وبناء على القول الأول وهو عدم اشتراط الرضا، إذا زوجتها من غير كفء فيتشرط رضاها إذا بلغت، لكن ما دام أن صديقك اشترط رضاها فلا يلزم العقد إلا برضاها.
وننبه السائل إلى أن المحاكم الشرعية هي المخولة بالبت في مثل هذه المواضيع فعليه بمراجعتها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
زوجها خالها ودخل بها زوجها وأنجبت أولادا
تاريخ الفتوى : ... 13 صفر 1425 / 04-04-2004
السؤال
ما الحكم الشرعي، في رجل عقد له على زوجته، ولكن كان ولي المرأة في العقد هو خال المرأة، وقد تزوج الرجل بموافقة الخال، وأنجب أولادا، ولم نعلم نحن أن الخال لا يلي العقد، لأن المرأة ليس لها أب ولا عم، وليس هناك أقرب من الخال.... وقد عقد لها مأذون شرعي ولكنه ليس بعالم، بل من المطاوعة محدودي العلم. فما هو الحكم الآن، وكيف الاستدراك.. أفتونا مأجورين، وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هذا الخال من أحد أبناء عمومة هذه المرأة فإن ولايته صحيحة، والحال أنه لا يوجد من هو أقرب منه منزلة بلا خلاف، فإن وجد وعقد فالنكاح صحيح عند المالكية في غير المجبرة، قال صاحب مواهب الجليل ممزوجاً بكلام خليل ابن إسحاق: وصح النكاح بتولي أبعد مع وجود ولي أقرب كعقد عم مع وجود أخ. ا.هـ
أما إن كان هذا الخال ليس من عصبة هذه المرأة فلا ولاية له في نكاحها عند أكثر أهل العلم، لكن إذا لم يوجد أحد من عصبتها وتعذر وجود قاض، جاز أن يتولى هذا الخال ولايتها، لأنها ولاية عامة لجميع المسلمين، قال ابن قدامة: فإن لم يوجد للمرأة ولي ولا ذو سلطان، فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها. ا.هـ
بل إن المالكية صححوا هذه الولاية مع وجود ولي غير مجبر، لكن بشرط الدخول وطول الزمن، قال الخرشي عند قول خليل ابن إسحاق: فولاية عامة مسلم. المعنى أن ولاية الإسلام عامة لا تختص بشخص دون آخر، بل لكل أحد فيها مدخل لقوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ (التوبة: من الآية71)، كانت المرأة شريفة أو دنيئة، إلى أن قال: فالمرأة الشريفة صاحبة القدر والمال والجاه والنسب إذا عقد نكاحها بالولاية العامة مع وجود الخاص وهو غير مجبر فإن لم يعثر على ذلك إلا بعد أن دخل بها زوجها وطال مكثها معه كالسنين الكثيرة، أو ولدت الأولاد فإن نكاحها لا يفسخ حينئذ. ا.هـ
وبناء على رأي السادة المالكية فإن نكاح هذه المرأة الذي تولى ولايته خالها صحيح ما دامت أنجبت أولاداً من هذا الرجل، وعليكم بالرجوع إلى المحاكم الشرعية، فإنها أقدر على الوقوف على ملابسات الحال، إذ يتاح لها أن تسمع من جميع الأطراف.(36/539)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مجرد موافقة الولي وقبول المهر لا يعتبر زواجاً
تاريخ الفتوى : ... 10 صفر 1425 / 01-04-2004
السؤال
بداية أشكركم على هذا المجهود الرائع الذي تقومون به من خلال هذه الصفحة، وكي لا أطيل عليكم فإن استفساري يتلخص في الآتي:
أنا مهندس شاب في مقتبل حياتي، وقد خطبت إحدى قريباتي منذ سنتين ونصف، ونحن نستعد إن شاء الله تعالى للزواج قريباً، ولقد قمت منذ فترة بتقديم المهر أو الصداق كاملاً لوالدها وقد قبله، ولقد سمعت في إحدى صفحات الفتاوى قول لأحد الصحابة بأنه ( لا خلوة حقيقة بدون كامل الصداق) فهل هذا يكون مبرراً لي كي أخرج مع خطيبتي وأجلس معها بدون محرم، حيث أن والدها يسمح لنا الآن فعلاً بالخروج، وأنا أريد أن أعرف الصواب، حيث أنه أحياناً تحدث بعض التجاوزات بيننا، وأنا أريد أن أعرف هل موافقة الولي وقبول المهر دليل على الزواج وعقد القران، ونهاية فإني أعتذر عن صراحتي الزائدة وإطالتي عليكم؟ وبارك الله لكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فموافقة الولي وقبول المهر لا يعدان زواجاً بل لا بد في الزواج من العقد والشهود.
وعليه؛ فإن خطيبتك والحالة هذه لا تزال أجنبية عنك، فلا يجوز لك الخلوة بها، ولا النظر إليها ولا لمسها فضلاً عما فوق ذلك من التجاوزات!!!
والحل هو أن تعقد عليها ولو تأخر موعد الدخول، وحينئذ لك أن تخلو بها وتلمسها وتنظر إليها بل لك أن تعاملها كما يعامل الرجل زوجته لأنها زوجتك، ولكن الأفضل هو تأخير الوطء حتى الدخول المعلن وذلك مراعاة للعرف.
أما عن المهر فإنه حق للزوجة فلها أن تمنع نفسها حتى تأخذه كاملاً، ولها أن تمكن زوجها من نفسها قبل أن تأخذ المهر أو شيئاً منه، وكل ذلك بعد العقد طبعاً لأن المهر سببه العقد.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... أسلمت على يده ويريد الزواج بها
تاريخ الفتوى : ... 08 صفر 1425 / 30-03-2004
السؤال
أنا شاب أبلغ من العمر 23 سنة أعزب وأنهيت الدراسة، من خلال الإنترنت تعرفت على فتاة من لبنان وعمرها 19 سنة وكانت نصرانية الديانة وأسلمت بفضل الله بعد إقناع مني فعلاً بالإسلام وأسلمت وهي وحيدة الأب والأم ومن عائلة ثرية، وعندما علم والداها بإسلامها طالبها بالرجوع عن الإسلام، ولكنها كانت مصرة على(36/540)
الإسلام ولا تزال والحمد لله، وقد أحدث إسلامها مشاكل مع والداها مما أدى إلى تهديد والدها لها إما الرجوع عن الإسلام أو أن تطرد من بيته وقد حدث ذلك بالفعل وأتت إلى مصر حيث أن دراستها بالإسكندرية مما أقدم والدها على فصلها من الكلية التي تدرس بها عن طريق معارفه وهي الآن تقيم بالزقازيق مع زميلة لها مسلمة والآن أنا بحاجة إلى فتواكم من أنني أستطيع الزواج بها، علما بأنها مازالت قاصر، وهل ما أفعل صحيح أم لا، وعلما بأن الوصي عليها هو أبوها ويرفض المبدأ من أساسه وتخيلوا مدى كرهه لي لأني كما يقول أنا السبب في دخولها الإسلام، وأنا جاد فعلا بالزواج منها وهي إن شاء الله موافقة، وأنا إن شاء الله أستطيع إعالتها بما يتفق وأوامر الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنا متحير ماذا أفعل هل ما أقدم عليه صحيح أم لا من حيث الزواج بها أم لا وهي لا تعرف أحداً في مصر غيري وأنا إن شاء الله جاد جداً فيما أنا مقدم عليه إن شاء الله، أرجوكم أفيدوني في أمري هذا، أرجو الإسراع من فضلكم بالرد لأهمية الموضوع أشكرك على تفضلكم بقراءة رسالتي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الأمر كما ذكرت فإننا ننصحك بالزواج بهذه الفتاة وأنت مأجور على ذلك إن شاء الله، ولا عبرة برفض أبيها وأهلها لأنه ليس للكافر على المؤمن سلطان ولا ولاية، والذي يعقد لها هو وليها المسلم إن وجد، فإن لم يوجد فيعقد لها الحاكم.
والخلاصة: أنه ينبغي لك أن تبادر الآن فتنظر هل هناك من عصبتها من هو مسلم حتى يعقد لك، فإن لم يوجد فلتذهب أنت وهي والشهود إلى المحكمة ليعقد لك القاضي.
وقولك مازالت قاصراً غير صحيح لأنها قد بلغت بتمام 15 عاماً إن لم تكن قد بلغت قبل ذلك، نسأل الله أن يبارك لك وأن يصلح حالك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم عقد القران عبر الهاتف، ومسائل في النكاح بدون ولي
تاريخ الفتوى : ... 02 صفر 1425 / 24-03-2004
السؤال
الإخوة الكرام في مركز الفتوى ، حياكم الله
أرجو التكرم بالتروي قبل إجابة سؤالي هذا فعليه تتوقف حياة بكاملها.
إن كان الحق سبحانه وتعالى قد خلق كل ما في الكون لخدمة الإنسان ومكوناته ومشتقاته للتيسير عليه ، مع اعتبار أن السائل والسائلة يتقيان الله قدر الاستطاعة ، ومن الملتزمين ، والسائل منتسب لآل البيت من أبيه وأمه.
لو نظرنا إلى العالم اليوم لوجدنا أن أهم الاتفاقات والمعاهدات وحتى أعتى العمليات الجراحية من الممكن إبرامها وإجراؤها عن طريق دوائر تليفزيونية مغلقه ، ومن الممكن والمعتاد أنه عن طريق الهاتف نقل أخبار موثوق بها بين الدول ومراكز(36/541)
صنع القرار ، وبما أن الحق سبحانه وتعالى في كل الأحوال حاضر وشاهد ، فالسؤال المطروح هو : لو تعاهد رجل وامرأة ، يعرف كل منهما الآخر، ولا خلاف بينهما على مال أو ولد ، عائلاتهما معروفتان ، وهي بالغة عاقلة رشيدة ، كما هو الحال فيه أيضا ، على الزواج ، ودرءا لحديث السر من وراء الأهل أو ولي الأمر ، وهو هنا في حكم المنتفي لكونه بعيدا ، ولتأثره المباشر بوشاية كاذبة ، الأم تعلم وراضيه والأهل يعلمون ، والعروس ثيب بالغة رشيدة ، ذات مركز مرموق وكذلك العريس ، ولرغبة كل من العريس والعروس اتقاء الحدود والشبهات فيما يغضب الله ، أتما في وجود شاهدين اثنين بالغين عاقلين مسلمين متعلمين ، أتما الزواج بعد أن أعطيت العروس مهلة عشرة أيام للتروي والتفكير والسؤال ، ووافقت ، أتما الزواج عن طريق الهاتف بسؤالها وسؤاله ، ونطق الصيغة الشرعية ( زوجتك نفسي على سنة الله ورسوله ومذهب الإمام .....إلخ) وقال كلاهما قبلت وقرءا الفاتحة , وشهد الشاهدان على ذلك ، وكان الحق شاهدا على الرغبة بينهما في الأساس وبعد حب شديد لا يمكن بعده إلا الزواج أو الدخول في علاقة مشبوهة أو محرمة ، وبما أن الحق سبحانه وتعالى شاهد منذ الأزل ، وما يحدث بين الناس من توثيق ما حدث إلا لحفظ حقوق الدنيا ، وبما أن هذه الحقوق متفق عليها بين الاثنين أصحاب الأمر ، ولا خلاف عليها بينهما ، الإجراء هذا كان ابتدائيا لدرء الحدود والشبهات أولا ثم التحرك في اتجاه إرضاء الوالد وإقناعه فيما بعد ، وإن كان رضاه في هذه الحاله ، غير ملزم خاصة وأنها بكر رشيدة عاقلة وثيب ، وبما أن الحق سبحانه وتعالى ورسوله شهدا وأُشهدا على هذا العقد ، تأسيا بزواج السيدة زينب بنت جحش وما جرى عليه العرف في زمن النبي عليه صلاة الله وسلامه ، فهل يعتبر العقد سليما وساري المفعول ؟؟ وماذا لو أجبرها الوالد على الدخول بآخر والإنجاب منه ، نكاية بالراغبين في الزواج وإخفاء وجود الرجل الأول عن الثاني فما موقع العقد الثاني وكيف يمكن التصرف ؟؟ علما بأن الراغبين في الزواج أشهدا الله تعالى مباشرة على رغبتهما في الزواج وأتما العقد بالهاتف في وجود الشهود ، وإن لم يتماسا أو يطأها فعلا وإن كانا تبادلا بعد العقد التهنئة كلمات عواطف معتادة بين الزوج وزوجه بعد العقد ، وبما أن الله سبحانه وهو المصدر الأول للتشريع ، وقد أشهداه على نيتهما وأقسما على الوفاء ، ولا مشاكل إرثية على إرث أو منقولات أو ولد ، وهو سبحانه من يصنع الناس الوثائق إرضاءا له وحفظا لحقوق كليهما أشهدا على رغبتهما واتفاقهما وصدق نيتهما وشرف مقصدهما في الأول والآخر ،أفيدونا أفادكم الله وأرجو التكرم بالتروي التام قبل الإجابه فإن كان الحق رآنا وشهد علينا ويعلم صدقنا ولم ننكر أو نرفض عمل ما يرضي الناس ، فهل عقدنا سليم ؟؟
جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمذهب جمهور العلماء أن الولي شرط في صحة النكاح، فإذا حصل نكاح بغير ولي فهو باطل، وذهب أبو حنيفة إلى أن الولي ليس بشرط، وأن المرأة إذا زوجت نفسها(36/542)
فنكاحها صحيح، ولكن لوليها أن يفسخ العقد إذا كان الزوج غير كفؤ، وقد تقدم تفصيل ذلك في الفتاوى التالية: 40654 38418، 38669، 37223 .
والراجح الذي تعضده الأدلة هو مذهب الجمهور، لكن إذا حصل أن زوجت المرأة نفسها عاملة ومقلدة لمذهب أبي حنيفة وكان الزوج كفؤا، أو أجاز هذا النكاح وليها، فلا نستطيع أن نقول إنه يجب عليهما الفراق، لكن الأحوط هو إعادة العقد حتى يكون صحيحا بإجماع، هذا كله إذا تم العقد بغير التلفون، أما إذا كان بالتلفون، فإنه باطل، لأن الشهود لا بد أن يشاهدوا طرفي العقد عند العقد، وهذا غير موجود في العقد بالتلفون، وعليه، فعقدكم الذي حصل عبر التلفون باطل، وإذا حصل أن عقد وليها عليها عقدا آخر بعد هذا العقد، فإن العقد الآخر هو الذي يمضي، فهذه المرأة الآن زوجة للرجل الآخر الذي عقد له وليها، فإذا أرادت فراقه، فلا بد من طلاق أو خلع.
وما ذكره السائل من ملابسات لا تغير من الحكم شيئا، وذلك مثل علم الله في الأزل بحب فلان لفلانة، وكذا الرغبة بينهما في الزواج، وكذا اتفاق الاثنين وعدم وجود الخلاف بينهما... الخ.
وأما عن زواج السيدة زينب رضي الله عنها، فإن الذي زوجها للرسول هو الله جل جلاله بوحي من السماء، فأين ما نحن فيه من ذلك؟!
وعليه، فالواجب الآن هو التالي:
أولا: على هذا الرجل وعلى هذه المرأة أن يقطعا العلاقة التي بينهما فورا، ومن ذلك تبادل كلمات الحب عبر الهاتف.
ثانيا: إذا لم تكن المرأة راغبة في الزواج بالرجل الذي زوجها منه وليها فلتحاول إقناع والدها بعدم رغبتها، وتطلب الطلاق أو الخلع، فإذا تم الفراق فلتحاول إقناع والدها بالزواج من الرجل الآخر، فإذا اقتنع فذاك، وإن لم يقتنع وكان الرجل مرضيا في دينه وخلقه، فلها أن ترفع أمرها إلى الحاكم ليزوجها به، والأفضل لها أن تطيع أباها ما لم يعلم أن عمله كان عن تعنت، ولتتذكر قول الله تعالى: [وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ] (النساء: 130).
نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع وأن يختار لنا ولكم ما فيه الخير، إنه عليم خبير.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تزوجها بغير ولي و أهلها زوجوها من غيره
تاريخ الفتوى : ... 03 صفر 1425 / 25-03-2004
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم ، أبعث لك تحياتي شيخنا العزيز، حفظك الله ورعاك ، أتقدم بشكواي هذه والتي تؤرقني ولا أعرف ماذا أفعل تجاهها، وأرجو من سيادتكم التفضل في الإجابة عليها مراعاة لشرع الله أولاً، ثم لحالتنا وظروفنا التي ستطرح عليك ثانياً ...(36/543)
أنا شاب مصري أحببت فتاه مصرية مقيمة مع أهلها في دولة خليجية ، واتفقنا على الزواج الذي سيجمعنا على شرع الله على أن يكون لنا دور في خدمة هذا الدين ، علماً بأن الشيء الذي جذبني إليها هو تدينها وليس شيئاً أخر ، وبعد فترة من الزمن وأثناء فترة إقامتها في هذا البلد ، تقدم لخطبتها شاب خليجي وافق عليه والدها دون النظر لرأي البنت ، وعندما علمت البنت بهذا الأمر ، رفضت الأمر بشدة ، لكن والدها لم يخضع لهذا الرفض بل قال لها إنني سوف أزوجه إياك غصباً عنك ، حتى دفعتها نفسها بالخوض في مكالمة عبر الهاتف مع الشاب نفسه لمصارحته برفضها له ، وبحبها لشخص أخر تريد أن تتزوجه ، لكنه للأسف رفض الأمر بشده ، وأصبحت تعاني وتعاني من أمراض عدة، حتى وصل بها الأمر لجميع الدكاترة للخوض في الكشف عليها ، حتى بعضهم فشل في تحديد سبب هذه المعاناة والمرض، ووصل بها الأمر أيضاً للذهاب لدكتور نفساني ، وسافرت لعدة بلاد عربية للكشف عليها وعلى طبيعة هذا المرض ، حتى استقر بها الحال في دولة عربية للعلاج من مرض خطير " عافاكم الله " وكل هذا معروف سببه ، ورغم كل ذلك فإنهم عازمون على إكمال هذا الزواج ، الشيء الذي دعى البنت للقلق بعد ذلك عندما لاحظت تغير الشاب الخليجي معها في تصرفاته ، رغم إنها لم تحاول أن تكلمه ، أو إذا تم الكلام يكون غصبا عنها أيضاً ، لكن شكها في هذا التصرف جعلها تفكر في أنهم فعلاً عقدوا عليها ، لأن هذا الشاب كان يرفض الكلام معها في بداية الأمر ، أما الآن فيريد أن يكلمها وأن يصافحها وأن يخرج معها أيضا ، رغم معارضتها المستمرة له ، وفعلاً لم تخرج معه لرفضها الشديد له ، ولكن بعد فترة وأثناء رفضها هذا نزلت لمصر وهناك تم العقد عليها مني ، وكان عقداً كامل الأركان من حيث التوثيق عند مأذون ، ومهر ، وشهود ، بل وإشهار أيضاً لكن بدون ولي ، علماً بأن هذا الزواج تم بعيداً عن أهلها، لكن تم فيه كل هذه الأركان حتى أشعر أنه زواج شرعي، ولكن بعد فترة من زواجنا وأثناء إقامتها معي ، علمنا عن طريق أهلها أنهم فعلاً عقدوا عليها من هذا الشاب الخليجي في مصر ، نظراً لصعوبة الحصول على موافقة من البلد الخليجي للزواج من أجنبية ، فأرجو إفادتي هنا :
1 ) ما مشروعية زواجي منها حالياً .
2 ) وهل معرفتنا المسبقة لهذا العقد يبطل عقدي عليها حالياً .
علماً شيخنا الجليل أن البنت لم تستأذن ، ولم تذهب للمأذون للعقد عليها ، ولم توقع على أية أوراق خاصة بهذا العقد ، بل ولم يؤخذ برفضها ولم تقره أبدا ...إنني أريد الرؤية الشرعية فقط في هذا السؤال ، بعيداً كل البعد عن الناحية القانونية ؟
وأشكركم جزيل الشكر على وقتكم هذا وآسف جدا ًعلى تطويلي .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أنك قد أتيت محاذير شرعية خطيرة من جملتها قدومك على علاقة محرمة مع امرأة أجنبية خارج نطاق الزواج، ثم زواجك منها بدون إذن وليها، لأن الشرع الحكيم جعل الولي شرطاً من شروط النكاح التي تتوقف صحته على وجودها، لقول(36/544)
النبي صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي. رواه الترمذي، ولقوله: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
ويزداد الإثم عندما تعلم أن هذه المرأة مخطوبة من قبل رجل آخر، بل إن في كلامك ما يشير إلى وجود دلائل على أن العقد قد تم على هذه البنت، وذلك من خلال تصرفات الرجل معها كما ذكرت، ولا يؤثر في صحة النكاح كونه وقع بدون علم هذه الفتاة، لكن إن علمت به فهي بالخيار بين قبوله أو رفضه، على الراجح من أقوال أهل العلم كما في الفتوى رقم: 31582.
وعلى هذا فالواجب عليك التوبة من هذا كله، والمسارعة إلى ترك هذه الفتاة، وذلك لوجود سببين كل واحد منهما وحده موجب لبطلان هذا النكاح، فكيف بهما إذا اجتمعا.
ثم إنه يتوجب لها عليك صداق المثل إذا كنت قد وطئتها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من يعقد نكاح من لها أب كافر وأخوها لا يصلي
تاريخ الفتوى : ... 25 محرم 1425 / 17-03-2004
السؤال
لقد أفتيتم في فتوى سابقة بكفر أبي. مع العلم بأن جدي وعمي يفعلون الفعال التي كفرتم بها أبي وأخي لا يصلي. و خالي يعيش في بلد أخرى ولن يرضى أن يكون ولياً لي حتى أتزوج. وأنا مخطوبة من شاب ملتزم ولقد آذاني أهلي كثيرا بسبب الالتزام وبسبب تمسكي بخطيبي لأنه ملتزم أيضا. فماذا أفعل لأني أريد التزوج منه والخروج من هذا المنزل الذي لا يعين أحداً على الالتزام؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسائلة تشير إلى أرقام الأسئلة التالية: 224772/597899/225508.
والمخرج مما هي فيه أن تتفق مع أخيها على أن والدها هو الذي يباشر العقد ظاهراً، ثم إن أخاها يعيد العقد مرة أخرى بحضور الشهود، ويكون المعتبر عقد أخيها، فإن قيل إن أخاها لا يصلي، فالجواب أن جمهور الفقهاء على عدم كفر تارك الصلاة غير الجاحد لوجوبها، أما الخال فإنه ليس من الأولياء في النكاح، نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يصلح حال السائلة وأن يسهل أمرها، وأن يختار لنا ولها ما فيه الخير.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... إذا انتهت العدة فلا بد من عقد جديد ومهر وولي وشاهدين
تاريخ الفتوى : ... 23 محرم 1425 / 15-03-2004(36/545)
السؤال
لقد تزوجت مرة أخرى أثناء وجود زوجتي الأولى في عصمتي، وعندما عرفت زوجتي الأولى الخبر عملت لي مشاكل كثيرة وكبيرة وطلبت الانفصال عني أو الانفصال عن الزوجة الأخيرة، ولأني لدي أطفال من زوجتي الأولى وخوفاً على أولادي لم أقم بطلاقها وهي أصرت على ذلك، ولجأت إلى المحاكم لكي تطلب الطلاق وأثناء التفاوض معها اتفقنا على أن أطلق الزوجة الأخيرة بشرط أن تبقى هي مع أولادها، ولكن الزوجة الأخيرة ممتازة في الأخلاق ومريحة وطيبة وليس لها ذنب ولكني فوق هذا وخوفاً من ضياع أطفالي قمت بطلاق الأخيرة، وبعد مدة اتضح لي أن الزوجة الأخيرة لا زالت تحبني وتتمسك بي، أحسست أني ظلمتها، وبعد التشاور معها تم الاتفاق على أن نرجع لبعض دون أن يعرف أحد بمعاودتنا لبعض، هنا السؤال: هل يصح أن نرجع لبعض سراً علماً بأن من وقت طلاقها إلى الآن مرت تقريباً سنة، وإذا يصح أن نرجع فهل علي التوبة والكفارة أو ضروري أن نعقد القران، وإذا كان ضرورياً أن نعقد القران فلا بد من مسألة الشهود هي العائق الوحيد خوفاً من انكشاف السر، أفتونا جزاكم الله خيراً؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يمكنك الرجوع إلى هذه المرأة المذكورة إلا بعقد جديد وولي وشاهدين، وذلك لانقضاء عدتها، وأن أعدت العقد عليها بحضور وليها وشاهدين فقد أصبحت زوجتك شرعاً ولو لم يعلم بذلك إلا الشهود والولي، على ما سبق بيانه في الفتوى رقم: 13671، وذلك لاكتمال شروط النكاح فيه.
أما إن عدت إليها بغير شهود ولا ولي فالنكاح باطل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي وشاهدين. رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، وانظر الفتوى رقم: 13671.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
... مسألة اشتراط الولي في النكاح
تاريخ الفتوى : ... 24 محرم 1425 / 16-03-2004
السؤال
السادة العلماء الأجلاء
وفقكم الله تعالى لما فيه خير الإسلام والمسلمين
السائل : طالب دراسات عليا في قسم الشريعة الإسلامية.
سؤالي هو التالي:
في موضوع الولاية في الزواج اتفق الجمهور - عدا الأحناف - على أنه ليس للمرأة أن تزوج نفسها أو غيرها استناداً لقوله - صلى الله عليه وسلم - " لا تزوّج المرأة المرأة ، ولا المرأة نفسها " .(36/546)
فيما يذهب الأحناف إلى جواز تولي المرأة عقد نكاحها حتى دون إذن وليها - مع تفصيل ليس هذا محله - ، وهم في رأيهم يستندون إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - " الثيب أحق بنفسها".
وفي الأمر تفاصيل ليست محل سؤالي -
إنما مثار سؤالي يتمثل في ما هو وجه استناد الجمهور إلى ذلك الحديث رغم وجود حديث الثيب ، وفي الوقت نفسه ما وجه التفات الأحناف عن الحديث الأول لاسيما إزاء صراحتهم؟
السادة العلماء الأفاضل ***
أود - وفقكم الله تعالى - إجابة أصولية دقيقة مناطها التخريج والموازنة بين الأدلة المتعارضة . ووجهة نظر كل فريق . مع بيان الأصح . ولماذا ؟
وأخيراً أود لو تدلّوني على كتاب أرجع إليه مستقبلاً في مثل هذه المسائل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن مسألة اشتراط الولي في النكاح وذكر أقوال أهل العلم وأدلة كل قول، وذكر القول الراجح وذكر أجوبة الحنفية على أدلة الجمهور، وذكر أجوبة الجمهور على أدلة الحنفية.
وذلك في الفتوى رقم: 5855، والفتوى رقم: 44080.
وأما عن المراجع في مثل هذه المسائل فهي كتب الفقه أبواب كتاب النكاح.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ولا ية الزواج بيد الأب
تاريخ الفتوى : ... 09 محرم 1425 / 01-03-2004
السؤال
أفيدونوني
...
أنا فتاة ابلغ من العمر 24 سنة ... أريد أن أتزوج الرجل الذي أحبه منذ 10 سنوات و هو يحبني كثيرا ولا نستطيع الفراق والمشكلة هي عدم موافقة ولي الأمر ( الوالد) على زواجنا وذلك بسبب بسيط جدا لا معنى له هو (الرجل) يريد أن يتقدم لزواج ولكن والدي يهدد بقتله. ووالدي على علم بأن الشاب يحبني... فماذا أفعل...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك الإقدام على الزواج من هذا الرجل أو غيره إلا برضا أبيك، لأن الشرع جعل ولاية زواجك بيده، لما روى الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا نكاح إلا بولي. إلا أنه إذا ثبت عضلك من أبيك، فلا مانع والحالة هذه(36/547)
من أن تتقدمي إلى القاضي لإثبات ذلك، ومن ثم يزوجك بمن ترغبين فيه إذا كان ذا دين وخلق، وانظر الفتوى رقم: 199.
وننبهك إلى أنه إن ترجم هذا الحب الذي بينك مع من ذكرت إلى ما يخالف الشرع كالنظر أو الخلوة أو نحوه، فالواجب عليكما التوبة إلى الله تعالى من ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... أهلها زوجوها من رجل لا يصلي ولا يصوم ويشرب المسكرات
تاريخ الفتوى : ... 08 محرم 1425 / 29-02-2004
السؤال
تزوجت من رجل لا يصلي ولا يصوم ويشرب المسكرات، وبسبب أني كنت صغيرة وجاهلة ولم يكن لي أحد يقف بجانبي من أهلي صبرت حتى كبر الأولاد، والآن أصبح يصلي ويصوم ولكن لم يترك المسكرات وكلما أنصحه يقول إن الله غفور رحيم، السؤال: هل على ذنب لأني صبرت عليه أيام المعصية ولم أتركه، وهل يجب علي أن أتركه الآن لأنه يقال إن الساكت عن الحق شيطان أخرس، أو أستمر معه ولي الأجر طالما أنه أصبح يصلي ويصوم، أرجو من فضيلتكم الإجابة ولكم من الله الأجر والثواب؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مراعاة الدين والخلق في الزوجين أمر مطلوب شرعاً لأنه سبب قوي لحصول الطمأنينة وراحة البال وديمومة الزواج، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في حق الرجل: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وفي شأن المرأة ورد قوله صلى الله عليه وسلم: تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك. متفق عليه.
والآن أيتها الأخت الفاضلة بعد أن ابتليت برجل لم يراع فيه أهلك صفة الدين والخلق وزوجوك منه وأنت غير مدركة لحاله، فإنهم يتحملون ذلك لتفريطهم في مسؤولية جعلها الشرع عليهم، وأما أنت فعليك بالصبر على زوجك خصوصاً أنك قد أنجبت منه أولاداً، ولكن عليك بالدعاء والتضرع إلى ربك سبحانه ليصلح حال زوجك، ثم بالمداومة بنصحه وموعظته وتذكيره بالمسؤولية التي جعل الله عليه تجاه نفسه وتجاه أسرته، إذ كيف يدعوهم إلى الخير وهو راغب عنه وينهاهم عن الشر وهو غارق فيه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... يأبى أبوها أن يزوجها بمن تريده
تاريخ الفتوى : ... 05 محرم 1425 / 26-02-2004(36/548)
السؤال
باختصار شديد أحب شخصا اكبر مني ب 3 سنين
هو عنده 24 سنة و أنا عندي21 كلمني و فاتحني في موضوع الزواج والخطوبة من سنتين و طوال السنتين أهلي يماطلونه وفي الآخر افتعلوا شجارا معه و قالوا الموضوع منته أنا لا أرى سببا لرفضه، الولد تعليمه جامعي وعنده عمله.. و هو أصلا مُتدين و يعرف ربنا بدليل أنه يريد أن يتزوجني برضا أهلي ... سؤالي نحن لو تزوجنا عند مأذون شرعي و كتب لي مهرا ومؤخرا يكون الزواج حراما ؟؟ علما بأن كل عائلتي موافقة ماعدا أبي .. ولو تزوجنا وعشت مع أهلي 5 شهور لغاية نهاية الامتحانات نتقابل و نمارس حياتنا الزوجية يكون زنا..؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لأهلك رفض زواج هذا الشاب منك إن كان على دين وخلق، فقد ثبت في سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. فحاولي بهدوء أن تقنعي والدك بأن يوافق على زواجه منك، واستعيني في إقناعه بمن ترجين أن يكون قوله مؤثرا عليه، فإن رضي فالحمد لله، وإن أصر على عدم زواجه منك، فاصرفي النظر عن ذلك وأطيعي والدك، لأن طاعته فرض عليك، وزواجك من هذا الشاب بعينه ليس بفرض عليك، وراجعي لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 6563.
وهذا فيما إذا لم يكن معروفا عن والدك رد الخطاب بغير مسوغ شرعي، فإن عرف عنه ذلك، فارفعي أمرك إلى القاضي الشرعي لينقل الولاية إلى غيره أو يتولى هو أمر تزويجك، ولا يجوز لك الإقدام على الزواج بدون وجود الولي أو السلطان وهو القاضي، فإن فعلت، كان الزواج باطلا، إذ يشترط لصحة النكاح وجود الولي، وإن تم الزواج على وجهه الصحيح، تصبحين زوجة له، فيحل له منك ما يحل للزوج من زوجته.
وننبهك إلى أنه إذا لم يتيسر هذا الزواج فالواجب قطع هذه العلاقة معه، إذ لا يجوز في الإسلام إقامة مثل هذه العلاقة، وقد سبق أن بينا ذلك في الفتوى رقم: 1072.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يصح عقد النكاح إلا بحضور الولي أو وكيله
تاريخ الفتوى : ... 03 محرم 1425 / 24-02-2004
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
تحية طيبة وبعد:
تزوجت من فتاة زواجاً عرفياً( كتاب شيخ ) ولدي سؤال: والد الفتاة طلق أمها منذ كانت جنيناً في بطن أمها وعندما قررنا الزواج اتصلت به وأعلمته بذلك فتمنى لها التوفيق ووافق على الهاتف على هذا الزواج ولكنه رفض حضور الحفلة التي(36/549)
أقمناها على اعتبار أنها ستقام في بيت زوجته السابقة ( أم الفتاة ) وطلب مني ومن ابنته الحضور لزيارته بعد عقد القران , والسؤال هنا : هل الزواج صحيح ؟؟ وهل تكفي موافقة الأب الشفهية ؟؟ وإن لم تكن كافية ماذا علي أن أفعل ؟؟ أفيدوني جزاكم الله كل الخير .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الذي تم خلال الاتصال بينك وبين أبي المرأة هو عقد نكاح مشتمل على الإيجاب والقبول، فإن عقد النكاح مع ذلك لا يصح لتعذر استيفاء شروط العقد عن طريق الهاتف، فاحتمال محاكاة صوت المتكلم احتمال وارد جدا، ومن باب أولى إن كان ما تم بينكما مجرد إخبار بالرغبة في الزواج بدون إنشاء عقد نكاح، وعليه، فإنه تجب عليك مفارقة هذه المرأة، ثم إذا انقضت عدتها- وعدتها عدة المطلقة، قال ابن مفلح في الفروع: وعدة موطوءة بشبهة أو نكاح فاسد كمطلقة، وعنه يقصد الإمام أحمد: لا عدة، بل تستبرئ، أي بحيضة.
وقال في الإنصاف: واختار الشيخ تقي الدين أن كل واحدة منهما (من وطئت بشبهة أو نكاح فاسد) تستبرئ بحيضة. اهـ -.
المهم أنها إذا اعتدت أو استبرأت عقد لك عليها وليها مباشرة أو وكّل آخر يقوم بالعقد نيابة عنه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من يتولى إنكاح الكتابية لمسلم
تاريخ الفتوى : ... 02 محرم 1425 / 23-02-2004
السؤال
يريد أحد إخواننا المسلمين الزواج هنا في دولة الهند وهو طالب جامعي مسلم من دولة عربية لكنه يريد الزواج ليستر على نفسه من الفتن . المشكلة هنا أن الفتاة التي يريد الزواج بها موجودة في مدينة أخرى مجاورة في الهند وهي تعتنق الديانة المسيحية ومستعدة لاعتناق الإسلام . هو لا يريد أن يسافر لمقابلتها أو أن يسمح لها بالمجيء لمقابلته لخوفه من أن يخلو بها فيقع في المعصية ..
سؤالي يقول :
هل يقبل الزواج إذا تم عن طريق الاتصال الهاتفي بالفتاة وبعد إيجاد الضمانات بأن الفتاة التي تتكلم هي نفسها الفتاة التي يريد الزواج بها ؟
علما بأن والديها قد توفيا . وهل يجوز ان يكون كاتب العقد كولي أمرها في هذه الحالة ؟
بارك الله فيكم وأرجوا منكم الرد باسرع وقت ممكن وذلك للضرورة ..
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(36/550)
فلا يصح نكاح إلا بولي فهذه الكتابية يتولى نكاحها وليها الكافر، فإن فقد الأب فالجد أبو الأب، ثم أخوها لأبوين ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ لأبوين، ثم ابن الأخ لأب، وإن سفل ثم العم لأبوين ثم العم لأب ثم ابن العم لأبوين، ثم ابن العم لأب، ثم سائر العصبات حسب ترتيبهم في الإرث، فإن فقد هؤلاء جميعاً فيتولى تزويجها قاضي المسلمين لا قاضي أهل الكتاب، وهذا عند الشافعية.
وعليه؛ فيسافرون إلى أقرب بلد بها قاض مسلم فيعقد لهم، وهذا إن فقد جميع الأولياء السابق ذكرهم.
وتوسع المالكية فقالوا: إذا عدم الولي الكافر زوجها أسقفتهم.
وعليه؛ فإذا كان كاتب العقد ليس له ولاية فلا يصح أن يكون ولياً، وللخاطب أن ينظر إلى الفتاة التي يريد خطبتها، بوجود من تنتفي بوجوده الخلوة، وأما عن عقد النكاح بالتلفون فانظر الفتوى رقم: 36937، ولا بد من العلم بالزوجة بأن تكون معينة معروفة يعرفها من سيتولى الشهادة، ولمزيد فائدة انظر الفتوى رقم: 7704، والفتوى رقم: 29397.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا ولاية للكافر على المسلمة
تاريخ الفتوى : ... 24 ذو الحجة 1424 / 16-02-2004
السؤال
لي صديق يسأل، هو طبيب مسلم وزميلته طبيبة نصرانية وهما يريدان الزواج والمشكلة أن أهلها (الذين يسكنون في بلد آخر) يرفضون بشدة.
هي لا تريد أن تسلم دون أن تقتنع تماما تماما( ونسأل الله أن يجعل ذلك قريبا) وهي ترفض الزواج الرسمي لأن ذلك سيؤدي إلى تغيير في أوراقها الرسمية والثبوتية مما قد يوصل إلى معرفة أهلها بالموضوع،
وهما يسألان الآن عن الحل الشرعي لعلاقتهما؟؟
ماذا لو تزوج منها دون علم أهلها ودون توثيق رسمي وبوجود شيخ ( مأذون ) وشاهدين . أفتونا مأجورين
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزواج لا يصح من دون ولي لما في الحديث: لا نكاح إلا بولي. رواه الترمذي والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
فإن رفض الولي التزويج لموليته فإن لها الحق في أن تلجأ إلى المحاكم الشرعية لتزويجها منها، ويدل لذلك ما في الحديث: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له. رواه أحمد والترمذي وأبو داود والحاكم، وصححه الألباني.(36/551)
وإن أفضل من ذلك أن تسلم فترتفع عنها ولاية وليها الكافر لقوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا.
فإذا أسلمت فيمكن أن يزوجها القاضي أو توكل على نفسها أحداً من علماء المسلمين أو دعاتهم ليزوجها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
يصح النكاح إذا استوفي أركانه وشروطه
تاريخ الفتوى : ... 23 ذو الحجة 1424 / 15-02-2004
السؤال
قبل عامين توفي عمي، قرر أبي أن يتزوج زوجة عمي بحجة مساعدة الأيتام.آنذاك، واجه أبي معارضة شديدة من قبل أولاده وإخوته وإخوة الأرملة، مما أدى إلى مصادمات وخصومات شديدة حتى إنه هدد بالقتل، رغم ذلك, عقد القران بدون علم أحد وبتخف، المشاكل في بيتنا ما تزال منذ 4 سنين بسبب هذا الحدث، هل يعتبر هذا الزواج شرعيا، ملاحظة: في البداية عندما شعروا (أبي وزوجة عمي) أن الجميع يعرفون بخططهم, كانوا ينفون ذلك ويكذبون، كان أبي يقسم أنه لا نيه لذلك ويعتبرها مثل أخته وكذلك هي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان عقد النكاح المذكور قد تم مع استيفاء أركان النكاح وشروطه التي لا بد منها، فهو نكاح صحيح ولو حصل بدون حضور الكثير من الناس أو علمهم، بل يكفي وجود ولي المرأة ورضاها وشاهدي عدل، وإن كان الأفضل إعلان النكاح وإشهاره امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أعلنوا هذا النكاح. رواه الترمذي وغيره.
وإن كان المقصود وقوع النكاح بدون ولي أو إشهاد أو مع اختلال ركن من أركانه الأخرى، فيكون النكاح المذكور باطلاً يجب فسخه فوراً، وللتعرف على أركان النكاح الشرعي يرجى الرجوع إلى الفتوى رقم: 7704.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... يلزم الاحتياط في الأبضاع
تاريخ الفتوى : ... 23 ذو الحجة 1424 / 15-02-2004
السؤال
قرأت لأكثر من مجتهد عن الزواج وشروطه فوجدت أن الإمام مالك لا يشترط الشهادة والإمام أبو حنيفه لا يشترط الولي، فأرجو أن توضحوا المسألة وعلى أي شيء ارتكز الإمامان رحمهما الله، مع وجود الحديث: لا نكاح إلا بولي وشاهدي(36/552)
عدل" وغيره من الأحاديث التي توجب الولي والشاهد، وهل يجوز لي أن آخذ بقولهما إذا اردت الزواج بحيث آخذ برأي الإمامين ولا أحضر لا ولياً ولا شهوداً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المسلم لا يحق له أن يترك العمل بدليل علمه لمجرد أقوال لا يعلم لها حجة تعارض ذلك الدليل الذي علمه، وإنما يلزمه عند الخلاف الأخذ بالراجح الذي قوي دليله وبما أن الأصل في الأبضاع التحريم فإنه يلزم فيها الاحتياط، وقد نهى العلماء كذلك عن تتبع الرخص، وقديماً قيل: وآخذ رخصة كل عالم تجمعت فيه شرور العالم
ثم إنه ليس من شيم طلاب العلم البحث عن أخطاء العلماء والواجب حسن الظن بهم، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 20876.
وأما بخصوص هذه المسألة، فقد سبق أن بينا اشتراط الولي والشهود في صحة النكاح، فليراجع ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 964، 4632، 35552.
فالزواج من دون ولي وشهود هو عين نكاح السر المنهي عنه في حديث الطبراني: نهي عن نكاح السر، قال الهيثمي رواه الطبراني عن محمد بن عبد الصمد ولم يتكلم فيه أحد، وبقية رجاله ثقات.
واعلم أن المالكية يصح عندهم العقد ابتداء من دون إشهاد، ولكن لا يجوز الدخول عندهم حتى يقع الإشهاد أو يشتهر الأمر بين الناس، فإن حصل الدخول قبل ذلك وجب فسخ النكاح عندهم، نص على ذلك خليل وشراحه، وقد سبق توضيح ذلك في الفتوى رقم: 25637.
وأما الحنفية فإنهم جعلوا الولي شرط كمال، فحملوا حديث لا نكاح إلا بولي على الكمال لا على الوجوب، قالوا هو مثل لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، واحتجوا بقول الله تعالى: فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:234]، وبحديث: الأيم أحق بنفسها من وليها.
وبما روى الدارقطني عن سماك بن حرب قال: جاء رجل إلى علي رضي الله عنه فقال: امرأة أنا وليها تزوجت بغير إذني فقال علي: ينظر فيما صنعت، فإن كانت تزوجت كفؤا أجزنا ذلك لها، وإن كانت تزوجت من ليس بكفء جعلنا ذلك إليك.
وقد أجيب عن فتوى على بأنها قول صحابي عارضته الأحاديث الصحيحة، وأما حديث الأيم أحق بنفسها، فيفيد أنه لا يعقد عليها بدون رضاها، وأما عقدها نفسها بدون ولي فهو ممنوع بحديث: لا نكاح إلا بولي، وبحديث: لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها. رواه الدارقطني وابن ماجه والبيهقي، وصححه الألباني.
وقد ذكر ابن العربي والقرطبي أن محمد بن علي بن الحسين قال: النكاح بولي في كتاب الله، ثم قرأ: وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ، قال القرطبي في هذه الآية دليل بالنص على أن لا نكاح إلا بولي، وقال ابن العربي في تفسيره قوله تعالى: فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ: نهى الله أولياء المرأة عن منعها من نكاح من ترضاه، وهذا دليل قاطع على أن المرأة لا حق لها في مباشرة النكاح وإنما هو حق الولي خلافاً لأبي حنيفة، ولولا ذلك لما نهاه الله عن منعها.(36/553)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عقد نكاح باطل لعدة أمور، وطريق جعله صحيحاً
تاريخ الفتوى : ... 18 ذو الحجة 1424 / 10-02-2004
السؤال
أعلم أنني أخطأت خطأ كبيراً وأنني والله ندمت عليه ولا أريد العودة إليه مرة أخرى وإنني أستغفر الله عليه كثيرا راجية منه العفو والمغفرة، أنا فتاة أبلغ من العمر 31 عاما ومنذ 5 سنوات تعرفت على رجل متزوج وله أبناء ومقيم في بلد آخر وهو من جنسية أخرى أيضا، ووعدني بالزواج حينما تتحسن ظروفه في بلده، تطورت علاقتنا على مدى السنوات الماضية وكانت كعلاقة الأزواج تماما ، كان كلما أتى إلى بلدي تقابلنا ومارسنا حياتنا ثم يسافر وهكذا حتى السنة الماضية فقد قررنا أن نتزوج عرفيا فقمنا بكتابة ورقة بيننا ووقعنا عليها ثم أخذها كي يوقع الشهود وبالفعل وقعوا ولكن كل شاهد وقع منفصلا وهم لا يعرفونني شخصياً ولكن قبل أن يوقعوا كنا نمارس ما بيننا كالسابق تماما
سؤالي هو:
1- هل هذا العقد صحيح شرعا. مع العلم أننا لم نقل الصيغة الشرعية ( زوجتك نفسي ............)؟
2- هل لي طلاق وعدة مثل الزواج الشرعي المعلن؟
3- هل يلزم شهادة الشهود لكتابة العقد وأن يوقعوا مجتمعين؟
4- إذا أردت أن أتزوج منه زواجاً معلناً هل يطلقني أم نتزوج هكذا؟
5- في حالة زواجي من شخص آخر هل أخبره بهذا الزواج السري أم ماذا؟
أرجو الإجابة سريعا وعدم إهمال رسالتى لأنني حائرة جدا ولا أعرف ماذا أفعل. وأرجو من سيادتكم الدعاء لي بأن يتقبل الله توبتي
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب عليك أن تتوبي إلى الله تعالى توبة صادقة، وتنيبي إليه، وعليك بالإكثار من الأعمال الصالحة، قال الله تعالى:
كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(الأنعام: من الآية54)
وقال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً*يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً*إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان:68-70)(36/554)
ومن أعظم وسائل ومظاهر هذه التوبة أن تبتعدي ابتعاداً كاملاً عن الأجانب، وأن تشغلي وقتك بالطاعات وأن تكثري من الأذكار المطلقة والمقيدة وتلاوة القرآن ونوافل الصلوات والصيام.
وأما هذا العقد الذي فعلتماه فإنه غير صحيح شرعاً، فقد تعرض له الفساد من عدة جهات:
1- أنه حصل من دون إذن الولي، والزواج بدون ولي باطل باطل بنص الحديث: لا نكاح إلا بولي. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وبنص الحديث الآخر: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل. رواه ابن حبان والترمذي وصححه الألباني.
2- أنه يحتمل أنه حصل قبل الاستبراء من الزنا، وزواج الزانية قبل استبرائها بحيضة محرم، لما في الحديث: لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة. رواه أبو داود وصححه الألباني.
3- أن شهادة الشهود على الزواج بدون إذن الولي لا تصح لأنها شهادة على الباطل، كما قدمنا في الفتوى رقم: 29442
ثم إنهم قد شهدوا على توقيع لا يعلمونه ولا يعلمون فاعلته، ولم يسمعوا منها إقراراً.
فإذا تقرر هذا فإن الواجب أن يفارقك هذا الزوج فإن أصر على البقاء على هذا فاذهبي إلى القاضي ليفسخ نكاحكما، ثم يجوز لك بعد العدة أن تتزوجي من شئت، قال ابن قدامة في المغني: إذا تزوجت المرأة تزويجاً فاسداً لم يجز تزويجها لغير من تزوجها حتى يطلقها أو يفسخ نكاحها.
ويجوز لك كذلك أن تتزوجي هذا الرجل إذا علمت منه صدق التوبة إلى الله، وإذا أردت الزواج من شخص آخر فلا تذكري له زواجك السري بل استري نفسك عملاً بالحديث: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله وليتب إلى الله. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها للزيادة في التفصيل في الموضوع: 5855/4832/3395/1677/10705/5962/11426/6996/1095.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم إنكاح القاضي إذا أذن له والد الفتاة
تاريخ الفتوى : ... 03 ذو الحجة 1424 / 26-01-2004
السؤال
خطبت فتاة (25 سنة) وقبلت بالزواج مني ولكن والدتها رفضت لأني متزوج، علما بأن الأب موافق ولكنه لا يستطيع الوقوف أمام زوجته، هل يجوز لهذه الفتاة أن تلجأ للقاضي ليزوجني إياها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(36/555)
فلا يجوز للقاضي أن يزوجها دون أن يأذن له أبوها في تزويجها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بدون إذن وليها فنكاحها باطل.... رواه أحمد وابن ماجه والترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي، والسلطان ولي من لا ولي له. رواه أحمد والبيهقي.
فقوله صلى الله عليه وسلم: السلطان ولي من لا ولي له. يدل على أن السلطان -وفي معناه القاضي- لا يكون ولياً إلا لامرأة لا ولي لها، أما من لها ولي وهو الأب في الصورة المسؤول عنها، فليس للقاضي أن يزوجها إلا إذا كان وليها عاضلاً لها كما هو مفصل في كتب الفقه، وإذا تقرر هذا فمحل عدم صحة إنكاح القاضي لها هو عدم إذن أبيها -كما تقدم-، أما إذا أذن له فيصح إنكاح القاضي لها، كما دل عليه الحديث المتقدم في بداية الجواب: أيما امرأة نكحت بدون إذن وليها فنكاحها باطل. فهذا يدل على أنها إذا نكحت بإذنه فنكاحها صحيح.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مذاهب الفقهاء في تولي شخص طرفي عقد النكاح
تاريخ الفتوى : ... 03 ذو الحجة 1424 / 26-01-2004
السؤال
أنا ولي امرأة في أمريكا لا ولي لها مسلم فكيف يتم زواجي منها زواجا صحيحا خطوة بخطوة؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز عند جمهور الفقهاء أن يتولى شخص طرفي العقد في النكاح في الجملة، ولكنهم اختلفوا بعد ذلك في بعض التفاصيل:
فقصر الشافعية ذلك على الجد لكمال شفقته ولأن توليه ذلك أبعد عن الريبة والتهمة، وأطلق الحنفية فأجازوا للشخص أن يتولى طرفي العقد إذا كانت له ولاية من الجانبين، سواء كانت ولايته أصلية أو دخيلة بالوكالة أو كان أصيلاً ووليا كابن العم إذا زوج بنت عمه من نفسه، أو كان وكيلا من الجانبين، أو رسولا من الجانبين، أو كان ولياً من جانب ووكيلا من جانب آخر، أو وكلت المرأة رجلا ليتزوجها من نفسه، وإليك بعض كلام الفقهاء الدال على ما ذكرنا:
قال الكاساني الحنفي كما في بدائع الصنائع: هل ينعقد بعاقد واحد أو لا ينعقد إلا بعاقدين؟ فقد اختلف في هذا الفصل، قال أصحابنا: ينعقد بعاقد واحد إذا كانت له ولاية من الجانبين، سواء كانت ولايته أصلية، كالولاية الثابتة بالملك والقرابة، أو دخيلة كالولاية الثابتة بالوكالة، بأن كان العاقد مالكاً من الجانبين كالمولى إذا زوج أمته من عبده، أو كان ولياً من الجانبين، كالجد إذا زوج ابن ابنه الصغير من بنت ابنه الصغيرة، والأخ إذا زوج بنت أخيه الصغيرة من ابن أخيه الصغير، أو كان أصيلاً ووليا كابن العم إذا زوج بنت عمه من نفسه، أو كان وكيلا من الجانبين، أو(36/556)
رسولا من الجانبين، أو كان وليا من جانب ووكيلا من جانب آخر، أو وكلت امرأة رجلا ليتزوجها من نفسه.
وقال الخرشي المالكي في شرح خليل: يجوز لابن العم والمعتق الأعلى والأسفل على ما فيه والحاكم ومن يزوج بولاية الإسلام، أن يتولى طرفي عقد النكاح إن عين لها أن يزوجها من نفسه، ويشهد على رضاها احتياطاً من منازعتها، فإن لم يشهد على ذلك والمرأة مقرة فهو جائز، ولفظ ذلك أن يقول لها: قد تزوجتك على صداق كذا وكذا وترضى به.
وقال الشيخ زكريا الأنصاري في فتح الوهاب: ولجدٍ تولي طرفي عقد في تزويج بنت ابنه ابن ابنه الآخر، لقوة ولايته ولا يزوج نحو ابن عم كمعتق وعصبته نفسه ولو بوكالة، بأن يتولى هو أو وكيلاه الطرفين، أو هو أحدهما ووكيله الآخر، إذ ليس له قوة الجدودة حتى يتولى الطرفين فيزوجه مساويه، فإن فقد من في درجته زوجه (قاض) بولايته العامة (و) يزوج (قاضيا قاض آخر) ولو خليفته، لأن خليفته يزوج بالولاية بخلاف الوكيل، ولو قالت لابن عمها: زوجني من نفسك جاز للقاضي تزويجها منه.
وقال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: أو زوج شخص ابنه الصغير أو المجنون أو السفيه بنت أخيه صح أن يتولى طرفي العقد، أو زوج وصي في نكاح صغيراً تحت حجره بصغيرة تحت حجره ونحوه كحاكم يزوج من لا ولي له بمن لا ولي لها (صح أن يتولى طرفي العقد، وكذلك ولي المرأة العاقلة) إذا كانت تحل له مثل ابن عم لأبوين أو لأب والمولى المعتق وعصبته المتعصب بنفسه والحاكم وأمينه إذا أذنت له في نكاحها فإنه يصح أن يتولى طرفي العقد.
استدل من قال بأن الولي غير الجد له أن يلي طرفي العقد بما أخرجه البخاري معلقا أن عبد الرحمن بن عوف قال لأم حكيم بنت قارظ:أتجعلين أمرك إلي؟ قالت: نعم، قال: فقد تزوجتك. ذكره البخاري معلقا، ووصله ابن سعد من طريق ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد، واستدل من منع بما يلي:
1- أن الولاية شرط في العقد، فلا يكون الناكح منكحاً كما لا يبيع من نفسه.
2- وبما رواه البخاري عن المغيرة تعليقاً أنه خطب امرأة هو أولى الناس بها فأمر رجلا فزوجه، ووصل الأثر وكيع في مصنفه، وللبيهقي من طريقه عن الثوري عن عبد الملك بن عمير: أن المغيرة بن شعبة أراد أن يتزوج امرأة هو وليها، فجعل أمرها إلى رجل، المغيرة أولى منه، فزوجه.
ولعل الأحوط -إن شاء الله تعالى- أن تذهبا إلى أي مركز إسلامي، فتوكل المرأة من يزوجها ويتولى المركز تزويجك، وإن عملت بقول الجمهور وزوجتها من نفسك بعد إذنها وبحضرة شاهدين فلا بأس، فهو قول قوي له اعتباره، فتقول: زوجتك من نفسي، وتقول هي: قبلت نكاحك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم اشتراط المرأة أن يكون لزوجها منزل يملكه(36/557)
تاريخ الفتوى : ... 01 ذو الحجة 1424 / 24-01-2004
السؤال
تقدمت إلى خطبة فتاة مطلقة وكان الشرط الذي أعاق الزواج هو طلبها بأن يكون لدي منزل ملكي(الملك لله), وهذا ليكون كوسيلة أمان لمستقبلها, وأنا لا أملك قيمة شراء منزل, ولو كنت أستطيع لكان ذلك، فما هي الفتوى الشرعية بصدد هذا الموضوع لتنوير قلوبنا بالإيمان؟ مع الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحياة الزوجية مبناها المودة والرحمة والتسامح والتفاهم، وإسكان الزوجة حق على الزوج ملزم بتوفيره لها بحسب عرف البلد وبحسب حال كل من الزوجين، مثل النفقة والكسوة، ولو لم يشترط شيء من ذلك.
وأما إن اشترطت المرأة أن يكون للزوج منزل يملكه، فإن هذا الشرط هو مما لا يقتضيه العقد ولا ينافيه، فهو مما يستحب الوفاء به ولا يلزم، قال في منح الجليل: أو كان لا يقتضيه ولا ينافيه كشرط أن لا يتسرى أولا يتزوج عليها، فمكروه لأنه تحجير، ويستحب الوفاء به. 3/303.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... ابحث عن وسيلة مشروعية لتوثيق عقد النكاح
تاريخ الفتوى : ... 26 ذو القعدة 1424 / 19-01-2004
السؤال
عندي صديق لا يحمل جنسية أي دولة ولكنه مولود بالإمارات وعنده جواز منتهي إماراتي ولديه ابنة خالته مطلقة ويرغب بالزواج منها فوزارة العدل والأوقاف لا تزوج البدون من المواطنين، ولكن صديقى يرغب بالزواج الحلال بها وأهلها راضون، ماذا نفعل وكيفية الزواج ونوعه الحلال امام الله وأي مطوع لايقدر على تزويجنا حسب قانون الدولة أفيدونا وجزاك الله خيرا عنا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا قال ولي البنت للرجل زوجتك فلانة، فقال الرجل قبلت، وكان ذلك بحضرة شاهدين فقد تم الزواج، ويشترط خلو الزوجين من موانع النكاح، ولا يلزم أن يتم النكاح عند مأذون شرعي، ولا أن يقيد في المحاكم وانظر الفتوى رقم: 42770، لكن تسجيله في الأوراق الرسمية فيه مصلحة حفظ الحقوق للزوج والزوجة والأولاد، لاسيما في هذه الأزمنة التي فشا فيها الظلم والجحود، وقل فيها العدل والورع، فينبغي البحث عن أي وسيلة مشروعة لتوثيق هذا العقد، مع التنبه إلى أمر آخر مهم، وهو عدم تعريض الزوجين أو أحدهما للمساءلة والعقوبة في حال اكتشاف بقائهما معاً دون عقد يثبت زواجهما.
والله أعلم.(36/558)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم ولاية الولي الفاسق وتارك الصلاة عقد النكاح
تاريخ الفتوى : ... 21 ذو القعدة 1424 / 14-01-2004
السؤال
الشيخ الفاضل أفتونا في شابة مسلمة تريد الزواج من شاب مسلم، ولكن ليس لديها ولي شرعي، لها أب يدعي أنه مسلم ولكنه لا يصلي وكاره للإسلام والمسلمين، ولا يلتزم من الدين شيئا، ولها عم أحسن حالا من أبيها، لا يصلي ولكنه يقول بأنه يؤمن بالله ويصلي في الأعياد ولا يكره المسلمين، ولها عم أعلى من جدها وهو مسلم يصلي وابنه كذلك ملتزم بالدين، والسؤال عندي من أولى بالولاية لهذه الشابة؛ الأب الفاسق أو العم الذي لا يصلي أو العم الأعلى وابنه، وهل هما سواء؟ والسؤال الآخر هل ترك الصلاة يسلب من الأب الولاية مطلقا أم لا؟ أفتونا مأجورين وجزاكم الله .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن شروط الولاية في النكاح الحرية والبلوغ والعقل والذكورية والإسلام وعدم الإحرام بحج أو عمرة.
وعلى هذا؛ فإن كان أبو هذه الفتاة مسلماً فهو أولى بولاية ابنته من غيره؛ وإن كان موصوفاً بالفسق، لأن الولاية في النكاح لا تشترط لها العدالة على الراجح عندنا، وهو المشهور من مذهب مالك، قال خليل بن إسحاق ممزوجاً بكلام شارحه الخرشي : "لا ذي فسق فلا يسلبها -يعني الولاية- على المشهور لكن يسلب الكمال". ا.هـ
وهذا هو إحدى الروايتين في مذهب أحمد، قال صاحب الإنصاف الحنبلي: "وأما اشتراط العدالة فأطلق المصنف فيها روايتين"، إلى أن قال: "والرواية الثانية: لا تشترط العدالة فيصح تزويج الفاسق، وهو ظاهر كلام الخرقي".
وذهب الحنابلة في الرواية الأخرى والشافعية إلى اشتراط العدالة في الولي، قال البجيرمي على المنهج وهما شافعيان: "فإن صحة النكاح تتوقف على حضور الشهود وعدالتهم وعدالة الولي."
وإنما رجحنا قول القائلين بعدم اشتراط العدالة في الولي، وخصوصاً إذا كان أباً، لأن من طبيعة الأب الولي الحرص على الأصلح لابنته، هذا عن ولاية الفاسق على العموم.
أما بخصوص ما نسب إلى أبي هذه الفتاة من ترك الصلاة فإنه ينظر فيه، فإن كان عن جحود فهو مرتد بإجماع، وإن كان تركها لمجرد تكاسل مع إقراره بوجوبها، فمذهب الجمهور أنه لا يكفر، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى هذا إن كان الترك للصلاة أحياناً، أما من يتركها بالكلية فهو كافر، ولا ينفعه الإقرار بوجوبها، وهذا هو الراجح عندنا، وانظر الفتوى رقم: 17277 ، وحيث حكم بكفره فلا يصلح ولياً لها هو ولا عمها إن حكم بكفره أيضاً، وبالتالي فإن الولاية تنتقل إلى من سمي في السؤال بالعم الأكبر، وهذا الذي ذكرناه هنا مبني على ما فهمنا من السؤال، والذي(36/559)
ننصح به هو الرجوع إلى المحاكم الشرعية في مثل هذه الأمور إن وجدت عندكم محاكم شرعية.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يمكن للأب أن يكون عاقدا ووليا لبنته
تاريخ الفتوى : ... 11 ذو القعدة 1424 / 04-01-2004
السؤال
هل بالإمكان أن أعقد لابنتي مع خطيبها وأقوم أنا ولي الأمر بعملين في آن واحد، وذلك بعد الاستغناء عن الفقيه الذي أحيانا غير متوفر عندنا، وبعد إكمال شروط الزواج طبعا التي هي الولي والشاهدان العدلان والمهر وموافقة البنت وغيرها من الأمور المعروفة, أرجو منكم أن تشرحوا لي هذا الأمر شرحا وافيا، علما بأنني أعرف القرآن الكريم، وملتزم بالشعائر الدينة, وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يمكن للأب أن يعقد زواج بنته ويقوم بعمل العاقد والولي في حال معرفته للحكم وتوفر شروط النكاح، ولا يشترط في صحة الزواج أن يكون عند المأذون أو الفقيه الرسمي.
وقد كثر في عهد السلف أن يخطب الزوج إلى رجل بنته فيعقدها له، كما فعل ابن عمر مع عروة بن الزبير ، ذكره ابن سعد في "الطبقات".
وزوج سعيد بن المسيب بنته لتلميذه كثير بن أبي وداعة في حوار بينهما ذكره الذهبي في "سير أعلام النبلاء".
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
في حال تعذر تنحية الولي الساقط الولاية عن مباشرة العقد بنفسه
تاريخ الفتوى : ... 07 ذو القعدة 1424 / 31-12-2003
السؤال
أنا صاحبة السؤالين رقم الفتويين:40229 و 42030. إن أبي وافق على الشاب الملتزم، وهذا الشاب يعلم أن أبي سقطت ولايته علي, فماذا نفعل عند العقد؟ وسيكتب أن أبي هو الولي، وعلما بأني لا أستطيع الزواج من غير أبي، وأخي لن يرضى أن يكون وليا لي. فهل يكون العقد صحيحا إذا كان أبي هو الولي؟ مع العلم بأني موافقة على الشاب، لأنه ملتزم. وإذا كان لا يصح، فماذا نفعل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا يجوز أصلا أن يتولى عقد النكاح كافر، وقد بينا للأخت السائلة ذلك في الفتويين اللتين أشارت إليهما، فإذا تعذرت تنحية الوالد المذكور عن مباشرة العقد بنفسه، فيمكن(36/560)
إجراء العقد الصحيح بولاية الأخ والشهود، ويتولى الأخ العقد بنفسه، ولا ضرر أن يباشر الوالد الأوراق الرسمية فقط، لأنه لا اعتبار بها ما دام العقد قد تم على الوجه المطلوب بولاية الأخ. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الأخ ببلوغه خمسة عشر عاماً يعتبر ولياً
تاريخ الفتوى : ... 01 ذو القعدة 1424 / 25-12-2003
السؤال
أنا صاحبة السؤال رقم 597899 وهي أيضا فتوى رقم 40229، ولكن يوجد مشكلة هي أن أخي يبلغ 15 عاما، وحتى لا أطيل عليكم فإن خالي هو الوحيد الذي ينطبق عليه شروط الولي ولكنه يعيش في بلد آخر ولن يرضى أن يكون ولياً لي وأبي على قيد الحياة، ومع العلم بأني أعيش في بلد يحكم بغير شريعة الله ولن أستطيع أن أتكلم مع السلطان، وقد تقدم إلي شاب ملتزم فماذا أفعل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فما دام حال أبيك على ما ذكرت في السؤال رقم 597899، فإن الولاية تسقط عنه وتنتقل إلى أخيك، لأن أخاك ببلوغه خمسة عشر عاماً يعتبر بالغاً ويعتبر ولياً لك، أما خالك فليس من أولياء النكاح، كما هو مبين في الفتوى رقم: 34976. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تزوجت بالطريقة الألمانية وهجرها زوجها وتريد الزواج
تاريخ الفتوى : ... 29 شوال 1424 / 24-12-2003
السؤال
ألمانية مسلمة متزوجة من عربي على الطريقة الألمانية ولم تتزوج على الطريقة الإسلامية وهجرها منذ سنتين ولم تطلق بالألماني، وتريد الزواج من عربي إسلاميا، هل يصح ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن للنكاح شروطاً يلزم أن تتوافر فيه ليكون صحيحاً لازماً، وقد سبق أن بينا هذه الشروط في فتاوى ماضية، وتمكنك مراجعة ذلك في الفتوى رقم: 964، والفتوى رقم: 1766. وعليه فإذا كنت تعني بقولك: هذه المرأة تزوجت بالطريقة الألمانية، أنها تزوجت زواجاً ينقصه بعض الشروط كالولي أو الشهود مثلاً، أو أن الزوج لم يكن مسلماً ونحو ذلك، فهذا النكاح باطل ولا يعتد به، فلا عبرة -إذاً- بكونه لم يطلقها لأنه ليس زوجاً لها أصلاً، ولها بعد الاستبراء أن تتزوج بمن تريد بشرط أن يكون مسلماً، وأن تتوافر الشروط الأخرى اللازمة للنكاح. وأما إن كنت تعني بالطريقة الألمانية أن النكاح قد استوفى شروطه، ولكنه سجل في دواوين المحاكم الألمانية لعدم توافر المحاكم الشرعية هناك، فهذا النكاح صحيح لازم، وصاحبته مازالت زوجة لمن عقد(36/561)
عليها، وليس لها أن تنكح غيره ما لم يطلق أو يطلَّق عليه، ولها رفع أمرها إلى المحاكم الشرعية إذا وجدت وإلا فإلى جماعة المسلمين، فإن كانت متضررة من عدم الوطء أو النفقة طلقوها عليه، وحينئذ لها أن تتزوج غيره بعدما تتم عدتها، ثم اعلم أن إقامة المسلم في بلاد الكفر لا تجوز إلا للضرورة، وانظر الفتوى رقم: 35082، والفتوى رقم: 2007. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... إعلان النكاح.. حكمته.. ومدى صحة كتمانه
تاريخ الفتوى : ... 28 شعبان 1424 / 25-10-2003
السؤال
أنا متزوج وأهلي لا يعلمون بزواجي، الذين يعلمون بزواجي أربعة من أصحابي وأربعة من أصحاب زوجتي فقط فهل هذا حرام!
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فاعلم أن من مقاصد الشريعة المطهرة العظمى حماية حقوق الفرد والمجتمع، والمحافظة على الأنساب، وأخذ كل الاحتياطات لمنع اختلاطها، من أجل كل ذلك وضعت للزواج الشرعي شروطاً وضوابط لحماية حق الرجل والمرأة والولد. فاشتراط الولي والشهود والإشهار للزواج هو لحماية الزوج أن ينسب إليه ولد هو منه براء في الحقيقة، وحماية للمرأة أن ينكر الرجل -متى شاء- ولده منها، وحماية للولد أن ينتفي منه أبوه متى حلا له ذلك. ولعل الحكمة من هذه الشروط والضوابط الشرعية يدركها جليا من تساهلوا في الأخذ بها، فحصل ما حصل من مشاكل متشابكة وضياع للحقوق وظلم للآخرين. لذلك كان الواجب على المسلم والمسلمة والمجتمع كله أن يلتزموا بشرع الله تعالى، ويحكموه في كل أمور حياتهم ليسعدوا في الدنيا والآخرة، وليعلم السائل أن الزواج الصحيح شرعاً هو ما اجتمعت فيه شروط الصحة وانتفت عنه موانعها، وراجع لذلك الجواب رقم: 1766 فإذا كان الزواج قد حصل بدون علم الولي وموافقته، فهو باطل لقول النبي صلى الله عليه وسلم "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " كما في المسند والسنن . وعلى هذا يجب أن يفرق بين هذا الرجل وتلك المرأة ويفسخ ما يسميانه نكاحاً. والحقيقة أنه ليس نكاحاً إلا نكاحاً باطلاً. وإن وافق الولي على زواج هذا الرجل من تلك المرأة بعد ذلك، فليكن بعقد جديد بعدما تستبرئ المرأة، إن كان هذا الرجل قد وطئها من قبل، ومن أهل العلم من قال: إن الولي إذا علم بذلك وأمضاه جاز، ولا حاجة إلى عقد جديد، وعلى كل فالإقدام على هذا الأمر ابتداء لا يجوز، كما لا يجوز الاستمرار فيه إذا حصل، ومع ذلك فلا يعتبر الاتصال المترتب عليه زناً بحيث يقام حد الزنا على كل من الرجل والمرأة، وذلك لأن من أهل العلم من لم يشترط لصحة النكاح الولي، وهذا القول وإن كان مرجوحاً من حيث الدليل، فإنه يدرأ به الحد عمن أقدم على مثل هذا الفعل ولا يعتقد حرمة الإقدام(36/562)
عليه. وأما إذا اكتملت الشروط المطلوبة لصحة النكاح إلا أنه لم يحصل إعلان وإشهار له، فإن كان ذلك عن غير تواطؤ من الأطراف المعنية فهو صحيح، وعليهم أن يعلنوه ويشهروه ليبتعد عن مشابهة الزنا في صفاته، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أعلنوا النكاح، واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف." كما في المسند والترمذي، أما إن كان عدم الإشهار حاصلا عن تواطؤ، فإن النكاح مختلف فيه بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه يفسخ لمشابهته للزنا من حيث التواطؤ على الكتمان. ومنهم من قال: إنه صحيح لا يفسخ لتوافر شروط الصحة فيه، فهو مثل ما لم يحصل تواطؤ على كتمانه. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
قولك لامرأة: "أنت زوجتي أمام الله" لا يصيرها زوجة لك
تاريخ الفتوى : ... 24 شعبان 1424
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله أنا نمت مع امرأة، وقد وعدتها بالزواج، وقد قلت إنها زوجتي أمام الله، فهل هي الآن زوجتي أم هذا القول في لحظة المتعة؟ أرجو الرد السريع. ولكم الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن كان السائل يقصد بقوله "نمت مع امرأة" أنه زنى بها، فقد ارتكب بذلك كبيرة من كبائر الذنوب، وفاحشة من الفواحش. وذلك أن الله عز وجل حرم الزنا، فقال: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32]. وقال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَاب [الفرقان: 68-70]. وقال صلى الله عليه وسلم: ~لا يزني الزاني وهو مؤمن...~~ الحديث فالواجب عليكما التوبة إلى الله عز وجل من هذه الكبيرة، والندم على ما كان منكما، فإن من تاب، تاب الله عليه. وقولك: "هل هي الآن زوجتي"؟ فالجواب: لا، ليست هي زوجتك، والزواج لا يحصل بمثل هذه الصورة المخزية. وقولك لها: "أنت زوجتي أمام الله" لا يصيرها زوجة لك. فإن الزواج له شروط، منها: الولي، فلا تزوج المرأة نفسها، ومنها: الشهود، وغير ذلك من الشروط المذكورة في كتب الفقه. فالواجب عليكما المبادرة بالتوبة، وأن تقطع صلتك بهذه المرأة حتى لا يوقعكما الشيطان في الفاحشة ثانية، ولا حول ولا قوة إلا بالله. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عقد نكاح تارك الصلاة بين البطلان والصحة
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال(36/563)
السلام عليكم ورحمة الله ما حكم من تزوج وهو لا يصلي وهل عقد الزواج يكون باطلاً بحكم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر، أفتوني؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبتت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكفر تارك الصلاة فمن ذلك الحديث الذي أشار له السائل الكريم وهو حديث صحيح رواه أحمد وأصحاب السنن ومنها ما في صحيح مسلم وغيره: إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة.
فمن قال بأن كفر تارك الصلاة كفر أكبر مخرج من الملة، كما ذهب إليه جمهور السلف من الصحابة والتابعين فالنكاح باطل لأنه من المعلوم أنه لا يجوز للمسلمة أن تتزوج كافراً؛ كما قال الله تعالى: وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ [البقرة:221].
ومن قال بأن كفر تارك الصلاة كفر دون كفر وليس كفراً مخرجاً من الملة كما ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء فإن عقد النكاح صحيح.
ولا شك أن ترك الصلاة أعظم كبيرة بعد الشرك بالله تعالى ولا يجوز للمسلم أن يقدم على الزواج بمن هو تارك للصلاة، وعلى من تزوج وهو تارك للصلاة أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يجدد عقد النكاح، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 1358.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... العقد دون إذن الولي باطل
تاريخ الفتوى : ... 15 شعبان 1424 / 12-10-2003
السؤال
ابنتي عقدت قرانها على خطيبها(دون علمي) الذي فسخت خطوبتها منه بناء على رغبة والدتها التي تبين لها أن الفتى لا يصلح لابنتها. ما حكم الشرع؟ وماذا علي أن أفعل؟ شكرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فما قامت به بنتك أمر محرم لا يجوز، وهذا العقد عقد باطل. وأما ما عليك أن تفعله تجاه هذا الموضوع، فهو ما يلي: إن كان الرجل صالحاً يُرْضَى دينه وخلقه، فلا تتردد في تزويجه بعد استبرائها إن كان بينهما دخول، ثم تعقد له عقدا صحيحا. وإن كان بخلاف ذلك، فأقنع ابنتك بهذا وبين لها خطر الأمر، ولمزيد تفصيل، انظر الفتاوى التالية برقم: 10286، ورقم: 29397. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أمثال هذه المرأة يزوجها القاضي(36/564)
تاريخ الفتوى : ... 14 شعبان 1424 / 11-10-2003
السؤال
أنا امرأة (مطلقة) من طائفة المكارمة، بفضل من الله أصبحت من أهل السنة، وقد تزوجت من قبل هذا برجلين من نفس الطائفة ولم أطق العيش معهما فطلقت، تقدم لي رجل سني أتوسم فيه الخير، ولكن أهلي رفضوه رفضا مطلقا ولم يبدوا له الأسباب التي أعرفها، لم أستطع التدخل أو الإصرار لأن مصير ذلك الموت، ما العمل؟ هل أفر من أهلي؟ هل أتزوجه دون علم أهلي في أي محكمة شرعية؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالذي ننصح به هذه المرأة أنه ما دام الرجل المتقدم لها على خلق ودين فلا مانع أن ترفع أمرها إلى أقرب قاضٍ ليزوجها من ذلك الرجل. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا تزوج المرأة نفسها
تاريخ الفتوى : ... 16 رجب 1424 / 13-09-2003
السؤال
أنا شاب مصري متزوج وأعمل في الخارج ولكن بدون زوجتي وطبقا لطبيعة عملي ممنوع علي الزواج من غير المصرية وأنا أتعرض لفتنة كبيرة وقد تعرفت على فتاة غير متزوجة ولكنها ليست بكرا وأنا أعلم أنها من حقها طالما أنها ليست بكراً أن تزوج نفسها بدون ولي فهل لو تزوجتها في وجود شاهدين يحل لي معاشرتها معاشرة الأزواج أم يعتبر هذا زنا؟ أرجو الإفادة بأسرع ما يمكن. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الولي شرط من شروط صحة النكاح، ولا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها بكراً كانت أو ثيباً، فقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نكاح إلا بولي.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له. رواه أحمد والحاكم وأبو داود.
وروى ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها.
وعلى هذا فلا يجوز لهذه الفتاة أن تزوج نفسها بدون علم وليها، ولكن لها الحق إذا عضلها ومنعها من الزواج من كفئها، أن ترفع أمرها إلى القاضي ليزوجها.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل والاطلاع على شروط صحة النكاح وأركانه، نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 6864، والفتوى رقم: 7704.(36/565)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا يشترط لصحة النكاح علم الزوجة الأولى أو الأولاد
تاريخ الفتوى : ... 06 رجب 1424 / 03-09-2003
السؤال
لو الزوج تزوج على زوجته من ورائها ووراء الأولاد، فهل الزواج حرام أم حلال؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأصل أن يكون الزواج معلنا ومعروفاً للجميع حتى لا يلتبس بالحرام، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعلنوا النكاح... رواه أحمد،
وهذا من باب الاستحباب، ولا يشترط لصحة النكاح علم الزوجة الأولى أو الثانية.... كما لا يشترط لصحته علم الأولاد، فإذا تم الزواج مستوفياً لشروطه من تعيين الزوجين وقبولهما وقبول الولي وحضور الشهود وغير ذلك، فقد تم الزواج الشرعي ما لم يوجد مانع آخر.
والحاصل أن الزواج إذا استوفى شروطه وانتفت موانعه، فهو زواج صحيح شرعي ولو لم تعلم الزوجة والأولاد، ولمزيد من الفائدة والتفصيل نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 5962.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم ما لو وصفت البنت عند العقد بالبكر وهي ليست كذلك
تاريخ الفتوى : ... 27 جمادي الثانية 1424 / 26-08-2003
السؤال
هل يعتبر الزواج فاسدا؟ يقولون في عقد الزواج زوجني موكلتك البكر الرشيدة هذا إن لم يسبق لها الزواج. فإن كانت قد فض غشاء بكارتها لأي سبب ما كأن زنت أو نتيجة مرض. ما حكم الزواج في الحالتين. وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد سبق في الفتوى رقم: 35204 حكم قول المأذون عند العقد: البكر الرشيدة، وما يترتب على ذلك لو تخلف الوصف. كما سبق مزيد لهذا الموضوع في الفتوى رقم: 3154 والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الزواج في العدة باطل
تاريخ الفتوى : ... 03 ذو الحجة 1424 / 26-01-2004
السؤال(36/566)
السلام عليكم أريد أن أسال عن ما يلي : أنا متزوجة وزوجي طلقني المرة الأولى قبل ثلاثة شهور تقريبا طلقة أولى، ثم أرجعني رغما عني, وقبل شهر طلقني مرتين متتاليتين وتزوجت سرا برجل آخر . ما حكم الشرع في الطلاق من زوجي الذي لا يعتبر أني مطلقة ويريد إرجاعي؟ وما حكم الشرع في زواج السر من رجل آخر؟ أرجو الإجابة وشكرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلزوجك الحق في إرجاعك إلى عصمته بعد الطلقة الأولى والثانية ما دمت في العدة، ولا يشترط لصحة الرجعة قبولك أو قبول وليك.
قال الله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 228].
وأما بعد الطلقة الثالثة فلا سبيل له عليك لأنك بِنْتِ منه بينونة كبرى.
قال الله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان [البقرة: 229].
وقال تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة: 230].
وأما زواجك من رجل آخر سرا بعد شهر فباطل لأنه وقع في العدة، والزواج في العدة حرام لا يصح، ويفسخ قبل البناء (الدخول) وبعده باتفاق أهل العلم، ويتأبد التحريم بينكما إذا حصل به الدخول عند المالكية، إلا إذا كان عندك حمل وتم وضعه بعد الطلاق، فإن ذلك من أسباب الخروج من العدة.
وانتهاء العدة يكون بانقضاء ثلاث حيضات لمن تحيض، أو ثلاثة أشهر لمن لا تحيض، أو وضع الحمل بالنسبة للحامل.
وأما الزواج سرا، فإن كان المقصود منه أنه لم يعلن بالاحتفال العادي أو لم يسجل في سجلات المحاكم الشرعية، ولكن استكمل شروطه برضا الطرفين والولي وحضور الشهود وتمام العقد، فإنه زواج صحيح إذا لم يكن هناك مانع آخر.
وإن كان الأفضل الإعلان عنه، فقد روى البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :أعلنوا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف .
وأما إذا كان بغير ولي أو لم يستكمل بقية الشروط فإنه نكاح فاسد.
وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 1766.
وننصح السائلة الكريمة بتقوى الله تعالى وتحري الحلال في كل تصرفاتها، كما ننصح في مثل هذه الحالات بمراجعة المحاكم الشرعية .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا وجه لاعتراض الشاهد على تزويج الصغيرة
تاريخ الفتوى : ... 17 جمادي الثانية 1424 / 16-08-2003
السؤال
السلام عليكم. السؤال متعلق بالزواج. هل موافقة الوالدين على تزويج ابنتهم ذات 8 سنوات لشاب صالح ويحبها كافية ليكون الزواج صحيحا؟ أو هل لشاهدي العدل(36/567)
الحق في الاعتراض أو الموافقة إذا كان سن البنت أقل من السن المعمول به وهو 16سنة هنا في المغرب؟ مع العلم بأن هدف الشاب من الزواج بالطفلة هو رعايتها بشكل أفضل وإسعادها. أرجوكم تفضلوا بالإجابة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فللأب أن يزوج ابنته الصغيرة، ولو كانت رضيعة، لكن لا يطؤها زوجها إلا عند بلوغها سنا تتحمل فيه الوطء، وهذا يختلف باختلاف النساء. وإذا تم العقد بشروطه من الولي وشاهدي عدل كان عقدا صحيحا، ولا وجه لاعتراض الشاهد على تزويج الصغيرة لجوازه شرعا، وقد سبق بيان ذلك مفصلا في الفتاوى التالية: 13190، 21361، 34483. والشاهد لا يشترط أن يكون من أهل الزوجة، ولا ممن يعمل في المحاكم الشرعية، بل حيث شهد شاهد عدل صح النكاح. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الوليان المتساويان يجوز افتيات إحدهما على الآخر
تاريخ الفتوى : ... 06 جمادي الثانية 1424 / 05-08-2003
السؤال
أنا فتاة كويتية أحببت رجلا عربيا واتفقنا على الزواج، هو رجل مسلم ومتدين ولم يسبق له الزواج، ولم يحصل بيننا ما يغضب الله وما يحرِّمه الدين، ويطلبني على سنة الله ورسوله. لدي أخوان يكبراني سنًا وأمي ليس لديها مانع لأنها تقول: من جاءكم ترضون خلقه ودينه فزوجوه ابنتكم، لكن أخي يرفض لمجرد أنه لا يحمل الجنسية الكويتية . أفيدوني أفادكم الله بأقصى سرعة ممكنة، ولكم مني خير الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنَّا ننصحك بإكثار الدعاء والاستخارة، واستشارة ذوي الرأي من قرابتك، ومحاولة استعطاف أخيك وإقناعه بواسطة أمك أو أخيك الثاني. فإن أصرَّ على الامتناع فإنه يحق لك أن تأمري أخاك الثاني أن يزوجك ولا حرج في ذلك؛ لأن الوليين المتساويين في الرتبة يجوز لأحدهما تزويج موليته من دون إذن الآخر.
قال صاحب الكفاف:
وصح من أبعد مع أقرب لا يجبرلكن ابتداء حظلا
في من لها قدر وفي السِّيَّيْنِأجز على الأصح كالصنوينِ
يعني: أن النكاح يصح إذا تولى الولاية الولي الأبعد مع وجود الأقرب، لكن الافتيات على الأقرب ممنوع في ذوات القدر والشرف، أما الوليان المتساويان كالأخوين فيجوز افتيات إحدهما على الآخر، ويصح النكاح. ويدل لهذا حديث أحمد وأصحاب السنن والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي : أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما. قال الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم، لا نعلم بينهم في ذلك اختلافًا إذا زوج أحد الوليين قبل الآخر فنكاح الأول جائز. اهـ(36/568)
ووجه الاستدلال بالحديث هنا، أن نكاح الأول وقع دون علم الولي الثاني، وقد صححه أهل العلم وحكموا عليه بالجواز.
ويمكن رفع المسألة إلى المحاكم الشرعية إذا رفض الأخ الثاني، كما هو موضح في الفتوى رقم: 8799.
وراجعي في الكفاءة المعتبرة شرعًا الفتوى رقم: 998، والفتوى رقم: 2346.
وننصحك بالتحفظ والاحتجاب عن هذا الرجل حتى يتم الزواج، كما سبق موضحًا في الفتوى رقم: 9463.
هذا ونذكِّر الإخوة بالحديث: إذَا أتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوّجُوهُ، إلاّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرْضِ وفَسَادٌ عرِيض. رواه ابن ماجه والحاكم وحسنه الألباني.
كما نذكِّرهم بأمر الله بإنكاح الأيامى، حيث قال تعالى: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ[النور:32].
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الأنكحة إذا تمت بهذه الصفة باطلة ويجب تجديدها
تاريخ الفتوى : ... 29 جمادي الأولى 1424 / 29-07-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نحن هنا في جمهورية الأديجية حيث معظم السكان مسلمون ولكنهم كما تعلمون لا يعرفون دينهم والسؤال حول الحكم الشرعي في عقد الزواج السابق والذي هو عبارة عن عقد يتم من قبل امرأة (قاضية) بحضور شاهد واحد من طرف الزوج وشاهدة واحدة من طرف الزوجة وحضور عدد من أفراد عائلة الطرفين وهو بمثابة السجل العدلي ويسمى بالزاكس وهو الشكل القانوني في هذه البلاد وهذا التسجيل يتم في بعض الأحيان باليوم التالي وأحيانا كثيرة بعد أيام أو حتى بعد أشهر من الزواج: 1- فما حكم المتزوجين في الماضي؟. 2- وما هو حكم من يعقد هذا العقد في الحاضر ولا يعقد العقد الشرعي الإسلامي؟. أرجو إعلامنا في الفتوى لكي نقوم نحن بدورنا بتعميمها على المسلمين. وجزاكم الله خير وأجر هذه الأمة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النكاح إذا وقع مستكملاً للشروط المطلوبة التي حددها الشرع، فإن ذلك كافٍ، ولا يشترط لصحته تسجيله في السجل المذكور، وإن وقع ذلك من باب التوثيق فلا بأس به. ولتوضيح شروط صحة النكاح تراجع الفتوى رقم: 1766.
أما إذا كان النكاح مقتصرًا على ما يقع في هذا السجل المذكور فإنه باطل، وذلك لأمرين:
الأول: عدم وجود ولي المرأة لأن النكاح لا يصح بدون ولي عند جمهور أهل العلم. ومن الأدلة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل(ثلاثًا). رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه.(36/569)
وقال ابن قدامة في المغني: النكاح لا يصح إلا بولي، ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها، ولا توكل غير وليها في تزويجها، فإن فعلت لم يصح النكاح. وقد روي هذا عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم، وإليه ذهب سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن المبارك وعبيد الله العنبري والشافعي وإسحاق وأبو عبيد. وهو مذهب أحمد. وروي عن ابن سيرين والقاسم بن محمد والحسن بن صالح وابن صالح.
الأمر الثاني: عدم وجود شاهدي عدل ضمن الحاضرين؛ لأن الإشهاد شرط في صحة النكاح عند الجمهور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل. رواه الطبراني والدارقطني وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
من جهة أخرى فإن جمهور أهل العلم على أن المرأة لا تصلح أن تكون قاضيًّا.
قال ابن حجر في الفتح: واتفقوا على اشتراط الذكورة في القاضي إلا عند الحنفية، واستثنوا الحدود، وأطلق ابن جرير، ويؤيد ما قاله الجمهور: أن القضاء يحتاج إلى كمال الرأي، ورأي المرأة ناقص. اهـ
أما الذين اقتصر في عقود أنكحتهم على ما سبق بيانه من توثيق في السجل المذكور فقط، فعليهم أن يقوموا بتجديد عقود أنكحتهم بالشروط الشرعية، وما حصل من أولاد فهو لاحق بأبيه؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، ففي المصنف لابن أبي شيبة قال: عمر بن الخطاب : لئن أعطل الحدود بالشبهات أحب إليَّ من أن أقيمها بالشبهات.
ومن القواعد أن كل نكاح قام على شبهة تدرأ الحد لحق الولد الناشئ منه بأبيه.
ويجب على كافة المسلمين أن تكون عقودهم موافقة لشرع الله تعالى، وأن يتحاكموا إليه، ويرضوا بما حكم به؛ لأن ذلك علامة على صدق إيمان صاحبه. قال الله تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[النور:51].
وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً[النساء:65] .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
قول المأذون عن الثيب عند العقد: (البكر الرشيدة)
تاريخ الفتوى : ... 26 جمادي الأولى 1424 / 26-07-2003
السؤال
ما حكم الإسلام في امرأة تزوجت مرتين، وعند عقد القران في المرة الثانية قال المأذون (البكر الرشيدة) مع العلم بأن المأذون لا يعرف أن المرأة تزوجت قبل ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا مانع شرعًا أن تتزوج المرأة المطلقة أكثر من مرة إذا خرجت من العدة وتوفرت شروط الزواج وانتفت موانعه. وقول المأذون الشرعي عند العقد: (البكر الرشيدة)(36/570)
لا يترتب عليه حكم شرعي. هذا إذا كان قصد السائل: هل يجوز للمرأة أن تتزوج أكثر من مرة، وهل يؤثر في العقد قول المأذون إن المقعود عليها بكر وهي ليس كذلك؟
وأما إذا كان قصده: اشتراط الزوج أن تكون الزوجة بكرًا ولكنه اكتشف أنها تزوجت قبل ذلك مرتين وكان المأذون الشرعي لا يعلم بذلك فعقدها باللفظ المذكور، ففي هذه الحالة: للزوج الخيار إن شاء أمسكها وإن شاء ردّها.
قال ابن عاصم المالكي في التحفة: والزوج حيث لم يجدها بكرًا، لم يرجع إلا باشتراط عذرا.
ولتفاصيل ذلك نحيلك إلى الفتوى رقم: 3154.
وأما قول المأذون فلا أثر له في الحكم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تسقط ولاية الأب بإصراره على رفضه تزويج ابنته
تاريخ الفتوى : ... 20 جمادي الأولى 1424 / 20-07-2003
السؤال
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد، امرأة مطلقة في سن الثلاثين، تقدم إليها خاطب كفء، فرضيت به لدينه وأخلاقه، ورضي به أيضا أفراد عائلتها إلا أباها (ولي الأمر) أصر على الرفض بحجة أن الرجل لا يملك بطاقة إقامة بهذا البلد ـ فرنسا ـ فهل يجوز لها أن تكلف وليا آخر لعقد الزواج؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد سبق أن بينا أنه لا يجوز تأخير زواج المرأة إذا تقدم لنكاحها كفء يرتضى دينه وخلقه، وذلك في الفتوى رقم: 19296. فإذا كان الرجل المتقدم كذلك، فعلى والد هذه المرأة أن يبادر بتزويجها، وكون هذا الرجل لا يملك إقامة بفرنسا ليس عذرًا شرعيًّا لأب المرأة في منعها من الزواج، فإن أصر على الرفض سقطت ولايته، وانتقلت إلى القاضي أو من يقوم مقامه فيزوج المرأة، أو يولي عليها من يزوجها الأقرب فالأقرب ولايته من الأولياء. وراجع للأهمية الفتوى رقم: 31454، والفتوى رقم: 32427، والفتوى رقم: 30756، والفتوى رقم: 530. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم تولي الخال عقد النكاح
تاريخ الفتوى : ... 16 جمادي الأولى 1424 / 16-07-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله الكريم أما بعد: تزوجت من فتاة تبلغ من العمر 22 عاما والدها منفصل عن والدتها قبل 10 أعوام، ولم تره(36/571)
منذ ذلك الحين، وكان وليها في عقد الزواج خالها، ولم أقم بإبلاغ والدها أو آخذ موافقته على الزواج، والآن بعد مرور تسع سنوات من زواجي وزوجتي في محاولات دائمة لبر والدها وهويشترط عليها الطلاق بدعوى أن العقد باطل لعدم موافقة الأب استنادا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا نكاح إلا بولي" و "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل" أفيدونا رحمكم الله، هل زواجي باطل؟ وماذا يتوجب علي عمله؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد بينا في فتاوى سابقة أنه لا يصح عقد النكاح إلاَّ بولي، وبيَّنَّا من هم أولياء النكاح، فلتراجع الفتوى رقم: 3686، 19129.
وما فهمناه من هذا السؤال أن هذه الفتاة غاب عنها أبوها بحيث انقطع خبره، ولم يتمكن من الوصول إليه أو مراسلته، فعقد عليها خالها.
فنقول: إن غاب الولي انتقلت الولاية إلى الحاكم. قال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: وإن غاب الولي مسافة القصر لا دونها زوجها قاضي بلدها لا الأبعد ولا قاضي غير بلدها. اهـ
فإن كان هذا الخال قد تولى عقد النكاح بأمر من القاضي فالعقد صحيح. أما إن كان قد تم ذلك بدون الرجوع إلى القاضي فلا يصح عقد النكاح؛ لأن الخال ليس من أولياء النكاح الذين يتولونه بولاية خاصة.
وعليه.. فإذا أرادت هذه المرأة البقاء مع زوجها فعليها أن تسترضي والدها وتسلط عليه من قد يؤثر عليه من الأقارب أو غيرها لتتم إعادة عقد النكاح بولاية الأب.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... استئذان المرأة في النكاح
تاريخ الفتوى : ... 15 جمادي الأولى 1424 / 15-07-2003
السؤال
ما حكم الدين في عقد الزواج عندما أخبرت العروس عريسها في يوم الزفاف أنها لم توكل أحدا في زواجها بالموافقة، وأنها رافضة للزواج منه، مع العلم بأن زواجها تم بموافقة والدها فقط، وهي رافضة لهذا الزواج. أفيدونا أفادكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيحق للأب أن يزوج ابنته الصغيرة غير البالغة بغير إذنها بالاتفاق، إلا خلافا ضعيفا حكاه العلماء عن ابن شبرمة أنه لا يحق للأب أن يزوج ابنته التي لا توطأ، وحكى ابن حزم عنه أنه لا يزوجها حتى تبلغ، وزعم أن زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة وهي صغيرة أنه من خصائصه، قال الشوكاني رحمه الله: ويقابله أي يقابل قول ابن شبرمة تجويز الحسن والنخعي للأب أن يجبر ابنته كبيرة كانت أو صغيرة، بكرا كانت أو ثيبا. اهـ(36/572)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فالمرأة لا ينبغي لأحد أن يزوجها إلا بإذنها كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كرهت لم تجبر على النكاح إلا الصغيرة البكر، فإن أباها يزوجها ولا إذن لها، وأما البالغ الثيب، فلا يجوز تزويجها بغير إذنها، لا للأب ولا لغيره بإجماع المسلمين، وكذلك البكر البالغ ليس لغير الأب والجد تزويجها بدون إذنها بإجماع المسلمين، فأما الأب والجد، فينبغي لهما استئذانها، واختلف العلماء في استئذانها هل واجب أو مستحب؟ والصحيح أنه واجب. ويجب على ولي المرأة أن يتقي الله فيمن يزوجها به، وينظر في الزوج هل هو كفؤ أو غير كفؤ؟ فإنه إنما يزوجها لمصلحتها لا لمصلحته، وليس له أن يزوجها بزوج ناقص لغرض له.
وعليه، فإذا كانت هذه الفتاة بكرا غير بالغة فلا شيء في نكاحها دون إذنها، وأما إذا كانت ثيبا، فنكاحها باطل، وأما إذا كانت بكرا بالغة فقد اختلف أهل العلم هل لأبيها أجبارها أم لا؟ قال الشوكاني: وظاهر أحاديث الباب أن البكر البالغة إذا زوجت بغير إذنها لم يصح العقد، وإليه ذهب الأوزاعي والثوري والعترة والحنفية، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم.
وذهب مالك والشافعي والليث وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق إلى أنه يجوز للأب أن يزوجها بغير استئذان.
والذي يسنده الدليل هو القول الأول.
وقد روى أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله علنهما أن جارية بكرا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا يا رسول الله: وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت. فدل على أنه لا بد من إذن البكر، وأنه يكفي سكوتها لشدة حيائها.
وبناء على ما تقدم عندنا أنه هو الراجح، فإذا كانت المرأة المذكورة في السؤال قد استئذنت فصرحت بالقبول إن كانت ثيبا، أو سكتت إذا كانت بكرا، فإن النكاح صحيح ولا يحق لها الآن المطالبة بفسخه، وإن ثبت أن الأمر على خلاف ذلك، فإنها تخير بين إمضاء الزواج وفسخه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالجارية في الحديث السابق، وللمرأة أن ترفع أمرها إلى المحاكم الشرعية للنظر فيما وقع عليها من الظلم ورفعه عنها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
النكاح دون موافقة الولي.. الأحكام المترتبة
تاريخ الفتوى : ... 06 جمادي الأولى 1424 / 06-07-2003
السؤال(36/573)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. رجل زوج شقيقته لرجل آخر دون موافقة والدها لسبب وجود أخت أكبر منها، وبعد الزواج تم الطلاق لعدم موافقة الأب، هل هذا الزواج صحيح أم باطل؟ للعلم حصل بينهما جماع، هل للمرأة أن تعتد العدة؟ وكم مدة العدة؟ وهناك من يقول عندما يتم الزواج دون موافقة الأب فإنه باطل ويعتبر من الزنا، هل هذا صحيح؟ أرشدونا إلى الطريق الصحيح جزاكم الله خيرا وأرجو منكم الرد السريع.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا النكاح باطل مادام قد وقع دون موافقة الأب الذي هو أولى الناس بمباشرة تزويج ابنته. قال ابن قدامة في المغني: وأما المرأة الحرة فأولى الناس بتزويجها أبوها، ولا ولاية لأحد معه، وبهذا قال الشافعي، وهو المشهور عن أبي حنيفة. انتهى كلامه.
وقال المواق في التاج والإكليل: مَغِيبُ الرَّجُلِ عَلَى ابْنَتِهِ الْبِكْرِ غَيْبَةً قَرِيبَةً الْعَشَرَةَ الْأَيَّامِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُزَوَّجُ فِي مَغِيبِهِ , فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فِي مَغِيبِهِ فُسِخَ النِّكَاحُ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ أَوْ السُّلْطَانُ. اهـ
وفسْخُ هذا النكاح يعتبر طلاقًا لأنه من النكاح المختلف فيه بين أهل العلم. قال البهوتي في كشاف القناع: ويقع الطلاق في النكاح المختلف في صحته كالنكاح بولاية فاسق أو النكاح بشهادة فاسقين أو بلا ولي ولا شهود وما أشبه ذلك. إلى أن قال: وثبت في النكاح المختلف فيه النسب والعدة والمهر. اهـ
وإذا كانت هذه المرأة ممن تحيض فعدتها أن تحيض ثلاث مرات ثم تطهر؛ لقوله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ[البقرة:228]. وإن كانت لا تحيض لصغر -مثلاً- فعدتها ثلاثة أشهر؛ لقوله تعالى: وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ[الطلاق:4].
لكن امتناع الأب من تزويج ابنته لوجود بنت أكبر منها يعتبر عادة مخالفة للشرع، وعلى الأب أن يسارع إلى تزويج ابنته إذا وجد من يرضى دينه وخلقه، كما قال صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه الترمذي وغيره.
وللمزيد من التفصيل في الموضوع يمكن الرجوع إلى الجوابين التاليين:22277، 27291.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... تبني أسرة لفتاة لا يجعلها بنتاً لهم ولا ولاية لهم عليها
تاريخ الفتوى : ... 03 جمادي الأولى 1424 / 03-07-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم. أريد أن أسأل حضرتكم عن الزواج ..أريد الزواج بفتاة أمها متوفاة وأبوها يقطن في بلاد أجنبية، وهناك أسرة تبنت هذه الفتاة وهي صغيرة،(36/574)
وهم يسيئون معاملتها، يضربونها ويعذبونها ويمنعونها من الصلاة ويمنعونها من لبس الحجاب، وأنا أريد الزواج بها في أقرب وقت لأخلصها من هذا العذاب، لكنهم رفضوا، فهل أستطيع الزواج بها من غير موافقة هذه الأسرة، مع العلم بأن أباها الأصلي لا يحبها، وحاول أن يقتلها في أكثر من مرة ولا غرابة في ذلك، لأنه يشتغل مع المافيا، وأسأل الله أن يوفقك إلى الإجابة الصائبة وأن ينفع بعلمك الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا ريب أن في زواجك من هذه الفتاة، وانتشالها من هذه الأسرة التي تمنعها من إقامة دينها، فضلاً عن سوء المعاملة، لا ريب أن لك في ذلك أجراً عظيمًا. لكن لا يصح لك الزواج منها إلا عن طريق وليٍ لها، كما مرّ بيانه في الفتوى رقم: 5855. وما دام أبوها بالحال التي ذكرت فإنه تسقط ولايته، وتنتقل الولاية إلى أقرب عصبتها بعده، وتراجع الفتوى رقم: 3686. فإن لم يكن لها قريب يصلح بعده، أو لم يمكن ذلك إلا بصعوبة وطول انتظار، والحال كما ذكرت لا أهل تأوي إليهم، ولا تستطيع إقامة شعائر دينها مع الأسرة المذكورة، فوليها القاضي عندئذ. كما ننبه على أن التبني محرم في الإسلام، وتراجع الفتوى رقم: 32554. وتبني هذه الأسرة لتلك الفتاة لا يجعلها بنتاً لها، ولا من محارم رجالها، ولا تصح ولايتهم عليها، فموافقتهم أو عدمها لا اعتبار لها في صحة الزواج. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
فاقدة الأب والإخوة كيف تتزوج؟
تاريخ الفتوى : ... 03 جمادي الأولى 1424 / 03-07-2003
السؤال
أنا يتيمة أب وأم أخ، لدي ثلاث أخوات بخصوص الزواج العرفي أو المسيار وليس لدي ولي أمر، كيف أحل المشكلة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فاعلمي أن المرأة لا يصح زواجها إلا بولي، فلا تملك أن تزوج نفسها ولا غيرها. وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 5855، . فإن كان لك قريب من جهة الأب فهو وليّك ما دام أنه لا يوجد أقرب إليك منه، ولا يجوز له منعك من الكفء الصالح. وإن لم يكن لك ولي قريب أو بعيد، فوليك القاضي كما مرّ في الفتوى رقم: 17492 فإذا تم عقد الزواج بين يدي القاضي لا يكون في هذه الصورة زواجاً عرفيًّا، إذ الزواج العرفي هو الذي لا يتم توثيقه وتسجيله في المحكمة أو الجهات الرسمية، وقد سبق بيانه في الفتوى رقم: 2656 وفي أي من الحالتين يمكنك الزواج عن طريق ما يسمى بزواج المسيار، بالشروط التي مرّ بيانها في الفتوى رقم: 3329. ونصيحتنا إلى الأخت السائلة أن تختار الزوج الصالح صاحب الدين والخلق، فإنه هو الذي يصونك ويتقي(36/575)
الله فيك، وعليك في ذلك باستشارة أهل الخير والصلاح ممن تعرفينهم، كما ننصح بتوثيق العقد في الجهات الرسمية حفظًا لحقوقك. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يجوز الزواج بمن يسب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
تاريخ الفتوى : ... 28 ربيع الثاني 1424 / 29-06-2003
السؤال
شيخنا الفاضل السلام عليكم، أما بعد : ما حكم الزواج من رجل مسلم يسب الله و رسوله، علما بأنه يؤدي الصلاة و الزكاة، مع العلم بأن هذه الظاهرة شائعة و منتشرة جدا في مجتمعنا الجزائري و يرون أنه أمر عادي، و رجل اخر رمى المصحف الشريف من يد زوجته في حالة غضب، هل يجوز لها العيش معه؟ و السلام عليكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فسب الله سبحانه ورسوله كفر مخرج من الملة بلا ريب، فلا يجوز الزواج بمن فعل ذلك حتى يتوب إلى الله توبة صادقة، وقبل هذا لا تنفعه الصلاة والزكاة ولا غيرهما من الأعمال ما لم يتب، وانتشار هذه الظاهرة دليل على انتشار الانحراف، فالواجب على الدعاة وأهل الصلاح بذل وسعهم في النهي عن هذا المنكر العظيم، وراجع الجواب رقم 25611 والجواب رقم 18293 أما عمن رمى المصحف من يد زوجته فقد تقدم حكمه في الفتوى رقم 27471 وأما عن بقاء زوجته معه، فإذا كان الحال هو ما حكمنا عليه بالكفر فإن العقد قد انفسخ فلا تحل له زوجته إلا أن يتوب، وإذا كان الحال هو ما حكمنا عليه بالفسوق فإن العقد لم ينفسخ، ولكن تجب على زوجها التوبة. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم زواج الفتاة بدون إعلام الأب وكون الأم تتولى تزويجها
تاريخ الفتوى : ... 25 ربيع الثاني 1424 / 26-06-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل يجوز الزواج من فتاة بدون إعلام الأب فقط بأني مطلق ولدي طفل وهل يجوز أن تكون والدتها ولياً لها في حالة رفض الأب وهل يجوز للفتاة أن تزوج نفسها بنفسها لأنها راشدة وبالغة من العمر 24 عاماً؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز أن تزوج المرأة نفسها بدون إذن وليها، ولو كانت رشيدة عند جمهور أهل العلم.
ولا يجوز لأمها أن تتولى تزويجها بدون إذن الولي أيضاً.(36/576)
ويدل لذلك الحديث: أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل. رواه أحمد وأبو داود وصححه الأرناؤوط والألباني .
وحديث: لا نكاح إلا بولي. رواه أحمد والترمذي وصححه الترمذي والألباني.
وحديث: لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها. رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
هذا.. وننبه إلى أن الولي لا يجوز له عضل من هي تحت ولايته إذا أتاها من يُرتضى ديناً وخلقاً، ولم يكن هناك مسوغ واضح يراعي فيه الأب مصلحة بنته، قال الله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوف(البقرة: من الآية231)
وفي الحديث: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني .
فالحاصل أنه لا يصح الزواج دون الولي، فإن كان رافضاً الزواج أو كان غائباً، فيمكن اللجوء إلى القاضي حتى يزوج المرأة أو يأمر أحد أوليائها الأباعد بتزويجها.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها:
199 998 5916 7759
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... إذا وجدت من ترضى بحالك فتزوج بها
تاريخ الفتوى : ... 23 ربيع الثاني 1424 / 24-06-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله. هل يجوز لرجل أن يلغي فكرة الزواج تماما وأن يكتفي بالصبر علي ما قدره الله له، خصوصا بعد أن يكون قد علم أنه يعاني من عدم القدرة على الجماع، مع العلم أنه يبلغ من العمر الخامسة والعشرين، ولم يسبق له أن قام بفعل هذا الشيء؟ ولكم جزيل الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن السائل لم يوضح المشكلة التي جعلته يلغي فكرة الزواج، وليعلم أن ترك الزواج جائز لمن لم يخف على نفسه الوقوع في المعصية، وقد رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع الباءة في الزواج فقال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج. رواه البخاري ومسلم وقد حمل الجمهور الأمر في الحديث وفي آية:فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم[النساء: 3]. على الندب لمن لم يخش الزنا، كما قال ابن رشد في بداية المجتهد.
وقد فسرت الباءة بالقدرة على الجماع، كما فسرت بالقدرة على القيام بمؤنة الزواج، وعليه، فننصحك بكثرة الدعاء والاستخارة واستشارة الأطباء، وانظر فإن كان بك مرض يمنع من الجماع، فلا تتزوج بامرأة إلا بعد إعلامها، لأن الجماع من آكد حقوق المرأة على زوجها كما أفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.(36/577)
ولكن هذا لا يمنع من الزواج إن كنت قادرا على مؤنة الإنفاق، لما في الزواج من الفوائد الكثيرة.
ولعلك بعد البحث تجد أرملة أو مطلقة ذات أولاد وعندها رضا ورغبة في الزواج بمثلك. أو تجد من لم تعد لها رغبة في الجماع لكبر سنها.
فإذا وجدت من ترضى بحالك، فتزوج بها، ولعل الله يشفيك ويزيل ما بك.
أما إذا قررت عدم الزواج، فحاول أن تصرف طاقاتك المادية والبدنية فيما يرضي الله، فاشتغل بتعلم العلم ونشره، واكتسب الأموال وأنفقها في طاعة الله وإغاثة المنكوبين، وكن مثل رجال السلف الذين لم يتزوجوا ولكنهم أنفقوا طاقاتهم في معالي الأمور، مثل الإمام النووي وشيخ الإسلام.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها:
3011، 21318، 14223، 19663، 11394، 26587، 20729، 24899، 12255.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... إصلاح الاسم في الأوراق ليس شرطا في صحة النكاح
تاريخ الفتوى : ... 21 ربيع الثاني 1424 / 22-06-2003
السؤال
سأعقد قريبا على إحدى قريباتي ولكن لم أعرف أن اسمها بالوثائق مضاف إلى من تبناها وليس والدها الحقيقي هل نؤجل موضوع تغيير الاسم إلى ما بعد العقد أو أبدأ به أولا قبل الزواج؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا حرج عليك في أن تعقد على من تريد الزواج بها قبل تغيير الاسم، فإصلاح الاسم في الأوراق ليس شرطاً في صحة النكاح، وشروط النكاح وردت مفصلة في الفتوى رقم: 25637 فراجعها. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عدم الإنجاب ليس عيبا يفسخ به النكاح
تاريخ الفتوى : ... 16 ربيع الثاني 1424 / 17-06-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الموضوع باختصار يا فضيله الشيخ كالأتي: أخت زوجتي كانت تعمل عملية الزائدة وكنت أنا معهم فى يوم العملية وأثناء إجراء العملية خرج الدكتور من غرفه العمليات وناداني علما بأني كنت أنا ووالدتها فقط معها أثناء العملية ودخلت معه الغرفة وقال لي إنه وجد بجانب الزائدة كيسا دهنياً وهذا الكيس دمر المبيض الأيمن تماما، ولا بد من استئصالهما فوراً ولا يوجد حل آخر، طبعا أنا وافقته على ذلك لأننى رأيته بعيني،(36/578)
باختصار هى الأن مخطوبة وخطيبها لا يعرف شيئا عن هذا الموضوع، ماذا أفعل هل أخبره أم لا أخبره؟ وجزاك الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن جمهور العلماء ذهبوا إلى أن عدم الإنجاب ليس عيباً من العيوب التي يفسخ بها النكاح، وبالتالي فلا يلزمك أن تخبر الخطيب بأمر الفتاة لأنك لست ولياً لها، إلا إذا استنصحك فأشر إليه لأن المستشار مؤتمن، أما إقدامك أنت على أمر قد يسبب حرمان الفتاة من الزواج فلا ينبغي، فقد تتزوج ثم يظهر لها الموضوع فتحتفظ بزوجها وتوافق له على الزواج بأخريات يرزقه الله منهن أولاداً.
وينبغي للخطيب إذا علم بالخبر أن يتأكد من الأطباء ويسألهم عن إمكانية الإنجاب في هذه الحالة، فإن تأكد من عدم إنجابها فالأولى له تركها لما في حديث معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ومال إلا أنها لا تلد فأتزوجها، فنهاه، ثم أتاه الثانية، فقال: له مثل ذلك، فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال له مثل ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما فعلتماه سفاح وليس نكاحا
تاريخ الفتوى : ... 13 ربيع الثاني 1424 / 14-06-2003
السؤال
أنا رجل متزوج -تعرفت على سيدة مطلقة وتحاببنا وحتى تكون العلاقة سليمة بعد فترة طلبت منها الزواج فيما بيننا وقلت لها هل تقبليني زوجا لك فأجابت بالموافقة ثم تمت بيننا معاشرة زوجية وبعد عدة سنوات أخبرت اثنين من أقاربى بهذة الزيجة- أرجو إعلامي بشرعية هذا الزواج؟ ثانيا: تقدم لأسرتها شخص للزواج منها فهل يصبح هذا الزواج شرعيا قبل طلاقها مني؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن كان ما ذكرتم قد تم بلا ولي ولا شهود فهو سفاح لا نكاح، وانظر الفتوى رقم: 16076، والفتوى رقم: 31051. ويجب على هذه المرأة أن تعتد بثلاثة قروء إن لم تكن حاملاً، وبوضع حملها إن كانت حاملاً، ولها أن تتزوج بعد انتهاء عدتها. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... من شروط صحة عقد الزواج التنجيز
تاريخ الفتوى : ... 07 ربيع الثاني 1424 / 08-06-2003
السؤال(36/579)
ما حكم زواج الفتاة العذراء بدون ولي لها وهل يجوز ذلك أم لا ؟ مع كثرة مشاكل الزواج هل يمكن أن تتزوج الفتاة من رجل يريد أن يتزوجها إلي وقت غير معلوم إلى حين يتعرفان على بعضهما خلال فترة الزواج ثم يقرران بعد ذلك إن كانا سيعيشان معا أم لا دون تحديد هذه الفترة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد فإن نكاح المرأة دون ولي ب اطل، سواء كانت عذراء أو ثيبا، روت عائشة رض ي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما ا مرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل. أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد والدارمي . وأما عن سؤالك الثاني، فإنه لا يصح أن تتزوج الفتاة من رجل ثم بعد فترة يقرران ما إذا كان الزواج بينهما ماضيا أم لا، ذلك أن من شروط ص حة العقد التنجيز ، أي أن الصيغة التي يعقد بها الزواج يجب أن تكون مطلقة غير مقيدة بأي قيد من القيود. قال في الأم: وإذا نكح الرجل المرأة على أنه بالخيار في نكاحها يوما أو أقل أ و أكثر أو على أنه بالخيار ولم يذكر مدة ينتهي إليها إن شاء أجاز النكاح... وكذلك إ ن كان الخيار للمرأة دونه أولهما معا أو شرطاه أو أحدهما لغيرهما، فالنكاح باطل. (ج5 ص 87) والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الأخ الشقيق أولى بتزويج المرأة من الأخ لأب
تاريخ الفتوى : ... 03 ربيع الثاني 1424
السؤال
من الذي يعقد للبنت في حالة وفاة والدها ولها أخ هو الأكبر وليس شقيقاً وإنما أخ لأب لها مع العلم أن لها أخا شقيقاً بالغاً فمن الذي يعقد للبنت في الشرع...؟ ولكم جزيل الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن الأخ الشقيق أحق بتزويج المرأة من الأخ لأب، لأنه أقوى قرابة إلى المرأة من الأخ لأب، وهو مقدم عليه في ترتيب الأولياء في النكاح، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 3804، والفتوى رقم: 5550 والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم نكاح السر
تاريخ الفتوى : ... 29 ربيع الأول 1424 / 31-05-2003
السؤال
السلام عليكم(36/580)
أريد أن تفتوني أيهما أفضل الزنا أم الزواج سرا خشيت الوقوع في حدود الله؟ علماً بأن والدتي ترفض فكرة الزواج وذلك لسوء الأحوال المادية. أفيدونا جزاكم الله خيراً ماذا أفعل فأنا لا أريد أن أقع في الحرام؟.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلاشك أن جريمة الزنا من أكبر الكبائر، وأقبح الذنو ب وأبشعها... فقد قرنها الله تعالى بالشرك والقتل... فقال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْت ُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُ بَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً[الفرقان:68-70]. ولهذا شدد الإسلام في عقوبة الزنا فأمر بجلد مرتكبه إن كان بكراً ورجمه بالحجارة حتى الموت إن كان ثيباً، ونهى عن الرأفة به... فقال ت عالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُ لَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِ ينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَد ْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2]. ومن خشي من الوقوع في هذه الفاحشة، فعليه بالعلاج ا لنبوي، حيث أرشد صلى الله عليه وسلم الشباب، فقال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، و من لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء. رواه البخاري ومسلم. والزواج سراً إذا لم تتوافر فيه شروط الزواج الشرعي ، فإنه يعتبر زنا. أما إذا توافرت شروط الزواج، فإن ذلك لا يعتبر من ن كاح السر المنهي عنه عند جمهور أهل العلم، وهذه الشروط هي: وجود الولي، وشاهدي عدل، ومهر ولو خاتماً من حديد. فإذا توافرت هذه الشروط، فإن النكاح صحيح، ولو لم ي علم به غير الولي والشاهدين والزوجين -طبعاً- عند جمهور أهل العلم، وإن كانت السنة هي إعلان النكاح وإشهاره والضرب عليه بالدف ليتميز عن السفاح، ولكن عدم ذلك لا يفسد النكاح. وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 13671 والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
يمكن الجمع بين إعفاف النفس وعدم مخالفة الأم
تاريخ الفتوى : ... 09 ربيع الثاني 1424 / 10-06-2003
السؤال
السلام عليكم... أنا شاب متغرب أريد الزواج سراً خشية الوقوع في الرذيلة بعد أن أخرجني الله منها.. فهل يجوز لي ذلك.. علما بأن والدتي ترفض فكرة الزواج لسوء الأحوال المادية.. فأنا أريد أن أرضي الله ووالدتي.. أفيدوني مأجورين؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(36/581)
فاعلم أن الوقوع في الفاحشة من أعظم الجرائم وأكبر الكبائر بعد الشرك بالله وقتل النفس بغير حق، قال الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32].
ثم إن لكل عضو حظه من الزنا، روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه. متفق عليه.
واعلم أن النكاح إذا استوفيت أركانه لم يعد نكاح سر، انظر الفتوى رقم: 13671، وانظر أركان النكاح في الفتوى رقم: 964.
وعليه.. فإنه يمكنك أن تجمع بين إعفاف نفسك وعدم مخالفة أمك، بأن تتزوج زواجاً مستوفي الشروط والأركان مع عدم علم والدتك به إذا أمكن ذلك، وإن لم يمكن لك أن تجمع بين النكاح الصحيح الذي يرضي الله تعالى ورضا والدتك، وكانت طاعة والدتك ورضاها يؤدي بك إلى الوقوع في الفاحشة، فتزوج إذ الوالدة لا تجب طاعتها إلا في معروف، وعليك بالسعي في رضا والدتك وإقناعها بوجوب الزواج في حقك، وأن سوء الأحوال المادية لا يبرر ترك الزواج لمن تاقت نفسه إليه وخشي من الوقوع في الرذيلة، وذكّرها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ثلاثة حق على الله عونهم.... وذكر منهم: الناكح الذي يريد العفاف. رواه الترمذي والنسائي.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم زواج السر
تاريخ الفتوى : ... 09 ربيع الثاني 1424 / 10-06-2003
السؤال
ما حكم زواج السر؟ مع العلم بأني حاولت الزواج بالشهرة ولكن لم يتم القبول من قبل الأهل. والهدف التكفير عما جرى بيننا من محرمات، بالإضافة إلى كونها مطلقة والمجتمع لا يقبل زواج أعزب من مطلقة ولديها بنتان . ومحاولاتي دامت سنتين في الإقناع ولكن دون جدوى.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإذا كان المقصود بزواج السر ما هو معروف عند الناس اليوم من اتفاق الرجل والمرأة سرا فقط، فهذا هو الزنا بعينه، ولا يجوز بحال من الأحوال، وهذا شيء معلوم من الدين بالضرورة. أما إذا كان المقصود هو أن يكون النكاح مستوفيا للشروط والأركان، إلا أنه لم يعلن -أي لم يضرب عليه بالدف- أو كتم عن بعض الناس، فهذا نكاح صحيح وجائز على قول الجمهور. ولكن يبقى النظر في مسألة عدم موافقة من أسميتهم بالأهل، وذلك لأنه إذا كان من بين الأهل الذين لم يوافقوا الوالدان أو(36/582)
أحدهما، فتجب طاعته إذا نهى من الزواج بامرأة معينة. فإن النساء كثر وطاعة الوالدين واجبة. هذا، وننبه الأخ السائل إلى أن المعاصي لا تكفر إلا بالتوبة النصوح والتي هي الإقلاع عن المعصية في الحال، والندم على ما سبق منها، والعزم الجازم على عدم العود إليها في المستقبل. لذا، فيجب عليه أن يخلص التوبة لربه مما ارتكبه من محرمات، ثم يبحث عن المرأة الصالحة ذات الدين والخلق. نسأل الله عز وجل أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه. وراجع الفتوى رقم: 3329، والفتوى رقم: 4632، والفتوى رقم: 22402. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... عقد النكاح الأول هو المعتبر
تاريخ الفتوى : ... 01 ربيع الثاني 1424 / 02-06-2003
السؤال
تم الاتفاق على الزواج وتم الاتفاق على المهر مقدماً فقط، وعند العقد أضيف المؤجل وتم عقد النكاح الشرعي على ذلك، لاحقا اكتشفنا أن السلطات لا تقبل ذلك العقد بسبب أنه عقد من طرف شخص ليس لديه ترخيص بذلك لكونه إمام مسجد فقط، وعند البدء في إجراءات عقد النكاح في المحكمة تم الاتفاق على تسجيل مهر مبلغ رمزي حوالي عشر المهر الحقيقي وكذلك المؤخر، الآن تم الطلاق فأيهما المؤجل الواجب السداد؟ هل هو المؤجل الذي لم يتم الاتفاق عليه إلا عند العقد وهو المذكور في العقد الأول والذي لم تعترف به السلطات؟ أم المذكور العقد الثاني والمسجل رسمياً؟ وشكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عقد النكاح الأول إذا كان قد وقع مع توافر الشروط المطلوبة في النكاح من جود ولي وصداق وصيغة... إلى آخره، فإنه يكون عقدا صحيحا تترتب عليه آثار العقد الصحيح، ويكون للزوجة الحق في المطالبة بالمؤجل من الصداق في العقد الأول، لقوله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1].
وقوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم. رواه البخاري.
أما العقد الثاني، فإنما وقع من أجل اعتراف المحكمة به وتلبية شروطها.
والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من حق زوجتك عليك أن تفي بما اشترطته عليك
تاريخ الفتوى : ... 25 ربيع الأول 1424 / 27-05-2003
السؤال
أنا متزوج منذ21 عاماً وقد هجرت زوجتي فى الفراش منذ عام لسلاطة لسانها وأهمالها وهي تدعي أن ذلك سببه أني تزوجتها بشرط السكن بالقاهرة وأن عدم(36/583)
وفائي بهذا فيه معصيه لله، فهل أنا ملزم بتحصين زوجة 40 عاما ولا أجد أي رغبة فيها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن الحياة الزوجية مبناها على المودة والرحمة والتفاهم والتسامح وقد فرض الشرع على الزوجة طاعة الزوج بالمعروف، كما فرض عليه معاملتها واحترامها ومعاشرتها بالمعروف. قال الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:228]. ولا ينبغي للزوج أن يهجر فراش زوجته أكثر من أربعة أشهر، ولمزيد من التفصيل عن هجر الزوجة نحيلك إلى الفتوى رقم: 27852. وإذا كنت قد تزوجت هذه الزوجة على شرط معين فمن حقها عليك الوفاء بشرطها أو ترضيها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ~المسلمون على شروطهم.~~ رواه أصحاب السنن، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ~أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج.~~ فعليك أن تفي لزوجتك بما تعاقدتما عليه واشترطته عليك أو ترضيها حتى تقتنع بالتنازل عنه أو تسامحك فيه، كما يجب عليك إعفافها وهذا من أوكد الحقوق الزوجية ولا يجوز لك إهمالها أو تضييع حقوقها وتركها كالمعلقة لا هي متزوجة ولا هي مطلقة.... وقد قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف [النساء:19]، وقال تعالى: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 8935. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا يسوغ شرعا أن تنكح المرأة إلا بإذن وليها
تاريخ الفتوى : ... 23 ذو الحجة 1424 / 15-02-2004
السؤال
هل هناك اختلاف في المذاهب من حيث جواز أن تزوج الفتاة نفسها(دون وجود ولي)؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المرأة لا يجوز لها أن تزوج نفسها بنفسها إلا بإذن وليها أو وصيه، وسواء في ذلك أكانت بكرا أم كانت ثيبا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي رواه أبو داود
وقال صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل رواه الترمذي وأبو داود وصححه الألباني.
وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجوز للثيب والبكر البالغة الزواج من غير إذن الولي، قال صاحب درر الحكام: قوله فينعقد نكاح حرة مكلفة أي عاقلة بالغة بكرا كانت أو ثيبا، بلا ولي،فإن الحرة المكلفة إذا زوجت نفسها فعند أبي حنيفة و أبي يوسف ينفذ، وفي رواية عن أبي يوسف لا ينفذ إلا بولي اهـ.(36/584)
وبناء على قول الجمهور -وهو الراجح- فإنه لا يصح نكاح المرأة إلا بإذن وليها، لما تقدم من الأدلة الصريحة الصحيحة، فلا يسوغ شرعا العدول عنها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... تعيين الزوجين من شروط النكاح
تاريخ الفتوى : ... 24 ربيع الأول 1424 / 26-05-2003
السؤال
أرسلت لكم من قبل سؤالا عن زواج المسيار وكانت الإجابة برقم63945 ولكن أريد أن أستفهم عن معنى تعيين الزوجين الذي هو في شروط الزواج ثم إنني مطلقة وعمري 45 سنة فهل أستطيع أن أزوج نفسي بدون ولي وإذا كان الزواج سوف يتم في بلد آخر غير بلدنا فهل يكتب المهر والصداق بعملة هذا البلد أم بعملة بلدنا؟ وهل تجوز كتابة أرقام إقاماتنا في عقد الزواج أم يكون هذا باطلاً عند رجوعنا إلى بلدنا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من شروط النكاح التي يتوقف صحته عليها أن يكون كل من الزوجين معيناً باسمه كمحمد بالنسبة للزوج، أو فاطمة بالنسبة للزوجة مثلاً، أو صفته التي لا يشاركه فيها غيره.
قال ابن قدامة في المغني: من شرط صحة النكاح تعيين الزوجين، لأن كل عاقد ومعقود عليها يجب تعيينهما... إلى أن قال: فإن كان له ابنتان فأكثر فقال زوجتك ابنتي لم يصح حتى يضم إلى ذلك ما تتميز به من اسم أو صفة، فيقول: زوجتك ابنتي الكبرى أو الوسطى أو الصغرى.
وبهذا نكون قد أجبنا على النقطة الأولى من سؤالك.
أما الثانية وهي المتعلقة بزواجك من غير ولي، فالذي عليه جمهور أهل العلم أنه لا يصح نكاح الثيب ولا غيرها إلا بإذن وليها، وهذا هو الراجح للأحاديث المصرحة بذلك منها:
- قوله صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي. رواه أبو داود والترمذي، وصححه السيوطي.
- وقوله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل. رواه الترمذي وأبو داود، وصححه الألباني.
وعلى هذا، فلا يجوز للسائلة ولا غيرها من النساء الزواج إلا بعد موافقة من له الولاية عليها، وإلا كان النكاح باطلاً كما مر في الحديث.
أما بخصوص نوع الصداق، فإنه يرجع فيه إلى الاتفاق بين الزوجين، وما تراضيا عليه.
وعليه، فلا مانع في اختيار أي عملة من البلدين.(36/585)
أما بالنسبة للنقطة الأخيرة والمتعلقة بتوثيق النكاح، فهذا أمر جد مفيد ورافع للخصومة، لكنه ليست له علاقة بصحة النكاح ما دام قد استوفى جميع الشروط المبينة في الفتوى رقم: 964.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... إذا خطب الكفء المرأة ورده وليها لغير مبرر
تاريخ الفتوى : ... 23 ربيع الأول 1424 / 25-05-2003
السؤال
ما حكم الخطبة في حال أن ولي المرأة لا يرضى بكتابة الكتاب؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا نكاح إلا بولي. رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني، وبمقتضاه أخذ جمهور أهل العلم.
وعليه، فالولي شرط في صحة النكاح، لكن إذا امتنع من تزويج من له الولاية عليها من كفئها الذي تريده، فللمرأة شرعاً أن ترفع أمرها إلى القاضي أو وليها الأبعد ليزوجها، على خلاف بين أهل العلم في من ترجع إليه عندما يمنعها وليها، هل هو القاضي أو وليها الأبعد؟.
لذا، فإنا نقول: إذا خطب الكفء المرأة ورده وليها لغير مبرر، وكانت هي راغبة في الخاطب المتقدم لها، فلها أن ترفع أمرها إلى القاضي أو من يقوم مقامه ليزوجها من كفئها، وهذا هو رأي الأكثر، وإذا زوجها وليها الأبعد فلا حرج.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
... إذن الولي لغيره في الإنكاح جائز
تاريخ الفتوى : ... 11 ربيع الأول 1424 / 13-05-2003
السؤال
هل يجوز أن يكون الخال (أخو الأم) وكيلاً للعروس؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن كان المقصود أن يكون خالها وليها في النكاح، فلا يجوز مع وجود من هو أقرب من عصباتها كوالدها وجدها وإخوانها، إلا أن يأذن وليها المستحق لإنكاحها. وقد بينا من هو أحق الناس بإنكاح المرأة في الفتوى رقم: 3686. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عدم إخبار الزوج بالاعتداء لا أثر له على صحة النكاح
تاريخ الفتوى : ... 05 ربيع الأول 1424 / 07-05-2003(36/586)
السؤال
فتاة تم الاعتداء عليها وأخفت سرها خوفا على أهلها وطلبا للستر والتوبة والمغفرة.. أدت فريضة الحج وتابت لله وأجبرها الأهل على الزواج لكثرة رفضها خوفا من الفضيحة، إلا أنها تزوجت أخيراً وقد شك الزوج ثم نسي الموضوع واقتنع بأسبابها، المهم في الموضوع هل يقبل الله توبتها وهل عدم إخبارها الزوج بأمرها يفسد عقد الزواج، أي هل الزواج صحيح أم أنها بهذا ترتكب إثما آخر؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالنكاح إن اكتملت أركانه وشروطه فهو صحيح ولا يؤثر في صحته عدم إبلاغ الزوج بما ذكرت، بل الأفضل أن تستري أمرك ولا تخبري بذلك قريباً ولا بعيداً. وأما الإثم فإن كنت -كما ذكرت- معتدى عليك مكرهة لا حول لكِ ولا قوة فلا إثم عليك. وإن كنت مطاوعة فعليك التوبة النصوح، ونوجه نصيحة للأزواج الذين حدث لهم مثل الذي حدث لزوجك، فنقول إن ظهر صلاح الزوجة وتوبتها، أو أنها كانت مظلومة معتدى عليها، فلا ينبغي التردد في إمساكها وإحسان عشرتها، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 13559. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... النكاح الذي لم يعلن بالطريقة العادية هل هو صحيح
تاريخ الفتوى : ... 06 ربيع الأول 1424 / 08-05-2003
السؤال
رجل متزوج خطب امرأة أرملة ولها أطفال ثلاثة من نفسها فقبلت به زوجاً وشرطت عدم الإعلان عن هذا الزواج خشية إثارة مشاكل عليها وعلى أبنائها.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن الشريعة الإسلامية وضعت للزواج الشرعي شروطاً إذا توافرت يكون النكاح صحيحاً إذا انتفت موانعه، وهذه الشروط بعد رضا الطرفين هي: الولي، والشهود، والصداق. وعليه، فإذا تم العقد من طرف الولي وحضور شاهدي عدل، فإن النكاح صحيح، ولو لم يكن معلناً بالطريقة العادية. ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 16485. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تزويج الولي النصراني موليته
تاريخ الفتوى : ... 02 ربيع الأول 1424 / 04-05-2003
السؤال
من خلال قراءتي للإجابة على السؤال رقم (30721) ذكرتم للأخ السائل الذي تزوج بالنصرانية التي وكلت أحد المسلمين ليكون وليها في الزواج فقلتم له لا يصح زواجها بدون إذن وليها النصراني والسؤال أنه هنا -أي في بلاد الغرب- لا يتدخل(36/587)
ولي البنت في شأن بنته لا في الزواج ولا غيره ويستغربون منا هذا الطلب ألا يصح التوكيل هنا من رجل مسلم؟ ولو كانت قد أسلمت هل تصح ولاية أبيها النصراني في تزويجها من المسلم؟ ولكم جزيل الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فكون الولي النصراني يستغرب أن يطلب منه تزويج موليته من مسلم لا يسقط ذلك ولايته، إلا إذا امتنع فتنتقل إلى من يليه من الأولياء، فإن امتنعوا جميعاً انتقلت الولاية إلى أي هيئة ترعى شؤون النصارى، لقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:73]. ولا يلي المسلم نكاح الكافرة للآية المتقدمة، علماً بأننا ننصح بالبعد عن هذا النكاح، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 3648، والفتوى رقم: 17658. وإذا أسلمت الكتابية فلا يجوز أن يلي نكاحها أبوها الكافر، لقول الله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:141]. وقد أجمع العلماء على ذلك، وراجع الفتوى رقم: 10748. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلق الرابعة فهل يجوز له الزواج فوراً
تاريخ الفتوى : ... 26 صفر 1424 / 29-04-2003
السؤال
إذا كان هناك رجل متزوج بأربع نسوة وطلق إحداهن فهل يحق له الزواج في اليوم التالي ولماذا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت الإجابة على حكم من طلق إحدى زوجاته الأربع، وأراد الزواج من أخرى في الفتوى رقم: 8096.
وإذا علمت أن الحكم هو وجوب انتظار الزوج حتى تنتهي عدة زوجته المطلقة، فاعلم أن العلة في هذا هو أنه يؤدي إلى الزيادة على أربع نسوة، وذلك ممنوع بالإجماع، وهذا إذا كانت الزوجة مطلقة طلاقاً رجعياً، لأنها تعتبر بمثابة الزوجة، حيث أنه يحق للزوج إرجاعها بدون عقد وصداق.
واختلف في ما إذا كان الطلاق بائناً، فقيل: تحل له بذلك الخامسة، وبه قال مالك والشافعي.
قال صاحب أنوار البروق: واختلف الأئمة الأربعة في ما إذا أبان الرجل امرأته هل تحل له في عدتها أختها والخامسة نظراً لانقطاع العصمة والمواريث بينهما، وإنما العدة لحفظ الإنساب، وهو مذهب مالك والشافعي أو لا تحل حتى تنقضي العدة، وهو مذهب أبي حنيفة وابن حنبل. انتهى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(36/588)
توثيق الزواج ضمان للحقوق
تاريخ الفتوى : ... 24 صفر 1424 / 27-04-2003
السؤال
كلفت ُ بكتابة عقدِ قران شرعي لشخصين مسلمين في فرنسا. ما هي البنود الشرعية الواجب كتابتها في هذا العقد؟
وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان شروط الزواج الصحيح في الفتوى رقم:
1766
فإن استوفى الزواج هذه الشروط كان صحيحاً، وإن فقد أي شرط من هذه الشروط كان باطلاً، وفي حالة كون الزواج صحيحاً فالأفضل توثيقه في المراكز الإسلامية، أو أي هيئة إسلامية تقوم برعاية المسلمين.
وفي حالة تعذر وجود مركز إسلامي أو هيئة إسلامية فيكتب ما يدل على توافر شروط صحة النكاح، ويصون حقوق كل من الزوجين من المهر وغيره، ويمكن الاستعانة بأي وثيقة زواج صادرة من محكمة شرعية في أي بلد إسلامي، فيكتب على منوالها، والأفضل أن يكتب عدة نسخ، فيكون للزوج نسخة وللزوجة نسخة وكذلك الولي والشهود، فإن ذلك أدعى إلى صيانة حقوق الزوجين وحفظها من الاعتداء.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
اختلاف البلد لا يسوِّغ رفض الخاطب
تاريخ الفتوى : ... 12 صفر 1424 / 15-04-2003
السؤال
أنا متقدم لي شاب للزواج من بلد عربي وأنا من بلد عربي آخر وهو ذو أخلاق عالية ودينه لا غبار عليه ولكن أبي وأمي رفضا لسبب اختلاف البلدان رغم أنه قدم كل الضمانات من بيت وشغل وإقامة بهذا البلد.. أنا راضية بالزواج منه وموافقة وأريد أن أعرف هل أهلي يجازون على ذلك أم لا؟ وكذلك أريد معرفة إذا تزوجته من غير رضاهم هل أنا أجازى أم لا علما بأنني متمسكة به وموافقة عليه وأنا في حيرة من أمري أرجوكم ساعدوني
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يصح زواج المرأة بدون إذن وليها، وهذا قول جمهور العلماء، لقوله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل. رواه الترمذي .(36/589)
فإن منعها وليها من الزواج ممن تريد وكان كفئا لها بغير عذر شرعي انتقلت الولاية إلى الذي يليه، فتنتقل من الأب إلى الجد مثلاً، فإن منعها الأولياء كلهم بغير عذر شرعي، فإن السلطان يكون وليها، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة : والسلطان ولي من لا ولي له. وقوله صلى الله عليه وسلم: فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له. رواهما أحمد. والسلطان هو الحاكم الشرعي، أو من يقوم مقامه وينوب عنه كالقاضي الشرعي.
وأهم الشروط والمواصفات الشرعية التي ينبغي اعتبارها في الزوج: الدين، كما قال صلى الله عليه وسلم: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. أخرجه الترمذي.
وليس في كون الخاطب من بلد يختلف عن بلد المرأة ما يوجب رفضه.
فالواجب على الوالد -وفقه الله- أن يزوج هذا الخاطب ما دام قد تأكد أنه ممن يرضى خلقه ودينه وهو كفء لابنته، وهي ترغب في الزواج منه، فإن لم يفعل فإنه يكون عاضلاً، قال ابن قدامة : ومعنى العضل: منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه. وقد نهى الله الأولياء عن ذلك بقوله: ..فلا تعضلوهن.. [البقرة: 222] فلا يحل للولي أن يعضل موليته، فإن أصر على العضل سقطت ولايته، وانتقلت إلى من يليه من الأولياء، فإن عضلوا جميعاً انتقلت إلى القاضي كما تقدم.
والمفاسد التي تترتب على حرمان المرأة من الزواج بالكفء الذي تختاره لا يعلمها إلا الله، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتقدم: ... إلا تفلعوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
فليتق الله الأولياء، ولا يكونوا سبباً في هذا الفساد.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
كيف تتصرف الفتاة إذا عضلها وليها
تاريخ الفتوى : ... 27 محرم 1424 / 31-03-2003
السؤال
أنا امرأة مطلقة أبلغ من العمر33 عاما تقدم شاب لخطبتي ويرفض والدي وإخواني تزويجي مدعين رغبتهم في البقاء بدون زواج لتربية ابني، وقد بذلت محاولات كثيرة استمرت 3 سنوات لإقناعهم دون جدوى .. هل يجوز أن يكون الشيخ أو القاضي ولياً لي، ويقوم بتزويجي.. أفيدوني أثابكم الله؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للأب أن يمنع ابنته من الزواج، لا سيما إذا احتاجت لذلك وطلبته، وقد تقدم لها الخاطب الكفء الذي لا يرد مثله، فإذا حصل ذلك منه ومن إخوان هذه البنت انتقلت الولاية عليها إلى السلطان أو من ينوب عنه كالقاضي ونحوه، لقوله صلى الله عليه وسلم: فالسلطان ولي من لا ولي له. رواه الخمسة إلا النسائي.(36/590)
لكننا نرى من الأفضل لهذه الأخت أن تبحث عمن يقنع عائلتها بذلك حفاظاً على رحمها، وإبقاءً للود والرحمة، فإن لم يمكن ذلك بعد استفراغ الوسع جاز لها ما ذكرنا، ولتراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9873، 22277، 23339.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تريده زوجاً ووالدها يمانع
تاريخ الفتوى : ... 03 ذو الحجة 1424 / 26-01-2004
السؤال
أحب صديقا لي فى العمل وحاولت الابتعاد عنه بكل الطرق ولم أستطع وللعلم ليس بيننا حتى التصافح بالأيدي وهو متزوج وأبي لا يوافق على أن أتزوج متزوجا مع العلم أنه يريدني زوجة ثانية له؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من ابتلي بحب ما لا يحل فعليه أن يبعد عن كل ما لا يرضى الله تعالى من المواصلة والحديث، وإذا امتثل المسلم أوامر الله تعالى واجتنب نواهيه فإن الله تعالى جاعل له مخرجاً، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [الطلاق:2].
وإذا كانت لك رغبة في الزواج من هذا الرجل فعليك أن تحاولي إقناع أبيك وإرضاءه.. فهذا هو الطريق السليم والعلاج الصحيح، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لم نر للمتحابين مثل النكاح." رواه ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ولا يمكن ذلك ولا يجوز إلا برضا أبيك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل...." رواه أبو داود والترمذي.
وإذا ثبت أن أباك يعضلك ويمنعك من الزواج دون مبرر شرعي، فلك أن ترفعي أمرك إلى المحكمة الشرعية فسوف تنظر في أمرك وتفعل ما تمليه الأحكام الشرعية إن شاء الله تعالى، والذي ننصحك به هو تقوى الله تعالى وبر أبيك وقطع النظر عما لا يحل لك، ولمزيد من التفصيل والفائدة نحيلك إلى الفتوى رقم: 9360.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
إن رضي أهلها فتزوجها وإلا فاصرف قلبك عنها
تاريخ الفتوى : ... 23 محرم 1424 / 27-03-2003
السؤال
أنا شاب عندى 22 سنة أحب فتاة منذ فترة و قد ارتبطنا ارتباطًا وثيقًا ببعضنا البعض وفهم كل شخص طباع الآخر، وقد أعنتها كثيرًا فى فهم الدين والالتزام بالحجاب والزى الاسلامى الكامل وقراءة القرآن وغيرها من العادات الإسلامية(36/591)
الحميدة، لكن أهلها يرفضوني بحجة أني خريج كلية تجارة، ويقولون إنهم لن يوافقوا على أقل من طب أو هندسة، مع العلم بأنه تقدم لها الآن مهندس وأهلها يرحبون به، فقط لهذا السبب من أجل المادة وهى ترفضه تمامًا، لكن فى نفس الوقت لا نريد أن نفعل شئ بدون رضاء أهلها، فما المخرج ؟ وهل يجوز لنا الزواج على غير رغبة أهلها ؟ أما ماذا نفعل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزواج لا يكون صحيحاً إلا بتوافر شروطه التي من أهمها وجود الولي، لما روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي.
فعلى هذا فلا يجوز للسائل الزواج من هذه الفتاة إلا برضا وليها، فإن رضي أهلها فالحمد لله، وإلا فإن الواجب عليه صرف قلبه عن هذا الأمر، ولعل الله تعالى يجعل له الخير في الزواج من غيرها.
وننبه في ختام هذا الجواب إلى أنه لا يجوز إنشاء مثل هذه العلاقات، لما قد يترتب على ذلك من الفتنة، ولأن المرأة قبل العقد عليها أجنبية على الرجل.
ولمزيد من الفائدة نحيل السائل على الفتوى رقم:
1766 ، والفتوى رقم: 4220.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يصح تزويج رجل وامرأة بالغين نفسيهما
تاريخ الفتوى : ... 07 محرم 1424 / 11-03-2003
السؤال
أنا مخطوبة من رجل ذي دين فهل يجوز لمسي من قبله والتقبيل و... ألخ وبدون كتب الكتاب بيننا وهل يجوز أن نقول صيغة كتب الكتاب بين بعضنا لأننا بالغين أنا في سن 26 وهو33 سنة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المرأة قبل العقد عليها أجنبية على من خطبها لا يحل له منها ما يحل للرجل من زوجته، فلا يمس جسدها، ولا يخلو بها إلا مع ذي محرم. وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 994.
وبخصوص عقد الزواج فإنه لا يكون صحيحاً إلا إذا توافرت فيه شروط الصحة من وجود ولي المرأة والشهود على هذا الزواج ولو كان الزوجان بالغين رشيدين، أما مجرد الاتفاق بين الزوجين على الزواج دون توافر الشروط سالفة الذكر فإن الزواج حينئذ يكون باطلاً، وهو الذي يطلق عليه في بعض البلاد [الزواج العرفي]، وقد سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 5962.
والله أعلم.(36/592)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عقد الزواج المزور - بيان وتوضيح .
تاريخ الفتوى : ... 28 ذو الحجة 1423 / 02-03-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرخيم
تزوجت برجل وبعد مدة حصلت مشاكل بيني وبينه وبعد ذلك طلبت الطلاق منه لكنه فاجأنى بأن عقد الزواج مزور هل أنا أتحاسب على ذلك مع العلم أنه ليس لدي علم أن العقد مزور وما هو عقاب الزوج فى الدين في هذه الحالة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان المقصود بتزوير العقد أنه تم غير مستوف للشروط والأركان، كأن يكون بغير شهود أو ولي ونحو ذلك، فالعقد هنا يكون فاسداً لعدم تمامه، وقد بينا شروط النكاح وأركانه في الفتوى رقم: 18153، والفتوى رقم: 964.
وتقع الفرقة في مثل هذا النكاح بأن يطلق الزوج، فإن أبى فرق بينهما الحاكم؛ لأنه نكاح يسوغ فيه الاجتهاد، فاحتيج في التفريق فيه إلى إيقاع فرقة، كالصحيح المختلف فيه، ويترتب على النكاح في هذه الحالة جميع ما يترتب على النكاح الصحيح، من ثبوت الميراث، ووجوب العدة، وثبوت النسب. وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 22652.
وإذا كان هذا الزواج بالصورة التي ذكرناها قد وقع منك بدون علم بحكمه، فالإثم هنا على الزوج الذي غرر بك وخدعك، لعلمه بذلك، وعليه أن يتوب إلى الله تعالى بالإقلاع عن ذلك والندم على ما فات منه، والعزم على عدم العودة إليه أبداً.
أما إن كان المقصود بتزوير العقد، أنه لم يُسجل في الدوائر الحكومية مع توافر الشروط والأدلة كالشهود والولي والمهر ونحوها، فالعقد صحيح مادام مستوفيًّا للأركان والشروط، ولا عبرة بتسجيله أو عدم تسجيله؛ لأن ذلك إنما جُعل لحفظ الحقوق وسير المعاملات الحكومية على نسق سليم، ولا علاقة له بصحة العقد أو بطلانه، وليُعلم أن أمر الفروج واستحلالها أمر خطير، يجب على المرء أن يحتاط فيه ولا يقدم على شيء يتصل به إلا بعد معرفة حكمه الشرعي، وإننا لنتوجه بالنصح إلى هذا الزوج بأن يتقي الله تعالى ولا يتلاعب بعقد قال الله عنه: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً [النساء:21]، وقال صلى الله عليه وسلم: أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج. متفق عليه ، ولا يجوز للزوجة في حالة صحة العقد أن تطلب الطلاق من زوجها إلا إذا وجد المبرر الشرعي المبيح لذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق بغير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة رواه أحمد وصححه الأرناؤوط ، كما أننا ننبه الزوج إلى وجوب الإحسان إلى زوجه ومعاملتها بالمعروف ، وعدم التعسف في استعمال حقه تجاهها .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(36/593)
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا يصح أن يلي عقد المسلمة تارك الصلاة بالكلية .
تاريخ الفتوى : ... 03 ذو الحجة 1424 / 26-01-2004
السؤال
أريد الزواج من مسلمة في أوروبا ليس لها ولي مسلم إذ لا أحد من عائلتها يصلي ولن يقبلوا أبداً بخاطب متدين وهي تريد صاحب دين فكيف يمكن أن يتم عقد الزواج من الناحية الشرعية؟ جزاكم الله كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالراجح من أقوال أهل العلم أن تارك الصلاة بالكلية كافر، ولا يصح أن يلي الكافر عقد المسلمة بحال من الأحوال، ولمعرفة حكم تارك الصلاة راجع الفتاوى التالية أرقامها:
17277، 5259، 1145.
فإذا سقطت ولاية الأقرب لتزويج المرأة انتقلت إلى الأبعد، فإن كانوا جميعاً تاركين للصلاة كمسألتنا تولى السلطان أمرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: السلطان ولي من لا ولي له. رواه أحمد وأبو داود.
فإن لم يوجد السلطان المسلم أو نائبه حل محله من يقوم مقامه من جماعة المسلمين أو من يمثلها كالمراكز الإسلامية، ولتراجع في هذا الفتوى رقم: 3686، 3804.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما يترتب على تزويج المرأة نفسها دون ولي وشهود
تاريخ الفتوى : ... 25 ذو الحجة 1423 / 27-02-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
هنالك شخص دخل على بنت بعد كتابتها ورقه أنها زوجته نفسها، وأهلها يريدون تزويجها من آخر الآن، فما الحكم وما العمل؟ وشكراً لكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكتابة هذه الورقة وعدمها على السواء، ودخول هذا الرجل على المرأة سفاح لا نكاح، ويجب على هذا الشخص مفارقة هذه المرأة فورا ثم تستبرأ، وعندها إذا أحب الزواج بها، وأذن وليها، واكتملت أركان عقد النكاح فلا بأس وانظر الفتاوى برقم:
24970، 28082، 22277، 4832.
ولأولياء هذه المرأة أن يزوجوها بعد استبرائها بصاحب الدين والخلق، وما ترتب على دخول الرجل على المرأة من ولد فإنه يلحقه، وكذا مهر المثل والنفقة وما ذلك إلا للشبهة.
والله أعلم.(36/594)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نكاح الكتابية بدون ولي
تاريخ الفتوى : ... 23 ذو الحجة 1423 / 25-02-2003
السؤال
هل يجوز زواج الكتابية بدون ولي .... ومن يكون ولي الكتابية في حالة وجودها خارج بلادها !!!
ولكم جزيل الشكر وجعلها في ميزان حسناتكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا نكاح إلا بولي سواء كانت المنكوحة مسلمة أو كتابية، ولا فرق بين أن تكون داخل بلادها أو خارجها، ويمكن أن يتصل بوليها ليقوم بتوكيل من يرى.
وانظر الفتوى رقم: 6564، 20230.
مع أن الأولى والأفضل هو الزواج بالمسلمة كما هو مبين في الفتوى رقم: 3648.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الزواج صحيح والإحسان أولى
تاريخ الفتوى : ... 16 ذو الحجة 1423 / 18-02-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من المعلوم أن بعض العوائل قد تتخذ خداما مسلمين أو غيرهم وحدث أن أحد العوائل فيها خادم مسلم عربي ولكي يتخلصوا من قضية حرمة رؤيته للأم وبعض أخواتها قاموا بالعقد بين الخادم وطفلة لا يتجاوز عمرها ثلاث سنوات وبذلك صار يجوز له النظر إلى أمها وهي سيدة البيت وهي لا تحتجب منه ولكن المشكلة التي حدثت أنهم وجدوه يوما وهو يقبل تلك البنت بوضع شهوي بل أكثر من ذلك من أمور نخجل من ذكرها ولكنه لم يسبب مشكلة خلقية للبنت فقام والد الطفلة بضربه بشدة وكسرت يده وقد اعترض علينا بعض الأقرباء أن عملنا حرام بل وطردنا له حرام فماهو حكم هذه المسألة وهل كان يستحق الضرب مع أنه كان يستعمل جسمها دون إيلاج لقضاء كذا وكذا ؟ وجزاكم الله خيراً....
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن زواج هذا الخادم من هذه البنت الصغيرة زواج صحيح إذا توفرت فيه شروط الزواج الصحيح من وجود الولي والشهود، لقوله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة جدَّهنَّ جدّ وهزلهنَّ جدّ: النكاح، والطلاق، والرجعة. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني. وتصبح بذلك العقد أم البنت محرماً له.(36/595)
وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتوى رقم:
26819.
ثم إن العقد على هذه البنت يصيرها زوجة له شرعاً، إلا أن مراعاة العرف معتبرة في تأخير الدخول بعد العقد، كما هو مبين في الفتوى رقم:
2940.
وما وقع من هذا الخادم لا يعتبر أمرًا منكرًا يؤدب عليه، وإن كان قد خالف ما هو أولى، فما كان ينبغي أن يحدث ما وقع منهم تجاهه من ضرب وتعنيف، لا سيما وقد أصبح زوجاً لابنتهم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
زنا بنصرانية وتزوجها مدنيا وأنجب وانفصل عنها
تاريخ الفتوى : ... 14 ذو الحجة 1423 / 16-02-2003
السؤال
شاب مسلم زنا بامرأة نصرانية وحملت منه فتزوجها زواجا مدنيا في أوروبا بحضور وليها وأنجب منها 4 أطفال وبعد سنوات انفصل عنها ليطلقها أيضا حسب القوانين الغربية ليتزوج بمسلمة بعد أن تاب السؤال هل أطفاله شرعيون وما الذي يمكنه فعله بعد أن تاب؟ وجزاكم الله خيراً....
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما أنجبه هذا الرجل من هذه المرأة بواسطة الزنا لا يعتبر ولداً شرعيًّا ولا ينسب إليه، وأما الأولاد الذين أنجبهم منها بعد الزواج المدني مع حضور وليها فإنهم أولاده ينسبون إليه وينفق عليهم، ولو أن زواجه غير شرعي؛ لأنه تزوجها وعقد عليها معتقداً صحة العقد.
والواجب عليه أولاً: أن يتوب من جريمة الزنا؛ لأنه كبيرة من كبائر الذنوب. قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32].
ثانياً: يجب عليه التوبة أيضاً من زواجه بهذه المرأة؛ لأنه تزوجها وهي زانية، وإنما أحل الله للمسلم أن يتزوج كتابية إذا كانت محصنة عفيفة، لقوله تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ [المائدة:5].
والمحصنة هي العفيفة، والأولى بالمسلم أن لا يتزوج إلا مسلمة، فإن أراد الزواج بكتابية فلابد أن تكون محصنة عفيفة محتشمة ويأمن منها ألا تفتنه في دينه أو تفتن أولاده، وأن يعقد عليها عقداً إسلاميّاً.
والذي يجب عليه بعد التوبة أن يضم أولاده إليه ليربيهم على الإسلام، ولا يتركهم في يد أمهم لتربيهم تربية نصرانية، وعليه أن يختار له امرأة مسلمة ذات دين وخلق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: فاظفر بذات الدين تربت يداك. متفق عليه.(36/596)
وتراجع الفتوى رقم:
20764 - والفتوى رقم: 14236.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ليس كل عضلٍ تعسفاً في حق المرأة
تاريخ الفتوى : ... 08 ذو الحجة 1423 / 10-02-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم....
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
امرأة مطلقة وتبلغ من العمر 35 عاما ومعها أطفالها.. والداها متوفيان وإخوتها متخلون عنها هل يحق لها تزويج نفسها بحيث يكون القاضي وليها علما بأن إخوتها يرفضون فكرة زواجها...؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الولي شرط لصحة النكاح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي. أخرجه ابن حبان والحاكم وصححه.
وأولى الناس بتزويج المرأة أبوها ثم أبوه وإن علا ثم ابنها ثم ابنه وإن سفل ثم أخوها الشقيق ثم الأخ للأب ثم أولادهم وإن سفلوا ثم العمومة.
لكن إذا ثبت عضل أوليائها لها ولم يوافقوا على زواجها فينظر في منعهم وعضلهم: فإن كان لمصلحة كأن تقبل هي النكاح من غير كفء في دينه وخلقه ويمتنعوا هم من ذلك فيكون امتناعهم مشروعاً، ولا يعتبر المانع عاضلاً، ولا يجوز لها في هذه الحالة الزواج إلا بإذن وليها، وإن نكحت بغير إذنه فنكاحها باطل.
وإن كان عضلهم لغير مصلحة بل كان تعسفاً في حق المرأة فتنقل ولايتها إلى القاضي وهو يزوجها.
فننصح السائلة بعرض قضيتها على المحاكم الشرعية لتنظر في العضل ونوعه. وما حكم به القاضي الشرعي أخذت به.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما يترتب على النكاح الباطل
تاريخ الفتوى : ... 26 ذو القعدة 1423 / 29-01-2003
السؤال
السلام عليكم وجزاكم الله خيرا...
باختصار شديد بعد حفل الخطوبة رفض أهل العروس إتمام الزواج رغم أن العريس إنسان جيد وملتزم وفرضوا على العروس أن تخلع دبلة الخطبة بالضرب لإصرارها على العريس وبناء على ذلك قرر العروسان عقد قرانهم بعيدا عن أهل(36/597)
العروس وتم الزواج وتم الصلح مع أهل العروسة وقد اتضح لهم جليا أن زوج ابنتهم ممتاز فعلا دينا وخلقا ومالاً وقد رزقهم الله ثلاثة أبناء ونعم الخلق والدين فهل زواجهم صحيح؟ وهل هناك شك في ذلك؟ وماهي الكفارة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن النكاح بلا ولي نكاح باطل، سواء كانت المرأة بكر أو ثيباً، لأن وجود الولي شرط لصحة النكاح، ومتى لم يوجد كان النكاح غير شرعي لا تنطبق عليه أحكام النكاح الصحيح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" رواه أبو داود والترمذي.
ولقوله: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل باطل باطل" رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني.
وبناء على هذا، فإن هذا النكاح المسؤول عنه نكاح باطل يجب فسخه، لكنه يدرأ الحد عن كل من الزوجين، والأولاد ينسبون لأبيهم، وللزوجين تجديد العقد الآن في حضور الولي وشاهدين عدلين من المسلمين.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 4632.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا اعتبار في الكفاءة سوى للدين والخلق
تاريخ الفتوى : ... 23 ذو القعدة 1423 / 26-01-2003
السؤال
فضلية العلماء أرجو أن تفتوني في أمري :ـ بين الناس في بلادنا اليمن ، أن الزواج لا بد أن يكون من الأكفاء في النسب مثلا أنا شخص من أصل قبلي وكنت أريد الزواج من أسرة أصلها هاشمي (سادة) أي من ذرية الإمام علي بن أبي طالب فقيل إن ذلك لا يجوز، فهل هذا من الإسلام في شيء . افتونا جزاكم الله خيرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الكفاءة المعتبرة هي الدين والخلق، وغير ذلك من شروط الكفاءة ليس بلازم، وقد قال الله تعالى :وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ (البقرة: من الآية221) وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي : إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد .
وقد تزوج بلال بن رباح رضي الله عنه بأخت عبد الرحمن بن عوف، وتزوج سالم بهند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة و سالم مولى.
وتزوج المقداد بن عمرو بضباعة بنت الزبير .
وروى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو تقوى .(36/598)
وفي صحيح مسلم : إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك .
فعليك بتقوى الله، واختيار الصالحات القانتات لتسعد في بيتك، وتحمد عاقبة أمرك، فالخير كله فيما اختاره الله، ولا تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وأرض الله واسعة، فلا تضيق على نفسك، فإن رأيت من لا يرغب فيك، فاطلب غيره، عسى أن يكون خيراً لك، وللمزيد من الإيضاح حول موضوع الكفاءة في الزواج نحيلك على الفتاوى رقم: 2346 998 14218
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الولاية لا تثبت لكافر على مسلمة
تاريخ الفتوى : ... 22 ذو القعدة 1423 / 25-01-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
أسف لتكراري في إعادة السؤال.............. سؤالي هو أني أرغب في الزواج من فتاة مسلمة وأهلها منهم مشرك بالله وملحد ومنهم على ملة المسيح عليه السلام.. ويرفضون بشدة زواجي منها.. فهل يحق لنا الزواج بدون موافقة أهلها ......... وأن يتولى أحد المسلمين المقيمين كولي لها....... ؟ وشكراً...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الولاية لا تثبت لكافر على مسلمة، نقل ابن المنذر إجماع عامة أهل العلم على ذلك حيث قال: أجمع عامة من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا.
وعليه؛ فلا يجوز أن يكون أحد من أهل هذه الفتاة ولياً لها ما داموا ليس فيهم مسلم، وحينئذ يكون الحاكم المسلم ولياً لها، لما رواه أحمد في مسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا نكحت المرأة بغير أمر مولاها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن أصابها فلها مهرها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له. إسناده صحيح.
فإن لم يكن في بلدها حاكم مسلم جاز لهذه الفتاة أن تولي رجلاً مسلماً عقد نكاحها، قال الإمام الإصطخري من علماء الشافعية: إذا لم يكن في البلد حاكم جاز للرجل والمرأة أن يحكما مسلماً يعقد نكاحهما. نقل هذا القول عنه ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى، ولا عبرة حينئذ بموافقة أهلها، إلا إذا وجد من أوليائها من هو على دين الإسلام فلا يجوز النكاح إلا به أو بوكيله، كما تقدم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا يجوز لجهة تحريم الزواج من مسلمة من أي بلد
تاريخ الفتوى : ... 15 ذو القعدة 1423 / 18-01-2003(36/599)
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم الزواج من المرأة الأجنبية العربية المسلمة دون الأخذ بموافقة من وزارة الداخليه بذلك؟
وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج في الزواج من أي مسلمة من أي بلد كانت، ولا يجوز لأي جهة مهما كانت أن تحرم ما أحل الله، وانظر الفتوى رقم: 7560.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
المقصود بإشهار النكاح
تاريخ الفتوى : ... 08 ذو القعدة 1423 / 11-01-2003
السؤال
ماهي شروط الزواج السليم؟ ومتى يكون للزوجة ولي بالنسبة للبكر وغيرها؟ وما هو المقصود بالإشهار؟ وماهي فتوى الزواج العرفي؟ ومجلس العقد من الذى يكون فيه ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت شروط النكاح الصحيح وأركانه في الفتوى رقم:
1766 - والفتوى رقم: 964.
ولا تزوج المرأة بكراً أو ثيباً إلا بولي وهو أبوها إن وجد، وإلا فابنها، وإلا فجدها لأب وإن علا يقدم الأقرب فالأقرب، ثم عصبتها الأقرب فالأقرب كأخيها لأب وأم، ثم أخيها لأب فقط ثم أولادهم ثم أعمامهم. فإن لم يوجد أحد من عصبتها زوجها السلطان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له. رواه الترمذي وأبو داود وغيرهما.
والمقصود بإشهار النكاح إعلانه وضرب الدف عليه والغناء المباح، وجعله ظاهراً بين الناس لا خفية لا يعلم به إلا بعض الناس. وهذا الإشهار مستحب في النكاح لما رواه أحمد وابن حبان والطبراني في الكبير والحاكم، وحسنه الألباني والأرناؤوط عن ابن الزبير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعلنوا النكاح.
ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم:
22840، وأما مجلس العقد فإنه يشترط أن يكون فيه الزوج والولي أو وكيلاهما، وشاهدا عدل من المسلمين ولا يتم النكاح إلا بذلك، وما زاد عن هذا العدد فهو أفضل لما سبق من استحباب الاشهار.(36/600)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما يكتنف النكاح الفاسد من أحكام
تاريخ الفتوى : ... 08 ذو القعدة 1423 / 11-01-2003
السؤال
أريد درسا حول النكاح الفاسد؟ أحكامه ونتائجه وغير ذلك في أسرع وقت ممكن من فضلكم ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالنكاح الفاسد هو النكاح الذي فقد شرطاً من شروط النكاح الصحيح، كالنكاح بدون ولي أو بدون شهود ونحو ذلك، ولمزيد من الفائدة عن شروط النكاح الصحيح وأركانه تراجع الفتوى رقم:
1766 - الفتوى رقم: 7704.
ولا يجوز للشخص أن يقدم على النكاح الفاسد وهو يعتقد فساده، ومن فعل ذلك فهو آثم ويعزر ويفرق بينه وبين زوجته، ولا حدَّ عليه. قال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: ولا يوجب الوطء في النكاح المذكور -الفاسد- الحد، سواء صدر ممن يعتقد تحريمه أم لا، لشبهة اختلاف العلماء في صحة النكاح، لكن يعزر معتقد تحريمه لارتكابه محرماً لا حد فيه ولا كفارة. ولو لم يطأ الزوج في هذا النكاح المذكور فزوجها وليها قبل التفريق بينهما صح، ولو طلقها ثلاثاً لم يفتقر صحة نكاحه لها إلى محلل لعدم وقوع الطلاق لأنه إنما يقع في نكاح صحيح، ولو حكم بصحته أو ببطلانه حاكم يراه لم ينقض حكمه، فلو وطئها بعد الحكم ببطلانه حُدَّ -كما قاله الماوردي- وامتنع على الحاكم المخالف بعد ذلك الحكم بصحته.....
ولها المهر إن دخل بها، ويلحق الأولاد بأبيهم وينسبون إليه ويرثون منه ومن أمهم أيضاً، وتفاصيل ذلك تنظر في كتب الفقه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم عقد النكاح مرتين لامرأة واحدة
تاريخ الفتوى : ... 05 ذو القعدة 1423 / 08-01-2003
السؤال
سؤالي عقد النكاح مرتين لامرأة واحدة
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان المراد عقد النكاح لامرأة على شخص واحد مرتين فهذا غير مشروع إلا إن طلقها أو فارقها.(36/601)
وإن كان المراد عقد النكاح لشخصين على امرأة واحدة مع جهل الأول منهما، أو كان في وقت واحد فسخ النكاحان.
أما إن علم السابق منهما فهي له، وذلك لما رواه سمرة وعقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول. أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي .
ولأن الثاني تزوج امرأة في عصمة زوج فكان نكاحه باطلاً.
والجمهور على أنها للأول مطلقاً سواء دخل الثاني أم لم يدخل، واحتجوا بأنه لما كان النكاح باطلاً قبل الدخول فكذلك بعده كنكاح المعتدة والمرتدة، وكما لو دخل عالماً أنه الثاني.
وخالف المالكية فقالوا: إذا دخل الثاني غير عالم بالأول فهي له إن لم تكن في عدة وفاة من الأول.
واحتجوا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إذا نكح الوليان فالأول أحق ما لم يدخل الثاني، ذكره في المغني وقال: لم يصححه أصحاب الحديث. واستدلوا كذلك بأن نكاح الثاني اتصل به القبض.
والمذهب الأول أرجح لأن النكاح يصح بغير القبض، ولأن ما ذكره عن عمر لم يصححه أصحاب الحديث. كما قال في المغني.
هذا، ويُعْلًم السابق بالبينة أو التصادق.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا يجوز تقنين سن الزواج بصورة عامة على جميع الناس
تاريخ الفتوى : ... 28 شوال 1423 / 02-01-2003
السؤال
أنا شاب في18 من العمر أرغب بالزواج لكي أحمي نفسي من ملذات الدنيا والزنا وأريد الزواج بفتاة عمرها 17 من العمر، في بلادنا يوجد قانون يقول الزواج للفتاة يجب أن يكون في 20 من عمر الفتاة وأنا والحمد لله ميسور الحال ولا أقدر على الصبر يا شيخي الجليل فماذا أفعل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز تقنين سن الزواج بصورة عامة على جميع الناس، لأنه قد يصير واجباً في حق بعض الناس قبل بلوغ السن المحدد، ولما في ذلك من الاعتداء على ما أباحه الله تعالى لعباده، وقد مضى بيان ذلك في جوابنا رقم: 7560 ولذلك فإننا ننصح السائل بالمبادرة بالزواج من هذه الفتاة إن كانت ذات خلق ودين، أو بغيرها إن لم تكن كذلك، فالزواج المبكر محمود مرغوب في الإسلام، لما في ذلك من حفظ الفروج، وتكثير نسل أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وراجع ذلك في جوابنا رقم: 25547(36/602)
فإن استطعت أن تجري العقد بالصورة الرسمية، ولو كان ذلك بحيلة فافعل، وإن لم تستطع جاز لك العقد بعيداً عن الإجراءات الرسمية إن لم يكن فيه مضرة عليك، ولا على هذه الفتاة، على أن تتوفر خمسة شروط، وقد ذكرناها مستوفاة في جوابنا رقم: 964
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أقوال العلماء فيمن تزوج بدون شاهدين
تاريخ الفتوى : ... 01 ذو القعدة 1423 / 04-01-2003
السؤال
تزوجت من فتاة شيعية المذهب علما بأنني سني المذهب وكانت طريقة عقد القران حضور ولي الزوجة ( شقيقها) وحضوري والمأذون طبعا شيعي المذهب وتم عقد القران علما بأنني سلمت لهم المهر المتفق عليه وكان التلفظ شفويا.. والسؤال هل عقد القران تم بالشكل الصحيح وفق الشريعة أم لا علما بأنه لا يوجد شهود اللهم الولي وأنا والمأذون ولي منها طفلان ولكني أحس بضيقة ؟ وجزاكم الله خيراً....
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الحال كما ذكرت فإن النكاح فاسد عند الجمهور لأن الاشهاد لا بد منه، وذلك لما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل. أخرجه أحمد وغيره، وقد رأى الزهري وأبو ثور وابن المنذر أن النكاح يصح بلا شهود، وهو مروي عن الإمام أحمد.
لكن القول الأول هو الراجح، وهو قول الشافعية والمالكية والحنفية هو المعتمد عند أحمد.
قال ابن قدامة في المغني: إن النكاح لا ينعقد إلا بشاهدين، هذا المشهور عند أحمد. انتهى
وقال الدرديري من المالكية: وفسخ إن دخلا بلاه أي بلا إشهاد بطلقة لصحة العقد بائنة لأنه فسخ جبري. انتهى.
وقال صاحب المجموع من الشافعية: ولا يصح إلا بعدلين.
لذا فإن أردت الاستمرار مع هذه الفتاة فعليك أن تعقد عليها عقداً صحيحاً مستوفياً للشروط، وهي موضحة في الفتوى رقم:
7704.
وأما الأولاد فإنهم ملحقون بك ويرثون منك وترث منهم لأنهم نشؤوا عن وطء بشبهة تعتقد أنه مباح ويمكن الاطلاع على الفتوى رقم:
17568.
أما عدم الكتابة فلا يضر، وإن كانت هي الأحوط محافظة على الحقوق.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(36/603)
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... ما يلزم من عقد على امرأة دون استيفاء الشروط
تاريخ الفتوى : ... 25 شوال 1423 / 30-12-2002
السؤال
تزوجت أثناء دخول القوات الأثيوبية إلى دولة أرتريا وكان والداها قد هربا إلى السودان خوفا من الغزو فلم نتمكن من عقد القران رسميا إلا بعد انتهاء تلك الحرب المشؤومة وقد أنجبنا طفلاً والآن لنا طفل ثان فما الحكم في هذا الطفل؟
مع خالص شكري.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان العقد الأول قد استوفى شروطه كاملة، فالنكاح صحيح ولو لم يوثق في الأماكن المخصصة لذلك، ويكون التوثيق بعد ذلك من باب التأكيد وحفظ الحقوق، وقد بينا شروط النكاح مستوفاة في الجواب رقم: 964
أما إذا كان العقد غير مستوف للشروط المطلوبة، فهو عقد غير معتبر شرعاً، والواجب على من فعله تجديده مرة أخرى، إن أراد دوام الحياة الزوجية، ويشترط لصحة هذا العقد الجديد أن تستبرأ المرأة بحيضة.. وبهذا صرح المالكية، وما حصل في أثناء العقد الأول من الأولاد فإنهم ينسبون إليك، لأنه نكاح كنت تعتقد صحته، لكن عليك التوبة إلى الله تعالى من ذلك، لأنك أقدمت على فعل له خطورته دون أن تسأل عن حكمه، ولمزيد من الفائدة راجع الجواب رقم:
22652 أما إذا تم العقد الرسمي قبل الاستبراء الذي ذكرناه، فإنه عقد فاسد، يجب إعادته مرة أخرى الآن بعد استبراء الرحم بحيضة واحدة، وحكم الولد الثاني كالولد الأول.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
رضا المرأة شرط في نفاذ عقد النكاح
تاريخ الفتوى : ... 16 شوال 1423 / 21-12-2002
السؤال
هل يجب استجواب ولي الزوجة أثناء العقد بأن الزوجة راضية بالزواج غير مكرهة ؟ وشكراً....
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجب استجواب ولي المرأة عن رضا موليته بالزواج وليس ذلك من شروط عقد النكاح، إلا أن رضا المرأة شرط في نفاذ عقد النكاح، فمن زوجت بغير رضاها فلها بعد ذلك الخيار في الإمضاء أو الفسخ، وراجع الفتوى رقم: 10658 - والفتوى رقم: 3006.
ويستحب سؤال المرأة عن رضاها، والوقوف على ذلك عند العقد.(36/604)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أحوال الزواج بنية المفارقة
تاريخ الفتوى : ... 10 شوال 1423 / 15-12-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
السؤال: مسلم سافر إلى الغرب وأقام لفترة مؤقتة هناك وعند وصوله عقد على فتاة وفي نيته أن يطلقها حينما ينتهي عمله في تلك البلاد ماهوحكم هذا العقد في حالتين:الأولى كون المخطوبة على علم بهذه النية والحالة الثانية كونها لا تعلم بذلك أفيدونا جزاكم الله خيراً......
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فزواج الرجل بامرأة وفي نيته مفارقتها يكون على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يشترط في العقد تحديد المدة، فهذا نكاح متعة وهو باطل باتفاق العلماء كما في الفتوى رقم:
485.
والثاني: أن لا يشترط في العقد تحديد المدة، وتعلم الفتاة وأهلها بأنه سيفارقها بعد مدة معينة، ويوافقون على نكاحه فلا شيء عليهم في هذا النكاح لأن الرجل قد يرغب في امرأته ويستمر معها بخلاف نكاح المتعة.
والثالث: أن لا يشترط في العقد تحديد المدة، ولا تعلم المرأة وأهلها بأنه سيفارقها بعد مدة معينة، فهذا لا ينبغي للرجل فعله لما فيه من الغش والخداع، وأكثر أهل العلم على جواز نكاحه وصحته، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 3458.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
غاية حرمة الزواج بالكافر الإيمان
تاريخ الفتوى : ... 03 ذو الحجة 1424 / 26-01-2004
السؤال
- سبق وأن بعثت لكم بنفس السؤال ولم أتلق الإجابة: كافر أسلم وليس لديه وثيقة تثبت إسلامه فهل يجوز له أن يعقد على فتاة مسلمة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا تم التأكد من حسن إسلام الشخص المذكور جاز للمسلمة التزوج منه، لعدم وجود المانع من ذلك، فقد قال تعالى: (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) [البقرة:221].(36/605)
فجعل الله غاية حرمة الزواج بهم الإيمان، وعدم وجود الوثيقة التي تثبت إسلامه لا ينفي كونه من المسلمين، لأن الدخول في الإسلام يكون بنطق الشهادتين مع الإقرار بالمضمون، وعدم الإتيان بما يناقض الإيمان بكتابة الوثيقة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عدم التوثيق في الدوائر الحكومية لا يمنع صحة النكاح
تاريخ الفتوى : ... 27 رمضان 1423 / 02-12-2002
السؤال
حول زواج المتعة والعرفي
سيدي الكريم بلدنا يمنع القانون فيه تعدد الزوجات فما حكم الإسلام في زواج بدون وثيقة وإشهار
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن استوفى النكاح شروطه وأركانه صح، وإن لم يوثق في الداوائر الحكومية، ولو بدون إشهار بين الناس، وقد سبق بيان أن الإشهار بالنكاح سنة، وذلك في الجواب رقم: 22465
وللأهمية راجع الإحالتين رقم: 5962 ورقم: 2656 الموجودتين في الجواب المذكور لمعرفة أركان وشروط النكاح التي لا تتم إلا به، ولمعرفة حكم زواج المتعة راجع الجواب رقم:
485
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
المشاركة في التأثيث تخضع للعادة والعرف
تاريخ الفتوى : ... 27 رمضان 1423 / 02-12-2002
السؤال
هل يجب على العروس المشاركة بالنصف في الجهازمع العريس أو أكثرمنه بقليل
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الأمر يخضع للعادة المتعارف عليها، وتختلف العادة باختلاف المجتمعات والبلدان، ولكن الأصل أن يجهز الزوج بيت الزوجية بالمستلزمات العادية، فإذا اتفق الزوجان على أن يشتركا في التجهيز بالنصف أو بغيره فلا مانع من ذلك، ويلزم كلاً منهما أن يقوم بما اتفق عليه، وكذلك إذا اشترط الزوج على الزوجة تأثيث البيت ووافقت على الشرط لزمها ذلك لأن المسلمين على شروطهم، وكذا إذا كانت العادة قد جرت بذلك حتى أصبح معروفاً أو كان الزوج دفع لها من المال زيادة على مهرها مقابل تجهيز البيت.(36/606)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
شروط الزواج:الصحة والنفاذ واللزوم
تاريخ الفتوى : ... 03 شوال 1423 / 08-12-2002
السؤال
ماهي الشروط الأساسية لصحة الزواج؟ الرجاء ذكر آراء المذاهب الأربعة. وجزاكم الله عن الإسلام خيراً..
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فللزواج شروط صحة، وشروط نفاذ، وشروط لزوم، فأما شروط الصحة فهي:
1- أن تكون المرأة محلاً للنكاح، ومعناه ألا تكون محرمة على من يريد نكاحها بأي سبب من أسباب التحريم المؤقت كأن تكون أختها تحته، أو المؤبد كأن تكون هي أخته من الرضاعة مثلاً.
2 - أن لا يكون الرجل أو المرأة مُحْرِمًا عند جمهور العلماء، ويجوز عند الأحناف للمحرم أو المحرمة أن يعقدا النكاح وهما في حالة الإحرام.
3- ألاَّ يكون النكاح مؤقتًا، فإن كان مؤقتًا كان نكاح متعة، وهو باطل إجماعًا.
4- أن يكون الرجل كفؤًا للمرأة التي يتزوجها، والصحيح أنها غير مشروطة في قول أكثر أهل العلم. المغني 6/480 .
وفي حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: ولها وللولي - أي لهما معًا - تركها، وتزويجها من فاسق سكير يؤمن عليها منه.
وفي تحفة المحتاج: فصل: في الكفاءة، وهي معتبرة في النكاح لا لصحته مطلقًا، بل حيث لا رضًا من المرأة وحدها في جَبٍّ ولا عنة، ومع وليها الأقرب فقط فيما عداهما.
5- الإشهاد على النكاح، وهوقول جمهور الفقهاء، فلا يرون صحة النكاح إلا بالشهادة حال العقد. ومذهب المالكية أن أصل الشهادة على النكاح واجب وإحضارهما عند العقد مندوب، فإن حصل عند العقد فقد وجد الأمران: الوجوب والندب، وإن فقد وقت العقد ووجد عند الدخول فقد حصل الواجب وفات المندوب، وإن لم يوجد إشهاد عند الدخول والعقد ولكن وجدت الشهود عند واحد منهما فالصحة قطعًا، ويأثم أولياء النكاح لعدم طلب الشهود، وإن لم يوجد شهود أصلاً فالفساد قطعًا. انتهى حاشية الصاوي على الشرح الصغير. ويصح النكاح بلا شهود عند الزهري وأبي ثور وابن المنذر وهي رواية عن أحمد.
وشروط نفاذ، منها:
1- أهلية العاقد بأن يكون بالغًا عاقلاً حرًا، فإن كان أحد العاقدين فاقد الأهلية بأن كان معتوهًا، أو صغيرًا مميزًا، فإن عقده الذي يعقده بنفسه ينعقد صحيحًا موقوفًا على إجازة الولي، فإن أجازه وإلا بطل.
2- الولاية على إنشاء العقد، بأن يكون ذا صحة تجعل له الحق في مباشرة العقد.(36/607)
وشروط لزوم الزواج: والمراد بالعقد اللازم ما لا ينفرد أحد عاقديه ولا غيرهما بحق فسخه، فمن شروط عقد النكاح عند الحنابلة:
1- الكفاءة،؛ فإذا غرَّ الزوج المرأة أو أولياءها بنسب فظهر نسبه دونه، وكان ذلك مخلاًّ بالكفاءة المطلوبة كان لها ولأوليائها حق فسخ النكاح.
2- وجود عيب والعيب على ثلاثة أنواع:
-نوع يشتركان فيه مثل الجنون والجذام والبرص.
-ونوع يخص المرأة وهو الرتق والقرن والعفل.
-ونوع يخص الرجل وهو الجب والعنة.
ومن وجد بالآخر عيبًا فله حق فسخ النكاح .
والتفريق بالعيب محل اتفاق بين الأئمة الأربعة إلا أنهم اختلفوا في تفصيل ذلك، وفي تعيين العيوب التي يفسخ بها النكاح، وينظر ذلك في مظانه من مطولات كتب الفقه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الزواج بدون الولي باطل لا يعتد به
تاريخ الفتوى : ... 29 رمضان 1423 / 04-12-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود بأن توضحوا لي مسألة الزواج من دون موافقة الولي أو من دون موافقة المأذون لأن في الدولة التي أعيش فيها لا يصح للوافد الزواج من مواطنة( قانونا) فماذا أفعل إذا وقعت بحب مواطنة......... أفيدوني أفادكم الله...... وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالولي شرط في صحة عقد النكاح عند جمهور العلماء، والزواج بدونه باطل لا يعتد به، وقد سبق بيان ذلك في الفتويين التاليتين:
10286 -
4632.
فإذا لم يوافق الولي على زواجك من هذه المرأة فلا سبيل إلى نكاحها إلا أن تكون كفؤاً لها وكان الولي معروفاً بعضل هذه المرأة ومنعها من زواجها من الأكفاء، فلها أن ترفع أمرها إلى القاضي الشرعي ليزوجها.
والظاهر أن هذا غير ممكن لك، لكون الدولة تمنع من ذلك كما ذكرت.
ولهذا نقول: اتق الله تعالى، وخف عقابه، واصرف نفسك عن التفكير في هذه المرأة، واعلم أنه لا يجوز للرجل أن يقيم علاقة حب مع امرأة لا تحل له، وأنه يجب التوبة من ذلك بالإقلاع التام عن كل ما يذكره بها ويدعو إلى الحديث معها أو لقائها.(36/608)
وما أكثر النساء الصالحات فابحث عن واحدة منهن، واحذر خطوات الشيطان فإنها لا تقود إلا إلى الشر والخزي في الدنيا والآخرة.
ولا تقدم على الزواج إلا من امرأة صالحة عفيفة، فهذه هي التي تحفظك في غيبتك وتؤتمن على أولادك، أما من تتصل بالرجال وتقيم العلاقات معهم فلا خير فيها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الزواج المبكر... رؤية شرعية
تاريخ الفتوى : ... 26 رمضان 1423 / 01-12-2002
السؤال
أنا عمري 16 سنة مخطوبة هل من الممكن أن أتزوج بعد سنة ونصف ما رأيكم بالزواج المبكر عمره 21؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإسلام رغب في الزواج وجعله من سنن الأنبياء وهدي المرسلين، قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّة [الرعد:38].
ولم يلتفت إلى الدعوات التي تحذر من ما يسمى بالزواج المبكر؛ بل شرع زواج الصغار وفق ضوابط نص عليها أهل العلم.
أما من عمرها ستة عشر سنة وتعتزم الزواج بعد سنة ونصف، فهذه قد جاوزت سن البلوغ، فينبغي أن تتزوج لأنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ولا تلتفت إلى مثل هذه الدعايات المغرضة التي تروج لها جهات مشبوهة. فقد ثبت في البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة وهي بنت ست سنوات، وأدخلت عليه وهي بنت تسع.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رغب عن سنتي فليس مني. متفق عليه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الأدلة على اعتبار الكفاءة في جانب الزوج دون الزوجة
تاريخ الفتوى : ... 25 رمضان 1423 / 30-11-2002
السؤال
كُنت قد أبديت رغبتي بالزواج من فتاة معيّنة وعرضت الموضوع على والدتي التي اعترضت وبشدة بحجة أنها ليست من نسب أصيل وهو النسب العربي الذي لا تشوبه أي مصاهرة مع زنوج أو خدم وهو شرط لازم لدى والدتي وتضعه دائما في المقدمة عند طلب الزواج مع العلم أني أرى أن الفتاة خلوقة، سؤالي هو " ماهو المفهوم الشرعي للنسب كشرط من شروط الكفاءة في الزواج ؟ وإذا كان أمر الكفاءة مطلوباً بالنسبة للفتاة ذات النسب الأصيل فهل هو مطلوب للرجل الأصيل؟(36/609)
وهل في الشرع ما يعيب زواج الرجل من امرأة أقل منه نسبا؟ أفيدوني جزاكم الله كل الخير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق الإجابة على حكم الكفاءة في الفتوى رقم: 2346، ونضيف هنا أن الكفاءة في الزواج معتبرة في جانب الزوج دون الزوجة، فلا بد أن يكون الزوج كفؤاً للمرأة ومماثلاً لها، ولا يشترط العكس.
والدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا مكافئ له في منزلته، وقد تزوج من أحياء العرب، ومن صفية بنت حيي، وكانت يهودية فأسلمت. ولأن المرأة ذات المنزلة الرفيعة هي التي يلحقها العار هي وأولياؤها عندما تتزوج من غير الكفء، أما الزوج الشريف فليس كذلك عندما يتزوج من هي دونه منزلة، لكنَّ الشريعة أمرت الأزواج أن يختاروا ذوات الدين كما في القرآن عند قوله تعالى: وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221].
وهذا ما يجب أن ينتبه إليه البعض الذي أصبح يفضل غير المسلمات، ويقطع في طلبهنَّ أطول المسافات، ويتكلف فيهنَّ الكثير، وهو غير مضطر، ولا يدري أنه بهذا يرتكب مخالفة في حق نفسه، حيث يربطها بهذه المرأة التي ترفض أن تطهر قلبها من الشرك بالله وتعاف الطيبات، ويخالف حكم الله الذي أمره بالزواج من المؤمنات القانتات الطيبات، ويجني على ولده الذي ينتقل من أحشاء هذه الأم التي تغذيه وهو في ظلمة رحمها بغذائها الذي لا تذكر عليه اسم الله تعالى، ودمائها الملوثة بالشرك والطوية الخبيثة، وتربيه في حضنها بلبانها المشوبة وعواطفها ومشاعرها القذرة، ليكون بعد ذلك نبتة غير صالحة؛ لأن الله تعالى يقول: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً [الأعراف:58]. فيا أسفا.
والدليل على طلب اختيار المرأة الصالحة هو حديث البخاري وفيه: فاظفر بذات الدين تربت يداك.
والإسلام لا يعيب على الرجل أخذ زوجة دونه نسباً ما دامت صالحة تناسب رعاية البيت المسلم، وتصلح لتربية الأبناء الذين هم ثمرة الزواج، وربحه، وسند آبائهما في المستقبل، وأمل المجتمع المسلم وقوته، وسياجه الواقي، فليتق الأزواج ربهم قبل أن يسألهم عن الأمانات التي حملهم إياها، ولا يكونوا تبعاً لكل ناعق.
أما عن طاعة السائل لأمه في اختيار الزوجة فلا شك أن ذلك هو الأولى وهو واجب ما دام لم يعرضه ذلك لمعصية الله مع المرأة التي يتركها طاعة لأمه؛ لأن طاعة الله أولى. قال ناظم النوازل العلوية في الفقه المالكي:
لابن هلال طوع والد وجب إن منع ابنه نكاح من خطب
ما لم يخف عصيانه للمولَى بها فطاعة الإله أولى
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يعتبر النكاح إذا فقد شرطا من شروط الصحة(36/610)
تاريخ الفتوى : ... 13 رمضان 1423 / 18-11-2002
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا فتاة أبلغ من العمر 22 عاماً على مذهب الإمام أبي حنيفة وفي إحدى جلساتي مع أقربائي من الشباب قال لي أحدهم هل تتزوجيني؟ -وكانت نيته الهزل- فقلت له: نعم -و كانت نيتي الهزل أيضاً- وقام قريب آخر بدور المأذون و قال لي من وكيلك قلت أنا وكيلة نفسي فأنا بالغة رشيدة فقال لباقي الشباب اشهدوا بذلك فشهدوا وللأسف قد تكرر هذا الفعل المشين مع قريب آخر كانت نيته الهزل وكانت نيتي الجد مع علمي بأن ذلك لن يحدث لأن الزواج لا يتم بهذه الصورة ثم نسينا جميعاً ماحدث وبعد فترة تعمقت في الدين فوجدت حديثاً لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ينص على ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الزواج والطلاق والرجعة. فهل معنى ذلك أن الزواج قد وقع شرعاً وإن لم يكن فما هو تفسير الحديث؟
جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث الذي ذكرته السائلة الكريمة أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني . قال الترمذي : والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا فكل زواج تم بشروطه وأركانه، وانتفت موانعه فهو زواج حقيقي شرعي ولو وقع بطريق الهزل.
وبما أن ما وقع من كلام بين السائلة ومن ذكرت لم يحضره الولي ولا وكيل عنه فإنه لا يعتبر زواجاً عند جمهور أهل العلم لفقدانه لشرط من شروط صحة النكاح عند الجمهور.
وذلك لما رواه أحمد والترمذي وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل .. ثلاث مرات.
وروى الترمذي عن أبي موسى مرفوعاً: لا نكاح إلا بولي.
وننبه السائلة الكريمة إلى أنه لا يجوز للمسلم التلاعب بالأمور الشرعية، وخاصة فيما يتعلق بالزواج والطلاق، وقد قال الله عز وجل في سياق الحديث عن أحكام الأسرة وما يتعلق بها: وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً [البقرة:231].
ولمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم:
5483
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
سبيل المرأة إلى الزواج إذا رفض أبوها
تاريخ الفتوى : ... 26 ذو القعدة 1423 / 29-01-2003(36/611)
السؤال
بسم الله الرحمان الرحيم
أنا فتاة أبلغ من العمر 21 سنة. ربطتني علاقة مع شاب منذ أن كان عمري 14 سنة وقد تعاهدنا أن نتزوج عندما أبلغ 20 سنة ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن فقبل إقبال الشاب على الخطوبة كشف سر هذه العلاقة وتأزمت الأمور حتى أنني تعرضت للطرد من طرف والدي لكنني تعقلت وقبلت كل ما قاله من شتائم وظللت بالبيت مع العلم أن والدي إنسان متحفظ جدا وحاج.
فمنعت من إكمال الدراسة والخروج والكثير من الأشياء فأسرع الشاب وأسرته لخطبتي فطلب منهم أبي مهلة لمعرفة الشاب من حيث الأخلاق والعمل
فهو عامل وذو خلق عال ولا ينقصه شيء سوى أنه يعاني من نسل في الشعر بحيث يظهر على شكل بقع شبه صلعاء هذا هو السبب الذي رفض لأجله، ووالدي غير راض بحجة أن هذا سيكون وراثياً وسيتنقل إلى أولادي كل هذا رغم أنني راضية بهذا الشاب أمام الله وعباده وأنا أتحمل مسؤوليتي لكنه تعصب وأصر على عدم الموافقة وقال لي إن أردت الزواج به فابحثي عن من يزوجك به حتى أنه أوصى أمي بأن تستمر بالرفض في حالة وفاته سادتي الكرام أطلب منكم أن تساعدونا بالاجابة عن الاسئلة التالية
1_هل رفض والدي يجوز شرعا رغم موافقتي ورفضه بسبب شعره؟
2_هل عدم موافقته على هذا الزواج أستطيع أن يزوجني به شخص آخر يعين كولي لي وفي مثل هذه الحالة هل يكون الزواج حلالاً أم حراماً؟
3_ما حكم الوصية التي أوصى بها والدي وهل تؤخد بعين الاعتبار بعد وفاته؟
إخواني نعترف بأننا أخطأنا التصرف ولكننا نريد تصحيح هذا الوضع بعقد قران في الحلال
لذا نطلب منكم يد العون وإفادتنا بحل سليم والتوضيح لنا بأدلة شرعية ومن جهة أخرى أبحث عن الاستقرار والأمان وأقول هذا نظرا للمشاكل التي أواجهها باستمرار في البيت حيث أصبحت حياتي جحيماً والعيشة لا تطاق بسبب تصرفات أبي غير العادية معي وكذلك الرغبة الشديدة في الزواج بهذا الشاب دون غيره خاصة وأن غرضنا الفعلي هو التوبة النصوحة إلى الله و الزواج في الحلال والتكفير عن الوضع الذي كان سائدا من قبل الذي يعتبر بمثابة زنا.
وأجركم على الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأول ما يجب عليك فعله أيتها الأخت السائلة هو أن تتوبي إلى الله تعالى من هذه العلاقة الآثمة التي كانت بينك وبين ذاك الشاب، ونصيحتنا لك أن تطيعي أباك، وتعرضي عن هذا الشاب لكونه ليس ذا خلق ودين، فليس كفؤا لك ما دمت تبت إلى الله، وحتى لو تاب وأناب إلى الله، فلا يجوز لك الزواج به إلا بإذن أبيك وموافقته، فحاولي أن تتخذي الوسائل التي تعينك على إقناع والدك، فإن أبى، ورأيت أنك بحاجة ماسة للزواج به بحيث تخافين ألا يتيسر لك زوج آخر مناسب لكونك قد(36/612)
تقدمت في السن أو لكون ما كان بينك وبين هذا الشاب قد انتشر بين الناس فيعزف الخطاب مثلاً، فلك أن ترفعي أمرك إلى القضاء الشرعي، ولمزيد فائدة راجعي الفتاوى ذوات الأرقام التالية:
14222 10286 12779
علماً بأن الأب إذا أوصى بعدم تزويج ابنته من رجل ما، فلا يجب تنفيذ وصيته إذا كان الشاب ذا خلق ودين، وكان كفؤا لها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يصح بعد التفريق من الزواج الباطل الرجوع إليه بعقد صحيح
تاريخ الفتوى : ... 06 رمضان 1423 / 11-11-2002
السؤال
ما الحكم فيمن تزوجت بدون علم والديها عند المأذون وطلقها أهلها بعد ثلاثه أيام بوعد إتمام الزفاف فيما بعد وحنثوا بوعدهم ويريدون إجراء عمليه ترقيع لغشاء البكاره ليزوجوها آخر مع العلم أن الزوج الأول مازال راغب في زواجها أفيدوني أفادكم الله ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالزواج بدون إذن الولي زواج باطل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل .... رواه أحمد، وقوله "لا نكاح إلا بولي" رواه أحمد وأصحاب السنن.
فمن تزوجت بدون إذن الولي فرق بينها وبين زوجها، ثم إذا انقضت عدتها جاز لها أن تتزوج به مرة ثانية زواجاً مستوفياً الشروط والأركان، وللأولياء رفض هذا الشخص إذا لم يكن كفؤاً للمرأة، فأما إن كان كفؤاً ذا خلق ودين، فلا يجوز لهم رفضه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه. رواه الترمذي.
وأما ما يعزم هؤلاء الأولياء على فعله من رتق غشاء البكارة فأمر لا يجوز لما فيه من الغش للزوج الثاني، وكذلك لما فيه من كشف العورة المغلظة بلا ضرورة ملجئة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الكفاءة في النسب حق للمرأة والأولياء.
تاريخ الفتوى : ... 13 رمضان 1423 / 18-11-2002
السؤال
أمي وأبي رفضا شخصاً تقدم لخطبتي ثلاث مرات والسبب هو أن أم الرجل مصرية وأباه شحي ولكن نحمل نفس الجنسية سبب رفضهم هو أننا نحن عرب(36/613)
الأصل وأنا راغبة في الزواج منه لقد حاولت إقناعهم ولكن هددوني بالضرب إذا فتحت الموضوع فماذا أفعل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالكفاءة المعتبرة في النكاح هي الكفاءة في الدين، فلا تزوج مسلمة بكافر اتفاقاً، ولا تزوج عفيفة ذات دين بفاسق أو فاجر عند أكثر أهل العلم.
وأما الكفاءة في النسب، فهي معتبرة عند أكثر أهل العلم أيضاً، إلا أنهم يقولون إن الكفاءة في النسب حق للمرأة والأولياء فلهم اشتراطه، ولهم إسقاطه، وإذا أسقطوه صح النكاح ولم يبطل.
والذي ننصح به المرأة والأولياء هو قبول من جاءهم وهو مرضي في دينه وخلقه، ولو كان نسبه غير رفيع من وجهة نظر الناس، فإن الكريم هو من كان كريماً عند الله، وقد قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].
وكم من كريم عند الناس لا يساوي عند الله شيئاً، وإذا حشر الناس يوم القيامة كان مع الأذلين الخاسئين، وانظري في الفتوى رقم:
998.
وعلى كل، فإذا رفض أبوك زواجك من هذا الشاب، لكونك أرفع منه نسباً، فعليك طاعته، وإن كان قد خالف الصواب إذا كان الشاب ذا دين، وعسى الله أن ييسر لك شاباً آخر صالحاً يرضاه أبوك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
كون المأذون قد أجرى العقد بغير ولي لا يبيح النكاح
تاريخ الفتوى : ... 06 رمضان 1423 / 11-11-2002
السؤال
السلام عليكم
لقد تزوجت من امرأة أحببتها على سنة الله ورسوله علي يد مأذون ولكن بدون علم أهلها لأنها كانت تكبر عني في السن بكثير ولهذا السبب أخفينا الزواج على أهلها وهي تعول نفسها أو بمعنى أصح تصرف على نفسها قبل الزواج .
والدها ووالدتها الآن متوفيان ويوجد أخوها وهو متهور ويوجد عمها "ولكن هي لا تستطيع إخبارهم بأي صورة من الصور" نحن متزوجون أكثر من سنتان حتى الآن.
السؤال هو هل حرام هذا الزواج أم حلال؟؟؟؟؟؟؟؟ لأني سمعت فتوى أنه يجب علم أهلها أو ولي أمرها ؟؟؟؟؟ ولقد علمت هذا الكلام منذ أسبوع ولا أقدر أن اقترب منها حتى أن أتأكد أرجوا أن أسمع الرد بأسرع ما يمكن وإن كان حراما ففسر لي السبب.
وإن كان حراما فكيف كتب المأذون الشرعي الكتاب؟؟؟؟
الفتوى(36/614)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فزواجكما أخي السائل غير صحيح لكونه قد تم بدون ولي، والواجب عليكما أن تفترقا وتتوبا إلى الله توبة نصوحاً مما اقترفتما فيما مضى، وإذا أردتما فيما بعد أن تتزوجا فلا بد من ولي يزوجها لك، وهو والحالة هذه أخوها، وكون المأذون قد أتم العقد لكما بغير ولي لا يبيحها لك، ولمزيد فائدة راجع الفتويين التالين رقم 17568 ورقم 3751
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
رضى والد الزوج ليس شرطاً لصحة النكاح
تاريخ الفتوى : ... 24 شعبان 1423 / 31-10-2002
السؤال
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.
أنا فتاة متدينة، تعرفت على شاب متدين وذي خلق والحمد لله المشكلة هي أنه أراد خطبتي لكن والده رفض الأمر لأنه يريد له الزواج بابنة عمه.
أرجو من حضرتكم أن تشيروا علينا، فهل إذا رفض الخضوع لأمر أبيه معصية لله، و هل باستطاعتي الزواج منه دون رضا والده.
و شكرا لكم و جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق الجواب عن هذا السؤال في الفتوى رقم 22225والفتوى رقم 20555
فإن عصى والده وتزوج بك أثم، والعقد صحيح لأن رضى والد الزوج ليس شرطاً لصحة النكاح ولا ركناً من أركانه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا دخل للمكان بصحة عقد النكاح أو بطلانه
تاريخ الفتوى : ... 16 شعبان 1423 / 23-10-2002
السؤال
هل الزواج من فتاة نصرانية يجوز للمسلم أم لا يجوز مع التوضيح وإذا كان يجوز هل يعتبر عقد الزواج في الكنيسة عندهم باطلاً أم لا؟
وشكراً لكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الجواب عن حكم الزواج من الكتابية نصرانية كانت أو يهودية، وذلك تحت رقم: 323، والفتوى رقم: 10253 فراجعهما.(36/615)
وأما عقد الزواج في الإسلام فإنه يصح بشروط تقدم ذكرها في الجواب رقم: 1766، فإذا خلا العقد من واحد منها أو كلها بالأحرى لم يصح، وإذا استوفى العقد هذه الشروط صح ولم يبطل، ولا دخل للمكان بصحة العقد أو بطلانه، فالعقد صحيح إذا استوفى الأركان والشروط التي ذكرها أهل العلم سواء كان في الكنيسة أو خارجها، ولكن لا يجوز للمسلم أن يذهب إلى الكنائس، ولا غيرها من معابد أهل الكفر، لأن في هذا إقراراً لأصحابها على كفرهم، وإعانة لهم على باطلهم.
والمسلم يجب عليه ألا يشاركهم في شيء من طقوسهم وشعائرهم المنحرفة الباطلة، وأن يعلن البراءة منهم، وفي الذهاب إلى الكنائس مفاسد عظيمة لا تخفى على من تأمل ذلك، وللفائدة يراجع الجواب رقم: 8327.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تعريف الولي حسب أقوال الفقهاء
تاريخ الفتوى : ... 15 شعبان 1423 / 22-10-2002
السؤال
أنا طالب في جامعة إسلامية فكلفت ببحث في ولاية النكاح ، فلما كتبت ما حصلت عليه بقي شيئان لم أستطع الحصول عليهما:
أحدهما: تعريف الولاية عند غير الحنفية من المذاهب الإسلامية. وحبذا لو أفدتموني بهذا التعريف ومراجعه حتى أوثقه.
الثاني : ذهب جمهور العلماء إلى أن النكاح بغير ولي باطل ، فسؤالي هو إذا تزوج شخص بغير ولي وولد له أولاد فماذا يفعل في حقه ؟ هل يقر على هذا النكاح أم يفرق بينهما ؟ فإذا قيل يفرق بينهما فمن الذي يفرق بينهما؟ تفضلوا بالاجابة مع ذكر المراجع حتى أجعل البحث موثقا- نفع الله بعلمكم وأعظم أجركم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
1- فإن تعريف الولي في اللغة: خلاف العدو.
وأما تعريفه في الفقه فإنه يختلف من مذهب لآخر حسب الشروط التي اشترطها كل مذهب.
فالحنفية مثلاً يقولون: "الولي هو العصبة" كذا في فتح القدير للكمال بن الهمام.
والمالكية يقولون: "الولي من له على المرأة ملك أو أبوة أو تعصيب أو إيصاء، أو كفالة أو سلطة أو ذوو إسلام" انتهى. كذا نقله ميارة في تحفة الحكام عن ابن عرفة. ويمكن للأخ السائل الرجوع إلى هذين الكتابين، في المذهب الحنفي والمالكي.
أما المذهب الشافعي فليرجع إلى حاشية قليوبي وعميرة، وتحفة المحتاج، ومغني المحتاج، وأما المذهب الحنبلي فليرجع إلى كشاف القناع والمغني وغيرهما.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
23155(36/616)
2- فلمعرفة الآثار المترتبة على الزواج بدون ولي، أو بدون ولي ولا شهود راجع الجواب رقم: 22652
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
شروط جواز نكاح من طلق زوجته
تاريخ الفتوى : ... 07 شعبان 1423 / 14-10-2002
السؤال
ماحكم الدين في رجل طلق زوجتة وبعد 7 أيام تزوج من أخرى
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز للرجل إذا طلق امرأته أن يتزوج بأخرى، لكن بشرطين:
أحدهما: ألا تكون المرأة الجديدة عمة أو أختا أو خالة للمطلقة، لورود النهي عن حرمة الجمع بين الزوجة ومن ذكرنا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها " رواه البخاري ومسلم. ولقوله تعالى في الأخت ( وأن تجمعوا بين الأختين ) ومحل هذا إذا كان الطلاق رجعياً، وهي لا تزال في العدة، وإلا فيجوز.
الثاني: ألا تكون المطلقة زوجة رابعة طلاقاً غير بائن لما يترتب على زواجه قبل انقضاء عدتها من الزواج بخمس نسوة، وهو محرم باتفاق أهل العلم لقوله تعالى: ( فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ) (النساء: من الآية3).
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حدود طاعة الوالدين المشركين، وهل تتزوج الفتاة دون إذنهما
تاريخ الفتوى : ... 03 ذو الحجة 1424 / 26-01-2004
السؤال
أعرف فتاة مسلمة أبواها مشركان فهل يجوز لها أن تطيع أبويها؟ وهل يجوز أن تتزوج فتى مسلماً بدون إذنهم ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [لقمان:14-15].
وقد قال ابن عطية في تفسيره: وقوله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاك ، روي أن هاتين الآيتين نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص، وذلك أن أمه وهي: حمنة بنت أبي سفيان بن(36/617)
أمية حلفت ألا تأكل ولا تشرب حتى يفارق دينه، ويرجع إلى دين آبائه وقومه، فلجَّ سعد في الإسلام. ويروى أنها كانت إذا أجهدها العطش شجوا فاهها، ويروى شجروا، أي: فتحوه، بعود ونحوه، صبوا ما يرمقها، فلما طال ذلك ورأت أن سعداً لا يرجع أكلت، ففي هذه القصة نزلت الآيات. انتهى
ثم قال رحمه الله: قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ووطأت الآية الأولى الأمر ببر الوالدين وحكمه، ثم حكم بأن ذلك لا يكون في الكفر والمعاصي، وجملة هذا الباب أن طاعة الأبوين لا تراعى في ركوب كبيرة، ولا ترك فريضة على الأعيان، وتلزم طاعتها في المباحات، ويستحسن في ترك الطاعات الندب. انتهى
والحاصل أن على هذه الفتاة المسلمة طاعة والديها المشركين ما لم يأمراها بكفر أو معصية.
أما إذا أرادت أن تتزوج -ولا يجوز لها أن تتزوج إلا مسلماً- فلا يلزمها أن تستأذن منهما لأنهما لا ولاية لهما عليها، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على هذا، ولأن الله تعالى قطع الولاية بين المسلمين وغيرهم من الكفار بقوله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:141].
ولقوله صلى الله عليه وسلم: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. ولأن ولاية الكافر على المسلم أو المسلمة إذلال لهما، وهذا لا يجوز. انتهى
وفي الفتاوى الهندية في فقه الحنفية: ولا ولاية لكافر على مسلم أو مسلمة. انتهى نقلاً من المفصل في أحكام المرأة.
أما من الذي يتولى تزويجها؟ فإذا وجد لها ولي مسلم زوجَّها، وإن كانوا جميعاً كفاراً تولى القاضي تزويجها. قال صاحب المفصل في أحكام المرأة: فإذا لم يوجد أحد من الأصناف التي ذكرناها، انتقلت الولاية إلى السلطان، لقوله عليه الصلاة والسلام: السلطان ولي من لا ولي له. ولما كان السلطان لا يتولى مثل هذه الأمور، فإن القاضي يتولاها نيابة عنه إذا أذن له السلطان بذلك. انتهى
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا تزوج المرأة نفسها ولو برضا وليها
تاريخ الفتوى : ... 02 شعبان 1423 / 09-10-2002
السؤال
ما حكم عقد الزواج الذي يعقده الزوج على زوجته إذا كانت الزوجة هي ولية نفسها مع رضا والدها وذلك لبعده وإذا كانت صيغة الزواج بأن قال لها هل توافقين على أن تزوجيني نفسك فأجابت بالرضا وذلك بوجود الشهود طبعاً؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن شروط النكاح الصحيح وجود الولي، فلا يصح النكاح إلا بولي، والولاية حق شرعي جعله الله تعالى لأولياء المرأة، فلا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها بنفسها ولو كان ذلك برضا وليها.(36/618)
وعليه، فهذا زواج باطل إذ لا يصح الزواج إلا بوجود الولي، أو وكيله وبإمكان والد المرأة ما دام راضيا موافقاً على زواجها أن يوكل من يتولى تزويج ابنته نيابة عنه ممن هو موجود في المكان معها، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 3395.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تنزع الولاية من الأب في حال منع ابنته من الزواج
تاريخ الفتوى : ... 30 رجب 1423 / 07-10-2002
السؤال
تقدم لابنتي أكثر من شاب للزواج وهم جميعا أكفاء لها وعلى دين وخلق وعلم ولكن أباها يرفض لأسباب واهية لا تؤثر في الحياة الزوجية كأن يقول إن هذا الشاب متطرف ( لأنه ذو لحية) والآخر شقته في شارع ضيق أو أن تصميم الشقة لا يعجبني وهكذا والآن تقدم لها شاب على خلق ودين وعلم ويتذرع أبوها بنفس الأسباب الواهية فهل يجوز لنا أن نجعل هذا الشاب يتفق مع خالها أو أعمامها والذين يرحبون بذلك ؟( علما بأنه من الواضح أن الأب لا يريد أن يزوج بناته ويقول لماذا تتزوج البنت فهي في بيت أبيها تأكل وتشرب وتفعل ما تشاء) !!!
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الظاهر من حال الأب أنه يريد عضل ابنته ومنعها من الزواج، ويعرف ذلك بقرائن الأحوال، والعلل التي يرفض بها الخطاب، وكثرة ذلك منه بما يخرج عن المألوف المعتاد، فللبنت رفع أمرها للقاضي لنقل الولاية إلى غيره من أقارب البنت، ولذلك ترتيب معروف ذكرناه في الفتوى رقم:
3686، والفتوى رقم:
199.
ولمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى التالية أرقامها:
7759
19129
20373.
وإننا لننصح أقارب هذه البنت بأن يبذلوا جهدهم في إقناع الوالد بذلك أولاً، وذلك بإرشاده إلى مسؤليته أمام الله عن ذلك، وما قد يترتب على منع ابنته من مفاسد قد لا يقدر هو قدرها الآن.
وننصح هذا الأب بأن يتقي الله تعالى ولا يمنع ابنته من الزواج، امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(36/619)
من يلي إنكاح الكتابية..وما يشترط في الولي
تاريخ الفتوى : ... 29 رجب 1423 / 06-10-2002
السؤال
السلام عليكم
أنا شاب مسلم تزوجت بفتاة فرنسية. الزواج تم في مكتب المصلحة المكلف بذلك رسميا في المدينة التي أسكنها بألمانيا وذلك بحضور شاهد من أهلي وشاهد من جهتها، صديقتها. من ناحية القانون الألماني يعتبر هذا الزواج زواجا رسميا. ثم قمت بالإشهار في المسجد بإعلان الزواج.
فهل يعتبر هذا الزواج زواجا صحيحا أم يجب علي أن أتزوج الزواج الإسلامي في المسجد بحضور أربعة شهداء.هل يعتبر زواجي هذا زنا؟ أرجو الإجابة بسرعة وجزاكم الله خير الجزاء....
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالزواج بالمرأة الفرنسية حلال إذا كانت عفيفة مسلمة، أو كانت من عفائف أهل الكتاب -يهودية أو نصرانية- لقول الله تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:5].
ويشترط استكمال شروط النكاح المبينة في الفتوى رقم:
1766، ومن هذه الشروط "الولي والشاهدان"، ويشترط في الولي أن يكون مسلماً إذا كانت الفتاة المعقود عليها مسلمة، فإن لم يوجد، فالسلطان، فإن لم يوجد، فإنها توكل رجلاً من صالحي المؤمنين.
قال ابن قدامة في المغني: فإن لم يوجد -للمرأة المسلمة- ولي ولا سلطان مسلمان فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها عدل بإذنها.
ولا يحل أن يعقد الكافر النكاح سواء كان وليها أو السلطان بإجماع أهل العلم. حكاه ابن المنذر وابن قدامة. قال الله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:141].
كما يشترط في الشاهدين العدالة والإسلام والذكورية، أما اشتراط العدالة والإسلام فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل. أخرجه أحمد وغيره.
وأما اشتراط الذكورية فلما رواه مالك عن الزهري أنه قال: مضت السنة بأنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح والطلاق.
وعليه، فالواجب عليك إعادة عقد النكاح مستكملاً شروطه كلها، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم:
20764 بما فيها من الإحالات.(36/620)
وإذا كانت الفتاة يهودية أو نصرانية فإنه يعقدها وليها من أهل دينها، فإن لم يوجد أو تعذر، فالسلطان المسلم أو السلطان من أهل دينها، فإن تعذرا فرجل من أهل دينها بإذنها ولا يعقدها قريبها المسلم ولو كان أباها أو أخاها، قال في المغني: وأما المسلم فلا ولاية له على الكافرة غير السيد والسلطان، وذلك لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:73].
ولأن مختلفي الدين لا يرث أحدهما الآخر ولا يعقل عنه "أي لا يؤدي عنه دية القتل الخطأ" فلم يلِ عليه. انتهى
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... أقوال الفقهاء اشتراط عدم الوطء في العقد
تاريخ الفتوى : ... 29 رجب 1423 / 06-10-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل للمرأة أن تشترط على زوجها أن لا يقربها
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمرأة أو لوليها اشتراط عدم الوطء في العقد لأن هذا الشرط مناف لمقتضى العقد، والخلاف بين أهل العلم إنما هو في إفساد هذا الشرط للعقد.. فمنهم من يقول بفساد الشرط والعقد جميعاً، ومنهم من يقول بفساد الشرط مع بقاء العقد صحيحاً، وهو مذهب الحنابلة وهو الراجح.
لأن هذا الشرط يعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره ولا يضر الجهل به فلم يبطله، ولأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد. هكذا قرر ابن قدامة الحنبلي رحمه الله المسألة في المغني.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... في حالة عدم الولي والحاكم كيف تتزوج الفتاة؟
تاريخ الفتوى : ... 24 رجب 1423 / 01-10-2002
السؤال
اعذروني إن أطلت عليكم ولكني في أشد الحاجة إلى من يرشدني.
إذا كان الوالدان مشركين والقاضي ليس قاضياً مسلماً لا يستند إلى الشرع ( بل إلى قوانين وضعية ) فهل يحق للفتاة تزويج نفسها؟
كيف يمكن للفرد أن يصبح قاضياً في إطار الشرع؟ وشكراً لكم
والسلام عليكم روحمة الله وبركاته.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(36/621)
فلا يصح عقد النكاح إلا بولي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا نكاح إلا بولي " رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان وغيرهم، وصححه الألباني.
ولقوله صلى الله عليه وسلم " لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها " رواه ابن ماجه وصححه الالباني
ومن شروط الولي الإسلام، فإن كان الأب كافراً انتقلت الولاية إلى من يليه الأقرب فالأقرب فإن عدموا جميعاً أو سقطت ولايتهم..فالحاكم المسلم ولي من لا ولي له .
فإن عدم الولي والحاكم جاز لها أن تفوض أمرها إلى رجل عدل فيزوجها منه.
قال صاحب مغني المحتاج من فقهاء الشافعية:
لو عدم الولي والحاكم فولت مع خاطبها أمرها رجلاً مجتهداً ليزوجها منه صح لأنه محكم والمحكم كالحاكم. وكذا لو ولت معه عدلاً صح على المختار وإن لم يكن مجتهداً لشدة الحاجة إلى ذلك .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
توضيح حول سلب الولي ولايته
تاريخ الفتوى : ... 18 رجب 1423 / 25-09-2002
السؤال
السلام عليكم
لاحظت أنكم تفرقون بين الرجل والمرأة في موضوع الزواج، لأنكم أفتيتم بسلب الولاية عن الولي الذى يمنع نكاح المرأة ممن يرضى دينه وخلقه بينما يجب على الرجل أن يطيع والديه إذا رفضا ذات الدين التي اختارها. فلماذا ؟ وشكراً....
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نفت بسلب الولي ولايته إلا في حال تكرر رفضه للخاطبين لأن ذلك أمارة على عضله، والعضل منهي عنه بنص القرآن الكريم.
وأفتينا الولد بأنه ينبغي له طاعة والديه إن رفضا زواجه من امرأة بعينها، لكن إن تكرر منهم ذلك حتى يغلب على الظن أنهم لا يريدون زواجه أصلاً، فلا يلزمه طاعتهم، وبهذا يظهر عدم التناقض.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... القاضي الشرعي ينصف الفتاة المعضَلَة
تاريخ الفتوى : ... 17 رجب 1423 / 24-09-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما الحكم إذا كان الولي دائما يرفض من هو كفء للزواج, كنت أصبر ولكن الأمر بدأ في سن الخطر حيث بلغ عمري الآن 26 سنة قد يكون الأمر مازال له مجال(36/622)
ولكن العمر يمضي وأرغب في تحصين نفسي وأن أرزق ذرية أنشئها تنشئة سليمة علماً بأن الوالد حفظه الله هو وليي ولا يتقبل النقاش ولا أريد أن أغضبه.. فماذا أفعل خاصة أنه لا يسمع من أحد كلاما أيا كان ؟ وجزاكم الله خيراً.....
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا تكرر رفض الوالد للخطاب الأكفاء، بحيث يظهر منه أنه يريد منعك من الزواج، أو يفرض شروطاً يصعب على الخاطب تحقيقها مع كونه صاحب خلق ودين، فلك أن ترفعي الأمر إلى قضاة المحاكم الشرعية، لرفع الظلم الواقع عليك، وقد بينا ذلك وافياً في الفتوى رقم:
199، وذكرنا مراتب الولاية على المرأة في الفتوى رقم:
5550.
وإننا لنوصي الأخت السائلة بالصبر على أذى والدها، احتساباً للأجر وطلباً للثواب، ولعل الوالد معذور في ذلك بأمر لا تعلمينه.
ونوصي الوالد كذلك بالرحمة بابنته، وتخليصها من هذا الألم النفسي الذي يصعب على الفتيات تحمله، ونذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
فعليك أيتها السائلة بالمداومة على نصحه، وتوصية أهل الخير بنصحه كذلك، فالله تعالى لا يستحيي من الحق، هذا مع الإكثار من نوافل العبادات، وذكر الله تعالى، ودعائه أن ييسر لك الزوج الصالح والذرية الطيبة، ونسأل الله تعالى أن يجعل لك من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
النكاح الفاسد المختلف فيه بعد الدخول تترتب عليه آثار النكاح الصحيح
تاريخ الفتوى : ... 14 رجب 1423 / 21-09-2002
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة فضيلة الشيخ. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
سؤالي هو:
ما هو حكم الشرع في رجل مسلم تزوج امرأة أروبية نصرانية عن طريق القبول والإيجاب. أي أن الرجل سأل المرأة هل تقبليني زوجا والمرأة أجابت نعم أقبل. وطلبا من الله سبحانه وتعالى أن يكون شاهدا على هذا الزواج. علما أن هذا الزواج سري لأسباب شخصية. فهل يقبل هذا الزواج في الشرع. فإذا كانت الإجابة بنعم. فكيف يكون الطلاق في هذا الزواج.
هل تعتبر المرأة زوجة شرعية لها جميع حقوق الزواج و الميراث أم لا.
بارك الله في جميع العاملين على هذا الموقع.(36/623)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وقعت في خطأ كبير، وهو الإقدام على فعل شيء له خطورته دون معرفة حكمه الشرعي، فيجب عليك التوبة إلى الله تعالى من هذا الفعل أولاً، بالندم عليه والعزم على عدم العودة إليه.
والنكاح الذي تم بالصورة المذكورة في السؤال، لا يعتبر شيئاً في نظر الشرع، لأن الزواج له أركانه وشروطه التي لا يتم إلا بها، وقد ذكرناها مفصلة في الفتوى رقم:
17340 والفتوى رقم: 18153والفتوى رقم: 10106
وسترى أن هذا النكاح الذي أقدمت عليه غير صحيح، ولكن الفقهاء رحمهم الله قد نصوا على أن النكاح الفاسد المختلف فيه بعد الدخول تترتب عليه آثار النكاح الصحيح، والنكاح بدون ولي ولا شهود مختلف فيه، كما نقل ذلك صاحب نهاية المحتاج من الشافعية، عن داود الظاهري فقال شارحاً لكلام النووي : وكذا كل جهة أباح بها عالم يعتد بخلافه لشبهة إباحته، وإن لم يقلده الفاعل، كنكاح بلا شهود على الصحيح، كمذهب مالك على ما اشتهر عنه، لكن المعروف عن مذهبه اعتبارها في صحة الدخول حيث لم يقع وقت العقد، أو بلا ولي كمذهب أبي حنيفة، أو بلا ولي وشهود كما نقل عن داود . انتهى
وقال ابن قدامة في المغني: ولا يجب الحد بالوطء في نكاح مختلف فيه كنكاح المتعة والشغار والتحليل والنكاح بلا ولي وشهود.
وقال صاحب كشاف القناع: ما معناه: أن من تزوج بلا ولي ولا شهود فإن وطأه بذلك وطء شبهة يلحق به الولد ويتوارث معه، ولكن يستحقان العقوبة على مثل هذا العقد.
وقال شيخ الإسلام: ممثلاً للأنكحة المختلف فيها: كمن وطئ في نكاح المتعة أو نكاح المرأة نفسها بلا ولي ولا شهود، فإن هذا إذا وطئ فيه يعتقده نكاحاً لحقه فيه النسب.
وقال رحمه الله في موضع آخر: فإن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ إذا وطئ فيه فإنه يلحقه ولده ويتوارثان بإتفاق المسلمين؛ وإن كان ذلك النكاح باطلاً في نفس الأمر بإتفاق المسلمين.
وعليه، فيثبت بهذا النكاح النسب والعدة بالخلوة أو بالموت، كما يثبت به الميراث إذا حصل الموت قبل الفسخ، قال المواق في التاج والإكليل: وتقع فيه الموارثة قبل الفسخ. انتهى
يعني النكاح المختلف فيه، ما لم يكن هناك مانع من الإرث كاختلاف الدين.. كما في مسألتنا هذه.
وتقع الفرقة في هذا النكاح بأن يطلق الزوج، فإن أبى فرق بينهما الحاكم، لأنه نكاح يسوغ فيه الاجتهاد فاحتيج في التفريق فيه إلى إيقاع فرقة، كالصحيح المختلف فيه، ولأن تزويجها من غير تفريق يفضي إلى تسليط زوجين عليها، كل واحد منهما يعتقد أن نكاحه هو الصحيح، ونكاح الآخر فاسد.
وإننا لننصح السائل بعدم التساهل في هذه الأمور وأمثالها ونقول له: إن كنت تطمع في إسلام هذه المرأة، وكانت على درجة من حسن الخلق والعفة فلك أن تعيد هذا(36/624)
العقد مستكملاً لكل شروطه وأركانه، أما إن كانت سيئة الخلق أ وغير عفيفة، فلا تقبل على الزواج بها، وفارقها على الصورة التي سبق بيانها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
إذا سقطت ولاية الأقرب تنتقل الولاية إلى من يليه في القرابة
تاريخ الفتوى : ... 30 محرم 1425 / 22-03-2004
السؤال
بسم الله
الحمد لله الذي جعل هذا الدين منير قلوبنا
عندي أخت من والدي متزوجة ولكن زوجها يعلم أن والدي على قيد الحياة ورغم ذلك طلب زواجها من زوج أمها وأخذا موافقته, فما حكم الشرع في ذلك ؟
أختي تعلم ولكن كان هناك بعض المشاكل بينها وبين والدي..... وشكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" أخرجه ابن حبان والحاكم وصححه،. ويقول أيضاً "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له". رواه الخمسة إلا النسائي. وقد دل هذان الحديثان على أن النكاح لا يصح إلا بولي، ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها، وأحق الناس بتزويج المرأة أبوها ثم أبوه وإن علا، ثم ابنها وابنه وإن سفل، ثم أخوها الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم أولادهم وإن سفلوا، ثم العمومة.
وإذا سقطت ولاية الأقرب زوجها الذي يليه، وإن سقطت ولايتهم جميعاً فإن السلطان هو الذي يزوجها، ويقوم مقامه القاضي، لقوله صلى الله عليه وسلم: " فالسلطان ولي من لا ولي له".
وعليه، فلا يجوز لزوج الأم هنا أن يتولى عقد نكاح أختك لوجود أبيها.
ويلزمها الآن أن تجدد العقد في حضور وليها الذي هو الأب، تصحيحاً لهذا النكاح الذي حكم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالبطلان، وينبغي لك السعي في الإصلاح بينها وبين أبيها، وإعلامها بوجوب بر الأب، والحذر من الوقوع في جريمة العقوق.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عقد النكاح المستوفي للشروط يصح في أي مكان
تاريخ الفتوى : ... 20 جمادي الثانية 1423 / 29-08-2002
السؤال(36/625)
هل عقد النكاح في بلد غير المسلمين يقتصر فقط على عقد النكاح في المسجد هناك، أم يستلزم كل الإجراءات الإدارية في ذلك البلد؟ يعني هل يجوز النكاح بامرأة بعد إسلامها طبقاً بعد العقد في المسجد، وهل هذا العقد كاف في العقد الشرعي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عقد النكاح الصحيح هو ما توفرت فيه الشروط والأركان سواء كان في بلد إسلامي أو غير إسلامي، وسواء كان في الجامع أو غيره، وسواء وثق في الأوراق الرسمية أو لم يوثق، ولمعرفة شروط النكاح الصحيح راجع الفتاوى التالية أرقامها: 1766 7704 14236
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ولاية الأب على بنته ثابتة بحكم الشرع
تاريخ الفتوى : ... 20 جمادي الثانية 1423 / 29-08-2002
السؤال
هل يشترط وجود الشهود في الزواج على أن البنت وكلت أباها على الزواج ؟؟
2) هل أقدر أن أتزوج من امرأة مسلمة وعمرها أكثر من 21 سنة من دون علم أهلها مع العلم
بأن زواج المرأة بدون علم أهلها أمر عادي عندهم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ولاية الأب على بنته ثابتة بحكم الشرع، وليس بتوكيل البنت له، فلا يزوجها أحد غيره ما دام أبوها حياً ورشيدا إلا بإذنه ولو كان ذلك بتوكيل منها، هذا فيما يتعلق بالسؤال الأول.
أما السؤال الثاني: وهو الزواج بدون ولي فهو نكاح باطل، ومن عضلها وليها، فيتولى القاضي ولايتها، إذ أن السلطان ولي من لا ولي له.
وقد سبق الجواب عن هذا مفصلاً في الفتوى رقم:
4832 فلتراجع.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا أثر للحيض على صحة عقد النكاح
تاريخ الفتوى : ... 15 جمادي الثانية 1423 / 24-08-2002
السؤال
السلام عليكم..
هل يجب على من يعقد عليها عقد القران أن لا تكون في الحيض, وإذا كان كذلك هل يجب عليها الوضوء للعقد؟(36/626)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا حرج في عقد النكاح أثناء تلبس المرأة بالحيض ولا يستلزم ذلك وضوءاً ولا غسلاً، وانظر الفتوى رقم: 7749.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم نكاح الصغيرة والاستمتاع بها
تاريخ الفتوى : ... 02 ذو القعدة 1423 / 05-01-2003
السؤال
هل يجوز الزواج من الرضيعة وإذا كان الجواب بنعم فهل يجوز الاستمتاع بها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد رغب الإسلام في الزواج بصور متعددة.. فتارة يذكره أنه من سنن الأنبياء وهدى المرسلين :وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً [الرعد:38].
وتارة يذكره في معرض الامتنان:وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً [النحل:72].
وقد جاء النهي عن ترك النكاح تبتلاً، أخرج البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: والله إني لاخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
وانطلاقاً من رغبة الإسلام في هذا شرع سبق العقد في النكاح على الصغيرة ولو كانت في سن الرضاع إذا لم يوجد ما يمنع ذلك من نسب أو رضاع، ودليل هذا قوله تعالى:وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4].
ووجه الدلالة هنا أن العدة لا تكون إلا عن نكاح.
ولما ثبت في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين، وأدخلت عليه وهي بنت تسع.
أما فيما يتعلق بالاستمتاع بالصغيرة فإنه مستهجن طبعاً وممنوع شرعاً، وعليه فلا يجوز لأولياء الطفلة تمكين زوجها منها ما لم تصل حدا تطيق معه النكاح.
وننبه هنا إلى أن الزوج غير ملزم بالإنفاق عليها ما لم تُمَكَّن منه.
والحاصل أنه لا مانع من العقد على الصغيرة إلا أنه يمنع زوجها من الاستمتاع بها ما دامت في مرحلة لا تطيق معها الجماع.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا أثر لطروء نية الانفصال إن كان الزواج صحيحا
تاريخ الفتوى : ... 05 جمادي الثانية 1423 / 14-08-2002
السؤال(36/627)
تزوجت منذ عدة سنوات زواجاً تقليدياً ولكن مع بداية زواجي وجدت أنني وزوجي نتفق على أننا سوف ننفصل بمجرد قضاء مصلحة معينة بيننا واتفقنا على عدم الإنجاب. ما هو حكم الشرع في هذا الزواج ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان زواجكما قد استوفى شروطه وأركانه الشرعية المبينة في الفتوى رقم:
7704 فإنه زواج شرعي صحيح.
أما إذا اختل شرط من شروطه أو انعدم ركن من أركانه فإنه زواج باطل فيجب عليكما الافتراق حالاً.
وفي حالة زواجكما الشرعي فعليك ببذل الوسع للحفاظ على هذا الزواج، واستمراره، ويلزمك القيام بحقوق زوجك على أكمل وجه، كما يلزمه هو القيام بحقوقك على أكمل وجه.
ونية الطلاق أو الافتراق في المستقبل ليس عذراً يبرر ترك الإنجاب فننصحكما بالمبادرة إلى الإنجاب، لما في ذلك من مصالح شرعية ومقاصد عظيمة، ولما في ذلك من التأليف بين قلبيكما، وتوثيق عرى المحبة بينكما مما يجعلكما تصرفان النظر عن الطلاق البتة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
منع الأب ابنته من التزوج بالأكفاء يسلبه الولاية
تاريخ الفتوى : ... 04 جمادي الثانية 1423 / 13-08-2002
السؤال
تقدم لي شخص للزواج وأهلي يرفضونه بسبب التزام أهله بالدين حيث إن إخوانه من السلف الصالح وأئمة مساجد .. وأهلي ينظرون إليهم على أنهم دون مستوانا الاجتماعي .. ماذا أفعل ..لقد صليت صلاة الاستخارة والحمدلله أشعر بالراحة والطمأنينة.. إنني أبلغ من العمر 25 سنة وأهلي لا يبالون .. وأنا البنت الوحيدة من بين أهلي المتحجبة .. أمي ترفض الحجاب وأبي لا يبالي... الحمدلله إنهم ملتزمون بالصلاة لكنهم لا يريدون لي الاقتران بمن هو متدين خوفا من أن أرتدي النقاب .. فماذا علي أن أفعل تجاه ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الشخص إن كان صاحب دين وخلق فليس من حق أوليائك رفضه، ففي سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.(36/628)
فعليك بمحاولة إقناع أهلك بالموافقة على الزواج منه، وأنه لا عبرة بالفوارق الاجتماعية، فلعلهم يتراجعون، فإن أصروا على ذلك فبإمكانك مراجعة القاضي الشرعي.
ويجبر الولي على أن يزوجك، فإن لم يقبل قام هو بتزويجك، وعليك أن تنتبهي إلى أن النكاح لا يتم بدون الولي، وأن وليك هو الأب، فإن ثبت أنه يمنعك من الزواج بالأكفاء فينتقل الأمر إلى القضاء الشرعي حتى يحسمه كما تقدم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
كيف يجري المسلم عقد النكاح في بلاد الكفر
تاريخ الفتوى : ... 28 جمادي الأولى 1423 / 07-08-2002
السؤال
السلام عليكم
أنا متزوج من فتاة أجنبية على طريقتهم( زواج مدني ) وكان هناك شاهدان شاب وفتاة صديقا زوجتي أريد أن أعرف إذا كان زواجنا باطلا مع أن كل أصحابي وأقاربي يعرفون أني متزوج منها وأنا أنوي البقاء معها والآن عندنا فتاة وأريد أن أعرف الشروط الإسلامية للزواج.. هل شهادة هذين الشاهدين مقبولة وجزاكم الله خيراً" وشكرا"
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزواج المدني الذي يجري في بلاد غير المسلمين، لا يخضع في أحكامه للشريعة الإسلامية التي قررت لعقد الزواج شروطاً وأركاناً ذكرناه في الفتوى رقم:
1766.
فعلى من أراد أن يتزوج استيفاء هذه الشروط والأركان أولاً، عن طريق المراكز الإسلامية، أو جماعة المسلمين في البلد الذي يقيم فيه، ولا يضر بعد ذلك إكمال الإجراءات المدنية التي فرضتها الدولة التي يقطنها، وراجع الفتوى رقم:
14236.
ويشترط عند جمهور الفقهاء -وهو الراجح- أن يكون الشاهدان مسلمين ذكرين، فلا تصح شهادة النساء، ولا غير المسلمين. وراجع في هذا الفتوى رقم:
591.
وبهذا يتبين لك أن العقد الذي أجريته لم يستوف كل الأمور التي لا يتم إلا بها، والواجب عليك الآن هو تجديد هذا العقد، بالصورة التي ذكرناها، إذا رغبت في البقاء مع هذه المرأة.
أما البنت التي لك منها فإنها ملحقة بك وترثك وترثها لأنها قد نشأت عن وطء تعتقد فيه أنه مباح. وراجع الفتوى رقم:
17568.
والله أعلم.(36/629)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
موافقة الولي شرط من شروط صحة النكاح
تاريخ الفتوى : ... 22 جمادي الأولى 1423 / 01-08-2002
السؤال
أريد بإذن الله تعالى الزواج ثانية وقد خطبت فتاة وأجابني أهلها ولكن بعد عدة أيام ندم أبوها فهل رضاء الوالد شرط في الزواج؟ مع العلم بأن مخطوبتي مصرة على الزواج مني.
بارك فيكم ونسأل الله لكم التوفيق.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن موافقة الولي شرط من شروط صحة النكاح، فلا يصح النكاح بدونه، إلا إذا كان الولي عاضلاً لموليته، فإن القاضي حينئذ ينقل الولاية للولي الأقرب بعده، وقد تقدم تفصيل الكلام على ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4832، 5550، 998، 8799.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل من شروط صحة الزواج علم الوالدين
تاريخ الفتوى : ... 23 جمادي الأولى 1423 / 02-08-2002
السؤال
ما حكم الرجل الذي يتزوج بدون علم أبويه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن زواج الرجل من غير إخبار أبويه بذلك يعد زواجاً صحيحاً لا شبهة فيه ألبتة، هذا إذا كان عاقلاً، وإلا فليس لغير أبيه أو وصيه تزويجه.
قال ابن قدامة في المغني: والمعتوه وهو الزائل العقل بجنون مطبق ليس لغير الأب أو وصية تزويجه، وهذا قول مالك.
وقال أبو عبد الله بن حامد: : للحاكم تزويجه إذا ظهر منه شهوة النساء. وهذا مذهب الشافعي.
ومن هذا يعلم السائل أن صحة زواج الرجل غير مشروطة بموافقة أبويه، إلا أن من الأحسن، بل ومن البر إخبارهما بذلك، خصوصاً إذا علم أن فعله هذا يغضبهم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
شروط الولي في النكاح من حيث الدين
تاريخ الفتوى : ... 03 ذو الحجة 1424 / 26-01-2004(36/630)
السؤال
ما هو حكم أن يكون وكيل الزوجة المسيحية والدها المسيحي سواء إذا كانت هي وأباها على المسيحية، أو إذا كانت هي مسلمة ووالدها مسيحي ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان مقصود السائل بوكيل الزوجة وليها في النكاح فإن الولي شرط من شروط النكاح على القول الراجح من أقوال العلماء، ويشترط في الولي أن يكون موافقاً في الدين لموليته -أي لمن يتولى تزويجها- والكافر لا ولاية له على المسلمة بحال من الأحوال باتفاق العلماء.. كما حكى الإجماع على ذلك ابن المنذر وغيره، ويلي الكتابية التي يتزوجها مسلم وليها الكافر.
وأما المسلم فلا يلي الكافرة إلا في حالتين:
الأولى: أن يكون هذا المسلم سلطاناً، وهذه الكافرة لا ولي لها من أهل دينها، فالسلطان وليها بالولاية العامة.
الثاني: أن تكون الكافرة مملوكة للمسلم فله تزويجها لكافر.
وقد حكى ابن المنذر إجماع أهل العلم على هذا. وراجع الفتوى رقم:
7807
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... النكاح باطل، والعقد بشروطه هو الحلُّ
تاريخ الفتوى : ... 15 جمادي الأولى 1423 / 25-07-2002
السؤال
السلام عليكم و رحمة الله
تقدم شاب لخطبة فتاة فرفض والدها بالرغم أنه كفء لها فقام الشاب بعقد قرانه على الفتاة عند مأذون شرعي ودخل بها..... ثم تصالح مع والد الفتاة وعفا الوالد عنهما .... والسؤال: هل هذا العقد صحيح أم باطل وإن كان باطلا فما هو الحل الشرعي؟؟؟؟؟؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا نكاح باطل والحل هو أن يعقد على هذه المرأة وليها بحضور شاهدي عدل، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 18998.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
إعادة توثيق عقد النكاح ثانية لغرض معتبر لا شيء فيه
تاريخ الفتوى : ... 15 جمادي الأولى 1423 / 25-07-2002
السؤال(36/631)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خطيبي في سوريا وأنا في بلد عربي آخر رفض هذا البلد إعطاءه تصريحاً للدخول فكتبنا عقد الزواج في سوريا
والآن نرغب بكتابته في بلدي لأننا لا نريد عقد النكاح السوري فهل يجوز أن نعقده مرة أخرى بوكالة من الخطيب والنية هي فقط حتى لا يكون العقد سورياً لأسباب لا أستطيع ذكرها؟
وجزاكم الله عنا كل الخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان العقد الذي أُبرم في البلد المذكور مستوفياً للشروط والأركان التي لا يصح إلا بها، فقد أصبح هذا الرجل زوجاً لك، وأصبحت أنت زوجة له، ولم يعد خطيباً كما ذكرت في السؤال، ولمعرفة ما لا يتم النكاح إلا به راجعي الفتوى رقم: 7704، والفتوى رقم: 18153.
وليعلم أن ما يحصل من كتابة عقد النكاح في الجهات المختصة لا علاقة له بصحة العقد أو عدم صحته، إذ هو مجرد توثيق للعقد، وليس من أركانه ولا شروطه، وما دام ما يجري إنما هو مجرد توثيق لعقد قائم فلا نرى مانعاً من إعادة التوثيق مرة أخرى إذا كان الغرض من الإعادة غرضاً معتبراً شرعاً.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
يزوج المرأة القاضي في مثل هذه الحالات
تاريخ الفتوى : ... 16 جمادي الأولى 1423 / 26-07-2002
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد تقدمت لطلب يد فتاة صالحة قصد الزواج منها على سنة الله ورسوله لكني لم أتمكن من خطبتها من أهلها نظرا لرفضها رفضا قاطعا لكون أمها وإخوانها قد طردوها من البيت طردا تعسفيا ولا إنسانيا طمعا في إلارث الذي تركه أبوها رحمه الله ...ولم أجد حيلة للاصلاح فيما بينهم قصد إجراء الخطوبة فاكتفيت بالتفاهم معها وأنجزنا عقد الزواج وهي الآن في معيتي ..فهل الخطوبة في هذه الحالة لازمة وماحكم هذا الزواج خصوصا وأني ساهمت في انقادها -بفضل الله وتوفيقه- مما قد يصيبها من ضياع وآفات مجتمعنا المريض ...جزاكم الله خيرا.والسلام.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزواج بدون ولي المرأة وشهادة الشهود يعتبر باطلاً، فقد روى الإمام أحمد وأصحاب السنن عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة نكحت بدون إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل.(36/632)
ولقوله صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له.
ولكن إذا كان أولياء الفتاة يرفضون زواجها أو يطردونها من البيت، فإن لها الحق أن تتقدم إلى القاضي ليزوجها زواجاً شرعياً، ولا يجوز لها أن تزوج نفسها بدون ولي ولا شهود.
وعلى كل حال فهي أجنبية عنك لا يجوز لك النظر إليها، ولا الخلوة بها حتى يتم عقد الزواج بينكما عن طريق القاضي أو أحد أوليائها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
شروط جواز نكاح الحر الأمَة
تاريخ الفتوى : ... 16 جمادي الأولى 1423 / 26-07-2002
السؤال
هل يجوز زواج الأمة من الحر والحرة من العبد أو الخادم؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للحر أن يتزوج الأمة إلا بشرطين:
الأول: عدم الطول، وهو ألا يستطيع نكاح حرة مسلمة.
الثاني: خوف العنت وهو خوف الوقوع في الحرام.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وهذا قول عامة العلماء لا نعلم بينهم اختلافاً فيه، والأصل فيه قول الله سبحانه:وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ [النساء:25].
والصبر عنها مع ذلك خير وأفضل، لقول الله تعالى:وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ [النساء:25].
وإن قدر على نكاح كتابية محصنة عفيفة لم يحل له نكاح الأمة في مذهب أحمد وظاهر مذهب الشافعي.
وإنما شدد الشرع في ذلك لما يترتب عليه من استرقاق الولد، فإن الولد يتبع أمه في الحرية أو الرق.
وأما المرأة الحرة فلا يكافئها العبد على الصحيح من قولي العلماء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة حين عتقت تحت عبد، فإذا ثبت الخيار بالحرية الطارئة فثبوته بالحرية المقارنة أولى، ولأن نقص الرق كبير، وضرره بين، فإنه مشغول عن امرأته بحقوق سيده، ولا ينفق نفقة الموسرين، ولا ينفق على ولده، وهو كالمعدوم بالنسبة إلى نفسه.(36/633)
قال ابن قدامة وقال: ولا يمنع صحة النكاح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم: قال لبريرة لو راجعتيه، قالت: يا رسول الله اتأمرني؟ قال: إنما أنا شفيع، قالت: فلا حاجة لي فيه. رواه البخاري.
ومراجعتها له ابتداء النكاح، فإنه قد انفسخ نكاحها باختيارها، ولا يشفع إليها النبي صلى الله عليه وسلم في أن تنكح عبداً إلا والنكاح صحيح. انتهى
والعبد هو الذي يباع ويشترى، وهو نادرالوجود في هذا الزمن، وهو غير الخادم، كما لا يخفى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
متى يحل للمرأة النكاح دون إذن الولي
تاريخ الفتوى : ... 06 جمادي الأولى 1423 / 16-07-2002
السؤال
ماهي الحالات التي يجوز فيها زواج البكر دون وليها ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي عليه جماهير العلماء هو أنه لا يصح النكاح إلا بولي، وأن المرأة سواء كانت بكراً أو ثيباً لا يجوز لها أن تتولى عقد النكاح لنفسها -أصالة أو نيابة أو وكالة- وعبارتها غير معتبرة في عقد النكاح، وإذا كانت البكر صغيرة فإنها لا تزوج نفسها بالإجماع.
فإذا تقرر هذا فثمت استثناءات منه.
منها: أن المرأة عند عدم الولي يزوجها القاضي، وكذلك عند عضل الولي لها بأن يتكرر منعه من تزويجها إذا ثبت عضله لها عند القاضي فإن الولاية تنتقل إلى الولي الذي يليه، فإن عضلها هو الآخر انتقلت إلى من بعده، فإن عضلوها جميعاً انتقلت إلى القاضي، أو الحاكم، ولا يزوجها الحاكم إلا إذا رفعت ظلامتها إليه طالبة منه تزويجها.
ومنها: غيبة الولي بحيث يتعذر الوصول إليه أو وكيله أو جهل مكانه وخشي فوات الكفء، فتنقل الولاية إلى الولي الأبعد أو الحاكم على وفق ما سبق بيانه.
ومنها: سقوط شروط الولاية عن الولي كالعقل والبلوغ والإسلام والعدالة، فإذا جن الولي أو ارتد أو لم يكن مسلماً -أصلاً- انتقلت الولاية منه، أو كان فاسقاً.. وذلك على مذهب من يشترط العدالة وهم الشافعية وهو رواية عن الحنابلة، فيجوز للمرأة أن تولي الحاكم أو القاضي ليزوجها، فإن عدم القاضي أو الحاكم جاز لها أن تولي أمر زواجها لرجل عدل من صالحي المسلمين، ليزوجها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... النكاح بنية الطلاق...رؤية شرعية أخلاقية(36/634)
تاريخ الفتوى : ... 23 ربيع الثاني 1423 / 04-07-2002
السؤال
أنا طالب بالصين وأريد أن أحصن نفسي بالزواج من هنا علماً بأن في نيتي عند التخرج إذا سمحت الظروف سوف تعود معي للبلاد وإن لم تسمح سوف أسرحها بإحسان؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا تزوجت امرأة وفي نيتك طلاقها إن لم يتيسر لك الرجوع بها إلى بلدك بعد الانتهاء من دراستك فهذه النية لا تضر، والنكاح صحيح لا شيء فيه، وهذا الحكم في كل من تزوج امرأة وفي نيته طلاقها إذا انقضت حاجته في البلد الذي تزوجها فيه، فالنكاح صحيح في قول عامة الفقهاء، ما لم يشترط ذلك في العقد أو يصرح به للمرأة أو أوليائها.
وصحة هذا الزواج لا تنفي كراهيته.. لما يترتب عليه من أضرار ولما يشتمل عليه من غش وخداع، وهذه ليست بأخلاق المسلم. يقول أنس بن مالك: ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له" رواه أحمد وابن حبان وهو في صحيح الجامع للألباني رقم: 7179
علماً بأنه يشترط في صحة الزواج من الكافرة أن تكون كتابية يهودية أو نصرانية وأن تكون عفيفة، وما أندر حصول الشرط الأخير فيهم!!.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم النكاح بنية المفارقة
تاريخ الفتوى : ... 03 ذو الحجة 1424 / 26-01-2004
السؤال
أريد الزواج من فتاة مسلمة بعقد مكتوب بيني وبينها وبموافقتها وشاهدين ومهر ولكن دون مأذون أو تسجيل وذلك ابتغاء العفة لنا والبعد عن الزنا. ونحن نعلم أن هذا الزواج قد لا يستمر لفترة طويلة ولكن دون تحديد مدة زمنية لهذا الزواج؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تم عقد النكاح بولي وشاهدين مكتمل الشروط والأركان فلا يضر عدم تسجيله في السجلات العامة أو نية المفارقة، ما لم يكن ذلك مشروطاً في العقد، أما إن كان مقصودكم أن عقد النكاح يتم بلا ولي فلا يصح، وهذا العقد باطل عند جماهير العلماء، وانظر الفتوى رقم:
17340 والفتوى رقم: 15476.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(36/635)
الفتوى : ... الفروق بين النكاح الصحيح والفاسد
تاريخ الفتوى : ... 20 ربيع الثاني 1423 / 01-07-2002
السؤال
ما الفرق بين الزواج السني والزواج البدعي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العلماء يقسمون النكاح إلى قسمين:
أولهما: نكاح صحيح.
وثانيهما: نكاح غير صحيح.
والصحيح هو: الذي تم مستوفياً شروطه وأركانه التي سبق ذكرها في الفتوى رقم: 7704، والفتوى رقم: 964.
والنكاح غير الصحيح هو: الذي اختل أحد شروطه أو أركانه السابق ذكرها في الفتاوى المحال عليها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما فعلتماه قبل عقد النكاح لا يؤثر عليه
تاريخ الفتوى : ... 20 ربيع الثاني 1423 / 01-07-2002
السؤال
تقدمت لخطبة امرأة من الأهل فتمت الموافقة وتم تحديد موعد الزواج ولكن قبل الملكة وقعنا في خطأ لا يرضي الله ورسوله وهو القيام ببعض الممارسات الجنسية ولكن بدون جماع وتم الزواج شرعاً وقد مضى عليه 4 سنوات ولكني أحس بالندم بما فعلناه قبل الزواج؟ هل زواجي بهذه المرأة حلال أم حرام؟ للعلم أن أنا وزوجتي تبنا إلى الله وندمنا.
جزاكم الله خير الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمعاشرتك لهذه الفتاة بعد خطبتها وقبل عقد النكاح عليها محرمة، ولو لم يحصل وطء، إلا أنها لا تؤثر في عقد النكاح، بل هو صحيح والحمد لله إذا استكمل شروطه وأركانه المعتبرة فيه شرعاً، وما دمتما قد تبتما إلى الله تعالى، فالتوبة تجب ما قبلها والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولا تطلعا أحداً على ما جرى بينكما واستترا بستر الله.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أركان النكاح الشرعي
تاريخ الفتوى : ... 12 ربيع الثاني 1423 / 23-06-2002(36/636)
السؤال
أنا امرأة مطلقة ولي من زوجي الأول بنتان تعرفت على رجل يريد الزواج مني ولكن هناك مشكلة تتمثل في أن أهل الرجل المتقدم لي يريدون تزوجيه من امرأة قريبة لهم وهو لا يريد أن يرفض طلبهم وفي نفس الوقت يريد الزواج مني فاتفقنا على أن يتم عقد الزواج بيننا بعقد يستوفي أركان عقد النكاح وهو وجود شهود وإقرار من الزوج على كافة شروط العقد المنصوص عليها في القانون الوضعي من مقدم ومؤخر الصداق مع العلم أن الدولة لها عقود جاهزة ويجب توثيقها في المحكمة ويجب أن يتم كتابتها من قبل مأذون شرعي .
فهل يعتبر هذا العقد الذي بيننا وسيحضره شهود وسيتم التشهير عقب العقد عقداً شرعيا؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النكاح الشرعي لا يتم بدون الأمور التالية:
1- الإيجاب من ولي المرأة، والقبول من الزوج.
2- الزوج.
3- الزوجة.
4- الولي.
5- الشاهدان.
فإذا توفرت هذه الأمور الخمسة في عقد نكاح فهو عقد شرعي، وإن اختل ركن من الأركان لم يصح العقد، ولمزيد تفصيل حول هذه الأركان تنظر الفتوى رقم: 7704.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم الزواج الصوري لقاء مال
تاريخ الفتوى : ... 04 ربيع الثاني 1423 / 15-06-2002
السؤال
سؤالي إلى حضراتكم يتعلق بالزواج بغرض تسوية وضعية إقامتي الحالية بفرنسا, وسأحاول أن أضع سؤالي هذا في إطاره الصحيح كي يتسنى لحضراتكم فهم السؤال .
أنا شاب جزائري متواجد بفرنسا منذ سنتين تقريبا في وضعية غير قانونية، مع العلم أنني أتيت إلى فرنسا لاعتبارات دينية ومادية، فمجال حرية العبادة في بلدي الأصلي ضيق جداً والأوضاع الاقتصادية مزرية للغاية، لذلك فمسألة عودتي إلى بلدي أصبحت مستحيلة في مثل هذه الظروف وقد أتيحت لي فرصة لتسوية وضعيتي القانونية، إذ عرض علي أحد الإخوة هنا مسألة الزواج المدني من إحدى بناته أي الزواج على الورق فقط دون قراءة الفاتحة ودون أن تكون لي أية علاقة معها وذلك(36/637)
مقابل مبلغ مالي فما حكم الشرع في هذه المسألة، وأرجو من حضراتكم أن تفيدوني بالإجابة في أقرب وقت ممكن
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإقدام على هذا الزواج بالصورة المذكورة في السؤال لا يجوز، لأنه من باب اللعب والاستخفاف بهذا الأمر المعظم شرعاً -وهو النكاح- ووضعه في غير موضعه، وقد قال الله تعالى:وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً [البقرة:231]
مع العلم بأنه لو أقدمتما عليه وسَلِمَ من الشرط الأخير -وهو أنه لا علاقة بينك وبين المرأة- لكان نكاحاً صحيحاً تترتب عليه آثار العقد الصحيح، لأن النكاح من الأمور التي هزلها جد، فقد جاء في سنن أبي دواد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة. وقد فسر العلماء الهزل بأنه: هو أن يراد بالشيء غير ما وضع له بغير مناسبة بينهما، وهذا هو عين المسألة المطروحة.
لذا فإنا نقول مرة أخرى لا يجوز الإقدام على هذه العملية تحت أي ظرف، وما دفع من مال مقابلها فهو سحت لا يجوز لآخذه، لأنه من باب أكل أموال الناس بالباطل، وقد قال الله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء:29]. وعلى افتراض أن الدافع مضطر ضرورة تبيح له الإقدام على ما لا يجوز بحجة الاضطرار، فبأي وجه يستبيح الآخذ -أبو البنت- هذا المال؟ وبأي جواب يقابل به السؤال الذي سيوجه إليه من أين اكتسبه؟ كما في حديث الترمذي.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم الزواج دون ولي وشهود وما نشأ منه
تاريخ الفتوى : ... 30 محرم 1425 / 22-03-2004
السؤال
زوج ارتبط بسيدة مطلقة يقول إنه زواج عرفي ولكن لا يوجد شهود ويقول الله شاهد عليهم ولم يأخذ رأي وليها ولا أحد من أهلها يعرف.
وعندما عرف أن هذه السيدة حامل من 18/11/2001 نزل إلى بلده وعقد عليها بعقد شرعي ولم يخبر المأذون الشرعي أنها حامل أو أنه متزوجها كما يقول بزواج عرفي، وهو يقول إنه يحاول تصليح ما غلط فيه بزواجه وأنه لا يريد إلقاء الجنين القادم في الشارع لذا أرجو الإفادة في:
1- هل الزواج هذا صحيح
2- هل هذا الجنين عندما يأتي إلى الدنيا حلال أم حرام.
3- وماذا على هذا الزوج أن يفعل.
4- وماذا عن زوجته الشرعية التي عندها طفلان .(36/638)
أن تفعل هل تخبر أحدا من أهلها بكل هذا أو أحدا من أهله حتى إذاحدث لها مكروه أو توفيت ليبلغوا أولادها بحقيقة هذا الأمر كله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن سؤال الأخت الكريمة يشتمل على فقرتين أساسيتين:
الأولى منهما: حكم الزواج بدون شهود ولا ولي.
الثانية: ما حكم الولد الذي نشأ من هذا الزواج؟
والجواب -والله أعلم- أن الزواج بهذه الصورة المذكورة في السؤال - وهي كونه بدون ولي وبلا شهود- لم يقل بصحته أحد من الأئمة، وقوله:إن الله شاهد عليه- هو من قبيل تحصيل الحاصل، فالله تبارك وتعالى شاهد على كل شيء ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين، ثم إن هذه العلاقة التي أسست على غير شهود وبلا ولي فاسدة، ولا يجوز الاستمرار عليها، بل يجب فسخ تلك العلاقة فوراً، وما نشأ عنها من ولد يلحق بالأب إذا كان معتقدا جواز هذا العقد وحلَّ الاستمتاع وقت العقد، لأنه معذور حينئذ بالجهل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : -وقد سئل عن من تزوج امرأة بلا ولي ولا شهود؟ بعد أن ذكر أن هذا النكاح باطل باتفاق الأئمة- قال: لكن إذا اعتقدا هذا نكاحاً جائزا كان الوطء فيه وطء شبهة يلحق الولد فيه ويرث أباه، أما العقوبة فإنهما يستحقانها على مثل هذا العقد. انتهى.(من الفتاوى الكبرى لابن تيمية الجزء الثاني والثلاثون).
ومن هذا يعلم أن هذا العمل الذي أقدم عليه الرجل وتلك المرأة محرم شرعاً، وفاسد لفقده لشروط صحة النكاح، وأنهما يستحقان العقوبة عليه، فيجب عليهما أن يفترقا وأن يتوبا إلى الله تعالى من ما أقدما عليه.
أما الولد الناشئ عن تلك العلاقة فهو لاحق بأبيه فيرث منه ويدخل على بناته كأي واحد من الأولاد إذا كان الأب يعتقد حلية زواجه وقت حمل المرأة بهذا الولد.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
كيف تتزوج المرأة التي لا ولي لها
تاريخ الفتوى : ... 28 ربيع الأول 1423 / 09-06-2002
السؤال
امرأة كما يقال مقطوعة من شجرة لها ابنة وحيدة منفردة متزوجة وأرادت أمها أن تتزوج وليس لها ولي إلا زوج ابنتها فهل يجوز له أن يتوكل عليها ويزوجها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
إن لم يكن لهذه المرأة ولي قريب أو بعيد، فإنه يزوجها القاضي، وهو نائب عن السلطان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها(36/639)
فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له". رواه أحمد وأبو داود.
وزوج البنت ليس ولياً إلا أن يكون من عصبة المرأة التي يلي عقدها، ولا يوجد ولي أقرب منه لها، وإذا لم يوجد سلطان أو ذو سلطان في مكان إقامتها وتعذر عليها الذهاب إلى مكان فيه سلطان، ففي هذه الحالة يصح لها أن توكل زوج ابنتها ليلي عقدها، ولو لم يكن من عصبتها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حكم عقد إجراء عقد النكاح في محاكم الكفر
تاريخ الفتوى : ... 27 ربيع الأول 1423 / 08-06-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا أحد عباد الله المقيمين في روسيا في حكم كوني طالباََََ جامعياَ, أود الاستفسار عن بعض الأمور:
عندي صديق عربي مسلم متزوج من امرأة روسية منذ عشر سنوات تقريباً بعقد قانوني في المحكمة الروسية ولم يكتب كتابه عليها بالطريقة الإسلامية حتى الآن فما حكم ذلك في الشربعة الإسلامية هل تعتبر حياته معها حتى الآن زنى، وماعليه أن يفعل.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الواجب على المسلم
أولاً: ألا يقدم على أمر من الأمور إلا بعد التأكد من الحكم الشرعي فيه، وليس البحث عن الحكم الشرعي بعد ممارسة الفعل.
ثانياً: في حالة الزواج من كتابية يهودية أو نصرانية -لابد من التأكد من توافر شروط معينة هي:
1- التحقق من كونها كتابية تؤمن بدين سماوي.
2- أن تكون عفيفة محصنة.
3- ألا يكون في الزواج منها فتنة أو ضرر محقق أو مرجح.
ثالثاً: إذا كان هذا الزواج قد تم بموافقة الطرفين، ووجود الولي والشهود فإنه زواج صحيح لأن الله تعالى أباح الزواج بشروطه من المحصنة الكتابية.
وبتلك الشروط السابقة يتبين -للسائل الكريم- أن الروسية إذا لم تكن يهودية ولا نصرانية فإن الزواج منها لا يصح، ويبقى النظر بعد ذلك في مسألة الذهاب إلى مثل هذه المحكمة، وهذه مسألة مستقلة، وبما أن القوانين المنظمة لعقد النكاح تختلف حسب اختلاف البلاد والقوانين فعلى السائل أن يبين لنا كيف تم عقد النكاح عند المحكمة بين صديقه وزوجته إذا كانت كتابية حتى يتسنى لنا الإجابة على ضوء ذلك.(36/640)
ولا شك أنه كان ينبغي بل هو الواجب أن يتم عقد الزواج من قبل مسلمين، ثم إذا كانت هنالك إجراءات مدنية يمكن إكمالها في المحكمة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لهذه الاعتبارات لم تصبحي زوجة
تاريخ الفتوى : ... 27 ربيع الأول 1423 / 08-06-2002
السؤال
السلام عليكم,أنا تقدم لي شاب ووافقت عليه ولكن طلب مني أن يشعر أني زوجته وليس خطيبته لذلك أمرني أن أحلف على القرآن بأني قبلت منه الزواج وفي اليوم التالي قال لقد جعلت صديقي وقريبي شهودا المهم أني تركته الآن وخرج من حياتي لكنه ادعى أني زوجته وهل هذا صحيح أنه أصبح زوجا لي وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ادعاه الرجل ليس صحيحاً وأنت لم تصيري زوجة له، وذلك للأمور التالية:
1- قسمك على القرآن بأنك قبلت به زوجاً لا عبرة به، فإن المرأة لايصح أن تزوج نفسها ولاغيرها ولاينعقد الزواج بعبارتها، كما هو مذهب جماهير العلماء، فمن شروط العاقد أن يكون ذا صفة تجعل له حق مباشرة العقد، وهذا الحق لم تعطه الشريعة للمرأة، ففي حديث عائشة : أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل. رواه الترمذي وقال حديث حسن.
فالنكاح بدون ولي لايصح عند أحمد والشافعي وجمهور أهل العلم حتى قال ابن المنذر إنه لا يعرف عن أحد من السلف خلاف ذلك.
2- لا ينعقد النكاح إلا بشهود يحضرون العقد. وهذا ما لم يوجد في هذه الصورة المذكورة في السؤال، وفي الحديث: لا نكاح إلا بوليِّ وشاهدي عدل.
يقول الترمذي رحمه الله: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين وغيرهم.
3- حَلِفُ السائلة بأن تقبل به زوجاً وعد بالزواج وهي لم تقصد -كما يظهر من السؤال- أن يصير زوجاً لها بمجرد قسمها على المصحف، وعلى هذا فهذه الصيغة ليس لها أثر إلا الوعد، والوعد يجوز لها الرجوع عنه إذا بدا لها أن الخير في تركه.
والخلاصة: أنه كيف ما دارت المسألة لا يمكن أن نسمي هذا التصرف عقداً شرعياً، وبما أنه -والحمد لله- لم يحدث دخول فيعود الأمر كأن لم يكن. ولكيفية التعامل مع الخطيب راجعي الفتوى رقم:
368 والفتوى رقم:
3561.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(36/641)
حكم معاشرة امرأة اعتماداً على زواج بدون ولي
تاريخ الفتوى : ... 18 ذو الحجة 1424 / 10-02-2004
السؤال
ما حكم الزواج من بنت الهوى بشهود وبدون ولي أو ليست أفضل من المعاشرة بالحرام؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان المقصود ببنت الهوى الزانية، فإن الزواج بالزانية لا يجوز ولو تم بولي وشهود حتى تتوب إلى الله، وراجع الفتوى رقم: 9644، والفتوى رقم: 11426.
وأما الزواج بدون ولي فهو باطل ولو لم تكن المرأة زانية، وراجع لذلك الفتوى رقم: 4832، والفتوى رقم: 5862، والفتوى رقم: 3395.
والقدوم على معاشرة المرأة اعتماداً على زواج تم بدون وليها أمر محرم، وكل ما حرمه الله تعالى فيجب على المكلف أن يجتنبه، وليس في ممارسة المعاصي شيء أفضل من شيء، بل إن المعاصي كلها موجبة لسخط الله تعالى، ولا يبرر اجتناب الأكبر منها ارتكاب الأخف.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
شرط صحة النكاح تعيين ذات الزوج
تاريخ الفتوى : ... 06 ربيع الأول 1423 / 18-05-2002
السؤال
شخص من سوريا أتى إلى ليبيا وتزوج من فتاة من أسرة طيبة وعاش سنوات طوال وأنجب منها أطفالاً بلغوا سن المراهقة. وإذا بالأسرة تفاجأ بأن هذا الزوج قد عقد قرانه بأوراق لم تكن له بل لشقيقه المتوفى وقدم بها إلى ليبيا وقد فعل ذلك هربا من التجنيد العسكري في سوريا. والآن وبعد انقضاء المدة عاد إلى سوريا ودخل إلى ليبيا مرة أخرى بأوراقه الأصلية.
فما حكم هذا الزواج شرعا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا النكاح صحيح ولا يضره ذكر الزوج لاسم غير اسمه من أجل توثيقه في المحكمة ونحو ذلك، لأن شرط صحة النكاح تعيين ذات الزوج لا صحة اسمه، ولذا قال ابن مفلح -رحمه الله- في الفروع: (ويشترط تعيين الزوجين، فإن أشار الولي إلى الزوجة أو سماها أو وصفها بما تتميز به، أو قال: زوجتك ابنتي وله بنت واحدة لا أكثر؛ ولو سماها بغير اسمها صح) فتسمية الولي لابنته المعينة في النكاح بغير اسمها لا يضر، وكذلك الزوج المعين لا يضر عدم ذكره لاسمه الحقيقي خصوصاً للحاجة، كما هو حال الزوج المسؤول عنه.
والله أعلم.(36/642)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الحالة التي تسلب الأب الولاية
تاريخ الفتوى : ... 25 صفر 1423 / 08-05-2002
السؤال
أنا صاحبة السؤال رقم: 25643 وقد قرأت الفتوى الصادرة فيه برقم: 15476 وجزاكم الله خيراً.
المهم أردت أن أسأل هل يصح أن يكون أخي الأكبر وعمره 31 عاماً ولياً لأمرنا، لأن التعامل مع أبي مستحيل، أو يكون عمي مثلاً أو أي قريب لنا غير أبي؟
جعلكم الله ذخراً للإسلام.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد بينا في الفتوى السابقة أن الفسق لا يسلب الولاية. وعليه فلا تنتقل الولاية من الولي الأقرب إلى الولي الأبعد إلاَّ إذا ثبت أن الأقرب - وهو الأب هنا- يريد عضل المرأة ويمنعها من الزواج، فحينئذ تنتقل.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مدى صحة نكاح امرأة بغير عقد وشهود
تاريخ الفتوى : ... 18 صفر 1423 / 01-05-2002
السؤال
تزوجت من مطلقة عبر الهاتف بدون علم وليها وبدون شهود ولا عقد، ودخلت بها ، وعندما علمت هي بعدم صحة هذا الزواج لعدم توافر الشروط الأساسية ، طلبت مني الابتعاد وابتعدنا عن بعض ولم نعد نلتقي ، واستغفرنا وتبنا إلى الله ، هل يكفي الابتعاد أم علينا فعل شيء ؟ علما أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ،فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له "
جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا النكاح باطل -كما ذكرت في سؤالك- والواجب عليكما التوبة النصوح إلى الله تبارك وتعالى واستغفاره عما مضى كما يجب عليك إعطاء هذه المرأة مهرها إن كنت سميت لها شيئاً، وإن كنت لم تسم لها شيئاً فامهرها مهراً مثل مهر مثيلاتها في بلادكم، للحديث "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل، فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" رواه أحمد و أبو داود وغيرهما .
والله أعلم.(36/643)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفسق لا يسلب الولي ولايته
تاريخ الفتوى : ... 08 صفر 1423 / 21-04-2002
السؤال
مشكلتي هي والدي فهو دكتاتوري ويحب التسلط والمشكلة الكبرى أنه زير نساء وينفق المال الكثير الكثير على النساء كما أنه يعطي رقم الهاتف للنساء للاتصال به دون حياء أو حشمة ودون اعتبار لكرامتنا أو لكرامة أمي المسكينة التي ترضخ له لتضمن لقمة العيش لأبنائها. المهم كبر بعضنا وكنا ناجحين في دراستنا رغم الجو الملوث الذي عشنا فيه وماذا يفعل الآن يهدد أمي إن لم تطرد أخي الأكبر فإنه سيترك المنزل وهددني أنا وأختي أن لم نعطه مرتبنا كله ليصرفه على النساء وشهواته الحيوانية فإنه متبرئ منا. المهم لم يحصل منا إلا على الصمت. وسؤالي:
هل يجوز زواجي بدون حضوره وهل يجب أن أخبر من سأتزوجه بالحقيقة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز لك الزواج إلا بولي، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" رواه الترمذي وأبو داود عن أبي بردة .
وشروط الولي الشرعي سبق ذكرها في الفتوى رقم: 15009، وذكرنا هنالك أن الفسق لا يسلب الولي الولاية، وعليكم أن تسعوا بالوسائل المختلفة لنصح أبيكم من شريط أو كتاب أو إرشاد بعض الصالحين لزيارته، ونسأل الله أن يرزقكم الصبر عليه، وأكثروا من الدعاء له بالهداية.
كما ننبهكم إلى أن فسق الأب ورقة دينه لا تسوغ عقوقه، بل حق الأبوة ثابت حتى مع الكفر بالله، وليس عليك أن تُعلمي من يتقدم لخطبتك بحال أبيك، لأن الذي يهم الخاطب هو حالك أنت، ولأن الستر على المسلم واجب ولو كان بعيداً، فما بالك إذا كان أباً.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
سماع الراديو... وقبول الشهادة
تاريخ الفتوى : ... 28 محرم 1423 / 11-04-2002
السؤال
هل تقبل الشهادة في المحكمة لمن يستمع إلى جهاز الراديو في الشارع؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسماع لجهاز الراديو مباح، سواء كان في البيت أو مكان العمل أو في الطريق، إلا إذا كان المسموع محرماً كآلات اللهو والكلام الماجن ونحو ذلك، فلا يجوز، أو كان سماع الراديو في الشارع يعد من خوارم المروءة في تلك البلاد، بحيث(36/644)
يتعرض المستمع لذلك للتنقص ونحو ذلك، فلا ينبغي له سماعه. وإن أصر على سماع المحرم، أو ارتكاب ما يخل بالمروءة فلا يقبل خبره ولا شهادته، لانخرام عدالته.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... أقوال الفقهاء في شروط الولي في النكاح
تاريخ الفتوى : ... 21 محرم 1423 / 04-04-2002
السؤال
ما حكم أن يكون ولي أمر المرأة المسلمة مسلماً بلا إسلام؟ وما دور المرأة في المجتمع؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيشترط الفقهاء في الولي ستة شروط على الراجح من أقوال أهل العلم، وهي:
1- العقل.
2- البلوغ.
3- الحرية.
4- الذكورة.
5- اتحاد الدين: فلا ولاية لكافر على مسلمة، ولا لمسلم على كافرة، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة:71] .
6- الرشد.
وهذه الشروط إذا اختل منها شرط بطلت الولاية، وبطل ما يترتب عليها من آثار، فحيث كان الولي مسلماً، فإنه تصح ولايته على المسلمة، ولا يحكم على مسلم بالخروج من الإسلام بمجرد فعله لبعض المعاصي أو تفريطه في بعض الواجبات، ولا تشترط العدالة في الولي عند أكثر أهل العلم.
وإن ثبت كفره، فلا تجوز ولايته على مسلمة، ولو كان أباها أو أخاها، وإذا زوجها فزواجها غير صحيح، ويجب تجديد العقد بولي شرعي.
وأما عن دور المرأة المسلمة في المجتمع، فقد سبقت الإشارة إلى شيء من ذلك في أجوبة متقدمة، فلتراجع وأرقامها هي: 8528، 8587، 10590.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم عقد القران بغياب الزوج
تاريخ الفتوى : ... 29 ذو الحجة 1422 / 14-03-2002
السؤال(36/645)
هل يجوز أن يتم عقد قران بين أهل الرجل الذي يريد الزواج بوثيقة وكالة عن ابنهم الذي هو خارج البلاد وبين البنت التي يريد الاقتران بها بحضور أهل الطرفين ( وغياب ) الزوج؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عقد الزواج من الأمور التي تصح فيها النيابة، فقد وكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي في عقد نكاحه برملة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما، والقصة مشهورة، ولذلك فلا حرج في توكيل الأب أو الأخ أو غيرهما على عقد النكاح.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا يجوز عقد النكاح لدى المحاكم الوضعية
تاريخ الفتوى : ... 24 ذو الحجة 1422 / 09-03-2002
السؤال
1-هل يجوز للمسلم إجراء الزواج المدني لدى البلديات الفرنسية وما يترتب عليه من التزامات تختلف عن الشرع الإسلامي حال الطلاق وكيفية رعاية الأطفال ونفقة الزوجة و .... علما أنه من الممكن العيش معا كأصدقاء( طبعا بعد عمل عقد شرعي في الجامع) بدون عمل زواج مدني والسلطات الفرنسية تعترف بذلك وتعطيه نفس حقوق الزواج المدني والقصد من وراء كل هذا حفظ الأسرة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز لك إجراء عقد الزواج في تلك البلديات الوضعية، لأن عقد الزواج الإسلامي لا بد أن يستوفي أركانه وشروطه الشرعية، وتترتب عليه حقوق وواجبات شرعية، وانظر الجواب رقم:
7819
وما دام أنك قادر على إجراء عقد زواج شرعي في مسجد أو مركز إسلامي فهذا هو الذي يلزمك، ولا يهمك نظر البلديات الفرنسية إلى ذلك العقد.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
وسائل إنكاح الفتاة إذا عضلها وليها
تاريخ الفتوى : ... 21 ذو الحجة 1422 / 06-03-2002
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
هل يجوز يا شيخ أن أرتبط بشخص من غير موافقة الأهل، مع العلم أن هذا الشخص تقدم لي ورفض من قبل والدي، مع العلم أيضا أني فاقدة العذرية ولكن ليس من هذا الشخص وأهلي على علم بذلك وهذا الشخص موافق على أن يستر(36/646)
علي فما هو رأي الشرع في زواجي منه؟ أنا أريد ذلك للمحافظة على نفسي من الرجوع للخطأ مرة أخرى؟
ولكم جزيل الشكر والامتنان.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزنا من كبائر الذنوب، ومن رذائل الفواحش، والزاني والزانية على خطر عظيم إن لم يتوبا إلى الله توبة صادقة نصوحا مستوفية شروط التوبة.
وليتذكر من أراد أن يزني أو يعصي أن الله مطلع عليه، وأنه سبحانه يراه حين يعمل هذه الرذيلة، وأنه سيقف بين يديه، وأنه سيحاسبه على ذلك، فليعد الجواب لذلك، وليعلم أن خزي الآخرة أعظم من خزي الدنيا.
وننبه الأخت السائلة إلى أنه لا يجوز لها أن تربط علاقات مع أي رجل، لما هو ظاهر من الفساد المترتب على ذلك، ومنه ما حصل لها مع الرجل السابق، فيجب عليها قطع أي علاقة من ذلك فوراً، ولتعلم أن من شروط النكاح الولي - كما تقدم في الفتوى رقم: 1766 - إلا أنه إذا عضل الولي من هي تحت ولايته، فأبى أن يزوجها بصاحب الدين والخلق، فإن لها أن ترفع أمرها إلى المحاكم لينقل الولاية إلى غيره من الأولياء، أو يجبره هو على عقد النكاح، أو يتولى الحاكم عقده بنفسه.
كما ننصح الأباء بأن يتقوا الله في بناتهم، فإذا جاءهم من يرضون دينه وخلقه، فإنه لا يجوز لهم أن يعضلوهن عنه.
وفي الختام نقول للأخت السائلة: إذا كان هذا الرجل صاحب دين وخلق، فيمكنها أن تتلطف مع والديها في إقناعهما، أو توسط لهما من يقنعهما ممن له نوع تأثير عليهما.
أما إذا لم يكن صاحب دين، فإنه يجب عليها أن تنساه، وأن تصبر حتى يسهل الله لها صاحب الدين والخلق.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم زواج الكاره وزواج المكره
تاريخ الفتوى : ... 14 ذو الحجة 1422 / 27-02-2002
السؤال
السلام عليكم ..
زوجي متزوج بابنة خالته بإجبار من والدته ولم يدخل عليها تمت الملكة من حوالي سنة ونصف ومن ثم طلقها وهي لم تعرف. أمه عرفت بطلاقها فيما بعد. بعد زواجه بي وهي لم تكن راضية بزواجنا. فهل زواجه وقع عليها؟
وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(36/647)
فلا يجوز للوالدين مجتمعين ولا لأحدهما إجبار ولدهما على نكاح امرأة لا يرغب فيها، فإن أجبراه على ذلك فقبل كارهاً صح النكاح، وله الخيار في البقاء مع زوجته أو مفارقتها، وقد ثبت أن جارية بكراً أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وهو حديث صالح للاحتجاج لا يلتفت إلى طعن من طعن فيه.
قال الحافظ ابن حجر: الطعن في الحديث لا معنى له، لأن له طرقاً يقوي بعضها بعضاً، ولابد من التفرقة بين نكاح الكاره، ونكاح المكره، فنكاح الكاره صحيح مع الخيار -كما سبق- وأما نكاح المكره فالصحيح أنه باطل.
وإذا طلق زوجته نفذ طلاقه، سواء علم والداه بذلك أو أحدهما أو لم يعلما، وسواء رضيا بالطلاق أو لم يرضيا، لكن الأولى للمرء أن يراعي رضا والديه في نكاحه وطلاقه براً بهما، ومراعاة لحقهما عليه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم موافقة الأب على الزواج تحت إلحاح البنت
تاريخ الفتوى : ... 08 ذو الحجة 1422 / 21-02-2002
السؤال
أنا عندما خطبني زوجي ما كان والدي راضياً على زواجي بزوجي ولكن بسبب إلحاحي أنا وإصراري على والدي سكت والدي ووقع على عقد الزواج علماً أن زوجي اخترته لدينه، والآن نحن بعد حوالي 18 سنة ولدينا 4 أطفال والحمد لله نحن جميعا على دين، ولكن يأتيني وسواس يقول إن أباك ما كان راضيا بهذا الزواج من قلبه فإذن عقد زواجكم باطل. فهل يوجد فعلا شبهة على عقد زواجنا أعلاه؟
وجزاكم الله خيرا كثيرا
علماً كان رفض والدي بسبب فقر زوجي وكان والدي يخاف أن يطلقني زوجي.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيراً على اختيار هذا الزوج الصالح، وتقديمه على غيره مع أنه قليل المال، وهكذا ينبغي للأخت المسلمة أن تختار الرجل ذا الخلق والدين.
وما دام أبوك قد وافق على عقد النكاح، ووقع عليه بعد إلحاح منك وإصرار، فقد صح النكاح، ولا يؤثر عليه كره والدك لهذا الزواج، وعدم رضاه نفسياً به، فقد قال الله جل وعلا: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء:19].
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
وجود المأذون ليس شرطاً لصحة عقد النكاح
تاريخ الفتوى : ... 08 ذو الحجة 1422 / 21-02-2002
السؤال(36/648)
1-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما حكم عقد الزواج الذي يعقد في المحكمة دون
وجود رجل دين هل هو زواج صحيح أم لا
أي هل يوجد في القرآن الكريم أو السنة النبوية شرط ملزم بوجوب عقد الزواج لدى رجل دين علما أنني من سكنة محافظة دهوك كردستان العراق جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يوجد دليل في القرآن ولا في السنة ولا في غيرهما يدل على اشتراط وجود "المأذون" في عقد النكاح، سواء عقد في المحكمة أو عقد في غيرها.
وراجع الفتوى:
964 لمعرفة الشروط اللازمة لعقد النكاح.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
للولي أن يوكل غيره لإجراء عقد النكاح
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
كيف يمكن إتمام عقد الزواج لفتاه في الغربة أي بعيداً عن الولي مع وجوده على قيد الحياة في بلده؟
وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إذن الولي شرط لصحة عقد النكاح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن أصابها فلها مهرها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من ولي له". والحديث في المسند والسنن.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل" والحديث في صحيح ابن حبان وغيره، وعلى ذلك فلا يصح شرعاً إتمام عقد الزواج بفتاة إلا بعد موافقة وليها.
وإن كانت الفتاة تقيم في بلد ووليها يقيم في بلد آخر، فللولي أن يوكل وكالة شرعية من يثق بأهليته وصلاحه ليتولى ذلك نيابة عنه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
العقد على الصغيرة...وأقوال الفقهاء في تسليمها للزوج قبل البلوغ
تاريخ الفتوى : ... 25 ذو الحجة 1424 / 17-02-2004
السؤال(36/649)
1-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو الإجابه على سؤالي جزاكم الله خيرا
السؤال 1- متى تستطيع البنت الزواج وفي أي سن يصلح لها الزواج هل يصح زواجها وهي في سن صغير مثل سن 14 أو 15 سنه وما فوق؟ وشكرا وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اتفق الفقهاء على أن عقد الزواج على الصغيرة صحيح ولو كان ذلك قبل بلوغها.
ولكنهم اختلفوا في تسليمها لزوجها قبل البلوغ على ما يلي: فذهب المالكية والشافعية إلى أن من موانع التسليم الصغر، فلا تسلم صغيرة لا تحتمل الوطء إلى زوجها حتى تكبر ويزول المانع، فإذا كانت تحتمل الوطء زال مانع الصغر.
وقال الحنابلة: إذا بلغت الصغيرة تسع سنين دفعت إلى الزوج، وليس لهم أن يحبسوها بعد التسع ولو كانت مهزولة الجسم، وقد نص الإمام أحمد على ذلك، لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة رضي الله عنها وهي بنت تسع سنين.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
خطبة النكاح محدثة، وليست شرطاً في صحته
تاريخ الفتوى : ... 06 ذو القعدة 1422 / 20-01-2002
السؤال
1-بسم الله الرحمن الرحيم
أنا طالب أعيش في الصين وأريد أن أتزوج بمسلمة ولكن من الصعب أن أجد شخصاً يقوم بعقد النكاح
فهل يمكن أن يقوم بذلك أحد الأشخاص المسلمين الملتزمين مع العلم أنه يحفظ خطبة النكاح
فهل يمكن لهذا الشخص أن يقوم بعقد النكاح بيننا أم لا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعقد النكاح يشترط في صحته عاقدان هما: الولي أو نائبه، والزوج أو نائبه، كما يشترط فيه أيضاً شاهدا عدل، ولا يشترط وجود شخص ثالث يقوم بإجراء العقد بين العاقدين، وهذا ما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"
وننبه الأخ السائل إلى أنه ليس هناك خطبة يقال لها: خطبة النكاح، وإن أحدثها بعض الناس، وإنما الوارد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم بين يدي الخِطبة -بكسر الخاء -وهي طلب المرأة للنكاح- يقدم بين يديها خُطبة الحاجة وهي: "الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات(36/650)
أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً) (يا أيها الناس اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً) أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة."
أما عقد النكاح فليس فيه شيء من ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الهزل في النكاح
تاريخ الفتوى : ... 06 ذو القعدة 1422 / 20-01-2002
السؤال
أنا شاب في العشرين من العمر عندما كنت في الجامعة تعرفت على فتاة أحببتها وقد قمنا من باب المزاح بكتابة ورقة بالزواج بيننا مع وجود شهود ما حكم هذه العملية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان ما حدث في الهزل بأمر الزواج قد استكمل الأركان والشروط فهو زواج تثبت به الأحكام الشرعية للنكاح، ويترتب عليه أثره، وأركان النكاح ثلاثة:
- الزوجان الخاليان من الموانع.
- الإيجاب: وهو اللفظ الصادر من الولي، أو من يقوم مقامه، ويشترط أن يتقدم على القبول.
- القبول: وهو اللفظ الصادر من الزوج، أو وكيله، وينبغي أن يعقب الإيجاب.
وأما الشروط فهي:
1- تعيين الزوجين.
2- رضا الزوجين، أو من يقوم مقامهما.
3- الشاهدان.
4- الولي، فلا يصح نكاح إلا به، فإن توافر ما ذكر من الشروط والأركان، فقد تحقق عقد الزوجية، ولا عبرة بالهزل في هذا الأمر العظيم، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة" رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه.
وإن اختل شيءٌ مما ذكر لم يصح النكاح حتى يتوفر ذلك الشيء.(36/651)
وننبه الأخ السائل إلى أن مثل هذا التصرف لا يجوز ولا يليق، لأن الزواج والطلاق من حدود الله التي نظم بها سبحانه العلاقة بين الناس، فلا يلعب بمثلها، والله تعالى يقول: (وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً) [البقرة:231].
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2656، 1473، 1769.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
شروط الولي
تاريخ الفتوى : ... 03 ذو القعدة 1422 / 17-01-2002
السؤال
1- ماهي شروط الولي ؟ فلقد عضل والدي زواجي وحسب الفتاوى تنتقل الولاية للأقرب بعده وهو أخي ولكنه عمره ستة عشر عاما فمتى يصبح قادرا على ولايتي علما أن جميع أهلي موافقون عدا والدي
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فشروط الولي ستة على القول الصحيح من أقوال العلماء وهي:
1-العقل.
2-البلوغ.
3-الحرية.
4-الذكورة.
5-اتحاد الدين: فلا ولاية لكافر على مسلمة، ولا لمسلم على كافرة.
6-الرشد: وهو هنا: (القدرة على معرفة الكفء ومصالح النكاح) وإذا عضل الولي الأقرب موليته فالراجح من أقوال الفقهاء أن الولاية تنتقل إلى الولي الأبعد، وهو الذي يلي العاضل، لأن الأقرب بعضله صار كالمعدوم، فتؤول الولاية إلى الذي يليه من الأولياء، أما السلطان فلا تنتقل إليه الولاية مع وجود الولي، للحديث الشريف: "السلطان ولي من لا ولي له" رواه الترمذي وحسنه، وصححه الألباني.
ولكن قطعاً للخصام والنزاع فإن الولاية تنتقل إلى الولي الأبعد -وهو هنا أخوك- عن طريق السلطان، وأخوك أهل للولاية لأنه بالغ، فإذا توفرت فيه بقية الشروط السابقة فليل أمرك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
توكيل شخص يتولى عقد النكاح ممكن
تاريخ الفتوى : ... 29 شوال 1422 / 14-01-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته(36/652)
عندي سؤال مهم جدا أرجو منكم أن تردو عليه في أقرب فرصة سؤالي كالتالي أنا مقيم في دولة غير مسلمة لغرض الدراسة وسوف أمكث لمدة 3 سنوات ولكي لا أقع في الزنا أود أن أتزوج ولقد حصلت على فتاة مسلمة (ارملة) ساكنة هناك وهي تساعدني في بعض أموري أريد أن أتزوج منها مع العلم أن ليس لديها ولي في نفس البلد هل يصح للقاضي أن يكون وليا لها مع أن أهلها لم يرفضوا الزواج ولكن لا يستطيعون الحضور.
وجزاك الله خير
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يمكن لأولياء هذه المرأة الذين ذكرت أنهم موافقون، ولكن لا يمكنهم الحضور يمكنهم أن يوكلوا شخصاً بالبلد الذي أنت فيه فيتولى عقد الزواج بينكما، ويرسلوا صورة من الوكالة موثقة من جهة يوثق بها، فالأمر ليست فيه أي مشكلة ما دامت المرأة موافقة وأولياؤها كذلك، والحصول على الوكيل ميسوراً.
المهم هو أن لا يقع النكاح إلا بموافقة الولي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي..."رواه أحمد، وأصحاب السنن.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل" رواه ابن حبان والحاكم وصححاه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل موافقة الإخوة شرط لصحة النكاح؟
تاريخ الفتوى : ... 14 شوال 1422 / 30-12-2001
السؤال
السلام عليكم
شخص يرغب في الزواج دون رضا إخوته من الفتاة التي يريد الزواج منها مع العلم أن الوالدين موافقين خوفا من ضياع ابنهم وحدوث مشكلة في العائلة فما الحكم في ذلك؟أرجو الافادة.
السلام عليكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت هذه الفتاة ذات دين وخلق، وقد وافق والداك على زواجك بها، فننصحك بالزواج بها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" رواه البخاري ومسلم.
وأما إخوانك فحاول من باب الإحسان والتودد إليهم إقناعهم بالأمر، فإن أصروا على رفضهم، فامض في زواجك إذ لا تلزمك طاعتهم، ولا تأثم بمخالفتهم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(36/653)
ـــــــــــــــــــ
عضل الولي المرأة الزواج يسوغ لها اللجوء للقضاء
تاريخ الفتوى : ... 29 رمضان 1422 / 15-12-2001
السؤال
هل للأهل الحق في أن يمنعوا ابنتهم من الزواج بمن تحب لا لشئ سوى لأن ذلك الشاب المتقدم لخطبتها أقل منها في المستوى الاجتماعي (أقصد القبيلة) مع العلم أن هذه الفتاة قد تجاوزت سن ال 27 سنة وهي مصممة على اللجوء للقضاء لحل مشكلتها مع أهلها بعد أن يئست من محاولة إقناع أهلها على مدى خمس سنوات فما هو حكم لجوئها للقضاء في هذه الحالة؟
أفيدونا أفادكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يحق لولي المرأة أن يمنعها من نكاح الكفؤ، وهو من توفرت فيه خصلتان صلاح الدين، وحسن الخلق.
وإذا منعها من نكاحه حق لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي ليجبره على تزويجها إياه، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 998.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الأوقات التي ينهى فيها عن عقد النكاح
تاريخ الفتوى : ... 27 رمضان 1422 / 13-12-2001
السؤال
1-ماحكم عقد النكاح في رمضان سواء بالليل أو النهار
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عقد النكاح في رمضان وفي غيره من الشهور جائز؛ ما لم يكن الشخص محرماً بحج أو عمرة، وسواء في ذلك الليل والنهار، ولا يستثنى من ذلك إلا وقت صلاة الجمعة، لأن الله تعالى نهى عن الاشتغال بالبيع بعد النداء لها في قوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع)[الجمعة:9]
وقاس العلماء عليه سائر العقود التي من شأنها أن تشغل عن حضور الجمعة، كالنكاح والشركة والقراض ونحو ذلك.
واختلفوا في العقود الواقعة عند صلاة الجمعة هل تفسخ أو لا؟ أو الفسخ خاص بالبيع فقط؟ قال ابن العربي: والصحيح فسخ الجميع لأن الفسخ إنما منع للاشتغال به، فكل أمر يشغل عن الجمعة من العقود كلها فهو حرام شرعاً، مفسوخ ردعاً
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(36/654)
ـــــــــــــــــــ
عقد النكاح يجوز في أي وقت
تاريخ الفتوى : ... 11 رمضان 1422 / 27-11-2001
السؤال
1-هل يجوز عقد القران بين العيدين وفي شهر رمضان أم لا يجوز ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعقد القران بين العيدين وفي رمضان وغيرهما جائز، لعدم ورود الدليل المانع من ذلك، والأصل الإباحة، ومن منعه فهو قائل على الله بغير علم، وقد قال الله تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الكذب لا يفلحون)[النحل:116]
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم نكاح من احتال على امرأة بالكذب حتى يتزوجها
تاريخ الفتوى : ... 04 رمضان 1422 / 20-11-2001
السؤال
رجل تزوج امرأة بعد أن احتال عليها بقصة أن هناك أشخاص يعرفهم و ينوون لها الشر و زرع الخوف فيها حتي تمكن من الزواج منها، و بعد سنة من زواجهم عرفت الزوجة أنه كاذب؟ فما حكم هذا الزواج؟ علما بأن الزوجة تهجرالآن زوجها بعد علمها بكذبه و تريد الطلاق منه.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا النكاح صحيح إذا استوفى شروطه وأركانه، إلا أن الرجل قد أثم بالكذب والتدليس على المرأة، والواجب عليه هو التوبة والاستغفار.
وأما المرأة فإننا ننصحها بالاستمرار مع هذا الرجل إذا كانت لا تعيب عليه ديناً ولا خلقاً غير ما ذكر، وما بدر منه يمكن أن يصلحه ويتوب منه، وننصحها ألا تتعجل بطلب الطلاق، ولتستخر الله، ولتستشر من تثق به من أهلها، ومن أهل الخير قبل طلب الطلاق.
وإذا رأت أنها لا تطيق الحياة معه، فلا بأس في أن تطلب الطلاق، ولا يجوز لها أن تبقى هاجرة لزوجها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح" رواه البخاري ومسلم.
نسأل الله أن يصلح حالها، وأن يختار لها الذي فيه الخير.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(36/655)
الفتوى : ... الزواج على الورق لأجل الحصول على الجنسية
تاريخ الفتوى : ... 12 شعبان 1422 / 30-10-2001
السؤال
زوجي يريد أن يتزوج من امرأة أمريكية زواج علي ورق فقط هذا ما يدعيه أمامي ويقنعني به وذلك حتي يأخذ الجنسية الأمريكية وذلك لمستقبل أفضل له ولي وللأولاد ، فأرجو أن تفدوني بشرعية هذا الزواج وهل أقبل أم لا ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا السؤال يتضمن عدة أمور يحسن تفصيلها:
الأول: أن هذا الرجل يريد الزواج من امرأة أمريكية، ولم يشر إلى ديانتها، فإن كانت مسلمة أو كتابية (يهودية أو نصرانية)، فيجوز الزواج منها إذا كانت محصنة، أي عفيفة عن الزنا، لقوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) [المائدة:5].
وإن كانت وثنية مشركة أو ملحدة لا دين لها، فلا يجوز للمسلم الزواج بها حتى تؤمن بالله، لقوله تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) [البقرة:221].
الثاني: قوله: إن هذا الزواج يكون على ورق فقط للحصول على الجنسية.
وللجواب على هذا نقول: الزواج إما أن يستوفي شروطه وأركانه من رضا الطرفين، والصداق (المهر) والشاهدين، وولي المرأة.
فهذا زواج صحيح، سواء وثق على ورق أم لم يوثق، وتترتب عليه آثاره من نسبة الأولاد إلى الزوج والتوارث....إلخ.
ويستوي فيه الجاد والهازل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جدّ، وهزلهن جدّ: النكاح، والطلاق، والرجعة" رواه أصحاب السنن.
وإما أن لا يستوفي الزواج شروطه وأركانه، فهو زواج باطل شرعاً، سواء وثق على ورق أم لم يوثق، ويستوي فيه الجاد والهازل أيضاً، ولا يجوز للرجل في هذه الحالة معاشرة المرأة لأن الزواج غير ثابت شرعاً، ولو حدث ذلك كان زناً، والعياذ بالله.
الثالث: كونه يريد الحصول على جنسية دولة كافرة، فلماذا يريد ذلك؟ هل لمجرد الرفاهية أم للاضطرار؟ وهل سيتمكن من إقامة شعائر دينه؟ إلخ.
ونحيلك على الأجوبة التالية أرقامها: 2007، 530، 1267. في موضوع الهجرة إلى بلاد الكفار.
وعلى كل، فليس في الشرع ما يسمى زواجاً على ورق فقط، فالزواج إما زواج شرعي حقيقي، وإما زواج باطل يوجب غضب الله ومقته.
الرابع: أما قولك: هل أقبل بهذا الزواج أم لا؟
فنقول: إن هذا الأمر يرجع إليك، فإذا تزوج زوجك من امرأة أخرى بحضور شاهدين وولي، وكان هدفه من الزواج الاستمرار فيه، ولم يشترط في العقد مدة معينة كسنة أو سنتين أو غير ذلك، أو أنه سيطلقها حال حصوله على الجنسية،(36/656)
فالزواج صحيح وهو من تعدد الزوجات الذي شرعه الله.
وبالتالي فليس لك الحق في الاعتراض عليه:
أما إذا لم يستوف ما سبق، أو شرط فيه شرط مما تقدم، فهو زواج باطل غير معتبر شرعاً، وعليك الاعتراض عليه من باب تغيير المنكر، ونحيلك على جواب سابق في الموضوع وهو برقم: 8003.
ونسأل الله أن يوفقكم الله لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... إجراء عقد النكاح عبر الهاتف
تاريخ الفتوى : ... 06 شعبان 1422 / 24-10-2001
السؤال
أنا باكستاني أعمل بالسعودية ولظروف العمل لم أستطع السفر لباكستان لعقد قراني على خطيبتي وقد تم ذلك عن طرق الهاتف لإنهاء إجراءات عقد القران ، فقد تم سؤالي من قبل المأذون بالتليفون وبحضور عمي وهو وكيلي وخطيبتي ووكيلها والشهود هناك وتمت كل الإجراءات بالتليفون وتم عقد القران وتسجيله من قبل المأذون هناك وهو شيخ الجامع الكبير. فهل يعتبر عقد القران هذا صحيحا أم هناك شيء يشوبه ومطلوب تصحيحه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الشهود المذكورون وولي الزوجة يعرفون صوتك معرفة تامة ، وشهدوا على أن هذا المتكلم في التلفون هو أنت ، فالظاهر أن العقد الذي تم عقده صحيح ، وليس هنالك ما يدعو إلى إعادته.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم إجراء عقد النكاح في محاكم غير إسلامية
تاريخ الفتوى : ... 19 رجب 1422 / 07-10-2001
السؤال
أنوي الزواج من فتاة روسية ولكن المدينة التي أسكن فيها لا يوجد فيها أي شيخ ولا مسجد ويلزمني الزواج بها في المحكمة فهل يعتبر هذا صحيحا؟ فما ذا أفعل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي للمسلم إذا أراد الزواج أن يختار المرأة الصالحة ، ذات الخلق ، والدين ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم(36/657)
قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق عليه.
وصلاح المرأة يجلب السعادة الزوجية ، والطمأنينة النفسية ، ويكون سبباً في إيجاد جيل رشيد ، وقد حرم الشارع على المسلم الزواج بالمشركة ، فقال تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ... ) [البقرة:221] وحرم عليه الزواج بالزانية ، فقال تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين)[النور:3].
وأباح له الزواج بالمسلمة ، والكتابية إذا كانت عفيفة ، قال الله تعالى: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن..)[المائدة:5] ويجب على من أراد الزواج من كتابية أن يكون قوي العقيدة ، راسخ الإيمان ، بحيث لا ينجر وراء ما قد تزينه له زوجته من دينها الباطل ، فيتبعها ، فيفقد بذلك دينه ، ويصبح في عداد المرتدين -الواجب قتلهم إن لم يتوبوا- وعليه أيضاً الاهتمام بتربية أولاده ، وتعليمهم حقيقة الإسلام ، حتى لا يتأثرو بما عليه أمهم ، فيتهودوا ، أو يتنصروا بسببها ، وعليه التأكد من بقائها على دينها ، فما أكثر الإلحاد في تلك البلاد.
وعلى ضوء ما سبق ، فإن كانت هذه الفتاة الروسية مسلمة جاز لك الزواج بها ، ويعقد لك بها وليها إن كان مسلماً، بحضور شاهدين عدلين ، فإن لم يوجد أو كان كافراً فالسلطان المسلم ، فإن لم يوجد فرجل من عامة المسلمين. قال ابن قدامة في المغني: (فإن لم يوجد للمرأة ولي ولا ذو سلطان ، فعن أحمد بن حنبل ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها) ولا يحل أن يعقد الكافر النكاح ، سواءً كان وليها ، أوالسلطان ، بإجماع أهل العلم ، حكاه ابن المنذر وابن قدامة، قال الله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً)[النساء:141] والمحكمة الروسية نصرانية كما هو معلوم ، فلا يصح أن تعقد نكاحك بهذه الفتاة.
وإن كانت هذه الفتاة من أهل الكتاب فيعقد النكاح وليها من أهل دينها ، فإن لم يوجد فالسلطان المسلم ، أو السلطان من أهل دينها ، فإن لم يوجد أو تعذر فرجل من عامة أهل دينها بإذنها ، ولا يعقده قريبها المسلم ، ولو كان أباها ، أو أخاها ، قال في المغني: (وأما المسلم فلا ولاية له على الكافرة ، غير السيد والسلطان... وذلك لقول الله تعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض)[الأنفال:73] ولأن مختلفي الدين لا يرث أحدهما الآخر ، ولا يعقل عنه ، فلم يلِ عليه).
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل للأب أن يجبر ابنته على الزواج ؟
تاريخ الفتوى : ... 14 رجب 1422 / 02-10-2001
السؤال
ما قولكم في بنت زوجت من قبل الأب بالغصب وهي الآن لديها ثلاث بنات؟(36/658)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالبنت إن كانت بكراً غير بالغة جاز لأبيها أن يزوجها جبراً، لا خلاف في ذلك بين العلماء، وإن كانت بكراً بالغة، أو ثيباً كبيرة أو صغيرة، فلا يجوز له ذلك على الراجح من أقوال العلماء، لما أخرجه أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم". ولما أخرجه مسلم وأصحاب السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال" الأيم: أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها" ولفظ الأيم: يشمل البالغة وغير البالغة، فمن كانت من هؤلاء وأجبرها أبوها على زوج وهي كارهة له، فلها طلب فسخ النكاح عند القاضي، لكن هذه المرأة قد دخل بها زوجها وأنجبت منه أطفالاً، فإن كانت تعلم حقها في الفسخ ولم تسع فيه فقد أمضت ما فعل أبوها، وليس لها فسخ النكاح الآن، وإن لم تكن تعلم كان لها ذلك، والذي ننصحها به هو عدم السعي في الفسخ، ولو كانت ممن يجوز لهن الفسخ، وذلك تغليباً لمصلحة البنات.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
اشتراط الولي لا يعني إجبار الفتاة على النكاح
تاريخ الفتوى : ... 22 جمادي الثانية 1422 / 11-09-2001
السؤال
هل يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج من رجل مسلم دون موافقة أهلها وإذا كان الجواب لا فما الفرق في أن يختار الرجل زوجته وأن تختار المرأة المسلمة زوجها .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج دون موافقة وليها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل "رواه الترمذي ، وأبو داود وابن ماجه.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة نكحت بدون إذن وليها ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل." رواه أصحاب السنن ، والحاكم في المسند ، وابن حبان في صحيحه. وأحق الناس بتزويج المرأة أبوها ، فإن لم يوجد فأبوه وإن علا ، ثم ابنها وابنه وإن نزل ، ثم أخوها الشقيق ، ثم الأخ لأب ، ثم أولادهم ، وإن نزلوا ، ثم العمومة.
فلا بد من رضى وليها ، ولا يعني ذلك أنها تجبر على النكاح ، بل لا بد من استئذان البكر البالغ أو الثيب البالغ قبل النكاح ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" والبكر يستأذنها أبوها." رواه مسلم. وفي رواية : " وإذنها صماتها " أي السكوت ، فإن رفضت فلا يجوز إجبارها على الراجح من أقوال العلماء ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا تنكح البكر حتى تستأذن "رواه البخاري(36/659)
ومسلم. فالثيب تعرب عن نفسها ، فتصرح بالرفض أو القبول. إذاً فلا بد من رضى المرأة ورضى وليها في عقد النكاح ، وإنما اشترط الشارع إذن الولي ورضاه مراعاة لمصلحة المرأة ، وصيانة لجانبها ، ولأنه غالباً لا يقبل إلا بالكفء ، فاعتبر الشرع رأيه في الزواج ، وردَّ تصرفه في بعض الأحوال ، فيما إذا لم يختر الكفء ، أو كان هو غير كفء ، أو أراد عضل من تحت ولايته ، ومنعها من الزواج ، وأجاز للفتاة اللجوء إلى القاضي ليزوجها في بعض الأحوال ، وليرفع عنها الظلم ، من ثم فقد كفل لها الإسلام كل الضمانات للحياة الكريمة ، وأعطاها حرية الاختيار -بشرط أن تختار الكفء- ، كما كفل للرجل حرية الاختيار سواء بسواء. وقد تقدم جواب بخصوص ذلك نحيلك عليه للفائدة وهو برقم :
199
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يشترط موافقة الأم لصحة النكاح
تاريخ الفتوى : ... 14 جمادي الثانية 1422 / 03-09-2001
السؤال
الزواج دون موافقة أمي هل يعتبر عقوقاً للوالدين
رغم أن المرأة صالحة ومن عائلة شريفة
أفيدونا جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن موافقة الأم ليست شرطاً في صحة النكاح ، ولا أثر لعدمها شرعاً في صحة النكاح. فالشارع أعطى للرجل الرشيد الاستقلال الكامل بتصرفاته في زواجه ، وبيعه ، وسائر معاملاته ، فإذا استقل بشيء من ذلك دون موافقة أمه أو أبيه فإنه لا يعد عاقاً ، لأنه فعل ما أذن له فيه شرعاً ، مع أن الأفضل والأولى أن يستشير الشخص والدته في زواجه ، استطابة لنفسها ، وإشراكاً لها في هذا الشأن العائلي ، حرصا منه على ما يرضيها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عضل الولي ينقل الولاية إلى السلطان
تاريخ الفتوى : ... 01 جمادي الثانية 1422 / 21-08-2001
السؤال
1-السلام عليكم زرحمة الله و بركاته
توجد امرأة مطلقة تبلغ من العمر حوالي 34 سنة تريد الزواج من رجل و لكن المشكلة في هذا الموضوع هو أنه لا يوجد ولي مر لها و تريد الزواج من هذا الرجل هل باستطاعتها أن توكل أحد الأشخاص ليكون ولي أمرها علما بأن أهلها(36/660)
يعيشون خارج الدولة التي هذه المرآة متواجدة فيها وهم يرفضون هذا الزواج .... الرجاء توضيح الأمر بأسرع وقت ممكن ؟
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير وجزاكم اله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم بيان حرمة النكاح وبطلانه إذا عقد من دون إذن ولي المرأة في الجواب رقم 5855 ولم يبق أمام هذه المرأة التي استأذنت وليها ولم يوافق على زواجها إلا أن ينظر في نوع هذا المنع، فإذا تحقق أنه عضل لغير مصلحة انتقلت ولايتها إلى السلطان، أما إذا لم يثبت العضل أصلا، أو كان لمصلحة: كأن تطلب النكاح من غير كفء، فإن هذا الامتناع مشروع لا يعتبر صاحبه عاضلاً وبالتالي فلا يجوز لها أن تتزوج دون إذن وليها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
-ـــــــــــــــــــ
لا يحق لأحد منع المرأة من الزواج
تاريخ الفتوى : ... 24 جمادي الأولى 1422 / 14-08-2001
السؤال
ماحكم أخ يمنع إعطاء أخته الأوراق الثبوتية لهويتها من أن تقوم بتزويج نفسها من رجل رأت هي أنه ينفعها ، مع العلم أن الأبوين متوفيان . وهذا الأخ مستقل بنفسه عن إخوته .. وأن الفتاة قد بلغت 32 سنة من عمرها .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يحق لولي المرأة أن يعضلها عن الزواج إذا خطبها من هو مرضي في الدين والخلق، لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ... "رواه الترمذي. فإذا لم يفعل الولي ما طلب منه من الاستجابة للكفء، فللمرأة أن تذهب للسلطان أو نائبه ليزوجها، لقوله صلى الله عليه وسلم: " فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه
والاشتجار هنا معناه: منع الأولياء من العقد. وهذا هو العضل المنهي عنه، وبه تنتقل الولاية إلى السلطان، وقيل تنقل إلى الولي الأبعد.
والخلاصة: أن الأخ لا يحق له أن يمنع أخته من الزواج من كفئها، سواء كان ذلك بالرفض صراحة، أو بأي وسيلة أخرى، فإن فعل ذلك فلها أن تذهب للسلطان أومن يقوم مقامه أو لوليها الأبعد، مثل ابن أخيها أو عمها ليزوجها، أما أن تزوج نفسها بدون ولي من سلطان أو غيره فهذا لا يجوز، لقوله صلى الله عليه وسلم "لا نكاح إلا بولي" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(36/661)
الكفاءة بين الزوجين في مذهبي مالك والشافعي
تاريخ الفتوى : ... 11 جمادي الأولى 1422 / 01-08-2001
السؤال
ما هو رأي الإمام مالك والإمام الشافعي في الكفاءة بين الزوجين ؟ راجيا الإجابة عن هذا السؤال في أسرع وقت وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الكفاءة بين الزوجين تعني تساويهما أو تقاربهما في عدة أمور أساسية: عقدية واجتماعية ومالية، وبعبارة أخرى: الدين والنسب واليسار.
وقد اختلف الأئمة رحمهم الله تعالى فيما يعتبر منها وما لا يعتبر، كما اختلف أتباع كل مذهب داخل مذهبهم عند تطبيق النصوص على بعض الحالات، وقلَّ أن تجد مسألة من مسائل الكفاءة إلا وفيها خلاف عن الأئمة، وخلاف آخر عن أتباعهم.
ولهذا السبب، فسنقتصر للسائل الكريم على المشهور من مذهبي الإمامين في حكم الكفاءة، ونعرض عن غير المشهور فنقول: اتفق الإمامان: مالك والشافعي على اعتبار الدين في الكفاءة، فلا يكون الفاسق كفئاً للعفيفة، ولا العكس، يقول ابن رشد في بداية المجتهد - وهو مالكي -: (لم يختلف المذهب - يعني المالكي - أن البكر إذا زوجها أبوها من شارب الخمر، وبالجملة من فاسق أن لها أن تمنع نفسها من النكاح، وينظر الحاكم بعد ذلك، فيفرق بينهما، وكذلك إن زوجها ممن ماله حرام، أو ممن هو كثير الحلف بالطلاق).
ويقول الإمام النووي في روضة الطالبين - وهو شافعي -: (والفاسق ليس بكفء للعفيفة).
وأما النسب : فالمشهور من مذهب الإمام مالك عدم اعتبار الكفاءة في النسب، وأنه يجوز نكاح الموالي أي: الأعاجم من العرب، واحتج لذلك بقوله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات:13].
بخلاف الإمام الشافعي، فإنه يعتبر النسب، فليس العتيق عنده كفئاً لحرة أصلية، ولا من مس الرق أحد أبائه كفؤاً لمن لم يمس أحداً من آبائه.
وأما اعتبار الحرية، فهو محل اتفاق بينهما لثبوت السنة في ذلك، فقد روى مسلم وأبو داود والترمذي من حديث عائشة أن بريرة عتقت، وكان زوجها عبداً، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولو كان حراً لم يخيرها.
وأما اليسار فلا يعتبر عندهما في الكفاءة فالفقير كفء للغنية، على الصحيح والراجح من مذهبيهما.
والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الكذب في هذا الأمر لا يؤثر على صحة العقد
تاريخ الفتوى : ... 05 جمادي الأولى 1422 / 26-07-2001
السؤال(36/662)
طلقت امرأة 3 مرات وأمها تعلم ذلك ولها أختان أكبر عمرا منها ، واحدة منهما متزوجة وهما أيضاً تعلمان ولكن باقى رجال العائلة لا يعلمون بموضوع الطلاق.
الأسبوع الماضي سألتنى هذه المرأة وأمها أن أكون وكيلاً في زواج البنت الوسطى وفعلا أمام الجميع كنت الوكيل وكذبت وقلت إننى زوج البنت الصغرى وتم الزواج
هل كذبب - مع علم العروسة وأمها بذلك- يجعل هذا الزواج باطلا ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت الوكالة قد حصلت بموافقة ولي البنت المعقود عليها فالزواج صحيح، ولا يؤثر عليه قولك ( إني زوج البنت الصغرى) لأنه يمكن أن يحمل على اعتبار ما كان، لكن باعتبار الحال والواقع يعد كذباً يجب عليك التوبة منه، ولا يؤثر على صحة العقد أيضاً.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم الزواج بأخت المطلقة
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
1-إذا أبي طلب مني دخانا أواي شيء حرام هل أشتري له أو هذا حرام ؟
إذا كنت أبحث على وظيفة فلم أجد غير البنك هل هذا جائز؟
هل يجوز الطلاق من امرأة والزواج بأختها وهي على قيد الحياة أو لايجوز؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، ولا شك أن في شرائك الدخان لوالدك إعانة له على الإثم، فالواجب عليك أن لا تعينه على ذلك، وأن تعتذر عن تلبية طلبه بالحسنى، فإن غلب على ظنك حصول مفسدة أكبر لعدم تلبية طلبه، فلا بأس أن تلبي طلبه ـ مع استمرار النصيحة له بالحسنى ـ دفعاً لأعظم المفسدتين بارتكاب أدناهما.
أما إن طلب منك ما هو أعظم من الدخان كالخمر والمخدرات، فإنه يتوجب عليك الامتناع، ولو قدر أن ذلك سيؤدي إلى طردك من البيت، وكنت قادراً على إعالة نفسك، خرجت والله وحده المعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإن لم تكن قادراً على إعالة نفسك لصغر أو عجز جاز لك تلبية طلبه بعد إستنفاذ الوسائل الممكنة لدخولك في حكم المكره، والله أعلم.
أما الزواج بأخت مطلقتك، فلا بأس به إن انقضت عدة مطلقتك، وذلك أن تحريم أخت الزوجة هو تحريم مؤقت، فإذا زال السبب ـ وهو كون أختها في عصمتك ـ زال التحريم، وذلك بعد انقضاء العدة. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(36/663)
حكم نكاح امرأة المفقود
تاريخ الفتوى : ... 18 ربيع الثاني 1422 / 10-07-2001
السؤال
غاب رجل عن زوجته خمس سنوات في الحرب ثم رجع إلى زوجته فوجدها متزوجة هل يحق له إرجاعها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كل فرقة تستند إلى سبب غير جلي، ويحتاج الأمر فيها إلى بحث وفحص تتوقف على القضاء، وتبقى الزوجية فيها قائمة أثناء نظر الدعوى إلى أن يصدر القاضي حكمه بالفرقة بين الزوجين، ومن ذلك الغيبة بجميع أنواعها على المشهور، فإن تزوجت امرأة المفقود في وقت ليس لها أن تتزوج فيه، فنكاحها باطل، لأن حكم الزوجية بينها وبين زوجها الأول على حاله.
أما إذا تزوجت حيث جاز لها الزواج، بأن رفعت أمرها إلى القاضي، ثم حكم بطلاقها بعد انقضاء مدة التربص، وعدة الوفاة، ثم عاد زوجها المفقود، فلا سبيل له عليها حينئذ على قول أكثر الفقهاء، وهو الصواب إن شاء الله.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل تشترط موافقة الأب على زواج ابنه
تاريخ الفتوى : ... 04 ربيع الأول 1422 / 27-05-2001
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أفتونا جزاكم الله خيرا: إنني تزوجت بنصرانية قبل عشرة أشهر وكان وليها هوالقاضي ثم هاجرت
معها إلى أوروبا ولم أعمل حفلا للزواج ووالدي لايعرف بأنها زوجتي لأنه كان معارضا لفكرة الزواج
منها حيث إنني استشرته قبل أن أتزوجها وكان غير موافق وبالنسبة لوالدتي فقد أخبرتها لأنها كانت موافقة والآن ربما والدي يشك بأنني متزوج بها وهنا في أوروبا أسكن أنا وهي ووالداها معا في منزل واحد ولم أعد أطيق العيشة معهم حيث إن والدها يشرب أغلب الأوقات البيرة والخمر ويوجد في المنزل كلبة وتأكل هذه الكلبة أحيانا في الصحون التي نأكل فيها.
فهل زواجي صحيح ؟ وماذا يجب عليا أن أعمل ؟
وجزاكم الله خيرا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(36/664)
فقد سبق بيان حكم الزواج من الكتابية برقم: 5315 فانظره.
وليس من شروط نكاح الرجل من تحل له من النساء إذن والده، لكن إن عارض الوالد ولده في زواجه، وأبدى وجهاً مناسباً للاعتراض وجبت طاعته، وحرمت مخالفته، وليس معنى هذا أن الزواج إن وقع لم يصح، بل هو صحيح إن استوفى شروطه وأركانه، لكن مع إثم مخالفة الأب، والواجب عليك الآن إن كنت مقتنعاً بهذه الزيجة أن ترضي والدك، وتبين له أسباب زواجك، فإن امتنع وأبدى أسباباً وجيهة لامتناعه وجب عليك مفارقتها طاعةً لوالدك إذ أمر الله بطاعته في غير معصية، وليس من المعصية طلاق من ظهرت أسباب وجيهة لطلاقها، ووجب عليك أن تصلح ما بينك وبين والدك، ولو أن توسط قريباً صالحاً يصلح بينكما.
أما بقاؤك في بيت أهل زوجتك والحال على ما ذكرت، فالواجب تركه إن تعذر الإصلاح وانقطع رجاء إسلامهم، بعداً عن مواطن المنكرات وصوناً لنفسك أن تألف المنكر.
وأما الأكل في صحون أكلت فيها الكلاب، فلا يجوز حتى تطهر سبع مرات أولاهن بالتراب، كما أمر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وما ذكرته من ضيق ذرعك بهذه العيشة الكريهة يبين عظمة الإسلام الذي يحث على النظافة، ومكارم الأخلاق ومحاسنها فلله الحمد والمنة على ما منَّ به علينا من هذا الدين العظيم.
أما كون القاضي قد تولى تزويجها، فلا يصح ذلك إلا إذا تعذر وجود الولي الخاص، فإن لم يكن لها ولي خاص أو كان، ولكنه على وضع لا يصلح معه للولاية كالسكران أكثر الوقت، وتولى أمر زواجها قاضٍ مسلم صح زواجك، إذ قد نص فقهاؤنا على أن لا يلي الكافر تزويج مسلمةٍ، ولا مسلم تزويج كافرة واستثنوا تزويج الحر لأمته الكافرة، وتزويج القاضي للكافرة إذا لم يكن لها ولي خاص. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
... الحالات التي يمنع فيها الرجل من الزواج
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1422 / 10-05-2001
السؤال
ما هي حالات عدة الرجل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذهب جميع الفقهاء إلى أن العدة لا تجب على الرجل، حيث يجوز له بعد فراق زوجته أن يتزوج غيرها دون انتظار مضي عدتها، إلا إذا كان هناك مانع يمنعه من ذلك، كما لو أراد الزواج بعمتها أو خالتها أو غيرهما ممن لا يحل له الجمع بينهما، أو طلق رابعة ويريد الزواج بالأخرى فيجب عليه الانتظار في عدة الطلاق الرجعي بالاتفاق، وفي البائن عند الجمهور. والعدة: في اللغة مأخوذة من العد، سميت بذلك لاشتمالها على العديد من الأقراء أو الأشهر. وفي الاصطلاح اسم لمدة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها، أو للتعبد، أو لتفجعها على زوجها.(36/665)
فتحصل بهذا التعريف أن الحالات التي يمنع فيها الرجل من الزواج لا يطلق عليها اسم العدة لا لغة ولا اصطلاحاً، لكن قد يسمى معتداً تجوزاً على جهة المشاكلة، فيما إذا طلق رابعة وأراد الزواج بأخرى، لأنه قد لا يمكن من النكاح في مواطن كثيرة، كزمن الإحرام - مثلاً- أو المرض، ولا يقال فيه إنه معتد.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
... شروط الزواج بالكتابية
تاريخ الفتوى : ... 01 صفر 1422 / 25-04-2001
السؤال
ماهى الشروط الواجب مراعاتها عند الزواج من غير مسلمة تدعي أنها مسيحية ، وهل يجب مرضاة أهلها وهل تصدق باستبراء رحمها وشكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالزواج بالكتابية يشترط له ما يشترط للزواج بالمسلمة من الولي والصداق والشهود.
ويلي الكتابية وليها الكافر، فإن اعترض على زواجها من مسلم - لكونه مسلماً- فإنه يعتبر عاضلاً لها عمن هو كفؤ لها، فتنتقل الولاية عنه إلى غيره من الكفار ولو بَعُدَ، ولا يصح النكاح إلا بولي، ولا يلي الكافرة إلا من هو على دينها.
أما عن تصديق الكتابية فيما تدعيه من براءة رحمها، فالجواب عليه هو أنه يشترط للزاوج منها أن تكون محصنة (عفيفة) -كما تقدم- وإذا كان هذا هو الظاهر من حالها فلا داعي لاستبرائها، وإلا فلا يجوز نكاحها أصلاً.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقي
ـــــــــــــــــــ
الولي.. ومنع المرأة من الزواج
تاريخ الفتوى : ... 02 صفر 1422 / 26-04-2001
السؤال
هل ولاية الولي في الزواج تبرر عضل المرأة وما الذي يجوز للمرأة عمله لإثبات العضل وإن جبنت عن اللجوء للقضاء مثلا كيف يمكنها الحصول على حقها في الزواج؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالولي شرط في صحة العقد، وإلى هذا ذهب الجمهور من أهل العلم، واشتراطه من صميم مصلحة العقد.
والدليل على ذلك قوله تعالى: (ولا تُنْكِحوا المشركين حتى يؤمنوا) [البقرة: 221].
وقوله تعالى: (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) [البقرة: 232].(36/666)
والخطاب في الآيتين موجه للأولياء، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها" رواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة.
وفي هذا دليل مع أن المرأة ليس لها ولاية في الإنكاح لنفسها ولا لغيرها، فلا عبارة لها في النكاح إيجاباً وقبولاً، فلا تزوج نفسها بإذن الولي ولا غيره، ولا تزوج غيرها بولاية ولا بوكالة. سبل السلام (3/255).
وهذا لا يعني أنها لا رأي لها في تحديد الزوج، بل لها الرأي في ذلك، والسبب فيما تقدم هو: أن عقد النكاح عقد خطر يحتاج إلى كثير من المعرفة بمصالح النكاح ومضاره، ويفتقر إلى التروي والبحث والمشاورة، والمرأة ناقصة قاصرة، قريبة النظر والفكر، تغلبها عاطفتها في اختيارها، فاحتاجت إلى ولي يحتاط لهذا العقد من حيث مصلحته، ومن حيث الاستيثاق فيه.
وكون الولاية للولي لا يبرر له عضل من هي تحت ولايته، فإذا ثبت عضلها بتكرر رد الأكفاء من الخطاب، فلها أن ترفع أمرها إلى المحاكم، فإذا ثبت لديها أن وليها يعضلها، أمره القاضي أن يزوجها، فإذا لم يزوجها الولي زوجها القاضي من الكفء، هذا هو المشروع في حقها في حالة العضل، ولا يجوز لها في تلك الحالة - حالة العضل- أن تزوج نفسها ممن تقدم إليها، لما تقدم من اشتراط الولي، ولما رواه البخاري أن معقل بن يسار كانت أخته تحت رجل فطلقها، ثم خَلَّى عنها حتى انقضت عدتها، ثم خطبها، فحمي معقل من ذلك أنفاً، فقال: خَلَّى عنها وهو يقدر عليها، ثم يخطبها، فحال بينه وبينها، فأنزل الله: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن...) إلى آخر الآية.
فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه، فترك الحمية واستقاد لأمر الله.
وكانت أخت معقل تريد الرجوع إلى زوجها. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقي
ـــــــــــــــــــ
نزول الحيض أثناء عقد النكاح لا يبطله
تاريخ الفتوى : ... 28 محرم 1422 / 22-04-2001
السؤال
عند كتب عقد الزواج هل يبطله نزول الدورة الشهرية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن نزول ( الدورة الشهرية) حال عقد النكاح لا يؤثر على صحته ولا يبطله. وبما أن وطء الحائض حتى تطهر لا يجوز لقوله تعالى: ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) [البقرة:222] فإننا ننصح المتزوج الذي هو - في الغالب- غير قادر على كبح جماح شهوته بأن يرجئ الدخول إلى وقت الطهر، خوفاً من أن يبدأ هو وزوجته حياتهما الزوجية بما يغضب الله تعالى.(36/667)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... التوكيل في إجراء عقد النكاح
تاريخ الفتوى : ... 17 محرم 1422 / 11-04-2001
السؤال
أريد الزواج من أجنبيه خارج السعودية فهل يعقد النكاح لي بالهاتف أو الرسائل؟ وهل لابد من أن أحضر عقد النكاح.لأني لا أستطيع السفر بحيث الولي يعقد النكاح لي في بلده ويأتي بالفتاة للسعودية .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا أردت الزواج من امرأة وأنت غائب ولا تتمكن من إبرام عقد الزواج بنفسك، فلك أن توكل غيرك وكالة شرعية بحيث يعقد لك عقد الزواج من المرأة التي تريدها.
وإذا أرسلت رسولاً أو كتبت كتاباً إلى من تريد الزواج منها، وأبدت رغبتها وموافقتها بالاقتران بك فعلى من وكلته أن يحضر الشهود ويسمعهم عبارة رسالتك أو كلام الرسول، وليشهدهم في المجلس على أنه قبل الزواج، ويعتبر القبول مقيداً في المجلس.
وبهذا يكون عقد الزواج قد تم.
أما عقد الزواج بالهاتف فالظاهر أنه لا يجوز لتعذر استيفاء شروط العقد فيه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم نكاح امرأة بدون ولي ولمدة مؤقتة
تاريخ الفتوى : ... 04 ذو الحجة 1421 / 28-02-2001
السؤال
لدي شغالة بدون ولي وأرغب في الزواج منها طيلة مدة إقامتها التي تتراوح مابين 2_4 سنوات.
فماحكم ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيحرم عليك الزواج بهذه المرأة لعلتين: الأولى : عدم وجود الولي، والذي هو شرط لصحة عقد النكاح، الثانية: لنيتك طلاقها بعد مدة وهذا محرم، بل بعض أهل العلم جعل النكاح بنية الطلاق نكاحاً فاسداً.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(36/668)
حكم نكاح اللقيط
تاريخ الفتوى : ... 04 ذو الحجة 1421 / 28-02-2001
السؤال
أنا شاب أبلغ من العمر ثلاثين سنة درست وتخرجت مدرسا وأنا لقيط ولم أتزوج بعد لأنني أبحث عن فتاة من نفس وضعي الذي عشت فيه ومع ذلك قدر الله أن هناك فتاة في حيِّنا الذي نعيش فيه ولكن المشكلة أن هذه الفتاة لم ترضع من هذه الأسرة التي تبنتها وهي طفلة أفتونا مأجورين الرجاء الاهتمام بالرسالة والردعليها سريعا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما قامت به هذه الأسرة من الرعاية والتربية لهذه الفتاة هو من باب الخير والإحسان الذي يرجى أن يثيبهم الله عليه، لكن لا يجوز أن تنسب إليهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من ادعى إلى غير أبيه- وهو يعلم أنه غير أبيه- فالجنة عليه حرام" رواه البخاري ومسلم، وفي رواية " ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً". ولأن التبني في الإسلام محرم، لقوله تعالى: ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) [الأحزاب: 5] والقاعدة في تسمية اللقيط إذا كان مجهول النسب- أن يسمى اسماً عاماً، لا يوهم لحوقه بعائلة، أو قبيلة معلومة، كأن يدعى: عبد الله بن عبد الرحمن، ونحوه، أو فاطمة بنت محمد ... إلخ.
والمحظور في التبني انتساب اللقيط إلى غير أبيه.
أما بالنسبة لزواجك من هذه الفتاة، فلا حرج في ذلك،ولا دخل لرضاعها من هذه الأسرة أو عدمه في حل نكاحها لك، لكن يجب أن توكل الفتاة القاضي الشرعي، أو من يقوم مقامه في عقد نكاحها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، ثلاث مرات: فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" رواه أبو داود، والترمذي وحسنه وابن ماجه، وأحمد.
وفقك الله لما يحبه يرضاه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
-
حكم الزواج بأخت المطلقة
تاريخ الفتوى : ... 06 ذو الحجة 1421 / 02-03-2001
السؤال
هل يجوز الطلاق من امرأة والزواج بأختها وهي على قيد الحياة أو لايجوز؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(36/669)
فلا حرج في ذلك إن انقضت عدة مطلقتك، وذلك أن تحريم أخت الزوجة هو تحريم مؤقت، فإذا زال السبب ـ وهو كون أختها في عصمتك ـ زال التحريم، وذلك بعد انقضاء العدة. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
زنت وتابت وتريد الزواج بدون إذن وليها
تاريخ الفتوى : ... 11 ذو القعدة 1421 / 05-02-2001
السؤال
فتاة عمرها 28 سنة تريد الزواج من رجل عمره 43 سنة متزوج، وهو إماراتي
الجنسية وهي متأكدة أن ولي أمرها سيرفض، ما الحكم في أن تذهب إلى مصر مثلا وتطلب من قاضٍ
شرعي هناك أن يعقد نكاحها على ذلك الرجل؟ علما أنها ثيب من زنا، وأهلها لا يعلمون، والرجل الذي تريد
زواجه يعلم، ووافق بعد أن تابت إلى الله أمامه، ولا تستطيع الزواج من أي رجل يوافق عليه أهلها
لأنها لن تستطيع إطلاعه على سرها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النكاح لا يصح إلا بولي، ولا تملك المرأة أن تزوج نفسها ولا غيرها ولا أن توكل غير وليها - مع ثبوت عدم عضله لها- سواء كانت المرأة سبق لها الزواج أم لا، صغيرة كانت أم كبيرة، لقوله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم) [التوبة: 32] وقوله تعالى: ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ) [البقرة: 231] وقوله: (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) [البقرة:232] فخاطب الرجال بتزويج النساء، ولو كان لها أن تزوج نفسها لما ثبت في حقها العضل من قبل وليها. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال أيضاً: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وروى ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزوج المرأة المرأة ، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها".
وإلى هذا ذهب جماهير أهل العلم من السلف والخلف منهم مالك والشافعي وأحمد، وهو الحق الذي لا يجوز العدول عنه بحال، ويروى أيضاً عن عمر وعلي وابن عباس وأبي هريرة وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.
والأحق بتزويج المرأة أبوها ثم أبوه وإن علا، فإن لم يوجد فابنها ثم ابنه وإن نزل، ثم أخوها الشقيق ثم لأبيها ثم أبناء أخيها، ثم أبناء أخيها لأب، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ولا يتنقل من قرابة إلى أخرى مما سبق إلا عند عدم وجودها أو عدم(36/670)
صلاحيتها، فإن عدمت الولي من هؤلاء فيزوجها السلطان ( القاضي ) لقوله صلى الله عليه وسلم: " فالسلطان ولي من لا ولي له". رواه أحمد وأبو داود الترمذي.
كما أنه لا يجوز أن تسافر المرأة بلا محرم، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : 6219.
وليس للمرأة أن تخبر رجلاً أجنبياً عنها بما اقترفته من الإثم، لما في ذلك من هتك ستر الله تعالى، وحذرا من الفتنة والوقوع في الإثم مرة أخرى.
وزواج المرأة بلا إذن وليها - مع كونه محرماً - عقوق لوالديها، وإيذان بالقطيعة لهما، وإقدام على مستقبل محفوف بالمخاطر والأحزان.
والواجب عليك التوبة إلى الله تعالى مما سبق، والالتجاء إليه سبحانه أن يذهب عنك الهم ويفرج عنك الكرب، وأن يوفقك للزواج من الرجل الصالح الذي تسعدين معه وتهنئين. وإذا تابت المرأة من الزنا لم يجب عليها إخبار المتقدم لها بما كان منها، وإنما تستتر بستر الله تعالى.
كما لا يلزمها إخبار الزوج بذلك بعد الزواج ولو سألها، وتلجأ إلى التورية في ذلك، فإن البكارة تزول بأسباب كثيرة كالوثب، وتتابعه والركوب فوق الأشياء الصلبة، وغير ذلك نص على ذلك أهل العلم. ومن تابت إلى الله تعالى توبة صادقة نصوحاً رجي لها أن يسترها الله تعالى بستره، وأن يرعاها برعايته .
وعلى هذا نقول : احذري أن تضمي إلى معصيتك الأولى معاصي أخرى كثيرة، من عصيان لوالدك، وزواجك بلا إذنه، وسفرك المحرم، وما يترتب على ذلك من مشاكل مستقبلية بينك وبين أهلك، وربما كان هذا سبباً في افتضاح أمرك. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الولي شرط في النكاح ولو كان المعقود عليها كتابية
تاريخ الفتوى : ... 12 شوال 1421 / 08-01-2001
السؤال
هل يجوز أن تزوج المرأة المسيحية المحصنة نفسها من المسلم من غير إذن وليها المسيحي أو موافقته؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمرأة الكتابية المحصنة أن تتزوج بمسلم من غير إذن وليها الكتابي، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" رواه أبو داود والترمذي. قال ابن قدامة: (إذا تزوج المسلم ذمية فوليها الكافر يزوجها إياه. ذكره أبو الخطاب، وهو قول أبي حنيفة والشافعي رضى الله عنهما، لأنه وليها فصح تزويجه كما لو زوجها كافراً، ولأن هذه امرأة وليها مناسب فلم يجز أن يليها غيره، كما لو تزوجها ذمي) انتهى. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الولي شرط في صحة زواج الثيب والبكر.(36/671)
تاريخ الفتوى : ... 04 محرم 1422 / 29-03-2001
السؤال
المرأة المطلقة التي لم يدخل بها زوجها(سابقا)؛
هل يجوز لها الزواج بدون ولي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز للمرأة أن تتزوج بدون إذن وليها على ما ذهب إليه جمهور المسلمين لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل..." إلى آخره. أخرج هذا الحديث الأربعة إلا النسائي وصححه أبو عوانة وابن حبان والحاكم وصححه أيضاً يحيى بن معين وغير واحد من الحفاظ. وتلقاه جمهور العلماء بالقبول ويعضد بأحاديث أخرى منها " لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها" رواه ابن ماجه والدارقطني ورجاله ثقات. وهو صريح في الموضوع.
والذين اشترطوا الولاية لصحة النكاح الذين هم الجمهور لم يفرقوا بين البكر والثيب في اشتراط ذلك.
إلا أن الثيب أحق بنفسها من وليها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر وإذنها سكوتها" رواه مسلم.
أي أحق بالرضا، فلا تتزوج حتى تنطق بالإذن، بخلاف البكر فيكفي في حقها السكوت، كما في الحديث. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مدى مشروعية تزويج المرأة نفسها
تاريخ الفتوى : ... 20 ربيع الأول 1423 / 01-06-2002
السؤال
هل يجوز أن تتزوج المرأة بدون ولي إذا لم يوجد علماً إذا كان قد سبق لها الزواج ولها اطفال
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النكاح لا يصح إلا بولي، ولا تملك المرأة أن تزوج نفسها ولا غيرها ولا أن توكل غير وليها - مع ثبوت عدم عضله لها- سواء كانت المرأة سبق لها الزواج أم لا، صغيرة كانت أم كبيرة، لقوله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم) [النور: 32] وقوله تعالى: ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ) [البقرة: 231] وقوله: (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) [البقرة:232] فخاطب الرجال بتزويج النساء، ولو كان لها أن تزوج نفسها لما ثبت في حقها العضل من قبل وليها. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي" رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال أيضاً: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" رواه أحمد(36/672)
وأبو داود والترمذي والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وروى ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها".
وإلى هذا ذهب جماهير أهل العلم من السلف والخلف منهم مالك والشافعي وأحمد، وهو الحق الذي لا يجوز العدول عنه بحال، ويروى أيضاً عن عمر وعلي وابن عباس وأبي هريرة وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.
والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم تزويج المرأة نفسها
تاريخ الفتوى : ... 04 محرم 1422 / 29-03-2001
السؤال
هل يجوز أن تتزوج المرأة بدون ولي إذا لم يوجد علما أنه كان قد سبق لها الزواج ولها اطفال، وهل يصح أن يكون زوج الخالة وليا في العقد؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النكاح لا يصح إلا بولي، ولا تملك المرأة أن تزوج نفسها ولا غيرها ولا أن توكل غير وليها - مع ثبوت عدم عضله لها- سواء كانت المرأة سبق لها الزواج أم لا، صغيرة كانت أم كبيرة، لقوله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم) [التوبة: 32] وقوله تعالى: ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ) [البقرة: 231] وقوله: (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن)، [البقرة:232] فخاطب الرجال بتزويج النساء، ولو كان لها أن تزوج نفسها لما ثبت في حقها العضل من قبل وليها. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي" رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال أيضاً: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. و روى ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها".
وإلى هذا ذهب جماهير أهل العلم من السلف والخلف منهم مالك والشافعي وأحمد، وهو الحق الذي لا يجوز العدول عنه بحال، ويروى أيضاً عن عمر وعلي وابن عباس وأبي هريرة وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.
والأحق بتزويج المرأة أبوها ثم أبوه وإن علا، فإن لم يوجد فابنها ثم ابنه وإن نزل، ثم أخوها الشقيق ثم لأبيها ثم أبناء أخيها، ثم أبناء أخيها لأب، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ولا يتنقل من قرابة إلى أخرى مما سبق إلا عند عدم وجودها أو عدم(36/673)
صلاحيتها، فإن عدمت الولي من هؤلاء فيزوجها السلطان (القاضي) لقوله صلى الله عليه وسلم: " فالسلطان ولي من لا ولي له". رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وزوج الخالة ليس من أولياء المرأة- ما لم يكن واحداً من المذكورين- ولهذا تنتقل الولاية إلى القاضي عند عدم وجود أحد من عصبة المرأة المذكورين على ترتيبهم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
إذا لم يوجد الولي الصالح يعتبر القاضي وليا
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
أعرف جزاكم الله خيرا صديقاً عزيزاً أقدم على الزواج من شابة عربية قابلها أثناء دراسته في الخارج و بدون علم وليها وقد عقد عليها في المركز الإسلامي في بلاد غربية وقد بينت له أن هذا زواج باطل لعدم اكتمال الشروط ولكنه أصر على أن ما أقدم عليه كان من باب التحصين له ولها من الزنا في بلاد الغرب ويعتقد أن والد الفتاة الذي سمح لها أن تذهب بمفردها وبدون محرم وتسكن مع عائلة غير مسلمة بينما أهلها في دولة عربية لا يستحق أن يؤخذ رأيه في أمر زواجها حتى أنه لا يتصل للاطمئنان على حالها إلى أن ذكر أنها كانت خائفة على نفسها وقد وافقت على الزواج دون تردد السؤال جزاكم الله خيرا هل من تزوج هذه الفتاة محقا بما فعل وما هي نصيحتكم له؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا نكاح إلا بولي" أخرجه ابن حبان والحاكم وصححه،. وقال أيضاً " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " رواه الخمسة إلا النسائي. وقد دل هذان الحديثان على أن النكاح لا يصح إلا بولي، ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها، وأحق الناس بتزويج المرأة أبوها ثم أبوه وإن علا، ثم ابنها وابنه وإن سفل، ثم أخوها الشقيق ثم الأخ لأب ثم أولادهم وإن سفلوا ثم العمومة.
وإذا سقطت ولاية الأقرب زوجها الذي يليه وإن سقطت ولايتهم جميعاً فإن السلطان هو الذي يزوجها ويقوم مقامه القاضي لقوله صلى الله عليه وسلم: " فالسلطان ولي من لا ولي له". وما دام أهل هذه المرأة موجودين فهم أحق بتزويجها، ولا يجوز لها أن تولي غيرهم عقد نكاحها، ولا يجوز لمن يخطبها أن يقبل أن يلي عقدها غيرهم، إلا إذا ثبت أن أولياءها غير أكفاء لفسق ظاهر،أو أنها لا ولي لها وقد جاءها كفؤها في الدين، فالمسألة حينئذ تصبح هنا محل نظر القاضي، أو من يقوم مقامه إذا كنتم في بلد غير إسلامي،
ثم إن كون والد هذه الفتاة تركها ملقاة الحبل على غاربها تسافر حيث تشاء وتسكن مع من تشاء بدون محرم، لا شك أن هذا التصرف مسقط لعدالته، ودليل على(36/674)
ضعف إيمانه وانعدام الغيرة من قلبه. ومن سقطت عدالته سلب الولاية على موليته على ما ذهب إليه كثير من العلماء، ولكن يبقى السؤال هل لها غيره من الأولياء، أم ليس لها غيره.
فإن كان لها ولي صالح غير هذا الأب الساقط العدالة، فلا يصح نكاحها بدونه كما تقدم في الحديث السابق، الذي تلقاه الجمهور من العلماء بالقبول والعمل بمقتضاه، أما إذا لم يكن للمرأة تلك ولي صالح ورغب في النكاح منها كفؤها، ورأت جماعة المسلمين في المركز الإسلامي، -كما ذكر السائل- أن في عقد الزواج بينهما مصلحة، فلا حرج في هذا الزواج حينئذ وهو ماض.
أما نصيحتنا للمسؤول عنه ولغيره فتتمثل أولاً بالأمر بامتثال أمر الله عز وجل، والكف عن معاصيه والوقوف عند حدوده، ولا يفوتنا أن ننبهه وغيره من الشباب الذي هم بصدد الدخول في الحياة الزوجية أن الواجب عليهم عند إرادة الزواج هو اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين لتتحقق المودة والرحمة، وينشأ الأولاد نشأة التقوى والخلق الفاضل. قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) [الروم: 21].
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
موافقة الولي وحضور الشهود شرط لصحة النكاح.
تاريخ الفتوى : ... 13 جمادي الثانية 1422 / 02-09-2001
السؤال
كنت جالسا أنا وجارتي وصديقتها نتحاور في أمور الزواج ومن باب المزاح قالت لي صديقتها بأن أتزوجها ولم يكن الأمر في نيتي أن أفعل ذلك ولكن كان دعابة ومزاحا ثم أتت بورقة وقالت لي أن أتزوجها عرفيا ثم كتبت الورقة ووقعت عليها وهي كذلك صديقتها وكل ذلك هرج ومرج ثم قالت لصديقي بأن يوقع فقلت له لا تفعل حتى لا يصبح الأمر في نطاق الجد ثم أخذت الورقة ومزقتها. أفتوني في أمري هل يعتبر هذا زواجا؟ وإن كان فماذا يجب أن افعل هل من كفارة وإن لم يكن هل من ذنب أو كفارة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا قبل أن نجيب السائل ننبهه أولاً إلى أن الجلوس مع النساء الأجنبيات والتحدث إليهن، لغير ضرورة يؤدي إلى الوقوع فيما حرم الله تعالى من التلذذ بأصواتهن والنظر إليهن وقد قال الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أذكى لهم إن الله خبير بما ينصنعون) إلى قوله (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) [النور: 30، 31].
فالشارع حرم كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الافتتان بالنساء، فأمر كلاً من الرجال والنساء بغض البصر كما علمت، وأمر النساء خاصة بأن يستترن عن الرجال ويحتجبن، كل ذلك سداً لذريعة الوقوع في الحرام، أما عن السؤال فنقول إن ما(36/675)
جرى بينك وبين من ذكرت لا يعتبر نكاحاً، إذ من شروط صحة النكاح وجود ولي للمرأة، كما هو مذهب الجمهور، وعليه فكل نكاح بدون إذن ولي المرأة فهو باطل، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا :" أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل فنكاحها، باطل فنكاحها باطل..." إلى آخره.
وما جاء في حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" الحديثان رواهما الخمسة إلا النسائي، وعن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعاً: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" رواه ابن حبان والبيهقي، وإذا لم يجر بينك وبين المرأة تلك إلا ما ذكرت من الكلام أو التوقيع أو نحو ذلك فلا عليك غرم ولا كفارة، لكن عليك أن تستغفر الله ولا تعود إلى مثل تلك المجالس، مع العلم بأن هزل النكاح جد، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والنكاح والرجعة" رواه الإمام أحمد والترمذي.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم نكاح الهازل
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
كنت جالسا أنا وجارتي وصديقتها نتحاور في أمور الزواج ومن باب المزاح قالت لي صديقتها بأن أتزوجها ولم يكن الأمر في نيتي أن أفعل ذلك ولكن كان دعابة ومزاحا ثم أتت بورقة وقالت لي أن أتزوجها عرفيا ثم كتبت الورقة ووقعت عليها وهي كذلك صديقتها وكل ذلك هرج ومرج ثم قالت لصديقي بأن يوقع فقلت له لا تفعل حتى لا يصبح الأمر في نطاق الجد ثم أخذت الورقة ومزقتها. أفتوني في أمري هل يعتبر هذا زواجا؟ وإن كان فماذا يجب أن أفعل هل من كفارة وإن لم يكن هل من ذنب أو كفارة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا قبل أن نجيب السائل ننبهه أولاً إلى أن الجلوس مع النساء الأجنبيات والتحدث إليهن، لغير ضرورة يؤدي إلى الوقوع فيما حرم الله تعالى من التلذذ بأصواتهن والنظر إليهن. وقد قال الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ..) إلى قوله (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) [النور:30، 31]. فالشارع حرم كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الافتتان بالنساء، فأمر كلاً من الرجال والنساء بغض البصر كما علمت، وأمر النساء خاصة بأن يستترن عن الرجال ويحتجبن، كل ذلك سداً لذريعة الوقوع في الحرام.
أما عن السؤال فنقول: إن ما جرى بينك وبين من ذكرت لا يعتبر نكاحاً، إذ من شروط صحة النكاح وجود ولي للمرأة، كما هو مذهب الجمهور، وعليه فكل نكاح بدون إذن ولي المرأة فهو باطل، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل فنكاحها، باطل فنكاحها(36/676)
باطل..." إلى آخره. وما جاء في حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" الحديثان رواهما الخمسة إلا النسائي، وعن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعاً: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" رواه ابن حبان والبيهقي، وإذا لم يجر بينك وبين المرأة تلك إلا ما ذكرت من الكلام أو التوقيع أو نحو ذلك فلا عليك غرم ولا كفارة، لكن عليك أن تستغفر الله ولا تعود إلى مثل تلك المجالس، مع العلم بأن هزل النكاح جد، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة" رواه الإمام أحمد والترمذي. .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أهل المرأة هم الأحق بتزويجها
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
السلام عليكم تعرفت على فتاة ذات دين وجمال عن طريق أختي وعندما سألت أختي عنها ذكرت لي أنها قد تزوجت من قبل وأنها أم لولد من رجل سابق انفصلت عنه بسبب مشاكل له مع أهلها وعندما هممت بالزواج منها اعترض أهلها وأنا بصراحة عازم على الزواج منها ولكن لن نجد ولياً لها من بين إخوتها لأنهم يرفضون زواجها من غير ابن عم لها قريب وهي ترفض وقالت لي إنها بإمكانها أن تتزوج مني وسوف توكل ابن عم لها من بعيد سؤالي هل هذا صحيح وبماذا تنصحون وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" أخرجه ابن حبان والحاكم وصححه،. ويقول أيضاً " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " رواه الخمسة إلا النسائي.
وقد دل هذان الحديثان على أن النكاح لا يصح إلا بولي، ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها، وأحق الناس بتزويج المرأة أبوها ثم أبوه وإن علا، ثم ابنها وابنه وإن سفل، ثم أخوها الشقيق ثم الأخ لأب ثم أولادهم وإن سفلوا ثم العمومة. وإذا سقطت ولاية الأقرب زوجها الذي يليه وإن سقطت ولايتهم جميعاً فإن السلطان هو الذي يزوجها ويقوم مقامه القاضي لقوله صلى الله عليه وسلم: " فالسلطان ولي من لا ولي له".
وما دام أهل هذه المرأة موجودين فهم أحق بتزويجها، ولا يجوز لها أن تولي غيرهم عقد نكاحها، ولا يجوز لمن يخطبها أن يقبل أن يلي عقدها غيرهم، إلا إذا ثبت أن أولياءها غير أكفاء لفسق ظاهر، أو ثبت أنه يريدون مضارتها لمصالح شخصية أو نحوها، مما يعرضها لمخاطر الوقوع في فاحشة الزنا، وقد جاءها كفؤها في الدين،(36/677)
وهم يرفضونه لهذا السبب ـ وهذا نادر فيما نحسب ـ فالمسألة هنا محل نظر والرغبة الشخصية في الزواج لا تسوغ تجاوز حدود الشرع من كلا الطرفين.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم من زوجت نفسها بدون إذن وليها
تاريخ الفتوى : ... 26 ربيع الأول 1422 / 18-06-2001
السؤال
أثناء عملي تعرفت على شاب حسن الأخلاق متدين لا غبار عليه وحيث إن والدي متوفى طلب هذا الشاب من أخي الزواج وكان أخي صديقا لهذا الشاب ولمح له بالقبول وبعدفترة تغير موقف أخي وحاول الجميع معرفة سبب تغير رأيه لكن لم يجب وبعد أن توسط الخال والعم له ولكن دون فائدة وأخيرا بعد مرور وقت طويل قررت أن اتزوج دون الرجوع لأخي وفعلا تزوجت لأستر نفسي حيث أصبح سني فوق السابعة والعشرين وبعد أن حاولت مع أخوالي وعمي أن يكونوا ولياء أمري لكنهم رفضوا لكي لا يغضب أخي وسؤالي هل زواجي هذا بدون ولي صحيح علما أنني تزوجت بعقد صحيح وشهود وبين أقارب زوجي
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالولي شرط في صحة النكاح، فلا يصح النكاح إلا بولي يتولى عقده، وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد وجمهور أهل العلم، وهو الصواب لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا نكاح إلا بولي " رواه أحمد وأصحاب السنن.
وذلك لأن عقد النكاح عقد خطير يحتاج إلى كثير من المعرفة بالمصالح والمضار، ويفتقر إلى التروي والبحث والمشاورة، والمرأة غير مؤهلة لذلك خلقة في الغالب، فلا ينبغي لها أن تباشر هذا الأمر.
فإن كان أخوك قد منعك من كفء لك، وقد بلغت من السن ما ذكرت، كان عليك أن تحاولي معرفة السبب الذي جعله يغير رأيه هكذا ، ولا يكون عاضلاً لك بمجرد رد هذا الخاطب إلا إذا تكرر منه ذلك، وتحقق منه الإضرار أو غلب على الظن، فيكون حينئذ عاضلا، ولك والحالة هذه أن ترفعي أمرك للقاضي ليزوجك هو.
هذا هو الذي كان ينبغي لك فعله، أما الآن وقد حصل ما حصل فإن كنت قد عينت ولياً يلي عقد النكاح فنكاحك صحيح، ولو كان أخوك غير راض، لأن الراجح أن الولي غير المجبر لا يبطل تجاوزه عقد النكاح ، لا سيما إذا كان قد رفض بعض الخطاب رفضاً غير مبرر شرعاً، وإن كان الإقدام على التجاوز ممنوعاً أصلاً إلا عن طريق القاضي .
وأما إن كنت أنت التي باشرت العقد بنفسك فإن العقد باطل لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها" رواه ابن ماجه والدارقطني ورجاله ثقات، ولقوله: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له"(36/678)
أخرجه الأربعة إلا النسائي. والواجب عليك في مثل هذه الحال رفع الأمر إلى القاضي ليجدد العقد.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مقاصد الشرع في اشتراط الولي والشهود
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
سؤالي حول موضوع هام هو الزواج العرفي للفتاة بالسر بدون موافقة أهلها أو بدون وجود ولي, هذا الموضوع الحساس والخطيرهو محط أنظار واهتمام العديد من الشباب والفتيات, حيث يقوم العديد من الشباب العديمي المسؤولية والأخلاق بإغواء البنات بهذا الزواج وبالسر و الذي في كثير من حالاته يفقد بعض شروطه ويبطل، وإن لم يبطل فهو مجرد من حماية حقوق المرأة التي أعطاها إياها الله سبحانه وتعالى, وكما رأينا من فترة قريبة على إحدى القنوات الفضائية هناك آلاف الحالات واقعة في الزواج العرفي بالسر( بدون علم الأهل أو الولي)وأسئلتي هي:
1-ما هو حكم الزواج العرفي بالسر دون موافقة الأهل أو الولي للفتاة المسلمة, هل يعتبر باطلا وهل بالتالي تكون الفتاة المسلمةفي هذاالزواج في حالة زنى؟ مع الأدلة.
2-في حالة الزواج العرفي ومع افتراض اكتمال شروط الولي والشاهدين ما حكم عدم الإشهار ( يعني بعلم أبيها وأمهاوالزوج فقط)؟ مع الأدلة.
3- ما حكم ما نسمعه عادة من قيام أحد الآباء من تزويج ابنته بشكل عرفي وبالسر( بعلم أهلها والزوج فقط)تحت إغراء المال من رجل يكبرها ب 30 سنة على الأقل وهو متزوج وأبناؤه في نفس عمر الفتاة؟ 4- ما هو رأي الشرع في حالات الزواج الذي يكون فيها فارق السن كبيرا ( 30 سنة مثلا) والتي عادة ما تنتهي بالطلاق ( كزواج رجل في الستين من فتاة 17 سنة أو العكس شاب في ال 20 سنة من سيدة 60 سنة ).
5- ما هو زواج المسيار وما حكمه؟ مع الأدلة . وجزاكم الله خيرا...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فعليك السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
واعلم أن من مقاصد الشريعة المطهرة العظمى حماية حقوق الفرد والمجتمع، والمحافظة على الأنساب، وأخذ كل الاحتياطات لمنع اختلاطها. من أجل كل ذلك وضعت للزواج الشرعي شروطا وضوابط لحماية حق الرجل والمرأة والولد.
فاشتراط الولي والشهود والإشهار للزواج هو لحماية الزوج أن ينسب إليه ولد هو منه براء في الحقيقة، وحماية للمرأة أن ينكر الرجل -متى شاء- ولده منها وحماية للولد أن ينتفي منه أبوه متى حلا له ذلك. ولعل الحكمة من هذه الشروط والضوابط الشرعية يدركها جلياً من تساهلوا في الأخذ بها فحصل ما حصل من مشاكل متشابكة وضياع للحقوق وظلم للآخرين.(36/679)
لذلك كان الواجب على المسلم والمسلمة والمجتمع كلاً أن يلتزموا بشرع الله تعالى ويحكموه في كل أمور حياتهم ليسعدوا في الدنيا والآخرة. وإليك جواب أهم النقاط التي تضمنها سؤالك.
فالزواج الصحيح شرعاً هو ما اجتمعت فيه شروط الصحة وانتفت عنه موانعها وراجع لذلك الجواب رقم: 1766
1- إذا كان الزواج قد حصل بدون علم الولي وموافقته فهو باطل لقول النبي صلى الله عليه وسلم "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " كما في المسند والسنن . وعلى هذا يجب أن يفرق بين هذا الرجل وتلك المرأة ويفسخ ما يسميانه نكاحاً. والحقيقة أنه ليس نكاحاً إلا نكاحاً باطلاً. وإن وافق الولي على زواج هذا الرجل من تلك المرأة بعد ذلك فليكن بعقد جديد بعدما تستبرئ المرأة، إن كان هذا الرجل قد وطئها من قبل، ومن أهل العلم من قال: إن الولي إذا علم بذلك وأمضاه جاز، ولا حاجة إلى عقد جديد، وعلى كل فالإقدام على هذا الأمر ابتداء لا يجوز كما لا يجوز الاستمرار فيه إذا حصل، ومع ذلك فلا يعتبر الاتصال المترتب عليه زناً بحيث يقام حد الزنا على كل من الرجل والمرأة، وذلك لأن من أهل العلم من لم يشترط لصحة النكاح الولي، وهذا القول وإن كان مرجوحاً من حيث الدليل، فإنه يدرأ به الحد عمن أقدم على مثل هذا الفعل ولا يعتقد حرمة الإقدام عليه.
2- وأما إذا اكتملت الشروط المطلوبة لصحة النكاح إلا أنه لم يحصل إعلان وإشهار له فإن كان ذلك عن غير تواطؤ من الأطراف المعنية فهو صحيح، وعليهم أن يعلنوه ويشهروه ليبتعد عن مشابهة الزنا في صفاته، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أعلنوا النكاح، واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف." كما في المسند والترمذي.
أما إن كان عدم الإشهار حاصلا عن تواطؤ فإن النكاح مختلف فيه بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه يفسخ لمشابهته للزنا من حيث التواطؤ على الكتمان.
ومنهم من قال: إنه صحيح لا يفسخ لتوافر شروط الصحة فيه، فهو مثل ما لم يحصل تواطؤ على كتمانه.
3- أما الفقرة الثالثة من السؤال فجزء من جوابها داخل ضمن جواب الفقرة السابقة.
وأما كون الأب زوّج ابنته من رجل أكبر منها بكثير فإن حصل ذلك برضاها فالزواج صحيح، مهما كانت الدوافع إليه من قبل الأب، وإن لم يكن برضاها: فإن كانت ثيباً قد تزوجت من قبل فليس لأبيها ولا لغيره أن يجبرها على الزواج ممن لا ترغب فيه، وإن حصل ذلك فلها فسخه عند القاضي إن شاءت.
وإن كانت بكراً فقد اختلف أهل العلم: هل يجوز لأبيها خاصة أن يجبرها أو لا يجوز له ذلك؟ والراجح القول الأخير فهي مثل الثيب، ويمكنك الاطلاع على الفتوى رقم: 3006 والفتوى رقم: 4043
4- أما الحكم الشرعي في الزواج الذي يكون فيه فارق السن بين الزوجين كبير فهو أنه زواج صحيح إذا لم يكن هنالك خلل آخر، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم(36/680)
عائشة رضي الله عنها وعمرها ست سنوات ودخل بها وهي بنت تسع ثبت ذلك عنها في أحاديث متفق عليها، وكان عمره هو إذ ذاك قد جاوز الخمسين، وتزوج خديجة أم أولاده عليه وعلى الجميع صلوات الله وسلامه وهي أكبر منه بنحو خمسة عشر عاماً. ومع ذلك فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الترغيب في نكاح الأبكار الصغار ليكون ذلك أرجى لكثرة الولد وذلك مطلوب شرعاً، بل إنه من أساسيات مقاصد الزواج، فقد ثبت عنه أنه قال: "عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواهاً، وأنتق أرحاماً، وأرضى باليسير" كما في سنن ابن ماجه.
وقد ثبت عنه أنه قال: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم" كما في السنن لأبي داود والنسائي.
وأما الفقرة الأخيرة من سؤالك فراجع لها الفتوى رقم: 3329.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الاتفاق بين فتى وفتاة على الزواج لا يعد عقد زواج,
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
السلام عليكم تعرفت على فتاة و كنا صغار السن جداً ,و كتبنا ورقة بيننا أنها زوجتي و أني زوجها و لم أعاشرها معاشرة الأزواج .و عندما كبرنا تقدمت لأبيها و تم عقد القران شرعاً و السؤال هو : حتى تم عقد القران الشرعي كانت هي تعتقد أن الورقة التي كتبناها و نحن صغيرين هو الزواج الأصلي الذي تم بيننا , فما حكم هذا الزواج ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما كان بينكما قبل عقد القران الشرعي من كتابة ورقة ومواعدة لا يعتبر شرعاً، ولا يترتب عليه أي شيء من الحقوق الزوجية، وإنما تتحقق الزوجية وتترتب آثارها الشرعية بعد عقد القران الشرعي الصحيح، وعليكما أن تتوبا إلا الله مما سلف منكما من خلوة أو غيرها قبل إبرام العقد الأخير.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
يجوز للفتاة أن تطلب حل زواج قد أجبرت عليه
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
هل يجوز للأهل إجبار الفتاة على الزواج و هل يجوز للفتاة طلب حل هذا الزواج إن أجبرت عليه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(36/681)
فالجواب عن الإجبار قد تقدم برقم:
3006
وأما سؤالك هل يجوز للفتاة حل الزواج إن أجبرت عليه؟.
فالجواب أن لها ذلك عند من يقول إنها لا يجوز إجبارها، وهو الراجح كما هو مبين بأدلته في الجواب المشار إليه.
وفي المسند وسنن أبي داود وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن جارية بكراً أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... السلطان ولي من لا ولي له .
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
فتاة يتيمة الأب و الأم، تريد الزواج و هي تبلغ من العمر 35 عاما و تعيل نفسها منذ الصغر من خلال عملها فى المجال الإعلامي من تمثيل و رقص شعبي و حتى أكملت دراستها الجامعية فاشتغلت كموظفة فى نفس المجال الإعلامى كمسؤولة عن البرامج الإذاعية والتلفزيونية و نظراً لنظرة المجتمع و العادات و التقاليد فجميع الشباب الذين تقدموا إليها لم يكملوا عزمهم على الزواج. الآن و بعد أن منّ الله عليها بالحجاب و التحقت بوظيفة حكومية أخرى، تقدم لها رجل صالح متزوج و يريد الزواج بها ونظراً لأنه يعتبر وافداً و ليس من البلد ذاته تطلب المحكمة أن يكون لها ولى أمر بالرغم من سنها و لا يوجد لديها سوى أخ من الأم و الأب غير صالح و غير معلوم مكانه حيث أنه له سوابق عديدة و يصغرها فى السن بأربع سنين. و هناك أخ من الأب يكبرها و غير مقيم فى البلد حيث إنه من جنسية أخرى و تعرفت عليه منذ سبع سنين فقط. و هو غير موافق حيث له مصالح فى بلد أخته و ذلك لأن الرخص التجارية باسمها و فى حالة زواجها من الغريب يمكن أن تسحب جنسيتها علماً بان هناك استثناءات و لكن تحتاج لرجل يسعى فى الدوائر الحكومية و لكنه يريدها هي التي تسعى و هو فقط يكون وكيلها فى المحكمة.... أفيدونى أفادكم الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فوجود الولي شرط من شروط النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا نكاح إلا بولي ". رواه أحمد وأبو داود .
ولقوله : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإنه دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ". رواه أحمد وأبو داود .(36/682)
وأحق الأولياء بتزويج المرأة أبوها ، ثم جدها ، ثم ابنها وإن نزل ، ثم الأخ الشقيق وهو مقدم على الأخ لأب ، ثم الأقرب فالأقرب .
فعليك أولاً الاتصال بأخيك الشقيق وإعلامه ليحضر العقد ، فإن كان غائباً أو جهل مكانه ، انتقلت الولاية إلى أخيك من جهة الأب .
وحيث أنه غير موافق كما ذكرت ، فقد نص الفقهاء على أن الولي إن منع من بلغت كفؤاً رضيت به ورضيت بما صح مهراً ، فللأبعد تزويجها ، كما هو المنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله ، وعنه في رواية : يزوجها الحاكم.
فارفعي أمرك إلى القاضي الشرعي ليعين لك من أقاربك ولياً ، أو يتولى هو تزويجك بنفسه ، والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... إذا سقطت ولاية الأقرب في الزواج فالذي بعده هو الولي.
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم أخي الشيخ السلام عليكم و رحمة الله و بركاته : سؤالي هو: أنا شاب أعيش في بلد يجهل أهله كثيرًا من أحكام الإسلام بل لا يعرفون عن الإسلام إلا اسمه و معظم الناس هنا يسعون وراء المادة فحسب وقد تعرفت على فتاة مسلمة ملتزمة بالدين و إقامة الصلاة و أركان الإسلام و لكن أهلها أجبروها على الزواج من رجل لايقيم شعائر الإسلام بل لايعرف الإسلام مطلقاً وبعد مضي ثمانية أشهر طلبت منه الطلاق ولم يوافق و لكنها استطاعت أن تحصل على حق الطلاق من المحكمة. والآن يرغب شاب مسلم عربي من الزواج بها ولكن أهلها معترضون تماماً و بشدة علماً أن أهلها مسلمون اسماً فوالدها لايصلي و لا يصوم و يشرب الخمر أما أمها فتصلي أحياناً في رمضان و لكنها غيرموافقه على أن ترتدي ابنتها الحجاب الشرعي أو أن تتزوج من شاب عربي مسلم. السؤال : هل يجوز أن تتزوج هذه البنت من هذا الشاب دون موافقة أهلها، علماً بأن هذه الفتاة لا ترغب في العيش في هذا البلد وتريد السفر الى أي بلد مسلم مع هذا الشاب ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" أخرجه ابن حبان والحاكم وصححه،. ويقول أيضاً " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " رواه الخمسة إلا النسائي. وقد دل هذان الحديثان على أن النكاح لا يصح إلا بولي، ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها، وأحق الناس بتزويج المرأة أبوها ثم أبوه وإن علا، ثم ابنها وابنه وإن سفل، ثم أخوها الشقيق ثم الأخ لأب ثم أولادهم وإن سفلوا ثم العمومة.
وإذا سقطت ولاية الأقرب زوجها الذي يليه وإن سقطت ولايتهم جميعاً فإن السلطان هو الذي يزوجها ويقوم مقامه القاضي لقوله صلى الله عليه وسلم: " فالسلطان ولي(36/683)
من لا ولي له". وما دام أهل هذه المرأة موجودين فهم أحق بتزويجها، ولا يجوز لها أن تولي غيرهم عقد نكاحها، ولا يجوز لمن يخطبها أن يقبل أن يلي عقدها غيرهم، إلا إذا ثبت أن أولياءها غير أكفاء لفسق ظاهر، أو ثبت أنهم يريدون مضارتها لمصالح شخصية أو نحوها، مما يعرضها لمخاطر الوقوع في فاحشة الزنا، وقد جاءها كفؤها في الدين، وهم يرفضونه لهذا السبب، -وهذا نادر فيما نحسب - فالمسألة هنا محل نظر القاضي، أو من يقوم مقامه إذا كنتم في بلد غير إسلامي، ومجرد العزم والرغبة الشخصية في الزواج لا تسوغ تجاوز حدود الشرع من كلا الطرفين.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم النية في الزواج
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
هل تشترط النية فى الزواج ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان قصدك هو: هل يشترط لصحة عقد الزواج أن يكون كل من الطرفين قاصداً ناوياً له غيرهازل ولا مكره.
فالجواب أن الزواج لا تشترط فيه النية كاشتراطها في العبادات، فإذا حصل عقد النكاح بين الطرفين المعنيين وكانا في حالةٍ يمضي فيها تصرفهما غير مكرهين فإن ذلك العقد صحيح نافذ، ولو كانا أو أحدهما لا يقصد نفوذه وإنما يمزح أو نحو ذلك. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة". كما في المستدرك والسنن.
ولأنه لو اشترطت النية لأمكن كل أحد أن يتخلص من العقد بحجة أنه لم يكن ناوياً له أصلا.
أمَّا إن كان أحد الطرفين مكرهاً على العقد ولا يريده أصلاً فإن العقد غير نافذٍ لعدم نفوذ تصرف المكره في مثل هذا.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
إذا زوجت المرأة نفسها بدون ولي وشاهدي عدل فزواجها باطل
تاريخ الفتوى : ... 20 رمضان 1421 / 17-12-2000
السؤال
امرأة أرملة معها 6 عيال أكبرهم عمره 25 والثاني 24 والثالث 23 والرابع22 ولأم عمرها حوالي 42 . تزوجت من رجل دون علم أبنائها وإخوانها وأمها. مع الأيام اكتشف أخوها زواجها وتفاجأ الجميع بزواجها من واحد لا يعرف ربه يعني(36/684)
لا يصلى وليس عربي، وكان الزواج على ورق شهود من الشارع ولا أحد كان موافق على الزواج. هل من حق الأولاد أو الأم أو الأخوان الأكبر منها سنا أن يرفضوا الزواج وهل هذا الزواج شرعي؟ واشكركم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت هذه المرأة زوجت نفسها بدون ولي وشاهدي عدل فزواجها باطل غير شرعي. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل" كما في المستدرك وصحيح ابن حبان عن عائشة رضي الله تعالى عنها. ولقوله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل ... ." كما في صحيح ابن حبان عن عائشة رضي الله عنها. ويفسخ النكاح لأن عمر رضي الله عنه رد نكاح امرأة نكحت بغير ولي كما في سنن البيهقي، وكيفية فسخ هذا النكاح أن يرفع أولياء المرأة أمر هذا النكاح إلى المحاكم الشرعية ويطلعوها أنه تم بدون موافقة الولي ، ومن ثم تحكم هي بالفسخ. ومما ينبغي التنبه له أن على أبناء هذه المرأة أن يعلموا أن هذا التصرف منها لا يسقط حقها من البرّ بها وخفض الجناح لها لقوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه، وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما، فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربّياني صغيراً) [الإسراء: 22-24]. ولما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يار سول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال :أمك" قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك" قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك" قال ثم من؟ قال: "ثم أبوك" والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
يما امرأة نكحت بدون إذن وليها فنكاحها باطل
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
هل الزواج بين الرجل والمرأة بدون شهود( فقط اتفاق الطرفين على الزواج) وبدون من يقوم بعقد الزواج ( فقط قراءة الفاتحة بين الاثنين) ماهو الحكم الشرعي؟ هل الزواج فاسد أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فالزواج بدون ولي وبدون شهود باطل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( أيما امرأة نكحت بدون إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل)) كما في المسند والسنن. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم. (( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له). كما في صحيح ابن حبان. والله تعالى أعلم.(36/685)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه .
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
بسم الله اما بعد : عندنا طائفة تدعى "الشراكس" وهم مسلمون بالطبع ولكن ما يعاب عليهم أنه في حالة تقدم شاب مسلم للاقتران بإحدى بناتهم يرفضونه بحجة أنهم لا يزوجون بناتهم لغير الشراكس وفي حالة أن أحد أبنائهم أو بناتهم تزوج من خارج هذه الطائفة يقاطعونه ويطوقونه بالحصار الاجتماعي وتبعاته، ما حكم هذا العمل وهل هذا جائز؟ أفيدونا يرحمكم الله .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ذكرته عن هذه الطائفة من رفضهم التزوج من غيرهم ، وتزويج من كان خارج قبيلتهم خطأ ظاهر ، وعادة ذميمة ، وظلم للمرأة ، وتشريع لم يشرعه الله ورسوله ، فإنه: " لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود ، ولا لأسود على أبيض إلاّ بالتقوى ، الناس لآدم وآدم من تراب " كما قال صلى الله عليه وسلم ، رواه أحمد والبيهقي في شعب الإيمان . وقال: " إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين" . متفق عليه .
وقال: " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير". رواه الترمذي .
وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش القرشية من زيد بن حارثة مولاه ، وزوج فاطمة بنت قيس القرشية من أسامة بن زيد ، وهو وأبوه عتيقان .
وتزوج بلال بن رباح الحبشي بأخت عبد الرحمن بن عوف الزهرية القرشية .
وزوج أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة القرشي ابنة أخيه الوليد سالماً مولاه ، وهو عتيق لامرأة من الأنصار .
وقال ابن مسعود لأخته : أنشدك الله أن تتزوجي إلا مسلماً وإن كان أحمر رومياً أو أسود حبشياً .
وفي قصر الزواج على أبناء الطائفة الواحدة جملة من المفاسد منها :
حرمان كثير من النساء من الزواج أو تأخير زواجهن ،
ومنها تزويج البنات بغير أهل الصلاح في كثير من الأحيان، لأن المعول عليه هو الانتماء للطائفة وليس الخلق والدين ، ومنها مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتزويج صاحب الخلق والدين .
وما ذكرته من المقاطعة والحصار الاجتماعي المتبع ضد من يتزوج من خارج الطائفة ، منكر آخر ، وظلم واضح .
فالواجب الرجوع إلى ما قررته الشريعة في ذلك ، قال الله تعالى : ( ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون) . [المائدة : 50].
والله أعلم .(36/686)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
القول في اعتبار الكفاءة في النكاح
تاريخ الفتوى : ... 27 ربيع الأول 1422 / 19-06-2001
السؤال
ما هو معيار الكفاءة فى الزواج فى الإسلام؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فالكفاءة بين الزوجين معتبرة ولها وجهة وتأثير، وقد اتفق أهل العلم على أن الكفاءة في الدين معتبرة فلا تزوج المسلمة بكافر، ولا يتزوج المسلم الكافرة إلا الكتابية بشرط الإحصان، وهو أن تكون عفيفة عن الزنا، أو تابت بعد زناها واستبرأ رحمها.
والفاسق المشهور بفسقه يمنع من الزواج بالمرأة ذات الدين حيث لا يؤمن عليها منه فقد يمنعها حقوقها أو يضطرها إلى ارتكاب ما حرم الله عليها.
وأما الكفاءة في النسب فقد اختلف أهل العلم في اشترطها على قولين:
الأول أنها معتبرة وهو قول الجمهور مستدلين بحديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العرب بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم أكفاء بعض إلا حائكاً أو حجاماً" رواه الحاكم. لكن هذا الحديث قد حكم عليه ابن عبد البر بأنه منكر أو موضوع، وله طرق إلا أنها كلها واهية، فلا يثبت بمثله حكم.
والقول الثاني هو قول الإمام مالك رحمه الله ومن وافقه وهو أن المعتبر في الكفاءة الدين، وأنه لا يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب حديث. وهذا القول هو الذي تشهد له الأدلة. قال تعالى: ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) [الحجرات:13] وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" رواه الترمذي وهو حسن.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لأربع، لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق عليه.
وروى الإمام أحمد وأبو داود رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي وفاجر شقي، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب، ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن" وقال الإمام الصنعاني في سبل السلام: قد صح أن بلالاً نكح هالة بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، فالمعتبر هو الدين.
والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(36/687)
على الولي أن يتقي الله في موليته
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
أنا فتاة عمري 18 سنة ، طالبة جامعية . مشكلتي هي أنني أعيش حياة ضيقة وتحت ظروف شديدة وقاسية وهي أنني كنت متزوجة ولكن دون الدخول، ثم طلقت طلاق بينونة صغرى في عمر 15 سنة وكنت مجبرة من الأهل على الموافقة على هذا الزواج. والآن والدي وأهلي يعاملونني معاملة قاسية كأنني لست ابنتهم الكبرى في المنزل وليس هناك أهمية لرأيي، حيث والدي دائما ينعتني بكلمات لا تطاق ، لدرجة أنني فاقدة الأمل حتى في أي طلب أوخدمة من أهلي. لقد تعبت كثيرا من العيش في ظلهم وأصبحت معقدة دائماً. والآن أفرج الله سبحانه وتعالى بأمل العيش المريح. فقد جاء شخص وخطبني وهو متدين ذو أخلاق كريمة ومن الأشخاص نادر الحصول على شخص مثله مع الأخلاق والحياة المادية جيدة. إنني موافقة على الزواج من هذا الشخص لأنني أشعر بأنه سيسعدني في حياتي ولاأريد من أهلي رفض هذا الشخص. وأشعر بأن أهلي سيرفضون وأنا لا أريد ذلك. أريد أن أرتاح من العيش الضيق والذي يصعب التنفس فيه . وسؤالي هو إذا رفض أهلي الزواج منه وأنا أريد الزواج به، فكيف يمكنني فعل ذلك دون مضايقة أهلي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد: نقول أولاً لأولياء الأمور القائمين على أمر المرأة. إن الحياة الزوجية أساسها المودة والرحمة قال تعالى: ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) . [ الروم: 21] ، ولا تكون هذه المودة إلا إذا رضي كل من الزوجين بالآخر ولذلك جعل الفقهاء رضى الزوجين شرطاً من شروط العقد، فلا يجوز لولي المرأة أن يرغمها على النكاح بل الواجب عليه أن يأذنها كما قال صلى الله عليه وسلم : " والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها " . [ رواه مسلم] . وقد روى البزار بإسناد رجاله رجال الصحيح عن أبي سعيد الخدري أن رجلاً أتى بابنة له إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنتي هذه أبت أن تتزوج. قال : فقال لها: أطيعي أباك، قال : فقالت: لا حتى تخبرني ما حق الزوج على زوجته؟ فرددت عليه مقالتها قال: فقال: "حق الزوج على زوجته أن لو كان به قرحة فلحستها أو ابتدر منخراه صديداً أو دماً ثم لحسته ما أدت حقه". قال: قالت والذي بعثك بالحق لا أتزوج أبدا. قال: فقال: " لا تُنكحونهن إلا بإذنهن" فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تنكح المرأة إلا بإذنها وبعد موافقتها. ونقول لك أيتها الأخت الكريمة لا تيئسي من رحمة الله ولا تقنطي واصبري على معاملة أهلك لك واحتسبي في ذلك الأجر عند الله تعالى. وعليك أن تكثري من الدعاء أن ييسر لك الزوج الصالح أو الزواج من هذا الشاب الصالح وتلحي على الله في المسألة فإنه الله تعالى يقول: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" وصلي صلاة الاستخارة. واعلمي أنه إذا كان في الزواج من هذا الشاب خير لك فثقي أن الله سييسره لك وإن كان فيه غير ذلك فإن الله سيصرفه عنك وإن(36/688)
كان يبدو أن الخير لك في الارتباط به. وإن استمر حال أهلك هكذا وخشيت أن لا تحصلي مثل هذا الزوج فلك أن ترفعي أمرك للمحكمة لعضل أهلك لك. وأنت والحمد لله لازلت صغيرة السن وما زلت في الدراسة الجامعية فأحسني عشرة أهلك وإن أساءوا لك وتقربي إلى الله تعالى بالدعاء والطاعات والله نسأل أن يوفق لك الخير وأن يرزقك الزوج الصالح. والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم النكاح إذا وليه من يعتقد شيئاً في الحسين أو أصحاب القبور
تاريخ الفتوى : ... 13 ربيع الثاني 1422 / 05-07-2001
السؤال
هل الصوفي المؤدي للصلوات والصيام والزكاة....الخ ولكن يعتقد فى الحسين والسيدة زينب وأصحاب القبور تجوز ولايته فى عقد الزواج وإذا كان لايجوز ولايته وقد حدث العقد بالفعل فما العمل فى عقد الزواج هل نقوم بعمل عقد جديد مع تغيير الولي أم ماذا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا نكاح إلا بولي" رواه الخمسة إلا النسائي وصححه أحمد وابن معين. واشترط في الولي شروط منها الذكورة والعقل والبلوغ والحرية واتفاق الدين فلا ولاية لكافر على مسلمة ولا ولاية لمسلم على كافرة لأنه لا توارث بينهما بالنسب ولقوله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) [الأنفال:73] فحيث كان الولي مسلما فإنه تصح ولايته. والولي المسؤول عنه إما أن يكون يعتقد في هؤلاء ولايتهم فقط وأنهم أهل صلاح ولا يصرف لهم أي جزء من العبادة كدعائهم أو الصلاة لهم أو نحو ذلك فهذا ولا يته صحيحة وإما أن يعتقد فيهم أنهم ينفعون ويضرون من دون الله أو يصرف لهم بعض العبادات كدعائهم ونحو ذلك. فهذا ينظر في حاله فإن كان ممن لم يعلم أن هذا شرك وأنه باطل لا يجوز فإنه يعذر بالجهل لقوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) [الإسراء:15]. وإذا كان عالماً ولا يفعل هذا عن جهل أو أقيمت عليه الحجة فهو خارج من الملة وعلى هذا ينبني حكم ولا يته. فالحاصل أنه إذا كان لا يعتقد فيهم إلا صلاحهم وفضلهم ولا يصرف إليهم شيئا مما يختص بالله أو كان يصرف إليهم وهو لا يعلم حكم هذا حال العقد فإن النكاح صحيح ولا يحتاج إلى إعادة عقد جديد وإن كان يعلم الحكم فالنكاح باطل ويجب تجديد العقد بولي شرعي إذا أراد الزوجان الاستمرار على النكاح وما أنجبته المرأة خلال هذه الفترة من الأولاد فهم أبناء شرعيون للزوج على كل حال أجمع على ذلك أهل العلم والحمد لله تعالى. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
خمسة شروط لصحة النكاح(36/689)
تاريخ الفتوى : ... 03 ذو الحجة 1424 / 26-01-2004
السؤال
ما هي شروط الزواج الصحيح؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيشترط لصحة النكاح خمسة شروط: الأول: تعيين الزوجين، فلا يصح للولي أن يقول: زوجتك بنتي وله بنات غيرها، بل لابد من تمييز كل من الزوج والزوجة باسمه كفاطمة ، أو صفته التي لا يشاركه فيها غيره من إخوانه، كقوله: الكبرى أو الصغرى. الثاني: رضا الزوجين. الثالث: وجود الولي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" [رواه أحمد وأبو داود] وللحديث: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل. فنكاحها باطل. فنكاحها باطل" [رواه أحمد وأبو داود وصححه السيوطي والألباني]. وأحق الأولياء بتزويج المرأة أبوها ثم جدها ثم ابنها، فالأخ الشقيق فالأخ لأب، ثم الأقرب فالأقرب، على تفصيل معروف عند الفقهاء ومنهم من قدم ابنها البالغ على أبيها. الرابع: الشهادة عليه. لحديث عمران بن حصين مرفوعا: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" [رواه ابن حبان والبيهقي وصححه الذهبي]. الخامس: خلو الزوجين من موانع النكاح، بأن لا يكون بالزوجين أو بأحدهما ما يمنع من التزويج، من نسب أو سبب كرضاع ومصاهرة أو اختلاف دين بأن يكون مسلماً وهي وثنية، أو كونها مسلمة وهو غير مسلم أو في عدة، أو أحدهما محرماً، ويستثنى من الاختلاف في الدين جواز زواج المسلم بالكتابية بشرط أن تكون عفيفة، ولمزيد من التفصيل يرجى مراجعة كتب الفقه. والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا ينبغي للولي أن يرفض خاطباً ملتزماً بالشرع
تاريخ الفتوى : ... 20 ربيع الأول 1422 / 12-06-2001
السؤال
هل يجوز شرعا أن تمنع الفتاة المسلمة من الزواج من مسلم لأنه من غير بلدها، أو من غير قبيلتها حتى وإن كانت كل الشروط موجودة وصحيحة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا بد من الكفاءة في النكاح، وقد اتفق العلماء على اعتبار الدين في ذلك قال الإمام ابن رشد في بداية المجتهد: ( فأما الكفاءة فإنهم اتفقوا على أن الدين معتبر في ذلك إلا ما رُوي عن محمد بن الحسن من إسقاط اعتبار الدين).
وقد فسر العلماء الكفاءة في الدين بقولهم: لا يكون الفاجر والفاسق كفؤاً لعفيفة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" أخرجه الترمذي وغيره بإسناد حسن. فلا بد أن يكون الزوج مرضي الدين والخلق، وأما النسب فقد اختلف العلماء هل هو معتبر في الكفاءة أم لا؟.(36/690)
فمنهم من جعل الأعجمي (غير العربي) ليس كفؤاً للعربية، لأن العرب يعتدون بالكفاءة في النسب، ويأنفون من نكاح الموالي ويرون ذلك نقصاً وعاراً، ويؤيده الحديث في صحيح مسلم: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم "، ولأن العرب فّضلوا على الأمم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن العلماء من لم يعتبر الكفاءة في النسب، وجعل المسلمين متكافئين لا فرق بين عربيهم وعجميهم لقوله تعالى: ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) [الحجرات:13]، ولقوله تعالى: ( إنما المؤمنون إخوة) [الحجرات:10] ولقوله صلى الله عليه وسلم " لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب" رواه أحمد، وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الأسدية من زيد بن حارثة مولاه، وزوج فاطمة بنت قيس القرشية من أسامة وهو وأبوه عتيقان، وتزوج بلال الحبشي من أخت عبد الرحمن بن عوف الزهرية القرشية مع أنه حبشي أسود، وغير ذلك كثير..
والراجح الذي تعضده الأدلة أن الكفاءة المعتبرة في الزواج هي الدين، فالرجل المسلم المرضي دينه وخلقه يتزوج بأي امرأة مسلمة بغض النظر عن نسبها، فإذا كانت الشروط موجودة وصحيحة فلا تمنع الفتاة المسلمة من الزواج من غير بلدها أو من غير قبيلتها، مع توافر الدين والخلق المرضيين.
ومما يجدر التنبه له أن الولي شرط من شروط النكاح ولكنه إذا منع المرأة من الزواج ممن تقدم لها ممن توفرت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع فقد أثم إثماً مبيناً، وللمرأة حينئذ أن ترفع أمرها إلى المحاكم الشرعية فتجبر الولي على أن تزوجها، أو تقوم المحكمة بتزويجها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
زواج السر لا يصح
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم متى يكون الزواج حلالاً وماهي شروط الزواج؟ -إذا تعاهد رجل وامرأة على الزواج سراً هل يعد الولد غير شرعي ومتى يكون الولد شرعياً ؟ الرجاء الإجابة وشكرا والسلام عليكم ورحمةالله وبركاته
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : فيكون الولد شرعياً، اذا كان النكاح مشروعاً ولم يولد من سفاح أو نكاح باطل مع علم الزوجين ببطلانه ويكون الزواج صحيحاً إذا استوفى ما يحتاجه من شروط وأركان ومن ذلك الائجاب والقبول ولا يشترط أن يكون ذلك باللغة العربية بل يصح بكل لسان . و يشترط لصحة النكاح زياد على ذلك خمسة شروط. الأول: تعيين الزوجين فلا يصح النكاح إن قال الوليّ زوجتك بنتي وله بنات غيرها حتى يميز كل واحدة بشخصها أو(36/691)
صفتها كالكبرى أو الصغرى أو فاطمة أو زينب . الثاني: رضا الزوجين . الثالث: الولي لقوله صلّى الله عليه و سلم في الصحيح " لانكاح إلّى بولي". [رواه أبو داود والترمذي ، وصححه السيوطي]. وقال عليه الصلاة والسلام : "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل".[ رواه أبوداود والترمذي ، وصححه الألباني]. الرابع: الشهادة على النكاح بشاهدين ذكرين مكلفين عدلين ولو ظاهرا، فعن ابن الزبير: أن عمر أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر و لا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت" [اخرجه مالك]، وعن ابن عبّاس مرفوعا : ًالبغايا اللواتي يزوجن أنفسهن" [قال الهيتمي في سنده متروك].الخامس من شروط النكاح: خلو الزوجين من الموانع بأن يكون بالزوجين أو بأحدهما ما يمنع من التزويج من نسب أو سبب كرضاع أو مصاهرة أو اختلاف ديني كأن يكون مسلماً وهي مجوسية أو تكون مسلمة و هو غير مسلم أو كونها في عدة أو احدهما محرماً. والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا حرج في اتفاق الأطراف المعنية ورضاهم بالزواج الثاني بل هو أفضل
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
ما هو حكم الاتفاق على الزواج الثاني برضا الأطراف المعنية و كذلك رضا الزوجة الثانية بالتكفل بكل المصاريف بعد أن تعرض الزوج المتقدم لها لضائقة مالية شديدة .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأطراف التي يجب أن تحصل منها موافقة مسبقة على الزواج الثاني ثلاثة: الزوج والزوجة الثانية ووليها.
فإذا حصل اتفاق من هؤلاء الثلاثة على الزواج، مع توفر شروط صحته الأخرى وانتفاء موانعه، كان الزواج صحيحاً، أما الزوجة الأولى فلا يجب أن تستشار في ذلك، ولا تتوقف صحة الزواج على موافقتها، إلا أن الزوج إذا استطاع أن يقنعها بالزواج الثاني بتبيين مزاياه الدينية والدنيوية، وتبيين أن حقوقها مصونة لها على كل حال، فإن ذلك أحسن وأولى أن يقلل من رد فعلها السلبي تجاه ذلك.
أما تكفل الزوجة الثانية بكل المصاريف من نفقة وسكن ونحو ذلك فهو جائز، لأن ذلك حق لها فلها إسقاطه، إلا المهر فليس لها إسقاطه بالكلية، ولكن لها أن تخففه إلى أقل ما يسمى مالاً يتمول، وقد حدد بعض أهل العلم ذلك بربع دينار أو قيمته. بل إن تخفيف المهر مطلوب شرعاً لأنه يحقق مصالح كثيرة، كما أن المغالاة في المهر تسبب مفاسد كثيرة منها انتشار العنوسة بين الرجال والنساء، ومنها إثقال كاهل كثير من المتزوجين بالديون التي تحملوها في مهور نسائهم إلى غير ذلك من المفاسد. لذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على تخفيفه، وبارك للذين حصل منهم تخفيف(36/692)
له. ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، قال: " ما هذا؟" قال :إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب، قال:" بارك الله لك، أولم بشاة".
وفي المسند عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة "
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا تختلف شروط صحة النكاح للمطلقة والأرملة عن غيرهما.
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
ماشروط زواج المرأة المطقه أوالأرملة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
لا تختلف شروط النكاح لامرأة عن أخرى من حيث الولي والشاهدين ورضا الزوجين وخلوهما من موانع النكاح، بأن لا يكون بالزوجين أو أحدهما ما يمنع من الزواج من نسب أو سبب كرضاع أو مصاهرة، أو نحو ذلك.
والذي تختلف به الثيب- مطلقة أو أرملة- عن البكر أنها عندما تستأمر في أمر زوجها تعرب عن نفسها وتقول بلسانها إنها تريد هذا أو لا تريده، أما البكر فيكفي في إذنها أن تصمت إذا سئلت قال صلى الله عليه وسلم:" الثيب تعرب عن نفسها، والبكر رضاها صمتها". رواه أحمد، وفي رواية: "تعرب عن نفسها بلسانها"
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
يشترط في صحة الزواج شاهدان مسلمان ولو كانت الزوجة ذمية
تاريخ الفتوى : ... 27 ربيع الأول 1422 / 19-06-2001
السؤال
هل يصح أن يشهد على عقد الزواج رجل وامرأتان أو أربعة نساء؟ وهل يشترط أن يكون شهود عقد الزواج مسلمين، خاصة إذا كانت العروس كتابية؟ وجزاكم الله خيراً
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فالإشهاد شرط من شروط صحة النكاح، والمقرر عند كثير من أهل العلم أنه لا بد من شاهدين مسلمين ذكرين عدلين بالغين عاقلين. وأنه لا تجوز شهادة النساء في ذلك، لما روى أبو عبيد في الأموال عن الزهري أنه قال: (مضت السنة أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق). ويشترط في الشاهدين أن يكونا مسلمين، ولو كانت الزوجة ذمية وهذا مذهب جمهور العلماء خلافا لأبي(36/693)
حنيفة رحمه الله، فقد أجاز شهادة أهل الكتاب إذا كانت الزوجة كتابية. والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يحق للمرأة أن تزوج نفسها
تاريخ الفتوى : ... 27 ربيع الأول 1422 / 19-06-2001
السؤال
هل يجوز لفتاة أن تزوج نفسها لشخص لم يتزوج أمام القضاء رغم ممانعة أبيها من الزواج وهى بكر ولم تكمل 21 سنة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والبيهقي، ولا شك أن أب الفتاة يتصدر قائمة أوليائها فإذا كان قد رفض زواجها فلا يخلو ذلك من إحدى حالتين : الأولى: أن يمنعها من الزواج بشخص بعينه، فلا يحق لها أن تتزوج من هذا الشخص، لأنها قد تجهل الأسباب التي جعلت أباها يرفض أن يزوجها منه ، ورأي أبيها مقدم شرعا على رأيها. الثانية: أن يمنعها من الزواج مطلقا بحيث يتكرر منه الرد لكل خاطب، وإن كان كفؤاً لها، أو أن يطلب في الخاطب صفات غير معتبرة شرعاً، كأن يرفضه لأنه ليس غنياً أو ذا منصب رفيع.. أو نحو ذلك، مع كونه ذا دين وخلق. فلها في هذه الحالة أن ترفع أمرها إلى قضاة المحاكم الشرعية ليرفعوا عنها الظلم ويزوجوها بمن ترغب فيه ممن يراه القاضي مناسبا لها، أو يجبروا أباها على أن يزوجها. ثم إن محل هذا التفصيل حيث كان الأب عاقلا رشيدا،فإن ثبت سفهه أو بدا خرفه ، فلا ولاية له عليها، ومرد أمرها إلى الأدنى من أوليائها، فإن عدموا فإلى المحاكم الشرعية، فإن عدمت فإلى جماعة المسلمين. ولعلم عند الله
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(36/694)
دائرة معارف الأسرة المسلمة الأسرة المسلمة
الأب والأم
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
ابنك.. كيف يكون جريئًا فى الحق ؟
جاءنى ابنى ذو الـ 11 عامًا يشكو لى من اضطهاد مدرسه له، وتعمده إرساله فى قضاء حاجات له أو لزملائه أثناء الحصص، مما يضيع عليه جزءًا من الدرس، ومن ثم يفقد التركيز والمتابعة، فضلاً عن أنه دائمًا يكلفه بحراسة الفصل وحفظ النظام كلما خرج، وبرغم ضيقه بهذا الأمر إلا أنه يستحى أن يعبر عن رأيه خوفًا من المدرس، وعندما يتعرض أحد من زملائه للعقاب بسببه يخاصمه أو يضطهده.
والسكوت على هذا الأمر قد يعرض الولد لعقدة أو مشكلة نفسية محتملة، وقد يساعد فى تدهور مستواه الدراسى، وبرغم أننا كأمهات وآباء نفكر بهذه الحساسية الزائدة خوفًا على أبنائنا والتماسًا لصحتهم النفسية وتفوقهم الدراسى، فإن د. ليلى الأحدب تقول لكل أم ولكل أب: إذا فكرت جيدًا فى هذا الموقف فقد تلتمس العذر لهذا المدرس.
فقد يكون ذكاء ابنك ولباقته فى عرض الأمور، أو طلب الأشياء هو الدافع الذى يجعل المدرس يكلفه بهذه الأشياء، وهو يعتقد أنه بذلك يميزه عن باقى زملائه، كذلك فإن مسألة تكليفه بحراسة الفصل والحفاظ على النظام والهدوء أثناء خروجه أو عدم وجوده فى الفصل ثقة جميلة بقدرات ابنك، وفى سماته القيادية الحازمة وأخلاقه الرفيعة التى تمكنه من ضبط إيقاع الفصل والتلاميذ، وهذا شيء ينبغى أن يسعدنا، ويبشرنا خيرًا، ويكون عونًا لنا على تكليف أبنائنا بمهام تزيد فى صقل شخصياتهم، وتساعدهم مبكرًا على تحمل المسئولية فى حدود قدراتهم التى تفوق غالبًا تصوراتنا وتقديراتنا نحن كآباء.
ولكن هذا لا يمنع أن نعبر عن استيائنا من استمرار هذا الحال الذى قد يُفوِّت على الولد بعض الدروس، ويشتت تركيزه، ولكن المهم هو اختيار الأسلوب اللائق لنقل وجهات نظرنا وغرس هذا الأسلوب فى أبنائنا حتى يتعلموا جرأة الحق، وأدب الحوار والخلاف، فيمكن أن يبدأ ابنك بالاعتذار بلباقة للمدرس فى إحدى المرات التى يكلفه فيها بشيء رغبة فى الاستفادة من الشرح، أو فهم الدرس، أو الشعور بالتعب إذا كان ذلك حقًا، ويعتذر له عن مراقبة زملائه حتى لا يفقد حبهم أو صداقتهم له.
فإذا لم يستجب المدرس لمبادرة ابنك، يأتى دورك - عزيزى الأب - فى مناقشة الأمر مع المدرس والاستماع إليه لمعرفة مبرراته ومنطقه فى التعامل مع الابن هكذا، فإن لم تقتنع بوجهة نظره فلتصر على موقفك فى أن ينال ابنك حقه فى متابعة دروسه والاحتفاظ بحب وصداقة زملائه دون تطاول أو إهانة لأحد.
وأما ابنك فاجلس معه جلسة حب وأخوة وصداقة، وأخبره أنه صار على أعتاب الرجولة، وأن له شخصيته المستقلة، وله حق مناقشة أو رفض الأوامر والأمور التى لا يقتنع بها، ولكن بشرط التحلى بالأدب والثقة بالنفس، وأن يقدم دائمًا تفسيرًا واضحًا ومقنعًا لرفضه، سواء فى تعامله مع مدرسيه أو زملائه أو فى البيت مع والديه وإخوته، أو فى أى تعاملات عامة .
ومن الآداب التى ينبغى أن يتحلى بها الابن فى أثناء مناقشة أمر ما، أو الاعتراض عليه أن ينظر إلى من يحدثه ويحترم حقه فى تبرير هذا الموقف أو ذاك، فكما
نشجعه على إبداء رأيه والتمسك بحقه والدفاع عنه بجرأة وثقة، نعلمه أيضًا كيف يحترم رغبات الآخرين ويحسن مخاطبتهم والاستماع إليهم، ولنا فى رسول الله الأسوة الحسنة، فقد أُتى بشراب فشرب منه، وعن يمينه ابن عباس ما زال غلامًا وعن يساره شيوخ كبار، فقال للغلام أتأذن لى أن أعطى هؤلاء؟ فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبى منك أحدًا، فلم يعترض عليه الرسول، ولم ينكر عليه حقه .
ــــــــــــــــــــ(37/1)
كيف نتغلب على مشكلات السمع والبصر عند الكبار؟
الشيخوخة طور صحى يمر به الإنسان فى حياته؛ حيث يشيب الشعر، ويهن العظم، ويضعف السمع والبصر، وهذه الأعراض قد تفرض على المسن حصارًا فيعتزله المجتمع، وبالتالى تسوء حالته النفسية والجسدية.
وهنا يقع العبء الأكبر على من يتعامل مع أحبائنا الكبار، سواء كانوا أقارب أو أصدقاء أو جيران فى معرفة الطريقة الصحيحة للتواصل مع المسن.
يقول الدكتور محمد قناوى - أخصائى العلاج الطبيعى - إن هناك مجموعة من الإرشادات يجب أن نلتزم بها عند تعاملنا مع أحبائنا ضعاف السمع والبصر منها:
1 - الاقتراب قدر الإمكان من المسن لضمان سهولة سماعه ورؤيته لك
2 - تنبيه المسن باليد برفق أو بإشارة منك قبل توجيه الحديث إليه لينتبه إلى حديثك.
4 - خفض أى ضوضاء تمنع المسن من سماعك قبل بدء حديثك إليه.
5 - اجعل حركات الفم واضحة أثناء الكلام؛ حيث إن قراءته للشفاه أثناء الحديث تساعده على فهم الحوار.
6 - التحدث بصوت أعلى قليلاً من الصوت العادى، ولكن بدون صياح أو صراخ حتى لا تضايقه.
7 - التحدث ببطء مع توضيح أكبر لمخارج الألفاظ.
8 - من الأفضل أن تكون الجمل مختصرة ومفيدة وواضحة.
9 - مراقبة تعبيرات وحركة رأس المسن أثناء الحديث معه، فهى توضح إذا ما كان الحديث إليه مسموعًا وواضحًا أم لا.
10 - تجنب التغيير المفاجئ لموضوع الحديث حتى لا يخطئ المسن الفهم.
11 - الضغط على الكلمات المفتاحية فى الحديث (أى الكلمات المهمة التى توضح موضوع الحديث) مع التوقف بعد كل كلمة من الكلمات المفتاحية.
إرشادات إضافية :
- أعط المسن الوقت الكافي ليرد.
- يمكن سؤال المسن أن يعيد ما قلته له، خاصة إذا كان الموضوع مهمًا؛ حيث إنه فى بعض الأحيان يتظاهر المسن أنه قد سمعك تفاديًا للإحراج.
- التحدث معه بشكل ودى مع تجنب الحديث إليه بلغة الأطفال؛ حيث إن الحديث إليه كطفل قد يشعره بالاستخفاف به.
- استخدام التعبيرات الوجهية والإشارات والإيماءات اليدوية أثناء حديثك معه لتكون أكثر وضوحًا.
- يمكن استخدام نوتة صغيرة لتكتب ما تريد توصيله للمسن عند تكرار صعوبة وتعذر سماعه لك.
ضعف البصر:
يشير الدكتور قناوى إلى أن كل تركيبات العين تعانى من التغيرات المتعلقة بتقدم السن، مما يعوق التواصل، وعدم الرؤية فى الضوء الضعيف، وبالتالى عدم الحكم الصحيح على المسافات والرؤية الصحيحة للأشياء أثناء الحركة، كما يعانى المسن أيضًا من ضعف فى مجال الرؤية الجانبية، بمعنى أنه يرى أمامه، ولكنه لا يرى ما بجانبه بوضوح إلا عند الالتفات؛
لذا يجب مراعاة الآتى عند التعامل مع المسن ضعيف النظر:
1 - الاقتراب منه ببطء وتحيته شفويًا مع اللمس الرقيق الحنون.
2 - محاولة زيادة مستوى الإضاءة بالمكان؛ حيث يحتاج المسن لمستوى إضاءة ثلاثة أضعاف المستوى العادى، مع تجنب الأضواء المبهرة المنعكسة عليه، فتؤدى إلى الزغللة ومضايقته.
3 - يمكن أن يستخدم نظارته أثناء حديثه معك.
4 - وضع الأشياء المطلوبة من المسن الانتباه إليها فى مجال نظره.
5 - عند إعطاء المسن شيئًا مقروءًا، أو صورة يجب أن يكون هذا الشيء ذا حجم كبير واضح، ويفضل استخدام الألوان المتناقضة؛ حيث إنها أكثر وضوحًا مثل الأسود على خلفية بيضاء، أو أصفر.
6 - عدم تغيير مكان الأشياء الخاصة أو الحيوية للمسن من مكانها إلا بعلمه وإذنه، وإعلامه دائمًا عند أى تغيير فى ترتيب أثاث المنزل.
ويضيف الدكتور قناوى: لزيادة التواصل مع المسن ينصح باللمس:
لأن اللمس يحتل مكانة عالية فى تفاعلنا مع المسنين؛ حيث يزيد من ثقتهم فينا، ويعطيهم الإحساس بالاهتمام بهم، فلابد من استخدام هذه الحاسة فى التعامل معهم.
المرح والضحك:
المرح له تأثيرات فسيولوجية ونفسية عديدة مفيدة للجسم؛ حيث يساعد الضحك على إفراز الكاتيكولامين والهرمونات التى تعطينا الإحساس بأننا فى حالة جيدة، وتساعدنا على تحمل الألم، وهو يساعد على تقليل القلق، وإفراز المسكنات الطبيعية للألم، وتحسين التمثيل الغذائى؛ لذا يجب أن يكون تعاملنا مع المسن يبعث على المرح والفكاهة والضحك؛ لأن الضحك نوع من أنواع الاتصال؛ حيث يزيد من ثقتهم فينا ويعطيه الإحساس بالاهتمام به.
ــــــــــــــــــــ(37/2)
الأسرة المتصدعة نفسيًا تنتج طفلاً معوقًا
حول دور الأسرة وأثر استقرارها على نمو الطفل، وأهمية الدور الإيجابى للإرشاد الأسرى تحدثنا الدكتورة نادية رجب السيد - مدرسة الإرشاد والتوجيه الأسرى - فتقول:
يجمع علماء النفس على أن لمرحلة الطفولة أهمية بالغة فى تشكيل شخصية الفرد فيما بعد، فخبرات الطفولة وتجاربها تترك بصماتها قوية فى مرحلة الرشد، ذلك لأن
حياة الإنسان سلسلة متصلة الحلقات، يؤثر فيها السابق فى اللاحق، والحاضر فى المستقبل، وعلى ذلك إذا وفرنا طفولة سعيدة موفقة لأبنائنا كانوا - إن شاء الله - راشدين أسوياء خالين من العقد والاضطرابات، ولأن الطفل فيها يتسم بالمرونة وقلة الخبرة، فإن للأب والأم أهمية كبيرة وتأثيرًا بالغًا على شخصية الطفل.
الأسرة أولا
وتقوم الأسرة بالدور الأول والأساس فى تنشئة ورعاية الطفل، ولكن الأسرة تعانى فى الوقت الراهن من بعض التصدعات والمشكلات التى أنبتت تغيرات بنائية ووظيفية فى الأسرة العربية فالتحضر والتصنيع والتغير التكنولوجى وانتشار التعليم وخروج المرأة للعمل، كل هذا انعكس على وظائف وعلاقات الأسرة، وظهرت نتيجة لهذه التغيرات مشكلات متعددة أثرت على دور الأسرة فى التنشئة الاجتماعية السليمة، مما يؤثر على النمو النفسى السليم للطفل، وقد يؤدى لإصابته بإعاقة.
والتنشئة الاجتماعية يجب أن تسير فى اتجاهين:
الأول: رعاية الطفل المولود كجسم عضوى يحتاج إلى عناية واهتمام وتلبية حاجاته الأولية التى تتركز حول الطعام والإخراج.
والثانى: الحاجات النفسية التى يمكن إشباعها عن طريق العاطفة واتجاهات الرفض أو القبول والاستجابات العاطفية للطفل وهذا ما يكوِّن فيما بعد سلوك الطفل واتجاهاته تجاه الآخرين.
لا للخلاف
وعن أهم المشكلات الأسرية التى تعوق عملية التنشئة السوية، وتؤدى للاضطرابات النفسية، وظهور إعاقات فى مرحلة الطفولة تقول الدكتورة نادية: تتخلل الحياة الأسرية مشكلات تؤدى إلى إصابة الطفل باضطرابات نفسية وإعاقات منها:
1- اضطراب العلاقة بين الوالدين، وكثرة الخلافات والتعاسة الزوجية والمشكلات النفسية، وهذا يهدد استقرار الجو الأسرى والصحة النفسية لكل أفراد الأسرة.
2- الإدمان، ويعتبر إدمان المخدرات أو الكحول كارثة تصيب الأسرة بكاملها وليس المدمن فقط، وتدل الإحصائيات على أن التصدع فى أسر المدمنين تزيد على سبعة أضعافها فى الأسر الأخرى.
3- الوالدان العصبيان : يؤثر ذلك تأثيرًا سيئًا على علاقتهما ببعضهما وعلاقتهما بالأولاد.
4- القدوة السيئة: وقد يكون الوالد أو الوالدة قدوة سلوكية سيئة للأولاد، وهذا بدوره له تأثير سيئ على التنشئة الاجتماعية للأولاد، حيث يتعلمون السلوك السيئ.
5- التنشئة الاجتماعية الخاطئة: ربما تكون عملية التنشئة الاجتماعية للأسرة خاطئة ينقصها تعلم المعايير والأدوار الاجتماعية السليمة، أو تقوم على اتجاهات والدية سالبة مثل التسلط والقسوة والإهمال والرفض والتفرقة فى المعاملة بين الذكور والإناث والكبار والصغار والتذبذب فى المعاملة.
6- اضطراب العلاقات بين الوالدين والأولاد: فى أغلب الأحيان نجد مشكلات الوالدين ترتبط بمشكلات الأولاد، ومشكلات الأولاد ترتبط بمشكلات الوالدين، ويرجع ذلك إلى اضطراب العلاقات بين الطرفين، ويتخذ ذلك صورًا عديدة منها:
فقد الحب، ونقص الاتصال التفاعلي ، وعدم وضوح الحدود فى سلوك كل من الطرفين، وهذا يؤدى إلى صور عديدة من الاضطراب.
وتمثل مشكلة تناقض آراء الوالدين بالنسبة للأمور التى تخص الطفل أهم مسببات اضطرابه، وفقد الثقة فى نفسه، فإذا عاقب الأب الطفل كافأته الأم ، ويؤدى ذلك بدوره إلى حدوث بلبلة، ويشعر الطفل أن أباه غير عادل فى عقابه.
وقد تكون الأسرة متصدعة نفسيًا؛ لأن العلاقات بين أعضائها غير مرضية، ويرجع ذلك لأسباب عديدة منها:
انعدام الرعاية والعاطفة أو القسوة في المعاملة، وقد تؤدى القيم غير المتماثلة بين الزوجين إلى ظهور الصراع أو التوتر، وليس المقصود هنا مجرد الخلافات اليومية، ولكن المقصود انعدام التوافق أو الوئام بين الزوجين.
وتقول الدكتورة نادية: إن الظروف الأسرية السيئة والعلاقات غير السليمة داخل الأسرة تنعكس على الطفل، وتؤدى إلى إصابته بإعاقات واضطرابات تتمثل فى اللجلجة وزيادة إفراز العرق والعدوانية والتأخر الدراسى وكراهية المدرسة وكراهية المحيطين به.
علاقة طردية بين التفكك الأسرى وإصابة الطفل بإعاقة
وتضيف: أكدت دراسة ميدانية قمت بها وجود علاقة طردية بين التفكك الأسرى وإصابة الطفل بإعاقة،
ففى البحث قابلت العديد من الحالات التى كان السبب فى حدوث الإعاقة لديها هو التصدع الأسرى منها طفلة عمرها 9 سنوات تعانى من تأخر الكلام والسلوك غير السوى، وببحث الحالة وجدت خلافات أسرية وعلاقات أسرية غير سليمة، وحالة أخرى لطفل يعانى من ضعف الانتباه وعدم الكلام والحركة الزائدة، ويتسم سلوكه بالعنف، وقد وجد أنه يتعرض للتدليل الشديد والحماية الزائدة وتناقض آراء كل من الأم والأب والجد حول الأمور التى تخصه، وغيرها العديد من الحالات التى قمت فيها بإرشاد الأسرة إلى ضرورة علاج المشاكل الأسرية، وما ينجم عنها من ضغوط نفسية، والبعد عن الخلافات والتناقض فى الآراء حول الأمور التى تخص الطفل، وقد استجابت الأسر للعمل بالإرشاد النفسي الموجه إليها، وبدأت النتائج الإيجابية تظهر على الأطفال.
إذ يقوم هذا الإرشاد بتوعية الأسرة بأهم المسببات وأعراض الإعاقة، وذلك يساعدها على الاكتشاف المبكر الذى يقتضى التدخل الطبى والعلاج التربوى.
ــــــــــــــــــــ(37/3)
انحراف الأطفال ومسؤولية الأبوين
التربية هي بناءٌ ورعايةٌ وإصلاحٌ، وحرص على تنمية مدارك الأولاد والتدرج في تعليمهم الخير، وإبعادهم عن السوء منذ الطفولة حتى البلوغ؛ ولذلك اعتنى الإسلام برعايتهم، وحسن تربيتهم؛ لأنهم أمل المستقبل.
ويرجع حرص الآباء والأمهات على توجيه الأبناء التوجيه السليم لينجحوا في حياتهم، حيث حمل الإسلام مسؤولية تربية الأولاد على عاتق الوالدين والأقارب؛ لأنهم المؤثر الأول في التربية..
ولكن قد يشتكي كثير من الآباء والأمهات من انحراف أبنائهم وميلهم إلى الفساد، وفعل المعاصي، وعدم الاستماع للنصائح والإشارات والتوجيه، ويعود انحرافهم إلى الأسباب التالية:
1- سوء معاملة الأبوين للأولاد:
إن إساءة معاملة الأطفال ليست ظاهرة خاصة بزماننا هذا؛ بل هي موجودة بشكل أو بآخر خلال معظم حقب التاريخ، والأطفال الأكثر عرضة للإساءة هم :
- الأطفال الصغار سناً، الذين تتراوح أعمارهم بين الولادة إلى السنة الخامسة.
- الطفل الذي هو نتيجة حمل غير مرغوب فيه لأسباب اقتصادية أو حياتية أو قانونية.
- الطفل الصعب - الأكثر صياحاً، وشديد الانفعال، وقليل النوم - وكذلك الطفل المشاكس والبطيء والمعوق، والطفل الذي يكون في جنسه مخالفاً للمأمول من الأبوين كأن تكون بنتاً ووالداها يريدان ابناً...إلخ.
وبغض النظر عن خصائص الطفل، إلا أن ثمة عوامل بيئية وعائلية وتصورات حضارية، وأخرى سلوكية تساهم في إساءة معاملة الأطفال، ولذا حث الإسلام الوالدين على أن يحسنوا معاملة الأولاد حتى ينشأوا على الاستقامة، ويتربوا على حسن الأخلاق،
فقد ورد عن رسول الله أنه قال: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" رواه الترمذي.
وكذلك قال عليه الصلاة والسلام: "من لا يرحم لا يُرحم" رواه مسلم .
2- الفراغ الذي يعيشه الأطفال والمراهقون:
من جملة الأسباب التي تقف وراء وقوع الأولاد في الانحراف والفساد هي:
- عدم توجيه الأولاد بشكل سليم في أمور حياتهم.
- عدم استغلال أوقات فراغهم بشكل سليم ودقيق؛ مما يؤدي إلى مصاحبة رفقاء السوء، ومصاحبتهم تلحق أضراراً بالغة الأثر، كما قال رسول الله : "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" رواه الترمذي.
وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك أو تبتاع منه أو تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحترق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة" رواه البخاري.
وقد حث الإسلام على حسن اختيار الصديق، وحذر من صحبة الأشرار، ومما ورد عن رسول الله في ذلك : قوله: "لا تصحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي" رواه أحمد .
وأخبر الله تعالى أن صحبة الأشرار تكون سبباً للعداوة بينهم يوم القيامة كما قال الله سبحانه: الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين {الزخرف: 67}.
3- حالات الطلاق بين الزوجين:
إن أهم عوامل انحراف الأولاد وتشردهم، هي حالات الطلاق بين الزوجين، مما يدفع بالأولاد في أوحال الرذيلة والجريمة، أو الانحراف، أو تحول الأولاد إلى أدوات استخدام لإيصال رسائل الكره بين الزوجين المطلقين، وقد دعا الإسلام إلى
حسن المعاملة بين الزوجين، ودرء الخلافات جانباً، فقد ورد عن رسول الله أنه قال: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" رواه ابن ماجه.
4- إهمال النفقة على الأولاد:
إن ظاهرة إهمال النفقة على الأولاد، وعدم الاهتمام بمطالبهم أصبحت متفشية في زماننا هذا؛ مما يدفع الأولاد إلى سلوك غير سوية لتلبية احتياجاتهم من السرقة، أو العدوان على غيره، ولقد حذر الإسلام الآباء والأمهات من تضييع الأولاد أو إهمالهم، قال رسول الله : "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول" رواه أبو داود.
ولقد نهى الله تعالى عن الإسراف بشتى أنواعه؛ لأنه يسبب الفساد والدمار والانحراف. قال الله تعالى: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا {الإسراء: 29}.
5- النزاع والشقاق بين الوالدين:
إن ظاهرة النزاع والشقاق بين الوالدين خصوصاً أمام أولادهما، تؤدي إلى انحراف الأولاد، فينبغي على الوالدين ألا يثيرا الخلاف والشقاق أمام أولادهما، وعلى كل منهما أن يلتمس العذر للآخر، ولا يبادر في إظهار الأخطاء وإشاعتها؛ لئلا يتصدع بنيان الأسرة، وننصح الأمهات بعدم الإفراط في تأنيب الطفل، أو فرض مراقبة شديدة على تحركاته العفوية قبل بلوغه عامه الثالث؛ لأن ملازمة جميع تحركاته، والتدخل في جميع مراحل نموه في المنزل أو خارجه، والعمل على إجباره على استيعاب بعض المعلومات الجديدة، لا يساعد على تربية الطفل تربية حسنة كما تريد الأم، بل هو سبب في تقويض شخصيته وزعزعة أركان مستقبله، وبالتالي يتعرض الطفل إلى انحرافات نفسية.
مسؤولية الأبوين:
يظهر من خلال الاتهامات المتبادلة في كثير من الخلافات الزوجية، أن كل واحد من الأبوين قد أخطأ، وأن الولد هو الذي يدفع ثمن الأخطاء، وأن التربية السليمة لها قواعد معينة، لابد من اتباعها وتوافرها حتى يتحقق الجو التربوي السليم الذي يعيش فيه الأولاد، على أسس إسلامية متينة صلبة لا تتعرض للانحرافات، وعلى الأبوين إدراك مسؤوليتهما في تكوين الأسرة، نظراً للدور الهام للأم في تربية الأولاد، فلو صلحت صلح الأولاد، ولو فسدت فسد الأولاد، ولذلك اعتنى الإسلام باختيار الزوجة، قال الله تعالى يصف الزوجات الصالحات: فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله {النساء: 34}.
ويقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: "... وينبغي أن يكون النظر إلى باب الدين قبل النظر إلى الحسن، فإنه إذا قل الدين لم ينتفع ذو مروءة بتلك المرأة"(8).
والإسلام اهتم بالأم، كونها المدرسة الأولى للأولاد، والمعلم الأول لهم منذ المهد، فبصلاحها يصلح المجتمع كونها تهدف إلى غرس القيم والأخلاق الحميدة، كالصدق والأمانة والعفة، والشجاعة في نفوس أولادها وهم صغار.
وكذلك الأب مسؤول عن أسرته، وقد ورد عن رسول الله { أنه قال: "الرجل من أهله راع وهو مسؤول عن رعيته" رواه البخاري في الأدب المفرد.
ويجب أن تكون التربية وفق كتاب الله وسنة رسوله ، وهؤلاء الأولاد عقولهم صفحة بيضاء تستوعب ما ينقش عليها، قال الله تعالى: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون {النحل: 78}.
وإن رُبي الولد على الخير نشأ صالحاً نافعاً، وهذه التربية أمانة لا يجوز التفريط فيها وقد قال الله تعالى: والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون {المؤمنون: 8}.
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون {التحريم: 6}.
ويجب على الوالدين الاستعانة بالله في تربية الأولاد، والمداومة على الدعاء لهم بالصلاح والخير قال الله تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان {البقرة: 186}.
ــــــــــــــــــــ(37/4)
ـــــــــ
مجلة الجندي المسلم العدد ( 118 )
ــــــــــــــــــــ(37/5)
إليك أيها الأب !!
حديثي اليك أيها الأب الغيور عن نعمة قد تنقلب نقمة ، وعن منحة قد تنقلب محنة، وعن عطاء قد يكون شقاء! إنهم الأبناء!!
هذه البراعم الناعمة، والأكباد التي تمشي على الأرض، التي إن لم نحسن رعايتها فلربما تمنى الأب أنه لم يرزق بهم وأنه كان عقيماً -نسأل الله السلامة والعافية...
أكتب ذلك ليس من باب التشاؤم ولكنه من باب الواقع المشاهد، فكم من أبٍ لم يكن يعرف طريق الشرطة، لم يدخله مراكزها إلا فلذات كبده.
وكم من أبٍ لم تخرج دمعته ذلاً وهواناً أمام الرجال قط، لم يخرجها إلاّ أبناؤه، بل كم من والد أدخله أبناؤه زنزانات السجون -نعوذ بالله من عقوقهم-!
أيها الأب المشفق، إذا أردت أن تدرك بر الأبناء وتذوق حلاوة نفعهم فاربطهم بالحياة الباقية لا الفانية، ليكن همك أن تجتمع بهم في قصور الجنة وخيامها وعلى أرائكها، لا أن يكون همك تسمين أبدانهم وكسوتهم، وتذكر أن أسراً كثيرة ستتمزق عداً على الصراط إذا ضُرب على متن جهنم... تلك الأسر التي كان همّ راعيها الدنيا فحسب! همه حضور ابنه للمدرسة ولو غاب عن المسجد، همه ارتفاع معدله ودرجاته ولو انخفض مستوى إيمانه وأخلاقه، همه أن يتملك في الدنيا بيتاً ليجمع أبناءه فيه ولوكان أبناؤه يسيرون في حياتهم إلى أودية النار تركاً للفرائض وانتهاكاً للحرمات، همه أن يخلف لأبنائه ثروة ومالاً ولو كان يعلم أنهم لربما استعانوا بها على معصية الله.
إن هذه التربية المهترئة المنحلة لا تبلغك أيها الأب برهم ولا نفعهم لا في الحياة الدنيا، ولا في الآخرة... لذا أوصيك أيها الأب المشفق بعدة وصايا عسى إن عملت بها ألاّ تحرم السعادة بهم فوق الأرض، والفرح بهم يوم العرض، والاجتماع بهم على الأرائك متكئين في جنات النعيم.
الوصية الأولى:
أكثرْ من الدعاء لهم بالصلاح والهداية، واحذر من الدعاء عليهم، لا تعن شياطين الجن والإنس على أبنائك، ولا تيأس من هدايتهم. "فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء" فقلب ابنك لن يكون أقسى من قلب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي خرج يوم إسلامه يريد قتل محمد -صلوات الله وسلامه عليه- فما غربت شمس ذاك اليوم إلاّ ومحمد- عليه الصلاة والسلام -أحب الناس اليه ببركة دعائه- عليه الصلاة والسلام.
الوصية الثانية:
برّك أنت أيها الأب بأبيك وأمك، فإن البر دين، فإن أقرضته والديك استوفيته من أبنائك أضعافاً مضاعفة، وإلاّ فستشرب كؤوساً من العقوق مترعة "برّوا آبانكم تبركم أبناؤكم".
فاعمل مع والديك ما تحب أن يعمله أبناؤك معك غداً ، وابذر تحت أقدامهما ما شئت أن تحصده من أبنائك غداً.
الوصية الثالثة:
احذر أن يشاركك في تربيتهم قناة فضائية أو جليس سوء، فإن ما زرعته وسقيته في أعوام قد تحرقه لقطة في مسلسل او مشهد من فيلم أو صورة فاجرة يعرضها زميل، فاحفظ جوارحهم وخاصة -العين والأذن- فإنهما نافذتان إلى القلب، إن أطلقتا في الحرام فلن تستقيم لك تربية، ولن تدرك براً، وسينهار كل بناء للفضيلة تريد أن تعليه في نفوسهم، وذلك أن العين أو الأذن إن هي زنت، فلا بد أن يبحث الفرج عما يطفئ لهيب تلك النظرات الفاجرة وتلك النغمات المحرمة.
الوصية الرابعة :
أطعمهم الحلال فـ :"أيما جسد نبت من سُحت فالنار أولى به" فما نزعت بركة كثير من الأبناء إلا بسبب لقمة الحرام، فكم من أبٍ أعجبه قوام أبنائه وقد غذاهم الحرام، وما علم أن هؤلاء الأبناء قد يكونون غداً شوكة في خاصرته، وغصة في حلقه، وسبب شقائه في دنياه وأخراه، بسبب شؤم ذاك المال الحرام، فاتق الله أيها الأب في كسبك، واعلم أن أبواب الكسب الحرام قد تنوعت وكثرت، فالربا، والرشوة، والسرقة من وقت الدوام، وقبض قيمة الانتداب وأنت جالس في بيتك... كلها أبواب كسب محرم، فأطبْ مطعمك.
الوصية الخامسة :
كن قدوة صالحة لأبنائك فلا تنه عن خلق وتأتي مثله، افعل أمامهم ما تحب أن تراه منهم، وان ابتليت بمعصية فاستتر ولا تجاهر بها، فإن الابن قد جُبل على حب محاكاة والده. فاحذر أن تغرس فيه خلقاً يجني عليك الندامة غداً. فكم من ابن كان سبب انحرافه معصية حاكى فيها والده فأوردته المهالك.
الوصية السادسة:
لا تنشغل عنهم فهم رأس مالك الحقيقي، ليكونوا معك أو كن معهم، أشغلهم بالخير وإلاّ أشغلوك هم بالشر، ألحقهم برياض الجنة "حلقات تحفيظ القرآن"، اصحبهم إلى
بيوت الله وإلى صلة أرحامك، أبعدهم عن حياة اللين والترف، عليك بالتربية الجادة التي تخرّج رجالاً لا شباباً هم للأنوثة أقرب منهم للرجولة.
فإذا بذلت أسباب الصلاح، ولم يكتب الله لهم الهداية فلا يضرك ضلالهم لأن عليك الدلالة والإرشاد وليس عليك التوفيق والهداية.
أسال المولى أن يصلح لنا ولك النية والذرية "ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً".
ــــــــــــــــــــ(37/6)
لا للأب الحاضر الغائب !!
وظيفة الأب ضبط إيقاع الأسرة «من الصعب أن يحل أحد محله، وإذا كانت الزوجة عماد البيت، فإن الأب سقفه، وكما لا يقوم بيت بلا أعمدة، فإنه إذا كان بلا سقف كان عرضة للعواصف والأنواء تعصف به وقد تهلكه، وقد تتحمل الزوجة وحدها أعباء الأسرة المادية والنفسية، رغم ما يعرضها ذلك من آثار خطيرة لسفر الزوج مثلاً.
ولكن أن تتحمل ذلك وحدها فى حال وجوده، فهذا ما يجب أن نتوقف عنده لنقول : لا للزوج الحاضر الغائب، مهما كانت حججه ومبرراته.
فى السطور القادمة صرخات زوجات يحكين عن أزواجهن الحاضرين اسمًا فقط.
وجوده كعدمه
زوجى متزوج من أخرى، ويعيش معنا فى البيت نفسه، ولكن وجوده كعدمه، فلا وجود له فى حياة الأبناء، يعطينا المصروف بالكاد، والأبناء لا يجدون من يوجههم ويربيهم، ولديّ أبناء فى سن الشباب، ولا أستطيع كأم توجيههم والسيطرة عليهم، ولذلك أحس أنى وحدى فى مواجهة العاصفة، فإذا مرض أحد الأبناء لا يهتم، وإذا حدثت مشكلة لابنتى فى عملها لا يسأل عنها، وزوجت إحدى بناتى ولم يقم بالدور المطلوب منه كأى أب.
الهواية القاتلة
زوجى يعمل استروجى يذهب لعمله فى الحادية عشرة صباحًا، ويعود فى الثانية مساءً، وبالطبع هو لا يقابل الأبناء إلا يوم الإجازة ؛ لأنه يعود وهم نائمون، ويصحو وهم فى مدارسهم، وفى أحيان كثيرة لا يقضى الإجازة معنا، ويذهب لرحلات صيد الأسماك فهو يهوى الصيد، وقد يغيب من عمله، ويقصر فى واجبات بيته ماديًا ومعنويًا بسبب هذه الهواية.
صدمة الانتخابات
تزوجت مدرسًا ذا عقلية راجحة، وذلك فى بداية زواجنا إلى أن رشح نفسه فى انتخابات مجلس الشعب، ولم ينجح، فأصابه ذلك بصدمة نفسية، واعتزلنا وهو يعيش الآن فى غرفة وحده بالمنزل، لا يعى شيئًا من أمور حياتنا، وترك العمل، ويرفض العلاج حتى يئسنا من حالته، وقد كبر أبنائى، وتعلموا وتزوجوا وهو منعزل عنّا وكأنه فى عالم آخر.
ممول فقط
أبنائى يحترمون أباهم فى وجوده فقط، وما عدا ذلك فهم لا يشعرون به، فهو طوال اليوم فى عمله، وإذا جاء من عمله صعد إلى شقتنا، ونحن نعيش فى أسرة ممتدة، ويقضى طوال وقته أمام شاشات التليفزيون، أو مع نفسه فوق السطوح، ولا نكاد نحس به فى حياتنا سوى بالإنفاق المادى، والمشكلة أكبر فى حالة ابنى المراهق الذى يحتاج لأب يوجه ويراقب، وهو لا يفعل شيئًا من ذلك كله.
غير مسئول
زوجى نشأ اتكالياً لم يعتد تحمل المسئولية، ولذلك حين تزوج لم يستطع أن يحمل أعباء أسرة، فهو يمكث فى المنزل كثيرًا، ولا يستقر فى عمل مما اضطرنى للعمل، وحمل عبء الأسرة المادى معه، ولو كان يقوم بواجبه ما شكوت، ولكنه متكاسل، وهذا يؤثر فى مشاعرى نحوه ، وتقديرى له، كما أنه قاس على ولده، ولا يستطيع تربيته، وحتى حين تم خصخصة الشركة التى يعمل فيها لم يبحث عن عمل بديل، فبحث له أشقاؤه وأقرباؤه عن عمل، وأدعو الله أن يستمر فيه.
يعلق على هذه الظاهرة الدكتور صلاح المرسي - أستاذ علم النفس بمركز دراسات الطفولة - فيقول: إن وظيفة الأب هى ضبط إيقاع الأسرة، وتسهيل العلاقات بينها وبين المؤسسات المجتمعية الأخرى، كما أن الأب فى الأسرة هو النموذج الذى يمثل القدوة للولد والبنت داخل الأسرة، والشكل الطبيعى للأسرة هو أب وأم وأبناء.
وعندما يغيب الأب لا يمكن لأى شخص أن يحل محله، وقد يكون هذا الغياب لرحلات طويلة كالحج والتجارة قديمًا، أو رجال الأعمال هذه الأيام ، وهنا تظهر مشكلة الغياب لفترة مؤقتة ثم يعود الأب.
لا المستبد ولا الضعيف
وهناك نوعان من الآباء:
- نمط الأب المستبد الذى يأخذ كل أمور الأسرة بيده لدرجة أنه يعطى المصروف لزوجته يومًا بيوم، وهذا الأب لو غاب تنهار الأسرة.
- نمط الأب الموجود ماديًا، ولكنه نفسيًا غائب فى التوجيه والإرشاد، وهذا الأب مجرد ممول، وإذا كان فى يوم إجازة فإنه دائمًا متعب ومجهد، ويحجر على أنشطة البيت حتى يأخذ قسطًا من الراحة، وهنا نقع فى مشكلة تأنيث الأسرة؛ إذ تقوم الزوجة بشغل الفراغ الذى يتركه الزوج الذى لا يقوم بدوره التربوى نتيجة انشغاله بكسب المادة.
وهناك نموذج آخر لا يقوم بدوره لا تربويًا ولا فى الإنفاق، وهذا تكون مشاعر زوجته وأبنائه أكثر سلبية تجاهه، بل فى بعض الأحيان يتمنى البعض لو لم يكن موجودًا، وربما حينها كانوا سيجدون من يساعدهم.
ويضيف د. المرسى أنه فى الأسرة التى يغيب عنها الأب تتولى الأم التربية، ونتيجة لإحساسها بالخطر، فإنها تحرص فى المجال الأول على تفوق الأبناء فى الدراسة، بحيث تعتبر ذلك مقياس نجاحها أو فشلها، وبالتالى تضييق حركة الأبناء تدريجيًا، ولا تسعى لتوسيع اهتماماتهم.
وبالنسبة للأولاد يصبح غياب الأب من حياتهم أمرًا اعتادوا عليه، ومسلم به، وتسير حياتهم بدونه، فإذا ظهر مثلاً فى يوم إجازة، وبدأ ممارسة سلطاته التى لم يعتادوها
ترتبك حياتهم، ويحسون بغربته عنهم، وهنا تظهر المشاعر السلبية تجاه الأب، والتى لم يكن معبرًا عنها، كما تحس الزوجة أنها تسير فى الحياة بلا سند.
الإجازة للتفاعل الأسرى
ويؤكد د. المرسى أن نمط الحياة الاستهلاكية تم تصديره إلينا من الغرب، ولكنهم استطاعوا التخطيط لإجازة نهاية الأسبوع، وجعلوها خالصة للأسرة والحياة الأسرية، ولا مجال فيها للعمل إطلاقًا، ومن هنا نوجه الدعوة إلى كل أب، وكل أم أيضًا، فهى شريكة فى المسئولية أن يحرصا على الوجود بشكل فاعل فى حياة أسرهم وأبنائهم من خلال قضاء جزء من اليوم مع الأبناء، ومناقشة أمورهم، والتقرب إليهم، ومن خلال حرص الأم على ربط الأبناء بالأب وتقديرهم لدوره، وأهميته فى حياة الأسرة.
وفى النهاية نوجه كلمة إلى الأب: إن المال مهم للأسرة، ولكن الحب والمتابعة والتربية لهم ذات الأهمية إن لم يكن أكثر.
ــــــــــــــــــــ(37/7)
كيف يستفيد المسن من وقته ؟
قطار العمر يمر بمحطات ومراحل يقف الفرد في كل منها ليؤدي دوره حسب خصائص هذه المرحلة ومتطلباتها، فمن مرحلة الطفولة إلى البلوغ والشباب إلى الرجولة إلى الشيخوخة والمعاش، تتعدد الأدوار الإنسانية والوظيفية، ولكل منها خصائصه ومشاكله، فعندما يصل قطار العمر إلى مرحلة المعاش يشعر الفرد أنه أدي رسالته في الحياة، وأنه قد آن له أن يستريح بعد رحلة العطاء الطويلة، لكنه ما يلبث أن يشعر ببعض الأعراض المرضية سواء الجسدية أو النفسية، كما يطارده شبح الفراغ وانتفاء القيمة والشعور بأنه أصبح طاقة معطلة أو عالة على ذويه.
فكيف نمحو هذه الصورة القاتمة عن المسن؟ وكيف نعيد له الأمل في الحياة والعطاء ونساعده على الاستفادة بوقته في خدمة المجتمع؟ هذا التحقيق يجيب عن هذه التساؤلات ويبعث في أحبائنا الكبار أملاً جديدًا في الحياة.
المناقشة أولاً
تقول سماح على - معهد عالي إدارة وسكرتارية جامعة القاهرة -: الإنسان يستفيد من الأكبر سنًا لأن لديهم قدرة أكبر على المعرفة، وخبراتهم في العمل أكثر، وهذا يهييء الشباب للحياة وللعمل.
هبة محمود - تجارة القاهرة -: نستفيد من كبار السن في نصائحهم، حيث إن زمانهم أفضل من زماننا، فنحن نريد أن نستفيد من خبراتهم في التربية للأبناء ومن خبرات العمل المختلفة.
مني أسامة - تجارة -: نحن نستفيد منهم بما يتلاءم مع ظروفنا، كيفية التعامل مع الآخرين، يمكن أن نناقشهم في آرائهم وخبراتهم، وفي النهاية نستجيب لهم، فوالدي يفرض على بعض الأشياء ولكن يكون هناك مناقشة بيننا، وفي النهاية أستجيب له.
شيماء عمر - معهد عالي إدارة وسكرتارية القاهرة -: أتقبل منهم ولكن لابد من مناقشتهم، أري أنه لابد من الاستفادة من خبراتهم حتى يتطور المجتمع وينمو ويزدهر، فهم طاقة لابد من استغلالها وخبرات لابد من الاستفادة منها.
عادل محمد - آداب -: نريد معرفة المشاكل التي قابلتهم وكيفية حلها، وما هي والوسيلة التي ساعدتهم على حل مشاكلهم وجعلتهم يتطوروا، وأيضًا يكون هناك مناقشة بيننا وبينهم.
أحمد حسن - حقوق -: كبار السن هؤلاء إما أجدادنا أو آباؤنا في كلا الحالتين نستفيد منهم، فالأب أو الجد أحيانًا يجلس مع أبنائه أو أحفاده ويحكي لهم عن ذكرياته، وعن أيام زمان، وكيف كانت الحياة ؟ وكيف كان يعمل ويكافح حتى يصل إلى منصب معين ؟ فهذه خبرات ولكن يستفيد منها من لديه عقل واعٍ، فليس كل الشباب يتقبل هذه الخبرات، لذلك لابد من وضعها في إطار معين كي يستفيد المجتمع كله منها.
الحياة أدوار ومراحل
في البداية توضح د. إلهام فرج - مدرس اجتماع بآداب القاهرة - أن المجتمع عبارة عن مجموعة علاقات وأدوار، وهذه العلاقات قد تأخذ شكل زوج وزوجة لكل واحد منهما دوره، فالزوج مثلاً يمارس دوره كزوج ثم كأب وجد.
ومع تدرج مراحل العمر تختلف الأدوار أو تتطور طبيعة الدور حسب متطلبات المرحلة.
فدور الأب مع أبنائه قد يختلف عن تعامل الجد مع أحفاده، كذلك يختلف الدور الوظيفي للفرد بتدرجه في المناصب في السلك الوظيفي فيبدأ موظفًا بسيطًا، ثم يرتقي في العمل حتى يصبح مديرًا ثم يحال إلى المعاش.
وبعد هذه الرحلة من العطاء والتضحية تجاه الأبناء وتجاه الوظيفة يجد المسن نفسه بلا عمل، فيشعر بالفراغ والوحدة، وهو ما قد ينعكس سلبًا على حالته النفسية والجسمانية، لذلك لابد من ملء هذا الفراغ والاستفادة بخبراتهم القيمة وتجاربهم الطويلة مما يعيد إليهم الأمل في الحياة، ويخلق لديهم الرغبة في الاستمرار في العطاء.
وأكدت د. إلهام أيضًا أن هذه الفكرة تجدد شباب المجتمع وتجدد الأدوار فيه.
لا مستقبل دون ماضي
وتستنكر الدكتورة إلهام فرج إعراض الشباب عن الاستماع إلى نصائح المسنين والاستفادة بخبراتهم فتقول: لاشيء في الحياة يقوم على المصادفة فالخبرات متراكمة، والحياة كلها عبارة عن خبرات، فمثلاً الاختراعات التي ظهرت لم تقم إلا على اختراعات سابقة مثل: الكمبيوتر لم يقم إلا على الترانزستور، فكيف تدور الحياة بلا خبرات سابقة في مجال من المجالات العملية.
ثانيًا: لا مستقبل دون ماضي، فكيف يكون رجل دون شباب، وكيف يكون شاب بلا طفولة، فالله سبحانه وتعالى يقول: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}، هذا دليل من الله لنا أن الإنسان لا يعيش بلا خبرات.
أيضًا كيانه كشاب لا يقوم إلا على الخبرات، فلابد من دمج الحديث مع القديم، فالحديث مع الحديث لا يخلق جديدًا، ومن الممكن أن يقول الناس عن هذا الشاب - بعد عشر سنوات أن آراءه وخبراته لا تناسب هذا العصر.
وتتمني الدكتور إلهام فرج أن تُرد الحقوق لآبائنا وأجدادنا حيث إن لهم حقوقًا علينا تعوضهم عن الحرمان، تفتح لهم أبوابًا جديدة لحياة سعيدة متفائلة.
ليست كل خبرة تصلح للاستفادة منها
ويعرِّف الدكتورة فكري عبد العزيز - استشاري الطب النفسي - المسن بأنه: «الشخص الذي تخطي عمره الستين عامًا»، وهذه الفترة يصاحبها ظروف التقاعد من آلام نفسية شديدة وإحباط وملل، ونري أن المسن تصاحبه كثير من التغيرات الجسمية من ضعف الجسم، وترهل الجلد والمفاصل، وضعف السمع والإبصار، وتصاحبه أمراض القلب والشرايين مما يشعره بالضعف، ويبعده عن المجتمع، ويحس أن هذا هو نهاية الجهد والمطاف، ويؤدي بعد الأسرة عنه إلى آلام نفسية.
من هنا نري أن زيادة الدافع لدي المسن يعطيه القوة والأمان، فإذا استدعي كمستشار مثلاً أعطاه هذا دفعة، وأشعره أن لديه من القدرات المهنية ما يعطيه، ويمنحه الثقة بنفسه والرغبة في الحياة، ويمكن أن يعطي المشورة للعاملين في مصلحة حكومية معينة، أو من كان يعمل معهم في يوم من الأيام، وذلك من خلال تواجده معهم.
ويمكن أن يشارك في وضع الخطط حيث تحتاج إلى خبرات كثيرة، وتنسيق العمل وإبداء الرأي حتى وإن لم يؤخذ به فهذا يشعره بأن له وجودًا في الحياة.
فهذه الاستعانة به تزيد من الشعور بالأمان والاستقرار لديه.
والمسن إذا فارقه من يشاركه حياته مثل زوجته أو زوجها يصبح ضحية «الحزن الشديد».
ومن هنا تكون مشاركته في المجتمع إعادة له إلى الحياة مرة أخرى، وتجعله يعيش بأمان، والكلمة الطيبة ممن حوله تشعره بالطمأنينة وتشعره بحبهم له.
ويمكن أن يستعيد الحياة مرة أخرى بأن تتزوج أو يتزوج فهذا قد يجدد حياته ويبعد عنه كثيرًا من الأمراض التي تصاحب هذه المرحلة.
وعن كيفية الاستفادة من خبرات كبار السن يقول د. أسامة عُلما - عميد أكاديمية السادات بأسيوط - أنه جرت العادة أن الاستفادة منهم كمستشارين وتقديم الخبرة للشباب كي ينتفع بها.
ويتساءل د. أسامة كيف نستفيد من هذه الخبرات القديمة مع دخولنا على الألفية الثالثة والتطور الهائل الذي سيحدث في القرن الجديد؟ وهذا السؤال يحتاج إلى ملاحظة دقيقة وإجابة واضحة.
ويؤكد د. أسامة أن رأيهم كمستشارين يلعب دورًا مهمًا في نجاح الشباب، ولكن بشرط أن تكون هذه الخبرة معدلة مع الظروف المتغيرة في الوقت الذي نعيشه.
وعن الإطار الذي يمكن أن توضع فيه الخبرة هل تكون فردية أم جماعية رد قائلاً: من الناحيتين يمكن، وهناك دول مختلفة - ومنها مصر مثلاً - مجمع الخالدين بها مكان مؤسس للأشخاص المتميزين من كبار السن والقادرين على العطاء، وهم يعملون في هذه المؤسسة التي تأخذ شكلاً علميًا.
أما الأقل تميزا يعمل كمستشار في صناعة الغزل والنسيج فهذه خبرة فنية يستفاد منها في هذا المجال.
وفي نهاية حديثه أكد د. أسامة على أن هذه الخبرات لابد أن تكون متوافقة مع العصر الذي نعيشه فليست كل خبرة تصلح للاستفادة منها.
ــــــــــــــــــــ(37/8)
مفاتيح العلاقةالمثالية مع الوالدين
لا تجادل، ناقش الأسباب، اختر الحلول الوسط، اعرض مساعدتك، لا تتسمع إلى خلافاتهما، احترم نظام البيت.. مفاتيح مؤكدة لعلاقة مثالية مع والديك
- هل تشعر بأن والديك لا يفهمانك؟
- هل يسكنك إحساس بأنهما يظلمانك ويقيدان حريتك؟
- هل تعتقد أنك دائمًا على حق وأنهما مخطئان فى حقك على طول الخط؟
إذا أجبت بنعم، واتخذت بينك وبين نفسك قرارًا بتجميد علاقتك مع والديك، ووضعها فى أضيق الحدود تجنبًا لما تعتقده أنت تعسفًا منهما ضدك، فتمهل، وخذ الخطوة الأولى، وحاول أنت تفهمهما، وتعامل معهما بحب يحميك من هذه المشاعر السلبية، والأهم من ذلك يجنبك عقوقهما، وما يترتب عليه من عذاب فى الدنيا والآخرة.
ابدأ ونحن معك، نشد على يديك، وتأكد أنك ستكسب أرضية رائعة وممهدة لعلاقة نادرة من الألفة والفهم مع أبويك.
- والداك من النوع غير المحب للجدال، فلا تجادلهما، بل ابتسم ووافقهما، فسيجعلهما هذا يفكران، وقد يتبنيان رأيك وموقفك.
- عندما يكون الوالدان عقلانيين؛ فإنهما - حينئذ - يوضحان كل أسباب القرار الذى يتخذانه، فاستمع إليهما حتى ينتهيا من حديثهما وابق هادئًا ، ثم تناول كل سبب بمفرده، وأخبرهما بسبب عدم اتفاقك معهما.
- إذا كان أحد والديك يرفض طلباتك، أو لا يسمح لك بالحصول على مزيد من الحرية، فلا تسأل «لماذا ؟»، فهذا لن يضيف لك إلا سببًا جديدًا لمقولة «لا»، والأفضل من أن تسأل «لماذا ؟» أن تقول: «ما الذى يمكننى أن أفعله لكى أحصل على هذا الامتياز، أو المطلب، أو الحرية ؟»، فإن سؤال: «ما الذى يمكننى فعله ؟» سيعطيك بعض الأفكار عن طريقة الحصول على إجابة «نعم»، بشرط أن يكون مطلبك عادلاً.
- عندما يغضب أحد الوالدين، فليس هذا الوقت المناسب لأن تغضبه أنت أيضًا، فكثيرًا من الأحيان لا يكون قد غضب منك، ولكن من رئيسه فى العمل، أو الجيران، أو تكاليف العيش، وما يحدث أنك تكون أمامه فى الوقت الخطأ، فاظهر بمظهر المتأثر المتعاطف معه.
- لا تناقش شكواك، عندما يكون أحدكما غاضبًا، واهدأ، وانتظر حتى يصبح مزاجهما حسنًا، وناقش مشاعرك فى وقت لاحق فى ذلك اليوم، أو بعد بضعة أيام.
- عندما تناقش شكواك، أو آراءك، أو مطالبك، لا تتصرف بطريقة وقحة، ولا ترفع صوتك، بل ناقش المسألة بصوت عادى ، أما إذا صحت، أو كنت غير مهذب، فستزيد الطين بلة.
- لا تصنع مواقف يوجد فيها خاسر وفائز، فأنت الأصغر، وربما تخسر فى معظم الأحيان، ولكن حاول أن تصل إلى حلول وسطية، و صنع موقف يفوز فيه كلاكما.
- إذا كنت تعانى من مشاكل فى التحدث مع والديك، أو إذا كانا يغضبان فى كل مرة تناقش أنت فيها شيئًا، فاكتب ملحوظة، وضعها على وسادتهما، فإن الآباء لا يستطيعون مقاومة مثل هذه الملحوظات، وربما يحتفظون بها إلى الأبد.
- اخرج أنت ووالدك فى بعض الأحيان، وقل له إنك تريد أن تكون معه بمفردكما لكى تمشيا، أو تتناولا الطعام، وأنك تريد فقط أن تحظى به لنفسك من وقت لآخر.
- أمض بعض الوقت فى ذات الغرفة مع والديك أثناء مشاهدتهما للتلفاز أو القراءة ، وتحدث معهما عن المدرسة، وعن أصدقائك، أو عن شيء آخر يهمك، سيدهشان فى البداية بسبب تغير سلوكك، ثم سيجتازان هذا الشعور، وسيحبان شخصك الجديد.
- أنت لا تؤدى خدمات للأشخاص الذين يتجادلون معك، أو لا يتعاونون معك، فإذا تصرفت بهذه الطريقة مع والديك، فمن المحتمل ألا يتعاونا معك عندما تطلب منهما شيئًا؛ لذا حاول أن تتعاون، وتحجم الصراعات؛ لأن هذا سيكون بالتأكيد فى صالحك.
- اسأل والديك مرة واحدة فى اليوم: «هل يوجد شيء أؤديه لكما ؟»، فى معظم الأحيان سيقولان «لا»، أو ربما يعطيانك شيئًا يحتاج إلى دقائق لتنفيذه، سيحب والداك هذا، وسيريان فيك شخصًا متعاونًا جدًا، وعندما يحدث هذا ربما يكونان أكثر تعاونًا معك، ويمكنك أيضًا أن تفاجئهما بفعل شيء لا يطلبانه منك.
- عندما يتشاجر والداك، ابتعد، حتى لو كنت تريد الاستماع لهما، فعاجلاً أم آجلاً سيغضبان منك بسبب هذا التصنت إن لم يكن بسبب شيء آخر.
- أحيانًا ما يكون اتباع نظام البيت مثل: إطفاء الأنوار، أو تنظيف غرفتك، أو تعليق المنشفة بعد الاستحمام، وسيلة للسماح لك بالحصول على تفهم والديك لمطالبك.
- كن صبورًا مع والديك، وتذكر أنهما يمران بوقت عصيب فى حياتهما.
- تذكر دائمًا أن من عقوق الوالدين ومن أكبر الكبائر، وضع نفسك مكانهما، وتخيل أن ابنك يعاملك بندية وتحد.
ــــــــــــــــــــ(37/9)
تربية الرسول – صلى الله عليه وسلم – لبناته رضي الله عنهن
أجمع المؤرخون أن للنبي –صلى الله عليه وسلم- أربع بنات كلهن أدركن الإسلام، وهاجرن هن: فاطمة عليها السلام: ولدت قبل النبوة بخمس سنين، وزينب تزوجها العاص بن الربيع -رضي الله عنه-، ورقية وأم كلثوم تزوجهما عثمان بن عفان –رضي الله عنه- تزوج أم كلثوم بعد وفاة رقية .
و الحكمة من أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أباً للبنات – الله أعلم بها- ويرجعها البعض لأسباب:
منها: أن البنت في عُرف العرب قبل الإسلام عار يستحق الدفن حياً قال الله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}].
جاء في تفسير هذه الآية: بأن الكظيم هو الكئيب من الهم، ويمسكه على هون: أي يبقى البنت مهانة لا يورثها ولا يعتني بها ويفضل أولاده الذكور عليها .
فشاء الله أن يكون النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أباً لبنات ليكون القدوة للمؤمنين فيما ينبغي للبنت من حقوق ومكانة لائقة أقرها لها الدين الإسلامي الحنيف.
فأبوة الرسول –صلى الله عليه وسلم- لبناته حدثاً جديداً في حياة المرأة، وفي هذا قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه –: "والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمراً حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم .
ومنها : أيضاً - والله أعلم - (حتى يكون النبي –صلى الله عليه وسلم- بعيداً عن تهمة الاستنصار بالولد، والاعتماد عليه ) كما هي عادة العرب في ذلك الوقت.بل أن ما جاء به من دين نُشر في الأرض لأنه هو الحق ولا حق سواه، والحق دائماً أظهر وأقوى.
وقد كان العربي في الجاهلية يترقب الأولاد للوقوف إلى جانبه ومساندته، والدفاع عن الحوزة وحماية البيضة، أما البنت فكان التخوف من عارها يحملهم على كراهتهاحتى بعث الله نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- بالدين الإسلامي خاتم الأديان الذي ارتضاه الله عزَّ وجل لعباده قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً}
فحفظ الإسلام للبنت حقوقها وأنزلها المنزلة اللائقة بها ووعد من يرعاها ويحسن إليها بالأجر الجزيل وجعل حسن تربيتها ورعايتها والنفقة عليها سبب من الأسباب الموصلة إلى رضوان الله وجنته، جاء في الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من عال جارتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه"أخرجه مسلم.
يلاحظ في هذا الحديث أن النبي –صلى الله عليه وسلم- ضم أصابعه، ولم يفرق بينهما كناية عن شدة قرب من عال جارتين من الرسول –صلى الله عليه وسلم- في الجنة. وفي الحديث الآخر عن عائشة –رضي الله عنها– قالت: "دخلت علىّ امرأة ومعها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي –صلى الله عليه وسلم- علينا، فأخبرته فقال: "من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار" أي حجاباً ووقاية من النار ، متفق عليه .
أيُّ فضل أعظم من هذا الفضل ! وأيُّ أجر أعظم من هذا الأجر !.
وعلى الرغم من هذا الأجر العظيم الوارد في فضل تربية البنات والإحسان إليهن إلاَّ أن هناك من الناس من لا يُسر لمولد البنت –والعياذ بالله- فيظهر الهمَّ والحزن! وما هذا إلا جهل واعتراض على قدر الله، والبعض يفرط ويقصر في تربية وتوجيه بناته ولا يرعاهن الرعاية المطلوبة منه.
ولو أن الإنسان تفقه في دين الله ووقف عند حدوده واقتفى أثر الرسول –صلى الله عليه وسلم- في كل أمر من أمور حياته لعاش مطمئناً مرتاح البال قرير العين، ولعرف كيف يعبد ربه، وكيف يتعامل مع إخوانه، وأهله، وزوجته، وكيف يربي
أولاده فالحمد لله أنه ما من خير إلاَّ ودلنا ديننا الإسلامي الحنيف عليه وما من شر إلاَّ وحذرنا منه.
تربية النبي –صلى الله عليه وسلم- لبناته في مرحلة الطفولة:من هديه –صلى الله عليه وسلم- في تربية بناته في مرحلة الطفولة أنه كان يُسَّر ويفرح لمولد بناته رضي الله عنهن فقد سُرَّ واستبشر –صلى الله عليه وسلم - لمولد ابنته فاطمة رضي الله عنها وتوسم فيها البركة واليمن، فسماها فاطمة، ولقبها بِ (الزهراء) وكانت تكنى أم أبيها .
وفي هذا درس عظيم من دروس السيرة النبوية بأن من رزق البنات وإن كثر عددهن عليه أن يظهر الفرح والسرور ويشكر الله سبحانه وتعالى على ما وهبه من الذرية، وأن يعزم على حسن تربيتها، وتأديبها، و على تزويجها بالكفء "التقي" صاحب الدين حتى يظفر بالأجر الجزيل من الله.ففاطمة –رضي الله عنها– كانت البنت الرابعة للنبي–صلى الله عليه وسلم-، و هي أصغر ذريتة –صلى الله عليه وسلم- .
وفي مرحلة الطفولة يلزم الأبوين الاهتمام بالطفل وتوفير كافة الاحتياجات الخاصة بهذه المرحلة، الحاجات الجسمية والنفسية؛ وبالذات الأم فعليها تقع المسؤولية الكبرى في رعاية أولادها في مرحلة الطفولة فهم أكثر ما يكونون التصاقاً بها وقد حرصت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد –رضي الله عنها– على تربية ورعاية أولادها منذ ولادتهم (وكانت إذا ولدت ولداً دفعته إلى من يرضعه في البادية حتى ينشئوا على الفصاحة والشجاعة كما كانت عادة قريش.لا كما يفعله بعض الأمهات في زماننا من دفع أولادهم إلى الخادمات والمربيات الأمر الذي قد يحصل معه خلل في عقيدة الطفل وسلوكه.
وفي هذه المرحلة –مرحلة الطفولة- يجب على الأبوين أن يلقنا البنت مبادئ الإسلام، والعقيدة الصحيحة، وتلاوة القرآن الكريم، والصلاة، والتعوّد على لبس الحجاب حتى تنشأ البنت على ذلك منذ نعومة أظفارها.
رعاية النبي –صلى الله عليه وسلم- لبناته في مرحلة الصبا:وإذا كبرت البنت قليلاً وجب على والديها أن يعلماها حقوق الله سبحانه وتعالى، وحقوق الوالدين، وحقوق الآخرين وحسن الخلق وحسن التصرف في شتى الأمور، وعلى المحافظة على لبس الحجاب والتستر والبعد عن أعين الرجال حتى تنشأ البنت على التربية الإسلامية الصحيحة تعرف ما يجب لها وما يجب عليها.
مع الأخذ في عين الاعتبار إعدادها لما هو منتظر منها من دور هام في الحياة بأن تكون زوجةً صالحة، وأماً حانية تربي أولادها وتعدهم لأن يكونوا صالحين مصلحين؛ "لأن للمرأة المسلمة أثراً كبيراً في حياة كل مسلم، فهي المدرسة الأولى في بناء المجتمع الصالح، وخاصة إذا كانت هذه المرأة تسير على هدى من كتاب الله في كل شيء ].
وإذا قربت البنت من سن البلوغ (التكليف) يجب أن تدرب على أن تكون زوجة، وأماً وهذه هي سنة الله في خلقه وعلى الأم تقع مسؤولية ذلك، فقد بادرت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد –رضي الله عنها– بتمرين ابنتها الكبرى زينب –
رضي الله عنها– عندما كبرت على المشاركة في أعمال البيت والتدريب على الأمومة فكانت (زينب) لشقيقتها الصغرى فاطمة أماً صغيرة ترعى شؤونها وتمضى فراغها في ملاعبتها .
ولقد صدق القائل: "إن الفتاة المتعلمة المهذبة فخر لأهلها وعون لبعلها، وكمال لبنيها، أهلها بها يفتخرون، وأولادها بها يسعدون، ومن ذا الذي لا يسرّ فؤاده بابنته الأديبة التي تدبر الأمور المعاشية بالمعرفة، وتدير الحركة المنزلية بالحكمة، ويجد في مجالستها أنيساً عاقلاً وسميراً كاملاً".
تزويج النبي –صلى الله عليه وسلم- لبناته:
الزواج سنة من سنن الله في خلقه، وأمر مرغوب فيه حثَّ إليه ديننا الحنيف ودعى إليه قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[34] وقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}.
وامتثالاً لأمر الله عز وجل وأمر رسوله –صلى الله عليه وسلم- يجب على الأب أن يزوج بناته و لا يعضلهن ويمنعهن من الزواج لأي سبب من الأسباب فواجب الأب أن يزوج ابنته وأن يختار لها الكفء من الرجال والكفء معروف هو صاحب الدين والخلق قال النبي –صلى الله عليه وسلم– "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" أخرجه الترمذي
وقد زوج النبي –صلى الله عليه وسلم- جميع بناته من خيرة الرجال: فزوج زينب –رضي الله عنها- من أبي العاص بن الربيع القرشي -رضي الله عنه- وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد وأبو العاص كان من رجال مكة المعدودين مالاً، وأمانة، وتجارة .
وقد أثنى النبي –صلى الله عليه وسلم- على أبي العاص بن الربيع في مصاهرته خيراً وقال: "حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي" وكان قد وعد النبي أن يرجع إلى مكة، بعد وقعة بدر، فيبعث إليه بزينب ابنته، فوفى بوعده، وفارقها مع شدة حبه لها .
ومما يدل على شهامته وصدقه قصة إسلامه -رضي الله عنه- فقد كان في تجارة لقريش إلى الشام وفي طريق عودته إلى مكة المكرمة لقيته سرية فأخذوا ما معه، وجاء تحت الليل إلى زوجته زينب – وقد كانت في المدينة وفرق بينهما الإسلام فهو لم يدخل في الإسلام بعد – فاستجار بها فأجارته وخرجت والنبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بالناس الفجر فقالت: "أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع" فلما سلم الرسول –صلى الله عليه وسلم- أقبل على الناس فقال: "أيها الناس هل سمعتم الذي سمعت ؟" قالوا :"نعم" قال: "أما والذي نفسي بيده ما علمت بشيىء حتى سمعت ما سمعتم وأنه يجير على المسلمين أدناهم" ثم انصرف رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فدخل على ابنته زينب فقال: "أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له" قال: وبعث –صلى الله عليه وسلم- فحثهم على رد ما كان معه فردوه بأسره لا يفقد منه شيئاً فأخذه أبو العاص فرجع به إلى مكة
فأعطى كل إنسان ما كان له ثم قال: "يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟" قالوا: "لا فقد وجدناك وفياً". قال: "فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، والله ما منعني عن الإسلام عنده إلاَّ تخوف أن يظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت .
وقد زوجه النبي –صلى الله عليه وسلم- من ابنته زينب عندما طلبت منه أمها خديجة بنت خويلد –رضي الله عنها- أن يزوجها له فوافق النبي –صلى الله عليه وسلم- على طلبها ، لما يعرف من رجاحة عقلها وثقتها بابن أختها فكانت تعده بمنزلة ولدها.
وهنا درس نبوي كريم في تزويج البنات هو أنه لا مانع من أخذ رأي والدة البنت والتشاور معها ففي ذلك إكراماً لها واعترافاً بحقها.
وزوَّج النبي –صلى الله عليه وسلم- رقية من عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الخليفة الراشد الزاهد الجواد السخي الحيي، وكان من أبرز أخلاقه وأشدها تمكناً من نفسه خلق الحياء، الذي تأصل في كيانه؛ لذا فقد أشاد الرسول –صلى الله عليه وسلم- بهذا الحياء الواسع العميم فقال: "إن عثمان رجلٌ حييّ" ، وقال – صلى الله عليه وسلم : "ألاَّ أستحي من رجل تستحي منه الملائكة " أخرجه مسلم .
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم - يحبه كثيراً فلما توفيت رقية –رضي الله عنها– زوجه النبي –صلى الله عليه وسلم- بأختها أم كلثوم ولما ماتت أم كلثوم قال النبي –صلى الله عليه وسلم- "لو كان عندي ثالثة لزوجتها عثمان"
وزوَّج فاطمة –رضي الله عنها– من علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ابن عمه –صلى الله عليه وسلم- وكان أول من آمن برسول الله –صلى الله عليه وسلم- من الصبيان ، وكان قد تربى في حجر الرسول –صلى الله عليه وسلم- قبل الإسلام ولم يزل علي مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم-حتى بعثه الله نبياً
يقول ابن كثير رحمه الله: "كان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لعمه العباس، وكان من أيسر بني هاشم: "يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق حتى نخفف عنه من عياله"، فأخذ رسول الله– صلى الله عليه وسلم - علياً فضمه إليه، فلم يزل مع رسول الله حتى بعثه الله نبياً فاتبعه علي وآمن به وصدقه"
و البنت أمانة في بيت والديها ولابد أن تنتقل إلى بيت زوجها يوماً ما، وقد أوجب لها ديننا الإسلامي الحنيف حق الاستئذان في الزواج فلا يحل لوليها أن يعقد لها على رجل تكرهه قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولاتنكح البكر حتى تستأذن".قالوا: "يا رسول الله، وكيف إذنها؟" قال: "أن تسكت" أخرجه البخاري
فكلمة تستأمر في حق الثيب تفيد طلب الأمر فلا يعقد عليها إلاَّ بعد طلب أمرها وإذنها بذلك، وكلمة تستأذن في حق البكر تعنى طلب إذنها وموافقتها على النكاح ، وإذا عقد الأب لابنته وهي كارهة فالعقد مردود "عن خنساء بنت خدام الأنصارية:أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فرد نكاحها ، أخرجه البخاري في صحيحه .
و كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يستشير بناته قبل تزويجهن فعندما خطب علي -رضي الله عنه- فاطمة –رضي الله عنها– قال لها الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "إن علياً يذكرك" فسكتت فزوجها " أخرجه ابن سعد في الطبقات .
وهنا يجب على الآباء أن يتأكدوا من موافقة البنت قبل إجراء العقد لها.
ويخطئ بعض الآباء من ترديد كلمة نحن أعلم بمصلحتها – لا شك– أن الأب يفوق ابنته في الخبرة، وطول التجربة في الحياة، ومعرفة الرجال ولكن على الرغم من ذلك يجب عليه أن لا يحيد عن تعاليم الإسلام، ولا يجبر ابنته على رجل تكرهه بل عليه أن يستأذنها ويعرف رأيها قبل إجراء عقد النكاح، وفي ذلك خير كبير حيث تشعر البنت بكيانها وأهميتها وتبدى رأيها في الرجل الذي ستنتقل إلى بيته وهو أدعى لدوام السعادة والوفاق لاقتناع كل من الطرفين بصاحبه فالزوج أباح له الإسلام النظر إلى من ينوى نكاحها، وهي كذلك تراه وتستشار في الموافقة على إجراء العقد وهذه من عظمة ديننا الإسلامي الحنيف.
صداق بنات النبي صلى الله عليه وسلم
والصداق في الزواج حق من حقوق الزوجة يدفعه لها الزوج قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} وسنة النبي –صلى الله عليه وسلم– وهديه عدم التغالي في الصداق، بل إن خير الصداق أيسره قال الإمام ابن القيم –يرحمه الله-: "إن المغالاة في المهر مكروهة في النكاح، وأنها من قلة بركته وعسره " فقد زوَّج النبي –صلى الله عليه وسلم- بناته على اليسير من الصداق فبعد أن تمت الموافقة على زواج علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من فاطمة حُب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأصغر بناته جاء إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فسأله النبي "ما تصدقها؟" فقال علي: "ما عندي ما أصدقها" فقال الرسول –صلى الله عليه وسلم- "فأين درعك الحطمية التي كنت قد منحتك؟" قال علي: "عندي". قال النبي–صلى الله عليه وسلم- "أصدقها إياها" فأصدقها و تزوجها وكان ثمنها أربعمائة درهماً ، أخرجه ابن سعد في الطبقات
هذا هو صداق بنت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وحبه وأصغر بناته سيدة نساء أهل الجنة.
وما يفعله بعض الناس في زماننا من التغالي في المهور هو أبعد ما يكون عن هدي رسول الله –صلى الله عليه- و هو أمر خطير له أضراره على الفرد وعلى المجتمع والدين الإسلامي دين اليسر والسهولة
وفي أمر الزواج لا يقتصر اليسر على الصداق بل يمتد إلى الوليمة التي يُشهر بها الزواج وهي أمر دعى إليه الإسلام وحثَّ عليه فكان النبي –صلى الله عليه وسلم- يولم في زواجه باليسير من النفقة، فعن صفية بنت شيبة قالت: "أولم النبي –صلى الله عليه وسلم- على بعض نسائه بمدين من شعير"
وكذلك في زواج أصحابه رضي الله عنهم فعن أنس -رضي الله عنه -: "أن النبي –صلى الله عليه وسلم- رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، قال: "ما هذا؟" قال: "إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب"، قال: "بارك الله لك، أولم ولو بشاة" رواه البخاري.
وفي زواج بناته رضي الله عنهن كذلك مظهر من مظاهر اليسر في الوليمة ففي ليلة زواج فاطمة رضي الله عنها قال الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "يا علي لا بد للعروس من وليمة". فقال سعد بن معاذ -رضي الله عنه-: "عندي كبش". وجمع رهط من الأنصار أصواعاً من ذرة وأولم الرسول –صلى الله عليه وسلم - أخرجه ابن سعد في الطبقات.
رعاية النبي –صلى الله عليه وسلم- لبناته بعد الزواج:يختلف الناس في النظر إلى علاقة البنت بوالديها بعد الزواج: فمنهم من يرى أنه يجب على الأبوين أن يتركوا البنت وشأنها بعد الزواج لدرجة أن علاقتهم بها شبه مقطوعة فلا تزاور من طرف الأهل، بزعمهم أن هذا أدعى لسعادتها الزوجية واستمرار العلاقة بينها وبين زوجها وأهله.
وفي المقابل نجد أن هناك من الأسر من يتدخل في حياة ابنتهم بشكل مباشر فيتطلعون إلى معرفة كل صغيرة وكبيرة في حياة ابنتهم، ولهذا التدخل سلبياته التي تؤدي إلى إفساد الحياة الزوجية، لدرجة قد تصل إلى الطلاق! فما هو الهدي النبوي في هذا الجانب من حياة البنات؟.
كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يزور بناته بعد الزواج ويدخل عليهن الفرح والسرور، فقد زار النبي –صلى الله عليه وسلم- فاطمة –رضي الله عنها– بعد زواجها ودعا لها ولزوجها بأن يعيذهما الله وذريتهما من الشيطان الرجيم .
ولم يكن يشغله –صلى الله عليه وسلم- عن بناته –رضي الله عنهن– شاغل بل كان يفكر فيهن وهو في أصعب الظروف وأحلكها فعندما أراد النبي –صلى الله عليه وسلم- الخروج لبدر لملاقاة قريش وصناديدها كانت رقية –رضي الله عنها– مريضة فأمر النبي –صلى الله عليه وسلم- زوجها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن يبقى في المدينة؛ ليمرضها وضرب له بسهمه في مغانم بدر وأجره عند الله يوم القيامة .
ويجب على الأب أن يحافظ على بيت ابنته وسعادتها مع زوجها وأن يتدخل إذا لزم الأمر ويحرص على الإصلاح بينها وبين زوجها بشكل يضمن إعادة الصفاء إلى جو الأسرة.
فقد حدث أنه كان بين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وزوجته فاطمة الزهراء –رضي الله عنها– كلام فدخل عليهما النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى أصلح ما بينهما .
وأحياناً يقع الطلاق على الزوجة ظلماً وعدواناً، عندها تحزن البنت كثيراً ويحزن أهلها لحزنها، والعزاء في ذلك أن ابنتي الرسول –صلى الله عليه وسلم-: رقية وأم كلثوم طلقتا من عتبة وعتيبة ابنا أبي لهب ظلماً بدون سبب إلاَّ أنهما صدقتا ما قاله النبي –صلى الله عليه وسلم-: من أنه أوحي إليه وأنه نبي هذه الأمة، الكلام الذي أغضب قريش فقد تزوج عتبة بن أبي لهب من رقية بنت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فلما نزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} قال أبو لهب: "رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق بنت محمد ففارقها قبل الدخول" .
ولم يكتف أبو لهب بذلك بل أمر ابنه عتيبة أن يطلق أم كلثوم بنت النبي –صلى الله عليه وسلم- ظناً منه أنه بذلك يستطيع أن يشغل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن دعوته .
هنا درس للبنات وللآباء بأن يصبروا ويحتسبوا الأجر من الله جلَّ وعلا، وأن ما وقع من الطلاق ظلماً ما هو إلاَّ ابتلاء سوف يعوضهم الله خيراً فقد عوض الله ابنتي الرسول –صلى الله عليه وسلم- خيراً من عتبة وعتيبة، عوضهما زوجاً صالحاً كريماً هو عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أحد العشرة المبشرين بالجنة وثالث الخلفاء الراشدين، فقد تزوج عثمان -رضي الله عنه- برقية وبعد وفاتها تزوج بأختها أم كلثوم قال الله تعالى: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً}
وقد يحدث أن يفقد الأب بعض بناته بموتهن فالموت نهاية كل حي وهو المصير المحتوم الذي لا مفر منه قال الله تعالى:
{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ}
وليعلم من ابتلى بفقد إحدى بناته أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- فقد جميع ذريته من الذكور والإناث ولم يبق بعد وفاته إلاَّ فاطمة الزهراء –رضي الله عنها- وهديه –صلى الله عليه وسلم- في وفاة بناته رضي الله عنهن، أنه كان يحزن لوفاتهن وتذرف عيناه الدمع على فراقهن، يقول أنس بن مالك -رضي الله عنه- في نبأ وفاة أم كلثوم –رضي الله عنها–"شهدنا بنتاً لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- جالسٌ على القبر، قال فرأيت عينيه تدمعان، وقال: "هل منكم رجل لم يقارف الليل؟" قال أبو طلحة: "أنا" قال: "فانزِل" قال: "فنزل في قبرها " رواه البخاري.
والدموع هذه ليست دموع جزع وسخط من قضاء الله وقدره -والعياذ بالله- إنما هي دموع رحمة وشفقة تذرف من عيون الرحماء روى أسامة بن زيد –رضي الله عنه- قال: "أرسلت ابنة النبي –صلى الله عليه وسلم- إليه: أن ابناً لي قبض، فأتنا، فأرسل يقرئ السلام ويقول: "إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب" فأرسلت إليه تقسم ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ ابن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال فرُفع إلى رسول
الله –صلى الله عليه وسلم- الصبي ونفسه تتقعقع – قال: حسبته قال:كأنها شن- ففاضت عيناه، فقال سعد: "يا رسول الله ما هذا؟" فقال: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" رواه البخاري
ومن هديه –صلى الله عليه وسلم- في وفاة بناته –رضي الله عنهن– أنه كان يشرف على غسلهن وتكفينهن، ويصلى عليهن ويدفنهن، ويقف على قبورهن ويدعو الله لهن. فعن أم عطية –رضي الله عنها- قالت: "دخل علينا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ونحن نغسل ابنته فقال: "اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافوراً. فإذا فرغتن فآذنني". فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوة فقال: "أشعرنها إياه".(37/10)
وفي كيفية الغسل قالت أم عطية –رضي الله عنها- قالت: "لما غسلنا بنت النبي –صلى الله عليه وسلم-، قال لنا ونحن نغسلها: "ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها" أخرجه البخاري .
وكان –صلى الله عليه وسلم- يقف على قبر من توفي من بناته ويدعو لها فقد كانت رقية –رضي الله عنها– مريضة أثناء غزوة بدر فأمر النبي –صلى الله عليه وسلم- زوجها عثمان بن عفان –رضي الله عنه- بالبقاء إلى جانبها لتمريضها. ولما عاد –صلى الله عليه وسلم- من الغزوة وقد ماتت ابنته رقية، خرج إلى بقيع الغرقد ووقف على قبرها يدعو لها بالغفران
فنسأل الله تعالى أن يصلح بناتنا و يرزقهن العفاف والستر والاقتداء بأمهات المؤمنين وبنات الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم .
ــــــــــــــــــــ(37/11)
الحماة رحمة أم نقمة ؟
لا ينكر عاقل مدى الدور الذي تقوم به الأم – خاصة نحو أبنائها – من رعاية ومحبة وشفقة، وما يصاحب ذلك من مشقة ونصب، ومن هنا كانت وصية الله جل وعلا بالوالدين خيرًا، من اللطف في القول وخفض الجناح لهما بالفعل سيما الجانب الضعيف وهو الأم، نظرًا لعطائها وبرها وفضلها، وأحزانها.
ولكن رغم ما ذكر من فضل وعطاء ومحبة ورغبة عن أريحية ورضاء فلا تزال الشكوى من الأمهات من قبل الأبناء أو الحموات من قبل الزوجات، فصارت أم الزوج تمثل في بعض الأحيان جانبًا لا يستهان به في ضعف العلاقة الزوجية وفتورها أو نهايتها في أحيان أخرى ، فما هي إذًا الأسباب الرئيسة التي تجعل من الحماة آمرة متسلطة ؟ وما هي مظاهر ذلك التسلط ؟ وهل من أمل سريع في علاجها ؟
أسباب المشكلة
الأسباب التي من شأنها إيجاد الهوة في العلاقات الزوجية والأسرية بسبب تدخل أم الزوج وتسلطها كثرة منها :
أولاً: تدليل الأمهات للأبناء منذ نعومة أظفارهم فينشأ الابن اتكاليًا وعندما يكبر يصبح هيكلاً قد فرغ من مضمونه ومحتواه، وتبقى إرادته تبعًا لمراد أمه ويصير بسببها دمية من الدمى ينتظر حركة من خارج حسه وإدراكه ، فيحيله ذلك كله إلى سلبية مريرة باردة فلا تجعل منه رجلاً جديرًا باتخاذ أبسط القرارات فضلاً عن أشدها وأخطرها.
ثانيًا: موت الزوج مبكرًا ؛ وقد يُحدث موت الزوج في فترة مبكرة قلقًا وارتباكًا في حياة الأسرة وخاصة الزوجة الشابة ، التي ترفض من يتقدم للزواج منها لأنها نذرت أن تربي أبناءها، فتقوم بدور الأب والأم معًا، فتستخدم تبعًا لذلك سلطة الأمر والنهي في آن يدفعها إلى ذلك دوافع كثيرة من الحرص والخوف على الأبناء. حتى إذا كبر أبناؤها وتزوجوا شعرت أنهم ضاعوا منها فراحت تتدخل في حياتهم لتشعر أنهم مازالوا قريبين منها طائعين لها.
ثالثًا: الرواسب البيئية المعقدة ؛ ومما يساعد على تسلط الأم وتدخلها في حياة الأبناء سلبًا وإيجابًا أن تكون الأم صبغت مع الأيام بجملة من الرواسب البيئية المعقدة، والأمراض النفسية المقيتة، وعدم فهم العلاقة المثلى بين الآباء والأبناء. فتظل تلك الرواسب تظهر بين حين وآخر فتفسد على المرء أنسه بالحياة والأحياء. ..
رابعًا: غياب الفهم الواعي، فكثير من الناس – والنساء منهم – في حاجة ماسة إلى الفهم المدرك والبصر بالأمور، والتأمل في عواقبها وتأصيلها وردها إلى الحقيقة؛ لأن الفهم الواعي يحجز عن الزلل قولاً وفعلاً، فإذا أضيفت إلى كل ما ذكرناه وفرة ميراث الأم، ومساعدتها للابن في ظل ظروف تثقل الكاهلين، كان ذلك مدعاة لأن تضن بما في يدها على ولدها بين حين وآخر، مظهرة أنها ولية نعمته التي لها حق التوجيه والتأثير بالحق وبالباطل، وهنا مكمن الخطر، وربما تكون الأم مصابة بأمراض حادة، تحدث اضطرابات مفاجئة لديها وتؤثر بالتالي على تصرفاتها بطريقة شعورية أو غير شعورية.
أما عن مظاهر المشكلة:
فما نراه من الغلظة في الأقوال والزجر في الأفعال لزوجة الابن، والنظر إليها شزرًا لأنها باعدت بينها وبين ولدها، فإذا ما أرادت زوجة الابن أن تبين وجهة نظر ما – من باب النصح لكل مسلم – قامت الدنيا ولم تقعد، من جهة الأم التي يبح صوتها، وتنتفخ أوداجها وتحمر عينيها، وقد تفقد السيطرة على نفسها فينفلت اللسان بعبارات موجعة، وقد تمتد الأيدي فتنال من وجه متبتل مشرق، فإذا ما أقبل الناس على أثر الصياح ظهرت شكايتها من زوجة ابنها، وأنها قد أساءت في أدبها، وبأن زوجات اليوم لا يردن أمهات الأبناء أن يشاركنهنَّ اللقمة والكسرة.
آثار المشكلة:
أما عن الآثار التي تترتب على تلك المعضلة من بين ما رأيناه من مظاهر الشقاق وعدم الانسجام الأمثل، بين الزوجة والأم من ناحية وضياع الابن بينهما من ناحية أخرى فهي:
* آلام نفسية مبرحة بسبب اضطرابات الجهاز العصبي والاضطرابات في وظائف الأعضاء إذا ثبت أن القلق والحزن واليأس الذاتي يؤثر على أجهزة الجسم المختلفة فقد يؤدي إلى خلل بين وظائف الأعضاء وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ)[يوسف:84].
* تعطيل الملكات البنَّاءة بسبب كبت الإرادة، فتقل الفرصة الحقيقية للاستفادة من عطاء الزوجة وبذلها.
* إصابة الزوجة بداء التردد في غالب أمرها، لأنها طالما أحجمت عن اتخاذ قرارها، أو أن تبوح بما في طيات نفسها.
* فقدها القدرة على التصور الصحيح للحياة، بسبب فرض المفاهيم الموروثة بالضغط والقوة الأدبية.
العلاج:
* أن تعلم الأم أن الزواج من سنن الكون الحياتية والفطرية، وأن ارتباط الأب بزوجته وأبنائه أمر غريزي محض، وذلك كي يتحقق السكن المنشود والموّدة
الموجودة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً )[الروم:21]. فإذا علمت الأم ذلك استراحت وأراحت ولو رجعت بها دواعي الذكريات إلى الوراء قليلاً لعلمت أنها في يوم ما قد استأثرت بزوجها وهو يرعاها بمودته، ويغذوها بحنانه ويتدفق عليها بعطفه. عندها لن تنكر على فلذة الكبد أن يشمل أهله بالرعاية والعناية والود والرأفة.
* أن تعلم الأم أن سعادتها الحقيقية إنما تنبثق من سعادة الأبناء والأحفاد؛ لأنها بمثابة الشجرة التي تلتف حولها جميع الأغصان فيفيء الناس في ظلالها ويأنسون بنسيمها.
* أن يقرأ الابن لأمه وزوجه – في جلسة عائلية كريمة – فصولاً من الترغيب والترهيب بشأن ما تمر به الحياة الزوجية من منعطفات، فلعل دوام التذكير يحوّل القلوب القاسية إلى العطف واللين والشفقة ويهذب غبشها.
* أن تصبر الزوجة صبر الرضا بالقضاء لا صبر القهر والاضطرار حتى تؤجر في كل ما تفعل وما تدع ، وأن تدعو لأم زوجها بظهر الغيب أن يشرح الله صدرها، ويهذب طبعها ويلين قلبها نحوها ، فهي أم لزوجها وجدة لأبنائها ، ومرضاتها جزء من الإيمان بالله ورسوله.
* أن تبذل الزوجة جهدها قدر الطاقة في أن لا ترد على أم زوجها سبابها أو إهانتها حال الرضا أو الغضب راجية من الله وحده المثوبة ، تاركةً حظ نفسها، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.
* على الزوج أن يناصح أمه بعيدًا عن زوجته ، وأن يكلم زوجته في غيبة أمه ، وأن يمسح بقلبه الشفيق جراحات زوجته، وأن يجبر كسرها بين حين وآخر فيأخذ بيدها إلى طريق العفو والصفح، ويخبرها أن الله قادر على تغيير الحياة النكدة والأيام الرتيبة إلى حياة سعيدة سهلة منظمة ممتعة في معناها ومبناها.
عندها ستنقشع العاصفة، ويندحر الشيطان، وتسير القافلة في هدوء إلى مقصدها وغايتها، فلعل الله أن يمن بعناية ترفع البناية إنه على ما يشاء قدير.
ــــــــــــــــــــ(37/12)
إليك أيها الأب
حديثي إليك أيها الأب الغيور عن نعمة قد تنقلب نقمة! وعن منحة قد تنقلب محنة، وعن عطاء قد يكون شقاء! إنهم الأبناء!! هذه البراعم الناعمة، والأكباد التي تمشي على الأرض، التي إن لم نحسن رعايتها فلربما تمنى الأب أنه لم يرزق بهم وأنه كان عقيماً -نسأل الله السلامة والعافية...
أكتب ذلك ليس من باب التشاؤم ولكنه من باب الواقع المشاهد، فكم من أبٍ لم يكن يعرف طريق الشرطة، لم يدخله مراكزها إلا فلذات كبده. وكم من أبٍ لم تخرج دمعته ذلاً وهواناً أمام الرجال قط، لم يخرجها إلاّ أبناؤه، بل كم من والد أدخله أبناؤه زنزانات السجون - نعوذ بالله من عقوقهم-...
أيها الأب الشفوق، إذا أردت أن تدرك بر الأبناء وتذوق حلاوة نفعهم فاربطهم بالحياة الباقية لا الفانية، ليكن همك أن تجتمع بهم في قصور الجنة وخيامها وعلى أرائكها، لا أن يكون همك تسمين أبدانهم وكسوتهم، وتذكر أن أسراً كثيرة ستتمزق غداً على الصراط إذا ضُرب على متن جهنم... تلك الأسر التي كان همّ راعيها
الدنيا فحسب! همه حضور ابنه للمدرسة ولو غاب عن المسجد، همه ارتفاع معدله ودرجاته ولو انخفض مستوى إيمانه وأخلاقه، همه أن يتملك في الدنيا بيتاً ليجمع أبناءه فيه ولو كان أبناؤه يسيرون في حياتهم إلى أودية النار تركاً للفرائض وانتهاكاً للحرمات، همه أن يخلف لأبنائه ثروة ومالاً ولو كان يعلم أنهم لربما استعانوا بها على معصية الله.
إن هذه التربية المهترئة المنحلة لا تبلغك ـ أيها الأب ـ برهم ولا نفعهم لا في الحياة الدنيا، ولا في الآخرة... لذا أوصيك أيها الأب المشفق بعدة وصايا عسى إن عملت بها ألاّ تحرم السعادة بهم فوق الأرض، والفرح بهم يوم العرض، والاجتماع بهم على الأرائك متكئين في جنات النعيم.
الوصية الأولى:
أكثرْ من الدعاء لهم بالصلاح والهداية، واحذر من الدعاء عليهم، لا تعن شياطين الجن والإنس على أبنائك، ولا تيأس من هدايتهم. "فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء" فقلب ابنك لن يكون أقسى من قلب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي خرج يوم إسلامه يريد قتل محمد - صلوات الله وسلامه عليه- فما غربت شمس ذاك اليوم إلاّ ومحمد- عليه الصلاة والسلام -أحب الناس اليه ببركة دعائه- عليه الصلاة والسلام.
الوصية الثانية:
برّك أنت أيها الأب بأبيك وأمك، فإن البر دين، فإن أقرضته والديك استوفيته من أبنائك أضعافاً مضاعفة، وإلاّ فستشرب كؤوساً من العقوق مترعة "برّوا آبانكم تبركم أبناؤكم".
فاعمل مع والديك ما تحب أن يعمله أبناؤك معك غداً. وابذر تحت أقدامهما ما شئت أن تحصده من أبنائك غداً.
الوصية الثالثة:
احذر أن يشاركك في تربيتهم قناة فضائية أو جليس سوء، فإن ما زرعته وسقيته في أعوام قد تحرقه لقطة في مسلسل او مشهد من فيلم أو صورة فاجرة يعرضها زميل، فاحفظ جوارحهم وخاصة -العين والأذن- فإنهما نافذتان إلى القلب، إن أطلقتا في الحرام فلن تستقيم لك تربية، ولن تدرك براً، وسينهار كل بناء للفضيلة تريد أن تعليه في نفوسهم، وذلك أن العين أو الأذن إن هي زنت، فلا بد أن يبحث الفرج عما يطفئ لهيب تلك النظرات الفاجرة وتلك النغمات المحرمة.
الوصية الرابعة:
أطعمهم الحلال فـ "أيما جسد نبت من سُحت فالنار أولى به" فما نزعت بركة كثير من الأبناء إلا بسبب لقمة الحرام، فكم من أبٍ أعجبه قوام أبنائه وقد غذاهم الحرام، وما علم أن هؤلاء الأبناء قد يكونون غداً شوكة في خاصرته، وغصة في حلقه، وسبب شقائه في دنياه وأخراه، بسبب شؤم ذاك المال الحرام، فاتق الله أيها الأب في كسبك، واعلم أن أبواب الكسب الحرام قد تنوعت وكثرت، فالربا، والرشوة، والسرقة من وقت الدوام، وقبض قيمة الانتداب وأنت جالس في بيتك... كلها أبواب كسب محرم، فأطبْ مطعمك.
الوصية الخامسة:
كن قدوة صالحة لأبنائك فلا تنه عن خلق وتأتي مثله، افعل أمامهم ما تحب أن تراه منهم، وان ابتليت بمعصية فاستتر ولا تجاهر بها، فإن الابن قد جُبل على حب محاكاة والده. فاحذر أن تغرس فيه خلقاً يجني عليك الندامة غداً ، فكم من ابن كان سبب انحرافه معصية حاكى فيها والده فأوردته المهالك.
الوصية السادسة:
لا تنشغل عنهم فهم رأس مالك الحقيقي، ليكونوا معك أو كن معهم، أشغلهم بالخير وإلاّ شغلوك هم بالشر، ألحقهم برياض الجنة "حلقات تحفيظ القرآن"، اصحبهم إلى بيوت الله وإلى صلة أرحامك، أبعدهم عن حياة اللين والترف، عليك بالتربية الجادة التي تخرّج رجالاً ، لا شباباً هم للأنوثة أقرب منهم للرجولة.
فإذا بذلت أسباب الصلاح، ولم يكتب الله لهم الهداية فلا يضرك ضلالهم لأن عليك الدلالة والإرشاد وليس عليك التوفيق والهداية.
أسال المولى أن يصلح لنا ولك النية والذرية "ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً".
ــــــــــــــــــــ(37/13)
رياح العقوق تستجلب غضب الله قبل الموت وبعده
الفقر، الحرمان من عطف الأبناء ، المرض، فشل زيجات البنات.. هذه بعض ثمار العقوق الدنيوية وما فى الآخرة أدهى وأمر
هل يتوقع أحد أن يجد نفسه بعد أن كان موسرًا، ويعيش فى رغد من العيش، وقد بدأ يتسول لقمة عيشه؛ لأنه لا يمتلك ثمن حتى رغيف الخبز ؟ هل تتخيل نفسك وقد شلّت قدمك، أو بترت يداك ؟ هل تستطيع أن تعيش دون مأوى وأبناؤك يعيشون حولك وقد بلغت من الكبر عتيا وفى حاجة إلى من يرعاك ؟ هذا وغيره كثير من أثر دعوة من دعوات الوالدين اللذين غضبا على ابن عاق، أو ابنة غير بارة ، فاحذروا وادعو الله ألا تكونوا من هؤلاء ، وأن تكونوا ممن يطيعوا الأمر الإلهى "ولا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما".
من قصص العقوق
ـ كان ابنها يحرمها من كل شيء ، حيث كانت تسكن فى بيت مجاور له، وكان يدعوها للغداء، وعندما تأتى يقدم لها طعامًا غير الذى سيأكله هو وأولاده، فقد حكى لى جار لهم أنه كان يزورهم مرة، وكانت رائحة قلى السمك منتشرة فى المكان كله ، فتوقع أن تأكل أم هذا الجار من هذا الطعام، ولكنه وجدها تأكل خبزًا وطعمية ( فلافل ) أرسل ابنها فى شرائها لها ، وليس هذا فقط ، بل عندما كان ابنها يعلم أن أمه ذهبت لأحد، وأكلت يضربها ضربًا شديدًا بعد عودتها، ويمنعها زيارة جاراتها، وتمر الأيام والسنين وتموت أمه، وتكبر بناته، وتتزوج جميعهن، ولكنهن يرجعن إليه كلهن مطلقات، ويصبح الرجل فقيراً جدًا، ويموت معدمًا .
ـ شخص كان يضرب والديه، ويجرى وراءهما فى الشارع بالعصا ، وكان الناس يحاولون أن يبعدوه عنهما، ولكن دون جدوى، وبمرور الأيام أصبح يمشى فى
الشوارع يتسول، وظل هكذا حتى مات، بعيداً عن مساعدة أى من أبنائه له، وكأن الله قد ختم على قلبه ليحرمه مما حرم منه أبويه.
ـ ومن الدعوات التى تستجاب دعوة الأم، فقد حكت لى سيدة أن أمًا كانت تقيم مع ابنتها فى منزلها مع زوجها وأولادها، وفى يوم كانت الأم تفعل شيئًا لا ترغب فيه الابنة فدفعتها الابنة بيدها، فدعت عليها الأم أن تصاب فى يدها، وفعلاً استجاب الله دعوة الأم، وأصيبت الابنة فى يدها نتيجة انزلاقها، وحدث بها جرح لا يندمل، مما اضطر الأطباء إلى بترها، وفقدت يدها التى ضربت بها أمها ، وتذكرت دعوة أمها ، ولكن بعد فوات الأوان.
ـ وتحكى أخرى أن ابنها كان ينفق كل ماله على نفسه ، يصرف كثيرًا جدًا ، ويعاملها بطريقة فظة، وكان دائم السهر، وعندما كانت تنصحه كان يقذفها بأبشع الألفاظ، فدعت عليه أن يقلل ما فى يده، ويجعل الكثير فى يده قليلاً، فكان يكسب الكثير، ولكن ماله كان منزوع البركة لا يفى باحتياجاته رغم أنه غير متزوج.
ـ وآخر كانت أمه تتمنى رؤيته، وهو يسكن معها فى عمارة واحدة، فكانت تنظر من الشرفة كل صباح حتى تراه ، وهو ذاهب إلى عمله ، وكانت زوجته تثير المشكلات معها ، فمثلاً بعد إعدادها العصير وإعطائه لحماتها تشربه الحماة، وبعد ذلك تقول لها الزوجة : إن فيه سمًا ، وتزوج الابن، وفعلت زوجته مثلما فعلت أمه بحماته، فمنعت زوجها من زيارة أهله ، أو زيارتهم له ، وكانت الأم إذا ذهبت لزيارة أبنائها وأحفادها ترجع فى حزن شديد من جراء سوء المعاملة ، أما الزوج، فكان يريد أن يرى ابنه، ولكنه لا يستطيع من سوء معاملة زوجة ابنه له.
- كانت زوجته تأمره أن يضرب أمه ، فيفعل ويعاملها معاملة سيئة حتى مات الابن تحت عجلة قطار، استجابة لدعوة أمه عليه.
لا تغتر
يمكن أن يعيش الإنسان العاق لوالديه فى الدنيا سليم الجسم ، والصحة ، رزقه واسع ، وأولاده صالحون، فلا يشعر بأنه قصَّر فى شيء، بل على العكس، فإنه يحدث نفسه بأن الله لن يعاقبه، وأنه لا يفعل شيئًا خطأ، طالما أن الله يعطيه كل شيء يريده، ويغتر بذلك، وعندما تحين لحظة الاحتضار وقبل خروج الروح تأتى العقوبة، فتأبى روح العاق أن تخرج بسهولة، و قد لا يستطيع نطق الشهادتين ، فالعقوق هو السبب الأول الذى يمكن أن يُعزى إليه كل ما يصيب المرء من مصائب طوال حياته، وحتى قبيل موته بلحظات ، فهذه بعض ثمرات العقوق المرة ، جعلنا الله وإياكم ممن يبرون آباءهم، فتهون عليهم سكرات الموت.
ــــــــــــــــــــ(37/14)
الجدة والأحفاد عقد حب لا ينفرط
الجدة الحكيمة نعمة في البيت، وخبراتها الحياتية كنز للأزواج
تعتبر نعمة الوالدين نعمة كبيرة ، فإن وجود الأبوين أو أحدهما يكون سببا في دخول الجنة لمن كان باراً بهما ، وخاصة الأم التي وصانا بها رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) ثلاث مرات في حديثه الشريف.
وبعد أن تصبح جدة تزيد منزلتها ويصير رضاها عن الابن والأحفاد والزوجة فرحة كبيرة يتمناها أحفادها، ويتمنوا أن تبقى معهم دائمًا، حيث يكون وجودها بينهم رحمة، وتتنزل البركة على البيت الذي به الجدة أو الجد.
تقول هدى حسين :
جدتي كانت تعيش وحيدة في منزل عند أخوالي، وكنت أحزن لأنها تعيش بمفردها، وكم تمنيت أن أعيش معها كي أرعاها، وأستفيد من خبراتها في الحياة، فقد كانت تحبني كثيرًا، كانت تعطيني نقودًا وأنا صغيرة كلما فعلت شيئًا ترضى عنه، أو حتى يضحكها، وقد حزنت كثيرًا يوم فراقها؛ لأني كنت متعلقة بها، وأحبها كثيرًا.
وتقول دينا محمود
تعيش جدتي وجدي في منزل قريب منا، ونتجمع نحن الأحفاد والأسرة عندها يوم الجمعة، فهو يوم جميل وسعيد بالنسبة لنا جميعًا، حيث يرى كل الأبناء والأحفاد بعضهم، ويجلسون سويًا، ويعرفون أخبار بعضهم، وتصنع لنا جدتنا ما نحبه من الطعام، وتصر على ذلك رغم وجود زوجات أبنائها وبناتها، وتجلس معنا نحن الحفيدات، وتعطينا ثمار خبراتها وتجاربها.
وقد نصحتني كثيرًا عند زواجي، واستفدت من نصائحها، فجدتي حكيمة، وواعية في فض أي اشتباك بين أبنائها أو زوجاتهم.
ويقول أيمن حسن
جدتي كانت فيضًا من الحنان، وكم دافعت عنى وأنا صغير، حينما كانت أمي تضربني، فهي راجحة العقل، وتتميز بالفهم والذكاء والصبر، وكانت سيدة المنزل وتديره بوعي وحكمة، وكان والدي يحترمها كثيرًا، ويحبها، ويشعر بأن وجودها معنا نعمة كبيرة.
أسترجع ذكرياتي
تقول هدى عبد الله وهي جدة :
لا أستطيع أن أبعد عن أحفادي، فهم حياتي كلها، فرغم ما يفعلونه معي من مواقف كثيرة، فإنني أضحك من داخلي على أفعالهم؛ لأنهم أطفال، ويريدون أن يلهوا ويلعبوا، هم يعتبرونني صديقة لهم، فهذه المواقف والاحتكاكات نتيجة اختلاف الأجيال.
لقد عاد شبابي مع أحفادي، وشعرت بأن لي دورًا وقيمة بعد زواج أبنائي.
جدتي قدوتي
سامية عبد العظيم - صحفية
جدتي كان لها فضل كبير عليّ بعد الله تعالى، فقد ضمتني إليها منذ السنوات الأولى من عمري، وعشت معها سنوات طويلة كانت لي فيها المربية والموجهة والحانية والراعية.
منها تعلمت المواظبة على صلاة الفجر، والتزام الدعاء، والكرم، فبرغم أنها بسيطة وغير متعلمة فقد كانت تتعامل بفطرة سليمة تلتقي مع مبادئ الإسلام وتوجيهاته الحكيمة.
ولم تكن يومًا عالة على أحد، فقد كانت تساعد في أعمال البيت - برغم كبر سنها - وتغضب إذا منعها أحد من ذلك؛ لأن لديها طاقة لا تريد تعطيلها.
وحتى عندما وصلت إلى مرحلة الجامعة ظلت ترعاني حتى أنها كانت تقدم لي وصاياها كل صباح، وكأني طفلة ذاهبة إلى الحضانة.
وعندما توفاها الله فقدنا نبعًا للخير والبركة، وعقدًا لصلة الرحم انفرط.
الجدة في الريف
تقول الدكتورة إكرام العدوى - الأستاذة بمركز الدراسات النفسية والاجتماعية بمعهد دراسات الطفولة - إن وجود الجدة في المنزل مع الوالدين ظاهرة مازالت موجودة في المجتمعات الريفية أكثر منها في المجتمعات الحضرية، فما زال الترابط الأسرى هناك موجودًا وبشكل كبير.
حيث مازالت الجدة الحماة أم الزوج هي المهيمنة على المنزل وعلى أولادها وأحفادها عكس ما هو موجود في المجتمعات الحضرية التي تكون فيها الجدة موجودة مع أبنائها وأحفادها بشكل غير مستمر.
الجدة ..و الحنان
وتشير الدكتورة إكرام إلى أن وجود الجدة في المنزل مع أحفادها له إيجابياته وسلبياته، فمن الإيجابيات أنها امرأة ذات خبرة في الحياة تقدم المشورة والنصيحة إذا كانت أمًا واعية، وأحيانًا كثيرة يمكن أن تقدم الجدة حلولاً لكثير من المشكلات التي تواجه الأزواج في حياتهم نظرًا لخبرتها في الحياة، ويمكن أن تكون قد مرت بهذه المشكلة في حياتها من قبل، وبالتالي فوجودها يمكن أن يكون ذا قيمة إذا تخلصت من السيطرة والغيرة التي تكون رغبة في عدم فقد المكانة والسلطة التي كانت لها قبل زواج الأبناء.
وتوضح الدكتورة إكرام أن الجدة تلعب دورًا كبيرًا مع الأحفاد، فالمربى دائمًا يأمر وينهى، ويعاقب، لكن الجدة يحبها الطفل؛ لأنها تعطى، وتوجه، وتنصح بحب أكثر مما تعاقب، وتلبى رغباته، فالجدة هنا تستعيد مشاعر الأمومة مع الأحفاد، وكثيرًا ما يفرح الأبناء بوجودها معهم؛ لأنها تعطيهم الحنان الذي قد يكون مفتقدًا من الوالدين، فهي تغدق عليهم بحنانها، ولهذا يكون للحفيد استعداد لأن يتقبل منها أي شيء، ويقبل منها النصيحة ويسمع كلامها.
وألاحظ أن بعض الآباء والأمهات عندما يريدون توصيل شيء معين للطفل، فإنهم يلجأون للجدة، وهى بدورها توصله للطفل دون نهى أو أمر، ولكن بالحب والحنان.
تدليل زائد
وتشير الدكتورة إكرام إلى بعض سلبيات وجود الجدة مثل التدليل الزائد الذي يؤدى في بعض الأحيان إلى إفساد الطفل.
ولذلك على الجدة أن تكون ذات وعى تربوي كي تشارك في تربية الأحفاد، وتسهم بخبرتها التربوية معهم.
وعن أهمية الحكاية (الحدوتة) التي ترويها الجدة للأحفاد تقول الدكتورة إكرام: إنها تعد معلمة للطفل، ولها مذاقها الخاص الحميم رغم حواديت التليفزيون وغيره.
فالجدة تقدم لأحفادها القيم والسلوكيات بالحكاية وغيرها بشكل تلقائي، فعندما يرى الحفيد الجدة تصلى، فهو يصلى مثلها، وتختزن في ذاكرته صورتها وهى تسبح وتدعو فيفعل مثلما تفعل.
ــــــــــــــــــــ(37/15)
تربية الآباء قبل تربية الأبناء
إن إظهار المودة والرحمة بين الأبوين من أسباب شيوع السعادة و الاستقرار والاتزان النفسي في نفوس الأبناء ، مما يجعلهم ينشأون حريصين على التواصل بينهم ، أسوياء في تعاملهم مع غيرهم .
تقول إحدى الداعيات: كنا نستيقظ منذ الصباح الباكر ونحن في مرحلة الطفولة المبكرة على صوت الحوار وضحكات أمي وأبي.. وهما في بداية النهار.. ثم نبدأ بالانسحاب من فراشنا واحدًا تلو الآخر.. لنجلس في أحضانهما ونستمع إلى حوارهما الجميل الدافئ.. وعندما يبدأ اليوم كانت أمي تبقى جهاز المذياع مفتوحًا لتستمع إلى إذاعة القرآن الكريم لوقت طويل.. أو لبعض المحاضرات النافعة.. مع عدم مخالطة عائلتنا إلا للأسر الصالحة.. وأسلوب الحوار والتواصل والصداقة الذي كان بيننا وبين والدينا.. جعل بيتنا مدرسة مثمرة أنتجت أبناءً متميزين محافظين متواصلين برغم مشاغل الحياة الكبيرة والكثيرة..
من أسس العلاقة السليمة مع الأبناء:
• الدعاء الدائم للأولاد بالصلاح والتقوى والرزق والتوفيق والدعاء لهم كذلك بالبركة كما كان يفعل النبي صَلى الله علي وسلم، فعن أبي موسى الأشعري رَضي الله عنه قال: "ولد لي غلام فأتيت به النبي صَلى الله عليه وسلم، فسماه إبراهيم، وحنكه بتمرة، ودعا له بالبركة، ودفعه إليَّ".
• الرضالة الطبيعية مهمة في تقوية العلاقة بين الأم ووليدها مما يربي الكثير من المشاعر الإيجابية تجاه الحياة عامة ويؤدي إلى استقرار نفسية الطفل.
• الرحمة بالأطفال والرفق بهم.. مما يؤدي إلى النشأة السوية وحسن أخلاق الأطفال وهم يحبون من يرحمهم ويرفق بهم ، وكان النبي صَلى الله عليه وسلم القدوة في ذلك، قبَّل رسول الله صَلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس؛ فقال الأقرع: "إن لي عشرة من الولد ما قَبَّلتُ منهم أحدًا". فنظر رسول الله صَلى الله عليه وسلم إليه ثم قال: "من لا يرحم لا يُرحم".
• التربية بالترويح؛ بحيث يكون اللعب جزءًا بالغ الأهمية في التربية يكتسب الأطفال من خلاله المهارات الحركية واللازمة لقضاء وقت الفراغ بشكل بناء ، ودخول الوالدين في بعض لعب أولادهم ليقوي الرابطة بين الآباء والأبناء بشكل كبير.
• التربية بالقدوة مهمة في إصلاح الأطفال وترسيخ المفاهيم والقيم لديهم؛ فعلى المربين أن يكونوا قدوة صالحة للأبناء فرؤية الابن والديه حال أداء العبادات له بالغ الأثر عليهم.. ومسارعة الوالدين إلى تطبيق ما يقولانه للأبناء له بالغ الأثر في صلاحهم.
وكذلك التربية بالتعليم عن طريق تعليم ما ينفع الأطفال في دينهم ودنياهم من علوم شرعية ودنيوية تعود عليهم بالنفع والفائدة.
• ويفيد في تقوية العلاقة السليمة مع الأبناء بناء شراكة معهم في أسلوب الحياة ومصاحبتهم ومجالستهم والحوار معهم وكشف أوجه القصور والكمال في شخصيتهم.. واصطحاب الأطفال إلى مجالس الخير والتوجيه والصلاح؛ فقد كان النبي صَلى الله عليه وسلم يعاشر الأطفال ويخالطهم ويتودد إليهم، ويردف معه صغار الصحابة في تنقلاته وأسفاره ويقتنص كل فرصة لتوجيههم. وكان صَلى الله عليه وسلم يعود الأطفال إذا مرضوا للتخفيف عنهم وغرس القيم النبيلة فيهم.
• اكتشاف ميولهم ومواهبهم لما في ذلك من عصمتهم من الوقوع في سفاسف الأمور ومرذول الأخلاق.
• احترام الأطفال وتقديرهم، وفي هذا تنمية لهم وإشعارهم بأهميتهم وإعطاؤهم الثقة المفيدة في التربية كما كان يفعل النبي صَلى الله عليه وسلم؛ فقد أتى النبي الكريم صَلى الله عليه وسلم بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: "أتأذن لي أن أعطي هؤلاء". فقال الغلام: لا ، والله لا أؤثر بنصيبي منك أحدًا. فتلَّه ( أي وضعه ) رسول الله صَلى الله عليه وسلم في يده ، وكان صَلى الله عليه وسلم يسلِّمُ على الصبيان الصغار إذا مر بهم.
إن استشارة الأطفال في الأمور الحياتية للأسرة وأخذ آرائهم ينمي فيهم قوة الشخصية والقدرة على تحمُّل المسؤولية ، وتعويدهم على ذلك.
أما احتقار الأبناء وعدم نصحهم يجعلهم يشعرون بعقدة النقص؛ فيبحثون عمَّا يثبتون به ذواتهم من أمور منحرفة وأصدقاء ضالين، وتصرفاتهم جوفاء ليس من ورائها شيء سوى محاولة لفت الأنظار إليهم.
فهل نعي هذه الأسس التي لو قمنا بها لسعدنا بأبنائنا في الدنيا و الآخرة ؟
ــــــــــــــــــــ(37/16)
المسنون وبيت الله
عندما يذكر المسجد يتبادر إلى الذهن الراحة النفسية والطمأنينة القلبية، فالمسجد منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وما زال مكانًا لتجمع المسلمين صبيانهمم وشيوخهم، نسائهم، واليوم تشهد مساجدنا روعة تجمع الأحباء الكبار فيها، ينهلون من علوم القرآن، يحفظون، ويرتلون، ويبدأون من جديد حياة مسجدية جميلة، تقتل فراغ الشيخوخة، وتصنع لهم عالمًا رائعًا من الحب فى الله والصحبة فيه.
فبين كبارنا الأعزاء والمسجد علاقة تواصل متميزة يتناولها هذا التحقيق.
المسجد والراحة النفسية
يقول الحاج محمد عوض الله حماد إسماعيل "77 عامًا على المعاش: قبل إحالتى على المعاش لم أكن أتمكن من أن أصلى الخمس صلوات فى المسجد، بينما بعد خروجى على المعاش صرت مواظبًا على الصلاة فى المسجد، كما نقوم بتوعية الشباب المسلم بأمور دينه، وفى أحيان كثيرة أجد شبابًا على وعى كبير، فلا أخجل من أن أسألهم عما لا أعرف من أمور دينى.
الحاج محمد حسين - 67 سنة: أحضر إلى المسجد منذ كان عمرى 40 سنة، والحمد لله أؤدى الصلاة فيه دائمًا، وأعلم أولادى أن يترددوا على المسجد، ويلتزموا بالصلاة فى المسجد لما فى ذلك من صلاح الدنيا والآخرة.
الحاج أحمد على - 70 سنة: بعد المعاش بدأت أحضر إلى المسجد وأتعلم من أمور الدين الكثير، ونجتمع فى كل يوم فى جلسة قرآنية جماعية نتعلم فيها أصول القراءة الصحيحة، كما قال الله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا} .
الحاج رجب عبد اللطيف - على المعاش: مواظبتى على الصلاة فى المسجد، وحضور مجالس حفظ القرآن الكريم بعد خروجى على المعاش تشعرنى بالراحة النفسية، وتزيل عن روحى كل متاعب وهموم الدنيا.
استفادة روحية
الحاج عادل محمد يمانى - على المعاش: لست مواظبًا على المسجد حتى بعد خروجى على المعاش، وأكتفى بالمواظبة على صلاة الجمعة ورمضان فى المسجد، أما بالنسبة لدروس العلم فلديّ كتبى، فاستفادتى من المسجد استفادة روحية فقط؛ لأن أئمة المساجد لا يخاطبون احتياجاتى، وإنما يخاطبون الشباب أكثر مما يخاطبوننا.
استثمار مربح
- الحاج عبد الستار محمد حسن - على المعاش: بعد خروجى على المعاش أصبح نشاطى فى عمل الخير مع بعض الأصدقاء من خلال لجنة الزكاة بالمسجد، فنحن نستثمر أوقاتنا فى استثمار مربح بدلاًمن تضييعها فى الجلوس على المقاهى.
- الحاج الشحات عوض إبراهيم - على المعاش: أنا لا أعرف القراءة ولا الكتابة، ومن خلال المسجد تعرفت على الصحبة الطيبة، وأصبحنا نتعلم دروس الفقه، وعلوم الدين، ونتعاون على فعل الخيرات.
الملائكة تحفنا
أما النساء المسنات، فالمسجد بالنسبة لهن بيت تفريج الهمّ، كما تؤكد السيدة كاميليا محمد - 58 عامًا التى تقول: أصبح الوقت بين المغرب والعشاء أيام السبت والإثنين والخميس وقت عيد بالنسبة لى، ولجميع جاراتى وحبيباتى اللاتى تعرفت عليهن فى المسجد، وتعلمنا على أرضه الطاهرة كيف نحب بعضنا البعض فى الله ، وكيف نكون صدورًا واسعة وحنونة فتصَّبر بعضنا على هموهن ونتواصى بالتحمل، وندعو بظهر الغيب لأحبائنا وأبنائنا، والتى تحفظ منا دعاءً تعلمه للأخريات وكل من سمعت شيئًا أعجبها تقوله لنا جميعًا.
إنها جلسة ربانية جميلة ننسى فيها همومنا، ونقتل الفراغ، ونتحمل جفاء الأبناء، وتجاهل الأحباء، ونتبادل النصح والخبرات، ونخرج منها ونفوسنا صافية مغسولة، فقد كانت الملائكة تحفنا وتستغفر لنا كما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) فهل يستحق أى شيء فى الدنيا أن نضحى من أجله بهذه الفرصة الرائعة؟
وتتذكر السيدة عايدة سيدة 66 عامًا أيامها مع المسجد قبل أن تزداد عليها آلام الركبة والساق، وتضطرها إلى المكوث فى البيت، وعدم صعود السلم أو هبوطه، فتقول إنها كانت أجمل أيامها التى بارك الله فيها فاتسعت لأن تحفظ أثناءها أجزاء كثيرة من القرآن، وتتقن أحكام التجويد التى كانت تقرأ بها سماعيًا، ولكنها لا تعرفها
حكمًا حكمًا، وتضيف السيدة عايدة: لقد شملتنا جميعًا بركات المسجد والصحبة الطيبة، فكم كانت أكثر من واحدة منا تعانى من مشاكل، وتسألنا أن ندعو لها بظهر الغيب، ونفعل فتأتى بعد وقت قصير منشرحة الصدر لتقول لنا إن الله فرج كربها، وبعد أن حالت ظروفى الصحية دون الانتظام فى ارتياد المسجد مازلت محافظة على صلتى بأخواتى عبر الهاتف، ومازلت أحفظ فى بيتى ما يحفظنه فى المسجد، ولله الحمد.
دور المسجد
وحول ما يجب أن يكون عليه إمام المسجد أو الداعية الذى يتعامل مع المسنين يتفق الشيخ طارق عبد التواب المفتش بوزارة الأوقاف، والشيخ محمد عبد العزيز الشريف إمام مسجد على أن على الإمام أن يحسن التعامل مع المأموم، خاصة مع هذه الفئة العمرية، وألا يستخف بهم، وإنما يعاملهم باللين والرأفة، وأن يصبر عليهم باعتبارهم طلبة علم مع المحافظة على هيبة الإمام فى نفوس المأمومين، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه" .
ويرى فضيلة الشيخ محمود أبو سريع - مدير إدارة شئون القرآن بمديرية أوقاف الجيزة: أنه عند مجالسة كبار السن يجب أن يتحلى الداعية والإمام بسعة الصدر، إذا بدر من أحدهم ما يضايقه، كما يجب عليه ترتيب وإعداد ما يلقيه عليهم حسب أهميته لهم، وعلى قدر ما يفهمونه، فقد روى البخارى عن الإمام على رضي الله عنه أنه قال: "حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟".
تربية روحية وسلوكية
وحول أهمية المسجد فى حياة كبار السن، وكيف يمكنهم استغلال هذه الفرصة يقول فضيلة الأستاذ الدكتور محمد المختار محمد المهدى إمام أهل السنة والرئيس العام للجمعيات الشرعية، والأستاذ بجامعة الأزهر الشريف: إذا كان هؤلاء المسنون قد انتهوا من أعمالهم الوظيفية، فلديهم مجالات ضخمة لخدمة المجتمع ونفعه مثل: الجمعيات الخيرية، ومجالات كفالة اليتيم، ورعاية الفئات غير القادرة، ومحو الأمية، وعلى الخطيب أن يحثهم على تحرى حسن الخاتمة.
وينبغى على الداعية أن يبين لهم أهمية ما عليهم، ولا حجة لهم أمام الله فى أن يتركوا العمل لدينهم ولأولادهم ولجيرانهم ولأمتهم كلها بدعوى أنهم أحيلوا إلى التقاعد؛ إذ عليهم أن يستغلوا هذه الفرصة فى اكتساب الثواب ونقل الخبرات إلى شباب الأمة.
ونحن نضم صوتنا إلى صوت شيخنا د. محمد مختار المهدى، وندعو آباءنا وأمهاتنا إلى بيوت الله حيث راحة القلب، وصفاء النفس، وقتل الفراغ، والأهم تثقيل موازين الحسنات.
ــــــــــــــــــــ(37/17)
أمهات عطرات في التاريخ ( 1 ) الخنساء
في سير الأسلاف عظة ، وفي مواقفهم خير وعبرة ، والخنساء رضي الله عنها عرفت بالبكاء والنواح ، وإنشاء المراثي الشهيرة في أخيها المتوفى إبان جاهليتها ، وما أن لامس الإيمان قلبها ، وعرفت مقام الأمومة ودور الأم في التضحية والجهاد في إعلاء البيت المسلم ورفعة مقامه عند الله وعظت أبناءها الأربعة عندما حضرت معركة القادسية تقول لهم : " إنكم أسلمتم طائعين ، وهاجرتم مختارين ، وإنكم لابن أبٍ واحد وأمٍ واحدة ، ما خبث آباؤكم ، ولا فضحت أخوالكم ، فلما أصبحوا باشروا القتال واحدًا بعد واحد حتى قتلوا ، ولما بلغها خبرهم ما زادت على أن قالت : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، وأرجو ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته "
هذه هي الخنساء فأين رائدات نهضة الأمومة ؟ هذه هي الخنساء فأين المتنصلات عن واجب الأمومة منها ؟ إن جملة منهنَّ ـ ولا شك ـ أقصر باعًا وأنزل رتبة من أن يفقهن مثل هذا المثل ، ربما كرهت إحداهن أن تكون أمًا لأربعة ، ولو تورطت بهم يومًا ما لما أحسنت حضانتهم وتربيتهم ، فلم تدرك ما ترجو ، ولم تنفع نفسها ولا أمتها بشيء طائل ، وكفى بالأم إثمًا أن تضيع من تعول .
وفي مثل الخنساء تتجلى صورة الأمومة على وجهها الصحيح ، وما ذاك إلا للتباين الذي عاشته في جاهليتها وإسلامها ، ومن هنا يظهر عظم المرأة ، ويظهر تفوقها ، ولو كانت الأمهات كأم سليم ، وعائشة ، وأم سلمة ، والخنساء ،لفضلت النساء على كثير من الرجال في عصرنا الحاضر ( فالصالحات قانتاتٌ حافظاتٌ للغيب بما حفظ الله )(النساء/34) ، فاتقوا الله معاشر المسلمين ، واعلموا أن للأم مكانة غفل عنها جل الناس بسبب ضعف الوازع الديني المنجي من الوقوع في الإثم والمغبة ، وعلينا جميعًا أن نعلم أن الأم الحانية ، لطيفة المعشر ، تحتمل الجفوة وخشونة القول ، تعفو وتصفح قبل أن يطلب منها العفو أو الصفح ، حملت جنينها في بطنها تسعة أشهر ، يزيدها بنموه ضعفًا ، ويحملها فوق ما تطيق عناء ، وهي ضعيفة الجسم ، واهنة القوى ، تقاسي مرارة القيء والوحام ، يتقاذفها تمازج من السرور والفرح لا يحس به إلا الأمهات ، يتبعها آثار نفسية وجسمية ، تعمل كل شيء اعتادته قبل حملها بصعوبة بالغة وشدة ، تحمله وهنًا على وهن ، تفرح بحركته ، وتقلق بسكونه ، ثم تأتي ساعة خروجه فتعاني ما تعاني من مخاضها ، تى تكاد تيأس من حياتها ، وكأن لسان حالها يقول : ( يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيا )(مريم/22) ، ثم لا يكاد الجنين يخرج في بعض الأحايين إلا قسرًا وإرغامًا ، فيمزق اللحم ، أو تبقر البطن ، فإذا ما أبصرته إلى جانبها نسيت آلامها ، وكأن شيئًا لم يكن إذا انقضى ، ثم تعلق أمالها عليه ، فترى فيه بهجة الحياة وسرورها ، والذي تفقهه من قوله تعالى : ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا)(الكهف/46) ، ثم تنصرف إلى خدمته في ليلها ونهارها ، تغذيه بصحتها ، وتنميه بهزالها ، تخاف عليه رقة النسيم وطنين الذباب ، وتؤثره على نفسها بالغذاء والنوم والراحة ، تقاسي في إرضاعه وفطامه وتربيته ما ينسيها آلام حلمها ومخاضها .
تقول عائشة رضي الله عنها : جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها ، فأطعمتها ثلاث تمرات ، فأعطت كل واحدة منهماتمرة ، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها ، فاستطعمتها ابنتاها ، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما ، فأعجبني شأنها ، فذكرت
الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :[ إن الله قد أوجب لها الجنة ـ أو أعتقها من النار ](رواه مسلم ) ، الله أكبر .. ما أعظم الأم الصادقة المسلمة !!
ــــــــــــــــــــ(37/18)
كي تكون الجامعة عتبة الانطلاق نحو المعالى
بعضنا يذكر صورة الأب أو الأم وهما يصطحبان ابنتهما فى أول يوم من أيام الجامعة، يساعدانها فى إنهاء أوراقها، وينتظرانها حتى تنهى محاضراتها فى آخر اليوم، ويعودان معًا إلى المنزل، وتتكرر ذات الصورة مع الابن فى خطواته الأولى نحو الجامعة، يظل الحال هكذا أيامًا طويلة فى بدايات الأيام الجامعية، وتتغير الصورة بعد أن تلاحق الابن أو الابنة سخريات الأصدقاء من تلك الرعاية اللصيقة.
موقف الأبوين ليس مبالغًا فيه، فى ظل واقع الجامعة الذى نراه وخوفهما من ضياع فلذات الأكباد فى عالم شديد التنوع والاختلاف، وموقف الأبناء واعتراضهم على فعل الآباء، قد يكون متوافقًا مع سمات المرحلة العمرية التى يعيشونها، مرحلة المراهقة المتأخرة، وما يميزها من حب الاستقلال، وشدة التأثر بالصديق، والتشبث العنيد بالرأى، إذن فما نحتاجه هو مظلة حانية تضم الوالد والوالدة، والابن والابنة، وتجعل من مرحلة الجامعة مرحلة غنية بالعلم والمعرفة إلى جانب تنمية المواهب والقدرات، وبناء العلاقات الاجتماعية الهادفة، وتهيئة الابن أو الابنة لخوض الحياة بشكل بنَّاء مثالى.
وينسج الخبير التربوى الأستاذ عبد الله عبد المعطى تلك المظلة الحانية بثلاث وصايا يهمس بها فى أذن الابن أو الابنة على أعتاب الجامعة، ويهمس فى أذن الوالدين بوصيتين أخرتيّن حتى تصبح الجامعة عتبة الانطلاق نحو المعالى.
وصايا الأبناء:
- الوصية الأولى:
1 - "مصحفك فى جيبك كنز فى قلبك"
هذه ثلاث خطوات تعينك على تعلقك بكتاب الله تعالى .
أ - فى بداية حياتك الجامعية اشتر مصحفًا صغيرًا، واحمله ولا يفارقك .. تقرأ فيه كلما سمحت الفرصة فى وقت الفراغ، فى المواصلات العامة، فى أوقات انتظارك لأية محاضرة .
ب - الحفظ، ولو حفظ اليسير، وإليكما عزيزى الابن وعزيزتى الابنة هذه الإحصائيات التى تشد من عزمكما:
- لو حفظت فى كل يوم ثلاث آيات، ستتم حفظ القرآن الكريم بإذن الله تعالى وعونه فى خمس سنين وعشرة شهور وثلاثة عشر يومًا.
- ولو حفظت أربع آيات فى اليوم، ستتم حفظ القرآن الكريم بإذن الله تعالى وعونه فى أربع سنوات وأربعة شهور وأربعة وعشرين يومًا.
- ولو حفظت فى كل يوم خمس آيات، ستتم حفظ القرآن الكريم بإذن الله تعالى وعونه فى ثلاث سنوات وستة شهور وسبعة أيام.
فانظر إلى عظم الأجر، وما ستحصله من خير عميم بحفظ القرآن الكريم أيًا كانت مدة دراستك الجامعية.
جـ - أثرعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حبه للاستماع إلى القرآن الكريم من غيره، وبالتالى يمكن للزملاء أن يجتمعوا عليه، وقد كان سيد الخلق (عليه الصلاة والسلام) يطلب من عبد الله بن مسعود أن يقرأ عليه القرآن، وسيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) كان يقول لأبى موسى الأشعرى: ذكرنى بربى؟ فيقرأ عليه بعض الآيات ثم يتفرقان.
2 - الوصية الثانية:
"لا تكن كالطائر الكسيح":
روى سيدنا إبراهيم بن أدهم، وهو من كبار التابعين، أنه كان صديقًا حميمًا لشقيق البلخى، وكان شقيق تاجرًا، وكانا معتادين على اللقاء الدورى فى المسجد، وذات يوم استأذن شقيق صديقه إبراهيم للخروج للتجارة فودعه، ثم ما لبث بعد فترة بسيطة لا تعدو ساعات عشرة وجده عائدًا، والتجارة تستغرق أيامًا طويلة، فسأله عن سبب عودته السريعة، فقال شقيق: "استرحت قليلاً فى بعض المبانى الخربة فى الطريق، فرأيت طائرًا كسيحًا كفيفًا يعيش فيها، فتعجبت كيف يجلس وحده فى هذه الصحراء، ومن أين يعيش، ثم لم تمض فترة بسيطة حتى رأيت طائرًا آخر يُحضر له الطعام، ويقدمه له، فقررت أن أرجع، وربى يتكفل برزقى كما تكفل برزق هذا الطائر الكسيح، فقال له إبراهيم ابن أدهم: يرحمك الله، ولم ارتضيت لنفسك أن تكون كالطائر الكسيح؟!
لذا عزيزى الابن وعزيزتى الابنة لا تكونا كالطائر الكسيح، ولا تعتمدا على الغير فى أخذ المحاضرات وتلخيص الدروس، بل سارع فى ما ينفعك وينفع غيرك، ويشجع على ذلك تذكر نقطة أساسية:
1 - لا تعتقد أنك ما زلت صغيرًا؛ لأن يحتاج الناس إلى علمك، فقد روى الطبرانى أن سيدنا عبد الله بن عباس (رضى الله عنه) قال لأحد أصحابه: هيا نطلب الحديث من أصحاب النبى (صلى الله عليه وسلم)، وكان وقتها صغيرًا، فقال له صاحبه: وهل ترى أن الناس يحتاجون لك الآن؟ فلم يصغ لكلامه، وسعى فى طلب العلم لدرجة أنه كان ينام على باب بيت صاحب الحديث الذى يريده، وتثير الريح التراب فى وجهه، حتى يخرج ويلقاه، فيأخذ منه العلم الذى يريد، حتى وصل إلى مكانته العلمية، وكان العلماء الكبار يتعلمون الحديث منه، فكان صاحبه الأول يقابله ويقول له: "يرحمك الله كنت أعلم منى".
لذا أوصيك أيها الابن العزيز أيتها الابنة العزيزة أن تكتب لوحة كبيرة "لن أكون الطائر الكسيح"، وتعلقها فى غرفتك أو تضعها على مكتبك لتذكرك دائمًا أن تكون فى عون نفسك، والناس، ولا تنتظر العون من أحد.
3 - الوصية الثالثة:
الصاحب ساحب:
إما للجنة أو للنار، ولا ثالث، وتأمل الآية والحديث التاليين، وانظر أيهما تود أن تكون: قال الله تعالى: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتا ليتنى لم أتخذ فلانًا خليلا. لقد أضلنى عن الذكر بعد إذ جاءنى وكان الشيطان للإنسان خذولا} [الفرقان: 27-29].
وحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذى رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، حيث قال عليه الصلاة والسلام: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، اشتاقوا إلى الإخوان "أى الأصحاب" فيجيئ سرير هذا حتى يحاذى سرير هذا، فيبكى هذا، ويبكى هذا، ويتحدثان بما كانا فيه فى الدنيا، فيقول أحدهما لصاحبه: يا فلان أتدرى أى يوم غفر الله لنا؟ فيقول: يوم كنا فى موضع كذا، فدعونا الله فغفر لنا"، فانظر كيف أن لقاء الأصحاب والإخوان على طاعة الله يثمر دعوات مستجابة تأخذ بأيديهم إلى الجنة جعلنا الله جميعًا من أهلها.
همسات للآباء:
1 - الهمسة الأولى: "صاحبه سبعًا":
كلنا يعلم القول المأثور: "لاعبوهم لسبع، وأدبوهم لسبع، وصاحبوهم لسبع"، وسن المصاحبة يكون من سن الرابعة عشرة إلى الحادية والعشرين ، فانظر أيها الأب، وانظرى أيتها الأم كيف تتعاملان مع الصاحب، وكيف تتعاملان مع الابن والابنة، الصاحب دائمًا له اللطف والإنصات، وسعة الصدر، والتهادى، فالمانع من تنفيذ هذه المعاملة مع الأبناء، ماذا يضير لو قدم الوالد لابنه هدية، وما المانع فى إعطاء الوالد لابنته وردة ، لتعلم عزيزى المربى أن مصاحبة الابن تعصمه من الزلل بإذن الله وتجعل ارتباطه بك أقوى من أى ارتباط خارجى.
2 - الهمسة الثانية "لاتفقد الأمل فى ابنك مهما كان":
كثير من الآباء يعتقد أن جهد التربية فى الصغر قد ضاع إذا مر بموقف مع ابنه لمس فيه العناد والإصرار على الخطأ والتهور، لكنى أسوق لك قصة الفضيل بن عياض الذى انخرط فى قطع الطريق و الانحراف ، وحب الغناء حتى سن الثالثة والعشرين، ثم حدث أنه استمع لقول الله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق} [الحديد:16]، فقال: آن ياربى، وانكب على طلب العلم، ووصل إلى ما وصل إليه من مكانة كبيرة ..
ــــــــــــــــــــ(37/19)
أم المسلمين هاجر - ملامح شخصية
لقد شرع الحج فى شريعة أبينا العظيم إبراهيم (عليه السلام)، وشرعت بعض مناسك الحج على خُطا أمنا العظيمة هاجر (رضى الله عنها)، وكلما دار الزمان، وهلت أهلة أشهر الحج، هلت معها ذكريات المكان الذى لم يكن شيئًا مذكورًا، ثم عمر بذرية هاجر (رضى الله عنها).
إن الحديث عن أبينا إبراهيم (عليه السلام) موصول دائمًا، موصول فى كل صلاة، حينما يجلس المسلم للتشهد فى جميع الصلوات "اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم فى العالمين، إنك حميد مجيد".
أمنا العظيمة
من آل بيت إبراهيم (عليه السلام) أمنا العظيمة هاجر، وسر عظمتها أنها أم النبى إسماعيل (عليه السلام)، ومن نسله خرجت خير أمة أخرجت للناس ، أمة الإسلام، الأمة الخاتمة.
وفى هذا المقال لن أسلك المسلك القصصى فى السرد، ولكنى سأتبع منهج التحليل النفسى، وتحليل المواقف؛ لأن التحليل يساعد على معرفة المضامين، والتعرف على المكونات، وإدراك المقدمات والنتائج، ومن ثم الاستفادة والاقتداء، ويمكن إجمال عناصر تحليل شخصية أمنا العظيمة هاجر فى هذه المكونات:
1 - يقين قوى بالله.
2 - شجاعة تقهر جميع المخاوف.
3 - وعى بالواقع، وإدارة ناجحة للمشروع الحياتى.
4 - همة عالية ترعى الأمانة، وتربى الولد.
العنصر الأول: يقين قوى بالله:
ترك الخليل زوجه هاجر، وولدها إسماعيل فى واد غير ذى زرع، فى مكان لا حياة فيه، ولا شجر مثمر، ولا نبات يغذى، واستأنف رحلة العودة، فسارت أمنا هاجر معه خطوات، وليتخيل القراء ذلك المسير الحائر، إن هاجر قد جاءت من مصر بلد الماء والنماء ثم سكنت الشام بلد السمن والعسل، وها هى الآن أين؟ فى واد غير ذى زرع، وغير ذى سكان، إنها تخطو خطوات مع زوجها العائد، ولم يقل لها إنها ستعود معه، تخطو خطوات، تحاول بكل خطوة أن تتعرف على المستقبل القريب والبعيد،، تريد أن تستلهم ظروف معيشتها، فتسأل زوجها، وهى الولود الحبيبة إلى قلبه، ولم لا وهى التى أضفت على حياة الخليل جو الأبوة ؟! سألته: آلله أمرك بهذا؟ فيرد عليها: نعم، فتقول: إذن لا يضيعنا، ويودعها زوجها، وتعود إلى ولدها تحت الشجرة الوحيدة فى هذا الوادى.
إنه اليقين الذى يفوق الإيمان.
يقين امرأة تعيش بين جبال "فاران" جبال تحيط بها صحراء الجزيرة العربية، ما هذا اليقين النادر، الذى يتخطى هموم الطعام والشراب المطلوبين على عجل، ويتخطى هموم المعيشة فى الزمن الآجل، المعيشة بجميع مكوناتها من منزل ، وأثاث، وعمل حياتى يجلب الرزق اليومى، ومدخرات للزمن، وأجهزة وأدوات لا تهنأ الحياة بغيرها؟
ولنتذكر أن هاجر قادمة من الشام من بيت عامر، وقبل الشام كانت فى مصر، فى بيوت متمدنة، فما هذه المعيشة الجديدة النائية عن التجمعات البشرية؛ حيث لا مدينة ولا قرية، ولا حتى هُجرة أو عزبة؟ هل هذا تطور يرضى النفس البشرية؟ أم ماذا؟ إنه اليقين بالله، الذى رُبيت عليه هاجر فى بيت النبوة، وقد أثمرت تلك التربية ذلك اليقين الذى عبرت عنه أمنا بكلمات موجزة: "إذن لا يضيعنا".
إن المؤمنين بالله كثيرون، ولكن هل حينما يتجرد المؤمن من جميع الأسباب، يرتقى بإيمانه بالله إلى درجة اليقين؟
إننا نعول على الأسباب، وعلى الماديات كثيرًا، حتى نطمئن، وحتى نأنس فى مشوار حياتنا الدنيا، أما عن أمنا هاجر فإنها من الحالات النادرة، ولكنها حالات موجودة، لقد عاش نفر من أهل الدعوة، من الرعيل الأول فى زماننا، تلك الحالات من اليقين فى السجون، حتى إن بعضهم عاش عشرين سنة مغيبًا عن الأهل، وعن المجتمع، ولكنه كان يعيش باليقين، إنهم أبناء بررة، اقتدوا بأمهم العظيمة هاجر، لقد
كان يقينها هو "النواة" التى دارت حولها "الإلكترونات"، فتشكل كيان أمنا جميعه من "ذرات" هى اليقين بعينه، كما نفهم من مكونات الذرة، التى يتكون منها كل شيء حسب معلوماتنا.
العنصر الثانى: شجاعة قاهرة:
الشجاعة القاهرة معناها: قهر الخوف، أو طرده، والتغلب على أسبابه، وما أكثر أسباب الخوف التى كانت تحيط بأمنا العظيمة هاجر، الخوف من المعلوم، والخوف من المجهول، فالخوف من المعلوم كلنا نعرفه، كالخوف من السباع، ومن الحشرات، والخوف من الجوع والعطش، وأما الخوف من المجهول فهو أخطر من المعلوم؛ لأن الهواجس تكبّر الأشياء الصغيرة، والمجهول دائمًا يرهب النفس، مهما كان ضئيلاً، فكم نخاف من أصوات مجهولة، وكم نخاف من تحركات أشياء من حولنا، وما أكثر الخرافات والأساطير التى تشيع الخوف فى وجداننا، ونحن بين أهلنا، وفى مجتمعات الناس، وكما لعصرنا مخاوفه المجهولة، فإنه كان لعصر أمنا هاجر مخاوفه، لقد قهرت أمنا جميع تلك المخاوف بفضل يقينها القوى، وتكونت شجاعتها القاهرة، إنها الشجاعة التى تآلفت، وتجانست مع عناصر الطبيعة، العناصر الموحشة، وليست المؤنسة.
مخاوفنا كثيرة:
ما أكثر مخاوف الناس فى زماننا، وهى مخاوف ناتجة عن ضعف الإيمان، ناهيكم عن فقدان اليقين، لقد صارت المخاوف هى أكثر مشاعر المنتسبين إلى الإسلام الآن، وسبب كثرتها أن المسلمين - عامتهم - عندهم استعداد للخوف، وعدوهم يعرف ذلك عنهم، ولذلك يخوفهم، إن المسلمين يخافون من الجوع، ولذلك يخوفهم أعداؤهم بقطع المعونة، ويخافون من الموت، ولذلك يخوفهم أعداؤهم بالحرب، وبين الجوع والموت مخاوف كثيرة، يعيشها أبناء هاجر؛ لأنهم لم يتعرفوا، ولم يفهموا مكونات وجدان أمهم، حدث ذلك حين انفصلوا عن سيرتها، وفقدوا معالم شخصيتها.
العنصر الثالث: وعى بالواقع، وإدارة ناجحة للمشروع الحياتى:
كان الواقع ينحصر فى الشجرة، وتحتها كان المسكن، وبئر زمزم، ومنها كان الشرب، بل كانت الحياة {وجعلنا من الماء كل شيء حى}، كانت بئر زمزم هى الثروة القومية بلغة عصرنا، فكيف تصرفت فيها أمنا ؟ استأذن أهل القافلة ، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟
قالت: نعم، ولكن لا حق لكم فى الماء عندنا، تقصد الحق فى البئر.
قالوا: نعم، فكان ذلك العقد هو الأول للانتفاع بماء زمزم، عقدته سيدة بالمكان بمفردها.
إنه الوعى الإدارى، فأين تعلمت أمنا "هاجر" كيفية إدارة الموارد ؟ ولا تزال بئر زمزم تدار بهذا العقد الأول، الذى أبرمته، فالناس الوافدون مع المقيمين يشربون من زمزم، ولكن ملكيتها لأبناء "هاجر" ما أعظم الأمهات الواعيات.
وعاشت أمنا تربى ولدها، وترعى ثروتها، فكانت مُهابة محبوبة، فنشأ ولدها على نهجها، وورثنا منها الحكمة جيلاً بعد جيل.
العنصر الرابع: همة عالية، ترعى الأمانة، وتربى الولد:
ترك أبونا إبراهيم ولده إسماعيل (عليهما السلام) أمانة فى عنق أمه، ولما نبعت زمزم، صارت أمانة أخرى فى عنقها، فقامت أمنا "هاجر" برعاية الأمانتين خير رعاية، فما مؤهلات تلك الرعاية عند الزوجة والأم؟
ليس المؤهل سوى الوعى، وقد أشرت إليه، مضافة إليه همة عالية، استمدتها من الوحى الآتى من عند الله بواسطة زوجها، الزوج الذى رباها للمهمة الاجتماعية والتاريخية، واستمدت أيضًا من ذاتها التواقة إلى المعالى، ومن ترحالها الطويل الصبور.
نشأ إسماعيل (عليه السلام) فى رعاية الله، ثم تحت نظر واهتمام أمه، بهمتها العالية، وهذا درس للأمهات، خاصة ذوات الولد الوحيد، الولد الوحيد الذى لا يكاد ينجو من التدليل المفسد المعيق عن القيام بواجبات الرجولة فى حدها الأدنى، فما بالنا بواجبات الرسالة فى مجتمع كان هو مؤسسه وعماده؟
يمكننا القول: إن نجاح أمنا العظيمة هاجر فى تربية ولدها إسماعيل - والفضل لله أولاً وآخرًا، فهو الذى اصطفى - قد تألق فى موقفين عظيمين هما:
1 - طاعته لأبيه فى محنة الذبح.
2 - معاونته لأبيه فى بناء البيت.
الهمة الهمة يا بنات هاجر:
نشاهد، ونشمع فى عصرنا عن نسوة يقال إنهن ذوات نشاط فى المجتمعات، أو نسوة لا ينتمين إلى الإسلام فى مجتمعات المسلمين، فما بواعث ذلك النشاط النسائى؟ الأمر الواقع لا يعدو أن يكون من أجل السلطة، أو المكافأة ، من أجل نزوة نفسية، أو لأداء دور محدد ، تلك الأدوار النسائية، وإن كانت لها منافع وقتية، إلا أنها مبتورة الجذور، مقطوعة الفروع {ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار} [إبراهيم:26]، ومن الحكم السيارة: "ما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل".
ويحق للناظر فى شأن المؤتمرات النسائية التى تنعقد بين الحين والحين، ولو على مستوى من يقال إنهن الأوائل، أن يسأل هذا السؤال: ماذا قدمت تلك الجماعات النسائية بإمكاناتها الضخمة؟ هل قدمت حلولاً لمشكلات قائمة أو محتملة؟ هل تمخض مؤتمر أو عدة مؤتمرات عن شيء يحفظ فى سجل التاريخ ؟ مثلما قدمت أمنا العظيمة "هاجر" أو مثلما قدمت أم صلاح الدين، أو أم محمد الفاتح.
الأم الربانية:
تلك الملامح التى عرضت من خلالها شخصية أمنا العظيمة "هاجر" يجب أن تضعها كل أم نصب عينيها؛ لأن شخصية أمنا "هاجر" نموذج أصلى، يقاس عليه، ويقتدى به، وهى معلم بارز من معالم الربانية المؤثرة فى دنيانا منذ تزوجها أبونا الخليل، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فإلى الباحثات عن الخلود، نقدم "هاجر" التى استمدت عظمة الشخصية من الإيمان الصادق، ومن اليقين القوى، ومن الشجاعة التى تقهر جميع المخاوف، ومن الوعى بالواقع، والإدارة الناجحة للمشروع الحياتى، ومن الهمة العالية، التى ترعى الأمانة، وتربى الولد، إنها المسلمة الربانية.
ــــــــــــــــــــ(37/20)
8 نصائح لنوم الطفل
تعاني كثير من الأمهات من مشكلات نوم الطفل وينعكس ذلك على الأم والطفل معًا: للتغلب على هذه المشكلة إليك بعض النصائح لينام طفلك نومًا هادئًا:
(1) في الأشهر الأول لا تضعي وسادة تحت رأس الطفل؛ لأن هذا يؤدي إلى ثني عموده الفقري ويعوق تنفسه.
(2) يجب أن لا تعوّد الأم طفلها على عادات معينة لينام: كالهز، أو حمله أو التمشي به ، أو وضع زجاجة اللبن في فمه حتى لا يصعب نومه بعد ذلك بدون هذه الوسائل، وتكفي هدهدته بالصوت الهادئ.
(3) وينبغي أن لا ينتقل الطفل من سريره في أشهره الأولى إلا عند الفسحة أو الرضاعة أو تغيير ملابسه إذا ابتلت.
(4) يكون نوم الطفل على ظهره أو على بطنه، أما إذا كان الطفل كثير التقيؤ فيجب ألا ينام على ظهره حتى لا يتسرب القيء إلى جهازه التنفسي فيضره، ويمكن في هذه الحالة أن ينام على أحد جانبيه.
وأن يغير وضع الطفل من آن لآخر برفق؛ لأن الطفل يتعب من النوم في وضع واحد وقد يستيقظ بسبب ذلك.
(5) على الأم أن تحذر تعويد طفلها على النوم في الهدوء الزائد بعيدًا عن أي ضوضاء أو إنارة، فربما حصل للطفل أمر مفزع من صياح أحد الأطفال أو صوت الباب فيصرخ الطفل بذلك، ويهتاج ويفزع من مجرد سماع هذا الصوت، فإذا حصل أن فزع الطفل مثلاً من سماع صوت جرس الباب أو قفله، وأخذ في الصراخ، فعلى الأم أن تسرع بما ينسيه إياه أو تسارع إلى إرضاعه ليزول عنه ذلك المزعج له، ولا يرتسم في مخيلته.
(6) ينبغي للأم أن تخصص وقتًا لملاعبة طفلها لما في ذلك من الأثر الطيب على نفسيته وتعديل مزاجه وسلوكه.
(7) ينبغي للأم أن تحرص على أن لا تترك طفلها في مكان مرتفع وتذهب لقضاء حاجة لها في المنزل، فربما وقع الصبي أو شده أحد الأطفال من مكانه.
كذلك ينبغي للأم أن لا تترك طفلها الصغير مع إخوته الصغار الذين لا يعرفون الخطأ من الصواب، فربما فقأ أحد عينه أو وضع يده في فم أخيه أو حمله من مكانه فأوقعه أرضًا، وغيرها من الحوادث التي نسمعها عن إهمال الأم وتركها للطفل مع إخواته .
(8) يجب على الأم بعد أن يتخطى طفلها الأشهر الأولى أن تعوده النوم باكرًا ولا يتعود النوم في النهار والصحو آخر الليل، فإن ذلك يقلق الأم ويعيقها عن مسؤولياتها الأخرى تجاه زوجها وأبنائها، ولكن متى ما بدر عليه النعاس بعد كثرة اللعب تبادر بوضعه في الفراش ولا ترهق أعصابه وتقاوم رغبته في النوم.
ــــــــــــــــــــ(37/21)
صدق الأبناء يبدأ بصدق آبائهم
كثيرا ماينزعج الوالدان حينما يروا طفلهما يكذب، والكذب عادة سيئة يتبعها كثير من الأطفال في الوقت الذي يحاول فيه أولياء أمورهم غرس صفة الصدق داخلهم باعتبارها أسمى قيمة يمكن ان يمتلكها إنسان في هذه الحياة، إلا أن الحقيقة الواضحة التي لا ينتبه إليها الكثيرون هي أن الأطفال يتعلمون الصدق إذا هم رأوا الكبار صادقين، وهذا الأمر لايمكن التغافل عنه فكل كذبة تقال من الأطفال يقف الآباء والأمهات عاجزين عن التصرف إزاءها وأحيانا قد تتخذ الأسر مسار العنف لمحاولة تجنيب الطفل الكذب ودفعه لقول الحقيقة إلا أن هذا لا ينفع في أغلب الأحيان، ويتخذ الطفل موقفاً صلباً في قول كذبته ليتبعها الكثير في المرات القادمة.
فكيف بإمكان الأسر التصرف إزاء مثل هذه المواقف ؟ وماذا يمكنها أن تفعل لطفلها الكاذب؟ وهل تكون الأسرة المحرك أو المحرض الأساسي لدفع ابنها لكي يكذب ؟ وكيف يمكن التصرف مع الطفل الكاب منذ سنوات طفولته وحتى سن المراهقة؟
الطفل مرآة الأسرة
تقول نجود الشدوخي الأخصائية النفسية بمستشفى الصحة النفسية بجدة، أن الطفل ذو السنوات الصغيرة بعض الشيء يعيش في حقيقة تختلف كل الاختلاف عن حقائقنا ومتى كذب لا يكون قاصدا تشويه الحقيقة بقدر ما يكون راغبا في إعطاء جو آخر بدأ يتحسسه ويشعر به فإذا ما أسقط الكوب على الأرض مثلاً فإنه يشعر بأن أحدا غيره قد أسقطه ولأنه يود لو أسقطه غيره بقوله "انه لم يسقطه" فمنطقه ليس كمنطقنا لهذا فليس من العدل اعتبار كلامه مقصودا وإذا ما أصرت الأم ان يعترف الطفل بكذبه فإن ذلك لا يكون محاولة صائبة واذا ما قال الطفل "أنا كسرت الكوب" فما الذي تفعلينه أيتها الأم ؟ أتعاقبينه أو تكافئينه، وضع لا غالب فيه ولا مغلوب والشيء الوحيد الذي يجدر بك فعله هو أن تشرحي لطفلك لماذا يزعجك سقوط الكوب، وبأن سقوطه سيسبب مشكلات كثيرة منها إنه اذا ما دخل الجسم فإنه سيصيبه بحروح بليغة ستؤدي به حتماً للذهاب الى العلاج وهي تخشى عليه، بالاضافة الى ما قد يسببه من إزعاج في التنظيف والخسارة الكبيرة للكوب، أيضا هذا الأمر قد يجعل الطفل يستجيب مع كلام الأم ويفضي بأفعاله البسيطة الى والدته ويصرح لها عن كذبته بكل سهولة وبساطة.
في المدرسة
قد يكذب الطفل الصغير على أمه أو أبيه لشيء قد حدث معه وقد يرد أحد والديه على كذبة طفلهما بقوله "هكذا إذن" ثم قد يأخذ طفله جانباً ليحاول معه أن يعترف بالقصة الحقيقية أو قد يرسله غاضباً الى غرفته ليأمل داخله أن يأتي الطفل بعد قليل ويعترف بكذبته إلا ان شيئا من هذا لن يحدث، فالثورة الغاضبة من قبل الأهل قد تزيد الأمر سوءا ويعطي الغضب للطفل دافعاً للكذب في المرات القادمة والحقيقة الساطعة انه لا يمكن لأي أب أو أم ان ينتزعا الحقيقة والصدق عنوة من فم الطفل فيشعر الطفل المتورط بالكذب بمزيد من القوة والصرامة والثقة بالنفس متى وجد أباه أو أمه غاضبين وانه نجح في إتمام خطته بسبب نسيان والديه كذبته وتركيزهما على الغضب والكلمات العنيفة، وهذا الأمر سيشجعه في أغلب الأحيان على تكرار كذبته متى ما أراد ذلك، فما الذي يمكن للوالدين من فعله لوقف أفعال الطفل الكاذب؟
سؤال تصعب إجابته في تصور العديد من الأسر، إلا ان الاجابة والتصرف في غاية البساطة فأفضل رد فعل يمكن ان تقوم به كل أسرة يتركز حسب التصرف الذي يلجأ إليه الطفل عند الكذب، فمثلا إذا ما كذب حول درجاته الضعيفة التي تحصل عليها من المدرسة فيقول بأن المدرسة لم تعطه الشهادة هو وكل زملائه، أو ربما يقول انه أضاعها ولا يعرف أين سيجدها هنا ليس على الأب أو الأم أن يصرخ أحدهما في وجه طفله وينعته بأنه كاذب، بل على العكس من ذلك تماما فبامكانهما أن يؤكدا له بأن ذلك لن يتكرر مرة أخرى لأنهما سيزوران المدرسة ليتحصلان على الشهادة ويعرفا أهم ما تحويه وهكذا بإمكاننا نحن إبلاغكم عما تحويه من درجات مادمت غير قادر على الحصول عليها، أو قدرتك غير كافية على الاحتفاظ بها، وهنا فإن الأبوين يكونا قد أحرزا نجاحا باهرا ويكون الطفل قد تعلم بأن كذبته لا يمكن لها أن تنطلي عليهما وهذا التصرف يمكن اتباعه حسب الموقف الكاذب الذي يتخذه الطفل.
الأسرة المعلم الأول
مما لاشك فيه أن الأسرة تلعب دورا كبيرا وفعالاً في تعليم أطفالها الكذب بطريقة أو بأخرى، وهذا ما يجب أن تفكر فيه كل الأسر التي تدخل هذه الأساليب السلبية في عقول أطفالها منذ حداثتهم، فمثلا عندما يأتي أحد الأصدقاء غير المرغوبين الى والد الطفل فيخبر الطفل بأن يخرج الى صديقه ويخبره بأنه غير موجود داخل المنزل، هذه الكذبات البسيطة قد تعلق في ذاكرة الطفل بأنه بينما الأهل لا يعلقون أهمية كبرى على مثل هذه الأفعال ويظنون بأنه لا يمكن للطفل التقاط أشياء بسيطة وهينة كهذه، إلا أن ذلك غير صحيح على الإطلاق فذاكرة الطفل يمكنها أن تحمل أشياء كثيرة لا يمكن لنا تخيلها، فإذا كان الأبوان صادقين في أقوالهما وأفعالهما، وكانا يتجنبان الكذب.. مهما كانت النتائج فمن المستحيل أن يتعرف الطفل على عادة الكذب الذميمة أما إذا وجد أبويه أحدهما أو كلاهما يكذبان في كثير من الأحيان فليس من المستغرب أن يقتدي بهما بدوره فيغدو كذابا كبيرا لا على أبويه فحسب وإنما على أقربائه وأصدقائه وجيرانه وربما على نفسه أيضا.
ــــــــــــــــــــ(37/22)
واخفض لهما جناح الذل من الرحمة
عندما أنجبت، وعشت معاناة الأمومة ومسئولياتها، أدركت كم تعبت أمي في تربيتي أنا وأشقائي، وأحسست أنني مهما فعلت فلن أوفيها حقها في البر والعرفان.
عبارة ترددها كثيرات لفظا، أو تتردد داخلهن وهن يحترقن كشمعة دؤوب في أتون المسئوليات الأسرية ، يختطفن سويعات النوم ، ويدرن كنحلة طوال اليوم بين مطالب الزوج والأبناء، يأكلن واقفات ليلحقن بمهام عاجلة لا تحتمل ترف الجلوس والراحة، ويستيقظن والبيت كله غارق في دفء النوم ليؤدين ما عليهن من واجبات، خاصة إذا كن عاملات يختطفن عملهن ساعات من يوم خاصمته البركة، فصارت ساعته ثانية، وأصبح السباق المحموم بين هذه الساعات العجلى والمسئوليات التي لا تنتهي .. معركة يومية متكررة.
نعم كلنا نحس بمعاناة أبوينا في تربيتنا عندما ننجب سواء اعترفنا بذلك أم أبينا.. ثم ماذا ؟
السؤال مرير يفتح جروحا مغلقة قسرًا على قيح الجحود ، ويقتحم مناطق مزدحمة بدراما العقوق والتذرع بمشاغل الحياة تبريرًا لجريمة خذلان الأبوين، والتخلي عنهما بعد أن يفنيا حياتهما لأجل صغار كبروا وتزوجوا وصاروا تروسًا في آلات بيوتهم الجديدة ، وانفصلوا جسدًا وروحًا عن البيت الكبير الذي شهد سنوات البراءة ، والحلم والدفء الأسري الجميل ، وما زال بابه الرحب مفتوحا أمام الأحباء الذين غادروه ، مستعدًا لاحتضانهم في أية لحظة حين يلوذون به طلبًا لهدنة من صراع الحياة أملا في استرجاع ذكريات جميلة أجبرتها المسئوليات الكبيرة على التقوقع في ركن بعيد من الذاكرة.
نقدر معاناة آبائنا، ولكن قليلين هم من يحولون هذا التقدير إلى مواقف ملموسة وسلوكيات يومية معاشة ، وكثيرون يهزون أكتافهم مستهينين بجريمة العقوق التي يبررها لهم الشيطان، ويؤمنون هم على تبريراته الواهية الوقحة.
إنها مفارقة تثير الفزع من الغد، فالبر لا يبلى ، وأحداث الحياة المتلاحقة تقدم لنا كل يوم عشرات الأدلة على أن عقوق الوالدين جريمة معجلة العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، وتحذرنا من أن يجرفنا تيار العيش بعيدًا عن مرفأ رضا الصدرين الحبيبين اللذين احتويانا صغارًا ، وما زالا مستعدين لاحتوائنا كبارا مسئولين، ومن أن نفرط ، ونتذرع ونهوِّن من فظاعة التخلي والخذلان لنندم وقت لا يجدي الندم.
أعرف سيدة أساءت معاملة أمها في مرضها الأخير، وضجرت من القيام على خدمتها، وكانت تضن عليها بالطعام والشراب حتى لا تضطر لتنظيفها بعد قضاء حاجتها على الفراش لعجزها عن الحركة ، وفي لحظات الاحتضار طلبت الأم العجوز كوب ماء فرفضت الابنة العاقة قائلة بفظاظة: تشربين لتبولي على نفسك، وأغرس أنا في هم لا ينقضي، وماتت الأم عطشانة، لتواصل الابنة حياتها وتكبر طفلتها، فيعيد التاريخ نفسه، وتذوق الأم ذات الكأس وتموت على فراش فقير مهمل ووحيدتها في المصيف مع أسرتها وحين يبلغونها بأن أمها في مرض الموت تقول باستهانة: وماذا بيدي أن أفعل، الله معها، ووجودي لن يؤخر أجلها ولكنه يضيع علىَّ متعة المصيف والنقود التي أنفقتها في حجز الشاليه!!
قد تكون هذه الوقعة شاذة ، غير قابلة للتكرار كثيرا ، ولكنها حدثت وكانت حلقة صدئة في سلسلة من مواقف العقوق المختلفة في درجة مرارتها وحمقها.
الكبار يموتون وحدهم ، على أسرة لم تغيِّر ابنة بارة ملاءتها المتسخة، ولم يعدل ابن طيب وساداتها لتريح رأس الأب أو الأم المتعبين، يموتون بعد أن تجرعوا كأس الجحود والعلقم ، ويغلقون عيونهم على خيال الأحباء اللاهين الذين يهرولون بعد فوات الأوان ليطلبوا من الراحلين أن يسامحوا ويلتمسوا الأعذار!!.
شيوخنا لا يجدون من يحمل عنهم هموم شيخوختهم، ويتأملون بأسى أرجاء بيت لا تتردد فيه سوى أنفاسهم بعد أن كان يوما ما يضج بالحركة والحياة ، والأبناء كل غارق في حياة رخيصة تتضاءل وتضمر إلى جوار لحظة يسمعون فيها دعاء الرضا من فم طيب تساقطت أسنانه بعد سنوات شقاء طويلة.
أتأمل قوله تعالى: { إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما } وتغلبني دموعي وأنا أردد "عندك" .. "عندك".. وليس في دار المسنين، ولا في البيت الواسع الموحش .. "عندك" .. في بيتك وتحت رعايتك وفي كنف امرأتك، أو تحت ظل زوجك .. "عندك" .. معززين كريمين، لا عبئين ثقيلين ، "عندك" تستمطر منهما دعاءًا حارًا بالستر والصحة، وتستجدي رضاهما، وتُقبل أكفًا معروفة طالما غسلت وطهت، ورتبت، واحتضنت رؤوسا منهكة، وتنحني على أقدام كلت من السعي على الرزق، ومشت كثيرا لتقضي حاجاتك وأنت غارق في نوم مطمئن.
"عندك".. لا تجرح كرامتها زوجة خسيسة ، ولا يضجر منها زوج يعيش يومه ولا يسأل نفسه كيف سيكون حال أبنائي معي غدا ؟
"عندك" .. روحا طيبة.. تشع نورا وبركة.
"عندك".. لتستحق أنت .. وتستحقين أنت أن تكونا عند أبنائكما عندما تبلغان الكبر، ولتسقط كل الأعذار، والمبررات، ولتذهب جميع هموم العيش، ومسئوليات الأسرة ليعلو فرض البر وواجب خفض الجناح رحمة وعرفانًا ، وليسع البيت مهما كان ضيقا ، والرزق مهما قل نبع الخير، وباب السعادة من أوجب الله شكرهما بعده جل وعلا، ولكن كثيرين اختاروا أن يجففوا النبع ويغلقوا الباب ويفرطوا في الواجب!!
ــــــــــــــــــــ(37/23)
تعليم الأبناء يشغل الآباء أكثر من تأديبهم
نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم" قالها التابعي ابن المبارك؛ لتكون دستورا أخلاقيا لكل زمان ومكان، وشعارا يجدر بكل أب وأم أن يربيا أولادهما على ضوئه، فكم نبذل من جهد ووقت لكي نضمن لأبنائنا تعليما راقيا، ومعارف ثقافية متنوعة، وربما استكثرنا جهدنا ووقتنا على تعليمهم الآداب الأخلاقية في التعامل اليومي، بل ربما استشطنا غضبا إن حصلوا على تقدير متواضع في اختباراتهم الدراسية، ولم نلق بالا للفظ سيئ تفوهوا به، أو سلوك غير طيب صدر عنهم.
وبالأمس كنا نسمع من آبائنا وأمهاتنا مقولة: "الأدب فضلوه على العلم"، حين كانت مدارسنا محاريب للقيم ، أما اليوم وقد سقطت هيبة المعلم ، وتهاوي الدور التربوي للمدرسة فقد صار علينا أن نقول لأبنائنا: الأدب .. الأدب .. الأدب ثم العلم.
كيف نجعل للآداب الأخلاقية جذورا في تعاملات أبنائنا؟
سؤال يجيب عنه د. حسان شمس باشا – استشاري أمراض القلب بمستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة ، والمهتم بالقضايا التربوية في عصر المتغيرات العلمية والتكنولوجية في كتابه: "كيف نربي أبناءنا في هذا الزمان"؟
بداية يشير د. حسان إلى أهمية القدوة، فالطفل سيكون أكثر تأدبا إذا كان أبواه كذلك، وإن كان في سلوكهما العملي ما يغني عن عشرات المحاضرات والعظات اللفظية، وينصح الآباء والمربين بـ:
- مساعدة الأبناء على اختيار الرفقة الصالحة.
- عدم الإكثار من النصح المباشر دفعا للملل، واعتماد مبدأ التربية بالنظرة أو الإشارة.
- تعليم الأبناء دماثة اللفظ، واستعمال الكلمات اللطيفة.
وحتى يكون الأبناء حريصين على أمانة المجالس والزيارات على الأبوين تعليمهم:
- عدم رواية شيء سمعوه أو رأوه، أو فعلوه إلا إذا كان متعلقا بهم.
- ألا يأخذوا شيئا من بيوت الآخرين مهما كان ضئيل القيمة أو رخيص الثمن.
- ألا يفتحوا أي مغلق مهما طالت جلستهم وحدهم في مكان ما.
- أن يفسحوا في المجالس، وألا يجادلوا أو يرفعوا أصواتهم.
- ألا يتفاخروا على الآخرين بملبس أو ممتلكات.
أما بالنسبة لبدهيات الذوق، فإن علينا أن نعلم أبناءنا:
- عدم مقاطعة أي متحدث.
- عدم تفتيش حاجيات الآخرين بغير إذنهم.
- ألا يسخروا أو يقلدوا الآخرين ولو مزاحا.
- عدم رفع الصوت.
- احترام الكبير.
- الاعتذار عن الخطأ بسرعة دون تكبر.
- عدم الجلوس في وضع مد القدمين أمام الأبوين أو الكبار بشكل عام.
- ألا يتجشؤوا أمام أحد متعمدين.
- أن يضعوا يدهم على فمهم عند العطاس أو التثاؤب.
- النظام وإعادة الأشياء إلى أماكنها بعد استعمالها.
- آداب الطعام: التسمية، الأكل باليمين، الأكل مما يليهم.
- احترام المواعيد.
- عدم إساءة استعمال الهاتف فيما لا طائل من ورائه.
- استعمال الهاتف بإذن من الأبوين.
- ألا يعطوا رقم هاتف البيت لأحد إلا بعد الوثوق في أخلاقه والتعرف الجيد به.
- احترام العلماء وتوقيرهم وحسن معاملة معلميهم.
وليتذكر كل أب وأم أن كل جهد يبذلانه في تأديب أبنائهما هين - مهما صعب - لأن ثمرته أبناء صالحون يمتد بهم عمل أبويهما بعد موتهما.
ــــــــــــــــــــ(37/24)
كيف نأخذ بيد أطفالنا إلى معرفة الله ؟ ( 1 )
-تعريف الطفل بالله مدخل ضروري لإصلاح فكره وسلوكه
لو أن كل أب أو مرب يشكو من ابنه وتضايقه بعض سلوكياته جلس إلى نفسه، وبدأ يحاورها بهدوء، ويبحث بموضوعية عن مكامن تقصيره وحدود مسئوليته الشخصية عما وصل إليه ابنه لاكتشف أنه قصر في تربية عقيدة طفله منذ نعومة أظفاره، وحين يكون بناء العقيدة هشا، فإن كل ما نؤسسه فوقه لابد أن ينهار.
والذي يريد أن تقر عينه بذريته، ويتنفس الصعداء في الكبر .. عليه ألا يتوانى عن تربيتهم عقديا، فمن عرف الله قطع كل الطريق إلى التوازن النفسي والصلاح السلوكي.
كيف نأخذ بيد أطفالنا إلى معرفة الله ؟ سؤال يساعد كل الآباء والمربين في الإجابة عنه د. حسان شمس باشا - طبيب القلب المعروف والمهتم بالشأن التربوي والأسرى وله عدة مؤلفات في هذا الشأن منها: كيف تربي أبناءك في هذا الزمان الصعب؟
يقدم د. حسان النصائح والمقترحات الآتية:
خذ بيد طفلك إلى الله
لا شك أن تأسيس العقيدة السليمة عند الطفل منذ الصغر أمر بالغ الأهمية، وبالغ السهولة في نفس الوقت، ولكن حاول أن تتذكر الأمور التالية:
1 - أجب عن تساؤلات طفلك الدينية بما يتناسب مع سنه ومستوي إدراكه وفهمه.
2 - اعتدل في أوامرك، ولا تحمل طفلك ما لا طاقة له به.
3 - حاول أن تذكر اسم الله تعالى أمام الطفل من خلال مواقف محببة سارة، فالطفل مثلا قد يستوعب حركة السبابة عند ذكر كلمة الشهادتين، يتلفظ بها الكبير أمامه منذ الشهر الرابع من عمره.
وإن لبس الجديد حمد الله ، وإن أكل أو شرب قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين.
4 - ينبغي ألا يرعب الطفل بكثرة الحديث عن غضب الله، وعذابه، والنار وبشاعتها، بل ابدأ بالترغيب بدلا من الترهيب؟ وبذلك ينمو الشعور الديني عند الأطفال على معاني الحب والرجاء ، فإن حب الله يوصل الجميع إلى طاعة أوامره أكثر من الرهبة والعقاب.
وينبغي ألا نكثر من إرهاب الطفل بعقاب الله دائما كقولنا له: "إن الله منتقم جبار، وسيعاقبك ويهلكك، ويعذبك في نار جهنم" ، وعلى المربي أن يمر على قضية جهنم مرا خفيفا أمام الأطفال دون التركيز المستمر على التخويف بالنار.
5- على الوالدين أن يغرسوا حب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في نفوس أبنائهم الصغار، فنفهم الطفل بعض شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك من خلال قصص السيرة النبوية كالرحمة بالصغار، وبالحيوان والخدم ، ونحكي له بعض القصص المحببة من سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم).
6- ونعلمه عقيدة الإيمان بالقدر، وأن العمر محدود، والرزق مقدر، فلا يسأل إلا الله، ولا يستعين إلا به
7 - ونعلمه أن يحمد الله على ما أعطي من الرزق، ونعلمه أن المال مال الله، وإن قال: لا، إن المال من مكان "كذا" كمكان عمل والده، نشرح له كيف ينبغي على الإنسان أن يعمل ليحصل على ما يطعم به أولاده ويكسبهم.
8 - بين لابنك الفرق بين "الحلال والحرام"، وبين "ما نريد وما لا نريد" فإذا أردنا الطفل أن ينام في الساعة التاسعة مساء، فلا نشعره أنه "حرام" أن لا يفعل هذا.
كما عليك ألا تعطي لرغباتك الكثير من البعد الديني لتفرض تلك الرغبات على الأولاد، فسينشأ الطفل في تلك الحالة، يحمل الكثير من مشاعر الذنب والشعور بأنه ارتكب "حراما" لأنه لم يرتب سريره مثلا.
9 - ازرع في طفلك حسن الخلق، حيث لا قيمة لإيمان بلا خلق حميد، وبدون الخلق الكريم تصبح العبادات مجرد حركات لا قيمة لها، والرسول (صلي الله عليه وسلم) يقول: "ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق".
10 - علمهم أن الدين ليس مجرد شهادة ينطق بها الإنسان، وليس مجرد مناسك وشعائر، إنما الدين عاطفة تنبع في أعماق النفس البشرية تدفع الإنسان إلى حسن معاملة الناس .
11 - عليك أن تغذي النزعة الجمالية في أطفالك عن طريق مصاحبتهم إلى الريف والبحر والجبل والمتنزهات، دع جمال الكون يتسرب إلى نفوسهم، وروعة الخالق وعظمته تطرق قلوبهم، فسرعان ما ستملأ هذه القلوب الطيبة بحب الله.
12 - علمهم أن يسألوا الله، ويستعينوا به وحده، ذكرهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله".
13 - تذكر أنك قدوة لطفلك، فلا تفعل إلا ما يرضي الله ورسوله.
14 - لا تطعم أولادك إلا حلالا، فحذار حذار من الرشوة والربا والسرقة والغش، فذلك سبب لشقائهم وتمردهم وعصيانهم.
15 - لا تدع على أولادك بالهلاك والغضب، لأن الدعاء قد يستجاب بالخير والشر، وربما يزيدهم ضلالا، والأفضل أن تقول للولد: أصلحك الله..
16 - تخير أوقات إجابة الدعاء ، وادع لأولادك بالسعادة في الدارين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعار من الليل، فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته".
تهيئة الطفل لعبادة الله:
يمكن تعويد الطفل منذ سن الرابعة أو الخامسة على الوضوء والصلاة، ونحببهم فيها (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) [طه:132].
ونفهم الأطفال بأننا نصلي ليحبنا الله ، وأن المصلين لهم الجنة، ونعلمهم آداب المساجد وصيانتها من الصخب وإلقاء الأوساخ، وقد علم الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنس بن مالك (رضي الله عنه) حسن أداء الصلاة، وعدم الالتفات وهو صبي حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني إياك والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان لابد ففي التطوع لا في الفريضة" رواه الترمذي
ويصطحب الوالد طفله إلى المسجد عندما يكون قد تعلم آداب المسجد.
سئل الإمام مالك (رضي الله عنه) عن رجل يأتي بالصبي إلى المسجد أتستحب ذلك" قال: إن كان قد بلغ موضع الأدب وعرف ذلك ولا يعبث، فلا أرى بأسا، وإن كان صغيرا لا يقر فيه ويعبث، فلا أحب ذلك.
وواجب الكبار نصح الصغار باللطف والموعظة الحسنة، فكم رأينا كبارا في السن تصرفوا مع الأطفال تصرفات منفرة، صرخوا عليهم أو طردوهم من المسجد، فكان ذلك سببا لبعدهم عن المسجد في الكبر وكراهيتهم له.
تعليم الأطفال قراءة القرآن وحفظه:
حاول أن تشجع طفلك على تعلم القرآن وحفظه، فتعليم الصغر أشد رسوخا، وهو أصل لما بعده، ويستحسن تفهيم الطفل ما يقرأ، فقد حفظ كثير من سلف هذه الأمة القرآن منذ الصغر بفهم جيد، فهذا الإمام الشافعي (رحمه الله) يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت موطأ مالك وأنا ابن عشر.
وينبغي أن يقال للطفل: إن الماهر في تعلم القرآن وحفظه سيكون مع الكرام البررة في الجنة، وأن من يقرأ القرآن ويتلعثم فيه وهو عليه شاق فله أجران، وأنه سينال حسنة عن كل حرف يتلوه من القرآن ، والحسنة بعشر أمثالها.
ولا شك في أن للقدوة الطيبة أثرا كبيرا في استجابة الطفل، فالطفل الذي يري أباه يقرأ القرآن ويتدبره ينشأ على تعظيم القرآن وتوقيره.
وتذكر يا أخي أن خير ما تترك لأبنائك حفظ كتاب الله والعمل بما جاء فيه.
ومن الخير أن نعلم الطفل القرآن الكريم، ونفسره له على قدر فهمه، ولكن لننتبه لئلا يسأم منه بسبب كثرة إلحاحنا المتمادي كما يفعل بعض الآباء الذين لا يدعون الطفل يترك القرآن من يده ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
يروي أن القاضي الورع عيسي ابن مسكين كان يقرئ بناته وحفيداته، فإذا كان بعد العصر دعا ابنتيه وبنات أخيه ليعلمهن القرآن والعلم، وكذلك كان يفعل قبله فاتح صقلية أسد بن الفرات بابنته أسماء التي نالت من العلم درجة كبيرة.
ماذا يحفظ الطفل؟
- شجع طفلك على حفظ ما تيسر من القرآن، والأحاديث النبوية والأدعية والأذكار.
- كافئ ابنك على ما يحفظ ، لتشجعه على الاستزادة من العلم، فهذا إبراهيم ابن أدهم يقول له أبوه: "يا بني اطلب الحديث فكلما سمعت حديثا وحفظته فلك درهم" فيقول إبراهيم: "فطلبت الحديث على هذا".
ويمكننا الآن أن نكافئ الطفل بعد الحفظ بعشر ريالات مثلا عن حفظ ربع جزء من القرآن أو ما تيسر وهكذا.
- لا تكره طفلك على المداومة على الحفظ دون إعطائه وقتا للراحة أو اللعب.
- كافئ الأستاذ الذي يحفظ ابنك القرآن.
فهذا أبو حنيفة حين حذق ابنه حماد سورة الفاتحة وهب للمعلم خمسمائة درهم، وكان الكبش وقتها يشتري بدرهم واحد، فاستكثر المعلم هذا السخاء، إذ لم يعلمه إلا سورة الفاتحة، فقال أبو حنيفة: لا تستحقر ما علمت ولدي، ولو كان معنا أكثر من ذلك لدفعناه إليك تعظيما للقرآن.
هكذا يحترم المعلم وتقدر جهوده، فأين نحن من أبي حنيفة رضي الله عنه؟
لا تهدم البناء الديني عند أولادك:
هناك عوامل هدم لهذا البناء الديني الذي تريد أن يعمر في قلوب أبنائك، ومن أهم تلك العوامل التي تضر بأبنائك:
1 - تحويل العبادات إلى مجرد طقوس لا معني لها ولا روح.
2 - النفاق العملي: وهو أن يتلقى الولد من أبويه تعليمات وأوامر، ويري أبويه يعملان عكسها.
3 - الإكراه على تطبيق الشعائر الدينية: فمن الناس من يهمل تربية أبنائه حتى إذا وصل إلى سن المراهقة ولم يصلِ الولد في ذلك الحين لجأ أبوه إلى الضرب ليجبره على الصلاة ، فأين كان ذلك الأب في السنوات السابقة ؟ ولماذا لم يغرس فيه حب المسجد والصلاة من قب
ــــــــــــــــــــ(37/25)
نوبات الغضب لدى أبنائنا.. كيف نفهمها؟
لفت انتباهي في إحدى المسلسلات التلفازية العقيمة لحظة صدق قالت فيها الزوجة: أنا بكرهك أنا بكرهك..ثم ركضت لتختفي، هكذا أراد المخرج أو أراد الموقف... أن تختفي بعد لحظة صدق.
كم ركضنا هرباً من حقيقة وأغلقنا الباب حتى لا نواجهها، ولكن الحقائق تتسلل لنا رغم هروبنا.
إن الهروب من المواقف الدرامية، هي أضعف لحظة يمر بها الإنسان، فيفضل الهروب على المواجهة.
أتساءل كيف تتصرف الأم في حالة هروب ابنها من المواجهة مع الموقف، فقد يحصل موقف يدل على غضبه، كأن يقول: (إنني أكرهكم..أو أكره هذا المنزل وقوانينه...أو لا أرغب في العيش هنا).
كيف تتصرف؟ وكيف تتصرف إذا أظهر غضبًا عارمًا لا حدود له، عليها أن لا تواجه الموقف بعنف ، وأن تترك له مساحة قصيرة للهرب، ثم تعود إليه..حتى لا يحتفظ بهذا الشعور لنفسه، عليها أن تستغل هذا الوقت في التواصل معه، فهذا التواصل سوف يساعده في مواجهة آلامه وقبولها ثم التخلص منها.
إن وقوفنا مع الآخرين في مواجهة المشكلات المؤلمة يسري عنهم، ويشد من أزرهم ويبعث بهم على تخطي المواقف الصعبة.
إن الضغوط اليومية التي نمر بها قد تصل بنا إلى درجة اليأس من إيجاد الحلول لها، ولكن إذا عدنا إلى الوراء لوجدنا الكثير من المواقف الصعبة التي تخطيناها بسلام فأصبحت في طي النسيان.
قد تكون لحظة الغضب افتعالية، إن كانت افتعالية فهي تحتاج إلى حلول أيضًا، سواء حدثت في البيت أو في مكان آخر، وعادة ما يفتعل أبناؤنا الغضب للحصول على ما يريدون، لذا يجب علينا التفريق بين لحظة الغضب التي تثير أبناءنا لدرجة الهروب من الموقف، وافتعال لحظة أو نوبة الغضب، وخصوصاً إذا اكتشف أبناؤنا أنها أداة فعالة لجلب الاهتمام.
هذه النزعة نحو الانفعال تلاحظ على وجه الخصوص خلال فترات الطفولة المبكرة والروضة عندما يبدأ الأطفال في إظهار استقلاليتهم وتأكيدها، فإذا استجيب للصراخ
والركل والرفض أدرك الطفل أن هذا الفعل يصل به إلى ما يصبو إليه، فيقوم به كلما أراد الحصول على ما يرفض الكبار منحه له، وقد نلجأ إلى محاولة كفهم بالإقناع أو بالغضب والضرب، وكلتا الحالتين لا تؤديان إلى نتائج سليمة، لذلك علينا في هذه الحالة اتباع خطوات متزامنة هي:
تجاهل نوبات الغضب عندما تحدث
عندما تبدئين في تجاهل سلوك الطفل عند نوبات الغضب ، سوف تقل هذه النوبات تدريجيا حتى تتوقف إذا لم يجد الطفل أي تعزيز أو إقناع أو شرح ، أو حتى النظر إليه حتى يتوقف الطفل، بعد ذلك يمكنك الجلوس بجانبه وعدم التحدث عن نوبة الغضب، فإذا عاد لذلك التصرف فابتعدي عنه مرة أخرى ولا تعيريه أي اهتمام.
- الإكثار من تعزيز التصرفات الملائمة
مساعدة الطفل على التعامل مع ردود الفعل الانفعالية بطرق مقبولة
ساعدي طفلك على اكتشاف بدائل مقبولة لتحل محل نوبات الغضب، وذلك عن طريق منع التصرف العدواني والنزول إلى مستواه الطفولي وقولي له:( أنا أعرف أن هذا يجعلك تشعر بالغضب) أو (إنه مؤلم حقًا ما تشعر به) أو (إنك منزعج حقًا ولكن يجب..).
- شجعي طفلك على التعبير عن انفعالاته أما بالموافقة على ما قلت، وإما باستعمال ما اقترحته أو بالتعبير عن شعور آخر، اسأليه بعد ذلك ماذا نستطيع فعله حيال ذلك واستعرضي البدائل، ثم ساعدي الطفل على الحل للموقف بنفسه، وأثني على قدرته على حل الموقف.
يجب على كل أم أن تعتبر نفسها دائماً القدوة التي يقتدى بها في الأسرة، فتظهر الشجاعة والحكمة في مواجهة المواقف، ولا تنسي أن مشاعرنا وأحاسيسنا تتسلل للظهور بشكل أو بآخر إن لم يكن اليوم فغداً، وكذلك الحال بالنسبة لأبنائنا .
ــــــــــــــــــــ(37/26)
صفات المربي الناجح
هناك صفات أساسية ، كلما اقترب منها المربي كانت له عَوْناً في العملية التربوية، والكمال البشري هو للرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ولكن الإنسان يسعى بكل جهده وبقدر المستطاع ، للتوصل إلى الأخلاق الطيبة والصفات الحميدة ؛ ...
وإليك أهم الصفات التي يسعى إليها المربي ـ وفقني الله وإياك إليها ـ:
1- الحلم والأناة:أخرج مسلم عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: "قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأشج عبد القيس: إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة".
وهذه قصة لطيفة، تبين أهمية الحلم والأناة في بناء أخلاق الجيل الجديد: قال عبد الله بن طاهر: كنت عن المأمون يوماً ، فنادى بالخادم: يا غلام فلم يجبه أحد؛ ثم نادى ثانياً وصاح: يا غلام ! فدخل غلام تركي وهو يقول: أما ينبغي للغلام أن يأكل ويشرب؟ كلما خرجنا من عندك تصيح يا غلام يا غلام ! إلى كم يا غلام ؟ فنكس المأمون رأسه طويلاً ، فما شككت في أن يأمرني بضرب عنقه ؛ ثم نظر إلي فقال:
يا عبد الله ! إن الرجل إذا حسَّن أخلاقه ساءت أخلاق خدمة ؛ وأنا لا نستطيع أن نسئ أخلاقنا ، لنحسَّن أخلاق خدمنا.
2- الرفق والبعد عن العنف: أخرج مسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: "قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه".
وعنها أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "أن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله" متفق عليه.
وعنها أيضاً أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه" رواه مسلم.
وأخرج مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "من يحرم الرفق يحرم الخير كله". وروى احمد عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: يا عائشة! ارفقي فان الله إذا أراد بأهل بيت خيرا دلهم على الرفق". وفي رواية "إذ أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق".
عن أبي هريرة. رضي الله عنه قال: كنا نصلي مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ العشاء، فكان يصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، وإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعاً رفيقاً، فإذا عاد عادا، فلما صلى جعل واحداً هاهنا وواحداً هاهنا، فجئته، فقلت يا رسول الله: ألا أذهب بهما إلى أمهما؟ قال: لا، فبرقت برقة فقال: الحقا بأمكما، فما زالا يمشيان في ضوئها حتى دخلا".
رواه الحاكم في مستدر 3/167 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي صحيح.
وإليك. عزيزي القارئ هذه القصة البديعة في موعظتها، لنرى تعامل السلف الصالح: روى أن غلاماً لزين العابدين كان يصب له الماء بإبريق مصنوع من خزف، فوقع الإبريق على رجل زين العابدين فانكسر، وجرحت رجله؛ فقال الغلام على الفور: يا سيدي يقول الله تعالى "والكاظمين الغيظ"، فقال زين العابدين: لقد كظمت غيظي؛ ويقول "والعافين عن الناس"، فقال: لقد عفوت عنك؛ ويقول: "والله يحب المحسنين" فقال زين العابدين: أنت حرّ لوجه الله.
3- القلب الرحيم : عن أبي سليمان مالك بن الحويرث ـ رضي الله عنه ـ قال: أتينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونحن شبَبَهُ متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلية) وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رحيماً رفيقاً، فظن أنا قد اشتقنا أهلنا؛ فسألنا عمن تركنا من أهلنا، فأخبرناه، فقال: أرجعوا إلى أهلكم، فأقيموا فيهم ، وعلموهم وبروهم ، وَصَلّوا كذا في حين كذا وصلوا كذا في حين كذا؛ فإذا حضرت الصلاة فليؤذن فيكم أحدكم وليؤكم أكبركم. متفق عليه.
وروى البزار عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إن لكل شجرة ثمرة، وثمرة القلب الولد، إن الله لا يرحم من لا يرحم ولده ؛ والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة إلا رحيم. قلنا يا رسول الله! كلنا يرحم ، قال: ليس رحمته أن يرحم أحدكم صاحبه، وإنما الرحمة أن يرحم الناس".
4- أخذ أيسر الأمرين ما لم يكن إثما: عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: "ما خُيّر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه؛ وما انتقم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنفسه من شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله؛ فينتقم لله تعالى" متفق عليه.
5- الليونة والمرونة: وهنا يجدر بنا فهم الليونة بمعناها الواسع، وهي: قدرة فهم الآخرين بشكل متكامل لا بمنظار ضيق؛ وليس معناها الضعف والهوان، وإنما التيسير الذي أباحه الشرع.
فعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل قريب هينّ لينّ سهل. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
6- الابتعاد عن الغضب: إنّ الغضب والعصبية الجنونية من الصفات السلبية في العملية التربوية ؛ بل كذلك من الناحية الاجتماعية، فإذا ملك الإنسان غضبه، وكظم غيظه، كان ذلك فلاحا له ولاولاده؛ والعكس بالعكس. وقد حذر منه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الرجل الذي سأله وصية خاصة له، فكان جوابه في الثلاث المرات: "لا تغضب" كذلك اعتبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ الشجاعة هي القدرة على عدم الغضب؛ فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب. متفق عليه.
7- الاعتدال والتوسط: إن التطرف صفة ذميمة في كل الأمور؛ لهذا نجد أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحب الاعتدال في أمور الدين، فما بالك في باقي الأمور الحياتية الأخرى، والتي أهمها العملية التربوية؟
فعن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء رجل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ غضب في موعظة قط أشدّ مما غضب يومئذ، فقال: "يا أيها الناس إن منكم مُنفرين، فأيكم أمّ الناس فليوجز، فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة". متفق عليه.
8- التخول بالموعظة الحسنة: إن كثرة الكلام في كثير من الأحيان لا تؤتي أكلها ؛ في حين نجد أن التخول بالموعظة الحسنة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها؛ لذلك نصح الإمام أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ تلاميذه بقوله: "لا تحدث فقهك من لا يشتهيه". كما أن الصحابة أدركوا هذا من فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ"فعن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: كان ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ يذكرنا في كل خميس مرة؛ فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن! لوددت أنك ذكرتنا كلّ يوم. فقال: أما أنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملّكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتخولنا "أي يتعهدنا" بها مخافة السامة علينا". متفق عليه.
ــــــــــــــــــــ(37/27)
بدائل الأمهات...من المربيات والخادمات
انتشرت في وقتنا الحاضر ظاهرة الاستعانة بالمربيات والخادمات في بيوتات كثيرة في أرجاء الوطن العربي ، وتم الاستعانة بهن كخادمات في البيوت، أو في رعاية
الأبناء الصغار، فأصبح البعض منهن حاضنات أو بدائل للأمهات، رغم أن البعض منهن قد لا يتكلمن العربية، ويتبعن في بعض الأحيان شرائع غير إسلامية، وفي هذا ما تكون أخطاره وبيلة على أبنائنا الصغار في مستقبل أيامهم.
المشاهد في وقتنا الحاضر، أن المربيات والخادمات قمن بغزو البيوت برغبة من أهلها، وليعذرني الآباء والآمهات في استخدام لفظة (غزو)، فليس القصد هنا، أنهن دخلن البيوت للقتال وانتهاب ما في الديار، بل إنني اقصد بالغزو هنا، أنهن يسلبن الأبناء-أحيانا- من آبائهم، ويقمن بالسيطرة عليهم ، لطول الوقت الذي يمضيه الأبناء مع المربيات ، ومن ثم فكأن المربيات أصبحن أمهات في الواقع للأبناء الصغار.
وقبل أن أوضح آثار ترك رعاية الصغار وتنشئتهم الاجتماعية من خلال توجيه وإشراف المربيات، أود أن أشير إلى أن بعض الآباء والأمهات يستقدمون خادمات يعملن بالإضافة إلى أعمالهن المنزلية الشاقة، على العناية بالأطفال وتنشئتهم في فترة غياب الأمهات عن المنزل، وبعض الخادمات لسن مؤهلات للتربية، ومن ثم فهن في حاجة إلى التوجيه والإرشاد. وقد تكون الخادمة مربية، وقد تحتاج إلى محو الأمية. والمربية هي التي تدربت أو تحمل شهادة تربوية، ومن ثم يمكن الاعتماد عليها في تنشئة متوافقة لحد ما للصغار.
والمربية إن كانت ذات كفاءة عالية، فلن ترقى إلى مرتبة الأم ،فالولد الصغير بالنسبة للأم هو فلذة كبدها.
فالأم وعاء عند الحمل.. تقاسي الكثير عند الحمل، وهي سقاء عند الإرضاع، تسهر لراحة صغيرها عندما ترضعه لبن ثديها، وتضفي عليه من حنانها وهو بين ذراعيها، فيه مصدر غذاء الجسد الصغير، ومصدر الانتماء والحمايةو الرعاية له حتى يكبر، وحتى عندما يتركها لبيت الزوجية الخاصة به، فهي الدعاء الدائم له طوال عمره، وقد تكون الأم متواجدة بين صغارها بجسدها، ولكنها قد تكون غائبة بتوجيهها وإرشادها وتنميتها لصغارها عندما توكل أمر تربية صغارها للخادمة أو المربية. والأمر جد خطير، فالعواطف والعادات والحنان- غير الطبيعي- قد يجعل الطفل يقترب وينتمي إلى الخادمة أو المربية أكثر من انتمائه وتعاطفه مع الأم.
وقد يقف بجانب الخادمة أو المربية عندما يشعر بالإعراض التام من الأم عن رعاية الصغار أو عن رعايته، حيث قد تترك الزوجة رعاية مصالح الزوج وحاجاته إلى الخادمة أو المربية، وقد يعقب ذلك عواقب وخيمة على الحياة الزوجية، والخاسرة-حينئذ-هي الزوجة، التي تركت غزو الخادمة لأخص ما يخصها في حياتها وهو زوجها.
ومما يؤسف له أن هناك أمهات لا يعملن، ويتركن المسؤولية كاملة للخادمات يتصرفن في أمور بيوتهن، كما لوكن أصحاب البيوت، ورغم اتساع وقت الأم -الزوجة في ذات الوقت- لرعاية أبنائها وزوجها، إلا أنها قد تهتم بالخروج للتسوق، أو تجتمع مع جاراتها في ساعات الضحى، أو تهاتف صديقة لها ساعات طوال فيما لا يفيد أو ينفع. وقد يأتي الزوج من عمله منهكاً، وفي حاجة إلى سكن النفس، وفي حاجة إلى طعام وراحة ليتابع عمله أو ليسعد زوجته وأبناءه، وقد لا يجد من تخفف عنه متاعبه سوى الخادمة، التي قد تقدم له طعاماً قد لا يستسيغه.
وهناك سلبيات كثيرة تحدث عندما يترك الآباء والأمهات رعاية الصغار بين أيدي الخادمات أو المربيات، نذكر بعضاً منها على سبيل المثال وليس الحصر:
- إن لغة الخادمة أو المربية إذا كانت غير عربية، تؤثر بدرجة عالية في اكتساب الصغير لغته العربية، ومن ثم قد يتأخر الصغير عمن هم في مثل عمره الزمني في تعلم اللغة، ولفظ الحروف الصحيحة، واكتساب المفردات الواجب تعلمها، بل قد يتعلم لغة المربية قبل أن يتعلم اللسان العربي.
- إن المربية - عادة - تضعف العلاقة بين الطفل وأمه، إذ غالباً ما يكون التعلق- من جانب الطفل- بالمربية وليس بالأم، حيث تقوم بإشباع الحاجات الأساسية للطفل من المأكل والمشرب ونظافة الجسم عند الابتلال، وتشبع حاجاته إلى الراحة واللعب.. ومن ثم فهي أم بديلة.. وفي هذا ما يبعد الطفل تدريجيا عن الأم، بل قد لا يسأل عنها عند غيابها، أو وجودها في المنزل، والأعجب أنه قد ينزعج إذا لم يجد المربية أو الخادمة بجانبه، عندما تنشغل عنه عند أداء وظائفها الأساسية في المنزل، وأحياناً قد يناديها كما لو كانت أمه.
- إن تأثير المربيات والخادمات على العلاقات الزوجية، قد يخلق المشكلات بين الأزواج، ويحدث- وجودهن- مناخ التوتر والقلق الدائب بين الأزواج، وقد يترتب عن المشكلات انفصال بين الأزواج أو هجران أو خصام أو تضحية بالأبناء والحياة الزوجية المستقرة.
- إن وجود المربيات والخادمات يضعف من نماء الاستقلالية في التنشئة الاجتماعية للصغار، بل قد ينمي لديهم الاعتمادية أي الاتكالية، وعدم نمو الاستقلالية لدى الصغار، ويظهر ذلك السلوك عندما تعرض الفتيات الصغيرات أو الفتية الصغار، عن أداء الأعمال البسيطة التي يمكن القيام بها، اعتماداً على ما تقوم به المربية من الاستجابات الفورية لكل مطالب الصغار.
- ومن المخاطر التي يجب أن لا تغيب عن أذهان الآباء، هو أن بعض المربيات غير المسلمات اللاتي يقمن بالتنشئة والرعاية للصغار، قد تقوم البعض منهن بغرس وتنمية تعاليم دينها مع الصغار- في غفلة من الآباء- ودون أدنى اهتمام بدين الإسلام.
- هذا بالإضافة إلى أن قيام الخادمة بدور المربية في وقت واحد أو العكس، يشكل ثقلاً وعبئاً كبيرين، عندما تقوم المربية أو الخادمة بجميع أعمال المنزل من نظافة وطبخ وكي وغسيل.. إضافة إلى أعباء العناية بالصغار، ففي هذا ما قد يصيب البعض منهن بالإحباط وعدم الاكتراث بالأعمال المنزلية المطلوبة، أو العناية الواجبة بالصغار.
وبعد .. إن الحديث عن هذه المشكلة يطول.. ولا يفهم من حديثنا هذا أنه لا ضرروة لوجود الخادمات أو المربيات في البيوت، بل علينا أن نعرف أن السلبيات قد تكون أكثر من الإيجابيات عند استخدام المربيات أو الخادمات في الإشراف والتنشئة الاجتماعية لجيل الأبناء الصغار.
وقد يتبادر إلى الأذهان تساؤل عن الحلول العملية لهذه المشكلة، لذلك نبادر ونقول.. إنه على الآباء والآمهات مراعاة ما يأتي :
- ضرورة مراقبة التأثير العقدي للمربية على الصغار، واهتمام الآباء عند وجود المربيات بتنمية العقيدة الصحيحة وتثبيتها عند الصغار بالأقوال والأفعال.
- ضرورة مراقبة انتماء الطفل بالدرجة الأولى لأمه، إذ مهما كان التصاقه بالمربية أو الخادمة فهو لن يستغني عن أمه أبداً.
- تنمية روح العادات الحسنة والاستقلالية بين الصغار، وتقليل اعتمادهم الكامل على المربيات أو الخادمات في إشباع حاجاتهم، وخاصة في الأعمار الزمنية 6-15سنة.
- يقترح قيام المؤسسات التربوية والاجتماعية بإنشاء الحضانات ورياض الأطفال والأقسام التمهيدية للصغار، لرعاية أطفال الأمهات العاملات في مقارّ أعمالهن، بدلاً من ترك الصغار مع المربيات أو الخادمات.
- يقترح معالجة وضع الأمهات اللاتي لديهن صغار في حاجة إلى الرعاية، بحيث إذا كانت الأم تعمل، فيمكن منحها إجازة لمدة سنة أو أكثر بمقطوع معين من الراتب، وخاصة في فترة الإرضاع والإطعام وحتى نهاية السنتين الأوليين من الميلاد، بهدف أن تشرف الأم على صغيرها من نواحي الرعاية الغذائية العاطفية في هذا العهد.
.. وأخيراً ينصح باستقدام المربيات العربيات المسلمات، اللائي يكن موضع الثقة، وليكن خير معين للإشراف على الصغار، وتعليمهم اللسان العربي المبين، وأداء العبادات وممارستها وفق شرعنا الحنيف، إضافة إلى أن مثلهن قد يدركن مخافة الله في تعاملهن مع أفراد الأسرة، من حيث اجتناب المعاصي، وعدم محاولة التفرقة بين الأزواج أو بين الأبناء والأمهات، مع أداء ما يوكل إليهن بأمانة وإخلاص.
والحديث... ممتد لحل المشكلات الاجتماعية التي نعاني منها في بيوتنا..
والله أسأل الهداية والتوفيق لنا أجمعين.
ــــــــــــــــــــ(37/28)
أثر الحرمان من الأمومة في الأبناء
يقول الحق تبارك وتعالى:"فرددنه إلى إمه كى تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون" سورة القصص-آية 13.
هذا الخبر عن أم موسى حين ذهب ولدها موسى عليه السلام، عندما قامت أخته بالقاءه في البحر، فأصبح فؤاد أمه فارغاً، أي من كل شئ من أمور الدنيا، إلا إبنها صغيرها، لولا أن ثبتها الله وصبرها، وقد وعد الله تعالى برده إلى أمه وجعله من المرسلين.
والواقع أن قلب الأم وحنانها هو النبع الصافى الذي ينهل منه الصغار الحنان والرعاية، فالأم وعاء عند الحمل وسقاء عند الإرضاع ورعاء طوال عمرها لابنائها.
إن الحديث عن الحرمان من الأمومة..هو الحديث عن مشاكل حيوية تحدث بين الصغار، حيث الحديث عن أخطار الحرمان من الأمومة، هو حديث عن مشاكل حيوية تحدث للكثير من الصغار، الذين يفقدون أمهاتهم في مرحلة الطفولة، وتتلقفهم أيادٍ لاترحم، وقد يناصر الآباء زوجاتهم الجديدات، إرضاء لهن، وقد يرجع ذلك إلى
إخماد عاطفة الأب نتيجة لحماقات زوجته، وغيرتها التي لا تنطفئ خاصة إذا رزقها الله من زوجها بنين وبنات تجد فيهم ما يقرّب الأب منها ومنهم، ومن ثم يباعد بينه وبين أبنائه من زوجته الأولى.
وعلينا أن نعلم أن خبرات الطفولة المبكرة، تؤثر في سلوك الفرد خلال مراحل حياته، وبما أن بيئة الطفل في حياته المبكرة، لا تخرج عن محيط البيت والأسرة، أي .. الأب والأم والإخوة والأخوات، فقد يتأثر الصغار..ذكوراً أو إناثاً، من بيئة الحرمان والذل والهوان، وقد يكون الأب في عمل دائب خارج البيت، ويأتي إلى منزله بعد أن ينام الصغار، فلا يتابع ما يجري من أمور، وقد تحاول زوجته أن تزين له كل السبل التي من خلالها يعتقد أن أبناءه جميعاً، يتمتعون بحياتهم متاعاً حسناً، وواقع الأمر، قد يخالف ذلك، فصغارها يتمتعون بالملبس والمأكل ويستجاب لمطالبهم، بينما أبناء زوجها يعانون الحرمان، وقد يحرمون شهي الطعام، ويلبسون الرخيص من الثياب، وينامون كل ليل طويل وهم مسهدو الجفون.
إن شخصية الطفل، تتحدد وتتشكل في مرحلة الطفولة، وتكوّن اتجاهاتها نحو الآخرين ونحو الأشياء العامة في البيئة وفي الحياة العامة، طبيعة العلاقات الأسرية والاجتماعية من الأبوين والإخوة والأخوات والجيران والأقارب.
ورغم أن شخصية الفرد تخضع بعد ذلك - خلال مراحل الحياة - المتتابعة لمؤثرات مختلفة، حيث تتسع العلاقات الاجتماعية، وتزداد الخبرات عند مواجهة مواقف الحياة الإيجابية والسلبية، إلا أنه يجب أن يؤخذ في الاعتبار، أن خبرات الطفولة، تؤثر- دوماً- في بنية الشخصية، بل إنها تظل محركا رئيسياً في بنية الشخصية في الأعمار المتقدمة، فالطفولة.. صانعة المستقبل.
وفي الطفولة المبكرة.. من أقدر أفراد الأسرة، على رعاية الطفل وإشباعه عاطفياً ونفسياً، غير الأم..؟! أليست الأم وعاء عند الحمل.. وسقاء عند الإرضاع.. ورعاء طوال عمرها مع فلذة كبدها؟
إن علاقة الطفل بأمه حال ولادته وفي سني المهد، حتى يستقل عنها ويعتمد على نفسه، ويخاطبها ويستجيب لها،ويتحرك ويمشي، لها آثار كبيرة في إشباع حاجاته الجسمية والنفسية والعقلية.
والطفل الذي يحرم من حنان الأم وعاطفتها، قد يتأخر نموه الجسمي والعقلي واللغوي والاجتماعي، بل إنه بنيته الشخصية لا تكون سوية.
وفاقد الشيء لا يعطيه، ولأنه قد يستشعر النبذ وأنه غير مرغوب فيه، فقد يؤثر الصمت وينطوي على نفسه ويظهر الاكتئاب على سلوكه وقد لا يستجيب لمداعبات أو ابتسامات الآخرين، إذ يبدو عليه البؤس والتعاسة. وآثار هذا انحرافات واضطرابات أو نوبات من الانفعالات الحادة، أو سلوك غير سوي لا يقبله أقرب الناس إليه.
وهناك فروق فردية بين الصغار عند ابتعاد أمهاتهم عنهم، فإذا لم تتجاوز مدة ابتعاد الطفل عن أمة ثلاثة شهور، فإنه قد يسترد بسرعة القدرة على مبادلتها العواطف، ويعود بذلك إلى النمو الطبيعي دون معوقات، بينما إذا امتد الحرمان العاطفي من
الأمومة لستة شهور، فإن النمو العاطفي للطفل يتخلف بشكل ملحوظ عن النمو العاطفي لمن هم في مثل عمره.
إن الأطفال الذين يفتقدون أمهاتهم نتيجة لوفاة الأم أو طلاقها، وتصميم الأب على حضانة الأبناء ، أو لأي ظروف أخرى مثل أطفال الملاجئ هؤلاء الأطفال رغم فقدانهم عاطفة الأمومة، قد يجدون العوض عند وجود بدائل الأمهات، اللائي يقمن بمثل وظائف الأمهات ويبادلن الصغار الحب والعطف، وقد لوحظ أن هؤلاء الأطفال ينمون بصورة طبيعية من ناحية النمو الطبيعي بالنسبة للأطفال العاديين الذين يعيشون في كنف ورعاية أمهاتهم، وأيضاً نموهم طبيعي عند مقارنتهم بحياة الأطفال الذين لايجدون بدائل الأمهات، أو يعيشون مع زوجات آبائهم ذوات القلوب القاسية، إن حديثي للآباء والأمهات على حد سواء، حيث نسأل الله أن تمتلئ القلوب بالرحمة لأبنائنا أو أبناء من نقوم برعايتهم، عندما يفتقدون السند العاطفي وخاصة وهم صغار.
إن تقوى الله هي الموجه السليم لأمور حياتنا وأذكر بقول الله تعالى قول الحق: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً) ( سورة النساء :آية 9.)
ــــــــــــــــــــ(37/29)
حتى لا تأكل نار الغيرة .. القلب البريء
كيف تهيئين طفلك لاستقبال مولودك الجديد؟
قدوم مولود جديد يدخل البهجة والسرور على الأسرة، وفي الوقت نفسه تصحبه بعض التغيرات التي قد تؤدي إلى بعض المشاكل ؛ لذلك يجب على الأسرة أن تتهيأ ، وتستعد لتحسن استقبال الحبيب المنتظر، فتفرح بقدومه وتستمر فرحتها به، وأهم فرد يجب أن تهيئه هو من ينال أكبر قدر من رعايتنا واهتمامنا ألا وهو أصغر فرد في الأسرة، وأحب فرد إلى النفوس طالما لم يأت من هو أصغر منه، وقد سئل أحد الصالحين: أي ولدك أحب إليك؟ قال: "الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يشفي، والغائب حتى يعود".
فعند قدوم المولود الجديد ستتبدل المواقع ، وسيتبوأ هذا القادم تلك المكانة ، وتتوجه إليه الأنظار، وبقصد أو بدون قصد سيحظى بالقدر الأكبر من الرعاية ، فيحس الطفل الأكبر بسحب البساط من تحت قدميه باهتزاز عرشه الهنيء ، وحينها قد يحدث ما لا تحمد عقباه، ويحاول الانتقام من ذلك الغريم الذي احتل مكانه، ويمكن أن تواجه الأسرة بعض المشكلات النفسية والسلوكية والجسمية الخاصة بالنسبة الطفل الأكبر.
ونتساءل: ما الذي يجب أن نفعله إذن...؟
هناك العديد من الخطوات يجب على الأسرة اتباعها حتى نتفادى أي مشاكل نفسية تحدث للطفل الأكبر:
1 - يجب أن نشرح للطفل أثناء الحمل بأنه سيأتي مولود جديد بإذن الله ، وسيكون أخاه وحبيبه ، ولا نستهين بعقلية الطفل مهما صغر فإنه يفهم ويدرك.
2 - عندما يلاحظ الطفل كبر بطن الأم نقول له هذا أخوك، وأنت هكذا جئت، ولا بأس بأن نجعله يحتضن بطن أمه كأنه يحتضن أخاه، ويقبله، ويقول له: أخي حبيبي، فإن ذلك يصنع علاقة محبة مبكرة.
3 - يجب أن نرتب مكانا مستقلا لنوم الطفل السابق قبل الولادة ؛ لأنه إذا كان معتادا للنوم في حضن أمه فسيفاجأ بمن يأتي ، ويحتل مكانه بعد الولادة، وبذلك نكون قد زرعنا بذرة الخلاف والشقاق.
4 - عندما تذهب الأم إلى المستشفى نفهمه بأنها ستعود بإذن الله، ومعها المولود الجديد الذي ينتظره.
5 - يجب أن نشتري له لعبا جديدة وجذابة؛ بحيث نقدمها إليه عند قدوم أخيه الجديد، فيحسب بجو من الفرحة والبهجة التي نالته مع قدوم أخيه، وينشغل بهذه اللعب ، فلا يلاحظ الاهتمام بالمولود الجديد الذي قد يثيره، ويجب تجنب الكذب على الطفل بأن نقول له: إن أخاك هو الذي أحضر لك هذه اللعب، بل يكفي وجودها فقط.
6 - يجب أن نعهد إليه بمن يلاعبه من الأطفال الآخرين، وأن تضعه الأم على خريطة اهتمامها أن تحمله، وتكلمه، وتبث في نفسه البهجة والسرور مهما كان الأمر حتى لا يحس أنها لم تعد له، إن بعض الأزواج يحسون بالغيرة لاهتمام الزوجة بطفلها، فما بالنا بهذا الطفل الصغير.
7 - حينما يري أخاه يرضع نفهمه أن الطفل الصغير هكذا يتغذي، ونفهمه أنه كان يرضع هكذا، ولكنه أصبح الآن كبيرا، ويستطيع أن يأكل مثل الكبار، ونشعره بقيمته وبتميزه.
8 - نجعله يلمس جسم أخيه تحت إشرافنا بأن يمس رأسه، ويمسك يده، ويقبله، فيزيد التقارب بينهما.
9 - نجعله يساعد الأم في تغيير ملابس أخيه.
10 - محاولة إشعار الطفل بأن أخاه الأصغر يحبه بأن نقول له عندما يبتسم أخوه الأصغر إنه يبتسم لك؛ لأنه يحبك حتى نصل إلى مرحلة أن يقول بنفسه: يا أمي إن أخي يحبني.
11 - كلما كلمنا الصغير وداعبناه يجب أن نعطيه جرعة حنانية مشابهة، وأن نظل ندرك أن عقله مازال صغيرا، ولا ننظر إليه على أنه أصبح كبيرا بقدوم أخيه.
12 - يجب عدم المقارنة بينهما أمامه سواء منا أو من الأقارب أو الجيران أو الزوار، وأن نلفت نظر هؤلاء إلى تجنب ما يثيره أو ينقص من شأنه، وكذلك لا يقول أحد أن أخاك أفضل منك، وأن نتعامل مع كل طفل على أنه وحدة مستقلة (كل ميسر لما خلق له).
13 - يجب أن نربي الطفل على الثقة بالنفس، واحترام الذات، وكذلك محبة الآخرين والتعاون معهم.
14 - العدل والمساواة بين الأولاد عملاً بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ــــــــــــــــــــ(37/30)
زوجها.. ابن أبويه الوحيد !
هي زميلة دراسة، وديعة كالنسمة، تلقت تعليمها ما قبل الجامعي في مدرسة فرنسية، ومع ذلك فقد كانت ملتزمة بحجاب بسيط، وقراءات دينية عرفت منها الحد الأدنى الذي يجب أن تعرفه، ولم يغير فيها التعليم الفرنسي شيئًا من قيمها، غير أنها صارت أدق وأكثر حرصًا على الإنجاز السريع - على حد قولها - وكانت دائما تشيد بدور المدرسة في هذا الأمر، وتردف بأسى: المفروض أن نتعلم هذا وأكثر منه في مدارسنا الإسلامية.
أنهينا دراستنا الجامعية، وتفرقت بنا سبل العمل، وكانت آخر مرة زرتها فيها يوم تهنئتها بزواجها، انقطعت أخبارها عني تسع سنوات، حتى فوجئت باتصال تليفوني منها في عملي تطلب لقائي، قابلتها فلم أجد شيئا في دماثتها ورقتها ودأبها قد تغير، لمحت فقط مسحة حزن عميق على وجهها تحاول مداراتها بالضحك، وهي تتذكر بعض مواقف دراستنا المشتركة .. سألتها عن أخبار أسرتها، وهل ما زالت تسكن إحدى المدن الجديدة؟ فقالت: لدي طفلان.. وأقيم مع أمي.. لم تنتظر حتى أسألها: لماذا.. وحكت:
منذ أول شهور زواجي، وزوجي دائم الإقامة عند والدته، ويلح عليّ لأقيم مع أمي بمختلف الحجج، في البداية أرجعت هذا لتعلقه الشديد بأمه، ولكن الأمر تجاوز حده، فقد صرت لا أقيم في بيتي أكثر من يومين كل شهر، وأصبحت حقيبة السفر التي كانت رابضة فوق الدولاب، موضوعة أسفل السرير، تأهبا لمغادرة البيت في أي وقت، ناقشته فقال: تغيير، ألا تحبين التغيير؟! استخدمت كل وسائلي لإقناعه بغرابة موقفه فلم ينلني منه سوى السخرية والاتهام بأنني زوجة غير مطيعة، استسلمت لقدري حرصًا على مصلحة ابني وابنتي، ولكن ما حدث مؤخرًا جعلني أبحث عن فرصة عمل تعينني على الإنفاق على ابني وابنتي، بعد أن امتنع زوجي عن الإنفاق عليهما، واشترط لرجوعي إلى بيتي أن أعتذر له، ولا أعرف عن ماذا، وأن أنفق على الولد والبنت، قلت في نفسي: ما دمت أنفق عليهما أصلاً ، فالأفضل أن أعود إلى بيتي، استخرت الله فلم أسترح، وتذكرت تصرفاته معي وتصيده لهفواتي، وسوء معاملته لي.. فقررت البقاء، فبيت أمي أرحم في كل الأحوال.
سألتها: أهو وحيد أمه، فقالت: نعم.. على خمس بنات كلهن متزوجات، اتضحت الصورة أمامي، بعد أن كنت قد ألححت على زميلتي في السؤال عن مبررات ما يفعله فكانت تجيب بأسبابه هو التي يعلنها، فأجدها أسبابا تافهة لا تصمد أمام حب الرجل لزوجته، واستعداده للتسامح معها، وتناسي أخطائها الصغيرة التي تحدث - عفوًا - في بداية الزواج نتيجة صعوبة التكيف مع الحياة الجديدة أو تحمل مسئولية الزواج دفعة واحدة، كانت مبررات الزوج القوية - من وجهة نظره - أن حوض الحمام كان أغلب الوقت متسخا، وأن جواربه لم تكن تغسل باتقان.
أي زوج آخر كان سيتحمل وينصح، ويتغاضى.. وإن فاض به الكيل فقد يخاصم أو يعنف، ولكنه لن يهجر البيت، ويمتنع عن تحمل مسئولية طفليه، ولكن وحيد أمه الذي اعتاد أن تكون أحلامه أوامر، وأن يجد كل شيء طوع يمينه، وألا يكون هناك أدني نقص فيما يريده، لن يتغير بسهولة حين يصبح زوجًا.. مسئولاً .
بعد انصراف زميلة دراستي تمنيت أن أسأل أم زوجها: أيسعدك أن ابنك زوج ولا زوج؟
أيسرك أن يظل في حضنك حتى بعد أن صار أبًا لطفلين؟ أيبهجك أن يظل - بعد زواجه - طفلك الوحيد المقرب المدلل، ولو على حساب حياته وطفليه؟
ربما أجابتني.. بنعم؟ ولكنها ستكون: نعم مترددة من باب الكبر.. واستعظام الاعتراف بالخطأ، ولكنها في قرارة نفسها، ربما تتمنى أن يعود الزمن إلى الوراء، فتعامل ابنها بشكل مختلف يؤهله; لأن يكون زوجًا ورب أسرة ناجح، لا ملكًا متوجًا بلا مملكة، ولا عرش سوى مشاعر زوجته وآدميتها وحقوقها وحقوق أبناء أبرياء.
جميل أن نحب أولادنا.. وأجمل أن نعرف كيف؟ فكم من بيوت هوت لأن فيها رجالاً ، بالعمر فقط، ولكنهم في عيون أمهاتهم ما زالوا أطفالاً مدللين.. الابن الوحيد نعمة من الله، بعض الأمهات يحولنه إلى نقمة على زوجته حين يقتلن فيه رجولته ومسئوليته وقوامته من فرط الخوف والحماية والتدليل، ويرين كل مقومات رجولته ذبابة متطفلة ترفض الرحيل عن وجهه فيضربنها بقوة، ليقتلنها ويقتلنه أيضًا!
ــــــــــــــــــــ(37/31)
الأب القاسي
الأب القاسي هو أبٌ غير رفيق أو غير رقيق القلب ، قاسي ملامح الوجه والقلب ، أحكامه مثل وجهه ، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : ((إن الله رفيق يحب الرفق ، ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما نزع الرفق من شيء إلا شانه)) .
لقد وصف الله تعالى نفسه بأنه الرحمن الرحيم ، الذي يرحم الناس في الدنيا والآخرة ، وهو الحليم الذي لا يعجل العقوبة للمخطئين ، فلو أن الله تعالى يؤاخذ الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ، فكل بني آدم خطاء ، وخير الخطاءين التوابون .
عزيزي المربي أبًا كنت أم أمًا .. أجب على هذه الأسئلة :
1) هل أنت من النوع الذي لا يتحكم في انفعالاته بشكل عام ؟
2) هل أنت من النوع العصبي سريع الغضب والانفعال وبطئ النسيان ؟
3) هل أنت من النوع الذي لا يرحم المخطئ إذا أخطأ واعترف بخطئه ؟
4) هل أنت من النوع الذي لا يسامح المسيء إذا أساء واعتذر ؟
5) هل أنت من النوع الذي لا يترك أي خطأ صغيرًا أو كبيرًا دون نقد لاذع ؟
6) هل أنت من النوع الذي يضرب ولده بعنف وبالكف إذا ما نقصت درجاته في مادة ما ؟
7) هل أنت من النوع الذي يضرب ابنته بالعصا والفلكة والكرباج إذا ما قصرت ابنته في أمر ؟
8) هل أنت من النوع الذي يسخن الملعقة على النار ، ويلسع بها ولده ، إذا تبول على نفسه في الفراش ليلاً وهو طفل صغير أو مراهق أو فعل فعلاً لا يرضيك ؟
9) هل أنت من النوع الذي لديه ضمير صارم لا يرحم قريبًا أو بعيدًا إذا خالفه الرأي ؟
10) هل أنت من النوع الذي من يحزنه لعدة سنوات ؟
11) هل أنت من النوع الذي يحرم ابنه من زيارته ولا يزوره إذا تزوج على خلاف رأيه
12) هل أنت من النوع الذي يمنع الابن من الميراث الشرعي إذا لم يرضى عنه ؟
إن كانت إجابتك بنعم فأنت أبٌ قاسي ظالم ، فلكل إنسان إمكانيات لا يستطيع تغييرها ، ولكل طفل قدرات ومهارات لا يستطيع أن يخلقها أو يبدلها، فهناك الطالب الممتاز والمجتهد والمتوسط والضعيف في الدراسة .
لا تحمل ولدك ما لا يطيق ، واعلم أن الراحمين يرحمهم الله ، وأن من يرحم من في الأرض يرحمه من في السماء ، وأولى الناس برحمتك هم أهل بيتك وولدك وزوجتك .
وإن كنت عاجزًا عن علاج نفسك فأنت مريض بالقسوة ومضطرب شخصيًا وفي حاجة إلى طبيب نفسي .
أرجوك لا تتكاسل .. اذهب إليه في الحال .
ــــــــــــــــــــ(37/32)
الأب المتساهل والمدلل لولده
ما أسوأ الأبناء إن رزقوا بأباء يحبون الدلال أو يمارسون الإهمال .
ما أتعس أولئك الذين منذ نعومة أظافرهم وقد وجدوا ملعقة ذهبية فقط دون تربية ذهبية يطعمون بها أفواههم .
عزيزي المربي .. أبًا إن كنت أم أمًا .. أجب عن هذه الأسئلة :
1) هل أنت من النوع الذي يطيع ولده إذا أمر ؟
2) هل أنت من النوع الذي يشتري أي شيء يريده ابنه ؟
3) هل أنت من النوع الذي يتشاجر مع الناس من أجل ولده ؟
4) هل أنت من النوع الذي يخاصم الناس من أجل ولده ؟
5) هل أنت من النوع الذي يقاتل الناس من أجل رضاء ولده ؟
6) هل أنت من النوع الذي لا يهتم كثيرًا إن أساء ولده وينكر ويبرر الإساءة ؟
7) هل أنت من النوع الذي لا يعاقب ولده إن أساء للكبار ومعلميه في المدرسة.
8) هل أنت من النوع الذي تظن أن ابنك مثل الملائكة لا يكذب ؟
9) هل أنت من النوع الذي يعتقد أن ابنه فوق الناس وعلى رأسه ريشة ؟
10) هل أنت من النوع الذي يرفض أن يعاقب ولده في الفصل مثل باقي التلاميذ؟
11) هل أنت من النوع الذي يبكي إذا بكى ولده ؟
12) هل أنت من النوع الذي يضحك إذا ضحك ولده ؟
13) هل أنت من النوع الذي لا ينام حتى ينام ولده ويسهر إذا سهر ولده ؟
14) يرضى عن الناس إذا أرضوا ولده وإن كان مذنبًا ؟
إن كانت إجابتك بنعم فأنت مدلل لولدك ومتراخٍ ومتهاون ومتساهل .
ونتيجة ذلك أن ابنك سيكون مستبدًا وديكتاتوريًا إن استطاع ، ووجد الفرصة !
وأن ابنك سيكون غير ناضج اجتماعيًا ونفسيًا وانفعاليًا .
وأن ابنك سيكون فاشلاً في حياته ومواجهة المشكلات !
وأن ابنك سيتعرض للإحباط والاكتئاب والاضطراب في الشخصية إذا عجز عن حل مشكلة .
ــــــــــــــــــــ(37/33)
الرضاعة الطبيعية ضرورية للطفل والأم معًا
من الله سبحانه على الإنسان بنعم لا تحصى .. وإحدى هذه النعم السابغة التي لا غنى عنها بحال هي لبن الأم ، إنها نعمة وأي نعمة وبخاصة للأطفال حديثي الولادة ، وإن الرضاعة الطبيعية لا شك أفضل سبل التغذية وأكثرها فائدة وفعالية للطفل ، ليس هذا فقط ، بل إنها تلبي الحاجات العاطفية والنفسية للطفل فضلاً عن إشباع جسده .
ولا جدال في أن حليب الثدي - مهما تكن الظروف - هو الغذاء المثالي الذي لا يستغني عنه الأطفال حديثو الولادة ، ولا يحتاج الطفل إلى أي غذاء آخر حتى عمر خمسة شهور ، وعلى الرغم من التقدم الهائل في ميدان غذاء الأطفال فلم يتم التوصل البتة إلى غذاءٍ بديل أو يضارع الآثار النفسية والعاطفية والغذائية المترتبة على الرضاعة من لبن الأم .
مميزات حليب الأم :
1) غذاء نظيف وآمن يدركه الطفل بلا عناء .
2) يلبي كافة المتطلبات الغذائية للطفل في الأشهر الأولى من حياته .
3) يحتوي على عناصر طبيعية ضد الجراثيم ، كما يشتمل على حماية ووقاية هائلة.
4) يتميز بسهولة الهضم وسرعة التمثيل سواء من قبل الأطفال العاديين أو المبتسرين .
5) يعمِّق العلاقة العاطفية الحميمة بين الأم وطفلها ، وهذا مرده إلى العلاقة النفسية التي تحدثها عملية الرضاعة .
6) تساعد ظاهرة المص على تقوية الفكين لدى الطفل وظهور الأسنان سريعًا .
7) يحمي حليب الأم الطفل من السمنة والبدانة .
8) يمنع سوء التغذية وكثيرًا من المشاكل الصحية .
9) يتضمن أمورًا كيميوحيوية تكسب الطفل مناعة طبيعية ضد كثير من الأمراض .
10) تساعد عملية الرضاعة على المباعدة بين ولادة طفل وآخر ، إذ يقل وينخفض تعرض الأم للحمل أثناء الرضاعة .
11) إن لبن الأم اقتصادي ويخفف الأعباء من كاهل الأسرة والمجتمع .
12) الأطفال الذين ينعمون بالرضاعة الطبيعية لا يقعون فريسة الحساسية المفرطة .
13) تسلم الأمهات اللاتي يرضعن أطفالهنَّ رضاعة طبيعية من مخاطر التعرض لمرض سرطان الثدي .
14) إن الرضاعة الطبيعية تسهم في المحافظة على وزن الأم وعدم تعرضها للبدانة والسمنة .
15) حماية الأطفال من التعرض لمرض التهاب القولون الحاد .
16) تقل جدًا إصابة الأطفال الذين رضعوا رضاعة طبيعية بأمراض الاضطرابات العنيفة التي تصيب الأطفال في الشهر الأول .
لقد أثبت الأخصائيون النفسانيون بأن من المهم جدًا أن يبدأ الأطفال في عملية الرضاعة بعد الولادة مباشرة ؛ لأن ذلك يعمل على أن يحيا الطفل حياة نفسية وعاطفية هادئة ومستقرة .
كما أن لعملية الالتصاق الجسدي بين الطفل وأمه أهمية كبيرة في صناعة وشائج عاطفية بينهما ، وهذه الروابط تمنح الأطفال شعورًا بالأمان النفسي والراحة الجسدية التي تساعد الطفل على أن ينمو نموًا متوازنًا وطبيعيًا .
ومما لا يخفى أن كثيرًا من الحواجز النفسية وحالات الحرمان العاطفي والتفكك الأسري التي تفشت في الغرب ترجع إلى انعدام العلاقة العاطفية والوشائج النفسية بين الأطفال وأمهاتهم في أيام ولادتهم الأولى ، وذلك لعدم قيام معظم الأمهات بإرضاع أطفالهنَّ .
كما أن نظام الحياة المادي المعقّد الذي فرضته الحضارة الغربية على النساء شجعهنَّ على حرمان الأطفال من الرضاعة الطبيعية ، وكان لاعتقاد النساء الخاطئ أن الرضاعة تؤثر سلبًا على صحتهنَّ وعلى جمالهنَّ أثر في إهمال الرضاعة .
وثمة عوامل أخرى ساهمت في هذه المشكلة في البلاد النامية أيضًا ، منها تغير أسلوب حياة الأمهات ، وشيوع الجهل والمفاهيم المغلوطة ، وتقليد الغرب ، وعمل الأمهات خارج البيوت ، كل ذلك أوجد هذه المشكلة ، ولا ننسى أن لأنانية بعض النساء واستخدامهنَّ الحليب الصناعي بديلاً عن الرضاعة ، وقلة الحوافز التي تحض على الرضاعة الطبيعية أدى إلى تفاقم هذه المشكلة .
إن الرضاعة الصناعية عملية باهظة وخطرة ، ينجم عنها مشكلات لا تحصى ، إنه سلوك خطر بتهديد العائلات الفقيرة ويعرض الأطفال لمخاطر التلوث الغذائي ، والإفراط في غش الألبان ومزجها بالماء ، لذا من الأهمية بمكان ألا تحرم الأم طفلها من حقه في الرضاعة الطبيعية إذا كانت صحتها على ما يرام ، ولو فكرنا مليًا في الأضرار الناجمة عن استخدام البدائل لحليب الأم لتغير هذا الأمر فضلاً عن أن الإقبال والاعتماد على الرضاعة الصناعية يعرض المجتمعات للتفكك ويعرض فلذات أكبادنا لأمراض خطيرة .
فيالها من مهمة نبيلة ورسالة شرّف الله تعالى بها الأمهات ، فقط في أن يقمن برعاية طفل برئ عاجز ، وحضانته وإرضاعه الحنان والحب مع اللبن ، إنها منحة ربانية أعطاها الله سبحانه وتعالى للوالدات قبل أولادهنَّ .
فالرضاعة لا تفيد الطفل فحسب ، لكنها تشبع الحاجات العاطفية والجسدية للنساء أولاً ، فالحاجة إلى إرضاع الأم لطفلها تجعلها تقوم بدور إيجابي وفعال في استقرار المجتمع وتنشئة الأجيال ــــــــــــــــــــ(37/34)
التكافل العائلي
1. في سبيل هناءة الأسرة :
دعم الإسلام هناءة الأسرة ، فأحكم وثاقها بمن تربطها بهم قربى ، وشد أزرها بما أوجب من تراحم الأخوة والأخوات ، وبني العمومة والعمات ومن يليهم ، فليس
أرضى لله تعالى من صلة الرحم التي أمر أن توصل ، وبر الأهل والعشيرة ، الذين يزكو عندهم إسداء المعروف، وليس أجلب لسخط الله من إهدار هذه الحقوق التي يوغر إهدارها الصدور ، ويثير العداوة ويؤرث الأحقاد ، ويجعل الأسرة المتعاطفة متدابرة متخالفة .
ورعاية أولي الأرحام ، والتوسعة عليهم ، بما لا يشق إسداؤه إليهم ، هو عصام هذه الأسرة من التفكك ، وزمامها من الإنحلال والزوال ، وهو دواء أنفسٍ إن غفلت عن مغزى قول طرفة بن العبد الجاهلي :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على القلب من وقع الحسام المهند
فيما ينبغي أن تغفل عن صورة الرحم الفذة في قول المعصوم صلوات الله عليه وسلامه : أن الله تعالى خلق الخلق ، حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم ، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال : نعم أما ترضين أن أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى قل فذلك لك . رواه البخاري . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأو إن شئتم ( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) سورة محمد:22-23.
لقد شق الله سبحانه للرحم اسما من اسميه الرحمن والرحيم ، ومن رحمته التي وسعت البر والفاجر في هذه الحياة ، وجعلها خالصة للمؤمنين يوم يلقونه ، ليعظم حقها على العقلاء الذين يفهمون أن الحياة لا يمكن أن تصفو بغير تراحم الأقرباء، وتعاون الأحياء وذلك وحي الحياة ، وحديث الواقع قبل أن يكون وحي السماء وحديث النبوة ووصايا الآباء للأبناء .
2. أقاربنا أعضاء في جسم المجتمع :
إن في أفراد كل أسرة من الجفوة ، والشطط عن صراط الله قدراً مما شكا منه أحد صحابة الرسول فيما روى أبو هريره : [ أن رجلاً قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني ، وأحسن إليهم ويسيؤون إليّ ، وأحلم عليهم ويجهلون عليّ ، فقال صلى الله عليه وسلم: إن كنت كما قلت فكأنما تُسفّهم المَلّ لا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك ] . رواه مسلم .
ومن معاني هذا التوجيه النبوي ، أن لهؤلاء الجاحدين حقوقاً على ذوي القلوب الكبيرة ، فالإحسان إلى المسيء من أدب الاسلام الذي يقول رسوله صلى الله عليه وسلم لعقبة بن عامر وقد سأله : يا رسول الله: أخبرني بفواضل الأعمال ، فقال: [ يا عقبة : صل من قطعك وأعط من حرمك ، وأعف عمن ظلمك ] . ثم أليس هؤلاء أعضاء في جسم المجتمع الذي يمنى بتشويهٍ فادح إن نحن بترناهم من قبل أن نبلو عذراً بمحاولة إصلاحهم ، والعربي يقول :
وأمنحه مالي وودي ونصرتي وإن كان مطويّ الضلوع على بغضي
ويقول مسكين الدارمي :
أخاك أخاك إن من لا أخا له كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح
وإن ابن عم القوم فاعلم جناحُه وهل ينهض البازي بغير جناح ؟
ويقول المقنع الكندي :
وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدًا
فإن أكلوا لحمي، وَفَرْتُ لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدًا
ولا أحمل الحقد القديم عليهمُ وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
ومن قبل هؤلاء قال حاتم :
شربنا بكأس الفقر يوماً وبالغنى وما منهما إلا سقانا به الدهرُ
فما زادنا بغيا على ذي قرابة غنانا ولا أزري بأحسابنا الفقر
وأين من هؤلاء الأمجاد، ذلك الذي قيل فيه :
سريع إلى ابن العم يلطم خده وليس إلى داعي الندى بسريع
3. صلة الرحم في كتاب الله :
قال تعالى: ( إنما يتذكر أُولو الألباب . الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ) الرعد:19-21 .
وقال : ( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) سورة الرعد:26 .
فانظر في أي سياق وضع الله الذين يصلون أرحامهم ؟ ومع من سلك الجفاة القاطعين ؟ ولا أراك تود أن تُذكر بين الذين يفسدون في الأرض ، فيستوجبون لأنفسهم لعنة الله الدنيا والآخرة . وإنما تسارع لتكون بين أولي العقول الراجحة والقلوب المبصرة .
( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) محمد 22-23 .
وقال تعالى : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) . الأحزاب:6 .
قال الإمام النسفي في تفسير هذه الآية : كان المسلمون في صدر الإسلام يتوارثون بالولاية في الدين ، وبالهجرة لا بالقرابة ، ثم نسخ ذلك وجعل التوارث بحق القرابة.
4. الرسول هو المثل الأعلى في صلة رحمه :
إن القول في صلة الرحم ذو سعة ، لكني أجتزئ منه بعض أطراف من تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك . فهي قبس يضيء جوانب البحث ، ويجمع القلوب والعقول على الأسوة الحسنة بالرسول صلى الله عليه وسلم في بره بأهله وحَدبه على مؤمنهم وكافرهم على السواء ، ولعل في ذلك ذكرى للذاكرين .
لقد كان إسلام حمزة براً منه بابن أخيه ( أي محمدصلى الله عليه وسلم ) ، يوم أن عاد من الصيد ، فقالت له امرأة ، إن أبا جهل آذى ابن أخيك وسب أباه، فذهب حمزة من فوره إلى أبي جهل فشجه وأنبّه وقال : أتسب محمداً وأنا على دينه وأقول ما يقول ؟ وبهت عدو الله وعدو رسوله عند ذلك ، وكان إسلام حمزة أوجع لقلبه وأنكى من هذا الأذى المادي الذي أصاب جسمه ، وبقي الرسول يذكر هذه المنة لعمه ، حتى وقف على جثمانه حين استشهد في أحد ، وقال يرحمك الله يا عم فلقد كنت وصولاً ، للرحم فعولاً للخيرات !
وكان فتح خيبر وكأنه عيد من أعياد الإسلام ، فقد عاد يومئذٍ جعفر من الحبشة ، فقال النبي: [ ما أدري بأيهما أنا أشد فرحاً: بفتح خيبر أم برجوع جعفر؟] وتوالت
الأيام ، ونعم جعفر بالشهادة في غزوة مؤته ، وضجت المدينة ببكاء أهالي الشهداء، وسمع الناس إلى النبي هو يقول : [ لكن
جعفر لا بواكي له ] ، ثم يلتفت إلى أهله ويقول: [ اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد نزل بهم ما يشغلهم ] . رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد.
يقول عبد الله بن جعفر : جاءنا النبي بعد ثلاث من موت جعفر ، فقال: [ لا تبكوا على أخي بعد اليوم ، وادعوا إليّ بني أخي ، فجيء بنا ، كأننا
أفراخ ، فأمر الحالق فأصلح من شعرنا ثم داعبنا ] . رواه أبو داود والنسائي.
وكان النضر بن الحارث من أسرى بدر ، فلما بلغ الرسول ذلك أمر بقتله ، فطالما كذّب النبي ، وافترى عليه ، وهو يعرفه كنفسه ، أليس هو القائل: (لقد كان محمداً فيكم غلاماً حدثاً أرضاكم قولاً ، وأصدقكم حديثاً ، فلما بدا في صدغيه عارض الشيب ، وجاءكم بما جاءكم به قلتم إنه كاذب ؟ والله ما هو بكاذب ، والله ما هو بكاذب ، والله ما هو بكاذب ، ثم لم يلبث أن بدا على طبيعته من الحقد والجهالة . يقول الإمام النسفي : كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ القرآن ، ويذكر أخبار القرون الماضية في قراءته ، فقال النضر بن الحارث لو شئت لقلت مثل هذا ، وهو الذي جاء من بلاد فارس بنسخة حديثة من حديث رستم وأحاديث العجم . فنزل قول الله تعالى : ( وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين ) . وقال له النبي صلى الله عليه وسلم : [ ويلك هذا كلام الله ] ، فرفع النضر رأسه إلى السماء وقال: ( إن كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم ) .
وعلمت قتيلة بمصرع أخيها بعد بدر ، فكتبت إلى رسول الله :
أمحمدٌ يا نسل خير نجيبةٍ في قومها.. والفحلُ فحلٌ معرقُ
ما كان ضرَّك لو مننت ، وربما منّ الفتى ، وهو المَغيظُ المحنق
والنضر أقرب من قتلتَ قرابةً وأحقهم إن كان عتق يعتق
فَرقّ الرسول لقولها : وقال: [ لو بلغني شعرها قبل قتله لعفوت عنه ] . الاستيعاب 4/195 والإصابة:8/80.
5. كيف أينع غراس النبوة :
لقد أينع غراس النبوة ، وآتى أُكله ، وجنت الحياة جناه ، فترابط الأفراد في الأسرة وتعاونت الأسرة على البر والتقوى ، وفي مجتمع لم تعرف الحياة - ولن تعرف مثل تواصله وتكافله ، وكان المسلمون - كما وصفهم نبيهم صلى الله عليه وسلم تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، ولو كان بهم خصاصة ، وهو نعت لمشاعرهم مع كل مسلم . وإنه لأجمع وأوفى إذا نظرنا إلى حالهم مع ذوي القُربى ، الذين ذكرهم الله بما لهم عندنا من حقوق في آية الحقوق العشرة ( النساء:37 )، وآية البر ( البقرة 177 ) وغيرها من الآيات الكثيرة .
لقد كان مسطح بن أثاثة ، ابن خالة أبي بكر ، فقيراً مملقاً يعود عليه الصدّيق بفضل ماله ، فلما شارك في حديث الإفك ، منع عنه أبو بكر خيره وبره ، وللرجل عذُرُه الناهضُ حتى بعد أن نزلت آيات النور التي برأت الصديقة ولكن الله عاتب أبا بكر وحبب إليه أن يدفع بالتي هي أحسن ، ابتغاء مرضاة ربه ، فقال تعالى : ( ولا يأتل
أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) سورة النور:22 .
وعاد أبو بكر إلى بر من أساء إليه في أكرم أهله عليه !! ويا له من دين يدعو أهله إلى أن يجدوا على الزلات ذيل المكارم !
6. صلة الرحم مثمرة في الدنيا والآخرة :
الإيمان بالله أبر ما يُرجى يوم القيامة ، قال تعالى مؤيساً الكافرين من رحمته: ( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم، يوم القيامة يفصل بينكم ) الممتحنة : 3 ، فليس عجيباً أن يكثر الرسول الوصاة بهذه الفضيلة .
يقول البلوي : صلوا أرحامكم بما أمكن ، فإن عدمتم ، فأقل شيء يكون السلام . وهو بأن تزور ذا رحم ، فتسلم عليه ، وتؤنسه بالقول ، وتلين له الحديث ، وبمثل هذا يستمال الغريب ، فكيف بالقريب ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : [ ألا أدلكم على شيء أذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ] رواه مسلم وغيره.
فهل نرى الرحم أفراداً وجماعات وشعوباً ، فبرغم غمرات الحياة التي تحيق بأممنا على التبدد والزوال ، ونشعر الذين يجالدون الاستعمار في بعض أقطارنا أنهم ليسوا وحدهم في معترك الأحداث ، وإنما يهتم بأمرهم المسلمون في كل مكان ، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ،[ وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ] رواه أبو داود والنسائي . كما قال صلوات الله عليه وسلم. وهلا ارعوى من فتنتهم المذاهب الوافدة عن أن نتناجى بالإسلام ، ونتناجى بالأخوة الإنسانية وبوجود الدار وحق الجوار .
ــــــــــــــــــــ(37/35)
ماذا يفتقد الآباء بعد أن يكبر الأبناء
عزيزي الأب هل أحسست بالغربة في بيتك ؟ هل شعرت بالوحد ة وقد امتد بك العمر فجاوزت الخمسين أو الستين أو السبعين ؟
الآباء ، وليس فقط الأمهات ، يفتقدون غياب أبنائهم عن البيت ، هذا ما خلصت إليه دراسة بريطانية نشرت حديثاً .
ويقول عالم النفس البريطاني الدكتور إريك سيغمان في دراسته التي استطلع فيها 2000 من الأباء أن 40% يشعرون بالوحدة والكآبة ، ومع أن الآباء يفتقدون أبنائهم من الجنسين ، إلا أنهم يعترفون أنهم يفتقدون بناتهم أكثر .
ويعلق الدكتور سيغمان قائلاً : إن الآباء يقضون طيلة حياتهم في العمل خارج البيت وعندما يجيء الوقت لقضاء أوقاتهم في البيت " يبدأ الفراخ بمغادرة البيت ".
كيف عالج الإسلام المشكلة؟
كيف عالج الإسلام معاناة هؤلاء الآباء ؟ كيف أوصي بهم أبناءهم ؟ كيف حث الأبناء على صلة آبائهم ووعدهم بالأجر الكبير عليها ؟
يقول سبحانه (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) [الاسراء:23ـ24] .
يقول القرطبي رحمه الله في قوله سبحانه : ( إما يبلغن عندك الكبر) خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر ، فألزم في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل ، لأنهما في هذه الحال قد صارا كلاً عليه ، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه ، فذلك خص هذه الحالة بالذكر.
وأيضا فطول المكث للمرء يوجب الاستثقال للمرء عادة ، ويحصل الملل ، ويكثر الضجر ، فيظهر غضبه على أبويه وتنتفخ لهما أوداجه ويستطيل عليهما بدالة البنوة وقلة الديانة ، وأقل المكروه ما يظهر بتنفسه المتردد من الضجر ، وقد أمر أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة ، وهو السالم من كل عيب فقال : ( فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما ، وقل لهما قولا كريما ).
روى مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رغم أنفه ، رغم أنفه ، رغم أنفه ) قيل من يا رسول الله ؟ قال : " من أدرك والديه عند الكبر ، أوأحدهما فلم يدخلاه الجنة ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسل قبل أن يغفر له " .
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحضروا المنبر " فرقى في أول درجة منه قال : آمين ، ثم رقى الثانية فقال : آمين ، ثم لما رقى الثالثة قال : آمين ، فلما فرغ ونزل من المنبر قلنا يا رسول الله ، لقد سمعنا منك اليوم شيئاً ما كنا نسمعه منك ؟ قال : " وسمعتموه " ؟ قلنا : نعم . قال إن جبريل عليه السلام اعترض قال : بعد أدرك رمضان فلم يغفر له فقلت آمين ، فلما رقيت في الثانية قال : بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت : آمين قلما رقيت في الثالثة قال : بعد من أدرك عنده أبواه الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة ، فقلت : آمين.
يقول القرطبي معلقاً : فالسعيد الذي يبادر اغتنام فرصه برهما لئلا تقوته بموتهما فيندم على ذلك ، والشقي من عقهما ، لاسيما من بلغه الأمر ببرهما .
هكذا يجعل الإسلام ثواب بر الأبوين الكبيرين ، أوأحدهما ، ودخول الجنة ، فهل ثمة أعظم من هذا الأجر ؟
أليس علاج معاناة الآباء البريطانيين في الخبر الذي بدأت به كلامي هذا هو في العمل بتوجيه هذا القرآن الكريم وأحاديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم ؟ !
ــــــــــــــــــــ(37/36)
الأم في الإسلام
معنى الأمومة :
الأمومة مشتقة من الأُمّ ، وأُمّ كل شيء: معظمه ، ويقال لكل شيء اجتمع إليه شيء آخر فضمّه : هو أُم له (فأُمُّه هاوية) القارعة: 9.
والأمومة: عاطفة رُكزت في الأُنثى السوية، تدفعها إلى مزيد من الرحمة والشَفقة.
1. الأم في القرآن الكريم:
أم كل شيء: أصله وما يجتمع إليه غيره ، وبهذا المعنى ورد تعبير "أم الكتاب": (آل عمران 7. الرعد:13، الزخرف 4) في القرآن الكريم ، ونحوه : "أم القرى" ( الأنعام: 92، الشورى7) ، وأم القرى: مكة قال سبحانه: ( وما كان ربك مُهلِك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً ) . القصص:59.
ولقد أوصى القرآن الكريم بالأم، وكرر تلك الوصية لفضل الأم ومكانتها فقال سبحانه : (ووصّينا الإنسان بوالديه حَملته أمه وَهْناً على وهن، وفِصاله في عامين أنْ اشكر لي ولوالديك إليّ المصير. وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تُطعهما وصاحِبْهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) . لقمان:14-15 .
فرباط الوالديّة (الأبوة والأمومة) وثيق جداً لا يعكر عليه شيء حتى لو كان الوالدان مشركين ، والعطف عليهما واجب مع عدم الإصغاء إليهما إن أمراه بما يخالف شريعة الله .
وكررّ هذه الوصية فقال: ( ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كُرهاً ووضعته كُرها وحملُه وفصاله ثلاثون شهراً ).(الأحقاف:15).
وفضل الأم على الأب له موجباته وهو الحمل والرضاع والرعاية.
والإسلام قدّس رابطة الأمومة، فجعلها ثابتة لا تتعرض للتبدلات والتغيرات، فحرم الزواج من الأمهات قال سبحانه: ( حُرمت عليكم أمهاتكم ) النساء:23. كما بيّن أن رباط الزوجية لا يمكن أن يتحول إلى رباط أمومة أبداً ، وشتان بينهما قال سبحانه: (وما جعل أزواجكم اللائي تُظاهرون منهن أمهاتكم ) . الأحزاب: 4 . (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هُنَّ أمهاتهم. إنْ أمهاتهم إلا اللائي ولَدْنهم ).(المجادلة:2)
إلا أن هذه الرابطة تتأثر بهول يوم القيامة فقط، فيستقل الولد عن أمه، والأم عن ولدها قال سبحانه: (يوم يفر المرء من أخيه. وأمه وأبيه. وصاحبته وبنيه. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) . عبس:34-36.
هذا وإن رباط الأمومة يبيح للولد أن يأكل من بيت أمه: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم ) . النور:61 .
بسبب ما تقدم من حقوق وواجبات جعل الله سبحانه الأم مسؤولة عن تربية ولدها، فهي راعية ومسؤولة عن رعيتها، وأشار سبحانه إل هذه المسؤولية الأخلاقية في قوله: ( ما كان أبوك امرأ سَوء وما كانت أمك بغياً ) . مريم: 28. وذلك على لسان قوم مريم عليها السلام، فالملحوظ أن قوم مريم أدركوا هذه المسؤولية، فوجهوا إليها هذا الخطاب في تقرير المسؤولية الأخلاقية للوالدين، رغم ما في خطابهم من غمزٍ وتعريض لا تخفى دلالاته.
وبسبب ذلك أيضاً أوجب الله سبحانه وتعالى للأم ميراث ولدها إن مات في حياتها كما أوجب له ميراثها إن ماتت في حياته. قال سبحانه وتعالى: (فإن لم يكن له ولد ووَرِثه أبواه فلأمه الثلث، فإن كان له إخوة فلأمه السدس) . النساء:11 .
ولما كانت الأم مصدر الحنان ومنبع الإحسان بالنسبة للولد ذكّر هارون أخاه موسى عليهما السلام بأمه حين غضب وأخذ برأسه، قال سبحانه: (ولما رجع موسى إلى قومه غضبانَ أَسِفاً قال: بئسما خَلَفتموني من بعدي أَعَجِلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه قال ابنَ أمَّ إن القوم استضعفوني..) الأعراف: 150 . وفي موضع آخر قال: ( يا بنَ أُم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ) . طه:94 . وذِكْر الأم هنا دون سواها للاستعطاف والاسترحام ولما ترمز إليه من الحنان والرحمة والشفقة.
وجعل الله سبحانه زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين من حيث واجبُ البر وحرمةُ الزواج والحقوق الواجبة لهن من الاحترام والتقدير، قال سبحانه: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) . الأحزاب:6 .
ومن الأمثلة الفذة التي ضربها الله سبحانه في القرآن للأمهات المثاليات أسوة للمؤمنات مريم وأم موسى عليهما السلام.
أما مريم عليها السلام فجعل لها ربنا تبارك وتعالى سورة كاملة باسمها حكى القرآن فيها قصتها منذ أن حملت بها أمها ونذرتها لله سبحانه إلى أن حملت بعيسى عليه السلام ثم قصتها مع قومها قال سبحانه: (وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى رَبْوة ذات قرار ومعين) . المؤمنون: 50. ( وأمه صدِّيقة ). المائدة:75.
وأما أم موسى فاحتفل بها القرآن، وحكى قصتها مع ولدها زمن فرعون وكيف أن الله تعالى أوحى إليها فقال: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين ... وأصبح فؤاد أُم موسى فارغاً إنْ كادت لتُبدي به لولا أن رَبطنا على قلبها لتكون من المؤمنين) . القصص: 7-10 .
فلما كان حالها كذلك رعى الله سبحانه تلك العاطفة - عاطفة الأمومة - حق رعاية وامتنّ بذلك على موسى لعظيم تلك المنة وأهميتها، فقال سبحانه: (فرددناه إلى أمه كيف تقرّ عينها ولا تحزن ) . القصص: 23 .
2. الأم في السنة النبوية:
إن الأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً نورد منها ما يفي بالغرض:
سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: [أمك] . قيل : ثم من ؟ قال: [أمك] . قيل ثم من؟ قال [أمك] . قيل ثم من؟ قال: [أبوك] . رواه البخاري .
الأمر الذي يؤكد حرص الإسلام على مضاعفة العناية بالأم والإحسان إليها : أكثر من العناية بالأب مع أن كليهما (الأم والأب) أُمر المسلم بالإحسان إليه. (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً).
وسُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر، فقال: [الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس، وشهادة الزور] . رواه البخاري .
ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن سَبّ الوالدين وبيّن أنه من الكبائر فقال: [إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه] . قيل يا رسول الله! كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: [يسُب الرجل أبا الرجل فيسبّ أباه ويسبّ أمه] . رواه البخاري .
ومن تمام الإحسان إلى الوالدين الإحسان إلى أهل وُدّهما قال صلى الله عليه وسلم: [إن أبرّ البرّ صلةُ الولد أهل ودّ أبيه] . رواه مسلم.
ومن تمام الإحسان أيضاً قضاءُ ما كان عليهما من دَين لله أو للناس فقد سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نذر كان على أمه، وتُوفيت قبل أن تقضيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [فاقضِه عنها] . رواه مسلم.
وجاءت امرأة تسأله عن أمها التي ماتت وعليها صوم شهر؟ فقال: أرأيتِ لو كان على أمك دَين أكُنتِ قاضيَتَه؟ قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [فدين الله أحق بالقضاء] .
وكذلك امرأة سألت عن أمها وماتت ولم تحجّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ حُجيّ عنها ] . رواه مسلم.
ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في البر فاستأذن ربّه أن يستغفر لأمه فلم يأذن له، واستأذن في زيارتها فأذن له. رواه مسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم شديد البر بمرضعاته ومربياته من ذلك أنه جاءت حليمة أمه بالرضاعة فقام إليها وبسط لها رداءه فجلست عليه. (الإصابة لابن حجر 4/274) .
وحين سيق إليه السّبيُ من هوازن كانت الشيماء بنت حليمة فيهم فلما انتهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله إني لأُختك من الرّضاعة وعرّفته بعلامة عرفها صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه، ودمعت عيناه وقال لها: [ ههنا ] ، فأجلسها على ردائه وخيّرها بين أن تقيم معه مُكرمة محبّبة أو أن ترجع إلى قومها، فأسلمت ورجعت إلى قومها، وأعطاها رسول الله نَعَماً وشاه وثلاثة أعبد وجارية.
3. الأم عند السلف
كان السلف رضوان الله عليهم يحتذون منهج النبوة فكان أبو بكر رضي الله عنه لما أسلم حمل إلى أمه الهداية ودعاها إلى الإسلام ولما تعذر عليه إسلامها طلب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها فأسلمت، وكذلك فعل أبو هريرة رضي الله عنه.
وعندما سمع عمر بن الخطاب صوت صائحة تَقَصّى خبرها فعرف أنها جارية من قريش تُباع أمها، فقال لحاجبه: ادع لي (أو قال : عليّ) بالمهاجرين والأنصار فلم يمكث إلا ساعة حتى امتلأت الدار والحجرة قال: فَحمِدَ الله وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد : فهل تعلمون أنه كان مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم القطيعة؟ قالوا: لا قال : فإنها أصبحت فاشية ثم قرأ (فهل عسَيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم ) . محمد:22.
ثم قال: وأيّ قطيعة أعظم من أن تباع أم امرئ فيكم وقد أوسع الله لكم؟ قالوا: فاصنع ما بدا لك. قال: فكتب في الآفاق: ألا تُباع أمّ حُرّ فإنها قطيعة رحم، وإنه لا يحلُّ. رواه الحاك
ــــــــــــــــــــ(37/37)
حقوق الأب المالية
بر الوالدين وصلتهما أمر معلوم من الدين بالضرورة ، قال الله عز وجل :(واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ) . النساء 36 ، وقد تكرر هذا المعنى في مواضع كثيرة من القرآن الكريم حيث جعل الإحسان إلى الوالدين بعد عبادة الله عز وجل وتوحيده مباشرة ، وقال عز من قائل : " ووصينا الإنسان بوالديه حسنًا "( العنكبوت 8 ) وقد وردت الوصية للوالدين بهذا اللفظ "ووصينا " ثلاث مرات في القرآن الكريم ، وهذا يدل على حفاوة القرآن بالوالدين وبرهما ، وفي السنة عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه _ قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أي العمل أحب إلى الله تعالى ؟ قال [ الصلاة على وقتها، قلت ثم أي ؟ قال بر الوالدين ، قلت ثم أي ؟ قال الجهاد في سبيل الله ] . رواه البخاري ومسلم .
وهذه النصوص وغيرها تدل على أن أفضل حقوق الناس حق الوالدين ، وقد وردت بعض النصوص تخص حق الوالد وكرامته على ولده ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ لا يجزى ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشترية فيعتقه ] . رواه مسلم .
حق الوالد في صلته مالياً وإنفاذ وصاياه :
إذن فمكانة الوالد عظيمة في الإسلام ، ومن هنا نجد أن الإسلام رتب له حقوقاً مالية يتكلفها ولده طاعة لله عز وجل ، ورداً لجزء من حقوق وجميل الوالد عليه إذا كان الوالد حيًا واجداً ، أو بعد موته من تركته حيث يرث الأب مع الوارثين ، ونبدأ بالميراث :
حالات الأب في الميراث :
الأب في الميراث من أصحاب الفروض ، ومن العصبات ، لذلك كان له حالات في الميراث نذكرها فيما يلي :
الحالة الأولى : الإرث بالفرض وحده :
وهذا إذا كان للميت فرع وارث من الذكور كالابن وابن الابن .
الحالة الثانية : الإرث بالتعصيب وحده .
وذلك إذا لم يكن للميت فرع وارث أبداً ، ذكراً كان أم أنثى ، كابن أو بنت أو ابن ابن أو بنت ابن .
الحالة الثالثة : الجمع بين الفرض والتعصيب :
وذلك إذا كان معه من ولد الميت أنثى وارثة ، كبنت الميت ، أو بنت ابنه واحدة كانت أو أكثر فإنه يأخذ السدس بالفرض أولاً ، ثم يأخذ الباقي بالتعصيب، إن بقي بعد الفروض شيء.
ودليل ذلك قول النبي صلى الله علية وسلم: [ ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأوْلى رجلٍ ذَكَر ] . رواه البخاري .
والأب في مسألتنا أقرب رجل ذكر، حيث يأخذ السدس أولاً بالفرض، وتأخذ الأنثى من ولد الميت نصيبها، ويأخذ الأب ثانية الباقي بالتعصيب.
حق الوالد في النفقة
وأما حق الوالد في النفقة فهي واجبة على الولد متى كان واجداً لها ، فعن عمارة بن عمير عن عمته أنها سألت عائشة رضي الله عنها قالت: في حجري يتيم أفآكل من
ماله ؟ فقالت : قال رسول الله صلى الله علية وسلم [ إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه ] رواه أبو داود والترمذي وغيرهما .
قال الشيخ سيد سابق ( في فقه السنة ) ، وأما أخذ الوالدين من مال ابنهما فإنه يجوز لهما أن يأخذا منه سواء أذن الولد أم لم يأذن ، ويجوز أن يتصرف فيه مالم يكن ذلك على وجه السرف أو السفه للحديث المتقدم ، ولحديث جابر رضي الله عنه الذي رواه بن ماجه أن رجلاً قال يارسول الله إن لي مالاً وولداً وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فقال صلى الله عليه وسلم : [ أنت ومالك لأبيك ] واللام هنا للإباحة وليست للتمليك ، وذهب الأئمة الثلاثة إلى أنه لايأخذ من مال ابنه إلا بقدر الحاجة ، وقال أحمد له أن يأخذ من مال ولده ماشاء عند الحاجة وغيرها.
حق الوالد في الوصية من ولده
يرى مسروق وإياس وقتادة وابن جرير والزهري أن الوصية تجب للوالدين والأقربين الذين لا يرثون الميت ، أما الأئمة الأربعة فيرون أنها ليست فرضاً على كل من ترك مالاً ولا فرضاً للوالدين والأقربين غير الوارثين ، ويختلف حكمها عندهم باختلاف الأحوال فقد تكون واجبة أو مندوبة أو محرمة أو مكروهة أو مباحة
حق الوالد في الوقف له
في حديث مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء : صدقة جارية أوعلم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ] ومعنى الحديث أن الثواب يتجدد للميت بهذه الأشياء الثلاثة لأنها من كسبه ، فولده وما يتركه من علم ، وكذا الصدقة الجارية كلها من سعيه ، ومن بر الوالد بعد موته أن يوقف له ابنه شيئاً من المال أو غيره على سبيل الصدقة الجارية ، ووجوه هذه الصدقة كثيرة نظمها السيوطي فقال
إذا مات بن آدم ليس يجري عليه من فعال غير عشر
علوم بثها ودعاء نجل وغرس النخل والصدقات تجري
وراثة مصحف ورباط ثغر وحفر البئر أو إجراء نهر
وبيت للغريب بناه يأوي إليه أو بناء محل ذكر
حق الوالد في الهبة
معنى الهبة إما أن يكون :
1/ الإبراء : وهو هبة الدين ممن هو عليه .
أو 2/ الصدقة : وهي مايراد به ثواب الآخرة.
أو 3/ الهدية : وهي ما يلزم الموهوب له أن يعوضه .
وقد شرعها الله لتأليف القلوب وتوثيق عرى المحبة بين الناس ، فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله علية وسلم [ تهادوا تحابوا ] .
وإذا كان حال الهبة ( وهي حق للرجل في كل ماله على المشهور من أقوال العلماء) فإنها من الولد لوالده أولى ، إذا كان الوالد مديناً فحق على ولده أن يقضي عنه أو يهدي إليه .
حق الوالد في العمرى والرُّقبى
والعمرى والرقبى هي أن يهدي الإنسان إنساناً آخر شيئاً مدى عمره فإذا كان الوالد في حاجة إلى مثل هذا الشيء من ولده فهو أحق به من غيره .
وأما الرقبى فهي أن يقول رجل لصاحبه : أرقبتك داري وجعلتها لك في حياتك فإن مت قبلي رجعت إلي وإن مت قبلك فهي لك ولعقبك فكل واحد منهما يرقب موت الآخر ، فتكون الدار التي جعلها رقبى لآخر من بقي منهما ، ويمكن أن يجري هذا بين الولد ووالده
ــــــــــــــــــــ(37/38)
الأم قدوة متحركة في أرجاء البيت
يقول الشيخ محمد قطب : " إن من السهل تأليف كتاب في التربية ، ومن السهل تخيل منهج ، ولكن هذا المنهج يظل حبراً على ورق ما لم يتحول إلى حقيقة واقعة تتحرك في واقع الأرض وما لم يتحول إلى بشر يترجم بسلوكه وتصرفاته ومشاعره وأفكاره مبادئ المنهج ومعانيه ، وعندئذ فقط يتحول إلى حركة .. يتحول إلى حقيقة".
ولقد علم الله سبحانه وتعالى بحاجة هذا المنهج إلى بشر يحمله ويحوله ويترجمه بسلوكه وتصرفاته إلى واقع محسوس وملموس لذلك بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ليترجم هذا المنهج وليكون خير قدوة للبشرية جمعاء، وذلك عندما وضع في شخصيته الصورة الكاملة للمنهج .
لقد كان عليه السلام خير بشر متحرك لترجمة القرآن إلى سلوك واقعي على مرأى من البشر الذين اقتدوا به واهتدوا.
لذلك فالإسلام يعترف بان أعظم الوسائل نجاحاً في التربية وأجداها في توصيل المبادئ والقيم هي القدوة .. ولابد أن تكون هذه القدوة ملازمة للإنسان سنين حياته كلها ابتداء من لحظة إدراكه ووعيه بما يدور حوله ..
لا بد للطفل من قدوة ينهج نهجها ويكّون مبادئه وقيمه وعقائده منها ، لا بد للطفل من أسرة بل أم تكون نموذجا متحرك في أرجاء المنزل تترجم كل ما تعلمته و ما خبرته من الحياة إلى سلوك مادي يلمسه طفلها إذ أن من غير المعقول أن يكون سلوكها وتصرفاتها مخالفا لما تقوله وقد استنكر ذلك الباري الأعظم في قوله تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) [الصف:2،3]. ويقول الباري تبارك اسمه :(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [البقرة:44] .
إن الطفل بمثابة الرادار الذي يلتقط كل ما يدور حوله فإن كانت الأم صادقة أمينة خلوقة ،كريمة ، شجاعة ، عفيفة ، نشأ ابنها على هذه الأخلاق الحميدة والعكس نجده إذا كانت الأم تتسم بسمات عكس السمات السابقة سمات ما أنزل الله بها من سلطان كأن تكون كاذبة جبانة غير خلوقة ينشأ الطفل على الكذب والخيانة والتحلل والجبن ، لأن الطفل مهما كان استعداده طيبا ومهما كانت فطرته نقية طاهرة سليمة صافية فإنه ما لم يوجه التوجه السليم وما لم يجد القدوة والنموذج الموجه الصالح فإنه بلا شك سينحرف إلى الجانب السلبي من جانب شخصيته وصدق رسول الهدى
عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى عندما قال :" كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " رواه مسلم .
نعم هي فطرة سليمة نقية لكن عوامل التربية والتوجيه من القدوة التي أمام بصره هي التي تلعب الدور الفعال في جعل الطفل يستمر على فطرته التي ارتضاها الباري له أو ينحرف وينسلخ إلى اتجاهات عقائدية مغايرة لتلك الفطرة .
إن الأم الواعية الحريصة على الأمانة التي أسندها الباري إليها في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [المؤمنون:8] ؛ لابد لها من أن تتخذ من كتاب الله وسيرة رسوله العطرة ومنهاجه المنير الذي استقاه من رب العالمين على يد الروح الأمين جبريل عليه السلام المنبعين اللذين تستقى منهما المبادئ للقدوة الحسنة .
ولها في تلك المصادر أروع الأمثلة نذكر منها بعض ما ورد في السنة :
فعن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال : دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت يا عبد الله تعال حتى أعطيك فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أردت أن تعطيه، فقالت أردت أن أعطيه تمراً فقال : " أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتب عليك كذبة." رواه أبوداود .
وهذا مثال آخر يوضح كيفية أن تظهر الأم بمظهرالعدل
فعن عائشة رضي الله عنها قالت دخلت امرأة ومعها بنتان وهي تسأل فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها ثم خرجت فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال : من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار .
لذلك فعلى الأم أن تسلك مع أطفالها جميع السبل التي سلكها الهادي البشير مع الأطفال، وعليها أن تتحلى بها في حياتها اليومية لينشأ وليدها على الأخلاق الفاضلة ، ويتربى على المكارم ولينشأ على العقيدة الإسلامية الراسخة والخلق القرآني الرفيع .
إن الأم باعتبارها القدوة لابد لها وأن تكون صادقة في أقوالها مع ابنها وأبيه ومع غيرهما من الأشخاص سواء من أفراد الأسرة أم من بقية أفراد العائلة أو مع الآخرين من أفراد المجتمع .
وحين تريد تعويد طفلها على الأمانة فلا بد لها أن تكون أمينة مع زوجها في ماله وبيته ومع أهلها .
وعندما تريد تعويده على الرحمة فلا بد وأن تبدأ هي بالقيام بالأعمال التي تشعر طفلها بمدى رحمتها وعطفها وحنانها ، كأن ترحم الضعيف ، وتعطف على المسكين ، وتعين الفقير ، وترأف بالحيوان .
فالأم عندما تقوم بمثل الأعمال أمام طفلها فإنها تغرس في نفسه أهم مبادئ المحبة والتعاون والأمانة والصدق وبهذا تنمي الجانب الأخلاقي في طفلها .
والطفل الذي يرى والدته تكذب وتغش فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتعلم الصدق والأمانة في يوم من الأيام.
والأم التي تكون في تبهرج وميوعة واستهتار لا يمكن أن يتعلم ابنها الفضيلة وحسن الخلق.
والأم التي تتلقط بالعبارات الهدامة وتستهزئ بالغير وتتسم بالغضب والانفعال والقسوة ؛ لا يمكن أن يكون طفلها على درجة من الأخلاق ولا يمكن أن ينطق بجميل عبارة ولا يمكن أن يتسم بالاتزان في تصرفه وصدق الشاعر عندما قال :
وهل يرجى لأطفال كمال إذا ارتضعوا ثدي الناقصات
وخلاصة الأمر أن الأم لكي تتمكن من تربية طفلها التربية الجسمية والخلقية والروحية، ولكي تكون القدوة الحية المتحركة في المنزل ولكي تكون نموذجاً رفيعاً لما تلقنه من القيم والمبادئ وما تصوره من المثل ومكارم الأخلاق، لابد لها أن تكون صورة تعكس حقيقة السلوك الذي تنادى به وتحث ابنها على ضرورة الالتزام به حتى لا يقع طفلها في تناقضات خطيرة ، فيختلط عليه الأمر وتلتبس عليه الحقائق والمفاهيم فلا يستطيع وقتها بل لا يعد قادراً على التمييز بين الزائف والصحيح .
ــــــــــــــــــــ(37/39)
صورة من حب الآباء وكيف يبرهم أبناؤهم
قال محدثي : أعن حب الآباء لأبنائهم تتحدثون ؟ لقد رأيت من أبي مشهداً قام مقام المجلدات التي تسطر في هذا الموضوع، لقد عرفت والدي هادئاً متزناً وقوراً، خاصة بعد أن علاه الشيب وانحنى ظهره ، وقد فوجئت أيما مفاجأة إذ رأيته ينفجر باكياً وقد كاد القطار أن ينطلق بي وبأسرتي مسافرين إلى مقر عملي ، ولكن ما رأيته بعدُ كان أعجب ، بدأ القطار مسيرته فإذا بالأب الباكي يساير القطار في مواجهتنا ينظر إلينا من خلال دموعه الهاطلة ، وينطلق القطار يعدو وإذا بوالدي يجري جرياً يلوح لنا بيديه ، ويدعو بلسانه ، وقد نسي أنه ابن الستين ونسي وقاره واتزانه ولم يلتفت إلى العيون التي ترمقه من هنا وهناك ، ولم يلتفت إلينا ونحن نشير إليه بأن يكف ويرجع ، وإذا بي وقد شدهني المنظر أغلق النافذة رحمة به ليكف ، ولأنني لم أستطع أن أرى أكثر مما رأيت .
وذكرني محدثي بذلك الرجل المتأنق في لباسه المعتني بمظهره ، حتى إذا ما سجن ولده ذهل عن نفسه ، وأهمل العناية بهندامه ، وحل مكان البشاشة التي كانت تلازمه كآبة تعلوه ، ونظراته أصبحت هائمة زائغة .
وقد يصل حب الآباء للأبناء أن يُصاب الآباء بمرض جسماني إذا ما حدث للولد شيء أو غاب عن أبيه ، أوَلم يفقد نبي الله يعقوب بصره لشدة حزنه على ابنه يوسف ؟! ( وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وأبيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ) يوسف:84 . وقد خشي عليه أبناؤه الهلاك لكثرة ذكره ليوسف : ( قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين ) يوسف:85 .
ويشم الأب المحزون ريح يوسف عندما قدم أحدهم بقميصه ولمَّا يصل إليه، حتى إذا ما ألقاه على وجهه ارتدّ بصيراً ، ألا ترى كيف أعاد الله إليه بصره بفرحته بالبشرى ؟.
روى الترمذي في سننه عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته : قبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون : نعم . فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم . فيقول : فماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك واسترجع. فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً، وسمُّوه بيت الحمد ]
هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟
فما دامت هذه مكانة الأبناء في نفوس الآباء ، ولهما الفضل السابق ، إذ هما سبب وجود الإنسان ، ولهما عليه غاية الإحسان ، فالوالد بالإنفاق والوالدة بالإشفاق ، فحقٌ على الأبناء أن يعترفوا بالإحسان ، وأن يشكروا النعمة ( أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير ) لقمان:14 . خاصة عندما يبلغان من العمر عتيًّا فيجب التواضع لهما ، ومخاطبتهما بالقول اللين، وتكريمهما والدعاء لهما ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا ) الإسراء:23 .
ولو فعل الولد ما فعل ما جزى والده [ إلا أن يجد الولد والده مملوكًا فيشتريه فيعتقه ] كما صح بذلك الحديث من رواية مسلم ، ذلك أن الحرية والخلاص من العبودية حياة جديدة تقابل تلك الحياة التي كان الوالد هو المتسبب بها .
ومن بر الوالدين ألا يتسبب الابن في إيصال الأذى إليهما . يقول صلى الله عليه وسلم : [ من الكبائر شتم الرجل والديه ] . قالوا : يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه ؟! قال : [ نعم ، يَسُبُّ أبا الرجل فَيَسُبُ أباه ، ويسب أمه فيسب أمه ] . رواه البخاري ومسلم .
كيف نبر آباءنا بعد وفاتهم ؟
ويستطيع الولد أن يبر والديه بعد وفاتهما بالدعاء والاستغفار لهما ، والتصدق عنهما ، وصلة أصدقائهما ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : [ إن من أبر البر صلة الرجل أهل وُدِّ أبيه بعد أن يولي ] روى الحديث مسلم في صحيحه . ويحدثنا الإمام مسلم في صحيحه أن راوي الحديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - سافر من المدينة إلى مكة ، فمر به أعرابي فناداه فقال له : ألست فلان بن فلان ؟ قال : بلى ، فأعطاه حماراً وقال له : اركب هذا، وأعطاه عمامة وقال : اشدد بها رأسك ، وقد كان عبد الله يتروح على الحمار إذا تعب من ركوب الراحلة ، ويشد رأسه بالعمامة، ولما سأله أصحابه عن سر هذا العطاء مع حاجته لما أعطى حدّث بالحديث الآنف الذكر ، ثم قال : وإن أباه كان صديقاً لعمر رضي الله عنه .
التحذير من عقوق الوالدين :
وقد حذرنا الله وخوفنا من عقوق الوالدين فقال تعالى: ( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) ، وممن أمر الله أن يوصلوا : الوالدان ، فقطيعتهم تدخل في اللعنة ، ويكون القاطع ممن استحق سوء الدار ، وفي الحديث الذي يرويه البخاري يقول عليه الصلاة والسلام : [ لا يدخل الجنة قاطع ] .
وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين أحد ثلاثة ذنوب هي أعظم عظائم الذنوب ، يقول عليه السلام: [ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ] قالها ثلاث مرات قلنا : بلى يا رسول الله . قال : [ الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ] وكان متكئاً فجلس فقال : [ ألا وقول الزور ، وشهادة الزور ] . رواه البخاري ومسلم.
وفي الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : [ إن الله حَرّمَ عليكم عقوق الأمهات، ومنعاً وهات ( أي منع ما وجب عليه ، وطلب ما ليس له ) ووأد البنات ] .
عاقبة البر :
في حديث في صحيحي البخاري ومسلم يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة رجال ممن كانوا قبلنا كانوا يتماشون ، فأخذهم المطر فمالوا إلى غار فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل ، فتوسل كل واحد منهم إلى الله بأرجى عملٍ صالح عمله ليخلصهم مما هم فيه . فقال أحدهم: "اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ، ولي صِبية صغار كنت أرعى عليهم ، فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالديّ أسقيهما قبل ولدي ، وإنه قد نأى بي الشجر يوماً فما أتيت حتى أمسيت ، فوجدتهما قد ناما فحلبت كما أحلب ، فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما أكره أو أوقظهما وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما ، والصبية يتضاغون (يبكون) عند قدمي، فلم يزل دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء". فاستجاب الله دعاء هذا الرجل الصالح في وقتٍ من أحرج الأوقات فجعل له مخرجاً ببره بوالديه .
وقد يكون البر سبباً للنجاة من البلايا ، وقد يعطي الله به الرزق والخير ، أمَّا في الآخرة فالبر مركب يوصل إلى الجنة إذا تحقق الإيمان ، فهذا صحابي اسمه "جاهمة" يستأذن الرسول في الجهاد فيقول له الرسول: [ هل لك من أم ؟ ] قال: نعم . قال: فالزمها فإن الجنة عند رجله ا] رواه أحمد والنسائي والبيهقي وإسناده جيد .
وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم : [ رغم أنفه ، رغم أنفه ، رغم أنفه قيل : من يا رسول الله ؟ قال: [ من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخلانه الجنة ] . رواه مسلم . وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى للرحم عندما استعاذت به من القطيعة : [ ألا ترضين أن أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك؟] رواه البخاري ومسلم. ويأمر الرسول صلى الله عليه وسلم صحابياً بأن يطيع أمه بقوله : [ الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه ] رواه الترمذي وابن ماجه.
وصية الإسلام بالوالدين :
جاء الإسلام ليهدي البشرية إلى الصراط المستقيم الذي يوصل العباد إلى رضوان الله ، ويعيدهم إلى جنته ، ويوفر لهم الحياة الطيبة، ولذلك عَرفّهم بالحقوق، وأمرهم بأدائها ، وأعظم الحقوق حقه سبحانه وتعالى لأنه المنشئ الموجد الذي خلق فسوى، وجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة ، والأيدي التي نأكل بها ، والأرجل التي نمشي عليها ، وجعل لنا الأرض التي تقلنا بسهولها وجبالها ونباتها وحيوانها ، وسخرها لنا، وسخر لنا السماء التي تظلنا، وأمدنا بشمسها وقمرها وجعل لنا في كل ذلك
منافع شتى ، ويأتي بعد حقه سبحانه ، حق الوالدين ولذلك كثيراً ما يأمر سبحانه بعبادته وحده لا شريك له ، وطاعته فيما أمر وذلك حقه وحده ، ثم يثني بالأمر بالإحسان للوالدين يقول تعالى: ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً . وبالوالدين إحساناً ) .
ويقول: ( قل تعالوا أتلُ ما حرّم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ) . النساء:36.
وقال: ( إنّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاءً بما كانوا يعملون ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً ) . الأحقاف:13.
وهذا العبد الصالح لقمان يوصي ابنه فيحذره من الشرك ، لأنه ظلم عظيم: ( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بُني لا تُشرك بالله إنّ الشرك لظلم عظيم ). لقمان:13.
وفي مقابل وصية العبد الصلاح تأتي الوصية بالوالد غير مصدرة بيا بني: ( ووصينا الإنسان بوالديه ) العنكبوت:8 .
ولما كانت التكاليف التي تتحملها الأم أكثر ، خصّها الله بمزيد من العناية في الوصية ببيان مدى ما تقاسيه ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين ) لقمان:14.
وفي الآية الأخرى يقول : ( حملته أمهُ كُرهاً ووضعته كُرهاً وحمله وفصله ثلاثون شهراً ) . الأحقاف:15. ولذلك عندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم فقيل له : " من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك ، ثلاثاً ، وفي الرابعة قال له :أبوك . رواه البخاري ومسلم .
ويأمرنا الله تعالى بشكره ويثني بالأمر بشكر الوالدين ( أن اشكر لي ولوالديك ) وأحق الناس بإحسانك أمك وأبوك ( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين ) البقرة:21 . ولمكانة الوالدين وعظم حقهما قَدّم الرسول برهما على الجهاد ، فعن ابن مسعود قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أي العمل أحب إلى الله ؟ قال:[ الصلاة على وقته ا] قلت: ثم أي ؟ قال : [ بر الوالدين ] قلت : ثم أي ؟ قال : [ الجهاد في سبيل الله ] . رواه البخاري .
وهذا صحابي يقدم ليبايع الرسول على الجهاد والهجرة فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم : [ فهل من والديك أحد حي؟] قال: نعم كلاهما . قال :[ فتبتغي الأجر من الله تعالى؟] قال : نعم . قال : [ فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما ] رواه البخاري ومسلم.
الأب المشرك :
أما صلة الابن المسلم بأبيه المشرك فقد حَدّها قوله تعالى: ( وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تُطعهما إليّ مرجعكم ) . العنكبوت:8 .
وقال تعالى في سورة لقمان : ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا ) . لقمان:15 . والمعنى وإن حرصا على أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين فإياك وإياهما فلا تطعهما في ذلك . وأمره بالإحسان اليهما وذلك بإمدادهما بالمال وخدمتهما وقضاء حوائجهما وهذه الآيات
نزلت في سعد بن مالك رضي الله عنه، وكان بأمه باراً ، فلما أسلم أقسمت أمه ألا تطعم طعاماً ، ولا تشرب شراباً حتى تموت أو يرجع عن دينه ، وقد بقيت أياماً كذلك ، فلما يئست من رجوعه أكلت وشربت. والقصة في صحيح مسلم ومسند أحمد . وهذه أسماء بنت أبي بكر الصديق قدمت عليها أمها وهي مشركة في عهد قريش فقالت: يا رسول الله! إن أمي قدمت علي وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: "نعم صليها" وفي القرآن ما يشير إلى ذلك ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم إن الله يحب المقسطين ) الممتحنة:8.
ــــــــــــــــــــ(37/40)
صغيري يسامح أم يقتص؟
اتجاهان تربويان تنقسم حولهما الأسر.. فهناك آباء وأمهات يربون أبناءهم علي ألا يتركوا حقهم وأن يردوا الصاع صاعين لمن يسئ إليهم قولا وفعلا، بينما آخرون يفضلون التسامح والتغاضي وغلق باب الشجار..
لكل فريق مبرراته.. فالأسر التي تربي أبناءها علي المعاملة بالمثل تعلل ذلك بضرورة أن يشب الأبناء أقوياء مهابين لايستطيع أحد أن يضحك عليهم ، بينما يلخص المتسامحون أسبابهم في جملة واحدة الطيب أحسن !
التسامح أم القصاص ؟
سؤال مهم يواجه كل أبوين .. يخرج طفلهما من وسط الأسرة المحدود إلي الحضانة أو المدرسة ، حيث مجتمع الصغار ومشكلاته ومشاحناته، مما يجعل الطفل يعود كل يوم بشكوي.. فلان ضربني..فلانة دفعتني علي الأرض.. فلان خطف مني طعامي .
ويظل السؤال معلقا.. كيف نربي صغارنا ؟ وهل إن علمناهم القصاص نشأوا عدوانيين؟ وإن ربيناهم علي التسامح صاروا ضعفاء لايخشاهم أحد؟
السطور القادمة محاولة للإجابة
واختلف الآباء
- أمجد عبد الرحيم ، محاسب
هناك أمور لا فصال فيها " ومنها أن يتعلم الطفل كيف يأخذ حقه، نحن في زمن القوة والمتسامح علي طول الخط يساء فهمه، ويعامل على أنه أبله ويتعرض للابتزاز والخداع، وقد ربيت أولادي علي ألا يتسامحوا إلا مختارين، بمعني أن يكونوا قادرين علي الثأر لأنفسهم، ولكنهم يتسامحون لوجه الله دون ضعف أو مذلة ".
- نبيل سعيد، محامي
ذقت الأمرين حين أردت أن أعلم ابني أن يأخذ حقه، فقد صار لايفرق بين شقيقه وزملائه، وبيني وبين هؤلاء الزملاء ، يأخذ حقه من الجميع يرفع يده علي إن عنفته ويرد لأخته الإساءة بأكثر منها ، وأرجو ألا يكون الأوان قد فات علي تصحيح هذا الخطأ، فقد نسيت وأنا أقول له: خذ حقك أن أوضح له أيضا : يأخذه ممن؟
- نهلة محمود ، ربة بيت
المشكلة ليست في أن يتسامح الطفل أو يقتص ، ولكن في متي يفعل هذا أو ذاك؟
فلا تسامح مثلا إذا سبه أحد في دينه أو أخلاقه.. ولا قصاص إن كان المخطئ بلا حول ولا قوة .
فالمسألة ليست قواعد ثابتة، ولابد أن يتعلم الطفل التفرقة بين المواقف المختلفة وكيفية التصرف في كل منها بما يتناسب معه.
وعندما كبرت
محمد عبد الله ، أولي إعدادي
عودني والدي منذ الصغر علي التسامح والعفو عمن أساء إلي ، وقد كنت أطبق هذه القاعدة وأنا صغير فأقول لمن يضايقني الله يسامحك ، لكنني عندما كبرت بدأت أشعر بأنني لابد أن آخذ حقي بطريقة مقبولة، فمثلا إذا تشاجر معي أحد زملائي في المدرسة فإنني أتوجه إلي الأخصائية الاجتماعية، وأشكو لها فتتخذ اللازم فإذا عاد إلي التشاجر معي مرة أخري فإنني أتوجه إلي الأستاذ -- رائد الفصل - الذي يستطيع أن يؤدب التلميذ المخالف بدرجات السلوك والانتظام ، أما إذا حدثت مشكلة بيني وبين أحد أصدقائي في الشارع، وكنت أنا المخطئ أعتذر وإن كان هو المخطئ فإنني أتسامح معه مرة واثنتين ثم بعد ذلك أشكوه لوالده فإن لم يأخذ لي حقي منه أتصرف بنفسي وآخذ حقي بيدي.
ماما قالت لي لا تضرب أحدا وقل : الله يسامحك حتي تدخل الجنة ، ولكنني أحب أن آخذ حقي ممن ضربني إلا إذا كان أخي أو صديقي فأنا أحبهما وأسامحهما
دعابة أم جد؟
أما محمد (11سنة) في الصف الأول الإعدادي فيقول: عندما ألعب أنا وزملائي في بعض الأحيان يضربني أحدهم علي سبيل الدعابة ، فإذا أحسست أنها دعابة فإني أردها بمثلها بمعني أنني قد أضربه برفق كما ضربني خصوصا لأنني أعلم أنه صاحبي ولا يمكن أن يضربني بجد ، ولكن هناك من يضايقني في المدرسة أو الشارع ولا أعرفه ، فإذا حدث هذا لا أسكت وأضطر أن أرد له الإهانة حتي لايشعر أنني ضعيف وحتي لا يتمادي في مضايقتي دون سبب.
تسامح البنات
وننتقل إلي البنات لنعرف هل يتسامحن في سنهن الصغيرة أم أن العنف والقصاص انتقل إليهن وطغي علي رقتهن وهدوئهن؟ .
سارة (6سنوات) تقول: لا يمكن أن أسكت علي من تأخذ حاجتي أو تضربني، فلابد أن أسترد حاجتي منها، وأضربها أيضا ، وقد جربت أن أذهب إلي مدرسة الفصل وأشتكي لها ولكنها لم ترد لي حقي في أية مرة، فماذا أفعل؟
أما آية (5سنوات) فهي عكس أختها تمامًا فلا تلجأ إلي ضرب زميلة لها، ولكن تلجأ دائما إلي مدرسة الفصل حتي تعيد لها حاجتها أو تؤنب زميلتها إذا ضربتها، وتضيف آية: لماذ أضرب من تضربني مادامت أبلة تأخذ لي حقي؟
تسامح النبي صلى الله عليه وسلم
والتسامح كما يقول د . أحمد الشحات موسي - أستاذ علوم القرآن بجامعة الأزهر: هو خلق كريم من أخلاق المسلمين وأدب رفيع من آداب المؤمنين أمر به ديننا الحنيف ورغب فيه ودعا إليه ، وهو خلق أصيل من أخلاق الرسول (صلي الله عليه وسلم) ولقد كان لرسولنا الكريم فيه أطول باع وأوفي نصيب ، امتثالا لقول الله تعالي: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ، وقوله جل شأنه: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ، وكذلك قوله عز من قائل: فاصفح الصفح الجميل ، ومن هنا كان (صلي الله عليه وسلم) سمحا كريما يدفع السيئة بالحسنة فيعطي من حرمه ويصل من قطعه ويحسن إلي من أساء إليه، فقد أخرج الشيخان البخاري ومسلم من حديث أنس (رضي الله عنه) قال: كنت أمشي مع رسول الله (صلي الله عليه وسلم) وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلي صفحة عاتق النبي (صلي الله عليه وسلم) وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يامحمد مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء وهذا أبلغ دليل علي رحمته (صلي الله عليه وسلم) بأمته، ورفقه بها، وحنوه عليها، وحلمه معها وعفوه عمن تجاوز حد اللياقة منها!.
ويضيف أن سماحته (صلي الله عليه وسلم) مع هذا الأعرابي لا يكبرها ولا يفوقها إلا موقفه يوم ذهب إلي الطائف يعرض نفسه علي أهلها لقبول دعوته، فما كان منهم إلا أن أغروا به سفهاءهم فطاردوه بالحجارة حتي أدموه، فناداه ملك الجبال ليكون طوع أمره فيطبق عليهم الجبلين، فما كان منه (صلي الله عليه وسلم) إلا أن أجابه بقوله: بل أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لايشرك به شيئا.
لقد كان النبي (صلي الله عليه وسلم) سمحا في كل مواقفه حتي مع من كانوا يناصبونه العداوة ، والبغضاء ، ويضمرون له الكراهية والشحناء ، وما موقفه من أهل مكة يوم أن فتحها إلا دليلا علي نبل خلقه وكرم طبعه وسلامة صدره وسماحة قلبه، فقد وقفوا بين يديه صاغرين ، وقد صاروا في قبضة يده يأمر فيهم بما شاء، ولكنه قال لهم كما قال يوسف لإخوته: (لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين).
قدوة حسنة
الغلبة علي حب التشفي والانتقام نتيجة الغضب الذي يشتعل في جوف ابن آدم لموقف من المواقف مما يكون له أسوأ الأثر في تقطع العلاقات وتدمير الصلات بعكس التسامح الذي يبني ولايهدم ويعمر ولا يخرب، والذي به تسود الألفة بين أفراد المجتمع فيصيرون نسيجا واحدا وشائجه المحبة وسداه المودة.
في حدود
ومن الناحية التربوية توضح لنا د. سامية خضر - أستاذة التربية بكلية الآداب جامعة عين شمس - مفهوم التسامح حيث تقول: إن موضوع التسامح أو الاقتصاص موضوع مهم وخطير جدا حيث إننا في حاجة لتقليل العنف في المجتمع، وكي يتسني لنا ذلك لابد من نشر التسامح بين جميع أفراد المجتمع والتسامح ليس معناه
التخاذل والضعف كما يفهم بعض الناس ولكنه عفو الإنسان وحلمه مع من يجهل عليه ويسيئ معاملته، وتلك من صفات الأقوياء.
وهنا لابد أن نفرق بين التسامح مع الآخرين إذا جهلوا علينا في أمور عادية كبعض المضايقات التي تحدث في الزحام أو عند ركوب المواصلات فهذه أمور بسيطة لابد ألا تستدعي غضبنا وضيقنا بشكل سريع، لكن أن يعتدي علي شخص بضرب أو إهانة دون أي سبب فهنا لابد من وقفه عند حده حتي لا يتمادى في مثل هذا السلوك، فالتسامح يكون في حدود معينة وبضوابط محددة بحيث لا يؤدي إلى إهانة المرء وضياع كرامته.
دور الأسرة
أما عن دور الأسرة في ترسيخ قيمة التسامح في الطفل منذ صغره فتوضح د. سامية أن الأبوين قدوة لأبنائهما في كل شئ ، والأسرة هي المهد الأول والأساس للطفل ، فعلي الآباء أن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم بتعويدهم الحلم والعفو والتسامح ، فذلك من شأنه أن يقلل الحقد والغيرة ويلغي أي مشاكل قد توجد بينهم وبين الآخرين ، ولكن الأم عليها أن تفرق بين الأمور العادية البسيطة التي من الممكن التسامح فيها وبين غيرها من الأمور التي تؤدي إلي ضياع الحقوق، والطفل المتسامح يكون أصح تربويا ونفسيا من الطفل الذي اعتاد القصاص من الآخرين لأي موقف يتعرض له ؛ لأن المتسامح تكون نفسه صافية دائما لا يحمل كرها للغير ولا يشحن نفسه دائما بالرغبة في الثأر لنفسه من أي شخص يشعر أنه أهانه.
البحث عن السبب
- ويري د . أحمد علي بديوي - بكلية التربية جامعة حلوان - أن علي المربين أن يعلموا الطفل كيف يعفو ويصفح عمن أساء إليه فلا يواجه العدوان وإنما يحسن مقابل الإساءة.. ويعفو مقابل الغيظ ويتفهم قوله تعالي: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
ويؤكد بديوي في كتابه " طفلك ومشكلاته النفسية " أن ميل الطفل للقصاص والعدوان ليس فطريا ، وإنما يكتسبه سواء بالقدوة أو كرد فعل لمواقف بعينها كأن يستفزه أحد فيدافع عن نفسه، وإذا لاحظ الأبوان أن الطفل كثير الإغاظة والأذي لأقرانه أو تنتابه نوبات من الغضب والرغبة في الانتقام ، فلابد أن يبحثا عن السبب الذي قد يكون محاكاة من هم في مثل سنهم أو لفت نظر الأبوين أو كثرة التعرض لأفلام العنف أو الحرمان سواء المعنوي أو المادي
ــــــــــــــــــــ(37/41)
أهمية الأمومة
يرى الطفل - في مراحله الأولى على الأقل - في والديه القدوة والأسوة، فينطلق إلى محاكاتهما، وتقليدهما في الألفاظ والحركات والسلوك، بل إن اللغة التي يتعلمها الطفل إنما يتلقاها عن والديه، ثم عمن يحيطون به، فمن هنا كانت مسؤولية الوالدين - والأم خصوصاً - عظيمة في تنشئة الطفل تنشئة صحيحة تتفق مع المنهج الإسلامي الحكيم.
1. الأهمية الدينية:
وهناك أولويات ينبغي غرسُها في الطفل، وأول تلك الأولويات العقيدة الإسلامية متمثلةً في أركان الإيمان ثم أركان الإسلام، فـ[ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ] . كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. (رواه البخاري ومسلم) .
ومما يدل على أهمية تربية الوالدين وأثرها في عقيدة الطفل قوله صلى الله عليه وسلم: [ كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو يُنصّرانه أو يمجّسانه] . (رواه البخاري).
وهو الأمر الذي جسده القرآن في وصف والدين صالحين يدعوان ولدهما إلى الإيمان ، لكن بعد فوات الأوان حينما شب وكبر، يقول الله سبحانه وتعالى: (والذي قال لوالديه أُفٍّ لكما أَتَعِدَانِنِي أن أُخرج وقد خَلَت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلَكَ آمِنْ إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين). الأحقاف:17.
وثاني الأولويات بعد العقيدة: التشريع، وهو ما حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم وجعل مسؤولية ذلك تقع على عاتق الوالدين يقول صلى الله عليه وسلم: [مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء السبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع] . (رواه أبو داود) .
ثم يأتي بعد التشريع: الأخلاق ويكون بتعويد الأولاد على محاسن الأخلاق كالصدق والأمانة ... وتحذيرهم من مساوئ الأخلاق كالسرقة والكذب والخيانة والسباب والشتائم ... ، وعلى الأم أن تحرص ألا تأمر بما تذهب هي إلى ما يخالفه، فإن ذلك سينعكس على سلوك الولد.
2. الأهمية الاجتماعية:
من المعلوم أن البيئة الاجتماعية لها أثر كبير في شخصية الإنسان، وهو الأمر الذي لم يكن يجهله قوم مريم عليها السلام حين قالوا: ( يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سَوْءٍ وما كانت أمُّك بَغِيّا ). م ريم:28.
وهناك تداخل بين النواحي الأخلاقية والاجتماعية والنفسية فالإيثار: هو خُلق له طابع اجتماعي ونفسي لا ينفك عنه وكذلك العفو.
لكن ما نريد أن نركز عليه في الناحية الاجتماعية هو الانبساط في سلوك الطفل الذي تؤدي فيه الأم الدور الأكبر، فعليها أن تنشىء ولدها على الاختلاط بالناس، وتجنبه العزلة والانطواء ليكون له دور فاعل في المستقبل، من هنا سنّ الإسلام تشريعات تكفل تحقيق الألفة بين الأفراد، وهي الآداب الاجتماعية كآداب السلام والاستئذان والحديث والتهنئة والتعزية والعطاس وعيادة المريض.
فالأم هي أول من يكوّن عند الطفل منطلق العلاقات الإنسانية، فلا بد للطفل أن يتجاوز أمه إلى العالم الخارجي، ولا شك أن العلاقة بين الأم والأب ستنعكس على سلوك الطفل ونفسيته، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
3. الأهمية النفسية:
من سنن الله في الأنفس أنه أودع المحبة والسَّكَن في الأم للولد، وفي الولد للأم، هذه هي السنة القويمة السوية، ومن ثم أوجب الله على الأم إرضاع ولدها فقال تعالى: (والوالدات يُرْضِعن أولادهن حولين كاملين). والرضاع يولّد العلاقة الحميمية بين الأم والطفل فيكون لصيقاً بها، الأمر الذي أكده البحث العلمي (فأوجب وضع الوليد
على تماسّ حسي مع الأم بعد الولادة مباشرة وذلك لأهمية هذه اللحظات في مستقبل العلاقات اللاحقة بين الطفل والأم، وبين الطفل ومجتمعه ) (الأمومة. د. فايز قنطار، عالم المعرفة، ص72).
وذلك ليشعر بدفء الأم وحنانها منذ اللحظات الأولى من عمره فإن لذلك أثراً كبيراً في تكوين الطفل الاجتماعي ، ومن ثمّ فإن الأم اليَقِظة لسلوك ولدها وحاجاته والقريبة منه تعزّز لديه الثقة بالكبار فيعممها على الآخرين ولا يشعر بالرهبة والفزع عند رؤيتهم ، بينما تكون الأم القليلة الحساسية على العكس من ذلك مما يخلق لديه عدم الثقة والتعلق بالقلق. (انظر فايز قنطار، الأمومة، ص50).
إن الطفل إذا شعر بالأمن في علاقته بأمه يكون أقدر على التفاعل الاجتماعي مع أقرانه والغرباء عنه ، ومن ثمّ كان الجوّ الذي يُحاط به الطفل له الأثر الكبير في حياته.
لذلك كله كانت المحاضن والمراضع نقمة على الطفل، لأنها لا توفر له تلك الضروريات التي تكلمنا عليها.
يقول " إيريك فروم ": ( وفائدة حبّ الأم للطفل أنه ضمان مؤكد لاستمرارية حياته وتلبية حاجاته.
أما أنه ضمان لاستمرار حياته فإن لذلك مظهرين:
المظهر الأول: أن رعاية الطفل والمسؤولية عنه ضرورة مطلقة لحفظ حياة الطفل ونموه.
المظهر الثاني: يذهب إلى أعمق من مجرد الرعاية فهو يغرس في أعماق الطفل ومشاعره أن هناك ما يستحق أن يعيش من أجله، وأن الحياة شيء مفيد وجميل ... ) (مها عبدالله الأبرش، الأمومة ومكانتها في الإسلام ص:103-104) .
فالأم هي النافذة التي يُطل منها الطفل على العالم، لذلك عليها أن تنشئه على حب الخير للآخرين والجرأة، حتى يشعر بكيانه وقدرته على التفاعل مع المجتمع، فإنه إذا تربى على الخجل والخوف والشعور بالنقص ولّد ذلك في نفسه الحسد والغضب وكره المجتمع ومن ثم يصبح عدوانياً.
4. الأهمية الخُلقية:
سبق أنْ قررنا ما بين الجوانب الاجتماعية والنفسية والخلقية والدينية من تداخل فيصعب الفصل بينها بشكل حدّي.
إن انحراف الأم والأب الأخلاقي سيولّد - لا محالة - الانهيار الأخلاقي في الأسرة؛ لأن الوالدين هما القدوة العليا للطفل - خاصة في سنيه الأولى - فإذا كان ربّ البيت بالدف ضارباً فما بال الولد ؟ ذلك أن الطفل لا يُحسن سوى التقليد في سنيه الأولى حتى يتهيأ له مصادر أخرى للمعرفة فيما بعد كالمعلم والصديق ... إخ.
ولقد ضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً للأم الصالحة (أم مريم) (وما كانت أمك بغياً ) مريم 28. بشهادة القوم ، ولذلك اتجهت إلى تنشئة ابنتها مريم تنشئة صالحة (إني أعيذها بك وذرّيتها من الشيطان الرجيم). وكذلك الأب: (يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سَوْء). مريم:28.
فهذه البيئة الصالحة أنتجت ذلك الفرد الصالح في المجتمع وهو (مريم)، لذلك كان للبيئة الدور الأكبر في التنشئة الأخلاقية ، ومن ثم كانت ظاهرة السباب والشتائم تعكس سوء التربية الأخلاقية للولد
ــــــــــــــــــــ(37/42)
وجزيت خيرًا ... دعوة لأم أحسنت التربية
في ليلة من ليالي الصيف المقمرة .. عاد الفارس المجاهد بعد ثلاثين سنة من الجهاد .. وقد ترك زوجه العروس تحمل بين أحشائها جنينًا . تلفّت الفارس يمنًة ويسرًة محاولاً استعادة ذلك البيت الذي يضم زوجه ووليده ، الذين لا يعرف عنهما شيئًا .
لقد تغيّرت معالم مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذي قبل ، وكَثُر فيها سواد الناس ، لا أحد يحفل به وهو في طريقه إلى داره ، بل لا أحد يهتم لعودته بعد طول غيبته ، ولكن هل يذكره أحد ؟!
هل يتذكر أحد ذلك الفارس المجاهد الذي ما إن سمع نداء الجهاد حتى أسرع ملبيًا ، تاركًا زوجه الحامل ، والتي لا تزال عروسًا لم ينقضِ على عرسها غير أشهر معدودات .
ثلث قرن والفارس ينتقل مع جيوش المسلمين من فتح إلى فتح ، ومن نصر إلى نصر ، لا يكاد يهزه حنين إلى زوجه وولده ذكرًا كان أم أنثى .
لقد كان انتظار الزوجة له حتى انقطع في عودته الرجاء ، والناس مختلفون في مصيره ، ومع طول المدة و انقطاع الأخبار ، ترجَّح في نفس الزوجة والجميع استشهاد الفارس المجاهد ، مضى الفارس إلى حيث تعَّرف على موضع داره ، ألجمته الدهشة فلم يطرق بابها ، ومن ذا يرده عن داره ؟! دخل الفارس الدار ، فإذا برجل في الثلاثين من عمره ينقض عليه انقضاض الأسد على فريسته ، إذ كيف لهذا الشيخ بسيفه ورمحه أن يلج الدار معتديًا على من فيها من محارم ، احتدم الأمر بين الرجلين ، يدفع الشاب الشيخ ذائدًا عن حرماته المستحلة ، والشيخ يقسم أن الدار داره ، يرتفع صوت الرجلين فيفزع الجيران محيطين بالشيخ إحاطة السوار بالمعصم ، مدافعين عن جارهم الشاب ، والشيخ يحاول أن يذكرهم بنفسه ولا أحد يعرفه ، أو يصدّقه ، يصل الضجيج إلى حيث الأم النائمة ، تستيقظ على جلبة بين الرجال ، تنظر من أعلى البيت ، يا لهول ما رأت .
لم تكد تصدق عينيها ، أعادت النظر مرة ثانية لعلها تستوثق مما رأت ، إنه فّروخ زوجها الفارس المجاهد بشحمه ولحمه منذ وقعت عيناها عليه ، آخر مرة منذ ثلاثين عامًا ، لقد تذكرت على الفور يوم ودَّعها موصيًا إيّاها خيرًا ، مذكِّرًا إيّاها أنه قد خلَّف لها ثلاثين ألف دينار هي غنائمه من جهاده قبل أن ينال حريته من قائده الصحابي الجليل الربيع ابن زياد الحارثي ، لا زالت تذكر كلماته : " صونيها - أي الثلاثين ألف دينار- وثمريها ، وأنفقي منها على نفسك ووليدك بالمعروف حتى أعود إليك سالمًا غانمًا ، أو يرزقني الله الشهادة التي أتمناها " ، نزلت الأم ولا يزال رنين كلمات زوجها كما لو كان لتوه ، أمرت الجميع أن يتفرقوا شاكرة لهم حسن صنيعهم ، فإنما الرجل فرّوخ زوجها ووالد جارهم الشاب .
لم يتمالك الرجلان نفسيهما فأكب كل منهما على الآخر معانقًا إياه ، والابن يجثو على يد أبيه يلثمها معتذرًا فرحًا - لقد اختلطت المشاعر عند كليهما ، وتقاطرت الدموع منهما ، فرحًا بلقاء لم يكن في حسبان أحدهما أو كليهما ، جلست الزوجة إلى زوجها يحدثها عن مسيرة ثلث قرن من الجهاد مع جيوش المسلمين ، مبينًا لها سبب غيبته وانقطاعه ، ظل الفارس يتحدث ولكن الزوجة كانت في هواجس أخرى ، تحاول أن تجد إجابة مرضية لزوجها إذا سألها عن ذلك المبلغ الذي تركه على أن تثمره وتنفق منه بمعروف ، إنها تحاول أن تعثر على إجابة لا تغضبه ، ولكن كيف ؟ ها هو يسألها وهي تتشاغل عنه ، هل تخبره أنه لم يعد من الثلاثين ألف دينار شيء ، أيقنعه أنها جميعًا أنفقت على تعليم ولده وتأديبه ؟ وأي علم ذلك الذي يستغرق كل هذا المال ؟! ، أيصدق أن ولده سخي النفس كريم الطبع ، لا يكاد ينقطع عن النفقة في كل وجوه الخير والبر ؟
وبينما هي في خواطرها المتسارعة ، والتي قطعت عليها فرحتها بشمل جمعه الله بعدما ظنت كل الظن ألا يتلاقيا ، وبينما هي كذلك إذ قطع عليها تفكيرها بقوله : " لقد جئتك - يا أم ربيعت - بأربعة آلاف دينار ، فأخرجي المال الذي أودعتك إياه ، نشتري به عقارًا أو بستانًا نعيش من غلته ما بقيت بنا الحياة ، حاولت الزوجة أن تتشاغل عنه ، فلم تجبه ولكنه ألحّ في الطلب - إنها تخشى غضبته ، فيما لو عرف الحقيقة ، فماذا تفعل ؟ ردت في حكمة وثبات : لقد وضعته حيث يجب أن يوضع ، وسأخرجه لك إن شاء الله ، هنا انطلق صوت المؤذن لصلاة الفجر ، فقطع حديثهما ، وهَمَّ بالخروج إلى المسجد متسائلاً عن ربيعة ، ولكن ربيعة كان قد سبقه إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يخالجه شوق إلى روضة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ويدفعه حنين ثلاثين سنة عاشها مجاهدًا ، بعيدًا عن مدينته صلى الله عليه وسلم ، وها هو يؤدي الصلاة ثم يجلس في الروضة الشريفة ، يملأ نفسه وعينه بذكر وصلاة ودعاء طالما اشتاق إليه في هذا المكان ، وها هو يخرج من المسجد ، ولكن ساحة المسجد تغص بالناس ، فلم يعد فيها موطأ لقدم .
الكل يتحلق حلقة في إثر حلقة حول شيخ مهيب ، لم يتبين ملامحه لبعده عنه ، ولكن بيان الشيخ يأخذ باللبيب ، إذ ينثال على الشفاه علم متدفق يدل على حافظة واعية ، لا تكاد تغيب عنها شاردة ، لقد أدهش الرجل خضوع الناس بين يدي الشيخ ، وتزاحمهم عليه وإحاطتهم به ، واندفاعهم خلفه بعدما ما أنهى حديثه ، دارت برأس فرّوخ أسئلة كثيرة إذ من يكون ذلك الشيخ الشاب الذي عليه كل ذلك الوقار ، والذي يُشيَّعُ ممن حوله بكل ذلك الإجلال ؟ بادر الفارس العائد إلى رجل يجلس إلى جواره يسأله عن ذلك الشيخ الوقور ، فيعجب الرجل أن أحدًا لا يعرفه ، ويستنكر على رجل من أهل المدينة ، ألا يعرفه ولكنه غياب ثلاثين سنة ، فكيف يتسنى له معرفة شيخ كهذا ، ثم إنه لم يتعرّف ملامحه ، فيعتذر للرجل عن عدم معرفته لطول غيبته عن المدينة ، يعرف الرجل السبب فيعذره لجهله بمثل هذا الشيخ ، ينطلق الرجل معرفًا بالشيخ ، " إن من لا تعرف يا أخي سيد من سادات التابعين ، وعلم من أعلامهم ، وهو محدِّث المدينة ، وفقيهها وإمامها ، رغم حداثة سنه ، ألا ترى مجلسه يضم مالك ابن أنس وأبا حنيفة النعمان ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ،
والأوزاعي ، والليث بن سعد وغيرهم كثير ، وهو فوق ذلك ذو تواضع جم ، وكف أندى من السحاب ، فما عُرف أسخى منه نفسًا ، ولا أكثر منه عطاء . يقاطعه فرّوخ ، ولكنك لم تذكر لي اسمه ، رد الرجل ، إنه ربيعة الرأي ، التفت فرّوخ ربيعة ، ولم يكمل حتى عاجله الرجل إنه سمي بهذا الإسم لرجاحة رأيه فيما أشكل على المسلمين مما لم يرد فيه نص قياسًا على ما ورد فيه نص ، اشتاق فرّوخ ليعرف نسب ربيعة الرأي هذا ، فيرد عليه الرجل إن ربيعة الرأي هو ابن فرّوخ المكنى بأبي عبد الرحمن ، وقد ولد بعد أن غادر أبوه المدينة جهادًا في سبيل الله ، فتولت أمه تربيته وتأديبه وتعليمه ، وإن الناس ليقولون إن أباه عاد الليلة الماضية .
هنا تحدرت من عيني فرّوخ دموعٌ لم يعرف لها سببًا ، ولا تزال عبراته تنحدر على وجهه ، حتى وصل إلى بيته ، فسألته زوجه متهلفة عما به ، فيرد الفارس المجاهد " ما بي إلا الخير ، لقد رأيت ولدي في مقام من العلم والشرف والمجد ما رأيته لأحد من قبل " ، هنا تهللت أسارير الزوجة والأم الصالحة الواعية ، فقد حان لها أن تجيب على سؤاله الذي شغلها ، فاغتنمت الفرصة وقالت : " أيهما أحب إليك ، ثلاثون ألف دينار أم هذا الذي بلغه ولدك من العلم والشرف ؟ فيرد المجاهد : " بل - والله - هذا أحب إليّ وآثر عندي من مال الدنيا كله " ، قالت : " إذن فلقد أنفقت ما تركته عندي عليه ، فهل طابت نفسك بما فعلت " ؟! فيقول : " نعم ، وجُزيت عني وعن المسلمين خير الجزاء " .
بمثل هذا الوعي في التربية تسود الأمة ، فهل من أمهات كأم ربيعة في زمن عَزَّ فيه أمثالها ؟ .
ــــــــــــــــــــ(37/43)
الأم بين الأمس واليوم
للأم دور بالغ الأهمية في تربية الأطفال خلال السنوات الأولى من أعمارهم لأنها أكثر التصاقاً بالبيت والطفل ولأن عاطفتها أقوى من عاطفة الأب نحو الطفل فهي أقرب إلى قلوب الأطفال منه . ولقد زود الله الأم بعاطفة الحنان - الأمومة - ولم يزود بها الأب . وهذا الدافع العضوي أقوى الدوافع العضوية جميعاً ، ولذلك فإن الأم مهيأة لرعاية الطفل والتضحية من أجله براحتها ونومها وهي راضية .
وهذا الحنان يمكن الأم من السهر على راحة الطفل وخاصة في السنتين الأوليين ولهاتين السنتين أثر كبير في شخصية الفرد ومن هذه الأمور أن الرضيع يتعرف على أمه من رائحتها . ثم يتعرف على صوتها بعد ذلك . كما أن لغة الأم هي أول لغة يقلدها الطفل وتكون معظم انفعالاته في السنة الأولى مرتبطة ومركزة في الأم أو من يحل محلها وإذا عرفنا أن الرضيع يبدأ منذ الشهر السادس من عمره في تكوين الأطفال ، وعلينا ألا نغفل دور الأم في حمل الأمانة . والقيام بواجب المسؤولية وتوجيههم ، ولقد بيّن الله في محكم تنزيله ، ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبثُ لا يخرج إلا نكداً ، كذلك نصرف الآيات لقومٍ يشكرون ) ( الأعراف : 58) .
كما قال الشاعر :
الأم مدرسةٌ إذا أعددتها أعددت شعباً طيبَ الأعراق
فالأم في تحمل المسؤولية كالأب سواء بسواء ، بل مسؤوليتها أهم وأخطر باعتبار أنها ملازمة لولدها منذ الولادة إلى أن يشب ويترعرع ويبلغ السن التي تؤهله ليكون إنسان الواجب ، ورجل الحياة ، والرسول صلوات الله وسلامه عليه قد أفرد الأم بتحمل المسؤولية حين قال : "والأم راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها" .
وما ذاك إلا لإشعارها بالتعاون مع الأب في إعداد الجيل وترتبية الأبناء وإذا قصرت الأم في الواجب التربوي نحو أولادها لانشغالها مع معارفها وصديقاتها واستقبال ضيوفها وخروجها من بيتها إلى الأسواق والعمل لغير ضرورة وتركت الأولاد إلى المربية وأهملت الاهتمام بما يحدث لهم من عناية ورعاية ، فلا شك أن الأبناء سينشأون نشأة اليتامى ، ويعيشون عيشة المشردين بل سيكونون سبب فساد وأداة إجرام للأمة بأسرها فماذا ننتظر من أولادٍ أمهاتهم على هذه الحال من الإهمال والتقصير .
فحتماً لا ننتظر منهم إلا الانحراف ولا نتوقع إلا الإجرام لانشغال الأم عن رعاية الولد وتربيته .
ويزداد الأمر سوءاً عندما يقضي الأبوان جل وقتهما في حياة الإثم والغواية ويتقلبان في أتون الشهوات والملذات . ويتخبطان في طريق الانحلال والإباحية .
فلا شك أن انحراف الولد يكون أبلغ وأخطر ويكون تدرجه في الإجرام أكبر وأعظم ، فلننظر بعين فاحصة وعقول نيرة تبحث عن الحق والصدق في أمانة التربيةبين أم الأمس واليوم . ونتتبع نتائج هذه النظرة .
إن الأم في الأمس كانت هي كل شيء في بيتها ، كانت المربية والمدبرة لجميع شؤون المنزل . فقد كانت تعمل وتعلم لأن العلم بدون عمل لا يرسخ في العقل ولا يقبله . وكانت على بساطة تعليمها وبساطة فقهها في دينها إلا إنها كانت تجتهد في تربيتهم التربية الإسلامية المرضية ، لقد كانت تعلمهم المسؤولية من خلال قيامها بمسؤولياتها في بيتها وطاعةزوجها وتربية أبنائها وتعلمهم الواجب عليهم من حيث إعطائهم حقوقهم من العناية والرعاية . فلقد كانت تحملهم في صدرها وترضعهم من ثديها وكانت تسهر على راحتهم إذا مرضوا وتقوم بخدمتهم .
فلهذا العمل جزيل الأثر على نفس الأبناء فتربي فيهم البر والإحسان والطاعة والاحترام فيستمعون إليها إذا وجهت ويطيعونها إذا أمرت ويعينونها إذا عجرت .
أما اليوم ولست أعني من تقوم بتربية أبنائها على الدين القويم والأخلاق والقيم ، ولكنني أعني الوجه الآخر ، فعمل البيت ليس من مسؤوليتها في شيء ومن ذلك تربية الأبناء ، فانها وكلتهم إلا للأم المستوردة ( المربية) التي تقوم مقام الأم الحقيقية في تدبير كل شؤون الأولاد من غسيل وملبس وأكل وشرب وهي أيضاً التي تقوم باللعب معهم وكذلك هي التي تقوم بالرضاعة من الألبان المجففة ولا يخفى على أحد أثر الرضاعةالصناعية على نمو الطفل الجسماني والنفسي وكذلك فإن المربية هي التي تتصنع لهم الحنان والعطف وتقوم بنفسها على تعليمهم أمور دينها وأخلاقها وقيمها التي نشأت عليها فإن كانت شرقية كانت أخلاق الأبناء شرقية وإن كانت غربية كانت أخلاقهم غربية ، ومن ذلك يتحول الولاء والبراء إلى ما كانت تربيتهم عليه ويتحول الاحترام والتقدير والعطف والطاعة إلى المربية .
هل المربية تستطيع أن تقوم مقام الأم فعلاً ؟
هل تستطيع أن تعلم أبناءنا دين التوحيد وإخلاف سلفنا الصالح ؟
وهل تستطيع السهر على راحة الأبناء مثل الأم الحقيقة .؟
وهل تستطيع الصبر والمحافظة عليهم مثل ما تحافظ الأم ؟
وهل حبها لهم مثل حب أمهما ؟
وهل الرضاعة الطبيعية من ثدي الأم مثل الرضاعة الصناعية ؟
هذه الأسئلة تبحث عن الإجابة . فمتى أجبنا عليها بصدق فإننا سوف نعلم الفرق بين الأم الحقيقية والأم المستوردة .
والأم متى تخلت عن وظيفتها الأساسية وتساهلت فيها فإنها سوف تصل إلى نتائج لا يحمد عقباها من هذه النتائج :
هو أنها عندما تكبر سوف يكون مصيرها هو مستشفى العجزة . لأنها عجزت عن تربية أبنائها بنفسها فجازوها بأن جعلوا الدولة تتكفل برعايتها إذا عجزت وأقرب مثال على عقوق الوالدين ما هو موجود في مستشفى العجزة ومن أراد التأكد من صحة هذا الكلام عليه أن يزور هذا المستشفى ويتأكد ينفسه .
وقبل هذا فإن العقوق سيكون واضحاً لها في عدم طاعتها واحترامها والسماع إلى كلامها وهذا لأنها لم تعودهم من الصغر إلى سماع توجيهاتها ولم تعلمهم إحترامها وطاعتها
وكذلك من هذه النتائج الوخيمة عدم خدمتهم ومنفعتهم للوطن أو المجتمع الذي يعيشون فيه لأنهم لم يعلموا منذ صغرهم على احترام دينهم والدفاع عنه والذود عن أوطانهم وممتلكاتهم ، فالولد الذي يعق والديه يسهل عليه خيانة بلده وتحطيم مجتمعه . ومن هذا كله ينتج أيضاً انحراف الأبناء عن الدين والحق ، وذلك بارتكاب المعاصي الظاهرة والباطنة من إدمان الخمر والمخدرات وانتشار الجريمة والزنا وهذا كله نتيجة طبيعية لعدم المبالاة لتربية الأبناء .
فهل نعي ما يدور حولنا ، وهل تعي الأم دورها الحقيقي وهل تعلم أن اخلاصها في تربية أبنائها هو خدمة لها أولاً ولوطنها وهو عطاء لا يماثله عطاء .
فإذا أردنا أن نرى جيلاً صالحاً ونافعاً يخدم أمته ويوحد كيانه ويفرض احترامه على الخلق لا بد أن تعود الأم أم اليوم التي فرطت في دورها الأساسي إلى رشدها وإلى واجباتها الحقيقية وتكرس ما تعلمته في دراستها لخدمة وتربية أبنائها وبالتالي سيعود ذلك على انتاج أبنائها وخدمتهم لوطنهم وأمتهم جميعاً . ولكي نقوم وننهض من هذا السبات العميق كي نواكب ما فاتنا من تخلف حضاري وإقتصادي ولكي تعود الأمة الإسلامية إلى سابق عهده
ــــــــــــــــــــ(37/44)
انحراف الأبناء ثمن الأمومة الغائبة
هناك صنف من الأمهات تخلين عن أبنائهنَّ وانصرفن عنهم وتركنهم لمؤثرات ضارة تحيط بهم ،فأضعنهم دون أن يشعرن ، وجنين بسبب ذلك ثمارًا مرة.
وفي القريب نشرت قصة صبي لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره يتاجر في السلاح الذي يصنعه بنفسه " مسدسات " ، كان قد تم القبض عليه مرارًا ، ولكنه
كان يهرب من مؤسسة الأحداث التي يسلم لها ، وكان يستخدم السلاح في تخويف المارة وسرقتهم بالإكراه .
وهذا مما يثير الفزع لدى الجميع ؛ لأن الضحايا أطفال كنا نتوقع منهم خيرًا كثيرًا ، ونعلق عليهم آمالاً كبيرة في أن يصبحوا دروعًا واقية لأمن المجتمع ، فإذا بهم ينقلبون على رؤوسنا شرًا وإجرامًا .
وحارت التساؤلات على الشفاه من الملوم ؟ ، وما السبيل الذي يمكن أن يساعد في مواجهة هذا الخطر ؟ وكيف نحفظ لأمتنا هذه الثروة قبل أن تهدر وتتبخر معها كل آمالنا في غدٍ مشرقٍ ، مستقبل آمن ومزدهر ؟!!
ومنذ زمن وأمثال هذه الأخبار تأتي من بعيد ، من شرق أو من غرب ، وكنا نخشى أن تنتقل إلينا العدوى ، ولكنها اليوم تخرج من بيننا ، فالخطر قد اقترب ، والنار في الثياب توشك أن تصيب الجسد ، ولازالت أمامنا فرصة للإنقاذ إذا هب القوم يدًا واحدة للنجدة بجهود صادقة وخطوات مدروسة ، فهل يعود الآباء لأداء دورهم الطبيعي والمهم في عملية التنشئة ؟ ، وهل يراعي التلفاز في مواده وبرامجه ذلك فيخلصنا من مشاهد العنف التي تشير إليها أصابع الاتهام لأنها ذات أثر خطير ومباشر في انحراف الأحداث ؟ ، وهل يرحم المجتمع كله أولئك الصغار فيساعدهم ويأخذ بأيديهم إلى شاطئ السلام ؟ ، وهل هؤلاء إلا إفراز ذلك المجتمع بما فيه من صراعات وأزمات وأطماع وتجاوزات ، حتى فهم كثيرون أنه بالقوة وحدها يحيا الإنسان ويتحقق له ما يريد ؟ وحتى لا يتشعب بنا الحديث سنكتفي بالخلل القائم في الأسرة .
الطفل يردد لغة أمه :
الأسرة هي بداية الطريق في حياة الطفل ، فهو يتصل بأمه وأبيه قبل غيرهما ، والأم هي التي تحمل وترضع وتحب وتسهر وتناغي وتهدهد ، ومع لبن الأم يتلقى الوليد الكثير من الدروس ، ويتعلم قواعد التنشئة الأولى ، حيث يرى بعض الباحثين أن تصرفات الأبناء ترجع في نسبة كبيرة منها تصل إلى " 85% " إلى تصرفات الآباء والأمهات معهم ، وبخاصة علاقة الأم بطفلها ، فإنها وحدها العامل المؤثر ذو القيمة الملحوظة في نشأة تصرفات معينة دون غيرها .
يقول " هبرت مونتاجنر " العالم الفرنسي المهتم بسلوكيات الأطفال : " لقد لاحظت أن الأطفال الذي يتمتعون بروح قيادية هم في معظم الأحوال أطفال من أسر متفاهمة تسودها روح الحب ، تقوم الأم دائمًا بالتحدث مع طفلها بلطف وحنان ، ولا تقوم بأي عمل عدواني نحوه إن هو أخطأ ، بل تعرف كيف توجهه بحزم ، ولا تدلله إلى حد التسيب " ، ويوجه نصيحة للأم فيقول : " إن طفلك يردد اللغة التي تعلمها منك ، فأي لغة تلقنينه .. ؟ "
فمن الذي علم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذه القاعدة منذ أربعة عشر قرنًا ، حتى يحض كل مسلم أراد أن يقيم أسرة على تخير الزوجة الصالحة ، فيقول صلى الله عليه وسلم : " فاظفر بذات الدين تربت يداك " (رواه الشيخان) .
إنها الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، والوحي الذي علم المسلمين أن الصلاح شرط ضروري في ركني الأسرة ( الأب ، والأم ) ، فالدين هو الذي يضاعف من
مسؤولياتهما نحو أولادهما ، وبه تزداد الأسرة حبًا وارتباطًا بأبنائها ، والسهر على تنشئتهم تنشئة صالحة حتى ينتفعوا بهم ، ويصبحوا خيرًا وأمنًا لمجتمعاتهم ، والآباء هنا يشعرون بأن أبناءهم أمانة عندهم إن ضيعوها تعرضوا للحساب الإلهي ، والمرأة الصالحة دون غيرها هي التي تعرف حق بيتها ، يقول الله تعالى : ( فالصالحات قانتاتٌ حافظاتٌ للغيب بما حفظ الله ) [النساء/34].
أما إذا تنازل الشاب عن هذه المزية ، وطلب ما عداها من صفات ، فلا يلومن إلا نفسه ، إن وجد هذه الزوجة تهتم بمطعمها وملبسها وزينتها أكثر من اهتمامها بأولادها ، وتحرص على عملها خارج المنزل وعلاقاتها ، أشد من حرصها عليهم وتنشغل بذلك كله عن الغاية التي من أجلها خلقت .
إننا رأينا المرأة في أحيان كثيرة تمسكت بحقها في العمل ، وخرجت تبحث عن نفسها وزاحمت فيه الرجال ، وبحثت عن أم بديلة لأولادها ، وأقنعت نفسها بأنهم في يد أمينة ، حتى لا يتكدر صفوها ولا يحول شيء دون خروجها ، وأجادت تحسين مظهرها وضيعت في ذلك كثيرًا من وقتها ومالها ، وتباهت بأنها عاملة ناجحة ، وأم ناجحة أيضًا ، وانطلى ذلك الكلام عليها وعلى أمثالها ، وذلك لأنها اعتبرت عملها أسمى غاية وأعظم حق لها لا ينبغي التفريط فيه أوالرجوع عنه .
احتدم النقاش مرة بين أبوين ، طالب الرجل زوجته بأن تترك عملها حينًا من الزمن لأجل الأبناء ، فهم في مرحلة حرجة ، وهم أشد حاجة إليها ، فأبت ، واشتد الزوج في موقفه ، وزادت في إبائها ، حتى خيرته بين أن تعمل أو تطلق ، فرضخ الأب المسكين حتى لا ينهار البناء كله ، ورضي الأبناء بنصف أم ، أو حتى ربع أم ، فذلك أفضل من لا شيء ، وسار الركب في طريق - الله وحده يعلم نهايته - ، وترعرع النبات كله بين غفلة الأبوين وانشغالهما ، قال الشاعر :
هي الأخلاق تنبت كالنبات إذا سقيت بماء المكرمات
تقوم إذا تعهدها المربي على ساق الفضيلة مثمرات
ولم أر للمكارم من محل يهذبها كحضن الأمهات
وهل يرجى لأطفال كمال إذا ارتضعوا ثدي الناقصات؟!
وكان الانحراف هو الثمن :
أجريت في أمريكا دراسة عن انحراف الأحداث ، اشترك فيها علماء في التعليم وبعض أعضاء الكونجرس ومسؤولون حكوميون ،وقد أشارت هذه الدراسة إلى أن أحد أسباب انحراف المراهقين هو أن الوالدين يقضيان أوقاتًا طويلة في العمل ، كما أشارت أيضاً إلى أن عدد الأسر ذات العائل الواحد أصبح كبيرًا مما يعني قضاء وقت أقل مع الأطفال ، وقد أجريت الدراسة على عدد من المراهقين تتراوح أعمارهم بين الثامنة والرابعة عشرة ، وقال " 25% " منهم بأنهم تناولوا مشروبات كحولية ، كما أن أكثر من " 18% " منهم يدخنون السجائر ، و " 13% " يدخنون الحشيش ، وأثبتت الدراسة أن واحدًا من كل أربعة أشخاص اشترك في نوع ما من الأعمال المؤذية قبل بلوغه السابعة عشرة .
فالأسرة التي يعمل فيها الرجل والمرأة تحطمت لأنها فقدت رباطها العاطفي والوجداني الذي كان يمسك بالأطفال في ترابط ، ويبذر في قلوبهم الحب وينشئهم متوازنين .
ونحن نوقن بأن الله سائل كل راعٍ عما استرعى .. حفظ أم ضيع ؟ ، ونخشى الإثم العظيم المترتب على تضييع أبنائنا وفلذات أكبادنا ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت " (رواه أحمد والحاكم) .
وأمامنا دائمًا وفي قلوبنا وصية ربنا سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة ) [التحريم/6] .
وهذه المسؤولية لا يقدرها إلا الآباء المسلمون ، فهم العيون التي تراقب ، والقلوب التي تحنو ، والعقول التي ترشد ، والمثل التي يقتدي بها الصغار .
والوالد في هذه الأسرة قيم على الأسرة كلها ، وهو الذي يصنع زوجته ، ثم يصنع أولاده ، وقدوة الوالد أعظم من قدوة المدرس وإمام المسجد ، وعلى المسلمين أن يكوّنوا أنفسهم ولا ينتظروا أن يكوّنهم أحد ، وعلى الرجال أن يكوّنوا أزواجهم وأولادهم .
وينشأ ناشئ الفتيان منَّا على ما كان عوَّدهُ أبوهُ
وما دان الفتى بحجي ولكن يعوِّده التدين أقربوهُ
فمهما كانت درجة التأثيرات الخارجية ،ومهما بلغ مداها فالأسرة الصالحة تعمل جاهدة لتقوية البناء حتى يصمد في مواجهة الأعاصير العاتية ، لا شغل لها ولا هم يفوق تلك المهمة السامية ، والطفل الذي نشأ في أسرة تحترم التقاليد الحسنة ، وتجل الدين ، وتظلل أبناءها بالحب والرحمة والتسامح والمودة ومحبة الخير والبر ، وتهيئ لهم المناخ الذي ينمي فيهم الاستقامة والمسؤولية ، وتحبب إليهم الأهل والأوطان ، وتربيهم على الشدة في حماية الحقوق والذود عنها ، لا يمكن لمثل هذا الطفل أن يستوي مع آخر خلّفه أبواه يعاني الغربة واليتم ، ويقع فريسة سهلة لتأثير عوامل غريبة غير التي تحبها أو تريدها الأسرة ،وشيئًا فشيئًا ينمو السلوك المنحرف ، فإذا كبر الصغار وكبرت معهم ميولهم الجانحة شقوا عصا الطاعة وأصبحوا مصدر خطر على المجتمع كله ، اسودت الدنيا في عيون الآباء ، وعضوا أناملهم حسرةً على ما كان بعد أن انهدم ما بنوه أو ما ظنوا أنهم بنوه . وإنهم في الحقيقة بنوا قشورًا وصنعوا ثيابًا زاهية تسر الناظرين ، وتخفي تحتها قسوة وغلظة على هذه الأسرة التي لم ترحمهم صغارًا ، وحرمتهم أدنى ما لهم من حقوق ، العطف ، والرحمة ، والسهر ، والتوجيه ، وحراسة النبت من العواصف التي يمكن أن تجتثه من الجذور .. لأنه عاش بلا جذور .
هل يرحم الآباء أبناءهم ؟
إن التحديات التي تواجهنا خطيرة ، ولن يتصدى لها إلا جيل قوي الجذور ، وثيق الارتباط بعقيدته ، يقدِّر مهمته في الحياة ، ويدرك غايته ، وهذا لن يتأتى من جيل مفرَّغ من المبادئ ، جاهل بعقيدته ، تربى في غيبة الأسرة التي تخلت عنه وتركته للرياح تعبث به فانحرف به القصد ، وهوى في دائرة الضياع ، وتلفت الأبناء حولهم فرأوا أنفسهم كاليتامى ، بل أشد ، فاليتيم قد اشتهر أمره وأحاطه المجتمع
برفق ورعاية ، أما هم فالناس عنهم في غفلة وأشدهم غفلة آباؤهم ، وهنا جرى على لساني قول الشاعر الحكيم :
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلّفاه ذليلاً
إن اليتيم هو الذي تلْقى له أُمًّا تخلّت أو أبًا مشغولاً
وذكرت قول الله تعالى لعباده محذرًا من الإعراض عن أمره : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون * ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ) [الأنفال/ 20 ـ 21] .
حمى الله أبناءنا وهداهم إلى الخير والصواب .
ــــــــــــــــــــ(37/45)
قبل أن يتهشم الكوب
مثل جوهرة غالية.. يخشي عليها المرء الضياع أو حتي مجرد التلوث ببعض ذرات التراب .. صنتها.. خبأتها بين عيني .. جعلت منها هدفي وغايتي .. أقسمت علي نفسي أن أصوغ منها نموذجا بلا نقائص .. كيانا إنسانيا يبهر العقول .. صورة نموذجية تتحول إلي قبلة يتحراها طالبو الفضيلة والصلاح .
فعلت ما أستطيع لأجنب ابنتي كل ما يمكن أن يهز قيمها أو يؤثر علي سلوكها.. فالتلفاز يفتح بمواعيد، ونسبقها أنا وزوجي لنشاهد ما تشاهده ، ويختبئ في صندوق أثناء الدراسة والصديقات نزنهن بعين فاحصة تدقق فيهن، وتستبعد من نجد فيها مجرد شبهة ؛ حتي لو كانت لثغة لسان، أو نقصا عن مرتبة متقدمة في امتحانات آخر العام، أو نشأة في أسرة عادية لا تعمل للإسلام.
أزياؤها تفصلها حائكة محل ثقة بعد أن أعياني الحصول علي ملابس مناسبة جاهزة وسط ركام السراويل الضيقة والبلوزات القصيرة والأكمام الشفافة، والفساتين التي تلتصق بالجسم. والتفصيل يتم بمقاييس ومواصفات الزي الشرعي بعد أن أختار أنا الألوان المناسبة الهادئة غير اللافتة للنظر .
قراءاتها نحددها معا- أنا وزوجي - ونشتري لها ما نراه مناسبا دون مشورتها، وإن اقترحت أن تذهب إلي المكتبة لتختار بعض ما تود قراءته نهرتها وقلت بلوم شديد: وهل ستعرفين ما يناسبك أكثر منا؟
كان كل شيء محددا ومقننا ومضبوطا ومحسوبا بدقة، وكانت ابنتي كما أردنا حتي بلغت الرابعة عشر.
حتى وقعت الواقعة، ورأيت بأم عيني ما لصق قدمي بالأرض وأخرس لساني ، وأغرقني في عرق الارتباك والذهول.
كنا في النادي وتلقيت هاتفا عاجلا اضطرني إلي الانصراف وطلبت ابنتي مني البقاء في المكتبة فوافقت ، وبعد ساعتين عادت إلي البيت بملابسها الفضفاضة وغطاء رأسها المنسدل بوقار علي صدرها.
بعدها زارتني صديقة عضوة بالنادي نفسه، ومعها شريط فيديو حول أنشطة النادي ، جلست أشاهده بلا مبالاة ، وانشغلت لدقائق قبل أن أسمع صوت صديقتي تقول باندهاش:
انظري : أليست هذه... ابنتك ؟
ما هذا الذي ترتديه؟
ما شاء الله شعرها رائع.. وساقاها جميلتان ؟ أين كان كل هذا الحسن مختبئا؟
سقط في يدي وقلت بصوت واهن : هي تشبهها بالتأكيد ولكنها ليست ابنتي ، ولكنني دققت النظر فتأكدت أنها هي .. ترتدي الملابس الفضفاضة ذاتها ، ولكنها تحيط خصرها بحزام ضيق .. وشعرها مسترسل وتجلس علي كرسي تقرأ مجلة أمام حمام السباحة، عرفت من صديقتي أن الفيلم تم تصويره يوم تركت ابنتي في النادي وسبقتها إلي البيت فوجدتها هي فرصة للانطلاق والتمرد.
كانت طاعة ابنتي العمياء لي رمادا فوق نار وكان انصياعها المطلق لأبيها ستارا يخفي رغبتها أن تكون لها استقلاليتها ولذلك ما إن غاب القط حتي تقافز الفأر فرحا بنجاته من مخالبه.
واجهت ابنتي وأنا أتصنع ابتسامة.. فبكت وأطرقت ولم تنطق سوي بجملة واحدة : أنتما السبب .. ثم جرت إلي حجرتها وتركتني ذاهلة ؛ حتي عن نفسي .
أفكر فيما قالته، وأراجع تصرفاتي فأكتشف أن لديها كثيرا من الحق ، فالطوق الخانق لا يسعد صاحبه ، والمساحات الشاسعة تربك من يسير فيها فيضل طريقه .
ابنتي في الرابعة عشرة - في بداية مرحلة المصاحبة - سأصاحبها ، ولكن هل سأنجح بعد أن تجاوزت هي مرحلتي اللعب والتأديب ، وفشلنا - والدها وأنا - في أن نمسك العصا من المنتصف ؛ بحيث لا تصبح صالحة للضرب بها ؟
عذرنا نيتنا.. وخوفنا علي فلذتنا، وما نسمعه ونقرؤه من مآس وحوادث تؤكد أن الأمان والأخلاق صارا عملة نادرة .
كنا نريد أن نحميها من كل ماحولها، ولكننا نسينا أن نحميها من نفسها، من ثورة حقوق طفولتها.
صارحت زوجي بما حدث وتناقشنا طويلا ، وكان رأيه أن البنت لم تخلع حجابها خلاعة ، ولم تقصر رداءها انحرافا ، ولكن كان هذان السلوكان وسيلتها للإحساس بالاستقلال ، ولذلك فلا خوف عليها، وأردف مبتسما: سنبدأ من جديد، فالكوب لم ينكسر تماما، إنه الآن علي حافة المنضدة ، ويمكننا برفق أن نحركه إلي منطقة آمنة ، قبل أن يسقط ويتهشم.
ــــــــــــــــــــ(37/46)
الآباء والأبناء في الإسلام
إنّ حب الأولاد ، والرغبة في الاستكثار منهم ، أمرٌ مغروس في النفس البشرية ، فترى الإنسان يبتهج لقدوم الولد ، ويسعد لسعادته ، ويحس بوجوده بمعنى الحياة ، ويتقوى بالولد ويعتز ويمنّي نفسه بالمستقبل الزاهر ، والعزّ الضخم والجاه العريض. قال تعالى: ( زُين للناس حُب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المُسومة والأنعام الحرث ، ذلك متاع الحياة الدنيا)
فالأولاد من متاع الدنيا، وهم زينة الحياة الدنيا. ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) ا لكهف46 ويدعو بعض الباحثين حبّ البنين والرغبة في الاستكثار منهم بـ"غريزة الامتداد في الذراري والأحفاد ) وذلك لأن آمال الإنسان تضيق عنها الستون أو
السبعون من السنين ، فيتطلع المرء إلى أن يخلفه ابنٌ ينسب إليه فيحيي ذكره، ويمتد بالحياة بسببه ولو كان في عالم الأموات ، وهذه الغريزة يستوي فيها الناس جميعاً فقيرهم وغنيهم. وهي من نعم الله التي امتن بها على عباده فقال : ( واتقوا الله الذي أمدكم بما تعلمون . أمدكم بأنعام . وبنين وجنات وعيون ) الشعراء: 130 . وإمتنَّ بها على بني إسرائيل فقال : ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرًا ) . الإسراء: 6.
والإسلام دين الفطرة يحرص على إبقائها نقية خالصة ، لا تشوبها شائبة ، ولا يعكر صفوها دخيلٌ ، وهو في الوقت ذاته لم يصادم الغرائز ، ولكنه يرتقي بها ويوظفها لتكون في خدمة المُثل، ومن أجل بناء الفرد الصالح والبيت الصالح والمجتمع الصالح.
وقد دعا إلى الوفاء والبر عامة ، وخص الوالدين بمزيد من الأمر بالوفاء لهما والبر بهما ، رعاية لهما في حالة شيخوختهما وضعفهما .
هذا الموضوع يتجلى فيه بوضوح الإحكامُ _ الرائع الذي تميزت به شريعة القرآن_ فلم يهمل جانباً ، ولم يُسرف في جانب . وللنظر بإيجاز إلى معالم هذا الموقف الرباني العظيم .
من حقوق الابن على الأب
طالب الإسلام المكلف الذي سيكون أباً بتقدير الأبوة حق قدرها قبل أن يتزوج ، ورغَّب إليه أن يتخير الزوجة الصالحة . فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين ، تَربت يداك ] . رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. ورواه أحمد عن أبي سعيد الخدري بلفظ : تنكح المرأة على إحدى خصال: لجمالها ومالها وخلقها ودينها ، فعليك بذات الدين تربت يمينك .
وقد أثبتت البحوث العلمية أن الجنين تنحدر إليه بعض الصفات الخلقية والنفسية من ناحية الأبوين ، وأنه ينطوي عليها اضطرارياً ، وقد يبلغ الجد الرابع ، فالعرق دساس ، والوراثة أمر محقق علمياً .
ومن طريف ما سمعت أن رجلاً كان يشكو لصديقه عقوق ولده ، وسوء معاملته ، ودناءة طبعه فقال : لا تلُم أحداً .. لكن توجه باللوم إلى نفسك ، لأنك لم تتخير أمه . وقديماً قيل : كادت المرأة أن تلد أخاها .
وهنا تأتي الاستشارة والاستخارة بعد البحث والتخير ، ولا يجوز أن يغامر الفتى في هذا الأمر بسرعة دون أن يستشير أهله وذوي المعرفة ، ويستخير الله تعالى .
وإذا كان ذلك مطلوباً في الماضي فإن طلبه الآن أشد تأكداً ، لأن ممارسة المرء لحقه في الطلاق كانت في الإطار الإسلامي المشروع ، أما الآن فقد أضحى الأمر مختلفاً، وغدا التسرع في الإقدام على هذه الخطوة - دون بحث واختيار ، واستشارة واستخارة - ، ورطة تجلب الشقاء والتعاسة ، وتوجب الندم ، ولات ساعة مندم .
ثم بعد أن يُولد أوجب الشرع على والده المحافظة على حياته ذكراً كان أم أُنثى ، وحرم قتله فقال تعالى:( لا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقهم وإياكم ) ا لأنعام151 وقال : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإياهم )
الإسراء:31 ، فحرم القتل من الفقر القائم ، أو خشية الفقر المتوقع ، وتكفَّل جل وعز برزقهم ورزق الآباء .
وقد روى البخاري عن عروة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية : ( يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم ) الممتحنة:12.
قال عروة : قالت عائشة فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : بايعتك كلاماً ، والله ما مست يدهُ يد امرأة في المبايعة قط ، ما يبايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك .
ثم أمر الإسلام الأب أن يُحسن تسميته، وأوجب رعايته والقيام بشؤونه من إرضاع وكسوة ، وكل ما يحتاج إليه قال تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يُتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، لا تُكلَّف نفس إلا وسعها لا تُضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك ) البقرة:233 .
ثم أوجب عليه الشرع أن يربيه التربية الفاضلة فيعلمه ما يجب عليه من أمور دينه، ويأمره بالصلاة لسبع ويضربه عليها لعشر، ويفرق بينه وبين إخوته في المضاجع ، ويحذره من التهاون في حقه ، ( يوصيكم الله في أولادكم ) النساء: 11 .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ كفى بالمرء إثماً يضيع من يعول ] . رواه الحاكم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ] . رواه ابن حبان.
وعن ابن عمر أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ كلكم راع ومسؤول عن رعيته ، الإمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته ] . رواه البخاري ومسلم.
وقد يتعارض الحب والحنان مع المسؤولية والتربية ، وهنا يأتي التحذير من الضعف أمام الواجب ، والاستسلام للعاطفة ، ونسيان المصلحة الكبرى .
إن الدواء قد يكون مُرَّاً ، فإذا غلبت النظرة السطحية ، وامتنع عن تناوله تفاقم المرض وصعب الشفاء ، وقد ينتهي إلى الهلاك، وكذلك إجراء العملية الجراحية لاستئصال عضو مؤلمة أشد الإيلام ، ولكن يتحمل العاقل آلامها لينعم بالراحة والشفاء فيما بعد .
والأنبياء فُطروا على حب الأولاد ، وابتغاء الخير لهم ، شأنهم في ذلك كشأن الناس فهذا نوح عليه السلام قد عقّه ابنه بالكفر ، وعانده ، ولم يستجب لدعوته، وركب رأسه متحيزاً إلى فئة الكفر ، لكنه عندما أراد عليه السلام أن يركب السفينة تحركت
في نفسه عاطفة الأبوة قائلاً -كما يذكر القرآن -( ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بُني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين . قال سآوي إلى جبل يعصمنى من الماء قال : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ) هود:42
ويبدو أن الحزن خامر قلب الوالد الرؤوف الرحيم على فلذة كبده ، وهو يراه من الهلكى المغرقين ( ونادى نوح ربه فقال رب ان ابني من أهلي ، وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين . قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ، فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) هود:45-46 . وسرعان ما آب الأب إلى الحق مستغفراً ، ولجأ إلى الله تائباً ( قال رب إني أعوذ بك أن أسالك ما ليس لي به علم، وإلا تغفر لي وترحمني أكُن من الخاسرين) هود:47 لا يجوز أن تغير العاطفة حقيقة العلاقة بين المسلمين ، فابن نوح ليس من أهله ، لأنه عمل عملاً غير صالح ، فالأهل - عند الله تعالى وفي دينه وميزانه - ليسوا قرابة الدم ، وإنما قرابة العقيدة . وهذا الولد لم يكن مؤمناً ، فليس إذن من أهله ، وهو النبي المؤمن .
وهذا إبراهيم عليه السلام عندما سمع إكرام الله وتبشيره إياه بإمامة الناس ، أراد أن تكون هذه الإمامة في ذريته ، فجاء التقرير الرباني على نحو ما نقرأ في كتاب الله :
( وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلمات فأتمهن ، قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذُريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) البقرة:124 .
وكذلك فإن سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما كان يدعو ربه كان يشرك أولاده معه في هذا الدعاء : ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبنيَّ أن نعبد الأصنام ) إبراهيم: 25.
إزاء هذا الفيض من العاطفة ، والسيل المتدفق من الحنان، والميل الشديد لاسترضاء الأولاد ، وإدخال السرور عليهم وقف الإسلام وقفة المذكر المنبه الكابح، إذ إن هذا الحنان وهاتيك العاطفة قد تنسيان الأب مهمته في التوجيه والتربية ، فينقلب عندئذٍ إلى منفّذ لأوامر أطفال صغار ، ومسارع في تحقيق رغبات هؤلاء الذين لا يعرفون من الحياة شيئاً ، ولا يدرون ما ينفعهم وما يضرهم .
إن كثيراً من أجيال المسلمين اليوم في عدد من بلاد الإسلام لم يجدوا في والديهم إلا الحنان المحض أو الإهمال اللامبالي .. من أجل ذلك تجد في صفات كثير من مسلمي اليوم الميوعة والضعف والانهزامية واللامبالاة .
وعندما كان الرجل في سابق الأيام مسيطراً على البيت ، كانت شدته وصلابته تخففان من لين الوالدة ، وتكفكفان من تدليلها الأولاد . أما بعد أن استنوق الجمل في كثير من الأوساط ، وأصبح الرجل في بيوت هذه الأوساط لا مهمة له إلا القيام بالخدمات ، وجلب الأغراض والحاجيات ، ودفع الفلوس والنفقات ، ولم يعد يملك من أمر بيته إلا اليسير التافه ، كان هذا الجيل المائع المنهار .
تنبه أيها الأب !!
كان الإسلام في أحكامه وتشريعاته محذراً الآباء ومُنبهاً إياهم إلى أمور :
1. منها أن البنين وإن كانوا هم زينة الحياة الدنيا إلا أن هناك ما هو خير منهم .. هناك الباقيات الصالحات ، قال تعالى : ( المالُ والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ أملاً ) الكهف:46 .
وتشرح آية أخرى هذا الأمر على النحو الآتي : ( زين للناس حُب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومّة والأنعام ، والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حُسن المآب. قُل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مُطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد ) آل عمران:14-15 .
فالجنات والأزواج المطهرة والرضوان من الله خير من كل تلك الشهوات التي كان منها شهوة البنين .
وجاء في كتاب الله تعالى التنبيه على يوم القيامة بالخصوص ، ذاك اليوم الذي لا ينفع هؤلاء الأولاد آباءهم شيئاً : ( يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) الشعراء: 88-89 .
إن الأولاد لا يقربون إلى الله زُلفى إن لم يكن هناك عمل صالح : ( وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زُلفى ) سبأ:37 .
إن الميزان يوم القيامة ميزانٌ لا يعبأ بما تعارف عليه الناس في دنياهم من روابط وعلاقات وقيم ، وإن المرء لا ينفعه في ذاك اليوم الرهيب إلا ما قدّم من الأعمال الصالحة : ( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير ) الممتحنة: 3.
2. التهديد الشديد ، والوعيد المخيف لمن يقدم أولاده في المحبة على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والجهاد في سبيله ، قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباؤكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان، ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون . قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) التوبة:23-24. وإنه لتهديد يخلع القلوب ويذهب بالألباب .
3. التحذير من فتنة المال والأولاد ، والتحذير من أن تلهي المرءَ أموالُه وأولاده عن ذكر الله ، فقد ينتهي المرء أحياناً إلى الكفر بسبب ولده .. قد ينتهي إلى المعصية والتقصير والتقاعس عن القيام بالواجب .
وقد رأينا في واقعنا ناساً كانوا طيبين ، حملتهم عاطفة المسايرة لأولادهم على تأييد الباطل ضد الحق ، ونصرة الكفرة على المسلمين ، لأن أولادهم قد ضلوا عن سواء السبيل ، وانحازوا إلى جانب الانحراف .
وقص الله تبارك وتعالى علينا في قصة موسى مع العبد الصالح ، فقال عز وجل : ( وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يُرهقهما طُغياناً وكفراً فأردنا أن يُبدلهما ربهما خيراً منه زكاةً وأقرب رحماً ) الكهف: 80-81 .
لقد حذرنا الله سبحانه من الانسياق وراء الأولاد ، متخطين حدود الله ، فذكر أن منهم أعداء فقال : ( إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم، وإن تعفوا
وتصفحواوتغفروا فإن الله غفور رحيم . إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجرٌعظيم ) التغابن: 14-15.
فالأزواج والأولاد قد يكونون مشغلةً وملهاةُ عن ذكر الله ، كما أنهم قد يكونون دافعاً للتقصير في تبعات الإيمان . والمجاهد في سبيل الله يتعرض لخسارة الكثير وتضحية الكثير ، كما يتعرض هو وأهله للعنت ، وقد يتحمل العنت في نفسه ولا يحتمله في زوجه وولده فيبخل ويجبن ليوفر لهم الأمن والقرار أو المتاع والمال، فيكونون عدواً له ، لأنهم صدوه عن الخير، وأعاقوه عن تحقيق غاية وجوده الإنساني العليا ، وقد اعترف بعض المتقدمين بأن الذي زين له القعود عن الجهاد والحرب بناته الضعيفات ، فقال :
لقد زاد الحياة إليّ حباً بناتي إنهنّ من الضعافِ
أحاذر أن يرين الفقر بعدي وأن يشربن رنقاً بعد صافِ
وأن يعرين إن كُسي الجواري فتنبو العين عن كرم عجافِ
أبانا مَن لنا إن غبت عنّا وصار الحيّ بعدك في اختلاف
ولولا ذاك قد سومت مُهري وللرحمن في الضعاء كاف
وحذرنا جل جلاله من أن تلهينا أموالنا وأولادنا عن ذكره سبحانه ، وعدّ من يفعل ذلك خاسراً ، فقال : ( يأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) المنافقون: 9 .
وإننا لنبصر في واقعنا حال كثير من هؤلاء الآباء الذين تلهيهم أموالهم وأولادهم عن ذكر الله كيف يخسرون الهدوء والطمأنينة ، والراحة والسعادة ، يخسرون ذلك في سن الشباب والكهولة ، ثم هم بعد أن تتقدم بهم السن لا يستطيعون أن يتنعموا بالأموال التي جمعوها ، وقد ينساهم أبناؤهم ولا يلتفتون إليهم .
سمعت أن واحداً من هؤلاء الساقطين من الأبناء حمل أباه إلى مأوى العجزة لكيلا يضايقه أو يزعج زوجته ، وأعرف آخر أرسله أبوه إلى ديار الغرب ليدرس ويعود، وكان يؤثره بالمبلغ الذي يطلبه ، ويؤثره على نفسه ودوائه وطعامه ، فلما تخرج تزوج من تلك البلاد واستقر هناك .. ولم يأت ليرى أباه على فراش المرض يودع الحياة . أيّ خُسران في الدنيا أكبر من هذا ؟!! وأما في الآخرة فإنهم صائرون إلى عالم الغيب والشهادة ، شديد العقاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون .(37/47)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
الأسرة اليوم
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(38/1)
أولياء الأمور و الواجبات المدرسية
تعد الواجبات المنزلية واحدة من أهم مصادر الصراع بين الأطفال والآباء، حيث يتهرب الأطفال من أداء واجباتهم المنزلية ، فهم يماطلون ويؤجلون أداءها حتى اللحظة الأخيرة، ويختلقون الأعذار ويؤدون منها أقل ما يمكن، ويستغرقون وقتًا أطول لأدائها، أو يقومون بأدائها بسرعة شديدة، ولا يبذلون قصارى جهدهم، لذا يشعر الوالدان بالإحباط والغضب من جراء مثل هذا السلوك، فكيف نتفادى هذه المشاجرات؟ وما دور الآباء والأمهات فى مساعدة أبنائهم لإنجاز هذه الواجبات ؟
يقول د. سال سيفير - الخبير التربوى: يعلم الآباء أن الواجبات المنزلية تقوى وتدعم مهارات أبنائهم، فالممارسة تصنع التفوق، بينما يراها الأطفال كعمل متكرر ومضجر.
يعلم الآباء أن الأبناء الذين يقومون بأداء واجبات منزلية باهتمام دائمًا ما يتعلمون أكثر، ويحصلون على أعلى الدرجات، بينما يرى بعض الأطفال الواجب المنزلى كعقاب لأنهم لا يقومون بأداء كل واجباتهم فى المدرسة.
لذا يحتاج كل من المعلمين والآباء أن يكونوا شركاء فى تنمية العادات الصحية لأداء الواجبات المنزلية، ويقع على عاتق المعلم مسئولية التأكيد على أن الواجب المنزلى ليس عملاً شاقًا، فضلاً عن أنه ينمى مستوى قدرات الطفل.
لذا فلا بد أن تتسم هذه الواجبات بالاعتدال، فإذا قام طفلك بأداء واجبه فى ساعة كاملة، ولم يكن يستحق هذا العمل أن يستغرق سوى عشر دقائق؛ فعليك الاتصال بمعلمه فى الحال؛ لأن هذا الواجب فى حاجة إلى تعديل، حيث يفترض أن يؤديه طفلك بإتقان وليس بتوان.
وعلى المعلم أن يتبع برنامجًا محفزًا يدفع الطفل لاستكمال واجباته المنزلية فى وقتها، وبأفضل جهوده، وذلك بمنح النجوم للذين يؤدون واجباتهم المنزلية على أكمل وجه، مقابل مزاولة الأنشطة داخل الفصل. يعتقد هؤلاء المعلمون أن الأطفال يجب أن يقوموا بالواجبات المنزلية؛ لأنها البرهان على شعورهم بالمسئولية، وهذا صحيح فالأطفال فى حاجة إلى أن يعلموا قيمة الاستذكار بالمنزل.
ورغم ذلك، إذا لم يكن لدى الطفل الدافع الداخلى لإتمام واجبه المنزلى، فإن المعلم غالبًا ما يولد الدافع الخارجى لجعل الأمور تسير فى الاتجاه الصحيح، فإذا لم يكن لدى طفلك الحافز، ولم يكن لدى معلمه برنامج تحفيزى، فيمكنك أن تطور برنامجًا خاصًا بك فى البيت.
ويقدم د. سيفير للوالد عدة عوامل لتحديد الوقت لتطوير أساليب ناجحة لأداء الواجبات المنزلية، ويقول له: عليك أن تزور أو تتصل بالمعلم المسئول عن طفلك وتسأله عن سياسته فى الواجبات المنزلية التى يعطيها لطفلك، واطلب منه أن يخطرك بأى تطورات أو عند ظهور مشروعات خاصة، مثل: سؤاله عن الوقت الذى يجرى فيه الاختبارات لطفلك، هل سيكون هناك متابعون لمذاكرة الطفل؟ فهذه المعلومات ستمكنك من تطوير خطة للواجبات المنزلية.
لا تقم بهذا الخطأ !!(38/2)
ويخاطب د. سيفير كل أب قائلاً: يحتاج الأطفال إلى معرفة أن أداء الواجبات المنزلية هو مهمتهم، وليست مهمتك أنت، حيث يتوجب على الكثير من الآباء مساعدة أبنائهم فى أداء واجباتهم كل يوم، فكل واجب يعد بمثابة صراع بين طفلك ومدرسه، وأنك فقط مجرد معاون له، فوظيفتك تنحصر فى المساعدة، وليس فى أن تقوم أنت بأدائه بدلاً منه. لا تقم بهذا الخطأ، فإذا كنت قد وقعت فى هذا فعليك أن تتوقف من ليلتها؛ أخبر طفلك أن مهمتك تجاهه هى أن تساعده وأن مهمته هى أن يتم هذا الواجب.
وهذا هو ما يمكنك فعله لمساعدة طفلك ، تأكد من أن طفلك لديه وقت كافٍ لأداء واجباته المنزلية، فالأطفال عادة ما يمارسون العديد من الأنشطة مثل ألعاب القوى والكشافة، هذه أنشطة ممتازة، ولكن لا بد أن ينال الواجب المنزلى الأولوية.
ويحدد د. سيفير بعض الخطوات التى تساعد فى إنجاز الواجب المنزلى:
- تحديد وقت ثابت يوميًا لأداء الواجبات المنزلية؛ عليك بالتفاوض حول هذا الوقت مع أطفالك إذا كان ذلك ممكنًا.
- إعادة تنظيم الأوقات لممارسة بعض الأنشطة إذا كانت تمثل ضرورة بالنسبة لهم.
- مناقشة معلم طفلك فى تحديد الوقت المطلوب، فإذا لم يكن لدى طفلك أى واجبات منزلية فيمكنه القراءة من كتبه المفضلة لمدة 30 دقيقة.
- تحديد مكان ثابت لأداء الواجبات المنزلية، فلا بد أن يكون هذا المكان خاليًا وعليك بإغلاق التلفاز أثناء أدائها.
- التأكد أن لدى طفلك منضدة وكرسيًا يخصانه ، و يمكن أن تفى منضدة المطبخ بالغرض، طالما أن المطبخ مكان هادئ.
- تأكد من وجود إضاءة كافية، وعليك بإحضار كل ما هو ضرورى ليكون فى متناول يد طفلك، حتى لا يضيع الوقت المخصص لأداء الواجبات فى الحصول عليها.
- وعليك بتقسيم هذه الواجبات إلى أجزاء أسهل؛ فهذا أمر يؤدى إلى نتيجة جيدة. راجع الواجبات مع طفلك من خلال قراءة التوجيهات والتأكد من استيعاب طفلك لها.
- مناقشة السؤال أو المشكلة الأولى التى تصادف طفلك معه ، فهذا سيجعله يدرك أن الأمر لا يمثل صعوبة كبيرة.
- تشجيع طفلك فى كل خطوة: «إنك ستقوم بالثلاث خطوات القادمة بنفسك وسأعود لأراجعها معك».
- أخبر طفلك أنك لا تشك فى قدراته على أداء واجباته وبذل قصارى جهده «لقد قمت بأداء الخطوة الأولى بشكل صحيح و أعرف أنك ستستطيع أداء الثلاث التالية بنفس الطريقة»، لكن كن مستعدًا للإجابة عن الأسئلة التى يطرحها طفلك.
- يقاوم بعض الأطفال أداء واجباتهم؛ لأنهم يتساءلون عن أهمية هذه الواجبات، ولكن لا بد أن تُفهمه أن عليه أن يؤدى هذه الواجبات، وأنه ليس ملزمًا بأن يحبها، ولكنه ملزم بأدائها.(38/3)
وهذا ما يحدث فى العالم الواقعى ، فكل منا لديه جوانب فى وظائفه ليس لها معنى وتتسم بالملل، ولكن نعتاد على أدائها رغم ذلك.
- عليك بتعليم طفلك أن يقوم بأداء الأسوأ أولاً، فإذا واجه طفلك صعوبة فى واجبات مادة الرياضيات فاجعله يؤديها أولاً، وينتهى منها، فسيشعر بالارتياح. أما باقى الواجبات فستكون أقل مضايقة له. إن أداء الواجبات الأصعب أولاً يمثل معنى مهمًا؛ لأن طفلك يكون عقله أكثر نشاطًا.
- اجعل طفلك يأخذ رقم هاتف أحد أصدقائه فى كل فصل ، فإذا ما واجه طفلك صعوبة أو نسى واجباته، أو كان مريضًا يومًا ما فيمكنه الاتصال بأحد زملائه لينال المعلومات والمساعدة.
- وليدرك الوالدان أن بعض الأطفال يتعجلون فى أداء واجباتهم، وهذه تمثل مشكلة فى حالة كون العمل غير متقن أو دقيق، أما إذا كان العمل متقنًا وصحيحًا، فهذا يعنى انتهاء الواجبات فى هذا اليوم.
- عدم معاقبة طفلك على أدائه السريع لواجباته، طالما أنه دقيق فى أدائه، فإذا كان العمل غير دقيق أو محكم، فعليك بجعل طفلك يعيد أداءه مرة ثانية، فإذا شعرت أن طفلك سريع، فاجعله يعرف قواعدك عن الوقت.
ـــــــــــــــــــ
فسخ الخِطبة .. خيرها في غيرها !!
ذهبت هند مع والدتها لزيارة خالتها ولقاء ابنتها حصة فهي أعز صديقة لها، ما إن وصلتا إلى البيت حتى انزوت هند مع حصة في غرفتها وراحتا تتجاذبان أطراف الحديث الذي بدأ كالعادة عن خطيبها راشد المبتعث في الخارج للدراسة.
كانت هند تعرف أن بينهما سوء تفاهم وخلافات بسبب طول مدة الخطبة (عامان) وتمسك راشد بإنهاء دراسته تمامًا قبل التفكير في الزواج ، أخبرتها حصة أنه وعدها في آخر مكالمة بأن يخبر والدها بقراره الأخير في هذا الموضوع ، انتقلتا إلى موضوع آخر ثم جاء أخوها الصغير يطلبها لملاقاة والده.
طال غياب حصة عند والدها وفجأة سمعت هند استغاثة خالتها، هرولت إليها لتجد حصة مغمى عليها، وكل من حولها يتمتم بكلمات من نوع "ما يستاهلك، ليس من نصيبك، الله يرزقك بأحسن منه .. كل شيء قسمة ونصيب". لم تكن هند بحاجة لتسألهم عما جرى، فقد أخبر خطيبها والده بأنه قرر فسخ الخطبة.
ستة أشهر كاملة قضتها حصة في معاناة وألم، فقد استدعى الأمر مراجعتها لطبيبة نفسية، وهاهي الآن تتماثل للشفاء تدريجيًّا جرَّاء تلك التجربة الأليمة.
أما نوف فقد كانت على النقيض تمامًا من حصة؛ فبعد خطبتها وعقد قرانها تأكدت أن الاختلافات الشخصية بينها وبين خطيبها لن تجعل منهما نواة لمشروع زواج سعيد، وتأكدت أن هذه الاختلافات ليست من النوع الذي يُعوَّل على الزمن لإصلاحه أو تغييره، فما كان منها إلا أن أخبرت والدها أنها تريد فسخ الخطبة، ورغم أن الوالد احتار في تدبير مبلغ المهر الذي دفعه الخطيب قبل عقد القرآن إلا أنه في النهاية اقتنع بوجهة نظر ابنته وتم فسخ الخطبة دون أي مشكلات.
نموذجان متناقضان !(38/4)
حكاية حصة ونوف نموذجان لفسخ الخطبة على النقيض من بعضهما البعض.. لكن المحزن أن فسخ الخطبة غالبًا ما يترك آثاره السلبية على الفتاة، لاسيما أن بعض المجتمعات تنظر إلى من فسخت خطبتها كأنها طلقت، إذ تلوكها الألسن، وتزداد الأسئلة عن أسباب هذا الفسخ وتتعدد الاجتهادات والشائعات التي تكون في معظمها ضد الفتاة لدرجة أن كثيرًا من الشباب يترددون في خطبة من سبق فسخ خطبتها.
لهذه الأسباب تتردد الفتيات المخطوبات في طلب فسخ الخطوبة الذي يتم في الغالب بقرار من الشاب.. بل إن كثيرًا من الفتيات قد يكتشفن في الخاطب من العيوب ما يحتم فسخ الخطبة لكنهنَّ يترددن ويمضين في مشروع الزواج على أمل الإصلاح بعد الزواج، وهذا من أخطر الأخطاء التي تقع فيها الفتيات، فرغم كل ما يقال عن فسخ الخطبة إلا أنه يظل أخف وطأة من الطلاق.
الجزء الأكبر من معاناة الفتاة التي تفسخ خطبتها يأتي من المجتمع، لكن تجاوز آثار هذه التجربة يتوقف عليها.. أول خطوات هذا التجاوز ألا تعتبر ما حدث مصيبة أو كارثة وتطرد أي إحساس سلبي يراودها حول نفسها وتنظر للأمر على أنه أقدار وأرزاق وتدع لنفسها الخيال وتتصور أن الزواج تم بينهما، وأصبحت حياتهما الزوجية جحيمًا لا يطاق لم تجد له مخرجًا إلا بالطلاق بعد إنجاب الأبناء، عندئذ تتمنى أن لو كانت قد فسخت خطبتها..
ومن المهم أن تضع هذه التجربة في موضعها الحقيقي فلا ترفض كل من يتقدم لخطبتها خشية أن يكون مثل خطيبها السابق، ولا تسارع بقبول أي خاطب لها لتثبت أنها مطلوبة وأن العيب في خطيبها السابق وليس فيها. وإذا وُفقت في خاطب جديد فلا تخفي عنه فسخ الخطبة السابقة وإلا ظنَّ بها السوء.
أعرف فتاة تركها خطيبها بعد أن عرف من أقاربها أنها كانت مخطوبة فعندما سألها عن سبب إخفاء هذا الأمر عنه لم تجد مبررًا، فدفعته الظنون إلى أنها السبب وتأكد أنها مادامت قد أخفت عنه موضوعًا كهذا في بداية مشوارهما فلن تصلح زوجةً.
التقليل من شأن فسخ الخطبة لا ينبغي أن يدفع الفتيات المخطوبات إلى التفكير في الفسخ كلما واجهت إحداهن مشكلة أو اكتشفت عيبًا في خاطبها، إذ يجب النظر إليه على أنه بشر يصيب ويخطئ ولا يخلو من العيوب لاسيما إذا كانت عيوبًا لا تطعن في خلقه أو دينه.
ــــــــــــــــــ
مجلة الأسرة العدد 163
ـــــــــــــــــــ
حتى لا يفسد صومك !!
رمضان شهر عبادة وليس شهر صوم فقط، فهو جامع للصلاة والصيام والزكاة والعمرة والصدقة وتلاوة القرآن وصلة الأرحام، وكل أعمال البر والطاعة، فعلى المسلمة أن تهيئ نفسها لاستقبال هذا الشهر بالتوبة والصدق والعزم على الطاعة وفعل الخيرات.(38/5)
وقد تقع بعض النساء في المحاذير التي تخرج هذا الشهر عن خصوصيته، وتوضح لنا الأستاذة عزة سمير - الداعية الإسلامية، ومدرسة التنمية البشرية - هذه المحاذير في النقاط التالية:
1 - احذري الحماس للعبادة أول الشهر، ثم الفتور شيئًا فشيئًا، وحتى لا يحدث ذلك لا بد أن تجلسي مع نفسك قبل رمضان لإعداد جدول للعبادة في هذا الشهر يشمل الصيام والصلاة وصلاة التراويح وختم القرآن والصدقة وإطعام الطعام وصلاة النوافل وصلة الأرحام، ومساعدة المحتاج، وجميع العبادات حتى تحاسبي نفسك يوميًا، وتقيمي عملك أولاً بأول حتى تتداركي أي تقصير قبل فوات الوقت والندم عليه، ودائمًا اكتبي نيات كل عمل حتى إذا شعرت بالفتور رجعت لهذه النيات ليتجدد الحماس.
2 - لا تتساهلي في أداء الصلوات أو تركها بحجة الانشغال في المطبخ أو رعاية شئون المنزل والأولاد، فالصلاة ركن مثل الصيام، ولا يعقل الحفاظ على الصيام والتفريط في الصلاة، ولا سيما أنها أعظم منزلة عند الله تعالى.
3 - لا تكثري من الجلوس أمام التلفاز؛ لأن ما يعرض فيه من مسلسلات وأفلام ومسابقات وغيرها مضيعة لأعظم وقت في السنة؛ فضلاً عن أن بعض هذه البرامج فيه من المحرمات.. والأولى استغلال كل دقيقة في الطاعات حتى الأمور الحياتية العادية يمكن أن تصبح عبادة باستحضار النية لله.
4 - لا تجلسي في مجالس الغيبة والنميمة واللغو والكلام عن فلانة وعلانة، وتضييع الوقت في الكلام بالهاتف بحجة (سلى صيامك)، فتكوني قد صُمت عن الأكل والشرب المباح وأفطرت على لحوم البشر، والرسول (عليه الصلاة والسلام) يقول: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه».
5 - تجنبي التجوال فى الأسواق وإهدار الوقت في شراء مستلزمات رمضان وحاجيات العيد، والأولى توفير وقت رمضان فى العبادة، وقومي بشراء كل ما يلزمك لرمضان والعيد قبل بداية الشهر الكريم حتى تتجنبي الزحام وتضييع الوقت، وتذكري أن رمضان شهر ترشيد الاستهلاك وليس العكس.
6 - احذري المكث في المطبخ لساعات طويلة لتحضير أطايب الطعام والحلويات والعصائر، وتضييع وقت السحر في تحضير السحور؛ فشهر رمضان شهر صوم وليس شهر أكل.. ، أما أن تقضى المسلمة وقت رمضان فى التفنن فى تحضير كثير من الأصناف لليوم الواحد، مما يصيب أهل البيت بالتخمة وعدم القدرة على تأدية الصلاة والعبادة، فليس هذا هو المقصد من عبادة الصوم، والأولى أن تجعلي طعامك صحيًا ومتوازنًا، وتتبعي السنة .
7 - لا تضيعي وقتًا طويلاً في النوم؛ فبعض النساء يظللن مستيقظات طوال الليل أمام التلفاز أو أحاديث السمر، أو حتى في تحضير وجبة السحور، ثم ينمن قبل الفجر مباشرة ويضيعن صلاة الفجر ويظللن نائمات حتى الضحى، أو وقت الظهر، ومن الأفضل النوم عقب صلاة القيام، ثم الاستيقاظ قبل الفجر لصلاة التهجد والسحور، ثم صلاة الفجر، ثم الجلوس للشروق، وبعدها يمكن الحصول على قسط آخر من النوم، واجعلي نيتك في النوم التقوي على الطاعة، حتى يحسب لك فيه(38/6)
أجر، ولا بد من حسن إدارة الوقت في كل حياتنا، وبالأحرى في رمضان فوقته من أثمن الأوقات.
8 - لا تحزني إذا رأيت الحيض، أو أصبحت نفساء؛ فهذا عذر عارض يمنع صاحبته من بعض الطاعات كالصيام والصلاة، لكنها تستطيع بالمحافظة على نيتها أن تأخذ أجر ما كانت تعمله وهى صحيحة من العبادة والطاعة، ولم يمنعها عن مواصلتها إلا هذا العذر، وتستطيع أن تقضى وقتها في الذكر والتسبيح والدعاء، وسماع القرآن، وسماع المفيد من الخطب والدروس، وإطعام الطعام، ومساعدة المحتاج، وتوزيع الصدقات، والكثير من أعمال البر والطاعة.
9 - احرصي على معرفة أحكام دينك؛ فبعض النساء يجهلن كثيرًا من أحكام الصيام، وصلاة الجماعة، والطهارة، وأحكام الحمل والرضاع، والحيض والنفاس فيقعن فى محظورات قد تفسد صومهن أو صلاتهن، ولذا يجب عليها معرفة هذه الأحكام حتى تحفظ عباداتها من النقص أو الفساد.
10- لا تصطحبي أطفالك الصغار للمسجد في صلاة التراويح، مما يسبب الإزعاج للمصلين فتؤدى سنة وتقعي في الإثم بإيذاء المصلين، أو تتركي أولادك في الشارع حتى تذهبي للصلاة فتؤدى سنة وتقصرى في واجب رعاية الأولاد... وإليك اقتراحًا قد يكون مفيدًا يمكنك الاتفاق مع مجموعة من أخواتك لتصلين التراويح في المسجد على أن تستأجرن أختًا لرعاية أولادكن.. أو تتبادلن رعاية الأولاد فيما بينكن، فتمكث إحداكن مع الأولاد، وتصلى باقي الأخوات؛ فتتمكن كل واحدة من صلاة القيام في المسجد معظم الأيا
ـــــــــــــــــــ
اللحوم المصنعة أسرار وأخطار
يفضل الكثير من الناس استخدام اللحوم المصنعة في غذائهم كالبسطرمة واللانشون والسجق والهامبورجر وغيرها لمذاقها الخاص وطعمها المميز
هذه اللحوم عبارة عن أغذية يعاب عليها ارتفاع معدلات السعرات الحرارية وارتفاع معدلات الدهون المشبعة الغنية بالكولسترول، وأيضًا الأملاح المتعددة التي تضاف لها لكي تعمل – كمضادات للميكروبات – على تجفيفها أو حفظها.
الخطورة تأتي للحوم المصنعة من هذه الإضافات، ومن بينها مواد مثل أحادي جلوتيوميت الصوديوم أم أملاح الفوسفات أو النترييت، فالمادة الأولى تستخدم لإعطاء النكهة لهذه اللحوم وتستخدم بكثرة من مطاعم جنوب شرق آسيا مع الحساء لتعطي نكهة اللحوم، ولكن ثبت أن هناك أعراضًا مرضية ظهرت على المستهلكين مثل الاضطرابات العصبية.
كما تضاف أملاح الفوسفات إلى محاليل معالجة اللحم بهدف حبس الماء ويستفاد من حبس الماء قدرة الحمولة المائية في تصنيع بعض المنتجات مثل الهوت دوج والبلوني وغيرهما.
أما أملاح النتريت فهي تستخدم لأكثر من غرض أولها إعطاء اللحوم اللون اللوردي الزاهي الذي يميز العديد من اللحوم المصنعة، وثانيها استخدامها كمادة حافظة من بكتريا التسمم الغذائي، وثالثهما كمادة مضادة لأكسدة الدهون في اللحم، وأخيرًا(38/7)
للحفاظ على طعم اللحم، وخطورة أملاح النتريت أنها تتحد مع أجزاء من البروتين الأمينات وتكوّن النيتروزأمين الذي قد يؤدي إلى الإصابة بالسرطان فقد أظهر هذا المركب خطورته على حيوانات التجارب.
وعلى الرغم من ذلك يؤيد البعض استخدام النتريت في حفظ اللحوم المصنعة وحجتهم أن خطورته تكون في زيادة الكمية المضافة منه (الجرعة المضافة) ويستشهدون على حصول الإنسان على أملاح النتريت من التربة ومن الخضروات، كما أنها موجودة أيضًا في لعاب الإنسان، وأن البروتين يبقى في الجهاز الهضمي مدة طويلة نسبيًا وتكوّن النيتروزأمين بنسب بسيطة لا خطورة منها، وتحدد التشريعات الدولية بدقة صارمة هذه الكميات والحدود الآمنة منها.
وخطورة أخرى للحوم المصنعة تأتي من إضافة مضادات الأكسدة التي تستخدم لحفظ المواد الدهنية من التزنخ إلا أن إضافتها تتم بنسب تتعدى المسموح به والبديل الآمن هو إضافة مواد طبيعية بدلاً منها.
تصيب بالسكري:
واكتشف باحثون في جامعة هارفارد الأمريكية أن المرتديلا والسجق وغيرهما من اللحوم المعالجة تزيد خطر إصابة الرجال بداء السكري.
ووجد العلماء أن الرجال الذين يستهلكون اللحوم المصنعة مثل السجق والبيكن والسلامي والمرتديلا وغيرها لخمس مرات أو أكثر أسبوعيًا يكونون أكثر عرضة للإصابة بسكري النوع الثاني بنسبة 46% مقارنة مع من يتناولون مثل هذه اللحوم بكميات أقل.
ولاحظ الباحثون بعد تحليل المعلومات الغذائية عن 12 سنة ماضية لأكثر من 42 ألف رجل تراوحت أعمارهم بين 40 و75 عامًا، أنه كلما تناول الرجال كميات أكبر من اللحوم المصنعة زاد خطر إصابتهم بالسكري.
ويرى الخبراء أن مواد النتريت الموجودة في اللحوم المعلبة والمصنعة تؤذي خلايا البنكرياس المنتجة لهرمون الأنسولين الذي يساعد في تحويل السكر إلى طاقة في الجسم، وشدد هؤلاء في الدراسة التي نشرتها مجلة العناية بمرضى السكري الصادرة عن الجمعية الأمريكية لمرض السكري، على ضرورة الاعتدال في تناول اللحوم المصنعة وليس التخلي عنها تمامًا، مؤكدين أهمية إجراء المزيد من الدراسات للكشف عن تأثيراتها، لاسيما أن تناولها يتم مع أطعمة دسمة أخرى مثل البطاطس المقلية.
ـــــــــــــــــــ
فى انتظار أغلى ضيف
تهل علينا نفحات رمضان، فتحرك فينا مشاعر الشوق واللهفة للقاء تلك الأيام الرائعة التى تنقضى سريعًا قبل أن ينطفئ شوقنا إليها، وحتى نستقبل هذا الشهر الكريم بما يستحق من احتفاء علينا أن نستعد روحيًا، ونفسيًا، وسلوكيًا، ونعد بيوتنا أيضًا لهذا الحدث السنوى العظيم.
الاستعداد الروحى
1 - استشعار فضائل رمضان ونفحاته بالقراءة المتعمقة فيها.(38/8)
2 - تدعيم الزاد الفقهى حول أحكام الصيام، وتثبيت المعلومات المتعلقة به، بحيث لا يقع أى منا فى أخطاء ومحظورات ناتجة عن الجهل بهذه الأحكام، أو اختلاط الأمور بشأنها.
3 - اختيار موضوعات فى التفسير والفقه والحديث والثقافة الإسلامية بشكل عام لدراستها خلال شهر رمضان، وذلك بتسجيل هذه الموضوعات، وأمام كل موضوع المراجع التى سيتم الاستعانة بها، ويستحب أن تكون هذه المدارسة جماعية فى الجلسة الأسرية.
4 - استرجاع الأهداف التى تحققت فى رمضان الماضى «ختم القرآن مرتين» الصدقة اليومية، صلاة القيام بجزء يوميًا، تفقد أحوال فقراء الحى، ووضع خطة بأهداف جديدة لرمضان القادم.
5 - التوبة الصادقة النصوح والإلحاح فى الدعاء بالتماس العون من الله على هذه التوبة وقبولها.
الاستعداد النفسي
1 - إعداد النفس لتلقى نفحات رمضان من خلال استشعار الشوق لهذا الشهر الكريم والفرح بمجيئه واستعادة الأحداث الطيبة والذكريات الجميلة التى صاحبت هذا الشهر فى العام الماضى أو الأعوام الماضية.
2 - الاستعداد للصوم بصيام أيام من شعبان والاعتدال فى المأكل والمشرب، حتى لا يكون الصوم ثقيلاً وشاقًا على النفس، خاصة فى الأيام الأولى من الشهر.
3 - تصفية الأجواء فى البيت، والاجتهاد فى إصلاح ذات البين بين أفراد الأسرة ليستقبل الجميع رمضان بنفوس نقية صافية.
4 - استشعار أجر الصدقة والادخار بقدر الإمكان للوفاء بحق الفقراء.
5 - تفقد أحوال الجيران والحديث معهم عن كيفية الاستعداد لرمضان، وتبادل الأفكار والاقتراحات فى هذا الأمر.
6 - تعليق «البوسترات» والرموز الرمضانية «فوانيس، زينة، أدعية مرتبطة برمضان» على جدران البيت لإعطاء إيحاء بالأجواء الرمضانية المبهجة.
7 - التحاور حول أفضال رمضان وفضائله خلال الجلسة الأسرية قبيل حلول الشهر الكريم لتهيئة جميع أفراد الأسرة نفسيًا لاستقبال أغلى ضيف.
8 - اشتراك جميع أفراد الأسرة فى إعداد البيت لاستقبال رمضان، سواء بالترتيب والنظافة أو تعليق الملصقات واللوحات الرمضانية.
الاستعداد السلوكى
1 - مصارحة النفس بالعيوب والأخطاء التى حدثت خلال العام الماضى، وعقد نية صادقة فى التوبة عنها وإصلاح النفس.
2 - أن يسأل كل فرد فى الأسرة باقى الأفراد عما ضايقهم أو ساءهم منه بعد رمضان الماضى ويحاول تغيير نفسه وتجنب ما يضجر الآخرين منه ليأتى رمضان فى أجواء أسرية وسلوكية طيبة.(38/9)
3 - وضع هدف سلوكى معين لتحقيقه فى رمضان «التخلص من التسويف، حسن الاستفادة بالوقت، حفظ اللسان والتخلص من الثرثرة، خفض الصوت، التعاون مع أفراد الأسرة».
إعداد البيت
1 - وضع خطة لترتيب وتنظيف البيت قبل رمضان من خلال:
- فرز وتصنيف الأشياء الزائدة والتصدق بها «ملابس، أدوات مطبخ، أدوات مدرسية»، على أن يقوم كل فرد بفرز ما يخصه واحتساب الأجر فى هذه الصدقة.
- القيام بأعمال النظافة الأساسية خلال ثلاثة أيام متتابعة «غسل السجاجيد، غسل الستائر، تنظيف الجدران».
- ترتيب الأغراض الخاصة بكل فرد والحفاظ على هذا الترتيب قدر الإمكان لتقليل الجهد والوقت المبذولين فى الترتيب اليومى للبيت.
- تنظيف الحمام والمطبخ خلال يومين، ووضع ورق حرارى «فويل» على الموقد، بحيث لا يُغسل إلا كل أسبوع خلال رمضان مع إعادة ترتيب المطبخ، بحيث تكون الأدوات الأكثر استخدامًا فى متناول اليد.
- إضافة لمسات جمالية بسيطة على البيت «لصق ورود من القماش على الستائر وتغيير المفارش الصغيرة الموضوعة على المناضد أو فوق التلفاز والفيديو، أو على الأنتريه فى غرفة الاستقبال لإضفاء مظهر جديد على البيت».
- وضع جدول بالمهام اليومية لتنظيف وترتيب البيت، وتوزيع المهام على أفراد الأسرة بشكل اختيارى، ومن خلال الحوار والشورى، وتحديد جائزة فى نهاية رمضان لأكثر الأفراد أداء وإجادة لمهامه.
2 - إعداد مكان الجلسة الأسرية التى تعقد قبيل الإفطار أو فى الموعد الذى يتفق عليه أفراد الأسرة بشكل جذاب وجمالى يحبب الأبناء فى الجلسة.
3 - شراء المستلزمات الخاصة برمضان ووضعها فى أماكنها تلافيًا للارتباك والفوضى «التمر، هدايا، تهنئة الجيران برمضان، كروت، كتيبات».
- المواد الغذائية التى يمكن إعدادها مسبقًا لتقليل وقت إعداد الطعام.
ـــــــــــــــــــ
مآسى جحود الأبناء على أسِّرة المستشفيات
تتراقص الفرحة فى عينى كل أم حينما تعرف أن فى أحشائها جنينًا.. وتكبر الفرحة مع أول ابتسامة وأول صرخة لفلذة الكبد.. تتفانى الأم وتبذل عمرها وراحتها لأجله أو لأجلها، وتمر السنون ليحين وقت حصاد الغرس.. ترى ماذا تحصد أمهاتنا؟.. وماذا يجنى آباؤنا من سعى العمر الطويل ومعاناة السنين؟.. تجولت فى بعض المستشفيات، وصدمتنى الإجابة!
رأسها الأشيب محاط بالضمادات.. آهاتها تكسر القلب، والحزن يسكن عينيها.. هى أم سقطت فى حمام منزلها، وهى تعيش وحدها بعد زواج أبنائها، وظلت يومًا كاملاً تئن وتنزف إلى أن تذكرها ابنها وذهب لزيارتها، ونقلها إلى المستشفى وانصرف مرتاح الضمير، لتكمل هى مأساة وحدتها!
كل واحد فى بيته(38/10)
على السرير المجاور لمحتها.. ساقاها مفرودتان والجبس يخفى ضعفهما، سألتها عن حالها فابتسمت بحزن وقالت: كما ترين.. ساقاى اللتان كانتا لا تتعبان انكسرتا.. ولولا أن الجيران سمعوا آهاتى بعد أن انزلقت قدماى ونقلونى بفضل الله إلى المستشفى لظللت وحدى حتى الموت قرأت فى عينى السؤال، فقالت بأسى: أولادى.. كل واحد فى بيته مشغول بحاله، يا بنتى الحافظ هو الله.. وربنا يكفيك شر المرض!
أما تلك العجوز؛ فقد جعلنى منظرها أكاد أجرى فى الشوارع وأصرخ منادية أبناءها ليغيثوا أمهم بعد عمر العطاء الطويل، كانت نائمة بلا حول ولا قوة - لا تدرى بشيء حولها بعد أن أصابتها الغيبوبة، بينما يتسلل إليها محلول التغذية قطرة قطرة، ولكنه لا يبلل شفتيها الجافتين.
أشارت إليها الممرضة بحزن وقالت: القلوب صارت مثل الحجارة، فقد أحضرت لنا إحدى دور المسنين هذه السيدة بعد أن تركها أبناؤها فيها وتوقفوا عن زيارتها، وحتى بعد مرضها لا أحد يسأل عنها، مسكينة، والجحود أصعب من المرض.
أما هذا الشيخ.. فقد حزم أمره واتخذ قراره وذهب على قدميه إلى المستشفى بعد أن أصابه السرطان وانفض من حوله أبناؤه، فقرر أن يغادر منزله لكيلا يموت وحيدًا، حكايته قالتها لى الممرضة وهى تشير إلى مكانه، وتقول: وتحققت أمنيته ومات هنا، وشيعناه بدموعنا.
وعلى سرير آخر كانت ترقد مكومة.. دقيقة الحجم ، بينما يمر عليها الأطباء ويداعبونها دون أن يعطوها أى دواء..
سألت أحدهم، فقال: إن عندها حزمة أمراض والعلاج غير مفيد، ولا يفيدها إلا الوجود وسط أسرتها وأبنائها، ولكن للأسف.. تركها ابنها هنا منذ أسابيع، ولم يعد يسأل عنها، وليس أمامنا إلا أن نلحقها بدار مسنين بعد أن تتحسن حالتها.
نقطة ضوء
ووسط قتامة تلك الصورة.. كانت هناك بعض نقاط الضوء، فقد أحاط مجموعة من الرجال والسيدات بامرأة عجوز.. يطعمونها ويجففون عرقها، ويعدلون وسادتها، وعرفت أنهم أبناؤها الذين لا يفارقونها ويتناوبون عليها ليل نهار.
وفى الوقت نفسه - حكى لى طبيب قصة مؤثرة عن زميله الذى رفض أن يتزوج ليرعى أمه الأرملة دون أن تشاركه فيها زوجة - فقد تزوج كل إخوته وأخواته، وتفرغ هو لأمه، وفى فترة غيابه عنها كان يوفر لها من يقم على خدمتها من الممرضات اللاتى يعملن فى المستشفى، ويبذل فى سبيل ذلك أموالاً طائلة.. ومن شدة حبه لأمه كان يجلس أمامها على ركبتيه يضاحكها، وكان يمشط شعرها بنفسه برفق حتى لا تتألم، وظل هكذا حتى توفيت أمه، وخلت حياته منها، فلم يتحمل فراقها ولحق بها بعد شهرين، وكان عمره وقتها (60) عامًا!
خلل تربوى
يفسر لنا الدكتور على السيد - أستاذ أصول التربية بكلية التربية النوعية جامعة القاهرة - ظاهرة جحود الأبناء بالفجوة التى أحدثتها التطورات المعاصرة فى شتى مجالات الحياة بين جيل وجيل، بالإضافة إلى خلل التربية فى نطاق الأسرة، وتدليل(38/11)
الأبناء مما ينشئهم غير متحملين للمسئولية، فضلاً عن نقص الوعى الدينى لدى الأبناء، وضيق ذات اليد .
ديموقراطية التربية
ويفسر د. على دور التربية أكثر فى جحود الأبناء، مؤكدًا أن هناك ثلاثة أنماط من التربية الأسرية هى: النمط التشاوري ، وهو الذى يشرك فيه الآباء الأبناء فى معظم الأمور الخاصة بالأسرة، وبالتالى يقلل من حدوث المشكلات وسوء التفاهم بينهم.
والنمط الثانى هو: النمط الديكتاتورى، وفى هذا النمط يكون ولى الأمر، سواءً كان الأب أو الأم متسلطًا وحاكمًا بأمره، ومن الممكن أن يُحدث ذلك شرخًا قويًا فى شخصيات الأبناء، ويتولد عنه الكبت والإحباط وعدم الانتماء إلى الأبوين.
أما النمط الثالث فهو نمط اللامبالاة، وهو الذى لا يعرف متى يخرج الأبناء ومتى يعودون، ليس لديه القدرة على حل المشكلات أو تحمل المسئولية، وبالتالى لا يشعر أبناؤه بالدفء العاطفى داخل الأسرة، مما قد ينتج عنه إهمال الأبناء فى معاملة آبائهم ردًا لكيل بكيل.
ـــــــــــــــــــ
ذوو الاحتياجات الخاصة طاقات متى نستغلها ؟
وقفة إنصاف!
هذا هو الشعار الذى ترفعه نخبة من مفكرينا الذين ساءهم ما يتعرض له المبتلون فى مجتمعاتنا من ظلم وإساءة فهم، ومعاملة، فهم مهمشون اجتماعيًا، مشوهو الصورة إعلاميًا، يتم التعامل معهم بمرجعيات بعيدة عن الموقف الإسلامى الجميل من هذه الفئة التى لم يخل منها المجتمع الإسلامى الأول، الذى قدم أروع صور احترام وتقدير أصحاب الابتلاءات.
شهادة هؤلاء المفكرين نقدمها لتكون دعوة لإعادة النظر فى مواقفنا الأسرية، والاجتماعية، والإعلامية من ذوى الاحتياجات الخاصة.
عتاب الله لرسوله (صلى الله عليه وسلم) فيهم
د. عبد المقصود باشا - أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: إذا طالعنا التاريخ الإسلامى وجدنا أمثلة ونماذج كثيرة تحض على التعامل الخاص والسوى مع ذوى الاحتياجات الخاصة، بل إن الله جل فى علاه أمر بذلك، وحض عليه، بل ووجه إلى رسوله (صلى الله عليه وسلم) عتابًا حتى يلقى مثل هؤلاء الناس العناية كلها من المجتمع.
وكلنا يعرف سبب نزول سورة (عبس)، والتوجيه لنا جميعًا بقوله: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى}، فقد عوتب خير البشر لتوليه عن شخص «أعمى» لا يراه، ولكن الله (سبحانه وتعالى) يريد أن يربى خلقه على توقير هؤلاء وتقديرهم، والاهتمام بهم.
ويضيف د. عبد المقصود أن مفهوم ذوى الاحتياجات الخاصة فى الإسلام لا يقتصر على المبتلين أو المعاقين، فالمسنون وفاقدو العائل لهم احتياجات خاصة أيضًا، اعتنى بها الإسلام.(38/12)
فهذا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) يقابل عجوزًا يهوديًا يتكئ على عصاه، يتسول فى الطرقات، فيسأله عمر: ما ألجأك إلى هذا؟ فيقول العجوز اليهودى: الحاجة، فيأخذه بيده، يكاد أن يحمله، ثم يذهب به إلى خازن بيت المال، فيقول له عمر (رضى الله عنه): أيها الخازن انظر إلى هذا وأقرانه، فليكن لهم نصيب شهرى من بيت مال المسلمين، فلا يضطرون بعدها إلى ذل المسألة.
فتأمل أيها القارئ الكريم قول الله (عز وجل) تجاه الأعمى، وتصرف عمر بن الخطاب تجاه اليهودى الطاعن فى السن، أبعد هذا يمكن أن تكون هناك حضارة اهتمت بهذه النوعيات من البشر قدر اهتمام الحضارة الإسلامية فى عصورها الزاهرة؟
فقد قال ابن بطوطة - صاحب الرحلات العظيمة - التى جاب فيها أقطار الدنيا فى عصره أنه رأى أثناء رحلته إلى الأندلس دارًا واسعة الأرجاء، فيها المتنزهات والمستشفيات والمطابخ، فلما سأل لمن هذه الدور الكثيرة ذات الأسوار الضخمة والمطابخ العديدة، والمشافى المتخصصة، فقيل له: إنها للمطلقات والعوانس الذين قعدت بهن ظروف الحياة.
وكانت هذه الدور تسع ألف مطلقة وعانس، تؤمن فيها حياتهن من مطعم، ومشرب، وملبس، ومسكن، وعلاج.
ولم يكن مثل هذه الدور فى كل بلاد أوروبا فى ذلك الوقت، ولا شك أن المطلقات والعوانس أيضًا ذوات احتياجات خاصة.
الصورة الحسنة
د. شعيب الغباشى - أستاذ الصحافة الإسلامية بجامعة الأزهر: إذا قيمنا دور وسائل الإعلام فى خدمة المعوقين نجدها تركز على فئات مجتمعية معينة، وتغفل وتتغافل، وتهمش فئات أخرى، وهذا لون من الضعف وقلة التوازن فى تناول هذه الوسائل، ومن هذه الطوائف المهمشة فئات ذوى الاحتياجات الخاصة، فلا نكاد نراهم فى وسائل الإعلام.
وإن حدث فإنهم يظهرون بصورة مشوهة وسلبية تقزز المشاهد، وتدفعه إلى عدم الاكتراث بهم، ومثال ذلك ما تم عرضه فى فيلم يقدم قصة رجل كفيف غير مستقيم الأخلاق، وغير منضبط التصرفات، ويمارس الفاحشة، ويقترف ما يتناقض مع ما يتوهم البعض أنه عليه من دين أو علم شرعى.
ويقع على عاتق وسائل الإعلام إبراز الواقع الذى يعيشه هؤلاء المبتلون بصورته الحقيقية من غير تزييف، أو محاباة.
وعلى الجانب الآخر هؤلاء لهم احتياجات إعلامية وفنية وتربوية، على وسائل الإعلام أن تلبيها لهم، وأن تحققها، بمعنى أن تقدم أعمالاً خاصة بهم ولهم مترجمة بلغة الإشارة للصم والبكم، وتهتم بالمؤثرات الصوتية للمكفوفين، ويجب تعميم خدمة الترجمة هذه فى كل المسلسلات والبرامج، حتى تحقق هدف التواصل مع هذه الشريحة المهمة فى المجتمع والمهمشة فى الحياة.
عباقرة ومبدعون(38/13)
د. محمود حماد - أستاذ الإذاعة والتليفزيون بقسم الصحافة والإعلام جامعة الأزهر: إذا اعتبرنا أن الأطفال المبتلين مشكلة، فينبغى أن تولى الدولة عنايتها بدراسة هذه المشكلة، وتقديم الحلول التى تساعد أسر هؤلاء الأطفال على التعامل معهم، فتقيم المراكز التأهيلية والترفيهية والتربوية التى تأمن فيها الأسر على أبنائها، وتقدم فيها خدمة حقيقية، بحيث لا يقتصر الأمر على الرعاية أو الاهتمام فقط من ناحية الأكل والشرب، وإنما ينبغى أن تمتد الرعاية إلى الناحية الطبية والنفسية والإعداد والتدريب، حتى تنمو القدرات الخاصة عند هؤلاء الأطفال، بحيث يتعلمون مهارات وخبرات تمكنهم من إعالة أنفسهم، أو الاعتماد على المجتمع فى أدنى الحدود، وبالتالى يجب على كل أجهزة الإعلام فى الدولة أن تقدم الصورة الإيجابية لهؤلاء، باعتبارهم جزءًا لا يتجزأ من كيان المجتمع، وليسوا مجرد تمائم أو شيوخًا طيبين نلتمس منهم البركة، فهؤلاء الناس يمكن أن يكونوا عباقرة ومبدعين، وقد حدث ذلك بالفعل؛ إذ قامت إحدى عالمات النفس الاجتماعى حول احتياجات المعاقون، وكيفية تنمية المهارات عندهم، وتمكنت بالفعل من إخراج مبدعين فى مجالات عديدة من خلال بعض النماذج التى انتقتها، وأعدت لها برامج تدريب ورعاية وتأهيل جيدة.
عدم الخجل
د. سعيدة أبو سوسوا - أستاذ الصحة النفسية بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر: بدأت وسائل الإعلام تهتم فى هذه الأيام بذوى الاحتياجات الخاصة أكثر من السنوات الماضية، والدور الذى يقع على عاتقها من وجهة نظرى هو دور التوعية المستنيرة التى تعتمد على النظرية والتطبيق.
وتبدأ هذه التوعية داخل الأسرة بدءًا بالأم وتدريبها على كيفية التعامل السوى مع ابنها المعوق، وألا تحرج منه، فبعض الناس قد يخجلون من ابنهم المعوق لنقص فى أنفسهم، ولجهل فى دينهم، ولهؤلاء أقول: لا تخجلوا من أطفالكم المعوقين، وكونوا لهم سندًا فى هذه الحياة، فهم نعمة عظيمة لمن صبر عليها، وأحسن استخدامها، والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول: «أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على قدر دينه»، فهذا فضل تشاركون فيه الأنبياء، وأولى الصبر من الناس.
وأقول لأم المعوق: لا تفرقى فى المعاملة بين طفلك المعوق وبين إخوته العاديين بدعوى أنه لا يفهم، فمن الواجب عليك أن تحيطيه بمزيد من العطف والحنان والرعاية، خصوصًا إذا كان مبتلى ذهنيًا، وليس الرعاية حكرًا على الأم وحدها، بل واجبة على الأسرة كلها من الأب والأبناء والأهل والأقارب، فهؤلاء عليهم جميعًا مساعدة الأم فى ذلك؛ لأن الطفل المبتلى يحتاج إلى رعاية خاصة، وخدمات أكثر من الفرد العادى.
وتضيف د. سعيدة: إننى أعيب على بعض الآباء ضجرهم بأولادهم المعوقين مع أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال فى حديثه الشريف: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل راع فى بيته ومسؤول عن رعيته»، وهذا الضجر خطأ كبير، وقسوة غير مقبول، فهؤلاء يتسمون بقدرات عقلية محدودة لا تتفق مع أعمارهم.(38/14)
ومع الأسف الشديد نحن نرى فى مجتمعاتنا أناسًا قد نزعت الرحمة والشفقة من قلوبهم، وربما يكونون من أهل هؤلاء الأطفال، ويستغلون المعوقين استغلالاً سيئًا بحثًا عن التربح المشبوه من خلال التسول.
وعلى الأسر المسلمة التى أصيبت بنوع من هذا البلاء أن توجه اهتماماتها نحو تنمية قدرات هؤلاء الأطفال، ودفعهم نحو التعلم، وحتى لا يقعوا فى براثن الجهل والأمية اللذين يزيدان الأمر سوءًا، وليبتغوا من وراء ذلك الأجر والثواب من الله الكريم، وأذكرهم بقول الله (عز وجل) فى حديثه القدسى الجليل على لسان حبيبه محمد (صلى الله عليه وسلم):« إذا ابتليت عبدى ببلاء فى جسمه أو ماله أو أهله، واستقبل ذلك بصبر جميل، استحييت منه يوم القيامة من أن أنصب له ميزانًا أو أرفع له ديوانًا وأدخله الجنة بغير حساب».
سياسة الدمج
د. أمينة كاظم - أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس: على المجتمع أن يتقبل هؤلاء الأفراد بصدر رحب، وأن يتبنى سياسة الدمج بينهم وبين غيرهم من الأفراد العاديين، خصوصًا فى المدارس والنوادى والمحافل الترفيهية، مع العمل على رفع كفاءتهم المهارية عن طريق متخصصين مهرة، خاصة فى السن المبكرة فى الحضانة، وفى مراحل التعليم المختلفة ليكونوا فيما بعد أعضاء فعالين فى المجتمع ومتكيفين مع واقعهم المقدر والمحتوم، وقد رأينا الكثيرين منهم قد تحدوا الإعاقة، وهبوا يشاركون فى الأنشطة المختلفة خاصة الرياضية منها، والتى قد يعجز عنها إنسان عادى فنراهم فى مباريات السباحة وغيرها، وقد تفوقوا على غيرهم.
ونشاهد أيضًا الكثير من إنجازاتهم المحلية والعالمية فى كافة مجالات الحياة، وما ذلك كله إلا لأنهم تحدوا إعاقتهم، وتمكنوا من إرادتهم حتى قويت فيهم.
تنمية الجوانب الإيجابية
د. رفعت عبد الباسط - أستاذ علم الاجتماع بكلية التربية جامعة حلوان: هم فئة من فئات المجتمع يجب الاهتمام بهم، والوقوف بجانبهم، وتقديم الرعاية الكاملة لهم من الدولة والمجتمع، بحيث يكون لهم دور إيجابى، ويجب توعية الناس بأصول التعامل معهم، وإنشاء مؤسسات تنظم دورات تدريبية لهم، وللتعرف على خصائصهم النفسية، والأخطاء التى قد يرتكبها الآخرون فى التعامل معهم، والحمد لله يوجد الآن الكثير من هذه المؤسسات.
ولابد أن نركز على الجوانب الإيجابية فيهم، حتى يصل إليهم أن كل إنسان فيه نقص وقصور، والكمال لله وحده ، فبعض الناس يميل إلى التعلم، والبعض الآخر يعرض عنه، وبعضهم يخاف، والبعض الآخر شجاع وهكذا.
فما من إنسان على وجه البسيطة إلا وفيه جوانب نقص تجبرها جوانب تميز أخرى.
ـــــــــــــــــــ
مهما عانيت فى الدنيا.. لا تيأس !!
ضغوط الحياة ومشكلاتها لا تنتهى، فالدنيا ليست دار قرار، بل هى دار ابتلاء واختبار، وحين نواجه هذه المشكلات بثقة فى الله تمر بسلام، إلا أن هناك من آثر(38/15)
الهروب من مشكلاته بعد أن سقط فى هوة اليأس والقنوط فكان الانتحار قي نظره هو الحل الوحيد.
وهذا التحقيق محاولة للوقوف على أسباب الانتحار ودوافع المنتحرين، وكيف نقى أبناءنا وشبابنا من الوقوع فى اليأس والقنوط.
أنقذنى الله
بداية تقول (فوزية) 36 سنة: سافرت منذ خمس سنوات للعمل كمدرسة بإحدى الدول العربية، وكنت أرسل الأموال إلى زوجى أولاً بأول ليقوم بتجديد المنزل، والإنفاق على الأولاد.
وبعد أن قررت الرجوع إلى القاهرة والاستقرار مع أسرتى، فوجئت بأن كالون الشقة تم تغييره، وفتحت لى سيدة أخبرتنى بأنها الزوجة الجديدة، شعرت بعدها أن الحياة لم يعد لها قيمة، فقررت الخلاص منها لولا أن أنقذى الله من هذا التفكير فى الوقت المناسب.
أما منى 20 سنة فتقول: رفضت أسرتى الارتباط بالشاب الذى أحبه؛ حيث وقفت الظروف المادية حائلاً دون إتمام الزواج، فاسودت الدنيا فى وجهى، وقررت الانتحار، ولكن الأزمة مرت بسلام، وشعرت برحمة الله بعد أن نجانى من مصير أسود.
أما س. أ تقول: أنا فتاة أبلغ العشرين من عمرى حاولت الانتحار مرتين، فأنا لا أشعر بالرضى عن نفسى، وأعانى من الكبت وقلة الثقة بالنفس والآخرين، والخجل المفرط الذى يجعلنى أخشى أن أرفع سماعة الهاتف للرد على أى شخص، وأية مشكلة تحدث لى تجعلنى أفكر فى الانتحار، وأن الحياة قد انتهت، ولكنى أعلم أن الانتحار حرام، وأخشى عقاب الله، ولا أعرف ماذا أفعل.
تقول إحسان - طالبة بالصف الأول الثانوى - طلب منى والدى أن أقطع صلتى ببعض زميلاتى بعد أن لاحظ سلوكهن السيئ، ولكنى لم أقطع علاقتى بهن، وعندما علم والدى ثار وضربنى، فشعرت بالإهانة، وفكرت فى إنهاء حياتى، وبالفعل حاولت الانتحار، ولكنى أشعر بالندم فلم يكن الأمر يستدعى كل هذا، فأبى يخاف عليّ ولذلك ضربنى.
تقول هبة - طالبة جامعية - تعرفت على شاب فى أحد الأندية الرياضة، وأخبرنى أنه يعمل فى ألمانيا، وسيسافر لإنهاء بعض الأعمال ويعود ليتزوجنى، لكنى فوجئت به فى أحد الأيام بصالة بلياردو بصحبة فتاة، واكتشفت كذبه وخداعه لى، ولذلك أن لا أريد أن أعيش.
وتكشف د. نشوى مهدى - المدرسة بالمركز القومى للسموم - رقمًا مفزعًا فتقول: استقبل المركز خلال الأربعة أشهر الأول من افتتاحه 134 سيدة حاولن الانتحار بنسبة 35% من إجمالى ما يستقبله المركز من حالات تسمم عامة، وبالنسبة للرجال فقد تم استقبال 81 حالة، وحتى الآن فإن حالات السيدات التى تدخل المركز بسبب محاولات الانتحار أكثر بكثير من الرجال.
وتضيف د. نشوى: أكثر هذه الحالات نستقبلها أكثر من مرة؛ لأنها تكرر المحاولة مرات عديدة، فسبب المشكلة الأساسى لم يحل، والمركز وظيفته العلاج الطبى،(38/16)
وليس النفسى، فتخرج الحالة، وهى تعانى ذات الإحباطات، ورغم أننا ننصح الأهل بأن يتوجهوا بالمريض إلى طبيب نفسى، فإن البعض لا يستجيب وتكون النتيجة دخول هذا الشخص المركز مرة أخرى بمحاولة جديدة إلى أن تنجح إحدى هذه المحاولات.
الموت مثل الحياة
ويفسر الدكتور محمود عبد الرحمن حمودة - أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر، والحائز على جائزة الدولة فى الطب النفسى - ارتفاع نسبة محاولات الانتحار لدى السيدات قائلاً: إذا كانت السيدات أكثر فى محاولات الانتحار، إلا أن الرجال أكثر انتحارًا مقارنة بالسيدات بنسبة 3:1؛ لأن الوسائل التى ينفذ الرجال بها الانتحار عنيفة مقارنة بالوسائل التى يحاول بها السيدات الانتحار.
ويضيف: إذا كان الاضطراب النفسى الذى يوصل المريض لليأس وفقد الحيلة سببًا رئيسًا للانتحار، فإن هناك عوامل مصاحبة ومؤثرة فى حالات المنتحرين، فقد يكون سوء الحالة الصحية الجسمانية، ومعاناة الشخص من العديد من الأمراض الميئوس من شفائها، وكذلك الشعور بالوحدة من عوامل الانتحار، واعتقاد الشخص بأن الموت لا يختلف عن الحياة، فكلاهما وحدة وعزلة، وقد يكون ما يعانيه كبار السن من أمراض صحية ووحدة واكتئاب عاملاً مؤثرًا فى انتحار بعضهم.
كبت وتدليل
ويُحمِّل الدكتور حمدى ياسين - أستاذ الصحة النفسية، ورئيس قسم علم النفس بجامعة عين شمس - الآباء مسئولية انتحار الشباب قائلاً: يخطئ الآباء كثيرًا حين يغرسون فى أذهان أبنائهم قناعات ذهنية بأن الحياة خالية من المشاكل، وأنها مشرقة دائمًا، ولا معنى للبكاء ولا للفشل فيها، فكل ما يطلبونه مجاب، ولا يوجد مستحيل، هذا التدليل الزائد لهم يخلق جيلاً من الشباب غير قادر على مواجهة الصدمات والمشكلات، ومع أصغر مشكلة تواجههم تتحطم الصورة الذهنية التى رسمها الآباء لأبنائهم، فيفقدون معنى الحياة، ويكون الموت فى ظنهم هو الخيار الوحيد.
كما أن الكبت الزائد، ومحاولة التحكم فى مصائر الأبناء يؤدى إلى ذات النتيجة؛ حيث يصير الشاب بلا هدف، وكل المطلوب منه تحقيق أهداف والديه، مهما كانت لا تتفق مع قدراته، فتطمس شخصية الابن وتضطرب حالته الوجدانية، ومن هنا تظهر الاضطرابات النفسية.
ويضيف د. حمدى أن على الآباء أن يوفروا الدعم الأسرى لأبنائهم من خلال توجيههم إلى أن الحياة كما أن فيها نجاحًا، هناك أيضًا فشل، وأنهم لابد وأن يصعدوا السلم درجة بدرجة، وعليهم أن يبثوا الأمل فى أولادهم، وأن يتركوهم يعبرون عن أنفسهم، ولكن بعد تحميلهم المسئولية وإشعارهم بأنهم لابد أن تكون طموحاتهم مكافئة لمستوى قدراتهم حتى يتسنى لهم تحقيقها.
كما يؤكد أهمية المثل الأعلى، ويرى أن الإعلام بما يقدمه من نماذج حققت نجاحات مادية وشهرة تجعل الشباب أمام طموحهم الجارف، وعدم تقديرهم الحقيقى لإمكاناتهم يتصورون أن هذه النماذج هى المثل الأعلى الذى يجب تقليده، والسير على نهجه، وحين يفشل الشاب لا يرى سوى الموت حلاً لمشكلاته.(38/17)
يأس من روح الله
يقول الدكتور عبد الصبور شاهين - الأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة: الانتحار يأس من روح الله ورحمته، والحق تبارك وتعالى يقول على لسان نبيه يعقوب (عليه السلام): {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}، فمهما كانت المشكلات التى تواجهنى عليّ أن أفزع إلى رحمة الله، وأعالج المشكلة بدلاً من الهروب منها، فالهروب جبن وضعف، والرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) يقول: «المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف».
ومن ثَمَّ لابد أن نجعل حياتنا فى يد الله لا فى يد الشيطان، ونتخلق بالصبر والرضا بقضاء الله، فهما يحميان الفرد من الوقوع فى حفرة اليأس.
{إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}، فالدنيا دار ابتلاء، وليست دار قرار، فعلينا أن نتزود منها بما يُصلح أمر أخرانا، لا أن نجعلها سببًا فى عذابنا بنار جهنم.
ويوصى كل مسلم بالإكثار من قول: «لا حول ولا قوة إلا بالله» ، و الاستغفار فالنبى (صلى الله عليه وسلم) يقول: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب»، فالله سبحانه قادر على تفريج الكربات مهما اشتدت.
وأختم كلامى بقوله (صلى الله عليه وسلم): «ما أصاب مسلمًا قط هم أو حزن فقال: اللهم إنى عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتى بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدلٌ فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته فى كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به فى علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبى، ونور صدرى، وجلاء حزنى، وذهاب همى، إلا أذهب الله همه، وأبدله مكان حزنه فرحًا».
ـــــــــــــــــــ
الرحلات العائلية متعة الأبدان وحفظ الإيمان
ما إن تطل العطلة الصيفية برأسها حتى تلقي بظلالها على جدول أعمال العائلات، فالأبناء وقد انتهوا من عام دراسي طويل ينتظرون المكافأة من أبيهم الذي يتمنى أن يجد بدوره في الأجازة ما يجدد نشاطه ويزيح عنه عناء عام طويل من العمل المتواصل ، أما الأم فهي الجندي المجهول وصاحبة العطاء الأكبر ومن ثم لا تقل توقعاتها عن توقعات الأبناء والزوج.
وبين الأماني والأمنيات تأتي الرحلات العائلية كبيت القصيد، إذ يكاد يكون هناك إجماع على أن تلك الرحلات هي الجائزة التي ينتظرها الجميع، قد تختلف وجهات تلك الرحلات وأهدافها ولكن كل يبحث فيها عن مبتغاه.
الرحلة العائلية الناجحة هي تلك التي تبدأ قبل أن تبدأ، أي تلك التي تخطط لها العائلة وتتفق على جدولها ووجهتها وتستهدف منها تحقيق أهداف تربوية وترفيهية وثقافية.
أما الرحلات العائلية العشوائية فهي تربك الأسرة اجتماعيًا وماليًا دون أن تحقق فائدة، ولذلك من الأهمية بمكان أن يجتمع أفراد الأسرة ويحددوا مدة الرحلة ووجهتها وبرنامجها وتوزيع الأدوار خلالها، وبذلك تتحول الرحلة إلى نوع من(38/18)
التدريب على تحمّل المسئولية والشورى العملية في الأسرة دون أن تفقد طابعها الترويحي.
غياب التخطيط للرحلة العائلية يحولها إلى موضوع خلاف بين أفراد الأسرة ابتداء من مدتها ومرورًا بوجهتها وانتهاء ببرنامجها، كثير من الأسر تشهد خلافًا بين الزوج وزوجته أو بينهما أو أحدهما وبين الأولاد حول هذا الموضوع فتتحول الرحلة العائلية من موضوع للتآلف والتواصل بين أفراد الأسرة إلى سبب للخلافات، وربما يقلل من الخلاف حول هذا الموضوع الاتفاق على مبادئ عامة حول الرحلة العائلية كتحديد بلدان لا ينبغي أن تكون مقصدًا للرحلة لأسباب شرعية، وتحديد سقف زمني لها لا تتجاوزه، وكذلك سقف مادي للإنفاق حتى لا تتحول الرحلة إلى أحد أسباب استنزاف ميزانية الأسرة، وتحديد بلد أو مكان جديد للرحلة كل عام.
أكثر من مجرد ترفيه:
أضحت الرحلات العائلية جزءًا من الحياة الاجتماعية لملايين الأسر، ولذلك ينبغي توظيفها فيما يتجاوز الترفيه إلى أهداف تربوية وتثقيفية، فالرحلة يمكن أن تكون نوعًا من التعليم الذاتي بزيارة الأماكن التاريخية ومعرفة ثقافات الشعوب وأساليب عيشها، بل إن اشتراك أفراد الأسرة في رحلة واحدة من شأنه أن يقوي العلاقات بينهم، فالوالد الذي يراه أبناؤه طوال العام مشغولاً في عمله سيقضي طوال أيام الرحلة مع أبنائه .
وفي الرحلة يمكن أن يتواصل أبناء العائلات الممتدة فيجتمع الأبناء وزوجاتهم وأبناؤهم مع والديهم، بل إن الرحلات العائلية فرصة لا تعوض لتحرير الأبناء من الإنترنت والتلفاز، فيتقارب الآباء والأبناء أكثر، ويمكن أن تكون الرحلة مناسبة جيدة لتعويد الأبناء الصغار على تحمل المسئولية، وذلك بتكليفهم ببعض الأعمال وتنمية مداركهم وتوسيع خبراتهم، ولفت انتباههم إلى عظمة الله وقدرته عند زيارة الأماكن الغريبة، وعند زيارة المنتزهات والحدائق العامة يجب إلزامهم بتحري النظام والنظافة والسلوك المهذب، وعند زيارة بعض البلدان الفقيرة يمكن اصطحاب الأبناء إلى المناطق الفقيرة ولفت انتباههم إلى المقارنة بين حالهم وحال سكان هذه المناطق ليستحضروا نعمة الله عليهم ويتعلموا القناعة والرضا.
ضرورة أم إسراف:
(أم غيداء) تعتبر الرحلة العائلية في بعض الأحيان ضرورة لأفراد الأسرة، وفي أحيان أخرى تعد إسرافًا وهدرًا للوقت والمال والغفلة عن فرائض الله؛ فالرحلة يمكن أن تبرز روح التعاون بين أفراد الأسرة بتبادل الأدوار والمهام فيما بينهم، ويمكن أن تكون مصدر تثقيف بزيارة الأماكن الجميلة والمناظر الخلابة والمتاحف.
ولا تخلو الرحلة من الفائدة كمعرفة معلومات جديدة وانشراح صدر وتقارب بين الأفراد.
ولصداقة الآباء مع أبنائهم أثر في إبهاج الرحلة، إذ تقوى فيما بينهم أواصر المتعة مما يبدد روح الأنانية وحب الذات، فالسفر مع العائلة فرصة ليتواصل الآباء المشغولين مع أبنائهم ويكشفوا دواخلهم ليتحسسوا همومهم وأوجاعهم.(38/19)
(خالد الخليوي) ينتقد بعض الآباء خلال الرحلات العائلية؛ فالواحد منهم لا يعرف أهله إلا في الذهاب والإياب ويعطيهم الحرية التامة لقضاء الوقت ليهرب إلى مآربه الخاصة، والرحلات العائلية ليست أمرًا ضروريًا ولا هي مجرد ترف، ولكنها من البرامج المهمة في إنجاح الحياة العائلية وإدخال السرور والفرح على القلوب والأرواح، ومن ثم تجديد الحياة والنشاط لتلك الأسرة، لذا ينبغي للجميع المشاركة في اقتراح الرحلة وتحديد وجهتها وبرنامجها.
التخطيط الجيد
ويبدأ تخطيط الرحلة بأن يعلن أحد أعمدة البيت (الأب أو الأم مثلاً) فكرة هذا المشروع الاجتماعي الترويحي، وكذلك يعلن للجميع من صغار وكبار ذكور وإناث استقبال اقتراحاتهم من حيث جهة السفر وموعدها ومدتها ومعرفة الخطوط العريضة لبرنامج الرحلة.
وبعد جمع هذه الاقتراحات تأتي المناقشة الخاصة بين الأم والأب لتحديد ما وقع عليه الاختيار مراعين في ذلك ظروف العائلة (الدراسية، المادية، الاجتماعية...).
وتكون الرحلة مصدر تثقيف وتوعية من خلال مجموعة نقاط:
- إجراء المسابقات المتنوعة التي يفترض أن تكون قد أعدت من قبل.
- تحضير بعض الخواطر العلمية المتنوعة والمختصرة التي يمكن أن تقرأ بين الحين والآخر وخاصة بعد الصلوات.
- أن يُظهر الأبوان بعض الآداب والقيم التي يكون عليها المسلم أثناء سفره (كترك المكان نظيفًا والحفاظ على ممتلكات الآخرين).
أما من ناحية إبراز روح التعاون بين أفراد الأسرة فهذا يختلف باختلاف أفراد العائلة، فالسفر امتحان لما تعلموه في الحضر، فمن كانوا كسالى في بيوتهم اتكاليين في قضاء حوائجهم يرمون بكل شيء على الأب أو على أحد الأولاد، فهؤلاء لا شك في إخفاق رحلتهم وفشلهم في تحقيق أهدافها؛ لأن من أعظم أسس النجاح سيادة روح التعاون والتنافس.
وحتى لا تتحول الرحلة العائلية إلى مجرد تسلية وترفيه يمكن للآباء والأمهات مراعاة الجوانب التالية:
• - مشاركة الأبناء في وضع برنامج للرحلة لتعويدهم على التخطيط المسبق .
- الحرص على الصلاة في أوقاتها مع الجماعة أثناء الرحلة لكي يتعلم الأبناء أن المتعة الحلال لا تعني إهمال الفروض الدينية.
- بعد إتمام الرحلة يجب إشراك الأبناء في تقييمها وتحديد الإيجابيات والسلبيات، فمن شأن ذلك أن يعلم الأبناء مفهوم تصحيح الأخطاء.
الرحلات العائلية ضرورة للترابط الأسري:
تذهب الدكتورة مريم راشد التميمي – الأستاذة المساعدة في قسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب للبنات بالدمام – إلى أن الرحلات العائلية تزيد من حجم الترابط العائلي وتقوي أواصره.. لاسيما مع هيمنة الطابع العملي على حياة الأسرة والانشغال بأعباء الدراسة والعمل..(38/20)
وتقول: إن طبيعة الحياة العصرية وإيقاعاتها المشحونة بجو العمل باتت تحتم الاهتمام بتنظيم تلك الرحلات العائلية التي تزيد من تمتين الأواصر الأسرية وتغلفها بروح اجتماعية محببة إلى النفس.
وتنصح الدكتورة مريم التميمي بضرورة استثمار تلك الرحلات فيما يعين على التقرب من الله عز وجل واستغلال الفرصة المتاحة عبر تلك الرحلات في أداء عبادة عظمية هي عبادة التأمل، داعية الآباء والأمهات أن يعوا أهمية ربط الطفل بما يشاهده في الكون الفسيح وفضاءاته الواسعة بالإيمان بالله عز وجل عبر التأمل في ملكوت الله والشعور بعظمة الخالق، كما تحذر من اقتراف المحظورات والآثام عبر تلك الرحلات، وكذلك ارتياد المناطق والدول التي تشيع فيها المنكرات والمعاصي؛ لأن ذلك يضعف حصانة الفرد الداخلية ويسهل وقوعه في منزلقات الشرور والمعاصي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الأسرة عدد 157
ـــــــــــــــــــ
إفشاء الأسرار العدو الأول للحياة الزوجية
السعادة الزوجية حلم كل فتاة مخطوبة وهدف كل زوجة، وهي حلم وهدف يستحق أن نبذل فيه قصارى جهدنا، وحتى يؤتى هذا الجهد ثماره علينا أن نعي ما يحيط به من أخطاء وما يتهدده من أعداء، والكيس من اتعظ بغيره، فكم من بيوت غابت عنها السعادة رغم أن الزوجين بذلا وسعهما لتحقيقها لكنهما وقعا في أخطاء أذهبت جهودهما سدى.. لكي تحمي سعادتك احذري الأخطاء وتجنبي الأعداء.
و أحد أخطر هذه الأخطاء هو "إفشاء الأسرار"، فأسرار البيت أمانة يجب عليك المحافظة عليها وتفريطك بها يذهب ثقة زوجك بك، فاحذري أن تكون أسرار بيتك موضوعًا لثرثرتك أو فضفضتك؛ كما قد يخيل إليك، ولا تظني أن صديقتك ستحفظ سرك الذي ضاق به صدرك، صدق الشاعر حين قال:
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه فصدر الذي يستودع السر أضيق
وفوق هذا وقبله فإن حفظك لسر بيتك مطلب شرعي تتعبدين لله به، خصوصًا علاقتك الخاصة بزوجك.. عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده فقال: لعل رجلاً يقول ما يفعله بأهله ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها" فأرم القوم – أي سكتوا ولم يجيبوا – فقالت: إي والله يا رسول الله إنهن ليفعلن وإنهم ليفعلون. قال: "فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقى شيطانة فغشيها والناس ينظرون".
ضرره أكثر من نفعه:
ويؤكد علماء النفس أن ترويح الزوجة عن نفسها بالفضفضة إلى صديقاتها ونشر أسرار بيتها غالبًا ما يصنع من القلق أكثر مما يجلب من الراحة، صحيح أن الراحة قد تكون آنية وعاجلة لكن القلق حتمًا سيظهر بعد أن تنتشر هذه الأسرار وتجني الزوجة الندم والخسران، فلا أحد من الرجال يستريح لإفشاء أسرار حياته الزوجية،(38/21)
وقديمًا حذرت أمامة بنت الحارث ابنتها في وصيتها المشهورة قبل زواجها فقالت: "... فإن أفشيت سره فلن تأمني غدره...".
الأسرار أنواع ودرجات:
أسرار البيت ليست على درجة واحدة من الأهمية، فهناك أسرار العلاقة الخاصة بين الزوجين وهذه يجب أن تحتفظ بها الزوجة في بئر عميق داخل نفسها – وكذلك الزوج – وقد مر علينا تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من إفشاء هذه الأسرار.
وهناك الأسرار المتعلقة بالخلافات بين الزوجين، وهذه تقدر بقدرها، والزوجة العاقلة هي التي تحفظ هذه الأسرار ولا تنقل منها إلا ما يعالج المشكلة، ولكن ليس إلى صديقاتها أو قريباتها، بل إلى من تتوسم فيهم الحكمة ليحققوا النصيحة الإلهية: {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}[النساء:35].
ويجب ألا تبادر الزوجة إلى ذلك بمجرد حدوث المشكلة وألا تفعل ذلك مع كل صغيرة وكبيرة، فما أكثر المشكلات التي لا تحتاج إلى تدخل من أحد بل مجرد حنكة وصبر في الزوجة.
تقول إحدى الأمهات: تزوجت ابنتي منذ عشر سنوات، ما اشتكت إلي ولا إلى والدها من زوجها قط.. لم تخبرني أبدًا عن مشكلة إلا بعد حلها، غاية ما كانت تطلبه مني الدعاء حتى أنني كنت أعرف أنها تواجه مشكلة عندما تلح علي في طلب الدعاء.
وهناك الأسرار المتعلقة بخصوصيات البيت وهذه أيضًا لا يجوز نشرها حتى لا تصبح الأسرة كتابًا مكشوفًا أمام الآخرين.. قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا}[التحريم:10] قال بعض المفسرين عن هذه الخيانة: إن امرأة نوح كانت تكشف سره فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، أما امرأة لوط فكانت إذا استضاف لوط أحدًا أخبرت أهل المدينة ممن يعملون السوء حتى يأتوا ويفعلوا بهم الفاحشة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن مجلة الأسرة العدد رقم 156
ـــــــــــــــــــ
الخادمة الأجنبية قنبلة موقوتة في البيت
خادمة تضع الطفل الصغير في الثلاجة عندما يبكي فتصيبه البرودة الشديدة ويتوقف عن البكاء، وأخرى تضع الدبابيس في رأس الطفل إذا صرخ فيسكت وينام لمدة طويلة، وعندما علمت أن مخدومها لا يريدها وسيعيدها إلى بلادها، وفي اللحظات الأخيرة وضعت طفله في الغسالة فمات وهربت، أما الثالثة فإنها تضع القاذورات في الأطعمة حتى تكف الأسرة عن مطالبتها بالطبخ، والكارثة في التي تضع الزجاج المطحون في الطعام انتقاما من مخدومتها.
و سيدة تكتشف أن خادمتها جلبت معها كتب السحر التي تحوي أدعية شركية لإلحاق الضرر بالأسرة.(38/22)
ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل إن واحدة تحمل سفاحا من شاب في الأسرة وتهدد بالفضيحة إن لم يدفعوا لها في الحال ما تريد، وزاد الطين بلة أن الطفل يقلد الخادمة في عباداتها الشركية، والمصيبة أنها تجلب الأفلام الجنسية وتشاهدها مع الأطفال الصغار.
وهكذا تتحول “الخادمة” في المنزل إلى قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت والضحية الأولى هم الأطفال الصغار، وإن كانت الأخطار لا تقف عند هذا الحد بل تمتد إلى جميع أفراد الأسرة من شباب وشابات وأزواج وزوجات.
بداية تدق دراسة سعودية ناقوس الخطر وتشير إلى أن 59 في المائة من المربيات والخادمات يفضلن إقامة العلاقة العاطفية والجنسية قبل الزواج، و69 في المائة من الخادمات لا تزيد أعمارهن على العشرين، وجميعهن من أوساط يسودها الفقر والجهل والتخلف، وأن 75 في المائة منهن غير مسلمات ومعظمهن ينتمين إلى ديانات غير سماوية وان 5.97 في المائة من المربيات غير المسلمات يمارسن الطقوس العقائدية لهن أمام الأطفال.
وأرجعت الدراسة وجود الخدم في المجتمعات الخليجية إلى عدة أسباب منها، دخول المجتمع عصر الترف، واتساع وتعدد مجالات عمل رب الأسرة وخروج المرأة للعمل وتقصير بعض الأمهات في واجباتهن المنزلية، واتجاه الأزواج إلى إراحة الزوجات وكثرة أفراد الأسرة، وأخيرا التقليد وحب الظهور والتفاخر بكثرة الخدم.
وأكدت الدراسة أيضا أن هؤلاء الخدم يؤثرون سلبا في الأسرة والطفل لأن الصغير يبقى مع الخادمة مدة أطول من بقائه مع أمه، فيتكلم بأسلوبها الركيك ويستعمل الرموز بدلا من النطق ما يؤثر في حصيلته اللغوية، ومما يزيد الأمر خطورة أن الخدم ينقلون عاداتهم وتقاليدهم وثقافة مجتمعاتهم التي تغاير القيم والثقافة الإسلامية، فيؤثرون على الصغار في لغتهم ومعرفتهم ونفسياتهم ما أدى إلى تفشي المنكرات وضياع كثير من الأبناء والبنات بسبب سوء التربية وعدم المراقبة، فتنتشر العقائد الفاسدة والأفكار المنحرفة وتشيع الرذيلة والمفاهيم الخاطئة.
ثقافة وعادات مختلفة
ويؤكد الدكتور محمد النكلاوي أستاذ علم الاجتماع في جامعة القاهرة أن المربية الأجنبية تنقل الى الطفل العربي ثقافة معينة وتربية مختلفة، فهي تنتمي إلى قوم لا يعرفون “العيب” ولا يتمسكون بالعادات، كما أنها لا تعلم شيئا عن عاداتنا العربية والإسلامية التي يتربى الطفل فيها على أخلاق القرآن الذي يحمل كل مقومات تهذيب الأخلاق، فضلا عن أن هؤلاء المربيات والخادمات يضعفن اللغة ويؤثرن في ثقافة النشء، إضافة إلى إحداث عزلة بين الآباء والأمهات، وبذلك ينفصل الطفل عن الأسرة وينسلخ البيت العربي عن أصوله.
ويحذر الدكتور النكلاوي من هذه الأخطار ويقول: يجب أن تكون لنا وقفة أمام هذا الخطأ الجسيم لأنه إذا تركنا لهذه المأساة أن تتفشى في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية، فإننا بذلك نربي أجيالا يغترب لسانها وتفتقد معالم دينها وتتشبع في أحضان مربيات أجنبيات بالغريب من الطباع والتقاليد والبعد عن الدين، فإذا توافرت كل هذه السلبيات فماذا بقي لنا أن نحتفظ به لتربية أبنائنا اللهم إلا ضياع(38/23)
هذه الأجيال القادمة التي يجب أن تحمل رسالة الأمة من مسؤوليات دينية وسياسية وثقافية واجتماعية.
سلبيات بالجملة
وفي السياق نفسه يقول الدكتور محمد يوسف الشيخ الأستاذ في كلية التربية بجامعة الأزهر إن وجود المربية في البيت ليس له إيجابيات على وجه الإطلاق بل العكس تماما هو الصحيح، فسلبياتها كثيرة جدا من شتى النواحي، وأكثرها خطرا الخلل الكبير الذي تحدثه في تربية الطفل، فهي تنقل ثقافة البيئة التي نشأت فيها وتغرس ثقافة مجتمعها من عادات وتقاليد وأسلوب تفكير، والكارثة الكبرى إذا كانت من دين مختلف، فيتربى الطفل تلقائيا على مبادئ دين آخر، فالخادمة تجلس مع الطفل وتلاعبه وتتحدث معه أكثر مما تفعل أمه، وبالتالي يتأثر بها بسهولة لأن الطفل بطبيعته يقلد الكبار خاصة من يكونون ملاصقين له باستمرار فيقلدهم بطريقة عشوائية، لأنه لا يدرك الصواب من الخطأ، ومهما حاولت الأم أن تجعل المربية أو الخادمة تحت المراقبة فإنها ستفشل لأنه من غير المعقول أن تراقبها على مدار الساعة، ومن هنا فالأولى بالأم بدلا من تضييع الوقت في مراقبة الخادمة أن تستثمره في تربية ولدها بنفسها والاستغناء تماما عن المربية.
ويؤكد الدكتور الشيخ أن غياب دور الأم في التربية يضعف العلاقة الطبيعية التي تنشأ بينها وبين طفلها فيحرم من العطف والحنان اللذين ينتظرهما منها والتي من المفترض أن تشعر بما يدور في رأسه وتفهمه من دون أن يتكلم، ولا ينبغي أن يشاركها احد في هذه المهمة سوى الأب صاحب الحق في هذا وإلى جانب أن المربية مرفوضة في تربية الطفل فهي أيضا مرفوضة لأنها تفشي أسرار البيت.
مشاعر الأمومة
ويمسك الدكتور العارف بالله محمد حسن أستاذ علم النفس في جامعة عين شمس بطرف الحديث فيقول: إن الأصل في تربية الأبناء أنها تعتمد على الأم باعتبار أن دورها بالنسبة للطفل يتعدى الرعاية المادية المتمثلة في تقديم الطعام وتغيير الملابس وتلبية المتطلبات الأساسية، إلى توصيل مشاعر الأمومة الحقيقية من خلال ابتسامتها وأحضانها الدافئة وإرضاعها له بشكل طبيعي ورعايتها بعد ذلك من خلال العلاقة المباشرة وجها لوجه، والتي تسمح بتعليمه اللغة الصحيحة وبناء القيم الايجابية لديه، بالإضافة إلى تعديل وتقويم السلوكيات الخاطئة حتى تكون لبنات الشخصية الأولى لدى الطفل في إطار اجتماعي صحيح وهذا هو الوضع الأمثل.
ويضيف الدكتور العارف بالله: ان الاعتماد على المربية الأجنبية التي تحمل لغة مختلفة وعادات وتقاليد مغايرة وقيما لا تتفق مع مجتمعاتنا العربية والإسلامية، كل ذلك يسهم في إكساب الطفل أنماطا سلوكية شاذة وغير طبيعية لأنه ينشأ على قيم وتقاليد غير صحيحة، بالإضافة إلى أن المربية الأجنبية مهما كانت مدربة على أساليب التربية العلمية فهي لن تستطيع توصيل المشاعر العاطفية التي تشعر الصغير بالحب والأمان، وإذا كانت هناك ضرورة ملحة لوجود الخادمة فلتكن مسلمة ملتزمة بسلوكيات وآداب وتعاليم الإسلام مع إشراف الأم على تربية أبنائها إشرافا كاملا، فغياب هذا الدور يؤدي إلى شخصيات منحرفة غير متكاملة وغير(38/24)
سوية، وقد يحدث أيضا انعدام في التوازن النفسي الذي لا يحققه إلا الأب والأم للطفل.
الطفولة مرحلة خطرة
ويضع الدكتور منيع عبد الحليم محمود عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر النقاط على الحروف بقوله: إن مرحلة الطفولة من أكثر وأدق مراحل العمر أهمية في حياة الإنسان عامة والمسلم خاصة، حيث يكون الطفل بطبيعته وفطرته مستعدا لتلقي المبادئ الأساسية للدين الإسلامي والتي تظل معه ويتمسك بها طوال حياته، ولذلك يجب أن يحاط الطفل بجميع أنواع الرعاية النفسية والصحية، وفي الدول المتقدمة يدركون مدى خطورة هذه المرحلة السنية ومن ثم يركزون معظم اهتمامهم على المرحلة الابتدائية، فوجود المربية الأجنبية، خاصة من تدين بغير الإسلام، قنبلة موقوتة وغزو ثقافي لعقول الأطفال يبعدهم عن مبادئهم وأخلاقهم، فإذا كانت الأم قادرة ماديا وفي حاجة إلى من يساعدها على أعمال المنزل، فيجب ألا يكون للخادمة علاقة بالطفل لا من قريب ولا من بعيد، بل يقتصر نشاطها وعملها على الأعمال المنزلية فقط، كما يجب أن تكون مسلمة ملتزمة بأخلاق وقيم ومبادئ الإسلام، وان يكون وجودها في المنزل تحت إشراف كامل، ويقظة من الزوجة طوال الوقت، وألا تكون لابنها مجرد جليسة، بل تكون أما قلبا وقالبا تحتويه بين ذراعيها وفي أحضانها حبا وحنانا وتربيه على الفضائل والأخلاق الكريمة.
نزرع الشوك بأيدينا
ويعود بنا الدكتور أحمد طه ريان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إلى الوراء ليذكرنا بأن العرب كانوا دائما يختارون لأبنائهم مرضعات من طبقات معينة ممن يتميزن بالخلق الكريم والحلم وسعة الصدر، لأن الطفل يتربى ويكتسب خلال تربيته من صفات المربية، فالمربية غير المسلمة لا تتحرز عن النجاسات، وربما تشرب الخمر، وتمارس طقوسا شركية طبقا لمعتقدها، ومن ثم يشب الطفل على تقاليدها في البداية، ثم ما يلبث أن يكتسب عاداتها وتقاليدها وسلوكياتها خلال فترة معايشتها له والإشراف على تربيته، ومعنى هذا أننا نزرع الشوك، فنحن بأيدينا نزرع في أولادنا منذ الصغر البعد عن الإسلام والبعد عن الأخلاق السوية باختيار من يقوم على تربيته بشكل غير صحيح.
ويضيف الدكتور ريان: إن اختيار مربية إسلامية ليس كافيا وحده، فليست كل مربية مسلمة تربي أبناء صالحين لذلك يشترط في المربية أن تكون ملتزمة بتعاليم الإسلام في سلوكياتها وملابسها وتعاملاتها، لأن الطفل في الصغر مثل “العجينة” التي تتشكل كيفما يريد القائم على أمر تربيته، يتأثر بأي حركة أو صوت أو كلمة، ولذلك يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” فالأب والأم مسؤولان عن اختيار المربية الصالحة الملتزمة بتعاليم الإسلام لضمان تخريج أجيال قادرة على تحمل أعباء الريادة في المستقبل، خاصة في هذا العصر الذي أصبح فيه الإسلام والمسلمون هدفا دائما لكل المخططات والمؤامرات التي تدبر وتحاك للنيل من الإسلام والإساءة إليه والإنقاص من شأن المسلمين.(38/25)
أخيراً فإنه من المؤسف أن نرى الأسر المسلمة تستأجر المربيات وخادمات المنازل من دون انتقاء ومن دون البحث عن الشخصيات الصالحة المؤتمنة، فالأسرة المسلمة مطالبة شرعا بمراقبة سلوك أبنائها وتصرفاتهم مع الخادمات مهما كانت جنسياتهن ودياناتهن والحرص على عدم الخلوة من أي نوع لا مع الكبار ولا مع الصغار، فأعظم الخطر يكون على الأطفال الذين يجهلون أمور الدين فيسهل التأثير فيهم وتتزعزع عندهم العقيدة، وتغرس فيهم قيم ومبادئ تخالف الإسلام ويتعلمون قيما وطقوسا باطلة.
الخطر محدق.. فماذا ننتظر؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن جريدة الخليج الإماراتية
ـــــــــــــــــــ
تضخيم الصغائر يقوض الحياة الزوجية
تضخيم صغائر الأمور في الحياة الزوجية يشكل مسمارًا ينخر في كيان الحياة الزوجية ومطرقة قد تحيل الحياة الأسرية إلى رماد تتناثر ذرَّاته في لحظات معدودة.
الأستاذة جميلة المرزوق – إحدى المشاركات في إلقاء المحاضرات في الدورات التثقيفية للمقبلات على الزواج – تقول: إن تضخيم صغائر الأمور في الحياة الزوجية وتوسيع رقعة المشكلات القائمة بين الزوجين بسبب هفوات صغيرة قد يزل بها أحد طرفي الحياة الزوجية أو كلاهما مما يساهم في توسيع الفجوة القائمة بين الزوجين، كما أن المبالغة في معاتبة الطرف الآخر على الزلات الصغيرة وتكرار الحديث عنها بشكل يتخذ منحى اللوم والتقريع ينذر بفتح أبواب الشقاق على مصراعيها، وما يستتبعه من مشكلات جمة يمكن أن تؤثر على سير الحياة الزوجية.
وتنادي الأستاذة بالتحلي بروح المرونة في التعامل مع أمور الحياة وتجنب مغبة المكابرة والعناد، لاسيما في تلك الأمور التي لا تقع في قائمة أولويات الحياة الزوجية.
وتواصل حديثها قائلة: إن تعظيم الاهتمام بصغائر الأمور في الحياة الزوجية وإيلاءها اهتمامًا مضاعفًا عادة ما يؤدي إلى إحداث روح الشقاق بين الزوجين وتجذير هوة الخلافات وتضييق فرص الاستقرار الأسري وحرمان الأسرة من الشعور بطعم الصفاء والاستقرار العائلي.
إن الزوجة التي تؤجج روح المشاكل من (لاشيء) إنما تفتح النوافذ لتعميق روح الخلاف في حياتها الزوجية وإثارة زوابع الاضطراب وبراكين المشاحنات اليومية، وربما يؤدي هذا الأمر إلى خفوت لغة الحوار في الحياة الزوجية وتلاشيها، فالزوج الذي يبوح لزوجته بأمر ما فإذا به يفاجأ بأنها قد تحولت إلى ثور هائج يثير الزوابع والبراكين ، حتمًا سيتفادى بسط الحديث والنقاش معها في المستقبل تفاديًا لما قد يحدث من مشكلات وزوابع، وبذلك تضمحل لغة الحوار بين الطرفين وتتفكك عرى التواصل.
طريقة وضع الدجاج على الطبق(38/26)
وتروي جميلة المرزوق في هذا السياق قصة زوجة ظلت في بيت أسرتها بعد زواجها لمدة تربو على الشهرين بعد نزاع على وضعية الدجاج المطبوخ في طبق التقديم قائلة: النماذج الواقعية التي يجدر ذكرها في هذا السياق أن إحدى الزوجات قامت بإعداد طعام الغداء في الأسبوع الثاني من زواجها فقامت بوضع الدجاج على صحن الأرز بطريقة لم تعجب الزوج الذي سارع على الفور بافتعال المشاكل وإثارة حمم الخلاف والنزاع بسبب أمر تافه لا يكاد يشكل أي أهمية في سياق الحياة الزوجية.
معجون أسنان كاد يتسبب بالطلاق
كما تشير إلى قصة أخرى كادت أن تنتهي بالطلاق بين الزوجين والسبب في الخلاف (معجون أسنان)!! فقد نسيت الزوجة في يوم ما أن تغلق معجون الأسنان بعد استخدامه في الوقت الذي أثار هذا الأمر أعصاب الزوج؛ حيث فوجئ بأن المعجون أصبح جافًا نتيجة عدم إغلاقه، فوجه سيلاً من الإهانات والانتقادات الجارحة للزوجة ونعتها بأبشع النعوت واتهمها بأنها مهملة وغير مؤدبة ولم تتربَّ بطريقة جيدة.
زوجة أخرى نسيت تغيير الصابونة بعد أن قاربت على الذوبان، فإذا بزوجها يصنع من الحبة قبة ويكيل لها قائمة من الاتهامات والشتائم.
وتحذر جميلة المرزوق من استنزاف الأعصاب وإرهاق النفس في أمور تافهة وتدعو إلى الترفع عن سفاسف الأمور وتركها جانبًا في الوقت الذي يجدر بكلا الزوجين إيلاء الاهتمام والنقاش لأمور هي من صميم الحياة الزوجية وجوهرها كبسط النقاش حول حياة الأبناء ومستقبل الحياة الزوجية وكيفية تأمين المستقبل العائلي للأسرة، وكيفية تحقيق طموحات الزوجين وتطلعاتهما بشكل أفضل..
إن التأني قبل إصدار الأحكام والتروي قبل إشعال فتيل الخلاف من أجل أمور سخيفة لا تسمن ولا تغني من جوع، أمر ينبغي وضعه في قائمة أولويات الزوجين، ومسألة مهمة يجدر بكلا الطرفين، ومشادات قد تنتهي بتدمير الحياة الزوجية وتفكك عراها..
الكلام الطيب والحوار الهادئ هما أفضل بلسم
وترى جميلة المرزوق أن الكلام الطيب والحوار الهادئ هما أفضل بلسم لمداواة المشكلات قبل استفحالها، والدواء الناجع للجروح قبل تفاقمها، غذ أن استخدام الكلمة الطيبة يمثل مفتاحًا ناجعًا لإطفاء نيران الغضب، وإخماد براكينه قبل أن تتحول إلى بركان ثائر يمكن أن ينتهي بتقويض الحياة الزوجية، وتلبيد أجوائها بالضبابية والخلافات الدائمة.
وتحذر في ختام حديثها من المغالاة في الخوض في المشكلات الصغيرة حتى لا تتحول إلى قنابل نارية مؤججة تقتل استقرار الزوجين والعمل على محاولة تهدئة الطرف الآخر في حال الغضب كبديل عن الانسياق معه في سورة الغضب أو الابتعاد عنه في حال غضبه حتى يهدأ.
ـــــــــــــــــــ
بذكائك وحكمتك تسعدين زوجك وأسرتك(38/27)
ليس فى العالم كله مكان يضاهى البيت السعيد جمالاً وراحة. فأينما سافرنا، وأنى حللنا، لا نجد أفضل من البيت الذى تخيم عليه ظلال السعادة.
فكيف تستطيع المرأة بذكائها وحكمتها وحسن معاملتها أن تصنع هذا البيت فتسعد زوجها، ومن ثم تسعد بيتها ؟
يجيبنا من خلال نصائحه د. حسان شمسى باشا - استشارى أمراض القلب، و أحد أبرز المهتمين بالعلاقات الأسرية وصحة الأسرة النفسية، وله العديد من المؤلفات فى هذا المجال - فيقول:
- تذكرى أنك أنت المسئولة عن إسعاد زوجك وأولادك، وتذكرى أن رضا زوجك عنك يدخلك الجنة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة ".
- لا تُحمِّلى زوجك ما يفوق طاقته. ولا تحشدى رغباتك ولا تكدسى طلباتك مرة واحدة، حتى لا يُرهق زوجك فيهرب منك. وإذا أصررت على مطالبك الكثيرة، فقد يرفضها جميعًا ويرفضك أنت رفضًا تامًا، غير آسف ولا نادم.
- لا تكلفيه أن يتحلى مرة واحدة بكل الصفات والفضائل والمكارم التى تشتهين أن تجتمع فيه ، فمن النادر جدًا أن تجتمع كل تلك الصفات فى شخص واحد!
- حين يتزوج رجل امرأة، يتعلق بصورتها الحلوة كما رآها فى الواقع، فلا تشوهى صورتك التى فى ذهنه. وحافظى على جمالك وأناقتك، ونضرة صحتك، ورشاقة حركاتك، وحلاوة حديثك .
جاء فى وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة الصالحة أنه قال: "وإذا نظر إليها - أى زوجته - سرَّته".
- حافظى على تدينك. التزمى بالحجاب الإسلامى، ولا تتساهلى فى أن يرى أحدٌ شيئًا من جسدك ولو للمحة عابرة، فإن زوجك يغار عليك، ويحرص على ألا يراك إلا من تحل له رؤيتك.
- لا تنشغلى بأعمال البيت عن زوجك، قومى بهذه الأعمال وانتهى منها قبل عودته
- رتبى بيتك على أحسن حال ، غيرى من ترتيب غرفة الجلوس من حين لآخر ، ضعى لمساتك الفنية فى انتقاء مواضع اللوحات أو قطع التزيين وغيرها.
- لا تتحسرى على العاطفة الملتهبة، ومشاعر الحب الفياضة وأحلام اليقظة التى كنت تعيشين فيها قبل الزواج، فهى تهدأ بعد الزواج وتتحول إلى عاطفة هادئة متزنة.
- إذا كان الرجل هو صاحب الكلمة الأولى فى العلاقة الزوجية، فأنت المسئولة عن النجاح والتوافق والانسجام فى الزواج. ومهما بلغتِ من علم وثقافة، ومنصب وسلطان، ارضخى لزوجك والجئى إليه، ولا تصطدمى معه فى الرأى.
واهتمى فى مناقشاتك معه بأن تتبادلى الأفكار مع زوجك تبادلاً فعليًا، فتفاعل الآراء المثمر خير من استقطابها استقطابًا مدمرًا.
- أشعرى زوجك دائمًا بمشاركتك له فى مشاعره وأفراحه، وهمومه وأحاسيسه ، أشعريه بأنه يحيا فى جنة هادئة وادعة، حتى يتفرغ للعمل والإبداع والإنتاج.(38/28)
- جربى الكلام الحلو المفيد، والابتسامة المشرقة المضيئة، والفكاهة المنعشة، والبشاشة الممتعة، وابتعدى عن الحزن والغم، والهذر واللغو، والعبوس والتجهم، والكآبة والاكتئاب.
- لا تضيعى وقتك فى ثرثرات هاتفية مع صاحباتك، أو فى قراءة مجلات تافهة.
واختارى من المجلات والكتب ما يفيد ذهنك وعقلك وقلبك، وما يزيدك ثقافة ويعينك على حل مشاكل البيت والأولاد ، ومن برامج التلفاز ما يفيدك.
- شجعى زوجك على النشاط الرياضى والبدنى خارج البيت ، امش معه إن أمكن واستمتعا بالهواء الطلق فى عطلة نهاية الأسبوع، وكلما سنحت الفرصة لذلك.
- تخيرى الأوقات المناسبة لعرض مشاكل الأسرة ومناقشة حلها، إذ يصعب حل المشاكل قبل خروج زوجك للعمل فى الصباح بسبب قلة الوقت، ولا تناقشى أى مشكلة عند عودته من عمله مرهقًا متعبًا.
ولعل المساء هو أفضل فترة لمناقشة المشاكل ومحاولة حلها، ولا تناقشى مشاكل الأبناء فى حضورهم، حتى لا يشعروا أنهم أعباء ثقيلة عليك وعلى زوجك، وأنهم سبب الخلاف بين الوالدين.
- لا تطلبى من زوجك أن يلعب دور الشرطى للأولاد، يقبض على المتهم ويحاكمه أو يضربه.
- لا تنتقدى سلوك زوجك أمام أطفاله، ولا تستعملى ألفاظًا غير لائقة يرددها الأبناء من بعدك مثل "جاء البعبع" أو "وصل الهم".
- حذار حذار من الإفراط فى الغيرة والعتاب، وتجنبى التصرفات التى تؤجج غيرة زوجك، وتبلبل أفكاره. أوصى عبد الله بن جعفر بن أبى طالب ابنته فقال: "إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق، وإياك وكثرة العتب فإنه يورد البغضاء".
- إياك أن تغارى من حب زوجك لأمه وأبيه ، فهو حب فطرى أوجبه الله على المسلمين لا يمس حب زوجها لها من قريب أو بعيد؟
- لا تنقلى مشاكل بيتك إلى أهلك، فتوغرى صدور أهلك ضد زوجك ، بل حلى تلك المشاكل بالتعاون مع زوجك.
- لا تستعلِ على زوجك إذا ما كنت أغنى منه أو أعلى حسبًا ونسبًا، أو أكثر ثقافة وعلمًا، فلا يجوز استصغار الزوج وانتقاص قدره والتعالى عليه..
- لا تمتنعى على زوجك فى المعاشرة الزوجية. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح".
- وتذكرى أن أول حقوق الزوج على زوجه طاعتها له.
فلا تصومى نفلاً إلا بإذن زوجك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه - أى فى غير رمضان - ولا تأذن فى بيته إلا بإذنه".
- لا تنسِ فضل زوجك عليكِ، فقد جعل النبى صلى الله عليه وسلم تناسى فضل الزوج سببًا لدخول المرأة النار، وسمَّاه كفرًا. فعن ابن عباس (رضى الله عنهما) قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: "أُريتُ النار، فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن".(38/29)
قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير - أى الزوج - ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهرَ، ثم رأتْ منك شيئًا قالت: ما رأيت منك خيرا قط".
- حافظى على أموال زوجك، ولا تنفقى شيئًا من ماله إلا بإذنه، وبعد أن تستوثقى من رضاه.
وإذا أعسر زوجك فتصدقى عليه من مالك، وإن لم يكن لك مال، فاصبرى على شظف العيش معه، لعل الله تعالى يفرج عليكما.
- إذا كنت من الأمهات العاملات، فلا تتصورى أن ما يحتاج إليه زوجك وأولادك هو المال وحده، فهيهات هيهات أن يتساوى اللبن الصناعى مع لبن الأم الربانى الطبيعى ، أو يتساوى حنان الخادمة مع حنان الأم.. وطعام الخادمة مع طعام الزوجة النظيفة، وتربية المربية الجاهلة مع تربية الأم الواعية.
- لا تضجرى من عمل زوجك، فإن أسوأ ما تصنع بعض النساء هو إعلان الضجر من عمل الزوج. والإعلان يكون عادة فى خلق النكد، والدأب على الشكوى، واتهام الزوج الإهمال.. واللجوء إلى بيت أمها غضبى.
- تذكرى أن الزوج الذى اعتاد أن يرى أمه هى أول من تستيقظ من نومها، ثم توقظ كل من فى البيت بعد ذلك، وتجهز لهم الفطور، وتعاون الصغار فى ارتداء ملابسهم، لن يرضى بامرأة اعتادت أن تنام حتى انتصاف الشمس فى كبد السماء.
- تذكرى أن البيت المملوء بالحب والسلام، والتقدير المتبادل والاحترام، مع طعام مكون من كسرة خبز وماء، خير من بيت مليء بالذبائح واللحوم وأشهى الطعام، وأيضًا بالنكد والخصام!
ـــــــــــــــــــ
إلى كل مخطوبة ... قبل أن تتخذي القرار
تلقيت ذات يوم اتصالاً من إحدى الفتيات تسأل: هل هذا الرجل مناسب لأن يكون زوجًا لي؟ هذا بعد أن ذكرت معلومات قليلة عن شاب تقدم لخطبتها، وعلى الرغم من أني لا أعرف الفتاة ولا الشاب لكني لمست القلق العميق الذي تعيشه هذه الفتاة!
والحقيقة أنه في لحطة من اللحظات يصبح هذا السؤال مصيريًا يشغل بال أي فتاة تقدم لخطبتها شاب.
وعلى الرغم من أن اندفاعنا الفوري لتقييم الوضع المادي لزوج المستقبل وما تعد به وظيفته من رفاهية ومكانة اجتماعية، وبالتالي يأتي القرار بالقبول أو الرفض، لكنه لا شك مؤشر خادع وكثيرًا ما جلب لفتياتنا التعاسة والشقاء.
أثارت هذه الفتاة تفكيري فبدأت أبحث عن مؤشرات قد تساعد الفتيات على اتخاذ هذا القرار الخطير.. سأحاول أن أذكر بعضها هنا، ولابد أن أذكر أن هذه مؤشرات عامة ويبقى لكل حالة خصوصيتها.
أولاً: اسألي عنه في المسجد القريب من بيته: الشاب المحافظ على الصلاة أقدر على الحفاظ على بيته ولن يخذله الله.
لقد أثبت المتدينون – وبكل فخر – أنهم أكثر إخلاصًا وتفانيًا في إنجاح حياتهم الزوجية والحفاظ عليها وحمايتها لأنهم ينظرون إلى الزواج على أنه تعبير آخر عن التزامهم وتدينهم.(38/30)
ثانيًا: اسألي عن عدد أصدقائه ومدة علاقته بهم: عدد الأصدقاء يعطي دلالة على طبيعة الشخصية، فالشاب الذي يمتلك علاقة وثيقة بشخص أو اثنين فقط يوصف بأنه ذو شخصية انطوائية.
وهذا له تأثيره السلبي على العلاقة مستقبلاً بالزوجة، والشاب قليل الارتباطات سوف يلقي بعبء عاطفي ونفسي كبير على زوجته في المستقبل، وكثيرًا ما تعتقد الفتيات خطأ أن بقاء الرجل في البيت بشكل متواصل من حسناته أو أنه حسنة في الزواج، وهذا غير صحيح.
كما أن الشاب الذي لديه ارتباطات كثيرة غالبًا ما يكون على حساب حياته الزوجية. الشاب الذي يحافظ على صداقاته لفترة طويلة أدعى لأن يحافظ على بيت الزوجية، بينما الشاب الذي يُعرف عنه أنه يتنقل في علاقاته من شخص إلى آخر كل بضعة أشهر يوحي بعلامة سلبية وقد تكون خطيرة.
ثالثًا: كيف يعامل أخواته البنات؟: هذا مؤشر مهم ، فاحترام الشاب لرغبات وحاجيات أخواته ومساعدتهنَّ وخدمتهنَّ بشكل أو بآخر مؤشر قوي على موقفه المستقبلي من زوجته.
رابعًا: الخادم أو العامل الذي يعمل لديه أو من يجلب له الشاي في العمل ويقضي له أغراضه الصغيرة سيعطيك معلومات مهمة، فالكريم من الناس يقدر صغير الشأن كما يقدر كبيره، فيبتسم في وجهه ويحيّيه كل صباح ويكرمه في الأجر الذي يعطيه ، ومثل هؤلاء أدعى لأن يكرموا زوجاتهم ويحسنوا معاملتهنَّ.
أما سيّئ الطباع فلا يقدر إلا من يرجو منه مصلحة معينة، بل ويحتقر غيره وهذه علامة خطيرة.
خامسًا: الغضب: فالشاب الذي لا يملك السيطرة على غضبه شاب ضعيف مهما عظم جسده وعلا صوته، وللغضب عواقب وخيمة على الحياة الزوجية، فكم هدم من بيوت وحوَّل حياة أقوام إلى حطام وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: "ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عن الغضب".
سادسًا: الاهتمام بعمله وإتقانه: فهذا مؤشر على جدية الرجل والتزامه، وهذا يشمل كل أشكال الأعمال، فالبائع المهتم والمتقن أكثر التزامًا في حياته الزوجية – في معظم الأحيان – من أستاذ الجامعة المستهتر الفاشل.
صحيح أن السؤال عن الشاب بشكل مباشر من أكثر من مصدر أمر مهم؛ لكنه قد يعطي معلومات مضللة أحيانًا، خاصة لو سُئل عنه أصدقاؤه والمقربون منه، ولذا أحببت أن أذكر هذه المؤشرات العملية.
وأختم بأن أذكِّر بالالتجاء إلى الله عز وجل والطلب منه أن ييسر الزوج الصالح قبل أن يأتي، واستخارته سبحانه فيمن تقدم.
ألبسكم الله ثوب السعادة ودامت حياتكم كلها أفراحًا.
ـــــــــــــــــــ
عندما تغتال البراءة !!(38/31)
اندهشت عندما دخلت الصغيرة ذات السنوات الخمسة، وهى ترتدى «الهاف ستومك»، وتضع «المانيكير»، و«الروج»، وترتدى حذاءً ذا كعب عالٍ، وقصة شعرها مثل الراقصة ( فلانة).
تعجبت لأنى لم أجد قريبتى الجميلة كما كنت أتخيل، فلا شريطة بشعرها، ولا فستان مزركش جميل، ولا حذاء بفيونكة؛ نظرت إليها ولم أستطع أن آخذها فى حضنى وأقبلها وألاعبها، فأمامى آنسة لا أستطيع إلا أن أسلم عليها بشياكة، وأقول الكلمة التى قرأت فى عينيها أنها تريدها: «إيه الجمال والإغراء دا كله».
وعندما جلست سألتها: ماذا تحفظ من الحضانة، فبدأت بنعومة تغنى لى أغانى الفيديو كليب، ولم تتحرج من أن تتبع ذلك برقصات وإشارات ، وعندما قلت لها: إن هذه الأغانى عيب. قالت لى: أحفظ غيرها؛ فغنت «آه يا قلبى»، «نارى نارين».....
فقلت لها سلامة قلبك الصغير، آه يا قلبى أنا مما أراه.. ما الذى حدث لهذه الصغيرة ولجيلها كله ؟
لماذا هجرت الطفولة البريئة، وسعت لتكون أنثى تلبس العارى، وتغنى وترقص بأغانى «الحب والهيام».
الإعلام واغتيال براءة الطفولة
تتهم الدكتورة عالية الكردى - المتخصصة فى شئون المرأة والطفل - الإعلام بأنه السبب فى القضاء على براءة الطفولة عند الطفلة، فنجد أن برامج الأطفال أقل مساحة؛ مقارنة بالمساحة المخصصة للأعمال الأخرى، حتى القنوات المتخصصة للأطفال لا تعكس مرحلة الطفولة، وبعيدة جدًا عن حياة الطفل، فهى عبارة عن أوهام خيالية لا يمكن أن يحققها الطفل، أما برامج الشباب فسهل تقليدها والتعايش معها.
وأرجعت أيضًا هذه الظاهرة إلى عامل آخر، وهو تراجع الوقت الذى تحتك فيه الأم بأطفالها؛ فالطفل لا يعيش الطفولة جيدًا؛ لأن معظم الأمهات عاملات، فالطفل لا يأخذ حقه فى التربية والرعاية، إضافة إلى أن كل المؤثرات داخل الأسرة وخارجها لا تسير بشكل طبيعى.
كذلك المجتمع أخفق فى تقديم القدوة للأطفال؛ لأن التقليد والمحاكاة جزء طبيعى من حياة الطفل، وهناك تراجع لدور المسجد كمؤسسة تربوية فعالة، وقصور فى تقديم الثقافة الإسلامية الصحيحة.
ليس الإعلام وحده
أما الدكتورة فؤادة البكرى - الأستاذة بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة حلوان - فتقدم رأيًا مختلفًا، إذ ترى أن هذه الظاهرة ليست مسئولية الإعلام وحده، إنما هى مسئولية كل المحيطين بالطفل مثل الأسرة والمدرسة ومؤسسات التنشئة المختلفة.
فيجب على مؤسسات التربية أن تقوم بدورها، وخاصة الأسرة عليها أن تحتضن أطفالها، وتحرص عليهم ولا تتركهم فريسة للإعلام، وتختار لهم المفيد، وتحفظهم من السيئ، وتساعد أطفالها على أن يعيشوا سنهم وطفولتهم؛ لأنهم إن لم يعيشوا(38/32)
طفولتهم بصورة طبيعية، فلن يعيشوا أى مرحلة أخرى بصورة سوية، وعلى الأم أن تتحكم فى نوعية ما يراه أطفالها، وأن تُرشِّد ساعات الإرسال التليفزيونى.
وتؤكد على أنه بجانب دور الأسرة؛ هناك مسئولية كبيرة تقع على عاتق المدرسة والمعلمين؛ فالمعلم يجب أن يكون قدوة يقتدي بها الطفل، ويجب أن يعي دوره جيدًا، ويوجه الأطفال فى مرحلة الطفولة؛ لأن هناك مرحلة من المراحل التى يمر بها الطفل يقتدى تلقائيًا بمعلمه، فالطفل يكتسب القيم من الأسرة والمعلمين، فيجب أن لا نهمل دور المؤسسات الاجتماعية المحيطة بالطفل (التى تؤثر فيه ويتأثر بها)، ونلقى اللوم على الإعلام وحده.
القدوة والتربية
ويؤكد الدكتور نبيل السمالوطى - أستاذ علم الاجتماع - أن هناك اتجاهًا ودافعًا غريزيًا عند الأطفال للمحاكاة ومحاولة تقليد الكبار فى أقوالهم وسلوكياتهم المختلفة، وهذا أمر طبيعى.
ولذلك؛ فإن عملية التربية لا تعتمد على المنطق والحوار بقدر ما تعتمد على القدوة، فإذا كانت القدوة صالحة كانت التنشئة صالحة، وإذا كانت القدوة فاسدة كانت التنشئة فاسدة.
فيجب أن لا نلوم الطفل ونلوم المخالطين له، فعلى الآباء والأمهات إذا وجدوا ابنتهم تقلد النساء اللائى يرتدين ملابس خليعة، ويضعن الماكياج الصارخ وعندهن انفلات وإباحية، فلا يلومون إلا أنفسهم؛ لأنهم لم يشرفوا إشرافًا جيدًا على نوعية ما يشاهده أبناؤهم وبناتهم، ولم يمارسوا التوجيه والنقد الواجب عند مشاهدة هذه المناظر.
يجب على الأم أن تكوّن وتنمى الوازع الدينى والأخلاقى داخل أبنائها وبناتها، فيكون المعيار أن نرضى الله (عز وجل)، وأن نعيش بقيمنا وأخلاقنا وثقافتنا نحن.
فإذا تربى هذا الوازع الدينى والأخلاقى داخلهم فلا نخاف عليهم بعد أن يتخطوا مرحلة الطفولة، ويصبحوا كبارًا؛ لأنهم قد أخذوا الحصانة والمناعة الأخلاقية والثقافية والدينية الكافية.
ولهذا يجب الحذر من كل المخالطين للطفل الذين يجب عليهم أن يراعوا السلوك القويم والصدق فى القول والفعل والقيم المتعامل بها يوميًا.
كان قديمًا يوجه هذا الكلام للمقربين للطفل والمحيطين به، أما الآن فقد اتسعت دائرة التأثير، وأصبحت هناك دائرة التليفزيون والسينما والشارع والحى والمدرسة، وكل هذه الدوائر أصبحت مؤثرة، ولا يمكن لنا أن نضبطها، فهناك دوائر منفلتة، وهناك دوائر ملتزمة، وهناك قنوات صالحة وأخرى فاسدة، ومن الجيران من هو صالح، ومنهم من هو فاسد، والأطفال يقلدون سلوكيات الكبار.
ثقافة الصورة
يرى الدكتور محسن خضر - أستاذ أصول التربية بجامعة عين شمس - أن تقليد الأطفال للكبار ظاهرة طبيعية لا تدعو للقلق، فهى سمة من سمات النمو فى المراحل المختلفة، لكن ما يدعو للقلق هو هذا الطغيان لثقافة الصورة على شخصية أطفالنا ومراهقينا، فلم يعد المثل الأعلى للطفلة الأم التى معها فى المنزل، والتى كانت سابقًا تحاول تقليد دورها فى المطبخ، وفى رعاية الأطفال، فتقوم بنفس الدور مع(38/33)
عروستها، ولم يعد المثل المعلمة أو الأخوات الكبار، بل أصبحت القدوة والمثل الأعلى نماذج غير سوية تفرضها ثقافة الصورة، وتروج لها ليل نهار.
فالتليفزيون المحلى والفضائيات تقدم أسوأ نماذج القدوة لأطفالنا ، وهي نماذج ممسوخة ومصنوعة يعدها الإعلام التجارى، ويقدمها ليربح ويكتسح، وهى نماذج تستثير الإعجاب من قبل الجنسين بالمعنى الجنسى عند الذكور، والمعنى الأنثوى عند الإناث.
ويستغل هذا الإعلام عدم وجود القدوة والمثل الأعلى؛ فيقدم الابتذال والبطون المكشوفة والأجسام المهتزةوالميوعة، والسباق المثير بين الفريسة والصياد.
هذا يحدث فى ظل غياب نماذج القدوة فى المنزل والمدرسة والإعلام والانحطاط الأخلاقى والقيمى، وعدم وجود الهدف المشترك الذى يجمع المجتمع بكل فئاته، وبالتالى تتولد مساحة كبيرة من الفراغ تملؤها نانسى وشيرين وأبطال البلاى ستيشن والسينما الأمريكية وأرجوزات السينما الشبابية.
متى يستعيد المجتمع رشده !!
وينصح الدكتور محسن خضر بضرورة وجود المشروع الاجتماعى الكبير؛ لأن القضية هى غياب هذا المشروع، وغياب الأبطال الحقيقيين، فلابد من تقديم نماذج قدوة حقيقية بعيدًا عن المهللين والمهرجين والباحثين عن المادة فقط؛ بصرف النظر عن القيم أو الانتماء، فلابد أن يستعيد المجتمع رشده وعقله وأهدافه الكبرى، فالأسرة وحدها لن تستطيع أن تقوم بدورها بمعزل من المجتمع.
أما الدكتورة عالية فترجع لتؤكد على دور الأسرة، وتطالب الأم بأن تجلس وقتًا أكبر مع أطفالها، وأن يعود دور المسجد فى التربية، كما كان قبل نصف قرن.
وتضيف: لابد من زيادة مساحة الإعلام الموجه للطفل، مع انتقاء الجيد وإنتاج كارتون عربى للأطفال، ويمثل واقعنا ومجتمعنا العربى المسلم.
ــــــــــــــــ
مركز الإعلام العربي
ـــــــــــــــــــ
حتى لا يضيع الوقت هدرًا !!
هذا هو الوقت الذى أقسم به الله (عز وجل) لأهميته، ومكانته فى حياة الأفراد والمجتمعات، ينبغى استغلاله فيما يفيد ويصلح ويعود بالنفع فى العاجل والآجل، وتجنب الأمور المضيعة له، وما أكثرها، والتى يحددها الخبير ويليام بوتر - مؤلف كتاب (199 حالة من حالات تضييع الوقت وكيفية تفاديها) نذكر منها أهم خمس حالات فقط :
1 - النوم: فالشخص الذى يستغرق ثمانى ساعات فى النوم فى كل ليلة إنما يمضى ثلث عمره نائمًا، ويشير الخبير بوتر إلى إمكانية أن يستغرق المرء فى النوم لفترة أقل مع ذلك محتفظًا بنشاط وحيوية، وذلك بممارسة التمارين الرياضية بمعدل ثلاث مرات أسبوعيًا، فمن شأنها أن تزوده بقدر كبير من الطاقة.
2 - المهام الشخصية: الملاحظ أن معظم الناس يقومون بأداء مهامهم الشخصية فى وقت واحد مثل: شراء احتياجات المنزل، أو التوجه إلى البنوك فى أوقات معينة؛ لذا(38/34)
يوصى بوتر هؤلاء الأفراد باتباع برنامج عملى مختلف حتى لا يضيعون أوقاتهم سدى.
وذلك بشراء الاحتياجات فى وسط النهار بدلاً من المساء أو فى منتصف الشهر بدلاً من أوله، والذهاب للبنوك مبكرًا، أو فى وقت متأخر.
3 - التسوق: يستهلك الذهاب إلى محلات المواد الغذائية يوميًا أو عدة مرات فى الأسبوع قدرًا كبيرًا من الوقت؛ لذا على الأفراد أن يجمعوا كل احتياجاتهم من تلك المواد وشراؤها مرة كل أسبوع أو أسبوعين.
4 - عدم الاستعداد: بعض الأشخاص يتذكر وهو فى طريقه إلى العمل أنه نسى بعض المتعلقات الخاصة به، والتى ربما تجعله يعود إلى المنزل مرة أخرى؛ لذا يوصى بوتر بأهمية أن يحتفظ الشخص بقائمة تحوى الأشياء التى ينبغى تذكرها ووضعها فى مكان بارز حتى يسهل عليه رؤيتها قبل خروجه من المنزل.
5 - مشاهدة التليفزيون: الكثير يضيع وقته فى مشاهدة برامج لا يرغب فيها، ولكنه نوع من تضييع الوقت أو الملل.
لذا يجب أن يسجل الشخص البرامج التى يريد رؤيتها وتوقيتها حتى لا يضطر إلى مشاهدته إلا فى الأوقات التى حددها لنفسه سلفًا.
بهذه الطريقة وقياسًا عليها يستطيع أى إنسان أن يحدد متطلباته وكيفية إنجازها على نحو أمثل، وهذا يتطلب أن يدرك صاحب المهام فن إدارة الوقت، وكيفية استغلاله بحكمة وذكاء ..
مهارات التخلص من لصوص الوقت
والتى يحددها الدكتور كوتى بلادينو - أستاذ الإدارة والمتخصص فى إدارة الذات - منها:
1 - التخطيط: يجب أن ينظر الإنسان إلى قائمة أهدافه الأسبوعية - التى خطط لها مسبقًا - كل يوم، ويراجع أهدافه البعيدة كل أسبوع، بالإضافة لتحديد الأهداف التى يرغب فى تحقيقها اليوم، والتى من شأنها مساعدته فى الوصول إلى الأهداف البعيدة.
2 - التركيز: قد يكون من الصعب فعل أشياء كثيرة فى وقت واحد؛ لذا يجب أن يتخذ الفرد قرارًا حول المشروع الذى يجب أن ينصب عليه اهتمامه الآن، وفى كل مرة يتم إنجاز شيء واحد فقط.
3 - الاسترخاء: قضاء الوقت كله فى العمل دونما فرصة للهو واللعب يؤدى إلى التعاسة، والملل، والضجر، والإجهاد، لذا على الفرد أن يتعلم كيفية الاهتمام بمجرى حياته العملية، والعائلية مع ترك وقت للنفس، إن التوازن هو المفتاح الرئيس للنجاح فى الحياة العملية والتمتع بتقدير الذات.
وخلال أوقات الراحة على المرء ألا يفعل شيئًا سوى الاسترخاء، مع ممارسة بعض التمارين الرياضية من مختلف الأنواع.
4 - تجنب التشوش والارتباك: وذلك بتصنيف الفرد لأعماله أو حاجاته الشخصية، فى ملفات خاصة به مثل:
- ملف للأمور الملحة والتى تحتاج لاهتمام فورى.(38/35)
- ملف للأمور التى يجرى العمل على إنجازها.
- ملف لأعمال مكتملة.
- ملف للقراءة والمراجعة.
ويقول د. كونى بأن المكتب الفوضوى يشوش الذهن والتفكير؛ لذا يجب عدم ترك المكتب أو المنزل بحالة فوضى.
5 - لا تخف من قول (لا): للفرد الحق فى أن يقول لا دون شعور بالذنب، فالمهام غير المنتجة أو المفيدة هى مضيعة للوقت.
6 - التغلب على التأجيل والمماطلة: فالقضاء على التسويف والمماطلة، سيولد لدى الفرد عادات جديدة؛ لذا يجب أن يبدأ الفرد يومه بأداء الأمور والمهام التى لا يحب فعلها، فهذا يوفر باقى الوقت للأشياء التى يسره فعلها.
ـــــــــــــــــــ
كيف تصبح الإجازة فرصة للتواصل الأسرى ؟
تتطلع الأسرة إلى اليوم الذى تنتهى فيه امتحانات آخر العام لتستريح من عناء عام دراسى كامل، وتستمتع بإجازة الصيف، وتعوض ما حُرمت منه خلال الموسم الدراسى، وإذا كان النجاح هو غاية الطالب والأسرة التى تقف معه ووراءه، فإن على الأسرة كما تضافرت لإنجاح أبنائها الطلاب أن تتعاون أيضًا لصنع إجازة ناجحة تضاف إلى رصيد سعادة الأسرة.. وتقوى روابطها، وتسهم فى تعميق التواصل والدفء بين أفرادها.
إشباع
يؤكد د. محمد حسن غانم - أستاذ علم النفس بجامعة حلوان - أن غاية الإجازة أن تحقق الإشباع النفسى لدى أفراد الأسرة بعد فترة من الحرمان والمحظورات واللاءات المرتبطة بالعام الدراسى وظروف المذاكرة.
وهناك مثل غربى يقول: (الشيطان يوظف العاطل)، وقد حفظنا الحكمة المأثورة (نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل)، وهذا يعنى أن الإجازة يجب ألا تكون مناسبة للفراغ القاتل، أو الأنشطة التافهة غير المثمرة.
وبما أن الأسرة تعلن حالة الطوارئ أثناء الدراسة لتكريس كل جهدها ووقتها لتحقيق غاية النجاح والتفوق، فلابد إذن من تعويض ذلك فى الإجازة، بما يحقق درجةً من التوازن والرضا والإشباع النفسى لجميع أفراد الأسرة.
وعناصر هذا التعويض كثيرة منها :
1 - صلة الأرحام وزيارات الأهل والأقارب.
2 - القراءة الحرة لتنمية ثقافة الفرد، وصقل قدرته على التعبير والحوار.
3 - ممارسة الرياضة.. فـ «المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»، ولكن ليس فى الشارع، منعًا لإزعاج الناس أو التعرض للحوادث والأذى، بل فى أماكنها المعتادة: النوادى، الساحات، ومراكز الشباب المنتشرة فى كل مكان.
4 - المصيف، سواء كان مصيف اليوم الواحد أو أكثر، بحيث يراعى فى اختيار المصيف: المستوى المادى للأسرة ورغبات الأبناء ، وحدود الوقت المتاح لذلك ،(38/36)
وليتخذ الجميع من النظر فى البحر وتأمل الطبيعة فرصة للتفكر فى ملكوت الله والإقرار بقدرته تعالى.
5 - التقارب بين أفراد الأسرة لمن لم تسمح ظروفهم بالمصيف أو السفر، من خلال جلسات مفتوحة يسمح فيها للأبناء بإخراج ما يجول فى صدورهم من أفكار، حتى وإن تضمنت انتقادات لأسلوب الوالدين فى التعامل معهم، فهذا التنفيس من قبل الأبناء يريحهم نفسيًا، ويبنى جسور الثقة مع الوالدين فيصبحان صديقين لهم، وهذا ييسر على الوالدين متابعة أبنائهما وتوجيههم وتقديم النصيحة والمعلومة الصحيحة فيما يعرض لهم من أمور.
تصحيح صورة القدوة
ومن المهم أن يحرص الآباء فى جلسات الحوار مع الأبناء على تقديم نماذج القدوة الناجحة لأبنائهم من خلال أشخاص نجحوا فى تحقيق أهدافهم بعد عناء وكفاح وصبر، لتصحيح الصورة المغلوطة التى تقدمها وسائل الإعلام لنماذج القدوة من الراقصات والفنانين واللاعبين الذين يعرضون تجاربهم وخبراتهم التى تعمل فى بعض الأحيان دلالات سلبية، ولكن محصلتها فى النهاية الثراء والشهرة، مما يجعل الأبناء يربطون بين هذه الدلالات وما حققه هؤلاء من نجاحات، مما يصيب بعض الشباب بالإحباط والشعور بأن نجاحهم الدراسى أو المهنى لن يحقق لهم شيئًا، وإذا لم تتوافر لهم نماذج القدوة الصحيحة سيسعون إلى تقليد النماذج السلبية، وسلوك طريقها للحصول على المال والشهرة بسهولة.
- تقوية الوازع الدينى عند الأولاد باصطحابهم لصلاة الجماعة فى المسجد وإشراكهم فى مسابقات لحفظ القرآن وتعلُّم أحكامه وزيادة جرعة القراءات الدينية وتنويعها حسب سن الأبناء وقدراتهم.
إجازة منضبطة
ويؤكد د. غانم أن الإجازة ليست تحررًا من كل الضوابط، بل هى فترة نشاط جديدة مقيدة بشروط منها:
ألا تخرج الإنسان عن غاية خلقه بمراعاة الوقت والتوازن فى الأعمال «إن لربك عليك حقًا، وإن لبدنك عليك حقًا...»، فعلينا ألا ننساق بلا هدى خلف مقولة (ساعة لقلبك، وساعة لربك)، بل لابد من مراعاة أن تكون ساعة القلب لا تغضب الرب، وفى الوقت ذاته ينبغى على الأسرة مراعاة التوازن وترتيب الأولويات، بحيث لا تطغى العبادة على العلاقة بالآخرين، ولا تتخذ مطية لتعطيل تطوير الذات واكتساب المهارات الجديدة.
أما د. حنان السيد - مدرسة إدارة المنزل كلية الاقتصاد المنزلى جامعة حلوان - فترى أن رسم صورة الإجازة لابد أن يشارك فيه الأبناء فى اجتماع أسرى لتحديد ما تهدف إليه الأسرة فى الإجازة، فبعض الأسر تسعى لتعليم أبنائها إحدى اللغات الأجنبية، أو صقل مواهبهم فى الرسم ، أو زيادة رصيدهم الثقافى والعلمى، أو توسيع مداركهم ومعرفتهم بالمعالم والأماكن السياحية داخل بلدهم، أو تدريبهم على ممارسة الألعاب الرياضية المحببة لديهم، فيعرض كل فرد فى الأسرة رغباته، ثم(38/37)
تجمع هذه الرغبات، وتتم دراستها وترتيبها فى ضوء إمكانات الأسرة وظروف الوقت المتاح، ولكى تؤتى الأجازة ثمارها بلا إجهاد أو فوضى.
و تنبه د. حنان إلى ضرورة تنظيم مواعيد النوم والاستيقاظ ومشاهدة التلفاز، واستعمال الكمبيوتر حتى لا تصبح الإجازة فترة إجهاد (بالسهر)، وفوضى وقلبًا للأوضاع، وتضيف أن منافذ الاستمتاع بالإجازة مفتوحة ومتاحة لجميع المستويات والأعمار، بدءًا بزيارة المكتبات للاطلاع وممارسة الهوايات إلى الاشتراك فى الأندية الصيفية، التى تنظمها المدارس لتعلم الرسم أو ممارسة الألعاب الرياضية الجماعية أو القراءة.
وإذا كانت الدراسة - عند بعض الطالبات - مبررًا للتفرغ وعدم الانشغال بأمور البيت؛ فإن الإجازة هى فرصة الأم لتطوير المهارات المنزلية عند ابنتها وتدريبها على الطهى وترتيب المنزل، وتعويدها على تحمل مسئولية البيت، ولا مانع من إتاحة الفرصة لها لإدارة ميزانية الأسرة خلال أسبوع، مما يكسبها مهارة الإدارة الناجحة لأعباء البيت، ويهيئها لتحمل مسئولية الزواج وتكوين الأسرة، وكذلك ينبغى مشاركة الأولاد فى تحمل جزء من أعباء البيت بتكليفهم بشراء بعض مستلزمات البيت من الخارج، ومن ثم معرفة الأسعار، وتقدير الظروف الاقتصادية للأسرة، مما يخفف من مطالب الأولاد، ويغرس فيهم حتمية القناعة والرضا.
وتنصح د . حنان باستغلال فرصة المصيف، سواء كانت يومًا واحدًا أو عدة أيام فى تجديد النشاط وقراءة بعض الكتب الخفيفة والمجالات والشرائط النافعة، والصلاة فى مساجد جديدة، والتعرف على الأماكن والمعالم الموجودة فى مكان المصيف وزيارتها، وتدريب الأبناء على ممارسة السباحة، وعلى تطبيق الحركات التى تعلموها فى تدريبات النادى، وإذا كانوا مشتركين فى مدرسة السباحة به، ويمكن لبعض الأطفال جمع الصدف من البحر واستخدامه فى عمل أشغال فنية رائعة، بحيث تصبح فترة المصيف فرصة للترفيه والتعلم معًا.
ـــــــــــــــــــ
هيا نمرح .. شعار الأسرة السعيدة
هل المال ويسر الحال شرطان للسعادة والرضا، أم أنه استعداد فطرى يدفع صاحبه لخلق الفرص وتهيئة الأجواء لحياة سعيدة مرحة، حتى وإن تداعت الهموم وتكالبت الضغوط ؟
إنها معضلة صعبة، تواجهها بعض الأسر فتقف عاجزة أمامها، وتفقد معها مفاتيح التوافق والسكينة والاستقرار، فكيف تفك الأسرة رموز هذه المعضلة، وكيف تحصل على مفاتيح السعادة بالابتسام والرضا والتنظيم، والتخطيط الجيد والتعاون الطوعى بين أفرادها؟
أ.د. أمانى عامر - أستاذة الإدارة بجامعة القاهرة - تعيش معنا هذه المشكلة تقدم لكل أسرة مفاتيح الدخول إلى عالم المرح والسعادة.
تزاحم الأعباء
ـ بداية ما أهمية المرح والترفيه وضرورته لسعادة الأسرة واستقرارها ؟(38/38)
- تكمن ضرورة الترفيه وأهميته فى تحقيق التوازن الانفعالى للشخص، وتنمية وتنشيط علاقاته الاجتماعية، وتوسيع دائرة اتصالاته الإنسانية، ومن ثم تخفيف الضغوط الواقعة عليه، أو على الأقل امتلاك القدرة على إدارة هذه الضغوط بتوازن، بحيث لا يطغى هم على آخر، فتزداد المساحة والطاقة الممكن توجيهها إلى الأسرة وإشباعها.
- ومع ذلك فقد المرح وجوده داخل جدران بيوتنا، وخيمت على كثير منها ظلال الصمت والكآبة.. فلماذا؟
تنهدت ثم قالت : أعتقد أن تزاحم أعباء الحياة جعل جانب الترفيه يتقلص، وجعلت الأسرة بكل أفرادها مهمومة ومحمَّلة بأعباء وضغوط كثيرة ما بين تأمين لقمة العيش، وملاحقة الارتفاع الدائم للأسعار وأعباء الدراسة والمدرسين كل ذلك أوجد خللاً فى أركان الأسرة، فأصبح الهم الشاغل للوالدين هو تحسين مستوى الأسرة وزيادة دخلها، وقلت الساعات المتاحة للاهتمام بالذات، والسعى لتحقيق التوازن بين الجهد البدنى والجهد الذهنى.
خاصة وأن التكنولوجيا جعلت حركة الجسم أقل، فقل الجهد البدنى، وزاد الجهد الذهنى فحدث الخلل، ومن ثم أصبحت العودة إلى جو المرح ضرورة لإعادة هذا التوازن المفقود.
ـ كيف تتعامل الأسرة مع هذه الضغوط المتراكمة لتعالج مناخ الكآبة والملل؟
- الأمر ليس عسيرًا إنما يحتاج إلى تنظيم وقت الأسرة وحسن إدارته، والتعاون مع المدرسة بحيث يتم التركيز على الفهم والاستيعاب للمناهج أكثر من تكديس الواجبات على الطالب حتى تتاح له وللوالدين مساحة من الوقت للترويح وتجديد النشاط.
و على جميع أفراد الأسرة التكيف مع الأعباء والضغوط الملقاة على عاتق كل منهم، والنظر إليها على أنها جزء من أدوارهم فى الحياة، مع العمل على تخفيف هذه الضغوط أو حسن توزيعها، وهذا يتحقق بتحليل وحصر أسباب هذه الضغوط وتقسيمها إلى نوعين:
1 - ضغوط يمكن التحكم فيها: مثل أداء عدة واجبات فى يوم واحد بتأجيل بعضها، أو الاعتذار عنها، أو التخلى عن بعض الالتزامات التى يقوم بها المرء طواعية، فالمرأة قد تكون موظفة وزوجة وربة أسرة ودارسة وأم وابنة لسيدة مسنة بحاجة إلى رعاية، فيمكن موازنة هذه الأدوار، والتحكم فى أدائها أو تأجيل بعضها حسب ما تسمح به ظروف المرأة ووقتها وقدراتها أو تفويض جزء من المسئوليات لباقى أفراد الأسرة.
2 - أما النوع الثانى فيشمل الضغوط التى لا يمكن التحكم فيها، فتبدأ الأسرة بترتيب هذه الضغوط حسب الأهمية، وتقوم بإنجاز الأهم فالمهم فالأقل أهمية، بحيث إذا لم يتسع الوقت لإنجاز جميع المهام المفروضة يكون التقصير فى المهام الأقل أهمية والتى يمكن إرجاؤها.(38/39)
- من ناحية أخرى ينبغى على جميع أفراد الأسرة عمل فاصل بين هموم العمل، وهموم البيت، وهذا يتحقق بالتدريب على ترك هموم العمل على باب العمل حتى لا تتداخل الهموم، وتزداد الضغوط والأعباء فيعجز المرء عن إنجازها بكفاءة.
- كذلك يحسن عدم التفكير فى أكثر من موضوع فى وقت واحد، فهذا يدخل فى تنظيم التفكير مما يقلل الإحساس بالضغوط والاكتئاب.
- تنويع الاهتمامات وتوسيع دائرة العلاقات الاجتماعية من شأنه أن يخفف أثر أى ضغط يقع نتيجة الدوران فى فلك موضوع أو عمل واحد.
- ممارسة الرياضة الجماعية ولو بالمشى أو تخصيص نصف ساعة يوميًا للاسترخاء العضلى والفكرى، الذى يجدد النشاط، ويشعر المرء بالراحة والقدرة على العطاء والإنجاز بكفاءة.
- والأهم مما سبق تعميق الإيمان والصلة بالله تعالى، واستحضار آيات التوكل، والرضا بقضاء الله تعالى {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} {إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا}، {ومن يتق الله يجعل له مخرجا}، {إن مع العسر يسرا}، {لئن شكرتم لأزيدنكم}، {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا}، فهذا يولد الرضا والثقة فى قضاء الله، ويدفع المرء للعمل براحة نفسية مستشعرًا العون والمدد من الله تعالى.
- ومن المهم أيضًا الاجتهاد فى حسن معاملة الناس «وخالق الناس بخلق حسن»؛ لأن محبة الناس عامل دعم نفسى قوى.
بأقل الإمكانيات
ـ هل يرتبط الترفيه بارتفاع المستوى المادى للأسرة ؟
- ليس شرطًا، فكل أسرة يمكن أن تبتكر وسائل الترفيه والإمتاع التى تناسب مستواها وقدراتها المادية فتخلق بذلك فرصًا جميلة لحياة سعيدة، بأقل الإمكانيات، وأرخص الأسعار، فالتنزه على الكورنيش ترفيه مجانى، وكذلك زيارات الأهل والأقارب.
كما أن تنمية هوايات أفراد الأسرة داخل البيت قد لا تكلف الأسرة كثيرًا لكن مردودها الإيجابى أغلى بكثير، فالأمر يرتبط باستعداد الفرد ليكون سعيدًا حتى وإن كان لا يملك شيئًا.
ـ بعض الناس يعتبرون أن المرح وروح الدعابة يتعارضان مع الجديد وكفاءة الإنجاز، فما ردكم على ذلك؟
- العكس هو الصحيح، فالمرح ينبغى أن يكون عنوانًا لحياة الأسرة، يتخلل أوقاتها ويجمع بين أفرادها، فى جلسة عائلية على مائدة الطعام أو أمام برنامج هادف يثير حوارًا أسريًا دافئًا،أو زيارة للجد أو الجدة أو الأقارب، بحيث تتخلص الأسرة من حالة الانفصال الراهنة بين أفرادها، والتى تجعل لكل واحد عالمه وعلاقاته.
أهمية الإجازة
ـ كيف نجح الغرب فى توظيف الترفيه فى التقدم والنهوض؟
- من الغريب أن يدرك الغرب فقه الأولويات، ويعط كل عمل ما يستحق من الوقت والاهتمام، ونحن أولى بذلك منه، خاصة أن ديننا يحث على استثمار الوقت إدراكًا منه لقيمته فى حركة الحياة والعبادات، ففى الغرب تعد أجازة آخر الأسبوع(38/40)
(weekend) من الأمور المهمة لدى الجميع من أصغر عامل أو موظف إلى رئيس الدولة والمسئولين فى أعلى المناصب، فنجد بوش مثلاً يسافر إلى منتجع خاص يمارس فيه الرياضة المفضلة، ويعيش على طبيعته الإنسانية مع أفراد أسرته بعيدًا عن السياسة وجمودها.
والحال كذلك فى جميع الدول المتقدمة التى لا تسمح بأن يطغى حق العمل على حق النفس والجسد، فهذا تطبيق عملى لقاعدة إسلامية ثابتة «أعط كل ذى حق حقه».
ومعروف أن الماكينة التى تعمل باستمرار دون توقف تتعرض للتعطل أكثر من الماكينات التى تأخذ راحة بين وقت وآخر للصيانة والتجديد، فتزيد قدرتها على الإنتاج.
وكذلك الإنسان فهو عبارة عن مجموعة من الأجهزة والخلايا العصبية والمشاعر النفسية، فلابد لكل منها أن يأخذ قسطًا من الراحة لتجديد الطاقة وإعادة شحن القدرات، ومواصلة العطاء، وإطالة عمره الافتراضى.
بعد أن أثبتت الدراسات العلمية أن كثرة الضغوط تضعف الجهاز المناعى للجسم، فتوقع المرء فريسة لأمراض العصر العضوية والنفسية.
- كما ينبغى أن تكون هناك قناعة بأن قضاء الله فى كل الأحوال هو الخير، والله يقول فى الحديث القدسى: «أنا عند ظن عبدى بى»، فإذا حمد ربه على قضائه ازداد إحساسه بالرضا، وبنعم الله ، وحين يعمل مقارنات رابحة مع من هو دونه صحة وأولادًا وأموالاً وقدرات، فيزداد اطمئنانًا وسعادة، ويمكن القول إن تنمية الأدوار داخل الأسرة وأداء كل فرد داخل الأسرة لواجباته، وما عليه يجعل الأولاد يشبون أسوياء مستقلين معتمدين على أنفسهم فيسعدوا وتسعد الأسرة، وهذا هو مفتاح الأسرة إلى عالم السعادة والرضا.
الفصل بين الجنسين فى المدارس دعوة أوروبية ملحة
يبدو أن المقولة التى سادت لعدة عقود فى الغرب، والتى اعتبرت المدارس الخاصة بالفتيات فقط مدارس لا تواكب العصر، قد بدأت فى التغير مؤخرًا ، بعد أن زاد اقتناع البعض بأن الفكرة ليست جيدة فقط لكنها ستؤدى لنتائج دراسية أفضل.
ففى دراسة عن كتاب فرنسى حديث تحت عنوان: «مصائد المدارس المختلطة» نشرتها صحيفة لاكسبريس الفرنسية أعلن عالم الاجتماع الفرنسى ميشال فيز - الباحث بالمركز القومى للدراسات الاجتماعية بفرنسا - أن الاختلاط فى المدارس الأوروبية لا يدعم المساواة بين الجنسين، ولا المساواة فى الفرص.
وقد صدرت الدراسة بعد تجربة اختلاط تعليمى دامت 45 عامًا فى فرنسا، وكشفت عن سوءات عملية الاختلاط فى الغرب، وبخاصة فرنسا، والتى شهدت ارتفاع معدلات الاعتداءات الجنسية ضد المراهقين داخل المؤسسات التعليمية ، فضلاً عن زيادة نسبة الرسوب التعليمى عند الأولاد، برغم تفضيلهم عن البنات فى المدارس بصورة تعلن عن عنصرية المعلمين أنفسهم.
الاختلاط .. وحقوق التعليم
ومن ثم فإن سياق الأحداث وتطوراتها فى فرنسا والغرب يثبتون عكس ما يقال من أنه طالما كان المجتمع مختلطًا وديموقراطيًا ، فإنه يجب أن يمثل ذلك فى المدارس.(38/41)
ويشير ميشال فيز إلى أن الاختلاط ليس حقًا من حقوق التعليم، بل إنه كان من منطلق التعبير عن مبادئ المساواة فى الفرص ، واحترام حقوق المواطنة ، وإذا كان هذا المبدأ حقًا ، فلماذا لا نجبر فتياتنا على العمل فى ميكانيكا السيارات ؟
ويعلن المؤلف أنه يدعو لسياسة فصل تغير المجتمع إلى الأفضل خاصة فى ظل المعلومات التى حصل عليها حول تدنى مستوى التعليم ، وعدم قدرة الفتيات - فى ظل الاختلاط - على إثبات ذواتهن، ومشاكل الأولاد فى التحصيل اللغوى.
ويشير فيز إلى أن عملية الفصل لا تستدعى أن يعبر التلميذ أو التلميذة عن انتمائهما الدينى ، أو خصوصيتهما الفكرية، فالفصل هنا لا يعنى أننا سنلجأ إلى فتح مدارس لفتيات محجبات.
وقد أثارت هذه القضية التى اعتبرها العالم الغربى من قبل من المحرمات التى لا يجب الخوض فيها جدلاً كبيرًا، وفتحت الباب لمناقشات ساخنة حول مخاطر الاختلاط، وخاصة فى المدارس الإعدادية والثانوية، فى الغرب الأوروبى وأمريكا.
مشاكل شباب المدارس
كما سلطت صحيفة لاكسبريس - التى عرضت الكتاب - الضوء على عدد من المشكلات التى تواجه الشباب داخل المدارس، فمن بين 110 آلاف رسالة وصلت على الخط الساخن للشباب عام 2000 كانت هناك حوالى 4 آلاف رسالة أشارت لتعرض أصحابها لضغط جنسى داخل المدرسة، وقد شكل هذا العنف الجنسى نسبة 13،1% خلال العام الدراسى 2001 - 2002 من أشكال العنف الأخرى، فضلاً عن تعرض الفتيات للسب والمعاكسات الكلامية البذيئة، وخاصة فى المقاطعات التى تعانى مشكلات الفقر والحرمان والسكان النازحين.
مدارس للفتيات فقط
وأشارت المجلة فى حوارها مع مؤلف الكتاب إلى قضية الهجوم الإسلامى على الغرب متسائلة: إن كان ذلك الفصل يتماشى مع وجهة النظر الإسلامية، فهل سننتظر كثيرًا نحن كبلد علمانى حتى يتقدم الإسلام إلينا مهاجمًا ؟
فأجاب الكاتب : أنه منذ عام 2000، وفى عهد الرئيس «المتدين» جورج بوش بدأ القبول بفكرة إنشاء مدارس منفصلة بأمريكا، وكذلك فى كل من إنجلترا، والسويد، وفنلندا، وألمانيا؛ حيث يتم الفصل خاصة فى حصص المواد العلمية، أما فى فرنسا فقد كان التعليم الكاثوليكى أول من نادى بعملية الفصل، وإن كان ذلك فى مدارس خاصة بعيدًا عن التعليم الرسمى العلمانى .
وقد علق عدد من الخبراء التربويين على تلك الدراسة، وعلى الموضوع الذى تثيره فى وقت يشتعل فيه الهجوم الغربى على الإسلام والمسلمين فى العالم الغربى وأمريكا.
فتحت عنوان: «مدارس للفتيات فقط.. أحدث صيحة تعليمية فى بريطانيا» كتبت مجلة الإيكونوميست البريطانية موضوعًا جاء فيه أنه بعد فصل البنين عن البنات فى عدد من المدارس البريطانية الخاصة أظهرت نتائج الاختبارات التى تمت سنة 1997 أن 68% من التلاميذ حصلوا على درجات مرتفعة فى الاختبارات، بينما(38/42)
حقق (81%) من الأولاد، و(82%) من الفتيات ذات التقديرات المرتفعة سنة 2004 بعد عملية الفصل.
كما أشارت المجلة إلى أن الولايات المتحدة بدأت اعتبارًا من العام الدراسى الحالى (2004) تخفيف وتيسير القواعد التى حظرت فى السابق التعليم القائم على جنس واحد فى المدارس العامة.
فكرة المساواة
كما صرح وزير التربية والتعليم الفرنسى بضرورة احترام الجنسين فى مراحل التعليم المختلفة فى الوقت الذى أبرز فيه قمة التناقض بين دولته العلمانية، وبين هذا الكتاب، والنتائج التى صدرت عنه.
وأشارت إيزابيل كابيه - عضوة منظمة ميكس سيتى التربوية - إلى أن القضية الفعلية التى يجب مناقشتها هى فكرة المساواة ، وحق الانتخاب للمرأة ، والذى شُرع سنة 1848 لكن لم تمارسه المرأة غير عام 1945.
أما أنديره بلدان - سكرتير عام رابطة التعليم الكاثوليكى - فقال: إنه لابد من مواجهة حاسمة لقضية الاختلاط بالمدارس تجنبًا لمشكلات التحرش الجنسى.
بينما قالت مارى دوره - الباحثة التربوية: إن الخوف ليس من عملية الفصل، ولكن من تغيير المناهج بما يتلاءم مع مشكلات المجتمع ، فهذه هى المشكلات الحقيقية.
وفى تعليقها على عملية الفصل قالت دومينيك شنبير - مديرة مدارس التعليم العالى للعلوم الاجتماعية: إنه إذا كان يجب أن ندعو إلى وضع الفتاة إلى جانب الولد فى المدرسة ليكون ذلك أمرًا طبيعيًا؛ لأن المرأة تعمل بجانب الرجل فى المجتمع، فمن غير المنطقى أن لا نشير إلى الظلم الذى تتعرض له المرأة فى المجتمع، ومن هنا فإنها ترى أن المدرسة يجب أن تكون مكانًا لحماية الفتاة من الظلم الواقع عليها.
وأن على المدرسين أن يختاروا النظام الملائم لمصلحة الطلاب جميعًا، لكنها عادت وأشارت إلى تأثير الفكر الإسلامى وقدرته على التغلغل فى المجتمع الفرنسى لحسم هذه القضية، وهو ما يشكل مشكلة أخرى تحتاج لإعادة نظر.
وعمومًا فلم تخف الدراسة تخوفها من التدخل الإسلامى، فهم يدعون إلى مبادئ وأسس دعا إليها الإسلام قبل أن تقوم حضارتهم، ثم يبحثون عن مخرج لمشاكلهم بمواجهات لا فائدة منها، ويغفلون أن الإسلام تبنى أسلوبًا تربويًا عبقريًا يطبقون بعض تفاصيله اليوم.
ـــــــــــــــــــ
دراسة تنصح الأمريكيات بالاقتداء بالمرأة المسلمة
نصحت دراسة أجرتها جامعة «هارفارد» الأمريكية النساء في الولايات المتحدة، بالاقتداء بالمرأة المسلمة في احتشامها وأخلاقها، وذلك كسبيل للقضاء على الانحلال الخلقي والأمراض الخطيرة، السائدة في ا لولايات المتحدة والمجتمعات الغربية.
وجاء في الدراسة التي أجرتها جامعة «هارفارد» (إحدى أعرق الجامعات الأمريكية) بتوكيل من إحدى الجمعيات المتخصصة في الأمراض المرتبطة بالأخلاق، من أجل إعداد دراسة مقارنة عن مدى انتشار الامراض الجنسية بين النساء المسلمات والنساء الغربيات، أن مرض الإيدز لا يشكل أكثر من هاجس(38/43)
يطارد المجتمعات الإسلامية عندما يسافر أحد أبناء الأسرة للخارج ، الذي إذا تمسك بتعاليم الدين الإسلامي فإنه يعود دون الإصابة بالمرض.
أما داخل المجتمع الإسلامي نفسه فإن الجميع يعيش في اطمئنان تام من عدم تسرب هذه الأمراض الخطيرة لأن المجتمع من الداخل يتمتع باستقرار اجتماعي وبعد تام عن الانحلال الأخلاقي كما تلتزم كل امرأة مسلمة بتعاليم دينها وأخلاقياته ومن ثم لا مجال للممارسة الجنسية خارج إطار الزواج.
وأضافت الدراسة ، إن نسبة تفشي مرض مثل الإيدز في المجتمعات الإسلامية لا يتعدى النصف في الألف وليست هناك أية خطورة على تلك المجتمعات من تسرب تلك الأمراض إليها بسبب التزام المسلمات أخلاقيا ودينيا ، ونفس الأمر بالنسبة لجميع الأمراض الجنسية الأخرى، التي أثبتت كل الأبحاث العلمية أنها لا تغزو إلا المجتمعات التي لا تعرف حدودا للأخلاق.
وأظهرت الدراسة الأمريكية أن الأبحاث التي أجريت على انتشار الأمراض الجنسية على الجاليات المسلمة في الغرب، كشفت عن أن الأسر المسلمة التي تعيش وفق تعاليم الدين الحنيف لا تعاني من أية أمراض كما تتمتع بحالة من الاستقرار الاجتماعي الذي يساعدها على التقدم ماديا واجتماعيا ، في حين وجدت الدراسة أن الأسرة المسلمة التي لا تلتزم بهذه الأخلاقيات قد تعاني من العديد من المشاكل التي يعاني منها المجتمع الغربي كله.
وقالت الدراسة إن احتشام المرأة المسلمة، يعد أحد أهم الاسباب في الاستقرار الاجتماعي الذي تتمتع به المجتمعات الإسلامية، داعية جميع النساء الأمريكيات إلى محاولة تقليد المسلمات في سلوكياتهن وفي طريقة الحفاظ على حشمتهن ووقارهن، كسبيل وحيد لإنقاذ المجتمع الأمريكي من الانحدار في طريق اللاعودة بسبب التدهور الأخلاقي وانتشار الأمراض التي أفرزتها العلاقات غير الشرعية بين الرجال والنساء فيه.
الجدير بالذكر أن هذه ليست الدراسة الأولى التي تعدها جامعة هارفارد وتعترف فيها بأن الإسلام العظيم جاء بمفاهيم وأسس جديدة لصالح الجنس البشري، فمنذ فترة قصيرة أعدت كلية الطب بها بحثا ، أكد أن مرض الجذام لا يصيب المسلم المحافظ على أداء صلواته في مواعيدها، حيث بينت الدراسة أن الماء الفاتر هو العلاج الوحيد لمرض الجذام ولأن المسلم الذي يصلي يتوضأ خمس مرات يوميا فإن مرض الجذام لا يعرف له طريقا.
ولم تكن جامعة «هارفارد» هي الجامعة الوحيدة التي تشهد بعظمة الإسلام وشعائره فقد قام المعهد الوطني لبحوث العناية الصحية في ولاية ميرلاند، بإجراء دراسة خاصة عن الإسلام وشعائره، أثبتت أن شعائر الإسلام العظيم إذا حرص المسلم على أدائها تؤدي به إلى أن يصبح شخصا سليما نفسيا وطبيا ويمارس حياته بصفاء نفسي رائع، ولا يتعرض لأية أزمات نفسية، وذلك على عكس المسلم الذي لا يحرص على أداء الشعائر الإسلامية أو غير المسلم.
كما أن بعض علماء ولاية ميريلاند قاموا بالكشف على (126) ألف شخص من المسلمين المتدينين وغير المتدينين ومن غير المسلمين أيضا ، و أثبتت الدراسة(38/44)
بالفعل مدى ما يتمتع به المسلم المتدين من حياة اجتماعية سليمة بل إن الكشف العملي أثبت أن المسلم المتدين تزيد مناعته بنسبة ما بين 10 ـ 15% عن سواه من البشر كما أن المسلم الذي يؤدي فروض دينه كان أقل عرضة للإصابة بالأزمات القلبية المفاجئة.
ـــــــــــــــــــ
هكذا أسلمن .. !
فى الوقت الذى يتعرض فيه الإسلام لهجمة شرسة داخل أرضه وخارجها تلصق به تهم الإرهاب والتخلف والهمجية، وتتوجه فيها سهام الأعداء - فى المقام الأول - إلى المرأة المسلمة، وحجابها الذى هو عنوان شخصيتها ومعيار التزامها بأوامر الله تعالى.
تأتى نماذج وشهادات المهتديات إلى الإسلام من شرق العالم وغربه، والتى تقدمها الكاتبة الصحفية الأستاذة وفاء سعداوى في كتابها ( وهكذا أسلمن .. مهتديات من الشرق و الغرب )، لتؤكد أن الإسلام هو دين الفطرة السوية، القادرة على تخطى كل أسوار الحصار، وأنه الدين الذى يزداد أتباعه طواعية، وباستمرار؛ لأنه يستجيب لنوازع العقل والوجدان والجسم معًا.
كما تكشف هذه الشهادات زيف المستشرقين وسموم الإعلام، ومؤسسات التثقيف الغربية، فقد تمسكت صاحباتها بالحجاب الذى ترفضه بعض نسائنا، وهربن من الاختلاط الذى تنادى به بعض فتياتنا مجاراة للموضة بعد أن عانين ويلاته فى مجتمعاتهم.
لكنها لا تعفى المسلمين من تحمل التبعة، والتقصير فى تقديم الإسلام الصحيح فى صورته الحضارية إلى الغرب، ومن ثم تقديم المبررات للمستشرقين فى محاولات تزييف الحقائق، وتشويه صورة الإسلام والمسلمين.
الإسلام وكرامة المرأة
مونيكا اليابانية نشأت فى جو علمى عقلانى، ونعمت بدفء الأسرة والنجاح فى الدراسة والعمل، كما توفرت لها كل وسائل الحياة الناعمة، وكانت تدين بالبوذية، لكنها برغم ذلك كانت تعيش اضطرابًا نفسيًا، وفراغًا قاتلاً حتى شاء الله أن تنتدب للعمل كمترجمة للوفود اليابانية فى إحدى شركات السياحة العربية، فكانت فرصتها للتعرف على الإسلام، ثم التعمق فى دراسته لتزيل الصورة الغامضة عن الإسلام فى ذهنها، وبمرور الوقت توثقت صلتها بالقرآن والإسلام، ووجدت فيه الأجوبة الشافية عن تساؤلاتها الفلسفية عن الكون والحياة، وأعجبتها مكانة المرأة وكرامتها المصونة، وتحرير عقلها ووجدانها فى ظله، فقررت أن تكون مسلمة، وجاءت إلى مصر، فأشهرت إسلامها فى الأزهر الشريف، وتزوجت مسلمًا مصريًا.
مسلمة منذ الطفولة
أما سمر فهى مسيحية مصرية أحبت الإسلام منذ الطفولة، وتعلقت بالصلاة والقرآن، وبدأت تقرؤه فى الصف الثانى الإعدادى، وتبكى لتأثرها به، وظلت تقاوم ضغوط أهلها عليها، ورغبتهم فى إدخالها الدير مدى الحياة، ونجحت فى الصمود وأشهرت إسلامها، فتغير كل شيء فى حياتها، وأصبحت تلتزم بالإسلام فى كل(38/45)
شيء، وأعجبها نظام الزواج فى الإسلام الذى يحقق مصلحة الطرفين، ويمنع الخيانة الزوجية بإباحة الطلاق والتعدد، ويحفظ للزوجة حقوقها وكرامتها بالحجاب، وكان زادها فى رحلتها على طريق الإسلام طلب العلم والصحبة الطيبة والتزود من القرآن.
الحرية الزائفة فى الغرب
أما إيزابيل (إيمان رمضان) السويسرية المسيحية: فقد هبت عليها نسائم الإيمان فى شهر رمضان، بعد أن تشبعت بمعرفة الله ورسوله، وبعض مبادئ الإسلام، فصححت الصورة الذهنية المشوهة لديها عن الإسلام والمسلمين، ووجدت فى الإسلام حياة أخرى تقوم على عقيدة التوحيد، التى أورثتها راحة نفسية هائلة فى الصلة المباشرة بين العبد وربه بعيدًا عن النظم الكهنوتية.
وتعمق لديها الإحساس بالإيمان فى شهر رمضان عندما جربت الصيام، والصلاة، وارتدت الحجاب لأول مرة، واستعانت بالعلم والصحبة الصالحة على تغيير الصورة المشوهة التى تبثها وسائل الإعلام الغربى عن الإسلام والمسلمين، وبرغم ما يدعيه الغرب من الحرية، فإن موقفهم من إسلامها، وحجابها أكد زيف هذه الحرية التى تقول إنك حر فيما تفكر فقط، لكن لا تفعل إلا ما يرضى به الجميع أو المجتمع ككل.
الكسندرا براون (كريمة) المسيحية الألمانية، أسلمت وعمرها (12 عامًا)؛ لأنها كانت فى فترة طفولتها دائمة البحث عن الدين الصحيح، وكانت قراءاتها الكثيرة هى بوابتها لمعرفة العالم الإسلامى، والتأثر بالعبادات والمعتقدات الإسلامية.
وبالفعل قررت الدخول فى الإسلام فى ليلة الكريسماس، ونجحت فى هداية جدتها للإسلام بعد أن أشرق به قلبها قبل أن تشهره فى المركز الإسلامى فى لندن، وقد استقر بها المقام فى مصر مع زوجها وأسرتها الصغيرة، حرصًا منها على تنشئة أولادها فى بيئة إسلامية صالحة.
سلاحها الصبر
أما مونتسدات وفيرا (زينب) فقد شبت فى عائلة مسيحية أسبانية بنظرة مشوهة عن الإسلام والمسلمين، لكن اطلاعها على العهد القديم والعهد الجديد، وحجم التناقض بينهما جعلها تقع فى حيرة كبيرة ساعدتها قراءتها عن الإسلام، وفى القرآن الكريم على التغلب عليها؛ إذ وجدت فى الإسلام حلولاً كثيرة للمسائل العقيدية والتشريعية المعقدة، فقررت أن تصبح مسلمة لكنها واجهت مشاكل كثيرة مع الأهل تتعلق بالطهارة والأكل والمحرمات، وبمرور الوقت بدأوا يعتادون العادات الإسلامية الجديدة، وكان سلاحها فى دنيا الإسلام هو الصبر، أملاً فى سعادة الدنيا والآخرة، والتحول إلى دعوة غير المسلمات إلى الإسلام لتحصينهن من فساد المجتمع الغربى وانحلاله.
وهذه ليلى عز الدين الهولندية المسيحية أحبت الإسلام عن طريق علاقتها بالمسلمين والمسلمات فى هولندا، والذين قدموا لها نموذجًا طيبًا عن الإسلام، وفقه العلاقات الزوجية، واحترام الإسلام للمرأة وكيانها الأسرى.(38/46)
فتزوجت شابًا مسلمًا قبل أن تشهر إسلامها فى مصر، وساعتها استعادت طمأنينتها المفقودة، وبدأت تواظب على أداء العبادات الإسلامية، وبعد عودتها وأسرتها الصغيرة إلى هولندا انخرطت فى العمل الإسلامى فى المركز الإسلامى، وما لبثت أن استقرت فى مصر لتنشئة أبنائها تنشئة إسلامية بعيدًا عن فتن المجتمع الأوروبى، لكنها تطرح تساؤلات حول وضع الحجاب والعبادات، والمعاملات غير الإسلامية فى المجتمع المسلم .
وماريان بول المسيحية الأمريكية نشأت فى أسرة مسيحية كاثوليكية متمسكة جدًا بالمسيحية، لكنها احتكت بالطلاب العرب فى الجامعة، ووجدت ارتياحًا لشخصياتهم وعلاقاتهم ومعاملاتهم، بعكس ما تبثه وسائل الإعلام، فبدأت تقرأ عن الإسلام، وترجمة القرآن، فعرفت حقيقة الإسلام وتاريخه، وبهرتها مكانة المرأة فى الإسلام، وتمتعها بحقوقها فى رحاب الإسلام منذ أكثر من 1400 سنة، بينما المرأة الغربية لم تحظ بجزء من مكانتها إلا منذ مئات السنين.
كما أعجبها نظام العلاقة الزوجية، وتكامل أدوار أفراد الأسرة، وهو ما لم يحدث مع كثير من الأزواج والزوجات الأمريكيين.
سكن وطمأنينة
كنت أعيش فى ضلال، لا أعرف لماذا أحيا؟ وماذا بعد الموت؟ أعيش فى اكتئاب دائم وقلق مستمر، لكن الآن سكن وطمأنينة، وحب لهذا الدين الذى جاء به نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) رحمة للعالمين.
هذه بعض كلمات الفرنسية المهتدية سيلفى فوزى التى تعى القضية الإسلامية، وتهتم كثيرًا بأمور المسلمين وهمومهم، ورغم المكانة العلمية التى حققتها (إعداد الدكتوراه فى الهندسة الكيميائية ) والرفاهية المادية التى تعيشها، فقد كانت دائمة قلقة حزينة غير منسجمة مع ما حولها، وغير متقبلة لما يدور من مناقشات فى اليهودية والمسيحية عن تشويه الإسلام والمسلمين.
وعن طريق زوج شقيقتها العربى المسلم بدأت تقرأ عن الإسلام، وتقبل عليه، فانشرح صدرها، ووجدت فيه إجابات شافية لكل الأسئلة التى كانت تساورها عن الحياة والموت.
ووجدت كيانها وكرامتها فى الإطار الإسلامى، بينما هى خارج هذا الإطار سلعة رخيصة تباع وتشترى بلا أى حقوق.
ـــــــــــــــــــ
الأسرة الطبيعية في مؤتمر الدوحة العالمي
الأسرة هي البنيان الاجتماعي الأساسي في المجتمع ، وعلى امتداد تاريخ البشر وباختلاف عقائدهم الدينية وألسنتهم وثقافتهم كانت الأسرة هي القاسم المشترك بين كل البشر على اختلافهم، فالزواج والأسرة هو الإطار الذي شرعه الله ليستمر النوع البشري وتتم به خلافة الله على الأرض ولهذا كان التركيز عليها، والاهتمام بها لتؤدي غايتها المنشودة لذا وانطلاقا من هذه المسؤولية حرصت دولة قطر على الارتقاء بالأسرة بتأسيس المجلس الأعلى لشؤون الأسرة برئاسة الشيخة موزة بنت ناصر المسند ـ حرم أمير دولة قطر ـ والتي حرصت على ان يكون المجلس الأعلى(38/47)
لشؤون الأسرة المرجعية الأولى لخدمة الأسرة بكافة أفرادها وعلى اختلاف احتياجاتها من خلال سن القوانين والتشريعات التي تحمي الأسرة وأفرادها ، كما حرص المجلس على احتضان وتبني العديد من المبادرات لحماية طوق الأسرة من المؤامرات الخارجية التي أصبحت تضع الأسرة هدفاً لها لزعزعة أمنها واستقرارها والسعي لتفكيك أفرادها، ولتشتيت شملها للنيل منها، لإلغاء هويتها العربية والإسلامية لذا دأب المجلس الأعلى لشؤون الأسرة خلال العام الماضي على تقديم مقترح للجمعية العامة للأمم المتحدة بهدف استضافة مؤتمر الدوحة العالمي للأسرة تتويجا لفعاليات الاحتفال بالذكرى العاشرة للسنة الدولية للأسرة.
وقد رحبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بمبادرة دولة قطر ممثلة بالمجلس الأعلى لشؤون الأسرة لاستضافة أعمال المؤتمر من التاسع والعشرين حتى الثلاثين من نوفمبر الجاري .
هذا وسيمثل المؤتمر ملتقى عالميا يجمع الشخصيات الدولية البارزة والمنظمات الحكومية وغير الحكومية المعنية بشؤون الأسرة والباحثين والأكاديميين وقادة المجتمع المدني الذين ستدعوهم دولة قطر للمشاركة بهدف توجيه نداء للعالم كافة لترسيخ المبادئ المتعلقة بالحياة الأسرية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتمسك بالقيم والعمل على تعزيز دور الأسرة في المجتمع والتأكيد على أن " الأسرة هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة" ، كما سيؤكد المؤتمر أن "التركيز الأسري " هو الدليل الأكيد لصحة اجتماعية ثابتة
وقد أعلن السيد عبدالله بن ناصر آل خليفة الأمين العام للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة أن مؤتمر الدوحة العالمي للأسرة الذي يعقد في الفترة ما بين 29 و30 نوفمبر المقبل سيستقطب 150 شخصية مشاركة من أبرز الشخصيات في المجال السياسي والديني والاجتماعي من كافة أنحاء العالم لمناقشة 4 محاور للمؤتمر سيطرحها خلال فترة انعقاده .
محاور المؤتمر :
يناقش المؤتمر أربعة محاور و هي كالتالي :
* الأسرة في الألفية الثالثة"تحديات ورهانات":
o الأسرة والتنمية.
o الأسرة والعولمة.
o نحو سياسة دولية لحماية الأسرة.
o التربية للجميع في الألفية الثالثة من الكم إلى النوع.
* القواعد الدينية والحقوقية لأسرة الألفية الثالثة.
o الزواج المستقر والتآلف الأسري: نحو تحسين الأسس الاجتماعية والأخلاقية للأسرة.
o الآثار الإيجابية للزواج: قواعد الحق والمساواة في بناء العلاقة الأسرية.
o تكاملية الأمومة والأبوة: نحو بناء استراتيجية لتحصين تكاملية الأمومة والأبوة.
o الأسرة الممتدة وكيفية نقل القيم .(38/48)
* الأسرة والتعليم.
o التعليم والتنمية: التعليم وإشكالية الحداثة.
o إشكالية تعليم الكبار: تعليم الكبار بين القراءة والثورة الرقمية.
o تعميم تعليم الأطفال: القانون الإنساني الدولي ومسألة تعليم الأطفال.
o تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة: تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة والتنمية: أية استراتيجية؟.
* الأسرة وثقافية الحوار.
o التواصل بين الأجيال: نحو تعزيز ثقافة الحوار.
o دور الإعلام وانعكاساته على الأسرة: الأسرة والهوية: أي إعلام؟
o سياسات الحكومات ومسؤولياتها تجاه الأسرة: الأسرة ضمن سلم الأولويات السياسية.
o المجتمع المدني والنهوض بالأسرة: من ديموقراطية الأسرة إلى ديموقراطية المجتمع.
وكان الهدف من وضع هذه المحاور هو مناقشة وضع الأسرة من كافة الجوانب من قبل اختصاصيين من مختلف مرجعياتهم الدينية والثقافية والسياسية بهدف إثراء محاور المؤتمر بالصورة المبتغاة، وبالصورة التي تليق بإعلان الدوحة الذي سيتلى في ختام فعاليات وأعمال المؤتمر الذي سيتحدث عن سياسة دولية موحدة للأسرة، فضلا عن دوره في وضع سياسة دولية للأسرة، كما سيتضمن الخروج بدبلوماسية الأسرة سعيا لتبنيها من قبل الدول .
ويذكر أن العمل بإعلان الدوحة بدأ منذ 8 أشهر من قبل خبراء دوليين تم اختيارهم من قبل مندوبية قطر الدائمة في الأمم المتحدة وتمت دعوة 35 خبيرا من الأمم المتحدة للمساعدة في الخروج بالصورة النهائية لصياغة الإعلان ليكون جاهزاً كبيان ختامي في ختام فعاليات المؤتمر ـــــــــــــــــــ
عاجل جدّا.. إلى أخواتي المسلمات في رمضان
أختي المسلمة في كل مكان: السلام عليك ورحمة الله وبركاته
كل عام وأنا وأنت وكل مسلمة على وجه البسيطة بخير.. وأسأل الله أن يبلغنا وإياكن رمضان وأن يتقبل منا فيه الطاعة ويعيننا فيه عليها.
هذه خواطر وأفكار أكتبها لك أخيتي عساك تجدين فيها ما ينفعك في هذا الشهر الكريم:
بداية عليك ياأختاه أن تستبشري بقدوم شهر رمضان، وأن تبدي السعادة بقدومه بشكل واضح، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بمقدمه، فلا مانع أن تتصلي بالأهل والجيران مهنئة لهم بدخول رمضان، ومذكرة لهم بما ينبغي أن يقمن به من حق الله فيه. والمقصد من وراء هذا التصرف هو غرس السعادة في نفوس وقلوب جيراننا وأهلينا حتى ينطبع في نفوسهم حب مواسم الخير، والإقبال على الواجبات الشرعية والسنن المرعية برضا ومحبة.
اغمري البيت بالسعادة انتظارًا لرمضان، واجعلي الأولاد يشعرون بقدوم ضيف عزيز، ومريهم أن ينظفوا الغرف تماما قبل الصيام حتى لا تعطلهم الأعمال عن(38/49)
العبادة، وأظهري التفاؤل والنشاط بقدوم هذا الشهر مهما كنت متعبة أو حتى مريضة؛ وحاذري من أن تتفوهي مثل الأخريات بأن هذا الشهر شهر شقاء وعناء بسبب الطبخ الكثير واليومي، وغسل الأواني وغيرها من الأعمال فإن ذلك ينطبع في قلوب الصغار ويلازمهم هذا الفهم بقية عمرهم.
شهر رمضان هو شهر الجود والكرم، والخير والبركة، فاغرسي في قلوب أبنائك حب هذه الأخلاق، بل أكثري من ترديدها عليهم حتى تملأ أسماعهم ثم قلوبهم، أكثري من وصف رمضان بأنه شهر الخير والعبادة ونزل فيه القرآن وهو شهر الاستغفار والصدقات والزكوات، وإكرام الله تعالى للعباد وجوده عليهم فيه، فلابد من التخلق بهذا وأن يسأل الأغنياء عن أحوال الفقراء ويكرموهم، واجعلي كل ابن وبنت يستخرج من حصالته أو ماله الخاص عطايا يتصدق بها على الفقراء والمحتاجين، ويفرغ دولابه وينتقي الملابس التي لم يعد يستعملها، أو التي قد استغنى عنها ويعطيها لمن يستحقها بشكل عطية وهدية وليست بشكل صدقة، حتى لا يجرح مشاعرهم.
رمضان شهر المحبة والألفة، والصفاء النفسي والقلبي، فعلمي أولادك أن تطهير القلب لازم فلا شجار ولا عراك، ولا خصام ولا قطيعة، ففيه يتزاور الأصدقاء والأهل والجيران، ويتقارب الأرحام، ويتصالح المتخاصمون. كما أنه لا غش ولا خداع، ولا كذب ولا غيبة ولا النميمة، ولا زور ولا بهتان، ولا نطق بغير الخير والمباح.. فمن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
رمضان شهر العبادة.. اشتري لكل طفل سجادة وللبنات أضيفي الشراشف لغطاء الرأس والشعر وطيبي السجاجيد والشراشف ليصبح شكلها وريحها مغريا وجذابا للصغار، واصطحبي الصغار معك عند الوقوف للصلاة ، ومن يصلح منهم للذهاب إلى المسجد من الذكور فليذهب مع والده ومن لا يصلح فليقف بجانبك حتى يتعودوا جميعا على الصلاة ويستشعروا معاني العبادة في رمضان.
رمضان شهر القرآن.. لابد أن نذكر بهذا أنفسنا ثم نرسخه في قلوب أبنائنا وبناتنا، فرمضان شهر ابتداء الوحي ولهذا كان للقرآن فيه معنى خاص واهتمام خاص في تلاوته وتدارسه وتعلمه والعمل به و.. جهزي لكل فرد في البيت مصحفا.. للكبار مصاحف وللصغار مصاحف أو أجزاء.. ويستحسن أن تكون هناك مقرأة تجمع أهل البيت يجلس فيها الصغار والكبار ليقرأ كل منهم شيئا وإذا كانت ختمة جماعية فهذا جميل ... سلي كل منهم عن مقدار ما قرأ كل يوم وحفزيهم بالهدايا والتشجيع حتى يكثروا من قراءة القرآن ويعمروا البيت بذكر الله تعالى.
رمضان ليس شهر أكل وشرب.. وإنما هو وقت يقتطع منه للعبادة، فلا يضيعن عليك بكثرة أنواع الأطعمة والأشربة والمقبلات والمشويات والمقليات و ... فيكون رمضانك في المطبخ ـ ولست أعني ألا تهتمين بالطعام ولكن لا يكونن هو شاغلك وشاغل أهل البيت ـ بل ينبغي أن يعرف الكل أن ما فيه الكفاية كفاية لنتفرغ لما هو أعظم وهو عبادة الله تعالى. وترتيب الوقت هام جدًا فجعل وقت للطبخ وإعداد(38/50)
الطعام بحيث لا يطغى على وقت الذكر والصلاة والقرآن مفيد جدا ونافع وأيضا لا يطغى عليه غيره فيجوع الصائمون.
لست ممن يحببن الاجتماعات في رمضان، ولكن إن كان ولابد فأعدي برنامجًا مرتبًا بأن تحضر كل واحدة من الحاضرات معها خير ما تعلمت أو سمعت عن الصيام والتراويح والنوافل والزكاة والاعتكاف وما يتعلق برمضان.. ولا مانع من تحديد موضوع معين للبحث فيه والحديث عنه طبعا من مواضيع الذكر حتى لا ينحرف المجلس إلى مجلس نميمة وغيبة ولهو.
ولا مانع من عمل مسابقة عن طريق إعداد أسئلة فقهية أو عقدية أو معلومات تحتاجها المرأة المسلمة في دينها من طهارة وصلاة وصيام وتربية أولاد أو رعاية بيت وزوج وأسرة.
المرأة وصلاة التراويح
امتاز رمضان عن غيره بصلاة التراويح ، وبحمد الله نلحظ إقبال النساء والفتيات على صلاة التراويح في المساجد.. ولكن حتى يتم لك الأجر والثواب عليك أختي الحبيبة مراعاة تلك الأمور في نفسك وبناتك وتنصحي بها أخواتك في الله:
1- على الفتيات- والنساء أيضاً- الالتزام بالحجاب الشرعي والزي الإسلامي عند خروجهن إلى الصلاة فلا يرتدين البنطلونات ولا الفساتين الضيقة ولا القصيرة ولا ملابس مباهاة أو شهرة، بل يخصصن الجلباب الواسع والنظيف للصلاة.
2- أن تكون العباءة سميكة وغير شفافة وغير مزركشة أو ملونة ولافتة للنظر.
3- أن يكون غطاء الرأس كبيرًا وطويلا وغير شفاف، وخاليا من جميع أنواع الخرز والتطريزات الملفتة.
4-أن لا يمسسن عطرًا ولا بخورًا، وهذا للأسف منتشر في أوساط المصليات حتى إن روائحهن توجد من مسافة بعيدة .. وقد جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية" . وفي صحيح سنن أبي داود قال عليه الصلاة والسلام: "أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهدن معنا العشاء" قال بن نفيل عشاء الآخرة.
وهذا لا يمنع مراعاة الاهتمام بالنظافة الشخصية وتبديل الملابس كل يوم حتى لا يلتصق بها رائحة العرق وتكون الرائحة كريهة يتبرم منها الناس.
5- أن لا يكثرن الحركة والتنقل ولا يتخطين رقاب المصليات ولا يحدثن ضجة .. بل ولا يضحكن في المسجد مثلما أرى بعض الفتيات يضحكن وينقلن ويزعجن المصليات طوال الوقت ولا يتحدثن في أمور الدنيا والسوق والمواعيد بينما الإمام يتحدث أو ما بين الصلوات.
6-أن لا يحملن البيجر والجوال وقت الصلاة؛ فالموسيقي تكرهها الملائكة وتشغل الناس وتمنعهم الخشوع في الصلاة، خصوصا مع النغمات العجيبة للجوالات، وإذا كانت المعازف تحرم في البيوت العادية؛ فكيف إذا كان بيت الله؟؟؟
7-أن لا يتزاحمن على الأبواب عند الخروج كي لا يختلطن بالرجال.. بل عليهن أن يهدأن قليلا حتى يهدأ المكان وتتلاشى الفتنة ولا يتصايحن عند الخروج مع بعضهن بل يلزمن الهدوء .(38/51)
8ـ بعض الأمهات يذهبن إلى الصلاة ويتركن أولادًا صغارًا في البيت لا يؤمن عليهم، فلربما فعلوا ما لا تحمد عاقبته، ونحن ننصح أخواتنا وأمهاتنا ألا يتركن أمثال هؤلاء في البيت وحدهم حتى لا تفجع الأم بعد عودتها .. ونقول لكل راغبة في الثواب إن الأصل هو صلاة المرأة في بيتها وثواب الصلاة في البيت أكبر من ثواب الصلاة في المسجد للنساء ففي صحيح ابن خزيمة أن امرأة أبي حميد الساعدي جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أحب الصلاة معك فقال قد علمت انك تحبين الصلاة معي وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل.
9ـ بعض فتياتنا هداهن الله تخرج بحجة الذهاب لصلاة التروايح في المسجد ولكن بعد ذلك تذهب ربما مع بعض رفيقاتها للسوق أو إلى غيره من أماكن السوء ومما لا يتوقعه الأبوان، فينبغي على الأم أن تراعي بناتها المراهقات وتتأكد أنهن فعلا خرجن إلى الصلاة.
وفي النهاية أقول: إن شياطين الإنس ـ بعد تصفيد شياطين الجن ـ لن يتركوك لتنعمي برمضان بل سيحاولون أن يسدوا ثغرة إخوانهم ليفسدوا علينا شهرنا بالمسلسلات والأفلام والفيديو كليب وفوازير رمضان والأغاني الهابطة والبرامج الفارغة، فانتبهي لنفسك ولبيتك ولا تجعلي الشهر يفر من بين يديك أو أن يضيع ثوابه فلا وقت في رمضان لمثل هذه الترهات ولا لتضييع الأوقات.
أسأل الله أن يجعله شهر خير وبركة علينا وعلى جميع المسلمين والمسلمات ... وكل رمضان وأنتن بخير.
ــــــــــــــ
أختكن: سعاد عثمان ـ السعودية
ـــــــــــــــــــ
من أهم أسباب المشكلات العائلية
عادة ما تنشأ معظم المشكلات العائلية ، نتيجة لاحتكاك الأفراد فيما بينهم ، وهي غالبا ما تكسر حدة الملل والروتين وتنشط العلاقات الإنسانية، إذا ما تعاملنا معها بايجابية.
ويصنف العلماء هذه المشكلات من ثلاث زوايا :
الزاوية الأولى: وهي تعبر عن وجهة نظر الرجل: الذي يعتقد بعدم تقدير الزوجة لأعباء زوجها وواجباته الاجتماعية، وعدم مراعاتها لأوضاعه المالية، واختلاف ميول الزوجة ورغباتها عن ميول ورغبات الزوج، وإهمال المرأة لشؤون الأسرة. ولعل من أظهر أسباب الطلاق وبخاصة في المجتمعات الشرقية، ظهور الزوجة بمظهر المرأة "المسترجلة"، حيث كشفت بعض الدراسات أن أكثر من 45% من حالات الطلاق التي تتم حاليا، يرجع إلى محاولة المرأة تمثل شخصية الرجل لتتحكم بشئون البيت وتستولي على صلاحيات الرجل التقليدية في إدارته(38/52)
كما أوضحت هذه الدراسة التي شملت عددا كبيرا من حالات الطلاق أن الزوجة المسترجلة والمحبة للجدل ، والتي تستعذب البحث عن المشاكل وإثارتها، وتحول بيتها لساحة معارك، رغبة منها في لفت أنظار الزوج إليها ولشخصها.. إنما تحدث بهذا السلوك المقيت، ودون أن تدري، صدعا لا يمكن رأبه إلا بالانفصال والطلاق، وهو عادة ما يلجأ إليه الزوج كملاذ أخير للخلاص من الجو الكئيب الذي خلقته تلك الزوجة.
وفي هذا السياق، يؤكد الدكتور احمد المجدوب أن بعض الزوجات مصابات بما يسمى "عقدة الأنوثة"، وأن صاحبة هذه العقدة لا تعتني بأنوثتها من أجل زوجها.. كما لا تعترف بقوامة الزوج وحقه الطبيعي في قيادة الأسرة، بل وتشعر دائما أنه يستضعفها ويمارس رجولته عليها، فتنفر منه وتحاول إثبات وجودها وكيانها ونديتها له، فتجلب بذلك على نفسها مشاكل عادة ما تحسم في النهاية لصالح الزوج.
ويضيف الدكتور المجدوب إلى أن وجود مشاكل في كل منزل هو أمر طبيعي، لكن عددا كبيرا من الزوجات ينظرن إلى وقوع أي خلاف مهما كان صغيرا على أنه كارثة، وهي بذلك تضخم المشكلة دون أن تدري، لتثبت لنفسها ولزوجها أن موقفها "صحيح" وأن موقفه "خطأ".
وبهذا المعنى يقول الدكتور عبدا& السيد استاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية: إن عددا لا بأس به من الزوجات، ينكدن عيشتهن وعيشة أزواجهن بقصد تحسين وضعهن العاطفي ومكانتهن في بيت الزوجية، من دون أن يعلمن أن الأمور قد تنقلب ضدهن فيما بعد.
وفي الاتجاه ذاته تعلق الدكتورة شاهيناز عبدالفتاح، استاذ علم النفس بجامعة القاهرة، قائلة: تخطئ الزوجة التي تعتقد أنها يمكن أن تشتري سعادتها الزوجية وهناءها من خلال لجوئها إلى السيطرة وتحكيم الرأي في مسار الأمور في بيت الزوجية.
فالرضا والهناء ليسا في السيطرة على الآخرين، واجبارهم على التقيد بأشياء لا يرونها صحيحة، إنما بالإقناع والمناقشة الهادئة. وتستطرد الدكتورة شاهيناز قائلة بأنه: وللأسف هناك نوع من الزوجات، ممن يشعرن بالرغبة القوية والإشباع الداخلي في إرغام الأزواج على التقيد بما يردن إرضاء لغرورهن، من دون أن يدركن أن تماديهن في هذا الأمر قد يدفع الأزواج إلى العناد والإصرار والتحكم أكثر من ذي قبل، مما يعمق هوة الخلافات والمشكلات بينهم.
أما الزاوية الثانية : فتعبر عن وجهة نظر المرأة التي ترى بأن تدخل الزوج في شئون البيت هو أكثر مما ينبغي، وأن بقاءه فترة طويلة خارج المنزل أمر غير مقبول، وأن رغبة الزوج في الانعزال عن الآخرين أو الاختلاط في المجتمع المحيط به، أمر لا يقرره هو بمفرده.
ويرد العلماء العديد من المشكلات التي تواجه الأسرة ـ من وجهة نظر المرأة ـ إلى النظرة الدونية التي تعتقد المرأة بأن الرجل ينظر لها للزوجة، وإلى تلفظ الرجل أمام الأطفال بكلمات غير لائقة، وانخفاض المستوى الثقافي والاجتماعي للزوج مقارنة(38/53)
بالزوجة، وعدم إعطاء الزوجة الحرية أو الثقة في تصرفاتها الشخصية، وعدم تعاون الزوج في محاولة الزوجة التوفيق بين عملها والوفاء بواجباتها نحو الأسرة.
أما الزاوية الثالثة : والتي هي بمثابة أسباب يشترك فيها الطرفان، فتتلخص في تحكيم العاطفة أو المصلحة المادية عند اختيار الزوج أو الزوجة، وسوء فهم كل من الزوجين لطباع الآخر، والمشكلات الجنسية والعاطفية، وتباين أسلوب كل منهما في تربية الأبناء، والخلافات بينهما حول المسائل المادية، وكذب كل منهما على الاخر، وتدخل أهل الزوج أو الزوجة في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالأسرة، هذا فضلا عن مواقف العناد والأنانية التي يتخذانها، وفارق العمر وانعدام الحوار بينهما، والخلاف على عدد الأطفال الذي يرغب كل منهما في إنجابه، وعدم تحمل المسؤولية، وانعدام فهم كل طرف لشخصية الآخر. كما تتضمن إفشاء أسرار البيت، وانفاق المال في غير محله، والعمل المرهق خارج المنزل .
ـــــــــــــــــــ
هذه الغرف دمرت حياتي
ملامحها دقيقة، ولكنها شاحبة منطوية قليلة الحديث، من عائلة راقية، الكل انتقدها في عزلتها ووحدتها، إنها الزميلة الجديدة التي أهلت علينا، أحببت أن أخرجها من عزلتها مرة بمجاذبتها أطراف الحديث، وأخرى بتقديم بعض المأكولات، وحاولت أن أتغلغل في داخلها، ولكن في كل مرة كنت أحس أن هناك سدًا منيعًا يمنعني من ذلك، تعرفت على القليل عنها ،الأم والأب على ثقافة عالية وهما أستاذان في الجامعة، وهي تخرجت حديثًا، متزوجة وتنتظر حادثًا سعيدًا، فكان كل ما حكته لي لا يؤدي إلي ما هي فيه من اكتئاب وعزلة، وفي يوم فوجئت بوقوفها على باب غرفتي جامدة لا تتحرك، قمت إليها متهللة، فنظرت إلي محملقة: ما هذا؟ قلت: هو الكمبيوتر الذي أقوم بالعمل عليه، وأنت تعلمين هو وسيلة العصر، وعلى فكرة أنا لا أمله فهو معي في عملي وبيتي أيضًا.
فقالت: وماذا تفعلين به في البيت هل تكملين عملك هناك؟ قلت: لا ،ولكني أفتحه لأعرف أحوال الناس وأخبارهم على الإنترنت، ففوجئت بفزعها واضطرابها، ثم قالت بلهفة: بالله عليك لا تفعلي، فأنا أحبك، فهذا الجهاز مدمر يدمر صاحبه، تعجبت لما بدر منها، وهدأت من روعها، استأذنت في الانصراف، أحببت أن أثنيها عن عزمها ولكنها صممت، تركتها وأنا أتساءل لم كان الجهاز مدمرًا وهو الذي ندبر به أمور حياتنا؟.
وفي اليوم التالي ذهبت إليها، وأنا عازمة على معرفة السبب، قدمت التحية ردتها ولم تزد، أخذت أتودد إليها، ثم قلت فجأة :ما سبب وصفك للكمبيوتر بأنه جهاز مدمر يدمر صاحبه؟
نظرت إليّ نظرة فاحصة، ثم قالت :هل تدخلين صفحة البيت؟ قلت: بالطبع، مصمصت شفتيها، وازدادت شحوبًا، وأخذت تتمتم بكلمات لم أتبينها، ولكن شممت منها ثورتها.
نظرت إليّ مشفقة حانية يا أختاه: هل تقبلين النصيحة من أخت تحبك، هذه الصفحة في وقت من الأوقات كانت شغلي الشاغل، وكانت غرفة الحوارات هي كل ما(38/54)
يهمني، والتي من خلالها تعرفت على شاب استمالني بكثرة الحديث، ووصل به الأمر إلي أن يستدعيني في غرفة خاصة؛ ليسألني عن أموري، وأسأله عن أموره، وزادت العلاقة بيننا، فأصبح كل منا مرآة الآخر، بالرغم من أنه لم يرني، ولم أره وكان يعمل في دولة عربية.
وللأسف لم أفاتح والدي عن هذه العلاقة، وكنت أدمن الجلوس عليه، والغريب أنهما لم يسألاني، هل كان هذا خطأ منهما أم الخطأ كان مني؟ لا أدري!!
المهم تطورت العلاقة، وطلب مني المقابلة طبعًا لم أتصور بأي حال أن تتطور العلاقة هذا التطور الخطير، طمأنني بأن المقابلة ستكون في مكان عام، حتى يراني كما رسمني في مخيلته، وافقت بعد تردد، وقابلته .. تنهدت تنهيدة ثم استرسلت، فلما رآني قال: بالضبط كما تصورتك في نفسي، جلس وقال: لقد ولدنا لنكون لبعض، فأنا أريدك زوجة لي، قلت: ولكنني لم أكمل دراستي بعد، قال: ما يضر نتزوج بعد إتمام الدراسة، وخاصة أنه لم يتبق على نهاية العام إلا عدة شهور نكون قد هيأنا بيت الزوجية، وأعددنا أنفسنا لذلك، كيف أقنعني بفكرته لا أدري، فاتحت والدي بأن أخا صديقة لي يريد التقدم، ولم أخبرهم بالحقيقة وشكرت في خلقه.
وتم الزواج، وياليته لم يتم، في أرقي الفنادق، وكان كريمًا سخيًا في شراء الشبكة والهدايا، وتجهيز الجهاز، وطرت إلي البلدة التي يعمل بها، كان يعاملني برقة أحسد عليها نفسي، ولكن داخلي يحدثني بشيء آخر، وبدأ يلح على في العمل حتى لا أشعر بالوحدة، وخرجت فعلاً للعمل، وطلبتني الشركة للعمل فيها فترة ثانية، ففوجئت بتشجيعه لي، وبرر ذلك بأنهم واثقون في عملي، ولابد أن أكون عند حسن ظنهم، عملت يوميًا من أول اليوم إلى آخره، وفجأة في يوم أحسست بالإرهاق، فاستأذنت في الانصراف، وكان عادة يقوم بتوصيلي في الذهاب والعودة، فأخذت سيارة أجرة، وقمت بتدوير المفتاح في الباب، فكان مغلقًا، طرقت الباب فتح بعد فترة، وكان مرتبكًا، فسألته عن سبب إغلاقه للباب فتهرب من الإجابة، دخلت إلي غرفة نومي وجدت ثوبًا من ثياب النوم على الأرض، فلم أهتم، وبسبب إرهاقي نمت نومًا عميقًا، وبعد الراحة تذكرت الأحداث ومجريات الأمور، فلعب الوسواس في صدري لم أسأله عن شيء، ومثَّلت عدم الاهتمام، وأصر على ذهابي إلي طبيب لفحصي، وبشرنا بقدوم حادث سعيد، وجدته متجهمًا بعكس ما أعرف فرحًا من أن الأزواج يفرحون بالطفل الأول، وعلل ذلك بأن الوقت غير مناسب، وبعد عدة أيام، ورجعت من العمل فجأة، ويا هول ما رأيت ،توقفت والدموع تملأ مقلتيها، وقد تحجرت محاولة إخفاءها، فنكست رأسها، وأسندتها بيديها، صمتت برهة، ثم استرسلت، رأيته ورأيتها، ويا ليتني لم أرهما في غرفة نومي وعلى مخدعي، مادت الأرض بي، وضاقت على نفسي، ومن هول ما رأيت لم أتفوه بكلمة انتظرت بالخارج حتى خرجت العشيقة، فلملمت متعلقاتي، ولم ينبس بكلمة، ورجعت إلى أهلي في أول طيارة، وكنت ضحية هذا الجهاز اللعين، الذي يلعب بحياة الناس، ويهدد مستقبلهم.
وها أنذا كما ترين امرأة مطلقة، وأنا في مقتبل العمر، فكان ذلك ثمنًا لكذبي على والديَّ وتصديقي الناس بلا تحرٍ.(38/55)
وعرفت بعد فوات الأوان أن هذا الجهاز فيه الغث والسمين، والغث أكثر من السمين، فاحتاطي منه، واعلمي أن كل ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس هو إثم فتجنبيه، تسلمي وتسلم لك حياتك ومستقبلك.
ـــــــــــــــــــ
المتاجرة بالنساء والأطفال في المجتمعات الغربية
في تقرير نشرته محطة سي إن إن CNN الاخبارية الأمريكية، أكدت فيه انتشار ظاهرة تجارة الرقيق من النساء حول العالم لاستخدامهن في الأعمال الجنسية المحرمة، كما أشار التقرير إلى أن معدلات هذه الظاهرة تزيد عاماً بعد عام.. وقد أكد هذا التقرير بناءً على أبحاث قام بها فريق بحث مقره جامعة جون هوبكنز Johns Hopkins بولاية ميرلاند بالولايات المتحدة الأمريكية أن:
- هناك 2مليون امرأة وطفلة يتم بيعهن كعبيد سنوياً ومائة وعشرين ألف امرأة من أوروبا الشرقية (روسيا والدول الفقيرة حولها) يتم تهجيرهن إلى أوروبا الغربية لهذا الغرض الدنيء وأكثر من 15ألف امرأة يتم إرسالهن إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأغلبهن من المكسيك، النساء القادمات من دول شرق آسيا بأمريكا بستة عشر ألف دولار ليتم استخدامهن بعد ذلك في بيوت الدعارة والحانات.. كما أن هناك ما يقارب مائتي ألف فتاة من نيبال، الغالبية منهن تحت سن الرابعة عشرة ويتم بيعهن كعبيد في الهند سنوياً.. وما يقارب عشرة آلاف فتاة من الاتحاد السوفيتي يتم إجبارهن على ممارسة الفاحشة في إسرائيل، وعشرة آلاف طفلة سيرلانكية بين السادسة والرابعة عشرة يجبرن على الفاحشة.. وكذلك الحال بالنسبة لبورما والتي يصل فيها الرقم كما يذكر التقرير الى عشرين ألف حالة سنوياً..
تجارة الأطفال وتأجير الزوجات
- ولا ننسى تجارة الأطفال سواء في سوق الدعارة أو من أجل التبني.. ومنذ أسبوعين تقريباً.. نشرت بعض الصحف خبراً عن رجل ألماني يبلغ من العمر 56عاماً تراكمت عليه الديون فقام ببيع زوجته الشابة البالغة من العمر 26عاماً الى رجل أعمال ألماني يبلغ من العمر 36عاماً.. والعقد الذي تم بينهما هو (عقد تأجير) هذه الزوجة لمدة عام كامل وبالطبع سيعيش معها ويعاشرها معاشرة الزوجين.. وتم توثيق قيمة العقد رسمياً والمقدر بخمسمائة ألف مارك أي ما يعادل ربع مليون دولار.. وبما أن المؤجر له يعيش أعزب ولا يرغب المخاطرة بالزواج لما عليه من تبعات مالية فيما لو أخفقت الحياة الزوجية فإنه دفع قيمة العقد وسط تهنئة الحاضرين!!
هذه لمحات من حياة هذه المجتمعات المتقدمة مادياً والتي خلعت رداء الأخلاق والقيم وقذفت به وأباحت لمواطنيها ولمؤسساتها الرسمية والبرلمانية بإباحة زواج الشاذين، وامتهان كرامة الفقراء والاستمتاع بنسائهم كما هي نقاط التقرير المذكور..
فأين عنهم منظمات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان؟؟ وأين عنهم أباطرة الصحافة الذين يطاردون مسلماً وعربياً زوّج ابنته في سن السادسة عشرة كما هي قصة ذلك الأب المسلم الذي كان يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية.. ورغب تزويج بناته(38/56)
في سن صغيرة.. وثارت ثائرة صحافة المجتمع الأمريكي.. وتبعتهم بعض صحافتنا "المقلدة"!!.
أين منظمات الأمم المتحدة؟
أين منظمات الأمم المتحدة من هذا الإسفاف الأخلاقي الذي يحيل النساء الفقيرات إلى (جواري في سوق الدعارة)؟! ولماذا لا تسلط الأضواء على هذا الخزي الذي يبيح تجارة الأطفال؟!
- "قارنوا معي السفه الأخلاقي الذي تم من خلاله تأجير زوجة رجل برضاه ورغبته وموافقة الزوجة على الآخر الذي سدد ثمن الإيجار.. وكيف تعامل المجتمع تجاه هذا الموقف غير الأخلاقي؟؟ وكيف هو هجومهم المستمر على قضية (تعدد الزوجات) لدينا وهي الرحمة من الخالق لعباده ووسيلة لتقنين الحياة العاطفية والزوجية بين الزوجين أو الزوج والزوجات..؟ وأين هم دعاة تحرير المرأة المسلمة من اضطهاد الزوج لزوجاته.. عن هذا السفه الأخلاقي في الدول المتقدمة؟ لماذا لم يقم أحدهم أو احداهن بتحليل هذه المواقف وإعلانها واظهار الوجه الآخر لتلك المجتمعات وظلم الأنظمة الاجتماعية لها زوجة أو موظفة..؟!
- الدكتورة نوال السعداوي تهاجم دائماً تعدد الزوجات، بل وحتى (مهر الزوجة) وتعتقد أنه ثمن بيع المرأة لزوجها!! فأين هي الآن من هذا التقرير المشين الذي يوضح كيف هي الحياة هناك وكيف هن النساء في تلك لمجتمعات ..
كم أتمنى أن تتبنى هذه القضايا بعض المؤتمرات الدولية التي تدافع عن حقوق النساء والأطفال.. ويسهم فيها العلماء والمفكرون المسلمون.. ويكون للنساء المسلمات دور فاعل لتعزيز مفاهيم الإسلام في فقه النساء وجوهر تكريم المرأة في الإسلام وعدم تعميم سلبيات بعض الأفراد على الحكم على ما شرعه الدين صيانة للرجل والمرأة وللأسرة بشكل عام..
ـــــــــــــــــــ
العنوسة.. أسباب المشكلة ( 1 )
عندما أردت أن أكتب في هذا الموضوع كنت أعتقد أني سأتحدث عن مشكلة من المشكلات، ولم أكن أعتقد أني سأتحدث عن ظاهرة عمت كثيرا من البلاد والمجتمعات.
لقد شعرت وأنا أحضر في هذا الموضوع وأقرأ فيه ـ بل تيقنت ـ أننا مخترقون إلى العمق وأن حصوننا بالفعل مهددة من داخلها، وأن أعداءنا قد فعلوا بنا ما أرادوا ووفق ما خططوا، وأن الخنجر المسموم قد اخترق صدورنا حتى النصل .
إننا حين نتحدث عن العنوسة فإننا نتحدث عن وعلى لسان أخوات لنا مسلمات، قابعات في دور آبائهن، محصورات في بيوت أوليائهنَّ، محرومات من أعظم حقوقهن.. لسان حالهنَّ ومقالهنَّ:
فهم منعونا ما نحب وأوقدوا .. .. ..علينا وشبوا نار ضرم تأجج.
الباعث على الحديث:
لقد كثرت البواعث للحديث عن هذا الأمر .. ومنها :(38/57)
أولاً: الإحساس بأن العنوسة لم تعد مجرد مشكلة، وإنما أضحت ظاهرة في مجتمعات المسلمين تدل عليها الأرقام والإحصاءات التي ستسمعون نذرًا يسيرًا منها بعد قليل.
ثانيًا: المعاناة الشديدة التي يعانيها أبناؤنا وإخواننا العزاب جراء هذه المصيبة، والذي يوجب حق الأخوة الإيمانية بيننا وبينهم أن نشاركهم مصابهم، ونحاول إيجاد الحلول المناسبة لمشكلاتهم.
ثالثًا: التعبير عن أحوال الأخوات العفيفات الشريفات القابعات من وراء الأبواب وخلف الستور، والتكلم على لسانهنَّ، وإيصال أصوات أناتهن إلى السامعين لأن الحياء يمنعهن أن يتحدثن عن آلامهنَّ وآمالهن في هذه المسألة.
رابعًا: بيان أسباب تلك الظاهرة ومحاولة إيجاد الحلول لها.
خامسًا: بيان جمال الإسلام وعظمته وقبح ما تأتي به العصبيات القبلية والنظريات الغربية وعاقبة اتباع الكافرين.
سادسًا: تسليط الضوء على العواقب الوخيمة لهذه الظاهرة على أصحابها وعلى المجتمع ككل.
سابعًا: كيف عالج الإسلام مثل هذا البلاء.
أولا: معنى العنوسة:
بادئ ذي بدء دعونا نتعرف على معنى العنوسة. قال الفيروزابادي في القاموس المحيط ما معناه: العانس هي البنت البالغة التي لم تتزوج، والرجل الذي لم يتزوج، جمعها عوانس وعُنْس وعُنَّس.
ويقال: عنست الجارية، أي طال مكثها عند أهلها بعد بلوغها حتى خرجت من عداد الأبكار ولم تتزوج.
فالعانس إذن هي البنت التي أتى عليها سن الزواج ولم تتزوج، وكذلك الرجل، ولكنها تستعمل في البنت أكثر، لأن معاناتها معه أكبر ومشكلتها معها أعظم وأخطر.
ثانيًا: ظاهرة أم مشكلة:
لن أجيب أنا على هذا التساؤل، ولكن سأترك الإحصائيات تخبر عن الحقيقة.
من مصر: أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أن عدد المصريين الذين بلغوا سن الخامسة والثلاثين ولم يتزوجوا بعد، قد بلغ 8 ملايين و962 ألف، منهم نحو 4 ملايين امرأة. وأما عدد الذين بلغوا سن الزواج ولم يتزوجوا فقد تخطى الـ13 مليونًا.
في الكويت: قد تندهش عندما تعلم أن نسبة العنوسة هناك تقترب من 30% حسب بعض الإحصاءات الرسمية، وأن الشباب الكويتي بدأ يتأخر في الإقدام على الزواج، نظرًا للأعباء الاقتصادية الباهظة التي تترتب عليه.
وفي السعودية: أكدت إحصائيات صادرة عن وزارة التخطيط هناك، أن ظاهرة العنوسة امتدت لتشمل حوالي ثلث عدد الفتيات السعوديات اللاتي في سن الزواج. وأن عدد اللاتي تجاوزن سن سنة30 قد بلغ في أواخر 1999 مليون و 529 ألف فتاة تقريبًا.(38/58)
وقد ناقش مجلس الشورى في جلسته بتاريخ الأحد 12/10/2003م سبل حل مشكلة العنوسة وعزوف الشباب عنها.
وقد قال بعض من شاركوا في عملية التعداد السكاني: "وجدنا في بعض البيوت أشياء غريبة، امرأة في الثلاثين وأخرى في الأربعين وثالثة في الستين، كلهنَّ من غير زواج".
وقال آخر: "ذهبنا إلى بيت فوجدنا فيه خمس عوانس أعمارهنَّ بين الثلاثين والخامسة والأربعين".
وأما في الإمارات: فقد ذكرت جريدة المدينة المنورة، أن نسبة العنوسة في الإمارات قد بلغت نسبتهم 30% ... وتقول الإحصاءات أن النسبة في قطر مثل ذلك أو تزيد عليها .
وفي أكثر بلاد المغرب وسوريا والشام ارتفع متوسط عمر الزواج عند الرجال إلى 33 سنة، وعند النساء إلى 29 أو ثلاثين سنة، نتيجة لكثرة تكاليف الزواج وقلة ذات اليد، هذا إذا وجدت المرأة من يتقدم لها، وإلا ركنت على رف الخارجات عن الخدمة، وانضمت إلى صفوف العنس لتزيد الأرقام رقمًا.
ثالثا: أسباب الظاهرة المرعبة:
لقد تحولت القضية إلى ظاهرة مرعبة تجتاح الوطن العربي وبلاد الإسلام، وبعد أن كانت صفرًا لا وجود لها صارت مرضًا مستوطنًا مستعصيًّا.
ولقد كان لهذا المرض أسباب بعضها يتعلق بأولياء الأمور، من الأباء والأمهات، وبعضها بسبب الأبناء أنفسهم، وبعضها خارج عن الاثنين، ونعرض لبعض هذه الأسباب والتي أخطرها وأكبرها بلا شك:
1. غلاء المهور، والمبالغة في الصداق : حتى صار الزواج عند البعض حدًّا لا يطاق إلا بجبال من الديون التي تثقل كاهل الزوج.
لقد وصل الجشع ببعض الأولياء أن يطلب مهرًا لو جلس الإنسان المتوسط الحال شطر حياته في جمعه لما استطاع، وكأن المرأة العفيفة الطاهرة الشريفة سلعة تشترى، وبضاعة للمزايدة والمكاثرة ومن دفع أكثر فليحمل. حتى غدت الكثيرات مخدرات في البيوت، حبيسات في المنازل بسبب هذا التعنت.
إن المهر في الزواج - رعاكم الله - وسيلة لا غاية، وكرامة من الله للمرأة، وإعزاز لها، وتعظيم لحقها، ورفعة لشأنها وقدرها. فلماذا جعلتم التقدير قيدًا؟ والتكريم حاجزًا منيعًا وسدًّا؟
كم من صالح نصوح طرق بابك يلتمس الحلال، فلما أثقلته الطلبات وأعجزته الرغبات فرَّ إلى غير رجعة. وبقيت البنت معك بحسرتها، تأكل نفسها، ويأكلها جسدها، فماذا يصنع المال والغنى.. والتباهي والفخر أمام الناس.
قال عمر بن الخطاب لا تغالوا صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم وأحقكم بها محمد صلى الله عليه وسلم ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية وإن الرجل ليثقل صداق امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه ويقول قد كلفت إليك علق القربة أو عرق.(صحيح ابن ماجه)(38/59)
وعن أبي سلمة قَالَ: سألت ?عائشة - رضي الله عنها - "كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشا. قالت: أتدري ما النش ؟ قال: قلت: نصف أوقية. قتلك خمسمائة درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه. رواه مسلم
يا أيها الأب الحبيب: لقد زوج النبي رجلاً بما معه من قرآن، وقال لرجل: التمس ولو خاتمًا من حديد. وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب
2. إتمام التعليم: وهو سبب مشترك، فقد يكون مطلبًا للوالد من غير رغبة البنت، وأحيانًا يكون مطلبًا للبنت رغبة منها في تأمين مستقبلها كما يزعمون، أو حبًّا في الوظيفة والمكانة الاجتماعية، ويوافقها الأبوان على ذلك، والنتيجة في الحالتين واحدة، وهي انقضاء الأعمار، وانقطاع الخطاب والزوار، والقبوع عانسًا بين جدران الدار.
إن الإسلام حث المرأة على العلم والتعليم، كما أمر الرجل بذلك، فالعلم نور تنجلي به دياجير الظلم، وتنقشع به جهالات الأمم. وقد قالت نساء الصحابة للنبي r: "غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا من نفسك يومًا. فوعدهنَّ يومًا فلقبهنَّ وعظهنَّ وأمرهنَّ".
على أن العلم الذي يأمر به الإسلام هو الذي ينفعها في بيتها ودينها، ولا يتعارض مع مصلحتها ومطالب شرعها. إن الإسلام إنما يقف أمام تلك المظاهر الكاذبة والطريقة المتخلفة في التحصيل، فما معنى أن تبقى المرأة في التعليم إلى قرابة الثلاثين لتتخرج بعد ذلك مدرسة تربية رياضية، أو فلسفة، أو موسيقى، أو حتى مهندسة ميكانيكية. بل ولو حتى طبيبة وهي من أشرف أعمال المرأة..
إننا نقولها بصراحة..!!
ماذا ينفع المرأة شهاداتها العليا ووظيفتها وأموالها إذا بقيت عانسًا قد فاتها ركب الزواج، ولم تسعد في حياتها بزوج ولا أولاد. بل كم من امرأة فاتها القطار، حتى ذبلت زهرتها، وذهبت نضارتها، وتمنت بعد ذلك تمزيق شهاداتها من أجل سماع كلمة أمي.
هذه طبيبة تحكي لك قصتها تقول: منذ كنت في الخامسة عشرة من عمري والخطاب يتقاطرون على بيتي، وكنت أرفضهم؛ لأنني كنت أريد أن أصبح طبيبة، وفعلاً أنهيت دراستي، وتخرجت طبيبة ، ولكن كنت قد بلغت الثلاثين، ولم يعد يتقدم إليَّ إلا المتزوجون وأنا أرفض، وأقول: بعد السهر والتعب والمركز المرموق والمال أتزوج بمتزوج، وكنت أرفض وليتني لم أفعل، فالشباب لا يرغبون إلا في الصغيرات، وأنا في 45 الآن أصرخ بأعلى صوتي: خذوا شهاداتي وأعطوني ولو نصف زوج.
وفي مجلة "اليمامة" كتبت إحداهنَّ: لقد صار معطفي الأبيض في عيني لباس حداد عليَّ، وأصبحت سماعتي كأنها حبل مشنقة يلتف حول عنقي، كاد العقد الثالث من عمري يكتمل، والتشاؤم ينتابني على المستقبل. ثم تصرخ وتقول: خذوا شهاداتي ومعاطفي ومراجعي وكل مالي، وأسمعوني كلمة ماما.. ثم كتبت هذه الأبيات:
لقد كنت أرجو أن يقال طبيبة.. ... ..فقد قيل فما نالني من مقالها
فقل للتي كانت ترى في قدوة.. ... ..هي اليوم بين الناس يرثى لحالها(38/60)
وكل مناها بعض طفل تضمه.. ... ..فهل ممكن أن تشتريه بمالها
إننا لا نمنع المرأة أن تتعلم أو أن تتم تعليمها، ولكن نحذرها أن يحملها حب إتمام الدراسة على ترك الزواج، فلا مانع أبدا أن تتزوج وتتعلم وهي متزوجة، فما كان الزواج يومًا عائقًا عن تحصيل العلم لمن أراد. ولكن متى تعارض الزواج مع الدراسة، فالزواج أولى، والسعيد من اتعظ بغيره.
3. الطمع في راتب البنت:
بعض الآباء أو الأولياء يعضل بناته ويمنعهنَّ الزواج لكونهن موظفات (ممرضة أو مدرسة أو حتى طبيبة) لها راتب شهري لا يريد أن يفقده، فالمرأة غدت في نظره ككنز يخاف فقده، ومنبع ثراء يخشى نضوبه وبعده، أو قل إن شئت كبقرة حلوب يستدر ما فيها، حتى إذا مضى عمرها ورق جسمها ودق عظمها ذبحت بغير سكين، ودخلت في زمرة العنس المساكين، بعد أن قطف غيرها ثمرة حياتها.
وقد يُهلِك الإنسانَ كثرةُ ماله.. ... ..كما يذبح الطاووس من أجل ريشه
إن هذا الأب - ومثله كثير - نموذج سيئ وقميئ وصورة وقحة قبيحة للآباء الذين يمارسون سلطاتهم بمنتهى الظلم والاعتساف، والقسوة والإجحاف ضاربين بكل القيم والمبادئ عرض الحائط من أجل إشباع أطماعهم المادية، ونوازعهم العدوانية، متناسين أن هذه أمانة في أعناقهم والله سائلهم عنها يوم الدين.
لقد ضجت النساء بالشكوى بعدما طفح بهنَّ الكيل، حالهنَّ كما قال القائل:
شكوت وما الشكوى لمثلي عادة.. ... ..ولكن تفيض النفس عند امتلائها
اسمع إلى هذه القصة التي تشيب لها النواصي، وترتعد من حولها الفرائص، وينفطر لها الجنان، وتقشعر من عظمها الجلود والأبدان، نشرتها جريدة المدينة المنورة، الثلاثاء 22/11/1414هـ على لسان صاحبتها تقول:
"أنا فتاة في الـ35 من عمري، ولي أربع شقيقات لم تتزوج فينا واحدة، حتى الآن؛ لأن والدي - سامحه الله - كان يرفض كل من يتقدم إلينا من أجل الاستحواذ على مرتباتنا.
قبل فترة وجيرة توفيت إحدى شقيقاتي، وفي أثناء خروج الروح نظرت إلى أبي نظرة مازالت محفورة في ذاكرتي وقالت: يا أبي قل أمين. فقال: آمين. فقالت: حرمك الله من رائحة الجنة في الآخرة، كما حرمتني من الزواج في الدنيا.
فأيكم يحب أن يكون هذا الأب، وأن يكون هذا دعاء أبنائه له في حياته أو بعد وفاته.
4. المواصفات الخيالية عند الشباب، والأحلام الوردية عند البنات:
وهذا مما وسعته علينا وسائل الإعلام، والشبكات العنكبوتية، حتى اتسع الخرق على الراقع، فأصبح الشباب على خبرة كبيرة بأنواع النساء ومواصفاتهن والمفاضلة بينهن في أدق التفاصيل، خصوصًا هؤلاء الذين في المواقع والمجلات الإباحية.
فإذا بالشاب يضع لزوجته المنتظرة مواصفات ومقاييس تشابه المقاييس التي تضعها لجنة اختيار ملكات الجمال.. فهو يريدها شقراء، هيفاء خصراء ، زرقاء العينين، مزججة الأنف، صغيرة الفم ، مليحة الوجه، ، أسيلة الخد، رشيقة القد، ممتلئة القوام.. وربما حدد لك بعض مقاييس الجسد، تدقيق عجيب وغريب.. وهؤلاء في الغالب لا يتزوجون، وإذا تزوجوا لا يوفقون إلا من رحم الله.(38/61)
كان لي صديق ونحن صغار، يذكر لي مثل هذه الشروط في من يتزوجها.بلغ اليوم الأربعين وربما تخطاها ولم يتزوج للآن.
صديق آخر يقول لي دخلت 36 بيتًا، للآن ولم أتزوج، لماذا؟ لأن مواصفات الصدر لم تكن كما يريد ؟!! تكسر قلب 36 امرأة؛ لأن صدورهنَّ لسن على مقاسك.
إن المواصفات الغريبة التي تطلبها، والمقاييس العجيبة التي ترغبها، لا يوجد مثلها إلا في الجنة أما الدنيا، فلا يبحث فيها عمن لا عيب فيها، ولا نقص يعتريها، ولا شائبة تشوبها، ولا سوءة تعيبها.
وكذلك المرأة تعيش أحيانًا أحلامًا وردية، من كثرة ما ترى في الأفلام وغيرها، فتتخيل فارس الأحلام، بماله وجماله، وحسبه ونسبه، ومنصبه وعمله، وسنه ورسمه، فالمهر أنت التي تعدده، ومكان العرس هي التي تحدده، ومكان المعيشة أنت التي تختاره وترتبه... فمتى أتى من لا يحقق لها ذلك رفضت وأبت.
فمتى يأتيك مثل هذا.. لا أظن أن يأتي حتى نعلن وفاتك، وتأكل الأرض عظامك ورفاتك.
5. التقاليد، وهي تزويج البنت الكبرى قبل الصغرى، حفاظًا على شعور الكبرى، ومنعًا لألسنة الناس عنها أحيانًا، وهذا في حد ذاته شعور طيب، لكن ما هو ذنب الصغيرات إذا لم توفق الكبرى، وماذا لو كانت لا تريد الزواج الآن أو أبدًا أو فيها ما يمنع الناس عنها؟ ستمر الأيام وبدلاً من أن يكون في بيتك عانس واحدة، سيكونون أربعة أو خمسة.
الزواج رزق يسوقه الله لصاحبه، فإذا جاء من يطلب ابنتك وهو كفء لها فلا ترده (إلا تفعلوه تكن فتنه في الأرض وفساد عريض.
6. الدعوات الهدامة :
ذات الأفكار النشاز الدخيلة على أمة الإسلام والتي كان من أهم مانشرته بين أبناء الأمة:
- التنفير من الزواج
- تشويه صورة الزوجة ربة البيت .
- الدعوة لتحرير المرأة من كل قيد حتى الأسرة .
- محاربة التعدد والهجوم على الدين بكل الصور
7 - الخدمة
بعض الأباء إنما يعضل ابنته ويماطل في تزويجها لتخدمه، وربما أحيانا يكون ذلك بإيعاز من زوجة الأب ، فيرد الخطاب لأتفه الأسباب ، وتوضع العراقيل لتبقى البنت في البيت حتى لا يفتقدون الخادم .
فيا أيها الأب الكريم!! هل جزاء الإحسان إلا الإحسان. هل حملك عنايتها بك ورعايتها لك وسهرها الليالي في خدمتك والقيام على حاجتك طيلة عمرها أن تمنعها أعظم حقوقها، ولذات وجدانها بزوج صالح. إنها ترغب فيما كنت ترغب فيه أنت وأنت في شبابك وتشتاق إلى ما كنت تشتاق أنت إليه فاتق الله في نفسك وارض لابنتك الآن ما كنت قديما تطلبه لنفسك:
ارض للناس جميعًا.. ... ..مثل ما ترضى لنفسك(38/62)
إنما الناس جميعًا.. ... ..كلهم أبناء جنسك
ولهم نفس كنفسك.. ... ..ولهم حسٌ كحسك
ـــــــــــــــــــ
العنوسة.. أسباب و آثار ( 2 )
إن ظاهرة العنوسة في المجتمع وعزوف كثير من الشباب والفتيات عن الزواج له مضاره الخطيرة وعواقبه الوخيمة على الأمة بأسرها، سواء أكانت هذه الأخطار والآثار نفسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم أخلاقية وسلوكية، لا سيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه أسباب الفتن، وتوفرت فيه السبل المنحرفة لقضاء الشهوة، فلا عاصم من الانزلاق في مهاوي الرذيلة والردى، والفساد الأخلاقي إلا بالتحصُّن بالزواج الشرعي، فالقضية أيها الغيورون قضية أعراض وقضية فضيلة ورذيلة.
لقد جمعت هذه البلية - أعني تعسير الزواج وتضييق سبله ووضع العراقيل أمام طالبيه ـ أضرارًا ومخالفاتٍ دينيةً ودنيوية:
آثارها الدينية
(1) تعطيل مقصود الله في الخليقة: وهو استخلاف الناس في الأرض كما قال تعالى : " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة " ، وقال : " هو الذي جعلكم خلائف في الأرض " أي يخلف بعضكم بعضا جيلا من بعد جيل.. وهذا الاستخلاف وتلك الوراثة لا تكون إلا بوجود النسل والذرية والتي بابها الحلال هو الزواج .. فتعطيل الزواج مخالفة لمقصود الله ولمراده.
(2) مخالفة أمر الشارع الحكيم: الذي أمر بتزويج الأبكار، وحث الشباب على المسارعة في الاعتصام بهذا الأمر المحبب إلى الشارع.
فالوصول بالمرأة أو الرجل إلى هذا الحال فيه مخالفة لصريح القرآن وصحيح سنة المصطفى العدنان صَلى عليه وسلم، حيث قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21]، وقال: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)[النحل:72]، وقال (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور:32]. والأيم من الرجال: من لا زوجة له، و من النساء من لا زوج لها.
وروى البخاري ومسلم عن ابن مسعود t قال: قال r: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِيعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاءٌ".
يقول ابن مسعود: "لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، وأعلم أني أموت في آخرها يوما ، ولي طول على النكاح لتزوجت مخافة الفتنة".
ويقول الإمام أحمد: "ليست العزوبة من أمر الإسلام في شيء، ومن دعاك إلى غير الزواج دعاك إلى غير الإسلام". ولذلك قال عمر لرجل لم يتزوج: "ما يمنع الرجل عن الزواج إلا عجز أو فجور".(38/63)
(3) تقليل عدد المسلمين، ومخالفة أمر الرسول الأمين: فقد قال عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم: "تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم". [رواه أبو داود وغيره] (جامع الأصول 11/428).
( 4 ) غلق أبواب الخير والأجر على العبد: أعني الرجل والمرأة التي لم تتزوج
- فيحرمان أجر التربية الحسنة للأولاد.
- ويحرمان أجر حسن المعاشرة (من الرجل والمرأة) وحسن التبعل من المرأة لزوجها.
- ويحرمان الولد الصالح الذي يبرهما في حياتهما، ويدعو لهما بعد موتهما، : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاَّ من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
- إغلاق أبواب الرزق: "ثلاثة حق على الله أن يعينهم: المجاهد في سبيل الله، والناكح يريد أن يستعف، والمكاتب يريد الأداء".
الأثار على المرأة
- أما أثرها على المرأة فهو أثر خطير.. لأن العنوسة تجعل المرأة تعيش بين خيارات أحلاها مر:
* فبين امرأة تعاني الوحدة والاكتئاب وتهاجمها الأمراض والهواجس النفسية فالنهار في هم وقلق، والليل في حزن وأرق، وحياتها كلها انتظار لمن ينتشلها من هذا العذاب.
تقول إحدى طبيبات علم النفس (أستاذة منال زكريا/جامعة القاهرة):"إن العانسَ إنسانة قلقة نفسيا وعاطفيا خاصة إذا عوملت ممن حولها معاملة فيها نوع من الإحساس بالنقص أو الشفقة، وأحست أن وضعها معيب في المجتمع، والمؤكد أن الزواج وما يتبعه من الأنس والعاطفة وإشباع الحاجات الغريزية والنفسية من أهم أسباب السلامة النفسية والعصبية، فنحن النساء صعب علينا أن نعيش بلا رجال".
وصدق الله العظيم، إذ يقول: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21]،
* وبين امرأة تعاني من الحقد على الناس والمسؤولين وكل المجتمع:
تقول إحداهنَّ: كلما دعيت إلى عرس إحدى رفيقاتي أو زواج إحدى صديقاتي، تجرعت غصص الحسرة وحرقة العبرة، وأوقد في القلب لهيب جراحي. تزف الواحدة منهم تلو الأخرى إلى جنتها المنتظرة، وحياتها المستقرة مع أن فيهن من هي أصغر مني سنا وأقل مني جمالاً، وأدنى كمالا وأسوأ حالاً.. وأعود بعد ذلك لسجني الكبير حسيرة البال، كسيرة الخاطر، أدعو ربي من كل قلبي "ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيًا".
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا.. ... .. وحسب المنايا أن يكن أمانيا
وتقول أخرى: "لقد سببت كل المسؤولين، وتمنيت ألو نشبت فيهم أظفاري وأنيابي، ولو كان الأمر بيدي لسننت القوانين التي تجبر الرجال على الزواج من العوانس، وتمنع أن تمكث المرأة بدون زواج".
ـــــــــــــــــــ ...(38/64)
مشكلة العنوسة ( العلاج )( 3- 3 )
تحدثنا معكم فيما سبق حول موضوع العنوسة ، أسبابها ثم عن آثارها وأضرارها، فكان لابد وأن نتعرض للعلاج، وكيفية البحث عن المخرج العملي من هذه الظاهرة التي فشت في كثير من مجتمعات المسلمين.
وبداية أقول: إن هذه الظاهرة وتلك المشكلة لم تأتِ بين عشية وضحاها، ولا وجدت صدفة في البيوت، بل نحن الذين أوجدناها ونفخنا كير نارها بتقاليدنا وعاداتنا وتحكماتنا المخالفة للدين.
ولئن كانت المشكلة قد تطورت وتعقدت بتعدد أسبابها القديمة والحديثة، إلا إن الحلول مازالت بأيدينا إذا صدقنا مع أنفسنا في الخروج من هذا البلاء، ولست أعني أيضًا أن العلاج أمر هين، ولكنه طريق شاق وطويل يحتاج إلى تضافر الجهود، وتشابك الأيدي، ومشاركة الجميع من آباء وأمهات، ودعاة وقضاة، ومدرسين وأئمة، ووسائل إعلام، بل ومسؤولين أيضًا.
ولابد عند وضع الحلول وعلاج الداء من معرفة أسبابه لتخير الدواء النافع والعلاج الناجع؛ "فما أنزل الله من داء، إلا أنزل له دواء؛ فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله".
وقد استعرضنا أسباب هذا الداء، منها ما ذكرناه ، ومنها ما لم يذكر لضيق المقام ، فوجدنا لها جميعها علاجًا واحدًا يذهبها كلها، ألا وهو "العودة إلى الدين"، "العودة إلى الإسلام"، "الرجوع إلى الشريعة الغراء والشرع المطهر". ليس فقط لنحل المشكلة ثم ننساه، لا، بل العودة إليه بصدق والتزام به على الدوام.
وهذا كلام عام، وسأفصله، ولكن قبل ذلك أقول:
إن الله تعالى أنزل هذا الدين وهذه الشريعة ليطهر بها قلوب العباد، ويزكي بها نفوسهم، ويسعد بها حياتهم، وييسر بها أمور معاشهم ومعادهم، ويهبهم بها السعادة الروحية والبدنية، فمن التزم بها وتمسك بها سعد سعادة الأبد في دنياه وأخراه، ومن طرحها ظهريًّا واستبدلها بغيرها - أيًّا كان هذا الغير - أفسد الله عليه دنياه، وأعماه، وأضله عن أخراه: ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى* وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى)[طه:123 - 127].
لقد عاشت الأمة زمانًا التزمت فيه الشريعة، فلم يكن يسمع فيها عن مثل هذه الآفات والمشكلات والأوبئة "إلا في حالات شاذة والشاذ لا حكم له". فلما تركت الأمة دينها، وغزيت في أفكارها، ظهرت فيها الطواعين والأمراض، والبلايا والزرايا؛ فإذا عدنا إلى الله عاد الله إلينا، (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا)[الإسراء:8]، (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الرعد:11].
إن علاج هذه المشكلة في أمور:
أولها: إعادة البناء الديني العقدي للأمة: فإن الأمة قد ابتليت في عقيدتها، فتشوش على الكثير إيمانه وتصديقه لربه ولرسول ربه، فضعف اليقين عند الكثيرين في أن الله يعين المتزوج للعفاف ويوسع عليه ويرزقه من حيث يحتسب ومن حيث لا(38/65)
يحتسب، ولم يعد الزواج عبادة عند البعض وإنما مجرد شهوة وليس قربة يبتغى بها وجه الله تعالى أولا ثم متعة النفس وعفتها ثانيا، وشكك الناس في بعض التشريعات كالتعدد مثلا وبدلا من أن يكون حلا جعلوه بابا يهاجمون به الدين وأهله ، ناهيك عن انصراف القلوب عن اليقين بأن حلول المشاكل في الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: إعادة البناء الأخلاقي: وذلك بإعادة غرس المفاهيم الصحيحة في قلوب العباد، وخاصة الناشئة والطلائع، فنغرس فيهم محبة الطهر والعفاف، ونعظم في قلوبهم معاني الشرف والمروءة، وحفظ الأعراض، والنخوة والرجولة والفحولة، والحياء والستر، وغض البصر؛ خصوصًا بعد الغزو الفضائي والإعلامي الهادف لهدم كل معاني القيم ، والداعي لكل رذيلة وتحلل، فكل ما يعرض على أبنائنا - إلا ما رحم الله - هو دعوة للتحرر أو التحلل، ونداء يصم الآذان لإظهار المفاتن وإبراز العورات، وهدم كل حصن للفضيلة.
فمجلات النساء : لا تعرض إلا الزينة والعري، وآخر الموديلات، وقصص حب الممثلات.
ومجلات الرجال: بين الرياضة، والحب، والجنس.
والأفلام : حالها ما تعلمون ماخور في بيوت المسلمين.
ومجلات الحوادث: لا تعرض إلا للخيانات الزوجية، والمخدرات، حتى يعتقد الإنسان أن الدنيا كلها هكذا.
وليس لتكوين الأسر عندهم مقام، ولا للزواج وفضائله مكان، بل شهوات تسفح في أي بالوعة. فلا عاصم للشباب بعد ذلك إلا في سرعة الزواج؛ فإن الزواج عصمة من كل ذلك؛ لمن قدر، أو التمسك بمكارم الأخلاق قدر الطاقة، ولذلك قال النبي r: "يَا مَعْشَرَ الشّبَابِ من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فَإنّهُ أَغَضّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصّوْمِ فَإنّهُ لَهُ وِجَاءٌ".
علاج غلاء المهور: إذ كان واحدًا من أكبر عقبات الزواج، وقد عالج الشرع هذا الأمر علاجًا عمليًّا في كتاب الله وفي سنة رسوله القولية والعملية.
فأما القرآن؛ فقد قال تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور:32]، وأما السنة القولية فقد قال عليه الصلاة والسلام: "إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها" [رواه أحمد].
وأما السنة العملية، فما أصدق رسول الله أحدًا من نسائه ولا زوج بنتًا من بناته على أكثر من 500 درهم؛ ففي مسلم عن أبي سلمة أنه سأل عائشة رضي الله عنها: "كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُهُ لأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشَّاً، قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا النِّشُّ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ. قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلْكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لأَزْوَاجِهِ".
وعن ?ابن عباس -رضي الله عنهما- "لما تزوج علي فاطمة رَضي الله عنهما - قال صَلى الله عليه وسلم لعليٍّ: أعطها شيئًا. فقال: ما عندي شيء. قال: أين درعك الحطمية؟ فأعطاها إياها".(38/66)
وجاءت امرأة إلى النبي صَلى الله عليه وسلم فقالت: يَا رَسُولَ اللّهِ جِئْتُ لأَهِبَ نَفْسِي لَكَ فَنَظَرَ إلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَعّدَ النّظَرَ إلَيْهَا وَصَوّبَهُ ثُمّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فَلَمّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئا جَلَسَتْ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوّجْنِيهَا قَالَ: "هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟" فَقَالَ: لاَ وَاللّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئا فَقَالَ: "انْظُرْ وَلَوْ خَاتَما مِنْ حَدِيدٍ" فَذَهَبَ ثُمّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ وَاللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ ولاَ خَاتَما مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا إزَارِي قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا تَصْنَعُ بِإزَارِكَ إنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ" فَجَلَسَ الرّجُلُ حَتّى طَالَ مَجْلَسُهُ ثُمّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُوَلّيا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمّا جَاءَ قَالَ: "مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟"
وقال عمر: "ألا لا تغالوا في مهور النساء".
إن الشرع جعل الصداق مكرمة للمرأة، فلا ينبغي أن تحول به المرأة إلى سلعة تباع وتشترى، فليس هناك أعظم من فاطمة ولا أشرف ولا أطهر، ومع ذلك زوجها النبي صَلى الله عليه وسلم على درع. ونحن لا نقول بتحريم المغالاة لكن القصد القصد.
محاربة المغالاة في تكاليف العرس:
وأنا لن أكثر عليك في هذا الباب، ولكن سأذكر لك حادثتين:
الأولى: زواج أفضل رجل في الدنيا:
لما تزوج الرسول من صفية َكَانَتْ وليمة الزواج: السَّمْنَ، وَالأَقِطَ، وَالتَّمْرَ .
والثاني: زواج سيدة نساء أهل الجنة فاطمة الزهراء:
قال عليِّ رَضي الله عنه قال: "جَهّزَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ فِي خَمِيلٍ وَقِرْبَةٍ وَوِسَادَةٍ حَشْوُهَا إذْخِرٌ".
قال جابر: حضرنا عرس فاطمة فما رأينا عرساً كان أحسن منه. حشونا الفراش ليفًا، أتينا بتمر وزبيب فأكلنا. وكان فراشها ليلة عرسها إهاب كبش. (جلد كبش)".
ولما تزوج عبد الرحمن بن عوف قال له النبي صَلى الله عليه وسلم: "أَوْلِم ولو بشاةٍ".
عرض الرجل موليته على الصالحين:
فإذا وجد ولي المرأة رجلا صالحا دينا ذا كفاءة فلا مانع أن يعرض عله موليته بنتا أو قريبة وهذا لا غضاضة فيه بل هو فعل أهل العقل كما فعل عمر رضي الله عنه ففي صحيح البخاري: أن عمر بن الخطاب، حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدرا، توفي بالمدينة، قال عمر : فلقيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال : سأنظر في أمري، فلبث ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. قال عمر : فلقيت أبا بكر، فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت : نعم، قال : فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أن رسول(38/67)
الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها... فهذا فهم عمر ومن منا أفضل من عمر.
نسأل الله أن يوفق الأمة لما فيه خيرها ، والحمد لله رب العالمين
ـــــــــــــــــــ
مطلقات قبل الزفاف
ازدادت فى الفترة الأخيرة حالات الطلاق بين الأزواج من الشباب قبل الزفاف وذلك لأسباب كثيرة، منها المغالاة فى المهور وتأثيث مسكن الزوجية .وأزمة الإسكان، وأيضا غياب الدين والاختلاط الزائد عن الحد مما يؤدى إلى فتور العاطفة وتفكير الشاب فى الإرتباط بأخرى .وفى هذا التحقيق نناقش هذه الظاهرة .
يؤكد د .أحمد المجدوب أستاذ علم الاجتماع : إن الزواج فى عصرنا الحالى قائم على أسس خاطئة ، فلا يتحرى أهل الفتاة عن العريس ، ولا يبحثون عن أصله ونسبه أو عن خلقه ودينه ، وإنما أصبح التركيز على المادة هو الأساس ، فبقدر ما يحقق الرجل مطالب أهل العروس من مسكن مؤثث بأحدث الكماليات وسيارة فارهة ،ومهر مغالى فيه إلى حد كبير ، بقدر ما يلاقى من القبول والاستحسان.
ويضيف د.المجدوب :كما أن البعد عن الدين هو أهم أسباب ازدياد الطلاق قبل الزفاف ، فالرسول صلى الله عليه وسلم وضع المبادئ الأساسية للزواج وجعل الدين والخلق هما الأساس لبناء الأسرة المسلمة ، فقال عليه الصلاة والسلام : " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير" ، وكان المجتمع المصرى فى الماضى شأنه شأن المجتمعات الإسلامية فيه تضامن أسرى ، والزواج كان مشروعا عائليا وليس فرديا ، ولذلك كان الزواج مستقرا ، ولم نكن نسمع عن أية حالات طلاق بكثرة لأن الأسر كانت تختار صاحب الدين والخلق ، كما أن الأم كانت تربى ابنتها تربية إسلامية وتعرفها بحقوقها وواجباتها تجاه زوج المستقبل ، ولا شك أن البعد عن الدين وراء كل الكوارث التى نعانى منها الآن ولابد أن نعود إلى الدين مرة أخرى لنضمن السعادة الزوجية .
وأنصح البنات والشباب بأن يتقوا الله ويختاروا طبقا للمبادئ والقواعد التى وضعها الإسلام ، وأن يلتزموا بما أمر الله عز وجل به وبما أمر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ،لضمان حياة زوجية مستقرة قائمة على المودة والرحمة .
البعد عن المظهرية
أما الدكتورة آمنة نصير عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية : فترى أن المظهرية والمباهاة أصبحتا من مقتضيات الأسرة المعاصرة رغم علم هذه الأسر بضيق حال الشباب .
وتقول :انتشار الطلاق المبكر قبل الزفاف يأتى نتيجة للعسر المالى أو عدم توفر المسكن وما يتبعه من أثاث حسب ما تهوى العروس والأسرة ،وهى مسألة نعتبرها رغبة إنسانية لا حرج فيها إذا لم تزد عن الحد المعقول ، وأقول لهذه الأسر لابد من بساطة البداية فلا تتشبثوا بالشقة الواسعة أو بالأثاث المغالى فيه ، وإنما نعود إلى بساطة الإسلام ، فعندما يتقدم من نرضى دينه وسمعته فعلى الأسرة أن تستوعب هذا الدرس الحكيم فى تبسيط المطالب والبعد عن المغالاة ، سواء فى المظهر أو فى(38/68)
إعداد الأفراح أو فى تكوين البيت ، فالأهم من كل هذه الأمور هو صيانة بناتنا و شبابنا وإعادة السكينة والاستقرار لهذه الأسر بشئ من الرضا ، والقناعة وعدم المغالاة ، حتى لا يهتز المجتمع بأكمله .
ونحن فى حاجة ملحة لإعادة الثقافة الإسلامية الحقيقية فى بساطة تكوين البيت ، ونترك لشبابنا الصعود فى تكوينه درجة درجة ، والمسألة تحتاج كما قلت إلى إعادة الوعى والمسئولية والثقافة الإسلامية الحقيقية ،.. مع بث الوعى لدى المجتمع بأن المغالاة فى المظهرية فى تكوين بيوت أولادنا مرض عضال علينا أن نتفاداه قبل فوات الأوان وضياع أولادنا ومستقبلهم المستقر .
فيسروا ولا تعسروا لبناء مستقبل سعيد لأولادكم .
أزمة السكان
ويوضح د .محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر أن أزمة الإسكان الحادة التى يعانى منها مجتمع المدن الآن ،من أهم أسباب الطلاق قبل الدخول .ويقول : كثيرمن الشباب يحتاج للحصول على مسكن الزوجية إلى سنوات طويلة ،وفى هذه الفترة يحدث الملل بين الزوجين مما يؤدى إلى التفكير فى عدم إتمام مشروع الزواج .كما أن الاختلاط الزائد بين الرجل والمرأة يؤدى إلى فتور العاطفة بين الطرفين خصوصا من ناحية الرجل ،وقد يدفعه إلى التفكير فى الانفصال والارتباط بفتاة أخرى .
وعلاج هذه المشكلة هى عدم إطالة فترة الخطبة ، وأن تعمل الدولة على تيسير حصول الشباب على المسكن الملائم لدخولهم ، وذلك بتشجيع الاستثمار فى مجال الإسكان المتوسط لمحدودى الدخل .
ويجب ألا يبالغ الأهل فى مطالبهم بالنسبة لتأثيث بيت الزوجية ،ويجب أن يدرك ولى أمر المرأة أن مصلحة الفتاة فى أن يدخل الزوج فى مشروع الزواج وهو مستريح ماديا وليس مثقلا بالديون .
حقوق المطلقة
وعن حقوق المطلقة قبل الدخول يقول د . عثمان:لها نصف المهر فقط ،فإذا كان الزوج قد دفع المهر كاملا ، فله الحق فى استرجاع نصف ما قدمه وإذا كانت الزوجة لم تحصل على المهر فلها أن تطالبه بنصف المهر الذى اتفق عليه ، ويجب أن يلاحظ أن المهر يشمل المقدم والمؤخر لقول الله تبارك وتعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهنا وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفوا الذى بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ، أما عن حكم الطلاق فى هذه الحالة ، فالطلاق قبل الزفاف يعتبر طلاقا بائنا بينونه صغرى ، بمعنى أنه ليس طلاقا رجعيا يحق للزوج أن يرجعها إلى عصمته فى أثناء العدة ،وإنما الطلاق قبل الدخول لا يوجب عدة على المرأة ، لقول الله عز وجل : (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا).
ـــــــــــــــــــ
مضار الزواج من الأجنبيات(38/69)
يقول الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة:5].
إن الزواج من الكتابية حلال بنص الكتاب، ولكنه ليس الأفضل والأكمل، فإذا كان الزواج من المسلمة قد نُدِبَ المسلم فيه إلى اختيار ذات الدين، فإن ذلك صريح في أن زواج اليهودية والنصرانية ليس هو الأمثل ولا الأفضل.
وقد علمنا توجيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حض المسلمين على اختيار ذات الدين في قوله: "فاظفر بذات الدين تربت يداك".
مضار الزواج من غير المسلمات
وأحب أن أورد أهمّ المضار التي تنشأ عن الزواج من غير المسلمات، ونستطيع أن نصنفها في زمر ثلاث هي :
مضار للزوج - مضار للأولاد - مضار للمجتمع.
أولاً : مضار للزوج :
إن الزوج المسلم عندما يعاشر امرأة تخالفه في العقيدة والمثل العليا والقيم الكبرى يشعر بكثير من المرارة والتعاسة.. إنها لا تعظِّم ما يعظِّم، ولا تحرِّم ما يُحرِّم، وترى الشيء المعيب في نظره شيئًا عاديًا.
وهل أصعب على نفس المرء من أن يعاشر من يكون كذلك ؟ هذا بشكل عام؛ فإذا راعينا الاعتبارات التاريخية التي تبدلت، وحالتنا السياسية في الماضي، وكيف تغيرت الآن، والغزو الفكري العنيف الذي خضع له العالم الإسلامي تبدَّت صعوبة الحياة الزوجية مع غير المسلمة.
لقد كانت هناك جوانب إيجابية في الزواج من غير المسلمات؛ إذ كانت النتيجة الغالبة أن المرأة تدخل في الإسلام ويحسن إسلامها، وفي ذلك كسب للإسلام وإنفاذ لإنسانة من البشر من عذاب الله.
كان ذلك يوم أن كان المسلمون مسلمين، ويوم أن كانت الأوضاع الاجتماعية تتيح للرجل من التأثير أضعاف ما تتيحه اليوم، فلم يكن الناس يعرفون فتنة إنصاف المرأة.. إنها فتنة مصطنعة.. ولم يكن تسلط الشهوة على الناس في الماضي كما هو اليوم.. لقد استحكم سلطان الشهوة - مع الأسف الشديد - على النفوس، حتى أضعف ذلك من رجولة الرجل.. وخفف من قوامته.
هذه واحدة والثانية أن دولة الإسلام كانت أعظم دولة في الأرض، أو من أعظم دول الأرض.. واستمر هذا عبر القرون حتى آخر أيام الدولة العثمانية.. إن هذا الواقع السياسي الرفيع يعطي المسلم من القوة المعنوية والاعتزاز بالإسلام وبكيانه الشيء الكثير.. وهذا قد غاب مع الأسف الشديد في هذا العصر..
والثالثة هي قضية الغزو الفكري الأوروبي للمسلمين.. ذلك الغزو الذي نقل إلينا مفاهيم غريبة ومغلوطة في الزواج والطلاق والتعدد.. والنظرة إلى الحياة وإلى الغيبيات، وأتت بمثل جديدة لا نعرفها كالقوميات والوطنيات وما إلى ذلك. إن هذه(38/70)
الأمور الثلاثة تعطل كثيرًا من الجوانب الإيجابية للزواج من غير المسلمات وتجعل الزوج في تعاسة كبيرة، وهو بين أحد أمرين:
إما أن يحسّ بهذا الواقع المؤلم، وعندئذٍ ستكون التعاسة في أعماقه وبين جوانحه ويظهر الشقاء في حياته لكل من يراه .
وإما ألا يحسَّ بهذا الواقع فالمصيبة أعظم.. لأنه يكون قد فقد الإحساس بالنقص وذلك أدهى وأمر.. لأن من فقد الإحساس بنقصه يكون قد فقد ذاته.
ومن المضار التي تتعلق بالزوج أنه في حالة الإخفاق في الزواج من الكتابية قد يتعرض إلى تغلبها عليه في انتزاع الأولاد منه.. وهذا قد يحطمه تحطيمًا.
ثانياً : مضار للأولاد :
أما المضار التي تلحق بالأولاد فأهمها: التوزع في الولاء، فلا يدرون لمن يعطون الولاء، ألأبيهم المسلم أم لأمهم اليهودية أو النصرانية.. إنهم يفتحون أعينهم على اتجاهين مختلفين في وسط الأسرة والبيت. وفي ذلك ما فيه.
ومنها التأثر بالأم؛ لأن الولد ميَّال إلى أمه بطبيعة الحال، لما تغمره به الأم عادة من الحنان والحب والرعاية.
ومنها الآثار الوراثية؛ لأن العرق دساس، وقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة في حقل الوراثة أن الوليد تنحدر إليه صفات من أجداده من طرفي أبيه وأمه.
ومنها فقدان التوجيه من ألصق أبويه به، فالأمّ الكافرة بدين أبيه لا تذكره بعبادة ولا تأمره بواجب ديني ولا تنهاه عن حرام.
أضف إلى ذلك ما يحصل كثيرًا من انتزاع الأولاد من أبيهم والرجوع بهم إلى بلدها في أوروبا أو أمريكا وتنصير الأولاد وتنشئتهم على أوضاع أهلها وقومها.
ثالثاً : مضار للمجتمع :
أما المضار التي تلحق بالمجتمع فكثيرة ؛ أهمها كساد بنات المسلمين، وبقاؤهنَّ عوانس في البيوت، وهذا يلحق أعظم الأضرار بحياة الأفراد والأُسر.
إن كثيرًا من المشكلات العائلية والنفسية والاجتماعية التي تعانيها كثير من البيوت يعود إلى وجود عوانس فيها ؛ لأن المرأة العانس غير سوية تتصرف التصرفات التي تزعجها وتزعج الآخرين، فسنة الحياة التي فطر الله الناس عليها أن الرجل يكمل المرأة وأن المرأة تكمل الرجل، وأن لقاءهما في بيت الزوجية يقيمهما العقد النفسية، وما أكثر المآسي التي تخرب بيوتًا عدة بسبب هذا الاختلال المؤذي في بنية المجتمع.
أضف إلى ذلك ما يمكن أن تتعرض له الأمة من الفساد الخلقي الرهيب.
ومن هذه المضار نشر عادات اجتماعية بعيدة عن الإسلام، وذلك عندما تمارس الزوجة الكتابية عاداتها المستنكرة إسلاميًّا من نحو خروجها حاسرة متبرجة ملقية الحجاب الذي أوجبه الله على المرأة ، ومن نحو سباحتها على الشواطئ مع الرجال شبه عارية على الوضع المزري الذي يفعله الكفار.
إن الشرع عندما أباح للمسلم أن يتزوج الكتابية أباح ذلك والسلطان للرجل في مجتمع تغلب عليه الأعراف والآداب الإسلامية، فهي لا تقوى على أن تمارس عاداتها التي ألفتها.. والوضع الآن يختلف عن ذلك في أكثر بلاد المسلمين.(38/71)
حتى ولو لم تعلن في المجتمع الإسلامي المنكرات التي ألفتها، فإن مخالطتها للنساء المسلمات يترك أثرًا كبيرًا فيهنَّ، لا سيما والمرأة كما هو معلوم ضعيفة سريعة التاثر.
ومن المضار التي تعود على المجتمع بالضرر البالغ أن هذه المرأة الكافرة ستطلع على أحوال زوجها وكثير من أسراره.. فإذا كان الزوج رجلاً كبيرًا أو مشتغلاً بقضية كبرى كان معرضًا إلى أن تسرق أسراره بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى أعداء أمته. وفي تاريخنا وتاريخ الأمم الأخرى قصص واقعية لكوارث تعرَّضت لها الأمة بسبب خيانة بعض الزوجات الأجنبيات.
إن ذلك كله ليجعل الإقدام على الزواج من الكتابية أمرًا مرجوحًا.
إن الأنفع للمسلم في ذاته وفي أولاده وفي أمته أن يتزوج امرأة من بني جلدته من ذوات الدين، ليسعد ويكون قادرًا على خدمة أمته وعلى نشر رسالتها.
ويبقى حكم الزواج من الكتابية على الحِلِّ، لكنه ليس الأفضل، وقد يصل بسبب ما ذكرنا إلى الكراهية.
وهذا وللموضوع جوانب أخرى لا بُدَّ من الإلمام بها ولو بذكرها، من أهمها الشروط التي لابد من توافرها وهي:
1- أن تكون كتابية؛ أما المشركة فلا يحِلُّ نكاحها.
2- أن تكون عفيفة؛ أما الزانية فلا يحلُّ نكاحها.
3- أن تُستوفى شروط العقد.
4- ألا يحمله الزواج منها على التفريط في حق دينه.
وإننا لننصح من يقدم بعد هذا كله على الزواج من كتابية؛ أن يتقي الله فيها، وأن تكون تصرفاته معها متقيدة بآداب الإسلام، ليكون سلوكه داعيًا إياها إلى الإسلام.
(من كتاب نظرات في الأسرة المسلمة بتصرف
ـــــــــــــــــــ
تاجر عجوز يحارب التسول في بغداد
الحاج حسين عجوز عمره 80 عاما يقف كل جمعة متكئا على عصاه أمام بوابة مسجد 14 رمضان في بغداد وهو يحمل في يده اليسرى صندوقا من الورق بداخله بضع عشرات من الكتيبات الدينية والمناديل الورقية. بعد انتهاء الصلاة يمتزج صوته المبحوح مع أصوات الأطفال الذين تجمعوا لبيع الصحف وبعض الإكسسوارات وهم ينادون زبائنهم من المصلين الخارجين من بوابات المسجد.
الحاج حسين يرفض أن يتلقى أي صدقة أو مساعدة من المصلين ما لم تكن مقابل شراء لبضاعته التي لا يتعدى ثمنها خمسة آلاف دينار عراقي أي نحو ثلاث دولارات، لكن المشترين عادة ما يدفعون له أكثر من ذلك بكثير إذ يعتبر بعضهم أن الأمر بالنسبة لهم في النهاية صدقة لهذا العجوز الفقير.
وعندما سألناه عن سر هذه التجارة قال إنه يرفض أن يتسول الآخرين، كما أن التسول لا يجلب في هذه الأيام الكثير من الدخل بسبب الأوضاع الاقتصادية القاسية في هذا البلد المحتل. الحاج حسين لديه اليوم مهنة شريفة ومشروعة يقتات منها هو(38/72)
وعائلته التي تمزقت -حسب ما يحكي- بين ضحية في عهد النظام السابق وسجين في عصر الاحتلال الحالي ولم يبق منها سوى ثلاث نساء تحت كفالته.
لكن هذا العجوز لا يجد في غير الجمعة يوما يسوق فيه بضاعته مما يضطره لأن يتخذ في كل يوم موقعا جديدا في بغداد لاصطياد زبائنه، مع ذلك فإن مكسبه من ذلك ربما لا يساوي ربع ما يحصل عليه في نصف الساعة الذي يعقب صلاة الجمعة حيث يتمكن في كثير من الأحيان من بيع كل ما لديه مما يوفر له ربحا معقولا.
لا يهتم الشيخ حسين بتوسيع هذه التجارة ويقول إن بصره وصحته لا تساعدانه على ذلك فهو يتوجه بعد تصريف ما لديه لأحد التجار الذين يعرفهم منذ 20 عاما لشراء بضاعة أخرى نقدا استعدادا لرحلة تسويق أخرى لا يعلم إلى أين ستأخذه إذا ما كتب له العيش حتى الغد.
إقبال المصلين على التجار الصغار الذين يتقاسمون معه المكان ويركضون شرقا وغربا لاستقطاب الزبائن لا يمثل تحديا في نظره ويقول في ذلك "الأرزاق بيد الله"، فهو لا يستطيع مجاراة منافسيه ولا يملك لكسر ذلك سوى تغيير اتجاهات وقوفه يمينا ويسارا.
بعض المصلين ينظرون إلى ظاهرة هذا الرجل على أنها غطاء للتسول. ويقول أحمد -وهو مصل يتردد على هذا المسجد- إن التسول الذي كان متفشيا في الماضي قد تراجع كثيرا ليس لأن الوضع الاقتصادي قد تحسن ولكن لأن مردود هذه المهنة لم يعد مجزيا مثلما كان من قبل مما حدا بهؤلاء إلى تغيير تكتيكاتهم على حد قوله.
لكن قطاعا آخر من المصلين يعتبر حالة هذا الشيخ نموذجا للشخص العصامي الذي يعتمد على نفسه وهو في هذه السن. ويشير أحد المصلين إلى أن "الحاج حسين يمثل الشخصية العراقية في الكبرياء وعزة النفس رغم الظروف القاسية التي تحيط به". ويضيف "هذا رجل شريف وأنا أقدره واحترمه وكل يوم جمعة أحرص على الشراء منه".
ظاهرة التسول التي قال عراقيون إنها كانت متفشية على عهد النظام السابق ضمن مساوئ كثيرة ألحقت به تراجعت نتيجة عدة عوامل أحدها دخول منظمات وجمعيات خيرية غربية وعربية إلى البلاد حتى وصل عددها حسب بعض الإحصاءات أكثر من مائتي منظمة وهيئة.
تسول الأطفال هو الآخر انحسر بشكل ملحوظ وفق شهادات كثير من العراقيين الذين يعزون ذلك لانتعاش حركة السوق مما خلق فرص عمل لهؤلاء جعلت منهم حمالين وموزعين للمشروبات الباردة والمياه المعبأة والصحف اليومية المنفلتة.
وعن ما إذا كان له زملاء يمارسون نفس المهنة، يؤكد الشيخ حسين أن بعض المتسولين الذين كانوا يتنافسون معه في ساحة المسجد اتجهوا نحو هذه التجارة لتعويض الكساد الذي أصاب "سوق التسول"، لكنه ينفي أن يكون هو نفسه متسولا سابقا بدليل أنه -حسب ما يقول- يملك الكثير من الخبرة في هذا المجال الذي أكد أنه مبشر ويفتح باب الرزق الحلال للراغبين فيه، كما أنه لا يحتاج لرأسمال أو مصادقة من السلطات إن كانت هناك سلطات.
___(38/73)
الجزيرة نت
ـــــــــــــــــــ
الاستئذان يحمي الخصوصية
جاء الإسلام بالإحسان والخلق الحسن ونظم علاقة الفرد بأخيه وبالمجتمع، وأدّب أتباعه بآداب عظيمة حتى يعيش المجتمع آمنًا مطمئنًا راضيًا سعيدًا، الحقوق فيه محترمة، والواجبات مؤداة، والروابط محكمة قوية.
ومن آداب الإسلام العظام التي شرعها الله ورسوله وجاء ذكرها في القرآن وفي السنة: أدب الاستئذان الذي يظنه بعض الناس هينًا وليس هو كذلك، إن من حق الناس أن يطمئنوا في بيوتهم، وأن يأمنوا حرمتهم، وأن يستتروا عن أعين الناظرين، ولكل فرد منا خصوصياته بحدود الشرع في ملبسه ومأكله وفي جلوسه ونومه، وقد يتخفف من الأعباء في داخل بيته، ولا يحب أن يراه أحد وهو في هذه الحال، ومن هنا أدب الله جل شأنه عباده فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * َإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [النور:27، 28].
ومعنى تستأنسوا: أي تستأذنوا، وسمي استئناسًا لأنه إذا استأذن وسلم أنس أهل البيت بذلك، ولو دخل عليهم بغير إذن لاستوحشوا وشق ذلك عليهم، وهاهنا للمستأذن عدد من الآداب:
الأول: ألاَّ يقف أمام الباب، بل يكون عن يمينه أو شماله، وإن كان الباب مفتوحًا يكشف من في داخل البيت فعليه أن يرده ويغض بصره لئلا يقع نظره على أمر يكره أهل البيت أن يراه ، قال صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الاستئذان من أجل البصر".
الثاني: أن يستأذن ثلاثًا؛ فإن أذن له وإلاَّ فليرجع، إلاَّ إذا غلب على ظنه أن أهل البيت لم يسمعوا ،قال صلى الله عليه وسلم: "الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك وإلاَّ فارجع". متفق عليه.
ويقول المستأذن: السلام عليك أأدخل؟ فقد استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فقال: ألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: "اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له: قل السلام عليكم أأدخل؟". فسمعه الرجل: فقال السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل. رواه أحمد وأبو داود.
الثالث: إذا سئل هذا الطارق عن اسمه فليوضح وليبين، فعن جابر بن عبد الله قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدققت الباب فقال: من ذا ؟ فقلت: أنا. فقال: أنا أنا؛ كأنه كرهها. متفق عليه..لأن قوله: "أنا" لا يحصل بها التعريف.
وإذا دق الباب فليكن برفق ولين من غير إزعاج ولا إيذاء ولا ازدياد في الإصرار، وعليه ألاَّ يفتح الباب بنفسه، وإذا أذن له في الدخول فلينتظر قليلاً ولا يستعجل في الدخول حتى يتمكن صاحب البيت من فسح الطريق وتمام التهيؤ، ولا يرم ببصره هنا وهناك، فما جعل الاستئذان إلاَّ من أجل البصر. اطلع رجل من جحر في حُجَر النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدري (أي مشط) يحك به(38/74)
رأسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من البصر". متفق عليه.
- إن من حق صاحب البيت أن يقول بلا غضاضة للزائر والطارق: ارجع. فللناس أسرارهم وأعذارهم، وهم أدرى بظروفهم، فما كان الاستكنان في البيوت إلاَّ من أجل هذا.
قال بعض المهاجرين: لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما نلتها؛ يعني قوله: (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ) [النور:28]. لقد طلبت أن أستأذن على بعض إخواني ليقول لي ارجع ؛ فأرجع وأنا مغتبط لقوله: (هُوَ أَزْكَى لَكُمْ)، هكذا يكون الحرص على نيل تزكية الله والتدبر لآيات الله.
- إن الاستئذان حق على كل داخل من قريب أو بعيد، الرجل والمرأة في طلب الإذن سواء، والأعمى والبصير كذلك. سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أستأذن على أمي؟ فقال: نعم. فقال الرجل: إني معها في البيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استأذن عليها، أتحب أن تراها عارية؟ فقال: لا. قال: "فاستأذن عليها". رواه مالك.
- وربما أدرك الأعمى بسمعه ما لا يدركه البصير ببصره، فعليه أن يستأذن، وهكذا يجعل الإسلام الحرمة للبيوت. قال صلى الله عليه وسلم: "من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنيه الآنك يوم القيامة". وهو الرصاص المذاب. رواه البخاري.
- و إذا دخلت على أهلك وبيتك فأشعرهم بدخولك ولا تتبع العورات ولا تلتقط الزلات، كان ابن مسعود رضي الله عنه إذا دخل تنحنح وصوَّت.
ويقول الإمام أحمد: "يستحب أن يحرك نعله في استئذانه عند دخوله حتى إلى بيته لئلا يدخل بغتة، وقال مرة: إذا دخل يتنحنح وليسلم على أهل البيت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك: "يا بني! إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك".
- ولقد وضحت آية من كتاب الله استئذان الأقارب والأولاد والخدم والعبيد. قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ) [النور:58]. ففي هذه الآية الكريمة أمر بأن يستأذن المماليك والأطفال الذين لم يبلغوا إلاَّ أنهم يدركون ما يشاهدون بأن يستأذنوا على أهلهم في أوقات ثلاثة غالبًا ما يكون الإنسان فيها عرضة للانكشاف، فهي أوقات راحة ونوم، فينبغي أن يعلموا ويؤمروا بالاستئذان في الأوقات التالية:
الأول: من قبل صلاة الفجر، لأنه وقت القيام من النوم، فربما تكون على المرء ثياب غير ساترة.
الثاني: وقت الظهيرة والقيلولة، فربما وضع المرء ثيابه مع أهله.
الثالث: من بعد صلاة العشاء؛ لأنه وقت النوم ونزع الثياب الساترة.(38/75)
أما في غير هذه الأوقات الثلاثة فمسموح لهم الدخول بغير إذن؛ لأن العورات في غيرها تكون مستورة، أما إذا بلغ الأطفال الحلم فيجب عليهم الاستئذان على كل حال وإن لم يكن في الأحوال الثلاثة؛ لقوله تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [النور:59]، فيجب تربية الأولاد على الاستئذان والبدء بالسلام، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.
ــــــــــــــ
مجلة الأسرة عدد 131
ـــــــــــــــــــ
توقير الكبير خلق الإسلام العظيم
لكبير السن مكانته المتميزة في المجتمع المسلم فهو يتعامل معه بكل توقير واحترام، يحدوه في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: "ليس منا من لا يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا" رواه أبو داود والترمذي.
ويظهر ذلك التوقير والاحترام في العديد من الممارسات العملية في حياة المجتمع المسلم، وجميع هذه الممارسات لها أصل شرعي، بل فيها حث وتوجيه نبوي فضلاً عن ممارساته صلى الله عليه وسلم، مع المسنين وتوجيه أصحابه نحو العناية بالمسنين وتوقيرهم واحترامهم وتقديمهم في أمور كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر:
1 ـ البدء بالكبير بالأمور كلها: كأن يتقدم الكبير على الصغير في صلاة الجماعة، وفي التحدث إلى الناس، وفي الأخذ والعطاء عند التعامل.. لما روي مسلم عن أبي مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليليني منكم أولو الأحلام والنهي (هم الرجال البالغون) ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وإياكم وهيشات الأسواق " أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللفظ والفتن فيها.
2 ـ الترهيب من استخفاف الصغير بالكبير: روى الطبراني في الكبير عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثلاث لا يستخف بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام، وذو العلم وإمام مقسط." والاستخفاف كأن يهزأ به ويسخر منه ويوجه كلاماً سيئاً إليه، ويسيء الأدب في حضرته، وينهر ه في وجهه وكم من مناظر يندي لها الجبين نشاهدها في الطرق ووسائل السفر المختلفة ونجبر على سماعها من داخل البيوت على ما يقال فيها تدمي لها القلوب.
3 ـ الحياء من الكبير: لأن الحياء خلق يبحث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق الكبير ويدفع إلى إعطاء ذي الحق حقه.
روى ابن ماجة والترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه" وروى الشيخان عن أبي سعيد رضي الله عنه قال "لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً فكنت أحفظ عنه فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالاً هم أسن مني".(38/76)
4 ـ القيام للقادم: روى البخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قال: "ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم ـ في قيامها وقعودها ـ من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها وقبلته وأجلسته في مجلسها".
5 ـ تقبيل يد الكبير: أخرج أحمد والبخاري وأبو داود وابن الإعرابي عن زارع وكان في وفد "عبد القيس قال: لما قدمنا المدينة جعلنا نتبادر من رواحلنا، فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله.
وروى البخاري عن الوازع بن عامر قال: قدمنا فقيل ذلك رسول الله فأخذنا بيده ورجليه نقبلها.
لأن هذا له أثر كبير في نفوس الكبار وإنزالهم المنزلة التي تليق بهم مع مراعاة:
1 ـ ألا يغالوا في ذلك لما للمغالاة من تغاضي عن المساويء، ومجافاة للحق، وانتكاس لحقيقة الاحترام.
2 ـ ألا يزيدوا عن الحد الذي أمر به الشرع الإسلامي كالانحناء أثناء القيام، أو الركوع أثناء التقبيل.
6 ـ إنزال الكبير منزلته اللائقة به: روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن شهاب بن عباد أنه سمع بعض وفد عبدالقيس وهم يقولون: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتد فرحهم، فلما انتهينا إلى القوم أوسعوا لنا فقعدنا، فرحب بنا النبي صلى الله عليه وسلم ودعانا، ثم نظر إلينا، فقال: من سيدكم وزعيمكم؟ فأشرنا جميعاً إلى المنذر بن عائذ.. فلما دنا منه المنذر أوسع القوم له حتى انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم.. فقعد عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرحب به وألطفه وسأله عن بلادهم..".
وهذا غيض من فيض وبعد، فإن توقير الكبير ذو الشيبة المسلم سمة من سمات المجتمع المسلم.
رعاية كبار السن من غير المسلمين:
لم تقتصر هذه الرعاية على المسن المسلم بل امتدت يد الرعاية لتشمل غير المسلم طالما أنه يعيش بين ظهراني المسلمين.
فها هي كتب التاريخ تسطر بأحرف ساطعة ، موقف عمر رضي الله عنه ـ مع ذلك الشيخ اليهودي الكبير فيذكر أبو يوسف في كتابة (الخراج) "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ مر بباب قوم وعليه سائل يسأل ـ شيخ كبير ضرير البصر فضرب عضده من خلفه فقال: من أي أهل الكتب أنت؟ قال يهودي. قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية، والحاجة، والسن. قال: فأخذ عمر ـ رضي الله عنه ـ بيده فذهب به إلى منزله فرضخ له ـ أي أعطاه ـ من المنزل بشيء ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه، والله ما أنصفناه إذا أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم {إنما الصدقات للفقراء والمساكين..} سورة التوبة 60. .... وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه".(38/77)
وبعد هل يمكن أن نؤثر الكبير في الجلوس في المكان المحدد له في وسيلة السفر والذي حددته الدولة أو المملكة أو الإمارة؟
هل يمكن أن نأخذ بأيديهم عند عبور الطريق؟ هل يمكن أن نقوم لهم عند حضورهم ونقبل أيديهم؟
هل يمكن إنهاء مصالحهم في أسرع وأيسر وقت مع البشاشة في وجوههم؟
هل يمكن أن نقوم على خدمتهم ونراعي فيهم تعاليم الإسلام ولاسيما إذا كانوا آباء أو أمهات؟ لأن دور المسنين تجأر إلى الله من عقوق الأبناء فما بال الذين لا يملكون دفع ثمن الإقامة فينامون في العراء ومن أنفقوا عليهم وقاموا على تربيتهم حتى وصلوا إلى المكانة المرموقة يتنعمون في المأكل والملبس والمشرب والفرش وظلم المعصية.
هل يمكن أن نصغي لحديثهم ففيه عبر السنين؟
نسأل الله أن يرزقنا حب القيام على خدمة ورعاية الكبار.
ـــــــــــــــــــ
كيف تؤمن مستقبل أسرتك ؟
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه , أما بعد:
فالخوف من المستقبل ومحاولة تأمينه قاسم مشترك بين المسلم والكافر والبروالفاجر والمرأة والرجل والكبير والصغير.
ولما كان كل إناء بما فيه ينضح فقد افترق المسلم عن غيره، فللمسلم شأن وللناس شأن. وقد كان للغربة والجهالة التى نعيشها أثرها الكبير فى انحراف التصورات والتصرفات تبعاً لذلك حتى صار البعض كالمستجير من الرمضاء بالنار أو كالعير بالبيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول، نداوى الداء بداء آخر ونطلب الأمن من مكمن الخطر وننشد نتائج لم نأخذ بمقدماتها وإليك بعض هذه النماذج والصور.
التأمين على الحياة وتعاملات ربوية تأميناً للمستقبل !!!
انتشرت شركات التأمين هنا وهناك لما آنست من الخلق الخوف على المستقبل وقد ذهب أكثرية علماء مجلس المجمع الفقهى المنعقد بمكة المكرمة إلى أن التأمين حرام بجميع أنواعه سواء كان على النفس أو البضائع التجارية أو العقارات أو على جزء من الإنسان كالحنجرة أو الساقين أو العينين وسواء كان ضد الحريق أو الحوادث .... وذلك لما ينطوي عليه من رباً وقمار وغرر،وهذا هو الذي ورد في فتاوى دار الإفتاء المصرية وأجاز التأمين التعاونى لأنه من عقود التبرع ولخلوه من الربا ولكونه من صور التعاون التي لا مخاطرة ولا غرر ولا مقامرة فيها.
ورغم حرمة التأمين التجارى فقد عمت به البلوى وأصبح من لوازم الحياة عند الكثيرين !!!! وقريب من ذلك ما يفعله الآباء عندما يضعون الأموال فى البنوك الربوية على جهة التربح لضمان مستقبل الصغار ولا ندرى كيف يبارك فى الحرام , والربا من شأنه أن يستمطر اللعنات والنقم على البلاد والعباد , قال تعالى (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة:276)(38/78)
وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِه..ِ).
وفى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ".
حصون المستقبل دمرها الكفر والانحراف
كان قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين والفراعنة و غيرهم من أصحاب الحضارات الزائفة التى أقيمت على أساس العبودية لغير الله , وآثارهم تدل على حرصهم على تأمين المستقبل وكانوا ينحتون الجبال بيوتاً فارهين ويبنون المصانع لعلهم يخلدون أقاموا الأهرامات والمسلات والقصور , فما الذى آل إليه أمرهم ؟ يقول الله تعالى :(وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) (القصص:58)
وما سبب الدمار الذى نزل بساحتهم ؟ إنه الكفر والضلال ، يقول تعالى:(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً) (الطلاق:8)
, وإذا كنا نجد على مستوى الأفراد من يرتشي ويسرق ويغش لتأمين مستقبله ومستقبل عياله , فعلى مستوى الدولة نجد استيراد النظم والدساتير والمناهج المخالفة بزعم مواكبة تطور الحياة والأخذ بأسباب التقدم والتحضر !! وإيجاد المستقبل الآمن للأجيال القادمة , وما هى إلا مزاعم؛ فالمعصية سبب كل شر ودماروما نزل بلاء إلا بذنب , وكيف نأمن على أنفسنا وقد ضيعنا ديننا وهل نستطيع أن نحصن أنفسنا أمام زلزال مدمر ؟؟ وما الذي فعلته أمريكا أمام إعصار اندرو وفيضان الميسيسبي ؟؟.
إضاعة النساء بزعم تأمين المستقبل لهن
نزعم الشفقة والحب لبناتنا والقيام على مصلحتهن وقد يتقدم الرجل للزواج فيتم السؤال عن عمله وراتبه ومسكنه...إلخ، وقد نقبله زوجاً ونحن لا ندري شيئاً عن عقيدته، وهل يصلي أم لا، وقد يكون مخموراً مقامراً وتثور بعد ذلك المشاكل والخلافات وإذا قيل للولي: لماذا لم تسال عن ديانة زوج ابنتك يقول: خجلت !!وهو لم يخجل عندما سأل عن الماديات !! ومن المعلوم أن من زوج ابنته من فاسق فقد قطع رحمها ، وكانت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها تقول: النكاح رق فلينظر أحدكم عند من يسترق كريمته. فالكفاءة ينظر فيها أول ما ينظر إلى الديانة والصلاح والحرص على طاعة الله وتعظيم حرمات الله ، وكيف نأتمن تارك الصلاة على زوجة وأولاد ؟.
كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يبعث لولاته ويقول لهم : ألا إن أهم أموركم عندى الصلاة , ألا لا حظ فى الإسلام لمن ضيع الصلاة , ويقول : من ضيعها فهو لما سواها أضيع , وسئل الحسن: ممن أزوج ابنتي ؟ فقال : زوجها التقي النقي فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يهنها . ومن صور الإضاعة السماح للبنات بالخروج متبرجات يختلطن بالشباب فى المدارس والجامعات وأماكن العمل ، وقد تستحث الأم ابنتها على إقامة علاقات مع الرجال طلباً للزواج !!! وقد تصل(38/79)
العلاقات المحرمة والتى يسميها البعض صداقة وزمالة إلى حد المعاشرة الزوجية أثناء الخطوبة وقبلها , ويتم ذلك بمباركة أهل المرأة أحياناً , بزعم جريان العرف بذلك !!!! أو حتى تنشأ المعرفة والحب قبل الزواج ...
لقد أمر الشرع بالمباعدة بين الرجال والنساء حتى فى أماكن العبادة فالمرأة تطوف بالكعبة من خلف صفوف الرجال وخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها , وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها , وما ترك النبى صلى الله عليه وسلم فتنة أضر على الرجال من النساء , والمرأة مأمورة بالصيانة والتحفظ والتحجب والتستر والتباعد عن مواطن التهم والريب والشكوك , قال تعالى: ( وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) قيل : كانت المرأة تسير متكشفة وسط الرجال ,أو أنها كانت تظهر خصلة من خصلات شعرها , وقال تعالى: ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ... ) الآية وقال جل وعلا :( وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) ومن هنا تدرك خطورة دعوات تحرير المرأة ومحاولات جر المرأة المسلمة للتشبه بالمرأة الغربية , وما تنطوى عليه هذه المحاولات من إشاعة الفسق والفجور والتحلل فى جسد هذه الأمة بزعم المحافظة على حقوق المرأة !! والسعى فى إيجاد مستقبل مشرق وغدٍ آمن لها !!!.
إن فشل الكثير من حالات الزواج سببه هذه المقدمات الفاسدة ؛ فلكل مقدمة نتيجة ومعظم النار من مستصغر الشرر , والخطبة مجرد وعد بالزواج والعلاقة فيها علاقة أجنبي بأجنبية , وطالما رآها وأعجبته , ورأته وأعجبها , عادت الحرمة كما كانت. والمرأة تطلب من وليها ولا يصح أن يتاجر بها وأن تصبح سلعة معروضة، ولا يجوز أن يستخف بعقلها بحيث تصبح فتنة لنفسها وفتنة لغيرها والله يعلم وأنتم لا تعلمون .
الأمان الحقيقي في العمل بطاعة الله
كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول لسعد بن وهيب ـ خال النبي صلى الله عليه وسلم ـ: يا سعد: ليس بينكم وبين الله نسب أنتم عباده وهو ربكم تنالون ما عنده بطاعته . فما عند الله من خير وبركة وسعة رزق وأمن وأمان لا نناله إلا باستقامتنا على شرع الله ، وكان عمر بن عبد العزيز يقول : إن الأمان غداً لمن باع قليلاً بكثير ونافداً بباق، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيخلفها من بعدكم الباقون وكذلك حتى تردوا إلى خير الوارثين.
إن الخوف على مستقبل ذريتك يدفعك دفعاً لتقوى الله قال تعالى ( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً ) , فتوكل على الله حق توكله؛ فلا سبيل لتحقيق الأمن والأمان هنا وهناك إلا بالعمل بطاعة الله: ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) فهيا بنا نعمر الدنيا بطاعة الله ونقيم حضارة على منهاج النبوة ونؤمن المستقبل باستقامة لا عوج فيها.
ـــــــــــــــــــ
هل تريد أن تعيش وحدك ؟(38/80)
أصناف البشر متعددة، وكلما طال عيش الإنسان رأى عجبًا في الناس، ورغم أن التنوع في شخصيات الناس ضرورة للتآلف والامتزاج وإعمار الأرض، إلا أن هناك حدًا فاصلاً بين التنوع الذي يجتذب المختلفين، وبين التنوع الذي يزيد التنافر، ويفرض الفرقة. وقد يقع الإنسان في أخطاء تجعل منه شخصية تافهة سخيفة يتجنبها الناس، ويتحاشون الاختلاط به، أو ارتياد مجلسه، وقد يعجب من نفورهم لأنه لم يفطن إلى ذلك العيب المستتر في نفسه، من أجل هذا يقدم لك الدكتور على الحمادي - الخبير الإداري، والأستاذ على غانم الطويل - الباحث في البرامج السلوكية - قائمة لأكثر الشخصيات إثارة للاستياء، تأملها، واعمل على أن تكون أبعد ما تكون عنها، لتنعم بصحبة الإخوان والأصدقاء :
1 - المُقاطع: إنه الشخص الذي يقطع الحديث رغم وضوحه، ويكرر الجرم مرات ومرات بشكل يبعث على الغيظ، ويحملك على أن تسكته، ويظل على عادته المستهجنة حتى يمل الناس من الجلوس إليه.
2 - الأخرق: شخص يفتقد الحكمة بأشكالها، ويفتقر إلى اللباقة، ينتقد كل شيء، ويقع في أخطاء لا تحصى في الكلام والمعاملات.
3 - الممل: وهو الشخص الذي يتكلم ببطء، وفوق ذلك يحاول عرض كل التفاصيل في الموضوع الذي يتحدث عنه، تعرف متى يبدأ الكلام، ولا تعرف متى سينتهي، يذكر كل شيء حتى الذي لا يستحق إلا التلميح.
4 - المعارض: شخص لا يستطيع تحمل أي تأكيد من أي إنسان دون أن يضيف إليه تبديلاً، أو بُعدًا جديدًا، أو يرفضه تمامًا من الأساس، ولذا فهو دائم القطيعة مع الآخرين.
5 - الفضولي: يطرح الأسئلة غير المناسبة، وغير المتحفظة، ويتوقع جوابًا فوريًا، ويتدخل في ما لا يعنيه، وفى كل الأوقات غير المناسبة للآخرين.
6 - المتملق: الشخص الذي يمدح بدون حياء، وبطريقة فظة وخشنة، ولا يرتاح إذا مُدِح الآخرون أمامه، بل يبدى انزعاجًا واضحًا ويدير دفة الحديث لصالحه كي يبدأ بامتداح نفسه.
7 - المبتذل: وهو الذي يستخدم عفويًا لغة فظة سوقية، وغالبًا ما تجد هذا الابتذال اللفظي واجهة لمشاعر فظة كذلك.
8 - المُحرج: شخص لا يترك للآخرين فرصة لرد اعتبارهم فيحصرهم في زاوية ضيقة حرجة، مما يتسبب في إذلالهم وإحراجهم بين الناس، فلا يستطيع أحدهم الرجوع عن موقفه، الذي اتخذه؛ لأن ذلك سيكون على حساب كرامته ومنزلته بين الناس، لذا اترك فرصة للآخرين لإنقاذ ماء وجوههم ليشعروا بالراحة، ويقدموا التنازلات برضى واطمئنان.
9 - ضيّق الصدر: هو الذي لا يترك للمهموم فرصة التنفيس عما في نفسه، ولا يستوعب بثّ الهموم والأحزان، فيفقد علاقته الوثيقة بمن حوله. ويجب أن يترك الإنسان المجال للآخرين لينفسوا عما في صدورهم، وينصت لهم، ويشعرهم بالتعاطف، كل ذلك مع الحذر من الإثارة، والاستدراج؛ لأن المهموم ليس في حالة نفسية متزنة، مما يجعل عاطفته تغلب عقله وصوابه.(38/81)
10 - الدّلاّل: يحلو لبعض الناس الكلام كثيرًا عن إنجازاتهم وأعمالهم، فكلما جلس أحدهم مجلسًا، قال: فعلت كذا وكذا، ويأخذ في سرد بطولاته القديمة، مما يضعه في موضع السخرية والاستخفاف، إن الأعمال الجليلة لا تحتاج إلى الإعلان، بل هي التي تدل على نفسها بما تتركه من بصمات في حياة صاحبها والناس من حوله.
11 - اللص المقنع: إنه ذلك الذي ينسب الفضل لنفسه وجهده، وعمله، ويمحق الآخرين حقهم فيما فعلوه من إنجازات وأدوه من واجبات.
فإذا أردت أن تحيا وحدك في صومعة نفور الآخرين، والجهل بعيوبك، فكن واحدًا من النماذج السابقة
ـــــــــــــــــــ
البيت المسلم و التكنولوجيا الحديثة
فاطمة ورقيه شقيقتان، وفاطمة هى الأخت الكبرى، وتكبر أختها بسبع سنوات، ولقد حباها الله عقلاً راجحًا، ولسانا بينا صادقا، ولهذا تناقشها أختها الصغرى رقية فى كثير من أمور الحياة، وتطلب رأيها فيما يعن لها من مسائل ومشكلات، وفيما تراه من مظاهر متباينة فى الحياة المعاصرة.
ذات مساء اتفقت الأختان على شراء مكواة كهربائية بدلاً من المكواة التى كانت لديها بسبب تلفها، وبسبب انشغال فاطمة فى بعض أمور المنزل، ذهبت رقية لشراء المكواة من أحد الأماكن الكبرى المتخصصة فى بيع الأدوات المنزلية والكهربائية.
قالت رقية لفاطمة حين عودتها: لقد وفقنى الله تعالى فى شراء مكواة جيدة بثمن معقول، إلا أنني صادفت موقفًا غريبًا بعض الشئ فى محل الأدوات الكهربائية.
قالت فاطمة: وما هذا الموقف؟
قالت رقية: فى أثناء شرائى للمكواة، وتفقدى لعدد كبير من أنواعها، وأسعارها، تناهى إلى سمعى - بدون قصد - حديث بين زوج وزوجته كانا يقفان بجوارى، وكان يقومان بشراء بعض الأجهزة الكهربائية أيضًا، حيث قالت الزوجة لزوجها: أرغب فى شراء مفرمة كهربائية تيسر لى أعمال الطهى، فرد زوجها معترضًا: لماذا تريدين شراءها، ولدينا المفرمة اليدوية التى تصلح لجميع الأغراض، وهذه المفرمة اليدوية كانت تستخدمها والدتى ووالدتك، كما أن اللحم المفروم بداخلها له مذاق خاص محبب ، وأعتقد أن المفرمة الكهربائية لا تعطى اللحم المفروم هذا المذاق.
بالإضافة إلى أنك ربة منزل، ولديك الوقت الطويل والكافى فى المنزل الذى يمكنك من استخدام المفرمة اليدوية، ولن تحتاجى للكهربائية التى يمكن أن تستخدمها السيدة العاملة لضيق الوقت لديها، ولهذا أرفض تماما شراء هذه المفرمة الكهربائية، وهنا ظهر الأسى والضيق على وجه الزوجة التى لم ترد، وسارت معه مستسلمة.
قالت فاطمة: لقد منح الله سبحانه وتعالى الإنسان العقل، وكرمه بين جميع الخلق، وألهمه استخدامه فيما يفيده، وييسر عليه معايشه، وبتقدم البشرية اخترع الإنسان العديد من المخترعات التى تيسر له الحياة على الأرض، وتوفر له الوقت والمجهود، فإذا كانت الجدات والأمهات قد استخدمن المفرمة اليدوية، واعتبرنها(38/82)
يومئذ اختراعا عجيبا، حيث كانت تقوم بفرم اللحوم والبقول باستخدام "الهون" أو المطحنة ، والذى كان شائع الاستخدام على عهده، ولهذا فإن استخدام المفرمة اليدوية يومئذ كان يعد تقدما، وأعتقد أنه إذا تم اختراع المفرمة الكهربائية فى عهدهن لتسابقن فى اقتنائها، فلماذا التمسك بالاختراع القديم الذى لا يوفر الجهد والوقت؟
هل هو حب تضييع الوقت فيما لايفيد، أم إن للزوج أسباباً منطقية مثل عدم توافر المال اللازم لشرائها، والذى كان عليه بدوره أن يقنع زوجته بتأجيل شرائها حين ميسرة ، بأسلوب جميل .
ثم إن استخدام المخترعات الحديثة الآمنة فى المنزل، خاصة إذا توفرت المقدرة المادية لشرائها يعد أمرا هاما فى توفير الوقت والجهد سواء للمرأة العاملة أم لربة المنزل، والتى لن تمكث فى مطبخها طيلة النهار تعد الغذاء باستخدام "مفرمة يدوية" مثلا، فى حين أنها لو امتلكت مفرمة كهربائية ستوفر على نفسها المجهود والوقت الذى يمكنها من التفرغ لأمور ذات أهمية أكبر مثل العناية بأطفالها، وتعليمهم، أو توفير الوقت لتحفيظهم القرآن الكريم، أو توفير الوقت لها للاطلاع والتثقيف، وتعلم أمور دينها، أو حضور دروس دينية وغيرها من الأمور النافعة.
قالت رقية: نعم إن على المسلم المعاصر ذكرا كان أم أنثى مهاما جسيمة ينبغى أن يضطلع بها، وأن يدخر وقته للقيام بهذه المهام، فإذا كان يمكنه أن يوفر وقته ومجهوده الذى يبذله فى الأمور الحياتية اليومية، فلماذا لا يفعل ذلك مستخدما الوسائل الحديثة التى تعينه وتساعده على تحقيق أغراضه، وتوفر وقته وجهده للمفيد والأهم؟
ـــــــــــــــــــ
تسامحها ليس ضعفًا وإصرارها ليس قوة
كثير من بيوتنا مغلقة على نار تحت الرماد، على خلافات مجمدة، وانفصال معنوى بين الأزواج، واستمرار آلى للحياة من دون مشاعر أو سكن ومودة.
فالمرأة تتنازل لتسير المركب، والرجل يطرح الخلافات وراء ظهره، وينصرف لطموحه المهنى والمادى.
فبيوتنا تضم الصابرات المضطرات، ونحن نريدها بيوتًا لنساء اخترن الصبر برضا وإرادة، فهذا يضمن لهن ألا يشعرن بقهر يتضخم ليتحول إلى قنبلة تنفجر لتهدم البيت فى لحظة، كما يضمن لهن أيضًا - إن شاء الله - أجر الصبر الموفور، صبر العبادة والنية، لا صبر الاضطرار وقلة الحيلة.
المصلحة أولاً
ترفض سمية مصطفى - مدرسة - مصطلحى التسامح والتنازل معًا، وترى أن الأمر محكوم بمصلحة الأسرة لا حقى وحقك، بل حق الأسرة حتى وإن لم يكن هناك أولاد.
كرامة لا غرور
إحسان محمد - موظفة: ترى أن حفظ الكرامة أمر ضرورى بين الزوجين لكن بطريقة ذكية ومؤدبة، فلو كان ردها على تصرفه من جنس ما فعل سيعتاد إهانتها(38/83)
وهضم حقوقها دون مبالاة، فغرور بعض النساء هو السبب فى هضم حقوقهن؛ إذ يصر الزوج على كسر أنفها، فحتى عندما تنجح فى تمردها تكون هى الخاسرة.
هناء رفاعى - موظفة: بدأت كلامها بأن الرجل بحر، والمرأة جسر - أى شاطئ - أو حاجز، فمهما كان تعليمها وعملها واستقلالها تحتاج لأن تشعر زوجها بحاجتها الشديدة إليه، وخاصة العاملة إن لم تفعل ذلك ستصيب زوجها بالسلبية، وتجعل زوجها لا يشعر بوجودها أو عدم وجودها.
لا تنازل ولا تسامح
سعاد محمد - مشرفة حضانة: بادرتنى قائلة: لا تسامح ولا تنازل، بل شيء ثالث هو التفاهم، فالتنازل ما هو إلا تأجيل للمشاكل، وسيأتى يوم وتنفجر كالبركان، والمتسامح سيأتى يوم لن يتحمل فيه كثرة الضغوط.
اختيار وإدارة
صفاء حسين - مدرسة: وأعتقد أن تنازل أى من الزوجين ليس فى مصلحة الأسرة، والمرأة العاملة تحتاج إلى فكر منظم فى تعاملها مع زوجها أكثر من غيرها حتى تدير حياتها، فهى فى الحقيقة وإن ظهر خلاف ذلك هى التى تدير الأسرة.
هدى الوكيل - مديرة حضانة:
إحساس المرأة بأنها مضطهدة ومظلومة، وعليها أعباء كثيرة، وأنها دائمًا مضحية، يعقد الأمور بينها وبين زوجها، ولو تصبرت وتحملت بحب، وتركت الأمور بطبيعتها ستكتسب حب وحنان زوجها، وستجده حتى يقوم بمساعدتها من نفسه، وستجد أن لها المكانة الأولى، والرأى الأصوب فى حياة كل أسرتها.
فجوة واسعة
تقول د. وفاء مسعود - أستاذة علم النفس بجامعة حلوان - أعتقد أن العلاقة بين الزوجين يجب أن يحكمها إيجابية وتفاعل وذكاء، ولكن أعتقد أن درجة وعى المرأة وتعليمها وعملها تقف عائقًا فى وجه هذه الإيجابية، وتجعلها غير متوازنة، وهذا أمر مستغرب إلى حد كبير، والسبب فى ذلك أن الحقوق والوعى بالحقوق مازال على الورق، واندفاع الحركة النسائية فى المطالبة بالقوانين كان أسرع من حركة المجتمع فى فهمه ووعيه بهذه الحقوق ليس على مستوى الرجال، بل على مستوى النساء أيضًا، فحتى لو وصلت المرأة إلى منصب عميدة كلية، فإنها تقيس نجاحها أو فشلها فى الحياة بنجاحها فى الزواج، و85% من طالبات الجامعة يفضلن عدم العمل بعد التخرج، ولو تكلمنا على مستوى الرجال، فمازال الرجل المتعلم ، وفى سلك الجامعة يفضل زوجة على قدر ضئيل من التعليم ، ونسبة الطلاق مازالت مرتفعة بين أستاذات الجامعة، مما يدعو الكثيرات إلى التنازل، وتفضل لقب متنازلة عن لقب مطلقة، أو عانس، وهذا يسبب مشاكل نفسية للزوجة نتائجها مدمرة على الأسرة.
أسباب وحلول
أما الدكتور محمد عبد ربه - أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة الزقازيق - فيتحيز لإخضاع الطموح الشخصى بهدف الحفاظ على مصلحة الأسرة، وهذا أمر لا(38/84)
يقتصر على طرف دون آخر، ويعتمد بالدرجة الأولى على مستوى القيم ونوعيتها عند كل من الطرفين وعند المرأة بالدرجة الأولى هل لها قابلية للتسامح أم للصدام؟
وينتقد د. محمد افتقادنا للدراسات الاجتماعية الميدانية حول الأثر الواقعى الذى تركته دعاوى تحرير المرأة، وفكرة مساواتها بالرجل، وطريقة طرح التليفزيون لهذه القضايا، معتقدًا أن هذا الطرح يزيد من حدة المشاكل، وثورة المرأة على زوجها طريقة استفزازية لا تفيد المرأة بقدر ما تكسب الطرف الآخر حساسية للرفض، كرفض صدور قانون الأحوال الشخصية ، فبسببه أحجم الكثير من الشباب عن الزواج بسبب الخوف من أن تأخذ الزوجة كل شيء منه إذا ما حدث طلاق، وأصبحت المرأة عند المناقشات المزاجية بينها وبين زوجها تقول له: الشقة من حق الزوجة.
الأمر لم يعد قاصرًا على علاقة المرأة بزوجها، بل تعداها إلى علاقتها بإخوتها الذكور، فنجد الآن تمرد الفتيات على القيام بخدمة أشقائهن، وفى فرنسا هناك وزارة لشئون المرأة تعنى بشئون المرأة كاملة، وليس فقط إطلاق صيحات المساواة والحرية، بل تعلمهن كيف يطالبن بحقوقهن، ويقمن بواجباتهن، وفى اليابان يعلمون الفتاة فى الجامعة كيف تحترم زوجها، وكيف تعتنى ببيتها حتى تنسيق الزهور يتعلمنه فى الجامعة.
ويرى د. محمد أن الموضوعية مطلوبة، فالمرأة ليست دائمًا مغلوبة على أمرها، بل إنها أحيانًا تقوم بدور كبير فى تعقيد حياتها، وتصعيد مشكلاتها.
ثم إننا عند الكلام عن الحقوق والضمانات، ننسى الحقوق والضمانات الإنسانية والأخلاقية والأدبية، ليس هناك مانع من إثبات حقوقها المادية لكن مع افتقاد الحقوق المعنوية والأدبية لا قيمة لأى ضمانات، وللأسف الشديد هذا الأمر غير واضح فى أذهان الكثيرين حتى الآباء والأمهات، ففى دراسة ميدانية لقضية قائمة الأثاث ظهر التمسك الشديد بها فى مقابل أشياء أكثر أهمية، منها مثل أخلاق الزوج، وقبول الفتاة ذاتها له، وكثير من الزيجات تفشل فى الشهور الأولى، ومع التوعية ليل نهار بحقوق المرأة، فالقوانين التى صدرت لضمان حقوقها ما زلنا نسمع عن الزوجة التى سافرت للعمل، وأخذت ترسل إلى زوجها كل مدخراتها، لتجده قد تزوج بأخرى بأموالها؛ لذلك فنحن نفتقد استراتيجية تربوية طويلة المدى للتربية والوعى للشباب والفتيات، تعتمد بالدرجة الأولى على الدين والدراسات والنظريات، فدعوات حقوق المرأة فى العالم الإسلامى تنطلق من أن كثيرًا من الشباب أصبح لا يعتمد عليهم فى حماية أسرهم وزوجاتهم، مما يفقد النساء الشعور بالأمان.
ـــــــــــــــــــ
الحجاب سبب في إسلام ثمانية أمريكيين
كان السبب الأول لإسلامه حجاب طالبة أميركية مسلمة, معتزة بدينها, و معتزة بحجابها, بل لقد اسلم معه ثلاثة دكاترة من أستذة الجامعة و أربعة من الطلبة. لقد كان السبب المباشر لإسلام هؤلاء السبعة, الذين صاروا دعاة إلى الإسلام. هو هذا الحجاب. لن أطيل عليكم في التقديم. وفي التشويق لهذه القصة الرائعة التي سأنقلها(38/85)
لكم على لسان الدكتور الأميركي الذي تسمى باسم النبي محمد صلى الله عليه و سلم و صار اسمه (محمد أكويا).
يحكي الدكتور محمد أكويا قصته فيقول:
قبل أربع سنوات, ثارت عندنا بالجامعة زوبعة كبيرة, حيث التحقت للدراسة طالبة أميركية مسلمة, و كانت محجبة, و قد كان من بين مدرسيها رجل متعصب يبغض الإسلام و يتصدى لكل من لا يهاجمه. فكيف بمن يعتنقه و يظهر شعائره للعيان؟ كان يحاول استثارتها كلما وجد فرصة سانحة للنيل من الإسلام.
وشن حربا شعواء عليها, و لما قابلت هي الموضوع بهدوء ازداد غيظه منها,فبدأ يحاربها عبر طريق آخر,حيث الترصد لها بالدرجات, و إلقاء المهام الصعبة في الأبحاث, و التشديد عليها بالنتائج, و لما عجزت المسكينة أن تجد لها مخرجا تقدمت بشكوى لمدير الجامعة مطالبة فيها النظر إلى موضوعها. و كان قرار الإدارة أن يتم عقد بين الطرفين المذكورين الدكتور و الطالبة لسماع وجهتي نظرهما والبت في الشكوى.
و لما جاء الموعد المحدد. حضر أغلب أعضاء هيئة التدريس, و كنا متحمسين جدا لحضور هذه الجولة التي تعتبر الأولى من نوعها عندنا بالجامعة. بدأت الجلسة التي ذكرت فيها الطالبة أن المدرس يبغض ديانتها. و لأجل هذا يهضم حقوقها العلمية, و ذكرت أمثلة عديدة لهذا, و طلبت الاستماع لرأي بعض الطلبة الذين يدرسون معها, وكان من بينهم من تعاطف معها و شهد لها, و لم يمنعهم اختلاف الديانة أن يدلوا بشهادة طيبة بحقها. حاول الدكتور على أثر هذا أن يدافع عن نفسه, و استمر بالحديث فخاض بسب دينها. فقامت تدافع عن الإسلام. أدلت بمعلومات كثيرة عنه, و كان لحديثها قدرة على جذبنا, حتى أننا كنا نقاطعها فنسألها عما يعترضنا من استفسارات. فتجيب فلما رآنا الدكتور المعني مشغولين بالاستماع والنقاش خرج من القاعة.فقد تضايق من اهتمامنا و تفاعلنا. فذهب هو ومن لا يرون أهمية للموضوع. بقينا نحن مجموعة من المهتمين نتجاذب أطراف الحديث, في نهايته قامت الطالبة بتوزيع ورقتين علينا كتب فيها تحت عنوان " ماذا يعني لي الإسلام؟ " الدوافع التي دعتها لاعتناق هذا الدين العظيم, ثم بينت ما للحجاب من أهمية و أثر. وشرحت مشاعرها الفياضة صوب هذا الجلباب و غطاء الرأس الذي ترتديه. الذي تسبب يكل هذه الزوبعة.
لقد كان موقفها عظيما ، و لأن الجلسة لم تنته بقرار لأي طرف, فقد قالت أنها تدافع عن حقها, و تناضل من أجله, ووعدت أن لم تظفر بنتيجة لصالحها أن تبذل المزيد حتى لو اضطرت لمتابعة القضية و تأخير الدراسة نوعا ما, لقد كان موقفا قويا, و لم نكن أعضاء هيئة التدريس نتوقع أن تكون الطالبة بهذا المستوى من الثبات و من أجل المحافظة على مبدئها. و كم أذهلنا صمودها أمام هذا العدد من المدرسين و الطلبة, و بقيت هذه القضية يدور حولها النقاش داخل أروقة الجامعة.
أما أنا فقد بدأ الصراع يدور في نفسي من أحل تغيير الديانة ,فما عرفته عن الإسلام حببني فيه كثيرا, و رغبني في اعتناقه, و بعد عدة أشهر أعلنت إسلامي, و تبعني دكتور ثان و ثالث في نفس العام, كما أن هناك أربعة طلاب أسلموا. و هكذا في(38/86)
غضون فترة بسيطة أصبحنا مجموعة لنا جهود دعوية في التعريف بالإسلام والدعوة إليه, و هناك الآن عدد من الأشخاص في طور التفكير الجاد, و عما قريب إن شاء الله ينشر خبر إسلامهم داخل أروقة الجامعة. و الحمد لله وحده.
ـــــــــــــــــــ
انحراف الشباب .. من المسؤول ؟؟
عندما يصل الانحراف إلى مداه ويؤتى ثماره الخبيثة يبدأ المجتمع في استشعار الخطر القادم فترتفع الأصوات مطالبة بوقفة حازمة وشجاعة ويطالب الجميع بضرورة الضرب بيد من حديد واستعمال أقصى وأقسى العقوبات ضد المنحرفين حتى تختفى هذه الجرائم الاجتماعية الخطيرة.
وإذا كنا نحن في مقدمة المطالبين بهذه الوقفة الحازمة ضد مرتكبي جرائم الاغتصاب والانحراف بشتى صوره.. إلا أننا نتساءل: هل يعتبر هذا هو الحل الوحيد أم أن هناك إطارًا اجتماعيًّا ومناخًا عامًّا يجب أن يكون سائدًا منذ البداية؟
وما هي ملامح هذا المناخ؟ وما هي الأسباب الحقيقية والعوامل التي تحول دون وجوده؟
نتاج مجتمع فاضل
يقول الدكتور أحمد عبد الرحمن أستاذ علم الأخلاق بالجامعات المصرية والعربية السابق: بصفة عامة الفرد الفاضل نتاج مجتمع فاضل، فنحن أبناء مجتمعنا نتلقى من الأسرة والمدرسة والبيئة والقدوات الموجودة حولنا ومن المسجد.. كل هذه المصادر تربينا وتشكل سلوكياتنا، فإذا أرادنا مجتمعًا فاضلاً أفراده فاضلون، لابد أن ندقق فيما تقدم هذه الجهات المؤثرة ونحاسب أنفسنا حسابًا عسيرًا.. ونحن لا نفعل هذا، فالأسرة لا ترعى أولادها.. حيث ينشغل الوالدان بالعمل ويتركان أولادهما للتليفزيون وزملاء الشارع أو النادي .. والمدرسة.. المدرس نفسه قدوة سيئة وبعضهم يتحدث عن غرامياته في الفصل، فهناك تسيب إداري وأخلاقي.. كل إمكاناتنا التربوية والتثقيفية تبنى مجتمعًا غير إسلامي.. فالإعلام دومًا يتحدث عن الفن الذي تحرر من وصاية الدين والأخلاق.. والمذيعة لا تظهر محجبة.. تلك هي القدوات التي نقدمها للشباب بقصد وعمد وتخطيط.. ثم نبكي على هذه الظواهر.
إعلام يدعو إلى الرذيلة
أما الدكتورة إجلال خليفة أستاذ الصحافة في كلية الإعلام بجامعة القاهرة فتقول: الإعلام يدعو إلى الرذيلة ويحث على الفحشاء.. فترى في كل الأغاني والأفلام.. سمة المرأة الرئيسية.. راقصة في معظم المستويات وكل شرائح المجتمع حتى الخادم والخادمة.. الإعلانات كلها رقص.. كل شيء يرقص حتى برامج الأطفال.. والتليفزيون بالذات يقتحم على الناس بيوتهم وأصبح قدوة وأبًا ثالثًا، بل إنه أصبح في كثير من البيوت المربي الوحيد للأولاد، فلنتق الله في أطفالنا وشبابنا.. لماذا لا يعبر الفن عن الأنشطة الإنسانية ككل؟! لماذا نركز على الغريزة الجنسية فقط، نغفل الفطرة الطيبة؟ لماذا لا نرى الدين إلا في المناسبات رغم أن الدين هو الحياة ويجب أن يشمل كل سلوكياتنا ويهذب كل جوانب حياتنا؟!!
كلمة طيبة وأخرى خبيثة(38/87)
لقد جعل الله تعالى صناعة الكلمة قسمين: "كلمة طيبة وكلمة خبيثة".. والإعلام للأسف يقدم 0.5% كلمة طيبة، والباقي كلمات خبيثة، وأنا لست ضد أو مع أحد.. لكن إذا حللناها سنجد معظم ما يقدم ينافي الحياء ويخل بالآداب العامة.. لقد أدرك أعداء الإسلام أن الكلمة أخطر من الصاروخ؛ لأنها تشكل الإنسان وتستعمره وتحوله من منتج إلى شرير معتد، ومن أجل ذلك تنفق الملايين على الإذاعات الموجهة لإفساد الشباب.. فالإعلام هو الاستعمار الحديث.. كل الدول الحديثة عندها إذاعات موجهة للاستحواذ على مشاعر الشعوب وعقليتها.. فيرسلون جيوشًا من الكلمات عبر الأثير سواء مقروءة أو مسموعة أو مرئية.. إذا لم نوجهها هنا ونحمي الناس بكلمة طيبة فسوف تحقق أهدافها.
أما الدكتور كمال الدين حسين، بكلية رياض الأطفال جامعة القاهرة، فيرى أن: الظواهر الاجتماعية إفراز لبنية اجتماعية تعاني من الانفصام؛ فالأب اليوم لم يعد النموذج القدوة في البيت من خلال عجزه الاقتصادي عن تلبية احتياجات الأسرة.. الأبناء فقدوا الأمان والدفء الأسري لانشغال الأبوين في ملاحقة تلبية الاحتياجات الدنيوية.. ناهيك عما يتلقاه الأطفال من الأجهزة الإعلامية وما يشاهدونه من مثيرات عن طريق الإعلانات أو الأعمال الدرامية دون المستوى والتي تبعد عن مناقشة المشاكل الحقيقية للواقع أو من خلال الصحافة التي تحاول أن تجمل كل الأشياء بدون مراعاة للصدق ومن غير منطق ولا موضوعية، الأمر الذي يفقدها كل مصداقية مما يؤدي بالضرورة إلى خلق أجيال تفقد القدرة على التمييز بين الحق والباطل.. واختلال المعايير أو اختلال في السلوك والممارسة.
(ما هو الحل؟)
وعن المنهاج السليم لتنشئة الطفل تتحدث الدكتورة إنشراح الشال فتقول: لقد حدد الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا كيفية التنشئة السوية للطفل.. فقد بدأ التعهد بتربيته من مرحلة مبكرة تسبق وجوده على الأرض سعيًّا لإيجاد الأسرة التي تحميه من الانحراف فأوصى باختيار الزوجة الصالحة " فاظفر بذات الدين تربت يداك "، كما أكد على قبول الخاطب الصالح: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه..". كما أرشدنا إلى ضرورة الانضباط الخلقي بكل معانيه حتى يكون الأبوان قدوة في مجال العفة والالتزام الديني والخلقي. فأكد على ضرورة استئذان الطفل على أبويه قبل البلوغ في أوقات ثلاثة وهي فترة النوم من بعد صلاة العشاء وقبل طلوع الفجر ووقت القيلولة ظهرًا، حيث يغلب أن يكون الأبوان قد نزعا ثيابهما. أو تكون الأم في وضع لا يجوز أن يراها فيه الطفل، فإذا بلغ الطفل الحلم وجب أن يستأذن في كل الأوقات.
كما علمنا القرآن الكريم كذلك الاحتشام في اللبس وعدم إظهار المفاتن لعدم إثارة الفتنة، والتحشم في الألفاظ والحديث، وأوصانا النبي r بالتفرقة بين الأولاد في المضاجع، فقال: "و فرقوا بين أولادكم في المضاجع".
بهذا ينشأ الطفل على الحياء وتأخذ الغريزة الجنسية مسارها الطبيعي في التكون والظهور، ويكون الطفل أقل تجاوبًا مع صور الانحراف التي لا يخلو منها أي مجتمع.. ولكني أنادي بضرورة تكاتف المؤسسات التربوية المشتركة في تنشئة(38/88)
الطفل حتى لا أبني من ناحية وغيري يهدم من ناحية أخرى على الأقل تلك التي تقتحم علينا بيوتنا كالتليفزيون. فمتى نتقي الله في أطفالنا وشبابنا وهم مستقبل هذه الأمة؟!
ـــــــــــــــــــ
أيهما أثمن: الرجل أم الذهب ؟
صورة رائعة ما أحوجنا إلى أن تسود اليوم بيوتنا بعد أن صار شراء الشَبْكة (الذهب ) جبلاً فوق كتف الشباب، حيث وصل سعر جرام الذهب في مصر مثلاً إلى سبعين جنيهًا، وأصبح ثمن الشَبْكة "المتواضعة" كافيًا لشراء كثير من مستلزمات عش الزوجية.
وفى ظل هذا الارتفاع الجنونى فى سعر الذهب لابد من وقفة نراجع فيها "الشَبْكة" وندعو إلى عدم المغالاة فيها، إن لم يكن إلى إعادة النظر فى المبدأ نفسه، بحيث يكون على الخاطب أن يقدم هدية لعروسه إثباتًا لصدق الرغبة فى الزواج، وتأليفًا للقلوب، ولكن على ألا يشترط أن تكون الهدية ذهبية، إذ يكفى أن يكون هناك هدية، بكم ؟ ، ومن أية خامة ؟ لا يهم، فأثمن شَبْكة لا تصنع الوفاق والسعادة.
وخاتم الحديد الذى نصح الرسول (صلى الله عليه وسلم) الصحابى الفقير بالتماسه عند الزواج كان لبنة بيت حظى بشرف الانتساب إلى عصر النبوة.
وجهتا نظر مختلفتان
تقول نجاة محمد: إذا جاء شاب لخطبة ابنتى، فعليّ أولاً أن أتأكد أنه ملتزم ومتدين، وسيراعى الله فى ابنتى، وهذا أهم شيء، أما عن الشَبْكة فإننى سأتركها وفق إمكانات العريس، وذوق العروسين، وأنصحهما بادخار جزء من المبلغ المخصص لتأثيث منزل الزوجية الذى يقول دائمًا "هل من مزيد؟".
أما السيدة زينب عبد العزيز - ربة منزل - فتقول: لقد تعودنا أن الشَبْكة من قيمة العريس، وتقدير لمكانة العروس، ومكانة عائلتها.
فإذا لم يتقدم لابنتى من يثاقلها بالذهب، فلا ضرورة منه، إن علينا أن ننتقى لها من نتشرف به، ونتشرف به أمام عائلتها، وتكون شَبْكته مضرب المثل فى قيمتها وذوقها.
يوم واحد أم طول العمر؟
وإذا كان الرأيان السابقان يعكسان طرفى القضية، الرحمة بالخاطب، والاستسلام المطلق للعرف، والتقاليد، فإن للفتيات مواقف أخرى مبشرة لو استطعن فرضها، ولم يرضخن لرأى الأهل لقضينا على شق كبير من مشكلة العنوسة بتخفيف عبء الشبكة الثقيل عن كاهل الشباب، وهذه بعض آرائهن.
أسماء شعبان - طالبة جامعية: الشبكة فى تقديرى هدية من العريس، والهدية لا تقدر بقيمتها المادية، وإنما بقيمتها المعنوية، فما المانع أن تكون الشبكة بسيطة على أن أدخر ثمنها لشراء شيء مفيد لمنزلنا مثل: غسالة "فول أتوماتيك"، أو غيرها من الأشياء العملية، والأكثر فائدة من الذهب.
إيمان إبراهيم - مدرسة: الشبكة هى أول خطوة من خطوات الزواج، فينبغى أن تأخذنا الرحمة والرأفة بالعريس؛ لأن مشوار الزواج لا يزال طويلاً، فما المانع من(38/89)
قبول شبكة بسيطة حتى نكمل تأثيث المنزل، وعندما يرزقنا الله بعد الزواج، فلن يبخل عليّ زوجى بشراء أى شيء أحتاجه؛ لأننى وقفت بجانبه فى البداية، وسيذكر لى هذا الموقف ويحملنى فى عينيه.
منى صابر - طالبة جامعية: هذه الشكليات - كما تسمينها - من الأشياء الضرورية فى مجتمعنا، فالناس يقولون بنت فلان جاءت لها شبكة كذا، بمبلغ كذا، تبدأ المقارنات فتصر الفتيات المقربات من هذه الفتاة على طلب شبكة ومهر بذات المبلغ، وإلا يكون هذا تقليلاً من شأنهن.
أما عن نفسى فسأطلب شبكة معقولة، ولكنها تشرفنى أمام أقربائى وصديقاتى فلست أقل منهن.
سمية عبد الحكيم تقول: اكتفيت بدبلة وخاتم عند شراء الشبكة، وذلك لارتفاع أسعار الذهب، واقترحت على خطيبى توفير سعرها لشراء ما أحتاجه لتأثيث المنزل، فهو الأهم، ثم فلماذا أكلف الشاب - الذى هو زوج المستقبل - فوق طاقته؟ حتى إذا ما وفر لى ما أحتاج، وتزوجنا بالفعل نبدأ حياتنا بسداد الديون والأقساط التى تربكنا وتضيق علينا من أول أيام حياتنا، وتفسد علينا سعادتنا وعشرتنا، ففرحة الشبكة يوم واحد، وفرحة التفاهم، ومراعاة الظروف، والقناعة، والرضا طول العمر.
ويلتمس الحاج أحمد عرفة - صاحب إحدى محال بيع الذهب - العذر للشباب فى الإحجام عن الزواج بسبب أعباء الشبكة بعد الارتفاع المذهل فى أسعار الذهب، مما يشكل عقبة حقيقية أمام الشباب المقبلين على الزواج، والذين حددوا مبلغًا معينًا لها، لا يكفى بالأسعار الحالية لشراء شيء، خاصة أن اختيار الشبكة يختلف وفق عادات كل منطقة عن الأخرى، ففى الأرياف مثلاً تتحدد الشبكة بعدد جرامات تعينه كل عائلة لبناتها، أما فى المدن فيتم الاتفاق بين العريس وأهل العروس على مبلغ معين لشراء الشبكة، وتكون غالبًا وفق إمكانيات العريس.
خاتم ودبلة ومحبس
وينصح الحاج عرفة كل عروس بأن عليها أن تتفهم ظروف زوج المستقبل فى مقتبل حياته، وأن تسهم معه ببعض من التنازلات عن هذه الشكليات لإتمام تأثيث الشقة التى باتت الهم الأكبر لدى الشباب بعد هم الحصول على شقة الزوجية المناسبة، وحول أطرف موقف شراء شبكة تعرض له الحاج أحمد عرفة فيقول: كان موقفًا مؤسفًا وليس طريفًا، فقد حضر عندى عروسان، وأصرت العروس على اختيار شبكة معينة، فاقت المبلغ المتفق عليه مع عريسها بفارق كبير، وصممت العروس على ما اختارته، وأبت إلا أن تشترى ما اختارته، فخرج العريس بعد أن أنهى كل شيء، انهارت العروس، وأغمى عليها من البكاء.
البعد الاجتماعى للشبكة
يقول الدكتور صلاح الفوال - أستاذ علم الاجتماع: إن الشبكة هى نوع من التعبير عن المحبة والإعزاز من العريس لعروسه، وزوجة المستقبل، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لمن يرغب فى الزواج وليس عنده مهر كبير "التمس ولو خاتمًا من حديد" وهى دعوة بليغة لتيسير الزواج، وعدم المغالاة على الشباب حتى لا يعزفوا عن الزواج.(38/90)
أما إذا خضعنا لتلك الأعراف والتقاليد الخاصة بالشبكة، والتى هى من قبيل مظاهر البذخ والمفاخرة، التى تجتاح مجتمعنا هذه الأيام دون النظر لواقع حال هؤلاء الشباب، فإننا بهذا نهدم أول لبنة من لبنات تأسيس المجتمع وهى الأسرة ونساهم فى تفاقم ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج.
ويرى أن مثل هذه الظواهر وغيرها تحتم على المجتمع أن يسعى إلى إعادة تكوين القيم، وتشكيل العادات لإحلال الأعراف الصالحة الميسرة محل الفاسدة المعسرة.
وعلى ولى الأمر أن يراعى الله تعالى فيمن يتقدم إلى خطبة الفتاة، وأن يرجع إلى تعاليم الدين الحنيف، والأخذ بشرائعه، والأصل فيها هنا التخفيف على الشباب، والابتعاد بالمجتمع عن المهالك والمفاسد، فكما قال (صلى الله عليه وسلم): "إذا جاءكم من ترضون دينه، وخلقه، فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير".
ويكمن هنا الدور الفعال لوسائل الإعلام فى الكشف عن سلبيات المغالاة على الشباب فى أمور الزواج بدءًا من الشبكة وغيرها من الأمور، والقضاء على ما وصل إليه المجتمع من التأثر بموضة المظاهر والتفاخر بين العائلات، وكان ضحاياه الشباب ذكورًا وإناثًا.
ـــــــــــــــــــ
هل المرأة العربية ثقافتها مطبخية ؟
المرأة العربية متهمة بأنها غير قارئة، وبأنها تقطع علاقتها بالكتاب بمجرد إنهائها لدراستها ، وإن قرأت فإنها لا تختار سوى القراءات التي تقع تحت عنوان علم لا ينفع وجهل لا يضر مثل أخبار الفن والفنانين، والحوادث، وغير ذلك مما لا يضيف إليها شيئًا، فهي ضحلة الثقافة، مطبخية المعلومات وفقط!
هل هذا الاتهام صحيح؟ وإن كان فلماذا لا تقرأ المرأة العربية، ابنة البيئة القارئة المتأملة؟
سؤال يحاول الإجابة عنه هذا التحقيق.
لا عذر لها
تقول سمية رمضان - بكالوريوس اقتصاد وعلوم سياسية وربة بيت - مستوى ثقافة المرأة العربية فى خطر، فهى قليلا ما تقرأ، وإذا ما قرأت فغالبًا ما تتركز قراءتها فى نوعيات معينة من القراءة مثل صفحة المشكلات بالصحف، وأخبار الجريمة والحوادث، وكذلك أخبار الفن والفنانين، وعلى الجانب الآخر نجد قلة قليلة من النساء تتابع الأحداث السياسية والفكرية والاقتصادية وغيرها، إلا أن يمكن أنه نقول إن الحال التى نحن عليها الآن أفضل مما كانت عليه المرأة العربية من قبل، حيث إنه مع زيادة نسبة التعليم فى قطاع المرأة بدأت تهتم بالقراءات الإسلامية، إلا أننى أستحث المرأة العربية أن تقرأ وتتفاعل وتشارك فى الحياة بوعى، وأنصحها إذا كانت ستبدأ مشوارها الثقافى أن تبدأ أولا بما ستحاسب عليه، وهو القرآن العظيم وتفسيره وأحكام تلاوته، ثانيًا: أن توسع دائرة اهتماماتها فتنقل نفسها من دائرة الاهتمام بالمشكلات الاجتماعية إلى دائرة أوسع، وهى دائرة الأحداث التى تدور حولها فى العالم، خاصة ما يخص الصراع العربى - الصهيونى.(38/91)
وأيضًا أود أن ألفت الانتباه إلى أن مصادر الثقافة اليوم تعددت، فأصبح منها المقروء والمسموع والمرئى (سواء كان كتابًا أو شريط كاسيت أو كمبيوتر أو إنترنت)، وأيضًا هناك الكتاب المسموع، وبالتالى فإن فرص التثقيف أصبحت أيسر وأسهل بالنسبة للمرأة المعاصرة، ومن ثم لا أرى عذرًا للمرأة العربية أن تكون دون المستوى الثقافى اللائق.
موجات الأحداث
وتلتمس صفية سعد - مهندسة - العذر للمرأة العربية قائلة: المرأة فى السبعينيات والثمانينيات كانت أكثر قراءة من المرأة اليوم؛ لأن الأم اليوم مشغولة بمذاكرة الأبناء، وليس لديها وقت فراغ لتعكف بالساعات يوميًا على قراءة الكتب والصحف، إذ لم يعد دورها فى العملية التعليمية للأبناء مجرد الإشراف على مذاكرتهم، وإنما أصبحت شريكًا كاملاً فى المذاكرة لصعوبة المناهج، وتراجع مستوى المعلم، وعدم الاستقرار فى المناهج الدراسية ومواعيد بدء وانتهاء العام الدراسى، وحتى إذا ما حاولت القراءة فإنها لا تفعل ذلك بهدف تحصيل ثروة ثقافية، وإنما من أجل الأولاد، فمثلاً فى الفترة الأخيرة بدأت أقرأ عن الإنترنت، وأبحث عن المواقع المفيدة للأسرة استعدادًا للصيف، كذلك أقرأ كتبًا معينة لأجهزها لأبنائى فى الصيف، وغالبًا ما تكون فى السيرة أو قصص الصحابة (رضوان الله عليهم)، ورغم ذلك فإنه قد تحدث أحداث تدفع المرأة للقراءة حتى ولو لم تكن محبة للقراءة بطبيعتها ففى الآونة الأخيرة مع تصاعد الأحداث فى فلسطين، الكل يتابع مجريات الأحداث، وأقصد بالكل: الرجال والنساء والشباب والفتيات وحتى الأطفال، والأم تقرأ عن القضية لتجيب عن تساؤلات أبنائها، وغالبًا ما تتأثر الثقافة فى حياتنا جميعًا وليس المرأة فقط بموجات الأحداث التى نعايشها، فاليوم القضية الفلسطينية، وغدًا غيرها، كما أن المرأة تقرأ فى تخصصها، غالبًا فقد كنت طالبة بكلية الهندسة، وكانت قراءاتى كثيرة فى المجال الهندسى، وبعد التخرج والزواج قرأت فى العبادات والعقائد وتربية الأبناء، أعتقد أن المرأة العربية لديها استعداد كبير للتحصيل الثقافى، لكن ظروف الحياة أصبحت ضاغطة جدًا، وإيقاع الحياة أصبح قاتلاً، وانشغال المرأة ببيتها أصبح أكثر.
أعباء الحياة
وتعترف حنان فاروق - ربة بيت - بالتقصير فتقول: فى الحقيقة سواء قبل الزواج أو بعده ليست لديَّ شهية للقراءة، وليست عندى القدرة على العكوف على كتاب معين لقراءته، وبعد الزواج أصبح الأمر عسيرًا جدًا، إلا أننى مستمعة جيدة سواء لشرائط الكاسيت، أو إذاعة القرآن الكريم، وأواظب على حضور دروس توعية فى المساجد، وأعترف أن معلوماتى والتى تتركز فى الشئون الإسلامية سواء كان حديثًا أو فقهًا أو سيرة أو قصصًا أو أخبار المسلمين فى فلسطين والشيشان وغيرهم، حصلتها بالتلقى وليس بالقراءة، وأعتقد أن الكثيرات منا ليس لديهن وقت كبير للقراءة بسبب أعباء البيت والحياة والأولاد، وأرى أن الاستماع هو أنسب طريقة للمرأة فى تحصيل ثقافتها، حيث تستمع وهى تؤدى أعمالها داخل البيت، وبالتالى تحقق الحكمة: ما لا يُدرك كله .. لا يترك كله.(38/92)
ثقافة المطبخ
وتلقى عزة لبيب - طبيبة - بالمسئولية على كل من وسائل الإعلام والمرأة فى تراجع الأخيرة الثقافى، حيث تقول: رغم أن التليفزيون يمكن أن يكون قد لعب دورًا مهمًا فى تثقيف المرأة غير المتعلمة من خلال ما يقدمه من برامج صحية وزراعية، وبرامج المرأة عامة، فهو بالنسبة للمرأة المتعلمة يعتبر مساهما فى تراجع ثقافتها؛ لأن الجرعة الثقافية التى يقدمها فى برامجه لا تتلاءم مع الوقت المنفق فى مشاهدته، وبرامج المرأة وما تقدمه من ثقافة المطبخ والصحة والموضة والطفل تعتبر جزءًا من ثقافة المرأة، وليست كل المطلوب فى تنمية ثقافتها، لذلك أنصح المرأة بأن تعيد النظر فى الوقت الذى تقضيه أمام التليفزيون، وأن تحاول أن تعدد مصادر ثقافتها، فالقراءة اليوم أصبحت سهلة، حيث هناك الإنترنت، وهناك الكلمة المسموعة سواء كانت كاسيت أو إذاعة، ورغم كثرة البدائل، فإن هناك تقصيرًا متفاوتًا فى كل الشرائح التعليمية والاجتماعية، وحتى عند الرجال أنفسهم، وأنا شخصيًا أعترف بالتقصير الذى أرى أن مسئولية البيت والأولاد سبب رئيس فيه، إلا أننى لا أستطيع العيش بدون قراءة سواء كانت جرائد أو مجلات أو كتب، ولذلك أحاول جاهدة أن أقرأ أى شيء يوميًا ولو مجرد صفحة واحدة من كتاب أو مجلة، وهذا ما أنصح به كل امرأة حتى تترسخ عادة القراءة عندها.
ويطرح د. أحمد عبد الرحمن - أستاذ الأخلاق والفلسفة الإسلامية - رؤيته فى ثقافة المرأة العربية، مؤكدًا وجود تراجع فى الجو الثقافى العام فى مجتمعاتنا عند المرأة والرجل معًا، ويعبر عن عدم رضائه عن مستوى ثقافة المرأة وأيضًا الرجل، كذلك الأستاذ الجامعى الذى لا يقرأ إلا المحاضرة، ولا يخرج عن المذكرة أو الكتاب، والمرأة العربية عامة والمصرية خاصة لا تقرأ إلا القليل، وقراءتها ليست منهجية ولا مركزة ولا هادفة، إلا من رحم ربى، وغالب النساء مهتمات بالموضة والجمال والصحة والمطبخ، وفى الجانب الآخر يكرس التليفزيون عندهن هذا الميل، وكل معلومة عند المرأة اليوم غالبًا ما يكون مصدرها التليفزيون، وهو أداة تثقيف غير أمينة، فهو سبب ضياع كل معانى الثقافة عند الأسرة جميعًا، فبسبب التليفزيون فشلت فى أن أجعل أسرتى تقرأ، وبناتى رغم أنهن خريجات كلية الطب فإنهن لا يقرأن ولا حتى مقالاتى.
ـــــــــــــــــــ
الأرملة والمجتمع
مات الزوج، التف الجميع حولها معزيًا ومواسيًا، وما أن انتهت أيام العزاء حتى وجدت نفسها وحيدة أمام مأساتها ومسئولياتها الجديدة، وبالإضافة إلى هذه المعاناة تبدأ معاناة من نوع آخر، معاناتها من نظرة المجتمع لها لكونها بلا زوج، فيحسبون عليها حركاتها وسكناتها.
فما هو موقف المجتمع من الأرملة؟ وما تقييم الأساتذة المتخصصين لهذه النظرة؟
هذا ما سيجيب عنه التحقيق التالى:
مسئولة عن صورتها(38/93)
يقول د. حمدى ياسين - أستاذ علم النفس الاجتماعى بجامعة عين شمس - إن الرؤية تعتمد على طبيعة وثقافة وأخلاقيات هذا المجتمع، ومدى التزامه بدينه، والخبرات التى مر بها فى الأسرة من تعرض أمه، أو أخته للترمل، فيكون حكمهم على المرأة صحيحًا وثاقبًا.
وتسهم الأرملة نفسها فى بلورة هذه النظرة سلبًا أو إيجابًا، فإذا كانت هذه السيدة "الأرملة" وفية لزوجها، مكافحة مع أولادها، فإنها غالبًا ما تلقى المساندة والتأييد، والتعاطف من قبل الآخرين لدعم رسالتها، واستكمال رحلتها فى تربية أبنائها ورعايتهم والعكس صحيح.
ويضيف د. حمدى ياسين أن الوعى والثقافة الدينية للمحيطين بالأرملة يلعبان دورًا كبيرًا فى تشكيل الصورة الاجتماعية بحيث لا يأخذون الناس بالشبهات، ولا يتسرعون فى قذف المحصنات، والحكم عليهن بلا بينة.
ويرى أن الصورة الإيجابية للأرملة تساعدها على الانخراط والتفاعل مع الآخرين فى العمل، وبين الجيران، والأقارب، وبدلاً من أن تجلس وحيدة تجتر الماضى وذكرياته، وتكون مرتعًا لوسوسة الشيطان، تحاول أن تخلق لنفسها جماعات مرجعية بشرية سوية، تكون بمثابة إسعافات سريعة لتضميد جراحها، وضمان عودتها للبداية الصحيحة بعد ترتيب أوراقها.
أما د. نبيل السمالوطى - عميد كلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر سابقًا - فيعرف الأرملة بأنها سيدة قُدر لها أن تفقد زوجها وسندها وعائلها، ويستتبع التعريف أن تناول رعاية المجتمع المسلم الذى ينبغى أن يكفلها كفالة سوية هى وأبناءها، ويقرر أن المجتمع العربى مازال ينظر للأرملة نظرة تعاطف وتراحم باعتبارها ذات ظروف خاصة، وتحتاج لمن يساندها، ويدعم كفاحها.
ويرى د. السمالوطى أن هذه النظرة الإيجابية للأرملة قد تتغير نوعًا ما إذا أقبلت الأرملة على الزواج مرة أخرى فيعتبرها الآخرون جاحدة، وغير وفية لذكرى زوجها أو غير حريصة على أبنائها.
برغم أن هذا الزواج حق أساسى أجازه لها الشرع بعد انتهاء العدة، خاصة إذا كانت فى مقتبل العمر، ولديها أطفال بحاجة إلى رعاية الأب، فلها أن تتزوج لكى تعف نفسها، وتكمل حياتها فى ظل أسرة طبيعية، وعلى الزوج أن يكون رءوفًا رحيمًا بهم، وأن تكون لديه القدرة على التعامل معهم، بحيث يحل محل الأب فى حياتهم، أما الحالات التى تظهر فى صفحات الحوادث من أن زوج الأم يطرد أولادها، أو أن الأم "الأرملة" تتخلى عن رعاية أبنائها ما هى إلا حالات استثنائية شاذة لا يمكن القياس عليها فى تحديد موقف المجتمع من زواج الأرملة.
ولكن إذا كان زواج الأرملة حقًا شرعيًا لها، فإن الأفضل لها أن تعكف على تربية أبنائها وتحيطهم برعايتها.
الإعلام ظلم الأرملة
ويقول د. السمالوطى: إن الإعلام ظلم الأرملة فأظهرها متسيبة أخلاقيًا، وعلى الإعلام أن يتقى الله فيما يعرض، ينبغى عليه أن يعرض ما يجب أن يكون عليه دور وصورة الأرملة حتى تصبح قدوة لغيرها؛ لأن وسائل الإعلام تؤثر فى تشكيل(38/94)
القيم والسلوك والتوجهات سواء فيما يتعلق بزواج الأرملة، أو كفاحها حتى لا يشوه هذه الصورة المشرفة.
مشكلات من جوانب متعددة
وتذكر الأستاذة منال عبد العال - المدرسة بقسم الاجتماع بآداب القاهرة - أن نظرة المجتمع للمرأة التى بلا زوج أرملة أو مطلقة واحدة، إلا أنها بالنسبة للأرملة تبدأ بالشفقة، وللمطلقة بالتوجس والشك، ومن ثم فإن النظرة للأرملة أرق؛ نظرًا لأنها فقدت العائل لظرف خارج عن إرادتها، وتواجه الأرملة مشاكل عدة:
أولاً: من ناحية أهل الزوج، فلو أرادت أن تتزوج ولديها أبناء تبدأ مشاكل الحضانة، وأحيانًا يطلب أهل الزواج منها الزوج من أحد أفراد العائلة، وذلك من أجل الأولاد، كما أنها تصبح مصدر قلق لنساء العائلة خوفًا على أزواجهن.
ثانيًا: ومن ناحية أهل الزوجة فإنها تخضع لرقابة صارمة خوفًا عليها إذا لم تنتقل إلى بيت أهلها، وظلت فى بيت الزوجية، وقد يكون الأمر سهلاً إذا كانا الأبوان أحدهما، أو كلاهما على قيد الحياة، ولكنه يكون صعبًا إذا كانا قد توفيا.
ثالثًا: تسوء علاقات الجوار والصداقة إلى حد كبير وتخشى أى امرأة أن ينظر زوجها إلى هذه الأرملة.
الحاجة إلى الزواج
أما نفسية الزوجة فتحدثت عنها د. آمنة أبو كيفة - إخصائية العلاج النفسى بالعيادة النفسية جامعة عين شمس - فتقول: لاشك أن الزوج هو العائل والسند، والمرأة حينما تفقد هذا السند يحدث لها عدم اتزان لفترة، ثم تصبح إحدى اثنتين، إما أن تتماسك أو تنهار، والمرأة المسلمة العربية عامة لديها قوة وإرادة، وتتحمل الصدمات، وتستطيع أن تقوم بدور الأم والأب، خاصة إذا كانت عاملة.
ومن الناحية النفسية تتعرض الزوجة لفراغ عاطفى، وكذلك الأبناء نتيجة لغياب الزوج، وهنا تأتى حاجة المرأة إلى الزواج لتسد هذا الفراغ، وأحيانًا تواجه المرأة حين ترغب فى الزواج مشكلات نتيجة ضغوط المجتمع، والخوف على الأبناء، فتعيش فى صراع بين حاجتها وخوفها على الأبناء، وقد يتغلب حب الأبناء والخوف عليهم على رغبتها فى الزواج أو تتطور الصراعات داخلها إلى قلق وإحباط، واكتئاب، وينعكس ذلك كله على أبنائها، والمحيطين باعتبارهم السبب الذى يحول دون سعادتها، وعلى ذلك ينبغى على المجتمع أن يساعد المرأة على الزواج إذا رغبت فى ذلك، ولا يعد ذلك نكرانًا للشريك الراحل، أو جحودًا منها، والأبناء، والأقارب أولى الناس بذلك.
رؤية شرعية
وعن الرؤية الشرعية لزواج الأرملة يحدثنا الدكتور عبد العزيز رمضان سمك - الأستاذ المساعد بقسم الشريعة حقوق القاهرة - فيقول: إن الإسلام يراعى الفطرة البشرية، ومن ثم أحل زواج الأرملة، وجعل لها فترة عدة، وهى أربعة أشهر وعشرة أيام، أو وضع الحمل لو كانت حاملاً، وقد تزوج الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أرامل ومنهن أم سلمة، التى عرض عليها الخطبة فقالت ليس من أهلى(38/95)
أحد حاضر، فقال لها ليس من أهلك حاضر، ولا غائب ينكر هذا الزواج، فقالت لابنها قم فزوج رسول الله.
ويضيف: أن القرآن أباح خطبة المعتدة أثناء العدة، ولكن بالتلميح والتعريض وليس التصريح. والزواج حصن للمرأة والرجل معًا، وإن كانت هناك تقاليد تنظر للأرملة التى تتزوج نظرة سيئة، فهى نظرة خاطئة، ولكن ينبغى أن تراعى الأم مصلحة أبنائها فى اختيار الزوج، وأن يراعى الأبناء أيضًا والدتهم، ويحسنوا إليها إذا رغبت فى الزواج فى أى سن ولا يتهموها، وأدعو المجتمع لمراعاة الأرامل، والرجل الذى يرعى الأيتام فى بيته سيكون رفيق النبى (صلى الله عليه وسلم) فى الجنة.
ويرى د. راشد أن الأرملة بحاجة إلى وقت ليس بالقصير لتتكيف مع حياتها الجديدة؛ إذ تشعر فى بداية الوفاة بأنها ضعيفة وعاجزة عن اتخاذ أى قرار، ولا تستطيع تحمل أية مسئولية، وبمرور الوقت تتكيف مع الوضع الجديد، خاصة إذا ساعدها المحيطون على تنمية ثقتها بنفسها وبقدراتها.
ويوجه د. راشد السهل الأرملة إلى طريقين للتغلب على معاناتها النفسية عليها أن تتلمسهما.
1 - الإكثار من العبادات، وقراءة القرآن، والصلاة.
2 - واكتساب المزيد من المعارف والمعلومات التى تساعدها على التعامل مع واقعها الجديد بنجاح.
ـــــــــــــــــــ
دليلك للتسوق الذكى
إن الحياة السعيدة المتوازنة تحتاج إلى دراية بالقواعد المبسطة المهمة لتدبير المنزل وأبسط هذه القواعد وأهمها أن تظل ربة البيت كالزوج تمامًا يقظة إلى الموقف المالى للأسرة، كما يجب تربية الأطفال على الاقتصاد، نقدم فى هذه السطور مجموعة من النصائح حول تربية الأولاد على التدبير، وكذلك مهارات التسوق.
إن سلوك الإنسان فى الإنفاق يعكس ما نشأ عليه، وما رآه من أفعال والديه، ولهذا فإن التربية الشرائية تبدأ قبل سن المدرسة، وتهدف لأن تؤكد الأم للطفل قيمة المال، وأهمية عدم إنفاقه إلا بمقابل يساويه على الأقل إن لم يكن أكثر قيمة، خاصة أن الإعلانات التجارية التى يشاهدها الأطفال فى سن لا يجيدون فيها الكلام تبدأ فى التأثير على نفوسهم، وتشوقهم لشراء أشياء لا يعرفون عنها إلا إغراءها؛ لذا يجب علينا أن نحصنهم بقوة دفاعية ضد مغريات الإعلانات، وأن نعلمهم الفرق بين الانسياق اللاإرادى لشراء السلعة وبين شرائها بعد التأكد من أربعة حقائق مهمة:
(1) أنها ضرورية لا غنى عنها.
(2) صنفها جيد.
(3) سعرها مناسب.
(4) الكمية المشتراة تناسب الاحتياجات.
فالاهتمام بزرع التعقل فى الإنفاق فى نفوس أطفالنا يجعل القليل فى أيديهم كثيرًا، وقد تجد شخصين أحدهما ثرى له مدخرات، والآخر فقير يستدين ، مع أن لهما نفس الظروف الاجتماعية والاقتصادية ، ولم يرثا شيئًا، ويحصلان على ذات الدخل،(38/96)
ويعولان العدد نفسه من الأفراد فى ظروف متماثلة، ثم يتضح أن الفارق هو ما نسميه سوء التدبير أو حسن التدبير الذى يميز الأسر بعضها عن بعض.
ولذا نلمس أهمية تعليم أولادنا أحكام الشراء، وقواعد الاستهلاك بمجرد أن يعرفوا النقود، كما يجب أيضًا أن ندخل بعض التعديلات على مناهج التعليم، وأن يناقش المدرسون مع الأطفال هذا الموضوع.
ومن ألزم الأمور لنجاح التربية الشرائية أن تكون الأمهات قدوة صالحة لأطفالهن، وأن يقمن بإشراكهم فى جولات التسوق، ومناقشتهم فى الأسعار والأصناف، ولكن مجرد التلقين لا يكفى الطفل، ولكن يجب أن نعتمد عليه فى عمليات شراء محدودة مناسبة مع استمرار التوجيه، ولا بأس أن يحضر كبار الأولاد مناقشات الأبوين فى الأمور المالية الخاصة بالأسرة، ومشكلات الإنفاق، ومشاريع المستقبل بين الحين والآخر، مما يعودهم الإدراك العام للأمور، ويزرع فيهم الثقة بالنفس، ويزودهم بالتعقل والتخطيط.
قواعد خفض الإنفاق فى الأسواق والبيت:
ويرشد الأستاذ أحمد جمال الدين فى كتاب "دليل المرأة الذكية لتوفير ميزانية البيت والتغلب على الفراغ" كل امرأة إلى قواعد مجربة، يمكنها إذا اتبعتها أن تخفض مدفوعاتها فى الأسواق بنسبة تصل إلى 10% من هذه القواعد:
(1) إعداد قائمة بالسلع المطلوبة قبل الذهاب إلى السوق، والالتزام بها.
(2) على كل سيدة أن تتسوق بمفردها دون مرافقة صديقاتها ؛ لأن التنافس والتباهى والتقليد يلعب دورًا فى زيادة الشراء، وشراء سلع غير مهمة.
(3) مقاومة إغراء السلع الجذابة، ومقارنة السلع ذات الإنتاج المختلف من الصنف الواحد.
(4) الحذر من شراء أى سلعة لمجرد الحصول عن طريق الصحافة وغيرها على كوبون يتيح الحصول عليها بثمن أرخص ما لم تكن ضرورية ومطلوبة.
(5) عدم شراء الوجبات الجاهزة المغلفة، لأن ثمنها يشمل تكلفة التجهيز والتغليف.
(6) مقارنة فارق المجهود بما يقابله من ثمن فى الأشياء المتطورة، فمثلاً فتاحة العلب الكهربائية لا توفر سوى ثوانٍ مقابل الفتاحة اليدوية وهكذا.
(7) التأكد من شراء كل الاحتياجات فى رحلة شرائية واحدة توفيرًا للجهد والوقت والمال.
(8) الابتعاد عن عادة التجول فى الأسواق ومشاهدة الفترينات والأسعار فى وقت الفراغ؛ لأن ذلك يرفع من القابلية للشراء.
كيف تخفضين نفقات المشتريات المختلفة
وعن أسلوب خفض نفقات المشتريات المختلفة ينصحك الأستاذ أحمد جمال الدين:
(1) لا تذهبى للتسوق وأنت واقعة تحت تأثير الغضب أو الاكتئاب، لأنك إن فعلت، فإنك غالبًا ما تتورطين فى شراء أشياء لا تريدينها.
(2) تحديد الكمية الفعلية التى تحتاجها الأسرة، والاستغناء عن بعض السلع الغالية، والاستعاضة عنها بسلع بديلة تحتوى على عناصر غذائية مشابهة.
(3) تجاهلى السلعة فى أوائل الموسم وآخره؛ حيث تكون أسعارها فى ذروتها.(38/97)
(4) الحرص على عدم فقد أى جزء من الأطعمة سواء بسوء التخزين، أو الطبخ غير الجيد.
(5) استغلال موسم رخص السلعة فى الشراء الوفير للتخزين، تجفيفًا وتخليلاً وتجميدًا وتعليبًا لاستخدامها وقت اختفاء السلعة، أو ارتفاع ثمنها.
(6) اتباع مبدأ الشراء عند الحاجة، وليس الشراء تبعًا للرغبة، وتحديد ما نحتاج إليه فعلاً، وحبذا لو كان ما نشتريه متناسبًا مع قطع لدينا، فيكون لدينا أطقم كثيرة من قطع قليلة، يجب أيضًا وضع تكاليف التنظيف والكى لما نشتريه فى حسابنا، وألا نشترى شيئًا يبلى بسرعة، أو من أقمشة تبهت ألوانها، أو تنكمش مع الغسيل، ففى ذلك إهدار للمال.
ـــــــــــــــــــ
مخَاطِر العُزُوف عن الزواجِ وعِلاجُها
إن الأسرة هي اللبنة الأولى في كيان المجتمع، وهي أساسه الركين، وبصلاحها يصلح المجتمع، وبفسادها يفسد.
وتولد الأسرة يوم عقد الزواج، ومن أهم حكم الزواج إرواء الغريزة، وإنجاب النسل، من أجل ذلك تعد الخطط المحكمة لإفساد الأسرة عن طريق وسائل الإعلام ومناهج التعليم.
ومن أهم وسائل محاربتها القضاء عليها، أي أن يشيعوا في أبناء الأمة فكرة العزوف عن الزواج.
وقد مهّدوا فكريًّا لذلك بأن عملوا على إضعاف الإيمان بالله، وزعزعوا من قيمة التوكل على الله، حتى بلغ بهم الأمر أن يهزؤوا بمن يتوكل على الله، وأقاموا عقبات عدة ضخمة دون الزواج، وهذا الأمر جعل فريقًا من الشباب يعزفون عن الزواج، أذكر أهمها فيما يلي:
[1] طول مدة الدراسة وعدم الزواج إلا بعد الانتهاء من الدراسة.
[2] ارتفاع المهور.
[3] قلة المساكن وانعدامها في بعض البلدان.
[4] قيام عادات اجتماعية سيئة ذات تكاليف باهظة واستحكامها في كثير من مجتمعاتنا الإسلامية.
[5] موجة الغلاء الشديد والتضخم الكبير.
[6] الدخل المحدود بالنسبة للشباب في معظم بلاد المسلمين.
[7] قيام أعراف وعادات تقلق المرء وتجعله في صراع دائم، ولاسيما عندما يحتدم الخلاف بين أهله وزوجته أو بينه وبين أهلها.
[8] إعطاء الكماليات صفة الضروريات ، وذلك مما يرهق الزوج ماليًّا وهو لا يزال في بدء حياته العملية الكسبية.
نتائج العزوف عن الزواج
وإهمال الزواج أو تأخيره يسبب فسادًا اجتماعيًّا كبيرًا نتبين أهم معالمه في هذه السطور:(38/98)
[1] إن الإعراض عن الزواج ينتج فوضى خلقية مدمرة، ذلك لأن الزواج تصريفٌ للغريزة في حدود ما شرع الله، والإعراض عنه قد ينتهي بصاحبه إلى الزنا والعياذ بالله ، والزنا من الموبقات التي تهلك الأمة وتقضي على مقوماتها الكريمة، وتضيع الأنساب وتزلزل القيم، وتهدد رسالة الأمة. إن تجاهل ضغط الغريزة لا يحل المشكلة، لا سيما إن لم يكن في القلب خوف الله.
[2] والإعراض عن الزواج مع الامتناع عن الانحراف قد يؤدي إلى استحكام عقد نفسية في الرجال والنساء ، والمجتمع لا يفيد من هؤلاء المعقدين. وكثيرًا ما تتفاقم هذه العقد فتقود أصحابها إلى مستشفى المجانين، أو تصنع منهم ناسًا مجرمين يقضون مضجع الأمة ويروعون أبناءها.
[3] وأمر ثالث في غاية الأهمية يعود بالضرر البالغ على المجتمع، وهو أن الرجل المعرض عن الزواج سواء انجرف في تيار الانحراف والرذيلة أم كان من أولئك المعقدين.. إن هذا الرجل مشغول البال دائمًا، فاقد القدرة على الإنتاج والإبداع والإتقان.
[4] إن هذا المعرض عن الزواج إن سقط خسر قيمته الاجتماعية في بلادنا، ذلك لأن مجتمعاتنا ما تزال محافظة تعير موضوع الشرف والعفة أكبر الأهمية. ونحن بهذا نختلف اختلافًا كبيرًا عن مجتمعات الغرب. وإن أصيب بالعقد النفسية خسر قيمته الاجتماعية؛ لأنه عندئذٍ شخص مصاب مريض مطعون في قواه العقلية أو في قدرتها المبدعة على أحسن الأحوال.
[5] إن انتشار هذا الإعراض عن الزواج يضعف الأمة ويهددها بالانقراض، ويمكِّن لأعدائها؛ ذلك لأنه يقطع النسل، ولما كان هذا أمرًا لا يمكن أن يكون عامًا قلنا إنه يضعف الأمة.. أما لو تحقق فإنه يبيد الأمة.
العلاج
إن علاج هذا المرض الفتاك سهل ميسور، إن نحن صدقنا في مواجهته، ونستطيع أن نذكر الأمور الآتية:
[1] ينبغي أن نعود بالزواج إلى بساطته ويسره، فليس يتطلب الأمر كل هذه التعقيدات التي صنعها الناس.
إن الزواج يتم شرعًا بقيام عقد بين زوج ووليّ زوجة، بموافقتها وقبولها، وبوجود شاهدين، وبصيغة يكون فيها إيجاب وقبول، ومهر.
ولقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم بالزواج ترغيبًا جعله يعده من سنته كما جاء في الحديث الصحيح؛ فلقد رضي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون المهر خاتمًا من حديد - لو وجده الزوج - ثم زوجه المرأة بما معه من القرآن.
وهنا نودُّ أن نذكر ضرورة وجود الولي الذي ذهب إلى القول بوجوده
جمهور علماء المسلمين، وقد استدل العلماء على ضرورة وجود الولي في عقد الزواج بقوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور:32]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي".(38/99)
والحق أن مشروعية الولي إنما هو لمصلحة البنت، ذلك لأن أباها أكثر خبرة منها، ولأن حكمه حكم موضوعي لا دخل للعاطفة والشهوة فيه.
ومع ذلك كله فإن رأيه في الراجح من أقوال العلماء غير ملزم إن لم تكن البنت موافقة.
وكيف لا يستشار وهو الذي سيكون المرجع، وعليه تكون المسؤولية في حالة الخلاف.
[2] التعاون على تذليل العقبات الضخمة التي تقوم في وجه الزواج من مثل تسهيل الزواج على طالب العلم حتى قبل أن يتخرج.
[3] تنمية الإيمان بالله والتوكل عليه.
[4] القناعة بالضرورة من المسكن والملبس والمهر، ولا بد من تهيئة الجو لذلك، بالكلمة والحوار والقدوة.
[5] التغلب على العادات والأعراف التي لا يقرها الإسلام.
[6] المساعدة المادية من قبل جمعيات خيرية تنشأ لهذا الغرض، وإنه لغرض جليل.
ـــــــــــــــــــ
الشيخ الزنداني يوضح مقصده بـ " زواج فريند "
هذا نص البيان الذي وزعه الشيخ عبدالمجيد الزنداني رئيس مجلس شورى الاصلاح ، حول قضية "زواج فريند":
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فقد عمت البلوى في الغرب بشيوع الزنا عن طريق الاخدان، المسمى عندهم (بوي فريند، وجيرل فريند) فَدَعَوَتُهم إلى الزواج الميسر كما قال تعالى "(اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الاخرة من الخاسرين) سورة المائدة : آية (5).
وبنيت الفكرة على أسس شرعية لمن لا يقدر على الهجرة إلى بلد يكون فيها أعبد لله ، أو يعجز عن الصوم الذي ارشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، لمن خاف على نفسه الفتنة كما قال عليه الصلاة والسلام : "يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"، أخرجه البخاري ومسلم في كتاب النكاح..
الأسس الشرعية التي بنيت عليها الفكرة
اولاً :حل الاستمتاع إثر إبرام عقد الزواج الشرعي : فيجوز شرعاً للزوجين أن يستمتع بعضهما ببعض إثر تمام العقد الشرعي الصحيح الذي يستوفي أركانه وشروطه
والتي منها :الوالي والشاهدان : لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث (لا نكاح إلا بولي) أخرجه الترمذي "3/407" وأبو داود "2/568" وابن ماجه "1/605"..ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه(38/100)
وسلم (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) أخرجه الدار قطني "3/255" والبيهقي "7/125" وصححه الألباني في الارواء "6/258".
ومنها الصيغة الشرعية للعقد كقول الولي زوجتك أو أنكحتك ابنتي فلانه وقول الزوج قبلت زواجها أو نكاحها، وأن يكون العاقد صاحب أهلية للعقد، وذا صفة شرعية تعطيه الحق في مباشرة العقد على خلاف في اجبار الاب للبكر البالغة.
ومنها الصداق (المهر) الذي لا يجوز تواطؤ الزوجين على إسقاطه بالأصل لقوله تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) سورة النساء : أية (4)..ومنها رضا الزوجين لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا : يا رسول الله كيف إذنها؟ قال : أن تسكت) أخرجه البخاري في كتاب النكاح باب رقم 41.
ومنها خلو الزوجين من الموانع الشرعية التي تمنع زواجهما ، فاذا وقع العقد مستوفياً لاركانه وشروطه ترتبت عليه آثاره الشرعية من حل استمتاع الزوجين ببعضهما وثوبت المصاهرة والنسب واستحقاق الارث وغيرها من الآثار.
ثانياً: حق الزوجة في التنازل عن السكن أو النفقة : يثبت للمرأة بعد إبرام عقد الزواج الصحيح حق السكن والنفقة لقوله تعالى : (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) سورة الطلاق " آية (6)..ولها أن تتنازل لزوجها عن حقها في النفقة والسكن باتفاق الفقهاء، إن لم يشترط ذلك في صلب العقد لقوله تعالى (وإن أمرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير....) سورة النساء : آية (128)، وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في هذه الآية : كما في صحيحي البخاري ومسلم : (هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج غيرها، تقول له امسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري فأنت في حل من النفقة عليََ والقَسم لي).. فما ذهبت إليه من جواز تنازل المرأة في بداية الزواج عن حقها في السكن بصفة مؤقتة حتى يتم توفير السكن الذي لا بد منه ، بنيته على هذه الأدلة..وفي غالب ظني انه إذا تم العقد فسيجتهد الزوجان في توفير السكن وسيتنازل الجميع عن مظاهر الرفاهية فيه، ويقبلون بالسكن المتيسر، وما يصرفونه من أموال لحضور السهرات وشراء الكماليات سيوجهونه في تجهيز السكن ومستلزماته وربما تعاطف الآباء مع أبنائهم في توفير غرفة في مسكنهم للزوج الجديد، ولم أقل بإسقاط السكن مطلقاً.
ثالثا:عدم توفر السكن لا يبطل عقد النكاح: لم يقل أحد من الفقهاء بان عدم توفر السكن يبطل العقد، ولقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها وهي بعيدة عنه في الحبشةـ فلم يتحقق السكن بسبب البعد ولم يؤثر ذلك على صحة العقد، فعن عروة عن أم حبيبة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تزوجها وهي بأرض الحبشة زوجها النجاشي وأمهرها أربعة آلاف وجهزها من عنده ... الحديث) رواه احمد في مسنده "6/427" والنسائي في سننه "6/119"..وبنى عليه الصلاة والسلام بأم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها في الطريق بين المدينة وخيبر، وعلى هذا يجوز دخول الزوج على زوجته بناءً على عقد الزواج الشرعي وإن لم يتوفر السكن.. بوب البخاري في صحيحه باب(38/101)
البناء في السفر، وروى حديث أنس رضي الله عنه قال : (أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاثاً يُبنى عليه بصفية بنت حيي فدعوت المسلمين إلى وليمة، فما كان فيها من خبز ولا لحم .. الحديث) البخاري مع الفتح كتاب النكاح،ج9، 279 باب رقم 60.. وفي هذا دليل ايضاً على التيسير في مظاهر الزواج.وعقد النبي صلى الله عليه وسلم على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهي بنت ست سنوات ولم يدخل بها إلا بعد عدة سنوات لصغر سنها الذي كان حائلاً دون البناء عليها، فعدم توفر السكن في مثل هذه الحالة لا يبطل عقد الزواج، وقال الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت : (تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين...) الحديث رقم 3894 صحيح البخاري مع الفتح ، ج7، باب 44 .. وفي حديث عروة "تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين، وبني بها وهي بنت تسعة سنين، ومكثت عنده تسعاًِ صحيح البخاري، كتاب النكاح.
فهل يجرؤ أحد على القول ببطلان العقد لعدم توفر السكن حال ابرام العقد..وجاء في صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد عن الواهبة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم جوابه لها وفيها : (.... فقام رجل فقال يا رسول الله أنكحنيها قال : هل عندك من شيء قال لا ، قال اذهب فاطلب ولو خاتماً من حديد، فذهب وطلب ثم جاء فقال ما وجدت شئياً ولا خاتماً من حديد، قال هل معك من القرآن شيء قال هي سورة كذا وسورة كذا قال اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن)، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وفيه أن الفقير يجوز له نكاح من علمت بحاله ورضيت به اذا كان واجداً للمهر، وكان عاجزاً عن غيره من الحقوق، لان المراجعة كانت في وجدان المهر وفقده لا في قدر زائد .. قاله الباجي .. (أ.هـ) الفتح 9/270، كتاب النكاح باب رقم 50.. ومعلوم أن النفقة والسكن تدخل في الحقوق التي عجز عنها الصحابي كما هو ظاهر الرواية وكلام بن حجر..
رابعا:جواز غياب الزوج عن زوجته: يجوز للزوج أن يغيب عن زوجته لأسباب كثيرة: كطلب الرزق أو الغزو والجهاد أو الحج والعمرة او طلب العلم أو غير ذلك وقد أقت عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدة الغياب لمن يغزو في سبيل الله بما لا يزيد عن ستة أشهر، كما في السنن الكبرى للإمام البيهقي "9/29" فَوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر يسيرون شهراً ويقيمون أربعة ويسيرون شهراً راجعين وسئل الإمام احمد : كم للرجل أن يغيب عن أهله، فقال يروى ستة أشهر.. ذكره في المغني "10/241".واذا غاب الزوج برضا زوجته مدة أكثر من ذلك، فلم يقل أحد من الفقهاء بفسخ عقد الزواج أو بطلانه.
خامسا:قال تعالى:(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) :الشريعة المطهرة مبنية على التيسير قال تعالى :(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).. والزواج المبارك ما كانت مؤنته ميسرة قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث عائشة رضي الله عنها عند أحمد "6/82" أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة".والمسلمون في الغرب يعيشون ظروفاً هم فيها أحوج ما يكونون إلى صور ميسرة لزواج شرعي يعفهم ويحفظ عليهم نسلهم ودينهم، واطالب الآباء والامهات أن يفسحوا لأبنائهم في(38/102)
بداية زواجهم غرفة يأوي إليها ولدهم مع زوجته فيفوزوا بأجر إعفاف ابنهم، وتعويده على العيش معهم وبحسن صحبته لهم عند عجزهم أو كبرهم.
ليس الزواج الميسر صيغة جديدة ولا زواج متعة:
مما سبق يتبين أني لم أناد إلى صيغة جديدة للزواج بل هي الصيغة المقرة عند علماء الإسلام بأركانها وشروطها المعتبرة.. كما أن الزواج الميسر الذي اقترحته لا يتفق مع زواج المتعة الذي يقوم على التوقيت، ولا يترتب عليه استحقاق الإرث بين الرجل والمرأة، ولا ينتهي بالطلاق المشروع إلى غير ذلك من اوجه الاختلاف بين الزواج الشرعي وزواج المتعة."زواج فريند" أقصد به الزواج الميسر للمسلمين في الغرب وأما الاسم الذي أطلق على الفكرة فكان من باب المشاكلة عند المناقشة (بوي فريند، وزوج فريند) وتعرض الاسم "زوج فريند" للتحريف الاعلامي إلى "زواج فريند" مما أوهم أنه صيغة جديدة للزواج، وأنا لا أدعو إلى مصطلحات غير شرعية .. وأرى أن يكون مسمى هذه الصورة (الزواج الميسر للمسلمين في الغرب) بدلاً عن مصطلح زواج فريند.
أنا مع أي حل شرعي يحقق الزواج ويُعف عن الرذيلة
لقد تقدمت بهذا الحل إلى المجمع الفقهي الاوروبي لدراسته، وأنا مع أي حل شرعي يحقق الزواج ويعف عن الرذيلة وينقذ المسلمين في الغرب من هذه البلوى التي أوقعت شبابهم في الحرام وأضاعت نسلهم ومزقت أسرهم وجلبت عليهم الامراض الخطيرة..فمن كان لديه حل شرعي لهذه المشكلة فليتقدم به، وسأكون من أول المؤيدين له أذا استند إلى أدلة شرعية تحقق المصلحة وتيسر على المسلمين حل هذه القضية..والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
حرر هذا البيان الفقير إلى الله عبدالمجيد بن عزيز الزنداني - صنعاء - 9/6/1424هـ - 7/8/2003م
ـــــــــــــــــــ
شباب يتزوجون بالوشم •• ويُطلّقون بماء النار!!
ابتكر بعض شباب هذا الجيل طريقة غريبة للزواج غير تلك التي ألفناها أو تعود عليها آباؤنا وأجدادنا، حيث يقوم الشباب بكتابة عقد الزواج بالوشم على الجسد، ولا أكاد أشك في أن هذا هو النتاج الطبيعي لحالة الفراغ الفكري والثقافي الذي يعاني منه جيل بأكمله إلا قليلا•
علماء الدين أكدوا أن هذه الطريقة لا يترتب عليها ما يترتب على عقد الزواج الشرعي، بل تصل إلى الزنا إذا دخل الشاب بالفتاة 00وطالبوا بوقف هذه المهزلة فورا00وتساءلوا في استنكار : إذا كان الزواج بالوشم فكيف سيتم الطلاق؟••!! هل سيكون بماء النار؟
وفي التحقيق التالي نتعرف إلى المزيد من آرائهم:
بداية يقول الدكتور عبد الصبور شاهين الأستاذ بجامعة القاهرة: إن الوشم حرام في ذاته فكيف يكون الحرام وسيلة أداه لتحقيق الحلال، وحذر من خطورة هذه العمليات وهروب أصحابها من رقابة أولياء أمورهم، وقال: إن هذا نوع من العبث، فإن كان الزواج بالوشم فكيف يمكن أن يطلِّق الرجل زوجته، لاشيء سوى ماء النار، فيمكن(38/103)
لهم اللجوء لأي نوع من أنواع التعاقد المشهود عليها وبموافقة ولي الأمر ولا داعي لهذا الوشم الذي يشوهون به أجسادهم لأنه حرام ولا يمكن اعتباره سوى زنا•
ويضيف الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، أن كل هذه الأعمال تدل على سخف في التصرفات وعبث في السلوك، فهي ممارسات زنا لا يربطها بالعقد الشرعي للزواج أي رباط، فالزواج في الإسلام عقد لابد من توافر أركانه وشروطه حتى تتحقق شرعيته، ومن ضمن أركانه موافقة ولي أمر المرأة، بمعنى أنه بتولى هو عقد الزواج، ولا يصح أن تقول المرأة للرجل زوجتك نفسي لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبت عنه قوله "لا نكاح إلا بولي" ، وقوله " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" •
ويكمل الدكتور رأفت حديثه قائلا: يشترط أيضا أن يكون العقد متضمنا للإيجاب بقول ولي أمرها للرجل الذي يرغب في الزواج فيها " زوجتك ابنتي "، والقبول من الرجل فيقول قبلت هذا الزواج، أما الشروط فمتعددة كحضور شاهدين على الأقل ليشهدا حدوث العقد، وكذلك ألا تكون محرمة عليه بأي لون من ألوان التحريم•
صلات غير شرعية
ويؤكد الدكتور رأفت أن ما يحدث من هؤلاء الشباب نوع من العبث بالأحكام الشرعية ، ويجب على الدولة أن تضرب على أيدي هؤلاء الذين يريدون إشاعة الفاحشة في المجتمع•
وحول وجود قانون يعاقب على هذه الأفعال يوضح الدكتور رأفت عثمان، أن القانون المصري لا يعاقب على جريمة الزنا مادامت برضا الطرفين وكانت المرأة بالغة عاقلة وليست متزوجة، كما أعطى الحق للزوج أن يسقط العقوبة القانونية عن زوجته التي ارتكبت جريمة الزنا لأن القانون يعتبر أن الحق في هذا المجال هو حق للزوج، لكنه في الحقيقة حق المجتمع كله•
بدعة خطيرة
ويرى الدكتور الحسنين الشافعي أستاذ التفسير في كلية أصول الدين جامعة الأزهر أن الزواج بالوشم ظاهرة غريبة وبدعة جديدة وخطيرة للغاية ومصدر خطورتها إنها متعلقة بالشريعة والحلال والحرام، وأيضا تعلقها بالأعراض، ويجب أن نقف وقفة ضد هذه البدعة الخطيرة من جهات عدة كالبحث عن أسباب ظهورها وطرق مواجهتها ومكافحتها، ومن وجهة نظري الأسباب كثيرة ومتعددة ويمكن حصرها في أمور عدة منها ارتفاع سن الزواج مع كون الرغبة الجنسية من الأمور الملحة والضرورية، فلا يجد الجنسان من سبيل إزاء ارتفاع تكاليف الزواج الباهظة ما يروي به هذه الرغبة فيندفع إلى هذه التيارات والأفكار المريضة، وبخاصة في ظل وجود دعوات صريحة وغيرها في وسائل متعددة للجنس ومنها أفلام الفيديو والمجلات الخليعة، و الإنترنت، والأفيشات المتعددة على الجدران لأفلام سينمائية ومناظر الجنس في الأفلام التليفزيونية، جميعها توحي إلى الشباب وتقوي فيهم الرغبة الموجودة أصلا، فلا يجد سبيلاً إلا الوقوع في مثل هذا الانحراف لإشباع هذه الرغبة، مع غياب دور المسجد والمدرسة والمنزل، ومع وجود دور سلبي لوسائل الإعلام، وإن من أكبر الأسباب لظهور مثل هذه الانحرافات هو الاختلاط(38/104)
بين الجنسين في أمور الحياة بعامة، ولا سيما التعليم بمراحله المختلفة وبخاصة الجامعة والثانوية، بالإضافة إلى كون الآباء والأمهات قد تساهلوا لدرجة الإفراط والإسراف في منح الحرية لأولادهم في مسألة اللبس والصداقات واللقاءات بحجة المذاكرة وغيره من التسهيلات تقليداً للغرب ، وقد بدأ الغرب في الانتهاء عن ما تحدثت عنه، فياليت قومي يعلمون أهمية الرجوع إلى منهج الإسلام القويم ونتيجة ذلك الخيرة النافعة لهم•
الحلول
ويضيف الدكتور الشافعي، أن الحل في أن نجعل كليات خاصة بالبنات وأخرى خاصة بالرجال فصلا بينهم خاصة وأن ظهور مشكلة الزواج بالدم أو الوشم كانت الجامعة المصدر الأول لها، وأشار إلى كلام الرئيس الأميركي بوش الذي شجع فيه على فتح دور التعليم التي تفصل بين الجنسين ويكافئ على ذلك، ولعل هذا أهم ما يميز الأزهر بمراحله التعليمية عموما، إضافة إلى أن نربي أولادنا على الخلق والتفاخر بالشرف والطهر والنقاء كمعانٍ غالية، ونبتعد عن التباهي بالمادة والمؤهل والجمال•
انحراف فكري
ويضيف الدكتور نبيل السمالوطي، عميد كلية الدراسات الإنسانية أن وراء ظهور مثل هذه الانحرافات مثل ما يطلق عليه الزواج بالوشم، هو انحراف فكري وسلوك طارئ لدى الشباب، والسبب في ذلك يرجع لعوامل عدة ولا يمكن إرجاعه لعامل واحد، فمثل هذه الظاهرة المعقدة يمكن إرجاعها للأمية الدينية المصاب بها شباب مصر وشباب العالم العربي هذه الأيام، والمقصود بالأمية الدينية هو الفهم الخاطئ للكثير من المفاهيم الدينية وعدم معرفة ما هو معلوم من الدين بالضرورة أو أبجديات الفكر الديني حتى لدى خريجي الجامعات والمتعلمين والمثقفين لأنهم مصابون بأمية دينية، فهناك شباب لا يفهم معنى الزواج وشروطه ومقدماته وأحكامه ولا يوجد من يوعي هؤلاء الشباب بهذه الأمور، إضافة إلى افتقارهم لدور الإعلام والمساجد والمدارس والجامعات وقلة وجود من يقوم بتقديم التوعية في هذه المؤسسات للشباب الذي يفتقد الكثير من المفاهيم الشرعية في فقه الزواج•
البطالة
ويؤكد الدكتور السمالوطي أن العامل الاقتصادي، وشيوع البطالة وضيق ذات اليد، وعدم وجود الإمكانات لدى بعض الشباب، مما لا يدفعهم للسير في الطرق الشرعية للزواج عن طريق أولياء الأمور، لأن هذا يحتاج لمصاريف ضخمة وتكاليف باهظة، وبعض الشباب اليوم عاجز عن الإقدام في مثل هذا لأنه لا يملك المال الذي يعينه على الزواج الشرعي فيستسهل البدع التي شاعت في الآونة الأخيرة، مثل الزواج بالوشم أو الدم، ومن هنا فإن إيجاد فرص عمل للشباب تيسر لهم الحياة الكريمة سوف يصحح مسارهم واتجاهاتهم في مسألة الزواج، وهناك أيضاً عوامل تتصل بالعوامل الاجتماعية، كعدم انخراط الشباب في مؤسسات المجتمع المدني الذي لها دور مهم جداً في استثمار طاقة الشباب، وتوجيههم توجيهاً اجتماعياً صحيحاً، ويقصد بهذه المؤسسات، النقابات المهنية والعمالية والجمعيات الأهلية(38/105)
والمصانع والشركات الخاصة والأحزاب السياسية، فوظيفة هذه المؤسسات هي استيعاب طاقة الشباب وإشباع رغباتهم سواء المادية أو النفسية أو الاجتماعية، بالإضافة إلى السماوات المفتوحة والدش والقنوات التي تبث المناظر الجنسية التي تثير لدى الشباب النزعة إلى التسيب، وتطلعهم على نماذج لا تتفق مع قيمنا وأخلاقنا كالارتباط بالفتاة خارج المؤسسات الأسرية، ويطرح بهذا الشكل الأفكار المسمومة التي تجعل الأمور طبيعية وعادية، وأيضا تصل لتكون موضة هذا الصيف مثلا، ويجب أن يرفض الشباب هذه الأفكار تماماً، ولكن أريد أن أقول: إن العالم الإسلامي مستهدف من جهات عدة، ويبدأون بإفساد الشباب وإفساد البنات لأن الشباب ليس لديه الحصانة الثقافية التي تجعله يميز بين الفضيلة والرذيلة، بين الحق والباطل•
عن مجلة الوعي الإسلامي بتصرف
ـــــــــــــــــــ
إلى غير المحجبات هذه نتائج الاختلاط
اختلاط النساء بالرجال أمرٌُخطير وشر مستطير ، والمفاسد والأضرار التي تعاني منها المجتمعات التي طبقته وجربته خير دليل وأصدق برهان على ذلك ، ولذا كان الرأي بعد تجربة ومعاناة له دلالته ومعناه لأنه رأي جاء بعد رؤية للآثار ، ومشاهدة للنتائج سلبًا كانت أو إيجابًا واختلاط النساء بالرجال تعاني منه المجتمعات التي جربته أشد المعاناة ، فقد قوّض أمنهم وهدم أخلاقهم ، وزعزع استقرارهم ، وفكك روابطهم فسطرت أقلام بعضهم ذكر شيء من أضراره ، وبيان شيء من أخطاره ناصحة لبني قومها ، ومحذرة في الوقت نفسه غيرها أن تحذو حذوها فيصيبها ما أصابها .
تقول الصحفية الأمريكية " هيليان ستانبري " أنصح بأن تتمسكوا بتقاليدكم وأخلاقكم ، امنعوا الاختلاط ، وقيدوا حرية الفتاة ، بل ارجعوا لعصر الحجاب ، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ، ومجون أوربا وأمريكا ، امنعوا الاختلاط ، فقد عانينا منه في أمريكا الكثير ، لقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعًا مليئًا بكل صور الإباحية والخلاعة ، إن ضحايا الاختلاط يملؤون السجون ، إن الاختلاط في المجتمع الأمريكي والأوروبي ، قد هدد الأسرة وزلزل القيم والأخلاق " .
وتقول الكاتبة " أنارود " إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال .
وفي بريطانيا حذرت الكاتبة الإنجليزية " الليدي كوك " من أخطار وأضرار اختلاط النساء بالرجال ، حيث كتبت محذرة : على قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنى .
لقد دلنا الاحصاء على البلاء الناتج من حمل الزنى يتعاظم ويتفاقم حيث يكثر اختلاط النساء بالرجال ، علموهنَّ الابتعاد عن الرجال ، أخبروهنَّ بعاقبة الكيد الكامن لهنَّ بالمرصاد
هذه أقوالهم من واقع حالهم
أما الأرقام والإحصائيات عن أضرار اختلاط النساء بالرجال فتوضح أن 70% إلى 90% من الموظفات العاملات بمختلف القطاعات ارتكبت معهنَّ فاحشة الزنى .(38/106)
ونصف من أجري معهنَّ استفتاء ممن يعملون في مجال الأمن تعرضنَّ لارتكاب فاحشة الزنى معهنَّ من قبل رؤسائهنَّ في العمل .
حتى الجامعات وأماكن التربية والتعليم لم تسلم من هذه الموبقات فأستاذ الجامعة يرتكب الفاحشة مع طالبته ، والطلاب يفعلون ذلك مع الطالبات والمعلمات بالرضا أو الإكراه .
هذه الإحصائيات ، وهذه الأرقام رغم ارتفاع معدلاتها فهي قبل أكثر من ربع قرن من الزمان فما الظن بالحال الآن ؟
الحال الآن أن الاختلاط بين الرجال والنساء في ديار الكفار لم يزد الناس إلا شهوانية حيوانية ، وسعارًا بهيميًا فارتكاب الفواحش ، وهتك الأعراض في ازدياد وارتفاع ، وهذا الواقع يرد على من يقول إن الاختلاط يكسر الشهوة ، ويهذب الغريزة ، حيث زاد الاختلاط من توقد الشهوة وزاد من الفساد ومثله مثل الظمآن يشرب من ماء البحر فلا يزيده شربه إلا عطشًا على عطش يقول سيد قطب ـ رحمه الله ـ : " ولقد شاع في وقت من الأوقات أن الاختلاط تنفيس وترويح وإطلاق للرغبات الحبيسة ، ووقاية من الكبت ، ومن العقد النفسية (!!) ، ولكن هذا لم يكن سوى فروض نظرية رأيت بعيني في أشد البلاد إباحة وتفلتا من جميع القيود الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية ما يكذبها وينقضها من الأساس .
نعم شاهدت في البلاد التي ليس فيها قيد واحد على الكشف الجسدي والاختلاط الجنسي بكل صوره وأشكاله أن هذا كله لم ينته بتهذيب الدوافع الجنسية وترويضها إنما انتهى إلى سعار مجنون لا يرتوي ولا يهدأ إلا ريثما يعود إلى الظمأ والاندفاع .
وشاهدت الأمراض النفسية ، والعقد التي كان مفهومًا أنها لا تنشأ إلا من الحرمان ، وإلا من التلهف على الجنس الآخر المحجوب ، شاهدتها بوفرة ومعها الشذوذ الجنسي بكل أنواعه ثمرة مباشرة للاختلاط الذي لا يقيده قيد ولا يقف عند حد .
والتجارب المعروضة اليوم في العالم مصدقة لما نقول ، وهي في البلاد التي بلغ الاختلاط فيها أقصاه أظهر في هذا وأوقع من كل دليل . أ.هـ .
إن العاقل لا يقول : " لنلق إنسانًا وسط أمواج متلاطمة ثم نطلب منه أن يحافظ على ثيابه من البلل .
وهو لا يقول : " لنلق إنسانًا وسط نيران متوقدة ، ثم نطلب منه أن يحافظ على جسمه من الاحتراق " .
إذا كان لا يقول ذلك لعلمه باستحالته فهو كذلك لا يقول لتختلط النساء بالرجال في الوظائف والأعمال ودور التعليم والجامعات ليقينه أن العفة لا تجتمع مع مثيراتها ، ومن مثيراتها الاختلاط بين الرجال والنساء ، ولذا فإن الداعين لاختلاط النساء والرجال من بعض أبناء جلدتنا ممن يتكلمون بلغتنا وينتسبون لديننا سواء كان ذلك على جهة التعريض أو التلميح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة إنما يحملون من خلال هذه الدعوة معاول هدم لأمن أوطانهم ، وسعادة مجتمعاتهم وترابط أسرهم ، وكرامة نسائهم وغيرة رجالهم ، إن العقلاء في البلاد التي جربت الاختلاط بعد أن شاهدوا آثاره المضرة ومساوئه المتعددة نادوا بقوة بمنع اختلاط النساء بالرجال في بلادهم بعد أن أحسوا أنها تهددهم في قوتهم .(38/107)
(عن مجلة الدعوة)
ـــــــــــــــــــ
تزوج .. وعش سعيداً!!!
دراسة حديثة أصدرتها جامعة لوحاذو السويسرية تتعلق بالفوائد الصحية للزواج ، تثبت أن الزواج يقي الرجال والنساء متاعب الصداع العارض والمزمن، حيث يساعد الشعور النفسي بالعلاقة المستديمة المستقرة على تخفيف حدة توتر الجسم وإفراز هرمونات السعادة بكم أكبر من هرمونات القلق والخوف والحزن.. كما أكدت الدراسة أن الزواج المبكر يساعد الإنسان على التخلص من غالبية أشكال الضغوط النفسية والعصبية ومن توابع مشكلات العمل والاصطدام بالمجتمع ويساعد الزواج أيضاً على علاج الأرق وقلة ساعات النوم وعلى التخلص من السعرات الزائدة أولاً بأول وبمعدل لا يقل عن (200) سعر حراري في كل لقاء وهو يعادل ممارسة الرياضة لمدة (40) دقيقة للرجال، وعلى الاحتفاظ بحيوية الرجل لأطول سنوات ممكنة، وعلى وقايته من سرطان البروستاتا بنسبة لا تقل عن 85% .. كما أكدت الدراسة أن الزواج يفيد في تقوية عضلات القلب وتنشيط الدورة الدموية واستنشاق كميات إضافية من الأكسجين يستفيد منها الجسم فتعطيه مزيداً من الطاقة.. ومن أهم ما أشارت إليه الدراسة التي أجريت على خمسة آلاف من المتزوجين من الجنسين، أن الزواج يساعد الفرد على الاستقرار الفكري والعاطفي والجسدي وعدم توافر هذه العناصر أو أحداها في الزواج سيكون له رد فعلي على حياة الزوج والزوجة.. وقد أكد الخمسة آلاف الذين تم تطبيق الدراسة عليهم أن حياتهم الآن هي أفضل بكثير من قبل الزواج.. وأكدوا جميعاً أن للأطفال في حياتهم الزوجية دوراً كبيراً في إضفاء العلاقة الزوجية السعيدة والتفاهم والمحافظة على كيان الأسرة.. وذكرت الدراسة أن من أهم ما يقلق المتزوجين عدم التفاهم.. وعدم المصداقية.. والبخل.. والسيطرة.. وأقوى ما يقرب بعضهم بعضاً.. الحب.. التفاهم.. الإخلاص.. والمصداقية والاهتمام بمصالح بعضهم بعضاً.. وتأدية واجباتهم الزوجية على أكمل وجه.
وتختتم الدراسة نتائجها بالقول: «ليس من الصعب أن تتزوج.. ولكن ليس من السهل أيضاً أن تكون زوجاً سعيداً.. دائماً»
ـــــــــــــــــــ
جميعة نسائية في مصر تدعو إلى تعدد الزوجات
في الوقت الذي تقاوم فيه جمعيات المرأة المصرية تعدد الزوجات وتطالب بقانون للأحوال الشخصية يمنع ذلك، ورغم الضجة التي أثارها المسلسل التليفزيوني "عائلة الحاج متولي" إلا أن الكاتبة الصحافية هيام دربك فاجأت المجتمع المصري بتأسيس جمعية نسائية أطلقت عليها " الحق في الزواج" تنادي بضرورة تعدد الزوجات، باعتبار أن زوجة واحدة لا تكفي، مشيرة إلى أن ذلك سيساهم إلى حد كبير في القضاء على مشكلة العنوسة التي تفشت في العالم العربي عامة ومصر خاصة خلال السنوات الأخيرة.(38/108)
وقوبلت هذه الجمعية الجديدة برفض شديد وتعرضت للنقد من غالبية النساء في مصر، بينما ساندها الرجال بقوة.
وقالت الصحافية هيام: "أولاً : أنا لا أعترف بحقوق المرأة التي استحدثت مؤخراً وأرى أنها كلها مفتعلة ، فالمرأة حصلت على حقوقها كاملة قبل 14 قرناً، أي منذ دخول الإسلام مصر والمنطقة العربية.
ثانيا ً: هل الجريمة هي الزواج مثنى وثلاث ورباع بشرط العدل بين الزوجات، أم أن الجريمة الحقيقية هي ترك الفتيات فريسة للعنوسة ، وتصعيب الأمر على الشباب بمطالب الزواج الباهظة ؟ لذلك أرى أن تعدد الزوجات فريضة أصبحت غائبة بسبب أنانية النساء العربيات بوجه عام، لدرجة منعهن لشرع الله بإثارة المشاكل وطلب الطلاق الذي يجعل الرجل مكتوف اليدين خوفاً من تشريد الأسرة والأبناء ، فلولا أن الله سبحانه وتعالى يعلم أن الرجل سوف يحتاج في حياته إلى أكثر من امرأة ما كان سبحانه وتعالى حلل ذلك للرجل وأعطاه رخصة للزواج من أربع نساء بشرط وحيد يستطيعه أي رجل وهو "العدل".
وحول الثورة النسائية التي قامت على أفكار هذه الجمعية قالت دربك: إن هذه الثورة لم تغير من موقفها، بل أثبتت أن المرأة أنانية، لذلك فهي تدعو كل النساء إلى أن لا يدفن رؤوسهن في الرمل مثل النعامة ؛ لأن الظاهرة موجودة بالفعل، والمؤسف أن بعض الزوجات يقبلن أن تكون لأزواجهن علاقات خفية بأخريات، لكنهنَّ يرفضن زواجهم عليهنَّ، مع أن ما هو في صالح الزوجة أنها إذا رأت أن زوجها بحاجة إلى الزواج من امرأة أخرى فعليها أن تساعده في إقامة علاقة زواج بدلاً من إقامة علاقة خفية.
وأكدت هيام دربك : أن هناك إقبالاً شديداً من الفتيات للانضمام إلى جمعيتها وهذه كانت مفاجأة كبرى لها، وكلهن على درجة كبيرة من الوعي والثقافة ، كما أن كثيراً من الفتيات يتصلن للاستفسار عن الجمعية ونشاطها، وهناك أعضاء من دول عربية انضممن إلى الجمعية ، حيث وصل عددهن إلى ما يزيد عن 70 امرأة حتى الآن.
وتقول أنها لولا انشغالها بعملها كصحافية لتضاعف هذا العدد وانتشرت الفكرة بصورة أكبر في كل الدول العربية.
أما عن دور الرجال في هذه الجمعية وشروط عضويتهم فيها فتقول: كلهم موافقون على الفكرة ؛ لأنها تحقق ما يرجونه، أما شروط العضوية فيه مفتوحة للفتيات والسيدات فقط .
ـــــــــــــــــــ
الخادمة مشكلة تبحث عن حل
لا تزال " الشغالة " تشكل بؤرة توتر وإشكال في المجتمع الإسلامي ، وخصوصًا في المجتمعات الخليجية ، وكثيرًا ما تجاذب هذه المشكلة رؤيتان متناقضتان ؛ بين مؤيد ومعارض . في هذا السياق يأتي كتاب " حكايتي مع شغالتي " ليقدم (بالاعتماد على البحث الميداني ودراسات سابقة) رؤية لا تتسم بالواقعية فحسب ، بل يتداخل فيها الدين والأخلاق والاقتصاد بالواقع ، في مشكلة - هي أصلاً - تتوزع بين هذه المستويات كشأن كثير من الظواهر الاجتماعية .(38/109)
وطباعة الكتاب للمرة الرابعة لا تؤكد على أهمية المشكلة فقط ؛ بقدر ما تشير إلى الإقبال عليه ، ووقوعه موقعًا حسنًا لدى القارئ .
لكن يجب التساؤل في سياق الحديث عن " وجود الخادمة " هل يمكن لنا أن نفض الاشتباك بين كون الخادمة " حاجة " ، وبين كونها نوعًا من التقليد ، و"التباهي" ؟ وهل يعتبر الحرص على وجودها تلبية لرغبة "سيادة " كامنة في نفس المرأة صاحبة المنزل تسعى لممارستها ، أم يكون قناعًا "مختلفًا" لكسل الزوجة وتقاعسها عن أداء مهامها ؟ وبعيدًا عن كل ذلك هل هنالك "صلة ما " بين انتشار الخادمات وخروج المرأة للعمل ؟ أسئلة كثيرة كنا نود من المؤلفة أن تبحثها بعمق في بعدها الثقافي في صفحات كتابها .
يسعى المؤيدون لضرورة وجود الخادمة إلى التأكيد على فكرة " المساعدة " لسيدة البيت في القيام بمهامها ؛ ما يعود على الأسرة بالنفع من خلال تلبية احتياجاتها ، كما يصبح بمقدور الزوجة التفرغ للزوج ومتابعة الأبناء ؛ فضلاً عن فوائد تقتضيها الظروف الخاصة كالمرض أو نحوه .
لكن هذا التبرير يحتوي على قدر كبير من التبسيط والاختزال ؛ إذ إنه يغض الطرف عن الإشكاليات التي يحدثها وجود "الخادمة" ؛ بدءًا من مشكلة "الاختلاط" سواء بوجود الخادم أم الخادمة ؛ وهو لا يمكن تجنبه في كلا الحالين ؛ لأنه يتنافى مع طبيعة المهنة نفسها ؛ الأمر الذي أدى في كثير من الأسر إلى تجاهل أو تناسي "غربة" الخادمة أو الخادم والتعامل معها/معه على أنه واحد من أفراد الأسرة من حيث كشف المستور ، والبوح بالأسرار على مسمع منها !.
هذا الاختلاط يجرنا إلى معضلة "تربية الأبناء" (إما بالمباشرة أو بالتجاور والمشاهدة) تربية مختلفة إما ثقافياً أو دينيًا أو اجتماعيًا أو كلها معًا ؛ لأن فئة الخادمات والسائقين ، عادة ما تكون من فئة ذوي التعليم المحدود، أو من ذوات التنشئة غير المَرْضية ، بل إن الاعتماد على الخادمة يساهم في إشاعة "الكسل" في أفراد الأسرة وعدم تحمل المسؤولية نتيجة الاتكال على الغير دائماً ؛ الأمر الذي يتحول إلى ما يشبه حالة "الشلل" في حال غياب الخادمة ! فضلاً عن أنه كثيرًا ما يسبب جهالة البنات في الأمور المنزلية لكنهن لا يدركن ذلك إلا حين يتزوجن .
كما يجرنا إلى مخاطر أخلاقية نتيجة إلغاء الحواجز النفسية والاجتماعية وغيرها ؛ الأمر الذي ربما يفضي إلى إفشاء أسرار البيوت أو محاولات الابتزاز أو السرقة أو نحو ذلك . فضلاً عن مخاطر "الدعارة المقنعة" بستار الخادمات !.
مشكلة أخرى "قيمية" نقع بها جراء استقدام الخادمات وقيام شركات متخصصة بذلك ؛ الأمر الذي يذكر بمرحلة المتاجرة بالعبيد في مرحلة الرق ، والأمر الأخطر أن بعض الأسر تتناسى أو تتجاهل "آدمية " الخادمة فتعاملها بدونية بغيضة رؤية وسلوكاً .
وتأتي الإحصائيات لتؤكد فداحة المشكلة وتغلغلها في مجتمعاتنا ؛ حيث تبين أن 3% من العمالة المنزلية فقط من الدول العربية ، في حين أن 97% هي عمالة غير عربية.(38/110)
وفي إحدى الدراسات الإحصائية تبين من العينة أن هناك 29% من الأسر السعودية لديها سائق خاص، وأن 77% من الأسر لديها خادمة في البيت.
أما في قطر فإن 16% من سكان البلد من المستقدمين للخدمة في البيوت . بل إنهم يتكلمون لغتهم الأصلية بدلاً من العربية ، وهناك إحصائية تقول : إن 78% من العينة المدروسة أجابت بأنها تفهم كلام الخادمات بلغتهم الأصلية !.
وفي الكويت هناك مائتا ألف خادم لمليوني شخص !.
إن الذين يلحون على وجود الخادمة ، وتسيطر عليهم فكرة الحاجة إلى "مساعدة" ، لا بد أن يَعوا ، وبالدرجة نفسها ، أن هذه الخادمة إنسانة لها حقوق إنسانية وشرعية عليهم تأمينها ومراعاتها بدءًا من السكن المناسب إلى المعاملة والإحسان إليها ، ومنحها الثقة والأمان .
وتختم المؤلفة كتابها باقتراح حلول تجدها كافية لمعالجة هذه المشاكل تتلخص في إلقاء بعض المسؤولية على المجتمع ككل في تأمين دور حضانة للنساء العاملات ، والسماح بخروج الرجل من عمله لإحضار أو توصيل زوجته للعمل . لكن الكاتبة هنا تتغاضى عن مشكلة دور الحضانة نفسها ، والآثار السلبية لعمل المرأة لتعالج بها مشاكل الخادمات !
ومن الحلول أيضاً - في نظر المؤلفة - تعاون أفراد الأسرة على خدمة أنفسهم قدر الإمكان وتوزيع المسؤوليات ، وعدم تقليد الأغنياء في استقدام الخادمات ، واقتصار استقدامهن في حالة الضرورة القصوى فقط. وتشكيل لجنة اجتماعية تقرر مدى الحاجة إلى استقدامهن.
ــــــــ
الخادمة .. مشكلة تبحث عن حل
الكتاب : حكايتي مع شغالتي
المؤلف: بثينة السيد العراقي
الناشر: دار طويق - الري
ـــــــــــــــــــ
الإسلام والحقوق الزوجية للسجناء
للسجون طبيعتها الخاصة التي تميزها عن غيرها من أنماط المعيشة الإنسانية، فهي تعني العزلة
عن العالم الخارجي والابتعاد القسري للسجين عن الأهل والزوجة والأولاد، وثمة رهط كبير من السجناء يقضون في "الزنزانات" مددا طويلة لا يرون فيها أهلهم إلا لماما مما جعل كثيرا من منظمات حقوق الإنسان تنادي بضرورة العناية بحقوق السجناء، وتوفير بعض الأسباب التي تحفظهم من الانحرافات الجنسية والأخلاقية.
ولا شك أن وجود السجين داخل السجن لا يخرجه عن طبيعته البشرية، فهو بحاجة إلى مأكل ومشرب وعناية، كما أنه بحاجة إلى إرواء غريزته الجنسية، وإذا كانت الحكومات توفر لأولئك الأشخاص قدرا معقولا من المأكل والمشرب، فلماذا لا توفر لههم بقية حقوقهم الإنسانية، ولاسيما حق الخلوة بالزوجة أو الزوج؟ فما هي نظرة علماء الشريعة الإسلامية تجاه هذا الأمر؟(38/111)
عقوبة دخيلة!!
بداية يقول الشيخ محمد العباسي إن الإسلام لم يعرف نظام السجون بوضعها الحالي، بل إن هذه العقوبة، وهي عقوبة السجن بهذا الشكل، وردت إلينا من خلال القوانين والأنظمة الغربية، والإسلام ليس فيه إلا الحدود والتعزيرات والعقوبات المالية، وهي تتم مباشرة بمجرد الانتهاء من القضية وظهور الحقيقة، وإن احتيج في هذه الحالة إلى السجن فإنما هو لأيام معدودة لحين الانتهاء من تنفيذ الحكم.
ويبين الشيخ العباسي مخاطر بقاء السجين هذه الفترات الطويلة داخل السجن بما يترتب عليه ضياع الأولاد وتشتتهم وانحرافهم لعدم وجود من يربيهم ويرعاهم ويوجههم، أضف إلى ذلك المخاطر التي تحيط بهم لعدم وجود عائل يوفر لهم متطلباتهم واحتياجاتهم.
وهذا ما يؤكد عليه د. محمد المسير الأستاذ بجامعة الأزهر، فهو يرى أن السجن بوضعه الحالي حيث يودع الإنسان بداخله لسنوات طويلة ليس عقوبة شرعية، ويترتب على ذلك العديد من المفاسد، إذ تحدث بين السجناء الكثير من المهازل الأخلاقية والانحرافات السلوكية جراء مكوثهم الطويل في السجون.
ويضيف د. المسير أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فعقوبة السجن هذه في الحقيقة لا تقتصر على السجين وحده، بل تشمل الأسرة بما فيها من حرمان الزوجة من حقوقها الجنسية، وحرمان الأطفال من حنان وعاطفة الأبوة، وهذا كله مناف لمقاصد الشريعة الإسلامية التي تقتصر العقوبة فيها على الجاني فقط. وهنا يشدد د. المسير على أن أفضل الحلول الشرعية في عقاب الجاني تتمثل في الجلد أو الرجم أو القتل، أي تطبيق الحدود الشرعية.
عقوبة شخصية!
ولكن إذا كان هذا هو واقع الأمر في كثير من البلدان الإسلامية، فماذا عن حق الزوج السجين تجاه زوجته، وهل له في هذه الحالة الحق في الخلو بزوجته؟
يبين د. محمد رأفت عثمان الأستاذ بجامعة الأزهر أن العقوبة التي يقضيها المسجون هي عقوبة شخصية نظير خطأ وقع منه هو أو مخالفة ارتكبها ، وبالتالي يجب ألا يتعدى أثر العقوبة لأسرته خاصة الحقوق الجنسية للزوجة.
ويلفت د. رأفت عثمان الانتباه إلى ثلاثة أمور هامة لبيان الحكم في هذه المسألة، فمن المسلمات أن زوجة السجين لم تنقطع صلتها به، فالرابطة الزوجية قائمة، ثم إن الغريزة الجنسية موجودة لدى الرجل المحكوم عليه بالسجن، وأيضا لا يجوز أن يتعدى أثر العقوبة لأحد خلاف الجاني المستحق لها كالزوجة وغيرها، ويبين د. رأفت أنه من خلال ما سبق يتضح حق السجين في الخلوة بزوجته وضرورة توفير هذا الأمر له لأن الرغبات والغرائز لا يصح إغفالها أو التغافل عنها، خاصة وأن تجاهلها وإهمالها يؤدي إلى تأثيرات نفسية وسلوكية غير سوية ، وهو طريق آخر لانحراف السجناء ، والحل الصحيح هو السماح بلقاء خاص في مكان مهيأ بين السجين وزوجته، إذ ليس في الشريعة الإسلامية ما يمنع من ذلك وفق ظروف إنسانية لا تخدش حياء السجين أو زوجته.
إهمال الحقوق الزوجية تؤدي للشذوذ(38/112)
وهذا الرأي الذي ذهب إليه د. رأفت هو ما يراه الشيخ العباسي، ويضيف قائلا: إن ما يحدث في كثير من السجون من انتشار اللواط بين السجناء وسائر الانحرافات الخلقية ما هي إلا نتيجة لإهمال مثل هذا الأمر وعدم مراعاته، أضف إلى ذلك نقطة أخرى خطيرة تتلخص في أن الغريزة لا تقتصر على الرجل فقط، بل هي أمر فطري في الزوجة، وإهماله وعدم مراعاته قد يؤدي إلى انحراف الزوجة وطلب تلبية هذه الغريزة بغير الطريق الشرعي لها، وهو يؤدي ولا شك إلى فساد المجتمع وظهور الزنى وغيره، وقد عملت الشريعة الإسلامية على سد كل الطرق المفضية إلى انتشار الفحشاء بين الناس، وعملت كذلك على حماية الفرد والمجتمع من طرق الغواية.
ويؤكد كل من د. رأفت والشيخ العباسي على ضرورة أن يكون هناك مكان آمن مجهز يجتمع فيه الرجل بزوجته بحيث لا يطلع عليهما أحد، وأن يكون هذا بصفة دورية.
ومع موافقة د. المسير للرأي السابق إلا أنه يعترض على إتمام الخلوة الشرعية بين السجين وزوجته داخل السجن، لأن مثل هذا الأمر في نظر د. المسير قتل للحياء وفضيحة أخرى لهما، ويقترح د. المسير أن يخرج السجين كل فترة ليعيش بين أسرته في ظل حراسة مشددة، وكذلك إذا كانت الزوجة هي السجينة، ففي هذا تقويم للأسرة كلها، ويشعر السجين بالدفء الأسري الذي افتقده، مما يدفعه للعمل على تهذيب نفسه وخلقه ويمنعه من الانزلاق في الجريمة مرة أخرى.
فتوى مفتي مصر
الجدير بالذكر أن فضيلة د. نصر فريد واصل مفتي مصر السابق قد أصدر فتوى بهذا الخصوص أثناء توليه منصب الإفتاء، ومما جاء فيها "إن السجن عقوبة شخصية وليس عقوبة جماعية، لقوله تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" أي أن العقوبة لا تنتقل إلى شخص آخر، ومن حق زوجة المسجون ألا تحرم من الحقوق الزوجية الخاصة؛ لأن الحياة الزوجية إذا استمرت بين الزوجين، ولم تطلب الزوجة الطلاق بعد دخول زوجها السجن، فمن المفروض أن تكون هناك حقوق زوجية شخصية خاصة بين الزوجين ـ أي المعاشرة الزوجية ـ حفاظًا على الأسرة والأبناء ".
وأضاف فضيلته أن الخلوة الشرعية بين المسجون وزوجته ليست نوعًا من الترفيه، بل هي واجب شرعي، لأن العلاقات الزوجية عبادة كالصلاة والزكاة، وقمة العبادة هي ارتباط العلاقة الزوجية بما يحقق الغرض منها، وهو بناء أسرة سليمة اجتماعيا ووجود النسل الصالح، مشيرا إلى أن توفير الخلوة الشرعية بين المسجون وزوجته سوف يحقق غرضين:
الأول: توبة الشخص توبة نصوحا، لأنه سيكون مرتبطًا بأسرته، وبالتالي سيحرص على عدم العودة للسجن مرة أخرى.
الثاني: الحفاظ على الأسرة من التفكك والانحراف، وخاصة إذا كانت الزوجة شابة صغيرة وليس لديها القدرة على الصبر على البعد عن زوجها.(38/113)
وفي الختام نشير إلى أن بعض الحكومات في العالم الإسلامي قد أخذت بمبدأ السماح للسجين الالتقاء بأسرته وإتاحة الخلوة، كما هو معمول به في المملكة العربية السعودية حيث أقيمت ملحقات سكنية مجهزة بجانب السجون يتم من خلالها وفق جدول معين السماح بالخلوة بين الزوج السجين وزوجته.
ـــــــــــــــــــ
معالم في طريق السعادة الزوجية
بعد أن انتهت مراسم حفل الزفاف الذي كان متميزاً في كل شيء: متميزاً في بساطته وبعده عن التكلف والإسراف، وفي خلوه من منكرات الأفراح، اختلى العروسان في غرفتهما الخاصة، وما هي سوى لحظات حتى مد الشاب يده ووضعها على رأس عروسه، ثم دعى بالدعاء المأثور: (اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه) ، ثم توضأ وصلى بها ركعتين، وبعدها رفعا أيديهما بالابتهال إلى الله تعالى أن يوفقهما في حياتهما الجديدة، وأن يحفظ بيتهما الصغير من كل شر، وأن يجمع بينهما في خير.
بعدها جلسا يحددان الأسس التي سوف يقوم عليها بناء حياتهما الزوجية، والمعالم التي سوف يستضيء بها زورقهما الصغير وهو يسلك طريقه عبر الأمواج إلى بر الأمان. فكان مما اتفقا عليه:
أولاً: سلامة النية:
فالنية هي أساس الأمر ولبه، وهي التي تتفاضل بها الأعمال، وبصلاحها يتحول العمل من عادة إلى عبادة، يأجر الله عباده عليها. فاتفقا على أن يعقدا قلبيهما على نية صالحة في زواجهما؛ بأن ينطلقا في حياتهما الزوجيه من المنطلقات التالية:
- الاستجابة لأمر النبي-صلى الله عليه وسلم- لشباب أمته بالمبادرة إلى الزواج في مثل قوله: (يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج..).
- احتساب إحصان الفرج وغض البصر وإعفاف النفس، وبهذه النية يحصل الزوجان على عهد من الله تعالى بالعون والتوفيق، قال: (ثلاثة حق على الله تعالى عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف) ، ومن أوفى بعهده من الله!.
- احتساب أجر إقامة البيت المسلم وفق منهج الله تعالى.
- احتساب إنجاب الذرية الصالحة التي توحد الله؛ وتكثّر سواد الأمة التي يباهي بها النبي-صلى الله عليه وسلم- الأمم يوم القيامة، واحتساب تربيتهم التربية الإسلامية؛ لعل الله أن يخرج منهم من يحمل همّ هذا الدين، ويقوده إلى النصر والتمكين، أو لعل الله يوفق بعضهم ليكونوا علماءً أفذاذاً أو مجاهدين أبطالاً.
- احتساب أجر النفقة على الزوجة والعيال، قال: (إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة) .
- فإذا عقد الزوجان قلبيهما على هذه النية: صارت كل لحظة من حياتهما الزوجية عبادة يؤجران عليها، فيا لها من أجور عظيمة.
ثانياً: التعاون على الطاعة:(38/114)
بأن يحض كل منهما الآخر على عمل الخير ويشجعه عليه، قال: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل تصلي فأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء) ، فإن لم يكن التشجيع على الطاعة فلا أقل من عدم الوقوف عقبة في سبيلها، فكم من زوجة وقفت في طريق زوجها للعبادة أو طلب العلم أو الجهاد أو الدعوة بكثرة طلباتها وعدم استعدادها للتضحية بشيء يسير من حقوقها، والعكس صحيح، قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ)) [المنافقون: 9] .
ثالثاً : إقامة البيت المسلم والأسرة المسلمة
و هذا وفق شرع الله وسنة نبيه-صلى الله عليه وسلم-، فلا يقْدِمان على خطوة إلا بعد أن يعلما حكم الله ورسوله فيها، فإن علماه لم يُقَدّما عليه شيئاً أبداً: عرفاً، أو عادة، أو هوى، ويستعليان بعقيدتهما، ويقفان بصلابة أمام التيار المضاد، يضربان المثل والقدوة فيما ينبغي أن تكون عليه الأسرة المسلمة والبيت المسلم بقدر استطاعتهم، فياله حينذاك - من بيت مبارك تعبق أنحاؤه بآيات الذكر الحكيم، ويفوح من جنباته أريج سنة خير المرسلين.
رابعاً : بناء حياتهما على المحبة والرحمة والمودة والعشرة الحسنة
امتثالاً لأمر الله ورسوله، فالميثاق غليظ عقده الله (عز وجل) ورتب عليه الثواب والعقاب، ولا يمكن - في التصور الإسلامي - أن يكون بين الزوجين حقد أو بغضاء أو حسد، كيف وقد أفضى بعضهم إلى بعض، يقول سيد قطب (رحمه الله) في تفسير قوله تعالى: ((وَكَيْفَ تَاًخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً)) [النساء: 21]: (لا يقف لفظ (أفضى) عند حدود الجسد وإفضاءاته، بل يشمل المشاعر والعواطف والوجدانات والتصورات والأسرار والهموم، يدع اللفظ يرسم عشرات الصور لتلك الحياة المشتركة آناء الليل وأطراف النهار، وعشرات الذكريات لتلك المؤسسة التي ضمتهما فترة من الزمان، وفي اختلاجة حب إفضاء، وفي نظرة ود إفضاء، وفي كل لمسة جسم إفضاء، وفي كل اشتراك في ألم أو أمل إفضاء...) .
والأحاديث الصحيحة تكاد لا تحصى في الحض على حسن العشرة بين الزوجين، كما أن السيرة العطرة مليئة بالنماذج العملية من حياة النبي-صلى الله عليه وسلم- على الحياة الزوجية الهانئة الجميلة في البيت النبوي الكريم.
خامساً : لا تمنع المحبة والعشرة بالمعروف بين الزوجين من أن يكونا حازمين مع بعضهما في التربية والتوجيه وخاصة من ناحية الزوج، فمحارم الله (عز وجل) لا مداهنة فيها، والتقصير في الأمور الشرعية لا يمكن السكوت عنه، فها هو النبي-صلى الله عليه وسلم- يدلل زوجاته أرق الدلال، فكان يدلل عائشة (رضي الله عنها) بقوله: (يا عائش)(7)، (يا حميراء)، وكانت تشرب من الإناء وهي حائض، فيأخذه النبي-صلى الله عليه وسلم- فيضع فاه على موضع فيها، وكان يقبّل نساءه وهو صائم ، ولكنه مع هذا كله لم يقم لغضبه شيء إذا انتهكت حرمات الله، قالت عائشة (رضي الله عنها): (حشوت وسادة النبي-صلى الله عليه وسلم- فيها تماثيل كأنها(38/115)
نمرقة، فقام بين البابين وجعل يتغير وجهه، فقلت: ما لنا يا رسول الله؟ قال: ما بال هذه الوسادة؟ قالت: وسادة جعلتها لك لتضطجع عليها، قال: أما علمت أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة...) .. وغير ذلك كثير.
سادساً: أن يكونا لبعضهما كما كان أبو الدرداء وأم الدرداء (رضي الله عنهما): كانت إذا غضب سكتت واسترضته، وإذا غضبت سكت واسترضاها، وكان هذا منهجاً انتهجاه من يوم زواجهما، وياله من منهج حكيم، فكم من البيوت هدمت، وكم من الأسر انهارت بسبب غضب الزوجين معاً وعدم تحمل أحدهما للآخر.
سابعاً: الزوجان بشر: ومن طبيعة البشر الخطأ والنقص، فإن وقع الخطأ والتقصير من أحد الزوجين في حق الطرف الآخر - إذا كان من الأمور الدنيوية - فعلى الطرف الآخر الصفح والعفو، فلا ينسى حسنات دهر أمام زلة يوم، وعليهما أن يغضا الطرف عن الهفوات الصغيرة مع التنبيه بأسلوب لطيف ليس فيه جرح للكرامة أو إهانة، ولهذا نهى النبي-صلى الله عليه وسلم- أن يطرق الرجل أهله ليلاً، وأن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم ، وكان هذا أسلوب النبي-صلى الله عليه وسلم-، فعن أم المؤمنين أم سلمة (رضي الله عنها): أنها أتت بطعام في صحفة لها إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فجاءت عائشة مئتزرة بكساء، ومعها فِهْر أي حجر، ففلقت به الصحفة، فجمع النبي-صلى الله عليه وسلم- بين فلقتي الصحفة وهو يقول: (كلوا، غارت أمكم) مرتين . فيا له من معلم حكيم صبر على هذا الخطأ العظيم من عائشة، وعالجه بالصفح والحلم والتماس العذر.
ثامناً: المشكلات والعيوب والنقائص تبقى بين الزوجين فلا يطلع عليها الأهل والأقارب، لأن هذه الحياة حياة سرية ولا بد أن تبقى بين الزوجين، فالغالب على هذه المشاكل أنها إذا خرجت عن نطاق الزوجين فإنها تتطور وتتعقد، إلا إن وجد الزوجان أن الحياة بينهما أضحت مستحيلة، فإن لهما أن يشركا بعض المقربين من ذوي الدين والعقل للمساعدة في حل هذه المشكلات.
تاسعاً: أن يوضح كل منهما للآخر من أول يوم أهدافه في الحياة على المدى البعيد والقريب والوسائل التي يستخدمها للوصول إلى هذه الأهداف، فيكون لهما أهداف مشتركة يتعاونان عليها، كما يكون لكل منهما أهداف خاصة به، ولا بأس من أن يطلع زوجه عليها لكي يساعده عليها؛ ولا يقف حائلاً بينه وبين تحقيقها.
إذا وضع الزوجان المباركان هذه الأسس نصب أعينهما، وسجلاها في ورقة يكون مع كل واحد منهما نسخة منها، بحيث تكون ميثاقاً بينهما يراجعانه بين الحين والحين، واتفقا بألا تكون هذه الأسس والمعالم حبراً على ورق، بل تتحول إلى واقع يحاولان تطبيقه قدر المستطاع، ويذكر أحدهما الآخر بأن المسألة صعبة تحتاج إلى مجاهدة وصبر وتربية، وتعاهدا على المحاولة الجادة لتنفيذها.. فهذه معالم مباركات لكل زوجين وكل شاب وشابة مقبلان على الزواج، ينشدان السعادة الزوجية.. والله الموفق.
ـــــــــــــــــــ
مرتب الزوجة نعمة في طيها ألف نقمة(38/116)
يحلم كثير من شباب اليوم أن يتزوج امرأة عاملة، تتعاون معه على مجابهة مصاريف الحياة المتضخمة. لكن كثيرا من هذا الكثير، سرعان ما يكتشف أن مرتب الزوجة إنما هو نعمة في طيها ألف نقمة.
التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي مست المجتمع المغربي في الصميم، وأحدثت به تغييرات جذرية على مختلف المستويات، فتحت للمرأة أبواب الخروج إلى سوق الشغل، والانتساب إلى ذوي المرتبات الشهرية أو الأسبوعية. وبدا هذا الخروج، لأصحابه، نعمة تجود بمضاعفة دخل الأسرة لتحقيق حياة أفضل، حتى لا نقول أرغد.
لكن مساهمة المرأة في مصاريف بيت الزوجية، رغم ما وفرته من ارتفاع نسبي في المستوى المعيشي للأسر، فإنها في الوقت ذاته فجرت كثيرا من النزاعات الأسرية التي انتهى بعضها بالطلاق..
الرجال قوامون
لا خلاف هنا في أن الزوج مسؤول، ومكلف شرعا، بتغطية مصاريف الحياة الزوجية المتنوعة، سواء كفاه مرتبه لذلك أو لم يكفه. لكن الخلاف، كل الخلاف، إنما هو في مرتب الزوجة العاملة، فبعضهن يتشبثن باعتقادهن أن على الزوج أن يتحمل مسؤوليات الحياة الزوجية كاملة، فلا يطمع في مال زوجته. وهو واقع يرفضه الأزواج، خاصة ذوي الاحتياج، مما يتسبب في اشتعال نزاعات زوجية لا تنتهي، إلا بالطلاق.
المحاكم الشرعية التي تبذل قصارى جهود الصلح، تتصرف على أساس أن "للمرأة المسلمة ذمة مالية مستقلة، لا يعتريها النقص من قوامة الرجل"، وأن "الرجل هو المسؤول عن النفقة عليها وعلى أولادها". ذلك أن مدونة (قانون) الأحوال الشخصية، التي تنظم العلاقات الزوجية في المغرب، كررت في أكثر من موضع أن الزوج لا يملك أية ولاية على شخص زوجته، ولا بالأحرى على أموالها وذمتها المالية. فهي تقر للزوجة حقوقا مالية في مال زوجها، لم تقر مثلها للزوج في مال زوجته.
الباحث المغربي الدكتور عبد الرحمن العمراني يقترح حلولا لمعالجة نازلة مدى استحقاق المرأة الموظفة للنفقة، فيورد ثلاث حالات:
1- إذا تزوجها موظفة، واشترط عليها عند عقد الزواج أن تساهم معه في النفقة جزاء خروجها للعمل، فيجب عليها أن تستجيب، لأن الوفاء بالعقود واجب.
2- إذا تزوجها غير موظفة، ولم يشترط عليها (المساهمة في النفقة)، وحدث أن اشتغلت بعد عقد الزواج، فإن المشكل يحل بالاتفاق والتراضي.
3- في حالة عسر الزوج، لها الخيار بين أن تتطوع بمالها إذا كانت موسرة، أو أن تصبر حتى يجعل الله بعد عسر يسرا، أو أن تختار الطلاق ويستجاب لها. والصبر خير، مراعاة للأبناء وللعلاقة الزوجية.
مرتبات متواضعة
في بحثه حول "تطور سوق الشغل في الوسط النسوي المغربي"، يؤكد الدكتور عمر الكتاني أن دخول المرأة المغربية لسوق الشغل إنما هو استجابة لحاجة وضرورة(38/117)
وضغوط اجتماعية واقتصادية، أكثر من كونه تعبيرا عن رقي اجتماعي وأسري، وذلك بالنظر إلى المستوى التعليمي العام للمرأة العاملة، والذي يبقى منحصرا في مستويات متدنية، مما يجعل وضعها متواضعا جدا في السلم الاجتماعي.
وكثير من النزاعات الأسرية فجرتها مرتبات متواضعة جدا. يريدها الزوج كاملة لتغطية المصاريف، فيما تراها الزوجة حقا مكتسبا، تساعد منه والديها، وربما إخوتها أيضا، وتصرف منه على هندامها وحليها.
ويفيد تقرير صحافي أن كثيرا من النساء العاملات يعتبرن مرتبهن بمثابة نقمة لا غنى عنها. خاصة منهن ذوات الدخل المحدود. فالواحدة منهن تجد نفسها مضطرة لتقاسمه مع الزوج، بشكل أو بآخر، بينما المرتب كله لا يكفي لا حاجيات الزوج، ولا رغبات الزوجة.
وتقول الموظفة سناء : إن مجمل الموظفات البسيطات يحسدن النساء اللائي اخترن التفرغ للبيت، وتركن للزوج مسؤولية الصرف كاملة.
كما أن هناك نساء يتحسرن لأنهن لا يستمتعن بدرهم واحد من مرتباتهن، التي يصرفنها كاملة على أولادهن، خصوصا حين يكبرون، وتكبر حاجياتهم.
تدبير الإشكالية
ليس هناك نظام لتدبير هذه الإشكالية الاجتماعية الملحة، التي زلزلت العلاقات داخل الأسرة الحديثة، وما تزال تشكل أبرز أسباب النزاعات الزوجية. والمؤكد أن كل أسرة تفك هذه الإشكالية بمعرفتها، وفق ميزان القوى الرابط بين طرفيها.
بالنسبة للأستاذة نعيمة ، فالزوج يدفع إيجار المسكن ويتولى المصروف اليومي، ويترك لها ملابس الأولاد، في زمن لم يعد لطلباتهم حدود.
الصحافية سميرة : تحكي عن صيدلية شابة كانت على علاقة مع شاب موظف من ذوي الدخل المحدود، ولما استقر عزمهما على الزواج، منتصف العام الماضي، اشترط عليها أن تلتزم معه كتابة بمبلغ ستة آلاف درهم تدفعها له مطلع كل شهر، حتى لا يضطر إلى أن يمد لها يده كل يوم. لكنها رفضت اقتراحه رفضا باتا، وحاولت أن تتوصل معه إلى اتفاق، دون جدوى، فقامت بفسخ الخطوبة، وتم إجهاض مشروع الزواج. ولم يتزوج أي منهما إلى اليوم.
المعلمة فاطمة تحفظ مثلا يقول "راجلك وما ولفتيه" (ما عودته)، ولذلك فهي لا تساهم في مصروف البيت بعود ثقاب. بل وتقول "إذا لم يشتر ملح الطعام، أطبخ الغداء دون ملح، كي لا أشجعه على أن يتناسى الزيت". وفي الوقت ذاته تؤكد أنها لا تطلب منه شيئا، فهي تتولى مصاريفها الشخصية كاملة، فيما يتولى هو مصاريفه الشخصية ومصاريف الأولاد، إضافة إلى الكراء والغذاء والدواء... أما في حالات الضيافة، فالمسألة بالنسبة لهذه العلاقة المعقدة بسيطة، إذا كان الزوار من أهل الزوج تكفل بهم، وإذا كانوا من عائلة الزوجة تولت أمرهم.
ويعترف بعض النساء أنهن إنما يرفضن إملاءات أزواجهن في المصاريف، ويفضلن أن يفعلن ذلك عن طيب خاطر.(38/118)
بينما تحرص المهندسة السعدية على اتباع المثل الشعبي "اللي بغات سعدها، تكمل من عندها". وتؤكد أن على المرأة أن تعطي لزوجها الإيحاء بأنه هو السيد، حتى وهو يتصرف في مرتبها.
وكما أن هناك زوجات يسلمن قيادة قارب الزوجية للأزواج ، هنا أزواج يرضخون للأمر الواقع، ويستسلمون لإملاءات الزوجة، حتى لو كانت متفرغة لبيتها ولا مدخول لها.
المحامية "حاء نون" : بدخلها الجيد، تصرف بحرية كاملة، لا يتدخل فيها الزوج، تغطي مصاريف الأولاد والمصروف اليومي، فيما يتكفل الزوج بالطوارئ.
وهناك زوجات يسلمن المركب للزوج، ويحولن لحسابه مرتبهن كاملا، ومنهن من يكفيها أن شريك حياتها يتكفل بكافة طلباتها المعقولة، دون الدخول في متاهات التفاصيل.
كما أن منهن من ابتلاها قدرها بزوج منحرف يبذر مرتبها ومرتبه في الملاهي والمعاصي، ويدفعها لتستدين مبلغا آخر لجلسة لهو أخرى.
من هذا النوع من الأزواج غير المسؤولين، تستخرج بعضهن النساء حكمتها في الحياة على أساس أن الزوج لا يؤتمن، فيسعين لاتخاذ احتياطات للمستقبل.
ومنهن من تتصرف في مرتبها بكامل الحرية دون أدنى استشارة مع الزوج أو أدنى مساهمة معه رغم ظروفه المادية الخانقة. فهو يستدين لدفع أقساط المدرسة أو فاتورة الكهرباء، وهي توفر مرتبها لتشتري سوارا ذهبيا جديدا، أو تخيط قفطانا آخر لعرس يمكن أن يقام الصيف المقبل.
بل ومن أزواج هذا الزمان من يستدين مرتب زوجته بوثيقة مكتوبة أو شيك ضمان، وإذا لم يوف الدين في الموعد تضغط عليه وتهدده بدفع الشيك للمحكمة.
وهناك نساء غير عاملات، يساعدن أزواجهن بأعمال يدوية ينجزنها في بيوتهن، من طرز أو خياطة أو حياكة تقليدية...، كما أن هناك زوجات من ذوات الدخل الجيد، طبيبات أو مهندسات أو محاميات أو.... يفضلن أزواجا محدودي الدخل، كي يستطعن بسط نوع من السيطرة، التي يدفعن مقابلها بعض المال للأزواج، وهو ما يشكل نقطة ضعف يعملن على استغلالها.
أما السيدة خديجة " ربة بيت "، فترى أن شراكة الحياة تعني الاشتراك في السراء والضراء، وتتساءل "هل استوعبنا التطورات الاجتماعية التي تشهدها البلاد؟"، مذكرة أن المجتمع التقليدي كان سليما من كل هذه البدع .
الداء والعدوى
والمؤكد أن الموضوع ليس حكرا على المجتمع المغربي، وإنما يتعداه إلى كافة البلدان العربية الإسلامية التي تعيش تطورات اجتماعية مماثلة. بل ويمتد ليشمل العالم الغربي. فقد أكدت دراسة أمريكية حديثة أن مرتب الزوجة أصبح من أبرز أسباب الخلافات الزوجية في بلاد العم سام. وعللت ذلك بسبب إصرار الزوجة أحيانا على عدم إدماج مرتبها مع مرتب زوجها في تغطية مصاريف الأسرة.
وأضافت هذه الدراسة، التي نشرت الصحف الأمريكية والدولية ملخصا لها في يوليو الماضي، أن إصرار الزوجة، من وقت لآخر، على التذكير أن لها دخلها(38/119)
المالي الخاص، أو التركيز على أن مرتبها يفوق مرتب الزوج، من الأمور التي تجرح كرامة الزوج، فلا يجد تنفسا لحالته النفسية غير اختلاق الخلافات والمنازعات، مما يتسبب في وقوع كثير من حالات الطلاق وأعمال العنف.
وذكرت الباحثة الأمريكية كارين روبنسون أنه بعد اقتحام المرأة مجالات العمل وضمانها دخلا خاصا بها، أصبح لزاما عليها أن تحترم مشاعر زوجها، ولا تتجاهل الجانب النفسي لشريك عمرها، حتى لا يتشتت شمل حياتهما الزوجية. وتنصح الزوجات أن يتفادين استخدام تعبيرات يمكن أن تجرح مشاعر الزوج، مثل "رصيدي في البنك" و"كيف أصرف مرتبي الشهري؟".
ـــــــــــــــــــ
الشخير يهدم العلاقات الزوجية
كشفت دراسة أجرتها شركة بريطانية لصناعة وتسويق علاج طبيعي لمشكلة الشخير أن الشخير قد يهدم الحياة الزوجية والعلاقات الاخرى.
فقد أجرت شركة باشون فور لايف دراسة على 1000 من الازواج والزوجات وغيرهم من الذين يعيشون معا، تم تحديدهم عن طريق إعلانات في المجلات الخاصة بالمرأة وأخري خاصة بالصحة وتوصلت إلى أن 80 في المائة منهم يلجئون للنوم كل على حدة بسبب الشخير.
وقال 40 في المائة ممن شملهم الاستطلاع أن الشخير يؤثر سلبا على علاقاتهم ويؤدي إلى وقوع شجار بينهم.
ووصف بعض الذين اشتملت عليهم الدراسة صوت الشخير بالاستماع إلى صوت وحيد القرن أو الصوت الذي يحدثه منشار آلي وقال آخر عن الشخير إنه "جحيم".
وفي العادة يكون الرجل هو مصدر الشخير، ففي 70 في المائة من الحالات كان الشخير ناجماً عن الرجل.
وقال ربع الذين اشتملت عليهم الدراسة أن علاقتهم الجنسية انهارت بسبب الشخير، فيما قال أكثر من نصفهم أن الشخير يؤدي إلى وقوع شجار فيما بينهم.
وقال العشر أن الشخير جعلهم يفكرون في الانفصال.
وتقول دنيس نوليس من مركز ريليت للاستشارات الزوجية "إذا وصلت تلك المشكلة إلى مرحلة يتجاهل فيها الطرف الذي يحدث الشخير توسلات الطرف الاخر للقيام بشيء لحل المشكلة، فهذا من شأنه أن يظهر الافتقار إلى مراعاة مشاعر الطرف الاخر وهذا سيبدأ غالبا في النفاذ إلى أوجه أخرى في العلاقة بينهما".
وأضافت "كثيرا ما يكون الامر بهذه الخطورة وعندما يقع الطلاق، يلقى اللوم على الشخير".
وأظهرت نتائج الدراسة أن الطرف الاخر ليس وحده هو الذي يتأثر بتلك المشكلة، فالطرف الذي يحدث الشخير لا ينعم هو الاخر بنوم هادئ وهذا يؤدي إلى شعور بالتعب أثناء اليوم.(38/120)
واعتاد آلان ميات، منادي البلدة الذي سجل اسمه في موسوعة جينيس للارقام القياسية العالمية باعتباره صاحب أعلي صوت حيث بلغت قوة صوته 112.8 ديسيبيل، أن يصدر شخيرا ولكنه عولج الان من هذا الداء.
وقالت زوجته جاكي أن الشخير جعلها تعاني من آلام في أذنيها طيلة أعوام.
وفي محاولة لتهدئة روع الذين يعانون من الشخير، قالت شركة باشون فور لايف أن المشاهير أيضا يعانون من الشخير.
فقد قالت كورتني كوكس، نجمة حلقات فريندز التي تزوجت مؤخرا أن زوجها ديفيد أركيت يشخر بصوت رهيب بينما تردد أن روزان تجبر زوجها بن توماس على النوم في غرفة أخرى بسبب الشخير الذي يحدثه
ـــــــــــــــــــ
رحلة رانيا علواني من المايوه إلى الحجاب
مهما ران على واقع المسلمين من تفسخ وبعد عن الدين فإن المسلم أيًا كان مستوى تدينه يظل بداخله خير كثير يحتاج إلى من يبحث عنه ويستخرجه . رحلة الممثلات والراقصات والمغنيات إلى عالم الهداية خير دليل على ذلك ، فالشهرة التي يعشنها والأضواء الباهرة التي تغمرهن تحجب خلفها أكداسًا من البؤس والشقاء والجدب الروحي .
من آخر المنتقلات من عالم الشهرة إلى طريق الهداية السباحة العالمية رانيا علواني التي عرفتها معظم حمامات السباحة في العالم تنتقل بينها بلباس البحر ( المايوه ) وتغمرها فلاشات آلات التصوير في الصحف ومحطات التلفاز اعتبروها ثروة قومية فأرسلوها إلى أمريكا لمزيد من التدريب حتى تحتل المركز الأول على مستوى العالم ، وبعد (5) سنوات عادت بالمركز الأول بين السباحات في عالم الإيمان ، فقد اعتزلت السباحة وارتدت الحجاب ، فانطلقت صوبها سهام شياطين الإنس وأقلام السوء يعايرونها بما أنفقته الدولة عليها . بئس الإنفاق - ويصادرون حقها في أن تعيش امرأة مسلمة .
الغريب أن رانيا لم تهتد على يد أحد الدعاة في مصر ممن يُتهمون بالدعوة بين الفنانات لمحاربة الفن ! بل على يد أسرة مسلمة مهاجرة تعيش في أمريكا وتلك واقعة تحتاج إلى تمحيص .
فالحقيقة أن هناك أسراً مسلمة في الغرب تمثل نماذج مضيئة للمسلمين من حيث الالتزام والعلم والقدوة والدعوة مما يغري الكثير من الغربيين باعتناق الإسلام اقتداء بهذه النماذج .
وليس سراً أن الفضل في أن الإسلام هو أكثر الأديان في أمريكا انتشاراً يرجع للكثير من هؤلاء المسلمين الذين يقدمون المثل والقدوة بشكل يحبب الأمريكيين في الإسلام فيقرأون عنه ويعتنقونه . ومن هؤلاء كانت الأسرة التي استفادت منها السباحة المصرية رانيا علواني في معرفة الكثير عن دينها واتجهت للبس الحجاب .
فبعد أن كانت أخبارها ملء السمع والبصر باعتبارها أشهر سباحة عربية تحصل على عشرات الميداليات الأولمبية ، اختفت أخبار ( رانيا علواني) من الصفحات(38/121)
الرياضية وتفرغت . برغبتها - لحياتها العلمية (دراسة الطب) وحياتها الشخصية بعيداً عن ضجيج الشهرة وفلاشات التصوير ولبست الحجاب .
قصة حجاب واعتزال رانيا علواني لم تكن مفاجأة للمقربين منها وخصوصًا بعض الأسر المسلمة الأمريكية الصديقة لرانيا التي كان لها دور كبير في التأثير على سلوك رانيا .
ومع ذلك فقد أثار قرار أشهر سباحة مصرية حصلت على 77 ميدالية على المستوى الدولي والإفريقي والعربي وتم تصنيفها ضمن أفضل 11 سباحة في سباق 100 متر على مستوى العالم ( الفارق بينها وبين أفضل سباحة في العالم هو 22% من الثانية ) ، استغراب الأوساط الرياضية المصرية . فبعضهم استقبل القرار بموضوعية واقتنع بحق رانيا في قرارها ، وبعضهم الآخر سن السكين لرانيا وبدأ التقطيع في سيرتها زاعماً أنها أصبحت عجوزاً على السباحة رغم أنها لم تتجاوز 23 ربيعاً (!) ، او أنها ناكرة الجميل مصر بعد إنفاق ملايين الدولارات عليها ثم اعتزالها فجأة . يبدو أن هجوم الصحافة المصرية عليها وهجوم بعض النقاد الرياضيين عليها دفعها لرفض الحديث عن سبب اعتزالها ورفض كل محاولات الحوار الصحفي معها ، إلا أن رانيا وافقت في النهاية على إجراء هذا الحوار مع " الأسرة " لتكشف سر اعتزالها وارتداء الحجاب . وفيما يلي تفاصيل الحوار :
* لماذا قرار الاعتزال والحجاب الآن ؟
- ارتديت الحجاب عن اقتناع تام وقررت الاعتزال برغبتي ، وأقدمت على هذا القرار بعد أن حققت إنجازات رياضية لن تحققها سباحة عربية قبل 20 عاماً على الأقل ، وقد تحقق ذلك وأنا في سن صغيرة ، وكان من الممكن أن أحقق إنجازات أكثر لو استمررت ولكني اعتزلت . وقد شجعتني والدتي على ارتداء الحجاب .
* يقولون إن رانيا علواني تحولت من فتاة تلبس المايوه إلى شيخة ما رأيك ؟
- الفكرة كانت تراودني منذ سنوات ، وقد عزمت النية على الاعتزال والحجاب منذ عام مضى وقراري كان بعد دورة سيدني الأولمبية الأخيرة . وبصراحة اعتزلت لأنني قررت ارتداء الحجاب ، ثم إن والدتي محجبة ونحن نحافظ على الصلوات وقراءة القرآن . وفي أثناء وجودنا في الولايات المتحدة في السنوات الخمس الماضية تعرفنا على أسر عربية مسلمة كثيرة ، منها أسرة سورية وطدت علاقتها معنا ، فكنا نذهب إلى المسجد الوحيد في مدينة " دالاس" للصلاة وتعلم التجويد وعلوم الدين ، وهذه أجمل فترات حياتي . وعندما عدت إلى القاهرة بدأت أبحث عن مسجد في المهندسين مقر سكني - إحدى ضواحي القاهرة - لمواصلة تعلم علوم القرآن والتجويد .
* هل صحيح أن مسلمي أمريكا وراء حجابك ؟
- بصراحة المسلم في أمريكا قدوة وصورة ممتازة للإسلام ، وهو ما يساهم في إقبال الأمريكيين والأمريكيات على اعتناق الإسلام ، وقد ساعد كل ذلك على إقناعي بالحجاب .
كنت أعرف أن " المايوه" حرام في فترة مزاولتي السباحة ، ولكني كنت أحب السباحة والشهرة والأضواء وملاحقة الصحف ومحطات التلفزيون ، كما أنه لم يكن(38/122)
بجواري من يُحيي التزامي الدين في نفسي ، وتوجيهي نحو الدين ، وقد توفر ذلك في أمريكا عبر الأسر المسلمة التي اختلطت بها .
فكثير من المسلمين في أمريكا قدوة وسلوكياتهم تشجع غيرهم على اعتناق الإسلام ، وقد حضرت إلى مصر مؤخراً إحدى الفتيات الأمريكيات اللاتي اعتنقن الإسلام وتتعلم الآن العربية ، وقالت لي إنها أقبلت على الإسلام بسبب سلوكيات المسلمين هناك وقراءتها لمعاني القرآن الكريم بالإنجليزية .
* هل انتقد أحد منهم ممارستك للسباحة وارتداء المايوه ؟
- بالعكس .. فهم يؤمنون بالإقناع ، ولا يؤمنون بإلقاء الأوامر فقط ، لأن الاقتناع بالحجاب أو غيره أفضل من تلقي الأوامر . وبعد الحجاب لاقيت تشجيعاً أكثر على لبس الحجاب عبر اقتناع ودون إجبار .
* هناك شائعات أن وراء اعتزالك مشروع زواج أو علاقة عاطفية ؟
- لا يوجد مشروع زواج الآن ، ومشروعي المهم الآن هو استكمال الدراسة ، ولنفترض - وهذا غير صحيح - أن وراء قرار الحجاب ما وراءه فهل هذا عيب ؟! ، الناس دائمًا مشغولة بالأسباب وراء قرارات الآخرين الصائبة ، وأقسم إن قراري بالحجاب لا يقف وراءه إلا الاقتناع التام بضرورة ارتداء الفتاة المسلمة للحجاب .
* هل اكتفيت بلبس الحجاب أم أن هناك خطوات أخرى لبناء ثقافتك الدينية ؟
- أنا استمع لشرائط العلماء ، وأقرأ في بعض الكتب الدينية التي توجه المسلم نحو السلوك القويم ، وتبصره بشؤون الدين مثل رياض الصالحين وفقه السنة ، وما إلى ذلك ، وقد ظللت فترة أبحث عن مسجد لتلقي الدين به مثل المسجد الذي كنت أذهب إليه في أمريكا وأتعلم فيه القرآن وعلوم الدين .
* ما هي مشروعاتك بعد ارتداء الحجاب ؟ وهل يمكن أن تعودي للسباحة ؟
- أريد استكمال دراستي للطب ، ولن أضحي بمستقبلي من أجل شيء آخر ، وأنا أتمنى التفوق في دراسة الطب والحصول على الدكتوراه ، وأنا الآن في السنة الرابعة ، ولن يستفزني أحد للرجوع عن قراري النهائي ، أنا أحب دراسة الطب ، واعتزلت السباحة للتفرغ له .
* بماذا تحلم " رانيا علواني " ؟
- أن أكون قدوة حسنة للفتاة المسلمة ، وأن ينصر الله المدافعين عن المسجد الأقصى في فلسطين ، وأدعو الله أن يثبتني على قراري النهائي بالاعتزال وارتداء الحجاب .
* هل تتابعين أخبار الانتفاضة ؟
- ما يسيطر على وجداني ، ووجدان كل فتاة وأم عربية ومسلمة المآسي التي يتابعها العالم من خلال شاشات التلفزيون لما يتعرض له الشعب الفلسطيني من مجازر بشعة على يد الصهاينة ، وأدعو الله تعالى أن يوفق المسلمين لنصرة الفلسطينيين الذين يدافعون عن الحرم القدسي الشريف ، ويدفعون أرواحهم فداء الأقصى الشريف
ـــــــــــــــــــ
العنوسة أزمة الفتيات والمجتمع !(38/123)
تقرير خطير أصدره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء كشف عن أن هناك 4 ملايين فتاة في مصر تعدين سن الثلاثين ولم يتزوجن .. هذا التقرير أثار العديد من المخاوف حول مستقبل هذا العدد الهائل من الفتيات ، خاصة وأن نسبة كبيرة منهن غير متعلمات وليس لهن مورد زرق سوى إنفاق آبائهن عليهن .. والأخطر من ذلك الفتنة التي قد يتعرضن لها في الوقت الحالي الذي يموج بالتيارات المنحرفة التي تدعو للإنحلال الأخلاقي .. ولأن الإسلام دين لكل زمان ومكان فقد وضع حلاً لهذه المشكلة منذ أربعة عشر قرنًا . عندما أحل للرجل أن يتزوج من أربع سيدات بشرط أن يعدل بينهن .. ونحن في هذا التحقيق نحاول أن نعيد سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم كحل لقضية العنوسة التي تهدد مجتمعنا وقد تتسبب في فتنة نساء المسلمين .
د. سعاد صالح أستاذ الفقه بجامعة الأزهر تقول إن الإسلام اهتم كثيرًا بعقد الزواج لأنه أساس بناء الأسرة في الإسلام ، والأسرة هي النظام الذي بقي في غرائز النفس الإنسانية ولذلك فإن له أسسًا يجب أن يقوم عليها من حسن الاختيار والخطبة والكفاءة وعدم الإكراه والإشهار والولى والصداق ، وله أهداف يجب تحقيقها وهي السكن والمودة والرحمة وتربية الأبناء وغير ذلك من المقاصد التي تترتب على الأسرة في الإسلام , وتضيف أن هناك مخالفة لاتباع المنهج الإسلامي في الاختيار لأنه يقوم على أسباب دنيوية من مال أو جمال أو حسب دون الاهتمام بالدين والخلق الصالح وهذا ما أدى إلى انتشار الطلاق والعزوف عن الزواج إلا عند توافر هذه الشروط الدنيوية أو المادية ، فأصبحنا لا نجد الأب الذي يرضى بصاحب الدين والخلق وأيضاً نفس الشيء بالنسبة للفتاة التي أصبحت لا تهتم أكثر إلا بالمطالب المادية التي ترهق الشباب في الحصول عليها سواء كانت مسكنًا أو غير ذلك .
حل مشكلة العنوسة
وترى د. سعاد أن حل هذه المشكلة يتكون من شقين الأول ديني وهو التوعية بأهمية الكفاءة من ناحية الدين والخلق ، والشق الثاني اقتصادي يعتمد على تذليل الصعوبات المادية للشباب وتوفير فرص العمل والمسكن المناسب .
وبالنسبة للجانب الإعلامي فهو في غاية الأهمية حيث يجب على وسائل الإعلام القيام بالتوعية الشاملة عن المشاكل التي تتسبب في إحجام الشباب والفتيات عن الزواج مثل الزواج العرفي والعلاقات غير المشروعة ويجب أن توجه كلمتها إلى الأسرة المسلمة للاقتداء بسنة الرسول في تيسير المهور والحرص على اختيار صاحب الدين والخلق حيث قال رسولنا صلى الله عليه وسلم : [إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير] . وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : [أكثر النساء بركة أيسرهن مهرًا] .
وتضيف أن الإسلام عندما شرع تعدد الزوجات كان لعدد من الأسباب منها القضاء على مشكلة العنوسة وجميعنا يعرف أن أعداد النساء تزيد عن الرجال خاصة أوقات الحرب ، وهناك أسباب أخرى مثل مرض الزوجة وعدم قدرتها على القيام بواجباتها الزوجية أو عقمها ولكن تعدد الزوجات يجب أن يكون قائمًا على العدل .
دور الدولة
استطلعنا رأي د. أحمد شلبي الأستاذ بكلية دار العلوم فقال :(38/124)
إن تأخير سن الزواج عن السن الطبيعي يعتبر خطرًا كبيرًا على الدولة والمجتمع ككل لأنه قد يتسبب في حدوث انحرافات كثيرة وظهور أمراض لم تكن موجودة في العصور السابقة فلا بد أن يتزوج الرجل في سن الرابعة والعشرين أما المرأة فتتزوج في سن العشرين وهو السن الطبيعي ، أما أن تصل المرأة إلى سن الثلاثين ولم تتزوج فهذا قد يتسبب في عدم قدرتها على القيام بتربية أبنائها تربية إسلامية صحيحة لأن ذلك يحتاج إلى مجهود وقدرة من المرأة . ويطالب شلبي الأسرة المصرية بعدم المغالات في المهور وتجهيزات الزواج .
ويضرب على ذلك مثالاً بما حدث معه عند تخرجه من الجامعة حيث تزوج في شقة فوق السطوح بشبرا كان إيجارها 3 جنيهات ثم انتقل لشقة أخرى فوق السطوح أيضاً بالمعادي وبعد أن بدأ في تكوين مبلغ معقول قام ببناء شقة خاصة به ، وهكذا تكون الحياة كفاحًا حتى يشعر الإنسان بقيمة عمله ، ولكن للأسف الشباب الآن يريد أن يبدأ من فوق والمسألة غاية في الصعوبة خاصة أن الجامعة تخرج مائة ألف شخص كل عام مما تسبب في انتشار البطالة وعدم توافر فرص العمل المناسبة .
ويضيف أن الدولة أيضًا يقع عليها عاتق توفير فرص العمل للشباب وبأجور مناسبة سواء في القطاع الحكومي أو الخاص ولا بد أن تقوم الدولة أيضًا بواجبها في توفير مساكن للإيجار يستفيد منها الشباب محدودو الدخل بحيث لا يتعدى إيجار الشقة 10% أو 25% من المرتب الذي يحصل عليه الشاب حتى تكون مناسبة .
الظروف الاقتصادية
إبراهيم محمود المحامي يرى أن أهم أسباب تأخير سن الزواج بالنسبة للشباب والفتيات هي الظروف الاقتصادية السيئة وإصرار الآباء على المغالاة في المهور وتكاليف الزواج بسبب الحياة المادية والمظهرية التي يعيشها البعض ويسعى غيرهم إلى التقليد الأعمى رغم عدم قدرتهم على الوفاء بهذه الاحتياجات .
ومن ناحية أخرى فإن انتشار التعليم وارتفاع نسبة الفتيات اللائي حصلن على مؤهلات عليا تسبب في إصابة العديد منهن بالغرور واعتزازهن الزائد بالشخصية ورفض الزواج في سن مبكرة بحجة أنها تسعى لإثبات ذاتها ، وتضيف أنه على الجانب الآخر فإن بعض الشباب يجدون المتعة من خلال علاقات غير مشروعة أو الحصول على متعة زائلة ولكن بشكل قانوني عن طريق الزواج العرفي سواء كان ذلك لأسباب مادية أم عدم القدرة على إقامة أسرة مستقرة أو يكون قادرًا ماديًا ولكنه يفضل ذلك كنوع من الهروب من المسؤولية التي قد تُلقى على عاتقه بإنشاء أسرة .
ـــــــــــــــــــ
تربية الأطفال بالوكالة
"الدكتورة لورا" هي إحدى التربويات الشهيرات في الولايات المتحدة الأمريكية ، وهي تحاول بقوة إصلاح وضع العائلة الأمريكية ، تقول للناس ما لا يودون سماعه ، خصوصًا عندما يكون الحديث عن تربية أطفالهم . من خلال كتبها وبرنامجها الإذاعي (الذي سيكون تلفزيونيًا قريبًا) . تحاول الدكتورة لورا أن يعود المجتمع الأمريكي إلى القيم الأسرية التي كانت سائدة في الخمسينيات ، وهي تذم عقلية(38/125)
واختيارات جيل كامل - جيلنا الحالي - الذي يريد أن يحصل على كل شيء : نجاح في الوظيفة ، ونجاح عائلي وأسري في آن .
كتاب الدكتور لورا الأخير "الأبوة بالوكالة" - يؤكد أن الوالدين ينبغي أن يعنوا بتربية أبنائهم ، لا أن يكلوا ذلك العمل إلى الحاضنات ، بل لا بد من تفرغ أحد الوالدين تفرغًا تامًا حتى لو كان ذلك يعني إعاقة النجاح الوظيفي . إن أي شيء أقل من هذا التفرغ الكامل لأحد الوالدين هو أنانية وإهمال وعلى حد قول لورا التي تمقت فكرة عمل كلا الأبوين ، وتمقت وضع الأطفال في الحضانات ، وتؤكد أن أفضل الحاضنات لن تلبي احتياجات الطفل العاطفية والأخلاقية .
وبينت د . لورا أن الكثيرين قد يعتقدون أن تأجير مربية لأطفال أو خادمة مسألة تخص الخدمات الكمالية التي يحتاج إليها الإنسان مثل البستاني ومدرب الكلاب .
من أهم الأمور المستخلصة من كتاب د. لورا أنه يجب على كل المقدمين على إنجاب الأطفال أن يستطلعوا ويتفكروا في أهدافهم من التربية والإنجاب وتوقعاتهم وتطلعاتهم ويجب على الآباء الحاليين أن يراجعوا قراراتهم وأسلوب حياتهم . كما يجب على البالغين العاملين بجد في التقدم الوظيفي أن يسألوا أنفسهم : هل سأترك وظيفة عظيمة إذا ما أخذت من وقتي لأطفالي ؟ هل سأرفض الترقية إذا كانت تتطلب السفر كثيرًا ؟ هل سأصر على صاحب العمل أن يحترم وضعي كأب أو أم ؟ هل سأعمل بدوام جزئي أم أترك العمل تمامًا إذا كان ذلك في صالح أسرتي ؟ إن الآباء المنتظرين ينبغي لهم أيضاً أن يقضوا أوقاتًا كثيرة مع الأطفال ؛ لأن موهبة رعاية الأطفال وتحمل أعباء تربيتهم لا تأتي بشكل تلقائي عند الكثير ، بل تحتاج إلى الإعداد المسبق ، وحتى يعلموا حجم المسؤولية العظيمة التي ستلقى على عاتقهم .
تقول إحدى الأمهات الجدد : " عندما تحولت من الدوام الكامل إلى الدوام الجزئي مؤخرًا لأبقى مع ابنتي بعد خروجها من المدرسة ، اعتبر مديري أن ما قمت به من الإعراض عن إغراء الوظيفة ، ورفض محاولاته في استمالتي بالعلاوات المالية والارتقاء في سلم الوظيفة ، تضحية كبيرة وهنأني على هذاالقرار والتضحية من أجل ابنتي لقد وجدت أن فهمه هذا مضحك ، فمجرد أن أصبحت أمًا عوضني ذلك عن كل هذا ، ومنحني كل شيء . وما قمت به لا يعتبر تضحية ".
ـــــــــــــــــــ
مذكرات زوج حزين من عشق زوجته للتسوق
كم أتمنى أن يأتي يوم تخبرني فيه زوجتي بأنها أصبحت تكره السوق والتسوق . لكنها أمنية ما أحسبها ستتحقق أبدًا ، فحب التسوق مغروس في قلبها ، يخالط لحمها ودمها ، لا تمل الذهاب إلى السوق ، تدخل محلاً وتخرج من آخر ، دون تعب أو كلل ، في همة شماء ، وعزم ومضاء .
وأسألها عندما تبدي رغبتها في الذهاب إلى السوق : هل تحتاجين شراء شيء ؟ فتجيبني في استنكار واستغراب : وهل يجب أن أكون في حاجة إلى ما أشتريه حتى أذهب إلى السوق ؟!(38/126)
وكثيرًا ما أُذكرها بوصف النبي صلى الله عليه وسلم للأسواق بأنها أسوأ الأماكن وأبغضها إلى الله ، ولكن دن جدوى .
وأجد لي عزاء في أن النساء جميعهن - أو أكثرهن - على هذا العشق للتسوق والتعلق به ، حتى إن دراسة بريطانية أكدت أن الحالة الصحية للمرأة تتحسن في أثناء تجوالها في الأسواق ، بينما يرتفع ضغط الدم لدى الرجل ، وتتسارع نبضات قلبه ، وتتوتر أعصابه .
وقرأت اليوم كلامًا لمتخصص في علم النفس عن التسوق الذي وصفه بـ "الحمى" : أجل " حمى التسوق" حيث يقول " إن التهافت على المتاجر ليس مجرد تسلية ، إنه استجابة لحاجة ملحة ، استجابة تحقق لها الراحة .
وأعجبني اعتراف لإحدى النساء بأنها ضحية سهلة لأحابيل إعلانات التخفيض ، وبريق واجهات المحلات ، تقول هذه السيدة : " عندما أكون قلقة ومتوترة فأول شيء أفكر فيه هو التجوال في المتاجر ، حتى صار الأمر عندي مثل الإدمان".
وإذا اشتهر قول ديكارت " أنا أفكر إذن أنا موجود " ، فإن امرأة أخرى تقول : " أنا اشتري .. إذن أنا موجود ة" فتؤكد بهذا ارتباط التسوق بالنساء ارتباطًا وثيقًا لا انفكاك منه أو عنه .
لهذا كله صرت أعذر زوجتي في شدة حبها التسوق ، وقوة تعلقها به ، وعدم سأمها منه ، وتجدد نشاطها كلما رغبت فيه لكنني وضعت ضوابط لهذا التسوق هي :
- مرافقتي لها ، أو مرافقة أحد أبنائها ، لزيادة احترام الباعة لها والتزامهم الأدب في تعريف سلعهم وتسويقها .
- إذا كنت المرافق لها أخبرتها أن تسوقنا سينتهي قبيل أذان المغرب أو أذان العشاء ( حسب وقت تسوقنا) لنصلي في المسجد ونختم بالصلاة جولتنا التسويقية ، وبهذا أمنعها من التراخي في التجول بين المحلات والتعجيل بشراء حاجاتها .
- أذا كان ولدي هو المرافق لها فإنني أحدد لهم المكان الذي سأجدهم فيه والزمان الذي يسبق موعد الأذان بقليل .
- أوصيها بالعمل على شراء ما تحتاجه في تسوقها اليوم ، لأنه لن تسنح لنا فرصة أخرى في القريب للذهاب إلى السوق .. وبهذا أحول دون تكرار الذهاب إلى الأسواق لشراء هذا الذي لا يتم شراؤه عادة إلا بعد عدة زيارات للأسواق .
أخيرًا ، فإنني لا أخفي عليكم أنني أستفيد أحيانًا من تعلق زوجتي بالتسوق ، فأشترط عليها قضاء وتلبية طلبات لم تكن تقضيها وتلبيها ، قبل أصطحبها إلى السوق.
ـــــــــــــــــــ
موضة الزواج من أجنبيات !
شهدت الفترة الأخيرة جدلاً واسعًا حول زواج الشباب المسلم من أجنبيات ، وظهر من يؤكد أن ما يحدث يمثل ظاهرة خطيرة ، خاصة وأن إحدى المدن السياحية في مصر أصبحت سوقًا لمثل هذا الأمر ، يخضع للعرض والطلب ، وانتشار مكاتب المحامين الذين يحررون ورقة الزواج العرفي ، ومع أن الورقة واحدة من حيث الشكل والصياغة ، لكن لكل منها سعرًا تبعًا لاسم المحامي الذي يحررها .(38/127)
وأكدت بعض الفتيات الأجنبيات أن كثيرًا من الشباب المصري الذي يعمل في هذه المدينة يتقدم لإحدى الفتيات طالبًا منها الزواج بمجرد أن تقع عينه عليها ، والغريب أن بعض الشباب اعترف بذلك ، فهذا الزواج يحقق له أولاً المتعة الجنسية في إطار قانوني ، ويؤهله للسفر مع الفتاة إلى موطنها الأجنبي للعمل والكسب والإقامة ، بعد مغالاة الأسر المصرية في المهور وتكاليف الزواج .
تعاليم الإسلام
الزواج كما أشار الشيخ سيد سابق في "فقه السنة" من سنن الله في الخلق والتكوين ، فهو الأسلوب الذي اختاره للتوالد والتكاثر ، واستمرار الحياة ، بعد أن أعد كلا الزوجين وهيأهما ، بحيث يقوم كل منهما بدور إيجابي في تحقيق هذه الغاية ، ولم يشأ الله أن يجعل الإنسان كغيره من العوالم ، فيدع غرائزه تنطلق دون وعي ، ويترك اتصال الذكر بالأنثى فوضى لا ضابط له ، بل وضع النظام الملائم لسيادته ، والذي من شأنه أن يحفظ شرفه ويصون كرامته ، ووضع للغريزة سبيلها المأمونة ، وحمى النسل من الضياع ، وصان المرأة عن أن تكون كلأ مباحًا لكل مرتع ، ووضع نواة الأسرة التي تحوطها غريزة الأمومة ، وترعاها عاطفة الأبوة ، فتنبت نباتًا حسنًا وتثمر ثمارها اليافعة .
ومما قاله أيضًا : الزواج ضرورة لا غنى عنها ، وأنه لا يمنع منه إلا العجز أو الفجور ، كما قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ، وأن الرهبانية ليست من الإسلام في شيء ، وأن الإعراض عن الزواج يفوّت على الإنسان كثيرًا من المنافع والمزايا ، وكان هذا كافيًا في دفع الجماعة المسلمة إلى العمل على تهيئة أسبابه وتيسير وسائله ، حتى ينعم به الرجال والنساء على السواء ، ولكن على العكس من ذلك ، خرج كثير من الأسر عن سماحة الإسلام وسُمُو تعاليمه ، فعقَّدوا الزواج ووضعوا العقبات في طريقه ، وخلّفوا بذلك التعقيد أزمة تعرض بسببها الرجال والنساء لآلام العزوبية ، والاستجابة إلى العلاقات الطائشة ، ومعظم أسباب هذه الأزمة ترجع إلى التغالي في المهور وكثرة النفقات التي ترهق الزوج ، ولا بد من العودة إلى تعاليم الإسلام في هذا الشأن .
قيود
ولكن ماذا عن لفظ الأجنبيات "غير المسلمات "؟
يوضح الدكتور يوسف القرضاوي الأمر قائلاً : " لفظ الأجنبيات يشمل المشركة التي تجعل لله أندادًا أو شركاء ، فهذه يحرم الزواج منها على الإطلاق ، حيث يقول الله عز وجل : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَ ، ولأمة مؤمنة خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم ، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ، ولعبدٌ مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ، أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ، ويُبين آياته للناس لعلهم يتذكرون " (البقرة ، الآية : 221).
ويشمل أيضًا الملحدة ؛ وهي التي لا تؤمن بدين أو ألوهية أو نبوة أو كتاب ، كالشيوعية ، فيحرم الزواج منها إطلاقًا ، ويشمل كذلك المرتدة وهي التي تكفر بعد الإيمان ، فهي كافرة من أصحاب النار ، كما قال الله عز وجل في الآية 217 من سورة البقرة : ( ومن يرتد منكم عن دينه ، فيمت وهو كافر ، فأولئك حبطت(38/128)
أعمالهم في الدنيا والآخرة ، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) ، وأيضًا (الكتابية وهي المسيحية أو اليهودية ) فهي أهل كتاب سماوي ، أباح الإسلام الزواج من الكتابية ، تشجيعًا على التقارب والمودة والأخوة الإنسانية ، وتشجيعًا لها على دخول الإسلام .
ويضع الدكتور القرضاوي قيودًا عند الزواج من كتابية ، ويؤكد ضرورة مراعاة التأكد من كونها كتابية أي تؤمن بدين سماوي الأصل كاليهودية والنصرانية ، وأن تكون عفيفة محصنة ، وألا تكون من قوم يعادون المسلمين ويحاربونهم ، وألا يكون من وراء الزواج من الكتابية فتنة ، ولا ضرر محقق أو مرجح ، بأن يزداد الزواج من الأجنبيات ، وتبقى الفتيات المسلمات دون زواج مما يترتب عليه الحرمان أو الانحراف .
مخاطر
وحول الزواج من الكتابية ، تشير الدكتورة آمال عبد الغني "مدرس الشريعة بجامعة المنيا " إلى أن التعبير القرآني دقيق وهو يحوي مجموعة شروط في الذين أوتوا الكتاب حيث تقول : تكرار لفظة "المحصنات" لكل من المؤمنات والذين أوتوا الكتاب فلم يقل : والمحصنات من المؤمنات ومن الذين أوتوا الكتاب ، إنما قال "والمحصنات من المؤمنات ، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب " حتى يتبين ضرورة شرط العفة والإحصان ، وإضافة صفة " من قبلكم" للذين أوتوا الكتاب تحتاج إلى دراسة وتحديد .
وتضيف : " هذا الزواج حتى وإن استوفى شروطه الشرعية مشكوك في نجاحه واستمراره ، حيث هناك اختلافات جذرية بين البيئة العربية والبيئة الأوروبية ؛ حيث تقوم الفتاة الأوروبية بتزويج نفسها دون ولي ، وعدم وجود رغبة في الإنجاب من جانب تلك الزوجة ، فالمسألة بالنسبة لها مجرد متعة جنسية ، وانقطاع الكثير من العلاقات الأسرية ، حتى تكاد تنعدم ، فمعظم الأسر المصرية ترفض هذا الزواج لعدم فهم الزوجات الأجنبيات للشريعة الإسلامية ، من زي وطعام وشراب وسلوك ، ومخاطر أخرى كثيرة ، وإذا كانت تلك الزوجة جادة في الزواج فيجب عليها أولاً التعرف على أخلاق الإسلام وصفات المسلمين لتتمكن من التعامل مع زوجها المسلم على ما هو عليه من خلق وما يتصف به من آداب وليس العكس ، ويلزم على تلك الزوجة التعرف أيضًا على أساليب التربية الإسلامية للأطفال .
الخروج من المأزق
وخروجًا من هذا المأزق ، ومواجهة لهذه الظاهرة قبل أن تستفحل يقول الدكتور يوسف القرضاوي : ينبغي أن يمنع الزواج من غير المسلمات سدًا للذريعة ، وكما هو معلوم فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، ولا يسوغ القول بجوازه إلا لضرورة قاهرة أو حاجة ملحة ، فالزواج من المسلمة أولى وأفضل ، لتوافق الزوجين من الناحية الدينية ، وأعون على الحياة العتيدة ، حتى أن الإسلام يُرَّغب في الزواج بذات الدين .
ويرى الدكتور محفوظ عزام أستاذ الشريعة أن الحد من ظاهرة الزواج من أجنبيات أمر ضروري ، وذلك من خلال عدم المغالاة في المهور ، وتكاليف الزواج ، وعلينا(38/129)
أن نشجع إقامة حفلات الزواج الجماعية ، وتكثيف جهود رجال الإعلام لتوجيه العامة إلى عدم المغالات في المهور ، وتحقيق الولاء للوطن ، وهذا يتحقق من خلال المقررات الدراسية والمؤسسات الاجتماعية .
ـــــــــــــــــــ
تحرير أم تغرير ؟!
جاء الإسلام والمرأة على حال مخزية ، تعيش واقعًا مؤلمًا ، وحياة تعيسة ، حقوقها ضائعة ، وواجباتها فوق طاقتها ، عمرها يمضي في بؤس وتعاسة ، من ولادتها إلى موتها ، فإن نجت من الوأد صغيرة ، عاشت مهانة حقيرة ذليلة .
فهي تدس في التراب صغيرة ، وتعيش كسقط متاع إن بقيت كبيرة ، وليس لها حق في الحياة ، فأي معيشة عاشتها تلك المرأة ؟
لقد جاء الإسلام فانتشلها من واقعها المنحط ، وحياتها المشينة ، إلى ما فيه عزها وتكريمها ورفعتها ، طفلة صغيرة محبوبة مدللة ، وأختًا مبجلة ، وزوجة ودودة محبوبة ، وأمًا حنونًا مكرمة .
ولما كان للمرأة المسلمة أهمية كبيرة في تربية الأجيال ، وتنشئتهم على الإسلام عقيدة وسلوكًا ، وعبادة وأخلاقًا ، فقد أعطى أعداء الإسلام أهمية قصوى لمحاولة تغريبها ، من خلال الدعوات البراقة المسماة بالتحرر ، وانتزاع الحقوق ، وطلب المساواة بينها وبين الرجل وهي دعوات انخدع بها كثير من نساء أمتنا .
ومن المؤسف أن نجد فئة من نسائنا قد انجذبت وانساقت لتلك الأباطيل والترهات ، فتبنت أفكارهم المضللة ، والدعوة لها عبر الوسائل المختلفة ، وعاشت بتبعية كاملة للغرب ، فكريًا واجتماعيًا وسلوكيًا ، مقلدة للمرأة الغربية تقليدًا أعمى دون إدراك أو تفكير ، بحيث ينطبق عليها حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ، قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ، قال : فمن ؟!! "(متفق عليه) .
وغاب عن وعي أولئك النسوة ، أن الظروف الاجتماعية والقانونية والتاريخية التي واجهت المرأة الأوروبية مختلفة تمامًا عما تعيشه المرأة المسلمة ، فالمرأة هناك تعيش مجتمعًا ظالمًا ، قائمًا على قوانين بشرية ، وليست شرائع ربانية ، مما جعلها تثور وتتمرد لتحصل ولو على جزء يسير من حقوقها .
أما المرأة المسلمة فقد أعطاها الإسلام كامل حقوقها ، فيحق لها أن تفخر وترتفع رأسها عاليًا بتلك الحقوق التي لم تحصل عليها النساء في أكثر البلدان التي تدعي الحضارة والتقدم إلى الآن .
زعمون أنهم يريدون تحرير المرأة ، وما همهم والذي نفسي بيده إلا اغتيال عفتها وشرفها ، وبمعنى أدق تحرير الوصول إليها .
إن انطلاق المرأة في طرق التيه والضلال ، معناه انحلال العقدة الوثيقة التي تشد أفراد الأسرة بعضهم إلى بعض ، وانفراط العقد الذي ينتظم أعضاء الأسرة الواحدة ، وتبعثرهم في متاهات الحياة .
إن خلل الرماد وميض جمر ، يستهدف المرأة المسلمة في ظروف مقصودة ، فاليهود شنوا الحرب على حجاب المرأة المسلمة من قديم ، منذ تآمروا على نزع(38/130)
حجاب المرأة أيام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سوق بني قينقاع ، ومازالت حربهم مشبوبة مشتعلة ، لا يزيدها الزمن إلا اشتعالاً واضطرامًا ؛ لأنهم يدركون جيدًا أن إفساد المرأة إفساد للمجتمع المسلم .
فلا ريب أن من أولئك من ترعرع في كنف الإلحاد ، فالتحف فريق منهم بالإسلام وتبطن الكفر ، حمل بين كفيه لسانًا مسلمًا ، وبين جنبيه قلبًا كافرًا مظلمًا ، حرص على أن ينزع حجاب المرأة المسلمة ، ويخدش كرامتها ، فلم يجد هؤلاء أعون لهم من أن يقدموا لنا تحرير المرأة على طبق إسلامي يزينون من خلاله للمرأة المسلمة حياة الاختلاط باسم الحرية والمدنية ، ونزع الحجاب باسم التقدم والحضارة ، لتكون بعد ذلك ألعوبة في أيديهم .
قال تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) [القصص:23] .
إن هذه الآية جزء من قصة نبي الله موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ بين تعالى فيها أن هذا النبي الكريم قبل إرساله إلى قومه ، قدم على أرض بعيدة عن بلاده ، هاربًا من بطش فرعون وكيده ، فوجد مجموعة من الناس تسقي مواشيها وأنعامها ، ووجد امرأتين تنظران من بعيد إلى هذا الجمع الكبير ، فسألهما عن حالهما ، فبينتا أنهما جاءتا إلى هذا المكان لكسب لقمة العيش ؛ لأن أباهما رجل طاعن في السن عاجز عن العمل ، ثم إنهما تحت وطأة هذه الضرورة الملحة لا تختلطان بالرجال أبدًا ، فإذا انتهى الرجال من عملهم ذهبن وسقين مواشيهن .
فلتراجع المرأة المسلمة نفسها ولتتأمل دربها ، لتبصر طريق النجاة ، وتسلك سبيل الرشاد ، ولتقتدي بزوجات من أنزل عليه الفرقان ، فهذا هو طريق الجنان والنجاة من النيران .
ـــــــــــــــــــ
من مذكرات مسلمة مغتربة
هنا في الولايات المتنحدة وجدت نفسي أكثر صلة بالله عز وجل (والحمد لله على هذا وثبتني الله وإياكم ) لأسباب منها ؛ شعور الإنسان بالغربة ، ويقينه ألا ملجأ له إلا الله في وسط النصارى واليهود ، وخوفه على أولاده من الضياع ، ومن ثم حرصه على أن يقدم لهم نموذجًا يحتذى به .
ومع ذلك فإن الألم يكاد يفتتني على إخوان لي أراهم بعيني وقد خسروا أنفسهم وأبناءهم في هذه البلاد .
إذا كان المسلمون في القوقاز والبلقان وغيرها قد تعرضوا للقتل وللوحشية حتى يتركوا دينهم ، فإن المسلمين في الولايات المتحدة قد هاجروا غالبًا بحثًا عن الحرية ، واختاروا الإقامة هنا ولهم حرية ممارسة دينهم ، فما هي حجتهم أمام الله ، وقد ضيعوا دينهم وهجروا تعاليمه ، بل خالفوها ودخلوا جحر الضب ، تقليدًا لليهود والنصارى .
في الحي الذي أقطن فيه في مدينة ولمنتون بولاية نورث كارولينا ، وفي غيره من الأحياء في هذه المدينة ، يجري ما يحز في النفس ويجعلها تتفطر حزنًا وأسىً .(38/131)
فهذه مسلمة تقضي نهارًا كاملاً فيما يسمى (المول) وهو (سوق تجاري كبير يضم عددًا من المحلات الكبيرة) ، وتترك أحد أبنائها غارقًا في السكر وممارسة الزنا وتعاطي المخدرات ، عافانا الله وإياكم ، وحمى أبناء المسلمين جميعًا من هذه الفتن .
تحدثت إليها ونصحتها فقالت : ماذا عسانا أن نفعل ؟ أنت ترين مدى حرصي على البنات ومدى خوفي عليهن؟ ولكن ماذا عن هؤلاء الرجال كيف سيقضون شهوتهم ؟
هذه المرأة تقية ، ولكن كيف لها أن تغير ما يحدث . إنها تقف عاجزة تمامًا ، ومثلها الكثير من الأمهات ، والنتجية : ضياع أجيال من المسلمين في هذه البلاد ، لا يصلون ولا يعرفون تعاليم دينهم ، وأغلبهم يبيع لحم الخنزير والخمر ، وبعضهم يتعاطى الخمر والمخدرات ، وعدد قليل منهم ضالع في قضايا المافيا ورجال العصابات ، وليس الآباء بأحسن حالاً ؛ ففي الحي الذي أقطن فيه توفي أحد أبناء عائلة عربية مسلمة ، فأصرت والدته على دفنه بالبدلة كما يزف العريس إلى عروسه ، وأن يحاط بأكاليل الزهور ، وما عرفوا كيف يغسل حتى استقدموا شيخًا من رالي عاصمة الولاية ، مسيرة ساعتين عن مدينتنا بالسيارة ليتولى تغسيله ، والطامة الكبرى أن ابنهم كان قد أمّن على حياته ، ولما كانت القوانين لا تمنح مبلغ التأمين لوالديه إن كان متزوجًا ، فقد تنازع والداه مع فتاة لا يعرف أهي زوجته أم خليلته ؟ . المسلم الصادق يتمنى من كل قلبه لهذا الإنسان ألا تكون هذه المرأة صديقته ليخفف الله عنه العذاب عن عمره الذي أضاعه باللهو - غفر الله لنا وله -0 ولكن أقاربه تمنوا ألا تكون زوجته ، لأن مبلغ التأمين سيؤول إليها وحدها إن كانت زوجته ، كما ينص على هذا قوانين التأمين !
القضية الخطيرة جدًا هي قضية الأجيال المسلمة والشباب الذين غدوا كغثاء السيل ، يضعون الحلق في منخرهم أو في ألسنتهم ، يقصون شعورهم كما يفعل اليهود والنصارى .
أحيانًا أفكر في بعض الحلول ، ولكن أكتشف أن الأمر أكبر من جهد وتفكير فردي ، فهلا ساعدتموني بأفكاركهم النيرة ؟ فقد تساهم في حل المشكلة . تعليم اللغة العربية للطلاب العرب والمسلمين كلغة ثانية في المدارس الأمريكية ، كما يفعل أبناء أمريكا الجنوبية ، إذ يتم تعليمهم اللغة الأسبانية كلغة ثانية .
وبقدر أهمية هذه الخطوة بقدر صعوبتها في ظل تبعثر العرب والمسلمين في مناطق متباعدة ، فالتجمع السكاني مهم جدًا لفرض هذا الطلب على المسؤولين ، وهذا ما يجب أن يضعه المسلمون هنا في بالهم ، وهو تكوين جاليات في المدن على نحو ما تم في مدينة أناربور في ولاية ميشيغان .
وهناك حل عملي آخر ، وهو قيام القادمين الجدد من الدول العربية إلى المهجر بتعليم الأبناء المقيمين هنا منذ فترة طويلة ، ممن لا يعرفون اللغة العربية في يومي السبت والأحد ، هذه الفكرة طبقت في أماكن ونجحت .
وأضف إلى ذلك الحرص على أن يزور الأبناء أوطانهم الأم أو أيًا من البلاد العربية أو الإسلامية ، وأفضلها على الإطلاق زيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة ، ليبقى الأبناء على صلة بالدين ولا يعيشوا تائهين هنا ، مع تعليم الأبناء منذ الصغر اللغة(38/132)
العربية وتحفيظهم سور القرآن الكريم قبل أن يتمكنوا من اللغة الإنجليزية وتضيع عربيتهم ، وقبل ذلك تعليمهم الانتماء والاعتزاز بالإسلام ، فكثير من الطلاب العرب والمسلمين يخجلون من أسمائهم فيغيروها حتى أصبح أحمد (آدم) ، ومحمد (ميكي) ، وعائشة (إليسا) ... وهلم جرا.
إن الدعاة غالبًا ما يتجهون إلى المدن الكبرى ، مثل : شيكاغو ، لوس أنجلوس ، نيويروك ، وتبقى المدن الصغرى على حالها . لا تقل لي من أراد الدين سار إليه ، فهؤلاء المهاجرون ليسوا بإيمان العلماء الذين يرتحلون من مكان لآخر طلبًا للعلم ، بل يريدون من يحثهم ويحضهم ليفيقوا من سباتهم .
ولا يمكن أن ننكر أهمية الإذاعة والتلفاز ، فإذا كانت القناة العربية الوحيدة التي تبث من واشنطن العاصمة ، تبث أفلامًا أخجل من أن تراها ابنتي ، وتعرض الأنشطة الخليعة التي يقوم بها بعض أبناء الجالية العربية ، وتنسى أو تتناسى الجهود الخيرة المشكورة التي يقوم بها الآخرون ، فإننا لن نستطيع أن نمضي قدمًا في الوعي الإعلامي ، فنحن نريد قناة فضائية تبث لأطفالنا أفلامًا عن بطولات أجدادهم ، نريد من يعلمهم اللغة العربية عن طريق التلفاز ، نريد منهم عرض الجهود البشرية الخيرة .
ـــــــــــــــــــ
الموارد المالية للمرأة في الإسلام
وهذا العنوان يلزمني أن أكتب تفصيلاً لتلك الموارد بلا إجمال لأمرها ، مع بيان لسندها الشرعي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لأنه تشريع الحكيم الحميد - سبحانه وتعالى - وحتى نحسم شبهات الطاعنين الذين يحلو لهم اتخاذ شؤون المرأة هدفًا لسهامهم الكليلة التي لن تنال من شرعة الله - تعالى - بحال .
وهذا جانب - من جوانب حقوق المرأة في الإسلام - له تحديه الصارم أمام قوانين الأرض جميعًا ليعلم ذو نَصَفَةٍ من الناس أن شرعة الله غالية ، وأنها منصفة ذات عدل ورحمة ، وتلك صورة لما حضرني من موارد المرأة المالية في الإسلام .
1. حقها في النفقة عليها : سكنًا وكسوةً ومطعمًا ومشربًا وعلاجًا ، أي ما يغطي حاجاتها جميعًا بالمعروف .
هذا الحق كفله لها الشرع ، الشريف فألزم به أبويها ، أو عصبتها ، (نشأةً إلى الدخول بها ) ، فلم يُضيعْها 0 كما تفعل القوانين الغربية إذا بلغت الفتاة بينهم سن السادسة عشرة ؛ فإنها لا تُلزم والديها بإيوائها ولا بكفالتها ، وهذا أمر معروف لا يَعْضَى له الكاتبون ضد الإسلام .
إن الأبوين ، فالعصبة ملزمون بأداء هذا الحق من حقوقها حتى تنتقل بالدخول بها إلى بيت زوجها ؛ فيكون ملزمًا بأداء هذا الحق لها ؛ فإذا فقدت الزوج - لوفاة أو طلاق - كان لهذه الحقوق عودة إلزام إلى الأبوين أو العصبة في حال افتقارها .
وهذا الجانب مَنْ الحق المالي بجواره إلزام من يتعلق به هذا الحق بالمحافظة عليها ، وصيانتها ، وتوفير كرامتها . وقد تكفلت مصادر الفقه الإسلامي بتفصيل هذا الحق .(38/133)
2. وللمرأة نصيب مالي محدد - من "الميراث" حدده الكتاب العزيز على أي حال كان وضعها : زوجة ، أو جدةً ، أو أمًا ، أو بنتًا ، أو أختًا ، وفي سورة النساء الآيات الحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة ، ثم آخر آياتها تفصيل لنصيبها في أي أحوالها قال تعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مِثلُ حظ الأنثيين ، فإن كنَّ نساءً فوق اثنتين فلهنَّ ثلثا ما ترك ، وإن كانت واحدة فلها النصف ، ولأبويه لكل واحدٍ منهما السدسُ مما ترك إن كان له ولد ، فإن لم يكن له ولدٌ وَوَرِثَهُ أبواه فلأمهِ الثلث ، فإن كان له إخوةٌ فلأمِه السدسُ من بعد وصية يوصِى بها أو دين ، أباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا فريضة من الله ، إن الله كان عليمًا حكيمًا ، ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولدٌ ، فإن كان لهن ولدٌ فلكم الربع مما تركن من بعد وصيةٍ يوصين بها أو دين ، ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولدٌ ، فإن كان لكم ولدٌ فلهن الثمنُ مما تركتم ، من بعد وصيةٍ توصون بها أو دين ، وإن كان رجلٌ يُورَثُ كلالةً أو امرأةٌ وله أخ أو أختُ فلكل واحدٍ منهما السدس ، فإن كانوا أكثر من ذلك بهم شركاء في الثلث ، من بعد وصيةٍ يُوصَى بها أو دينٍ غير مُضار ، وصيةً من الله والله عليم حليم ، تلك حدود الله ، ومن يطع الله ورسوله يُدخله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. (النساء ، آية : 11 - 12).
ولا يفوتني - عقب الحديث عن حقها في الميراث - أن أبين هنا أمرين :
أولها : أن المرأة ليست ملزمة بنفقة شرعية قِبلَ نفسها ، أو قِبَلَ أحد .
ثانيهما : أنها - باعتبار ما كفل لها الشرع الشريف من (ذمة مالية مستقلة) لها أن تستغل مالها بطرق مشروعة ، مما يجعل نصيبها المالي يتضاعف دون أن تنتقصه واجبة عكس الحال في الرجال .
3. "المهر " وهو حق مالي ثابت لها قلَّ أو كثُر ، ليس لوليها أن يغفله أو يتنازل عنه ، وليس له نهاية مالية محددة ، قال تعال : (وأتوا النساء صدقاتهن نِحلةً) سورة النساء ، : الآية: 4) ، أي : آتو النساء مهورهن وجوبًا ، فالمهر ملك خالص لها ، مال تقدم منه وما تأخر . قال تعالى : (وءاتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتانًا وإثمًا مبينًا ) (سورة النساء : آية: 20)..
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد نهى عن كثرة الإصداق ثم رجع عن ذلك .. قال الحافظ أبو يعلى عن الشعبي عن مسروق قال : ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم . ثم قال : ما إكثاركم في صداق النساء !! وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم ، فما دون ذلك . ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها . فلأعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم .
قال : ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت : يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم ؟ قال : نعم . فقالت : أما سمعت ما أنزل الله في القرآن ؟ قال : وأي ذلك ؟ فقالت : أما سمعت الله يقول : (وءاتيتم إحداهن قنطارًا) الآية ، قال : اللهم غفرًا كل الناس أفقه من عمر . ثم رجع فركب المنبر(38/134)
فقال : أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم ، فمن شاء أن يعطى من ماله ما أحب .
قال أبو يعلى : وأظنه قال : فمن طابت نفسه فليفعل.
إسناده جيد قوي.
وينبغي ألا يفوتنا في هذا المقام أن هذا الحق المالي في المهر ليس خاصًا بالزوجة إذا كانت مسلمة فقط ، فهو حقها مسلمةً كانت أو كتابيةً .
والمهر واجب - أيضًا - للإماء المؤمنات قال تعالى : ( ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بأيمانكم بعضكم من بعض فأنكحوهن بإذن أهلهن وءاتوهن أجورهن بالمعروف ) (سورة النساء ، آية : 25). (أُجورهن: مهورهن) .
4. وتعمل المرأة ، ولا خلاف في عملها عند حاجتها هي ، أو حاجة المجتمع نفسه إليها ؛ كطبيبة أو مدرسة لبنات جنسها ، وقد تعمل في مهنة تخص النساء داخل بيتها ، أو لا تخص النساء كأن تكون أديبة تعكف على التأليف أو كتابة المقالات المفيدة .
ذلك كله وما شابهه ، للمرأة أن تمارس العمل بها موفورة الكرامة حريصة عليها لا ابتذال لشخصها في هذا العمل ، ولا تفريط في واجبها الأُسري ، ولقد دلت الشريعة الغراء على ما للشخص الذي نيط به أكثر من واجب - فاستوفاه بإحسان وأمانة - من أجر عظيم عند الله تعالى .
فأما ما كان لها من مال من هذا العمل ، فهو ملكها الخالص ، كما نص عليه أكثر الفقهاء ، وقد استشهد بعض العلماء - في هذا المقام - بقوله تعالى : ( وللنساء نصيبٌ مما اكتسبن) . (سورة النساء ، آية : 32).
على أن ما تقدم بشأن عملها أمر لا خلاف فيه.
5. وبما للمرأة من ذمة مالية مستقلة ، فإنها تستطيع أن (تضارب) بمالها مع أمين يحسن التجارة ، ويقوم عنها بالعمل ، وقد اشترط بعض الفقهاء إِذْنَ وليها : أبًا ، أو زوجًا في هذا المقام ليس للحكر عليها ، بل صونًا لها من القيل والقال ، ومالها وربحه حق لها .
وبعد .. فذلك شيء مما كفله الإسلام للمسلمة من موارد مالية ، وحسبي أن ألفت النظر - هنا - إلى مقال الأستاذ الذكتورة إسمت غنيم - بنفس هذا العدد لنتبين ما فعله الإسلام للمرأة .. وما فعله الغرب بها .. ولا تزال - إلى يومنا هذا - عرضة للتشرد والضياع بالرغم مما نسمعه من حديث الغوغاء .
ذلك - إذن - ما قدمه الإسلام ، أي ما فعله تشريعًا لا يمكن النيل منه منذ كان الإسلام من خمسة عشر قرنًا إلى يومنا هذا .. إلى يوم يبعثون .
تشريع سماوي .. وليس تشريعًا وضعيًا كهذا الذي اكتسبت به المرأة شيئًا من حقها في الغرب ، يمكن - فيما بعد - أن ينصل فيحول ، بل لقد نَصَلَ في الحرب العالمية الثانية حيث أعدت المرأة للترفيه عن الجنود .
فأما لدى أهل الكتاب فتلك هي المرأة فيما يرون : " إنها أدنى من الرجل لأنها هي التي أغوت آدم بالأكل من الشجرة المحرمة ، ولذلك فالمرأة بطبعها خاطئة" ومن(38/135)
هنا نشأ مفهوم الخطيئة الأصلية وجُعلت حواء متسببة فيها . ولذا يشكر اليهودي ربه صباح كل يوم على أنه لم يخلقه امرأة . كذلك فإننا نجد بعض آبائهم الأوائل أدانوا المرأة باعتبارها أقوى مصادر الخطيئة والغواية ، ويوضح "ترتوليات الأول " نظرته قائلا : ":إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ، وإنها دافعة بالمرء إلى الشجرة الممنوعة ، ناقضة لقانون الله " .
ولقد حدث أن قرر أحد المجامع في رومية أن المرأة حيوان نجس لا روح له ولا خلود ، ولكن يجب عليها العبادة والخدمة ، وأن يكمم فمها كالبعير لمنعها من الضحك والكلام ، لأنها أحبولة الشيطان ، وما زالت تلك النظرة ضاربة بجذورها حتى اليوم وليس أدل على ذلك من أن بعض الأديرة في اليونان - على سبيل المثال - ما زالت حتى الآن تحرم دخول النساء إليها .
وحينما نصل إلى طلائع العصر الحديث فإننا نجد المرأة الغربية في مكانة متدهورة للغاية . ففي سنة 1790م ، بيعت امرأة في أسواق انجلترا "بشلنين" لأنها ثقلت بتكاليف معيشتها على الكنيسة التي كانت تؤويها . وظلت المرأة إلى سنة 1882م ، محرومة من حقها الكامل في ملك العقار وحرية المقاضاة .. وكان تعليم المرأة يجلب لها العار ! حدث - حينما كانت (اليصابات بلاكويل) تتعلم في جامعة جنيف سنة 1849م - أن النسوة المقيمات معها قاطعنها وزوين ذيولهن من طريقها احتقارًا لها كأنها دنس . فأين حقوقها المالية فضلاً عن مكانتها الإجتماعية
ـــــــــــــــــــ
معدلات الطلاق تنافس أرقام نسب الزيجات في العالم الإسلامي
مع اتساع ظاهرة الطلاق التقت «الشرق الاوسط» بعدد من العلماء لمعرفة رأيهم حول هذا الموضوع.
بادئ ذي بدء تحدث الشيخ سالم بن مبارك المحارفي الداعية في القاعدة الجوية بالرياض وإمام وخطيب جامع حمزة بن عبد المطلب بالحرس الوطني، فقال: يحكي واقع كثير من الناس اليوم صوراً شتى من اللا مبالاة بقيم الألفاظ ودلالات الكلام. وأثر المعاني وثمراته ونتائجه المترتبة عليه، تسمع الكلمة تخرج من فم المرء لا يلقي لها بالاً، ربما هوت به في مسالك الضياع والرذيلة وأقحمته في دهاليز الهموم والغموم، وفقدان الشعور، وأعقبته حسرةً وندامة ... ولات حين مندم.
إن كلمة من الكلمات قد تكون معولاً يهدم به صرح أسر وبيوت ترعد الفرائص بوقعها، وتقلب الفرح حزناً، والبسمة عبوساً، والأمل يأساً .. إنها كلمة «طالق»... فكم قطعت من أواصر الأرحام والمحبين. وكم قضمت وشائج المحبة والعشرة لسنين غابرة.
وأضاف : الطلاق كلمة لا ينازع أحد في جدواها، وحاجة كلٍ من الزوجين إليها حينما يتعذر العيش تحت ظل سقف واحد، وإذا بلغ النفور بينهما مبلغاً يصعب معه التودد، فالواجب والحالة ما ذُكر، أن يتفرقا بالمعروف والإحسان. كما اجتمعا بهذا القصد أول الأمر (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ من سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا).(38/136)
إن الله عز وجل لم يخلق الزوجين بطباع واحدة ، والزوجان اللذان يظنان أن مشاعرهما ورغباتهما واحدة لا تتصادم يعيشان في أوهام، ويسبحان في أحلام النيام.
إن النسيم العليل لا يهب داخل البيت على الدوام .. فقد يتعكر الجو، وقد تثور الزوابع ، وتدلهم الأمور وإن ارتقاب الراحة الكاملة نوع من الوهم، ومن العقل توطين النفس على قبول بعض المضايقات (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) وقال صلى الله عليه وسلم «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره خلقاً رضي منها آخر» (رواه مسلم).
لقد كثر الطلاق اليوم حتى أصبحت أرقام نسب الطلاق تنافس أرقام نسب الزيجات، ولذلك حين فقدت قوامة الرجل في بعض الأزواج ، إبان غفلة وتقهقر عن مصدر التلقي من الكتاب والسنة، وركن فئات من الناس إلى مصادر مريضة، قلبت عليهم مفهوم العشرة وأفسدت الحياة الزوجية ، وتولى كبر تلك المفاهيم المغلوطة الإعلام بشتى صورة من خلال مشاهدات متكررة، تقعّد فيها تصورات خاطئة، ومبادئ مقلوبة في العشرة الزوجية. واشار الى ان الحياة الزوجية حياة اجتماعية، ولابد لكل اجتماع من رئيس يرجع إليه عند الاختلاف في الرأي ، والرجل أحق بالرئاسة لأنه أخبر بالمصالح، وأقدر على التقيد ، بما أودع الله فيه من الخصائص والقدرات التي لا توجد في المرأة .. وإن ما تتلقفه المرأة من الأجواء المحيطة بها على منازعة الرجل قوامته، لمن الانحراف الصرف، والضلال البيّن، ومصادمة الواقع الذي هو دليل على ما نقول وزيادة. وإن قوامة الرجل في بيته لا تعني منحه حق الاستبداد والقهر، فعقد الزوجية ليس عقد استرقاق، ولا عقد متعة ينتهي بمدته. إنه أزكى من ذلك وأجلّ، فواجب الحق للمرأة حتى مع قوامة الزوج (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ولا غنى للزوج عن امرأته، والزوجة عن بعلها (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ). وقد كثر الطلاق اليوم، لما صار المطلق أحد رجلين. إما هو رجل أعمل سلطته، وأهمل عقله وعاطفته، فكان في منزله عسكرياً يسود فيه نظام الدكتاتورية، قد ينجح في جعل البيت يسير وفق ما يريد، ولكنه لا يذوق طعم المحبة والسعادة، ولا يعرف الصفاء والهناء فيه. وإما هو رجل تبع عاطفته فأطاعها، وأهمل سلطته فأضاعها، فعاش في داره عبداً رقيقاً يوجه من غيره فينساق، تقوده امرأته، حيث أرادت ولربما أودت به مهالك ومهازل.
لقد كثر الطلاق اليوم لما كثر الحسّاد والوشاة، فصيروا أسباب المودة والوئام عللاً للتباغض والانقسام، ولربما كان لأهل الزوجين مواقف ظاهرة بدت سبباً مباشراً في كثير من الخلافات، فأذكت نارها، وقطعت أواصرها، وأعانت الأحمق على حمقه.
وقال الشيخ المحارفي إن العلاقات الزوجية عميقة الجذور، بعيدة الآماد، فرحم الله رجلاً محمود السيرة، طيب السريرة، سهلاً رفيقاً، رحيماً بأهله، لا يكلف زوجته من الأمر شططاً، وبارك الله في امرأة لا تطلب من زوجها شططاً، ولا تحدث عنده غلطاً .
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام «إذا صلت المرأة خمسها، وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبوب الجنة شاءت» (رواه ابن حبان).(38/137)
وقال عليه الصلاة والسلام «استوصوا بالنساء خيراً». (متفق عليه).
وسئل «ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح، وتهجر إلا في البيت» (رواه أبو داود).
من جانبه، حذر الشيخ محمد بن سليمان البرقان مدير إدارة محكمة الضمان والأنكحة في الرياض وإمام وخطيب جامع التركي بحي الفارابي بالرياض من استخفاف بعض الأزواج بالطلاق وذكر عدداً من الأسباب التي تؤدي إلى كثرة وقوع الطلاق، فقال: إن لكثرة الطلاق في المجتمع أسبابا عديدة لعلنا نذكر بعضاً منها: تناول المخدرات: فتناولها سبب كبير لكثرة المشاكل بين الزوجين مما يؤدي إلى الطلاق وهذا واضح وجلي.والاختلاف الفكري والعلمي بين الزوجين. وانشغال الزوج وتقصيره في حقوق الزوجة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الأسرة" بين الحداثة الغربية.. والرؤية الإسلامية
أ. معتز الخطيب
...
06/11/2002
الحديث عن الأسرة هو حديث عن شبكة من العلاقات والمفاهيم تشكل النواة الأساسية للمجتمع، كما تشكل المنظومة القيمية، والحاضنَ التربوي للفرد. وعقد المقارنة بين سياقين حضاريين: النموذج الحضاري الغربي والنموذج الحضاري الإسلامي، لمصطلح "الأسرة" وتَشكله وما يتصل به، من شأنه أن يثير عددًا من المفارقات بين النموذجين، ويلقي بثقله على حقول معرفية مختلفة كالفلسفة والاجتماع والدين.
ولست أبالغ إذ أقول: إن حجم المفارقة بين المفهومين تصل حالة من التناقض، ويمكن مقاربة أزمة الغرب الاجتماعية والأخلاقية من هذه المفارقة نفسها، ويمكن إدراك "أوهام" الحداثة من خلال الآثار التي ألقت بظلالها على التغيرات التي عصفت بالمجتمع الغربي والأسرة الغربية والقيم العائلية الغربية، ذلك أن للمعتقدات الدينية والفلسفية أثرها على نمط العلاقات السائد، وذلك مرتبط أيضًا بالمتغيرات الديمغرافية (السكانية) والثقافية والفيزيولوجية، كما أكدت دراسة عن الأسرة الأوربية.
ونحن سنحاول هنا إيضاح تحولات مفهوم "الأسرة" بناء على الفلسفة التي تتحكم فيه، مع عدم إغفال الأشكال المتولدة عنها، والآثار المترتبة عليها.
الأسرة في المفهوم الإسلامي
في المفهوم الإسلامي يعتبر "الزواج الشرعي" بين ذكر وأنثى هو الأساس المكين الذي تقوم عليه الأسرة، ومن هنا نلحظ قصور التعريف الفقهي للزواج الذي يكاد يقصره على مجرد "عقد استمتاع" وكأن ذلك كل غايته وأهدافه!
والأسرة في المفهوم الإسلامي ليست تلك العلاقة المحدودة بالزوجين والأبناء (الأسرة النووية)، بل تمتد بامتداد العلاقات الناشئة عن رباط المصاهرة والنسب والرَّضاع، والذي يترتب عليه مزيد من الحقوق والواجبات الشرعية، مادية كانت كالميراث، أم معنوية كالبر والصلة والصدقات.. (الأسرة الممتدة).(38/138)
وتقوم في إطار الأسرة كوحدة اجتماعية علاقات بالكيان الاجتماعي العام من خلال علاقات الجوار (حقوق الجار)، والعلاقة بالفئات الاجتماعية الأدنى (الخدم) الذين أمر الإسلام بمعاملتهم على قدم المساواة مع أهل المنزل بناء على القيمة الإنسانية لا الطبقة الاجتماعية.
وتتيح الأسرة الممتدة لأطفالها فرصاً ومصادر من الاقتداء والتفاعل ومصادر العطف والحنان، فتتعاظم الموارد الوجدانية والتعليمية للطفل.
والأسرة في الإسلام تقوم على أساس ديني / إيماني، "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله" (رواه أبو داود). ولذلك وجدنا كثيراً من الأحكام المتعلقة بالأسرة مقرونة بنداء {يا أيها الذين آمنوا} كالميراث (النساء: 19)، والعِدّة (الأحزاب: 4،9)، وحرمة البيوت (النور: 27)، والتربية (التحريم: 6)، وغيرها.
ويقرن الله تعالى بين توحيده وبين بر الوالدين (النساء: 36)، كما بين القرآن أن الالتزام بالتشريعات المنظِّمة للأسرة مبعثه الإيمان بالله تعالى (البقرة: 232)، وأن الغرض من استمرار بناء الأسرة هو إقامة "حدود الله" (البقرة: 230)، وهذا كفيل بأن يجعل الأسرة من العبادات.
والأسّ المكين في بناء الأسرة في الإسلام هو التراحم، حيث يقول تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} (الروم: 21). فالعلاقة ليست محض علاقة تعاقدية قائمة على أسس قانونية كما يريد لها دعاة "تحرير المرأة"، وكما هي في الغرب، {فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا} (النساء: 19)، و "لا يَفرك (أي يبغض) مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر" (رواه مسلم).
وأيضاً فإن الأسرة تقوم على المسؤولية الأخلاقية "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته... الرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها" (رواه البخاري).
وهذه المسؤوليات تتحدد (شرعًا) بتفصيلاتها، واستوعبتها كتب الفقه، كما أن لها ضمانات قضائية.
وإذا كنا أشرنا إلى قصور المفهوم الفقهي للزواج فلم يكن غريبًا أن جمهور الفقهاء لا يرون من واجبات الزوجة خدمة الزوج والقيام بشؤون البيت.
تحولات في الأسرة المسلمة
وفي ظل المؤثرات الثقافية والتعقيدات الاقتصادية ظهرت أنماط جديدة وتحولات في الأسرة المسلمة؛ فشهدنا بعض الاختراقات للمفهوم الإسلامي للأسرة، فضلاً عن الممارسات الخاطئة.
ومن الأنماط التي ظهرت مثلاً زواج المسيار، والزواج العرفي، والزواج المؤقت، ونحو ذلك.
كما أننا لا ننكر أن ثمة اختراقات أخلاقية تمثلت في النزوع لإشباع الرغبة مع التحلل من مسؤوليات الأسرة والزواج، فكان أن انتشرت "الدعارة" في بعض الدول، فضلاً عن الإباحية التقنية وغير ذلك.(38/139)
لكن من المهم ملاحظة أن هذه الأنماط والممارسات تبقى على الدوام في إطار "الاختراقات" ولم تشمل المجتمع، وهي ظواهر محدودة بالنسبة للمجتمع العام. والأهم من ذلك هو أن المجتمع لا يزال ينظر إلى هذه الاختراقات على أنها "لا شرعية"؛ مما يفسر كونها ممارسات سرية، ومن ثم فإن منظومة القيم لم تتبدل مع وجود هذه الانحرافات، بالرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة.
وإذا كنا شرحنا أن الأسرة في المفهوم الإسلامي أسرة ممتدة فهل تعتبر غلبة الأسرة النووية على مجتمعاتنا اختراقاً آخر أو خروجاً من المفهوم الإسلامي؟
صحيح أن المنزل هو القاعدة المادية التي تحدد – إلى درجة ما – نمط العلاقات بين الأفراد الذين يقطنونه، ولذلك وجدنا بعض تعاريف الأسرة تنص على "المنزل الواحد". والأسرة النووية ذات صلة بتعدد المنازل ونشأةِ فكرة "الاستقلالية" التي تأخذ في السياق الغربي قيمة ذاتية فردية.
لكن لسنا نقول هنا: إن الأسرة الممتدة هي الأسرة الإسلامية حتى تخرج منها الأسرة النووية؛ فالعبرة كما قلنا بالروابط والعلاقات القائمة، لا بشكل الأسرة، وبهذا الاعتبار فإن التغير الذي أصاب الأسرة في مجتمعاتنا المعاصرة لم يتجاوز في كثير من الأحوال الناحية الشكلية؛ فلا تزال الروابط والعلاقات قائمة، بالرغم من أن الأبناء أصبحوا آباء، وذلك بناء على أساس ديني / إيماني (صلة الأرحام، وبر الوالدين).
الأسرة في المفهوم الغربي
أما الأسرة في المفهوم الغربي الحداثي فقد شهدت تحولات مختلفة، وربما يشكل عام 1500م وعام 1789م نقطتين بارزتين في تاريخ التحول. ففي عام 1500م وبداية القرن السادس عشر كانت الملامح الأولى للثورة الصناعية الكبرى، وفي سنة 1789م قامت الثورة الفرنسية وكانت تتويجاً لما ذهب في التاريخ باسم "عصر التنوير" (القرن الثامن عشر، وخاصة النصف الأول منه) الذي اتسم بشيوع الدعوة إلى استعمال العقل والانطلاق منه لمحاكمة الأوضاع القائمة.
ودعا فلاسفة عصر التنوير ومفكروه إلى نبذ المجتمع القديم (الإقطاعي) وإرساء مجتمع جديد بدلاً منه تسود فيه حرية الإنسان وحقوقه. والحداثة ارتبطت بعصر التنوير وفكرته عن العقلانية الكلية، أي البحث عن المعرفة اليقينية وعن وسيلة للسيطرة على قوى الطبيعة والمجتمع.
هذه المحطات التاريخية والتحولات الفكرية كان لها أثر كبير في التحولات الاجتماعية؛ ومن ثم نمط الحياة الأسرية في أوربا. ومن هنا وجدنا إحدى الدراسات عن "الأسرة في العصور الحديثة" في جامعة "يال" ركزت على المساحة التاريخية (1500-1789).
لكن التغيرات التي شهدها المجتمع الغربي (الأمريكي والأوربي) فيما يتعلق بالمسائل الجنسية والهيكلية العائلية واستعمال المخدرات، تكمن في ظلال الستينيات من القرن العشرين، وهو ما أطلق عليه ثورة الستينيات (أو الثورة الثقافية).
لكن ثمة فروقا بين المجتمعين، فبينما تم إدماج التحولات الاجتماعية في أوربا مع التقاليد والعادات، أحدثت انقسامات اجتماعية عميقة في أمريكا، لكن دايفيد بروكس يؤكد في كتابه (البرجوازيون البوهيميون في الجنة) أن ثمة مؤشرات على أن أمريكا(38/140)
سرعان ما ستلحق بأوربا فتستوعب ثورة الستينيات الثقافية وتدمجها في العادات والتقاليد الأمريكية.
والآن يمكن الحديث في الغرب، وفي أمريكا على وجه الخصوص، عن تحول في النسيج القيمي للأسرة، من تلك الأسرة الصغيرة بمعناها التقليدي إلى الأسر التي تنشأ بالاختيار الحر، والإرادة الحرة (اجتماع مجموعة من الناس حول عادات معينة، أو اشتراكهم في الانتماء لقيم معينة)، وصار يمكن الحديث الآن عن تشكيلات عائلية متنوعة، كالأسرة التي تشمل الأبناء بالتبني، والعائلات المختلطة والأسرة المثلية (أنثى/ أنثى، ذكر/ذكر)، والأسرة المتشكلة بالتقنيات الحديثة.
وهذه التنويعات تعتبر مجموعة من الخيارات المتاحة والمتعددة، وخصوصاً بالنسبة للشواذ؛ حيث تحول الشذوذ من "الانحراف" إلى "خيار" أو "توجه" مقبول، وحصل الشواذ على الاعتراف الرسمي "بحقهم" في الزواج ومساواتهم في الحقوق مع الزوجين الطبيعيين (ذكر/أنثى) في بعض الدول كهولندا مثلاً، بل وإقرار بعض المؤسسات أو التجمعات الدينية في أمريكا!
هذه التحولات/التنويعات في مفهوم الأسرة وأنماطها تأسست على اعتبار أن الأسرة "التقليدية" نمط اجتماعي تاريخي؛ مما يعني أنه يمكن تجاوزه وتشكيل بديل أو بدائل عنه، واستنادًا إلى الإرادة الحرة، والحق الفردي الطبيعي بمعزل عن فكرة الدين؛ الأمر الذي نتج عنه عدد من الظواهر كالأطفال غير الشرعيين، والإيدز، والممارسات الجنسية الحرة، وغير ذلك.
ففي فرنسا مثلاً بلغت نسبة الولادة دون زواج 40% من مجمل نسبة مواليد سنة 1997م، وأكثر من نصف النساء 53% يضعن أطفالهن دون زواج شرعي، وتضاعفت ظاهرة المعاشرة دون زواج شرعي سنة 1999م مما يهدد بانقراض الأسرة الفرنسية "التقليدية" بحسب التقرير السنوي للدراسات الديمغرافية في باريس، الذي أكد أن الزواج أصبح عادة "روتينية" أقلع عنها الكثيرون.
والمهم هنا أن الموقف حيال هذه الظاهرة يعكس الفلسفة التي تحكمها، ومن ثم فهي لا تعتبر في الحداثة الغربية "انحرافاً"، وإنما أشبه بالآثار الجانبية، ومن ثم يكون الحديث عن ممارسة "الجنس الآمن" وابتكار الواقي، ويأتي التبني، أو بيع وتأجير الأرحام، أو التلقيح الصناعي ليحل مشكلة "الإنجاب" للأسرة المثلية، ويأتي تقنين "الإجهاض" ليحل مشكلة الأطفال غير الشرعيين إلى غير ذلك.
والحلول لا تقتصر على التقنية، وإنما تطاول قضية المفاهيم، وقد رأينا كيف تحول الشذوذ من "انحراف" إلى "خيار"، وكيف أن الدعارة تحولت من ظاهرة لا أخلاقية إلى حالة قانونية، فصار البغاء شرعيًّا في الولايات المتحدة وعموم أوروبا.
إذن.. هذه التحولات -في نظرنا- محكومة برؤية فلسفية للإنسان والمجتمع قامت على أنقاض الدين وفكرة الإله، وكان مراد هوفمان قال: "إن المجتمع الغربي أول مجتمع يعيش الإلحاد عملياً".
المفارقة بين المفهومين
لكن السؤال المحوري هنا في سياق الحديث عن مفهوم "الأسرة" في السياق الغربي هو: ما الفلسفة التي تقوم عليها الأسرة؟(38/141)
يرى البعض أن مفهوم "الدولة" في الغرب حلّ محل "الأسرة" فأصبحت الدولة هي أم الشعب، ونظراً لأن الدولة لم تقم عندنا بالمعنى الدقيق بأدوارها ووظائفها (باستثناء السلطة التي عرفناها جيدًا)؛ فإن الأسرة المسلمة بقيت متحصنة، ومحتفظة بممانعتها ضد التحديث.
لكن هذه النظرة غير دقيقة، فلا يمكن – من وجهة نظرنا – الكلام عن "إحلال" مؤسسة مكان أخرى واستبدالها، فالقضية تنبع من التحولات التي طرأت على المفاهيم التي أسستها الحداثة الغربية؛ فقامت الأسرة على المفهوم الغربي "للحق" الفردي، ومن هنا كانت اتفاقيات (حقوق الإنسان، وحقوق المرأة واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدها، وحقوق الطفل) التي سعت الأمم المتحدة باستمرار لتعميمها وفرضها على العالم باعتبارها النموذج المثال.
ومن المهم أن نشير هنا إلى أن التحولات في الأسرة الغربية -والأوربية تحديداً- كان لقضية "تحرير المرأة" دور بارز فيها عن طريق خلق "موازين قوى" جديدة داخل الأسرة تم بناء عليها -مع الاستعانة بالآراء اللوثرية (نسبة لمارتن لوثر) في هذا الميدان- إعادة أهم جزء من الخارطة الاجتماعية.
وكمثال، فإن المرأة الإيطالية بدأت "العزوف عن كثرة الإنجاب أو عن الإنجاب كلية أو حتى الزواج، وتطالب بتحول العلاقة بينها وبين الرجل إلى مفهوم المتعة التي يجب أن تتساوى فرصة الرجل والمرأة في الحصول عليها، وبالتالي تفضيل الوظيفة البيولوجية على الوظيفة الاجتماعية" (الحياة: 25/5/2002).
بل إن فكرة "المساواة" باتت في نظر "النسوية" (حركة التمركز حول الأنثى) مطلبا متخلفاً، فالأنثى هي الأصل، ويمكنها الاستغناء عن الرجل تماماً، ويمكنها وتحصيل لذتها وإنجاب طفلها من دونه أيضًا!
وبناء على مفهوم "الحق الطبيعي" في المنظومة الغربية الذي لا دخل للدين فيه، تم إعادة صياغة منظومة قيمية جديدة، كاللذة، والفردية، والاستقلالية، والحرية الجنسية، وحرية تكوين الاختيار الجنسي (الشذوذ)، وأن المرأة مالكة لجسدها ولها حرية التصرف فيه... والدولة هنا هي ضامن / مستند قانوني لحماية هذه الحقوق.
وفكرة الحق والمساواة هذه أعادت صياغة مفهوم "السلطة" فتحولت من الأسرة كمؤسسة.. إلى الدولة، ومن هنا يمكن اللجوء إليها لصون حقوق الابن أو الأب أو الأم كل منهم ضد الآخر بالتوازي، وبالتالي تقلص دور الأسرة مع وجود مؤسسات أخرى تقوم بدورها كالمدرسة والإعلام والمجتمع التعاقدي.
بل إن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (1979م) اعتبرت "الأمومة" وظيفة اجتماعية يمكن أن يقوم بها أي إنسان.
وهنا نفهم جيداً معنى "الفراغ العاطفي" الذي تعيشه الناشئة في الغرب. وكان الأديب الفرنسي ميشال هواليبيك تحدث عن الصورة المريعة للفراغ العاطفي في أوربا في كتابه (الجزئيات الأساسية) الذي حقق أعلى نسبة مبيعات في أوربا.
فالأسرة في السياق الغربي الحداثي تقوم على أساس تعاقدي، ومن هنا تقلصت مفاهيم وقيم التماسك بين الأفراد والتضامن والتراحم، ومسؤولية الأبوين، ومن ثم تنتهي(38/142)
تماماً المسؤولية العاطفية والأخلاقية عند بلوغ الطفل السادسة عشرة، وتنتهي المسؤولية الاقتصادية بعد ذلك ببضع سنين.
وفي شرح لنتيجة انهيار الأسرة، والفراغ الوجداني الذي خلفها، يذكر ألين بيور وإيميل بيريز في كتابهما (أمريكا: العنف والجريمة) أن معدل الجريمة الأمريكية - مثلاً - طبقاً لسنة 1998م بلغ ما يلي:
وقوع جريمة سرقة عادية كل 3 ثوان.
وجريمة سطو كل 14 ثانية.
وجريمة سرقة سيارة كل 25 ثانية.
وجريمة سرقة مقرونة بالعنف كل 60 ثانية.
وجريمة اغتصاب كل 6 دقائق.
وجريمة قتل كل 31 دقيقة.
ويقدر إجمالي كلفة الجريمة العنيفة في الولايات المتحدة (عدا المخدرات) بأكثر من 700 بليون دولار سنويًّا، وهو مبلغ يجاوز إجمالي الدخل السنوي الفردي في نحو 120 دولة في العالم.
ويقدر عدد المتعاطين للمخدرات بنحو أكثر من 12 مليون شخص في أمريكا وحدها، هذا مع الانخفاض الملحوظ في المعدلات التي بدأت سنة 1991م.
أما الأسرة في المفهوم الإسلامي فتقوم على أساس تراحم مبني على الإيمان الديني، وعن هذا الإيمان ينبثق الالتزام بتشريعات وقوانين الأسرة، وفي مقابل الحق الفردي في المفهوم الغربي يأتي الواجب الديني، وفي مقابل الحرية المنفلتة من أي ضابط، تأتي المسؤولية الأخلاقية، وبينما يتم إشباع اللذة بالممارسة الحرة بوصفها حقاً مدعوماً بالحرية، في الرؤية الغربية، يكون إشباع اللذة في الرؤية الإسلامية بالزواج فقط، وبتحمل مسؤولية المساهمة في بناء المجتمع الصالح، والفرد الصالح، وفي حين تشكل اللذة الجنسية نمط حياة الغربي، يتم دمج النشاط الجنسي في حياة المسلم باعتباره شكلاً من أشكال العبادة، "وفي بُضع أحدكم صدقة" (رواه مسلم).
لهذه الاعتبارات كلها وغيرها، وجدنا تفاوتاً كبيراً بين الانحرافات الاجتماعية في الغرب وبين الانحرافات في المجتمعات الإسلامية بالرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة.
عولمة المفهوم الغربي
ومع هذه المفارقة البالغة حدَّ التناقض بين المفهومين نرى أن ثمة محاولات عديدة لفرض النموذج الغربي وعولمته، عبر الإعلام بوسائله المختلفة، والنخبة المتغربة، باعتباره يندرج في عملية "التحديث"، ويتصل بمفهوم "حقوق الإنسان" (بالمفهوم الغربي)، ومن هنا لم يكن غريباً أن يدافع الحداثيون العرب عن الشواذ المصريين، وأيضًا عبر مؤتمرات الأمم المتحدة، وتسخير سلطتها لشَرْعنة النموذج الغربي قانونيا وسياسيًّا من خلال اتفاقيات تتعهد الدول الأعضاء بالإذعان لها، وتنفيذها عبر لجان ومؤسسات تراقب عملية التنفيذ.
ولعل أبرز تلك المؤتمرات والاتفاقيات: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (1979م)، والمؤتمر الدولي للسكان والتنمية (1994م)، ومؤتمر بكين(38/143)
(1994م)، والتي ركزت على قضايا مركزية في المفهوم الغربي هي: الحرية الجنسية، والإجهاض، ومصطلح الجندر (بدل لفظ الجنس، ليشمل "التوجهات" الجنسية: اللواط، والسحاق)، وحقوق المرأة الفرد وليس العضو في الأسرة، والمساواة / المماثلة التامة بين الذكر والأنثى، وإلغاء مفهوم "تمايز" الأدوار، وازدراء "الأمومة"، واعتبار العمل المنزلي "بطالة"؛ لأنه من دون مقابل مادي.
والأمر لا يقتصر على مقررات الأمم المتحدة، فثمة جماعات تتمتع بسلطة التأثير في القرار السياسي، وتشكل قوة ضغط، من أبرزها "جماعة الشواذ" التي لها دورها في الضغط على إدارة مؤتمرات الأمم المتحدة، واستطاعت جذب جماعات مسيحية ومسلمة إليها، وهناك "جماعات الحق في الاختيار" و"حق المرأة في الإجهاض" واستطاعت ترجيح كفة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في انتخابات (1992 - 1996م) واستمالت قوى دينية وقساوسة إليها.
تعميم النموذج الإسلامي
فإذا كان هذا حال الأسرة في الرؤية الغربية، وهذه أدوات عولمتها دوليًّا، ومحليًّا من خلال التنظيمات النسوية، فماذا فعلنا نحن تجاه المفهوم الإسلامي للأسرة؟ وإلى متى سنبقى في مرحلة الدفاع عن "الأسرة" المسلمة ونحن "أصحاب رسالة يجب أن يصغي لها الجميع"، بحسب قول مراد هوفمان؟
إن عودة "الله" للمجتمعات الغربية تغدو الحل الحاسم باعتباره القيِّم على القيم، ويمكن لتعاليم الإسلام الكثيفة، والتي تشكل "نظرية اجتماعية" أن تقدم "دواء شافيًا" في المجال الاجتماعي، وتعيد لشبكة العلاقات الاجتماعية تماسكها ووحدتها، وتسد الفراغ العاطفي؛ فالعلاقة الروحية بين الله والإنسان هي التي تلد العلاقة الاجتماعية في صورة القيمة الأخلاقية كما شرحه مالك بن نبي، وكلما ضعف الدين ازداد الفراغ الاجتماعي بين الأفراد وهو مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا". فكيف إذا غاب؟!
لكن يواجهنا سؤال جوهري هو كيف يمكن لنا أن نقدم خطاب الأسرة الإسلامية إلى الآخر بوصفه "دواء" ليحقق الفاعلية الاجتماعية في الغرب؟ هذا يحتاج لمعالجة مستقلة مع بحث السبل والوسائل اللازمة لذلك.
ـــــــــــــــــــ
إمامة المرأة للرجال
إعداد: همام عبد المعبود**
...
05/04/2005
أمينة ودود أثناء إمامتها للجمعة
أثار قيام الدكتورة أمينة ودود أستاذة الدراسات الإسلامية بجامعة فيرجينيا، بإمامة المصلين من النساء والرجال في صلاة الجمعة التي أقيمت في مدينة نيويورك في 18 مارس (آذار) 2005، ردود فعل غاضبة في الكثير من البلدان الإسلامية، وسارع العلماء والمجالس والمجامع الفقهية والخطباء، قبل وبعد الحدث، بإصدار(38/144)
الفتاوى والتحدث في الموضوع، كما احتل الموضوع مساحة واسعة من اهتمام وسائل الإعلام.
تلخصت عامة الردود في عدة نقاط، يمكن تلخيصها بأن خطورة الموقف تكمن في مآلاته ونتائجه، فضلا عن الصورة التي تم بها على مرأى العالم.
فالمسألة - فقهيا – تقوم على قاعدة كبرى مفادها أن الأصل في "العبادات" في الإسلام هو الحظر والمنع، إلا ما أذن به الشرع بنصوص صحيحة صريحة، وأن السنة النبوية حددت مكان النساء من الصلاة مع الرجال درءا للفتنة وصيانة للمرأة، وتخليصا للعبادة عن الصوارف والشواغل، وأن الإجماع قام عبر العصور على هذا العمل والفهم، وأنه لم يختص الإسلام بهذا وحده، فلقد رأينا الأديان الأخرى تخص الرجال في شأن الدين بأمور كثيرة، ولم تثر النساء عندهم اعتراضهن على ذلك، فما بال نسائنا يُغْرِبن ويسرفن في مطالبهن، ويثرن ما يشق الصفوف بين المسلمين؟ في وقت هم أحوج ما يكون إلى لم الشمل، وجمع الصف، لمواجهة الفتن والأزمات والمكايد الكبرى التي لا تريد أن تبقى لهم من باقية؟!
ولو تجاوزنا الرؤية الفقهية وآلياتها إلى السياق الذي تمت فيه الواقعة نجد أن السياق له دلالته السياسية والفكرية؛ فقد تمت في نيويورك بحراسة أمنية شديدة، وفي كنيسة، وعلى صفة اختلط فيها الرجال بالنساء، وبعض النساء كن حاسرات الرأس، وأن ذلك تم في ظل ما يتعرض له المسلمون والإسلام من ضغوط وفي ظل الحديث عن "إسلام أمريكي"، أما دلالته الفكرية فتأتي من كونه في شهر مارس (شهر يوم المرأة وفق السياق الغربي) وفي سياق فكر ما بعد الحداثة الذي يسعى إلى تفكيك مجموعة المسلمات الإنسانية في الطبيعة والدين والتاريخ والسياسة، والمرأة أحد هذه المجالات. وهذا -بتعبير البعض- انقلاب فكري يكاد يكون كونيا، وهو ما يعبر عنه في أدبيات السنة بـ "الفتنة" أو "الاختبار" أو "الابتلاء"، لأن الاستجابة لهذا التحدي بالفتوى سواء (مع) أو (ضد) إنما هي تحقيق لأهداف التفكيك.
والكل يتفق على أن هذا ليس حطا من شأن المرأة، ولكنها طبيعة الأشياء، وأن ذلك ينبغي أن يفسر في ظل الرؤية الإسلامية الكلية لمكانة المرأة ودورها حسب التصور الإسلامي كما صوره القرآن وبينته سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ـــــــــــــــــــ
القرضاوي: متى تجوز إمامة المرأة في الصلاة؟
الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي
...
05/04/2005
الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي
لم يُعرف في تاريخ المسلمين خلال أربعة عشر قرنًا: أن امرأة خطبت الجمعة وأمت الرجال، حتى في بعض العصور التي حكمتهم امرأة مثل (شجرة الدر) في مصر المملوكية، لم تكن تخطب الجمعة، أو تؤم الرجال. وهذا إجماع يقيني.
والأصل في الإمامة في الصلاة: أنَّها للرجال؛ لأن الإمام إنما جُعل ليُؤْتم به، فإذا ركع ركع المأمومون خلفه، وإذا سجد سجدوا، وإذا قرأ أنصتوا.(38/145)
والصلاة في الإسلام لها مقوماتها وخصائصها، فليست مجرد ابتهال ودعاء كالصلاة في النصرانية، بل فيها: حركات وقيام وقعود، وركوع وسجود، وهذه الحركات لا يحسن أن تقوم بها امرأة بين يدي الرجال، في عبادة يتطلب فيها خشوع القلب، وسكينة النفس، وتركيز الفكر في مناجاة الرب.
وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يخلق جسم المرأة على نحو يخالف جسم الرجل، وجعل فيه من الخصائص ما يثير الرجل، ويحرك غريزته، حتى يتم الزواج الذي يحدث به النسل، ويستمر به النوع، وتتحقق إرادة الله في عمارة الأرض.
فتجنبًا لأي فتنة، وسدًّا للذريعة: جعل الشرع الإمامة والأذان والإقامة للرجال. وجعل صفوف النساء خلف صفوف الرجال، وجعل خير صفوف الرجال أولها، وجعل خير صفوف النساء آخرها -إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها، وخير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها"- بُعدًا عن أي فتنة تثار أو تحتمل.
وحتى يركِّز الرجل في صلاته فكره ووجدانه في توثيق صلته بربه، ولا يشطح به الخيال خارج الدائرة الإيمانية، إذا تحركت غريزته البشرية التي لا دافع لها.
وهذه الأحكام شرعية ثابتة بأحاديث صحيحة، ومستقرة بإجماع المسلمين، المتصل بعملهم خلال القرون الماضية، في جميع المدارس والمذاهب، وليس مجرد عادات وتقاليد كما قيل.
والإسلام دين واقعي، لا يُحلِّق في أجواء مثالية مجنحة، بعيدًا عن الواقع الذي يحياه الناس ويعانونه، وهو لا يعامل الناس على أنهم ملائكة أولو أجنحة، بل على أنهم بشر لهم غرائز تحركهم، ودوافع تثيرهم، ومن الحكمة أن يحرص الشارع الحكيم على حمايتهم من الافتتان، والإثارة، بمنع أسبابها وبواعثها ما أمكن ذلك. وخصوصًا في أوقات التعبُّد والمناجاة والوقوف بين يدي الله.
وقد اتفقت المذاهب الإسلامية الأربعة؛ بل الثمانية على أنَّ المرأة لا تؤم الرجل في الفرائض. وإن أجاز بعضهم أن تصلي المرأة القارئة للقرآن بأهل دارها، باعتبارهم محارم لها.
ولم يقل فقيه مسلم واحد من المذاهب المتبوعة أو خارجها بجواز أن تخطب المرأة الجمعة أو تؤم المسلمين.
وإذا نظرنا في النصوص: لم نجد نصًّا صحيحًا مباشرًا ينهى أن تقوم المرأة بخطبة الجمعة، أو بإمامة المصلين.
كل ما ورد هنا: حديث رواه ابن ماجه بسنده عن جابر بن عبد الله مرفوعًا، يقول: "لا تؤمّن امرأة رجلاً، ولا يؤم أعرابي مهاجرًا، ولا يؤم فاجر مؤمنًا".
ولكن أئمة الحديث قالوا عن إسناد هذا الحديث: إنه ضعيف جدًّا. فلا يحتج بمثله في هذه القضية.
وقد روي ما ينافي هذا الحديث، وهو ما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما: عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لها مؤذنًا يؤذن لها، وأمرها أن تَؤم أهل دارها" (وقد كان منهم الرجال والنساء).(38/146)
وهذا الحديث ضعَّف العلماء إسناده، ومع هذا، فهو خاص بامرأة قارئة للقرآن تؤم أهل دارها، من زوج وأبناء وبنات، وهم محارم لها، ولا تخشى فتنة منها عليهم. وقد روى الدارقطني: أنه أمرها أن تؤم نساء أهل دارها.
قال ابن قدامة في (المغني): وهذه زيادة يجب قبولها، ولو لم يذكر ذلك لتعين حمل الخبر (أي الحديث) عليه. لأنه أذن لها أن تؤم في الفرائض، بدليل أنه جعل لها مؤذنًا، والأذان إنما يشرع في الفرائض. ولا خلاف في أنها لا تؤمهم (أي الرجال) في الفرائض.
ثم قال: ولو قدر ثبوت ذلك لأم ورقة لكان خاصًّا لها، بدليل أنه لا يشرع لغيرها من النساء أذان ولا إقامة، فتختص بالإمامة، لاختصاصها بالأذان والإقامة.
وقد أيَّد ابن قدامة قوله بأنها لا تؤذن للرجال، فلم يجز أن تؤمهم.
ولا أوافق الإمام ابن قدامة في جعل هذا الإذن النبوي خاصًّا بأم ورقة، فمن كان في مثل حالها، من النساء، بأن تكون قارئة مجيدة للقرآن، ولها من الأبناء والمحارم من يصلي خلفها: جاز لها أن تؤمهم في الفرائض والنوافل. ولا سيما صلاة التراويح.
وعند الحنابلة قول معتبر منصوص عليه بجواز إمامتها للرجال في صلاة التراويح، وهو الأشهر عند المتقدمين، قال الزركشي: منصوص أحمد واختيار عامة الأصحاب: يجوز أن تؤمهم في صلاة التراويح. انتهى. وهو الذي ذكره ابن هبيرة عن أحمد [الإفصاح عن معاني الصحاح (1/145)].
وهذا محمول على المرأة القارئة التي تصلي بأهل دارها وأقاربها. وقد قيَّدها بعضهم بالمرأة العجوز.
قال في الإنصاف: حيث قلنا: تصح إمامتها بهم، فإنها تقف خلفهم؛ لأنه أستر. ويقتدون بها. هذا الصحيح.
وهذا على خلاف الأصل في الإمامة: أن يكون الإمام أمام المأمومين، طلبًا للستر، ومنعًا للفتنة بقدر الإمكان.
إمامة المرأة للنساء:
أما إمامة المرأة بالنساء وحدهن، ففيها أكثر من حديث. من ذلك:
حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، فقد روى عبد الرزاق (5086)، والدارقطني (1/404)، والبيهقي (3/131) من حديث أبي حازم ميسرة بن حبيب، عن رائطة الحنفية، عن عائشة أنهما أمتهن، فكانت بينهن في صلاة مكتوبة. وروى ابن أبي شيبة (2/89)، من طريق ابن أبي ليلى، والحاكم (1/203 ـ 204) من طريق ليث بن أبي سليم كلاهما عن عطاء، عن عائشة: أنها كانت تؤم النساء، فتقوم معهن في الصف. لفظ ابن أبي شيبة. ولفظ الحاكم عن عائشة: أنها كانت تؤذن وتقيم، وتؤم النساء، وتقوم وسطهن.
وروى الشافعي (315)، وابن أبي شيبة (2/88) وعبد الرزاق (5082) من طريقين، عن عمار الدهني، عن امرأة من قومه يقال لها حجيرة، عن أم سلمة: أنها أمتهن، فقامت وسطًا.
ولفظ عبد الرزاق: أمتنا أم سلمة في صلاة العصر، فقامت بيننا.(38/147)
وقال الحافظ ابن حجر في الدراية (1/169): وأخرج محمد بن الحصين من رواية إبراهيم النخعي عن عائشة: أنها كانت تؤم النساء في شهر رمضان، فتقوم وسطًا.
وروى عبد الرزاق (5083) عن إبراهيم بن محمد، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: تؤم المرأة النساء تقوم في وسطهن.
فليت أخواتنا المتحمسات لحقوق المرأة: يحيين السنة التي ماتت -من صلاة المرأة بالنساء- بدل إحداث هذه البدعة المنكرة: صلاة المرأة بالرجال.
قال في (المغني): اختلفت الرواية: هل يستحب أن تصلي المرأة بالنساء جماعة؟ فروي أن ذلك مستحب، وممن روي عنه أن المرأة تؤم النساء: عائشة وأم سلمة وعطاء والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو ثور، وروي عن أحمد رحمه الله: أنه مستحب. وكرهه أصحاب الرأي. وإن فعلت أجزأهن، وقال الشعبي والنخعي وقتادة: لهن ذلك في التطوع دون المكتوبة.
ومن المهم هنا أن نقرر: أن الأصل في "العبادات" في الإسلام هو الحظر والمنع، إلا ما أذن به الشرع بنصوص صحيحة صريحة، حتى لا يشرع الناس في الدين ما لم يأذن به الله.
فليس للناس أن ينشئوا عبادة أو يزيدوا فيها، أو يدخلوا عليها صورًا وكيفيات من عند أنفسهم، وبمجرد استحسان عقولهم. ومن أدخل في الدين أو زاد عليه ما ليس منه فهو مردود عليه.
وهذا ما حذّر منه القرآن الكريم حين ذم المشركين فقال: "أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ" (الشورى: 21).
وحذرت منه السنة النبوية حيث قال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا (أي في ديننا) ما ليس منه فهو رد" (متفق عليه) أي مردود على صاحبه لا يقبل منه.
وقال: "إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة" (رواه أحمد في المسند وهو صحيح فالعبادات -كما قرر عامة العلماء- توقيفية.
وإنما حُرِّفت الأديان الأخرى وغُيِّرت عباداتها وشعائرها؛ لدخول الابتداع فيها، وعدم الإنكار من أحبارهم على المبتدعات والمبتدعين.
وهذا بخلاف أمور المعاملات وشئون الحياة، فإن الأصل فيها هو الإذن والإباحة.
فالقاعدة الإسلامية هي: الاتباع في أمر الدين، والابتداع في شئون الدنيا.
وهذا ما كان عليه المسلمون في عصور التألق والتفوق الحضاري: اتبعوا في أمر الدين، وابتدعوا وابتكروا في أمور الدنيا، فصنعوا حضارة عالية شامخة. فلما ساء حالهم عكسوا الوضع. فابتدعوا في أمر الدين، وجمدوا في أمر الدنيا.
على أني أريد أن أقول في هذه القضية كلمة أختم بها، وهي: ما الضرورة إلى إثارة هذه الضجة كلها؟ وهل هذا ما ينقص المرأة المسلمة: أن تؤم الرجال في الجمعة؟ وهل كان هذا من مطالب المرأة المسلمة في أي وقت من الأوقات؟
لقد رأينا الأديان الأخرى تخص الرجال في شأن الدين بأمور كثيرة، ولم تثر النساء عندهم اعتراضهن على ذلك، فما بال نسائنا يُغْرِبن ويسرفن في مطالبهن، ويثرن ما يشق الصفوف بين المسلمين؟ في وقت هم أحوج ما يكون إلى لمّ الشمل، وجمع(38/148)
الصف، لمواجهة الفتن والأزمات والمكايد الكبرى التي لا تريد أن تبقى لهم من باقية؟!
ونصيحتي إلى الأخت أمينة ودود: أن تراجع نفسها، وترجع إلى ربها ودينها، وتطفئ هذه الفتنة التي لا ضرورة لإثارتها.
كما أنصح إخواني وأخواتي من المسلمين والمسلمات في أمريكا ألا يستجيبوا لهذه الدعوة المثيرة، وأن يقفوا صفًّا واحدًا في وجه هذه الفتن والمؤامرات التي تحاك بهم.
أسأل الله تعالى أن يلهم أبناءنا وبناتنا، وإخواننا وأخواتنا في كل مكان: السداد في القول، والرشد في العمل، وأن يري الجميع الحق حقًّا ويرزقهم اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه. آمين "رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ". والله أعلم.
فتوى منشورة بموقع "إسلام أون لاين.نت" في 16/3/2005م.
ـــــــــــــــــــ
بيان المجلس الفقهي لأمريكا الشمالية حول إمامة المرأة للرجال
...
05/04/2005
د. طه العلواني الرئيس السابق للمجلس الفقهي لأمريكا الشمالية
لا تنحصر أهمية مسألة إمامة المرأة وخطبتها بالجمع المختلط يوم الجمعة عند حدود تقييم الفعل شرعيا من حيث الحل أو الحرمة، والجواز أو المنع، وإنما تكمن خطورته في مآلاته ونتائجه.
لقد تبنى فكر الحداثة وما بعد الحداثة تفكيكَ مجموعة المسلمات الإنسانية في الطبيعة والدين والتاريخ والسياسية والمجتمع وفلسفة العلوم وما إليها، وهذا التفكيك المتواصل قد أدى إلى بروز ظاهرة الفردية وتمحور الإنسان حول نفسه والتمركز حول الذات، وصار من العسير تقديم أية ضوابط من شأنها أن تقاوم هذا التوجه التفكيكي العدمي.
لقد فُتح ملف قضية المرأة وتحريرها منذ عهد بعيد. ومعلوم أن الحركات النسوية الغربية الليبرالية قد قطعت شوطا طويلا في مناقشة قضايا المرأة، وعلى الرغم من كثرة كتابات علماء المسلمين ومفكريهم في الإجابة على شبهات الطاعنين إلا أن التحدي ما زال في أوج قوته في هذه المرحلة؛ مرحلة التفكيك المفاهيمي المفتوح. ومعلوم أن التعامل مع ملف قضايا المرأة ليس محصورا في أهمية دورها كفرد، وإنما في أهمية دورها في الأسرة التي تشكل النواة الصغرى، ومن ثَم في المجتمع كله والأمة قاطبة. وعليه فإن نتائج التوجه الليبرالي الغربي في معالجة قضايا المرأة المسلمة وما ستستتبعه من تطبيقات عملية ستتجاوز حدود التصرفات الفردية إلى تهديد بناء الأسرة والمجتمع ككل. وعليه فينبغي التعامل مع هذه القضية وفهمها ومعالجتها في الإطار الصحيح الذي يستوعب التوجهات المعاصرة ومناهجها وأهدافها، ومقابلة ذلك مع الرؤية الإسلامية الكلية لمكانة المرأة ودورها حسب التصور الإسلامي كما صوره القرآن وبينته سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.(38/149)
برزت قضية حقوق المرأة ودورها في إطار عمليات التفكيك هذه التي طالت فيما طالته الأسرةَ، حيث لم يعد أفراد المجتمع قادرين على تصور أن الأسرة هي الوحدة الصغرى، وليس الفرد، وأن الرجل نصف والمرأة نصف آخر، فإذا التقيا شكلا وحدة متكاملة تنمو من خلال علاقات الأبوة والأمومة والبنوة وسائر المتضايفات الأخرى لتكون جماعة أو مجتمعا. وبذلك فككت الحركات النسوية الليبرالية معاني الزوجية والتكاملية بين الرجل والمرأة، وكرست فكرة الفردية المطلقة، ومن هنا ظهر التمييز الجائر بين مفهوم النوع (الجنس) والجندر، ما أدى إلى بروز التخبط العجيب في العلاقات الزوجية والعلاقات بين المثليين ونحوها.
إن نظام الأسرة في الإسلام نظام في منتهى الدقة، يبدأ عملية التوجيه من خلال نظرة كل من الرجل والمرأة لنفسه، وبناء الرؤية المتكاملة، وربط إطار العلاقة بالمجتمع كله وبالمنظومة البشرية كلها.
إن هيمنة فكر الليبرالية على العالم أدى وما يزال يؤدي إلى تفكيك بِنى المجتمعات التقليدية، ناهيك عن تحقق ذلك في المجتمعات "المتقدمة". وإذا أضيف إلى ذلك بعض الممارسات والتطبيقات الخاطئة لفقه الأسرة ومنظومات الأحوال الشخصية وأساليب التعامل مع المرأة – نستطيع أن ندرك الضغوط النفسية الهائلة التي تتعرض لها المرأة المسلمة في الغرب. فهي تتعرض لحالة انقلاب وتمزق بحيث لم يعد المجتمع المسلم بالمستوى القادر على مواجهتها، فضلا عن استيعابها وتجاوزها، ولم تعد الأسرة المسلمة ذلك المحضن الآمن المفعم بمشاعر المحبة والمودة والسكن والرحمة بحيث يحتمي كل من الزوجين بها هربا من تلك الضغوط الهائلة، ولذلك بدأت المجتمعات المسلمة تستجيب لهذه الانقلابات الفكرية بشكل متسارع قائم على فكرة الحقوق الفردية المتساوية التي جعلت المرأة تنظر إلى كثير من الأحكام المتعلقة بالشهادة والإمامة والخمار وسواها على أنها أحكام يجب تجاوزها لأنها تعتبرها من وسائل استعلاء الرجل وهيمنته عليها واستبداده بشأنها.
إذا قلبنا التاريخ الإسلامي كله فإننا لن نجد هذه المسائل مطروحة على الفكر الإسلامي بهذا الشكل الحاد، فقد عَرَض لها الفقهاء عبر التاريخ الإسلامي، فالفقه مرآة لقضايا المجتمع. فالمجتمع يطرح السؤال ليجيب عنه الفقيه. فلولا أن هذه القضايا قد أثيرت لما وجدنا لها ذكرا في فقهنا الإسلامي، ولكنها كانت تثار بشكل خافت لعدم وجود التحدي القائم اليوم، ولعدم وجود الظروف والدواعي والدوافع التي جعلت هذه الأمور تطرح بهذه القوة في إطار محاولة تفكيك المجتمعات التقليدية وإعادة بنائها وفقا لتصورات الليبرالية الغربية. ولذلك فإن الإجابة على هذه الإشكالية في الدائرة الفقهية وحدها يعد خضوعا ورضوخا لضغوط فكر الحداثة والعولمة، لكن الإجابة عنها ينبغي أن تأخذ أشكالا أخرى، منها:
أولا: بث الوعي على هذه الأمور في الإطار الذي ذكرنا ليدرك أبناؤنا وبناتنا معا أن الأمر ليس أمر فتوى جزئية أو فردية، وإنما هو أمر انقلاب فكري يكاد يكون كونيا، وهو ما يعبر عنه في أدبيات السنة بـ "الفتنة" أو "الاختبار" أو "الابتلاء"، لأن الاستجابة لهذا التحدي بالفتوى سواء (مع) أو (ضد) إنما هي تحقيق لأهداف التفكيك.(38/150)
ثانيا: ينبغي التنبه لضرورة التمييز بين الحركات النسوية الليبرالية وفلسفتها ومناهجها وأدواتها، وبين الحركات النسوية المسلمة التي تحاول إعادة قراءة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم قراءة تتجاوز تعسفات المتأولين الذين يحملون النصوص ما لا تحتمل، أو تجاوزات الكاتبين التي تريد أن تجعل من الخصوصية الثقافية المحلية للفقيه معيارا تُوزن عليه الأحكام المرتبطة بالبيئة الظرفية.
ثالثا: من المهم الإشارة إلى أن المسلمين لم ينفردوا في قضية حصر الإمامة بالرجال وحدهم، وذلك لأن بعض فِرق اليهودية والنصرانية لم تفتح مجال الوظائف الدينية أمام المرأة إلا في وقت متأخر جدا وذلك بعد أن دخلت تحت الإطار الحداثي وانساقت في تياراتها.
رابعا: استثارة عوامل التقوى والتزكية وطهارة الروح والنفس. والمؤمن إذا ذُكر بالله ذكر، وإذا مسه طائف من الشيطان تذكر، فيمكن الدخول في حوار مع الأخوات اللواتي يرغبن بهذا النوع من الممارسة من منطلق التقوى، ومنطلق فقه الأولويات، وفقه الموازنات، وفقه المآلات وما إلى ذلك، فإن ذلك أجدى لأن يفتح نوافذ من التفكير تُبعد المتحاورين في هذه الأمور عن مجالات التكفير أو التجهيل أو الاتهام بالبدعة.
خامسا: ضرورة معالجة هموم المرأة المسلمة ومشاكلها التي تتعرض لها في تعاملاتها اليومية داخل المراكز الإسلامية وفي داخل المجتمع المسلم معالجة سليمة، وألا يفسح المجال لأن يتخذ البعض من تطرف بعض الآراء والممارسات الشاذة التي تجاوزت حدود القسط والعدل ذريعة للخروج على ما جرى عليه أمر الأمة منذ عصرها الأول، سواء كان مصدر هذا التطرف بعض آراء السلف أو بعض ممارسات التيارات الإسلامية المعاصرة التي أغمطت المرأة بعض حقوقها الشرعية، وعاملتها –فكريا أو عمليا- على غير ما تستحقه من تقدير واحترام.
سادسا: ذهب جمهور الفقهاء وجرى عرف المسلمين عبر التاريخ الإسلامي كله منذ عهد النبوة إلى وقتنا الحاضر إلى القول بعدم جواز إمامة المرأة للرجال؛ لا في الفريضة ولا في النافلة، ناهيك عن خطبة الجمعة وإمامة صلاتها. ولكن إذا ذهب بعض المسلمين اليوم إلى القول بأن للمرأة التي تتمتع بالشروط اللازمة لإمامة الصلاة في مساجد خاصة في جماعات النساء؛ فليس يُعد قولهم هذا خروجا عما هو مقرر في الفقه الإسلامي. وأما إمامة المرأة للجمع المختلط؛ ففي الجماعات المحصورة بالمحارم وأهل بيت المرأة وما إلى ذلك فقد يُعد الأمر مقبولا، إذ جاء فيه أثر مشهور هو حديث أم ورقة الوارد في سنن أبي داود. وأما إمامة الجمع المختلط من غير المحارم فقد شذ بالقول به الإمام أبو جرير الطبري وأبو ثور والمزني، وقيده بعض الحنابلة بصلاة النافلة دون الفريضة إذا كانت المرأة أقرأ القوم. وإذا أدركنا أن نسبة عالية جدا من المسلمين –لسبب ديني أو ثقافي- لا يستسيغون الصلاة خلف امرأة فإنها إذا أمتهم رغما عنهم فإنها تكون قد فرضت نفسها عليهم وأكرهتهم على الصلاة خلفها، وهذا أمر غير مقبول لأنه "من أم قوما وهم له كارهون فإن صلاته لا(38/151)
تجاوز ترقوته" (رواه الطبراني في الكبير)، خاصة في أمر صلاة الجمعة الذي له ميزة تجمع أهل كل مَحِلة على الخطبة والصلاة.
وفي الختام، فإنه من المهم أن تباشر بنات المسلمين اللواتي يتمتعن بالقدرات العلمية الطيبة في البدء بإلقاء المحاضرات والدروس الإسلامية في المساجد والمراكز وخلال الندوات والمؤتمرات بهدف نشر الوعي والمعرفة الإسلامية في صفوف أبناء الجالية المسلمة، كما نهيب بأئمة المساجد وأعضاء هيأتها ومجالسها المختلفة أن تصغي سمعا لشؤون المرأة المسلمة وأن تعير همومها ما تستحقه من اهتمام ومتابعة، وأن تتعاون في تعزيز دورها بالمشاركة الفاعلة في تسيير شؤون المراكز الإسلامية بما يخدم المصلحة الشرعية وفق الضوابط المقررة. والله الموفق والهادي إلى سواء الصراط.
حُرر في 15 آذار /مارس، 2005م.
ـــــــــــــــــــ
هل الذكورة شرط في خطيب الجمعة؟
اللجنة الدائمة لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا
...
05/04/2005
د. صلاح الصاوي الأمين العام لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا
ورد إلى مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا استفسار حول مدى مشروعية إمامة المرأة لصلاة الجمعة وإلقائها لخطبتها، وذلك بمناسبة ما أعلن عنه مؤخرا من اعتزام بعض النساء على إلقاء خطبة الجمعة وإمامة صلاتها بأحد مساجد نيويورك، والمجمع إذ يستنكر هذا الموقف البدعي الضال ويستبشعه فإنه يقرر للأمة الحقائق التالية:
أولا: أن الحجة القاطعة والحكم الأعلى هو الكتاب والسنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي"، وأن الإجماع على فهم نص من النصوص حجة دامغة تقطع الشغب في دلالته، فقد عصم الله مجموع هذه الأمة من أن تجمع على ضلالة، وأن من عدل عما أجمع عيه المسلمون عبر القرون كان مفتتحا ! لباب ضلالة، متبعا لغير سبيل المؤمنين، وقد قال تعالى: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا" ( النساء: 115 ) وقال صلى الله عليه وسلم في معرض بيانه للفرقة الناجية في زحام الفرق الهالكة: "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي".
ثانيا: لقد انعقد إجماع الأمة في المشارق والمغارب على أنه لا مدخل للنساء في خطبة الجمعة ولا في إمامة صلاتها، وأن من شارك في ذلك فصلاته باطلة إماما كان أو مأموما ، فلم يسطر في كتاب من كتب المسلمين على مدى هذه القرون المتعاقبة من تاريخ الإسلام فيما نعلم قول فقيه واحد: سني أو شيعي، حنفي أو مالكي أو شافعي أو حنبلي يجيز للمرأة خطبة الجمعة أو إمامة صلاتها، فهو قول محدث من جميع الوجوه ، باطل في جميع المذاهب المتبوعة، السنية والبدعية على حد سواء!(38/152)
ثالثا: لقد علم بالضرورة من دين الإسلام أن سنة النساء في الصلاة التأخير عن الرجال ، فخير صفوف الرجال أولها وخير صفوف النساء آخرها، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله :"خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها"، وما ذلك إلا صيانة لهن من الفتنة وقطعا لذريعة الافتنان بهن من جميع الوجوه، فكيف يجوز لهن صعود المنابر والتقدم لإمامة الرجال في المحافل العامة؟
رابعا: لم يثبت أن امرأة واحدة عبر التاريخ الإسلامي قد أقدمت على هذا الفعل أو طالبت به على مدى هذه العصور المتعاقبة من عمر الإسلام، لا في عصر النبوة ولا في عصر الخلفاء الراشدين ولا في عصر التابعين، ولا فيما تلا ذلك من العصور، وإن ذلك ليؤكد تأكيدا قاطعا على ضلال هذا المسلك وبدعية من دعا إليه أو أعان عليه.
ولو كان شيئا من ذلك جائزا لكان أولى الناس به أمهات المؤمنين وقد كان منهن الفقيهات النابغات، وعن بعضهن نقل كثير من الدين، وحسبك بالفصيحة البليغة العالمة النابهة الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولو كان في ذلك خير لسبقونا إليه وسنوا لنا سنة الإقتداء به، لقد عرف تاريخ الإسلام فقيهات نابغات ومحدثات ثقات أعلام، وقد أبلى النساء في ذلك بلاء حسنا وعرفن بالصدق والأمانة حتى قال الحافظ الذهبي: "لم يؤثر عن امرأة أنها كذبت في الحديث" ويقول رحمه الله : "وما علمت من النساء من اتهمت ولا من تركوها" (ميزان الاعتدال : 4 / 604 ).
وحتى كان من شيوخ الحافظ ابن عساكر بضع وثمانون من النساء! ومثله الإمام أبو مسلم الفراهيدي المحدث الذي كتب عن سبعين امرأة، ومن النساء في تاريخ هذه الأمة من كن شيوخا لمثل الشافعي والبخاري وابن خلكان وابن حيان وغيرهم!! ومع ذلك لم يؤثر عن واحدة منهن أنها تطلعت إلى خطبة الجمعة أو تشوفت إلى إمامة الصلاة فيها مع ما تفوقن فيه على كثير من الرجال يومئذ من الفقه في الدين والرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم.
لقد عرف تاريخ الإسلام المرأة عاملة على جميع الأصعدة، عرفها عالمة وفقيهة، وعرفها مشاركة في العبادات الجماعية، ومشاركة في العمليات الإغاثية، ومشاركة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكنه لم يعرفها خطيبة جمعة ولا إمامة جماعة عامة من الرجال.
وبهذا يعلم بالضرورة والبداهة من دين المسلمين أن الذكورة شرط في خطبة الجمعة وإمامة صلوات الجماعة العامة، وأمام من يجادل في ذلك عمر نوح لكي يفتش في كتب التراث ليخرج لنا شيئا من ذلك، وهيهات هيهات! وما ينبغي لهم وما يستطيعون!
خامسا: أما تعويل من زعم ذلك على ما روي من أن أم ورقة قد أذن لها النبي صلى الله عليه وسلم في إمامة أهل بيتها فإن هذا الحديث على فرض صحته لا علاقة له بموضوع النازلة، فإنه يتحدث عن إمامة خاصة داخل البيت بالنساء أو بهن وببعض(38/153)
أهل البيت من الرجال على أوسع التفسيرات وأكثرها ترخصا فأين ذلك من خطبة الجمعة والإمامة العامة للصلاة؟
إن المجمع ليحذر الأمة من الافتتان بمثل هذه الدعوات الضالة المارقة من الدين، والمتبعة لغير سبيل المؤمنين، ويدعوهم إلى الاعتصام بالكتاب والسنة، ويذكرهم بان هذا العلم دين وأن عليهم أن ينظروا عمن يأخذون دينهم، وأن القابض على دينه في هذه الأزمنة كالقابض على الجمر، ويسأل الله لهذه الأمة السلامة من الفتن والعافية من جميع المحن، وأن يحملها في أحمد الأمور عنده وأجملها عاقبة، إنه ولي ذلك والقادر عليه والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل. والله أعلم.
نقلا عن موقع مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.
ـــــــــــــــــــ
موقف مجمع الفقه الإسلامي بجدة
من التطورات والأحداث التي تستهدف الدين الإسلامي في عصرنا الحاضر
د. محمد الحبيب ابن الخوجة**
...
05/04/2005
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
إن الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي بجدة المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي لتعبر باسم علماء الأمة الإسلامية وفقهائها عن استنكارها وأسفها لظهور بدعة مضلة وفتنة ظالمة تمثلت في تقدّم المرأة آمنة ودود، رئيسة جمعية "جولة حرية المرأة المسلمة" لأول مرة في الإسلام بإمامة جماعة من المصلين في صلاة جمعة بكاتدرائية مسيحية في مانهاتن بمدينة نيويورك، بتاريخ 18/3/2005. وفي هذه المبادرة الخرقاء مخالفة لأحكام الشريعة من وجوه:
أذان المرأة للصلاة، وتوليها خطبة الجمعة، وإمامتها للرجال في صلاتها، ووقوف الرجال والنساء من ورائها متجاورين ومختلطين، وصلاة النساء كاشفات لرءوسهن، وإقامة الجمعة في كاتدرائية مسيحية، وهي أمور تخالف ما عليه اتفاق جمهور علماء الإسلام وفقهائه المعتمدين، وتتناقض في جملتها مع ما جاءت به الشريعة الإسلامية، وتضمنته كتب الفقه الإسلامي.
والمعتبر عند فقهاء الإسلام أن الأذان الذي قامت به سهيلة العطار غير معتد به شرعا، لأن الأذان لا يصح إلا من مسلم عاقل ذكر، والمرأة ليست ممن شرع لها الأذان، ولم تنقل عن السلف مشروعيته، فهو من المحدثات، ولأن المؤذن متميز، وله أن يشهر نفسه، ويؤذن من مكان عال، ويرفع صوته، والمرأة منهية عن ذلك كله. كما أن الجمعة فرض على الرجال دون النساء، فهم الذين يقيمونها خطبة وصلاة، وللمرأة جواز حضورها استحبابا لا فرضا، فكيف يسوغ لها مع كل ذلك أن تتقدم على من هو أحق منها بأدائها؟
وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أماكن وقوف الرجال والنساء في الصفوف في حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال فيه: قال صلى الله عليه وسلم: (خير(38/154)
صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها). رواه مسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأحمد والدارمي. وأورد ابن مسعود في معناه قوله:" و أخِّرهن من حيث أخَّرهن الله"
وكشف المرأة رأسها في صلاتها مبطل لصلاتها, قال تعالى : } وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا{ وهو الوجه والكفان، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)، رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد، {والحائض هي المرأة البالغة} وأجمع أهل العلم على أن المرأة تخمر رأسها إذا صلت، فإذا صلت وجميع رأسها مكشوف تجب عليها الإعادة.
وإن من شروط إقامة الجمعة عند الفقهاء أن تكون في مسجد جامع، فضلا عن إقامتها في غيره، فكيف تصح في كنيسة أو كاتدرائية مع وجود المساجد!.
وبناء على ما سبق فإن هذه الصلاة غير مستوفية للشروط، وعلى من أداها أن يعيدها ظهرا قضاء.
والمجمع يذكّر المسلمين عامة بأن الحقوق والواجبات والتكاليف المتنوعة المرتبطة بالنساء والرجال قد قضى الله فيها، وليس لأحدٍ من الناس تغييرها أو التأويل لها. ولقد خص سبحانه كل جنس من الجنسين الرجال والنساء بما هو محتاج إليه ومفتقر له, قال جل وعلا: }وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ { وفي هذا دليل على أن المنهج الإسلامي يتبع الفطرة ، وقد أودع سبحانه كل واحدٍ من الجنسين خصائص يتميز بها عن الآخر تناط على وفقها الأحكام والوظائف المناسبة للشخص رجلاً كان أو امرأة ، وبهذا تبطل أسباب الخصام والتنازع.
ولا وجه للحملة على الرجال ولا على النساء، كما أنه لا مكان للطعن بأن التنوع في التكوين والخصائص للعباد لا يقابله تنوع في التكليف والوظائف في الشريعة فإن مثل هذه التصورات عبث وسوء فهم للمنهج الإسلامي ومحاولة لتعطيل القيام بوظيفة كل واحدٍ من الجنسين على الوجه الأكمل.
والمجمع إذ يستنكر هذا الحدث وغيره من الأحداث التي ظهرت بأمريكا وبالغرب، مرة باسم تحقيق تقدمية إسلامية تسعى إلى تعزيز مكانة المرأة المسلمة، وأخرى من أجل تحويل الإسلام الشديد المستصعب إلى إسلام معتدل ليبرالي, يعتبر كل ذلك من التغيير للدين الحنيف وإبطالا لأحكامه وتعاليمه التي نوه بها الله عز وجل في وصفه للإسلام بقوله "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا".
وإذا كان المؤمن الحق الصادق لا يجد في دينه نقصا يستدعي الإكمال ولا قصورا يستوجب الإضافة ولا محلية أو زمنية تستدعي التطوير والتحوير. فذلك الذي كمل دينه، وعرف ربه، وشمله رضا الله باصطفائه للإسلام وجعله موقنا بأن شريعته من صنع الله وسلطانه لا من صنع أحد غيره وسلطانه.
وهو بكمال اعتقاده وتلقيه عن ربه المنهج والشريعة والنظام, ترتفع اهتماماته, وتتهذب نوازعه، وتتجمع طاقته للخير والبناء والارتقاء، فيمضي في سبيله لا يخاف إلا الله وحده ولا يتوكل إلا عليه.(38/155)
وعلى كل مسلم عاقل يقدم على الاجتهاد في الفقه أن يعرف قدره وألا يتعدى طوره, قال الله تعالى: }ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم{. وقال وجل وعلا: }وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{.
وفي هذا بيان، والله الهادي إلى الحق وإلى سواء السبيل وهو من وراء القصد، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
جدة في 14 /02 /1426 الموافق 24 /03 /2005
ـــــــــــــــــــ
إمامة المرأة للرجال والنساء في الصلاة
د. مزمل صديقي
...
05/04/2005
د. مزمل صديقي رئيس المجلس الفقهي لأمريكا الشمالية
الإسلام لا يضع أية قيود على النساء في أن يقمن بتعليم ووعظ وإرشاد النساء والرجال؛ فقد قال تعالي: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ...". (التوبة: 71) يوجد الآن الكثير من النساء المؤهلات لأن يكن فقيهات ويصدرن الفتاوى، وهن يقمن بالفعل بإصدار الفتاوى وتعليم القرآن والحديث في المدارس والكليات والجامعات في جميع أنحاء العالم، كما أن المنظمات والمراكز الإسلامية والمساجد في أمريكا تضم أخوات على مستوى عالٍ من العلم يشاركن في مجالس إدارة المساجد ويشغلن أنفسهن بالإدارة والتدريس والوعظ والإرشاد، وعلى المسلمين إعطاءهن المزيد من الفرص والسماح لهن وتشجيعهن لأن يكن شركاء دائمين في العمل الإسلامي.
غير أن إمامة الصلاة تقتصر على الأئمة الرجال فقط عندما يتألف الجمع من الرجال والنساء معا سواء أقيمت الصلاة في المساجد أو خارجها وسواء كانت الصلاة اليومية أو صلاة الجمعة أو صلاة العيد، فالنساء لا يسمح لهن بإمامة هذه الصلوات.
والمسلمون في جميع أنحاء العالم ملتزمين بذلك منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يرجع هذا الحكم الشرعي إلى أي نوع من أنواع النقص الروحي لدى النساء، فالرجال والنساء سواء أمام الله وكلاهما ينبغي احترامه وتقديره بنفس القدر. للمرأة أن تؤم الصلاة إذا كان الجمع كله نساء، ولهن أيضا إمامة الصلاة في بيوتهن وسط أفراد عائلاتهن إذا كن أكثر علما بالقرآن والشريعة الإسلامية.
أثار البعض مؤخرا جدلا حول هذا الأمر في الشريعة، وأثيرت أسئلة عن الأسباب الإسلامية التي تحظر على النساء إمامة الرجال والنساء معا في الصلاة، ولكي نفهم قواعد وحكمة الشرع في هذا الأمر أوردْت النقاط التالية على الترتيب:
هناك فرق بين الصلاة والدعاء في الإسلام، فالصلاة هي شكل ثابت ومنظم من الدعاء، فكل أوقاتها وحركاتها وأسلوبها بما فيه من صياغة وقراءة حددها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز إضافة أي أسلوب أو طقس ديني في الصلاة، أما الدعاء فهو شكل آخر من أشكال الصلاة الإسلامية خال من الطقوس ولا يوجد تقييد(38/156)
على من يؤديه أو مكان أو زمان تأديته، كما يمكن أن يقال بأية لغة فرديا أو جماعيا وبقيادة المرأة أو الرجل. يجب علينا أن نلتزم بالسنة في الصلاة، فإذا كنا نريد أن تكون الصلاة صحيحة ومقبولة من الله فلا ينبغي أن نضيف أو نحذف شيئا منها.
أما الدعاء أستطيع أن أقول إنه بما أننا غير ممنوعين من قول الدعاء بأسلوب معين فإنه يسمح لنا بأن نقوله بأي أسلوب شئنا، ولكن في الصلاة كل شيء ممنوع إلا ما هو مسموح، فالنبي صلى الله عليه وسلم –على سبيل المثال- لم يقل أن الصلاة لا تؤدى بالإنجليزية ولم يقل أننا لا ينبغي أن نؤدي الصلاة في جماعة ست مرات يوميا، ومع ذلك لا نستطيع أن نؤدي الصلاة بالإنجليزية أو أن نؤديها ست مرات يوميا.
في الصلاة نقف قريبين جدا من بعضنا البعض أو كما نقول "الكتف بالكتف والقدم بالقدم" نلامس بعضنا البعض تقريبا، ونقف في خطوط مستقيمة ونركع ونسجد، وينبغي علينا أن نصلي بإخلاص وخشوع في القلوب والعقول، ولذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقف الرجال في صفوف والنساء في صفوف أخرى بحيث تكون صفوف الرجال في المقدمة وبعدها صفوف الأطفال وبعدها صفوف النساء، ويجب أن يقف الإمام في مقدمة المصلين ويركع ويسجد قبلهم وأن يتبع المصلون الإمام.
والأسلوب الأمثل في هيئة مثل هذه الصلاة هو الفصل بين الرجال والنساء وعدم السماح لأية امرأة أن تقف أمام جميع الرجال وتركع وتسجد أمامهم. إن الحياء خلق خاص في الإسلام، ينبغي أن يتحلى به الرجال والنساء دائما وبخاصة في أماكن العبادة، وقد روي عن عائشة وابن عباس أنهما قالا: "تؤم المرأة النساء تقوم في وسطهن"، وليس أمامهن كالإمام الرجل.
البعض يشير في هذا الصدد إلى حديث أم ورقة التي سمح لها النبي صلى الله عليه وسلم بإمامة الصلاة، فقد روى أبو داود في سننه أن أم ورقة أرادت أن تخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر لكن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالمكوث في بيتها، وفي نفس الحديث روي أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزورها في بيتها وجعل لها مؤذنا يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها. قال عبد الرحمن (راوي الحديث): "فأنا رأيت مؤذنها شيخا كبيرا." (أبو داود 500)، وفي روايات أخرى لهذا الحديث روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بأن تؤم صلاة نساء دارها. (رواه الدارقطني)
لا يعطي هذا الحديث الرخصة للنساء بأن يؤمن صلاة الرجال في المسجد، فهي تقتصر على البيت -وفي بعض الروايات على نساء البيت فقط، ولم يستخدم عامة المحدثين والفقهاء هذا الحديث كرخصة عامة من النبي صلى الله عليه وسلم للنساء لأن يكن أئمة في المساجد ويؤمن الرجال والنساء في الصلاة، ولو كانت تلك هي الحالة العامة لقامت نساء كثيرات مؤهلات تماما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده بإمامة الصلاة في المساجد.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن نتبع دينه الحق بلا ابتداع ولا غلو فيه. آمين.
في 15 آذار /مارس 2005م.(38/157)
ـــــــــــــــــــ
الشريعة ترفض إمامة المرأة للرجال،، وخطبتها للجمعة
د. على جمعة
...
05/04/2005
د، علي جمعة مفتي مصر
إن الإسلام أمر بالعفة والعفاف، وحرم الزنا والفاحشة، ولأجل هذا نراه قد أمر بغض البصر للمؤمنين والمؤمنات على حد سواء، ونهي عن الخلوة التي تؤدي إلي الفتنة، وأمر بستر العورة للرجل فيما بين السرة والركبة، والمرأة في كل بدنها إلا الوجه والكفين.
قال تعالي: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يصنعون" "النور: 30"، وقال صلي الله عليه وسلم: "يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا" وأشار إلى وجهه وكفيه رواه أبو داود.
ومن أوامر الإسلام لهذا الغرض أيضا أن الله تعالى أمر النساء تكريما لهن أن يقفن خلف صفوف الرجال، لأن صلاة المسلمين قد اشتملت على السجود، فكان ذلك من قبيل قول العرب: إنما أخرك ليقدمك، فتأخير النساء في صفوف الصلاة ليس نوعا من أنواع الحط من كراماتهن، بل ذلك إعلاء لشأنهن، ومراعاة للأدب العالي، وللحياء، وللتعاون بين المؤمنين ذكورا وإناثا على الامتثال للأمر بغض البصر، ولذلك نرى المسلمين شرقا وغربا، سلفا وخلفا قد أجمعوا فعليا على عدم تولي المرأة للأذان ولا توليها لإمامة جماعات الصلاة ولا توليها لإمامة الجمعة.
وأما صلاة الرجال والنساء في صف واحد فلا تجوز بحال. أما الأذان من المرأة وتوليها خطبة الجمعة وإمامتها فلا نعلم خلافا بين أحد من المسلمين علمائهم وعوامهم على عدم جوازه، وعلى بطلان الصلاة وبطلان الأذان إذا ما فعل، وأما إمامة المرأة للرجال في جماعة عارضة، فذهبت جماهير العلماء إلي حرمة ذلك وإلي أن الصلاة تقع باطلة.
على أنه قد ذهب الطبري وأبو ثور والمزني من الشافعية ومحيي الدين بن العربي من الظاهرية إلى أنه يجوز للمرأة أن تؤم الرجال وتصح معها الصلاة إلا أن بعضهم قد جعل موقفها خلف الرجال حتى لو أمتهم، التفاتا للمعنى الذي قدمناه، فاستدلوا بحديث أبي داود والدارقطني أن أم ورقة سمح لها النبي صلي الله عليه وسلم أن تؤم أهل بيتها، ورد الجمهور على هذا الاستدلال بأن ذلك كان في النافلة، أو بأن المقصود منه أهل بيتها من النساء، أو بأنه خاص بأم ورقة وأكدوا أنه على الرغم من ذلك فإن أحدا من المسلمين في الشرق والغرب لم يقلد هذا الرأي الشاذ.
أما ما يحدث في العالم الآن مما نراه ويراه كل أحد من الخلط بين مسألتي إمامة الجماعة ومسألة خطبة الجمعة، فالأخيرة لم يجزها أحد، فهؤلاء المخلطون ممن ينتمون إلى مدرسة المنشقين، وهي تشتمل على تيارات عدة: بعضها ينكر السنة والإجماع، وبعضها يتلاعب بدلالات الألفاظ في لغة العرب، وبعضها يدعو إلى(38/158)
إباحة الشذوذ الجنسي والزنا والخمر وإلى الإجهاض وإلى تغيير أنصبة الميراث، ونحو ذلك مما نراه يبرز كل قرن تقريبا ثم يخبو ويسير المسلمون في طريقهم الذي أمرهم الله به حاملين رسالة سعادة الدارين للعالمين، "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" "الرعد:17".
صدرت عن دار الإفتاء المصرية يوم الثلاثاء 22-3-2005
ـــــــــــــــــــ
إمامة المرأة للرجال لا تجوز
د. عبد العظيم بن بدوى الخلفي**
...
05/04/2005
لا يجوز إمامة المرأة للرجال، وإذا صلت بهم الجمعة لم تنعقد صلاتها.
وإليك أقوال الأئمة في ذلك:
1- قال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-:
"وإذا صلت المرأة برجال ونساء وصبيان ذكور، فصلاة النساء مجزئة، وصلاة الرجال والصبيان الذكور غير مجزئة؛ لأن الله عز وجل جعل الرجال قوامين على النساء، وقصرهن عن أن يكن أولياء وغير ذلك، ولا يجوز أن تكون امرأة أمام رجل في صلاة بحال أبدا". [الأم صـ164.جـ1.ط.دار المعرفة].
2- قال الإمام النووي –رحمه الله تعالى-:
"اتفق أصحابنا على أنه لا تجوز صلاة رجل بالغ ولا صبي خلف امرأة، وسواء في ذلك صلاة الفرض والتراويح وسائر النوافل. هذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف رحمهم الله، وحكاه البيهقي عن الفقهاء السبعة فقهاء المدينة التابعين، وهو مذهب مالك وأبى حنيفة وسفيان وأحمد وداود. وقال الشيخ أبو حامد: مذهب الفقهاء كافة ألا تصح صلاة الرجال وراءها، إلا أبا ثور.
وإذا صلت المرأة بالرجل أو الرجال فإنما تبطل صلاة الرجال، وأما صلاتها وصلاة من وراءها من النساء فصحيحة في جميع الصلوات، إلا إذا صلّت بهم الجمعة فالأصح أنها لا تنعقد صلاتها". [المجموع شرح المهذب صـ255.جـ4.ط.دار الفكر].
3- قال ابن قدامة –رحمه الله تعالى-:
"وأما المرأة فلا يصح أن يأتمّ بها الرجال بحال في فرض ولا نافلة في قول عامة الفقهاء". [المغنىصـ199.جـ2. ط.الرئاسة العامة. السعودية] .
4- قال ابن حزم -رحمه الله تعالى-:
"ولا يجوز أن تؤم المرأة الرجل ولا الرجال، وهذا ما لا خلاف فيه. وأيضا فإن النص قد جاء بأن المرأة تقطع صلاة الرجل، مع قوله عليه السلام "الإمام جنة"، وحكمه عليه السلام بأن تكون وراء الرجل ولا بد في الصلاة، وأن الإمام يقف أمام المأمومين ولا بد، أو مع المأموم في صف واحد. ومن هذه النصوص يثبت بطلان إمامة المرأة للرجل وللرجال يقينا". [المحلى صـ125و126.جـ3.ط.دار الآفاق بيروت].(38/159)
5- قال الإمام الشوكاني -رحمه الله تعالى-:
"لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في جواز إمامة المرأة بالرجل أو الرجال شيء، ولا وقع في عصره ولا في عصر الصحابة والتابعين من ذلك شيء، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوفهن بعد صفوف الرجال، وذلك لأنهن عورات، وائتمام الرجل بالمرأة خلاف ما يفيده هذا.
ولا يقال: الأصل الصحة، لأنا نقول: قد ورد ما يدل على أنهن لا يصلحن لتولي شيء من الأمور، وهذا من جملة الأمور، بل هو أعلاها وأشرفها؛ فعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة" كما في الصحيحين وغيرهما، يفيد منعهن أن يكون لهن منصب الإمامة في الصلاة للرجال". [السّيل الجرار صـ250.جـ1.ط.دار الكتب العلمية].
6- قال ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-:
"ولا تصح الصلاة خلف امرأة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تؤمن امرأة رجلا"، وهذا الحديث ضعيف، لكن يؤيده في الحكم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة"، والجماعة قد ولّوا أمرهم الإمام، فلا يصح أن تكون المرأة إماما لهم. ودليل آخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير صفوف النساء آخرها"، وهذا دليل على أنه لا موقع لهن في الأمام، والإمام لا يكون إلا في الأمام، فلو قلنا بصحة إمامتهن بالرجال لا تقلب الوضع فصارت هي المتقدمة على الرجال، وهذا لا تؤيده الشريعة". [الشرح الممتع صـ312و313.جـ4.ط.مؤسسة آسام]
هذه أقوال الأئمة الأعلام من الأولين والآخرين.
وأختم بفتوى اللجنة الدائمة في أذان المرأة وإمامتها والتي جاء فيها أنه:
ليس على المرأة أن تؤذن على الصحيح من أقوال العلماء؛ لأن ذلك لم يعهد إسناده إليها ولا توليها إبان زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم. [فتاوى اللجنة الدائمة صـ82.جـ6.ط.دار المؤيد].
كما أنه: لا تصح إمامة المرأة للرجال؛ لأن الإمامة في الصلاة من العبادات، والعبادات مبنية على التوقيف، والسنة العملية تدل على إمامة الرجل للرجال، ولا نعلم دليلاً يدل على أن المرأة تؤم الرجال. [فتاوى اللجنة الدائمة صـ391 و392. جـ7. دار المؤيد].
وقد روى الإمام أحمد وغيره عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث الأنصارية وكانت قد جمعت القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرها أن تؤم أهل دارها، وكان لها مؤذن، وكانت تؤم أهل دارها.
قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-:
"إنما أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها، كذلك رواه الدارقطني، وهذه زيادة يجب قبولها، ولو لم يذكر ذلك لتعيّن حمل الخبر عليه؛ لأنه أذن لها أن تؤم في الفرائض، بدليل أنه جعل لها مؤذنا، والأذان إنما يشرع في الفرائض ولا خلاف في أنها لا تؤمهم في الفرائض. ولو قدر ثبوت إمامتها للرجال لكان خاصا لها بدليل أنه لا يشرع لغيرها من النساء أذان ولا إقامة، فتختص بالإمامة لاختصاصها بالأذان والإقامة". [المغنى صـ199. جـ2 . ط. الرئاسة العامة. السعودية].(38/160)
وقال أحمد بن عبد الرحمن البنا -رحمه الله تعالى-:
"يمكن الجواب عن حديث أم ورقة بأنه ليس صريحا في أن المؤذن والغلام كان يصليان خلفها، فيحتمل أن المؤذن كان يؤذن لها ثم يذهب إلى المسجد ليصلي فيه وكذا الغلام، فكانت تؤم نساء دارها لا غير، ويؤيده ما رواه الدارقطني عن أم ورقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لها أن يؤذن لها ويقام وتؤم نساءها" [الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أحمد صـ234. جـ5. ط. دار الشهاب القاهرة].
إن الله تعالى بعث رسوله صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وأمر بطاعته واتباعه ونهى عن مخالفته ومعصيته، فقال تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول}. وقال تعالى: {وإن تطيعوه تهتدوا}، وقال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، وقال: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.
فاتباع السنة واجب، ومخالفتها حرام، والسنّة قسمان: فعليّة وتركيّة، فما فعله صلى الله عليه وسلم ففعله سنة، وما تركه فتركه سنة وفعله بدعة؛ لأن ما سكت الشارع عنه على ضربين:
1- ضرب سكت عنه الشارع لعدم المقتضى له، كالنوازل الحادثة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها لم تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها، وإنما حدثت بعد ذلك فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تبين في الكليات التي كمل بها الدين.
2- والضرب الثاني أن يسكت الشارع عن الحكم الخاص، أو يترك أمرا من الأمور وموجبه المقتضى له قائم، وسببه في زمان الوحي موجود، ولم يحدد فيه الشارع أمرا زائدا على ما كان من الدين فهذا القسم باعتبار خصوصه هو البدعة المذمومة شرعا؛ لأنه لما كان الموجب لشرعية الحكم موجودا ثم لم يشرع كان صريحا في أن الزائد على ما ثبت هنالك بدعة مخالفة لقصد الشارع". [الإبداع في مضار الابتداع صـ36. ط. دار الاعتصام].
فإذا نظرنا في مسألة إمامة المرأة وجدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن فيها للنساء في المسجد ولا مرة واحدة مع وجود المقتضى له والسبب، فلما لم يأذن فيه ولم يأذن فيه الخلفاء من بعده، علمنا أن ما حدث بالأمس من إمامة امرأة للمسلمين في صلاة الجمعة بدعة ضلالة، على القائمين بها إثمها وإثم من عمل بها بعدهم إلى يوم القيامة.
لكننا على يقين من أن هذا العمل لن يكون له شأن، وإنما سيذهب مع الرياح، كما قال تعالى: {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}.
هذا والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نقلا عن موقعه على شبكة الإنترنت .
ـــــــــــــــــــ
هل دية المرأة نصف دية الرجل؟
تحرير: فرحات العبار(38/161)
...
27/01/2005
استمع لفعاليات الندوة: 1 - 2 - 3 - 4
يُراد بالدِّيَة المال الذي يُدفع بَدَل النَّفْسِ المقتولة حتى يسقط الْقِصَاصِ عن الجاني بأسبابه، وَقَدْ يُسَمَّى أَرْشُ مَا دُونَ النَّفْسِ الدِّيَةَ كذلك. والناظر في مدونات الفقهاء يجد أن كلمتهم تكاد تجتمع على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل، ونقل ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فيها الإجماع.
غير أن هذه القضية بقيت مثار تأمل ونقد من ضمن قضايا أخرى تتعلق بمكانة المرأة وحقوقها، وفي ظل سعي دولة قطر للاهتمام بالمرأة وتعديل بعض التشريعات القانونية الخاصة بحقوقها، نظم المجلس الأعلى لشؤون الأسرة -إدارة المرأة- في 22/12/2004م في الدوحة مائدة مستديرة بعنوان: "دية المرأة والرجل في دولة قطر".
محاور الندوة
توزعت محاور النقاش في هذه الندوة على ما يلي:
*
لماذا بحث مساواة الرجل بالمرأة في الدية؟
*
مفهوم الدية ومغزاها؟
*
المحاكم القطرية وواقع تطبيق دية المرأة.
المشاركون
وشارك في الندوة كل من:
1 - فضيلة الشيخ د/ يوسف القرضاوي: مدير مركز بحوث السنة والسيرة النبوية بجامعة قطر.
2 - د/ ثقيل بن ساير الشمري: القاضي بمحكمة التمييز.
3 - د/ عائشة المناعي: عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية.
4 - السيد/ سالم بن راشد المريخي: عضو اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان.
5 - الشيخ /عبد القادر بن محمد العماري: نائب رئيس محكمة الاستئناف سابقا.
6 - الشيخ/ صالح بن جاسم المهندي: رئيس المحكمة الابتدائية.
7 - د/ محمد عثمان شبير: أستاذ الفقه والأصول بكلية الشريعة جامعة قطر.
لماذا دية المرأة؟.. وما معناها؟
المائدة المستديرة بالنادي الدبلوماسي بالدوحة
في افتتاحه للمائدة المستديرة قال السيد عبد الله بن ناصر آل خليفة الأمين العام للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة: "إن مما شجعنا على مناقشة قضية دية المرأة في دولة قطر ما وجدناه من فتاوى لعدد من العلماء الثقات في عصرنا الحديث في التسوية بين المرأة والرجل في الدية، ولذلك قررنا دعوة نخبة من علمائنا الأجلاء(38/162)
وشيوخنا الأفاضل وأهل الاختصاص لمناقشة هذا الموضوع، منطلقين في ذلك من قناعة بأن الاجتهاد رحمة بالأمة".
وحول مفهوم الدية ذكرت د. عائشة المناعي أن جمهور الفقهاء يقسمون القتل بغير الحق إلى ثلاثة أقسام: عمد وشبه عمد وخطأ، أما الإمام مالك فإنه يقسم القتل إلى قسمين العمد - وأدخل معه شبه العمد - والقسم الآخر الخطأ. وعقوبة القتل العمد معروفة وهي الإعدام قصاصا أو الدية استنادا لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (البقرة:178) ولحديث "العمد قَوَد" والقود معناه قتل النفس بالنفس.
والقصاص يجب أن يطالب به جميع أولياء الدم فإذا طالب به البعض وطالب البعض الآخر بالدية، وجبت الدية؛ لأن القصاص لا يقبل التبعيض.
والدية: معناها ما يُؤدَّى، وهي اسم للمال الذي هو بدل النفس عند الحنفية والمالكية. أما الشافعية والحنابلة فيرونها بدلاً للنفس وما دون النفس، والدية تسمى كذلك في الاصطلاح الفقهي: الأرش، وهو المال، وتسمى عقلا؛ إذ جرت عادة العرب أن يأتوا بالإبل ويعقلوها أي يربطونها بالعقال بفناء ولي المقتول لتكون هذه هي الدية.
هل في القرآن ما يشير إلى اختلاف الدية؟
فيما يخص الآية الكريمة: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (النساء:92)
فأكد الشيخ صالح المهندي أنه لا يجوز أخذ حكم شرعي من آية واحدة أو حديث واحد، إلا إذا كان هذا النص واضحا ولا خلاف عليه، والمسألة قيد البحث ـ أي دية المرأة ـ معلوم الخلاف حولها!! وطريقة الفقهاء في الوصول إلى الحكم الشرعي هي جمع النصوص المتعلقة بالمسألة ثم إصدار الحكم الشرعي.
أما د. محمد عثمان شبير فكان جوابه على ما يمكن أن يستنتج من آية النساء: "أنه لا يوجد في القرآن ما يشير إلى ذلك -أي تنصيف الدية- والآية جعلت الدية مطلقة، وليست خاصة برجل أو امرأة. وأضاف أن كلمة (الدية) في الآية غير مقيدة بأي قيد ولا هي تختص بجنس معين من الرجال أو النساء".
ورد د. محمد شبير على الشيخ صالح المهندي قائلا: لعل الشيخ صالح يريد من قوله: لا بد من النظر في مجموع النصوص، أنه يشير إلى آية الميراث، أو آية الشهادة!! لكن الربط بين آية الدية وكل من آية الشهادة والميراث بعيد وهو قياس مع الفارق.
فالشهادة مبنية على أمور غير تلك التي بنيت عليها الدية، وكذلك الميراث؛ فمبنى الميراث على حاجة الرجل أو المرأة إلى المال. لذلك فإن القول بأخذ آية الدية وحدها وعدم ربطها بآية الشهادة أو الميراث هو القول الصحيح.
الشيخ عبد القادر بن محمد العماري نائب رئيس محكمة الاستئناف سابقا(38/163)
وتحدث الشيخ عبد القادر العماري مؤكدًا ما ذكره د. محمد شبير قائلا: إن هذا الموضوع وقع تناوله قبل 16 سنة، بحضور الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- الذي أكد أن القرآن لم يذكر أن دية المرأة على النصف من دية الرجل وآية النساء 92 عامة، ولا توجد آية تخصص هذا العموم ولا حديث صريح صحيح. بل يؤكد هذا المفهوم ما جاء في حديث عمرو بن حزم (في النفس المؤمنة مائة من الإبل) والنفس تطلق على الذكر والأنثى.
هل يمكن القول: إن الرجل والمرأة غير متكافئين في الجروح والديات، اعتمادا على قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (البقرة:178) وهل يمكن القول: إن الله سبحانه لم يقل الأنثى بالذكر وإنما قال الأنثى بالأنثى؟
أجاب د. ثقيل الشمري: بعض الناس يقولون بعدم مكافأة الرجل للمرأة في الديات والجروح اعتمادا على "آية البقرة: 178"، وقد قال بهذه الاستنتاجات بعض الفقهاء! والحقيقة أن هذا ليس له سند صحيح. وبالجملة ليس في القرآن آية صريحة تدل على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل. ولكن يبقى هنالك أدلة أخرى!. وعلق د. ثقيل على ما يقول به البعض من القياس على الشهادة أو القصاص: بأن النفس لا تطمئن إليه، وهو اجتهاد يُحترم أصحابه، لكنه لا يرى فيه حجة شرعية قاطعة.
في معرض الحديث عن آية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (البقرة:178) قال الشيخ صالح المهندي: ليس فيها دليل ـ على تنصيف الديةـ ولكن الدليل موجود في آية أخرى وهي قوله تعالى: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (آل عمران:36)
وتساءل الشيخ صالح: في أي صفة ليس الذكر كالأنثى. في الشكل أم في الآدمية؟ أم ماذا؟ إذًا هنالك فوارق! وهذه الفوارق هي التي وقف عندها الفقهاء وقفة عميقة استمرت عدة قرون! لذلك نرى المذاهب الأربعة تقول إن دية المرأة نصف دية الرجل، والأمة قد شهدت لهؤلاء الأئمة وتلامذتهم بالعلم والفضل، ومعلوم أن هؤلاء قد درسوا جميع الأدلة وانتهوا إلى أن دية المرأة على النصف من دية الرجل. فهل نترك هذا الإجماع لقول ابن علية والأصم؟
لكن الدكتور محمد شبير قال: إن آية آل عمران (36) تشير إلى أن المرأة نذرت ما في بطنها محررا، أي خادما لبيت الله تبارك وتعالى، ولكن لما وضعتها أنثى قالت: (وليس الذكر كالأنثى) الآية فالذكر يمكنه أن يسافر وأن يبيت وحده في بيت الله، لكن بخلاف الأنثى؛ فإنه يُخاف عليها في أن تنفرد وحدها في مكان العبادة، فمن هذا الجانب ليس الذكر كالأنثى وليس في بقية الأمور كالنفس وغيرها...
وتساءل الشيخ محمد العماري: من المستفيد من تنصيف دية المرأة؟ مجيبًا بأن المستفيد الوحيد هو شركات التأمين.(38/164)
أما السيد سالم المريخي فقد ذكر أن الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة إلا في بعض الأحكام ولكن في موضوع الدية ومن خلال سماعي للمشايخ لا شك أن الموضوع محل اجتهاد!
السنة النبوية وتنصيف دية المرأة
الشيخ يوسف القرضاوي
ثم انتقل النقاش للمصدر الثاني في التشريع ومدى وجود نص صحيح صريح يفيد بتنصيف الدية. فقال الدكتور ثقيل الشمري: استدل الفقهاء على تنصيف الدية بأحاديث كثيرة، وهنالك أحاديث ورد فيها النص على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل. ولكن هذه الأحاديث محل دراسة ومناقشة من حيث ثبوتها وحجيتها، والفقهاء احتجوا بهذه الأحاديث، إلا أن الذين ينتقدون هذه الأحاديث من أصحاب الاختصاص وأهل العلم بالحديث ودراسة الأسانيد يقولون إن هذه الأحاديث ضعيفة!! فهذه الأحاديث المروية في مصنف عبد الرزاق، والبيهقي، وابن أبي شيبة، ووردت في بعض كتب الآثار: يجب أن تكون محل دراسة ومناقشة؛ لأنها هي الدليل الصريح في التنصيف. ثم تساءل الشمري: هل هذا الدليل الصريح صحيح؟.
لكن د. يوسف القرضاوي قال: إن موضوع الدية لم يبتدعه الإسلام وكان موضوعا من موضوعات الجاهلية العربية، وهو من المواضيع التي أقرها الإسلام، ثم أضاف: عندنا في تراثنا الفقهي دائرتان لكل منها حكمها:
الدائرة الأولى: دائرة مغلقة لا يدخلها الاجتهاد ولا التجديد وهي دائرة القطعيات، أي الأشياء التي ثبتت بمحكم القرآن ومتواتر السنة. وهذه الدائرة محدودة جدا ولكنها مهمة جدا لأنها هي التي تحفظ على الأمة وحدتها العقلية والوجدانية والسلوكية.
الدائرة الثانية: وهي الدائرة التي يدخلها الاجتهاد والتجديد وتتغير فيها الفتوى بتغير الزمان والمكان والحال والعرف، وهي دائرة الأحكام الظنية التي أخذ فيها الحكم من نصوص ظنية الثبوت أو ظنية الدلالة أو ظنيتهما. وهذه الدائرة يدخل فيها معظم أحكام الشريعة وهذا من فضل الله ورحمته.
وتساءل الشيخ القرضاوي: في أي الدائرتين نضع حكم هذه القضية ـ دية المرأة ـ؟ ثم أجاب: لا شك أننا جميعا متفقون على أنها في الدائرة الثانية ولذلك ليس هناك مانع من أن نعيد النظر ونجدد الاجتهاد في هذا الموضوع من خلال النظر في مصادر التشريع ومصادر الأدلة. في القرآن والسنة والإجماع وفي القياس وننظر في المصلحة ثم ننظر قي هذه الأدلة هل تعطينا أن دية المرأة على النصف من دية الرجل؟
ثم استدرك الشيخ قائلا: لقد بحثنا في القرآن الكريم وليس فيه إلا هذه الآية من سورة النساء {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (النساء: 92) وليس فيها تمييز بين الرجل والمرأة ففي الآية (من قتل مؤمنا)، العلماء يقولون: هذه نكرة في سياق الشرط والنكرة في سياق الشرط كالنكرة(38/165)
في سياق النفي تعم، ولذلك تعتبر من ألفاظ العموم. فكلمة (مؤمن) تشمل الذكر والأنثى، وبهذا فلا توجد في القرآن أي آية تدل على تنصيف دية المرأة بالنسبة لدية الرجل.
وأكّد الشيخ أنه تتبع السنة النبوية عله يجد حديثا يصلح للاحتجاج به في تنصيف الدية فلم يجد! وإننا لا نجد حديثا واحدا في الكتب الستة! ولقد مضى القرن الرابع الهجري وفيه الحافظ الكبير الدارقطني والحاكم صاحب المستدرك ولم يأتيا بحديث يدل على تنصيف دية المرأة، ثم جاء الحافظ الكبير الإمام البيهقي (متوفى سنة 458هـ) وجاء بحديث عن معاذ بن جبل "قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ". والبيهقي نفسه علّق على هذا الحديث بأنه لا يثبت مثله... ومعلوم أن الحديث الضعيف لا يحتج به في الأحكام.
وردّ الشيخ يوسف القرضاوي استدلال الشيخ صالح المهندي بـ (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) (آل عمران:36) مستدلا بآية أخرى تدل على أن المرأة من الرجل والرجل من المرأة فهي تكمله وهو يكملها قال تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (آل عمران:195) والحديث الشريف "إنما النساء شقائق الرجال" فهذه محكمات لا يجوز تركها إلى غيرها.
وعلّق الشيخ على السؤال بخصوص حديث عمرو بن شعيب: أن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "عَقْلُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ، حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهَا" أن هذا الحديث رواه إسماعيل بن عيّاش وحديثه منكر وكثير الخطأ.
وتساءل الشيخ يوسف: هل الحجة هي كلام المذاهب الأربعة أو المذاهب الثمانية أو مذهب جمهور الفقهاء التي تقول بتنصيف الدية؟ أم الحجة في القرآن والسنة والإجماع؟ وقال: ما دام لا يوجد إجماع فاتفاق جمهور الفقهاء ليس بحجة.
لكن الشيخ صالح المهندي عقّب بالقول: أن العمدة في هذا الباب هو حديث عمرو بن حزم: "دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ" قال عنه ابن عبد البر: "هو كتاب مشهور عند أهل السير معروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد لأنه أشبه التواتر في مجيئه". ثم تساءل قائلا: لماذا أصبح لهذا الحديث هذا الوزن؟ وأجاب ناقلا قول الصنعاني: قال الشافعي لم ينقلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أضاف أن الحديث صححه الحاكم والبيهقي وابن حبان!.
وعقّب الدكتور محمد شبير بالقول: لو سلمنا جدلا أن حديث عمرو بن حزم صحيح فهل يستطيع الشيخ صالح المهندي أن يثبت أن عبارة ـ أن دية المرأة على النصف من دية الرجل ـ موجودة في هذه الصحيفة؟. ابن حجر العسقلاني يقول: هذه الجملة ليست موجودة في حديث عمرو بن حزم الطويل وإنما أخرجها البيهقي!
وقال الشيخ يوسف القرضاوي: إن الكثيرين استدلوا بحديث عمرو بن حزم على أن دية المرأة مثل دية الرجل، فالذين خالفوا الجمهور وقالوا بأنها مساوية لدية الرجل:(38/166)
مثل الإمام ابن عليّة والإمام أبو بكر الأصم كانت حجتهم حديث عمرو بن حزم "في النفس مائة من الإبل" والنفس تشمل الرجل والمرأة.
وأضاف: هنالك عدد من الأحاديث ذكرت أن الدية هي: مائة من الإبل ومن العلماء من رد حديث عمرو بن حزم لأنه مروي عن نسخة (مكتوبة) قد يكون أحد أضاف إليها شيئًا؛ إذ هو ليس مرويًّا مشافهة.
تنصيف الدية في أقوال الصحابة
وفي تعليقه على الشيخ ثقيل الشمري قال الشيخ القرضاوي: إنه بعد البحث والدراسة لم يجد أحاديث مرفوعة في هذه المسألة إلا حديثين: حديث معاذ بن جبل: "دية المرأة على النصف من دية الرجل" رواه البيهقي من طريق عبادة بن نسي قال: وفيه ضعف وحديث عمرو بن شعيب وهذا فيه كلام.
ولا يوجد عن الصحابة أقوال متفقة في هذه القضية؛ فهم اختلفوا فيما بينهم، أي أنهم لم يجمعوا على قول في هذه المسألة. وقد قال إن دية المرأة مثل دية الرجل عالمان كبيران هما: الإمام بن علية (منسوب إلى أمه) والإمام أبو بكر الأصم وهو من شيوخ المعتزلة. فالحمد لله أن المسألة ليس فيها إجماع.
لكن الشيخ صالح المهندي أصر على تنصيف الدية بالنسبة للمرأة مستدلا بأن المذاهب الأربعة شهدت لها الأمة، وبذلك لا يمكن أن نقول إن هؤلاء الأئمة وتلامذتهم منحازون ضد المرأة!.
لكن الشيخ القرضاوي عقّب قائلاً: هل تقول إن أقوال المذاهب الأربعة معصومة وتؤخذ على أنها حجة؟!. مؤكدًا أن هذه المذاهب مدارس اجتهادية ولا مانع من أن يعاد النظر في بعض المسائل.
الشيخ صالح المهندي لفت إلى أنه يجب أن ينظر إلى هذه المسألة من زاوية أخرى؛ وهي أن الأعباء المالية في النظام المالي الإسلامي ملقاة على الرجل بنسبة 90% من هذه الأعباء؛ فالرجل هو الذي يشترك مع العاقلة في دفع الدية في حين تعفى منها المرأة، والرجل هو الذي يدفع المهر، والرجل هو المكلف بالنفقة، ولا يمكن أن يرد على هذا بأن هنالك رجالاً لا يقومون بدورهم!.
الدية تقاس على القصاص لا على الإرث والشهادة
لكن الشيخ القرضاوي قال: إن البعض قاس موضوع الدية على موضوع الإرث وموضوع الشهادة، وهو قياس غير صحيح! فحتى في الإرث ليس دائمًا ترث المرأة نصف ما يرث الرجل: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (النساء:11)
وللدكتور صلاح سلطان كتاب ذكر فيه 18 صورة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل وهنالك صور تأخذ فيها المرأة أكثر من الرجل!
وهذا مبني على الأعباء المالية؛ لأن الشرع جعل معظم الأعباء المالية على الرجل، فليست الأعباء متساوية. وقياس الدية على الإرث ليس قياسا صحيحا، وكذلك قياسها(38/167)
على الشهادة؛ لأن الشهادة جاءت في مقام الاستيثاق في القضايا المدنية والتجارية. فالرجل أقدر على أداء الشهادة من المرأة؛ إذ المرأة عليها قيود وعوائق قد تمنعها من أداء الشهادة.
والأولى أن تقاس الدية على القصاص فإذا قتل الرجل امرأة اقتص منه بالإجماع فلا يمكن أن يقول أحد إن المرأة أقل منه فلا يقتص منه! ولأن الدية والقصاص في باب واحد ـ التشريع الجنائي ـ والقصاص عقوبة والدية عقوبة.
هل في تنصيف الدية مصلحة؟
وحول ما يراه البعض من الاستدلال بالمصلحة على تنصيف الدية؛ إذ قالوا: إن الرجل يفوت بفقده ما لا يفوت بفقد المرأة فهو العائل وهو الذي يتولى النفقة. قال الشيخ يوسف: إن الشرع لم يعتبر هذا؛ فالشريعة تجعل دية الطفل الصغير مثل دية أبيه الكبير، وتجعل دية الأمي مثل دية العالم!
فالاعتبار للآدمية فقط. وتساءل الشيخ أن لو كانت المرأة هي التي تعول الأسرة فهل نقول في هذه الحالة تأخذ الدية كاملة؟
نحن نريد أن نتفق مع وجهة الإسلام العامة الذي يكرم المرأة إنسانا ويكرمها أنثى، ويكرمها بنتا ويكرمها زوجة وأمًّا وعضوا في المجتمع، ثم أضاف أن هذا ما يتفق مع اتجاهات العصر ولمّح إلى ما يشيعه أعداء الأمة؛ بأن المسلمين يضطهدون المرأة ويجعلونها في مرتبة دونية، ودعا قطر إلى أن تسبق غيرها من الدول لتقرر أن دية المرأة مثل دية الرجل سواء بسواء.
وأوضح الشيخ القرضاوي أن ممن ذهب إلى التسوية بين الرجل والمرأة في الدية الفخر الرازي فقد ذكر أدلة ابن علية والأصم ولم يعلق عليها وهذا يدل على أنه يؤيد هذا الرأي. ومن المعاصرين الشيخ رشيد رضا في تفسير المنار، والشيخ محمود شلتوت في كتابه "الإسلام عقيدة وشريعة" والشيخ محمد أبو زهرة في كتابه "الجريمة والعقوبة في الشريعة الإسلامية"، والشيخ محمد الغزالي في كتابيه: "السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث"، و"تراثنا بيت العقل والشرع".
أوجه التفاضل بين الرجل والمرأة
الشيخ صالح المهندي علّق بالقول: الإسلام دين العدالة وليس دين المساواة! فالمرأة يمكن أن تكون أفضل من الرجل علميًّا فالله سبحانه قال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} (المجادلة: من الآية 11) فيمكن للمرأة أن ترتفع بالعلم عن الرجل درجات... ولكن في آيات أخرى هنالك نص صريح على تفضيل الرجل على المرأة! وهو قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (النساء:34) وفي الآية الثانية (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(البقرة: من الآية 228).
وعلّق الشيخ القرضاوي بالقول: القرآن قال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} الآية ولم يقل القرآن: الرجال(38/168)
قوامون على النساء بما فضلهم الله على النساء. وإنما قال: بما فضل الله بعضهم على بعض ـ أي فضّل المرأة في جانب وفضّل الرجل في جانب، فضل المرأة في جانب العواطف فهي مصدر للحنان والرأفة وذلك لتتحمل متاعب الأمومة. لكن الرجل من الناحية العقلية والتبصر بالعواقب أفضل من المرأة فلأجل هذا أعطاه القوامة.
ومن ناحية أخرى وبما أنفقوا من أموالهم: فالرجل هو الذي يتعب وينفق ويغرم في تأسيس الأسرة، فلو هدم هذه الأسرة فستنهدم على رأسه؛ أما المرأة فلم تغرم شيئا من أجل هذا كانت القوامة بيده. وساق الشيخ يوسف رأي الإمام الطبري في تفسيره لـ {وللرجال عليهن درجة} قال: إن الرجل عليه أعباء وواجبات أكثر بحكم رجولته.
الدية.. تعويض وعقوبة
الدكتور محمد شبير رأى أن اتجاه الفقهاء إلى تنصيف دية المرأة مرده إلى نظرتهم إلى موضوع الدية من جانب واحد وهو أن الدية تعويض لأهل المقتول، فإذا نظرنا إلى هذا الجانب فقط يمكن القول بالتنصيف! ولكن الدية عقوبة أيضا. والدية تجمع بين الأمرين بين العقوبة وبين التعويض، ولا ينبغي بحال إهمال كون الديّة عقوبة. فالقاتل اعتدى على نفس واستخف بالحياة الإنسانية...
ثم نقل قول القرافي: "الجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين...".
ـــــــــــــــــــ
القرضاوي: مساواة المرأة بالرجل في دية القتل الخطأ
الدوحة- فرحات العبار– إسلام أون لاين.نت/ 23-12-2004
القرضاوي
دعا الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي إلى المساوة بين الذكر والأنثى في مسألة دية القتل الخطأ، وأورد في سبيل ذلك حججا وأدلة من القرآن الكريم والسنة تدلل على صحة دعوته.
جاء ذلك خلال ندوة نظمها المجلس الأعلى لشؤون الأسرة في العاصمة القطرية الدوحة الأربعاء 22-12-2004 ، وشارك فيها علماء دين ورجال قضاء وحقوقيون، وقد برز خلال الندوة في مقابل هذا التوجه اتجاه رافض للمساواة بين الرجل والمرأة في مسألة الدية ومؤيد لأن تكون دية المرأة نصف دية الرجل وآخر متحفظ داعيا إلى مزيد من الدراسة والتريث.
وقال الشيخ القرضاوي في كلمته: "مسألة الدية محل اجتهاد، وليست من الثوابت ولا من القطعيات؛ لذلك ليس هناك مانع من إعادة النظر فيما ذهب إليه الفقهاء" بشأنها.
وأضاف: "بالنظر إلى القرآن الكريم لا نجد دليلا يساند رأي القائلين بالتنصيف وعبارة القرآن الكريم في الدية عامة مطلقة لم تخص الرجل بشيء منها عن المرأة، قال تعالى: ومن قتل مؤمنا خطا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) النساء الآية 92.
وأوضح القرضاوي أن هذه الآية تشير إلى أنه: "لا فرق في وجوب الدية بالقتل الخطأ بين الذكر والأنثى، فمن المعلوم عند أهل اللغة أن النكرة في سياق الشرط تعم، فالجملة (الآية ) شرطية ومؤمنا نكرة تشمل المرأة والرجل فتقتضي العموم".(38/169)
كما رأى القرضاوي أن مسألة الدية "ليس فيها حديث متفق على صحته ولا إجماع مستيقن وإذا لم يصح حديث في هذه القضية يحتج به فكذلك لم يثبت فيها إجماع... بل ذهب ابن علية والأصم- من فقهاء السلف- إلى التسوية بين الرجل والمرأة في الدية وهو الذي يتفق مع عموم النصوص القرآنية والنبوية وإطلاقها".
واعتبر أن استخدام القياس على الميراث في مسألة الدية "لا يعتد به فهنالك حالات كثيرة (في الميراث) تأخذ فيها المرأة نفس النصيب الذي يأخذه الرجل".
وفند الشيخ القرضاوي حجة مراعاة المصلحة الذي يستند إليها القائلون بالتنصيف باعتبار أن فقد الرجل باعتباره العائل ليس مثل فقد المرأة، وقال: "هذا الأمر ليس له اعتبار في الشريعة بدليل أن دية الطفل الصغير مثل الكبير والفراش مثل البروفوسير".
ودعّم القرضاوي رأيه بما ذهب إليه عدد من علماء العصر كالشيخ محمد رشيد رضا والشيخ محمود شلتوت في كتابه "الإسلام عقيدة وشريعة"، والشيخ أبو زهرة في كتابه "العقوبة"، والشيخ محمد الغزالي رحمه الله.
وأنهى القرضاوي أدلته بضرورة النظر في مسألة الدية من زاوية تكريم المرأة، ودعا حكومة قطر إلى الأخذ بهذا التوجه.
واتفق مع رأى الشيخ القرضاوي خلال الندوة كل من الشيخ عبد القادر بن محمد العماري نائب رئيس محكمة الاستئناف سابقا، والدكتورة عائشة يوسف المناعي عميدة كلية الشريعة جامعة قطر، والأستاذ الدكتور محمد عثمان شبير أستاذ بقسم الفقه كلية الشريعة جامعة قطر.
وأشار الشيخ عبد القادر العماري في هذا الصدد إلى أن موضوع الدية "قديم وقد طرح منذ 15 سنة"، وقرأ على الحضور رأي الشيخ محمد الغزالي رحمه الله الذي يؤيد مساواة الرجل بالمرأة في الدية. وقال إن "تنصيف دية المرأة لا يستفيد منه إلا شركات التأمين".
وساندت الدكتورة عائشة المناعي هذا التوجه الذي رأت فيه "إنصافا للمرأة"، مؤكدة أنه حان الوقت لإعادة النظر في هذه المسألة.
أما الدكتور محمد عثمان شبير فأكد أن مسألة الدية محل اجتهاد، وقال: "المعلوم أن الظروف والأحوال قد تغيرت عن الظروف التي قيلت فيها اجتهادات الفقهاء".
وأشاد سالم راشد المريخي عضو اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر بتوجه المساواة بين الرجل والمرأة في مسألة الدية، وذكر أن "قوانين حقوق الإنسان لا تفرق بين الذكر والأنثى، وهي ضد أي تمييز".
اتجاه رافض للمساواة
في المقابل اتخذ جانب آخر من العلماء رأيا مخالفا حيث رفضوا مساواة الرجل والمرأة في مسألة الدية.
الشيخ صالح بن جاسم المهندي رئيس المحكمة الابتدائية واحد من أصحاب هذا الرأي الذي ذكر أن "دية المرأة على النصف من دية الرجل محل اتفاق بين المذاهب الأربعة فهل نستطيع القول بأن المذاهب الأربعة متحيّزة.. وجرى العمل بهذا منذ(38/170)
سنين طويلة وهو الذي تأخذ به محاكم قطر الآن. فكيف يمكن أن نخطئ هؤلاء الفقهاء السابقين".
ورأى أن مسألة الدية يجب ألا ينظر إليها "من دليل واحد فقط بل ينظر من خلال مجموع الأدلة والنصوص" واستدل بقوله تعالى (وليس الذكر كالأنثى).
وأضاف أن "النظر إلى هذا الموضوع لا يستقيم إلا بالنظر إلى الأعباء المالية المكلف بها الرجل وتلك التي أعفيت منها المرأة؛ فالرجل هو الذي يدفع المهر وهو الذي يعول الأسرة.. ولا ينظر للموضوع من زاوية الكرامة الإنسانية، فالمرأة مكرمة أما وأختا وزوجة...".
ورد عمّن ضعف الأحاديث التي استند لها جمهور الفقهاء في تنصيف الدية بقوله إن "هذا التضعيف غير مسلم به".
فريق متحفظ
وقد اتخذ فريق ثالث من المشاركين في الندوة اتجاها وسطا متحفظا حيث دعوا إلى المزيد من الدراسة والتريث في هذه المسألة.
ومن أصحاب هذه الاتجاه الدكتور "ثقيل بن ساير الشمري" وهو قاض بمحكمة التمييز الذي طالب بأن يدرس الموضوع بعناية وأقر بأن الأحاديث التي استدل بها الرافضون للمساواة فيها ضعف، لكنه ذكر أن هذه الأحاديث قد تتقوى بأحاديث أخرى ولو كانت ضعيفة.
وتساءل الشمري: "هل هذه المعاضدة يمكن أن تقوي هذه الأحاديث؟ أم أن كثرة الأحاديث والطرق إذا كانت ضعيفة لا تزيد الضعيف إلا ضعفا؟". وترك أسئلته بدون أجوبة، مؤكدا أن الموضوع لا يمكن حسمه في ندوة أخرى داعيا إلى مزيد من الدراسة وعدم التسرع في حسم هذا الموضوع.
ويأتي تنظيم هذه الندوة على خلفية دعوات تطالب بتغيير القانون القطري الذي يقرر أن دية القتل الخطأ للمرأة نصف دية الرجل وهو ما حكمت به المحاكم القطرية في 29 حالة خلال الفترة الواقعة بين تاريخ 1-1-1999 حتى نهاية عام 2003، حيث قررت أن مقدار الدية هو: 50 ألف ريال قطري للأنثى القتيلة و100 ألف للرجل.
وأنشئ المجلس الأعلى لشؤون الأسرة عام 1998 برئاسة الشيخة موزة بنت ناصر المسند حرم سمو أمير قطر. وينظم المجلس العديد من الفاعليات المتعلقة بقضايا الأسرة كان أخرها مؤتمر الدوحة العالمي للأسرة الذي عقد في الفترة ما بين 29 و 30 نوفمبر2004.
ـــــــــــــــــــ
تحرير المرأة في عصر "الشرق الأوسط الكبير"
إعداد محرر صفحة الإسلام وقضايا العصر
...
14/06/2004
المشروع الأمريكي عبر هجماته/مبادراته "الإصلاحية" للشرق الأوسط، احتوى على قضية مركزية وهي المرأة. وهذا يطرح تساؤلات مهمة حوله، يجعل من الضروري الالتفات إليها تأملا ومناقشة، فحين نجد أنفسنا بين مطرقة المشاكل(38/171)
الحقيقية التي نعاني منها وسندان الهيمنة الأمريكية التي علينا رفضها.. ماذا نفعل؟ خصوصا أننا أمام تحديات جديدة تنقلنا من نفق التقاليد غير الإسلامية إلى حافة هاوية "الفردية" المتمركزة حول الجسد. وما الذي يمكن أن تضيفه أمريكا في مبادرتها "الشرق الأوسط الكبير" لقضية تحرير المرأة؟ وكيف تخرج المرأة العربية من موقع المتفرج إلى موقع الفاعل في كل ما يدور حولنا من أحداث؟ وكيف يمكن تفهيم أولئك الذين لا يزالون يدورون في فلك "الجسد/الفتنة" حين يختزلون تحرير المرأة - داخليّا وخارجيّا - في "العري"؟ وكيف يمكن النظر إلى التعديلات التي طاولت -ولا تزال- المرأة الخليجية؟.. أسئلة مهمة تناقشها هبة رؤوف عزت(**) خلال هذا الحوار.
* تعيش المرأة العربية مأزقا خطيرا يتمثل في شعورنا - نحن النساء - بأن هناك مشكلة حقيقية تعاني منها المرأة العربية .. وهي مشكلة الفقر والجهل والبطالة والتمييز.. وهي مشاكل يشترك معنا في كثير منها كثير من الرجال، ولكن تتركز مشكلتنا في ذلك الاستخدام السيئ من قبل قوى خارجية (كأمريكا) وقوى داخلية (أنظمتنا العربية) لهذه المشاكل لمصلحتها. فنجد أنفسنا بين مطرقة المشاكل التي نعاني منها وسندان الهيمنة الأمريكية التي علينا رفضها ... ماذا نفعل حيال هذا الأمر؟
- لا توجد حلول فورية لتغيير أوضاع الفقر والجهل والبطالة والتمييز الجاهلي (التقليدي والمستورد) ضد المرأة؛ فالتغيير يأخذ وقتا ويحتاج إستراتيجيات ولن نستطيع تغييره، ولن تستطيع أمريكا تغييره ببيانات أو مشروعات أو تصريحات.
أعتقد أننا بحاجة حقيقية أولا لمعرفة الواقع، وهذه مهمة تقوم بها -بنشاط- هيئات دولية تدرس وتجمع الإحصاءات وتحلل البيانات، ولا تقوم بها هيئاتنا الإسلامية التي تنصرف إلى كتابة المقالات وإعداد الدراسات النظرية والانتقاد القوي لأطروحات الاستعمارية دون رصد حقيقي وواقعي للتحولات التي تشهدها تلك المرأة العربية.
ويجب التذكير بأن هذه المرأة التي نتكلم عنها، تشكل الفتيات النسبة الغالبة في تكوينها، وأن النسبة المتزايدة هي من سكان الحضر والمدن، ونحن أمام تحديات جديدة تنقلنا من نفق التقاليد غير الإسلامية التي بها تمييز ضد المرأة، إلى حافة هاوية "الفردية" المتمركزة حول الجسد؛ سواء لإعادة صياغة التصورات حول معنى الحرية أم بتفكيك البنى الاجتماعية والمؤسسات المختلفة الجماعية.
بين المطرقة والسندان يمكن أن يكون هناك عجينة لينة قابلة للتشكيل، ويمكن أن يكون هناك كتلة صلبة من الحديد تكسر المطرقة والسندان، والفعل الذي يتم السؤال عنه - في نظري - هو الفعل اليومي، والفعل المتراكم والفعل الممكن الذي يدفع سقف المستحيل، وربما في لحظة معينة تصبح مواجهة الإمبراطورية عن طريق الأفعال الصغيرة أكثر تأثيرا من الخطاب الضخم الذي لا يدل الناس على آليات يومية بسيطة.
ماذا نفعل؟ أنا شخصيا بالأمس كنت في لقاء أشارك فيه بتقرير عن أوضاع المرأة العربية، مع إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة، التي لا أرى من المفيد تركها للهيمنة الأمريكية؛ لأنها ليست ملكا خاصا لأمريكا، لكنني اليوم طوال الصباح كنت في اجتماع مع مجموعة من النشطاء نسعى لتجاوز الاختلافات الأيديولوجية وتسجيل(38/172)
منظمة أهلية ضد الفساد في مجتمعي، فالانعزال في دوائر مغلقة لا يفيد، وإنما حركة واسعة لكل واحد منا في مجاله ثم التشبيك والتنسيق حتى يتراكم الفعل.
لننظر حولنا.. في أسرتنا وفي الحي وفي مجال العمل، ولنفكر: كيف يمكن الدفاع عن حقوق المضطهدين وتحسين أوضاع الناس بآليات بسيطة؟ باختصار: ما هو الفعل الممكن الذي يبني زخما لتغيير ديمقراطي يومي يحترم إنسانية الإنسان؟. إننا لا نستطيع أن نواجه الهيمنة الأمريكية ومشاريع الشرق الأوسط الكبير - أو الصغير - ببشر لا يشعرون بآدميتهم، وإذا شعروا بها لا يتشاطرونها مع الآخرين بشكل عادل وكريم!.
لكن مع هذا نحتفظ دائما بالأمل وشعلة النشاط في القلب؛ لأن الله غالب على أمره، ونحن حتى الآن لم نستوف شروط النصر؛ لأننا أهملنا (اقرأ)، وأهملنا (وقل اعملوا)، ولم نبذل كل الوسع بعد.
* لكن ما هي الإضافة الأمريكية في مبادرتها "الشرق الأوسط الكبير" لقضية تحرير المرأة، خصوصا أن الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة قد غطت الجانب النظري والتنفيذي لما يخص الجوانب المختلفة لقضية المرأة؟.
- الخطط الأمريكية قديمة والتدخل الأمريكي جارٍ على قدم وساق منذ فترة طويلة، والتعليم تم إعادة هيكلته لخلق كوادر ـ رجال ونساء ـ تقبل القيم الاستهلاكية، هذه هي الإضافة المستمرة التي يتم تجديد إستراتيجياتها كي نصبح سوقا بلا ثقافة ولا هوية تستطيع المقاومة.
إن ما تود الولايات المتحدة الأمريكية الآن تحقيقه هو تجاوز مرحلة خلق النخب التي تحدث منذ مائة عام أو يزيد عبر التعليم وبرامج التدريب وطرح الرؤى والأفكار واختراق المجتمع المدني، إلى أن يصبح هذا المد الاستهلاكي عامّا وجماهيريا.
وأعتقد أن أخطر ما يمكن أن يحدث للمرأة العربية في المستقبل هو إبعادها عن الثقافة الإسلامية، في الطبقات الوسطى والعليا، ووضع هؤلاء النساء في مواقع صنع القرار فتتم سرقة واختطاف رؤى التحرير والمساواة للمرأة لتخرج خارج إطار النضال الديمقراطي، وهذا حدث بالفعل في بعض البلدان ومنها مصر، فقد تم تأميم الحركة النسائية بالمعنى الذي كان سائدا في الستينيات والسبعينيات، والتي كانت ذات توجه يساري لكنه كان وطنيا وعروبيا.
أما الآن، فالاتجاه إلى الفكر والخيال النسوي، وفصل جهد تمكين النساء عن معركة الديمقراطية الواسعة حتى يظن الناظر إلى الخريطة العربية أن النساء قد حققن مكاسب وهو ليس صحيحا خاصة حين تتولى المناصب القيادية نساء من نفس النخبة السائدة المتأسسة على روابط قبلية أو فئوية أو عرقية أو طبقية.
إن إعادة تشكيل النخبة وإعادة تشكيل الثقافة عبر تهميش التعليم الوطني العام والاحتفاء بالتعليم الأجنبي في المراحل ما قبل الجامعية والجامعية: مسألة حاسمة في خلق أجيال مستفيدة من الاندماج في دوائر الأعمال الأجنبية بأوطاننا وتوسيع هامش الفئات التي تحمل هوية هجينة ملتبسة، وحين يتم الدفع بها إلى مواقع صنع القرار لن تكون أولوياتها وطنية، وقضية المرأة لا تنفك عن كل هذه التحولات.(38/173)
والجديد ليس اختراعا لمفهوم أو لقضية، بل تحويل المسارات وتغيير الأشكال والتكتيكات، وهنا يجب أن نتابع أوضاعنا جيدا ونرصد تحولات المجتمع والثقافة؛ لأنها أخطر من تصريحات السياسة أو خطب الأنظمة في المناسبات المختلفة.
التغيير من أسفل وضرب البنية التحتية الاجتماعية على هذا النطاق هو الجديد والمتجدد.
* كيف تخرج المرأة العربية من موقع المتفرج إلى موقع الفاعل في كل ما يدور حولنا من أحداث؟
- "التسلط الذكوري" أحيانا يكون ضاغطا جدّا جدّا، لكنه - أحيانا - أسطورة نبكي بسببها دون أن نرى مصادر القوة في بنيتنا التقليدية الأسرية. أعتقد أنه في ظل أكثر العلاقات استبدادا مع الذكور في الأسرة أو الدائرة الاجتماعية يمكن التماس مسارات للتمكين وللفعل، بالنسبة للسيدات العاديّات مثلا.
السياسة ليست الوصول إلى سدة الحكم، بل هي المشاركة في التأثير على توزيع الموارد المادية والمعنوية في المجتمع بشكل يسمح بعدالة أوسع، في تقاسم السلطة، والثروة. وعلى ذلك فإن كل امرأة يمكنها أن تؤثر في تلك المعادلة، لكننا إما أن نحبس أنفسنا في البيوت، أو نتطلع لرئاسة الوزراء!
في حين أن الفعل المدني الأهلي اليومي قد يكون أكثر تأثيرا وأوسع مدى من الانضمام إلى أي من الأحزاب أو الخروج إلى الترشيح في الانتخابات على أهمية كل هذه الأشكال.
وبالنسبة للأم، من المفيد أن تعلم أنها يمكن أن تكون مسئولة ومشاركة في المجتمع، بل ومؤثرة في السياسات العامة من خلال "الحضور المستمر" في حياة أسرتها، والخروج لمتابعة مصالح تلك الأسرة.
ويمكن لي التمثيل هنا بالتعليم والصحة. في مدرسة أولادي مجلس للآباء، وهو غير يوم لقاء الآباء بالمدرسين، ورغم أن المرأة المصرية في الطبقة الوسطى يمكنها الحركة والمشاركة فإننا يوم الاجتماع الأول لمجلس الآباء في مدرسة بها ألف تلميذ لم يحضر سوى عشرة، منهم ثلاث نساء. وقد استوقفني هذا الأمر؛ فقد كنت دائما أدعو إلى المشاركة السياسية القوية للمرأة والتي أعتقد أنها واجب شرعي وليس ترفا، ولي في ذلك كتابات عديدة شرعية وسياسية، لكنني وجدت نفسي في موقف أتساءل فيه: كيف يمكن أن تشارك المرأة في الجدل الديمقراطي وفي الشأن العام السياسي وفي الدفاع عن حقوقها وحقوق الإنسان وفي المطالبة بتوزيع أكثر عدلا للسلطة وللثروة إذا كانت لا تخرج أصلا لمتابعة السياسة التعليمية في داخل مدرسة أولادها؟
ولا أظن أنه في أي مجتمع ذكوري سيمنعها أحد من ذلك. لكن المشكلة أن المرأة لا تريد أن تكون أكثر فاعلية وأكثر مسئولية في أحيان كثيرة لأسباب مختلفة، منها ما هو مرتبط في بعض المجتمعات العربية بالرفاهة الزائدة، ومنها ما هو مرتبط في مجتمعات أخرى بالفقر، ومنها ما هو قرين السلبية واستمراء دور الضحية المقهورة.(38/174)
دعوني أؤكد لكم أنني قابلت كثيرا من النساء هن شعلة من النشاط والفعل والمشاركة، رغم أنهن أميات لا يقرأن ولا يكتبن لكنهن على علم باحتياجات المجتمع الصغير الذي يمارسن فيه دورا فاعلا، كما أنهن يدركن الأمومة بشكل إيجابي ونشيط.
إن المرأة في أشد أوضاع التسلط الذكوري قادرة على توسعة هامش الحرية والفعل والتواصل مع ثقافتها من أجل التغيير واستكشاف مواطن الضعف في تلك البنى الذكورية والضغط عليها، وأزعم أن هناك أفقا دائما للتغيير، وأزعم أيضا أن الله أرحم بكل امرأة من أن يجعلها عاجزة تماما عن أي فعل.
لكن المهم أن تنظر كل واحدة إلى مساحات الممكن وتوسع هامشها بدلا من أن تتطلع إلى المستحيل وتظل تتباكى على أنها مقهورة، وأنا أعتقد أن تغيير الخطاب يجب أن يتأسس على ربط اليومي بالمدني، وإتاحة الفرصة لأشكال مختلفة من الفعل وعدم التعميم في تجارب التمكين الفردي والجماعي وتبادل التجارب في نفس الوقت.
ويمكن تبادل الأفكار ونشرها عبر الشبكة، أو الاندراج في برنامج للتعليم المستمر، أو مراسلة "إسلام أون لاين.نت" في قضايا تهمك وجمع المعلومات من على الشبكة في هذا المجال أو الانضمام إلى ساحة من ساحات الحوار الثقافي حول قضية ما.
هناك آفاق كثيرة وهناك دائما.. الإمكانية. دعونا نفكر كيف يمكن أن نتحرك خطوة ولو صغيرة إلى الأمام، وكيف يمكن أن نساعد على رؤية بصيص أمل.
* الغرب واليهود يريدون أن يشاهدوا المرأة العربية والمسلمة تمشي في الشارع شبه عارية - إن لم نقل: عارية - أهذا هو الإصلاح الذي يريدون؟.
- لا شك أن هناك اختلافا في منظومة القيم، والعري جزء من الحرية الفردية في الثقافة الغربية، رغم أنه عندهم أيضا له مساحات وحدود، وهناك تقنين لحقوق الجسد أو - على الأقل - مسيرة من السعي لتوسعة التقنينات.
الأطروحة الغربية تقوم على أولوية الوجود في المجال العام كمؤشر على الفاعلية والقوة، في حين أننا في تصورنا الإسلامي نعتقد أن المجال العام المدني وأيضا المجال الاجتماعي الأسري لا يقل أهمية، وأنه أيضا مساحة حرة حتى إن كان فيها في جانبٍ مساواة، وفي جانب آخر توزيع لبعض (وأكرر: بعض) الأدوار.
حين جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالة هي رحمة للعالمين لم تكن قريش يعجبها أن تخرج المرأة، وكان الدور الأسري للمرأة القرشية هو الدور الأول وربما الوحيد، ونذكر أن الموسرات كن يستأجرن الرجال من أجل المتاجرة في أموالهن كما فعلت خديجة رضي الله عنها، لكن المرأة في المدينة كانت تشارك في المجال العام زراعة وتجارة، وكن متواجدات بالرأي وبالحضور في خارج أدوارهن الأسرية، رغم أنهن كن أمهات رائعات ـ لكن زوجات قويات.
التحول الاجتماعي الذي أدى إليه النهج النبوي لم يدفع باتجاه نموذج المرأة القرشية أو المكية، بل دفع باتجاه نموذج المرأة في المدينة، وإن شئت فعد إلى سيرة أم سليم التي هي أم أنس بن مالك، تر نموذجا فريدا لامرأة قوية ومؤمنة صلبة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب زيارة بيتها، بل ودعوة الصحابة إليه للطعام، ويحتفي بمشاركتها في مجالس النساء في المسجد تسأل وإن أحرجت أسئلتها عائشة!(38/175)
لم يقل أحد حينئذ إن الخروج يعني السفور، وهذه النقلة تمت مصادرتها تاريخيا حين مُنعت النساء من المساجد في المرحلة الأخيرة من عصر الخلفاء، على اختلاف بعدها تاريخيّا في درجة مشاركة المرأة في المجال العام والسياسي والاقتصادي في المجتمعات الإسلامية بعد الفتوح بحسب الثقافة الأصلية للبلدان.
هذه المقدمة ضرورية حتى لا يكون رد فعلنا تجاه "تحرير المرأة" الغربي والهجمة الأمريكية على المنطقة على هذا المسار هو أن نخون تصوراتنا الإسلامية، ونخون الله ورسوله بالتضييق على النساء بزعم أن أي مساحة للفعل توافق المخطط الأمريكي.
إن سد الذرائع لا يجب أن يؤدي إلى سد الشرائع. ويعنيني أكثر من الذي تريده أمريكا: ماذا نريد نحن؟ في زمن خرجت فيه المرأة للتعليم والعمل ولديها مساحات من الحرية، هل ما يقدمه الخطاب الإسلامي هو مشروع يحترم المرأة - أمّا وفتاة وامرأة عاملة وناشطة في المجتمع - ويدفعها إلى أن تدافع لا عن حريتها فقط وإنما عن حرية الأوطان، وحرية أبنائها السياسية في المستقبل واحترام حقوقهم في فرص متكافئة في التعليم والعمل من أجل مستقبل أفضل لأغلبية الشعوب وليس لأقليات فيها؟
هل تأتي قضية الكرامة والحماية من التمييز والتحرش وضمان الحقوق النقابية والمكتسبات القانونية للأمهات العاملات وللطالبات وللنساء العاملات في المجال المدني والأهلي على رأس قائمة الهموم، أم ندور فقط حول قضية السفور والحجاب، وكأن الحجاب هو قرين الحجب لأن الخروج هو قرين السفور والانحلال؟!
القضايا لا تعالج هكذا، وأخشى ما أخشاه أن تكون الهجمة الأمريكية معوقا للتجديد الإسلامي الشرعي المنضبط المستقيم، ويكون رد فعلنا هو غلو وتبسيط، نكون نحن الخاسرين فيه وليس أمريكا، بل أزعم أنه سيحول دون أن نطور مشاريع ناجحة للمقاومة والتعبئة.
خريطة القضايا واسعة، وتعميق التصورات مهمتنا معا، فلنفكر سويّا في كيف نضبط مساحات الحرية حتى لا نرى العري في شوارعنا، ولكن دون أن نختزل فكرة الحرية إلى الجسد. ثم كيف نضبط مساحات الحرية بحرية وبمراهنة على الفطرة السوية داخل نفوس الغالبية كما كان يعلمنا الشيخ محمد الغزالي رحمه الله؛ لأن الإفراط في استدعاء القانون أو استدعاء الدولة يفتح مجالا لها في مساحات المجتمع فتدخل لتصادر الحرية على جميع المستويات.
وفي عصر العولمة كيف يمكن أن نصوغ رسائل واضحة ومركبة في نفس الوقت تكون أفقا للكرامة للناس فنكتسب الأنصار، ونفتح دوائر لا يمكن أن يفتحها خطاب الإدانة.
الاجتهاد هنا فريضة؛ لأن سياقات المدن وجسور الاتصال لا ينفع معها كثير من طرقنا في التناول. والتحدي هو كيف نستطيع تطوير رؤانا بشكل واثق للتعامل مع تلك المستجدات؟
ربما نحتاج إلى أن نتبادل الأفكار أكثر، فالمسافة لم تعد فارقة لهذه الدرجة؛ لأن قانون المدنية الحديثة يحكم الأمكنة.(38/176)
* هل الإصلاحات - فيما يخص المرأة الخليجية - هي إصلاحات وهمية ومنساقة لرغبات أمريكا فقط، دون رغبة حقيقية من النظام هناك في إصلاح وضع المرأة؟
- إن وضع المرأة الخليجية لن يتحسن فعلا إلا في ظل تحول ديمقراطي واجتماعي عميق، وأخشى أن بعض الإصلاحات الجزئية قد تستغل لحجب الإصلاح العميق المطلوب في دول الخليج. ولا أقصد فقط الثقافة التي تقوم - حتى الآن - على إقصاء المرأة من المجال العام، بل أقول أيضا: الثقافة الاستهلاكية لمجتمعات نفطية، وهي ثقافة تنذر بأن خروج المرأة من بيتها - غالبا - لن يكون لدعم قضايا العدل الاجتماعي والمشاركة السياسية، بل سيكون في دعم دوائر الأعمال في اقتصاد يزداد ارتباطا باقتصاد السوق العالمية.
أعتقد أن تحريك الماء الراكد في وضع المرأة في الخليج مهم، خاصة أن من الإسلاميين هناك من يقفون ضد حصول المرأة على حقوق سياسية مكفولة لها في الشرع، وليس عندي أي استعداد للمداهنة أو التلطف في هذه المسألة، والحالة الكويتية نموذج في كيف تحولت قضية المرأة إلى ورقة في النزاع السياسي رغم أن الإسلاميين أولى بأن يكونوا هم طليعة التغيير الاجتماعي لصالح المرأة؛ لأن النساء حين لا يجدن خطابا إسلاميّا رشيدا منصفا فإنهن سينتقلن إلى مساحات أخرى تقدم عدالة ومشاركة حتى إن كان الثمن هو التحرر الوطني ذاته، وهذا في أي مجتمع.
لا أحد يستطيع أن يعرف نوايا التغيير، لكننا نستطيع أن نضبط مساراته إذا شئنا أن نشارك بقوة في صياغته بدلا من التساؤل ونحن جلوس نضرب أخماسا في أسداس.
* ما المقصود بتحرير المرأة في مفهومكم؟
- إن الحرية تصور مرتبط بالإطار المرجعي؛ فهي في فكرة التنوير بدأت تحررا للفكر من الكنيسة وليس من الدين، ثم تطورت إلى تحرر من الدين، يكفي أن نقارن هنا بين فكر جون لوك المؤمن وفكر روسو العلماني المتطرف، وفي هذا السياق كان تحرير المرأة - في بداياته - حصولها على حقوقها الاجتماعية والاقتصادية في ظل التحول الرأسمالي الصناعي حيث كانت النساء والأطفال يعانون من ظروف غير إنسانية في داخل الآلة الاقتصادية (وهو ما أنشأ النقد الماركسي للرأسمالية).
وكانت قيمة المساواة هي الحاكمة، ثم ما لبث الفكر النسوي أن تطور عبر أجيال مختلفة وتفرقت سبله لنجد فيها المتطرف الذي يرى الرجال مصدر الشر والعنف، والنساء مصدر السلام والرحمة، في رؤية أقرب إلى العنصرية النسوية المعادية للرجال، أما الأسرة فمبكرا تفككت بعد أن سحبت الدولة وظائفها، ثم اختلت العلاقات بداخلها لصالح فك الارتباط ما بين الحب والزواج والجنس والإنجاب، ولذلك أبعاد طبية وأبعاد نفسية وأبعاد اقتصادية ليست بعيدة عن صعود ثم هبوط نموذج دولة الرفاهة.
من المهم أن نفهم سياقات فكرة تحرير المرأة وعلاقتها بالاقتصادي والسياسي. ويمكنني بإيجاز أن أقول: إن الحرية عندي مقترنة بالعدل، يتم تسكينها في أبنية اجتماعية تتوازن فيها الحقوق والواجبات، وتبني هذه الوحدات مجتمعا يحترم العدل في المال والشورى في الأمر، وبذلك تنبني علاقة مركبة بين الشخصي والأسري(38/177)
والاجتماعي، والمدني والسياسي، في شكل دوائر متتالية وأيضا متقاطعة، وتوجد منظومة من القيم الأخلاقية على مستويات شتى تضم هذه الدوائر حتى لا تتشظى.
هذا أقرب إلى متن شديد التركيز - على نهج علماء السلف - يحتاج إلى هامش طويل لشرحه، يدخل فيه تفصيل معنى القوامة والاستخلاف والولاية وإنسانية المرأة في علاقتها بأنوثة المرأة وتداخل الأدوار وتفاعل المساحات وتنوع مضمون القيم ودلالتها حين تنتقل من المستوى الفردي إلى المستوى الجمعي وهكذا.
ولكون الإجابات الموجزة في مثل هذه القضايا المركبة عادة تكون مضللة تماما، لا بد من مطالعة - على سبيل المثال - دراسة لي حول القوامة في صفحة (الإسلام وقضايا العصر) على الموقع هنا لتعطيك نموذجا لكيفية تناول المفاهيم واستكشاف مساحتها ثم علاقتها بمفاهيم أخرى في أنساق فكرية وأيديولوجية مختلفة تقاربا أو ربما تنافرا.
ـــــــــــــــــــ
تغيير المناهج الدينية.. لمصلحة من؟
إعداد: معتز الخطيب**
...
13/04/2004
ثار جدل كبير –ولا يزال– حول قضية تغيير المناهج أو تعديلها أو تطويرها، بحسب اختلاف تعبيرات السياسي لنفي لوثة الاستجابة لمطالب خارجية، وتوزع الجدل بين الداخل والخارج، وبين الداخل نفسه بفئاته المختلفة ومواقفها من تغيير المناهج.
وإذا كان الجدل قد اشتعل بفعل مطالب خارجية، وخضوع بعض الحكومات العربية لذلك، بحجة أن المناهج الدينية تنتج الإرهابيين، أو تبذر الإرهاب في خريجيها، فإن مراجعة بعض المقررات الدراسية الدينية بينت أن تحميل المناهج الدينية مسئولية تحريك العنف المسلح ضد الغرب أمر مبالغ فيه؛ فأخطاء المناهج السعودية -مثلاً بحسب دراسة- تؤذي علاقة المسلمين بعضهم ببعض أكثر من تحريضها على غير المسلمين؛ ما يعني أن هناك بعض المشكلات الجوهرية في تقرير المسائل الدينية والموقف من الآخر المسلم قبل الآخر الحضاري.
هذا الملف انشغل بعدد من الأسئلة في موضوع المناهج حاول معالجتها من خلال المحاور الآتية:
- درس الجدل الحاصل حول تغيير المناهج وأسبابه وتفاعلاته.
- تحليل خطاب تغيير المناهج، وخطاب رفض التغيير للكشف عن سوءاتهما.
- علاقة المناهج بالعنف وحجم مسئوليتها.
- تقديم دراسة حالة، وكان الاختيار لحالة مناهج السعودية الأكثر إثارة للجدل.
جدل التغيير وجداله:
وفيه حاول معتز الخطيب أن يتفحص أسباب الالتباس الذي يحيط بجدل تغيير المناهج، ويحلل الجدل في ذاته والجدال بين الفئات المتصارعة على قضية تغيير المناهج.
تغيير المناهج وتسميم الخطاب:(38/178)
وحلل فيه الكاتب البحريني علي الديري خطاب المؤسسة الرسمية (السياسية وغيرها) تجاه قضية تغيير المناهج، ورأى أن خطاب تغيير المناهج لا ينطلق من اعتراف حقيقي؛ فسياقه محكوم بلحظة سياسية عابرة لكنها مؤثرة، ومحكوم بتسميمات خطابية مستقرة في ثقافتنا.
تغيير المناهج بين جدل الداخل والخارج:
وتناول فيه الكاتب اليمني أحمد الدغشي مسألة المناهج التربوية "الشرعية" ومدى إسهامها في صناعة العنف أو التطرف داخليًّا أو خارجيًّا من خلال الحديث عن الأساس الكلي لتلك المناهج أو المقررات (فلسفة التربية)، التي تصنع المناهج أو المقررات المعتدلة أو المتطرفة.
المقررات الدراسية الدينية في السعودية:
وفيه قدّم الكاتبان السعوديان إبراهيم السكران وعبد العزيز القاسم قراءة وتحليل مكونات المنهج الدراسي الديني السعودي من خلال محاور حدداها في:
- مدى مراعاة المنهج لتدرج أهمية وأولوية الكليات الشرعية.
- مدى عناية المنهج بتقرير مبادئ العدل، خاصة في الحقوق الشرعية الأساسية للإنسان في التعامل مع الآخرين من المسلمين وأهل الكتاب وغيرهما.
- عناية المنهج بتقرير القواعد الشرعية للتعامل مع الحضارات والمعارف.
- عناية المنهج بالمشاركة المدنية التي تقدم للمتلقي قنوات التعبير السلمي.
بهدف معرفة مدى وضوح المنهج في تكوين التوازن النفسي للمتلقي، وإلى أي مدى يعير المقرر وسائل البناء المدنية الاهتمام، ومراجعة مدى تركيز المقررات على "المواجهة" بمختلف وسائلها. وأسفر البحث عن نتائج قيمة ومشكلات جوهرية في المقررات تجب معالجتها.
-ـــــــــــــــــــ
نحو منظور إسلامي للمعرفة النسوية
د. أماني صالح**
...
09/02/2004
المعرفة النسوية هي نوع من المعرفة، نشأ في إطار دعم حركة إنصاف النساء وتأكيد حقوقهنَّ في المواطنة المتساوية مع الرجال. هذا اللون من المعرفة ظهر كرد فعل لجملة الحجج والأسانيد التاريخية والبيولوجية والاجتماعية التي ساقها المناهضون لإنصاف المرأة؛ لدعم الأوضاع القائمة لمصلحتهم، والتي قامت على أساس إثبات الخصائص الدونية للمرأة قياسًا على الرجل؛ بما يبرر إبقاءها تحت الهيمنة، وفي ظل بنى تقوم على الاستضعاف.
وفي هذا الإطار كان من المفترض أن تُقدم النساء المدافعات عن مساواتهن الإنسانية على إعادة اختبار المعارف الاجتماعية والتاريخية والعلمية المطروحة لكشف ما بها من انحيازات، وتضليل وإجحاف، وتقديم رؤية بديلة أكثر إنصافًا تدعم خطاب حقوق المرأة.(38/179)
لقد بدأ التوجه نحو إنتاج هذا اللون من المعرفة بالحدس النسائي القائم على إحساسهنَّ العميق بالمساواة في الخصائص الإنسانية مع الرجال، أو شعور المتدينات منهن بالعدل الإلهي الحتمي إزاء البشر؛ ولكن هذا الجهد انتهى عبر مراجعات كثيرة إلى العديد من النتائج العلمية والنظرية التي تدعم دعاوى النساء، خاصة في مجال التحليل التاريخي والأنثروبولوجي لتكوّن وبناء أنماط السلطة في المجتمع.
دواعي الاتجاه نحو تأصيل إسلامي للمعرفة النسوية
تبرز الحاجة ملحة إلى نشأة معارف نسوية محلية أو خاصة، وفك عرى التبعية بين حركة النساء في العالم عمومًا -والعالم الإسلامي على وجه الخصوص- وبين الاتجاهات النسوية الأسبق حركة وتقدمًا في الغرب.
تنبثق الحاجة إلى توليد هذه المعرفة من نوعين من الأسباب: الأول سبب طارد أو سلبي؛ يكمن في صميم المعرفة النسوية الغربية المهيمنة. ويرجع ذلك إلى المسارات التي انتهت إليها، وهي مسارات تثير في النهاية شعورًا بالرفض والاغترار وعدم الرضا لدى قطاع كبير من النساء غير الغربيات؛ إما لتناقضها مع رؤيتهن الخاصة للعالم ولذواتهن وللأهداف المرجوة لحركة النساء، أو لتناقضها مع أطرهن المرجعية الأصلية.
من بين تلك العوامل تفاقم نزعة التطرف وغلبة الاتجاهات النسوية الراديكالية على مجمل الحركة النسوية؛ الأمر الذي يتجلى في تخلي عديد من النسويات الغربيات عن النزعات الإصلاحية الرامية لإصلاح البنى القائمة نحو هدمها تمامًا، يستوي في ذلك بنى المجتمع -وعلى رأسها الأسرة الطبيعية- أو بنى المعرفة والعلوم المختلفة. كما يظهر في تجاوز غاية إقامة أو تحقيق العدل الغائب في ظل الأنظمة الأبوية إلى السعي لإقامة بنى انحيازية أو ظلم تاريخي بديل.
الطائفة الأخرى من الدواعي هي دواعٍ ذاتية تتعلق بتشخيص واقع ومشكلات النساء في العالم الإسلامي والجذور الثقافية لتلك المشكلات.
إذا كانت المعرفة النسوية تهدف إلى تحرير العلم والثقافة من مكونات الانحياز الذكوري، والبحث عن الأسس والركائز والحجج التي تدعم مفهوم العدل والمساواة الإنسانية بين البشر، وترفع الغبن عن النساء؛ فإن هذا التعريف -في حد ذاته- يفرض بالضرورة خصوصية المعرفة النسوية الإسلامية؛ ذلك أن الثقل الأشد وطأة على النساء في العالم الإسلامي إنما ينبع من منظومة الثقافة (شعبية كانت أم نخبوية مقروءة)، ثم العديد من العلوم والمعارف الدائرة حول الدين وأحكامه، سواء منها ما يتعلق بتفسير الآيات والفقه وعلم التاريخ، كما يتعلق ببنى التنظيم الاجتماعي التي تزعم تمثيل القيم الدينية والأخلاقية.
وباختصار: فإن الظلم الواقع على النساء في العالم الإسلامي إنما يرجع إلى منظومات المعرفة البشرية التي نسجت حول الدين، واكتسبت قداسة مزعومة من مجرد اقترابها منه رغم بشريتها الأصلية وتاريخيتها.
إن كثيرًا من أهل العلم من النساء والرجال الذين يقتربون من تلك المعارف لا يملكون سوى الدهشة من مقدار الانحياز الذي لا ينبني إلا على الرأي والتوجه المسبق والأعراف في تأويل النصوص وبناء الأحكام فيما يخص المرأة. وبناء عليه(38/180)
يمكن القول بأن حركة إنصاف المرأة لا يمكن أن تتم إلا بتوافر ذلك الشق المعرفي الذي يهدف بوضوح ودون التباس إلى تفكيك التاريخي البشري عن النصوص المقدسة المجردة، وتطهير الأصول والمصادر الإسلامية من قرآن وسنة مما ألصق بها من عناصر بشرية تأويلية، وبناءات فكرية مصدرها الحقيقي هو الأعراف والآراء والانحيازات البشرية.
خصائص المعرفة النسوية الإسلامية
في تصور مبدئي لخصائص معرفة نسوية إسلامية يمكن الإشارة إلى الأبعاد التالية لتلك المعرفة الناشئة:
أولا: أصالة المكون الميتافيزيقي جنبًا إلى جنب مع المصادر المادية للمعرفة:
وهذا خلاف جوهري مع مرتكزات المعرفة النسوية الغربية التي تعتمد العقل البشري والخبرة المادية والإنسانية مصدرًا وحيدًا للمعرفة، سواء في ذلك علاقات الإنتاج أم الخبرة المادية الجسدية للمرأة... إلخ. في المقابل فإن المنظور الإسلامي ينبثق من الاعتراف بالأبعاد الغيبية (ما وراء الطبيعية) ممثلة في الخالق المعبود جل شأنه، وهو مصدر أساسي للمعرفة والحكمة من خلال الرسالة والدين والشريعة؛ فالمعرفة الميتافيزيقية ليست في المنظور الإسلامي معرفة هلامية غير محددة الأبعاد، بل هي منظومة متكاملة للحياة، وأصل الكون وغاية الوجود الإنساني، وعلاقته الطبيعية وما وراءها ثم مصير الإنسان. كما أنها بالنسبة للإنسان المسلم محددة في "نص مقدس" -لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- يتضمن نسق العقائد والأحكام.
بالإضافة لهذه المعرفة ومن منطوق النص المقدس ذاته تأتي المعرفة المادية والتاريخية مصدرًا أساسيًّا بدوره: للعلم والتذكر والتدبر والتأمل والتفكر والفهم واستنباط الدروس. وقد دعانا الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه إلى النظر في الآفاق وفي أنفسنا، وإلى النظر في الكون والمخلوقات وسير السابقين واستنباط الحكمة من ذلك.
ثانيًا: إن المعرفة النسوية الإسلامية تستند إلى إطار مرجعي عقدي أكبر:
في هذا الإطار هي تقترب -تصنيفًا- من الاتجاهات النسوية الليبرالية والماركسية، وتتباعد عن الاتجاهات النسوية ما بعد الحداثية التي ترفض المعرفة ما قبل النسوية. والمعرفة النسوية الإسلامية هنا قد تواجه ما تواجهه المدرستان المشار إليهما من معضلات تتمثل في خضوعها لسلطة تلك المنظومة المرجعية.
وإذا كانت تلك السمة مصدرًا للضعف أو الانتقاد في المثلين السابقين -كون هاتين المدرستين نتاج فكر بشري قاصر أُسس وفق منظومات انحيازية تعكس القصور والتاريخانية وسمات الانحياز الذكوري والأبوي- فإن التماس العدل المطلق الذي ننشده في المنظور الإسلامي يقتضي هنا ويؤكد أهمية التمييز الواضح والحاسم بين المقدس الثابت من ناحية، والتاريخي النسبي من ناحية أخرى؛ حيث المصادر الأخيرة للمعرفة (البشرية النسبية) التي نُسجت حول الأصول (القرآن والسنة الثابتة) هي المجال المتوقع لدخول وتغلغل الانحيازات النوعية ضد أو مع جنس بعينه من البشر.(38/181)
ثالثًا: المعرفة النسوية في المنظور الإسلامي هي معرفة نقدية في جوهرها ومضمونها، إصلاحية في هدفها:
هي معرفة تتجه بالنقد إلى الواقع القائم والأنظمة الاجتماعية والبنى المعرفية والعلمية، كشفا عن مواطن الغبن والانحياز وعدم الشرعية في ضوء المرجعية الإسلامية المبرأة عن التحيز والظلم. التحليل والتفكيك للمعرفة والأنظمة هو أحد وسائل تلك المعرفة، ولكنه ليس هدفها. فكما أن النساء هنَّ جزء من الجماعة الإنسانية وسيظللن كذلك؛ فإن المعرفة النسوية هي جزء من بنية المعرفة الإنسانية تتغذى منها وتغذيها.
النقد والتفكيك من المنظور النسوي الإسلامي يهدف إلى الإصلاح وليس الهدم.. إلى إزالة مواطن العلة في الجسد الكلي للمجتمع والعلم، وليس إلى قتل ذلك الجسد.
رابعًا: نحو ثقافة واحدة لا ثقافتين ومجتمع واحد لا مجتمعين:
إن الغاية التي تتوخاها النساء هي الاندماج في المجتمع، وأن يستوعبهنَّ ذلك المجتمع بلا استبعاد أو ازدراء أو إدراج في فئة أقل. من هذا المنطلق ومن المنظور الإصلاحي السابق الإشارة إليه فالمعرفة النسوية ليست نطاقًا مستقلا انعزاليًّا للمعرفة في واقع الأمر، بقدر ما هي -وبشكل أدق- "مدخل أو اقتراب إصلاحي ضمن مداخل أخرى عديدة"، وإذا كانت هذه المعرفة تستقل بذاتها فهي تستقل بشكل مؤقت، غير أنها لا تؤسس نظامًا معرفيًّا عنصريًّا خاصًّا بها، وإنما تهدف إلى نفي الاستبعاد والعنصرية عن أنظمة المعرفة القائمة.
وباختصار: فالمعرفة النسوية الإسلامية هي اقتراب مستقل للإصلاح الفكري والثقافي والاجتماعي، ولكنه يهدف في النهاية للتأكيد على وحدة واندماج المجتمع والثقافة لا انفصامهما على أسس عنصرية أو نوعية.
خامسًا: إن المعرفة النسوية الإسلامية محكومة بالضوابط الموضوعية والمنهجية الإسلامية:
وهذا هو العاصم لها من الشطط، والضامن لاستمرارها في قلب المنظومة الإسلامية. من بين تلك الضوابط على سبيل المثال: ذلك الطرح الوظيفي الأخلاقي للعلم الذي عُبّر عنه إسلاميًّا بمفهوم "العلم النافع".
أما مفهوم النفع فرغم قابليته للتفسيرات والاختلاف فإن الثابت كون الإسلام يلفظ التطرف وأحادية الطرح، ويرى الحق قوامًا بين المتقابلات، هكذا يكون النفع محققًا لصيغة تجمع بين الفرد والجماعة، وبين مصالح الدنيا والآخرة، وبين مسالك العقل والنقل... إلخ. ومن هنا يفترض أن ثمة صيغة عادلة لتحقيق التوازن بين مصلحة المرأة والرجل والأسرة والمجتمع.
السمة السابقة تنقلنا إلى ضابط آخر مهم وجوهري في المنظومة الإسلامية هو "العدل". فالعدل يتخذ مكانًا محوريًّا في المنظور الإسلامي للمعرفة النسوية؛ فكما يرفض هذا المفهوم تجاوز الرجل "الحدود" (أي تخطي العدل) من أجل الحفاظ على هيمنته ومصالحه على حساب الآخرين، كذلك يرفض -بالقدر نفسه- تجاوز النساء حدود الإنصاف. فالعدل قيمة ضابطة كلية وشاملة في تقويم المعرفة والنظام الاجتماعي والسلوكي والديني في المنظومة الإسلامية.(38/182)
سادسًا: المعرفة النسوية الإسلامية هي بالضرورة معرفة تحررية ضد السلطة المطلقة لفرد أو جنس أو رأي أو نظام وحيد:
تنبع تحررية هذه المعرفة من جوهر المرجعية الإسلامية، ومن القراءة الإصلاحية التي تتبناها تلك المعرفة. فالإسلام قد عرف تنوعًا في التفسيرات والقراءات ما بين الرؤى الإصلاحية والمحافظة والرجعية التي لا يمكن قبول ادعاء إحداها باحتكار سلطة التحدث باسم الدين أو التعبير عن مرجعيته. والمعرفة النسوية هي إحدى القراءات التي تؤكد على الجوهر والطبيعة الإصلاحية للإسلام.
تحررية هذه المعرفة (وتحررية الإسلام) نابعة من جوهر دعوته في تركيز العبودية وحكرها على الخالق المطلق الكامل دون غيره من السلطات البشرية، وأن ما عداه من مصادر تدعي السلطان إنما هي مصادر ثانوية تنظيمية، وليست تأسيسية ترتهن طاعتها بقبول البشر وبمدى التزامها بتعاليم الخلق، وتقتضي المراجعة والرقابة الدائمة. هي معرفة ترفض النظام "البشري" الاحتكاري، والسلطة البشرية الواحدة المطلقة، والهيمنة الاجتماعية الواحدة والمطلقة؛ لأنها تطرح حقيقة مهمة هي تعدد وتنوع الجنس البشري والاعتراف بكرامة الآخر، وأهليته للتكليف، وحقه في المشاركة والتأثير من خلال الشورى لإدارة وإصلاح المجتمع.
الحرية وفق هذا المنظور هي التحرر من الخلق لا من الخالق؛ حيث يرى الإسلام أن العلاقة المباشرة بلا وسيط أو مهيمن بين الإنسان المسئول وخالق كامل القدرة والعلم والاطلاع على الكون وعلى نفس الإنسان، خالق واسع الرحمة مطلق العدل.. هي جوهر المنظور الإسلامي لحرية الإنسان الوجودية وأساس نضاله ضد مصادر الهيمنة والقوة البشرية.
أما الطرح الحداثي الغربي لمفهوم الحرية الذي ينزع من الكون وجود مرجعيته المطلقة الصفات ويستبدلها بالإنسان ذاته؛ فإنها وفق المنظور الإسلامي نزعة وهيمنة فوضوية تضر بالإنسان، وتفكك روابطه بالمجتمع، وتجعله فريسة للاغتراب، فضلا عن أنها لا تحرر الإنسان، بل تجعله خاضعًا لمنظومات وسلطات إنسانية قاصرة دون مخرج.
والمعرفة النسوية تسعى للتحرر من خلال طرح مصادر السلطة المعرفية والاجتماعية على المرجعية الإلهية والاحتكام إليها. من خلال استكمال جسور المعرفة بين النساء وإرادة خالقهنَّ فيهنَّ دون وسيط متحيز أو ذي هوى لتعرف النساء بأنفسهنَّ حقوقهنَّ وهويتهنَّ وأدوارهنَّ.
يكمل ذلك شروط مهمة؛ فالمعرفة النسوية -بل كل أنماط المعرفة الاجتهادية الدافعة نحو التطور- لا تتعيش إلا من خلال استقرار مبادئ التعددية الفكرية والاجتماعية والسياسية، سواء داخل المجتمع أم بين الرؤى النسوية ذاتها.
المعرفة النسوية لا تتنفس الحياة إلا في إطار من حرية التعبير التي تدور في فلك "الحدود الدينية الثابتة التي لا خلاف عليها"، وليس في ظل غابات القيود والأغلال التي نمت وتراكمت في ظل عصور القمع السياسي والاجتماعي تحت دعاوى سد الذرائع ودرء الفتن... إلخ.(38/183)
سابعًا: نمو المعرفة النسوية رهين بنمو تيار ثقافي اجتهادي في نسيج المعرفة والثقافة الإسلامية عمومًا:
بعبارة أخرى: فإن المعرفة النسوية الإسلامية ليست كيانًا لقيطًا ينمو وحده، وإنما هي جزء لا يتجزأ من ثقافة الاجتهاد والتجديد في الفكر والثقافة الإسلامية بفروعها المختلفة. هذا السياق الثقافي الذي يسعى إلى إعادة اكتشاف معنى الأشياء في الإسلام بدلا من المعاني والأهداف القاتمة والانهزامية التي وصلت إلينا من عصور الاضمحلال في تاريخ المسلمين حول علاقة الإنسان بالسلطة والكون وغيره، وبالحياة... إلخ.
بغير هذا السياق تبقى المعرفة النسوية الإسلامية يتيمة ضعيفة أمام الأعاصير التي تريد أن تفتك بها. وهذا يفرض بدوره التزامًا ومسئولية على النساء في الإسهام النشط والحقيقي في إحياء ثقافة الاجتهاد في مختلف مجالات المعرفة الإسلامية حتى ما لا يمس منها بشكل مباشر قضايا المرأة، هو التزام ومسئولية تؤكد اندماج المرأة العضوية في أمتها وفاعليتها في دعم هذه الأمة.
كانت العناصر السابقة مجرد طرح أولي نحو مجال متسع وأفق رحب من المعرفة التي تمهد الطريق لنظم اجتماعية وقيمية أكثر عدالة للنساء، ذلك الجنس البشري الذي كرمه الله وظلمه الإنسان. فكان الرجوع إلى الخالق وليس الابتعاد عنه -كما نعتقد- هو السبيل الأرشد لاكتشاف العدل المفقود الذي وعد الله به من يرثون الأرض.
ـــــــــــــــــــ
فلسفة الحجاب .. بين رؤيتين
فاطمة حافظ **
...
08/01/2004
منذ أكثر من عامين قامت الولايات المتحدة بإطلاق شعار "الحرب على الإرهاب"، وكرست أجهزتها الدعائية لترويجه في جميع أنحاء العالم، حتى صار عنواناً مميزًا لحقبة تاريخية كاملة، ويبدو أن فرنسا الآن هي الأخرى بصدد صياغة شعار مماثل وهو "الحرب على ا
حجاب". ومن الواضح أن الشعار الفرنسي بدأ يلاقي بعض الرواج الذي لقيه الشعار الأمريكي من قبل (خصوصًا لدى الكثيرين من علمانيي العالم العربي!). وعلى المستوى التحليلي هناك أوجه تشابه بين الشعارين؛ فكلاهما صادر عن إحدى المؤسسات الحاكمة في الغرب، وموجه بالأساس ضد الإسلام وأهله، كما أنه لا يتخللهما فاصل زمني كبير؛ حتى إننا يمكن أن نستنتج أن الثاني نتيجة مباشرة للأول، بالرغم من أن مشكلة الإسلام في فرنسا مشكلة قديمة الجذور.
أما وجه الخلاف فيكمن في أن "الحرب على الإرهاب" تحولت إلى حرب فعلية خاضتها الولايات المتحدة خارج أراضيها ضد دولتين مسلمتين. أما "الحرب على الحجاب" فهي حرب بلا سلاح؛ "حرب ثقافية" تشنها فرنسا ضد المسلمين المقيمين فوق أراضيها، بغرض محو هويتهم الدينية وخصوصيتهم الثقافية. ومن المحتمل أن(38/184)
تمتد هذه الحرب إلى دول أوربية مجاورة (كما يحدث في ألمانيا؛ فقد نقلت مجلة "دير شبيجيل" الألمانية 3-12-2003 عن ماري لويز بيك مفوضة الأجانب والاندماج في الحكومة الألمانية انتقادها الشديد لعزم عدد من الولايات الألمانية إصدار قوانين جديدة لحظر الحجاب في الوظائف العامة بها).
"إسلام أوربي".. أم "إسلام الجيتو"؟
يأتي قرار الرئيس الفرنسي بحظر ارتداء الطالبات المسلمات الحجاب داخل المؤسسات التعليمية ليفتح الباب مجددا للتساؤل عن مصير الأقليات الإسلامية في ظل القمع الديني الذي صار يمارَس بواسطة الأجهزة الرسمية في الغرب، بعد أن كان يمارَس قبيل أحداث الحادي عشر من سبتمبر على أيدي أنصار اليمين المتشدد فقط.
ولا نغالي إذا قلنا: إن القرار يستهدف وضع الأقلية المسلمة أمام خيارين لا ثالث لهما؛ فإما "إسلام أوربي" بمعنى أن الانصهار والذوبان تماما داخل المجتمع الغربي مع ما يحمله ذلك من مخاطر فقدانها لعقيدتها وخصوصيتها الثقافية المميزة، وإما "إسلام الجيتو" بمعنى الانفصال عن المجتمع الغربي والتقوقع داخل مجتمع إسلامي بديل يسمح بممارسة الشعائر الدينية بحرية، ولا شك أن هذا المسلك يدفع المسلمين إلى الاغتراب والتهميش، وفي المحصلة النهائية يتحول الإسلام إلى "ثقافة فرعية وهامشية" داخل المجتمع الغربي.
وهذه النقطة الأخيرة بالتحديد هي ما ترمي إليه النخبة الفرنسية؛ ذلك لأنها اعتبرت أن انتشار الحجاب يمثل تحديا خاصا لهوية الجمهورية الفرنسية وقيمها العلمانية التي باتت مهددة أكثر من أي وقت مضى بسبب عدم اندماج ملايين من المهاجرين المسلمين في المجتمع الفرنسي؛ فالكثير منهم لا يزال تربطه وشائج دينية وثقافية بمجتمعاته الإسلامية الأصلية، وهم "لا يريدون لفرنسا أن تظل فرنسا" -حسبما صرح رئيس لجنة العلمنة الفرنسية-. ورغم ذلك فإن أبعاد المشهد الفرنسي لا تتضح إلا إذا ألقينا بعض الضوء على رؤية العقلية الغربية للحجاب.
تاريخية الرؤية.. وعقلية الرفض
تصورات تاريخية متوارثة يحملها الغرب عن الشرق والإسلام، وأغلبها ينصب على المرأة المسلمة القابعة على الدوام داخل المنزل، ولا يسمح لها بالمشاركة الفعلية في الحياة العامة، وإذا اضطرتها الظروف للخروج فإنه يُكرهها على ارتداء ملابس محتشمة، وحجاب يغطي شعرها.
بعض اللمسات المعاصرة أضيفت لهذه الصورة العتيقة، وأدت إلى ازدياد قتامتها؛ لعل أبرزها أن المسلمين يخلطون ما بين المظهر والجوهر، والشكل والمضمون، بل إنهم ينحازون في أغلب الأحوال إلى الجانب الشكلي فقط، حيث يعتبر ارتداء الحجاب معيارا للحكم على إيمان المرأة المسلمة على أهمية ذلك.
ولسنا بصدد مناقشة تلك الصورة التي يُستشف منها أن هناك نقصا كبيرا في المعلومات المتوفرة عن الإسلام، وحتى هذا القدر الضئيل من المعلومات شابه الكثير من المغالطات التي بثتها أجهزة الإعلام عامدة بغرض إثارة الذعر من الإسلام؛ وهو ما أدى إلى تشوه الرؤية لدى الغربيين تماما؛ فتم الخلط بين ما هو رمز وما هو(38/185)
تشريع ديني ملزم؛ إذ عُدّ الحجاب كأحد الرموز الدينية إلى جوار الصليب والقلنسوة، وهو ما يخالف الحقيقة وبدهيات الثقافة الإسلامية؛ فالرمز في اللغة هو الإيماء والإشارة، وغاية الرمز الديني الدلالة على أيديولوجيا صاحبه. أما الحجاب (باللفظ الشائع، واللفظ القرآني هو "الخمار" و"الجلباب") فقد شُرع -في الرؤية الإسلامية- لأداء وظيفة محددة لا تتحقق إلا به، وهي الستر، يضاف لهذا أن ارتداء الرموز الدينية يعد أمرا اختياريا، أما الحجاب فهو تشريع ملزم للمسلمات، ولا يجوز تركه بحال.
وفي الجانب المقابل يحمل بعض المفكرين الغربيين ممن اعتنقوا الإسلام وجهات نظر تلتقي -في نهايتها- مع وجهة النظر الأوربية الرافضة للحجاب، وإن كانت ترتكز على منطلقات مغايرة تماما؛ فروجيه جارودي المفكر الفرنسي البارز يرى أن التمسك بالحجاب يعد تمسكا بالحرفية النصية، وأنه يندرج ضمن "المواقف التمامية" القائمة على خلط العقيدة بالشكل الثقافي المؤسسي الذي استطاعت هذه العقيدة أن تتخذه على مدى تاريخها الطويل!
أما المفكر الألماني مراد هوفمان الذي تسببت آراؤه في إحداث خيبة أمل كبيرة بالنسبة للمسلمات الأوربيات؛ فقد أوضح أنه يميل لرأي أقلية من الفقهاء(*) ترى أنه يمكن تطبيق الحجاب بدون تغطية الرأس، وخاصة في أمريكا وأوربا؛ حيث لا يمثل شعر المرأة إثارة للرجل!! وأضاف أنه يعتقد "أن غطاء الرأس يصبح ضروريًّا فقط عندما يؤدي كشفه إلى إحداث إثارة جنسية"! ما يؤخذ على هوفمان أنه يؤسس وجهة نظره على افتراض "شهوانية" الرجل الشرقي دون الرجل الغربي! في حين أن الإنسان هو الإنسان، وفلسفة التشريع الإسلامي قائمة على مراعاة الاحتياجات الإنسانية الأساسية التي تفرضها الحياة باستمرار مع التجاوز عن عنصري الزمان والمكان.
هذه الآراء رغم عدم استنادها إلى أي أساس شرعي (ديني)، ولجوئها إلى بعض التأويلات النصية الضعيفة، ومخالفتها لإجماع أئمة وفقهاء المسلمين (من كل الفرق: سنية وشيعية وإباضية عبر القرون وبمختلف الأمكنة)؛ فإنها تنبع من الرغبة في تحقيق مصالحة بين الإسلام وقيم الحداثة الغربية، وإيجاد مخرج يكفل للمسلمين (من أصل أوربي) التعايش مع مجتماعاتهم الجديدة، إلا أن تلك المصالحة وذلك التعايش يجب ألا يتم عبر تقديم تنازلات دينية للالتقاء مع الحضارة الغربية في منتصف الطريق، وإنما تتم المصالحة عبر الاعتراف بالخصوصية الدينية والثقافية والتسامح مع الآخر.
وعلى أي حال تُقابَل هذه الآراء بالإعراض والتجاهل من قبل الغالبية العظمى من مسلمي الغرب وبالازدراء من مسلمي الشرق؛ فالمسلمات يُقبلن على ارتداء الحجاب بشكل متزايد، رغم أن ارتداءه يسبب لهن بعض الصعوبات فيعرضهن للسخرية والتندر في أحوال كثيرة، ولكن في الوقت الذي يعبر فيه الحجاب عن التمسك بواجب ديني يعكس حجم الوجود الإسلامي داخل المجتمع الغربي، ويرمز للقيم الإسلامية الرافضة لاستخدام الجسد سلعة في سوق الشهوات، في عصر أصبحت فيه المرأة الأوربية عرضة للتسليع والتشييء على يد بيوت الأزياء الغربية.(38/186)
الشرق.. وعقلية التحجب
فالصورة في الشرق مختلفة عنها في الغرب؛ فالحجاب جزء من الهوية الثقافية، وسمة مميزة للشرق، وعقلية التحجب مكون أساسي من مكونات الشخصية الشرقية، ولا يمكن أن يجنح الخيال بإنسان فيرسم صورة للشرق من دون حجاب، كما أنه لا يخطر ببال المسلمة وهي ترتدي الحجاب تلك السخافات الغربية المتعلقة بالقهر، وبأنها مكرهة على ارتدائه (المثال الأفغاني بغض النظر عن شكله "الثقافي" لا يزال ماثلا في الأذهان)، وإنما يخطر ببالها أنه أداة شرعها الله للحفاظ على قدسية جسدها وخصوصيته، وأن غايته ضبط العلاقة بين الجنسين بالابتعاد بها عن عنصر الإثارة.
ووفقًا للتصور الإسلامي فإن للملابس فلسفة خاصة تستند إليها "فلسفة العفاف"، وغايتها ليست ستر البدن فقط، وهو ما عبرت عنه الآية الكريمة بقولها: "وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ" [الأعراف: 26]، وفي هذا الإطار لا يعد الحجاب زيا لطبقة خاصة، أو زي الفقر والعوز ترتديه من لا تستطيع مواجهة تكاليف عصر ما بعد الحداثة، أو زيا فولكلوريا تراثيًّا يحمل معنى التمسك بتقاليد بالية. بل هو زي عقائدي، يحمل قيمة دينية، ومظهرا لثقافة خاصة (يختلف شكل الحجاب بين الدول الإسلامية بحسب الثقافات، لكنه يتفق على "ستر" حدود ما يُعتبر عورة شرعًا)، والتمسك به يعني تمسكا بالتشريع الإلهي في مواجهة محاولات التشريع الوضعية من قبل حضارة تستهدف قولبة البشر، وإعادة صياغتهم وفق منظورها الحضاري الذي تراه المنظور الوحيد الجدير بالتعميم طوعًا لا كرهًا.
حجاب.. لا حَجب
وإذا كان الإسلام قد شرع الحجاب؛ فإنه لم يشرع الحَجب -بمعنى المنع- عن مخالطة الرجال وإبقاء المرأة حبيسة دارها، لا تغادرها، ولا تسهم في دائرة الحياة العامة؛ إذ لو كان الأمر كذلك فلمَ شُرع الحجاب؟ وقد ثبت في السنة الصحيحة أن النساء كن يحضرن إلى المسجد للصلاة، الذي ضم صفوف النساء كما ضم صفوف الرجال من دون حجاب حاجز، وكذلك جلست المرأة إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم متعلمة ومتحدثة ومقاتلة في الغزوات ومهاجرة بدينها إلى الحبشة، كما عرف عنها أيضا اشتغالها بأعمال الطب والتجارة والتعليم وغيرها من الأعمال التي أتيح لها الاضطلاع بها.
ورغم ذلك فقد شهد الإسلام في عصوره اللاحقة ممارسات تعد -بحق- ارتدادا عن تلك الممارسات التي شهدها عصر النبوة، وذلك بفعل التباس الثقافي بالديني، وتفشي الترف وكثرة الجواري، والاختلاط مع أجناس غير عربية، ومحاكاة نظمها الإدارية والاجتماعية؛ وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تهميش وتغييب المرأة، ودفعها للانزواء داخل بيتها وحصر كل اهتماماتها داخله، وتخليها عن أي اهتمامات أو أعمال يمكن أن تُمارس خارجه؛ وهو ما يعني أن التغيرات المجتمعية التي اعترت المجتمع الإسلامي هي التي أدت إلى تقسيم العمل على النحو الذي نعرفه (داخل البيت وخارجه)، وإلى إفراز تلك الصورة النمطية المختزلة عن المرأة، ولا يعني شيوع تلك الصورة وتاريخيتها أننا أمام تشريع إسلامي بل أمام ثقافات تتفق وتختلف مع التشريع.(38/187)
النسوية العلمانية.. وقهر الحجاب!
واتساقًا مع الرؤية الغربية يلقى الحجاب معارضة قوية من قبل غالبية النخب الثقافية والفكرية العربية؛ نظرا لأنها تدين بالفضل في تكونها الفكري والطبقي للثقافة الغربية، وتعد أطروحاتها بخصوص المرأة بوجه عام والحجاب بوجه خاص مجرد تكرار أجوف للطرح الغربي، ولا تحمل أي فكر جديد. ومن أبرز المعارضين تيار الحركة النسوية العلمانية الذي ينظر للحجاب باعتباره أداة من أدوات التمييز الاجتماعي ضد المرأة، ووسيلة من وسائل القهر.
على أنه ينبغي ألا يفهم من ذلك أنه يحث على التبرج والمبالغة في إظهار الزينة؛ فتلك دعوة يرفضها التيار النسوي؛ لأنها تختزل إنسانية المرأة في حدود جغرافية جسدها، وغاية ما يرمي إليه هو التقريب "الشكلي" بين الجنسين؛ لذا فغالبية النسويات يحرصن على تقصير شعورهن وارتداء ملابس شبيهة بملابس الرجال!
وخارج الدائرة النسوية يثير بعض العلمانيين من آن لآخر جدلا حول مشروعية الحجاب عبر التشكيك في تفسير آيات الحجاب الواردة في القرآن الكريم، وكان من المحاولات التي بُذلت في هذا الصدد محاولة المستشار سعيد العشماوي في كتابه "حقيقة الحجاب وحجية الحديث"، وإذا كانت هذه المحاولة قد تمسحت بالطابع العلمي؛ فإن غالبية المحاولات العلمانية قد حادت عنه؛ فقد كتب حسين أحمد أمين -دون أن يضحك مما كتبه-: أن الحجاب "جهاز واقٍ يحجب مرتديه عن العالم الخارجي، ويقيه من مؤثرات ضارة به تسببت من قبل في إحداث تهيج شديد عنه لم تكن له طاقة به، ففضل نوعا من الكبت والتحريم المفرطين على أن يعرض نفسه من جديد لهذه المؤثرات"!
هذه المحاولات التي قُصد بها التعرض للحجاب تجعلنا نعتقد -بحق- أن "مسألة الشرق" هي قبل كل شيء "مسألة الغرب"، وأن الأزمة المثارة حاليا في فرنسا لها بعض الظلال الشرقية، ولن يتم الخروج منها إلا باعتماد التسامح وقبول مبدأ التعددية الثقافية، بل واستحسانها أيضا، وفي هذا يقول "جوته": "التسامح خلق يجب أن نتخطاه ونتجاوزه؛ فهو يصل بنا إلى الاعتراف، أما مجرد التقبل فهو أمر مهين".
ـــــــــــــــــــ
قضايا المرأة.. من وطنية المنطلقات إلى عولمة الأجندات
أ.د. نادية محمود مصطفى
...
04/08/2003
قضية المرأة والنهوض بأوضاعها لا تنفصل عن البرامج التنموية التي يتم من خلالها تحويل تلك الغاية لواقع ملموس، ولا تنفصل عن التشريعات التي تتغير لتوافق ذلك.
وهناك العديد من العوامل التي تتداخل مع عملية التغيير ومسارها واتجاهها: فهناك مسألة التشريع والدور الذي تلعبه جماعات المصلحة التي تضغط لتغييره، وتشكيل النخب الفاعلة داخل هذه الجماعات (والنخب والجماعات البديلة المحجوبة)، وهناك المصالح الخارجية والاتفاقات الدولية التي تفرض إعادة تشكيل القوانين الوطنية وما يتداخل معها من عملية التفاوض التي تتم عبر الأجهزة الرسمية من أجل المشاركة(38/188)
في صياغة المواثيق الدولية حال صناعتها، وهناك دور المجتمع المدني الأجنبي في دعم توجهات بعينها وبناء شبكات تحالفات دولية في ساحات المجتمع المدني العالمي، وغيرها من هموم صياغة الأنساق الاجتماعية والقانونية، المحلية والدولية.
القضية -بحق- أكبر من حدود مقال أو دراسة، بيد أن إثارة قضية التمويل الأجنبي للبرامج التنموية التي تعيد تشكيل الواقع على أرضية حياة الناس اليومية تستحق تحليلا أوليًا نجتهد في تلمس أبعاده.
ولعل أهم هذه الأبعاد تشابكات السياق العالمي والوطني الذي أفرز قضية التمويل الأجنبي في مجال قضايا المرأة، وعواقب هذا التمويل ودلالاته، وأبعاد المقارنة بين النموذج التغريبي الذي يحمله التمويل الأجنبي معه ويسعى لفرضه وبين النموذج الحضاري الإسلامي الذي ينبع من واقعنا ورؤيتنا الوجودية، والذي قلما يجد من يدعمه ماليًا، وإذا وجد فما تلبث حسابات التنافس السياسي والتحزب أن تُحجِّم دوره لتلقي السياسة بظلالها على الاجتماع الإنساني، ويصبح التساؤل: ما هي البدائل اللازم توفيرها لتقليص الاعتماد على التمويل الأجنبي وتحقيق تنمية مستديمة ووطنية، وأفق ذلك على أية حال في ظل تضاؤل الهامش الديمقراطي الراهن الذي هو شرط أي مشروع نهضوي مستقل؟.
التمويل وسياسات العولمة
ليس جديدًا القول بأن السياق الذي أفرز التمويل الأجنبي في مجال المرأة هو سياق العولمة، فنحن في مرحلة عولمة قضية المرأة منذ الربع الأخير من القرن العشرين، وذلك بعد أن شهدت القضية -منذ نهاية القرن الـ 19 وبداية القرن الـ 20- مرحلة عصر التحديث ثم عصر ما بعد الاستقلال الوطني، وأثرت طبيعة كل مرحلة على تنوع وتطور خطابات وأفكار تحرير المرأة، وعلى درجة التدخل الخارجي وشكل العلاقة بين الاتجاهات والقوى الاجتماعية والثقافية في عالمنا العربي والإسلامي، ثم صار لمرحلة العولمة أيضًا خطابها، وبرز التأثير الخارجي على قضية المرأة في ظل العولمة، فلقد كان اختراقًا من قبل الكتلة الرأسمالية العالمية التي قادتها الأمم المتحدة، والتي أرادت أن تقنن مذهبها لتلتزم به دول العالم فيما يتصل بتغيير أوضاع المرأة لتتوافق مع احتياجات السوق العالمية، وما ينشده من تفكيك للقيم وللوحدات الاجتماعية التي تدعم الفرد كي يقف وحيدًا أمام السوق، بل ولتصبح المرأة ذاتها سلعة في كثير من قطاعات هذه السوق الخدمية.
ولم يكن التمويل الأجنبي إلا إحدى أهم آليات وسبل هذا الاختراق الخارجي المقنن تحت راية الشرعية الدولية لإعادة رسم خرائط المجتمعات في شتى أنحاء العالم، بما استنفر قوى مناهضة العولمة سواء أستندت لأفكار أيدلوجية أم دينية أم قومية؟.
ولقد تعددت الأجهزة والمؤسسات والوكالات الدولية المانحة المرتبطة بسياسات الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، وبالمنظمات الإقليمية المتعاونة معها. وكان مجال عملها في هذه الحالة هو الثقافة والمجتمع من خلال مدخل المرأة و"جندرة" أجندتها إعلاءً للفردية وللسوق الرأسمالية على ما عداه من معايير التحرر. وفي المقابل، لم تعدم الساحة الوطنية - ظهور مراكز قوى ثقافية واجتماعية راغبة وقادرة على التعاون والتمرير لتلك الأجندات ودعمها والترويج لها، ناهيك عن الحكومات(38/189)
ذاتها التي تسعى لتأكيد اندماجها في النظام العالمي، من خلال قبول سياساته العولمية، سواء في التجارة أو حقوق الإنسان أو المرأة. وبذا، لحق بمجموعة مراكز القوى الاقتصادية والمالية التي ارتبطت بالنظام الرأسمالي العالمي منذ موجة سياسات الانفتاح والتحرير والليبرالية التي اجتاحت العالم الثالث منذ أواسط السبعينيات، لحق بها معها مجموعة أخرى من مراكز القوى الثقافية والاجتماعية التي تتحالف بدورها مع مؤسسات دولية تضع وتطبق برامج وسياسات دولية خاصة بتغير أوضاع المرأة.
ويتجلى عبر فهم وتحليل هذا الوضع أكثر من دلالة ومغزى وعاقبة.
فالدلالة المعنوية والرمزية لما يتم تشير إلى العجز؛ حيث إنه ليس بمقدورنا أن نغير أوضاعنا الداخلية بدون مساعدة من الخارج، كما يظل لهذا التدخل الخارجي من خلال التمويل الأجنبي آثار أخرى متعددة الجوانب تتلخص وتتمحور في خيط أساسي وهو انطلاق البرامج والسياسات الممولة من الخارج، وتأسيسها على مرجعية وأجندة غربية تربط التنمية والتحديث بالاقتراب من الثقافة والنموذج المادي العلماني الحداثي الغربي والمنظومة المعرفية السائلة للنظام العولمي.
كيف؟
ببساطة نجد أهم خصائص النموذج الغربي الخاص بالمرأة في المظاهر التالية للخطاب النسوي الصاعد:
- الوضعية الفلسفية (فصل الدين عن المجال العام برمته)، تقديم المادي والاقتصادي والفرداني (ونقض المعنوي والقيمي والجمعي).
- الاختزالية الجزئية (الاقتطاع من السياق العمراني الحضاري وعدم اعتبار المرأة ظاهرة اجتماعية إنسانية مركبة).
- العولمة على المثال الغربي (بعيدًا عن خصائص البيئة والتقاليد الثقافية والاجتماعية)... وهذه الخصائص يعبر عنها مضمون مفهومي الحرية والمساواة في تعريف التجربة الغربية.
فعلى سبيل المثال وليس الحصر يمكن تفكيك الخصائص السابقة في التعبيرات التالية التي يعرفها الخطاب العولمي عن المرأة:
- النظر إلى الدين كمعوق لنمو المرأة، فالحجاب بالضرورة تهميش وعزل.
- الفردية المطلقة والحرية الكاملة ورفض توصيف المرأة بنسبةً كونها أمًّا أو زوجةً أو أختًا أو ابنة.
- الحط من دور المرأة في الأسرة أو في "النشاط بدون مقابل مادي نقدي"؛ حيث أضحى العمل خارج المنزل وبأجر هو أساس تأكيد الاستقلالية وأساس المكانة؛ لأن الأبعاد المادية الاستهلاكية هي معيار الفاعلية والإنجاز، ذلك في ظل النسبية المفرطة تجاه القيم الأخلاقية والمعنوية، والوفاء بمسئولياتها عنف وانتهاك ومصادرة لـ"إنسانيتها" التي صارت أسطورة فردانية من غير المقبول مراجعتها.
- ومن ثم أيضًا وفي مقابل الاهتمام بالحلول القانونية لمشاكل المرأة، مثل حق الطلاق والخلع (مع اجتزائهما من الشريعة دون تطبيق أو تفعيل باقي النسق القيمي التي تنبني عليه)، فلا تؤخذ في الاعتبار عواقب الأزمات العائلية التي تتنامى في ظل(38/190)
عمليات التحديث المتسارعة على تماسك المجتمع، بل وتنامي معدلات الانحراف والعنف المجتمعي، كما لا تؤخذ في الاعتبار المسئولية المجتمعية والأسرية المحيطة بعقود الزواج؛ حيث تزايدت الاتجاهات نحو العقود المدنية التي تعكس فقدان الثقة وتراجع الجانب العاطفي المعنوي والأسري أمام الجوانب المادية والطابع الثنائي الضيق.
- المعنى الشكلي لشعار المساواة في المجتمعات الفقيرة، فكيف يمكن أن تتحقق المساواة ومع مَنْ في ظل التخلف وتدهور مستوى الحياة؟
- وبالمثل فإن المشاركة السياسية محل الاهتمام ليست إلا مفهومًا ضيقًا محدودًا، يقصر المشاركة المطلوبة للمرأة على حق الترشيح والانتحاب وتولي المناصب العليا، في حين أن مجتمعاتنا تعاني من أزمة مشاركة سياسية ليست قاصرة على المرأة، ولكن يعاني منها الرجل أيضًا وبالأساس. هذا فضلا عن أن المشاركة يمكن أن تتخذ معنى أكثر اتساعًا يمتد إلى المشاركة في المجتمع المدني والمجال العام بكل مساحاته، وليس في النظام الرسمي فقط.
- ظهور مفاهيم وخطابات جديدة مراوغة ولزجة لم يكن يعرفها الخطاب العربي والإسلامي، مثل الحقوق الإنجابية، الثقافة الجنسية، يتم كشف مغزاها رويدًا رويدًا لتعني حرية الجنس والجسد، ليس فقط للمرأة داخل الأسرة بل للمرأة كفرد، بل للمراهقين أيضًا.
وفضلا عن التعبيرات السابقة للخطاب العلماني وحركته التي تحيط ببرامج التمويل الأجنبي، والتي تعكس خصائص نموذجه المعرفي والقيمي، فإن خبرة هذا القطاع من المجتمع المدني، إنما تقدم دلالات ذات أبعاد سياسية أيضًا، فتشير هذه الأبعاد إلى قدر التحيز وعدم الديمقراطية التي صارت عليها ممارسات المجتمع المدني، وذلك في نفس الوقت الذي من المفترض فيه أن يكون هذا المجتمع المدني من دعائم التحول الديمقراطي المأمول في مجتمعاتنا. بعبارة أخرى فإن التفاعلات حول قضية المرأة وما تظهره من استقطاب حاد بين الاتجاهات والقوى المتنوعة تمثل ساحة هامة لبيان قدر تأثير السياسة على تجربة المجتمع المدني والمفهوم المنقوص عن التحول الديمقراطي والمجتمع المدني؛ حيث يظهر جليا التحيز الذي تعاني منه بعض القوى والاتجاهات، وهو الأمر الذي يمثل في حد ذاته البوصلة التي يتحرك بموجبها التمويل الأجنبي: فلمن يذهب؟ وعمن يعرض ويتحول؟
من ناحية: في مقابل علو الصوت الراديكالي النسوي الذي يلقى المساندة من الحكومات ومن المؤسسات الدولية، يغيب خطاب إسلامي فاعل لانشغاله بالدفاع ضد ما يتعرض له من انتهاكات حقوق الإنسان ولانشغاله بالبحث عن مصادر التمويل اللازمة.
ومن ناحية أخرى: وفي حين يتدعم التحالف بين الرافد النسوي العلماني وبين الحكومات، يظل القطاع المدني من التيار الإسلامي محرومًا من الدعم نظرًا لربطه من قبل النظم الحاكمة بل وأجهزتها الأمنية مع المعارضة السياسية "المحجوبة عن الشرعية" والمتهمة بالعداء للغرب. فعلى سبيل المثال رفض صندوق مؤتمر بكين تمويل جمعيات إسلامية أرادت المشاركة في المؤتمر، ولم يتوافر لها الموارد التي(38/191)
توافرت للدوائر "النسوية"، وكلما تزايد الهجوم على الحركات الإسلامية وحظرها بصفة عامة قلت قدرة القطاع المدني من التيار الإسلامي على المشاركة. ومن ثم تظل الساحة مفتوحة أمام "النسويات" فقط اللاتي يتصدّرن المواقع، ويشاركن في المؤتمرات الدولية بلا منافس، باعتبارهن المدافعات بمفردهن عن حقوق المرأة في مواجهة "التيارات الظلامية"، ونظرًا لهجومهن الشديد على موقف الإسلاميين من المرأة تتم مكافأتهن بالمناصب السياسية وشبه الرسمية.
وفي المقابل، يتبلور ويتنامى -ولكن بهدوء وبعيدًا عن الأضواء والاهتمام- دور نشط لسيدات مسلمات نشطن على صعيد العمل الأهلي في مجال دعم المرأة وفقًا لمنظور حضاري إسلامي، هو دور لا يرى الحجاب رمزًا للضغط أو القهر أو العزلة أو التهميش، ولكن يمثل وسيلة للتمكين ولحرية الحركة ولتوسيع دائرة النشاط؛ لأن الإسلام في نظرهن إنما يؤكد تحرير المرأة وفعاليتها، كما أن الإسلام بأحكامه وقيمه وسننه وخبرات تاريخه إنما يقدم لهن نموذجًا معرفيًا وإطارًا مرجعيًا ينطلقن منه ويتبنين وفقًا له منظورا حضاريا إسلاميا.
وتتلخص أسس هذا المنظور فيما يلي:
*
الوعي بالمرجعية الإسلامية وخصوصيتها من حيث الثابت ومن حيث المتغير.
*
الهوية، والوعي بالذات المرتبط بالأمة دون انفصال عنها.
*
الانفتاح على التفاعل مع الخصوصيات الأخرى دون الاستلاب أو التبعية من ناحية وفي ظل استمرار التواصل مع التراث دون تقليد أعمى أو جمود أو ضغوط.
*
الجماعية كإطار لتوظيف الإبداعات الفردية والذاتية دون إفراط في الحرية الفردية ودون انسحاق في الجماعة.
*
الوسطية بين الإنتاجية المادية وبين القيمة المعنوية الأخلاقية.
وعلى ضوء هذه الخصائص للأصوات الإسلامية النسائية الصاعدة يمكننا:
أولا: أن نستقرئ 4 مستويات مترابطة وفق منظومة من القيم تعرف وتحدد وضع المرأة ككيان إنساني واجتماعي في علاقة حميمة مع: الأمة والمجتمع والأسرة ومع الآخر، تنفي هذه العلاقة المفهومَ التجزيئي الانسلاخي عند تشخيص مشاكل المرأة وتحديد سبل العلاج.
ثانيًا: تعكس هذه الخصائص وتستبطن قيم العدل، والحق المقترن بالواجب، أكثر مما تستبطن مفهومي الحرية والمساواة.
ثالثًا: تقود هذه الخصائص إلى مقاصد الشريعة النابعة من الإطار المرجعي التوحيدي.
رابعًا: يتبلور كل ما سبق في الرؤية الإسلامية التجديدية عن الحجاب، التعليم، المشاركة السياسية، العمل المهني، الأحوال الشخصية، الحرية الشخصية. ففضلا(38/192)
عن الجدال بين المنظور النسوي العلماني والمنظور الإسلامي حول هذه القضايا، وهو الجدال الذي يعكس اختلاف الأطر المرجعية ومنظومة القيم، فإن روافد التيار الإسلامي لا تتطابق في اجتهاداتها حول وضع المرأة. وهو الأمر الذي يستغله التيار العلماني ليضيفه إلى هجومه على مواقف الإسلاميين من المرأة رغم انقسامه هو ذاته بين مدارس أيدلوجية وأجنحة شتى متنازعة ومتنافسة.
إن الجمعيات أو المراكز التي تحمل بذور وثمرات فكر هذا المنظور الحضاري الإسلامي تقوم بدورها على ساحة المرأة دون تمويل أجنبي من المؤسسات الدولية، ودون دعم أو مساندة رسمية وطنية تداني ما تلقاه نظائرها "العلمانية"، ودون أن تقدر على التأثير إلا بصعوبة شديدة، وفي أضيق الحدود (كما حاولت في مؤتمرات القاهرة وبكين وبكين+5)، ودون أن تقدر على الائتلاف والتجمع خوفًا من الاتهامات السياسية، ودون أن تتوافر لها الخطط والكوادر والموارد اللازمة لتفعيل دورها، ودون أن تسلط عليها الأضواء الإعلامية.
من نماذج الريادة للمرأة المسلمة: د. زهيرة عابدين
في مايو 2002 فقد أطباء مصر أمهم الفخرية: أ.د. زهيرة عابدين أم الأطباء والرائدة في مجال العمل الطبي الأهلي والخيري التطوعي في مصر والعالم العربي والإسلامي.
- كانت العالمة المتخصصة البارزة "ذات الحجاب" منذ وقت مبكر لم يكن قد شاع فيه الحجاب بعدُ كما حدث منذ الثمانينيات.
- كانت العالمة التي امتد علمها إلى نطاق عملها الأهلي التطوعي، فحققت الجمع بين قيمتين عظيمتين: العمل الأكاديمي والعمل الأهلي.
- كانت المصرية الوطنية الصادقة دون أن تفقد الصلة مع الأمة، فلقد كان همُّ المسلمين في كل مكان شاغلها الأساسي، بقدر ما كان يشغلها همُّ المصريين.
- كانت المحافظة على تقاليد ثقافتها بقدر انفتاحها على أرجاء العالم، حيث ذهبت هنا وهناك مكرمّة أحيانًا، وخادمة للهدف الإنساني أحيانًا كثيرة.
- كانت الأمَّ لأبنائها وبناتها.. وكانت الأم والمقصد لكل الساعين لتجميع الجهود في مجال العمل الإسلامي المتنوع.
- كانت الإنسانة الداعمة لأعمال الخير التي تلبي الاحتياجات الأساسية للفقراء، وكانت المربية الواعية لأهمية العقل والفكر أيضًا، فكانت المدارس الإسلامية إلى جانب الملاجئ والمستشفيات والمشاغل ثمرةَ سعيها.
- كانت الناشطة في تعبئة الموارد الوطنية والعربية والإسلامية اللازمة لأعمال الخير والفكر والعلم، وكانت الواقفة أموالها لهذه الأعمال داخل وخارج مصر.
- كانت كل هذا، ولم تكن تحت الأضواء التي سلطت على من هن أقل علمًا وفكرًا وحسًا ووطنية وإخلاصًا.
إنها خبرة النموذج الذي نحتته "أم الأطباء" بجدارة وإخلاص في مجال العمل الأهلي.(38/193)