها يقتصر في بعض الدول على المدن دون القرى، لكن عموما هذه الخدمة بدأت تنتشر وتتوفر وإن كان بنسب متفاوته خاصة في المجتمع العربي وتشير إحصائية تم رصدها عام 2004 إلى أن نسب المستخدمين للنت بين عام 1990 وعام 2002 بلغت في البحرين 245 من كل ألف شخص، و105.8 من كل ألف شخص في الكويت، و113.2 في قطر، و313.2 في الإمارات العربية المتحدة، و70.9 في عُمان، و64.6 في السعودية، و117.1 في لبنان، و57.7 في الأردن، و51.7 في تونس، و30.4 في فلسطين، و12.9 في سورية، و16 في الجزائر، و28.2 في مصر، و23.6 في المغرب، و2.6 من أصل ألف شخص في السودان. ولا شك أن هذه الأعداد زادت عامي 2003، 2004.
ثالثا: البحث عن الخصوصية: فبعض الشباب ربما لديهم أجهزة في بيوتهم لكنهم يفتقدون خصوصية البحث عما يريدون، لاسيما إذا كانت البيوت محافظة وهم يبحثون عن المحادثات أو المواقع الإباحية وهي نسبة كبيرة من الشباب. وأكثر المقاهي تجدها مهيئة لذلك من جو شاعري وأضواء خافتة وتجهيز المكان بحيث لا يطلع أحد على الجالس ولا يدري أحد ماذا يفعل.. ويكفي أن نعلم أن المقهى الذي لا يوفر مثل تلك الخصوصية يتدنى دخله بصورة كبيرة جدا مقارنة بالمقاهي التي توفرها.
رابعا: وجود الفني القادر على كسر كثير من برامج حجب المواقع الممنوعة(البروكسي)، وكثير من الشباب لا يرى غضاضة في أن يستدعي عامل المقهى ويطلب منه الدخول على مواقع معينة وهو يدفع للمقهى وهذا ما يريده كثير من هؤلاء المستثمرين على حساب الأمة ودينها وشبابها. فالمبدأ عند هؤلاء التجار " ادفع واطّلع على ما تريد".
خامسا: الاستئناس بالأصدقاء والبعد عن جو المنزل وذلك من خلال الخدمات الجانبية التي يقدمها المقهى وإمكانية مواعدة الأصدقاء فيها ليكون لقاء بالأصدقاء وإبحارا في النت في نفس الوقت.
سادسا: يعلم كثير من المستخدمين لشبكة الإنترنت أن بوسع غيرهم أن يتعرف عليهم فيما لو استخدموا أجهزتهم الشخصية، ولذا فراراً من انكشاف أفعالهم المخزية يلجئون إلى هذه المقاهي لتقيد جرائمهم ضد مجهول، ويظهر هذا جليا مع البنات ذوات العلاقات أو الباحثات عن اللذة ومواقع الجنس.
ومن الأسباب أيضا: إهمال الأباء وضعف مراقبة الأسر لأبنائها وهذه عليها معول كبير.
هذه كانت أشهر الأسباب في نظري، ولا شك أن هناك أسبابا أخرى تختلف باختلاف الأشخاص ومقاصدهم .
ماذا يفعلون؟
كان السؤال الذي يطرح نفسه لبيان وضع تلك المقاهي ومدى منفعنها أو ضررها هو معرفة ماهية المواقع التي يتصفحها مرتادوا المقاهي؟.
في استبانة أجرتها إحدى المجلات السعودية عن نوعية المواقع التي يدخلها الشباب في المقاهي كانت النتيجة أن 60 % يقضون أوقاتهم في مواقع المحادثة، و20% من المستخدمين للمواقع الثقافية، و12% للمواقع الطبية والحاسوبية والتجارية، و8 % للمواقع السياسية.
وقد أجمع أصحاب تلك المقاهي أن أكثر ما يبحث عنه الشباب خصوصا والرواد عموما هو التشات (المحادثة) والجنس..
يقول محمد خضير صاحب مقهى في القاهرة: "إن الشباب المصري يُقبل بشكل أساسي على مواقع المحادثة المختلفة (تشات)، يليها مواقع البريد الإلكتروني، ثم مواقع محركات البحث، خاصة غوغل وياهو!! أما الأجانب فغالبا ما يركّزون استخدامهم على مواقع البريد الإلكتروني".
أما محمد الشاوني، 21 سنة، طالب فيقول: "بصراحة أحضر هنا للدردشة، إنها أمر مسلٍ، و باعتباري أجيد اللغة الإسبانية فأنا أحب أن أحاور الإسبان".
ويقول عبد الفتاح، 23 سنة، أحضر هنا للدردشة بالدرجة الأولى، أحاول أن أفعل أشياء أخرى لكن مشكلة اللغة تقف حاجزًا أمامي لأن المواقع التي أريدها هي بلغة أجنبية".
وتبدي هبة حداد وهي طالبة تجارة اشمئزازها مما تراه خلال ترددها إلى مقاهي الإنترنت وتقول: "لا أعرف لماذا يحب بعض الشباب الاطلاع هذه الصور الإباحية الصارخة".
وتقول سامية محمد (22 سنة): "شبكة الإنترنت فتحت لي آفاق المعرفة وأبواب الحرية على مصراعيها، وأكملت جوانب أفتقدها في الواقع، لكنها في المقابل وضعتني في اختبار مستمر أمام نفسي.. في بعض الأحيان أدخل إلى الإنترنت بعد منتصف الليل ويكون جميع أفراد أسرتي نائمين، أذهب إلى غرف المحادثة للتعرّف على أصدقاء جدد لهم نفس اهتماماتي.
أما صلاح (20 سنة) فيقول: "لقد فعلت كل شيء عبر الإنترنت، وكنت أعتقد أنني بذلك نلت كل حريتي، لكنني سرعان ما اكتشفت أنني مخطئ".
لا رقابة:
في حديث مع بعض أصحاب المقاهي حول جدية الرقابة وحجب المواقع المثيرة كانت الإجابة بما معناه القانون هنا " ادفع واطّلع على ما تريد". وقال صاحب إحدى المقاهي: "لم أتدخل يوماً في ماهية ما يقرأه المتصفح، ولا عوازل أو رقابة أفرضها على أي موقع". ويقول مؤيدا مبدأه عمليا: "رأيت شباناً يطلعون على مواقع إباحية وغيرها، لكن لا يمكن منع الزبون من رؤية ما يجذبه، ليست مهمتي هنا تربيته!"
أما المستشار القانوني لجمعية محترفي الإنترنت وليد ناصر فيقول: "لا أعلم ما إذا كانت الأجهزة الأمنية تفرض رقابة دائمة على الإنترنت، وأنا أشك في ذلك؛ لأن أمراً مماثلاً يحتاج إلى جهاز رقابة دائمة يرصد ما يضاف وما يحذف، وهو أمر معقّد".
ويقول سفيان وهو مستثمر لمقهى إنترنت إن حجم الرقابة التي يمكن أن تفرض على مرتادي الإنترنت تتفاوت حسب قدرات المستخدم التقنية، فالمبتدئ يُسيطَر عليه بنسبة 100%، أما المحترف فحجم السيطرة عليه لا تتجاوز30% كونه يمتلك طرقا لاختراق الرقابة، تتمثل بما يسمى بـ"البروكسي"، والذي يمكن أن يتطوّر بتطور أجهزة الرقابة وبحسب الحاجة، ويمكن كسر الحظر بالدخول عن طريق مواقع أخرى، أو بتغيير شيفرة الموقع، فتكتب الشيفرة بدلا من الأحرف التي تكون اسم الموقع، وتمر عملية الاتصال".
نتائج ومخاطر
والخلاصة أنه يكاد يكون من المستحيل وجود رقابة صارمة لحفظ أبنائنا مع وجود محاولات جدية من بعض الدول، وانفتاح صارخ من بعضها الآخر مما ينتج عنه مخاطر جمة ..أهمها :
1) انهيار المجتمع بانهيار فئة الشباب فيه.
2) تضييع أوقات الشباب في غير منفعة عند الغالبية.
3) الإصابة بالأمراض النفسية.
4) الغرق في أوحال الدعارة والفساد .
5) التعرف على أساليب الإرهاب والتخريب .
6) التعرض لدعوات التنصير والتهويد والمذاهب الهدامة .
7) التجسس على الأسرار الشخصية.
8) إنهيار الحياة الزوجية.
9) التغرير ببعض الفتيات ووقوعهن فريسة للاهين اللاعبين.
خاتمة لابد منها :
لا يستطيع أحد أن يجحد الفوائد التي يمكن أن يجتنيها البعض من خلال تلك المقاهي، كالبحث العلمي ، وإرسال رسائل بريد إلكتروني سريعة، والاطلاع على الكتب الحديثة والمكتبات العالمية الضخمة، والبحوث العلمية الحديثة.. و.. ولكن لما كان جل الاستخدام في غير ذلك كان إثمها أكبر من نفعها ..
والإنترنت ومقاهيه ـ كما الأدوات الإعلامية الأخرى - سلاح ذو حدين، يمكن أن يكون مفيدا جدا إذا عرفنا كيف نستغله أحسن استغلال، و هو في نفس الوقت أداة تخريب للنفوس والأرواح عن طريق المواقع التافهة و الجنسية التي لا تجدي فتيلا ، وبشيء من المراقبة، وبشيء من التوجيه والإرشاد و التوضيح، يمكن أن نستفيد من هذه الآلة ونحفظ أبناءنا من شرورها والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
ــــــــــــــــــــ(41/500)
إدمان الإنترنت ينتشر بين شباب العراق
بات الجامعي العراقي خالد خليل محترفاً في استخدام شبكة الانترنت التي اصبحت متوافرة في كل مكان تقريباً، والتي يستخدمها من المنزل عبر الهاتف. ويتجاهل نصائح الأطباء في تأثير ذلك في الصحة، لا سيما مع ادمانه التصفح ودخول غرف المحادثة (الشات) لساعات تتجاوز نصف اليوم متناسياً مشورة والديه في ان الانترنت سيلهيه عن دروسه وواجباته.
وبعيداً من هذه النصائح، اكتشف خالد الذي يدرس طب الأسنان في الجامعة المستنصرية في بغداد، ان ادمانه الانترنت تدريجاً سبب له احباطات نفسية وصلت إلى كآبة في بعض الأيام، فقرر اجراء مسح ميداني على مدمني الانترنت «الذين يستخدمونه ثماني ساعات وأكثر، وتأكد ان ما يصيبه من فترات حزن واختلاء بنفسه يتعرض إليها أولئك الذين شملهم الاستطلاع».
ويقول خالد: «أرسلت استمارة لمئة فتاة وشاب تعرفت إليهم من طريق الانترنت، تحوي خمسة أسئلة من ضمنها «هل تفضل المحادثة كتابةً أو من طريق الكاميرا والمايك؟ هل ترغب بالحديث مع جنس مختلف عنك؟ هل تشعر بالحزن أثناء حديثك مع شخص ليس من بلدك؟ هل تحزن اذا فقدت شخصاً كنت تحاورة؟ هل حققت علاقة حب ناجحة؟ هل تنتابك الكآبة بعد اغلاقك الكومبيوتر، والرغبة في فتحه سريعاً؟ إضافة إلى استفسارات عن عمر الشخص ومستوى تعليمه وجنسه وجنسيته وساعات استخدامه شبكة المعلومات.
ويضيف ان نتائج الاستطلاع، الذي شمل 67 فتاة عزباء تتراوح أعمارهن بين 17 و 24 عاماً و 34 شاباً بين 19 و 25 عاماً من العراقيين حصراً، أثبتت ان هؤلاء يعتبرون الدردشة (الشات) وسيلة للترويح عن النفس والتحدث مع شخص بصورة غير مباشرة من دون احراج أو خوف. ويعتبر خالد ان «مدمني الانترنت يفضلون التحدث مع شخص يختلف عنهم في الجنس والجنسية من طريق الكتابة مع استخدام جهاز التصوير»، إلا انهم «غالباً ما يشعرون بالحزن لدى اغلاقهم جهاز الكومبيوتر»، ويؤكد ان «علاقات الصداقة والحب التي ينشئها هؤلاء تفشل بنسبة 99 في المئة وتكون علاقات وقتية لاشباع رغبات معينة».
من جانبها، تشير منتهى سامي، متخصصة في علم النفس، ان دخول الانترنت بلا قيد أو رقابة البيوت العراقية «أوجد الرغبات المكبوتة لسنوات في التعرف إليه واستخدامه، إلا ان هذه الرغبات لا تلبث أن تتلاشى مع اكتشاف مدمنيه انه ليس سوى آلة كهربائية وجدت لتقصير المسافات واستغلال الزمن في الاتصال والمعرفة والاطلاع بين دول العالم».
وتلفت إلى ان الشباب العراقي «استقبله بقلب متعطش بعد سنوات من الحرمان، واعتبروه وسيلة جيدة لانشاء صداقات أو اعلانات حب مع الأخذ في الاعتبار تقاليد المجتمع العراقي المحافظ وانعدام فرص لقاء الشباب في النوادي الاجتماعية والترفيهية والرياضية وتدني المستوى المعيشي وسوء الوضع الأمني وتفاقم ظاهرة العنوسة».
وتذكر رؤى مهند التي تدرس علم الآثار في جامعة بغداد، أن أكثر من نصف محاوريها عبر «الشات» يكذبون وانه ليس بيدها التأكد من صدقية النصف الآخر. وتلمح إلى ان جميع مستخدمي غرف الدردشة لديهم مشكلة في التحدث إلى أمثالهم في الجنس.
ــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــ
الحياة: 15343
ــــــــــــــــــــ(42/1)
ــــــــــــــــــــ(42/3)
المخدوعة
باتت وللدمع في أجفانها سفحُ... ..تُسائلُ الليل أنَّى يُشرق الصُّبحُ
باتت وفي جوفها المحموم نارُ أسى.. ... ..يكاد يُحرقها من حرِّها لفحُ
كساها ثوب الدُّجى من لونه قِطعًا.. ... ..جُنْحٌ يمرُّ بطيئًا بعدهُ جُنحُ
تظنُّ ساعاته من طولها وقفت.. ... ..ليست تُلام فقد أودى بها البُرْح
تغيبُ عن وعيها ممَّا تُحسُّ به.. ... ..حينًا و حينًا على أحزانها تصحو
ترنو بعينٍ عن الزُّوَّارِ شاردةٍ.. ... ..أطيافُ نكبتها في عينها لَمْحُ
لم يبق منها لما تلقى سوى رمقٍ.. ... ..لا يستجيشُ وأنفاسٍ لها نفحُ
في وجهها تكتُب الآهاتُ قصَّتَها.. ... ..الحزن يُملي ودَمْعاتُ الأسى تمحو
مسكينةٌ جَرّحتها كفُّ من حملت.. ... ..له الجراحَ .. لقد أمسى هو الْجُرحُ
وفارس الْحُلْمِ المنشود أزهقها.. ... ..لما تلقَّته من غلوائه رُمحُ
ويح الضعيفةِ باعته بلا ثمنٍ.. ... ..تاج الطهارة حتى فاتها الربحُ
بالأمس يمدحها مدحًا تهيم به.. ... ..واليوم يذبحها .. ماذا جنى المدحُ
يا درةً أوسختها كفُّ لامسها.. ... ..حتى تناهى بها بعد البَهَا القُبحُ
كنتِ المصونة دهرًا.. ما دعاكِ إلى.. ... ..مستنقعٍ للضواري حوله نبحُ
لقد جلبتِ على أهليكِ قارعةً.. ... ..يضيق في وصفها التفصيلُ والشرحُ
هل تعلمين بأنَّ الناصحين بكوا.. ... ..لِما دهاكِ وأن قد اصابهم قَرْحُ
بودِّهم لو فدوكِ بالثمين ولم.. ... ..يُصبكِ من هؤلاء الزُّمرةِ الذَّبحُ
لقد غدوتِ ولَمَّا تشعُري خبرًا.. ... ..للناس جمعٌ على جرّاهُ أو طَرْحُ
لكنْ أقولُ لمن لم تدر قصَّتها.. ... ..حذراكِ حذراكِ لا يشقى بكِ النُّصْحُ
إن الهوى عالمٌ لو راق ظاهرُهُ.. ... ..ففي ثناياهُ بُؤسُ الدَّهر والترْحُ
وخافي من ليلهِ إن كُنتِ عاقلةً.. ... ..ليلُ الذئاب رهيبٌ مالهُ صُبْح
ــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــ(42/3)
الثقافة الجنسية .. متى وكيف؟
تعتبر الثقافة الجنسية في أحد جوانبها جزءاً من الثقافة العامة والمهمة في ذات الوقت بالنسبة للشباب من الجنسين.. وهي ترتبط بالثقافة الاجتماعية السائدة والقيم الفكرية والتربوية والدينية في المجتمع؛ ومن ثم تختلف طريقة التثقيف الجنسي وكذا طريقة تناولها من مجتمع لآخر حسب هذه المؤثرات.
وقد مرت الثقافة الجنسية بمراحل وتطورات عديدة وفقاً لتركيبة المجتمع وظروفه وثقافته.. ولا تزال النظرة إلى هذا الموضوع مشوهة ومجانبة للصواب في أكثر مجتمعاتنا.. كما وأنها تحوي كثيرًا من الخرافات والمعلومات الخاطئة.. والتي تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في عدد من الاضطرابات الجنسية والنفسية والاجتماعية لدى الشباب.
ويعتقد البعض أن الثقافة الجنسية تتعارض مع الدين أو أنها تشجع الإباحية والتفلت الأخلاقي.. وهذا بالطبع غير صحيح على إطلاقه.. فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة كيف يختارون أزواجهم، وكيف يتعاملون مع نسائهم، بل وأيضا كيف يأتون أهليهم، وماذا يقولون عند الجماع، وربما في أكثر من ذلك كما في حديث المستحاضة وغيرها من المواقف المشهورة.. والفقه الإسلامي يتناول القضايا الجنسية بصراحة ووضوح وبشكل منطقي وعملي وأخلاقي وتربوي في آن واحد.
أمر لابد منه
والثقافة الجنسية في حد ذاتها أمر لابد منه؛ لأنه يتعلق بأمر فطري وبحاجة عضوية ونفسية ملحة، والإنسان إذا ما وصل إلى مرحلة معينة سيبدأ يبحث فيه ـ سواء علم من معه أو لم يعلموا ـ، ولكن الذي ينبغي أن يقال هو أن مسؤولية المجتمع بداية من الأسرة والمدرسة والجامعة والمجتمع ككل هي في وصول تلك الثقافة الهامة ـ والخطيرة في نفس الوقت ـ بطريقة مدروسة ومرتبة يراعى فيها حال الشاب أو الشابة بحيث يتدرج فيها تدرجا يسمح له بالمعرفة والإدراك مع الحفاظ عليه من التشتت والانحراف، والعجيب أن ديننا الكريم يسمح بهذا ويعرضه في أنقى ثوب وأطهره، وهو مبثوث في كتب العلم وأبواب الفقه والتي كان يتعلمها أبناء المسلمين في سن مبكرة جدا... لكن يلاحظ في كتب أهل العلم ما يلاحظ في القرآن الكريم والسنة المطهرة من محافظة على الألفاظ والتلميح دون التصريح ـ قدر الطاقة ـ واستعمال عبارات غاية في الأدب ومؤدية للغرض في نفس الوقت، من مثل "أو لامستم النساء" ، "فأتوا حرثكم " "وقدموا لأنفسكم".. ومن مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : "أقبل وأدبر واتق الحيضة والدبر"... إلى آخر هذه العبارات المغلفة بغلاف الأدب والوقار.
نقاط مهمة
ومن هنا أحببت أن أنبه كل ذي صلة على بعض نقاط تتعلق بتناول هذا الأمر:
أولا : إنما يتحدث في مثل هذه الأمور مع من يحتاجها، فقبل وصول الابن ـ ذكرا كان أو أنثى ـ لسن التمييز لا قيمة للكلام معه في مثل هذه الأمور، ودعك ممن يقول بوجوب تعليمها لابن سنتين أو من يدور حولها فوجهتهم تدل عليهم.
ثانيا: عرض هذه المسائل لكل إنسان بحسب حالته واحتياجه، فليس من يبدأ سن المراهقة ـ مثلا ـ كمن هو مقبل على الزواج بعد أيام .. هذا إذا كان عند أحدهم ما يحتاج للسؤال عنه أصلا، لأن القنوات والنت لم يدعا لأحد شيئا إلا من رحم الله.
ثالثا: تقديم جرعات مناسبة للأبناء تتناسب مع أعمارهم واحتياجاتهم ومن خلال مؤسسة الأسرة والمدرسة، حتى لا يكون الأمر مفاجأة عندما يشب الابن أو البنت، وهذه المرحلية في التثقيف مناسبة حتى يجد الابن ردودا على تساؤلاته المتعلقة بهذا الأمر وإلا سيطلبها من مصادر غير آمنة أو من خلال طرق غير مشروعة.. فكأن تقديم هذا النوع من المعلومات بهذه الصورة الممرحلة هو في الحقيقة جرعات مناعة وحماية للأبناء من خطوات الشياطين ومن إغواء المارقين.
رابعا: التمسك بأدب القرآن والسنة في الكلام في هذه الأمور قدر الطاقة، وهو الوصول للغاية المطلوبة بأكثر الطرق أدبا وتهذيبا فيتعلم الإنسان الجنس والأدب جميعا. وما زال الحياء شعبة من الإيمان إلى أن تقوم الساعة.
خامسا: الحذر من أن يكون هذا الموضوع هو كل هم الإنسان ومحور تفكيره، فالإفراط في مثل هذا له أضرار كثيرة ربما تخرج بصاحبها عن حد الاعتدال، بل وربما جره ذلك إلى البحث في مواطن الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود، ومن سلم له دينه فقد أحسن الله به صنعا وأراد به خيرا، وإلا فما أكثر الهالكين فيها والضائعين، وكثير منهم إنما دخلها أول مرة إما خطآ وإما على سبيل التثقيف وأحيانا على من باب الفضول فكانت العاقبة خسرًا وصار الواحد منهم أو الواحدة كمثل الذبابة التي قالت: "من يدلني على العسل وله درهم، فلما وقعت فيه قالت من يخرجني منه وله أربعة دراهم".
أخيرا: أدب الجنس بكل ما فيه (ومرة أخرى بكل ما فيه) موجود في كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وكتب سلفنا العامة كالتفسير وشروح الحديث، أو الخاصة كآداب العشرة وعشرة النساء واللقاء بين الزوجين على ضوء الكتاب والسنة، وغيرها كثير.. مما فيه الغنى عن مجلات الإثارة والفتنة، ومواقع الإباحة والخلاعة... ومن قرأ ما في المكتبة الإسلامية أغناه ذلك عن غيرها وحفظه عن الوقوع فيما حرم الله ووهبه ثقافة كاملة وطاهرة ..
ــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــ(42/4)
في الجزائر: الكتب والأشرطة الإسلامية بدل الأغاني
جاء قرار السلطات الجزائرية أخيرا بمنع تداول عدد من المنشورات والمطويات الدينية في المساجد عقب العثور على كتيب يبيح حرق بيوت الله، ليفتح النقاش مجدداً حول ظاهرة الانتشار الهائل للكتاب الديني الذي يشهد إقبالاً منقطع النظير بين الشباب. والأمر مشابه بالنسبة للشريط الديني، الذي يلقى رواجاً بينما تعرف أشرطة الراي - تراجعاً ملحوظاً.
تصدرت عناوين الصحف الجزائرية في الأيام الأخيرة، أعمال التخريب التي مست بعض المساجد الجزائرية، وكان آخرها المسجد المركزي في منطقة البليدة على بعد كيلومترات من العاصمة. استيقظ الجزائريون على خبر وصفوه بالفاجعة والسابقة الخطيرة عقب إقدام أحدهم على حرق مسجد وتلف عدد من المصاحف. ولم تمر أيام، حتى انتشر مجدداً خبر العثور على كتيب ديني في أحد المساجد يبيح حرقها.
وكانت الحادثة فرصة لبعض الأطراف المحسوبة على التيار العلماني في الجزائر، لإعلان الطوارئ، والتحذير من أن الكتيب المنشور هو بمثابة مؤشر خطير لعودة المتشددين إلى السيطرة على المساجد. وردت الوزارة بأن ما حدث هو فعل فردي معزول، وليست اعتداءات منظمة، وأن أسلوب الحرق هو انتقام من إقامة الحلقات، لأن هؤلاء المعتدين - في نظر الوزير - يحاولون الانتقام من إقامة الحلقات في المساجد، وأفعالهم مستمدة من مضامين كتب مستوردة من الخارج تهدف إلى نشر البدع داخل الجزائر.
ومهما كانت خلفيات تلك الأحداث، فإنها أعادت فتح النقاش حول انتشار الكتاب الديني الذي أصبح يشكل أعلى المبيعات في كل المعارض الوطنية والدولية التي دأبت الجزائر على تنظيمها في السنوات الأخيرة. وبات الشباب من مختلف التوجهات الفكرية يقبلون بكثافة على الكتب الدينية المستوردة من مصر والأردن وسورية، ولبنان خصوصاً، إلى جانب الأشرطة السمعية التي تستورد من دول الخليج وتتضمن دروساً في الوعظ والإرشاد وتلاوة القرآن الكريم.
وعرفت الدورة التاسعة للمعرض الدولي للكتاب الذي نظم أخيراً في الجزائر، إقبالاً كثيفاً على أجنحة دور النشر الجزائرية والعربية التي جاءت محملة بأطنان من الكتب الدينية. تهافت عليها الشباب طيلة أيام المعرض، بينما بقيت بعض الأجنحة شبه فارغة.
والغريب في الأمر، أن الشباب الجزائري الذي اعتاد أن يشكو من غلاء الكتب المعروضة، لا يطرح هذا الإشكال كلما تعلق الأمر بالكتاب الديني. ويبرر كمال الدين (24 عاماً)، طالب في معهد الشريعة في الخروبة تلك المفارقة قائلاً: «سعر الكتب الدينية لا يزال مرتفعاً إلا أنني أشتريه، لأن الأمر يتعلق بواجب ديني، فأنا مسلم وعلي أن أسعى للتفقه في الدين مهما كلفني الأمر».
لكن عمر (26 عاماً) لديه رأي آخر: «لا تنس أيضاً أن الكثير من هواة اقتناء الكتب الدينية يفعلون ذلك من باب التقليد فقط، فهم يحبذون تزيين مكتباتهم المنزلية بها، حتى دونما أن يقرؤوها، وآخرون يفعلون ذلك لأنهم يخشون أن يعيب عليهم غيرهم خلو منازلهم منها».
ويرى عبد الوهاب (27 عاما)، الذي يعمل في دار الأصالة للكتاب «إن إقبال الشباب على الكتاب الديني بدأ من بداية التسعينات مع بروز ما يسمى بالصحوة الإسلامية وتأسيس عدد من الأحزاب الإسلامية».
وبحسب عبد الوهاب الذي يعمل بائعاً في أحد محلات «دار الأصالة» في حي باب الواد الشعبي الذي يكتظ بالشباب، ويعد أهم معاقل حزب «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظور، فإن المبيعات من الكتب الدينية تبلغ أرقاماً قياسية خلال شهر رمضان، وخلال الكوارث الطبيعية والسياسية، إذ تثير تلك الأزمات لدى الجزائريين، وبخاصة الشباب منهم، شعوراً بضرورة التقرب إلى الله وتذكرهم بالموت فيتهافتون على اقتناء الكتب والأشرطة الدينية.
وإذا كان معظم أصحاب المكتبات يرفضون الكشف عن حجم مبيعاتهم وأرباحهم من الكتب الدينية، خشية أن تتعقبهم مصالح الضرائب، فإنهم يعترفون بأنهم يحققون خلال رمضان ومواسم الأزمات ما لا يحققونه خلال أشهر من العمل! ويقول مسؤول في «دار الأصالة»: «كتب ابن القيم الجوزي تحقق أعلى المبيعات لكونها تمس بالعقيدة وتتضمن دروساً تخيف صاحبها من النار وعذاب القبر، إلى جانب تفسير ابن كثير للقرآن الكريم، ويقبل الشباب من الذكور على الكتب بشكل أكبر، بينما تميل الفتيات إلى الأشرطة الدينية. ولا يقتصر الإقبال على المحجبات فقط، بل حتى السافرات يقبلن على الأشرطة الدينية لعمرو خالد خصوصاً بعد أن ذاع صيته في إقناع الكثير من الفنانات بارتداء الحجاب».
غير المحجبات يقبلن على الأشرطة الإسلامية أيضاً
وتفسر إيمان (16 عاماً)، طالبة محجبة في معهد التخطيط والإحصاء، ميل الفتيات إلى الأشرطة بدل الكتب بقولها: «أحبذ الأشرطة لأنني أجد سهولة أكبر في متابعة الدرس الديني عن طريق السمع الذي يؤثر في الإنسان، إلى جانب أشرطة الفيديو، كما أن الأشرطة تقدم خلاصة البحث في مجموعة من الكتب».
ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى الشريط الديني الذي يعرف رواجاً كبيراً في السوق الجزائرية، وأصبح يباع فوق الأرصفة وفي المساجد وعلى هامش المعارض والندوات الفكرية والملتقيات.
ويقول عزيز، المسؤول في «شركة القدس لتسجيل الأشرطة الدينية»، إن «الشريط الديني لا يضاهي شريط الغناء من حيث المبيعات، لكنه يزاحمه على رغم اختلاف الإمكانات التي تتوافر لشركات توزيع أشرطة الغناء»، مضيفاً: «هناك ملاحظة مهمة، فالشباب الذين يقتنون الشريط الغنائي تعثر في منازلهم على أشرطة للقرآن الكريم أو دروس الوعظ، لأن الجزائري بطبعه لا يقبل أن يخلو منزله من مصحف أو كتاب ديني، ومعظم الشباب الذين يسمعون أغنية الراي مثلاً، يقبلون على شراء الشريط الديني في شهر الصيام، بينما لا تجد عند الشباب المتدينين من يقتني منهم الكاسيت الغنائي لأنه يعتبر الغناء حراماً».
من جهته يقول عمار، أحد مسؤولي محلات بيع كاسيت الغناء، «إن أشرطة الراي لا تزال تحقق أرباحاً وإن تراجعت، وهذا لا يعود لاكتساح الشريط الديني للسوق، بل ناجم عن انتشار ثقافة الهاتف النقال لدى الشباب، بخاصة الفتيات اللائي يعتبرن الزبون الأول لنا، لكنهن أصبحن اليوم يفضلن ادخار المال لشراء بطاقة تعبئة للهاتف بدلاً من شريط غنائي، مما أثر على مبيعات الكاسيت، إلى جانب قرصنة الأشرطة الغنائية».
وفي نظر عزيز، الذي تعتبر شركته أكبر وأشهر شركات تسجيل الأشرطة الدينية في الجزائر، فإن تلك الشركات تشتري النسخة الأصلية من الشريط الديني من دول الخليج، ثم تعيد إنتاجه بعد الحصول على رخصة من وزارة الشؤون الدينية التي تراقب السوق. لكن عزيز يرفض تقديم أرقام عن حجم مداخيل الشريط الديني خوفاً من «قمع» مصالح الضرائب، ويكتفى بالقول: «نحن نحقق في موسم رمضان والكوارث الطبيعية ما لا نحققه خلال الأيام العادية».
ولدى نسيم لكحل (26 عاماً)، صحافي وطالب ماجستير في معهد علوم الإعلام والاتصال رأي مخالف لتفسير ظاهرة رواج الكتب والأشرطة الدينية: «هناك العديد من التجار الجزائريين الذين يحصلون على بعض الكتب الدينية والمطويات والنشريات والأشرطة مجاناً من الجمعيات الخيرية المنتشرة في دول الخليج ثم يعيدون بيعها في الجزائر».
ويرى سمير (30 عاماً) طالب في معهد الترجمة أن «إقبال الشباب الجزائري على الكتب والأشرطة الدينية، وإن كان منتشراً في الأحياء الشعبية والمدن الداخلية، فإننا نكاد لا نعثر على محل واحد لهذه الكتب والأشرطة في بعض الأحياء الراقية التي يقطنها شباب منغمسون في أغاني الراي والروك ومتابعة مسلسلات القنوات الفرنسية، وهم أيضاً يشكلون صنفاً آخر من الشباب الجزائري، ومعظمهم من الأثرياء وأبناء المسؤولين».
الحياة : 4/1/2005م بتصرف
ــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــ(42/5)
الزواج المبكر
تناولنا في مقال سابق موضوع تيسير الزواج وضرورته، وذكرنا بعض وسائل التيسير التي ينبغي الاعتناء بها وتفعيلها، وهنا نتناول موضوع الزواج المبكر، والحديث عن الزواج عموما من المواضيع التي يهتم بها الشباب، ولهم الحق في ذلك، وخاصة في مثل زماننا الذي كثرت فيه أنواع الفتن والمغريات، وصار الشاب يخاف على نفسه وسط تلك الأمواج العاتية، والأعاصير المدمرة.
وعندما نذكر الشباب في مثل هذه المواقع نقصد بهم الشباب الحريص على صحته وعافيته، وقبل ذلك على دينه وتقواه، ومراقبته لربه ومولاه.
وعندما نذكر الزواج المبكر لا نقصد به سنا معينا بقدر ما نريد من الشاب الانتباه لنفسه، فهو أعلم بها من غيره، فإن أحس أنه بلغ مبلغ الرجال، وصار يفكر و يميل إلى الجنس الآخر، وبدأت المشاعر والأحاسيس تتحرك في وجدانه إذا سمع صوتاً، أو رأى امرأة....فعليه المبادرة بتقوى الله وتذكر الزواج والسعي إليه، وطلب العون من ربه ومولاه، وخاصة إذا كان مستطيعا وقادرا، فالزواج المبكر يحل له الكثير من المشكلات التي ستواجهه، والعقبات التي تعترضه لو سلك طريقا آخر لإشباع رغبته وإرضاء فطرته.
ولكن تبقى المشكلة عندما يفقد الاستطاعة على الزواج، مع حاجته إليه، وهنا عليه اللجوء إلى خالقه سبحانه وتعالى أيضا، والصبر عن المعصية مهما كانت مغرية في ظاهرها، ثم الأخذ بالهدي النبوي الكريم، ووصيته للشباب، كما رواها ابن مسعود -رضي الله عنه- في قوله: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شباباً لا نجد شيئاً، فقال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) متفق عليه.
والزواج المبكر ليس بدعة مذمومة، ولا عادة سيئة ممقوتة، وإن ندر أو ضعف في مجتمعات بعض الناس، فقد كان محبوباً مرغوباً عند أولئك الأصحاب الكرام رضي الله عنهم. ووجد من الصحابة الكرام من بكّر في زواجه.
هل الزواج...شاغل؟
وما يقال من أن الزواج المبكر يشغل عن التحصيل العلمي وعن الدراسة فلا يسلم بذلك، بل الصحيح العكس لأن الزواج تحصل به مزايا كثيرة، ومنها السكون والطمأنينة وراحة الضمير وقرة العين، وهذا مما يساعد الطالب على التحصيل لأنه إذا ارتاح ضميره وصفا فكره من القلق، فذلك يساعده على التحصيل.
وما يقال من أن الزواج المبكر يحمل الشاب مؤنة النفقة على الأولاد وعلى الزوجة إلى آخره. فليس بمسلم أيضاً؛ لأن الزواج تأتي معه البركة والخير، فهو طاعة لله ورسوله، والطاعة كلها خير. فإذا تزوج الشاب ممتثلاً أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومتحريًا لما وعد به من الخير وصدقت نيته فإن هذا الزواج يكون سبب خير له. والأرزاق بيد الله عز وجل: { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } [سورة هود: 6] ، فالذي يسر لك الزواج سييسر لك الرزق، لك ولأولادك { نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } [سورة الأنعام: 51]، فالزواج لا يحمل الشاب فوق طاقته كما يتصوره البعض.
أما ما يتعللون به من العراقيل التي وضعت في طريق الزواج فهذه من تصرفات الناس السيئة.
فوائد متعددة
والزواج المبكر له فوائد متعددة، منها:
1- حصول الأولاد الذين تقر بهم العين، ويفرح بهم الأب قبل عجزه : قال تعالى: { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } [سورة الفرقان: 74]، كما أن الأولاد شطر زينة الحياة الدنيا { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [سورة الكهف: 46].
2- تكثير الأمة الإسلامية وتكثير المجتمع الإسلامي. والإنسان مطلوب منه أن يشارك في بناء المجتمع الإسلامي يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( تزوجوا فإني مكاثر بكم يوم القيامة ) رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني، وفترة الشباب هي زمن النشاط والطاقة والعطاء .
3- صون الشباب من الانحراف والوقوع في الرذيلة.
4- حفظ أعراض المسلمين، وصون المجتمع الإسلامي من الآفات، والأمراض.
5- حصول الأمن والاستقرار، فالزواج المبكر يكبح جماح طاقة الشباب من الانحراف، ولو بقيت دون تصريف قد تؤدي إلى حصول ما لا تحمد عقباه
ــــــــــــــــــــ(42/6)
لماذا سير شباب الصحابة؟
لا شك أن قراءة المرء في سير الصالحين وعلى رأسهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أمر لا يجادل مجادل في أهميته وضرورته، لكن قد يتساءل متسائل: وما قيمة تخصيص الحديث والبحث بالشباب دون سائر الصحابة؟
وهو تساؤل جدير بأن يجاب عليه، بأن ذلك له نتائج عدة منها:
1- أن الشاب قد يرى نفسه على حال من الصلاح والتقوى والعبادة أو الاجتهاد في طلب العلم الشرعي أو الجهاد في سبيل الله عز وجل، أو أي عمل آخر، ويرى أنه قد فاق أقرانه وأنه قد جاوز ما عليه كبار السن والرجال، فقد يكون ذلك مدخلاً للشيطان ليوقع في نفسه العُجب والبطر، وهذا عنوان الهلاك وبداية الضلال - حمانا الله منه - لكنه حين يقرأ سير القوم ويطلع على أحوالهم يدرك أنه مهما فعل فهناك من فاقه وسبقه فيحتقر نفسه وعمله ويتطلع للمزيد.
بل كيف يعجب الشاب بعمل ويدل به على مولاه سبحانه، وهو يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لن ينجيه عمله كما قال: ( لن ينجي أحدًا منكم عمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة، وسددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا) [رواه البخاري ومسلم].
2- أن قراءة السير والأمثلة الواقعية لها الأثر الفعال في النفوس، إذ هي نماذج أكثر رسوخًا وتأثيرًا، وليس أدل على ذلك من كثرة إيراد القرآن الكريم لقصص الأنبياء والأمم السابقة، وفيها النماذج الضالة للحذر منها، وفيها النماذج الخيرة للتأسي بها، كما ذكر القرآن قصة أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون، وقصة أصحاب الكهف، وأصحاب الأخدود.
وكما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قصة التائب من بني إسرائيل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، وقصة أصحاب الغار، وقصة الغلام المؤمن، وغيرها كثير.
3- سيطرت على مجتمعات المسلمين النظرة الدونية للشباب واحتقارهم، واعتبارهم كالأطفال لا وزن لهم ولا قيمة، وهي قضية لن تحتاج إلى عناء لاكتشافها والتعرف عليها، فيكفيك لإدراك ذلك المشاركة في مناسبة اجتماعية، أو زيارة أحد الآباء في منزله، لتدرك من ذلك كيف ينظر المجتمع إلى الشباب ويتعامل معهم.
وينعكس أثر هذه النظرة على الشباب أنفسهم فيضعون أنفسهم حيث ينظر الناس إليهم ويطول أمد الطفولة والصبوة لديهم. لذا فإن قراءة الآباء لسير شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ستغير حتمًا من نظرتهم لأبنائهم وسترفع من تطلعهم، وقراءة الأبناء لهذه السير ستدفعهم إلى تجاوز هذه النظرة التي يواجههم بها المجتمع.
4- ورث المجتمع المسلم المعاصر اليوم ضمن تركة الهزيمة والتخلف مفاهيم تربوية غربية غريبة عليه وبعيدة عنه، وتحولت إلى جزء من تفكير الناس فانصرفوا عن المراجعة والمناقشة لهذه المفاهيم.
ومن ذلك النظرة للمراهق، إذ لا يرى علم النفس الغربي في المراهق إلا الطيش والخفة، ولا يعرف عنه إلا الانحراف والجنوح حين سيطر عليه مفهوم (أزمة المراهقة)، وانتقلت هذه العدوى إلى المسلمين وورثوها كما ورثوا غيرها.
والعجيب أنه في الوقت نفسه الذي بدأ علم النفس المعاصر يعيد نظرته للمراهق لا يزال كثير من الآباء المسلمين يعتبر ابنه معذورًا في كل ما يقارف ويفعل، إذ هو مراهق.
إن قراءة سير شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين يعيشون في هذه المرحلة التي يصفها هؤلاء بأنها سن المراهقة تعطي الدليل القاطع أن الجزء الأكبر من مشكلة المراهقين في مجتمعاتنا إنما هو نتاج وضع تربوي واجتماعي ومؤثرات معاصرة أكثر منه مرحلة ملازمة لكل من عاش هذا السن.
ونحن إذ نقول ذلك لا ننكر أن للمراهق طبيعته الخاصة، ومشكلاته التي ليست لغيره، لكن الأمر ليس كما يصوره علم النفس المعاصر، وكما يسيطر على نظرة الكثير من الآباء اليوم.
وما أجدرنا أن نلتزم الأسماء الشرعية فنعتبرها مرحلة (البلوغ) أو (التكليف الشرعي)، وفيها يجري على الشاب ما يجري على سائر الرجال.
5- من خصائص الشاب في هذه المرحلة (القابلية للاستهواء) فيتعلق الشاب بالنماذج ويعجب بها، ويستثمر الأعداء هذه الخصلة فيبرزون أمام الشباب العديد من النماذج التي تستهويهم وتأسرهم "وهذا الاستعداد الشديد للاستهواء في تلك المرحلة من العمر لم يخلقه الله عبثًا، ولم يخلقه ليكون مشكلة للإنسان ولا ليكون في ذاته مصدر خطر عليه، ولكنه - ككل ما أودع في الفطرة من الطاقات والاستعدادات - يؤدي مهمته في البناء السليم للنفس حين يوجه التوجيه الصالح".
لذا فإن العناية بإبراز هذه النماذج أمام الشاب يخدم جانبًا فطريًا مهمًا لديهم ويحميهم في الوقت نفسه ويوفر لهم البديل دون أبطال الرياضة والفن وغيرهم.
6- لقد قامت الصحوة الإسلامية اليوم بقدراتها المتواضعة بجهد تربوي رائع، فأخذت بأيدي الشباب وانتشلتهم من براثن المؤثرات الفاسدة، ولا تزال بحمد الله اليوم مؤسسات الصحوة التربوية تقدم لنا المزيد.
لكن نقص الخبرة وقلة الدراسات التربوية المتاحة تجعل المساحة المتاحة للاجتهاد والتجارب الشخصية تتجاوز مداها الفعلي.
ومن ذلك: أن كل مرب لا بد أن ترتسم في ذهنه صورة يتطلع للوصول بالشباب إليها، فكيف يتصور المربي حدود هذه الصورة؟ أو بعبارة أخرى: ما الهدف والمستوى الذي يريد الوصول إليه؟
إننا كثيرًا ما نصبح أسرى تجاربنا ومداركنا الشخصية، فيستمد كل مرب من تاريخه وتجاربه السابقة صورة يتطلع إليها، فيرى أنه حين يصل بطلابه إلى المرحلة التي وصل إليها زيد أو عمرو فقد بلغ الغاية.
ويرى أن القدر المرضي من الجدية هو ما وصل إليه فلان، وأن منتهى الصبر والتضحية هو ما بلغه فلان...إلخ.
إن استعراض نماذج من سير شباب الصحابة - رضوان الله عليهم - يساهم في رسم صور يتطلع المربون إلى الاقتراب منها بأنفسهم وبمن يقومون على تربيته وتوجيهه، وإن لم يصلوا بالضرورة إليها فإنها تظل تحفز همهم وتستثير عزائمهم، وفي ذلك تربية لهم وصقل لمواهبهم.
المصدر: شباب الصحابة رضي الله عنهم مواقف وعبر/محمد بن عبدالله الدويش، بتصرف.
ــــــــــــــــــــ(42/7)
طالباتنا في الجامعة...ماذا يقرأن؟
القراءة عمل رائع جميل، يحبه الإنسان، ولا يصبر عنه إذا اعتاده وأدمنه، ونعم الإدمان في هذا المجال، فالقراءة هي من أهم المصادر الأساسية للمعرفة وهي وسيلة للتعليم والتعلم، وقد كانت أول كلمة نزلت من الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } (العلق:1) ، لبيان فضيلة القراءة ومكانتها، وأنها يجب أن تكون باسم الله الخالق سبحانه.
ولكن ماذا يقرأ شبابنا هذه الأيام؟ الذي يظهر من خلال نتائج بعض الدراسات أن موضوعات القراءة التي يميل الطلاب إلى قراءتها تختلف من حقبة زمنية لأخرى، ومن دولة لأخرى، ومن مرحلة لأخرى، وتختلف وفقا للجنس (ذكر، أنثى) والتخصص، إلا أن ميول الطلاب القرائية كانت أكثر جدية في الماضي من الحاضر. واهتمام الطلاب بقراءة الموضوعات العلمية والسياسية والدينية يقل كلما اقتربنا من الوقت الحاضر.
وباستعراض بعض الدراسات العربية والأجنبية تظهر الفروق بين الطلاب العرب والأجانب، حيث تشكل القراءة جزءا أساسيا من العملية التعليمية في الدول الأجنبية حتى في الأعمار الصغيرة، ويشكل ارتياد المكتبة المدرسية والمكتبات العامة جزءا أساسيا من القراءة داخل المدرسة وخارجها. ويظهر كذلك الاختلاف في الميول القرائية بين الطلاب العرب والأجانب. وفي الوقت الذي يزداد فيه عدد القراء من الطلاب في دول العالم بتقدم العصر، يتناقص عددهم في الدول العربية.
وفي دراسة على عينة من الطالبات بعنوان: (ماذا يقرأ شبابنا في عصر العولمة) للتعرف على الاهتمامات القرائية لدى طالبات الجامعة، بينت أ.د. ريما سعد الجرف: أن 77% من طالبات الجامعة يقرأن المجلات النسائية الترفيهية. وقد أجريت الدراسة بكليتي اللغات والترجمة، والتربية بجامعة الملك سعود بالرياض، على 345 طالبة، تراوحت أعمارهن بين 18-22 عاما، وكانت نسبة الموضوعات على النحو التالي:
م
...
الموضوع
...
النسبة
1.
...
الزينة والأزياء
...
77%
2.
...
الموضوعات الفنية
...
66%
3.
...
الشعر
...
24%
4.
...
القصص
...
20%
5.
...
الصحة العامة
...
20%
6.
...
الموضوعات الدينية
...
4%
7.
...
الموضوعات التعليمية/التربوية
...
3%
8.
...
الموضوعات الأدبية
...
2.5%
9.
...
الموضوعات السياسية
...
2%
10.
...
الحاسب والتكنولوجيا
...
1.5%
11.
...
الموضوعات التاريخية
...
1%
من خلال تلك النسب نستطيع أن نتعرف على شبابنا، واهتماماتهم، التي أثرت في قرائتهم وثقافتهم، ومدى ضآلة الهمم التي يحملونها، ومدى عمق الجرح الذي لا تزال دماؤه تسيل.
هذه الدراسة تظهر لنا اهتمامات وانشغالات فئة من الشباب المتعلم، إذن كيف بمن هم دون ذلك؟!
وفي استبانة طبقت على طلاب إحدى الجامعات العربية ظهر أن 20% من الطلاب لا يقرؤون مطلقاً باستثناء مقرراتهم الدراسية، و20% يقرؤون مراجع في مجال اختصاصهم فقط، و26% يقرؤون أقل من ساعة يومياً، ونحو 35% يقرؤون بين ساعة وساعتين، و2% يقرؤون أكثر من أربع ساعات يومياً.
وجاء في تقرير التنمية في العالم العربي الصادر عن الأمم المتحدة عام 2002 أن إجمالي عدد الكتب المترجمة في الدول العربية مجتمعة هو 330 كتابا في العام. ويعادل هذا المجموع خمس ما تترجمه اليونان وهي دولة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها عشرة ملايين نسمة. وإذا علمنا أن عدد المجلات التي تطبع في الدول العربية مجتمعة لا يتجاوز 550 مجلة باللغة العربية و140 مجلة باللغة الإنجليزية، وجدنا في المقابل أن عدد المجلات في دولة مثل تايوان قد ارتفع من 3400 مجلة في عام 1988م إلى 5700 مجلة في الوقت الحاضر.
فمن يتحمل مسؤولية هذا كله، أليس الشباب هم الأمل الذي يبنى عليه الطموح، وتقوم على ساعده الأمم، وتصحو به من كبوتها؟!
إن الضغوط التي تتعرض لها دولنا العربية، والظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تعيشها مجتمعاتنا تفرض على الشباب العربي تحصيل معلومات ومعارف متطورة تواكب التقدم العلمي والتقني وتلبي مطالب العصر المتطور السريع وتجعله قادرا على النهوض بالوطن والاضطلاع بمهام التنمية. وهذا لا يتأتى إلا بالتثقيف الذاتي عن طريق القراءة. فالقراءة هي أداة التعليم المستمر والتعليم مدى الحياة وأداة التنمية البشرية والاجتماعية.
فهل يعي ذلك شبابنا لعله يستطيع أن ينهض بأمته، التي لها مقومات السيادة والقيادة؟ هذا أملنا، والله الهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــ(42/8)
تربية السلف للشباب
انطلاقا من قول الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التحريم:6]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) متفق عليه. اعتنى السلف الصالح بالشباب اعتناء واضحا بينا يظهر من خلال مواقفهم العظيمة، وآرائهم السديدة، وتربيتهم الناجحة، ومن ذلك:
أولاً: تربيتهم على العبادة:
من توحيد وصلاة وصيام...فقد كانوا يعلمونهم قول: لا إله إلا الله، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "حافظوا على أبنائكم في الصلاة، ثم تعوَّدوا الخير؛ فإن الخير بالعادة". و"كان عروة يأمر بنيه بالصيام إذا أطاقوه والصلاة إذا عقلوا". ولا مانع من إعطائهم الهدايا التشجيعية على أداء الصلاة؛ فقد روت عائشة رضي الله عنها - أنهم كانوا يأخذون الصبيان من الكُتَّاب ليقوموا بهم في رمضان، ويرغبونهم في ذلك عن طريق الأطعمة الشهية، وكان بعض السلف يعطون الأطفال الهدايا التشجيعية على أداء الصلاة.
وروى البخاري ومسلم عن الربيِّع بنت مُعوِّذ قالت: ( فكنا نصومه ونصوِّم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن؛ فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار ) .
ثانياً: تربيتهم بالقدوة:
فقد ذكر ابن الجوزي عن نفسه أنه كان يتأثر ببكاء بعض شيوخه أكثر من تأثره بعلمهم. وقال عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده: "ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك؛ فإن عيونهم معقودة بك؛ فالحسن عندهم ما صنعتَ، والقبيح عندهم ما تركت".
ويحذر ابن مسكويه من ترك التربية للخدم خوفًا عليهم من أن يتأثروا بأخلاقهم وأفعالهم، وخاصة إذا كان الخدم غير ملتزمين بالإسلام أو أنهم غير مسلمين كما هو في زماننا الذي فشا فيه هذا الأمر وانتشر، وكم من القصص والأحداث التي ضُيع فيها الشباب نتيجة التساهل في هذا الجانب المهم .
ثالثاً: تربيتهم على العلم والأدب والخير:
وهذا من تمام القيام بالأمانة التي وليها الوالدان، جاء في الأثر: ما نحل والد ولدًا من نِحَل أفضل من أدب حسن.
كما أن السلف كانوا يقدمون الغالي والرخيص ليرغبوا الأطفال في العلم؛ فقد روى النضر بن شميل قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: قال لي أبي: يا بنيَّ! اطلب الحديث؛ فكلما سمعت حديثًا وحفظته فلك درهم. فطلبت الحديث على هذا.
وأرسل معاوية رضي الله عنه ابنه يزيد إلى عالم، فعلمه العربية وأنساب قريش والنجوم وأنساب الناس.
ولما دفع عبد الملك وُلْده إلى الشعبي يؤدبهم قال: علمهم الشعر يمجدوا وينجدوا، وحسِّن شعورهم تشتد رقابهم، وجالس بهم علية الرجال يناقضوهم الكلام.
ومن الأمور التي كان يعتني بها السلف الجرأة على طرح الأفكار، والمشاركة، ويكون هذا بمجالسة العقلاء الكبار ليكبر عقله وينضج تفكيره؛ فمن الخطأ أن يمنع الصغير من حضور مجالس أهل الخبرة والتجربة، وقد مر عمرو بن العاص رضي الله عنه على حلقة من قريش فقال: "ما لكم قد طرحتم هذه الأغيلمة؟ لا تفعلوا! أوسعوا لهم في المجلس، وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه؛ فإنهم صغار قوم أوشك أن يكونوا كبار قوم، وقد كنتم صغار قوم فأنتم اليوم كبار قوم".
بل كان ابن شهاب الزهري رحمه الله يشجع الصغار ويقول: "لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم؛ فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يتبع حدة عقولهم".
رابعاً: الاعتناء بالموهوبين والمبدعين:
قال ابن القيم رحمه الله: "إذا رأى الصبي وهو مستعد للفروسية وأسبابها من الركوب والرمي واللعب بالرمح وأنه لا نفاذ له من العلم ولم يخلق له، ومكنه من أسباب الفروسية والتمرن عليها فإنه أنفع له وللمسلمين".
ومن ذلك أن الصبي إذا كان ذا موهبة خطابية مثلا، فإن الأولى بمعلمه أن ينمي هذه الموهبة، وقد كان ابن الجوزي الواعظ من ثمار الشيخ أبي القاسم البلخي؛ فإنه علمه كلمات ثم أصعده المنبر فقالها وكان عمره ثلاث عشرة سنة، قال ابن الجوزي: وحزر الجمع يومئذ بخمسين ألفًا. وهو أول مجالسة رحمه الله.
وكانوا يحببون العلم إلى الصغار بالاحتفال بهم. قال أبو خبيب الكرابيسي: كان معنا ابن لأيوب السختياني في الكُتَّاب، فحذق الصبي، فأتينا منزلهم فوُضع له منبر فخطب عليه.
وقال يونس: حذق ابن لعبد الله بن الحسن فقال عبد الله: إن فلانًا قد حذق. فقال الحسن رضي الله عنه: كان الغلام إذا حذق قبل اليوم نحروا جزورًا وصنعوا طعامًا للناس.
خامساً: الاعتناء بصحتهم:
من ذلك أنه حرص صلى الله عليه وسلم على ألا يتعرض ابناه (الحسن والحسين) للشمس؛ فقد روى الحاكم من حديث فاطمة رضي الله عنها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها يومًا فقال: أين أبنائي؟ فقالت: ذهب بهما علي. فتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهما يلعبان في مشربة وبين أيديهما فضل من تمر. فقال: أيا علي ألا تقلب ابنيَّ قبل الحر؟) .
وعن عائشة رضي الله عنها: ( أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحي مخاط أسامة، قالت عائشة دعني حتى أكون أنا الذي أفعل، قال: يا عائشة أحبيه فإني أحبه) رواه الترمذي وابن حبان وحسنه الألباني.
ومن ذلك منع الصبي من الخروج وقت انتشار الشياطين حتى لا يؤذوه؛ فقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( وأكفتوا صبيانكم عند العشاء فإن للجن انتشارا) .
ــــــــــــــــــــ(42/9)
تيسير زواج الشباب
الزواج من المواضيع التي يفرح بها كل شاب وشابة، وذلك لتعلقه بشؤونهم المهمة، ولما يحس به الشباب من ألم وأمل، ألمٌ نتيجة تعقيد أمر مباح كالزواج، لا بل قد يكون واجباً في بعض الأحيان، وأمل بأن يُوفق في زواج سعيد، فيجد من يقف بجواره في هذه الحياة المتلاطمة الأمواج، فيحافظ على نفسه من الغرق والسقوط، ويحس بطعم الحياة الجميل، عند إشباع فطرته بالطريق السليم، إلى جانب مصالح أخرى يحققها الزواج.
فالزواج يحقق المتعة والراحة في هذه الدنيا كما جاء في التوجيه النبوي الكريم: ( الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة ) رواه مسلم، نعم فالصلاح شرط في المرأة حتى يسعد بها الرجل، كما أن الخلق والدين شرط في الرجل حتى تسعد به المرأة ( إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) رواه البيهقي والترمذي، وحسنه الألباني.
والزواج شيء رائع جميل جاءت به الرسالات السماوية، وأيدته الفطر السليمة، وحث عليه العقلاء في كل أمة، ودعا إليه العلماء والوعاظ، وشجعه الآباء والأمهات.
والزواج يجلب السرور إلى الزوجين وغيرهما، ألا ترى ذلك المشهد الرائع الجميل من قبل تلك الأمهات والآباء وهم في سعادة وفرح وبهجة قبيل الزواج وبعده، ألم تشاهد تلك المواقف الرائعة وهم يدعون الآخرين في مشاركتهم فرحهم وأنسهم.
فلماذا تعسير الأمور وتعقيد الزواج، وتحطيم السعادة وإبعاد الفرحة، ولماذا تلك العوائق التي تصد الشباب عن الزواج، من غلاء المهور، والشروط الكثيرة المعقدة، والتي لم يرد بها شرع، ولا يقرها عقل، أو تلك الأعذار التي يدسها الشيطان ويروجها أتباعه.
فهل من وسائل تعين الشباب في الزواج وتيسيره، الشباب الذي يعاني من العزوبة وشدتها، ومن الفتن وكثرتها؟
نعم هناك بعض الوسائل التي نقترحها من خلال هذا المقال، سائلين الله أن تجد استجابة وقبولا، وتشجيعاً وتفعيلا:
1- العمل على الحد من ظاهرة غلاء المهور، وتيسيرها، ومراقبة الله عز وجل في ذلك.
2- تقليل مطالب الزواج ونفقاته، وتسهيل إجراءات الاحتفال بالزواج وعدم المبالغة.
3- إعانة الشباب ماديا، وذلك من خلال منح مالية، أو قروض خاصة بالزواج بعيدا عن الفوائد الربوية، وذلك من قبل المؤسسات الخيرية والصناديق الخاصة وكما هو موجود في بعض بلاد المسلمين.
4- إيجاد مشاريع خيرية خاصة بالزواج، ودعمها بكل وسائل الدعم المطلوبة.
5- الاعتناء بجانب التوعية والتوجيه من خلال وسائل الإعلام المختلفة، المرئية، والمقروءة، والمسموعة.
6- جعل موسم دعوي خاص بالزواج، كأسبوع قبل الإجازة الصيفية مثلاً، يتم فيه التركيز على التوعية في أمور الزواج وأهميته وفوائده الكثيرة، وندوات خاصة بالمقبلين على الزواج، وسبل تقوية العلاقة بين الزوجين.
7- دراسة أحوال الشباب غير القادرين على الزواج، من أجل الوصول إلى الحل المناسب، وإعانتهم في هذا الجانب.
8- اعتناء مراكز البحوث والمؤسسات العلمية والأكاديمية بمشاكل الشباب، والتي منها صعوبة الزواج، وإعداد البحوث النظرية والميدانية من أجل الخروج بتوصيات مفيدة ونافعة.
9- إيجاد مكاتب استشارية خيرية، وأخرى في المحاكم الشرعية للإصلاح الاجتماعي والأسري، والتوفيق بين الطرفين للزواج، ومعالجة مسائل الخلاف، والتقليل من ظاهرة الطلاق.
10- العمل على إيجاد أوقاف خيرية ثابتة يصرف ريعها على مساعدة الشباب للزواج.
11- منع المظاهر غير الطيبة التي بدأت تنتشر في بلاد المسلمين، من التبرج والسفور، واختلاط الرجال بالنساء في حفلات الزواج، والتحفظ من التصوير الذي نتجت منه مشكلات متعددة.
12- تفعيل مشاريع الزواج الجماعي من أجل تقليل المصاريف وإعانة المحتاجين.
13- التركيز على دور الآباء والأمهات وأهميته في تيسير الزواج، ونشر أخبار النماذج والقدوات في هذا المجال.
هذا وفي الختام نسأل الله لإخواننا الشباب، وأخواتنا الفتيات التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة.
ــــــــــــــــــــ(42/10)
شركات في باريس تنغص عيش الشباب
كنت أشفق عليهم حين كنت أراهم ينتظرون أدوارهم في صفوف طويلة تصل إلى الرصيف أمام مكاتب السمسرة، أو أمام الشقق الصغيرة أو الغرف الفارغة التي برسم الإيجار..
الشباب والشابات الذين أتوا من كل أنحاء العالم للدراسة في باريس. يصلون بالآلاف، في هذه الفترة من السنة، ويصبحون باريسيين، لمدة الدراسة، سنة أو سنتين. أراهم في شوارع باريس، خلال أيامهم الأولى فيها، متحمسين وفرحين، وأعرف أنهم سوف يقعون في مصيدة الشركات التجارية، كما وقعت بنفسي قبلهم، وغيري قبلي.
لم أكن أعرف، حين اشتريت الهاتف الخلوي، أنني أقحم نفسي في دوامة من المفاجآت السيئة تلازمني منذ سنة من الآن. الزبون في باريس غالبًا ما يصبح ضحية ما يشتريه!! قالوا لي إن الأربع ساعات مكالمة في الشهر تكلف خمسين يورو، وأنهم يعطونني ساعتين مجانيتين هدية منهم. والهاتف الذي اخترته لم يكلفني إلا يورو واحدًا فقط. لا شيء أسهل ولا أرخص من الحصول على هاتف جوال؛ المشاكل تبدأ بعد شرائه، منذ فاتورة الشهر الأول. مئة يورو، أي ضعف ما اتفقنا عليه. وحين سألتهم عن السبب قالوا لي إن كل "نمرة" أطلبها لا يكون صاحبها مشترك في الشركة نفسها، لا تحتسب ضمن الساعات الست التي لي الحق فيها. فإن كنت أريد إلا أتعدى الخمسين يورو التي اتفقت عليها مع البائع يجب ألا أتصل إلا بالأشخاص الذين اختاروا الشركة التي اشتركت فيها. كأن ذلك وارد أو معقول! لذلك أدفع منذ سنة كاملة المئة يورو شهريًا، ويبقى لي من ساعاتي الست أكثر من ثلاث ساعات لا أستعملها كل شهر. ثلاث ساعات لا أستعملها، ولكنني أدفع ثمنها طبعًا.
وجدت ذلك مبالغًا فيه، ومكلفًا، وقررت ألا أبقى زبونًا في الشركة هذه، كي لا أكون شريك السارقين في سرقتي. وفكرت في أنني إذا ألغيت عقدي معهم أكون كأنني ألقنهم درسًا، أو كأنني أعبر عن رأيي بسياستهم، بموقف صارم وبفعل. قالوا لي حين اتصلت بهم لإلغاء العقد: إنني يوم الاشتراك التزمت بالبقاء عندهم لمدة سنتين كاملتين، وأنني لا أستطيع أن ألغي العقد قبل انقضائهما. قلت لهم إن البائع لم يكلمني عن السنتين، وأنني لم أسمع عن ذلك إلا منها. فأجابتني أن البند موجود في العقد وأنني كان يجب أن أقرأه قبل أن أوقع!! جواب أوتوماتيكي عند موظفي الشركة، حاضر في ذهنهم، جاهز للاستعمال. جواب جعلني أحتار ولا أعرف ماذا أقول، كأنني بتُّ المذنب الوحيد، وكأنني فقدت حقي بأن أكون الضحية.
العقد الذي قالت أنني كان يجب أن أقرأه، ما كنت لأفهم ما فيه ولو فعلت. فهو مكتوب بكلام المحامين الذي لا يفهمه غيرهم. وفي المكالمة هذه نفسها، قالت لي عاملة الشركة إن الطريقة الوحيدة للتخلص من اشتراكي هي بدفع ثمن الست ساعات الشهرية لمدة الأشهر الباقية. أي مبلغ يقارب الستمائة يورو، هكذا وجدت نفسي ملزمًا بالبقاء زبونًا عندهم، سجينهم، لا قوة لي ولا حول.
كذلك الأمر مع شركة الإنترنت التي اخترتها والتي تملأ إعلاناتها شوارع باريس، وما نراه من الإعلان هذا حين نمر بقربه، هو الرقم عشرين مكتوب بخط عريض كي ينتبه إليه المارة، كلهم عشرون يورو، ثمنًا للاشتراك عندهم. فاتصلت بهم وبظرف خمس دقائق، ومن دون أن أوقع أي ورقة هذه المرة، وجدت نفسي زبونًا عندهم.. وبعد خمسة أيام وصل الجهاز بالبريد، ومعه أوراق العقد والفاتورة الأولى، التي تتخطى ضعفي العشرين يورو التي رأيتها بالخط العريض في شوارع المدينة.
ووجدت نفسي مجبرًا على البقاء عندهم سنة كاملة هم أيضا. يسجنون الزبون ضمن لائحة زبائنهم، كي لا يستطيع الفرار، لأنهم يعرفون أنه سيفعل. أو أنهم يرفعون أسعارهم لأنهم يعرفون أن الزبون عالق لا يقدر على الهرب. وحين اكتشفت أن الجهاز الذي وصلني بالبريد هو جهاز متطور يعمل من دون شريط، وأنه أحد أسباب زيادة السعر، اتصلت بهم، وقلت لهم أنني لم أطلب هذا الجهاز، وأنني لم أكن أعرف أن جهازًا كهذا موجود أصلاً. فقالوا لي أنني لا بد أن أكون مخطئًا، لأنهم لا يمكن أن يكونوا مخطئين، وأنني كان يجب أن أتصل بهم فور حصولي على الجهاز، قبل أن أفتح علبته. غير أنني لو لم أفتحها لما كنت عرفت أن ما فيها ليس ما اتفقت معهم عليه. ومرة جديدة لم أستطع أن ألغي العقد الذي بت ملزمًا فيه، كما قالوا لي، حتى السنة المقبلة، على رغم الغضب الذي شعرت به يغمرني، والشعور بالظلم... والغباء!
كثيرون يقعون مثلي في المصيدة التجارية هذه، وكل وقعة تدوم سنة، أو سنتين، وهي مدة الدراسة بالنسبة لهؤلاء الشباب الذين غالبًا ما يعودون إلى بلادهم، وعقدهم لم ينته بعد.
التجارة باتت فنًا للاحتيال على الزبون، والإعلانات لعبًا على الكلمات، وعلى القانون. التجارة تقوم على الكذب في أيامنا هذه، فهناك دائمًا فارق شاسع بين ما تعرضه الإعلانات على الزبون وبين ما تقدمه له فعلاً. هناك دائمًا جملة ما في أسفل صفحة الإعلانات، مكتوبة كلماتها بخط رفيع وصغير كي لا نراها، تنفي بشكل أو بآخر ما يؤكده العنوان العريض. يستغلون القانون لمخالفته، يستغلون نقاط ضعفه، وتصبح التجارة سرقة مشروعة. هم يلتزمون بالقانون، ويخالفونه في الوقت نفسه.
الشباب والشابات الأجانب هم الضحايا المفضلون لهذه الشركات. فما أصعب الحياة في باريس أحيانًا، وما أسهل أن يصبح المرء فيها سجين النظام وتفاصيله.
هناك دائمًا شركة أفضل وأرخص في باريس.. هناك شركات للجميع، للجدد والقدامى، والنجوم السينمائيين، وعامة الشعب. ولكن الشركات التي تملأ الشوارع بإعلاناتها هي الشركات السيئة والكاذبة. هي التي تعرض نفسها باستمرار، كي نراها قبل غيرها. كأنها تضع المال الذي تسرقه في الإعلانات لتسرق أكثر. بينما الشركات الجيدة، لا تضع إعلانات ـ في الغالب ـ ولا تأخذ من زبائنها ثمن هذه الإعلانات. وزبائنها هم الباريسيون الذين طالما عاشوا في العاصمة الفرنسية، وباتوا يعرفون ألعاب الشركات، وأفخاخها، بعد أن وقعوا هم أنفسهم في شباكها، وانتظروا سنة أو سنتين حتى يخرجوا منها. وهم الآن يتجنبون الوقوع مرة أخرى في الخطأ نفسه، بينما أنا عالق، حتى انتهاء فترة دراستي، بين أنياب التجار هؤلاء كأنني اخترت سارقي بنفسي، وكأنني أعطيهم المال أقساطًا شهرية.
وأكثر ما يدفع إلى الضيق في هذه القصة، هو أنني لا أستطيع فعل شيء؛ فالحق معهم، على رغم كل شيء، ولا أقدر حتى أن أغضب عليهم، فالنظام يمشي مع الفرد أو من دونه.
ـــــــــــــ
جريدة الحياة
ــــــــــــــــــــ(42/11)
الشباب وتنمية المجتمع في عهد الخلفاء الراشدين
شكلت الولاية على البلدان في عهد الخلفاء الراشدين ميدانًا بالغ الأهمية في عملية تنمية المجتمع الإسلامي، وذلك لأن الوالي كان يمثل الدولة الإسلامية، وتصرفاته وأعماله تعكس بطبيعة الحال السياسة التي تنتهجها الدولة في التعامل مع أبناء الولاية ورعاية مصالحهم.
وأبناء الولاية، أية ولاية، كانوا في السابق خاضعين لنظام آخر، سواء النظام الساساني كما في الأقاليم الشرقية. أم النظام البيزنطي كما في بلاد الشام ومصر وغيرها، وكان على الولاة إذن أن يثبتوا عمليًا أن النظام الإسلامي الذي يريدون الولاية باسمه إنما يمثل فتحًا لأهل البلاد، وأن هذا الفتح تنعكس آثاره الإيجابية في كل ناحية من نواحي المجتمع؛ النواحي الاقتصادية والاجتماعية، وأيضًا الناحية الخاصة بالعلاقة بين الوالي من جهة وأهل البلاد من جهة أخرى، وفوق كل هذا يمثل فتحًا من الناحية الدينية.
من السطور السابقة تتضح لنا الأهمية البالغة التي كانت ترتبط بالولاة في إطار تنمية المجتمع الإسلامي، ونرجع إلى التاريخ، ونعيد إلى الأذهان ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أسند ولاية نجران إلى عمرو بن حزم الأنصاري، والذي كان آنذاك في العام السابع عشر من العمر، والذي نود أن نضيفه هنا هو طبيعة المهام التي كان على هذا الوالي أن يقوم بها، وحول هذه الجزئية تفيد المصادر بأن المهام الأساسية التي أنيطت به هي تعليم أهل نجران الإسلام، وأخذ الصدقات، ومعروف أن الصدقات التي كانت تجمع من القادرين في الولاية كان ينفق قسم منها في تنمية المجتمع المحلي وتقديم الخدمات الاجتماعية، والقسم المتبقي أو الفائض إن وجد كان يبعث به إلى المدينة العاصمة المركزية.
ومن الذين أسندت إليهم الولاية على البلدان وهم في طور الشباب عمير بن سعد الأنصاري، فقد أسند إليه الفاروق الولاية على دمشق والبثنية وحوران وحمص وقنسرين، والجزيرة، وإسناد الولاية لعمير بن سعد في هذه المناطق المتعددة تؤكد قدراته، وأيضًا تؤكد معرفة الفاروق لأبعاد هذه القدرات.
وقد بقي عمير بن سعد محل ثقة الفاروق حتى وفاة الأخير في أواخر سنة ثلاث وعشرين، مما يجزم بأن عميرًا كان يتمتع بالصفات التي تؤهله لكسب ثقة الخليفة الفاروق المعروف بمقاييسه الدقيقة للغاية، والذي لم يكن من أي من عماله، أيا كان، أن تشوب إدارته شائبة.
وقد يكون مناسبًا أن نشير إلى موقف حدث بين الفاروق من ناحية، والوالي عمير بن سعد من ناحية ثانية، وأعني بذلك الموقف الذي سأل فيه الخليفة عميرًا عن مبلغ الجباية الذي أحضره معه إلى المدينة المنورة، فقد رد عمير على هذا التساؤل قائلاً: الذي جبيته وضعته مواضعه، ولو نالك منه شيء لأتيتك به.
وهذا يعني أن المبالغ التي تمت جبايتها قد أنفقت في عمليات تنموية لأهالي البلدان، التي يتولى إدارتها، ونتيجة لهذه الإجابة السديدة أمر الفاروق بتجديد ولاية عمير.
وهذا الموقف يقدم حقيقتين تتصلان بالتنمية، الأولى أن أموال كل إقليم، أو القسم الأكبر منها، كانت تنفق في المصالح التنموية الخاصة بالإقليم، حتى ولو استنفدت هذه المصالح كل أموال الجباية، والحقيقة الثانية أن هذه السياسة كانت تجد مساندة الخليفة، بل وتشجيعًا منه على انتهاجها.
وهذا الذي سارت عليه الدولة الإسلامية في التعامل مع الولايات التي قامت بفتحها يقدم صورة جديدة للتعامل مع أهل البلاد المفتوحة، جديدة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، فالمبالغ التي كانت تؤخذ لم تكن ثقيلة بحيث ترهق كاهل المواطنين، ثم إنها كانت توجه لتحقيق التنمية، وتقديم مختلف الخدمات لأهل الإقليم نفسه.
ولا شك أن هذه الصورة تعتبر مشرقة قياسًا بما كان يعامل به أهل البلاد من قبل النظم السابقة؛ الساسانية والبيزنطية.
عثمان وعبد الله بن كريز
ومن بين الولاة على الأقاليم من بين الشباب "عبد الله بن عامر بن كريز"، فقد أسند إليه الخليفة "عثمان"، أول عهده بالخلافة، الولاية على إقليم سجستان، وكان عبد الله آنذاك دون العشرين.
وفي هذه المناسبة يلزم أن نقول إن أول كتاب توجيهي بعث به الخليفة عثمان إلى ولاته جاء فيه: "... فإن الله أمر الأئمة أن يكونوا رعاة، ولم يتقدم إليهم أن يكون جباة، وأن صدر هذه الأمة خلقوا رعاة، لم يخلقوا جباة.. ألا وإن أعدل السيرة أن ينظروا في أمور المسلمين فيما عليهم، فتعطوهم ما لهم وتأخذوهم بما عليهم".
ويسترعى الانتباه في كتاب الخليفة عثمان كلمتان: هما كلمة رعاة وكلمة جباة، ومن هاتين الكلمتين يتأكد أن جوهر وظيفة الوالي هي رعايته لمصالح الرعية، وهذه الرعاية لا تتحقق إلا إذا شملت مختلف الجوانب التي تمس حياة الرعية، وفي المقدمة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، ولم يكن لهذه الجوانب أن تحظى بالرعاية إلا بالارتكاز على العمليات التنموية التي ترتفع بدخل الأفراد، وأيضًا تؤمن لهم الحاجات الاجتماعية.
لم تكن سجستان ولاية صغيرة، بل إنها كانت آنذاك أكبر وأهم من خراسان، ومع ثقل المهمة فقد برهن "عبد الله بن عامر" على القدرة الإدارية التي كان يتمتع بها مع أنه كان في باكورة شبابه راعيًا، نعم فقد سجل التاريخ لعبد الله أنه نجح نجاحًا كبيرًا في توطيد دعائم الحكم الإسلامي في "سجستان"، وجعل أهالي الولاية يرون في ولايته على بلدهم فتحًا، ولم يكن لمثل هذه النظرة أن تتحقق دون أن يستشعر أهالي البلاد الفرق الكبير بين ولاية عبد الله من ناحية، وولاية حكام الفرس السابقين من ناحية ثانية، ولم يكن لمثل هذا الفرق أن يظهر إلا من خلال ما قام به عبد الله من خدمات وعمليات تنموية لصالح أهالي الإقليم.
ونظرًا للنجاح الكبير الذي حققه عبد الله بن عامر في إدارة سجستان أسند إليه الخليفة عثمان ولاية البصرة، ثم ضم إليه ولاية الكوفة، وضم هاتين الولايتين الكبيرتين والهامتين تحت إدارته دليل قاطع على الكفاءة العالية التي كان يتحلى بها هذا الشاب الذي كان وقتها في منتصف العقد الثالث من العمر.
وفي الشمال الإفريقي، وابتداء من السنة الحادية والعشرين (641م) كان يوجد شاب آخر عهد إليه بالاستقرار في زويلة ومنطقتها، وذلك بهدف ترسيخ الإسلام في هذه المنطقة المتاخمة لمصر من الناحية الغربية، ذلك هو "عقبة بن نافع"، وقد استمر عقبة في مهمته هذه ومعه مجموعة من الشباب، وسجل لهم التاريخ أنهم نجحوا نجاحًا كبيرًا في إقناع الكثيرين من أبناء المنطقة باعتناق الإسلام ، وتاريخ عقبة بعد ذلك في فتوحات الإسلام لا يغفل عن أحد.
هؤلاء ثلاثة من الشباب أسندت إليهم الولاية على البلدان في عهد الراشدين، وقد آثرنا أن تكون ولاياتهم متباعدة حتى يكتسب الحكم على أدائهم صفة العموم، وكما اتضح فقد كان كل من الثلاثة موفقًا فيما أسند إليه، ولم يكن لهذا التوفيق أن يتحقق دون اكتساب محبة وولاء أهلي، وهذا المستوى من العلاقات لا يأتي من فراغ، بل يرتكز على قاعدة من أعمال الوالي في إطار مصالح أهل البلاد الاقتصادية والاجتماعية، وهؤلاء الولاة الثلاثة يمثلون الواجهة للعشرات، بل المئات والألوف من الشباب، إذ إن كل واحد منهم كان يستعين في تنفيذ أوامره وتحقيق خططه بآخرين من الشباب أيضًا، مما يؤكد أن العمليات التنموية المتنوعة والتي أنجزت في فترة الراشدين، سواء في الولايات التي أشرنا إليها، أم في الولايات الأخرى - هذه العمليات قد تحققت نتيجة لجهود الشباب، ولا نبالغ إذا قلنا إن الإسهام الكبير الذي قدمه الشباب في مختلف المجالات التنموية كان العمل الحاسم في النجاح الكبير الذي تحقق في كل أنحاء الدولة الإسلامية.
والله نسأل أن يوفق شباب المسلمين لحمل الأمانة، وأداء الرسالة، ونفع الأمة. آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــ(42/12)
من مدرسة النبوة للشباب
1- تربية نبوية:
كان النصح وصالح التوجيه من حظوظ فاطمة من أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبناؤها الحسن والحسين يذهبان بأوفر سهم من عطف النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه.. حتى لينزل من المنبر - وشأن المنبر في الإسلام جليل - ليصلح - صلوات الله وسلامه عليه - من ثياب الحسن والحسين؛ فقد كانا يتعثران فيها بطولها وهو يرى ذلك من منبره فلا يطيقه.
ولكن هذه الرحمة تغدو أدبًا وينقلب ذلك الرفق تربية فيها شيء من الشدة الضرورية عندما يأخذ الحسن والحسين تمرتين، إِي وربِّي تمرتين اثنتين من تمر الصدقة، ويرفع كل منهما تمرته إلى فمه، فينكر ذلك عليهما النبي صلى الله عليه وسلم إنكارًا لا هوادة فيه، ويمد يده الشريفة إلى فيهما فيخرج هاتين التمرتين قبل أن يذيبهما اللعاب، ويأخذا طريقهما إلى جوفيهما، وهو يقول: "كخ كخ إنهما من تمر الصدقة التي لا تحل لمحمد ولا لآل محمد"!!
ويا ويل الناس مما يفعل بعض الأبناء، ثم لا يكون توجيه ولا تربية يكون الأبناء بهما قرة عين الآباء في الدنيا والآخرة..
وهل نتأمل تصرف الرجال من الحسن والحسين وهما في سن الأشبال، لنعرف اشتغالهما بمعالي الأمور، وحرصهما على أن تكون أعمال الآخرين رائدة صحيحة؟! فما أكثر الذين لا يلفت أنظارهم من ناشئتنا العزيزة إلا ما يدعو إلى السخرية والتنديد بالآخرين.
لقد رأى الحسن والحسين رجلاً يتوضأ فلا يحسن الوضوء، فأزمعا أن ينصحا الرجل لتصلح عبادته، ويحسن مفتاح دخوله إلى الصلاة، ولكن كيف؟!
إن من النصح ما يغضب ويثير إذا لم تنطلق إليه بوصايا الإسلام بالحكمة والرفق والموعظة الحسنة والمداخلة الذكية، ولقد كان ذلك في حساب ابني بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين - رضي الله عنهما - وهما يتقدمان إلى الرجل فيقولان: إننا نتنازع أيُّنا أحسن وضوءًا، فهل لك أن تنظر إلى كل واحدٍ منا وهو يتوضأ فتحكم أيُّنا أصح وضوءًا؟!
وأبدى الرجل استعداده لما طلبا في فرح وغبطة بالنفوس الكبيرة وإن غلفتها أجسام ناشئة صغيرة!
وتوضأ الحسن فأحسن، وتوضأ الحسين فأصاب، ورأى الرجل ذلك فقال: بارك الله عليكما، والله إن وضوءكما لخير من وضوئي.
ولن أستطرد في تقديم الأمثال للناشئة العزيزة من شباب الحسن والحسين، فذلك مراد لا ينفد، ولكني أوثر مثالاً يعرف منه الأبناء والآباء على السواء كيف تثنى الأخلاق الفاضلة عنان الأعداء وتردهم أصدقاء خلصاء!!
قال الجرداني: عن عاصم بن المصطفى قال: دخلت المدينة فرأيت الحسين بن علي رضي الله عهما، وأعجبني سمته وهيأته وحسن رؤيته، فأثار مني الحسد ما كان يجنه صدري - يخفيه - من البغض لأبيه، فقلت: أنت ابن علي بن أبي طالب؟ قال: نعم. فبالغت في شتمه وشتم أبيه، فنظر إليَّ نظر عاطف رؤوف. ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)[الأعراف:199-201].
ثم قال: خفض عليك الأمر، أستغفر الله لي ولك، إنك لو استعنتنا لأعناك، ولو استرشدتنا لأرشدناك!!
قال عاصم: فندمت على ما فرط مني.
فقال: لا تثريب عليك، يغفر الله لك وهو أرحم الراحمين.. أمِنْ أهل الشام أنت؟! قلت: نعم.
قال: حياك الله وعافاك، انبسط لنا في حوائجك وما يعرض لك، تجد عندنا أفضل ظنك إن شاء الله تعالى.
قال عاصم: فضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، ووجدت أنها قد ساخت بي - هبطت - ثم تسللت عنه لواذًا، وما على الأرض أحد أحب إليَّ من أبيه ومنه.
2- شباب يقدمه فضله:
وإذا كان في الناس من يتوسل إلى المآرب بجاه القريب والصاحب، ويطلبها بغير أسبابها المشروعة، فإن الإسلام "قرآنًا وسنة" وسلوك أسوياء - يجعل العمل هو معراج السبق، والفضل سبيل التقدم على الأقران والنظراء.. وسنورد هنا النزر اليسير من شباب الإسلام لتكون تحت أنظار الذين يستوردون الأمثال من شرق وغرب، جاهلين روائع ذخائرنا في هذا ا لجانب وفي شتى جوانب المفاخر والكمالات.
قدم الرسول صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد، وقلده إمرة جيش كان من جنوده مشيخة المهاجرين والأنصار وذوي السابقة في الإسلام، إعلاء لمعنوية الحِب ابن الحِب، وتربية عملية لأصحاب النبي - صلوات الله وسلامه عليه - على السمع والطاعة في مرضاة الله تعالى.
وقدم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عبد الله بن العباس - رضي الله عنهما - على كبار الصحابة، إشادة بالعلم، وعرفانًا لأقدار الذين يرشحهم فضلهم من الشباب إلى التقديم والإعزاز والإيثار، بله الأكفاء الجديرين بكل تقدير وإكبار.. (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا)[الأحقاف:19].
فليرتفع شبابنا بأنفسهم إلى مستوى الفضل والعلم حتى تتصل قافلة الأبرار عبر الأعصار، وحتى يشهد لهم بصالح عملهم، ونافع عملهم، كما كان يشهد الكبار لأمثالهم من قبل، فلقد أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج عن غزوة بدر، وأذن له في الخروج إلى أحد، وهو حريص على الخروج مشغوف به، أكثر من شغف اللاهين بالخروج مع أشباههم إلى أماكن لا يكرمون بالتردد عليها.
وأصاب رافعًا رضي الله عنه جُرح يوم أحد من سهم أدركه في المعركة، فقال له الحفي الوفي صلى الله عليه وسلم: "أنا أشهد لك بها يوم القيامة". وهي شهادة ما أعلاها وما أغلاها.
وعاش رافع بن خديج، فلم يلق الله إلا في خلافة عبد الملك بن مروان الأموي، ما نقص جرحه عمره، ولا أدنى من أجله.
3- الشباب في القرآن والسنة:
ولشباب الخير في القرآن والسنة حديث جليل يدعو ناشئتنا إلى التشبث به والارتفاع بالعلم والعمل، وبالعقيدة والعبادة والسلوك إلى مستواه.. فلقد نوه القرآن الكريم بإيمان الشباب فقال: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً)[الكهف:13]. وقال تعالى: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلأِيْهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ)[يونس:83].
وخلّد غضبة إبراهيم - عليه السلام - على الوثنية وضيقه بالشرك وهو غض الشباب رقيق الإهاب فقال على لسان قوم إبراهيم: (سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)[الأنبياء:60]. وحسب الشباب أن يسلكهم الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - في عداد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ فقال: "وشاب نشأ في طاعة الله".
4- الشباب في الفكر العربي:
والشباب في الفكر العربي يشغل حيزًا هو أحق به وأهله، ويرحم الله أبا العتاهية فهو يقول:
يا للشباب المرح التصابي.. ... ..روائح الجنة في الشباب
وينتقد أحمد شوقي الشباب في تردده عن المعالي فيقول:
شباب قُنَّع لا خير فيهم.. ... ..وبورك في الشباب الطامحينا
ويدعو الإمام الحسين الشباب للتعلق بالله دون الخلق فيقول:
اغنَ عن المخلوق بالخالق .. ... .. تغن عن الكاذب والصادق
واسترزق الرحمن من فضله.. ... .. فليس غير الله من رزاق
من ظن أن الناس يغنونه .. ... .. فليس بالرحمن بالواثق
وقول الإمام الجليل عبد الله بن المبارك:
ما يفعل العبد بعز الغنى.. ... ..والعز كل العز للمتقي
من عرف الله ولم تغنه.. ... ..معرفة الله فذاك الشقي
وأخيرًا وليس بآخر إليكم أيها الشباب من قلب حريص على مصلحتكم:
ليت لو يسمع النصائح غرْ .. ... .. لم يجرب من الحياة أمورًا
نحن نعطيه خبرة قد بذلنا .. ... .. من نفيس العطاء فيها كثيرًا
فخذوا يا شباب منها ضياء .. ... .. هو يجلو - لا غيرهُ - الديجورا
وأقيموا في نوره ما استطعتم.. ... ..عيشكم راضيًا سعيدًا نضيرًا
لا تدوروا في فكركم، لا تظنوا .. ... .. رأيكم وحده الصواب الأثيرا
ــــــــــــــــــــ(42/13)
استنفار يمني لتسهيل زواج الشباب
مثل بقية المجتمعات العربية يتفنن اليمنيون الميسورون في إحياء ليلة عمر لا تنسى لأبنائهم وبناتهم. الولائم والحفلات، والخيام التي تقفل الشوارع، والمطربون على مدار الساعة، واستئجار أغلى صالات الأفراح لأيام عدة، ونحر عشرات الخراف والعجول في ولائم تضاهي ولائم الزعماء؛ كلها مظاهر عادة ما تصاحب الأعراس لتأكيد "ثقل" اجتماعي وهوية محددة في تعاطي الكبار مع مثل هذه الأحداث، وفي أحيان كبيرة لترسيخ الحضور السياسي.
هذه المظاهر استشرت أخيرًا ولدت حالة من الإحباط لدى المقبلين على الزواج، فبدلاً من أن يهتم الشاب بتهيئة شقته وشراء مستلزماته الضرورية يضطر إلى تأجيل الفرح لأشهر وأحيانًا لسنوات كي يتمكن من تدبير مصاريف العرس الذي غالبًا ما يقترب من تكلفة بناء عش الزوجية بكامله.
عشرات من القصص يرويها شباب يمنيون ينتمون إلى الطبقة المتوسطة أو الفقيرة أجبرت الظروف بعضهم أن يشهر العنوسة في مواجهة مظاهر الترفيه في العرس أو طلبات العروس التي تود أن ينفذ لها حبيب القلب ما رأته في عرس صديقتها أو أختها أو جارتها.
سعيد واحد من هؤلاء الشباب المحبطين جاء إلى صنعاء بعد تخرجه من إحدى جامعات الأقاليم في تعز للبحث عن الرزق وتكوين نفسه، وبعد سنوات من الكد والتعب والإقامة مع أصدقائه في سكن بسيط حصل سعيد على فرصة عمل في إحدى المؤسسات الحكومية في صنعاء، الأمر الذي جعله يتطلع إلى إكمال نصف دينه. لم يتعب سعيد كثيرًا إذ ارتبط بفتاة تعمل معه في المؤسسة نفسها، ولكنه بعد عدة أشهر واجه العذاب كما يقول، إذ كان يعتقد أن المسألة بسيطة وأن أسرة الفتاة ستشتري رجلاً كما يقال في مثل هذه الأحوال.
طلبت العروس من سعيد قائمة من الاحتياجات خلال العرس وصلت قيمتها إلى 300 ألف ريال، فما كان منه إلا أن خلع دبلة الخطوبة تاركًا هداياه وباكيًا على ما أنفقه ومنتظرًا فرصة أخرى.
هذه الحالة التي تتكرر كثيرًا ويوميًا فرضت على القيادة اليمنية أن تتدخل لحماية الشباب وكانت البداية بإطلاق حملة رسمية لتسهيل زواج الشباب ومحاربة المظاهر المعوقة لإتمامه. وقد طلبت قيادات الدولة من مجلس الشورى دراسة هذه الظاهرة والخروج بتوصيات وطلبت من الحكومة تنفيذها وأهمها: "أن يكون المسؤولون في الدولة قدوة في التواضع في مظاهر الزواج والمناسبات الاجتماعية". باعتبار أن "في الإفراط إساءة إلى الدولة واستفزازًا للفقراء".
ليس ذلك فحسب، بل حرص الرئيس اليمني على أن يحضر بنفسه حفلات زواج جماعي لنحو 400 عريس من منتسبي وحدات الحرس الجمهوري في مختلف محافظات الجمهورية، في إطار المبادرة الاجتماعية لتيسير الزواج على الشباب في القوات المسلحة والأمن وفي المجتمع.
وقال الرئيس اليمني: إن "هذه المبادرة التي يتم من خلالها دخول 800 عريس وعروس إلى مرحلة جديدة في حياتهم، وتأسيس حياتهم الزوجية بسهولة ويسر، تمثل بادرة إيجابية تستحق التشجيع".
وحرص الرئيس اليمني كذلك على أن يبعد هذه المبادرة عن السياسة وأن يربطها بالجانب الاجتماعي ليسهم في حل مشكلة أكثر من أسرة، ولا يجب أن يكون عملاً سياسيًا، ولكنها ظاهرة اجتماعية إنسانية وخيرة، ينبغي أن يعمل الآخرون على تشجعيها". وطلب "الابتعاد عن كل مظاهر الإسراف والتباهي والبذخ في إقامة الحفلات والمناسبات الاجتماعية بما يحول دون زرع الأحقاد والضغائن في المجتمع، ومراعاة مشاعر الفقراء وذوي الدخل المحدود والترشيد في الإنفاق ولما فيه تحقيق المصلحة العامة".
وكان مجلس الشورى اليمني ناقش قضية الإسراف والبذخ في مظاهر الزواج ومراسم الوفاة والمناسبات الاجتماعية الأخرى لدى الميسورين.
وقال رئيس مجلس الشورى عبد العزيز عبد الغني إن المجلس "اتخذ توصيات في موضوع البذخ والترف الاجتماعي منها التزام أعضائه بأن يكونوا القدوة في تبسيط الولائم والمآدب وتيسير الزواج في إطار من الحرص على حماية القيم الاجتماعية من الممارسات التي تسيء إليها وفي مقدمها المغالاة في تكاليف الزواج".
وأضاف أن موضوع تيسير الزواج "يتجاوز اليوم في دلالاته كل تقديراتنا في هذا الشأن ليشمل الظواهر التي برزت بصورة ملفتة للنظر في الفترة الأخيرة مثل المغالاة في المهور والإسراف في الحفلات والمآدب وإقلاق السكينة العامة من خلال إطلاق الأعيرة النارية واستخدام مكبرات الصوت ونصب الخيام في الشوارع، ولتبدو مثل هذه الظواهر وكأنها جزء لا يتجزأ من عملية الزواج وهي ليست كذلك".
واصفًا تلك الظواهر بأنها "طارئة على الشعب اليمني وعبء مادي ومعنوي على الفرد والمجتمع، وتلقي بتأثيراتها السلبية على الظواهر الإيجابية وتسيء إلى مبدأ التكافل الاجتماعي، وتستفز مشاعر الآخرين وتدفعهم إلى المغالاة لمجرد التقليد والمباهاة".
وأكد مجلس الشورى اليمني على أهمية إقامة صالات خيرية لحفلات الأعراس الجماعية تشرف عليها المجالس المحلية ويمولها أهل الخير برسوم رمزية.
وقال وكيل وزارة الأوقاف والإرشاد الشيخ يحيى النجار: إن الوزارة "ستقوم بدور إيجابي من خلال العلماء والمرشدين وتعظيم رسالة المسجد للحض على الظواهر الإيجابية ومحاصرة الظواهر السلبية" مشيرًا إلى عزم الوزارة على إقامة أعراس جماعية على نفقة وقف الزواج.
وفي النهاية يأمل الشباب اليمني أن تكون هذه الخطوات لها آثارها الحقيقية والمشاهدة على أرض الواقع رغبة في الاستقرار وبناء أسر كريمة تكون لبنات قوية في نسيج المجتمع اليمني.
ـــــــــــــــ
الحياة : (15166)
ــــــــــــــــــــ(42/14)
عزيزي الشاب،عزيزتي الشابة:من قدوتك؟
محمد: لويس فيجو لاعب البرتغال قدوتي
شيماء: ليس لي قدوة ولم أنظر لأحد كمثل أعلى
فاطمة: لنا في الرسول الأسوة الحسنة
د. حنان محمد
ارتفاع أسهم نجوم الفن والكرة نتيجة انتشار قيم الاستسهال وتقديس المال
د. عبد المنعم نجم
الشباب يحتاج للتذكير بقيمه وتراثه الفني بالأفذاذ والعلماء والصالحين
•إذا سألك أحد بلا سابق ترتيب: من قدوتك؟ كيف سيكون رد فعلك؟
•هل ستجيب بصدق لأنك تعرف قدوتك جيدًا.
.هل ستفكر في الإجابة المرضية الأقرب إلي الصواب حتى لو لم تكن حقيقية؟
•هل ستعتبر السؤال غير ذي أهمية ولا تفكر في إجابته من الأساس؟
•هل ستكون صريحًا .. وتقولها بلا مواربة: ليست لي قدوة؟
أيًا كانت إجابتك عزيزي الشاب .. وعزيزتي الشابة، فنحن نوجه السؤال، ونتمنى ألا يحار أحد منكم وهو يختار قدوته بشرط أن يحسن الاختيار.
رغم كل الظواهر السلبية التي يعيشها الشباب من حوله في ظل الغزو الثقافي الغربي للمجتمعات الإسلامية والعربية، وفي ظل انبهار الشباب بما يقدمه الغرب من تقدم تكنولوجي، وتقنيات حديثة في جميع المجالات، وفي ظل العصر الذي أصبحت الماديات هي التي تتحكم في مجريات الأمور، وفي ظل هذا كله نتساءل:
هل انجرف الشباب وراء بريق الحضارة الغربية، وما تحمله من تقدم علمي؟
هل أصبح صناع الحضارة الغربية هم قدوته؟ أم لا زال متمسكًا بعقيدته الإسلامية وبحضارته العربية؟؟
الرسول قدوتنا
تقول غادة محمد - كلية الآداب - إن قدوتها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد غيره، وتقول :إن الشباب الآن أصبح أكثر وعيًا من ذي قبل والفضل يعود إلى الله بسبب الأحداث التي يمر بها العالم العربي والإسلامي.
وتتفق معها أختها فاطمة الزهراء محمد ثانوية عامة، وتقول: إن قدوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول رضوان مصطفي فتحي - كلية الحقوق جامعة عين شمس - :إن المسلمين يجب أن يتخذوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام قدوة ، بذلك يكسبون الدنيا والآخرة.
ويؤكد أحمد شاكر - كلية التربية جامعة عين شمس - أن السواد الأعظم من الشباب الآن يتخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته قدوة.
تقول شيماء حسن ثانوية عامة: أنا ليس لي قدوة، ولم أنظر إلى أحد كمثل أعلى ولم أفكر أن أتخذ أحد قدوة.
وتتفق معها رانيا صالح وتقول: أنا ليس لي قدوة.
فيجو قدوتي
ويقول محمد متولي - دبلوم ثانوي صناعي - أنا قدوتي لويس فيجو لاعب البرتغال وريال مدريد الأسباني؛ لأنه لاعب ذو مهارة عالية، وأنا أحبه كثيرًا.
وتتفق مريم كمال - ثانوية عامة - مع الرأي السابق بأنه يجب أن يكون لكل إنسان قدوة يسير على دربه ويتخذه مثل أعلى، وقدوتي سيدنا علي رضي الله عنه لأنه أسلم صغيرًا واستطاع رغم صغر سنه أن يميز بين الحق والباطل.
وتقول سحر حامد - كلية الآداب قسم لغة عربية جامعة عين شمس - قدوتي طه حسين؛ لأنه تحدى إعاقته، ولم تعرقله إعاقته عن تحقيق ما يريد، بل كانت حافزًا له على التفوق حتى حصل على أعلى المناصب لذلك أنا أعتبره قدوة.
وتعتبر بسمة صلاح - ثانوية عامة - أن السادات قدوتها؛ لأنه قاد مصر في حرب التحرير حرب أكتوبر المجيد 73.
أمي قدوتي
الأم هي الأساس هكذا قال أحمد محمود محمد - كلية التجارة جامعة قناة السويس - عندما سألته عن قدوته فقال: إن الأم هي الأساس؛ لأن أي إنسان عندما يكبر يجد أمامه أمه رمزًا للحنان والعطف، ويكفي أن الجنة تحت أقدامها فكيف لا أتخذ من أمي قدوة لي؟.
وتتفق معه جيرا - كلية الآداب قسم حضارة جامعة عين شمس - وتقول قدوتي هي أمي لأنها مثالية.
زويل قدوتي
هكذا قالت آيات سيد عندما سألتها عن قدوتها فقالت: قدوتي أحمد زويل، وذلك لأنه عالم، وشرف مصر، ويكفي أنه حصل على جائزة نوبل.
ويتفق معها وائل مرعي عبد الله - كلية العلوم جامعة الزقازيق - ويقول: أنا أنظر إلى أحمد زويل كقدوة، وأريد أن أصبح مثله.
نجوم الفن والكره
تقول د. حنان محمد حسن أستاذة علم الاجتماع كلية الآداب جامعة عين شمس - لا نستطيع أن نجزم أن هناك غيابًا للقدوة بين الشباب، فهذه العمومية لا تلغي وجود استثناءات، بمعني إننا مع التقدم التكنولوجي وعصر السماوات المفتوحة، فهناك قدوة نحتذي بها، والقدوة لديها من السمات الإيجابية ما جعلها مصدرًا للإعجاب والارتباط بها، ولكن بصفة عامة مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية ظهرت قيم واختفت قيم أخرى كنا في أشد الحاجة إليها.
فنجد قيما مثل حب العلم والتمسك بالتقاليد والعمل المنتج قد اختفت من حياتنا، وهناك أشياء حلت محلها مثل الاستسهال وتقديس المال، وبناءً على هذه المعايير أصبح الشباب يتخذ من نجوم الفن والكره والغناء قدوة له، ونسي هذا الشباب القدوة الحقيقية الموجودة في الصحابة والمفكرين وأساتذة الجامعة وغيرهم من القدوة الحسنة.
انظر لمن يستحق
أما د. عبد المنعم نجم - وكيل كلية أصول الدين جامعة الأزهر - فيقول: ليس هناك غياب للقدوة بين الشباب، ولكن الشباب يجب أن يعرف أنه غني بتراثه وبما له من ذخيرة في دينه، ولكن يحتاج بين الحين والآخر إلي التذكير والتنبيه على ماله وما عليه، ويحتاج إلي التذكير بالله، وبكتابه وسنة رسوله، لكي ينكشف له الضوء الإنساني السليم ليمشي فيه، وليبتعد عن الانحراف والميل ويظل مشدودًا إلي نداء ربه ونداء رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم) فلا يميل ولا ينخدع لدعايات الغرب ويتحصن بدينه الحنيف.
فلا ينظر إلي الغربيين كقدوة له، أو ينظر إلي أناس لا يستحقون أن يكونوا قدوته، وليعلم بأن عنده ما فيه الكفاية (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).
ولكم أيضًا في صحابته الكرام؛ لأنهم تربوا في بيت النبوة وكان معلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكم أيضًا في علماء المسلمين الذين قادوا الإنسانية لفترات طويلة إلي طريق التقدم والازدهار، فلهم الفضل فيما وصل إليه الغرب من تقدم وازدهار بالرغم من جحود الغرب لجهود علماء المسلمين.
ــــــــــــــــــــ(42/15)
هل نحن جيل عازف عن الزواج؟
وأنا أمسك بالريموت كنترول أقلب محطات القنوات الفضائية توقفت عند برنامج خصص إحدى حلقاته لمناقشة مشكلة "عزوف الشباب عن الزواج".. جذبني الموضوع فسمعت جداً قليلاً وغثاً كثيراً، فأحد الضيوف -وصفوه بأنه فيلسوف- مضى يمجد في العزوبة؛ فالأعزب عبقري، مبدع، مفيد للبشرية، والمتزوج إنسان نمطي، ذليل، منقاد لعادات مجتمعه، ليس في قدرته أن يضيف شيئا لحركة الحياة، وبناء على هذه الرؤية العجيبة التي لا تستند إلى دليل يرى "الفيلسوف" أن شباب اليوم عازفون لأنهم أكثر نضجا وإبداعا وعبقرية!.
ورغم يقيني أن عنوان الحلقة كان خاطئا منذ البداية، لأن الشباب في حقيقة الأمر ليسوا "عازفين" عن الزواج بقدر ما هم "عاجزون" عنه، إلا أنني أريد أن أثبت هنا أن بعضا من الدراسات الاجتماعية كشفت بالفعل عن قدر من "الرهبة" يشعر بها الشباب نحو الزواج، وهذه الرهبة تعد الدرجة الأولى في سلم العزوف إن لم نقطع عليها الطريق.
نحو فهم أفضل للشباب
أضرب مثلا هنا بدراسة أجرتها وزارة الصحة في سلطنة عمان خلال العام (2001) تحت عنوان "نحو فهم أفضل للشباب"، فماذا قالت هذه الدراسة؟.. قالت إن 45% من الشباب في عمر المراهقة يعانون من أوضاع نفسية صعبة، وعادة ما يكونون أسرى لحالات من الحزن والقلق والكآبة والإحباط، وترتفع هذه النسبة لدى الإناث، وبلغت نسبة التخوف من بناء الأسرة وتحمل مسؤولياتها 54%، كما بلغت نسبة التخوف من الجنس الآخر 48% خصوصا عند الفتيات (!!).
والواقع أن الصورة التي رسمتها هذه الدراسة للشاب المراهق العربي هي الوحدة وقلة المعرفة، فهو منكفئ على نفسه بهمومها وأشواقها، وأفراحها وأحزانها، خائف من الآخرين الذين يجهل كل شيء عنهم، فيما تخلى الكبار عن مسؤوليتهم التاريخية في تعريفه بنفسه وبالعالم والبشر من حوله، وأعتقد أن حالة التخوف من بناء الأسرة، ومن الجنس الآخر ليست إلا مظهرا من مظاهر هذا الخوف العام من الآخر والانكفاء على الذات.
هذه النتيجة تؤكدها بقية المعلومات التي قدمتها الدراسة، فعلى الرغم من أن ما يزيد على 90% من الشباب الذين تناولتهم الدراسة يزيد عمرهم على 15 عاما، إلا أن هؤلاء الشباب في هذا العمر فشلوا في التعرف على أجسامهم، فنصفهم فقط استطاع التعرف على التحولات الفسيولوجية التي تصاحب مرحلة البلوغ، وأقل من ثلثهم تعرف على بعض مظاهر البلوغ لدى الجنس الآخر، وعندما سألتهم الدراسة عن مصدر معلوماتهم في هذا المجال، كانت المفاجأة أن 48.9% منهم يستقون معلوماتهم من الأصدقاء، وتأتي الكتب والمجلات في المرتبة الثانية، في حين يعتبر الأبوان المصدر الأخير للثقافة الجنسية لدى الشباب.
إن أول حاجز يفصل بين الشباب وبين الزواج هو ذلك الجهل المطبق بملامح الرجولة والأنوثة وواجباتهما، وقد درج الآباء والأمهات جيلا بعد جيل على ضرب سور من الكتمان حول الثقافة الجنسية، فليس مسموحا للابن أن يسأل أو يسمع أو يتطلع إلى فهم ما يدور بجسده من تحولات، وإلا فإن العقاب، ونظرات الاستهجان والإبعاد ستكون نصيبه داخل أسرته.. وربما كان لهذا النمط من التعامل مبرراته المنطقية وآثاره الوجيهة على شيوع حالة من النظافة والطهارة والعفة في المجتمع لفترة طويلة من الزمان، ولكننا في عصرنا الحاضر لا ينبغي أن نغفل أننا أمام متغيرات ما عادت تسمح لنا بالثبات عند سياسات تربوية تجاوزها الزمن، فالشاب الذي تغلق أمامه الأبواب والنوافذ في المنزل، وتغلق دونه آذان وأفواه أبويه، يجد اليوم عشرات البدائل التي توفر له ثقافة بديلة ستضمن له حسب ظني أسباب الانحراف، لأنها ستأتي متلبسة بملامح ثقافة غربية أهدرت قيمة الزواج، واستبدلت الصديقة بالزوجة، والطفل المتبنى بأطفال الدم، وعلاقة المودة والرحمة بالعلاقات التي لا تعرف إلا لون الدولار.
ليس عزوفا بل عجزا
وإذا كنا نتحدث عن العزوف، فإنني أعود للتأكيد هنا أن القضية في الأساس ليست قضية عزوف، بقدر ما هي قضية عجز عن الزواج في ظل الترويج لثقافة استهلاكية جعلت من العروس سلعة، ومن إقامة الأسرة مشروعا اقتصاديا.
في ظل هذه الثقافة ارتفعت معدلات المهور إلى أرقام فلكية، وتزايدت الشروط حول مواصفات الشقة والأثاث والرقم الذي سيدون كمؤخر للصداق لأن هذا كله محل تفاخر ومباهاة اجتماعية، ولهذا فقد صار على زوج المستقبل أن يعمل حتى يبلغ سن الأربعين ليستطيع توفير الشقة، وأن يتورط في ديون ربما يورثها لأولاده ليوفر بقية المطالب.
ومع ارتفاع المطالب ارتفع سن زواج الرجل، وارتفع بالتالي سن الزواج للفتاة حتى أصبح طبيعيا اليوم أن تتزوج الفتيات فوق سن الثلاثين، في حين كانت العنوسة تبدأ من عمر الخامسة والعشرين وربما قبل ذلك منذ عدة سنوات.
أخطر ما في الأمر أن الارتفاع المستمر في سن الزواج المرتبط بالعجز عن الزواج يتواكب مع انخفاض مستمر في سن ممارسة الجنس في ظل انفتاح الأبواب أمام ثقافة جنسية سرية غير مرشدة ونابعة من جذور ثقافية لا يقبلها مجتمعنا.
إن قيام الأبوين بواجبهما في توفير هذه الثقافة الجنسية المضبوطة بضوابط الشرع، مع العودة إلى البساطة واليسر في إجراءات الزواج وشروطه شرطان رئيسان ليقدم الشباب على الزواج، سواء سمينا موقفهم الآن عزوفا أو عجزا.
ــــــــــــــــــــ(42/16)
واجه شعورك بالنقص!
هل أنت تملك كل شيء؟ هل تحققت جميع الأهداف التي كنت تسعى جاهدًا للوصول إليها؟ وعندما يتحقق أحدها، هل تقف عند هذا الحد من الطموح أم أنك سترغب في تحقيق هدف آخر.. ثم آخر وآخر؟
ـ بالتأكيد أنت لا تملك كل شيء .. كما أنني لا أملك كل شيء .. ومن البديهي أن أحدًا لا يستطيع أن يملك كل شيء.. كما أن أحدًا لا يستطيع أن يقف عند حد معين من التطلع إلى الأفضل، وعندما لا نحصل على شيء ما مما نريد.. أو تقف عوائق في وجه تطلعاتنا.. قد نشعر بخيبة أمل.. ومن هنا يتولد شعورنا بالنقص وإن كان في معظم الحالات لا يستحق منا هذا العناء.
ـ إن الأشياء التي قد يقوم عليها الشعور بالنقص متنوعة.. متباينة.. فقد تكون ذات صلة بقصور عقلي، جسمي، معنوي، مادي، أو اجتماعي. وقد يتولد الشعور بالنقص من أمر ذي شأن كبير في عين الشخص وفي أعين الناس المحيطين به.. وقد يكون نابعًا من شعور مبالغ فيه عند الشخص.. فالأمر ذو شأن كبير في عين الشخص بينما ينظر إليه الآخرون بصورة طبيعية لا تحتمل وجود أي نقص فيه.. وفي كلتا الحالتين يعتبر الشعور بالنقص أمرًا طبيعيًا لدى البشر جميعًا ولا نستطيع النظر إليه على أنه أمر شاذ.. أو مرض نفسي كما ينظر إليه بعض الناس.. وعندما نؤمن بوجود نقص فينا نستطيع أن ننظر إلى النقص الموجود في الآخرين بصورة إيجابية، وذلك لأن الشاعر بالنقص هو ذلك الشخص الذي يخجل لأن فيه قصورًا ما يجعله مختلفًا عن غيره من الناس بطريقة غير مرغوب فيها.. ومن منا لا يحمل بين نواحي جسده أو عقله أو نفسه أو وضعه الاجتماعي قصورًا ما؟
كيفيه المواجهة
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف نتغلب على شعورنا بالنقص؛ لنعيش في حالة تصالح بيننا وبين أنفسنا؟
ـ واجه شعورك بالنقص ولا تحاول التهرب منه بينك وبين نفسك أو بينك وبين المحيطين بك، وثق تمامًا بأنه ليس وحدك الشاعر بالنقص في أحد جوانب شخصيتك.
ضع الناحية التي تشعر بوجود نقص فيها نصب عينيك وابدأ بدراستها بكثير من الاهتمام والعناية للتوصل إلى الطريقة الأفضل لمواجهتها ومن ثم التغلب عليها.. أو التغلب على شعورك بها.
فإذا كان ما تشعر به من نقص يسهل تعديله والسمو به.. فتغلب على نقصك وقم بتعديله مبتدئًا بنفسك بقوة إرادتك.. ورسم الصورة التي ستكون عليها بعد تعديلك للنقص: يعطيك حافزًا للمثابرة والإصرار.. وبالتعديل ستشعر بحياة أفضل، وستعيش سعيدًا حتى إن لم تصل إلى المستوى الذي كنت تتطلع إليه.. معزيًا نفسك بأن هناك من هو أسوأ حالاً منك.. وأنك أفضل بكثير من أشخاص آخرين يحتل فيهم النقص حيزًا أكبر.. ويعيشون حياة مضطربة أكثر منك، وأن كل شخص في هذا الكون عرضة للتجربة والاختبار والابتلاء.. وكلٌّ يواجه مصاعبه بطريقته.. والحياة مليئة بالعبر.. بالتالي لا عجب من شعورك بالنقص.. فليس وحدك المبتلى، وثق بأن وضعك ليس الأسوأ على الإطلاق...
عشر ثوان!!
«هارولد أبوت» يعمل مديرًا لأحد المخازن في مدينة وبي.. يروي تجربته قائلاً: «في أحد أيام الربيع من عام 1934م كنت أتمشى في أحد الشوارع حين رأيت منظرًا خلال عشر ثوان.. لكنني خلال هذه الثواني العشر تعلمت كيف أعيش أكثر مما تعلمته في السنوات العشر السابقة.. منذ سنتين كنت أدير مخزن بقالة في مدينة وبي، وقد خسرت جميع مدخراتي وغرقت في ديون تحتاج إلى سبع سنوات من العمل لسدادها.. وقد أقفلت مخزني وذهبت إلى بنك التجار والصناعيين لاستدانة المال الكافي لانتقالي إلى مدينة كنساس للبحث عن عمل.. كنت أسير كرجل فقد ثقته بنفسه وشجاعته.. وفجأة رأيت رجلاً وقد بترت قدماه كان يجلس على مقعد يرتكز على عجلات ويزحف في الشارع بمساعدة قطع من الخشب أثبتها في كل يد.. التقيته بعد أن عبر الشارع وبدأ يرفع نفسه ليصعد إلى الرصيف. وفيما هو يفعل ذلك التقت عيناي عينيه فابتسم لي ابتسامة رائعة قائلاً: صباح الخير يا سيد إنه صباح جميل أليس كذلك؟ وفيما أنا واقف أنظر إليه عرفت كم أنا غني، فأنا أملك ساقين وأستطيع السير.. شعرت بالخجل من نفسي وقلت في نفسي: إذا كان هذا الرجل الفاقد لساقيه سعيدًا واثقًا من نفسه فكيف يجب أن أكون أنا بوجود ساقي؟ شعرت بالارتياح وكنت قد قررت أن أستلف مبلغ مائة دولار فقط من البنك فأصبح لدي الشجاعة الكافية لطلب مائتين، وكنت أنوي أن أقول إنني ذاهب إلى مدينة كنساس لأحاول العثور على عمل، أما الآن فسأقول بثقة إني أريد الذهاب لمدينة كنساس للحصول على عمل.. فحصلت على القرض وحصلت على العمل».
ـ وإذا لم تستطع الوصول إلى تعديل ما تشعر به من نقص أو لم تستطع الوصول إلى الدرجة التي كنت تطمح في الوصول إليها.. فهناك طريقة أخرى للتعديل وهي الامتياز بنواح أخرى موجودة بشخصك، وبذلك تكون قد تغلبت على النقص الموجود فيك بامتيازك في ناحية أخرى موجودة فيك تتميز بها عن باقي من هم حولك.. مثال ذلك، إن كنت طالبًا في إحدى المراحل ولم تستطع استيعاب مادة الرياضيات ـ على سبيل المثال ـ وحصلت على درجات متدنية مقارنة بزملائك، في الوقت الذي حصلت فيه على عدد من الميداليات والجوائز في مادة الرياضة مثلاً، فهذا يساعدك كثيرًا على التغلب على شعورك بالنقص في مادة الرياضيات. «بن فورستون» يحكي قصته التي حدثت عام 1939م كالتالي: «أردت قطع بعض القصب لزراعة الفول في حديقتي.. وضعت رزمة القصب في سيارتي وصعدت السيارة لأعود إلى المنزل. ولكن في أثناء عودتي انزلقت قصبة تحت عجلة السيارة وأنا أجتاز منعطفا خطرًا فتدهورت بي السيارة، وارتطمت بشجرة كبيرة، فأصيب العمود الفقري وأصبت بالشلل، كنت حينها في الـ24 من عمري، وما زلت منذ ذلك الحين لا أقدر على السير خطوة واحدة.. في البداية ثرت وغضبت ولعنت حظي العاثر ولكن بمرور الأيام اكتشفت أن غضبي وحزني لن يغيرا شيئًا، ورأيت كيف كان الناس لطفاء وكرماء معي، فأردت أن أكون بدوري كريمًا معهم.. لقد استطعت خلال أربع عشرة سنة أن أقرأ ما يزيد على 1400 كتاب فتحت أمامي آفاقًا جديدة، وأصبحت قادرًا على التطلع إلى العالم ومعرفة حقيقة القيم فيه، ونتيجة القراءة والمطالعة صرت أهتم بالسياسة والأمور العامة، وأخذت ألقي الخطب وأنا جالس على الكرسي المتحرك...» اليوم يشغل بن فورستون وهو ما زال كسيحًا كما كان منصب سكرتير الدولة في ولاية جورجيا.
ـ من جهة أخرى فإنك عندما تحاول تعديل النقص الذي يستحيل عليك تعديله، أو الوصول إلى هدف لم تخلق له، وتكافح من أجل شيء أنت تعلم مسبقًا بأنه لا يمكن تحقيقه، فإن هذا علامة من علامات الحمق، لأنك في النهاية ستصاب بخيبة أمل، وستفقد السيطرة على نفسك، وربما تصاب بنوع من الكآبة والضغوط النفسية التي تجلب لك القلق.. فيجب علينا أن نعلم أن بعض نقائصنا قد تكون قابلة للإصلاح والتعديل، في حين أن بعضًا منها قد يستحيل علينا تعديله، فإذا كان النقص الذي تراه في نفسك يستحيل تعديله أو تغييره فسلم به.. وطن نفسك عليه، ولا تخجل أبدًا.
الهروب من التبعة!
عندما تحاول أن ترفع من معنويات ذاتك لمواجهة النقص الذي بداخلك.. وعندما تحاول ألا تكون عرضة لانتقادات الآخرين.. واجه نقصك بشجاعة ولا تكن كالذين يحاولون تعديل النقص بالتهرب من التبعة.. وأقصد بذلك الأشخاص الذين عندما يقرون بوجود نقص ما فيهم أقروا به مكابرين مكرهين.. ويحاولون إرجاع هذا النقص لأمور اصطنعوها من خيالهم لأنهم يرفضون الانهزام أمام أنفسهم بالاعتراف بالنقص كأن يقول مثلاً.. إن النقص الموجود بشخصي هو نتيجة الظروف المحيطة بي والتي لم تكن في صالحي أبدًا.. أو هو أمر وراثي انتقل لي من الأجداد.. وهذا بسبب مرض خطير أصابني في مرحلة طفولتي ما زالت آثاره باقية.. أو بسبب ذاك الطبيب الذي لم يصل إلى تشخيص سليم لمرض كان قد أصابني.. وهذا خطأ بالتأكيد، وهو نوع من الهروب من النقص والفرار من المسؤولية الشخصية لتجنب انتقاد الناس وذمهم بدلاً من مواجهته وتعديله بالطريقة المناسبة أو التسليم به أمام نفسه وأمام الآخرين. فالإنسان الذي يستطيع مواجهة الحياة بشكل سليم يستطيع بالتأكيد خلق ظروف سعيدة حوله مبتدئًا بنفسه. فبإمكاننا السيطرة على الأسوأ.. وتعديل الظروف السيئة المحيطة بنا بدلاً من الاستسلام لها والتهرب من مواجهتها، فليست الظروف التي نمر بها سبب انهيارنا.. إنه أسلوب تفكيرنا بهذه الظروف، وما يفكره الإنسان بعقله وقلبه يكونه، وليس العبرة بما يحدث لك من أمور إنما العبرة بما تقوم به حيال ذلك. وكما قال «يوليوس روزنوالد»: «عندما تعطيك الحياة الليمون الحامض.. اصنع الليمونادة».
إن عدم مواجهتك النقص الذي تراه في نفسك يعني كبت شعورك به.. وخداع نفسك بأنك لا تشعر بنقص ذي أهمية، وأن غيرك من الناس ليس بأفضل منك، وأن ما وصلوا إليه ليس إلا بالصدفة، أو أن الظروف المحيطة بهم كانت أفضل من الظروف التي أحاطت بك. هذه النوعية من الأشخاص يسارعون في ملاحقة أخطاء الآخرين واستنكارها ولا يعترفون أبدًا بما يمتاز به الآخرون.. وهذا بلا شك أسلوب غير حميد يؤدي إلى نفور الناس منك. إلا أن كبت النقص يوقع الخلل في التناغم العقلي عند الشخص.. فبدلاً من لعن الظروف التي كانت كما تدعي سببًا للنقص فيك واجه تلك الظروف وتغلب عليها.. إن كنت بالفعل ترغب في اغتصاب النقص فيك...
اشترى أحد المزارعين في مدينة فلوريدا قطعة أرض من مشروع لتقسيم الأراضي، وعندما نال نصيبه منها وصل إليها ووصلت خيبة الأمل معه.. فالأرض غير صالحة للزراعة، ولا ينبت فيها غير شجر البلوط ولا تعيش فيها إلا الأفاعي السامة، وقف طويلاً يتأمل.. لقد دفع كل ما يملك من مال، وهذا ما ناله فماذا يفعل؟
وقبل أن تكمل القراءة لو كنت أنت من اشترى هذه الأرض فماذا كنت ستفعل؟
لقد قرر بعد تفكير أن يستفيد من تلك الأفاعي السامة، وأمام دهشة الجميع من جيرانه اليائسين بدأ تعليب لحم الأفاعي، وأنشأ مختبرًا لاستخلاص السم من الأفاعي وبيعه لمصانع الأدوية، حيث يتم تحويله إلى مضادات حيوية يعود عليه بربح وفير. كما كان يصور هذه الأفاعي ويطبع بطاقات لها توزع في المكتبات، وبلغ عدد السياح الذين يزورون مزرعته كل عام عشرين ألف سائح ليتفرجوا على الأفاعي والثعابين السامة.
إن بإمكان أي غبي أن يستفيد من أرباحه، ولكن الذكي فقط هو الذي يستطيع أن يستفيد من خسائره، فهو يحول الهزيمة إلى انتصار والنقص إلى الكمال.
في النهاية.. يبقى الإيمان بالله التعويض الأكثر توفرًا والأكثر استعمالاً من قبل الأكثرية، وكثير من الأشخاص حصلوا بالإيمان على السلوى والعزاء بعد أن سقطوا ضحايا الفشل أو النقص أو الحزن أو الخسارة.. وليس الدين كما يتوهم بعضنا ملجأ للضعفاء وغير المتعلمين فحسب، ولكنه الأمل الذي يتطلع إليه جميع الناس.
وختامًا أخي الشاب.. إذا لم تستطع أن تكون شجرة في قمة التل.. فكن شجيرة في الوادي.. كن أفضل شجيرة بجانب الينبوع.. وإذا لم تستطع أن تكون شجيرة فكن عشبًا وافخر بهذا العشب لأنه سيجعل الطريق زاهيًا..
وتذكر دائمًا.. بأن لا تلعن الظلام.. ولكن .. أشعل شمعة.
ــــــــــــــــــــ(42/17)
الشباب والعادة السرية.. أحكام وضوابط
تعتبر ممارسة العادة السرية "الاستمناء" واحدة من الظواهر السلبية في حياة بعض الشباب المسلم، والتي نحتاج معها لوقفة جادة توضح ما لهذه العادة من آثار ونتائج سلبية يتجاوز ضررها في الغالب الشخص إلى مجتمعه، وتأتي الخطورة الأكبر لهذه العادة لدى من يعتادون عليها ويعتبرونها الخلاص والحل الوحيد لحفظ النفس من الزنا.
ويصنف هؤلاء بأنهم مدمنون وهم مهددون بالكثير من الأعراض الصحية والنفسية إلى جانب الإثم الذي يوقعون فيه أنفسهم، وممارسة هذه العادة لا يغني النفس أبدا عن الزواج والانسياق وراء الشهوات فنجد من يمارسون هذه العادة بكثرة هم أكثر من يشاهدون الصور والمناظر الخليعة، وهم أكثر من ينساقون وراء المحرمات من اغتصاب ولواط، وهذا تدمير الشخص لنفسه وإضرار لمجتمعه.
وهنا يتضح للعاقل أن أهم وأنجع الحلول تفريغ هذه الطاقة في مكانها الصحيح وذلك بالتحصن والزواج الشرعي، ولقد صدق قول الشاعر حينما قال:
صاحب الشهوة عبد فإذا غلب الشهوة صار السيدا
عجز وندم!!
المشاكل الصحية والنفسية والاجتماعية التي أفرزتها ممارسة هذه العادة في مجتمعاتنا كثيرة، ومنها:
1-العجز الجنسي بشكل عام: حيث عرف من الشباب من يخافون من الإقدام على الزواج وأصبحوا يترددون على العيادات التخصصية بحثا عن علاج لمشكلاتهم الجنسية التي تتمثل في سرعة القذف، وضعف الانتصاب، وقلة الرغبة الجنسية، وأصبح البعض نتيجة لذلك يهرعون إلى المقويات الجنسية، ويغفلون آثارها الجانبية بحثا عما أضاعوه!.
2-سقوط المبادئ والقيم: المنساق خلف هذه العادة ضعيف الشخصية تجره شهوة من شهواته إلى الوقوع في الحرام ولو على حساب السمعة والصحة والدين والمبادئ.
3-الإنهاك والضعف العام: ومن ذلك إرهاق الأجهزة العصبية والعضلية، وآلام الركب والمفاصل. وتقول إحدى الدراسات الطبية: "إن مرة قذف واحدة تعادل مجهود من ركض ركضا متواصلا لمسافة عدة كيلومترات"، وللقياس على ذلك يمكن لمن يريد أن يتصور الأمر بواقعية أن يركض كيلو مترا واحدا ركضا متواصلا وليرَ النتيجة.
4-ضعف الذاكرة: حيث إن من يدمن هذه العادة يلاحظ عليه النسيان وعدم سرعة البديهة، ويؤثر ذلك على إنتاجه ومجهوده الفكري.
5-الشعور بالذنب والندم والحسرة: فرغم الشعور اللذيذ الذي ربما ينتاب الشاب حين القيام بهذه الفعلة والوصول إلى النشوة، إلا أنه سرعان ما تنقلب تلك المشاعر إلى إحساس بالذنب والحسرة.
طرق العلاج
للانتصار على هذه العادة فإن هناك عدة أمور يجب أن يتشبث بها من ابتلي، حتى تكون له حرزا ووقاية بإذن الله، ومن ذلك اللجوء إلى الله عز وجل والتقرب إليه بالواجبات والنوافل فإن من أقدم على الله حفظه وحفظ جوارحه وعصمه من الشيطان ووساوسه. وأهم الأسباب المعينة هو الزواج إن تيسر وهو سيكون بإذن الله عصمة وحافظا للدين والنفس، لذلك ينصح الدين الحنيف الشباب بالإسراع في الزواج.
ومن أنجع العلاجات الابتعاد عن أماكن اللهو والشهوات والاختلاط، وذلك باتقاء أماكن التجمعات المختلطة كالأسواق وغيرها إلا للضرورة القصوى وإن كان ولا بد فليتحرّ الرجال الأوقات التي يقل فيها وجود النساء في هذه التجمعات مثل الصباح أو بداية العصر وكذلك الأمر بالنسبة للنساء، وإذا حدث وتم مصادفة ما يفتن ليس للمرء أن ينظر إلى هذه الفتنة ويحدّق النظر فيها بل يجب غض البصر فورا لكي يبدل الله هذه الفتنة بلذة إيمان يجدها العبد في قلبه.
ومن أهم مسببات هذه العادة وغيرها من الفواحش مشاهدة الفضائيات حيث بات من الأمور القاطعة لدى الصغير والكبير والجاهل والمثقف مدى الإفساد والانحلال والمحرمات التي تبثها هذه القنوات بدء بالانحرافات العقدية ومرورًا بالإغراءات الجنسية والتي هي محور رسالتنا وانتهاء بدعاوى التحرر والإباحية وخرق حواجز الدين والعفة والحياء.
ومن أسباب السلامة أيضا تجنب الأوضاع التي تذكرك بهذه العادة أو الحاجة إليها، فإذا كان الشيطان يسول لك فعلها في أوقات الفراغ فاشغل نفسك بالمفيد والمباح، وإن كانت النزوة تأتيك في ساعات الوحدة فتجنبها وهكذا..، عندئذ إذا كنت ممن يدمنون عليها وتركتها فإنك ستفتخر بكل يوم قاومتها فيه.
وأخيرا سوف تكون أكثر سعادة و اعتزازا حينما تحسب الأسابيع التي مرت عليك ولم تفعلها وحينما يأتيك ذلك الشعور مرة أخرى طالبا إرضاءه يمكنك أن تقول لنفسك: " لقد قاومته كل هذه المدة الطويلة... أياما وأسابيع وإذا ما أخفقت الآن فسيضيع كل شيء".
الاستمناء من وجهة نظر شرعية
هي محرمة بلا شك والأدلة على ذلك قوله تعالى: ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) والعادون هم الذين يتعدون حدود الله تعالى، ويدل على تحريمها أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس) رواه مسلم من حديث النواس بن سمعان ، وهذه العادة القبيحة تورث اكتئابا وضيقا في الصدر وشعورا بالإثم، ويكره فاعلها أشد الكراهية أن يعلم الذين يعرفونه أنه يمارسها، فهي من الإثم ، ويدل على تحريمها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) ولو كانت هذه العادة القبيحة مباحة لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليها الشباب ، لأنها أيسر عليهم - لو كانت مباحة - من الصوم، ولكن لما كانت إثما ومعصية اختار لهم النبي صلى الله عليه وسلم الصوم، كما قالت عائشة رضي الله عنها ( ما خُير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما) فدل على أن العادة السرية إثم، ولهذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم إرشاد الشباب إليها، ولقد رخص فيها الإمام أحمد رحمه الله فقط لمن خشي على نفسه الزنا أو الفاحشة وما عدا ذلك فيحرم واختار هذا القول شيخ الإسلام رحمه الله .
وأخير أخي الشاب سواء أكنت مدمنا على العادة السرية أم لم تكن، اعلم أن هناك الكثير من الآخرين ممن يكافحون هذا الإدمان بشتى الوسائل. فلا تكن ممن يثيرهم بنشر الصور العارية ولا تثر الآخرين بأن تكون سببا مباشرا أو غير مباشر في إثارة شهواتهم التي قد تنتهي بهم إلى الإدمان لا سمح الله أو تزيد من إدمانهم. تأكد أن هناك أناسًا هم أكثر حساسية منك تجاه الصور وكل ما يثير الغرائز. اتق الله خالق الكون في نفسك والآخرين ولا تكن سببا في تعاستهم.
ــــــــــــــــــــ(42/18)
إقبال شباب سعوديين على الاستشارة النفسية عبر الإنترنت
الاستشارات النفسية والعاطفية جزء مهم في حياتنا, يحتوينا إزاءه الخجل والخوف من زيارة الطبيب ومكاشفته بأمور جد خاصة. والاستشارة النفسية والعاطفية أحد المواضيع التي حازت الاهتمام والرعاية في مواقع الانترنت وأصبح المتصفح لا يفرّق صحة بعضها عن عدمها.
فهل أصبح المتصفح يثق بهذه المواقع أم ما زالت زيارة الطبيب هي الأفضل والأنسب؟ وما هي هذه الاستشارة وما نوعها وكيف يقومها المتصفح ويتأكد من صحة معلوماتها؟ وهل هناك أطباء انترنت؟ وما هي أبرز المشكلات التي يتعرض لها الكثيرون عبر الشبكة؟ وأخيراً, هل يمكن أن نعطي هذه الشبكة كل ثقتنا؟
تصف ع.س. مشكلتها بالقول: "جربت الاستشارة عن طريق الانترنت وعبر مواقع عدة في مشكلة عاطفية تعرضت لها بسبب علاقة ربطتني مع أحد الشباب إلى درجة أن حالتي النفسية تدهورت بشدة بسبب عباراته العاطفية الساخنة التي يمطرني بها عبر الهاتف. ثم تأكدت بعد ذلك أن هذا السلوك يسبب الكثير من الأضرار. وقد حاولت إرسال مشكلتي للعديد من المواقع التي تهتم بمثل هذه المواضيع وكانت الإجابات لي شبه واحدة, إلا أن أحد المواقع أشار عليَّ بمعاودة الاتصال بهذا الشاب كلما كنت بحاجة لمثل هذا الفعل".
وتضيف: "لقد تعبت, وكل الاستشارات التي حصلتها لم تنفع لأنني مع استمراري في هذا السلوك ظهرت لدي مشكلات عضوية مخيفة وتركت الانترنت بما فيه من استشارات وذهبت الى طبيبة واصفة لها حالتي, وشعرت بعد مقابلتها بتحسن".
وتصف "ريم" حال صديقة لها في الجامعة قائلة: حاولت ان أجد حلاً لمشكلتها وفشلت, وعندما حاولت استشارة الانترنت عبر أحد المواقع طلبوا مني رقم هاتفي خشيت أن أقع في مشكلة ثانية, ثم أرسل "طبيب" الموقع رسالة يطلب مني موافاته برقم هاتفي أو الاتصال به, مما جعلني أتردد كثيراً إلا أنني انتهيت بأن أرسلت رقمي. وفي صباح أحد الأيام وأنا في الجامعة اتصل بي الطبيب وتحدث معي وبدلاً من أن يحاول فهم مشكلة صديقتي أخذ يوجه لي عبارات الغزل, واكتشفت أنه ليس طبيباً وهددته إن اتصل بي مرة أخرى بأنني سأتقدم بشكوى ضده".
لدي الثقة في موقعي
ولأصحاب المواقع رأي في ذلك, ويقول محمد أبو طه صاحب موقع "عالم الحياة الزوجية" حول الثقة في معلومات المواقع وما تقدمه من استشارات: "موقعنا لا تتم عبره الاستشارة النفسية والطبية فقط, بل يعرض بعض المشكلات المحتملة الحدوث ويقدم حلولها من خلال المواضيع المطروحة, كما يحتوي الموقع على الكثير من المعلومات التي يبحث عنها المتصفحون ويجدون الحل بها, ولدينا الكثير من الزوار من بينهم أطباء وذوو خبرة يشاركون في الردود, كما يوجد مشرفون على المنتدى ولا يسمح سوى بالردود السديدة".
ويقول أبو طه عن فكرة طبيب الانترنت إنها "لا تغني عن الطبيب الفعلي, لأننا في بعض الحالات نشعر بحاجتنا فعلاً للمشورة لذلك نلجأ إلى الاستشارة عن طريق الانترنت". ويضيف: "لدينا ثقة كبيرة في معلومات موقعنا وهذا ما نستشفه من الردود والرسائل التي تصلنا. تصلني رسائل عديدة, منهم من يؤيد فكرة الموقع ومنهم من يدعو لي بالخير ولم تصلني أي رسالة شكوى أو اعتراض على أية معلومة والحمد لله".
مفهوم الاستشارة
يقول الدكتور فهد بن حمد المغلوث, أستاذ الخدمة الاجتماعية في جامعة الملك سعود والمستشار الاجتماعي وخبير المهارات السلوكية والقيادية, حول المفهوم الأساسي للاستشارة وكيفية تقويمه إن "المفهوم العام والأساسي للاستشارة يعني تقديم العون الكافي والمساعدة الضرورية لمن يحتاجها سواء كان عميلاً بالعرف الاجتماعي أو مريضاً بالعرف الطبي وهذه المساعدة تعني أيضاً توضيح المشكلة واستيضاح كل أبعادها للعميل وتبصيره بالطرق الصحية والمنطقية والمعقولة للتعامل معها بحيث يكون لديه تصور واضح عن المشكلة يستطيع معه أن يتخذ قراراً ما بحلها أو التعامل معها".
أما مسألة التقويم فيرى أنها مسألة "ليست سهلة إذ إن تقويم الاستشارة مرتبط بمعايير عدة منها نوع المشكلة, ووقت تقديمها, ومدى كفاءة المستشار, والظروف المصاحبة لتقديم الاستشارة". ويضيف: في شكل عام يمكن تقويم تقديم الاستشارة من خلال التأكد من ارتباط الاستشارة بجوهر المشكلة ومدى مراعاتها للعوامل الأخرى المتداخلة معها أو المفروضة عليها.
ولكن هل هناك متابعة لما بعد تقديم الاستشارة؟ وما هي طبيعة الاستشارة هل قدمت وجهاً لوجه أم من خلال المحادثة أم من خلال رسالة مكتوبة؟
للإجابة على هذا التساؤل يقول الدكتور عبد الله السبيعي, (استشاري وأستاذ الطب النفسي في كلية الطب بجامعة الملك سعود وزميل الكلية الملكية للأطباء النفسيين في كندا والمشرف على أحد المواقع النفسانية): "نعم, نحن بحاجة للاستشارة إذا كان المستشارون في هذه المواقع أهل ثقة وعلم وصلاح فالاستشارات على الانترنت تتيح فرصاً لأناس يمنعهم خجلهم من الذهاب إلى عيادات الأطباء والحديث بحرية عن مثل هذه المشكلات الخاصة التي ينظر إليها المجتمع نظرات العيب أو الاحتقار أو الضعف".
وحول الآثار الناتجة من انتشار الاستشارات النفسية والعاطفية بين الشباب والمتزوجين, عبر الانترنت, يشير المغلوث إلى "أن هناك أثاراً ايجابية تتمثل في شعور الإنسان براحة نفسية لكونه يجد مشكلة تشابه مشكلته وأنه ليس الوحيد صاحب الهم, كما تسهم هذه الآثار في تنوير المجتمع حول قضاياه ومشكلاته, وكذلك تسهم في مساعدة الشباب من الجنسين على "الفضفضة" والتعبير عن مكنوناتهم, ثم إنهم يستطيعون من خلال الانترنت ان يتحدثوا عن قضايا ربما كانت حساسة أو محرجة بالنسبة إليهم في الظروف العادية أو بالوسائل الأخرى".
وحول الآثار السلبية, يشير المغلوث إلى إمكان التأثر البالغ لما يرونه ويسمعونه عبر الانترنت "مما ينعكس على تصرفاتهم مع أنفسهم ومع الغير, كما أنها تفتح مجالاً لكل من "هب ودب" لأن يقدم استشارات اجتماعية أو نفسية, وإذ نرى أشخاصاً غير مؤهلين تماماً يقومون بمثل هذا العمل الحساس".
الأسئلة الحرجة
ويقول د. السبيعي عن الأسباب التي تجعل بعضهم يلجأ إلى مواقع الاستشارات النفسية والعاطفية, إن هذه المواقع "تتيح لروادها فرصة السؤال بخصوصية قد لا تتاح لهم حتى من خلال الاستشارات الهاتفية أو الإذاعية أو التلفزيونية, وهذه الخصوصية تجعل الشخص يذكر كل تفاصيل مشكلته, حتى الجوانب المخجلة منها, من دون أن يشعر بالحرج أو الخوف من انفضاح أمره والإفصاح عن هويته, وهناك فئة أخرى قد تدخل إلى هذه المواقع بهدف التثقيف والإطلاع والبحث عن حلول لمشكلاتهم من دون حتى الحاجة لطرحها".
إدمان باستشارات
وحول إدمان بعض المتصفحين على الاستشارات عبر الانترنت في كل مشكلة مهما كانت صغيرة أو كبيرة, والمخاطر النفسية لهذا الإدمان, يجيب د. السبيعي: "الخطورة تكمن في أن الحصول على استشارة خاطئة من أناس ليسوا أهل علم ولا تقوى, وقد يوقعون السائل في المزيد من المشكلات والتعقيدات والمضاعفات, وتجاوز حدود الانترنت بعقد لقاءات علاجية في ظاهرها ولكنها تتجاوز حدود العلاقة المهنية إلى المستوى غير الأخلاقي", ووصف بعض العقاقير والوصفات العلاجية من دون معاينة المريض والتعرف على كل جوانب حالته أو حتى التحقق من صدق معلوماته وفحصه جسدياً".
ويتابع: "الاستشارة عبر الانترنت لها ميزاتها ولكنها محدودة الفائدة أيضاً, ففي الغالب لا يعدو دورها التوجيه والتثقيف والتوعية وليس لها دور علاجي, وهي أشبه بمن يشتكي من ضعف لغته الانكليزية مثلاً ويطلب من موقع على الانترنت مساعدته, والمستشار يتحقق فقط من مقدار مشكلته ويبحث معه قليلاً في أسبابها وجوانب تطوير ذاته في هذا الخصوص. ولكنه في الحقيقة ليحسن من لغته الانكليزية لا بد له من أن يلتحق بأحد المعاهد المتخصصة ويتعلم على يد معلم لغة متمرس".
صحة المعلومات في الانترنت
ويقول د. المغلوث حول مدى استطاعة المتصفح التحقق من صحة الاستشارة: "عبر الانترنت قد يبدو الأمر صعباً لأننا لا نعرف حتى هوية تلك المواقع ولكن يمكننا القول باختصار إنه يجب على المتصفح التأكد من الآتي:
- مدى الاحترام الذي يحظى به الموقع منه ومن العاملين والمتعاونين معه.
- اسم صاحب الاستشارة وسيرته الذاتية ومكان عمله.
- طبيعة الأسئلة المطروحة من قبل المستشار للمريض ومدى تخصصها، وإن كنت أنا شخصياً لا أثق كثيراً بالانترنت كوسيلة لتقديم استشارة بغاية كبيرة من الحساسية والأهمية ما لم يكن هناك متخصص معروف وله وزنه العلمي والمهني".
ـــــــ
الحياة 2004/02/24
ــــــــــــــــــــ(42/19)
الزواج العرفي .. بدعة شبابية
انتشر بين بعض فئات الشباب في الآونة الأخيرة ظاهرة الزواج العرفي ووجدوا فيه طريقا ملتويا للوصول لأغراض جنسية محضة وغلف هؤلاء الشباب هذا الطريق الملتوي وغير الشرعي بحجج وأسانيد واهية لم يقنعوا بها إلا أنفسهم ووجدوا في هذه الأسانيد الواهية ستارا دينيا يريحون خلفه ضمائرهم الغائبة، وفي حقيقة الأمر فقد وقع هؤلاء في الإثم بعينه.
والخطير في الأمر أن إحصائية جديدة أعلنتها وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية كشفت أن 255 ألف طالب وطالبة في مصر اختاروا الزواج العرفي، أي بنسبة 17% من طلبة الجامعات البالغ عددهم 5.1 مليون، وهو ما يعني أن الظاهرة أصبحت تحتاج إلى تدخل عاجل.
في السطور التالية نناقش أبعاد هذه القضية وموقف الشرع منها.
عن مشروعية الزواج العرفي يقول الشيخ عطية صقر عضو لجنة الفتوى وأحد أبرز علماء الأزهر: يطلق الزواج العرفي على عقد الزواج الذي لم يوثق بوثيقة رسمية، وهو نوعان: نوع يكون مستوفيًا للأركان والشروط، ونوع لا يكون مستوفيًا لذلك.
النوع الأول: عقد صحيح شرعًا يحل به التمتع وتتقرر الحقوق للطرفين وللذرية الناتجة منهما، وكذلك التوارث، وكان هذا النظام هو السائد قبل أن توجد الأنظمة الحديثة التي توجب توثيق هذه العقود.
أما النوع الثاني: من الزواج العرفي فله صورتان: صورة يُكتفى فيها بتراضي الطرفين على الزواج دون أن يعلم بذلك أحد من شهود أو غيرهم، وصورة يكون العقد فيها لمدة معينة كشهر أو سنة، وهما باطلان باتفاق مذاهب السنة.
وإذا قلنا إن النوع الأول صحيح شرعًا تحل به المعاشرة الجنسية، لكن له أضرارا، وتترتب عليها أمور محرمة منها:
1- أن فيه مخالفة لأمر ولي الأمر، وطاعته واجبة فيما ليس بمعصية ويحقق مصلحة والله يقول: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [النساء: 59].
2- كما أن عدم توثيقه يعرض حقها للضياع كالميراث الذي لا تسمع الدعوى به بدون وثيقة وكذلك يضيع حقها في الطلاق إذا أضيرت، ولا يصح أن تتزوج بغيره ما لم يطلقها، وربما يتمسك بها ولا يطلقها.
ومن أجل هذا وغيره كان الزواج العرفي الذي لم يوثق ممنوعاً شرعًا مع صحة التعاقد وحل التمتع به، فقد يكون الشيء صحيحًا ومع ذلك يكون حرامًا، كالذي يصلي في ثوب مسروق، فصلاته صحيحة ولكنها حرام من أجل سرقته ما يستر العورة لتصح الصلاة.
وكذلك لو حج من مال مسروق فإن الفريضة تسقط عنه، ومع ذلك فقد ارتكب إثماً كبيرًا من أجل السرقة
فاسد وباطل !!
ويعلق الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق قائلا أن الزواج العرفي الذي يتم في الجامعات المصرية وغيرها من الأماكن فاسد وباطل ويخل بكل المبادئ والقيم الروحية ويؤدي إلي ضياع الأبناء وتشريدهم في المجتمع ولا تترتب عليه أي آثار شرعية ..
ويشير د . أحمد عبد الغني عبد اللطيف الأستاذ بجامعة الأزهر من خلال بحثه عن الزواج العرفي من الناحية الدينية إلي أن هذا النوع من الزواج يعتبر نوعا من أنواع الزنا لأنه لم تكتمل فيه أركان النكاح وفيه مخالفة لحدود الله ورسوله .. فوجود الولي ركن أساسي من أركان النكاح وقد قال صلي الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وعدم وجود الولي يجعل الزواج باطلا أصلا ويدخله في حيز الزنا ..
الموقف الاجتماعي
أما عن الموقف الاجتماعي من هذا الزواج فتقول الدكتورة مديحة مصطفي أستاذة تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان إلي أن الزواج غير الرسمي "العرفي" هو ظاهرة عصرية يلتقي فيها الرجل بالمرأة تحت وثيقة ورقية عليها شاهدان لكنها ورقة ليست فيها قوة وثيقة الزواج لأن وثيقة الزواج شيء مقدس تحترمه المحاكم والمؤسسات الحكومية والمجتمع إلي جانب أن الزواج الحقيقي يعتمد علي الإعلان والإشهار وإعلام المجتمع به وهو تحصين للمرأة وصيانة لشرفها وحقوقها .
وبالإضافة إلي ذلك فإن الزواج العرفي تنتج عنه آثار اجتماعية سيئة أهمها ضياع حقوق الزوجة حيث أن دعواها بأي حق من حقوق الزوجية لا تسمع أمام القضاء إلا بوجود وثيقة الزواج الرسمية معها .. كما أن الأولاد الذين يأتون عن طريق الزواج العرفي قد يتعرضون لكثير من المتاعب التي تؤدي إلي ضياعهم وإنكار نسبهم .. وأن الزوجة قد تبقي معلقة لا تستطيع الزواج بأخر إذا تركها من تزوجها زواجا عرفيا دون أن يطلقها وانقطعت أخباره عنها بالإضافة إلي ذلك فإن الزواج العرفي كثيرا ما يكون وسيلة للتحايل على القوانين كأن يقصد به الحصول علي منافع مادية غير مشروعة مثل حصول الزوجة علي معاش ليس من حقها لو تزوجت زواجا رسميا ..
أسباب عديدة
وفي دراسة أخري حول الإعلام والزواج العرفي قام بها د . أحمد يحيي عبد الحميد الأستاذ بكلية التربية جامعة قناة السويس أشار إلي أن الزواج العرفي يفتقد البيانات الدقيقة والمعلومات الصحيحة نظرا لأن هذا السلوك يتسم بطابع شخصي وخفي ولا يعلن عنه في المجتمع بالإضافة إلي أنه لا يقتصر علي فئة معينة أو طبقة دون أخري.
وقد أشارت بعض دراسات الحالة إلي أن هذه الظاهرة موجودة بين الشباب والكبار والفقراء والأغنياء والمتعلمين وغير المتعلمين ... شباب الجامعات والعمال والموظفين ورجال الأعمال .. وهذا النوع من الزواج يتم شفاهة أو بعقد شخصي بوجود شاهدين دون أي ضوابط قانونية أو حقوق شرعية وخاصة للمرأة .
وأشارت الدراسات إلى أسباب أساسية تكمن وراء انتشار الزواج العرفي أهمها فقدان التكامل العاطفي داخل الأسرة نتيجة انشغال الأب والأم وعدم اهتمامهما بسلوك الأبناء وتركهم وسائل الإعلام وجماعات الرفاق لتشكيل ثقافتهم الجنسية والزواجية .. وكذلك الظروف الاقتصادية والمادية التي تحول دون إقامة زواج شرعي وتوفير متطلباته من مهر وشقة وأثاث وخلافه , والكبت والحرمان الثقافي إلي جانب الحرية غير المسئولة سواء في الأسرة أو المدرسة أو الجامعة وضعف التثقيف الديني الذي يقوم به الإعلام تجاه هذه المشكلة وبالإضافة إلي ذلك فهناك أيضا التناقض الواضح والازدواجية بين الرموز والقيادات الإعلامية والدينية نحو الاتفاق علي خطورة هذا النوع من الزواج علي المجتمع , وكذلك الانفتاح الإعلامي أو التبعية الثقافية الإعلامية في ظل ثورة الاتصالات وانعدام الرقابة وزيادة البحث عن المجهول من المعرفة الجنسية .. خاصة أن الثقافة الزواجية والأسرية لا تحظى بالقدر الكافي من اهتمام ورعاية من وسائل الإعلام علي اعتبار أنها من المحرمات الثقافية .
المواجهة
وتقول نوال المغربي مدير عام إدارة الأندية الثقافية والاجتماعية بوزارة الشئون الاجتماعية المصرية إن ندوة عقدتها الوزارة توصلت إلى عدة توصيات أهمها ضرورة التوعية المستمرة والحوار المفتوح مع أبنائنا وبناتنا لتحذيرهم من مخاطر الزواج العرفي وتوفير الرقابة الأسرية للتعرف علي كل ما يقوم به الأبناء في أوقات فراغهم وعلي جماعة الرفاق المحيطة بهم .
ولما كانت مشكلة الزواج العرفي هي إفراز العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وأهمها مشكلة الإسكان فقد أوصت الندوة بالتكاتف لتوفير المسكن المناسب وخاصة مسكن الغرفة الواحدة بمرافقها، وكذلك ضرورة تنسيق الجهود بين الجهات والوزارات المعنية بقضايا الشباب وذلك بتفعيل دور مكاتب التوجيه الأسري بوزارة الشئون الاجتماعية .
وطالبت الندوة الجامعات والمؤسسات التعليمية المختلفة بأن تبادر بتوعية الشباب بمخاطر الزواج العرفي وبيان أنه مخالف للشرائع السماوية بكل المقاييس وبأن تشمل المقررات الدراسية توضيح أركان الزواج الصحيح بالإسلام والأديان السماوية الأخرى.
المهم في الأمر أن بعض شبابنا قد وقعوا في براثن هذه المشكلة (الفتيات علي وجه الخصوص ) وتركهن الأزواج معلقات لا يستطعن أن يتزوجن ولا يعرفن مكان الزوج وأصبحت مشكلة مترتبة علي وضع خاطئ وهو الزواج العرفي وتحتاج إلي حل وهذا ما جعل المشرع المصري يسارع لمواجهة هذه المشكلة وذلك عن طريق ما يعرف حاليا في قانون الأحوال الشخصية الجديد بالطلاق العرفي .
ــــــــــــــــــــ(42/20)
الجامعة السورية: محاضرات في "الهنغار"
تقع كليات جامعة دمشق كلها وسط العاصمة السورية، ويشعر المرء للوهلة الأولى، وهو يدخل من بوابة إحدى الكليات انه يدخل إلى مكان أكل الدهر عليه وشرب. وعندما يصبح في داخلها يلاحظ انه في عالم مختلف عن العالم الذي كان فيه قبل دقائق: خليط من الشباب والشابات من طبقات اجتماعية متفاوتة جعلتهم الظروف يختلفون في رؤيتهم للأشياء ونظرتهم للواقع لكنهم يجتمعون لهدف واحد هو الدراسة والتخرج من دون تأخر.
نبيل خوري طالب في كلية الحقوق قال: المناهج الني تدرسها قديمة لا تواكب ما يحصل من تغيرات حولنا، فمثلاً، هل من المعقول ان تدرس كلية الحقوق كتاباً صدر عام 1976 ونحن الآن في القرن الواحد والعشرين؟ مع العلم ان الجامعات في الدول المجاورة تعدل كتبها كل سنة او سنتين على الأكثر. فحتى تاريخ الفراعنة يطرأ عليه تغيير من فترة الى فترة. والمدرسون لا يعتمدون الكتب الجديدة لأنها ليست من تأليفهم بل يعتمدون ملخصاتهم او ما يلقونه في شكل شفوي في المحاضرات، وهنا يضيع الطالب بين الكتاب الذي يجب ان يكون الأساس في الدراسة وبين المحاضرات او الملخص. ويضيف خوري: اما بالنسبة الى إعطاء المحاضرات فهي تلقى في هنغارات عوضاً عن المدرجات. وهذه "الهنغارات" لا تصلح ابداً لإعطاء محاضرة فهي غير مجهزة بإذاعة وتفتقد وسائل المساعدة التدريسية. ومعظم المحاضرات يحضرها عدد كبير من الطلاب (1500طالب) احياناً. فمن يجلس في الخلف يحس انه في عالم آخر.
وفي موضوع الامتحان رأى الطالب خوري ان برامج الجامعة تأتي متأخرة مما يضرّ بالطلاب ويعرقل تحضيرهم للامتحان ناهيك عن التوزيع غير المنطقي للطلاب في قاعات الامتحان حيث يضطرون للوقوف امام لوحة اعلانات بحجم 4 امتار ليعرفوا اين سيقدمون امتحانهم. وغالباً ما يكون المكان المحدد خارج الكلية. وهذا يتكرر في امتحان كل مادة.
ويضيف هذا الشاب قائلاً إن ورقة الامتحان هي عبارة عن اربع اوراق وليست كراساً، ومعظم الأوراق لا تصحح، ولفت انتباهنا ممازحاً بأن الذي لا يصحح هو ورقة الإجابة لا المسودة.
ويتابع الطالب هذا ساخراً: إياك ان تقدم طلب اعتراض على نتيجة مادة فهذا يعني طلب استقالة من الجامعة.
اما نتائج الامتحان فتصدر بالتقسيط المريح جداً لتتناسب معنا نحن اصحاب الدخل المحدود.
ويقول مجد، الطالب في جامعة دمشق: إن اكثر ما يزعجني في هذه الكلية التي ادرس فيها هو ان القرارات التي تصدر عن ادارة الجامعة لا يعلم بها إلا ثلاثة هم الإدارة والدكتور المختص "ورب العالمين": فأنا الى الآن لم اجد من يشرح لي ماهية القرار الصادر بشأن مادتي اللغة الإنكليزية والثقافة. وكذلك تزعجني البيروقراطية المتفشية، فأصغر ورقة بحاجة الى يوم كامل من الجري بين الكلية والهنغارات والأقسام الإدارية.
ويضيف احد الطلاب ان "مصيبتي هي في مادة التدريب الجامعي فهي مادة مفروضة على الطلاب سنوياً وهي مرسبة، ولا يتخرج الطالب من دونها. فعلى الطالب ان يقضي 15 يوماً في الصحراء (منطقة اسمها: الضمير) حيث لا يفعل شيئاً ولا يتعلم شيئاً، وينام في خيم مهترئة يعاني سوء الطعام وقلة النظافة. انا اسأل لماذا لا يجعلون هذه المادة اختيارية؟
تكلمت مايا، طالبة في كلية الآداب بعفوية لا تخلو من البراءة:
هنالك نواح سلبية في جامعتنا لكن، في الوقت نفسه، هنالك ايجابيات لا نستطيع تجاهلها. فإدخال مادة المعلوماتية الى المناهج امر مهم جداً ويواكب ما يحصل من تطور في عالمنا.
ماجد طالب بكلية الآداب: كل ما ذكره زملائي صحيح نسبياً لكنني ألفت النظر الى ما تتميز به الجامعة السورية، اي مجانية التعليم. فأنا واحد من سبعة اخوة ووالدي عاجز عن العمل، ولو لم تكن الجامعة مجانية لما كنت هنا الآن. والكثير من الطلاب لا يستطيعون الدراسة في الجامعة الافتراضية او التعليم الموازي لغلاء الأجور، اما هنا فكل شيء مجاني وندفع رسماً رمزياً.
وللوقوف على رأي إدارة جامعة دمشق في ما طرحه الطلاب حاولنا لقاء رئيس دائرة الإعلام في الجامعة لكنه اعتذر بطريقة لبقة متذرعاً بضغط العمل.
ان مجمل ما تقدم من طروحات تظهر مدى الحاجة لإعادة النظر في اسلوب التعليم الجامعي في سورية من وجهة نظر طلاب هذه الجامعات. وذلك في وقت يرى فيه الكثر ان الحكومة السورية تقدم خدمة كبيرة للراغبين في متابعة تحصيلهم العلمي العالي من خلال مجانية التعليم وقانون الاستيعاب الجامعي.
ــــــــــــــ
الحياة 2002/12/24
ــــــــــــــــــــ(42/21)
تشات يوفر الحب الافتراضي المدمر أحياناً!
هيأ الإنترنت لشباب اليوم, العرب بخاصة, مجالات واسعة للإفادة مما يقدمه من خدمات شتى كان الحصول عليها من قبل امراً متعذراً. فعلاوة على الأبحاث الأكاديمية والعلمية والتثقيفية التي تتميز بطابع الجد والرصانة, يقدم الإنترنت للشباب ايضاً مساحات حرة فالتة من قيود الزمان والمكان تضج بكل ألوان المتع والتسلية, البريء منها وغير البريء, ويقبلون عليها بشغف وولع لافتين وصولاً الى درجة الإدمان احياناً.
في هدأة الليل وخلف الأبواب الموصدة, يتسمر الشباب عادة امام الشاشة الفضية يتجاذبون اطراف الحديث بشوق ولذة فيتسامرون ويدردشون ويتعارفون ويتبادلون ما شاء لهم من عبارات الحب والهوى والغرام ويفصحون عما بدواخلهم من احاسيس دفينة او رغبات طارئة لا بل يتحدثون عن كل شيء من السياسة الى الدين الى الجنس من دون حسيب ولا رقيب, فينساب الكلام من دون تكلف او تصنع ومن دون ان يتسرب الملل الى نفوسهم وقد يطول الحديث عن الكلام المباح وغير المباح في احيان كثيرة حتى الصباح.
وعبر المواقع الإلكترونية المخصصة للتعارف وما اكثرها, من مايكروسوفت الى ياهو ومن آي سي كيو الى أرابيا اون لاين وغيرها يتبادل هواة التشات رسائلهم عبر آليات ثلاث: الرسائل المكتوبة بإحدى اللغات التي يتقنها الطرفان او الرسائل الصوتية (فويس تشات) بواسطة ميكروفون موصول بجهاز الكومبيوتر او بالصوت والصورة معاً عبر كاميرات صنعت خصيصاً لهذا الغرض. ولكل من تلك الوسائل حسناتها وسيئاتها. فالرسائل المكتوبة تتيح لصاحبها متسعاً من الوقت للتفكير وغالباً ما تخلو من الانفعالات الشخصية خصوصاً في المسائل العاطفية, في حين ان الحديث بالميكرو يتصف بالتلقائية والعفوية وقد يصبح الحوار احياناً ساخناً بين الطرفين لا سيما في المسائل الخلافية السياسية او الدينية وقد يتحول الى معارك كلامية قاسية تستعمل فيها كلمات نابية وألفاظ بذيئة. اما الحديث عبر الصورة والصوت فيجعل المشهد اكثر واقعية وهدوءاً واتزاناً, إذ لا مجال لأن يخدع اي من الطرفين الآخر سواء في صفاته او جنسه او شكله او غير ذلك كما هي الحال مثلاً في الرسائل المكتوبة او الصوتية.
شهادات واعترافات
من لقاءات شخصية واتصالات مباشرة شملت الكثير من رواد التشات العرب (بعضهم في مونريال - كندا وبعضهم الآخر في بعض البلدان العربية) ظهرت الحقائق التالية:
- ان غالبية الزائرين لمواقع التشات سواء في المنازل او في مقاهي الإنترنت, ينتمون الى شريحة المراهقين والشباب ممن تراوح اعمارهم بين 16 و25 سنة وغالبيتهم تجيد الى العربية احدى اللغتين الإنكليزية او الفرنسية.
- يراوح معدل الوقت الذي يقضونه في غرف التحادث بين عشرين وستين ساعة اسبوعياً وهو معدل مرتفع تحذر من عواقبه بعض الدراسات الاجتماعية التي ترى فيه نوعاً خطيراً من الإدمان.
- يحتل الجنس, البريء وغير البريء, مساحة كبيرة من الأحاديث التي يتداولها الشباب وتقدرها بعض مواقع التشات (ياهو) بحوالى 60 في المئة من مجمل ما يدور في غرف التحادث بما فيها ما يتعلق بالزواج والانفصال والطلاق والخيانة والمعاشرة والعفة والأمراض التناسلية والإيدز والواقي الذكري, وغير ذلك مما له علاقة بالمسائل الجنسية. وفي تفسير لهذا الاندفاع اللافت نحو الجنس يرى علماء الاجتماع ان الكثير من الشباب يعانون الإحباط والكبت الجنسي الناجم عن محظورات عائلية او اجتماعية او تربوية او اخلاقية, ولذا فهم يلجأون الى الإنترنت لإفراغ ما لديهم من مخزون جنسي في ظل غياب اي من انواع الرقابة.
- تضاؤل الحوارات الرصينة كالمسائل السياسية والاجتماعية والدينية والعقائدية التي تراوح نسبتها بين 15 و20 في المئة, علماً ان الشباب ينعمون بكامل الحرية في التعبير عن آرائهم خلافاً لأي وسيلة إعلامية اخرى من جهة وبعيداً من سلطوية الأنظمة وقمع الأجهزة الحكومية من جهة ثانية.
- انحدار مستوى التخاطب الذي يتجه في احيان كثيرة الى الإسفاف والتجريح والشتائم والخروج عن حدود الأدب والأخلاق والحوار الموضوعي بخاصة في المواقف التي تتناقض فيها آراء كل من الطرفين.
الزواج عن بعد
على رغم ان الرأي السائد ينعت رواد التشات بالعبثيين او المتطفلين او المصطادين بالماء العكر, إلا ان بعضهم قد يجد فيه فرصة ذهبية للقاء الشخص المرغوب فيه للزواج اذا ما اتفق المتخاطبان على بعض القواسم المشتركة ولاقى كل منهما هواه في الآخر, فيعمدان الى تعميق صلاتهما ويحرصان على تبادل الحديث يومياً عبر البريد الإلكتروني الى ان تتضح رغباتهما وتنجلي عن قرار حاسم قد ينتهي بالزواج. وانطلاقاً من فكرة التشات كثرت المواقع المتخصصة بالباحثين عن الشريك الآخر حيث يجري التعارف فيها مباشرة بعيداً من رغبات الأهل او وساطة الأصدقاء, لا سيما ان فرص الاختيار اوسع قياساً الى الزواج التقليدي. وثمة من لا يستغرب ان يتضاءل هذا الزواج الأخير شيئاً فشيئاً بين شباب الغد لمصلحة الزواج عن بعد.
رب نافعة ضارة
إذا كان الإنترنت احياناً وسيلة صالحة للزواج, إلا انه قد يصبح ايضاً وسيلة مدمرة لهذا الزواج. في هذا السياق تؤكد وكالة "إيلييت" البريطانية المتخصصة في حل المشكلات الزوجية والعاطفية "ان شبكة الإنترنت بدأت تلعب دوراً ملحوظاً في تحطيم العلاقات الزوجية". وتضيف رئيسة الوكالة انجيلا سمبسون ان واحداً من كل عشرة اشخاص يلجأون الى الوكالة لحل مشكلاتهم العاطفية. فالكثير من الرجال يقضون فترات طويلة على الإنترنت على حساب زوجاتهم, والإغراءات التي توفرها الشبكة تفتح الطريق الى علاقات مشبوهة لا سيما ان الخيانة عن بعد لا تحتاج الى تقديم أعذار كما لا يترتب عليها اي تبعات عن حب افتراضي.
ــــــــــــــــ
الحياة 2004/02/24
ــــــــــــــــــــ(42/22)
قليل من الزينة وكثير من الحنين في بيوت المغتربين
لا تستعمل المصعد عند الحريق! كم تبدو هذه المقولة وتنبيه الدفاع المدني واقعياً في الامارات, فقد نسي الناس هنا شيئاً مهماً لبلوغ مكاتبهم وبيوتهم اسمه السلم - ففي ظل السيطرة المطلقة للمصاعد التي لا تعرف الكلل أو الملل باتت السلالم فضاءات نظيفة, باردة - وموحشة, لا يعبرها عند الضرورة سوى الخدم وعمال التنظيف, بعض فتيات آخر الليل, قلة من الشباب المهاجر, ورجال الاطفاء عند الحريق. لم يكن بلوغنا سطح العمارة التي يسكنها "راجيان" وأصدقاؤه صعباً فقد مزجنا ما بين الوسيلتين.
بلغنا الدور الأخير في العمارة عبر المصعد ثم سلكنا مدرجاً ضيقاً للوصول الى السطح - كانت الساعة جاوزت الحادية عشرة ليلاً فهذه بيوت لا يجوز لها ان تعانق النهار أو تفترش أول الليل. عانقت حاسة الشم روائح مزدوجة بعدما تجاوزنا الباب الأعلى والأخير في البرج كما يحلو للإماراتيين تسمية الابنية التي لا يقطنها سوى المقيمين وسط المدينة, رائحة البحر وضغط الرطوبة وبقايا طعام العشاء للشباب الهندي. واجتمع مع راجيان على السطح سبعة اشخاص تراوح أعمارهم ما بين العشرين عاماً والسنوات الأولى من العقد الثالث غالبيتهم تعمل في النهار في قطاع الخدمات "العريض" عملة مصابغ وبقالة ومساعدين في "سوبرماركت" المحلة. وباستثناء دليلنا وصديقنا "راجيان" المجيد للغة العربية فإن البقية حافظوا بقوة على لغتهم الأولى. أحسسنا بأن وجودنا وسحناتنا البيضاء أزعجتهم قليلاً فهم يعلمون بأن وجودهم هنا مخالف للقانون وبأن محافظتهم على قواعد الانضباط والتكتم وحرصهم على عدم الازعاج تدفع الجميع في العمارة لقبولهم والسكوت عنهم, بعد ان اتخذوا من سطحها بيوتاً وسكناً.
لن تجد هنا خزائن ولا كراسي أو طاولة الحمام "المغربي" أو الحمامات العامة تقفل على اصحابها للاغتسال. وكان حظ أخوة راجيان عظيماً بوجود بيت للراحة في ملجأهم "الاختياري" في الحقيقة, فراجيان وصحبه يتمتعون باقامة شرعية ولكن رواتبهم التي لا تتجاوز في أفضل الحالات 200 دولار لا تسمح لهم بالتفكير في الاشتراك في المسكن, فالعاصمة أبو ظبي باتت من عواصم العالم الأكثر غلاء في أسعار الشقق والمساكن. فلا يمكن العثور على شقة تحت عتبة الـ10 آلاف دولار سنوياً - وأمام المد الجارف من الشباب الآسيوي الحالم بفرصة عمل في مدن الاحلام, تعددت حيل مخيلته في ابتداع طرق للتعايش ما بين حفظ البقاء والحرص على التوفير. سألت راجيان عن مشاعر الصباح الآتي فقال بأن غالبيتهم تشعر بأعراض "تصلب" في الظهر وبالنعاس اثناء الدوام ولكن هاجسهم الدائم يكمن في خوفهم من "افتضاح" أمرهم, لتبدأ بعدها رحلة جديدة من البحث عن السكن والمسكن. تسللنا بحذر الى مدرج العمارة للمغادرة ولكن صورة الشموع الهندية التقليدية المحتفظ بها بعناية في ركن قصي للسطح, بقيت عالقة في الذاكرة, وكأنها الجسر الأخير لهذا الشاب الهندي المغترب في مقاومة ذاكرة النسيان والانتصار لهويتهم وحبهم للحياة.
بعد سنوات الطفرة - وتزايد الدعوات الى ترشيد الانفاق, أصبحت المؤسسات الإماراتية التي تستقدم الكوادر الأجنبية تحبذ تقديم بيوت مفروشة بالكامل للقادمين الجدد, ما يعفيها من "بدل الاثاث" الذي كان يتراوح سابقاً ما بين الـ5,8 آلاف دولار, ولكن بعضها لا يزال محافظاً على العادات القديمة حتى وان شهد اجمالي بدل الأثاث تعديلاً كبيراً. لم يشعر "زهير" بوطأة الغربة منذ قدومه قبل شهر الى أبو ظبي؟ فقد سبق له العمل لمؤسسة مصرفية عملاقة في المملكة العربية السعوديةن. ولم يحتمل كثيراً بقاءه في بلده فشد الرحال ثانية الى ضفاف الخليج الساخنة.
يتسم زهير ببعض النرجسية بعد تراكم خبرته في مجالات التوثيق والمعلوماتية وعمله في مؤسسات اقليمية ودولية عدة وهو الذي لم يتجاوز بعد الـ35 ربيعاً. تتجاذبه مشاعر مختلفة وهو يهم بشراء أثاث بيته الجديد في شارع ايكترا وسط العاصمة أبو ظبي. انه يحب ذلك الشعور بالرفاه والاحساس بالفخامة ربما انتقاماً من طفولة بائسة أو تعوداً على نمط حياتي جديد اكتسبه في ايامه في المملكة ولم يتمكن من التخلص منه. أحس بعد تجربته الخليجية الأولى بأهمية التوفير بعد ان أضاع الكثير في ملاهي باريس ورحلاته الخارجية وأكسبته بيئته الأولى الشمال افريقية ميلاً كبيراً للذائقة الأوروبية في ديكور وهندسة أثاث البيوت انتصر في اختياره للأغلب الأثاث منتوجات المؤسسة السويدية العريقة "ايكيا", حرص على أن يكون لون جميع الستائر في زرقة البحر, في حين غلبت صور الحيوانات الألفية على جميع اللوحات المعلقة على الجدران وكأنها طلباً خفياً للاستئناس. لا شك بأن زهير يحمل شعوراً بالحب لوطنه الأم ولكن رحلته المبكرة الى الخارج دفعته لتغيير مفاهيم قديمة لديه فأصبح الوطن في وجدانه موطناً للاحساس بالكرامة والحياة الكريمة قبل حقوق الجغرافيا ومع ذلك فقد أصر بأن تتوسط زيتونة عملت من النحاس وزينت بعناية وسط غرفة الاستقبال كخيط رهيف يربطه بجذور عميقة.
ــــــــــــــــــــ(42/23)
مراهقو مصر يطالبون ببرامج تبتعد عن الوعظ
اسأل أي شاب أو شابة، مراهق أو مراهقة في مصر: هل تشاهد التلفزيون؟ وستلقى إحدى إجابتين: إما طبعاً, أو أكيد وستصحب أياً من الإجابتين نظرة تعكس استهزاء المسؤول بسؤال السائل الذي يعد أمراً مفروغاً منه. والطبيعي أن يكون السؤال: كم ساعة تمضي أمام التلفزيون يومياً, أو ما البرامج التي تعجبك أو لا تعجبك؟ أو ما أفكار البرامج التي يفتقدها التلفزيون؟
لدى سؤال محمد النادي (14 عاماً) لماذا تشاهد التلفزيون؟ خرجت الإجابة كاملة كالمدفع الرشاش: "ولماذا لا أشاهد التلفزيون؟ فهو يقدم برامجَ تعليمية, ومسلسلاتٍ وأفلاماً عربية وأجنبية, وسباقات سيارات, ومباريات كرة قدم, وأفلاماً إباحية, وبرامجَ دينية, وحتى لو لم يكن يقدم هذه التنويعة الغنية التي تناسب الجميع, هل هناك بديل آخر أمامي لأمضي فيه وقت فراغي؟ الأندية الرياضية مغلقة على أعضائها, والشوارع تئن من كثرة الشباب المتلطّع فيها, وأقل نزهة تبتلع مصروف الشهر كله".
عدد متزايد من العاملين والمسؤولين في مجالي التعليم والإعلام يؤمن بأن التلفزيون هو الوسيلة الأكثر انتشاراً وجاذبية لنقل المعلومات والمعرفة والتجارب, بل يكاد يكون الوسيلة الوحيدة القادرة على التغلب على كل العوائق الاجتماعية والاقتصادية, بما فيها الأمية.
ويتفوق التلفزيون على كل وسائل الإعلام والعلم والمعرفة الأخرى لدى الشباب. ففي دراسة أجرتها منظمة "يونيسيف" على النشء المصري في الريف والحضر بين سن 10 و19 عاماً, تبين أن الغالبية العظمى منهم مشاهدون دائمون لشاشة التلفزيون, على عكس الجرائد والمجلات والكتب (غير المدرسية) التي يقل إقبالهم عليها لأسباب مختلفة. ولاحظت الدراسة التي أجرتها الدكتورة سحر الطويلة أنه "كلما ابتعدنا عن القاهرة حيث تقل فرص الترفيه ووسائل تمضية وقت الفراغ, زادت نسبة مشاهدة التلفزيون بين المراهقين والمراهقات". وكان السبب الأبرز الذي ذكره معظم الشباب لعدم إقبالهم على القراءة هو أنهم مشغولون في المذاكرة, وأن في حال وجود وقت فراغ يفضلون تمضيته أمام التلفزيون.
الذكور أكثر عرضة للإعلام
وعلى رغم افتراض عدم وجود فروق في نسب المشاهدة بين المراهقين والمراهقات, فإن دراسات عدة أشارت إلى غير ذلك. فالمراهقون الذكور الملتحقون بالتعليم أكثر عرضة للإعلام عموماً - سواء كان تلفزيوناً أو إذاعة أو صحفاً ومجلات - أكثر من المراهقين غيرالملتحقين بالمدارس والجامعات. وقد يكون ذلك بسبب انشغال الفئة الأخيرة في أعمال تتطلب ساعات طويلة لا تترك لهم وقتاً كافياً يشاهدون فيه التلفزيون.
ويختلف الوضع بالنسبة إلى الفتيات المراهقات, فالفتيات الأقل تعليماً (الحاصلات على قدر قليل من التعليم أو المتسربات من المدارس) يلتزمن بيوتهن أكثر من غيرهن, وتقل بينهن معدلات الخروج وإمكان الاطلاع على وسائل الإعلام باستثناء التلفزيون, في حين تكون فرصة الاطلاع على الصحف وغيرها أكبر بين الفتيات الملتحقات بالمدارس والجامعات.
وتشير دراسة ميدانية أجريت على الفتيات المراهقات في محافظتي المنيا وأسيوط في صعيد مصر عام 2000, إلى أن الفتيات الملتحقات بالتعليم يوزعن وقتهن اليومي في موسم الدراسة بين المدرسة والمذاكرة في البيت, ومشاهدة التلفزيون, والمساعدة في أعمال المنزل, والخروج لتلقي الدروس الخصوصية وزيارة الصديقات والجيران. وفي الصيف ينشغلن بالأعمال المنزلية ومشاهدة التلفزيون والزيارات.
أما الفتيات خارج منظومة التعليم, فينقسم يومهن بين الأعمال المنزلية ومشاهدة التلفزيون وتلقي دروس محو الأمية. مشاهدة التلفزيون إذاً هي العنصر الذي يوحّد الجميع.
ويؤكد نصف مراهقي ومراهقات مصر أن التلفزيون هو أحد أبرز مصادر المعرفة بالنسبة إليهم, ولا سيما في المجالات التي تهمهم, وترتفع هذه النسبة في القاهرة لتصل إلى 80 في المئة.
وتعتمد المراهقات مصادر متعددة للحصول على معلومات. وهذه المصادر هي على التوالي: التلفزيون, الأسرة, المدرسة, الأصدقاء وأخيراً الإعلام المكتوب والمسموع. أما المراهقون, ولا سيما في مرحلة التعليم الجامعي, فيعتمدون مصادر أخرى من المعرفة, لكنهم يشاهدون التلفزيون لأسباب ترفيهية.
ما يشاهده المراهقون
وبالطبع يختلف ما يشاهده المراهقون عما تشاهده المراهقات. وتقول دراسة "يونيسيف" إن المراهقات يقبلن على مشاهدة المسلسلات وبرامج المنوعات والبرامج الدينية وتلك التي تخاطب المرأة, في حين يقبل المراهقون على المسلسلات الأجنبية والرياضة.
وتقول الطويلة: "إن أكثر البرامج التي تلاقي استحسان المراهقين هي الأفلام والمسلسلات وبرامج المنوعات والفيديو كليب, تليها برامج "العلم والإيمان" و"حديث المدينة" و"غرائب وعجائب". وهم نادراً ما يشاهدون النشرات الإخبارية أو أية برامج دينية أو ثقافية جادة".
ويبدو أن مراهقي مصر يشاهدون عدداً قياسياً من الأفلام أسبوعياً, يراوح بين ثلاثة وستة أفلام. وقال 80 في المئة من مراهقي القاهرة الذين شملتهم الدراسة إنهم يستقون جانباً كبيراً من معلوماتهم عن الجنس من تلك الأفلام, بل قال 64 في المئة إنهم يشاهدون الأفلام بغرض مشاهدة لقطات الجنس.
لكن ما الصورة التي يقدمها التلفزيون, ولا سيما المسلسلات, للمراهق أو الشاب المصري؟ تشير دراسة أجراها الباحث تامر سكر عنوانها "صورة المراهق في المسلسلات العربية في التلفزيون المصري", إلى أن غالبية الأعمال التلفزيونية لا تهتم بمراهق أو شاب الريف, وتركز على شباب المدينة. كما لوحظ زيادة عدد أدوار المراهقين عن أدوار المراهقات في المسلسلات, على رغم أن الأخيرات تمتعن بعدد أكبر من أدوار البطولة.
أما المستويات الاقتصادية والاجتماعية التي ينتمي إليها معظم "مراهقي التلفزيون" فهي المتوسطة والمرتفعة, في حين تقلصت أدوار المراهقين الفقراء.
وانتقدت دراسة "يونيسيف" عدم اعتراف الإعلام المصري عموماً بأن المراهقين فئة في حد ذاتها, لهم حاجاتهم الإعلامية, "فالمسؤولون يعتبرون أن المواد الإعلامية الموجهة لمرحلة الطفولة المتأخرة تصلح كذلك للمراهقين".
وهناك 17 برنامجاً تخاطب "الصغار" على القنوات المصرية الأرضية, لكن لا توجد أية دراسات حول نسب المشاهدة. ويشار إلى أن القنوات التعليمية المتخصصة المصرية تبث ما يزيد على 40 برنامجاً تخاطب الطلاب في المرحلتين الإعدادية والثانونية.
وتشيد الطويلة في دراستها بتجربة تلفزيونية رائدة هي برنامج "أجيال وراء أجيال" الذي كان يذاع على القناة الثامنة وكان موجهاً لمحافظات الصعيد, ويناقش قضايا الصحة الإنجابية.
وعلى رغم الضجة التي أثارها التلفزيون عن برنامجه "حوار مع الكبار" الذي تقدمه مذيعة من رعيل التلفزيون الأول, تستضيف فيه مسؤولين كباراً وجمهوراً "صغيراً", يقول أحد المراهقين: "نريد برنامجاً يخاطب المراهقين الطبيعيين, نفتقد برنامجاً يخاطب حاجاتنا الحقيقية وليس تلك التي يحددها التلفزيون". ويقول آخر عن البرنامج: "هم جالسون طوال الوقت, ولا همّ لهم إلا الوعظ".
وتعبر شابة (18 عاماً) عن رغبتها في أن ترى برنامجاً يخاطب قضايا الشباب "الواقعية" على أن يقدمه شاب أو شابة.
وحددت الطويلة الأطر العامة للبرامج التي يود الشباب مشاهدتها, "فهم يودون مخاطبتهم باعتبارهم شباباً وليس مراهقين أو أطفالاً ويفضلون أن تكون البرامج على الهواء وليست مسجلة, وطالب عدد كبير منهم استضافة الآباء والأمهات والمعلمين ليستمعوا إلى وجهات نظر الشباب وشكواهم مباشرة من أفواههم".
ـــــــــ
الحياة 2003/12/23
ــــــــــــــــــــ(42/24)
اللغة العربية تدخل أسواق العمل الكندية
تعتبر مدينة مونتريال من اهم المدن الكوسموبوليتية في كندا والشمال الاميركي. فهي أشبه بتجمعات شعبية تضم كافة الاثنيات على اختلاف الوانها وأجناسها ولغاتها وثقافاتها. تتقاسم المجموعات احياءها وشوارعها ومناطقها حتى يبدو أن كلا منها "غيتو" خاص بهذه الفئة. حتى إن التسميات أصبحت ترتبط بالأصول: الحي الصيني, الايطالي, اليهودي, العربي وسواها.
هذا التنوع والتعدد الاثني, علاوة على أنه من طبيعة المجتمع الكندي ومن أبرز خصائصه المميزة, "يفتح أسواق العمل أمام الجميع. لا فرق بين كندي وغير كندي طالما أن الغاية من توظيفه تعود بالفائدة لمصلحة المؤسسة وزيادة انتاجها وازدهار البلد وسعادة المواطنين", كما يقول غي دريدي أستاذ الاعداد والتدريب في جامعة "اوكام" والمتخصص بأحوال الأقليات المنظورة وتأهليها لولوج سوق العمل.
واللافت أن المؤسسات الكندية العامة والخاصة من مصارف ومدارس ومستشفيات ودوائر استقبال المهاجرين الجدد والمراكز التجارية الكبرى وغيرها, القائمة في المناطق التي تقطنها غالبية من ابناء الجاليات العربية, فتحت أخيراً أبوابها لتوظيف الشباب العربي من الجنسين استناداً إلى برنامج "تكافؤ الفرص والمساواة في العمل" الذي اقرته الحكومتان الفيدرالية والكيبيكية والذي ترافق مع حملة اعلانية في الصحف الاغترابية.
كان الشعور السائد من قبل في اوساط الشباب العرب وغيرهم من الاقليات المنظورة ان اصحاب العمل ينتهجون سياسة التمييز العنصري غير المعلنة, فكانت الباعث الاساسي لتفشي البطالة في صفوفهم ودفعهم قسراً الى اللجوء الى مكاتب المساعدات الاجتماعية او القبول ببعض الوظائف الوضيعة التي لا تمت بصلة الى تخصصهم العلمي او المهني. فعلى سبيل المثال كان الشباب العرب عند ملء استمارة التوظيف يتجنبون ذكر اللغة العربية الى جانب اللغتين الانكليزية والفرنسية الرسميتين في كندا والضروريتين كشرط من شروط العمل, تحاشياً لرفض طلباتهم او لكشف هويتهم. اما اليوم فيبدو ان الآية قد انقلبت الى حد بعيد واصبحت المؤسسات الكندية هي التي ترغب باستخدامهم لا بل باتت اضافة اللغة العربية الى السيرة الذاتية امراً مطلوباً ومرجحاً. في هذا السياق تقول حفيظة لاروي وهي جزائرية تبلغ من العمر 25 عاماً وتعمل موظفة في "بنك رويال" فرع مونتريال: "حينما تقدمت الى العمل كنت اخشى ان يحول اسمي ومظهري دون قبولي. الا انني فوجئت اثناء المقابلة الشخصية بسؤال عما اذا كنت احسن التكلم باللغة العربية من دون ان ادري ان الادارة كانت ترغب بتوظيف اشخاص يتكلمون هذه اللغة". وهذا الامر تؤكده أيضاً ليندا برونيه مسؤولة قسم التوظيف في "بنك لوريشن", فتقول: "سياسة المصرف تحتم علينا الاستعانة ببعض الموظفين العرب لأن لدينا الكثير من الزبائن العرب المقيمين في هذه المنطقة". وتضيف: "ان كثيراً من النساء والمتوسطين في الاعمار لا يجيدون استعمال احدى اللغتين الفرنسية او الانكليزية فيلجأون الى هؤلاء الموظفين لخدمتهم واتمام معاملاتهم".
في مجال آخر يتحدث حمزة يوسف وهو يمني (26 عاماً) ويعمل مسؤولاً عن لجنة استقبال المهاجرين واللاجئين الجدد, عن مهمة هذه اللجنة التي تتفرع منها لجنة اخرى تضم ثلاثة موظفين عرب فيقول: "نهتم بالوافدين العرب ونساعدهم على إتمام معاملاتهم الضرورية كالحصول على بطاقات الضمان الاجتماعي والصحي وتسجيل ابنائهم في المدارس وإرشادهم الى مراكز التأهيل اللغوي والمهني ونزودهم بمنشورات وكتيبات ومصورات تشتمل على عناوين وهواتف الوزرات والمؤسسات والدوائر الرسمية التي قد يحتاجون اليها". ويشير يوسف أيضاً الى ان بعض المدارس الحكومية يستعين بعدد من المترجمين العرب لحل بعض الاشكالات التي يتعرض اليها التلامذة من ابناء الجالية والتي تنشأ إجمالاً عن صعوبة التأقلم او التخلف المدرسي, وتعقد لأجلها اجتماعات مشتركة بين المترجمين والاساتذة والأهل في أوقات الدوام الرسمي أو بعده. كما ان مراكز الشرطة تستعين بمترجمين آخرين في اطار حملات التوعية التي تطلقها من حين لآخر بغية ارشاد الاهالي والطلاب لتجنب الاعمال المنافية للقانون وتزودهم بالمعلومات الكفيلة لحفظ ابنائهم من التعديات اما عبر رسائل مكتوبة باللغة العربية او عبر اجتماعات مشتركة.
يشار أيضاً الى ان وزارة التربية في كيبيك استحدثت منذ فترة من الزمن صفوفاً خاصة بتعليم اللغة العربية للاطفال في المدارس الحكومية المتواجدة في المناطق التي تسكنها غالبية عربية. ويشرف على تعليمهم اساتذة من العرب عينوا خصيصاً لهذه الغاية في اطار السياسة الرسمية الهادفة الى تسهيل تأقلم الناشئة واندماجهم في المجتمع الجديد الامر الذي يؤهل الطلاب العرب بعد تخرجهم بامتلاك ثلاث لغات ما يجعل فرص الاستخدام متاحة امامهم لولوج سوق العمل.
والى ذلك تتزايد اعداد الموظفين العرب في الكثير من المرافق الحكومية كالمطارات والجمارك ودوائر الضمان الاجتماعي والصحي ومكاتب العمل ودوائر الهجرة وغيرها فضلاً عن الجامعات والمؤسسات الخاصة التي تتصدر واجهاتها عبارة "نتكلم العربية".
وعلى رغم الاستطلاع الذي نشرته جريدة مونتريال في عددها الصادر في 22 شباط (فبراير) 2004 والذي جاء فيه "اصبحت اللغة العربية احدى اللغات المتداولة في سوق العمل الكندي", فإن الباحث الجامعي غي دريدي, وان اعتبر هذا الاختراق مؤشراً جيداً, الا انه بحسب رأيه لا يتناسب مع حجم الجاليات العربية من جهة ولا مع الكفاءات العربية التي ما زال وجودها "هزيلاً في معظم الدوائر الرسمية لا سيما في المناصب الرفيعة منها".
مكاتب التوظيف الكندية تنتظر ناطقين باللغة العربية.
ــــــــ
الحياة 2004/04/6
ــــــــــــــــــــ(42/25)
الشباب بين الأهواء ومتطلبات الحياة
- الجري وراء الأهواء والشهوات يؤدي إلى الضياع والفشل والإحباط، والحيرة بين نوازع الفضيلة ومغريات النفس.
- التربية الأخلاقية في الإسلام تقوم على أساس من قوة العقيدة والالتزام والعرض والمناقشة والإقناع، وتتوجه إلى عقول الشباب قبل عواطفهم، وتخلق توازناً بين الغرائز والحاجات، وتوجد انسجاماً للفرد مع ذاته.
- تشتيت الشباب بين المعايير والقيم الدينية وتقليد المدنية الغربية يخلق صراعاً واضطراباً نفسياً في حياتهم.
- السعادة حلم البشرية ينشدها الإنسان بشتى الطرق وفي كل مكان، لكنه يعود بعد عناء طويل خالي الوفاض إلاّ من مشاعر القلق والتذمّر والفشل والضياع.
- الإيمان ينبوع الحب الدائم يمدّ الشباب بالأمان والأمل والطاقة على المثابرة والنجاح وتحقيق الغايات الكبرى في الحياة.
مشكلات الشباب وقضايا المجتمع:
تشكل قضايا الشباب الجزء الأكبر من قضايا المجتمعات المعاصرة على اختلاف أنظمتها واتجاهاتها ومستوياتها، ومشكلات الشباب تستأثر باهتمام المربين وعلماء النفس والاجتماع والمفكرين على تنوع انتماءاتهم، وهذا بسبب ما يعاني الشباب من متاعب وهموم واضطرابات اجتماعية ونفسية خطيرة. فالشباب يشكلون نسبة عالية من السكان في المجتمعات العربية والإسلامية والدول النامية، وهم أكثر الفئات الاجتماعية تأثراً بالواقع ومتغيراته ومعطيات البيئة الحياتية المادية والمعنوية من فكر وقيم ومشاعر وسلوك...
والحقيقة أن الشباب أكثر انفعالاً وتفاعلاً في المجتمع، وأكثر استعداداً للانجرار وراء مغريات الحياة والانحراف والشذوذ والإصابة بالاضطرابات النفسية والتأثر بالاتجاهات الجديدة والتقليد الأعمى. وقد بينت الدراسات الاجتماعية والنفسية وجود علاقة جدلية بين ارتفاع نسبة الانحراف والشذوذ في أوساط الشباب وبين طبيعة البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع، كما نلاحظ في المجتمعات المتقدمة صناعياً مثلاً. وبالعكس نلاحظ انخفاض هذه الظاهرة في المجتمعات التي تسمى (محافظة) التي تسودها المبادئ الدينية والقيم والأخلاق والفضيلة كما في المجتمعات الإسلامية.
لذلك نجد أن طبيعة الواقع الاجتماعي (الاقتصادي والفكري والنفسي والتربوي والبيئي) تلعب دوراً أساسياً في تحديد طبيعة الأزمات والمشكلات التي يعاني منها الشباب. فهذه العوامل تؤثر بفعّالية في تكوين أنماط السلوك واتجاهات الفكر وسقف المعاناة النفسية والمادية للغالبية العظمى من الشباب، وهذا يبين لنا أن معالجة قضايا الشباب لا يمكن أن تتم إلاّ عبر المعالجة الشاملة لقضايا المجتمع التي تشمل مشكلات وواقع الأسر والمؤسسات التعليمية التي تلعب دوراً أساسياً في تنشئة الشباب ورعايتهم وتكوينهم العقلي والنفسي والجسمي عبر دراسات علمية ورؤية واعية وعميقة لقضايا المجتمع ومشكلات الشباب (العلم والعمل والصحة والأمراض النفسية والتدخين والمخدرات والجرائم ومرض الشذوذ "السيدا") وغيرها من القضايا التي تواجه المجتمعات المعاصرة عامة والإسلامية خاصة بسبب ما تخلفه من آثار سلبية نفسية وعاطفية في نفوس الشباب، وصعوبات في التنمية والتطور في المجتمع.
غرائز الشباب بين الأهواء والواقع:
مع بداية مرحلة المراهقة تبرز بقوة عند الشاب دوافع الشهوات والأهواء، وتتوقّد الأحلام والمخيّلات، وتتأجّج مظاهر الحيوية والنشاط في نفسه، ويتحدّد كثير من أهدافه من خلال شهواته وغرائزه، وترسم له مخيلته الطرق للوصول إليها، فيخترق الحواجز والممنوعات التي يواجهها، وتصبح قواه العقلية ضعيفة التأثير في مجرى حياته، بينما تسيطر عليه مشاعر الأنانية وحب الذات وتغليب مصلحته الشخصية على مصلحة المجتمع، وتنقلب المفاهيم والقيم في عقليته، وتصبح رغباته هي أساس الفضيلة والنظام والتقدم الاجتماعي. يصور جان جاك روسو هذه الحقيقة في كتابه (أميل) بقوله: (... إن الفضيلة كما يقولون هي حب النظام، لكن هل يستطيع هذا الحب أن يغلّب النظام على مسرّتي الخاصة؟ وهل هو سبب كافٍ لتفضيل النظام على متعتي... فالرذيلة يمكن أن تصبح هي حب النظام لكن بوجه مختلف...).
ولاشك في أن الجري وراء الرغبات والشهوات بكل الوسائل يأخذ من حياة الشاب وقتاً طويلاً، وكثرة التفكير في أهوائه يصرفه عن الاهتمام بالدراسة والقضايا المهمّة في الحياة. وفي النهاية يضيع منه كل شيء، فلا هو أشبع رغباته، ولا استفاد من فرص الحياة في العمل والتعلّم وبناء شخصيته وكيانه الاجتماعي.
فالمجتمع يغري الشاب ويعرض أمامه مغريات الحياة، في الوقت ذاته يصدّه عنها ويمنعه من الوصول إليها. وهذا يزيد عناءه ومعاناته وسخطه وتمرّده وشعوره بأن الواقع ظلمه، وحال بينه وبين حقوقه في متع الحياة، فيولّد هذا الشعور الاضطراب النفسي والقلق والتوتر والاكتئاب والإحباط... وقد يعيش الشاب حالة من التناقض الصارخ والصراع الداخلي والانفصام، في محاولته الفاشلة للتوفيق بين شهواته ومتعه وبين قيمه الدينية والأخلاقية. وقد يعمد إلى التلفيق لتبرير تصرفاته المسيئة للمجتمع، وينزلق أكثر فأكثر إلى طريق الخطيئة ويغرق في عواصف الحياة التي قد تورده المهالك.
لكن الشاب المسلم الذي توفرت له تربية إسلامية أخلاقية صحيحة، وتمكّن الإيمان من قلبه، فإنه يصرفه بقوة عن الانحراف، ويمنعه من الانجراف وراء غرائزه وشهواته، ويقيه من آثار الحيرة والقلق والاضطرابات النفسية. فالشاب المؤمن يشبع رغباته بطرق مشروعة وفي أجواء من الأمان والسعادة والكرامة، وتسيطر على نفسه الراحة والاطمئنان والرضى والسكينة.
فالتربية الإسلامية وقوة الإيمان تحصّن الشاب من عواصف الحياة وبراكينها واضطراباتها، ويسير بكل عزيمة وجد ومثابرة، دون كلل ولا يأس، حتى النهاية لتحقيق أهدافه النبيلة وطموحاته المشروعة في الحياة.
طموح الشباب والسعادة المفقودة:
السعادة حلم كل إنسان في الحياة، يطلبها الكثير في بداية شبابهم بكل الطرق وفي كل مكان، ثم يعودون في نهاية المطاف (بخفي حنين). فيجرّبون ألوان المتع والمباهج والرفاهية والغنى، لكن يعودون في النهاية محمّلين بمزيد من الهموم وأثقال من مشاعر الضيق والتوتر والتذمر واليأس، وقد يدفع بعضهم إلى الانتحار للتخلص من الحياة.
لقد بينت الدراسات أن الشباب في أوروبا وأمريكا يعانون كثيرا من الشقاء والتعاسة والاكتئاب، وخاصة شباب (السويد) التي يعيش سكانها بما يشبه حياة الأحلام، قال عنهم أحد الباحثين (أهل الجنة ليسوا سعداء). وقال (ويلسون) عن الحياة في نيويورك: (إنها غطاء جميل لحالة من التعاسة والشقاء). فالسعادة ليست بالغنى وكثرة المال والرفاهية والجاه، فهي غالباً لا تورّث سوى الهم والتعب والحسرة والطمع والشراهة للمزيد.
السعادة لا تنبع إلاّ من أعماق الفرد، وتشع على جوارحه سروراً وفي نفسه طمأنينة، وتشرح صدره ويعيش في راحة ضمير وقناعة ورضى بقضاء الله وقدره. وهذه السعادة الحقيقية لا تتحقّق إلاّ بالإيمان الصادق العميق الذي يكبح جماح النفس وينظّم الغرائز ويخلق توازنا بين حاجات الشاب ومتطلبات الواقع.
الجري وراء السعادة عن طريق المتع ينحرف بالفطرة إلى دروب الانحراف والمعاصي، ويصبح الشاب أسيراً لأهوائه وحب الذات والجشع والغرور، ويعيش حالة من الصراع بين إرضاء غرائزه أو إرضاء المجتمع، ويحرم نفسه السكون وراحة الضمير والاستقرار.
وقد يعتقد أغلب الشباب أن السعادة في الحب، لكن الحب الذي يفهمه الشاب اليوم هو الحب المادي المرتبط بالجنس والشهوات والمتع المادية، وجميعها تتمحور حول حب الذات وإرضاء النفس.
أما الحب الحقيقي الذي يولّد السعادة في النفس، فهو الحب الروحي الطاهر الخالي من المصالح المادية، بهذا المعنى يحب المؤمن كل شيء لوجه الله تعالى. فالحب حاجة أساسية في حياة البشرية وخاصة الشباب، وبفقدانه يخسر الكثير من الدوافع والطاقة للاستمرار في الحياة ومواجهة العقبات والتغلّب على الصعوبات بفعّالية وتحقيق طموحاته المشروعة وغاياته الكبرى في المستقبل.
وبينت الأبحاث النفسية أن من يفتقد الحب والحنان ودفء الرعاية والاهتمام في الأسرة والمدرسة والمجتمع، يعجز عن منحها للآخرين، ويصبح أكثر عرضة للانحراف من غيره من الشباب، وذلك خلال محاولاته العشوائية في البحث عما ينقصه من مشاعر ...
الإيمان منبع الأمان:
الإيمان مصدر الأمان يجعل الشباب يحصر تفكيره في رضا ربه وطاعته واجتناب معاصيه، ومنفعة الناس تصبح غايته الكبرى، فيحقّق السعادة لنفسه والفوز في الدنيا والآخرة، رغم ما يخسره من متعة عابرة أو منفعة عاجلة وكبحٍ لشهوة طاغية. فالإيمان خير علاج للاضطرابات النفسية والوحدة والخوف، وهي أمراض تجعل الإنسان يفقد الأمل في الحياة وقد تؤدي به إلى الانتحار. يقول الدكتور "موريس جوبتهيل" مدير الصحة العقلية في نيويورك: "إن مرض الإحساس بالوحدة من أهم العوامل الأساسية للاضطرابات النفسية".
والشك والشرك بالله هما مصدر الخوف والقلق للإنسان حول حاضره ومستقبله وجزعه من الفقر والمرض والكوارث والموت. يقول الفيلسوف ابن مسكويه: "إن الخوف من الموت ليس يعرض إلاّ لمن لا يدري حقيقة الموت ولا يعلم أين تصير نفسه، أو أن العالم سيبقى موجوداً وهو ليس موجودا فيه، أو لأنه يظن أن للموت ألماً عظيماً، أو لأنه يعتقد عقوبة تحل به بعد الموت، أو لأنه يأسف على ما يخلّفه من المال والمقتنيات."
أما المؤمن فيشعر يقيناً أن الله معه وعنايته ترافقه أينما كان، فلا يشعر بالوحدة واليأس والقنوط. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: "وهو معكم أينما كنتم.." سورة الحديد 4 . ويقول تعالى في الحديث القدسي:" أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني".
ويبين الدكتور فرانك لوفاخ (عالم النفس الألماني) هذه الحالة، فيقول: "مهما بلغ شعورك بالوحدة فاعلم أنك لست وحيداً، فإذا كنت تسير على جانب في الطريق، فكن على يقين أن الله يحفظك برعايته".
فالصلاة والدعاء تبعث السكينة في نفس الشاب المؤمن، وتمدّه بالعزيمة والثقة بالنفس واطمئنان القلب والأمل في الحياة والرضا بقضاء الله وقدره، وهذه جميعها تؤدي إلى السعادة الحقيقية. فقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من سعادة المرء استخارته ربه ورضاه بما قضى، ومن شقاء المرء تركه الاستخارة وعدم رضاه بعد القضاء". رواه الترمذي وأحمد والبزار بروايات مختلفة.
فالأمل والرجاء هما الدافع القوي إلى الحياة، والجد والمثابرة والصبر لتحقيق الأهداف الكبرى في الحياة، والتقدم والنجاح. "فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل".
وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم تقدم لنا نموذجاً ومثلاً أعلى، نحتذي به في الصبر والتحمل والعمل الجاد والمثابرة لتحقيق الرسالات العظمى، رغم كل الصعاب الهائلة التي واجهته والأذى والاضطهاد الذي تعرض له. فالإيمان أيضاً ينبوع الحب الذي لا ينضب "حب الطبيعة، حب الحياة، حب الموت، حب الناس..الخ". فالحب يخلّص الإنسان من مشاعر الحسد والحقد والكراهية والشح والأذى وهو دليل الإيمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا".
وهذا يتم من خلال التربية الإسلامية الصحيحة التي لها الأثر الأكبر في تقوية الإيمان وتكوين الضمير، الذي هو ركيزة الأخلاق، فلا بد للضمير من الخوف ولكن يجب أن يكون الخوف من الله تعالى وحده. والتربية الإسلامية ترسخ الإيمان في قلوب الشباب وتدرّبهم على ضبط النفس وتنظيم الرغبات وتقوية الإرادة والقدرة على التحكم والسيطرة على النفس، عند الغضب وهيجان الأهواء وهذه تدل على قوة الإيمان وحقيقته، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم " ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب" الحديث رواه الشيخان.
ـــــ
مراجع البحث:
1-زاد المعاد، ابن قيم الجوزية 2-إحياء علوم الدين، الإمام أبو حامد الغزالي.
3-الإيمان والحياة، الدكتور يوسف القرضاوي. 4-الإنسان بين المادية والإسلام، محمد قطب. 5-ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، أبو الحسن الندوي.
6-التربية الإسلامية، الدكتور محمد رمضان البوطي.
7-أصول التربية، الدكتور علي عبد الواحد وافي.
8-الإنسان ذلك المجهول، إليكسس كاريل.
9-دع القلق ودع الحياة، ديل كارنيجي.
ــــــــــــــــــــ(42/26)
هل فقد الحلم الأميركي بريقه في عيون الشباب؟
أمريكا .. تلك الكلمة التي تكثف كثيرًا من المعاني والآمال لدى قطاع واسع من الناس وخصوصًا الشباب، حتى تحولت إلى رمز للجنة الأرضية .. لكن منذ بدء ما سُمي "الحرب على الإرهاب" اختلفت الصورة بالنسبة لأمريكا نفسها. فهل اختلفت الصورة كذلك بالنسبة للشباب الذين كانوا يصطفون بالعشرات، وربما المئات، على أبواب سفاراتها كمن يقف على باب مدينة الأحلام ينتظر الإذن بالدخول؟ سؤال يبدو مهمًّا خصوصًا بعد أحداث أفغانستان والعراق، التي لم تتوقف، وكذلك التهديدات التي تتربص بعدد من الدول في الشرق الأوسط لعل أبرزها سوريا وإيران .. لننظر إلى أي مدى فقد الحلم بريقه لدى الشباب، وهل انبنى موقفهم منها على أنها وحدة واحدة حكومة وشعبًا، داخلاً وخارجًا، أم أنهم فصلوا بين سياسة الولايات المتحدة الخارجية والشعب الأمريكي نفسه؟ وهل فصلوا بين السياسة ورغباتهم الأخرى التي يطمحون إلى تحقيقها في أرض الأحلام؟
الولايات المتحدة واقع فرض نفسه على الدول الأخرى، ليس سياسياً فحسب، وإنما ثقافياً واجتماعياً وحضارياً. وإذا كانت أميركا "شرًّا مطلقًا" بالنسبة إلى عدد كبير من الدول بسبب سياساتها المجحفة بحق شعوب برمتها, إلا أنها تبقى حلماً يسعى كثيرون من هذه الدول نفسها إلى تحقيقه.
والشباب أكثر فئة معنية بهذا النموذج فهم إما طلاب يبحثون عن جامعات كبيرة واختصاصات جديدة, وإما خريجون يبحثون عن فرصة عمل تمكنهم من تحقيق ذاتهم وتأمين مستقبلهم.
وعلى مدى أجيال متعاقبة كرست الآلة الإعلامية الأميركية التي تقودها هوليود صورة نموذجية للحياة في الولايات المتحدة, حيث الحرية والمال الوفير. وتعاظم الحلم, فأميركا هي البديل عن الوطن الذي انسدت شرايينه وصارت "الواسطة" فيه هي جواز المرور والترقي.
لكن الأوضاع تغيرت كثيراً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر), فأصبح عدد كبير من الشباب وخصوصاً العرب, يخافون السفر إلى أميركا بسبب عنصريتها ضدهم. ولم يقتصر تراجع صورة الحلم الأميركي على الأجيال الجديدة. بل امتد إلى أجيال سابقة سعت إلى "أرض الأحلام" في الماضي, وتمنّع اليوم أولادها وأحفادها من سلوك الطريق نفسها. مثل الجدة اللبنانية التي رفضت منح جنسيتها الأميركية لأبنائها.
بين الخطاب المعادي لبلاد "العم سام" ومريديها مساحات شتى حاول "ملحق شباب" في صحيفة "الحياة" اللندنية 2004/03/16 اكتشافها قدر استطاعته عبر بعض التحقيقات الصحفية (في أربع صفحات) خلصت إلى الآتي:
في مصر - مثلاً - لا يرضى الشباب بفرصة متواضعة وإن كانت في أميركا, بينما يتزاحم الشباب في الجزائر على "تمبولا" البطاقة الخضراء أملاً في الحصول على فرصة تحقيق الأحلام. وفي سوريا تخلى الشباب عن الحلم الأميركي بعد استهداف بلادهم. وفي السعودية يحن الشباب إلى أيامهم في أرض الحريات. أما في الأردن فهناك من يحبون التقنية العالية في الأفلام الهوليوودية ويتحفظون عن مضمونها "المليء بالمغالطات".
لم يكتف الملحق باستطلاع آراء الشباب العربي, بل حرص على أن يضم الملف دولاً أخرى تربطها بأميركا علاقات تتأرجح بين التحالف والكراهية.
ففي فرنسا, اعتراف بتقنية أفلام هوليود العالية، ولكنها بالنسبة إليهم تكفير عن الخطايا الأميركية. وفي بريطانيا يطلق الشباب النكات على بوش واللكنة الأميركية. وحتى كندا التي يربطها بالولايات المتحدة امتداد جغرافي يخاف شبابها من الاقتراب أكثر من "الأخ الأكبر". أما في إيران فلا يزال الحلم الأميركي حقيقة ماثلة رغم الكراهية المستمرة لـ"الشيطان الأكبر"
ــــــــــــــــــــ(42/27)
بعض طلاب "هارفارد" لا يعرف أين يقع العراق!
جالت "الحياة" على عدد من كليات جامعة "هارفارد" في بوسطن، والتقت بعض الطلاب والطالبات للاطلاع على أنماط حياتهم الاجتماعية والتعليمية ومدى اهتمامهم بالشأن السياسي الأمريكي والعالمي ومقدار معرفتهم بالعالمين العربي والإسلامي ومواكبتهم الأحداث.
تحدث الطالب ايف كلاوث (21 عامًا) سنة أولى طب، عن أن الشباب الأمريكيين عمومًا لا يهتمون إلا بأمرين رئيسين "التحصيل العلمي والعمل بعد التخرج، وقلما يتابعون الأحداث السياسية الأمريكية والعالمية". وأشار إلى أنهم لا يتوقفون غالبًا إلا عند "القضايا التي تلامس حياتهم الاجتماعية كالضرائب والإجهاض ومشكلات الجنس والخدمات".
ولدى سؤاله عن سبب الحرب على العراق وموقع الأخير الجغرافي، هز برأسه قائلاً: "لا أعرف", مضيفًا: "كل ما أعرفه أننا انتصرنا في الحرب".
ويبدو أن زميله الطالب ماك تانلي (23 عامًا) سنة ثانية حقوق، كان أكثر اطلاعًا ومعرفة، وفي رأيه أن "أمريكا سيدة العالم الحر وقوة عسكرية واقتصادية وتكنولوجية لا تضاهى".
وتعقيبًا على أحداث 11 أيلول/سبتمبر، قال: "كان لابد لأمريكا من أن تقضي على الإرهاب "العربي والإسلامي" على حد تعبيره، واعتبر أن الحرب على أفغانستان والعراق "ضرورية" من أجل ضمان المصالح الأمريكية التي سماها "استراتيجية ونفطية" منوهًا باعتقال صدام حسين الذي ينبغي أن يكون عبرة لغيره من الحكام الديكتاتوريين".
أما الطالبة اليسيا بروكس (20 عامًا) سنة ثانية اقتصاد وإدارة أعمال، فقالت: "لدي انطباع أن قسمًا كبيرًا من الشباب الأمريكيين لا يعرفون سوى الشيء القليل عن العالمين العربي والإسلامي ولا يميزون بينهما".
وأضافت: "أعتقد أن ثقافتنا السياسية العالمية محدودة جدًّا، فالبرامج التعليمية الأمريكية لا تهتم بمادتي التاريخ والجغرافيا ولا تدرسان إلا في المرحلة المتوسطة وفي شكل اختياري".
وتابعت: "أنا أرغب بعد تخرجي في الجامعة في أن أعمل في البلاد العربية، ولكن ليس لدي معلومات كافية عن موقعها ومناخها ونظامها وعاداتها وتقاليدها، ولا سيما أن لأمريكا الكثير من المصالح الاقتصادية والعمرانية هناك".
الطالبة كيم مالتوي التي كانت لحظة مقابلتها منشغلة بامتحان الفصل الأول، طلبت أن تجيب عن الأسئلة عبر رسالة إلكترونية لـ"الحياة" جاء فيها: "أنا طالبة أمريكية في جامعة هارفارد، سنة ثالثة علوم اجتماعية، وأعتقد أن التعليم في أمريكا قوة لنا ولغيرنا، وهذا ما يجعلنا نتمتع برصيد حضاري وعلمي وإنساني، وأتمنى ألا تخرج جامعاتنا إرهابيين، بل زعماء سياسيين يخدمون شعوبهم".
وأضافت كيم: "أعتقد أن شريحة كبيرة من الأمريكيين، بينهم الشباب لديهم أحكام مسبقة عن العرب والمسلمين، فما يتناهى إلى أسماعي أحيانًا أنهم غير متقدمين وما زالوا يستعملون الجمال وليس عندهم كومبيوتر ولا إنترنت ويتزوجون نساء عدة يسكنَّ في بيت واحد، فلا أدري ما إذا كانت هذه المعلومات صحيحة أم لا.
أما اهتمامات الشباب، وأنا واحدة منهم، فهي إجمالاً خارج السياسة، وغالبًا ما يكتفون بعناوين الصحف اليومية. وفي شكل عام يتابعون الأخبار الرياضية، والحفلات الترفيهية، والمعارض، والأفلام، ونجوم السينما، والموضة، والتسوق، وحوادث السير، والعنف، والعلاقات العاطفية".
ـــــ
الحياة اللندنية، 27/1/2004
ــــــــــــــــــــ(42/28)
من المسؤول عن انحراف الشباب؟
عندما يصل الانحراف إلى مداه ويؤتى ثماره الخبيثة يبدأ المجتمع في استشعار الخطر القادم فترتفع الأصوات مطالبة بوقفة حازمة وشجاعة ويطالب الجميع بضرورة الضرب بيد من حديد واستعمال أقصى وأقسى العقوبات ضد المنحرفين حتى تختفى هذه الجرائم الاجتماعية الخطيرة.
وإذا كنا نحن في مقدمة المطالبين بهذه الوقفة الحازمة ضد مرتكبي جرائم الاغتصاب والانحراف بشتى صوره.. إلا أننا نتساءل: هل يعتبر هذا هو الحل الوحيد أم أن هناك إطارًا اجتماعيًّا ومناخًا عامًّا يجب أن يكون سائدًا منذ البداية؟
وما هي ملامح هذا المناخ؟ وما هي الأسباب الحقيقية والعوامل التي تحول دون وجوده؟
يقول الدكتور أحمد عبد الرحمن أستاذ علم الأخلاق بالجامعات المصرية والعربية السابق: بصفة عامة الفرد الفاضل نتاج مجتمع فاضل، فنحن أبناء مجتمعنا نتلقى من الأسرة والمدرسة والبيئة والقدوات الموجودة حولنا ومن المسجد.. كل هذه المصادر تربينا وتشكل سلوكياتنا، فإذا أرادنا مجتمعًا فاضلاً أفراده فاضلون، لابد أن ندقق فيما تقدم هذه الجهات المؤثرة ونحاسب أنفسنا حسابًا عسيرًا.. ونحن لا نفعل هذا، فالأسرة لا ترعى أولادها.. حيث ينشغل الوالدان بالعمل ويتركان أولادهما للتليفزيون وزملاء الشارع أو النادي .. والمدرسة.. المدرس نفسه قدوة سيئة وبعضهم يتحدث عن غرامياته في الفصل، فهناك تسيب إداري وأخلاقي.. كل إمكاناتنا التربوية والتثقيفية تبنى مجتمعًا غير إسلامي.. فالإعلام دومًا يتحدث عن الفن الذي تحرر من وصاية الدين والأخلاق.. والمذيعة لا تظهر محجبة.. تلك هي القدوات التي نقدمها للشباب بقصد وعمد وتخطيط.. ثم نبكي على هذه الظواهر.
أما الدكتورة إجلال خليفة أستاذ الصحافة في كلية الإعلام بجامعة القاهرة فتقول: الإعلام يدعو إلى الرذيلة ويحث على الفحشاء.. فترى في كل الأغاني والأفلام.. سمة المرأة الرئيسية.. راقصة في معظم المستويات وكل شرائح المجتمع حتى الخادم والخادمة.. الإعلانات كلها رقص.. كل شيء يرقص حتى برامج الأطفال.. والتليفزيون بالذات يقتحم على الناس بيوتهم وأصبح قدوة وأبًا ثالثًا، بل إنه أصبح في كثير من البيوت المربي الوحيد للأولاد، فلنتق الله في أطفالنا وشبابنا.. لماذا لا يعبر الفن عن الأنشطة الإنسانية ككل؟! لماذا نركز على الغريزة الجنسية فقط، نغفل الفطرة الطيبة؟ لماذا لا نرى الدين إلا في المناسبات رغم أن الدين هو الحياة ويجب أن يشمل كل سلوكياتنا ويهذب كل جوانب حياتنا؟!!
لقد جعل الله تعالى صناعة الكلمة قسمين: "كلمة طيبة وكلمة خبيثة".. والإعلام للأسف يقدم 0.5% كلمة طيبة، والباقي كلمات خبيثة، وأنا لست ضد أو مع أحد.. لكن إذا حللناها سنجد معظم ما يقدم ينافي الحياء ويخل بالآداب العامة.. لقد أدرك أعداء الإسلام أن الكلمة أخطر من الصاروخ؛ لأنها تشكل الإنسان وتستعمره وتحوله من منتج إلى شرير معتد، ومن أجل ذلك تنفق الملايين على الإذاعات الموجهة لإفساد الشباب.. فالإعلام هو الاستعمار الحديث.. كل الدول الحديثة عندها إذاعات موجهة للاستحواذ على مشاعر الشعوب وعقليتها.. فيرسلون جيوشًا من الكلمات عبر الأثير سواء مقروءة أو مسموعة أو مرئية.. إذا لم نوجهها هنا ونحمي الناس بكلمة طيبة فسوف تحقق أهدافها.
أما الدكتور كمال الدين حسين، بكلية رياض الأطفال جامعة القاهرة، فيرى أن: الظواهر الاجتماعية إفراز لبنية اجتماعية تعاني من الانفصام؛ فالأب اليوم لم يعد النموذج القدوة في البيت من خلال عجزه الاقتصادي عن تلبية احتياجات الأسرة.. الأبناء فقدوا الأمان والدفء الأسري لانشغال الأبوين في ملاحقة تلبية الاحتياجات الدنيوية.. ناهيك عما يتلقاه الأطفال من الأجهزة الإعلامية وما يشاهدونه من مثيرات عن طريق الإعلانات أو الأعمال الدرامية دون المستوى والتي تبعد عن مناقشة المشاكل الحقيقية للواقع أو من خلال الصحافة التي تحاول أن تجمل كل الأشياء بدون مراعاة للصدق ومن غير منطق ولا موضوعية، الأمر الذي يفقدها كل مصداقية مما يؤدي بالضرورة إلى خلق أجيال تفقد القدرة على التمييز بين الحق والباطل.. واختلال المعايير أو اختلال في السلوك والممارسة.
ما هو الحل؟
وعن المنهاج السليم لتنشئة الطفل تتحدث الدكتورة إنشراح الشال فتقول: لقد حدد الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا كيفية التنشئة السوية للطفل.. فقد بدأ التعهد بتربيته من مرحلة مبكرة تسبق وجوده على الأرض سعيًّا لإيجاد الأسرة التي تحميه من الانحراف فأوصى باختيار الزوجة الصالحة " فاظفر بذات الدين تربت يداك "، كما أكد على قبول الخاطب الصالح: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه..". كما أرشدنا إلى ضرورة الانضباط الخلقي بكل معانيه حتى يكون الأبوان قدوة في مجال العفة والالتزام الديني والخلقي. فأكد على ضرورة استئذان الطفل على أبويه قبل البلوغ في أوقات ثلاثة وهي فترة النوم من بعد صلاة العشاء وقبل طلوع الفجر ووقت القيلولة ظهرًا، حيث يغلب أن يكون الأبوان قد نزعا ثيابهما. أو تكون الأم في وضع لا يجوز أن يراها فيه الطفل، فإذا بلغ الطفل الحلم وجب أن يستأذن في كل الأوقات.
كما علمنا القرآن الكريم كذلك الاحتشام في اللبس وعدم إظهار المفاتن لعدم إثارة الفتنة، والتحشم في الألفاظ والحديث، وأوصانا النبي r بالتفرقة بين الأولاد في المضاجع، فقال: "و فرقوا بين أولادكم في المضاجع".
بهذا ينشأ الطفل على الحياء وتأخذ الغريزة الجنسية مسارها الطبيعي في التكون والظهور، ويكون الطفل أقل تجاوبًا مع صور الانحراف التي لا يخلو منها أي مجتمع.. ولكني أنادي بضرورة تكاتف المؤسسات التربوية المشتركة في تنشئة الطفل حتى لا أبني من ناحية وغيري يهدم من ناحية أخرى على الأقل تلك التي تقتحم علينا بيوتنا كالتليفزيون. فمتى نتقي الله في أطفالنا وشبابنا وهم مستقبل هذه الأمة؟!
ـــــ
مجلة "هاجر" ع 25 بتصرف.
ــــــــــــــــــــ(42/29)
مليون تلميذ عراقي تسربوا من المدارس إلى الشارع
كشف تربويون عراقيون أخيراً حقائق مفزعة أبرزها النسبة العالية للأمية بين الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين ست وخمس عشرة سنة, مشيرين إلى أن نصف تلك الشريحة من المجتمع المدرسي في العراق باتت أمية بالكامل. وترك أكثر من خمسين في المئة من الأولاد في المرحلتين الدراسيتين الابتدائية والمتوسطة مقاعد الدراسة, أي ما معدله, بحسب مشرفين واختصاصيين تربويين التقتهم "الحياة" في بغداد, مليون تلميذ. وترك هؤلاء الدراسة متوجيهن إلى ميادين العمل في الحقول والورش واالشوارع أيضاً, حيث يبيع الأطفال كل ما يخطر على البال.
ويقول وزير التربية الدكتور علاء عبد الصاحب العلوان إن "أوضاع مدارسنا لا تسر والنظام السابق عمل على تدمير الأجيال", لافتاً إلى أن نظام صدام خفض موازنة التربية خلال العقد الماضي, فانهارت العملية التربوية في العراق, وتخلى المعلمون والمدرسون عن أداء واجبهم, فيما اقتنع عدد كبير من أولياء الأمور بأنه من الأفضل توجيه أبنائهم إلى سوق العمل ليخففوا عن كاهل عوائلهم, لا سيما أن "الشهادة العلمية لم تعد ذات قيمة في المجتمع, وأكبر المتعلمين ما كان قادراً على تأمين متطلبات أسبوع واحد أيام الحصار".
حسن أكرم (10 سنوات) يعمل في بيع البنزين على قارعة طريق المنصور - علاوي الحلة في بغداد, مستغلاً أزمة الوقود المستفحلة في العراق. ويبيع الابن ما يوفره له الأب من كميات بنزين يحصل عليها من المحطات الرسمية بأسعار تقل نحو 100 مرة عن أسعار السوق السوداء. ويقول حسن: "أجد في العمل متعة كبيرة لا أجدها في المدرسة, فالعمل أفضل من الدراسة بكثير, والمدرسة تحتاج إلى نقود وأنا لا أملكها ووالدي لا يستطيع أن يصرف عليّ وهو الذي شجعني على ترك الدراسة والتوجه إلى العمل, فتركت المدرسة قبل سنتين, عندما كنت في الصف الثاني الابتدائي, وحالياً أحصل من عملي هذا على نقود تكفيني وأساعد فيها عائلتي". وعما إذا كان سينتقل إلى مهنة أخرى في حال توافر البنزين وانتهاء شحه, يقول: "عندما يتوافر البنزين, ساتوجه إلى متعهدي تنظيف الشوارع مع أمانة بغداد في مقابل 4 دولارات يومياً وهذا ما يفعله أولاد كثيرون بعمري, لأنه عمل غير متعب وأجوره جيدة".
ويعمل محمد علي (12 عاماً) في تنظيف شوارع أحياء بغداد بعد أن ترك الدراسة قبل أيام نزولاً عند رغبة والده. ويقول: "كنت أتمنى الاستمرار بالدراسة, غير أن أبي قال إن 4 دولارات يومياً مبلغ جيد وينفعنا في تدبير أمور المعيشة". وفيما علي يسحب مكنسته المصنوعة من جريد النخل, ويواصل كنس الأتربة المتراكمة بمحاذاة الرصيف المؤدي إلى منطقة الدورة في بغداد, يقول إنه لن يتنازل عن رغبته في الدراسة, وإنه سيحصل على شهادة في الطب, وهي أمل يراوده وسيسعى إليه.
ثائر فيصل (13 عاماً) من العاملين في مشروع لتنظيف شوارع بغداد وتجميل حدائقها العامة تبرعت به الحكومة اليابانية إلى بغداد, يتحدث باعتزاز عن عمله ولا يجد فيه عيباً, بل يفاخر قائلاً: "نتقاضى أجوراً أكثر من الموظفين المعينين حديثاً في دوائر الدولة, ومن دون أن نحمل شهاداتهم الدراسية, أنا وأصدقائي الذين تركوا الدراسة نحصل على أموال اكثر من رواتبهم, لذا ما الذي يدفعني إلى إكمال الدراسة؟ العمل افضل وإخوتي نصحوني بذلك, فهم يعملون في توزيع المواد الغذائية وبيع الصحف, وبذلك تمكنا من شراء أجهزة جديدة وأثاث لم يكن متوافراً في بيتنا".
مقاولو تنظيف الشوارع يرفضون ما يقال من أنهم يغرون الأولاد بالعمل عبر وعود الأجور الجيدة. ويشير المتعهد جاسم خضير المتعاقد مع أمانة بغداد لتنظيف شوارع حي الأعظمية, إلى أن "المتعهدين لا يجبرون الأطفال على العمل في التنظيف, بل إن معظم الآباء هم الذين يتوسطون لدينا لقبول أولادهم, ويرى الآباء في الأجور المجزية التي نمنحها سبباً كافياً لدفع أبنائهم إلى العمل معنا, كما أننا وجدنا من خلال التجربة أن الأولاد يلتزمون بالعمل وينفذونه جيداً".
ولا يخفي المتعهد غضبه على الآباء الذين يشغلون أبناءهم ويبعدونهم عن مقاعد الدراسة: "قبل أن يفكر الشخص الغريب بأطفال الناس, وقبل أن يوجه أحد اللوم إلينا, الآباء هم من يجب أن يلاموا وليس نحن, فهم بدفعهم أولادهم إلى العمل, إنما يجعلونهم ضحية".
أستاذة علم الإجتماع في كلية الآداب في جامعة بغداد, الدكتورة كواكب صالح حميد, ترد أسباب تشغيل الأطفال وتسربهم من المدارس إلى العائلة: "الأسرة سبب رئيس في ظاهرة تسرب الأولاد من المدارس وعملهم في الشوارع, فهي حين تقصر في حق الطفل, تدفعه إلى رفاقه في الشارع, وهذا ما سيجعله من دون توجيه, ويقرّبه إلى مفاهيم أكبر من عمره تتعلق بالربح المادي, فالطفل بدأ يظهر حرصاً على العمل وليس على الدراسة, وزيارة إلى السوق تظهر أن نسبة الأولاد العاملين الصغار أكبر بكثير من نسبة الكبار".
الأكاديمية ميادة أحمد الجدة, تقول إن "عمل الأطفال في تنظيف الشوارع, ظاهرة غير صحية اجتماعياً وتربوياً", لافتة إلى أن "مؤسسة حكومية عراقية تقف وراء الظاهرة, فيما يجب أن تكون أول الحريصين على منعها, لأن تشغيل الأطفال عمل غير قانوني, والتشريع هنا تدخل لمنع تشغيل الأطفال, للحد من حالات الانحراف الأخلاقي والتربوي التي تصيب الأولاد بعيداً من عاملين مهمين هما رقابة العائلة وتحصيل العلم والتربية في المدرسة".
ـــــــــ
الحياة 2003/12/30
ــــــــــــــــــــ(42/30)
الإيدز يزيد انتشارا بين الشباب العربي
في ندوة نظمها برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز بالتعاون مع المكتب الإقليمي للتربية في الدول العربية تم الكشف عن حقائق خطيرة يحسن بنا أن نعالجها دون أن ندفن رؤوسنا في الرمال.
فلأول مرة يتم الاعتراف علنا بأن الإيدز صار ظاهرة متوطنة في الدول العربية، وأن الشباب العربي صار مستهدفا به أكثر وأكثر ما لم تلجأ الحكومات العربية لصياغة خطط جادة لمواجهة المشكلة التي تم تجاهلها كثيرا خشية ما اعتقد المسؤولون أنه خدش لحياء المجتمع وقضاء على سلامه وأمنه الداخلي.
وكان أخطر ما تم الكشف عنه في تلك الندوة ذلك الاعتراف الخجول -لأول مرة- بدور العلاقات الجنسية في نقل مرض الإيدز، بعد أن كانت الحكومات تردد قبل ذلك أن معظم الحالات التي يتم الكشف عنها ترجع إلى نقل الدم أو تعاطي المخدرات.
الحقائق التي كشف عنها برنامج الأمم المتحدة تحتاج إلى الانتباه، فقد سَجل حتى نهاية عام 2000 ازدياداً في نسبة الإصابات بالمرض في منطقتي إفريقيا الشمالية والشرق الأوسط، وتم تقدير 80 ألف إصابة جديدة بالفيروس في عام 2000 ما جعل عدد الإصابات في بلدان هاتين المنطقتين يرتفع إلى 400 ألف إصابة، وكشفت الدراسات المركزية في الجزائر مثلاً أن نسبة انتشار المرض بين النساء الحوامل وصلت إلي ما يقارب 1%.
وقال برنامج الأمم المتحدة إن تقديراته تبقى نسبية بسبب أن معظم الدول العربية لا تكشف عن العدد الحقيقي للإصابات، إما بسبب عدم تبليغ الجهات الرسمية المختصة عنها، وإما لعدم التوجه إلى المجموعات المعرضة للمرض للتحقيق في أوضاعها، مشيرا إلى أن الحجة الجاهزة للتعتيم على الموضوع هي دائما خدش الأخلاق والتقاليد في ظل إشارة التقديرات المتتابعة إلى أن المسبب الأول للمرض أصبح هو العلاقات الجنسية (بنسبة 28%) في حين تتراجع نسبة الإصابة عن طريق حقن المخدرات ونقل الدم.
ما علاقة هذا بالشباب؟
الإجابة بسيطة وواضحة فمعظم حالات الإصابة تكون لشباب حول سن الثلاثين، بعضهم لا تظهر عليه أعراض المرض إلا بعد 10 سنوات من الإصابة، مما يعني أن الشباب ما بين سن العشرين إلى الثلاثين هم الأكثر تعرضا لخطر هذا الداء الفتاك، وحسب تقديرات البرنامج، فإن العدد التقريبي للإصابات يزيد عن 400 ألف في منطقة شرق المتوسط التي تمتد ما بين أفغانستان والمغرب العربي، علماً بأن هذا الرقم هو ضعف ما كانت عليه التقديرات قبل سنوات. أما أكثر البلدان إصابة بالمرض في العالم العربي فهي جيبوتي والصومال والسودان، في حين تظل أفغانستان هي الدولة الوحيدة التي لم تبلغ عن حالات الإصابة لديها.
وباختصار فإن المرض ينتشر في المنطقة بشكل بطيء ويقتصر على مجموعات مستهدفة معظمها من الشباب، ويتضح من الإحصاءات أن 2.5% من الشابات اللواتي يقصدن الطبيب النسائي يحملن الفيروس و1.68% من الشابات الحوامل وترتفع هذه النسبة في الصومال لتصل إلى 3% و1.6% في جيبوتي، ومن العلامات التحذيرية في ارتفاع نسبة الإصابة ما سجل في ليبيا من إصابات بين الأطفال قبل أكثر من سنتين، أما في إيران فقد سجل الارتفاع بين المساجين من 1.73% عام 99 إلى 2.82% عام 2000، وفي مصر سجلت نسبة 1.74% للإصابات بين مجموعة من الرجال تمارس اللواط .
ما الذي أدى بالأمور أن تتصاعد على هذا النحو؟
رغم أنه لا توجد حتى هذه اللحظة دراسات اجتماعية تتناول على وجه التفصيل أسباب انتشار الإيدز في العالم العربي، أو دراسات تكشف عن الموقف الاجتماعي من مريض الإيدز، إلا أن هناك عددا من الافتراضات التي تحتاج إلى مزيد من البحث والتنقيح، ومن ذلك:
- أن زيادة انتشار المرض تواكبت مع انتشار الإنترنت والبث الفضائي وما واكب ذلك من حالة إغراق جنسي يتعرض لها الشباب المسلم، حيث قامت هذه الوسائل بكسر الحزام الضابط الذي كانت تفرضه التقاليد والدين على حدود الدول الإسلامية، كما ساعدت على وضع الشباب تحت ضغوط هائلة لكبت جنسي لا تتيح لهم قدراتهم الاقتصادية ولا ظروفهم الاجتماعية سرعة تصريفه، ومن ناحية أخرى فقد ساهمت هذه الوسائل في ترويج ثقافة الزنا والدعارة وسهلت وسائلها، وذلك على الرغم من فوائد هذه الوسائل التي لا تنكر.
ويكفي أن نورد هنا أن دراسة قام بها مركز معلومات مجلس الوزراء المصري في العام 1997 كشفت أن 75% من استخدامات الإنترنت نهارا هي في أغراض الجنس، في حين ترتفع النسبة في الاستخدام الليلي للشبكة إلى 92%.
- لانتشار الإيدز أيضا علاقة - يصعب إنكارها - بضعف تأثير الدين في المجتمع، وهو الأمر الذي يدفعنا إلى مراجعة الدور الذي تقوم به المساجد ومؤسسات التربية والتثقيف الديني في البلدان الإسلامية، في ظل تعرض هذه المؤسسات لضغوط متزايدة في إطار حملات مكافحة الإرهاب، وهي ضغوط تزايدت بعد أحداث 11 سبتمبر، ما يعني أن الشباب العربي ضعف تواصله مع دينه، الأمر الذي أغلق أمامه بابا مهما لتفريغ الطاقة بصورة مباحة وآمنة.
- لو أردنا الاستفادة من أبحاث سابقة تمت حول انتشار ظاهرة الزنا في المجتمع لأمكننا القول إن معظم حالات الإيدز - شأنها شأن الزنا- تظهر وسط شباب ينتمون إلى أسر مفككة تنعدم فيها الرقابة الأبوية، بسبب الانفصال بين الأبوين أو انشغالهما، أو بسبب تأثر الأبوين بأنماط ثقافية غربية.
- وإذا كان المرض يظهر عادة بين شباب بين العشرين والثلاثين، فإن المؤسسات التربوية والتعليمية في المجتمع تعاني هي الأخرى من خلل، وهو أمر يسعنا أن نتأكد منه بمسح لنوعية المناهج التي يتم تدريسها في المدارس والجامعات، حيث تخلو في معظمها من ثقافة حقيقية - صحية ودينية- تعصم الشباب من الوقوع في براثن المرض، بل ونستطيع أن نقول إن حالة الاختلاط التي تسيطر على الجامعات، وسط ضغوط الفيضان الجنسي القادم عبر الإنترنت والفضائيات، وضعف تأثير الدين، تشكل فرصة مواتية للشباب لتفريغ كبتهم الجنسي بصورة بعيدة عن الرقابة، وقد ظهرت بوادر تعضد هذا الافتراض بظهور حالات مثل الزواج السري في الجامعة وجماعات عبدة الشيطان، وأخيرا تنظيم الشواذ الذي ضبط في القاهرة قبل أكثر من عامين.
- ويمكننا أن نضيف - إلى ما سبق - الحالة العامة للمجتمع، حيث الافتقار إلى القدوة والمشروع الوطني الذي يستغل الطاقات، والإعلام المفتون بالنموذج الغربي، الأمر الذي يتم ترجمته تلقائيا إلى نقل ما عند الغرب من مظاهر الحضارة وقشورها دون جوهرها، ويضم ذلك مساوئ هذه الحضارة وإغراقها في عالم الجنس والمادية.
نحن في حاجة هنا إلى دق ناقوس الخطر، ولفت النظر إلى ضرورة وضع خطة جادة لإنقاذ الشباب العربي، يتضافر في تنفيذها مؤسسات الدولة -أي دولة- جميعها، وتقوم هذه الخطة على توفير الثقافة الصحية والدينية للتلاميذ عبر المدارس والجامعات والمساجد ووسائل الإعلام، إضافة إلى محاولة رسم أهداف تبدو واقعية وممكنة التحقيق لهذا الشباب الذي يعاني من اليأس والفراغ بحيث يسعه أن يتحول لتنفيذها، وهو الأمر الذي ستكون فيه مصلحة الشباب ومصلحة الأمة الإسلامية في الوقت نفسه.
ــــــــــــــــــــ(42/31)
الشباب العربي والتدفق الإعلامي
أصبح من قبيل التكرار أن الإعلام اليوم يشكل عصب الحياة المعاصرة، فنحن نعيش في عصر طابعه الغالب عليه انتشار البث الإعلامي وتوسع مدى هذا الانتشار على مستوى الكوكب. فالإعلام اليوم تجاوز الحدود وتخطى المسافات، بل قفز حتى على شروط الواقع الاجتماعي والتفاوت المجالي بين المدينة والقرية، بحيث إنك قد تجد مناطق في العالم العربي تفتقر إلى البنيات التحتية الضرورية كالربط الكهربائي مثلا، ولكنك تجد أن الإعلام حاضر فيها. ومن المعتاد أن يلاحظ المرء في هذه الجهات ذات المستوى التنموي المنخفض الأطباق اللاقطة أو (الدش) مزروعة فوق أسطح البيوت كالفطر.
وغني عن القول أننا في العالم العربي نعيش في وضع المستقبل والمتلقي، لا في وضع المرسل والباعث، إننا نتلقى البث الإعلامي ولا نصدره، وفي وضع كهذا تتزايد فرص الاختراق الثقافي، وتضيق مساحة الرؤية لدى جيل الشباب العربي، ويصبح للإعلام المعاصر الدور الأكبر في تشكيل وعي هذا الجيل، خصوصا في غياب البدائل الكفيلة بحفظ التوازن لديه، بين الارتباط بالهوية، والانسياق خلف البهرج الإعلامي الحديث.
من الاستعمار إلى "السلطة الناعمة"
يوجد الوطن العربي والعالم الإسلامي في مركز التأثير الإعلامي العالمي، والغربي منه بوجه الخصوص، ومرد هذه الأهمية أمران أساسيان: الأول أن العالم العربي والإسلامي هو المنطقة التي تضم أوسع قاعدة من شريحة الشباب، والشباب هو ضمير المستقبل. وتقول البحوث والدراسات التي أنجزت في الغرب حول مسألة التزايد السكاني في العالم إن المنطقة العربية ستضم عام 2025 نسبة من الشباب تفوق نصف السكان، هذا ناهيك عن الدول الإسلامية الواعدة ديموغرافيا، وفي مقابل هذا النمو في شريحة الشباب في الوطن العربي، ستواجه الدول الأوربية زحف الشيخوخة وتقلص شريحة الشباب. هذه المعادلة غير المتوازنة جعلت الغرب يدق ناقوس الخطر منذ وقت مبكر، ودفعته إلى نحت تعبير (القنبلة السكانية) في العالم الإسلامي، للتدليل على التهديد الذي يستشعره من التراجع السكاني فيه. ويقول عالم الديمغرافيا الفرنسي جون كلود تشيزني في كتاب حديث له بعنوان (أفول الغرب: السكان والسياسة) إن المعادلة السكانية المختلفة بين الغرب والإسلام ستؤدي بنظره إلى ما يسميه (انجراف القارات)، بسبب قوافل الهجرة نحو الغرب من بلدان العالم الإسلامي، ومن ثم إلى أفول الحضارة الغربية، أو ما يسميه (الدورة الحضارية الأوربية) التي ستتوقف.
أما الأمر الثاني، فهو الدين الإسلامي الذي يمضي في الانتشار. وتوضح الدراسات الاستشراقية الغربية أن الإسلام سيكون الدين الأول في العالم خلال العشرين سنة المقبلة، فيما ستتراجع نسبة معتنقي الديانتين المسيحية واليهودية والأديان الإحيائية الأخرى إلى مرتبة أدنى بعد الإسلام والكونفوشيوسية. وتلزم الإشارة في هذا الباب إلى أن نظرية صدام الحضارات للأمريكي صامويل هانتنغتون ترتكز على هذه المعطيات الرقمية، والمعطى الديمغرافي المذكور، وتخلص إلى تحذير الغرب المسيحي ودعوته إلى إنشاء نوع من القلعة أو الحصن الحضاري الواقي من الزحف الإسلامي والكونفوشيوسي في تصوره.
إن هذه المركزية التي يتمتع بها العالم الإسلامي، والبشارات المستقبلية التي ترشحه لأن يكون محور الحراك العالمي والحضاري مستقبلا، جعلت من الطبيعي أن يكون هدفا لكل السموم الإعلامية وأشكال الغزو الثقافي والحضاري، وذلك لأجل تخدير عقول الأجيال الحاضرة التي ستكون عماد المستقبل، للتحكم في هذا المستقبل، وإعاقته، وكبح طموحات أبنائه ممن هم من شباب اليوم.
إن الإعلام في عصرنا الحالي، يشكل بالنسبة للغرب إزاء العالم الإسلامي ما شكلته القيادات الاستعمارية الغربية المحلية بالأمس إبان الموجة الاستعمارية التي غمرت الدول العربية والإسلامية، فقد تمكن الغرب في جل هذه البلدان من تكوين نخبة متشبعة بقيمه ومبادئه، استطاعت فيما بعد أن تتحكم في دواليب السياسة والثقافة والاقتصاد، وأن تعطل مسيرة النهوض الحضاري والتجدد طوال خمسة عقود من الزمن. وما دام لم يعد ممكنا اليوم التوسل بأساليب الاستعمار المباشرة والسلطة العسكرية الغاشمة، فقد جاء الإعلام ليؤدي نفس الدور، ولكن من خلال ما يمكن تسميته بالسلطة الرمزية، أو(السلطة الناعمة) بتعبير الياباني "ناي أوونزي" التي أطلقها عام 1999 وعنى بها "القدرة على تحقيق مردود في الشؤون الدولية من خلال الاستقطاب أكثر مما يمكن تحقيقه عبر الإكراه البادي"، وعد من جملتها التأثير الإعلامي الكاسح.
حرب القيم
لقد شكلت إرهاصات العولمة بداية حرب جديدة بأدوات جديدة، والمؤكد أننا في القرن الحادي والعشرين على موعد مع حرب القيم والأنماط الحضارية، وستكون أعنف من جميع الحروب، لأنها ذات أساليب خفية.
وربما كانت العولمة نفسها هي أكثر هذه الأساليب خفاء، فالعولمة في ظل الاختلال الكبير بين الشمال والجنوب لا يمكنها إلا أن تكون احتلالا بغيضا، لأنها في ظل هذا الاختلال بمثابة ضخ المزيد من القوة والحيوية في ثقافة معولمة أصلا بالنسبة للجنوب، وهي الثقافة الغربية، فماذا بإمكان الجنوب تقديمه للغرب باسم هذه العولمة، وتحت شرعيتها العالمية؟ ليس بإمكانه سوى أن يحني ظهره أمام سيل جارف من البث الإعلامي الغربي، والذي يعبر عنه عبارة "التدفق الإعلامي" جيدا، لأن التدفق يعني الانسياب من جهة واحدة، هي هنا العالم الغربي والولايات المتحدة الأمريكية بوجه الخصوص.
خطورة حرب القيم غير المعلنة هذه، كونها تعتمد وسائل الإعلام الحديث قنوات لتسريب سمومها وتصويب سهامها الطائشة نحو الفئات الهشة في العالم الإسلامي، أي الأطفال والشباب من الجنسين، وكون الإعلام اليوم أصبح يغطي مساحة أوسع مما تغطيه الأسرة والمدرسة، والكتاب والنادي، مما أحدث تغييرا في مفاهيم وأساليب التنشئة التربوية والاجتماعية والنفسية. وتستهدف هذه الحرب علمنة الحياة اليومية للشباب العربي، وتغريب وعيه ولسانه أيضا، وإغراقه بشتى أساليب التسلية واللعب والكسل الفكري والعطالة الثقافية، والاغتراب الحضاري لفائدة النموذج الغربي (واحد من ثلاثة شبان عرب يحلمون بالهجرة)!
ويندفع الغرب اليوم في تطوير أساليب التوجيه الإعلامي والبث الفضائي والإذاعي في اتجاه العالم الإسلامي بشكل غير مسبوق، مركزا على فئة الشباب التي تسهل مخاطبة غرائزها ومداعبة أحلامها، وهناك اليوم قوة نارية ضخمة تتشكل من أزيد من 50 محطة إرسال، وتسعين موجة إذاعية، فيما يجري ضخ المزيد من هذه الترسانة الإعلامية الموجهة بالأساس نحو العالم العربي والإسلامي. وبعد الحادي عشر سبتمبر 2001، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تدرك أن الحرب ضد ما تسميه بالإرهاب - وتزعم أن جذوره موجودة في الإسلام- يجب أن تنطلق من البعد الثقافي، ومحاربة البنيات الثقافية في العالم الإسلامي.
وقد شرعت الولايات المتحدة في نهج سياسة إعلامية قوية للتبشير بمبادئها وأفكارها وإشاعتها في صفوف أبناء المسلمين، ففي شهر مايو 2001 تقدم السيناتور الأمريكي تيد كيندي لمجلس الشيوخ نيابة عن عشرة آخرين من أعضاء المجلس بمشروع يحمل اسم " الجسور الثقافية لعام 2002"، ترصد له ميزانية إضافية تبلغ 75 مليون دولار، هدفه احتواء شباب العالم الإسلامي ثقافيا، وصناعة قادة المستقبل في الدول الإسلامية من داخل المؤسسات الثقافية الأمريكية، ضمانا لاستمرار مسلسل التبعية الحضارية، وقال مستشار الأمن القومي في ولاية الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، في شرحه لأهمية إنشاء قناة فضائية إسرائيلية ناطقة بالعربية وموجهة إلى العالم العربي: "إن نصف الشعب في المملكة العربية السعودية تحت سن 30 عاما، وإن هذه الأجيال ليس لها معرفة بالاستعمار ولم تجربه، كذلك لم تجرب الحرب مع إسرائيل، ولم تعرف للقومية العربية انتصارا أو تحقيق آمال وطموحات".
هذه هي الأهداف والمخططات التي تستهدف غزو عقول الشباب في العالم العربي والإسلامي، وضرب مقومات الثبات لديه. وإذا علمنا ضعف أدائنا الإعلامي، وأن 70% تقريبا من مواد وبرامج الفضائيات العربية هي مواد مستوردة من الغرب، أدركنا كم أن المهمة صعبة ومتشعبة، وكم ستكون المعركة ضارية على جبهة القيم.
ــــــــــــــــــــ(42/32)
الإنترنت في العراق منقذ من عنوسة وملل
فتحت عوالم "انترنت" نوافذ كانت مغلقة في عراق صدام حسين, من أبرزها نوافذ الاتصال مع العالم. وكان الثابت في حياة العراقيين لنحو أكثر من عقدين أن أي اتصال مع العالم من دون إشراف الدولة, يعني التجسس على البلاد, فصار "الآخر" عند المواطن العراقي رديفاً للعدو, وهاجساً ينذر بعواقب وخيمة, ولا سيما أن النظام السابق أوقع عقوبات إعدام بالجملة على عراقيين تعاطوا مع أجانب من دون معرفة أجهزته الأمنية.
الآن هناك عراق جديد, أبرز ملامح التغيير فيه, سقوط العزلة والممنوع (العراقيون يسمون بلدهم, بلد المليون ممنوع). وبعد أن دخلت شبكة المعلومات العالمية, "إنترنت", متأخرة إلى البلاد ( عام 2000), أخضعت وسائل استخدامها إلى إشراف مباشر من أجهزة الأمن, وبات بريد أي مواطن تجرأ على استخدم الشبكة تحت رحمة عيون مفتوحة لمخبرين "تسلحوا" بخبرات تقنية لمراقبة ما يتبادله "الإنترنيتيون" في العراق.
ويتصفح العراقيون اليوم مواقع الشبكة من دون مخاوف, متحررين من هواجس عواقب الاتصال مع الآخر, لا بل إنهم باتوا من رواد مواقع غريبة لا تتوقف عند الإباحية الجسدية, وتفننوا أيضاً في إنشاء مواقع تستجيب لوقائع محلية, أبرزها الصراعات المذهبية والقومية والسياسية المحتدمة في البلاد. هناك من يرى في بلدته "مركزاً للدنيا" فيقيم لها موقعاً (الناصرية والكوت والنجف وكربلاء والثورة التي صارت "مدينة الصدر" وكركوك المتنازع عليها بين الأكراد والتركمان ). وثمة مواقع عن طوائف وأقليات ومراقد دينية وعادات وتقاليد.
غير أن للعراقيات خيارات خاصة في تصفح الإنترنت, أبرزها الحديث وبصراحة غير معتادة عبر بوابات المحادثة "تشات" عن الحب والجسد والبحث عن الزواج. والموضوع الأخير في جانب كبير من الأهمية, لما عانته النساء في العراق من العنوسة المرتفعة نسبتها بين العراقيات, وهنا كان الانترنت وسيلة لشابات مغامرات اخترن الشبكة الدولية للحصول على فرص زواج تبعدهن عن شبح العنوسة.
"مجتمع يحتفظ بسرية المعلومات التي تبوح بها المرأة", هكذا تصف الطالبة في كلية الطب في الجامعة المستنصرية, تهاني, مواقع الانترنيت التي تبحث في فرص الزواج, معتبرة إياها "المجتمع الكتوم". وتضيف: "صحيح أنني مع الزواج عبر الانترنيت وأتابع تلك المواقع باستمرار لكنني لا أفضل زواجاً بهذه الطريقة لنفسي فقد وجدت من يحبني وأحبه".
صاحب مقهى انترنت في "حي الجامعة" في بغداد, علي صالح, يقول إن "خدمات الزواج التي تقدمها شركات الانترنت هي واحدة من أفضل الافكار التي ظهرت في القرن العشرين, ومما لا شك فيه أن أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبرى في بحثهم الدائم عن صفقات ساخنة وذلك بوضع أموالهم في مجال قريب من قلوب البشر, وعندما أتحدث فإنني لا أتحدث عن مقهانا فقط بل على مستوى العاصمة بغداد. ولكن, على رغم أن النساء العراقيات بدأن الدخول إلى مواقع الزواج أو برامج "الشراكة مع أي زوج" إلا أن نسبتهن لا تزال ضئيلة".
وفي مقاهي إنترنت أخرى في أحياء بغداد, وتحديداً في "مقهى انترنت الزئبق", كانت الشابة رؤى تحاول إخفاء ارتباكها بعد أن عرفت أن صحافياً يحاول استدارجها إلى الحديث عن ما تفضله في الشبكة, وما الذي ترسله في بريدها الإلكتروني. ولكن الطالبة التي بدأت سنتها الجامعية الأولى, ما لبثت أن تخلصت من الارتباك لتتحدث بصراحة: "أؤيد الزواج عبر الانترنيت إذا وجدت من يمثل فارس أحلامي", فيما يؤكد صاحب المقهى التي ترتاده رؤى "أنها من أكثر اللواتي يدخلن على مواقع الزواج".
"النساء في العراق أكثر من الرجال في تصفح مواقع البحث عن زوج", يقول مقداد عامر صاحب "مقهى انترنيت الخضراء" في بغداد, ويضيف أن "لموقع البحث عن زوج/ زوجة, خصوصية معينة, إذ يتم إعلان جميع المعلومات في البيانات الشخصية للمشترك, وتلغى أي ألفاظ غير لائقة من أجل الحفاظ على بيئة لطيفة طيبة, فيتم الاحتفاظ بالاسم وتاريخ الولادة قيد السرية, ولا يجوز بيع الاسم أو العنوان الالكتروني, أو أي بيانات شخصية, وكل هذا من أجل أن تظل المراسلات سرية".
ويتابع عامر: "عند مقارنة ما يحدث في العالم من زواج عبر الانترنت, وما يحصل في العراق, فان لا مجال لذكر إحصاء عن هذه القضية, فالبعض من النساء لا يحرجه البحث عن الزواج في انترنت, فيما البعض الآخر لا يفكر بهذه الوسيلة بل لا تخطر على باله أصلاً. وفي المقهى الذي أديره قلة من النساء يدخلن تلك المواقع".
الشابة فاتن المتخرجة في كلية العلوم قسم الحاسبات, تقول وهي تتصفح الشبكة في "مقهى الخضراء": "البحث عن الزواج, أمر صعب جداً, فالزواج مسألة مصيرية, ولا أدري كيف تقوم امرأة بادخال الصفات التي تتمناها في الشريك المثالي في قاعدة بياناتها على الانترنيت, هذا إضافة إلى إدخال صورتها الشخصية, ومن ثم يقوم موقع e zawaj.com أو أي موقع آخر بالبحث عن الزوج المناسب, إنه أمر لا يعقل حسب تصوري".
الطالب في كلية العلوم السياسية محمد فاضل, تحدث عن زميلته زينب, ساخراً منها: "ترتاد مقهى الانترنيت من أجل الدخول على مواقع الزواج". غير أن سخرية محمد لم تغير شيئاً في "النتيجة الممتازة" التي حصلتها زينب التي وجدت "شريك العمر" عبر برنامج البحث عن زوج. وتمكنت من إقناع جارها القديم في بغداد (مهندس معماري يعمل في لندن حالياً) بخطبتها, حين أرسلت له صورتها الشخصية, بعد دردشة عن صفاتها وصفاته, وتم الاتفاق بينهما, وقرر المهندس المجيء إلى بغداد من أجل إتمام مراحل تأسيس بيت جديد".
الشابة زينة رعد التي تفضل تصفح مواقع ثقافية وأدبية, تقول: "أدخل إلى تلك المواقع التي تبحث عن الزوج المناسب لكنني لا آخذ المسألة على محمل الجد, بل على سبيل الترفيه والتسلية, لأن الزواج شيء عظيم تحكمه علاقة مدروسة عبر سنين التعارف والاختلاط".
وفي مركز البحوث النفسية في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي, يعلق مدير عام مركز البحوث النفسية الدكتور الحارث عبد الحميد حسن الأسدي (باحث نفسي معروف له مؤلفات كثيرة) على البحث عن زوج عبر شبكة المعلومات: "الانترنت وكل الوسائل الحديثة هي نتاجات التكنولوجيا المتقدمة التي تعد جزءاً من الجانب المادي في حياة الفرد من ناحية, ومن ناحية أخرى فإن الزواج شيء مقدس قوامه وجوهره الجانب العاطفي والمعنوي والأخلاقي, فكيف نستطيع أن نوظف المادة بكل قبحها, في موضوع يتسم بالسمو والقدسية والإنسانية العالية؟".
ويضيف الأسدي: "أعتقد أن هذا الزواج لا يمكن أن يكون ناجحاً وأكرر القول, الزواج رباط بين اثنين يذوب أحدهما في الآخر, من أجل بناء أسرة سليمة, ولا أملك الدلالة الإحصائية حول المتزوجين عبر الانترنت وحول حالات الطلاق من الزواج نفسه, لكنني أقول كباحث نفسي إنه غير ناجح وهنا يأتي دور المؤسسات التربوية, فالمجتمع العراقي بحاجة إلى نواد ثقافية اجتماعية, يناقش فيها الأدب أو الشعر أو العلوم لجعل شبابنا يتعارفون بطرق سليمة وبتوجيه اجتماعي مدروس".
ــــــــ
الحياة 2003/12/9
ــــــــــــــــــــ(42/33)
شباب بريطانيون يعتنقون الإسلام ويطالبون بـ"عودة الخلافة"!
منذ أحداث أيلول (سبتمبر) عام 2001 والغرب ينظر إلى الإسلام نظرة مختلفة. بعضهم خائف, ويتصور أن كل مسلم يساند الإرهاب ويعمل على ترويع الغرب, فيما بعضهم الآخر يبحث في أسباب ربط الإسلام بالعنف. وأدت بعض هذه التساؤلات إلى توجه نسبة من الشباب البريطانيين إلى دراسة الإسلام من خلال التعرف على مجموعات إسلامية مختلفة في بريطانيا... وما أكثرها! من "حزب التحرير" الذي ينادي بعودة الخلافة إلى العالم الإسلامي, إلى منظمة "المسلمون في بريطانيا" التي تعمل من أجل تقبل الدين الإسلامي في المجتمع وتبذل جهوداً مع الحكومة البريطانية لتوعية البريطانيين عن الإسلام. وكان آخر النشاطات في هذا المجال "أسبوع توعية عن الإسلام" الذي نظم بالتعاون مع "المجتمع الإسلامي في بريطانيا" خلال الأسبوع الأول من الشهر الماضي.
وشهدت بريطانيا اعتناق شخصيات بارزة الإسلام, من جو أحمد دوبسون, ابن فرانك دوبسون وزير الصحة البريطاني السابق, إلى سيدة المجتمع جمايما غولدسميث التي أسلمت بعد زواجها من لاعب الكريكت الشهير عمران خان. وتختلف طرق إسلام هؤلاء. الزواج, الأصدقاء, دراسة الدين والسعي إلى معرفة المزيد... وكثيراً ما تساهم مجموعة إسلامية في شكل فاعل في إسلامهم.
ومن المجموعات التي اشتهرت في لندن "أنصار الشريعة" التي يقودها الشيخ أبو حمزة المصري وعرفه المجتمع البريطاني بتأييده العلني لأسامة بن لادن. وقال الشيخ أبو حمزة لـ"الحياة" إن أسباب إشهار شباب بريطانيين إسلامهم تختلف, "بعضها سياسي أو أمني أو ناتج من غضب". وأضاف أن "الاهتمام السياسي لبعض الشباب وخيبة أملهم في الواقع السياسي يقودهم إلى الإسلام" وهذا ما يجذب مجموعة من الشباب البريطانيين إلى "حزب التحرير" السياسي.
ويقول عبد القادر ديفيز (31 عاماً) الذي اعتنق الإسلام عن طريق الحزب, إن الفضل في إسلامه هو "الجانب العملي للإسلام وحزب التحرير شدني إليه". وتعرف عبد القادر, الإنكليزي الأصل, إلى أعضاء في الحزب خلال دراسته في جامعة شيفيلد وهم عرفوه بالإسلام وبمنهجهم السياسي الذي يدعو إلى إعادة الخلافة. وكثير من الشباب الذين يسلمون يتعرفون إلى شباب من عمرهم يدعونهم إلى الإسلام ومن ثم إلى العمل الفعلي للدعوة. ويوضح عبد القادر أنه أعجب بـ"البنية الثقافية التي تسند البنية الروحانية في الدين الإسلامي".
وتعيش غالبية البريطانيين الذين أسلموا بسلام في مجتمعها إلا أن بينهم من يؤيد تنفيذ عمليات عنف. وتصدرت هذه القصص, كغيرها من القصص المثيرة للجدل, الصحف البريطانية. وجعلت هذه الحوادث بعض البريطانيين يربطون بين الإسلام والإرهاب. ويشير عبد القادر في هذا السياق إلى تعليق زوجة والده بعد أن رزق بولد: "هل ستبعثه ليفجر نفسه؟". ويقول إن تعليقها الساخر جعله يفكر أن "الصراع الآن فكري ولكن الجهاد الحقيقي هو حمل السلاح وعندها سأحاول جهدي".
ويقول عبد الله الذي أشهر إسلامه عام 1998 ويدعو الآن إلى الإسلام من طريق الخطب وعبر الإنترنت, إنه قرر أن يعتنق الإسلام كي يجد "ما ينقذني من حال اليأس التي وصلت اليها". وكان عبد الله يعاني من مشكلات شخصية, والإفراط في شرب الكحول والانفصال عن زوجته وفقدان وظيفته, ما جعله يبحث "عما هو أفضل". ويضيف: "بعد خوض تجارب عدة وقراءة كتب عن مختلف الأديان والأفكار, كانت قراءتي للقرآن الخيار الأخير, عندما قرأت القرآن قلت لنفسي: وجدت ما كنت أبحث عنه".
ويقول عبد الله إن نظرة الاستغراب إلى الغربيين الذين اعتنقوا الإسلام لا تنحصر في المسلمين فقط: "عندما كنت مسيحياً وآخذ الإنجيل معي للقراءة في مكان عملي, كان ينظر الآخرون إليّ كإنسان غريب الأطوار ويبتعدون عني". ومثل هذه التجارب تدفع البعض إلى المزيد من العزلة عن المجتمع العام, فعبد القادر لا يصادق إلا المسلمين وعائلة عبد الله رفضت تقبل إسلامه. وفي الأساس لم تكن علاقته بها جيدة.
ولكن كل التجارب ليست متشابهة، حمزة يونغ (25 عاماً) وأصله من هونغ كونغ, أسلم قبل 4 أعوام بعد مصادقة مسلمين في الجامعة. وسكن حمزة مع والدته غير المسلمة أشهراً قليلة. ولا يرى مشكلة في التعامل مع غير المسلمين ويرى أن كل عضو في "حزب التحرير" "سفير يعمل من أجل عودة الخلافة ومن أجل حماية الهوية الإسلامية". ويرى حمزة أن "قيمنا وهويتنا تهاجم وهذا يجبر المسلمين على سؤال: هل نحن مسلمون أم بريطانيون؟". وعند توجيه السؤال نفسه إلى حمزة, يجيب: "بريطانيا مثل غيرها من أراضي الله. ارتباطنا الأول بالإسلام. وما يربطنا غير هذا إلا المصالح المادية".
ويتحدث جمال (43 عاماً) عن إشهار إسلامه قبل 17 عاماً وعن عدم مواجهته مشاكل مع عائلته أو مكان عمله. ويؤكد بثقة عدم وجود اصطدام بين هويته الإسلامية والبريطانية إذ "إننا نعيش في دار الكفر ولكننا نعمل من أجل تغيير هذا, ووجودي هنا يعني أنني أستطيع العمل العلني من أجل هذا". ويعترف جمال بأن الحريات التي يعطيها قانون الدولة البريطانية تسمح له بممارسة دعوته. لكنه يعمل من أجل تغييرها في أية حال.
ولا يلتحق كل من يسلم بجماعة إسلامية أو تنظيم معين. فمايكل يونغ أسلم بعد السفر في بلدان عربية عدة, وبعد التعرف إلى سيدة مسلمة قرر اعتناق الإسلام ليتمكن من الزواج بها. لكنه يؤكد أن تعرفه إلى زوجته كان نقطة التعرف على الدين وليس السبب الرئيسي. ولد مايكل لعائلة كاثوليكية تقبلت اختياره الشخصي, خصوصاً أن والديه متمسكان بالكاثوليكية ودرسا الأديان السماوية. وفي حديثه يبدو مايكل مرتاحاً بخياره وهويته كمسلم بريطاني: "لا يوجد صدام بين كوني مسلماً وبريطانياً. فلم أتغير كلياً, ما زلت ألبس الملابس نفسها ما دامت العورة مغطاة, ولم أغير اسمي لأن الاسلام لا يستدعي ذلك". ويضيف أنه ضد السياسات الخارجية لبريطانيا "حتى إن لم أكن مسلماً, فالسياسة منفصلة عن الدين بالنسبة إلي" حسب قوله. ويحاول توعية البريطانيين وغيرهم حول أخطاء هذه السياسات عبر كتاباته من خلال شبكة الإنترنت. ويشير إلى موقع "إسلام أون لاين" الذي يتيح له فرصة التعبير عن رأيه والتواصل مع من يريد معرفة المزيد.
ـــــــــ
الحياة 2003/11/25
ــــــــــــــــــــ(42/34)
"متدينو المناسبات" يستغلون رمضان للتكفير عن باقي الشهور!
يمكن اعتبار شهر رمضان في الجزائر "الفرصة الذهبية" التي لا تفوتها شريحة عريضة من الشباب للتقرب من الله وطلب التوبة والغفران منه، أملاً في مسح ذنوب السنة. ويظهر ذلك من خلال السلوكيات المنضبطة التي تميز هؤلاء الشباب منذ بداية الشهر حتى نهايته، إذ تتحول المساجد قبلتهم المفضلة بعد أن كانت المقاهي ومحال الانترنت تستهلك من أيامهم الوقت الطويل والمال الكثير.
اللافت أن هؤلاء الشباب أو "متديني المناسبات" كما يسميهم بعضهم، يحرصون طوال أيام رمضان على مراقبة أدنى تصرفاتهم سواء في الشارع أم في الجامعات والأسواق. وإذا كانوا يسمحون لأنفسهم خلال أيام السنة العادية بمعاكسة الفتيات ومضايقتهن، فإنهم يكتفون خلال أيام رمضان بترديد عبارتي "اللهم إني صائم" و"استغفر الله" كلما شاهدوا ملامح فتاة جميلة أو متبرجة. وإذا تعودوا خلال أيام السنة على التمتع بالاستماع إلى أغاني "الراي"، أو مشاهدة الأفلام والمسلسلات الآتية من وراء البحار، فإنهم في المقابل يكتفون خلال أيام الصيام بالاستماع إلى أشرطة القرآن، ومتابعة الحصص الدينية التي تبثها القنوات الفضائية المتخصصة.
وعلى رغم السهرات الفنية والحفلات المتنوعة التي تشهدها ليالي رمضان، ولا سيما في المدن الجزائرية الكبرى مثل العاصمة وهران وعنابة، يفضل عدد كبير من الشباب قضاء سهراته بعيداً من صخب الموسيقى وفتنة الجنس الآخر، تفادياً لارتكابهم أي "ذنب" يكون السبب في بطلان صيامهم، فتجدهم يختارون الجلوس في جماعات يغلب على أحاديثها الطابع الديني، وآخر فتاوى الدعاة، وأحياناً عن أحدث موديلات السيارات أو نتائج مباريات الدوري لكرة القدم.
رفيق (24 عاماً) يعترف بأنه عاد خلال هذا الشهر إلى أداء فريضة الصلاة، كما أنه أطلق لحيته، على رغم حرصه المعتاد والشديد على تشذيبها يومياً قبل الخروج من البيت. ويقول رفيق: "ينتابني شعور غريب في هذا الشهر الكريم، أحس أكثر من أي وقت بضرورة التقرب من الله، لذلك أحس بأن سلوكياتي تتغير وأصبح أكثر هدوءاً من المعتاد. كما أنني أقضي على غير عادتي معظم أوقاتي في البيت لمتابعة الحصص الدينية أو المسلسلات التاريخية بينما اختار أداء صلوات اليوم في المسجد برفقة أصدقائي".
الشعور نفسه ينتاب وداد (23 عاماً) التي تقول إن برنامجها اليومي خلال شهر رمضان يتغير تماماً بحيث إنها تقضي غالبية أوقاتها بين الجامعة والمكتبة والبيت، عكس الأيام الأخرى التي تسمح لنفسها خلالها بالبقاء لمدة طويلة مع زميلاتها في الجامعة على رغم انتهاء مواعيد المحاضرات. وترى وداد أن شهر رمضان يعتبر مناسبة لا يجب تفويتها للتكفير عن الذنوب والتقرب من الله، لذلك فهي تحرص يومياً على أداء صلاة التراويح في المسجد برفقة والدتها وشقيقتها.
وإذا كان رفيق ووداد يعتبران مثالاً للكثير من الشباب الجزائريين الذين يشعرون بالرغبة القوية في التقرب من الله، وأداء فريضة الصوم من دون المساس بمشاعر الغير أو إلحاق الأذى بهم، فإن شباباً آخرين يتحولون خلال شهر رمضان إلى أئمة أو دعاة حتى إنهم لا يجدون حرجاً في تقديم النصائح والإرشادات لزملائهم وزميلاتهم، كأن يقولوا لأحدهم "كف عن التدخين" أو لإحداهن "لماذا لا ترتدين الحجاب؟"، وغيرهما من النصائح التي أشارت إليها نبيلة، وهي طالبة في كلية الإعلام والاتصال في العاصمة.
وتعرب نبيلة عن استغرابها من التغير الكبير الذي طرأ على بعض زملائها في الجامعة بحلول شهر رمضان، وتقول: "لم أكن أتوقع أن يقول لي أحد الزملاء انني أتعب نفسي بالصيام سدى، لأنني لا أرتدي الحجاب ولا أصلي". وتضيف: "بصراحة أنا لم أفهم هل كان زميلي يريد إحراجي أمام بقية الزملاء أم أنه كان يمزح فقط! لكن الأمر المؤكد هو أن طريقة كلامه معنا تغيرت، وأصبح منذ بداية رمضان يتفادى قدر الإمكان الحديث مع البنات. وحتى إذا تحدث معهن، فيكون كلامه مجرد ملاحظات قاسية أو نصائح".
ولا ينفي عبد القادر مصباح وهو إمام مسجد، أن نسبة الشباب المقبلين على المسجد ترتفع بنسبة كبيرة خلال شهر رمضان، لا سيما في الليل لأداء صلاة التراويح. ويقول عبد القادر إنه يستقبل يومياً عشرات الشباب الذين يسألونه عن أمور الدين، ويستفسرون منه عن الأشياء التي يتوجب عليهم تفاديها خلال هذا الشهر. وعلى رغم ارتياحه لهذا الاهتمام الكبير بالشعائر، يأسف "لأن الإقبال غير دائم ويرتبط فقط بشهر رمضان".
ــــــ
الحياة 2003/11/11
ــــــــــــــــــــ(42/35)
كيف يصبح المراهق صاحب قرار؟
يتخذ المرء الكثير من القرارات والاختيارات يومياً. وهدف الأهل عادة هو إيصال أبنائهم إلى حياة مليئة بالنجاح والقدرة على اتخاذ القرارات السليمة وتحمّل مسؤوليتها.
وفي حين يتخوف بعض الأهل من القرارات التي يتخذها أبناؤهم لعدم ثقتهم بقدرة هؤلاء على التمييز بين الصح والخطأ، ولاعتقادهم بأنهم الوحيدون القادرون على تحديد مصلحة أولادهم.
يشعر بعض المراهقين بالخوف وعدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب لأنهم لم يتعلموا كيفية تحمل المسؤولية في حياتهم ويشعرون بأنهم غير مؤهلين لاتخاذ القرارات الصحيحة. وإذا لم نعلّم المراهقين كيفية اتخاذ القرارات والتعامل مع انعكاساتها ونتائجها نرتكب بحقهم خطأ جسيماً ونسيء إليهم إساءة كبيرة لأن على الأهل إدراك أن أولادهم - عاجلاً ام آجلاً - سينفصلون عنهم ويعيشون بمفردهم.
وتأهيل المراهق لاتخاذ القرارات المناسبة هو الحل الأمثل، لينمو في بيئة سليمة، متمتعاً بالثقة لتحقيق النجاح. لأنه إذا لم يثق المراهق بقدرته على اتخاذ القرارات المناسبة سيعاني طوال حياته من عدم القدرة على تحمل المشكلات أو حلها. ومن الطبيعي أن يسعى المراهقون للوصول إلى قرارات خاصة ويرفضوا الخضوع لتدخل الأهل في حياتهم.
وليستطيع ابنك المراهق الوصول إلى القرار السليم، يمكنك أن تساعديه عبر التأكيد على أن اتخاذ القرار ليس صعباً أو محاطاً بالضغوط إلا أنه يتطلب وقتاً حتى لا يقع في الخطأ. ويمكنك مساعدته عبر تحديد بعض الخطوات التي يمكنه اتباعها. ومن خلال إجابته عن بعض الاسئلة التي تساعده على رسم الطريق الصحيح والسليم لاتخاذ القرار المناسب:
1- تعريف المشكلة: ما هو القرار الذي يجب اتخاذه؟ علّميه أن يضع تعريفاً موجزاً للقرار الذي يحتاج إليه.
2- تحديد الوقت: لماذا يجب اتخاذ هذا القرار الآن؟ ما الذي يفرض عليه اتخاذ هذا القرار؟
3- التحقق من نتائج التأخير: ما الذي يحصل إذا تأخر بالوصول إلى قرار؟ وما هي عواقب هذا التأخير؟
4- تحديد النتائج المرجوة: ما الذي ينتظره من هذا القرار؟ وما هي النتائج المرجوة جراء اتخاذه؟
5- الخيارات: ما هي الخيارات التي يفكر بها؟
6- الحلول: على المراهق أن يضع أمامه جميع الخيارات المتوافرة لديه ويبدأ بالتفكير بأنسبها. وإذا لم تكن الخيارات على قدر النتائج المتوخاة. وشعر المراهق بأن أياً من هذه الخيارات غير صحيح، وأنه لم يعد يرى خياراً آخر. يمكنه الابتعاد عن المشكلة ومناقشتها مع شخص آخر أو الأخذ برأي ثانٍ لأنه من الممكن أن يستطيع الآخرون مساعدته.
7- تحليل الخيارات: ما هي عواقب كل خيار؟ على المراهق تعريف كل خيار وتحديد انعكاساته؟ ما الذي سيزعجه باعتماد هذا الخيار وما الذي سيخسره؟ وما الذي سيشعر به إذا خسر هذا الشيء؟
8- تعريف النتائج: على المراهق إدراك نتائج خياره الذي سيتحول إلى قرار وهل هو بصدد تحمل مسؤولية هذا القرار؟ وعليه استبعاد الخيارات التي ستعرضه للخسارة أكثر من الربح.
9- الاختيار: على المراهق اختيار ما يراه الأفضل له. ولا بد له من الإدراك أنه لن يستطيع إطلاقاً الجزم بمدى صحة هذا القرار. ولذلك يمكنه اتباع حدسه في هذا الموضوع.
10- التأكيد على الخيار: لماذا يشعر بأن هذا هو الخيار الصحيح؟ ما الذي دفعه إلى هذا الشعور؟ ومن الطبيعي أن يكون جواب المراهق عن هذا السؤال أن هذا مجرد إحساس.
11- مدى صحة الخيار: ماذا بعد اتخاذ القرار؟ معظم الناس يعتقدون أنه بمجرد اتخاذهم قراراً ما، سيعيشون مع انعكاساته مدى الحياة. ولكن الحقيقة أن هذا القرار أو ذاك ليس إلا خطوة في طريق الحياة، لأن أي قرار يتخذ هو جسر عبور إلى مرحلة ثانية في الحياة. وإذا اكتشف المراهق أن قراره غير صحيح ما عليه إلا التفكير بأنه حصل على معلومة تفيده لاتخاذ قرار مقبل في حياته. وإذا شعر بأنه لا يمكنه العيش مع ما سينتج عنه فعليه ألا يأخذ به.
ـــــــ
الحياة 2003/10/18
ــــــــــــــــــــ(42/36)
أتوب ثم أعود للمعصية فماذا أفعل؟
سؤال:
أنا شاب في التاسعة عشرة من عمري، وأنا - ولله الحمد - أعد من الشباب الصالح ومن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. ولكنني زامنت معصية منذ بضع سنين كلما تركتها رجعت إليها، وأعزم على التوبة وأسمع كلام الوعاظ فتزداد عزيمتي، ثم بعد أيام تطول أو تقصر أعود إليها فأسرع إلى ذلك فبماذا تنصحني؟
الجواب:
أولا ينبغي عليك ألا تيأس من روح الله: (إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون). (قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون). فعليك أن تتوب مرة أخرى وثانية وثالثة وعاشرة، ومن تابَ تاب الله عليه، ومن تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه، وربما يقبضك الله تعالى على توبة؛ فإن الشيطان يأتي أحيانا لبعض الشباب ويقول: لا داعي للتوبة وأنت تعرف أنك ستنقضها. نقول: لا... بل تب ولعلك ألا تنقضها.
وفي الصحيح أن رجلا من بني إسرائيل أسرف على نفسه وعمل ذنبا. ثم قال: ربي إني أذنبت فأغفر لي، فغفر الله له. ثم فعله أخرى فقال: ربي إني أذنبت فأغفر لي، فغفر الله له. ثم فعله ثالثة فقال: ربي إني أذنبت فأغفر لي، فقال الله عز وجل: علم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به، افعل ما شئت فقد غفرت لك.
لا تقل ربما أكون مثل هذا الإسرائيلي فتسرف على نفسك، من يدريك؟ قد يقول الله تعالى: لا، لا أغفر لك لأنك مصر على الذنب أو لأنك مسرف على نفسك، أو لأنك عالم أو غير ذلك.
فلا تغتر بحلم الله عز وجل ، ولكن تأخذ من هذا الحديث أن تكرار الوقوع في الذنب لا يمنع من تكرار التوبة. وإذا أسرع العبد إلى الذنب ثم تاب أسرع الله إليه بالقبول، والله تعالى لا يرجع في شيء أعطاه الإنسان، فإذا محى عنك ذنوبا سالفات فإنه لا يعيدها في صحيفتك لأنك رجعت إلى الذنب.
ولذلك فإن ما يشاع ويقال من أن ذنبا بعد توبة أشد من سبعين ذنبا قبلها، هذا ليس بصحيح ولا يصح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا عن غيره، وليس معناه بصحيح أيضا.
بل الذنب بعد التوبة هو الذنب قبلها ما لم يكن العبد مستخفا مستهترا مستهزأ بالمعصية وبمن عصاه.
أمر آخر عليك أن تعرف لماذا تقع في الذنب؟ فإن كان وقوعك فيه لجلساء سوء فاجتنبهم. وإن كان وقوعك فيه لعمل تعمله، وظيفة أو دراسة أو غيرها فحاول أن تغير هذا العمل.
وإن كان لأنك تنظر مثلا فتجنب النظر، فانظر إلى الباب الذي تأتيك منه الريح فسده لتستريح، فعليك أن تعلم السبب لتسعى إلى إزالة السبب حتى ينقطع عنك الداء بالكلية.
أمر ثالث عليك أن تقاوم ذلك بكثرة الطاعات فإن الطاعة تقاوم المعصية، والخير يقاوم الشر، والنفس إذا شغلتها في الخير انشغلت به وإلا شغلتك بالباطل. فعليك أن تكثر من الطاعات وتنشغل بأعمال البر الصالحة.
أولا لتشغلك عن المعصية.
وثانيا حتى في حال وقوعك في المعصية لتقاوم أثرها، والله عز وجل يقول: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل. إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين).
إن الحسنات يذهبن السيئات، يذهبنها من صحائف الأعمال. ولهذا قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : (وأتبع السيئة الحسنة تمحها). فتمحى السيئة بالحسنة التي تكون بعدها.
وتُذهب الحسنات السيئات أيضا وتمحو أثرها من قلبك، فكثرة الطاعة والصلاة والذكر والتسبيح تمحو أثر المعصية، السواد الموجود في قلبك والقسوة والجفاف، فيكون في قلبك نور وإيمان وإشراق.
وتمحو أثرها من حياتك أيضا فتجد توفيق الله تعالى وتأييده لك إذا أقبلت على الطاعات.
وأظن معصيتك من معاصي الشهوات مثل الوقوع في العادة السرية أو نحوها فهي أكثر ما يشتكى منها. فعليك أن تسعى إلى تحصين نفسك بالزواج المشروع وبذل الأسباب في ذلك بقدر ما تستطيع، فإن لم تستطع فعليك بتناول الدواء النبوي: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).
ــــــــــــــــــــ(42/37)
معاناة النشء الفلسطيني الدراسية في ظل الاحتلال
تدور الأرض حول محورها، والكل في سبات عميق، ما عدا جندي إسرائيلي متيقظ لطفل حمل حقيبته المدرسية بأقلامه وكتبه ودفاتره، متجها صوب مدرسته التي اخترق الرصاص جدرانها، أو شطرت شظايا الصواريخ جدرانها، فإن غافل الجندي نجا وواصل طريقه إلى مقعده في الفصل وبجواره مقعد شاغر زينته أكاليل الزهور لزميل له نال منه رصاص جنود الاحتلال أثناء لهوه أمام ساحة بيته أو أثناء عودته أو ذهابه للمدرسة.
مراسل "الشبكة الإسلامية" في الأراضي المحتلة رصد معاناة النشء الفلسطيني الدراسية العام الماضي في ظل ظروف الاحتلال والقمع اليومي في التحقيق التالي:
أطفال رحلوا بلا عودة
تفيد المجموعة الفلسطينية للحفاظ على حقوق الإنسان أنه قد استشهد 294 طفلا فلسطينيا خلال العامين الماضيين من الانتفاضة برصاص جنود الاحتلال، وهؤلاء لن يصلوا مرة أخرى للمدرسة.
وفي العطلة الصيفية استشهد 23 طفلا بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي، سبعة منهم استشهدوا في شهر تموز، و16 آخرون في آب.
جميل وأحمد أبو عزيز استشهدا من قذيفة دبابة أثناء ركوبهما على دراجتهما الهوائية في شوارع جنين.
وفي ظل هذه المعطيات فإن كل أم فلسطينية ترسل أطفالها إلى المدرسة في الشوارع التي تتجول فيها الدبابات والآليات العسكرية والمجنزرات تعرف أنها تعرضهم لخطر كبير.
وإلى هؤلاء الشهداء يضاف طبعا الأطفال الجرحى الذين بلغوا 2610 جريحا والمعوقون الذين لا يعرف أحد عددهم الدقيق، والذين لا يوجد للأغلبية منهم فرصة للحصول على علاج تأهيلي معقول.
هناك مثلا الصبي نور إسماعيل الذي فقد ساقيه نتيجة لانفجار غامض بجانب بيته حيث استشهد أخواه فيه، وهو الآن يلازم منزله بينما لا يستطيع والداه شراء ساقين صناعيتين له.
كما أن مصير الأطفال الأصحاء يبعث على الأسى، فقد قضوا أغلبية العطلة الصيفية تحت حظر التجوال مسجونين في اكتظاظ وقيظ في منازلهم ومن دون ألعاب مسلية في العادة أو حاسوب أو ألعاب تلفزيونية أو كتب، وبعضهم تقريبا موجود في وضع اعتبرته وكالة الإغاثة الأمريكية "وضع سوء تغذية".
أغلبهم يحظون فقط بالطعام الأساسي - الخبز والأرز والزيت- دون خضار أو فواكه أو لحوم أو منتجات الحليب، أما الحلويات وغيرها من المسليات الطفولية فحدث ولا حرج.
في مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين مثلا كان الأمر المثير الوحيد في عطلة الأطفال الصيفية المنصرمة هو رشق الحجارة اليومي على المجنزرات التي تعلن عن فرض حظر التجول، وهذه كانت لعبة خطيرة.
خلال أيام حظر التجول شاهد الأطفال أهاليهم وهم يجلسون عاطلين عن العمل مهانين أذلاء ومحبطين، بينما كانوا مسجونين في منازلهم، شاهد بعضهم من النوافذ أطفال المستوطنين وهم يسبحون ويمرحون في برك السباحة الخاصة بهم في الوقت الذي لا توجد فيه مياه للشرب في صنابير منازلهم إلا مرة في الأسبوع.
في الأيام التي فرض فيها حظر التجول حكم على هؤلاء الأطفال بأن يسجنوا في مدنهم وقراهم دون أي إمكانية للخروج لزيارة صديق أو قريب في القرية المجاورة.
الكثير من هؤلاء الأطفال يعانون أيضا من الصدمات النفسية، فمشاهد الدمار والقتل التي شاهدوها في مخيم جنين للاجئين أو في حي الدرج بغزة حيث ألقيت قنبلة بوزن طن، ستبقى محفورة في ذاكرتهم إلى الأبد، وحتى من لم يشاهد القتل والدمار عن كثب فقد تعرض للمشاهد المريعة التي تبث بلا توقف على شاشات التلفاز.
بعض المدارس أيضا تضررت حسب معطيات وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، فقد لحق الضرر بـ 145 مدرسة من رصاص ونيران جيش الاحتلال، فمدرسة عبد المجيد تايه في ضواحي طولكرم مثلا والتي حظيت في السنوات الأخيرة باسم مدرسة السلام دمرت جزئيا من قذائف الدبابات، وقسم من المعلمين لم يستطع الوصول إلى المدرسة بسبب حظر التجول أو الحصار، كما أن التلاميذ يمنعون في مرات عديدة من الوصول إلى المدارس وستتشوش السنة الدراسية مرة أخرى بصورة كاملة.
وتقول ديما السمان مدير العلاقات العامة والإعلام في وزارة التربية والتعليم العالي: "أصدر جيش الاحتلال أوامر عسكرية بإغلاق سبع مدارس، وعطل التعليم في 850 مدرسة، وتم اقتحام 197 مدرسة و3 مديريات تربية وتعليم، واستمر في تحويل ثلاث مدارس في الخليل إلى ثكنات عسكرية، وما زال يحتل 52 مدرسة محولا إياها إلى معتقلات، كما تم اعتقال 166 طالبا و57 معلما.
طريق الموت
ولم تشفع البراءة لطلبة المدارس بزيهم المدرسي عند محاولتهم المرور عبر الحواجز الإسرائيلية للحاق بمدارسهم في الموعد المحدد.
فطلبة المدارس الذين لا يملكون سلاحاً أقوى من القلم والكتب المدرسية تبوء محاولاتهم بالفشل الذريع في إقناع الجندي الإسرائيلي المدجج بالسلاح لعبور الحاجز العسكري، إذ يقابلهم بكلمتين فقط: "ممنوع الدخول".
وكان "محمد" الطالب في الصف السادس الابتدائي وصل حاجز كوبرا العسكري على طريق طوباس- تياسير في السادسة صباحاً، حتى يتمكن من الوصول إلى مدرسته في الموعد المحدد، لكنه فشل في تحقيق رغبته البسيطة، كالعشرات من الطلبة القادمين من قرية المالح، ومضارب البدو في واد المالح وعين الحلوة.
وأضاف محمد أنه اضطر وزملاؤه إلى الالتفاف على الحاجز العسكري وإكمال الطريق سيراً على الأقدام، رغم ما يكتنف رحلتهم من تعب ومشقة.
وتقول الطالبة سهاد في الصف العاشر: إن فرض هذه الإجراءات التعسفية كان من شأنه حرماني من حقي في إكمال تعليمي قبل عامين، ولكن بالتحدي والإرادة ومساعدة الأهل، فشلت الحواجز والممارسات التعسفية في النيل من إرادتي.
وأشارت سهاد إلى أن فتيات كثيرات من منطقة المالح ومضارب البدو الرحل، حرمن من التعليم بسبب الظروف غير الطبيعية والمخاطر الكبيرة، والتي لا يحتملها ذوو الطلبة، مشيرة إلى أن تفوقها ومرافقة أخيها لها شكلا العامل الرئيس في إقناع والديها بمواصلة مسيرتها التعليمية.
وأكد السيد مثقال بني عودة مدير مدرسة تياسير الأساسية للذكور"أنه من شأن هذه الإجراءات التعسفية التي تتمثل في إغلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي للطرق الأساسية، أن تؤثر سلبياً على التحصيل العلمي للطلبة، حيث يضطر الطلاب إلى السير على الأقدام والانتظار لساعات طويلة على الحواجز العسكرية، مشدداً على أنهم لا يملكون سلاحاً أقوى من كتبهم المدرسية للسير على طريق الموت والآَلام للحاق بمدارسهم.
معلمون تحت الشمس
ويعيق جنود الاحتلال عند الحواجز مرور المعلمين في الطريق إلى مدارسهم أو في طريق عودتهم بعد انتهاء اليوم الدراسي، ويضطرونهم للوقوف ساعات طويلة تحت أشعة الشمس المحرقة.
فبينما تعامدت الشمس على الأرض كان طابور طويل من المدرسات يمتد أمام حاجز حوارة العسكري بانتظار السماح لهن بالمرور إلى مدارسهن جنوب وشرق مدينة نابلس.
أربع ساعات من الانتظار أصابت المعلمة عايدة أبو ذراع بضربة شمس سقطت على إثرها أرضا، فسارعت زميلاتها اللواتي أرهقهن طول الانتظار إلى رش وجهها بالماء، إلى أن وصلت سيارة إسعاف ونقلتها إلى المستشفى.
تقول إحدى المعلمات : "لقد وصلنا معا إلى الحاجز عند السابعة صباحا، ومنذ ذلك الوقت ونحن ننتظر في طابور طويل".
وأضافت : "لقد أبلغونا أن باستطاعتنا المرور عبر الحاجز، وعندما وصلنا إليه تبين أن الأمر ليس بهذه السهولة، فقد احتجزونا منذ الصباح، حتى ساعات الظهر عند اقتراب موعد الدوام الرسمي على الانتهاء دون أن نتمكن من الوصول إلى مدارسنا".
وكان الجانب الإسرائيلي قد أبلغ الارتباط الفلسطيني بأنه سيتم السماح للمعلمين والتلاميذ بالمرور عبر الحواجز العسكرية إلى مدارسهم، لكن عند التطبيق تلاشى كل شيء.
وقد تعمد الجنود الإسرائيليون إعاقة مرور المعلمين والتلاميذ على السواء عبر الحواجز.
وروى سكرتير مدرسة فدوى طوقان الثانوية في نابلس إبراهيم طاهر أنه حاول الدخول إلى نابلس من ثلاثة مداخل ولم ينجح سوى في المرة الأخيرة.
وقال طاهر الذي يقيم في قرية وادي الباذان الواقعة على بعد سبعة كيلو مترات شمال نابلس : "تحركت من منزلي عند الخامسة صباحا ووصلت عند الحادية عشرة بعد أن سرت في طرق التفافية طويلة".
وتابع يقول : "لقد حاولت دخول المدينة من حي المساكن الشعبية شمالا، فأطلقت دبابة ترابط على مدخل المدينة النار علينا، عندها عدت إلى قريتي وسلكت طرقا أخرى باتجاه قرية زواتا غربا، فوجدت مجموعة من المعلمين عائدين بعد أن منعهم الجنود من المرور، فعدت معهم وتوجهنا إلى الأغوار ومنها إلى مدخل شرق نابلس حيث تمكنا من الدخول بعد الالتفاف حول دبابة تغلق الطريق".
وقد تعرض مدير المدرسة ذاتها مصطفى الحشايكة وهو من قرية طلوزة لتجربة مماثلة، وقال : "لقد سرت ثلاثة كيلو مترات حتى تمكنت من الوصول إلى المدرسة".
وأضاف : "نصف المعلمين من القرى لم يتمكنوا من الوصول، فيما تأخر من حضروا عن موعد الدوام لعدة ساعات.
والأمر ذاته ينطبق على طلبة المدرسة القادمين من القرى الذين لم يتمكن سوى عشرة بالمائة منهم من الوصول حسب المدير.
وقالت جمان قرمان، مديرة التربية والتعليم في نابلس التي تخضع لنظام حظر التجول عليها منذ ما ينوف عن شهر ونصف، إن المعلمين والمعلمات والطلبة يواجهون صعوبات كبيرة في الوصول إلى مدارسهم.
وتابعت : "نحن أمام امتحان الإرادة ولن نستسلم أمام أية إعاقة وتأخير، وسنواصل أداء رسالتنا مهما كلفنا الأمر".
وفي جنين تحول إجراءات قوات الاحتلال دون وصول عشرات الآلاف من الطلبة والمعلمين إلى مدارسهم".
ففي مدينة جنين لم يتمكن جميع طلبة المدينة ومخيمها من الوصول إلى مدارسهم بسبب حظر التجول الذي فرض في اليوم الأول من العام الدراسي الجديد.
وقال مدير التربية والتعليم في جنين محمد أبو الرب: إن حظر التجول حال أيضا دون وصول معلمين وطلبة من وإلى مناطق سكنهم ومدارسهم".
ذكريات أليمة
وقد بدأ الطلبة عامهم الدراسي الجديد قبل نحو أسبوعين بتذكر زملائهم الذين استشهدوا وفارقوهم إلى الأبد، وأولئك الغائبين بسبب الاعتقال أو إصابتهم برصاص قوات الاحتلال.
فقد عادت طالبات مدرسة قرطبة في الخليل ليجدن مقعد زميلتهن نيفين جمجوم (14 عاما) فارغا، وهي التي استشهدت خلال العطلة الصيفية في نهاية شهر تموز من العام الماضي.
وعاد طلاب مدرسة ذكور "بيت أمر" الثانوية في المدينة ليجدوا أكاليل الزهور تزين مقعد زميلهم الشاب مراد جمال علقم الذي استشهد في الرابع من حزيران العام الماضي.
ووصف جهاد عوض مدير مدرسة بيت "أمر الثانوية" عودة الطلبة إلى المدرسة في غياب زميلهم بقوله: "من الصعب تصور حالة الطلبة النفسية والذهنية حين يعودون إلى صفهم الدراسي ويجدون مقعد زميلهم فارغا".
والآن ماذا تبقى لهؤلاء الطلبة فلا يوجد لهؤلاء الأطفال ما يتوقعونه من حياتهم أصلا، وكل هذه الأمور ستحمل في صدور الأطفال الفلسطينيين، بينما لن يقتصر ثمن ذلك عليهم وحدهم.
ــــــــــــــــــــ(42/38)
البطالة .. قنبلة موقوتة
مثل بقية دول العالم، فإن البطالة تمثل مشكلة حقيقية تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية.. غير أن مؤشرها البياني الذي يتجه بانتظام نحو الأعلى -وسط غياب معلومات حقيقية عن حجم المشكلة وأسبابها- يجعل منها مرضا مستعصيا على العلاج يصيب بصورة خاصة معسكر الشباب.
في مصر.. ورغم التجارب التنموية الرائدة التي بدأت مع بداية القرن العشرين المنصرم إلا أن مؤشر البطالة واقف عند مستوى معين هو 11% حسب الإعلانات الحكومية، و20% حسب تقديرات مراكز الأبحاث الخاصة، وفي الحالتين فالنسبة مرتفعة وخطيرة، غير أن الفارق بين الرقمين يشير إلى أن القضاء على هذه المشكلة لن يكون في المستقبل القريب طالما أن المهتمين بها لم يستطيعوا بداية الاتفاق على حجمها.
والشباب العربي يعاني اليوم أنواعا من البطالة، أبسطها هو "البطالة الصريحة" التي يعجز فيها الشاب عن العثور على عمل نافع بأجر مناسب، وأبشع صورها هو "البطالة المقنعة" التي يحصل فيها الشاب على وظيفة لا هي نافعة للمجتمع، ولا هي تدر عليه العائد الذي يجزيه ويكافئ جهده الذي بذله طوال عقد ونصف من التعليم، وبين هذين النوعين هناك البطالة الموسمية والبطالة التكنولوجية، وهما نوعان بدآ في الظهور مع تبلور ملامح العولمة.
ولكننا لا نريد أن نستغرق في التحليل السياسي والاقتصادي للبطالة ووسائل القضاء عليها، بل نريد أن نتوقف عند آثارها الاجتماعية وأسباب زيادتها وانتشارها، وهنا يمكننا أن نرصد الأخطار الاجتماعية التالية:
1. زعزعة الانتماء للوطن والولاء للدولة، وذلك لأن الحاجة إلى العمل من أجل الغذاء والكساء تقع على رأس هرم الحاجات الاجتماعية الأساسية، ومن وجهة نظر أي شاب فإن الوطن الذي لا تتوفر فيه هذه الاحتياجات الأساسية، والدولة التي تعجز عن حل هذه المشكلة لا يستحقان الانتماء لهما والتضحية من أجلهما.
2. اهتزاز السلام الاجتماعي، فالشاب الذي يعاني من البطالة لن يمنع نفسه من "ممارسة" الحقد والكراهية تجاه أولئك الذين حصلوا على فرصة عمل، فضلا عن أولئك الأثرياء الذين يركبون السيارات الفارهة وتملأ صورهم الصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية.
3. انتشار الجريمة، فمعروف عالميا وفي دراسات الاجتماع الجنائي أن هناك عددا من الجرائم المرتبطة بزيادة البطالة، وعلى رأسها السرقة بأنواعها [نشل، سطو، سرقة بالإكراه] والقتل، إضافة إلى جرائم التهريب والاحتيال، فضلا عن الجرائم الجنسية والأخلاقية لشباب عاجز عن الزواج، وانتشار تعاطي المخدرات، وهو ما يؤدي في النهاية إلى شيوع مناخ عام يمتهن القوانين والأنظمة المعمول بها في المجتمع.
4. البطالة تربة خصبة للتطرف والأفكار الهدامة، فالعاطل عن العمل الناقم على المجتمع مستعد لتقبل أكثر الأفكار تطرفا وانحرافا، وإن ارتدت ثياب الدين -وهو برئ منها- أو ثياب الإلحاد، ويكفي أن نذكر أن الشيوعية الماركسية حين أرادت تربة صالحة لدعوتها لم تجد أفضل من معاناة العمال، وظروف العمل القاسية.
5. تباطؤ معدلات التنمية في المجتمع، لأن شريحة كبيرة منه لم يتم استغلالها في عمل نافع وبقيت تشكل عبئا على الدولة وعلى أسرها لتوفير الطعام والكساء ووسائل الترفيه لها لقتل الوقت.
6. تراجع النظر إلى التعليم باعتباره قيمة تستحق العناء، وشيوع مفاهيم أخرى تقوم على "الفهلوة" والتحايل، وبالتالي تفاقم ظاهرة التسرب من التعليم وتزايد معدلات الأمية، وهو ما يصب بدوره في زيادة حدة مشكلة البطالة ليصبح الأمر أشبه بحلقة مفرغة.
أريد أن أنطلق من هذه النقطة الأخيرة لأقول إن جزءا كبيرا من مشكلة البطالة يعود إلى الخلل في السياسات التعليمية التي تتبعها الدول العربية، ولأوضح ذلك بمثال عملي.. فالمجتمع المصري لم يعرف البطالة كمشكلة ملحة إلا في عام 66 مع تزايد أعداد خريجي الجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة في حين كانت المعاناة محدودة قبل أن يصبح التعليم مشروعا قوميا للدولة بعد ثورة يوليو.. فما السبب؟
السبب هو أن الدولة اتبعت شيئا فشيئا سياسة خاطئة بإصرارها على تعيين كل الخريجين، مع استمرارها في تصوير التعليم للناس على أنه حل لمشكلة البطالة، والنتيجة أن كثيرا من الفقراء وأبناء الطبقات الدنيا في المجتمع دفعوا بأبنائهم إلى المؤسسات التعليمية ليضمنوا لهم وظيفة سهلة، وبدأت الجامعات تعمل دون خطة لتخرج كل عام آلاف الخريجين في تخصصات لا يحتاج المجتمع إليها، واستمرت الدولة ملتزمة بتوظيفهم في تخصصات لا علاقة لهم بها، ولا قدرة لهم على إفادة المجتمع من خلالها.
ما حاجة المجتمع المصري -على سبيل المثال- إلى نصف مليون محامٍ معظمهم ليس في مكتبه قضية واحدة، وكثير منهم يئس من مزاولة المهنة فتركها ليعمل "جرسونا" في مقهى أو مطعم سياحي؟!
وما حاجة المجتمع لملايين من خريجي التجارة في بلد يعاني من كساد وأزمة اقتصادية مزمنة؟
وما الحاجة المجتمع للآلاف سنويا من خريجي كليات الآداب، في حين لا يجد الواحد من هؤلاء شركة أو مؤسسة تحتاج إلى تخصصه؟
ببساطة شديدة نحن -الشباب- نحتاج إلى خطة فورية لمواجهة البطالة تركز بصورة أساسية على ركيزتين:
• الأولى: وضع سياسة واضحة ورشيدة للتعليم في أوطاننا العربية تضمن أن تخرج الجامعات للمجتمع الكوادر التي يحتاج إليها في التخصصات المطلوبة وبالأعداد المطلوبة.
• الثانية: أن تبدأ الدول العربية فورا بخطة "للتدريب التحويلي"، وهي خطة تهدف إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، عن طريق تدريب شباب الخريجين على مهارات وتخصصات جديدة تحتاج إليها مجتمعاتهم لتسهل لهم الحصول على فرصة عمل..
وبغير ذلك فإن الشباب سيبقى كما هو الآن.. قنبلة موقوتة..
ــــــــــــــــــــ(42/39)
خريجو الثانوية ومفترق الطرق
ما إن ينتهي الطالب من عناء امتحانات الثانوية حتى يبدأ بالتفكير في كيفية الالتحاق بالجامعة، وأي الكليات ينبغي أن يلج، وأي تخصص يختار؟ هل يمسك بناصية طريق التدريس فيصبح معلمًا أم يختار علوم الإدارة لأنه يحبذ العمل الإداري ؟ أترى الطب أفضل أم الحاسب الآلي ؟ أفكار وأسئلة وأراء ومقترحات ...
فترة عصيبة يمر بها الطالب قبل أن يقرر التخصص الذي سيختاره في الجامعة وقلق وتردد يلازمان الكثير ومما يزيد الأمر سوء هو عدم وضوح الهدف والرؤية بالنسبة للشاب .
أخي الشاب لنفكر سويا ونحاول إزالة هذه الحيرة والوصول إلى أفضل الخيارات الممكنة .
حدد أهدافك وطبيعة العمل الذي تريده
إن جميع السنوات التي قضيتها في التعليم وهي اثنتا عشرة سنة أو أكثر ما هي إلا مقدمة للسنوات القادمة الحاسمة والتي يترتب عليها بإذن الله غالبا مسار حياتك العملية بناء على طبيعة ما تختاره في هذه الدراسة فإما أن تحقق طموحك وما تصبوا إليه في حياتك وإما أن تتنقل بين مجالات عديدة بحثا عن الأفضل فيضيع جهدك ووقتك دون أن تصبو إلى ما تريد.
إذا لا بد من الخلوة بنفسك لتفكر فيما أنت مقدم عليه وماذا يجب عليك وما مدى رضاك عن نفسك، ولتحدد هدفك بوضوح لأنه له أصل دور كبير في نجاحك وليكن ضمن أهدافك خدمة هذا الدين ورفعة كلمته بكل ما تستطيعه من إمكانات واعلم أن الشخص الذي يسير بلا هدف لن يصل إلى شيء وربما تعب من أول الطريق فترك التعليم وتأفف منه وعليه فاسأل نفسك هل أنت إنسان هادي تحب الانفراد ؟ هل تمتعك الحركة الدائمة أو ترغب في العمل المكتبي؟ هل تفضل العمل الأكاديمي أم العمل الإنتاجي؟
وهكذا اسأل نفسك حتى تستطيع في النهاية تحديد ما تريده بوضوح تام.
اعرف قدراتك وإمكاناتك
إن مما يعينك على اختيار الكلية والتخصص المناسب معرفتك بقدرتك الذهنية والبدينة لذا أعطِ نفسك ما يناسبها ولا تبخسها حقها ولا تختار السهل لترتاح وكن طموحا مقداما وفي نفس الوقت لا تقحمها فيما لا تستطيعه فتتبعها بما لا فائدة منه.
احرص على جمع المعلومات الكافية
إن جمع المعلومات الكافية والوافية يعطيك تصورا واضحا للمجالات المتاحة لك بحيث تستطيع بناء رأيك واختيارها على أساس صحيح وكلما كانت المعلومات صحيحة كان الاختيار نافعا وهذا يتطلب منك أمورا عدة منها جمع المعلومات من المصادر الأصلية ودع عنك ما يذكره ويتناقله الأصدقاء وما يتحدث به الناس.
قم بزيارة الجامعات بنفسك واطلع على أقسامها وما تحتويه وتفهم جيد ما يؤهل إليه كل قسم منها وما تدرسه فيه فزيارتك هذه لها من الفوائد الشيء الكثير منها التعرف على طبيعة الجامعات ومبانيها ومنها اللقاء بالمسؤولين والحديث معهم وتأهيل نفسك للالتحاق بها وألفة المكان وغير ذلك من الفوائد فإن بعض الطلاب قد يخفق في دراسته خاصة في أيامه الأولى لعدم تأقلمه مع المكان الجديد والنظام المتغير.
وفي أثناء جمعك للمعلومات لا تهمل وسائل الاتصال الحديثة فإن فيها خير كثير ونفع عظيم وبإمكانك عن طريقها توفير كثير من الجهد والوقت والتعب.
لا تجعل الأحداث والمواقف تؤثر عليك
لا تربط اختيارك لكلية ما أو تخصص معين بناء على ما حدث للآخرين فإن نجاح فلان في تخصص ما أو عدم توفيقه لا يستلزم حصول ذلك لك فكن واثقا في نفسك شجاعا في اتخاذ القرار ولا تهضم نفسك حقها ولا تبخسا ثقتها ودعك عنك الانهزامية والاعتماد على الآخرين والاتكال عليهم وعلى آرائهم وقراراتهم ولا تتكلف في كل ما سبق وكن وسطا فإن خير الأمور الوسط أما التكلف في البحث والتأمل والتفكر والتقصي فإنه يعود عليك بالضرر فتأمل .
المشاورة وأخذ الآراء
إن استقلال الإنسان برأيه واعتماده على نفسه لا يعني إهمال آراء الآخرين ومقترحاتهم وتجاربهم فإن ضم خبرات الآخرين يعينك على اتخاذ القرار الصائب بإذن الله كما أنها تساهم في تكوين شخصية الإنسان.
فإذا انتهيت من جمع المعلومات وتحديد الأهداف ومعرفة القدرات قم باختيار مبدئي للتخصص الذي تريد ا لالتحاق به ثم اعرض ما اتخذته من قرار على أهل الرأي والمشورة وابدأ بوالديك فإنهم أعلم بك وأحرص عليك ثم بعدهم أهل الاختصاص من أفراد المجتمع والمسؤولين وممن تتلمذت عليهم ولا يحملك التكاسل أو الحياء على التفريط في ذلك فإنه لهم اطلاع على ما لم تطلع عليه .
تراجع عند الخطأ
كن مرنا عند المشورة وأخذ أراء الآخرين بحيث إذا ظهر لك وجه الخطأ في اختيارك فعليك بالمبادرة إلى إصلاحه والتراجع ولا تحاول الجدال والدفاع عن رأيك بلا فائدة فإن ورود الخطأ في الاختيار في هذه المرحلة أمر محتمل ووارد وعدم التراجع عنه قد يكلف الكثير في المستقبل.
وإذا ما استقر رأيك على أمر ما وأقره أهل المشورة فعليك بالاستخارة وتقرب إلى الله بها واسأله أن يشرح صدرك ويوفقك للخير فإن الاستخارة لها دور عظيم فيما تقدم عليه في أمور حياتك ثم بادر بالتسجيل ولا تتردد وتتكاسل وتتقاعس ولا تسوف وتؤجل وكن حازما في أمورك ولا تنتظر مساعدة الآخرين وقضاء حوائجك.
التفاؤل والرضى أمران أساسيان
وأنت تسير إلى الجامعة عليك بالتفاؤل فإنه من هديه صلى الله عليه وسلم فقد ورد في الحديث وكان يعجبه الفأل" والتفاؤل الذي تحتاجه هو المبني على أساس صحيح وليس على أوهام يتعلق بها الإنسان ليترك الجد والعمل فكن متفائلا بمستقبل طيب بإذن الله يعينك ذلك على الوصول إلى ما تريد.
وإذا ما تعثر التحاقك بما كنت ترجوه وتأمله فكن راضيا بقضاء الله وقدره تكسب السعادة في الدنيا والأجر يوم القيامة واستحضر دائما حديث النبي صلى الله عليه وسلم "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ولو اجتمعت على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف"
وأخيرا اعلم أن وضوح الأهداف وربطها بالشرع المطهر والتعلق بالله جل وعلا وإخلاص النية له من أكبر أسباب السعادة في الدنيا والآخرة فأخلص نيتك واصدق مع ربك وتعلق به واطلب منه المعونة والغوث، وتذكر أن التقوى من أسباب الفلاح وفيها مفاتيح الرزق "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه " وتذكر قوله تعالى " ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا" تجد السعادة بإذن الله تعالى.
ــــــــــــــــــــ(42/40)
الشباب .. ووضوح الهدف
الحياة تافهة عندما يجد الشاب نفسه بلا ضابط ، وفكره بلا محتوى ، وحياته بلا هدف ، ولا معنى ، مرحلة الشاب مرحلة حرجة ومنعطف حاد ، فالمرء يفترسه عاملا الفراغ وغموض الهدف ، فيسلبان الشاب فترة ذهبية من حياته ، يؤسس فيها القواعد الأولى لحياة هادفة قد تكون منطلقاً لآفاق أوسع .
فالهدف لابد من وضوحه ، وعندما نسأل عن الهدف لا نذهب بعيداً ، فكتاب الله بين أيدينا يقول فيه عز وجل : ((ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ)) فتحقيق غاية العبودية بمفهومها الشامل هو الغاية والهدف في الحياة .
هل تكفي مجرد المعرفة؟
علمنا الهدف فهل يكفي ذلك للوصول إليه ، لا أظن أن هناك إجابة تزاحم قولنا بأنه لابد من علم ومعرفة دقيقة بواقعنا ، لكي نسير على بصيرة ، فعندما ننظر من حولنا نرى غزواً فكرياً خطيراً قد استشرى واستفحل خطره ونحن لاهون عنه غافلون ، فهو يسلك طرقاً خفية حتى ينفث سمومه ، ولا تدري الأمة إلا وقد ضاعت شخصيتها ، وزالت معاني أصالتها وقوتها ، سرى ذلك الغزو في جسد الأمة وترك بصماته على كلى جزء من هذا الجسد ، وما كان ذلك السريان إلا نتيجة لـ :
1- الفراغ الذي ملأ أوقات أفراد الأمة شيباً وشباناً ، نساء ورجالاً .
2- ضعف الإيمان في قلوب أفراد الأمة ، إلا من عصم ربك ، وقليل ما هم .
3- غلبة الجهل المتراكم حتى في الطبقات التي تدعي العلم وحمل الشهادات .
4- قلة التربية الصحيحة السليمة للنشىء في البيت أو المدرسة ، أو أجهزة الإعلام ، أو أجهزة الترفيه أو الشارع .
سؤال مؤرق!!
إخواني الشباب، يا أمل الأمة : ننظر إلى حالنا فلا نرى ما يرضاه ذوو الهمم العالية من مخلصي هذه الأمة مما يجعل سؤالاً يؤرق أجفاننا وهو: ما منشأ ذلك الحال؟.
ولا يختلف اثنان على براءة ما نعتقده من ذلك ، فعقيدتنا تدعونا إلى الصلاح والإصلاح ، واستغلال جميع الأسباب النافعة التي ترقي بنا وتعلينا ، علمنا ذلك وإدراكنا لواقع أمتنا يوجب علينا مضاعفة جدنا ونشاطنا ، ولا نكون كمن رأى حال الأمة وحرج موقفهم فتخلى عنها كالجبناء ، والتفت إلى حضارات ومدنيات بُنيت على الكفر والإلحاد ، مزخرف ظاهرها خراب باطنها .
إن الأمة تريد منا شباباً عالمين عاملين وإلا فنحن في أمية من نوع آخر ليست هي الجهل بالقراءة بل هي الجهل بالتزام ما نعتقده ونعلمه ونقرؤه التزاماً عملياً في كل شؤون حياتنا في : المنزل ، المكتب ، الشارع ، المصنع...
إخواني: عليكم تلقى الآمال ومنكم يطلب الكثير، فالطريق طويل والصعاب فوق ما نتصور ولكن قال تعالى: ((إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ويُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)) ((الله ولي الذين امنوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ والَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إلَى الظُّلُمَاتِ)) .
ــــــــــ
مجلة البيان
ــــــــــــــــــــ(42/41)
زواج الكاسيت.. شقق مشتركة وحفلات في الكافتريا
تعددت صور الزواج العرفي في مصر وأخذت أشكالاً مختلفة من التحايل على المجتمع والقانون. آخر هذه الصور كشفته الشرطة مؤخرًا بعد القبض على مجموعة من الشباب والفتيات اخترعوا طريقة جديدة للزواج تعرف بـ "زواج الكاسيت". وقد كشفت الشرطة هذا الأمر حينما اقتاد أحد الضباط شابين وفتاتين تم ضبطهم في أوضاع مخلة بالطريق العام، وكانت المفاجأة عندما أعلن هؤلاء في محضر الشرطة أنهم متزوجون.
وبالسؤال عن قسيمة الزواج أخرجت إحدى الفتاتين شريط كاسيت وألقته في وجه الضابط وقالت: " هذا هو قسيمة زواجي من ع.ل" وهو الشاب الذي ضبط معها وبنفس الطريقة أعلن الشاب الآخر والفتاة التي برفقته عن زواجهما أيضاً.
وتضيف الفتاة الثانية أنها مقتنعة بشرعية زواجها من "م.أ" الذي ارتبطت به عاطفيًّا منذ دخولها الجامعة، وحاولا ترجمة هذه العاطفة إلى معاشرة في الحلال، لكن الظروف كانت حائلاً بينهما، فهما مازالا طالبين، مما اضطرهما للبحث عن مبرر شرعي، وذلك من خلال اتباع الطريقة التي لجأ إليها "م.أ" و " ع.ع" وهي الزواج عن طريق شريط الكاسيت.
القائمة طويلة ومخاطر كبيرة:
وتكمل المتهمة الثانية أنها ليست الأولى التي لجأت لهذه الطريقة، فهناك قائمة طويلة عريضة من الطلاب الجامعيين المتزوجين حاليًّا، منعتهم الظروف المادية من إتمام الزواج الشرعي لصعوبة بدء حياة جديدة ومستقرة.
ومخاطر ظاهرة زواج الكاسيت تعدت أسوار الجامعة إلى المدارس الثانوية، حيث كشفت هذه المجموعة أن بعضاً منهم متزوج من طالبات مازلن في المدارس الثانوية. وكانت الكارثة الكبرى التي كشفت عنها التحقيقات في هذه القضية الغريبة هي أن إحدى المتهمات أو المتزوجات بالكاسيت حامل، فكيف سيكون مستقبلها ومستقبل ابنها؟ هي تقول: " لدي القناعة بأن زواجي حلال، وبالتالي ابني سيأتي في الحلال وليس العكس، وتضيف أن مصدر قناعتها بشرعية زواجها وبالتالي شرعية حملها، يعود إلى أن هذا الزواج توفرت كل أركانه، وهي الشهود والصداق والإشهار!!. فزوجي يعطيني المهر، وليس من المهم قيمته رغم أنه قليل، ويأتي بالشهود وعادة هم مجموعة من أصدقائنا، ويتم إشهار زواجنا في إحدى الكافتيريات، وهذا ما فعلناه بالضبط.
يقول "م.أ" أحد المتهمين في هذه القضية: بعد اقتناعنا بشرعية هذا الزواج عن طريق الكاسيت وإقدام العديد من أصدقائنا عليه، قررنا الارتباط بهذه الوسيلة، أما كيفية الزواج فتكون كالآتي: تبدأ أولاً العروس بالتعريف بنفسها وعمرها وعنوانها ورقم بطاقتها وحالتها الاجتماعية، وإن كان سبق لها الزواج أم لا، وتؤكد أنها "بكر" وبنفس هذا التعريف يقدم الشاب نفسه أيضاً، وبعد ذلك يأتي صوت الفتاة وبحضور شاهدين يتم الإعلان عنهما وبصوتيهما أيضاً وبكافة بياناتهما، ويبدأ بعد ذلك "توقيع" عقد الزواج فتقول الفتاة: زوجتك نفسي على سنة الله ورسوله، ويعلن عن قيمة المهر المقدم لعروسه وهو ربع جنيه مصري 25 قرشاً.
سألهم المحقق عن المكان الذي يمارسون فيه الخلوة الشرعية؟ وعندها أجابت المتهمة: " المجموعة التي أقدمت على الارتباط والزواج بهذه الطريقة اتفقت على استئجار شقة، مع وضع برنامج تنظيمي للوجود فيها. فنحن غير نادمين على الإقدام على هذه الممارسات؛ لأننا لا نراها حراماً، وليست بالمخجلة، فزواجنا يتم باختيارنا وبوجود شهود، وأيضاً يتم إشهار هذا الزواج، ولكن بين مجموعة محددة، وربما يعرف أصدقاؤنا المقربون فنقيم حفلات رمزية في أحد النوادي، وغالباً ما يتم عقد هذا الزواج أيضاً في هذا النادي أو في تلك الشقة، فأين هو الحرام في كل ما ذكرت؟".
الأزهر يقول:غير مقبول:
حملنا هذا التساؤل إلى الشيخ محمد عبد العزيز السيد عضو لجنة الفتوى بالأزهر والمفتش العام للدعوة بالأزهر فقال: إن الشريعة الإسلامية لم تعنِ برابطة ما بقدر ما اعتنت بالزواج، وهو ليس محلاً للاختلاف في كيفيته، وشروطه معلومة للقاصي والداني، وتقره الأعراف وله أركان أربعة إذا اختلت بطل الزواج، وهي: الولي، والشهود، والصداق، والإشهار.
وأي زواج غير الزواج المشهر وغير المسجل، والمشهود عليه هو زواج باطل، والحكم هنا واضح ولا يحتاج إلى تأويل أو استبيان، والوحيد الذي أجاز الزواج بدون ولي هو الإمام أبو حنيفة، رغم أن رأيه مردود عليه بعدة أحاديث كثيرة أشهرها قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت من غير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل".. وكرر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كلمة باطل ثلاث مرات.
ويضيف الشيخ عبد العزيز أن القانون المصري للأسف هو الذي يفتح الأبواب أمام هذه التقليعات وطرق التحايل.
فالقانون المصري يأخذ برأي أبي حنيفة بشرعية الزواج بدون ولي في القانون رقم 25 لسنة 1929م ولا يأخذ برأي جمهور العلماء، وهو ما أدى لانتشار الزواج العرفي ومثل هذه الزيجات الغريبة لعدم فهم الناس لقول أبي حنيفة رضي الله عنه. فهذه الزيجات من الناحية الشرعية باطلة أيضا في مذهب أبي حنيفة ؛ لأن الإمام اشترط الإشهار والصداق، وهذه الزيجات تفتقد هذا الشرط وهي حقوق المرأة المتزوجة فأين حقوقها في هذه الزيجات؟
القانون الوضعي!!
وحول نظر القانون والشرعية القانونية "الزواج الكاسيت" ومدى الاعتراف القانوني به يقول المستشار عبد الحميد سليم: إن قانون الأحوال الشخصية رقم 25 لسنة 1929م هو الذي فتح الباب أمام الزواج بدون ولي، وقانون الخلع والقوانين الشخصية التي اعترفت وأقرت الزواج العرفي، فعلى القياس بالزواج العرفي، من المفترض أن يؤخذ بهذا الزواج "الكاسيتي" لأنه يفي بشرط الإثبات والإقرار، كما يشترط قانون الأحوال الشخصية في حالات الزواج العرفي، ومن هنا فمع عدم الإنكار ووجود بيانات بزواج على الشريط، فمن المفترض أن يعتد به استناداً إلى القانون الأخير.
ورغم اعتماد مثل هذه الزيجات (بالقانون الوضعي) إلا أن المجتمع لا يعترف بها، ويعتبرها نوعاً من "المشي البطال" بالإضافة إلى نظرته إلى الفتاة "المتزوجة" بالكاسيت نظرة دونية، وبالتالي لا تقدر على مواجهة المجتمع بهذا الزواج، بداية من عدم إخبار أسرتها وحتى انتهاء العلاقة؛ لأن الواقع النفسي لهؤلاء يكون متفهماً فهم يحاولون إقناع أنفسهم أن هذا الزواج شرعي وقانوني، ويتم التحايل النفسي بذلك على الرغبات حتى تخرج.
ولكن عند التطبيق الفعلي الحقيقي لهذا الزواج تجدهم يتراجعون ولا يخبرون أحداً، فلا الأهل يعرفون؟!!، وحتى عندما يلتقون يكون اللقاء سرًّا وبعيدًا عن أعين الناس. وهذا انفصام حقيقي يعيشه الشباب والفتيات المرتبطون بهذه الطريقة؛ لأن الحقيقة لديهم أن هذا الزواج باطل وهم غير مقتنعين به، وإنما هو حيل يحتالون بها على أنفسهم ونادراً ما تتم هذه الزيجات بالصورة الطبيعية التي رسمها الزوجان، وهي الاعتراف والتقدم للزواج رسميًّا، وهي إلى حد علمي لم تحدث، وكما أن الضرر النفسي يقع على الفتاة فينتقل الضرر النفسي أيضاً إلى أسرتها من جراء ما جلبته البنت لهم من العار والفضيحة.
ــــــــــــــــــــ(42/42)
شبابنا وثقافة الإنترنت
يندر أن تجد من يخالفك اليوم في أن كثيراً مما يتداول في الشبكة العنكبوتية - وخاصة ساحات الحوار - يبرز مرضاً فكريًّا نعاني منه. وليس المجال مجال الحديث عن الشبكة وما يدور فيها فله ميدان آخر، إنما الذي يعنينا هنا دلالته على التفكير السائد لدى أولئك.
والقاسم المشترك لدى شريحة واسعة منهم: السطحية، والسذاجة الفكرية، أو السب والشتم المقذع، أو الخروج عن أدب الحوار والجدال، أو القول في الدين بغير علم ... إلى آخر تلك المآسي التي تبدو لمن يتصفح هذه المواقع. وأجزم أن هؤلاء لا يمثلون مجتمع الصحوة تمثيلاً صادقاً، لكنهم بالتأكيد شريحة وفئة ليست قليلة.
إن هذه الظاهرة تدعو ا لغيورين على هذا الجيل الذي يفكر بهذه العقلية إلى التأمل والمراجعة؛ فهي إفراز لبعض جوانب الخلل والإخفاق في الواقع التربوي.
ونتسائل هاهنا: إلى أي حد نتوقع من هذا الجيل الذي يفكر بهذه العقلية أن يسهم في مشروع الإصلاح والبناء المناط بهذه الصحوة؟ وهل مثل هؤلاء على مستوى التحديات التي تواجه الأمة اليوم؟
إن المربين والمصلحين بحاجة إلى أن يضعوا ضمن برنامج عملهم الارتقاء بهذا الجيل، وأن يوظفوا مثل هذه المشكلات في فهم الثغرات التربوية لدى الإنسان.
وسائل العلاج
ومن الوسائل التي ينبغي أن يعني بها في التعامل مع هذه المشكلة:
1- تحقيق المزيد من التواصل مع الشباب، وفتح الصدور والقلوب لهم، والصبر على ما قد يبدو من بعضهم من أخطاء؛ فهذا مدعاة لأن يقتربوا من المصلحين والمربين.
2- توسعة المحاضن والمجالات التربوية التي يمكن أن تستوعب هؤلاء الشباب؛ فالنماذج المتاحة لا تتلاءم مع الحاجة المتزايدة، وإمكاناتها العديدة لا تستوعب كثيراً من الشباب، كما أن النمط السائد فيها لا يلائم كافة الشرائح، فلا بد من تعدد الأنماط واتساع أفق المربين لاستيعاب مجالات عمل متنوعة تستوعب كافة الفئات.
3- الاعتناء بالبناء العلمي والفكري، وإثراء الساحة بالمزيد مما يسهم في الارتقاء بالشباب، بدلاً من التركيز على الخطاب العاطفي وحده؛ فالساحة الدعوية اليوم يسيطر عليها الخطاب العاطفي والحماسي، ومع أهميته وتأثيره إلا أن المبالغة فيه تؤدي إلى إيجاد جيل يندفع مع العواطف ويقنعه هذا اللون أكثر من الخطاب المنطقي العقلي.
4- الاعتناء بتيسير المادة الفكرية والعلمية التي تستهدف الشباب؛ فكثير مما يقدم لا يتلاءم مع مستوياتهم فلا يحظى بالقبول لديهم.
5- مراجعة الأهداف التربوية، وتحقيق مزيد من الاهتمام بتنمية الجوانب العقلية، والارتقاء بمهارات التفكير لدى الشباب، والتخفيف من التركيز على تقديم المادة العلمية والثقافية من خلال خط اتصالي وحيد الاتجاه.
6- توسيع دائرة الحوار المباشر والتدريب على مهاراته داخل البرامج واللقاءات، التي تقدم للشباب.
7- تهيئة مجالات وفرص عمل دعوية واسعة على شبكة الإنترنت لتكون بديلاً لهؤلاء الشباب يصرفون فيها جزءًا من أوقاتهم التي يصرفونها على الشبكة.
ــــــــــــــــــــ(42/43)
الشباب العربي المعاصر ... ونهج البطولة في الإسلام
يتعرّض شبابنا اليوم إلى كم هائل من مخطّطات التحريف والتزييف والغزو الفكري, وشتّى أنواع المغريات التي تستهدف عقيدتهم السليمة، ومبادئ الإسلام الأصيلة, والتزامهم بنهج النبوة, الذي سار عليه الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام, فاستطاع من خلالها أن ينشر رسالة الدين النبيلة في الآفاق, وانجذبت إليه الأمم في كل أصقاع الأرض, بشكل طوعي وقناعة وحب ومعرفة بهذا الدين العظيم.
الأمة الإسلامية خلال تاريخها الطويل, أنجبت نماذج كثيرة من الشخصيات والأبطال العظام, الذين خلّدهم التاريخ, وسطّر أمجادهم بأحرف من نور, حملوا لواء الإسلام ونشروا رسالته الحضارية, بين الأمم وهم يسيرون على هدي القرآن الكريم وعلى نهج النبوة الشريفة، متمثّلين أخلاق الرسول الكريم وخصاله الحميدة, وحكمته وحلمه وشجاعته وكرمه وصدقه... فكان القدوة الحسنة لأصحابه ولجميع المسلمين إلى يوم القيامة؛ قال الله تعالى في كتابه العزيز: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ...) سورة الأحزاب /22 /
وسيرة أبطال الإسلام غنية بالعبر والعظات والدروس التي لا تنفد، وكانوا قدوة ومثالاً يحتذي بهم الشباب على مر العصور, يهتدون بنهجهم وفكرهم وسلوكهم وخلقهم.
وشبابنا اليوم بأشد الحاجة إلى هذه السيرة البطولية وقيمها ومعانيها السامية والاستفادة من نهجها، لتنير طريقهم وترشدهم إلى جادة الصواب.
جيل الشباب العربي والمسلم اليوم تتزايد عليه الضغوط وتتعاظم بشتى الوسائل الدعائية التجارية, وأحدث التقنيات الإعلامية الاستهلاكية, المرئية والمسموعة والمقروءة, التي تحاول أن تعيد تكوينه العقلي والنفسي والعاطفي، وتحدّد له اتجاهاته الفكرية والثقافية بالطريقة التي تخدم مصالح أعداء الإسلام والإنسانية, فتصور له البطولة في هذا العصر أنها تقوم على أساس القوة والعنف والقتل والتدمير, مشوّهين بهذا صور البطولة الحقيقية التي ترتكز على القيم التي جاءت بها رسالة الإسلام السامية, وبعدها الإنساني الذي يقوم على الدعوة إلى الدين القويم بالحوار والحكمة والموعظة الحسنة والإقناع والعقل والمنطق والعلم.
هذه المضامين والمعاني البطولية الحقيقية, أبرزت شجاعة أبطال الإسلام وجرأتهم على نصرة الدين والحق، وتحقيق العدل والمساواة بين الناس, وضبط النفس في أحلك الظروف وأصعب المواقف, فالبطولة في الإسلام, نهج وعقيدة والتزام ومبادئ, وليست ردود أفعال تقوم على القسوة والحقد والكراهية والانتقام مهما كانت مسوغات هذه الأفعال, التي يسميها بعض المُغرّر بهم (بطولة وجهاداً)، وهم بهذا يسيؤون إلى جوهر الدين ورسالته العظيمة ومبادئه السامية, التي بيّنها النبي صلى الله عليه وسلّم بقوله "ليس الشديد بالصرعة, إنما
الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"(1)
ولنا في رسول الله أسوة حسنة في التسامح والعفو عند المقدرة, فمنذ بدء الدعوة الإسلامية تعرّض عليه الصلاة والسلام للأذى الشديد في الطائف, فنزل جبريل عليه السلام، وعرض عليه أن يطبق الجبال على أهل الكفر, فأبى النبي صلى الله عليه وسلّم ذلك وقال: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً.(2)
وعند فتح مكة ـ رغم كل الأذى والعذاب والحرب الشعواء, التي شنها المشركون على المسلمين ـ وتمكّن النبي من أهلها, عفا عنهم وقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
وأبطال الإسلام تتلمذوا على نهج النبي وخلقه, فكانوا مثالاً ناصعاً, وقدوة حسنة في جهادهم وغزواتهم, وأرحم الفاتحين على وجه الأرض, كما فعل البطل صلاح الدين الأيوبي ، عندما أعاد فتح بيت المقدس من المحتلين الصليبيين, الذين نكّلوا بأهله المسلمين، وقتلوا وسفكوا الدماء البريئة, عفا عنهم وأطلقهم, وصان المقدسات المسيحية من العبث.
وتتنوع صور البطولات في الإسلام بين القوة والشجاعة والإقدام والصبر والحكمة والعفو والحلم, عندما تستدعي الحاجة ذلك, كما في شجاعة وثبات النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة حنين, مع ثلّة قليلة من أصحابه الشجعان, حتى كتب الله لهم النصر.
هذا النهج البطولي, سارع إليه معظم المسلمين عند داعي الجهاد, فكان يتسابق إليه المسلمون، وهم يضعون نصب أعينهم خيارين لا ثالث لهما، هما: النصر أو الشهادة. فمن صور هذه البطولات ما روي في إحدى الغزوات: أن ابناً وأباه تنافسا على الخروج إلى الجهاد, فاقترعا بينهما, فوقعت القرعة على الابن، فطلب الأب من ابنه أن يدعها له, فقال: إنها الجنّة يا أبت, ولو كان شيئاً غيرها لآثرتك بها.
و(عمر بن الجَموح) كان أعرجَ وقد أعفاه الله تعالى من الجهاد ومنعه أبناؤه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: إن بَنِيَّ يمنعونني أن أجاهد معك, ووالله إني لأرجو أن أستشهد، فأطأ بعرجتي هذه الجنة. وخرج مع الرسول في معركة أحد واستشهد فيها.
ويوم تبوك, شهد وجهاً آخر لبطولات الصحابة رضي الله عنهم, في الإنفاق على تجهيز الجيش, فقدّم أبو بكر كل ماله, وعمر بن الخطاب نصفه، وجهّز عثمان ثُلُث الجيش, وعبد الرحمن بن عوف قدّم مِائَتي أوقية, وبذل غيرهم الكثير.
والبطولة أيضاً موقف واعتراف والتزام بالحق, وتراجع عن الخطأ, وهذا ليس بالأمر السهل, وخاصة عندما يكون الرجل في أعلى مراتب السلطة, لكن الخليفة عمر بن الخطاب صاحب الحق والعدل في الإسلام, لا يجد غضاضة ولا انتقاصاً من قدره, عندما يتراجع عن الخطأ ويلتزم جانب الحق, فقد كان من رأي عمر أن يحدّد مهر النساء, فسكت عنه الجميع إلاّ امرأة شجاعة, بيّنت له خطأ موقفه, وذكّرته أن المهر حق للمرأة أعطاها الله تعالى إيّاه تكريماً لها, فقال: أخطأ عمر وأصابت امرأة. (3 )
هذه المواقف والصور البطولية لرجال الإسلام التي ذخرت فيها ذاكرة التاريخ, تعيش في فكر ووجدان وضمير شبابنا المؤمن اليوم, لأن الوجدان الحي يتخطّى الزمن مهما طال, ويخترق المسافات مهما بعدت, ليستعيد ذكرى الأبطال ومواقفهم, ويعيشَ معهم ويتمثلَ نهجهم، ويقتديَ بسلوكهم, ويستلهم أنوارهم, ويستمدَّ منهم القوة على الصبر وتجاوز العقبات, ويجد فيهم الأسوة والسلوى والعزاء والأنس.
فالشاب المؤمن - من خلال التزامه وسلوكه وقيمه، وسَيْرِهِ على طريق النبوة والصحابة والصالحين، والشهداء من أبطال الإسلام - يعيش معهم، ويسكنون في قلبه ووجدانه ويتمثّلهم في أفعاله، ويكون بصحبتهم في الآخرة, كما أخبر تعالى في كتابه العزيز : (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً) . سورة النساء /69/
والأبطال الحقيقيون هم أصحاب الرسالات الكبرى والغايات الإنسانية السامية, الذين يجمعون الناس على الحق والقيم النبيلة, أما الأبطال المزيفون (الدونكيشوتيون) هم الذين يجمعون الناس حولهم، ويثيرون غرائزهم، ويرضون أهواء الشباب، ويحققون رغباتهم بالظهور، وبناء الأمجاد الذَّاتيّة، والبطولات المزيَّفة, تساعدهم في ذلك إمكاناتهم المادية وأجهزة الإعلام التجارية, التي يُفتتن بها الشباب اليوم وتبهرهم أضواؤها, فيتهورون في الانجرار وراءها, وتقليدها دون قصد ولا إدراك لقوة تأثيرها النفسي على عقلهم الباطن, فتكوّن لديهم اتجاهات وقيماً ومثلاً مشوهة, تنعكس على تكوين شخصيتهم وسلوكهم ومستقبل حياتهم.
والمؤسسات الإعلامية التجارية المرئية تقدم للشباب اليوم, نماذج مُتدنّية للشخصيات والأبطال في المسلسلات والبرامج التلفزيونية وكتب القصص، وخاصة الخيالية منها, فتعتمد هذه الشخصيات على مرتكزات القوة والعنف ومبدأ (الغاية تبرر الوسيلة), مثل شخصيات (سوبرمان ـ هالك ـ كراندايزر ـ طرزان ـ شمشون ـ زورو ـ رجال الفضاء ـ رجال العصابات والحروب ...) ومجموعة لا تحصى من أمثال هذه النماذج التي تمثل الخير المطلق, مقابل الشر المطلق, الذي ينتصر فيها الخير دائماً، لكن بعد سلسلة هائلة ومخيفة من أعمال العنف والقسوة والقتل والتدمير وسفك الدماء, رغم الإدانات الكلامية في القصة لهذه المواقف, فإن الفتيان يتأثرون بسلوك هذه النماذج, دون الالتفات إلى عبارات الإدانة الكلامية.
وسلوك هذه الشخصيات البطولية, يخالف كل القيم الدينية والمبادئ الإنسانية والأعراف الاجتماعية والمدنية, التي تدعو إلى احترام القوانين والأنظمة، والخضوع للسلطات والمرجعيات الدينية والاجتماعية، واللجوء إلى القضاء لحل المشكلات والنزاعات لتأخذ العدالة مجراها, وألاّ يقوم الفرد بفضّ النزاع وإبرام الحكم وتنفيذه بنفسه، كأنه يمثّل كل السلطات.
البطل ذو القوة الخارقة يحدّد الخير والشر, ويحكم بنفسه, وينفذ الحكم على المخالفين للقانون من وجهة نظره الشخصية، وهذا يشيع الفوضى في المجتمعات البشرية.
أفلام (الكاوبوي) الأمريكية تعطي الرجل الأبيض المهاجر الحق بأن يبيد السكان الأصليين من الهنود الحمر، ويقتلهم كما يقتل الحيوانات.
وقصص (طرزان) تبيّن التفوق الساحق للرجل الأبيض على الرجل الإفريقي الأسود البدائي, وأن البطل الأبيض هو الأصلح والأقوى والمتحضر, صاحب العقل والعلم والحضارة, بين جماعات متوحشة, غبيّة, تعيش مع الحيوانات في الغابة.
وتستغل المؤسسات الصهيونية هذا النهج البطولي العنصري وإسقاطاته المشبوهة المخالفة للقيم الإنسانية والأخلاق والقانون, لتسويغ ممارساتها الوحشية وإبادة الشعب الفلسطيني, وتشريده, وتشويه صورة العرب بتصويرهم كأقوام متوحشين متخلّفين، وعقبة أمام التطور والتقدم، يجب على الرجل الصهيوني المتحضّر التخلص منهم!!!
فالإعلام والأدب الواعي ينمّي مدركات الشباب الخيالية, وتذوقهم الجمالي ويؤصل في نفوسهم القيم الإنسانية الأخلاقية والدينية الصالحة, ويحدّد لهم اتجاهات فكرية وثقافية واعية, تقوم على أسس من الروح الجماعية والتعاون ومشاعر الحب النبيل، ويطور لديهم حالة التمركز حول الذات إلى الفضاءات الإنسانية, ومن التفكير بتحقيق المتع والأهواء الشخصية إلى المشاركة الوجدانية للآخرين في آلامهم ومعاناتهم وبؤسهم، وتقديم العون لهم بشتى الوسائل الممكنة للتخفيف من آلامهم.
إن أهم أهداف الأدب التربوي، هو تدريب جيل الشباب على مواجهة مشكلاتهم الحياتية وتزويدهم بالمهارات اللازمة لحلها، عن طريق العقل والحكمة والقانون والتشريعات الدينية والأعراف الاجتماعية, واستبعاد أساليب القسوة والعنف والقوة الشخصية, والانتقام وردود الفعل في حلها, وخلق جيل من الشباب واعٍ ملتزم، اجتماعي متعاون, يتجاوز مشكلاته ويواجه مخاوفه وقلقه وضياعه ويتغلّب عليها, ويسهم في تحقيق الغايات الإنسانية الكبرى في هذه الحياة.
لقد عانت أجيالنا طويلاً من عهود الاستعمار والتخلف والجهل والاضمحلال الفكري، وفقر الوعي العلمي، وجدب المشاعر وتشويه الخيال, وتأثّرت كثيراً بالقصص الخرافية، والخوف وحكايات الأغوال والعفاريت والجن والسحر والشعوذة, والأشباح التي طاردت الأطفال في الليالي المعتمة، وفراش النوم فأقضَّت مضاجعهم، وجعلتهم يؤمنون بقوى غيبية خارقة للطبيعة، والمصادفات الغريبة، ويتواكلون عليها في حل مشكلاتهم.
في العصور الأخيرة افتقدت الأمة الإسلامية, أبطالها وشخصياتها العظيمة, وافتقرت إلى العلماء الكبار القدوة, والنماذج الحيّة، التي تمثل أصالة الإسلام علماً وسلوكاً, ونهج البطولة الحقيقية، التي تدفع الناس للاقتداء بهم, وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلّم من هذا المصير بقوله : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً، اتخذ الناس رؤساء جهالاً, فسئلوا , فأفتوا بغير علم, فضلّوا وأضلّوا"(4)
الشباب المؤمنون هم الذين يتمثلون نهج البطولة الحقيقية, والنماذج البطولية الفذة, يعيشون من أجل تحقيق رسالة كبرى وهدف رفيع ومثل عليا, ويكرّسون حياتهم في سبيلها, ويضعون نصب أعينهم, الوصول إلى الكمال قدر جهدهم.
ـــــــــــ
هوامش :
1- رواه الشيخان في الصحيحين . 2- انظر السيرة النبوية لابن هشام.
3- للاطلاع على مزيد من صور البطولات في الإسلام : انظر ( رجال حول الرسول) لخالد محمد خالد و(حياة الصحابة) للشيخ محمد الكاندهلوي .
4- رواه الشيخان في صحيحهما والترمذي في س
ــــــــــــــــــــ(42/44)
جنوح الشباب ومشكلات الانحراف
يعتبر الشباب من أهم شرائح المجتمع وعماد الأمة ومكمن طاقتها المبدعة وقوتها الواعدة. ومشكلات الشباب محور المشكلات الاجتماعية، وحلها هو المدخل إلى حلّ مشكلات المجتمع وبنائه وتقدمه. وإفساد المجتمع والوطن وتخريب الدين يبدأ من إفساد فئة الشباب وحرفهم عن الطريق القويم بشتى الطرق والأساليب والمغريات.
والإسلام يعي هذه الحقيقة ومدى خطورتها على الأمة والدين لذلك اهتم بقطاع الشباب، وتوجهت التربية الإسلامية إلى عقولهم ونفوسهم وعواطفهم من أجل رعايتهم وتربيتهم تربية صالحة، وتلبية حاجاتهم ورغباتهم المادية والنفسية المشروعة، ووقايتهم من الفساد والانحراف. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلّم أن مقام الشاب الصالح عند الله تعالى يعادل مقام الإمام العادل يوم القيامة في حديثه عن السبعة الذين يظلهم الله في ظلّه ، منهم " إمام عادل وشاب نشأ في طاعة الله .." (1).
ظاهرة الجنوح والانحراف عند الشباب تعتبر من أبرز المشكلات التي تعاني منها المجتمعات في العالم. بما تخلّفه من تأثيرات نفسية واجتماعية على شخصية الشاب وما تتركه من آثار سلبية وخطيرة على المجتمع في مجالات الجريمة والسرقة وانتشار المخدرات والفساد والانحلال الخلقي. وتجد المؤسسات الاجتماعية والدينية نفسها مضطرة للتصدي لهذه الانحرافات وقمعها وتحمل مسؤولية معالجة أسبابها والوقاية منها .
الجنوح والانحراف وعوامله :
يوضح علم الاجتماع أن الجنوح نموذج من السلوك الاجتماعي, يقوم المنحرف من خلاله بتصرفات مخالفة للقوانين الاجتماعية والأعراف والقيم السائدة في المجتمع, ويسيء به إلى نفسه وأسرته ومجتمعه. يبدأ الجنوح غالباً عند الأحداث الذين تتراوح أعمارهم بين 12 - 18 سنة، وهي بداية فترة المراهقة التي تعتبر من أخطر مراحل العمر في حياة الإنسان. وتؤكد الدراسات النفسية والاجتماعية على أهمية دور التربية الصالحة للشاب منذ الطفولة في كنف الأسرة ثم المدرسة، فإذا تلقى الشاب منذ صغره رعاية وتربية جيدة ينشأ إنساناً صالحاً، وإن كانت تربيته سيئة تظهر لديه ظواهر الانحرافات في وقت مبكر.
أسباب جنوح الأحداث
تتعدّد عوامل وأسباب جنوح الأحداث وانحراف سلوكهم الاجتماعي، منها:
ـ عوامل اجتماعية:
بعض الأسر تدفع بأبنائها إلى سوق العمل لساعات طويلة خلال اليوم, فيغيبون عن البيت أو المدرسة بعيداً عن الرعاية والمتابعة، مما يفتح أمام الأطفال أبواباً واسعة للانحراف والقيام بالأعمال والسلوكيات الطائشة والمتهورة والانغماس في الشذوذ الأخلاقي والاجتماعي، فالطفل يتأثر بسهولة بالبيئة المحيطة به، وينجرّ وراء رفاق السوء إذا لم يلق الرعاية والمتابعة المستمرة.
وقد بينت الدراسات أن الجنوح جمعي وليس فرديا. فالشاب لا يقوم بتنفيذ أعمال منحرفة كالسرقة والنشل وعمليات التهريب وغيرها بمفرده، بل بعمليات جماعية شبه منظمة على شكل عصابات أو شلّة بالتعاون مع أقرانه. من هنا تأتي أهمية الرفقة الصالحة للشاب واختياره لأصحابه من أهل الصفات الحميدة.
ومن أسباب الانحراف الإدمان على السكر وتعاطي المخدرات من قبل ربّ الأسرة. كما أن الهروب والتسرّب من المدرسة ومن البيت, وعدم شغل أوقات فراغه بنشاطات وفعاليات مفيدة (رياضية - أدبية - ثقافية - ... الخ ), يؤدي إلى ظهور الشذوذ والانحراف النفسي والأخلاقي والخروج على قيم المجتمع عند الشاب .
ـ عوامل بيئية:
منها تفكّك الأسرة والنزاعات الدائمة بين الوالدين, أو فقدان الأب في الأسرة، أو وجود زوجة الأب الذي يؤدي هذا إلى إهمال الأولاد. وممارسة القمع والقسوة تدفع الناشئة من الشباب إلى الهروب المستمر من البيت واللجوء إلى الشوارع والزوايا السيئة، فيتعلّم منها بسهولة العادات والقيم غير الأخلاقية.
ـ عوامل نفسية:
كثيراً ما تؤدي مشاعر الإحباط واليأس وخيبة الأمل, نتيجة الفقر والعوز والحاجة في الأسرة إلى انحراف الشباب واتباع السلوكيات السيئة، مثل السرقة لشراء ما يسد حاجته من الملابس والألعاب ووسائل الترفيه، وأحياناً شح ّ الوالدين وبخلهما وتقتيرهما بالمصروف على أبنائهما. فالشاب ضمن هذه الأجواء الأسرية سيعاني من الحرمان المادي والعاطفي والرعاية والحب والحنان والعطف والتربية الحسنة. وهي من الضرورات النفسية الأساسية التي يجب أن تتوفر في الأسرة , لينشأ الشاب نشأة صالحة, تقيه مخاطر الجنوح والشذوذ الاجتماعي .
وتتنوع مظاهر الجنوح عند الشاب فيبدي عدائية مفرطة تجاه محيطه الأسري ووسطه الاجتماعي على شكل تجاوزات مستمرة وتمرد وعصيان للأوامر والتوجيهات. ويقوم بالاعتداء على حقوق وأملاك الآخرين . ويفتعل العراك والنزاعات مع أقرانه ويلحق الأذى بهم. وتبلغ عدوانيته حدّ تحطيم ممتلكات غيره, وإشعال النار في المنزل . ومن أهم نتائج الجنوح الإخفاق في المدرسة. لأنه يؤدي إلى إهمال الشاب لواجباته المدرسية ويدفعه إلى التحايل والكذب والتعويض عن هذا الفشل باتباع أساليب غير مشروعة لإثبات وجوده في المجتمع . ويشيع بين الشباب الجانحين ظاهرة الإدمان على التدخين والكحول والمخدرات . ويتميز الجانحون بضياع رغباتهم وعدم وضوح غاياتهم في الحياة وعدم قدرتهم على تحديد ما يريدون .
الوقاية والعلاج :
أصبحت اضطرابات السلوك الاجتماعي عند الشباب مشكلة اجتماعية حقيقية تحتاج إلى كثير من البحث والدراسة والعقلانية والتأنّي والوعي والثقافة والاستعانة بأصول التربية الإسلامية وعلم النفس التربوي وطرائقه, لمعالجة هذه المشكلة من خلال تضافر جهود المؤسّسات الاجتماعية والتربوية (الأسرة - المدرسة - المسجد - ... ) لأن هذه المؤسّسات بالأساس تتحمل مسؤولية انحراف وجنوح الأولاد منذ البداية . فالأسرة المهملة التي تعاني من الأزمات والمشكلات, والمدرسة التي يسود فيها ظاهرة التعليم بالقوة والصرامة والعنف . والمجتمع الذي يمارس القمع والاضطهاد ويفرض القيود الصارمة على الشباب . تجعلهم يشعرون بالظلم والقهر والضياع نتيجة الإحساس بفقدان الحرية والمسؤولية والقيمة الاجتماعية. فيتحول الشاب إلى شخص عدواني مشاكس يعمل على الانتقام لذاته وشخصيته المفقودة بالأساليب المنحرفة . ومعالجة مظاهر الانحراف عند الشباب يحتاج إلى تكوين رؤيا شاملة وعميقة. وفق معايير وأسس, تستند على أصول التربية الإسلامية , وتحليلات علم النفس التربوي الحديثة, لفهم مشكلات الشباب ومعاناتهم ومعرفة دوافعهم للانحراف. ودفعهم للالتزام بالانضباط السلوكي والقوانين والأنظمة, ومعايير القيم الاجتماعية والدينية ولتحقيق هذه الأهداف, يجب تحقيق التفاعل البنّاء مع الشباب وكسب ثقتهم ومحبتهم , وإبعادهم عن مشاعر وأجواء العنف والخوف والقلق والتوتر والنفور والضياع . وإلا فإن أسلوب الترهيب والعقاب لا يشكل سوى حلّ آنيٍّ مؤقتٍ, يختفي ويتلاشى باختفاء مؤثراته .
أما القناعة والتجاوب الذاتي, فتشكل ضمانة لاستمرار التزام الشاب وتطوير وترسيخ دافعية الانضباط الإيجابي لديه. فيكتسب من خلالها سلوكاً جديداً, موافقاً لقيم المجتمع وأخلاقه . والتربية الإسلامية تقوم بالأساس على مبدأ الحوار والإقناع والأسلوب الحسن ، من قوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " (2). وللأسرة دور أساسي في تكوين شخصية الشاب النفسية والسلوكية من خلال التربية الصالحة وغرس المفاهيم والقيم الحسنة وتقديم الرعاية والحب والاهتمام والتوجيه اللازم . وإلا فإن أوضاع ومشكلات الأسرة ، خاصة الفقر والبطالة والانحلال الخلقي والنزاعات داخل الأسرة, تؤدي إلى ضياع الشباب وانحرافهم وشذوذهم والتمرد على القانون الاجتماعي . دفاعاً عن الذات, ضد ما يشعرون به من ظلم اجتماعي وقهر وحرمان .
ـ الوقاية من الانحراف أهم وسائل معالجة ظاهرة جنوح الأحداث عن طريق الفهم الواعي الثقافي والاجتماعي والديني واعتبار الأبوة والأمومة رسالة مقدسة ومسؤولية عظيمة يجب أن تؤديها الأسرة على أكمل وجه . وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته " (3) .
كما يجب على المؤسسات التربوية والاجتماعية والدينية , الاهتمام جيداً بعالم الشباب ورعايتهم وتطويرثقافتهم وشغل أوقات فراغهم بنشاطات متعددة (رحلات - نوادي - جمعيات - رياضة - أدب - علوم - بحث - فنون ... الخ ) مما يتلاءم مع ميولهم ويشبع حاجاتهم ورغباتهم المشروعة. فاستئصال أسباب الجنوح منذ البداية هو الأساس في معالجة هذه الظاهرة لتأمين حياة أفضل للشباب , في أحضان أسرة صالحة ومستوى معيشي جيد وتكوين أسرة عاملة ومتعلمة ومسؤولة, تشكل ضمانة له من الانحراف.
وغياب الشاب عن البيت بسبب الدراسة والتعلم والنشاطات الاجتماعية والفنية المختلفة أمر جيد؛ إذ يبقى تحت رعاية مؤسسات تربوية صالحة. تحلّ محل الأسرة خلال فترة الغياب عن البيت. أما غيابه لساعات طويلة, بسبب الحاجة المادية وانخراطه في العمل بعمر مبكر وتركه الدراسة, فهو أمر سيء له نتائجه الخطيرة . فأجواء العمل غير سليمة وغير تربوية, تنعدم فيها الرعاية والاهتمام الصحيح. وتصبح مرتعاً للعلاقات المشبوهة مع ربّ العمل أو رفاق السوء ومن ثم الانحراف والجنوح .
فالوقاية من انحراف الشباب, تحتاج إلى إجراءات حازمة لمعالجتها من جذورها وذلك بتحسين الأوضاع المعيشية للأسر الفقيرة وانتفاء الحاجة إلى العمل المبكر . وفرض التعليم الإلزامي في المرحلة التعليمية الأساسية.
وتوفير ظروف صحية وسليمة لمتابعتهم الدراسة وإيجاد اهتمامات قيميّة سامية وغايات نبيلة يعملون من أجل تحقيقها .
كلمة أخيرة
ثمة كلمة لا بد منها تخاطب عقول الشباب . وهي أن قوة إيمان الشاب ورسوخ العقيدة الإسلامية في نفسه ووعيه هي الأساس في تحديد مساراته واتجاهاته في الحياة. ووقايته من الانحرافات والشذوذ والبقاء على الطريق الصحيح والصمود أمام مغريات الحياة وعواصفها ومواجهة المخطّطات المشبوهة التي تستهدف تخريب عقول الشباب وإفسادهم من أجل تقويض المجتمع الإسلامي وانحلاله وهدم أسسه .
فالإيمان يمدّ الشاب بالقوة اللاّزمة على الصمود والمواجهة والتحمل والصبر على المكاره ومقاومة الشهوات وحب المتع الدنيوية والجري وراءها ، بهدف الحصول على مرضاة الله تعالى والفوز بوعده وجزائه للصابرين , وتجنب معصية الله تعالى وارتكاب المحرّمات والخوف من عقابه تعالى . وليكن شعار الشاب المسلم قوله تعالى : (ومن يتقِ الله يجعلْ له مخرجاً ويرزقْه من حيث لا يحتسب) (4) .
ـــــــ
هوامش :
(1) رواه البخاري ومسلم في صحيحهما .
(2) سورة النحل الآية/ 125/ .
(3) رواه مسلم في صحيحه .
(4) سورة الطلاق الآ
ــــــــــــــــــــ(42/45)
عودة الطيور المهاجرة
رغم كثرة المشاكل التي تحيط بها.. إلا أن الهجرة تبدو قدرا لا فرار منه للشباب العربي، وفي سبيل هذه الخطوة يتكبد المهاجر كثيرا من العنت والمشقة، سواء كان هدفه الحصول على وظيفة، أم بناء ثروة، أو الحصول على مؤهل علمي.
وعندما وقعت واقعة الحادي عشر من سبتمبر فكر كثيرون أنه آن الأوان للطيور العربية المهاجرة أن تعود إلى أوطانها، وملأ المتفائلون وسائل الإعلام حديثا عن الطفرة التي يمكن أن يحدثها هؤلاء في مجتمعاتهم والتي يمكن أن تحول العالم العربي إلى صورة مستنسخة من الحضارة الغربية.
ولكن الشهور توالت ولم تعد الطيور إلى أوكارها، وفضلت أن تبقى حيث حطت في أوربا أو في أمريكا، متحملة طوفان التحيز والعنصرية والتصرفات العدائية بسبب الدين أو العرق، على أن تعود إلى أوطان قررت هجرها برضاها!!
وقبل أن نتسرع في ظلم الشباب يجب أن نسجل أن ظروفًا علمية وعملية قاسية تضطرهم رغما عنهم إلى اتخاذ هذه الخطوة، فالمناخ العام لا يشجع على الإبداع ولا يحفل بتطلعات الشباب.
توقفت أمام دراسة عجيبة قرأتها عن شباب العلماء في مصر.. تسجل هذه الدراسة أن هناك أكثر من 70 ألف عالم وباحث في مصر تتعدى نسبة الشباب بينهم80%، ورغم ذلك فإن الهجرة هي الحلم الذي اعترف به 88% منهم.
استوقفني الرقم.. هل يمكن وصم كل هؤلاء، وهم خيرة المتعلمين في أكبر بلد عربي، بضعف الانتماء أو نقص الوطنية ؟.. بالطبع لا، فعندما تقرأ بقية المعلومات التي تضمنتها الدراسة تكتشف أن الخروج كان وسيلتهم الوحيدة للحفاظ على مستقبلهم العلمي، فالإنفاق على البحث العلمي في مصر لا يتعدى 1% من الناتج القومي للدولة، وهو رقم لا يكاد يكفي توفير مرتبات هزيلة لهذا الجيش من شباب العلماء والباحثين، في حين أن دولة مثل السويد تنفق 3.4% من ناتجها القومي، وهو أكبر كثيرا من الناتج المصري، وينفق منه على عدد من العلماء أقل كثيرا من العلماء في مصر.
وحسب إحصاءات أكاديمية البحث العلمي المصرية فإن متوسط نصيب الفرد من الإنفاق العلمي لا يتعدى 17 جنيها سنويا، وهو رقم لا يزيد عن 3 دولارات.
وفي لقاء صحفي مع أحد شباب الباحثين قال إن راتبه الشهري لا يتعدى بعد 15 عاما من العمل في مجال البحث مبلغ 1000 جنيه، وهو لا يكفيه لشراء الكتب أو للمشاركة في جمعيات علمية أو الاشتراك في دوريات متخصصة، بل لا يكفي الطعام والشراب، فإذا قرر هذا الشاب الهجرة إلى الغرب فإن هذا الراتب يستطيع أن يحصل عليه مقابل ساعات عمله في يوم واحد.
وقال هذا الباحث: إن النظم التي يجري تطبيقها على أي موظف في ديوان الحكومة هي نفسها التي يلزم بها الباحثون، فهو مضطر للحضور والانصراف في المواعيد المقررة يوميا، ولكنه غير مطالب بالتوصل إلى إنجاز عملي، والراتب الذي يتم تقديره له لا يعطيه أي شعور بالتميز، أو حتى بالأمان والقدرة على التفرغ بدأب لإنجاز حلمه ومواصلة بحثه.
البيروقراطية معوق آخر دفع هؤلاء الشباب إلى الهجرة، فبعضهم حكى رحلة امتدت 5 شهور ليتمكن من الحصول على ترخيص لاستيراد مادة كيميائية يحتاج إليها في بحثه، وطوال هذه الرحلة لم يكن يفعل شيئا إلا التوقيع على أوراق ثم أوراق، ولا شأن له بالمعمل.
أما أكبر الإحباطات التي تعترض طريق شباب الباحثين وتدفعهم إلى الطيران خارج حدود الوطن، فهي تلك العزلة التامة بين ما يقومون به وبين المجتمع، وذلك الجدار السميك بين البحث العلمي والتطبيقات العملية.. فالأبحاث -في معظم جامعات ومعاهد الدول العربية- وسيلة للحصول على شهادة أو ترقية، وإذا حاول الشاب أن يخرج بهذه الأبحاث إلى النور لإفادة المجتمع تصدى له أعداء النجاح والبيروقراطيون، فوضعوا أمامه ألف عائق وكأن خدمة المجتمع جريمة يستحق عليها العقاب !!
هل لنا أن نتخيل كيف سيكون مصير العالم المصري الدكتور أحمد زويل لو أنه لم يغادر مصر في شبابه إلى المعامل ومراكز الأبحاث الأمريكية ؟ الحقيقة المؤكدة أنه ما كان ليصل إلى ما وصل إليه وحصل به على "نوبل"، والنجاح الوحيد الذي كان سيتمكن من إنجازه يتلخص في عمادة كلية أو رئاسة جامعة.
قبل أن نطالب الشباب المهاجرين بالعودة إلى أوطانهم ينبغي لنا أولا أن نتأكد أننا غيرنا المناخ السائد، وأوجدنا البيئة المناسبة للإبداع، وأن نتأكد أن البحث العلمي صار بندا مطروحا على خريطة التنمية العربية بصورة جدية وواقعية تتعدى استخدامها الحالي في الدعاية والتجميل.
ــــــــــــــــــــ(42/46)
حكايات من واقع الشباب!!
مسايرة كل ما هو جديد وغريب.. والغضب لأقل الأسباب
"المراهقة" هي المرحلة التي تتفتح خلالها الزهور.. هي بداية الإدراك والتمييز لمعنى الحياة والوجود.. فيها تتبلور الشخصية وتبدأ في البحث عن الذات.. تتحول من الاستقبال والتلقي إلى البناء والانطلاق وأحياناً الجموح.
ولذلك كان لا بد في تلك المرحلة الحرجة من العمر من مشاركة الأسرة والمجتمع والمدرسة في إرساء دعائم شخصية المراهق أو المراهقة وثبيت أقدامهم على الطريق الصحيح، لكي ينشأ مجتمع قوي سوي سليم.
غير أن الذي نلاحظه باستمرار، هو أن نسبة لا يستهان بها من جيل الشباب في هذا العصر، يحاولون باستمرار تتبع كل ما هو جديد من "صرعات الموضة" ، سواء في المبلس أم المأكل ، أو حتى أسلوب الحياة؛ اعتقاداً منهن بذلك يسايرون طبيعة العصر، في حين أنهم قد لا يدركون أن تلكم السلوكيات قد ترتد عليهم بأضرار كبيرة ولا حصر لها.
شرين الطيب مدرسة ثانوي، تقول: وجدت إحدى الطالبات وقد أحضرت كعكعة حمراء على شكل قالب وحاولت أن تخفي تحت الزي المدرسي بلوزة حمراء وكان معها بعض الورود الحمراء أيضاً.
وقد تعجبت كثيراً من هذه التصرفات ثم تذكرت أن الصحف والمجلات الأجنبية نوهت بما يسمى عندهم بعيد الحب.
عندما سألت الفتاة لماذا أحضرت هذه الأشياء؟
في البداية ادعت أنها مجرد محض صدفة، اقتربت منها أكثر وبدأت أشرح لها ولزميلاتها ما هو عيد الحب (في الثقافة الغربية) ، ملخص القصة أنه عندما تحول فالنتينو من الوثنية إلى المسيحية أنكر عليه مجتمعه هذا الاتجاه وقاموا بإعدامه، فاعتبر الناس ذلك اليوم هو يوم الوفاء له ، وسُمي عيد الحب، فهل بعد كل هذا نشاركهم ونحتفل معهم؟
وهنا أنكرت تلميذاتي في صوت واحد هذا الاحتفال، وقلن: أنت على حق يا أستاذة! ومن واقع هذه التجربة وغيرها أرى أن خير وسيلة لإقناع المراهق أو المراهقة هي المناقشة الجادة، البعيدة عن الأوامر، فقد تحاول البنت أن ثبت شخصيتها بالاندفاع وراء الأفكار المستوردة، لكن المناقشة تنمي بداخلها النظرة السليمة التي جبلها الله عليها وتفتح بداخلها ينابيع الخير والهداية، وتحرص كذلك في المدرسة على عقد الندوات الدينية التي توجه البنات بشكل غير مباشر إلى الهداية والصواب، وتفتح أمامهم مجال الأسئلة في أمور الدنيا والدين.
الريجيم وصديقتي الصغيرة
الدكتورة حسن عاصم غلام تقول: عندي 4 أبناء أكبرهم بنت تبلغ من العمر 13 عاماً، تتطلب طبيعة عملي قضاء ساعات طويلة من النهار خارج المنزل، ولذا فإنني أحاول تعويض أولادي عن غيابي عنهم بالهدايا والحلوى والشوكولاتة.
وقد لاحظت على ابنتي الكبرى أنها بدأت تمتنع عن تناول الحلوى وأحياناً لا تأكل أي شيء على الإطلاق، وعندما سألتها عن السبب أجابت أنها بدأت في عمل ريجيم لتخفيف الوزن، مع أنها لا تعاني زيادة الوزن إلا قليلاً، حاولت أن أوجهها لكنها رفضت، ثم قمت بتجهيز الأكلات المنخفضة السعرات الحرارية ولم تستجب، وظلت على هذه الحالة فترة طويلة ما أدى إلى إصابتها بالهزال الشديد حتى كان اليوم الذي فأجأتها حالة إغماء في المدرسة، وهنا أخذت إجازة من عملي وبقيت بجانبها أهتم بها وأعطيها المقويات والعصائر والأكل الصحي حتى أخذت ابنتي في التحسن تدريجياً بقينا معاً ساعات طوال تحكي لي عن زميلاتها وعن نكاتهن وعن دراستهن فأدركت سر الريجيم الذي اتبعته، فقد كان محاولة لتخفيف الوزن وفي الوقت نفسه لجذب انتباهي إليها، وقد أخبرتني فيما بعد بأنها كانت تحتاج إلى الاهتمام والحب مني أكثر من الهدايا والحلوى.
وبالنسبة لي، كنت أعتبرها قد كبرت ولذا أوليها اهتماماً أقل من إخوتها الصغار، والآن أصبحت لي صديقة جديدة صغيرة هي ابنتي تستشيرني وأستشيرها وأشركها معي في شؤون إخوتها، أحاول أن أجعلها تحس بذاتها وأحاول أن أحتويها وأعطيها الحب والأمان والاهتمام.
شهادة تفوق مزورة
الدكتورة فايزة العسال طبيبة الأسرة تقول: تتميز مرحلة المراهقة بتغيرات هرمونية حادة ؛ ما ينعكس على المراهق ونفسيته فيشعر في بعض الأحيان بالغضب والثورة لأقل الأسباب، وأحيانا قد يشعر بالاكتئاب وعدم التركيز، وقد جاءت لي إحدى المراجعات تشتكي من ابنتها وتأخرها الدراسي، وكيف أنها في محاولة منها لإخفاء هذا التأخر، قامت بتزوير الشهادة التي حصلت فيها على درجات ضعيفة وقدمت لولي أمرها شهادة متفوقة.
ثم طلبت منها الأستاذة استدعاء والدتها فانكشفت الحقيقة التي حيرت الأم فلجأت إليَّ لتسألني عن الحل، استدعيت الابنة وكانت تبدو في حالة من الشحوب والضعف وتشتكي من الصداع المزمن وعدم القدرة على التركيز.
بدخول الفتاة مرحلة المراهقة امتنعت عن الكثير من الأطعمة المفيدة وأخذت في التركيز على الشيبس والعصائر، وبتحليل نسبة الهيموجلوبين ثبت إصابتها بالأنيميا الحادة نتيجة نقص تناول الحديد والفيتامينات وخصوصاً "ب" المركب والحديد.
ولذا أنصح الأمهات أن يولين العناية والرعاية الصحية والنفسية للبنات في تلك المرحلة، وكذلك تقوية الوازع الديني لديهن الذي يؤدي إلى الشعور والاطمئنان، وبالتالي تمر فترة المراهقة وقد ازدادت البنت إيماناً وصلابة وقدرة على مواجهة الحيا
ــــــــــــــــــــ(42/47)
الشباب .. وأزمة "الانتماء"
استوقفني ذلك الحشد الكبير الذي تجمع أمام إحدى دور العرض السينمائي في وسط القاهرة ، حتى كاد أن يشل حركة المرور بالشارع كله . كانت الإعلانات المعلقة على مدخل السينما تشير إلى عرض فيلم اسمه (اللمبي) ، ينتمي إلى الأفلام التي تسمى "شبابية" ، والتي شكلت ظاهرة في السينما المصرية في السنوات الأخيرة .
والفيلم أثار جدلاً واسعاً لجهة مضمونه القيمي ؛ فقد انحاز الفيلم للقيم المادية الوافدة على المجتمع المصري على حساب قيم أخرى قائمة وراسخة مثل الأسرة. ومصدر الجدل ليس المضمون القيمي للفيلم فحسب ، بل ذلك الإقبال الجماهيري الواسع الذي لقيه الفيلم.
وقفت أتفرس في وجوه ذلك الحشد الكبير الذي كانت غالبيته العظمى تنتمي إلى فئة الشباب دون الخامسة والعشرين ، أطرقت ملياً وعدت بذاكرتي (بضعة أشهر فقط) مسترجعة مشاهد تلك التظاهرات التي عمت الشارع العربي تعبيراً عن الغضب مما يحدث في فلسطين والتي شهدت فاعلية شبابية لم يسبق لها مثيل ، حتى شملت مشاركتهم أنشطة دعم الانتفاضة الأخرى من تنظيم مؤتمرات وجمع تبرعات وغير ذلك.
تساؤل مقلق يشغل بال المراقب : هل هؤلاء الشباب المحتشدون أمام السينما هم أنفسهم الذين شاركوا من قبل بالمظاهرات ؟
قد يرى البعض أن مجرد إقبال الشباب على الفيلم لا يتعارض مع دعمهم للقضية الفلسطينية ، ولكن تساؤلنا لا يقف عند هذا المستوى التبسيطي . المتأمل في المشهد العام يرى أن الشباب أصبح فريسة لمجموعة من القيم المتناقضة (والمتصارعة أحياناً ) ؛ ما انعكس في صورة سلوكيات متنافرة ؛ الاهتمام بقضية الأمة والاهتمام الكبير بفيلم هامشي غرائبي (بطل الفيلم سخر من أسرته وأمطرها بوابل من الشتائم!!) والأسرة تشكل دائرة الانتماء الأولى ، والمظاهرات الاحتجاجية تعكس تحفز الشعور بالانتماء للأمة والدين.
تساءل كثيرون عن أسباب اندفاع الشباب بمختلف مشاربهم الفكرية وتوجهاتهم السياسية للمشاركة في أنشطة دعم الانتفاضة ؛ فبعضهم افترض أن المشاركة كانت الفرصة الوحيدة المتوفرة أمام الشباب للتعبير عن أنفسهم وانتمائهم وتطلعهم للمشاركة بالقرار، وبعض آخر أرجعها إلى غياب (وبتعبير أدق سقوط) المشروع القومي الذي أحدث غيابه فراغاً كبيراً لم تفلح في ملئه قضايا هامشية تطرحها وسائل الإعلام ، فتقدمت القضية الفلسطينية لتشغل ذلك الفراغ ، وشكّل الكفاح الفلسطيني نموذجاً صالحًا للاحتذاء في وسط ذلك الواقع الذي يعج بالمشاكل والأزمات على مختلف المستويات.
شهدت فكرة "الانتماء" تراجعاً ملموسًا بعد هزيمة 67 ، ومع كثافة التحديات التي واجهت - ولا تزال - مفهوم "الهوية" بدأ يتم التركيز على انتماءات ضيقة ومتنافسة ، سواء على مستوى الدولة أم المدينة إلى الانتماء إلى جماعات وفرق تصل إلى "الأهلاوي" و "الزملكاوي" !
ويشيع الآن أن الشباب أكثر فئات المجتمع خروجًا على الانتماء ، لكن العوامل التي دفعت إلى تراجع (وليس اختفاء) فكرة الانتماء امتد تأثيرها إلى الجميع ... لكنها ربما تأخذ مع الشباب - بما يحمله من طاقة وطموح ، وما يمثله من بداية للحياة - صورة أكثر بروزًا ؛ فكيف سيشعر الفرد بالانتماء لوطنٍ لا يملك فيه لقمة عيشه أو أرضاً يسكن فيها؟ وكيف سيشعر بالانتماء لوطن لا يحصل فيه على حقوقه الطبيعية ، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ؟
في ظل هذه الأوضاع لا يمكن الوقوف عند لوم الشباب على التحرر من الشعور بالانتماء ، بل يجب الحديث عن الأسباب التي همّشت ذلك الشعور ، وعن كيفية تذليل العقبات التي تحول دون ظهوره .
والدولة بمختلف أجهزتها تتحمل قدراً كبيرًا من المسؤولية عن ذلك ، وتملك زمام المبادرة لاحتواء هذه المشكلة ، بدءًا من إصلاح الإعلام الاستهلاكي المشبع بالنمط الغربي في الحياة والتفكير ؛ ما يحدث تناقضاً صارخًا بين ما يتم تقديمه في الإعلام وما يشكل ميراث الأمة من الدين والتقاليد.
والتحدي الأكبر أمامها هو ضرورة الحد من البطالة لأن الهجرة تعني - فيما تعني - البحث عن وطن بديل ، وفي دراسة أعدتها كاتبة هذه السطور على مجموعة من الشباب الجامعي اتضح خلالها أن 54% من هؤلاء يؤثرون الهجرة إلى الخارج من أجل الحصول على فرصة عمل جيدة .
ويشكل النشاط السياسي إحدى الوسائل لاستعادة الشعور بالانتماء ، وتعزيز قيمة الذات والانخراط بدور فاعل في المجتمع يؤدي للمشاركة في صنع القرار ويخرج بالفرد من الحالة الهامشية التي يعيشها.
ــــــــــــــ
* باحثة م
ــــــــــــــــــــ(42/48)
الشباب وثقافة الغرب
كان للتطور المادي الذي شهدته البشرية في العقود الأخيرة نتائج سلبية ومؤلمة في حياة كثير من الشعوب، وخاصة في الفترات الأكثر حيوية وتجدداً من ضمن فئات مجتمعات هذه الشعوب ؛ فئة الشباب.
والسبب في ذلك يعود للتركيز المبالغ فيه الذي مارسته العولمة الإعلامية على هذه الفئة، باعتبارها الفئة ذات الاستهلاك الأكبر للمنتجات التي أفرزها هذا التطور المادي، فضلاً عن كونها الفئة الأسهل اختراقاً من قبل آليات تلك العولمة، لرخاوة قيمها ومبادئها ولحاجاتها الجسدية الملحة وطاقاتها المتفجرة.
وبناءاً عليه استطاعت حضارة المادة أن توقع بأعداد كبيرة من هؤلاء الشباب في شَرَك ألوانها الفاقعة وأنماط سلوكياتها وقيمها، التي لا هدف لها سوى تعظيم أرباح شركاتها. وزيادة انتشار منتجها، حتى لو كان وراء ذلك ليس تدمير ثقافة وقيم المجتمعات التي ينتمي إليها هؤلاء الشباب، بل وتهديد حياتهم بالخطر في كثير من الأحيان.
وكان أن انتشرت في أوساط الشباب الكثير من الأمراض الجنسية ، ليس الإيدز نهايةَ مطافها، فضلاً عن انتشار المخدرات والجريمة.
تمثلت الإشكالية الأساسية في هذا السياق، بإصرار الطرف الذي يمتلك ناصية التطور المادي، باشتراطه مسبقاً أن يصار إلى توطين واستبطان قيمه المذكورة بالتزامن مع استهلاك منتجه، مستأنساً في ذلك بحملة إعلامية وثقافية شرسة، كان أهم أهدافها المعلنة، سلخ فئات الشباب هذه من مجتمعاتها وإلحاقها بتطبيع المستهلكين المعولمين.
الإشكالية الثانية تمثلت بأن هذه الحملة استهلاكية الطابع والمضمون قد تم تحميلها بحمولات سياسية ذات أبعاد خطيرة حيث راحت تصنف كل أشكال الممانعة التي تواجهها وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، على أنها شكل من أشكال الإرهاب، وليس أدل على ذلك سوى الحملة الشعواء التي شنتها الدوائر الغربية على مناهج التعليم والتربية في بعض الدول الإسلامية، التي تستخدم في تنشئة الأجيال الصاعدة، وتحصينها ضد الوقوع في ذلك.
والسؤال الآن: كيف هو حال الشباب المسلم في ظل تبعية عالمية ومناخ ثقافي عالمي، طارد للقيم والثقافات التي تتعارض مع توجهاته ونهجه؟
كان لتطور الحضارة المادية في الغرب، والتوجهات الثقافية التي رافقتها، وقع مختلف في العالم الإسلامي؛ حيث نُظر لمفرزات هذه الحضارة، والسلبية منها خاصة، على أنها تمثل تحدياً خالصاً لا بد من صوغ استجابات معينة لمواجهته.
محاولات النخب المرتبطة بالغرب ثقافياً واقتصاديا، تسهيلَ نشر وتوطين قيم تلك الحضارة، جعل التحدي يأخذ بعدًا أكبر ، لكن العمق الحضاري للأمة والتراث الديني والثقافي المتجذر في التاريخ لا يزال يشكل حائلاً دون الاندماج في تلك القيم الوافدة .
إن الناظر إلى العالم الإٍسلامي قبل ثلاثة عقود من الزمان وكيف كانت الدعوات التغريبية تجد صداً حسناً لدى أبناء هذه الأمة، والناظر إلى حال الأمة حاضراً وكيف أصبحت الأمة محصنة في أجزاء كبيرة منها بجهود علمائها ومخلصيها، سيجد هناك فرقًا واضحًا لمصلحة أبناء هذه الأمة، ومستقبل تنشئتها وتشكل عودة الحجاب وظاهرة الالتزام الديني دلالة على انتصار هذا التوجه.
"سلمى" فتاة من عائلة متوسطة وفي العشرينيات من عمرها، تعيش ضمن عائلة ذات توجهات علمانية بعض الشيء ، معرفتها بدينها معرفة سطحية لا تتجاوز ما تعلمته على مقاعد الدرس، وبعد زيارة لها إلى شقيقتها التي تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية قررت ارتداء الحجاب والتزام الدين بطريقة أذهلت المحيطين بها عن حقيقة هذا التحول.
تقول سلمى: إنها حين شاهدت المرأة في الغرب وأسلوب حياتها، ونظرة المجتمع لها، أدركت الفرق الهائل بينها وبين المرأة المسلمة، فهي في الغرب إما سلعة، وإما حيوان مستهلك، وإما مدمنة على قارعة الأرصفة، في حين أنها في العالم الإسلامي، أم تحت أقدامها الجنة، ومدرسة عظيمة مؤتمنة على مستقبل الأمة.
أكثر من ذلك فإن سلمى ترى في الإسلام حصنًا وحماية لشابة مثلها، فالإٍسلام كفيل "حسب قولها" بتشذيب الطاقة الكامنة بداخلها وتحويلها إلى قدرة خلاقة ومبدعة في خدمة المجتمع وعمل الخير.
قاسم شاب في بداية العقد الرابع من عمره دفعته حياته السابقة إلى الاطلاع على الكثير من التيارات الفكرية المتعددة وتجريب أنماط حياة مختلفة، لا يختلف عن سلمى بصلته بدينه، حيث العلاقة شكلية، وخاصة في مدى تأثير الدين بسلوكه.
المحيطون بقاسم فوجئوا بتوجهاته الجديدة، حيث بدأت تظهر عليه علامات التدين والالتزام ، والسبب - حسب قول قاسم - أن الإسلام هو الملجأ الذي حماه كشاب من انزلاقات كان من شأنها ليس تشويه أخلاقياته وحسب ، وإنما تحطيم حياته المستقبلية " ، ويضيف قاسم "أنه بات مسؤولاً عن أسرة ، وأنه ليس هناك أفضل من الإسلام قيمة ومعتقداً لهذه الأسرة".
يمثل كل من قاسم وسلمى نماذج لشباب استفادوا من الصحوة الإسلامية، ومن المناخ الإسلامي الذي انتشر مؤخراً ، وكان له نتائج طيبة ، عبرت عنها بعض التقارير مبينة أن الشباب المسلم هو أقل الشباب في العالم إصابة بالأمراض التي ينشرها الشذوذ الجنسي "الإيدز" على سبيل المثال، وهو أقل الشباب إدماناً على المخدرات والمسكرات.
ــــــــــــــــــــ(42/49)
الشباب والقات في اليمن بين الإباحة والتحريم
تشكل جلسات تعاطي القات واحدة من أكثر الظواهر الاجتماعية انتشارا في اليمن، إذ يقبل عليها ما يزيد عن (50- 90 %) من الذكور الذين بلغت أعمارهم 18 سنة أو أكثر، و(30- 50 %) من النساء المتزوجات، ما يعني أن الشباب هم أكثر المتعاطين لهذه العادة السيئة التي لها آثارها الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية الضارة .
ولا ينفصل الحديث عن اليمن وتاريخها من المرور على هذه الظاهرة التي ينظر لها اليمنيون كجزء من موروث شعبي أصبح يمثل أبرز ملامح
حياتهم اليومية، إذ تشكل جلسة تعاطي نبتة القات أو ما يطلق عليها اليمنيون "التخزين" مناسبة اجتماعية شبه يومية، يجتمع فيها الأهل والأصدقاء، ويتم من خلالها التعاطي مع شتى مفردات الحياة العامة، فتنظم الزيجات وتبرم الصفقات وتتداول الآراء السياسية ووجهات النظر المختلفة.
لا إيجابيات
يقول د. عبدالله معمر (رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة صنعاء) معلقا على هذا المنحى من تأثيرات القات على الحياة الاجتماعية باليمن: "ربما تكون الحسنة الوحيدة لهذه النبتة الشيطانية أنها تعطي نوعا من الزخم للعلاقات الاجتماعية بما تتيحه مجالسها من لقاءات وتقارب بين الناس، وما عدا ذلك فلا يوجد للقات أي تأثير إيجابي على ملامح الحياة في اليمن."
في حين يشكك الأستاذ أحمد جابر عفيف، رئيس مؤسسة العفيف الثقافية في اليمن، وأحد أبرز المناهضين لهذه الظاهرة، في أن يكون لنبتة القات أي جوانب إيجابية تذكر قائلا: "ليس للقات أي حسنة أو جانب إيجابي، فحتى جلساته الحميمة سرعان ما تنفض على لا شيء، والاتفاقات والنقاشات التي يتم تداولها في هذه الجلسات تتحول إلى سراب بمجرد زوال المخدر وانتهاء وقت التخزينة، وفي اعتقادي أن هذه الجلسات كثيرا ما تلعب دورا في تأزيم العلاقات بين الناس نتيجة عدم الثقة بنتائجها".
أما المتعاطون للقات فيرون بأنه يمدهم بنشاط ذهني وعضلي، ويوثق علاقاتهم الاجتماعية، كما أنه وسيلة للتسلية، وقضاء أوقات الفراغ، ويرتبط أيضاً بالمناسبات الاجتماعية خاصة في الأفراح والمآتم وجلسات الصلح بين القبائل.
في حين يرى آخرون معارضون لهذه العادة بأن القات سبب من أسباب التفكك الأسري، حيث يقضي المتعاطي ساعات طويلة في جلسة التعاطي بعيدا عن زوجته وأولاده، وكذلك الحال إذا كانت الزوجة تتعاطى القات حيث تجلس هي الأخرى مع صاحباتها لساعات طويلة بعيدا عن الزوج والأولاد ما يضعف من الروابط الأسرية.
الحكم الشرعي
ولم يقتصر هذا الانقسام والتباين إزاء هذه الظاهرة على وجهات النظر بل امتد إلى جدل ديني حول مشروعية تعاطي القات في الشريعة الإسلامية، حيث يرى مؤيدو الظاهرة أنه لا توجد معايير علمية دقيقة ومحددة يمكن من خلالها تصنيف نبتة القات كمادة مخدرة، وهو ما يمكن معه الاجتهاد بالقياس والقطع بتحريمها ومنافاتها لمقررات الشريعة الإسلامية، ويقول رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك حمود البخيتي في هذا الصدد : "لا يستطيع أحد الجزم أو القطع بتحريم تعاطي القات، حيث لم يثبت أي تحليل علمي شمول القات على أي مادة مخدرة كي يقاس على تحريمها، بل على عكس ما يعتقد، فإنه يحتوي على نسبة ضئيلة من مادة الكافيين المنبهة، ولذلك فهو يساعد على التنبه واليقظة لا على الكسل".
إلا أن مثل هذا القول القاضي بمشروعية تعاطي القات يتراجع أمام جملة من الأدلة القاطعة بثبوت تحريمه وتعارضه مع مقررات الشريعة الإسلامية.
ويقول د. حسن الأهدل (عميد كلية الشريعة والقانون سابقا) مدللا على هذا الحكم: "الشريعة الإسلامية قطعت بتحريم كل ما يضر الإنسان أو يتسبب له بالأذى رحمة من الخالق جلا وعلا بخلقه، فحرمت الخمر بنص صريح
رغم أن للخمر في نظر البعض فوائد، ولكن مجموع هذه الفوائد تتضاءل أمام الكم الهائل من الضرر الذي يمكن أن يلحق بالإنسان جراء تعاطيه الخمر، لذلك جاءت حكمة التحريم اتقاء لضرر عظيم، والقات له نفس القياس، فأوجه ضرره أكثر من نواحي نفعه وفوائده، لذا حكمه حكم كل ما يضر الإنسان .. التحريم القاطع ".
ويضيف الشيخ عبد المجيد الريمي، أحد علماء الدين في البلاد، مؤكدا حرمة هذا التعاطي بقوله: "يقول الخالق جلا وعلا في محكم آياته: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" كما يقول: "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين" وفي تعاطي القات إلقاء بالنفس إلى التهلكة وتبذير يصل حد السفه، فالأموال التي تدفع لاقتناء هذه المادة تكون دائما على حساب حياة الفرد والأسرة، وفي مجموعها إغراق للمجتمع بأسره في الفقر والعوز، إضافة إلى أن القات يصرف الإنسان عن الصلاة في مواعيدها، فمتعاطي القات يضطر لجمع فرضي الظهر والعصر في وقت واحد وصلاة واحدة كي يتسنى له الجلوس لتعاطي القات، كما أن الأرق والسهر الناتج عن تأثيرات القات يفوت على الكثيرين نعمة صلاة الفجر".
أضرار صحية
ويوضح د. أحمد سالم صلاح (المستشار بوزارة الصحة اليمنية ومؤلف كتاب "القات أبعاد المشكلة والحلول") الأضرار الجسيمة التي يلحقها تعاطي القات بالفرد والأسرة والمجتمع بأسره بقوله: "القات أو (الكاثا ايدوليس) كما يسمى باللغة اللاتينية، يتكون من مادتي الكاثين والكاثينون الكيميائيتين اللتين تؤديان إلى نتائج مشابهة لآثار الامفيتامين على صحة الإنسان من ارتفاع لضغط الدم وحرارة الجسم إلى جانب إفراز الأدرينالين، إضافة إلى أنه من الأسباب المباشرة لأمراض الكبد نتيجة احتوائه على مادة التانين " التي تؤثر على نشاط الكبد ووظائفه، وقد تؤدي إلى الإصابة على المدى البعيد بتليف جزئي أو كلى للكبد"
وإلى جانب كل ذلك يرى الأطباء أن القات ليست له أية فوائد صحية كما يتوهم بعض المتعاطين، ويعددون الكثير من الأمراض التي تسبب فيها القات، ومنها صعوبة التبول، والإفرازات المنوية اللاإرادية بعد التبول وفي أثناء المضغ، وذلك لتأثير القات على البروستات والحويصلة المنوية، وما يحدثه من احتقان وتقلص، كذلك يتحدث الأطباء عن الضعف الجنسي كأحد نتائج إدمان القات.
كما يؤدي إدمان القات إلى زيادة نسبة السكر في الدم، مما يجعل متعاطيه أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري، ويقلل نسبة البروتين في الدم، مما يؤثر على نمو الجسم، ولعل هذا ما يفسر الهزال وضعف البنية لدى
غالبية المتعاطين في اليمن على سبيل المثال.
وقد لاحظ الأطباء ارتباطاً بين ازدياد حالات سرطان الفم والفك وبين إدمان هذا النبات المخدر، خاصة في السنوات الخمس الأخيرة إذ انتشرت عمليات استخدام مواد كيميائية غير مسموح بها عالمياً ترش على هيئة بودرة أثناء زراعته.
ولتعاطي القات بعد اجتماعي سلبي آخر تلخصه د. ابتسام الأزهري، وهي أكاديمية يمنية، لها العديد من الأبحاث المبينة لانعكاسات تعاطي القات على حياة الأسرة اليمنية بقولها: " يقتطع القات ما يزيد عن50% من دخل الأسرة، وكثيرا ما يعمل على زعزعة العلاقات الأسرية بسبب الإنفاق الكبير لرب الأسرة على القات ما يؤثر على تلبية الاحتياجات المعيشية، وخاصة الجوانب المتعلقة بالغذاء والتعليم، وهو ما ينعكس في النهاية على الجو العام للأسرة، ويكفي أن نعرف أن ما يزيد عن 650مليون دولار ينفقها الناس سنويا للحصول على هذه المادة فيما تبلغ فاتورتهم من القمح المستورد 600 مليون دولار سنويا".
ولا تتوقف انعكاسات تعاطي مادة القات عند حدود الأضرار التي تلحق بصحة الأفراد والمستوى المعيشي للأسر فحسب، بل تتجاوز ذلك بكثير، ويقول د. حسين علوي الجنيد (أحد أبرز الخبراء الزراعيين في اليمن): "إن زراعة القات تحتل المرتبة الأولى بين المحاصيل الزراعية النقدية في البلاد، من حيث المساحة المزروعة وكمية الناتج الزراعي والمساهمة في الناتج المحلي العام بعد النفط، وإن أكثر من9.5 % من الأراضي المزروعة و5.3% من نسبة الأراضي الصالحة للزراعة في البلاد مزروعة بالقات، فيما يبلغ إجمالي المبالغ الداخلة في تكاليف زراعته وتداوله واستهلاكه نحو ثمانية وخمسين مليار ريال وفقا لتقديرات الدراسة لعام 2000م، وهو ما يمثل نحو 6.3% من الناتج المحلي من غير النفط، ونحو 30% من الناتج المحلي للزراعة".
وتدرك الحكومة اليمنية سلبيات القات، ولكنها تدرك أيضا أنه لا يمكن مقاومته في المدى المنظور، وحتى الدعوات للإقلاع عن تناوله فإنها تأتي نظرية وإرشادية من دون أن تقترن بقرارات حازمة. فالرئيس اليمني علي عبدالله صالح وجد في مخاطبة الحركة الشبابية فرصة لدعوة الشباب إلى ممارسة الرياضة والإقلاع عن تعاطي القات، ولكن في المقابل فإن التعليمات الرسمية للامتناع عن تناول القات أثناء العمل تبدو غير منفذة على الأغلب.
ويُرجع الأستاذ عبد الحميد الحزمي، وكيل وزارة الخدمة المدنية، عدم تجاوب الكثيرين مع القرارات الرسمية بمنع تداول القات على الأقل في المؤسسات الحكومية إلى ما وصفه "بسطوة هذه العادة وحضورها القوي عند القطاع الأعظم من الشعب اليمني" إذ يقول في هذا الصدد: "القات هو الظاهرة التي يمكن لنا القول بأنها تخطت القرار، لقد كان قرار المنع خطوه جيدة، على الأقل بدأنا نهيئ الناس لتقبل هذا الأمر، وأعتقد أن عدم التجاوب الذي لمسناه مرده سطوة هذا العادة وحضورها القوى عند الناس "
وهكذا تقف ظاهرة تعاطي القات كواحدة من أكثر المعضلات الاجتماعية التي تحد من تطلعات اليمنيين نحو تحسين ملامح حياتهم، في ظل معطيات تؤكد يوما بعد آخر اتساع مساحة التفاقم المطرد لتأثيرات هذه الظاهرة، الأمر الذي لا يمكن معه التفاؤل بإحراز أي تقدم يكون له أثره في تحسين مفردات الواقع اليومي لليمنيين قبل النجاح في اجتثاث هذه النبتة الشيطانية .
ــــــــــــــــــــ(42/50)
الشباب والإجازة ..
هل تحولت الإجازة إلى همّ وقلق حتى نُجهد أنفسنا في البحث عن سبل التخلص منها، وتمضية الأوقات ؟ سؤال جدير بالبحث والمناقشة.
شباب يتحدثون عن إجازاتهم
شباب: إننا الآن في إجازة رسمية، انتهت الامتحانات الجامعية، ولم يعد لنا شيء نفعله، إننا كشباب لا نستطيع الجلوس في المنزل، فهو أمر مزعج ، فلا بد من الخروج إلى أي مكان لتمضية الوقت. نحن لا يربطنا وقت ولا زمن، نجلس إلى ما شاء الله، ولا يقطعنا عن الاجتماع إلا مناسبة عائلية مهمة لا بد من حضورها أو شغل طارئ يعرض لأحدنا .. وقال آخر: إننا هنا نمضي أوقاتنا تارة باللعب وأخرى بالكلام ..، المهم تمضية الوقت فقد أصبح الوقت طويلاً جدًا ومملاً!
وفي مكان بعيد عن الطريق في إحدى البراري ، التقى شبان آخرون وقد أوقدوا الفحم واستعدوا للشواء، وحولهم مجموعات أخرى .. التلفاز يعمل وهم في غفلة عنه ، والأصوات تعالت ...
ما الذي تعنيه لكم الإجازة ؟
الإجازة في الحقيقة أول ما تبدأ تجلب لنا السعادة والسرور، إذ ننطلق دون هم نحمله نحقق ما تصبو إليه نفوسنا من اللهو واللعب والاجتماع والأنس، ولكن لا تلبث بعد قليل أن تكون هما ثقيلاً علينا، إذ كيف نمضي هذا الوقت الطويل دون ملل وسآمة وبلا رتابة وتكلف؟!
وكيف يكون الحال في النهار؟ في النوم طبعًا، إلى الظهر أو إلى العصر أحيانًا، إن السمر لا يصلح إلا في الليل. هذا فضلاً عن الشباب الذين يتسكعون في الأسواق ويزدحمون في الشوارع والمطاعم وينفثون دخانهم في المقاهي...
آراء المختصين
يتحدث الدكتور عمر بن سعود العيد (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) عن قسمين من الشباب : قسم يظن أن الإجازة هي فترة نوم وكسل وسهر وتفريط، بل إن بعض الشباب يعتقد أن الإجازة فرصة للعكوف على المعاصي والظلمات، فلا يجني الإنسان من ورائها إلا سيئات بعضها فوق بعض وظلمات بعضها فوق بعض ونعوذ بالله أن نكون ممن يملأ أيامه وعمره بالذنوب والمعاصي .
وقسم آخر - وهم قليل- يشعرون بأن الإجازة فرصة للاستفادة المعنوية والمادية والروحية، فقد استعدوا لها قبل مجيئها، وأهلوا أنفسهم لها قبل حلولها، وهؤلاء تجدهم في إجازتهم فرحين مستبشرين بما يجدونه من زيادة في المعرفة والعلم، وبما يحققونه من فوائد جمة لا تتاح لهم في غير الإجازات.
الدكتور سعد البريك (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) يؤكد أن الإجازة قطعة من العمر وليست خارج الزمن، ويحذر من الوقوع تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ".
كيف تخطط للاستفادة من الإجازة
الدكتور عبد العزيز بن عبد الرحمن الدهش (المستشار بوزارة المعارف وعضو هيئة التدريس بكلية المعلمين) يطرح على الشباب السؤال التالي: كيف تقضي الإجازة الصيفية ؟ اعتبر أن هذا السؤال وجهه إليك صديق ، ترى بماذا ستجيب؟ أرجو أن تقترح إجابة قابلة للنشر لا تزيد عن ثلاثة أسطر.
اسأل نفسك بعد ذلك : ما أهم ثلاثة أعمال أو مشروعات قضيت بها الإجازة الماضية ؟
بعد تأملك في الإجابات السابقة انظر هل تزيد درجة الرضا عن نفسك عن خمسين في المائة؟ إذا كانت كذلك فاعمل على زيادتها قد تكون أقل من خمسين في المائة إذا فأنت تتفق معي على أن الأمر بحاجة إلى مراجعة ومحاسبة.
من هنا يبدأ التخطيط
وإذا كنت فعلاً ممن يبحثون عن الجدية في الاستفادة من وقت الإجازة فإني أعرض عليك طريقة تعينك على التخطيط الصحيح:
أمسك قلمًا وورقة مناسبة، وارسم فيها جدولا مكونا من أربعة حقول، الحقل الأعلى وهو الكبير تضع فيه كل ما تتمنى تحقيقه في حياتك، الحقل الثاني سيكون للطرق والوسائل التي تحقق هذه الأمنيات والتي ستقوم أنت بها، وسيكون الحقل الثالث للطرق والوسائل التي يمكن للآخرين أن يستخدموها لحققوا بها تلك الأمنيات، أما الحقل الأخير فسيكون لبعض الملاحظات والأفكار التي تعينك على تحقيق ما ذكرته أعلاه.
ابدأ أولا بالحقل الكبير، وضع فيه ما تتمنى تحقيقه في حياتك ... أعد النظر في هذه الأمنية وتأمل هل تستحق هذه الأمنية أن تصرف لها حياتك، إن كانت الإجابة بلا فأعد صياغة الأمنية، وإن كانت بنعم فاكتب في الحقل الثاني هذه العبارة "أستطيع بإذن الله تحقيق هذه الأمنية بما يأتي" : (وهنا أرجو أن تكتب ما تستطيع من وسائل وطرق)
اكتب أيضًا في الحقل الثالث الطرق والوسائل التي يمكن للآخرين أن يستخدموها لتحقيق مثل هذه الأمنية.
وهنا أسألك هل هناك فرق بين وسائلك ووسائل الآخرين لتحقيق أمنياتهم؟ إذا لم يكن هناك فرق فأنت رجل عادي، وإن كان هناك فرق فأنت أقرب إلى الإبداع إذا كانت وسائلك أفضل، ومع ذلك يمكنك أن تستفيد من وسائل الآخرين وتضيفها إلى وسائلك. أما إذا كانت وسائلك أقل فإن عليك أن تزيد في همتك، وتستفيد من خبرات الآخرين.
الحقل الأخير في هذا الجدول ستكتب فيه بعض الأفكار والملاحظات وغير ذلك مما هو متعلق بما كتبته بدقة قبل ذلك.
أخيرا أيها الشاب حتى تكون عمليًا فعالاً ومبدعًا وذكيًا نفذ أكبر قدر من البرامج والمشروعات الصغيرة التي ذكرتها خلال الإجازة.
أفكار للاستفادة من الوقت أيام الإجازات
ويقترح الدكتور عمر العيد بعض الأفكار التي يمكن للشباب الاستفادة منها في قضاء الإجازة مستندًا إلى مبدأ مهم هو قضاء الوقت فيما يرضي الله ويبعد عن سخطه وغضبه، فالأوقات إذا لم تملأ بالطاعات فإنها ستملأ بالمعاصي والمنكرات.
من ذلك زيارة العلماء وطلبة العلم، وصلة الأرحام ومواساتهم وإسداء المعروف لهم ،
وتعلم القرآن وتعليمه لقوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه ".
في حين يضيف الدكتور الدهش:
- هل خطر في ذهنك أيها الشاب أن تعد لنزهة خلوية ممتعة ونظيفة مع بعض زملائك، ويوضع لها برنامج سابق يشتمل على ما هو نافع ومفيد من موضوعات هادفة وبرامج رياضية نافعة وزيارات للأماكن التي يعود أثرها على المرء.
- لماذا لا تكون الإجازة فرصة للاستفادة من دورات الحاسب الآلي لزيادة معرفتك واطلاعك عليه؟
- ليكن في وقتك نصيب للقراءة والاطلاع على كتب الأدب الهادفة والتاريخ، فإن فيها أثرا في شحذ الهمة ورفعة النفس وقوة العزيمة والتخلق بأخلاق العرب والمسلمين.
- قد تكون الإجازة فرصة لإعداد ملف عن موضوع معين نشرت عنه بعض الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت، فاستغلها ولا تتردد ولا تؤجل، ولتكن هذه أول تجربة لك
ــــــــــــــــــــ(42/51)
الشباب الفلسطيني .. إحباط ويأس وأوضاع متردية
يعيش الشباب الفلسطيني أوضاعًا مأساوية وضعته على مفترق طرق صعب وخطر • حالة من التيه والعجز والإحباط تسيطر عليهم في ظل ضياع الأمن والأمان ، والأمل في المستقبل ، الذي بدا أكثر سوداوية في عيونهم •
ولجأ الشباب الذين ضاقت بهم الأرض ذرعا للبحث عما يفجرون فيه مكنوناتهم ، ويصرفون فيه أوقاتهم ، وهم يحاولون عبثا الخروج من واقعهم إلى واقع جديد يجدون فيه أنفسهم ، ويشقون فيه طريقهم ، ويبنون فيه بلدهم التي دمرها الاحتلال ونسف كل معالم الحضارة فيها •
فهل ترى يستطيعون تغيير الواقع ، أم أنهم سيبقون أسرى الأوضاع المتردية ، كقشة في مهب الريح تتجاذبها التيارات المختلفة •
يبحثون عن عمل
كاظم الغف (25 عامًا) حاصل على درجة البكلوريوس في البيئة وعلوم الأرض ، تخرج منذ ما يقارب العام ، وبعد بحث طويل عن فرصة عمل ، تم توظيفه في مشروع تشغيل البطالة التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ، وبطبيعة الحال ، فإن الغف لن تكتمل سعادته بهذه الفرصة التي سرعان ما ستتبدد بعد انتهاء عقد العمل الذي لا يستمر أكثر من ثلاثة أشهر •
ومع أن الغف وجد فرصة مؤقتة إلا أنه يجد وقت فراغ كثير يسعى لإضاعته حيث يقضي معظم وقته بعد إنهاء دوامه في العمل بلعب كرة القدم مع أصدقائه ، أو في الحدائق العامة ، أو السير في الشوارع ، وفي بعض الأوقات في مقاهي الإنترنت ، يتابع من خلالها أخبار الرياضة ، ويتسلى بالمحادثات الجماعية والتعرف إلى أصدقاء جدد •
ويقول الغف الذي ما يزال عَزَبَ : "في بعض الأوقات يكون الأمر مسليا ، وفي البعض الآخر يكون مملا ، وأصبحت حياتي أشبه بالروتين؛ لأنني لا أجد ما أفعله" •
ويضف الغف : "أنا محظوظ لأنني وجدت عملاً لمدة ثلاثة أشهر ، لكن جميع زملائي الذين تخرجوا معي لا يجدون عملاً ، وما يزالون يعيشون على أمل أن تنفرج الأزمة"
ودعا الغف الشباب أمثاله لعدم اليأس قائلا : "أدعو الشباب لعدم اليأس لأنني كدت أصل لهذه المرحلة ، ولم أخرج منها إلا بمساندة أهلي ، على أمل أن تتحسن الأمور في المستقبل" •
أما محمود الغزالي (23 عاما) فهو حاصل على شهادة البكالوريوس في التجارة ، حاله أسوأ من سابقه ، فهو يشعر بالملل في حياته بعد أن فقد كل أمل في العثورعلى وظيفة أو بناء مستقبل أسري مستقر ، أمضى فترة طويلة في البحث عن وظيفة دون جدوى ، وقال: "بحثت عن وظائف دون جدوى ، ما أصابني بإحباط وحال دون استمراري في البحث ، لأنني واثق أن الجهود ستذهب هدرا ، وهذا الحال ينطبق على كل الطلاب الذين تخرجوا معي ويبلغ عددهم حوالي مائة طالب" •
ويضيف : "في ظل هذه الحالة أقضي معظم وقتي في متابعة نشرات الأخبار ، وما تبقى منه على جهاز الكمبيوتر أو مع الجيران ، ونادرا أذهب لأماكن عامة" •
ويتابع حديثه: "أشعر بالملل من هذا البرنامج لعدم وجود عمل أصرف وقتي فيه بفائدة ، وأصبحت حياتي روتين لا يعود بالفائدة ، لذلك أفكر بالبحث عن فرصة عمل خارج البلاد ، واذا وجدتها فلن أتردد في قبولها "
ويضيف : "الأخبار السياسية أوصلتنا لحالة من اليأس من كل ما هو عربي ، وكنت عند سماعي للأخبار أشعر بالتوتر والحزن والضغط النفسي ، لكن الآن أصبح الأمر طبيعيا"
أدهم أبو ناصر (24 عاما) الحاصل على شهادة دبلوم متوسط في التحاليل الطبية ، يشاطر سابقيه رفاقه المأساة ، بل ربما كان أسوأ حظا حين عمل تسعة أشهر كمتطوع في عيادات وكالة الغوث الدولية للاجئين الفلسطينيين ، ورغم ذلك لم يستطع إيجاد مكان شاغر في المراكز أو المستشفيات الطبية في قطاع غزة •
يقول أبو ناصر : "أحاول الاستفادة من وقتي بأقصى درجة ممكنة ، لكنني في كثير من الأحيان أشعر أن حياتنا أصبحت عبثا ، لا جدوى منها ولا فائدة • نحن لا نستطيع أن نفيد أنفسنا أو غيرنا • جميعنا تعلم ليعلق في النهاية شهادة تخرجه في برواز على أحد جدران البيت" •
ويضيف : "التحقت بعدة دورات لملء الفراغ ، لكن هذا الحال لن يستمر طويلا ، قررت أن أستثمر وقتي في ورشة للسيارات ، إلى حين يأتي الفرج من الله" •
وتفيد إحصائيات وزارة التربية والتعليم العالي أن عدد الخريجين في ازدياد مضطرد ، حيث وصل عدد الخريجين من الجامعات الفلسطينية عام 96 (4443) ، وعام 97 (5519) ، وعام 98 (6344) ، وعام 99 (8380) ، وعام 2000 (9304) •
وتفيد إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2001 ، في مسح القوى العاملة لدورة تشرين أول - كانون أول 2001 ، الربع الرابع من عام 2001 أن نسبة البطالة في الأراضي الفلسطينية بلغت 26,2% منهم 15,6% أتموا 13 سنة دراسية فأكثر •
في مقاهي الإنترنت
جيل الطلبة الجامعيين من الشباب ليس أحسن حالا من الخريجين ، فهم يعيشون حالة الإحباط ذاتها ، خاصة أنهم يرون مستقبلا سوداويا ، يأملون أن يجدوا فيه بصيصًا من النور يغير الواقع الحالي إلى واقع أفضل •
محمد حمادة (21 عاما) أحد طلبة كلية التربية التقته "الشبكة الإسلامية" في أحد مقاهي الإنترنت في مدينة غزة حاله كحال عشرات الشباب الذين ترددوا على المكان أثناء وجودنا فيه ، قال : "آتي إلى مقهى الإنترنت ثلاث مرات أسبوعياً" ، وأقضي ما تبقى من الوقت علي جهاز الكمبيوتر في البيت ، أمارس هوايتي في تصميم صفحات الإنترنت •
بالرغم من أنني متفائل دائما ، إلا أن الوضع سيئ جدا • معظم الشباب محبطون ، وهذا ينعكس على تحصيلهم العلمي ، منهم لا يستطيع الدراسة إلا قبل الامتحان بيوم ، وهذا بالطبع يؤثر على النتائج •
حينما أجلس مع أصدقائي ، أسمع منهم عبارات اليأس والقنوط ، وهذا يعكس جوا نفسيا عاما ، يعاني منه الشباب الفلسطيني ، جراء فقدانهم الأمل في المستقبل •
أما عامر عاشور (21 عاما) فيدرس في كلية الهندسة بالجامعة الإسلامية في المستوى الثالث ، ويتردد على مقاهي الإنترنت ، لقضاء بعض أوقات الفراغ ، واستغلالها في محادثة أهله في الخارج ، والدردشة مع الأصدقاء ، وفي بعض الأحيان إعداد بعض الأبحاث •
يصف عاشور الجو النفسي للشباب ، بأنه جو من الإحباط الشديد ، وفي ذات الوقت يحمل في قلبه الأمل في تحسن الأوضاع ، وحسب قوله : "لا شيئ يدوم على حاله" •
ويقول عاشور : "الإحباط ينعكس على دراستي ، وهذا الفصل كان أسوأ الفصول الدراسية على الإطلاق طوال سنوات تحصيلي العلمي ، وهذا ناتج عن الضغوط النفسية ومتابعة الأحداث" •
ويضيف : "من الصعب أن تراجع دروسك ، وأنت تتابع الأخبار السياسية والاجتياحات هنا وهناك ، والبحث عن الأخبار مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لي ، وهذا جزء أساسي من حياتنا اليومية ، وهذا بالطبع يستغرق وقتا طويلا في التنقل من قناة إلى قناة ، إضافة إلى الآثار النفسية الناتجة عن المشاهد المأساوية التي نراها يوميا • ما شاهدناه في الضفة الغربية جعلنا نتمنى لو أن ما أصابهم أصابنا ، وبقوا هم بخير"
ويتابع عاشور حديثه وبين ثنايا كلماته تشعر بالتيه والشرود قائلا : "لا نحاول الهروب من الواقع ، لكن أحيانا نحاول الخروج عن دائرة متابعة الحدث ، ولو لفترة قصيرة جدا • دائما الأصدقاء يتحدثون ويناقشون الأوضاع السياسية ، ومن فرط مللنا من هذا الحديث الذي ألقى بظلاله على كل لقاءاتنا ، يطلب أحدنا تغييرالحديث عن القضايا السياسية والانتقال لموضوع آخر" •
ويقول عياد شرير صاحب مقهى إنترنت كافيه إن طلاب الجامعات يمثلون 95% من مجموع زبائنه الذين يترددون على المقهى ، وهم يأتون في الغالب للتسلية والترفيه ، سواء بالحديث مع ذويهم أو أصدقائهم ، أو لأغراض البحث العلمي •
ويشير شرير إلى درجة الإحباط التي يعاني منها الشباب الفلسطيني بالقول: "الشباب محبطون من الوضع الاقتصادي السيئ والضغوط النفسية الناتجة عن تدهور الأوضاع الأمنية" •
ويضيف : "عندي ولدان تخرجا من كلية الهندسة بالجامعة الإسلامية ، ما يزالا عاطلين عن العمل ، حالهما كحال الآلاف من الشبان الذين يقفون على أبواب المستقبل وهم يأملون أن تتحسن الأوضاع ، وهذا يلقي بظلاله الثقيلة على مستقبل الشباب العائلي ، حيث يعزف الكثيرون منهم عن الزواج في هذه الظروف نظرا لعدم توفر فرص العمل ، ونفقات الزواج" •
عالم مجهول
وفي ظل ازداياد حالة التردي في الأراضي الفلسطينية ، وتشديد الحصار والخناق علي كل ما هو فلسطيني ، سيبقى هؤلاء الشباب طاقات معطلة ، على أمل أن تستنفد يوما ما فيما يعود بالفائدة على وطنهم ، ليعيدوا ما دمره الاحتلال ، ويشيدوا صرح دولتهم وسط حالة من الاستقرار والأمن والأمان • فهل سيأتي هذا اليوم ؟ أم سيبقى الشباب الفلسطيني في بحر هائج تتقاذفه الأمواج وتشده التيارات المتقلبة والمتضادة إلى عالم مجهول.
ــــــــــــــــــــ(42/52)
شبان وشابات يتحدَّون الثورة الجنسية في أمريكا وكندا
في أحيان كثيرة يتم تناول "الغرب" بكثير من التعميم الناتج عن الجهل والغموض في التصور؛ لدرجة أننا نجد أنفسنا أمام "الغرب" بألـ التعريف وكأننا أمام شخص واحد من دون أن نرى تفريقاً بين اتجاهات فكرية، وتنويعات جغرافية واجتماعية وثقافية، واختلافات عمرية لها اهتماماتها المختلفة وسلوكياتها. وموضوع الشباب في الغرب أحد الموضوعات المهمة في هذا السياق ، والجديرة بالبحث والتعرف إليها عن قرب ، ولكي لا نقع في فخ التعميم الذي حذرنا منه سنتحدث عن الشباب في أمريكا وكندة على وجه الخصوص.
السؤال المهم الذي يلح علينا حين نبحث في قضية الشباب هو كيف يتجلى ذلك الصراع الشديد بين الأنا الذاتي والأنا الجماعي؟ كيف يتصرف الشباب والمراهقون في وسط يعج بخليط من السلوكيات والحريات ولا تغيب فيه القيم الاجتماعية والدينية تماما؟
كثير من الباحثين الاجتماعيين يرون أن الشباب في المجتمع الغربي عموماً، والشمال الأميركي خصوصاً، يعيشون حالاً من الضياع والقلق النفسي وفقدان التوازن بين الأنا الذاتية الجانحة إلى العبث والعنف والمخدرات والانحرافات الجنسية وبين الأنا الاجتماعية القائمة على التمسك بالمثل والقيم والتقاليد الخلقية والعائلية والدينية.
تشريعات تبيح الشذوذ
وأمام هذا التوصيف لا يمكن أن نبرئ الحكومات ؛ إذ يبدو أنها تسهم في تكريس وترويج بعض المسلكيات السلبية والخطرة، نحو تشريعات إباحة اللواط أو السماح بالزواج بين أبناء الجنس الواحد، ذكوراً أو إناثاً، أو بتجاهل المؤسسات التربوية لفضائل العفة والعذرية والزواج وتكوين العائلة في برامج التربية الجنسية، "الأمر الذي يلقى معارضة قوية من قبل المرجعيات الدينية والهيئات الاجتماعية المحافظة وبعض الأحزاب اليمينية".
التصور السائد في أذهان الكثرة الساحقة من المراهقين أن العفة مرادفة للتقاليد البالية وتعاليم الكنيسة الجامدة، وأن العذرية هي دعوة إلى الوراء ومثار سخرية وتهكم واستهزاء .. وفي المقابل يشدد الطبيب ميشال روبيلا على أن " العذرية كانت حتى الأمس القريب، جزءاً من تاريخنا الاجتماعي وينبغي أن تكون كذلك " .
وفي دراسة قامت بها مؤخراً بعض المؤسسات الاجتماعية في كندا والولايات المتحدة الأميركية (الحياة 28-8-2001) ، لوحظ من خلال اللقاءات والمقابلات مع الكثير من الشباب الذين تراوحت أعمارهم بين 15سنة و20، أنهم لم يقيموا أية علاقة جنسية ويتوقون إلى الزواج الديني. كما أشارت إلى أن قسماً كبيراً منهم ينخرط في مؤسسات دينية أو اجتماعية أو في ما يسمى بحركات "أنصار العذرية" .
ويشكل هذا أمرًا لافتاً في مجتمع كالمجتمع الأمريكي اللاهث وراء رغباته والذي يتمتع بكثير من الحرية لدرجة الانفلات؛ ما دفع الخبير الكندي في التربية الجنسية هيغو ديماس إلى القول: "من اللافت أن نرى في مجتمعاتنا اليوم مراهقين ومراهقات يتمسكون بالعفة ويعتبرون أن الحديث عن الجنس أمر معيب، وتحمرّ وجناتهم لسماعه. ويؤكدون أنهم لم يلهثوا وراء الجنس في الشوارع أو في زوايا المدارس أو في الحانات" ؛ لدرجة أن ذلك ترك أثراً واضحاً على لغة الشباب فغدت أكثر حشمة نحو الحب البريء والعذرية المقدسة والزواج الشرعي؛ ما اعتبره هيغو أمراً "يثير الاعتزاز".
وينقل علي حويلي (الحياة) عن تقرير صادر عن مركز المراقبة الطبية للأمراض الزهرية في أمريكا أن نصف البنات اللواتي أنهين دراستهن الثانوية في العام الماضي ما زلن عذارى في مقابل 36 في المئة في الأعوام الخمسة السابقة.
وفي السياق ذاته تؤكد نشرة أمريكية أن 50% من الفتيات اللواتي يواظبن على حضور القداس الديني يحتفظن بعذريتهن حتى سن العشرين خلافاً لغيرهن ممن يفقدن عذريتهن في سن الخامسة عشرة، ونسبتهن تتجاوز 60 في المئة. وتعزى أسباب ذلك إلى التوعية والإرشاد ودور العامل الديني.
والجدير بالذكر أن نشير إلى إعلان الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش أثناء حملته الانتخابية ووعده بتخصيص مبلغ 135 مليون دولار في الموازنة السنوية من أجل إنفاقه على برامج التوعية والإرشاد وتعميم الثقافة الجنسية الهادفة إلى الحفاظ على مبدأ العفة في أوساط الناشئة.
الطبيب ميشال روبيلا المشار إليه سابقاً أسس في كيبك حركة أطلق عليها "عفة كيبك" ترمي إلى إزالة تلك الأوهام العالقة في أذهان المراهقين حول العفة والعذرية .
وتتوقف الحركة في دعوتها إلى العفة والعذرية عند الملاحظات الرئيسة التالية:
- أن الثورة الجنسية حملت معها كثيراً من الأوهام والمعتقدات الخاطئة التي استحوذت على مشاعر الناشئة.
- رفض المقولة الداعية إلى استعمال الواقي الذكري كوسيلة لمنع الحمل أو الحؤول دون انتقال الأمراض الجنسية.
- رفض ما يشاع عن العفة كفكرة يحتمي وراءها من ينظرون إلى الجنس على أنه شر بذاته.
- إن الجنس أمر طبيعي ولكن ينبغي أن يمارس في الوقت المناسب ومع الشخص المناسب. فالمراهق ليس لديه النضوج الكافي المستند إلى ثقافة جنسية واعية.
- التنويه بالفتيات المسلمات اللواتي يحافظن غالباً، على العفة ويتمسكن بعذريتهن إلى يوم الزفاف من منطلق إيماني ومسؤولية الزوجة الصالحة في تربية أبنائها واحترام القيم والمثل الاجتماعية السائدة.
ــــــــــــــــــــ(42/53)
قطر : الشباب عازفون عن الزواج !
في مجتمع لا يتعدى سكانه (مع المقيمين) نصف المليون يغدو التساؤل عن سبب ارتفاع نسبة العزوف عن الزواج ، والعنوسة بين الشباب والفتيات مشروعًا وملحًّا أيضًا. سنحاول أن نرصد عددًا من تلك الآراء حول أسباب العزوف عن الزواج ، وهل تعود إلى غلاء المهور أم إلى التكاليف الباهظة للحفلات التي تغرق في المظاهر والشكليات الجوفاء .
أسباب عزوف الشباب :
محمد ( 30 عامًا ) : سبب تأخر الزواج .. ارتفاع المهور ، وقال : إن الفتاة التي طلب يدها .. طلب والدها منه مائة وعشرين ألف ريال مقدماً للمهر . استأذنت منه ( يتابع محمد ) وأقسمت ألا أكرر هذه الخطوة إلا بعد أن أصبح مليونيراً ! سالم العذبة (33 سنة ) : وضعه الوظيفي - حسب قوله - لا يسمح له بالاقتراض لأنه يعمل سائقًا ، وقال : إنه مستعد لأن يدفع عشرة آلاف ريال فقط كمهر ومثلها لباقي التكاليف ، لكنه ألمح أن شروطه تنصب ضمن المستحيلات ، ولذلك فهو ينتظر- على نار- أن يتحقق مستحيله !
ويؤكد ناصر علي (35 سنة) ما قاله صديقه سالم مضيفًا : أحلم بالزواج ، ولكن .. من أين لي بتكاليفه ؟ أنا ملتزم بدفع ثلاثة آلاف ريال شهرياً للبنك ، ويتبقى لي ألفا ريال .. فكيف سأتزوج ؟ هل أتسول ؟ أم أبقى عازباً بكرامتي .
أما فيصل خالد : فلم تكن لديه عقبة في قضية المهر لأن الفتاة كانت من قريباته واتفق مع والدها على الأمور الرئيسية ، ولكن الخلاف وقع في التفاصيل (القاعات والذهب والفساتين) التي يفوق مبلغ المهر بعشر مرات !
لم أكن أتوقع (يقول فيصل) أنهم سيطلبون أن يكون للرجال قاعة في فندق وللنساء كذلك ، وكان في حسباني أنني سأقيم العرس في الساحة المجاورة لمنزلنا والنساء في إحدى القاعات الصغيرة .. ولكن ..
ارتفاع تكاليف الزواج .. ما السبب ؟
يرى محمد أن ارتفاع المهور يرجع إلى " التفاخر " وأن بنت فلان دفع لها المبلغ الفلاني وتلك كان مهرها كذا.
وهو ما يؤكده ناصر ويجعله سبب ما آل إليه حال العزاب ، ويتمنى على أولياء الأمور أن يقنعوا وأن يقتنعوا بأن " أقلهن مهراً أكثرهن بركة " قائلاً بغصة : سأظل عازباً إلى أن يقتنعوا !
أما فيصل فيقول عن مظاهر إقامة الحفل وارتفاع تكاليفه : إن هذه الأمور الغريبة على مجتمعنا نتجت عن حب التقليد والغيرة من عرس فلانة وعلانة ، والحل لهذا الوضع هو بأن يعرف كل ولي أمر أن هذه التكاليف الباهظة ستحجز لابنته مكاناً في صف العوانس !
ولذلك يرى منصور حسن أن من يود الزواج لا بد أن يكون مرتبه أكثر من 50 ألف ريال شهرياً ؛ ليتمكن من تدبير المهر وحجز القاعات وقضاء شهر العسل في أوروبا .
ويسترجع منصور بذاكرته بعضاً من " التاريخ " حين كان أهل الفتاة يشترون الرجل لأخلاقه وشجاعته ، أما في الحاضر : فهم يغضون النظر عن هذه الصفات ويبحثون فقط عن الرصيد !
متوسط المهور في عقود الزواج الحالية :
متوسط المهور (المقدم والمؤخر) التي دفعت في الفترة من جمادى الأول والثاني ورجب للعام الجاري (حسب إحصائية رسمية نشرتها الراية القطرية) ، في الإحصائية التي ضمت 537 عقداً للزواج أن المهور لما دون عشرة آلاف ريال بلغت 92 عقداً بنسبة 13ر17% ، ومن 10 آلاف حتى 50 ألفاً 171 عقداً بنسبة 84ر31%، ومن 51 ألف حتى مئة ألف 237 عقداً بمعدل 13ر44%، أما ما فوق المئة ألف ريال فبلغ مجموع العقود 37 عقداً بنسبة 89ر6% .
مجرد مظاهر ...
(م. ت - موظفة ) ترى أننا لو أخذنا بالقول المأثور " يسروا ولا تعسروا " في كل أمر من أمور حياتنا لتغيرت أشياء كثيرة من الأسوأ إلى الأحسن ، وتعتقد أن المبالغة في طلبات بعض الأهل هو من الإسراف الذي نهى عنه الإسلام ، ولن تنفع بقدر ما تضر ..
أما (ع. جابر علي - طالبة ) فتقول : ينظر الكثير من الفتيات وكذلك الشباب إلى المظاهر الخارجية والتي لا تشكل إلا أعباء اقتصادية تزيد من حجم المشكلة .. وهذا ما يحدث فعلاً في مجتمعنا ؛ فالعريس لا بد أن يقيم حفلة زفاف على آخر موضة وإلا فلن يكون من الذين يعيشون في هذا المجتمع .. والمشكلة تكمن في أن البعض لا يعلم أن هذه الشكليات لا أساس لها ، وأن التعاون والأخلاق هي الطريق الآمن لبقاء الحياة الزوجية .. وأتمنى من كل الشباب والفتيات أن يقرؤوا سيرة الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم لمعرفة كيف نصل إلى حل لهذه المشكلة.
رأي مختلف :
مها عمر خالد ( موظفة ) كان لها رأي مختلف حيث تعتقد أن غلاء المهور ليس سبباً حقيقياً للعزوف عن الزواج ، وإنما هو ستار يتخفى وراءه الشباب غير الراغب في الزواج ؛ بدليل أنهم إذا كان لديهم مال يفضلون دفعه في سيارة أو السفر بالإضافة إلى سحب القروض لاستخدامها في مظاهر خداعة .. ومثال ذلك أن هناك من يتزوج بثلاث أو أربع زوجات فإذا كان هناك غلاء مهور فكيف يحدث ذلك .
وتؤيدها منيرة عبد المحسن (طالبة) التي ترى أنه لا يمكن اعتبار غلاء المهور سبباً رئيسياً في عزوف الشباب عن الزواج فهناك أسباب أخرى ، مثل عدم التخطيط المسبق للزواج ، وتحمل الكثير من الديون ، وعدم تحمل المسؤولية الكاملة والرغبة الحقيقية في تكوين أسرة .
إن العنوسة اتسعت لتشكل ظاهرة عربية في العديد من الدول بحكم الاشتراك في الأسباب والتشابه الكبير في الظروف المعيشية والمفاهيم بحكم الثقافة الواحدة .. بل أصبحنا نتحدث عن عنوسة اختيارية ، وأخرى إجبارية .. وفي كثير من الأحيان ترجع العنوسة الاختيارية (العزوف عن الزواج) إلى الإحباط من الواقع والاصطدام بارتفاع التكاليف والشروط التي تحيط بمسألة الزواج ؛ ما يؤدي إلى الانصراف عن الفكرة ، والبحث عن بدائل مسكّنة لتكون حلاً ولو وهمياً ؛ وخاصة في ظل وجود وسائل تقنية كثيرة باتت تسهل سبل الانحراف وابتكار وسائل جديدة يُتصور أنها يمكن أن تشكل بديلاً مرضياً ، كما أن تسرب عدد من المفاهيم الخاطئة إلى عقول كثير من الشباب كالاستقلالية ، وأن الزواج أسر وقيد ، والتهرب من المسؤوليات ، وبخصوص المرأة : التمتع بالحرية والتحرر من الخضوع لسلطوية الرجل و .. إلى غير ذلك من المفاهيم التي ساهمت في رفع نسبة العنوسة الاختيارية .
وثمة علاقة وثيقة بين العنوسة الإجبارية والاختيارية لأننا نتحدث عن شريكين ، ولا بد أن موقف أحدهما سيؤثر على موقف الثاني ، وربما تشكل التغيرات العمرانية وتفكك شبكة العلاقات الاجتماعية والعزلة واتساع الطموحات التي وسعت الهوة بين التصورات والواقع بفضل الصورة الباهرة للزوجة أو الزوج التي لا تعدو مجرد أخيلة ساهمت في تشكيلها مؤثرات تقنية الصورة في مجالات الفن والسينما .. ربما يشكل ذلك كله بعض أسباب تلك الظاهرة ؛ في الحين الذي ترتفع فيه الأصوات مطالبة بمنع تعدد الزوجات وكسر القيود القيمية والدينية بخصوص العلاقة بين الرجل والمرأة !
فهل نعي الدرس قبل فوات الأوان ؟
ــــــــــــــــــــ(42/54)
الهجرة.. حلم يداعب أحلام الشباب
طوال نصف القرن الثاني من القرن العشرين.. لا يفتأ حلم الهجرة يداعب عقول الشباب في الوطن العربي على امتداد أقطاره.. يدفعهم إلى ذلك صعوبات كثيرة تواجههم في أوطانهم الأم، من بينها التكافؤ في الحصول على فرص العمل والدخل المحدود وتدني الخدمات الاجتماعية ونقص الحريات.
وعادة ما ترتبط أحلام المهجر في رؤوس الشباب بالثراء السريع والكفاءة العلمية والوجاهة الاجتماعية، إضافة إلى متعة الانتماء إلى الحضارة المنتصرة، وهو الأمر الذي يوقعهم كثيرا ضحية لإعلانات الهجرة المضللة التي تنشر في الجرائد، وتستغل الطموح الزائد وقلة الخبرة لدى الشباب لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
ولكن ما حدث بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 دفع الكثيرين إلى التروي قبل الإقدام على المغامرة التي اعتادوا القيام بها قبل التهيؤ لها، ودفعهم أيضا إلى مراجعة انبهارهم ببلاد المهجر التي لم تعد الفردوس المفقود للمهاجرين.
وفي لقاء مع مجموعة من الشباب الذين يسعون إلى الهجرة يقول "سامي علي" الحاصل على بكالوريوس السياحة والفنادق من جامعة حلوان بمصر: تخرجت منذ خمسة أعوام وحتى الآن لا أجد الوظيفة المناسبة، وتراودني فكرة الهجرة لأي دولة أجنبية، وسمعت من أصدقائي عن إمكانية النجاح في الخارج وسهولة الحصول على عمل بأجر مجزٍ، ولكنني الآن أفكر كثيرا بعد ما حدث في أمريكا خلال العام الماضي، فكثير من زملائي رجعوا من هناك، وهم يتحدثون عن سوء المعاملة وجلسات التحقيق، ونظرات الناس التي تلاحقهم في الشوارع بارتياب، والتي قد يصحبها أيضا دفعة باليد أو سبة باللسان أو قذفة بحجر.
ويقول "يسري أحمد خليل" وهو موظف في إحدى شركات القطاع العام المصري: سافرت في الصيف إلى عدة دول أوروبية مثل هولندا وفرنسا وكندا، وانبهرت بهذه الدول جدا، فهي أكثر تنظيما وللأسف الشديد هي أيضا أكثر عدالة من الدول العربية، فلا يوجد لديهم منطق الواسطة في الحصول على فرص العمل، وطريق النجاح هناك واضح ومستقيم، وهو العمل الجاد، وليس العلاقات الشخصية، أو الرشوة والمحسوبيات، ولهذا السبب أحاول الحصول على فرصة للهجرة إلى أوروبا، وتقدمت بطلب هجرة إلى أمريكا ولكنه رفض وحمدت الله على ذلك حين وقعت أحداث سبتمبر.
ويقول صلاح الدين رمضان -31عاما وعاطل عن العمل-: فشلت طوال عشر سنوات في الحصول على فرصة عمل ثابتة ومستقرة، وما أزال أبحث عن فرصة عمل تضمن لي دخلا جيدا لأكوّن أسرة، وأثناء بحثي في الصحف عن فرص العمل أطالع كثيرا إعلانات الهجرة، وأقرأ عن المكاتب التي تساعد على السفر، ورغم أن الحلم يداعبني كثيرا، ولكن قلبي لا يطمئن لهذه الإعلانات، وخاصة أنني سمعت أن كثيرين من الشباب دفعوا أموالا من دون طائل.
أما عادل شفيق -مصمم أزياء- فيقول: نسمع أن الأجور في الولايات المتحدة مرتفعة جدا في مهنة مثل مهنتي، وتصل في بعض الأحيان إلى عشرين ألف دولار شهريا، وهو رقم خيالي، ولكن لا أعرف مدى تقبل المجتمع الأمريكي للعرب والمسلمين بعد أحداث 11سبتمبر .
الهجرة العشوائية
ومن أشهر طرق الهجرة إلى الولايات المتحدة التي يندفع إليها الشباب ما يسمى بـ "اليانصيب الأمريكي"، وهو البرنامج السنوي الذي يفتح الطريق أمام راغبي الهجرة إلى أمريكا عن طرق القرعة العشوائية، ويتيح هذا البرنامج 55 ألف فرصة للهجرة والإقامة والعمل في إطاره سنويا، ويكون من حق هؤلاء بعد سنوات معدودة الحصول على الجنسية الأمريكية.
وعملية السحب في هذا "اليانصيب" تتم عن طريق الكمبيوتر لاختيار الفائزين، ورغم ذلك لا يخلو الأمر من محاولات استغلال الشباب لأخذ أموالهم، فعندما يقترب موعد برنامج اليانصيب السنوي تبدأ شركات أمريكية، وربما مصرية أيضا، بنشر إعلانات في الصحف عن تقديمها للمساعدة للشباب للحصول على الجرين كارد ورخصة للعمل في أمريكا، وعندما يتصل بهم الشاب يطلبون منه دولارات مقابل ملء الاستمارة الخاصة ببياناته، وهي ذات البيانات المطلوبة في برنامج الهجرة العشوائية، وكل الدور الذي تقوم به هذه الشركات هو إرسال هذه الاستمارات إلى العنوان المحدد لاستقبال الطلبات في أمريكا، بعد كتابة الاستمارات على الكمبيوتر.
ضياع ميزة المجانية
وبذلك فبدلا من أن يستفيد الشاب من ميزة المجانية في هذا البرنامج فإنه يتحول إلى وسيلة للشركات التي تمارس الخداع للتغرير بالشباب، وهي في النهاية لا تتعرض لأي مساءلة قانونية لأن أوراقها تنص على أنها مجرد وسيط بين الراغب في الهجرة وبين الجهة التي ستتولى إجراء القرعة بنظام الكمبيوتر، وأنها لا تتدخل إطلاقا في عملية الاختيار أو ترجيح طلبات بعينها، لأنهم -كما يشيرون في إعلاناتهم- مكاتب مستقلة لا تتبع الحكومة، وهي معلومات حقيقية، ورغم كونها غير مطمئنة إلا أن الشباب يقبل على المغامرة بدافع أنه لن يخسر أكثر مما يخسره إذا استمر موجودا داخل وطنه.
ويتولى هذه الشركات في الأغلب محامون يقومون بإعداد معلومات تسهل مهمة الراغب في الهجرة، وتوضح له الشروط المطلوبة والبيانات المراد استكمالها باللغة العربية، وهي ذات البيانات الموجودة على موقع إدارة الهجرة الأمريكية باللغة الإنجليزية مجانا لمن أراد.
تفاصيل النظام
وإذا راسلت أحد هذه المكاتب سيرسل إليك الوثيقة رقم 16 التي تتضمن تفاصيل نظام الهجرة باليانصيب الحكومي والاستمارة التي يجب على صاحب الطلب استيفاء بياناتها وهي عبارة عن عدة أوراق:
الورقة الأولى: تشمل رد المكتب على الرسالة، وتوضح كيفية الاشتراك في نظام الهجرة المتنوع المعروف باسم يانصيب الجرين كارد، وتمنح التأشيرة لمواطني عدة دول، ومن ينجح في الفوز بهذه الفرصة يحق له العمل والإقامة الدائمة في الولايات المتحدة الأمريكية سواء الشاب بمفرده أم الأسرة المكونة من الزوجة والأولاد، وتقوم وزارة الخارجية الأمريكية بتحديد مكان سحب القرعة وتوقيتها، لذا دائما ما ينصح المكتب بسرعة المبادرة والاشتراك في اليانصيب لأن الفترة المتبقية محدودة، والتسجيل السريع من خلال هذا الإعلان يضمن للمشترك مكانا بين باقي المشتركين في الهجرة، ودائما ما يتوقع المكتب سرعة إغلاق باب الهجرة قريبا، وفي نهاية هذه الورقة يوصي المسؤول عن المكتب بسرعة الاستجابة باستيفاء البيانات المدونة بالاستمارة، وسوف يقوم المكتب بإعداد ملف للمشترك والرد في حالة الفوز في القرعة، وتتم الإجابة عن أي استفسار أو تساؤل بالفاكس أو البريد.
الورقة الثانية في "الوثيقة 16" تقول: مصاريف الفرد 50 دولارا و75 دولارا للأسرة، وفي الحالة الأخيرة يتم عمل طلب لكل فرد في الأسرة، وهذا معناه مضاعفة فرص الفوز، ويتم دفع المصاريف بالدولار الأمريكي، أو بالعملات الدولية المتداولة، ودائما ما يحاول المكتب الوسيط وصف نفسه كوكالة ذات صبغة قانونية.
الورقة الثالثة: تضم الإجابة عن عدة أسئلة تهم الراغب في الهجرة، فنظام اليانصيب الحكومي يخضع لإشراف الكونجرس الأمريكي لاختيار أعداد محددة من دول بعينها بطريق القرعة العشوائية، ولكي يشترك الشخص في هذه القرعة عليه أن يستوفي البيانات، وفي حالة فوزه يتم الاتصال به لتحديد موعد لإجراء مقابلة شخصية في أقرب قنصلية أمريكية لمنزله.
أما بالنسبة للحقوق الممنوحة للفائزين، فهي تعطي لهم حق الإقامة الدائمة والعمل داخل الولايات المتحدة وشغل الوظائف الحكومية المتاحة والتمتع بكافة الخدمات التي يحصل عليها المواطن الأمريكي مثل العلاج والتعليم، وأيضا الحق في ضمان أقاربهم الراغبين في الحصول على الجرين كارد مستقبلا، والمهاجر يمكنه الاحتفاظ بجنسيته الأصلية والحصول على الجنسية الأمريكية بعد عدة سنوات من إقامته هناك.
والشباب الذين يحق لهم الاشتراك في هذا اليانصيب، سواء كان زوجا أم زوجة أو عَزَبَ، من كان محل ميلاده في إحدى الدول التي يطبق عليها اليانصيب الحكومي للهجرة، والذي يشمل كل دول العالم ماعدا كندا والصين وكولومبيا وجمهورية الدومينيكان والسلفادور والهند وجاميكا وكوريا والمكسيك والفليبين وتايوان وإنجلترا وفيتنام.
أما الشروط المطلوبة للالتحاق فهي الحصول على مؤهل عال أو عامين من الخبرة في عمل ثابت، وتقديم عدد من الأوراق الرسمية ومنها صحيفة الحالة الجنائية وضمان اللياقة العقلية والصحية، وألا يكون الشاب قد سبق له الإصابة بمرض معد أو أدمن المخدرات.
وحصول الزوج على الجرين كارد يعني حصول الزوجة على نفس الفرصة وكذلك الأبناء غير المتزوجين تحت 21 سنة، والأوراق المطلوب إرسالها أيضا صورة جواز السفر وطلب الاستخدام وشيك بالمصاريف المطلوبة.
الهجرة إلى كندا
أما الهجرة إلى كندا فلا يتبع فيها نظام القرعة، ولكن تتم عن طريق التقدم بطلب إلى السفارة يتم بحثه، وعقد امتحانين للمتقدم لتحديد إمكانية قبوله بناء على درجة إجادته للغتين الرسميتين في البلاد (الإنجليزية والفرنسية) إضافة إلى مدة خبرته، ونوع التخصص الذي يجيده، ومستوى تعليمه، ووجود أقارب له في كندا من عدمه.
وفي حالة موافقة السفارة على عقد امتحان للمتقدم، فإنها تطلب منه رسوما باهظة تكون غير مضطرة إلى ردها في حالة رسوبه في الامتحان.
ولعبا على وتر زيادة فرص النجاح، يجد بعض المهاجرين السابقين إلى كندا من أصول عربية الفرصة سانحة لاستدرار أموال من جيوب أبناء شعوبهم الأصلية، ولذلك فإن الإعلانات تنشر في الصحف المصرية -مثلا- عن مكاتب تعمل على تسهيل الهجرة إلى كندا، ويدفع في مقابل الخدمات التي يقدمها هذا المكتب مبلغا كبيرا، ليزوده المكتب بنصائح حول كيفية التقدم والإجابة بنجاح على أسئلة الامتحان الشفهية والتحريرية، وكيفية اختيار الولاية التي يهاجرون إليها، وأفضل أشكال الهجرة التي يمكن قبول صاحبها.
إلى نيوزيلندا
وبالمثل لا يختلف أسلوب الهجرة إلى نيوزيلندا التي تقع في آخر محطة في قطار العالم - على بعد 2000 كيلو متر جنوب استراليا، و2000 كيلو متر أخرى شمال القارة المتجمدة الجنوبية- لا يختلف أسلوب الهجرة إلى تلك الجزيرة النائية عن الهجرة إلى كندا التي تحتل معظم مساحة أمريكا الشمالية بتعداد سكان لا يزيد في الأولى (نيوزيلندا) عن 4 ملايين نسمة، وفي الثانية (كندا) عن 30 مليونا.
ولكن المفارقة التي يفاجأ بها الشاب هناك هو أن الدولة لا تقدم له خدمات كبيرة كمهاجر، وتترك عليه بالكامل عبء البحث عن عمل، ومواجهة صعوبات الحياة.
وربما لهذا السبب فإن الهجرة إلى كندا أو نيوزيلندا لا تصلح إلا لمن يملكون مخزونا وافرا من المال، وإلا فإن الراكب سيضطر إلى تكبد تكاليف تذكرة غالية الثمن للعودة من هناك خالي الوفاض.
ــــــــــــــــــــ(42/55)
التوجيه نحو الاستقرار الاجتماعي للشباب المسلم
عندما نتناول موضوع رعاية الشباب، نجد أنه يُمثل واجباً يتبناه أولو الأمر من الآباء والمسؤولين والهيئات والمؤسسات الوطنية، بهدف توجيه طاقات الشباب بما يعود عليهم بالنفع، وما يُقلل من الاضطرابات السلوكية بينهم، ويحقق الاستقرار الاجتماعي المنشود بينهم وبين ذويهم وبين أبناء المجتمع كافة.
ورعاية الشباب تعد واجباً ذاتياً يجب أن يدركه الشباب أنفسهم، إذ إنه عادة ما تكون خصائصهم النفسية والعقلية في مرحلة الشباب، تمكنهم من إدراك الواقع الاجتماعي الذي يعايشونه، وما تتطلبه الحياة الجادة المستقرة منهم من بذل وعطاء، ما دامت تتوافر أمامهم الفرص الكافية، لاستغلال طاقاتهم وإشباع رغباتهم وحاجاتهم.
أهمية رعاية الشباب
تعد ميادين رعاية الشباب مجالاً مهماً في حياة الشباب حيث إنها:
1 - تمكن الشباب من تنمية الذات، كما تمكنهم من القدرة على تحمل المسؤولية والتبعات، من منطلق إدراكهم لقدراتهم واستعداداتهم، وكيفية استغلال هذه الطاقات فيما يعود بالنفع عليهم.
2 - تعتبر الأساس للتوجيه المهني والتأهيل العلمي للحياة الاجتماعية والاقتصادية المنتجة، بغية استقرار حياتهم واستقرار حياتهم واستشعارهم الأمن الاجتماعي، ومواصلة ركب الحياة.
3 -تحقق للشباب الرعاية الجسمية والنفسية والعقلية الصحيحة، ومن ثم الإنتاجية الفاعلة.
4 - تتيح أمامهم فرص ممارسة المواقف العلمية، والمسؤوليات التي تنمي الالتزام والضبط والاتزان الاجتماعي، وبذلك تقلل من الانحرافات والاضطرابات بينهم وبين المجتمع الذي يعايشونه.
5 - كما أنها تعد الشباب لبناء الثروة الوطنية التي يمكن أن توجه وتستغل لما فيه خير المجتمع في جوانبه الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
رعاية الشباب ضرورة اجتماعية
من هذا يتبين أن رعاية الشباب تمثل ضرورة اجتماعية، لأن قوة المجتمع وتماسكه وسلامة بنيانه والعلاقات السائدة فيه، تتطلب إعداد جيل من الشباب يتمسك بعقيدته ويعتز بتراثه، ويلتزم بالضوابط الدينية الاجتماعية، ويحافظ على العادات والتقاليد الإيجابية الصالحة، ويُساهم مساهمة إيجابية عند تعليمه، وفي عمله وفي أوقات جده وأوقات فراغه، لدفع عجلة التقدم في وطنه نحو الغد والهدف المرغوب.
ومن أهم ما يواجه الشباب بصفة عامة في حياتهم مشكلة كيفية الاستفادة من أوقات الفراغ، حيث إنها تمثل أهمية بالغة في عالمنا المعاصر، حيث يحتاج توجيه الشباب المسلم إلى نشاط مخطط يعود بالنفع عليهم وعلى أوطانهم، إذ إن وقت الفراغ ليس وقت عبث، بل هو سلوك يجب أن يتسم بالجدية، ويستثمر بوسائل فعالة تعمل على تحقيق الصحة النفسية للشباب وتقلل من الاضطرابات السلوكية بينهم، ويعمل على زيادة الانتاج المتوقع منهم.
والشباب لو ترك لطبيعته الخيرة لاستغل وقت فراغه في نشاط إيجابي بناء، في حين أنه قد يتعرض لعوامل بيئية اجتماعية محلية أو واردة تؤدي إلى توجيهه إلى نشاط سلبي هدام، خاصة وقد انتشرت وسائط كالإنترنت وغيره، ما يتيح فرصا لا تستغل لصالح الشباب، ومع زيادة تكاليف وأعباء الحياة العصرية المعاصرة، ونتيجة للتقدم التقني وما صاحبه من مشكلات اقتصادية واجتماعية، فإن الشباب المعاصر يواجه مشكلات تتصل بكيفية استغلال طاقاتهم وتوجيهها، فهم في حاجة إلى توجيه وإرشاد نحو قضاء وقت الجد والفراغ وشغلها بنشاط بناء.
مشكلة وقت الفراغ
ومشكلة وقت الفراغ من أبرز المشكلات المعاصرة التي تواجه الشباب المسلم، وهي من المشكلات التي يجب على المسؤولين في المجتمعات العربية والإسلامية إيجاد حلول لها، لأنها تُمثل مشكلة الكثير من الشباب، وعدم إيجاد الحلول الإيجابية لمشكلات الفراغ بين الشباب تؤدي إلى زيادة الجنوح والجريمة في أوساط الشباب، في حين أنه عند توافر أنشطة وقت الفراغ والأنشطة الترويحية بين الشباب، تقل نسبة الجنوح بينهم إضافة إلى أن توجيه وإرشاد الشباب نحو الاستثمار الأمثل لأوقات الفراغ- في ضوء المسموح به أخلاقياً ودينياً- ما ينمي الشخصية المتكاملة للشباب من النواحي الجسمية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والدينية، بحيث يتحقق التوافق النفسي لهم، خاصة الشباب المسلم في وقتنا المعاصر يواجه مشكلات عديدة، وأنواء عاصفة، تحتاج إلى توجيه وإرشاد متكامل ومتجدد، لتمكينهم من التغلب على هذه المشكلات، وتجنيبهم الخوض في معاركها.
واجب المسؤولين
ومن واجب المسؤولين البحث عن السلبيات والانحرافات التي قد تواجه الشباب المسلم في وقتنا المعاصر، إذ إن عدم إحكام الرقابة، وإتاحة فرص اللهو والعبث أمام الشباب، والابتعاد عن الجدية والأعمال المثمرة النافعة والاستثمار الأمثل لأوقات العمل المثمرة والفراغ الذي يستغل لصالحهم قد يؤدي إلى مخاطر اجتماعية لا تقتصر على الإضرار بالشباب وحدهم ، بل تتعدى أضرارها إلى المجتمع بجوانبه البشرية والمادية والمعنوية.
وللحديث بقية بمشيئة الله، ونسأل الله أن يجنبنا جميعا الزلل، وأن يرشدنا إلى طريق الاستقامة والرشاد، حتى يعم الخير أمتنا الإسلامية جمعاء، مصداقا لقوله تعالى: (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقًا).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...
ــــــــــــــــــــ(42/56)