عقولنا؟ وحين أدعو الله أن يعطيني اليقين ولا يجعلني من الضالين، كيف لي أن أعرف أنَّ ما أشعر به قد يكون هو اليقين؟ ... السؤال
الأستاذ فتحي عبد الستار ... المستشار
... ... الرد ...
...
... الأخت الفاضلة نسرين،
مرحباً بك ضَيفةً عزيزةً على صفحتنا، وندعو الله عزَّ وجلَّ أن يديم عليك التزامك وعلاقتك الجيِّدة به سبحانه وتعالى.
بدايةً، أريد أن أتَّفق معك على أمرين:
أوَّلا: مقولة (قلب المؤمن دليله) ليست بحديثٍ نبويّ، وإنَّما هي تجري مجرى الأمثال، وهي تُفهم عند الناس على عِدَّة معان، بعضها صحيحٌ والآخر سقيم، وسأناقش معك تلك المعاني بعد قليل.
غير أنَّ علماء النفس قد أطلقوا على هذه الظاهرة اسم (الحدْس)، وعرَّفوه بأنَّه: معرفة الإنسان لشيءٍ دون أن يعرف كيف عرفه، والواقع أنَّ الحدس أو الإلهام القلبيَّ لا ينشأ من العدم، وإنَّما يحدث نتيجة استخدام المعارف والخبرات السابقة وتجميعها.
ثانيا: إنَّ القلب الذي نُعَرِّفه اليوم بأنَّه عضوٌ في الجهة اليسرى من الصدر، ووظيفته ضخُّ الدم إلى جميع أجزاء الجسم، هو معنى جديدٌ مبنيٌّ على علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء التي ارتكز عليها علم الطبِّ الحديث، أمَّا القدامى فإنَّهم كانوا يعتقدون أنَّ القلب منبع الروح وموطن العقل.
ففي اللغة: قلبُ الشيء هو وسطه ولُبُّه و خالصه، وكلمة القلب مُشتَقَّةٌ من (قَلَبَ) أي حوَّل الشيء عن وجهه، فهو منقلب ومتقلِّب، وسُمِّي القلب قلباً لتقلُّبه من ظرفٍ إلى آخر، بين سعادةٍ وحزن، وإيمانٍ وشكّ.
وقد استعمل العرب القدامى كلمة العقل للدلالة على القلب؛ لأنَّهم كانوا يعتقدون أنَّ القلب هو مركز العقل، وبهذا كانت كلمة العقل مرادفة لكلمة القلب.
وقد فصَّلنا الكلام في موضوع الفارق بين العقل والقلب، ومَن منهما المُدْرِك في استشارةٍ سابقةٍ نرجو منك الرجوع إليها، وعنوانها:
القلب والعقل: مَن منهما المدرِك؟
أعود بعد ذلك لتناول أسئلتك، وهي كلُّها تدور حول محورٍ واحد، نحاول تناوله في السطور التالية:
قلنا سابقا: إنَّ عبارة (قلب المؤمن دليله) تُفهَم عند الناس على عِدَّة معان، بعضها صحيحٌ والآخر سقيم.
ومن الأفهام السقيمة والمغلوطة لهذه العبارة: أن يعتمد الإنسان على ما يُقذَف في روعه من أفكارٍ وتصوُّراتٍ دون أن تكون مبنيَّةً على أمورٍ منطقيَّة، ويتصرَّف في أمور حياته، ويأخذ بناءً عليها قرارات، ويخطو خطوات.
أمَّا المعنى الصحيح الذي يجب أن تُفهَم عليه، فهو أنَّ قلب المؤمِن الحقّ -وأضع خطوطاً عديدةً تحت عبارة (المؤمن الحقّ)- يدلُّه على الخير والشرّ، والصواب والخطأ، فيجعله يُقبِل على كلِّ ما هُو حَسَن، ويبتعد عن كلِّ ما هو قبيح.(33/1447)
وتفسير ذلك أنَّ قلب المؤمن يكون مُعلَّقاً بالله عزَّ وجلّ، فهو في معيَّته سبحانه وتعالى وفي رحابه، يهتدي بهدى الله، ويسير بنور الله، مصداقاً لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم حكايةً عن ربِّه عزَّ وجلّ: "وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبُّ إليَّ ممَّا افترضتُّه عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، وإن استعاذني لأعيذنَّه"رواه البخاري.
وعن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "جئت تسأل عن البِرِّ؟" قلت: نعم. فقال: "استفتِ قلبك، البرُّ ما اطمأنَّت إليه النفس، واطمأنَّ إليه القلب. والإثم ما حاك في النفس، وتردَّد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك"رواه الإمام أحمد في مسنده بسندٍ حسن.
لذا فالقلب الذي يكون دليلاً لصاحبه هو قلبُ مَن مثل وابصة في إيمانه وتقواه لله عزَّ وجلّ.
من هذا نعلم أنَّ ليس كلُّ ما نشعر به في قلوبنا يكون صحيحاً إلا إذا شفت تلك القلوب وطهرت وصحَّت.
ولكن ما صفات قلب المؤمن الذي يكون بحقٍّ دليله؟
إنَّ قلب المؤمن هو الذي يتلقَّى أوامر الله بمنتهى التسليم والرضا، ويسير بالجسم على حسب أوامر الله بكامل القوَّة والحيويَّة والجديَّة، يقول الله عزَّ وجلّ: "يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، إلا مَن أتى الله بقلبٍ سليم"، وفي الحديث: "ألا إنَّ في الجسد مُضغة، إذا صلحت صلح الجسد كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب"متَّفقٌ عليه.
ومن هنا يتبيَّن أنَّ القلب هو مناط نظر الله، وأنَّ من أصلح قلبه في الدنيا هو الذي سيفوز في الآخرة، فكلُّ أمرٍ أو تكليفٍ من قِبَل الله عزَّ وجلَّ للإنسان إنَّما هو غذاءٌ ودواءٌ للقلب، وبإهمال أيِّ تكليفٍ فإنَّه بذلك يكون هناك نقصٌ في سلامة القلب.
ويقول العلماء: لا يصل القلب إلى أن يكون مؤمناً خالص الإيمان إلاَّ إذا وصل إلى معرفة الله معرفةً صافية، والإنسان بقدر معرفته بالله يزداد خضوعاً لأحكامه، وتطبيقاً لها، والتزاماً بها، وأخذاً بقوَّةٍ لها.
وينبغي لنا هنا من وقفة، فكثيرٌ من الملتزمين يكرِّسون جهدهم في الإكثار من العبادات دون الالتفات لتحصيل القلب، أو ينشغلون بالدعوة كذلك دون الالتفات لتحصيل القلب، بينما نجد الصحب الكرام يعلِّموننا الحقيقة قائلين: "كنا نؤتَى الإيمان قبل أن نؤتَى القرآن".
إنَّ غاية القلب التي تصل به إلى السلامة هي التعرُّف على الربّ، وهي ليست معرفة كتب العقيدة التي تملأ المكتبات الآن، والتي شُغِل بعضها بعلم الكلام دون أن يصبَّ تركيزه على حياة القلب بهذه العقيدة، فهي ليست معرفة العقل بوجود الإله، ولكن بأن يعرف قلبك الإله صفةً تِلْوَ صفة، فيحبُّه قلبك، ويخاف منه، وحينها يستسلم للتكاليف استسلام المحبِّ تارة، واستسلام الخائف تارة، وحينها فقط يكون القلب هو القلب السليم، الذي عرف الله وامتثل لتكاليفه، ولكنَّنا اليوم قد نجد من يؤدُّون التكاليف إمَّا لأنَّهم يجب عليهم أن يؤدُّوها، أو من باب أنَّهم اعتادوا ذلك، ولكن القليل هم الذين يؤدُّون العبادة؛ لأنَّها طريقهم إلى القلب السليم، ولأنَّها الطريق لمعرفة الله.(33/1448)
إنَّنا كثيراً ما نتحدَّث عن إقدام الصحابة، وتضحيات الصحابة، وأفعال الصحابة، ولكنَّنا ننسى تلك القلوب التي كانت سبباً في هذا كلِّه، وما قصة "يا سارية الجبل" عنَّا ببعيد، فالفاروق عمر رضي الله عنه لم يكن في المعركة، إلا أنَّ الله يريه موضع سارية، فيحذِّره، فيسمع سارية صوته وهو في ساحة القتال، سبحان الله، قائد المعركة لم يتنبه لذلك، وتنبَّه للجبل مَن لا يرى الساحة التي تُدار فيها المعركة، ولا شكَّ أنَّ سارية أيضاً سليم القلب، حيث يصله صوت عمر رضي الله عنه.
والقلب إذا صفا سما بصاحبه، فإذا به يستعذب القرآن، ويستمتع بالعبادة، ويتلذَّذ بالطاعة، ويكون الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سواهما، أمَّا إذا ارتكس حتى يكون كالكوز مُجَخِّياً فإنَّه آنذاك لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أُشرِب من هواه، وهو حينئذٍ يهوي بصاحبه، فلا يستعذب طاعة، ولا يعرف للخشوع معنى، ولا يتلذَّذ بصلاةٍ ولا قرآن، وما لم تتدارك رحمة الله صاحبه يهلك.
وقد ذكر الإمام ابن القيِّم رحمه الله علاماتٍ لصحَّة القلب، منها: أنَّه يدفع صاحبه للتوبة والإنابة، ولا يفتر عن ذكر ربِّه، ولا يفتر عن عبادته، وإذا فاتته عبادة، وجد ألماً أشدَّ من فوات ماله، وأنَّه يجد لذةً في العبادة أشدَّ من لذة الطعام والشراب، وأنَّه إذا دخل في الصلاة ذهب همُّه وغمُّه في الدنيا.
وذكر أيضاً علاماتٍ لمرض القلب وخبثه، وعدم صلاحيَّته للاحتكام إليه، منها: أنَّه لا تؤلمه الذنوب والمنكرات، وأنَّه يجد لذةً في المعصية وراحةً بعدها، وأن يقدِّم الأدنى على الأعلى، فيهتمَّ بتوافه الأمور على حساب شؤون الأُمَّة، وأنَّه يكره الحقَّ ويضيق صدره به، والوحشة مع الصالحين والأُنس بالعصاة، والخوف من غير الله، وأنَّه لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً ولا يتأثَّر بموعظة.
وبهذه المقاييس نستطيع أن نقيس مدى صفاء قلوبنا وشفافيتها، وصلاحيَّتها لننظر من خلالها للأمور، أيِّ أمور.
ومن وسائل إصلاح القلوب السقيمة والوصول بها إلى الشفافية والصحة: التوبة النصوح، وقراءة القرآن بتفكُّر، وذكر الله تعالى، والصيام، وقيام الليل.
وقد سنَّ لنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم وسيلةً جيِّدةً لتحقيق إشارات القلب وإلهاماته، وذلك بصلاة الاستخارة ودعائها، ويمكنك معرفتها تفصيلاً في الفتوى التالية:
ما هي صلاة الاستخارة وعدد ركعاتِها والدُّعاء الخاص بها؟
ومن خلالها تجدين إجابة سؤالك: كيف لي أن أعرف أنَّ ما أشعر به قد يكون هو اليقين؟ حيث تجدين بعد الاستخارة الاطمئنان والسكينة اللذين يقذفهما المولى عزَّ وجلَّ في قلب المؤمن ليرضيه بقضائه أيًّا كان.
وأخيرا، أدعو الله عز وجل أن يطهِّر قلوبنا، وأن يصلح أعمالها، وأن يلهمنا الصواب والحكمة، وأن يملأ قلوبنا بنوره، ويبصِّرها بالحقِّ والخير، حتى تصير كما قال الشاعر:
قلوب العارفين لها عيونٌ....... ترى ما لا يُرَى للناظرينا
وأجنحةٌ تطير بغير ريشٍ....... إلى ملكوت ربِّ العالمينا
-ـــــــــــــــــــ
إهمال التربية الإيمانية: آفة الآفات ... العنوان(33/1449)
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد، السلام عليكم، ظاهرةٌ يمُّر بها جيلنا، قد لاحظتها أنا وكثيرٌ من إخواني، ولسنا على المستوى الذي يرقى إلى إيجاد حلٍّ لها، وليس لها إلا العلماء في هذا الشأن. أمَّا عن هذه الظاهرة فهي: اعتماد بعض الإخوة على الجانب الإداريِّ الحركيِّ في الدعوة وإهمال الجانب الإيمانيّ، والذي يعتمد على منهجٍ علميٍّ مُعيَّن، الذي بدوره يؤسِّس الداعيَّة الإسلاميّ، بالرغم من أنَّ تأسيس الفرد المسلم كما نعلم يعتمد على ثلاثة جوانب مترابطة: (الحياة الربَّانيَّة - الأخوَّة - العمل الدعويّ)، ونحن الآن لا نجد إلا الثالث، والذي هو إلى زوال. أفيدونا أفادكم الله، و جزاكم الله خيرا. ... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الدكتور فتحي يكن:
أخي الكريم محمد حفظك الله،
لا شكَّ أنَّ المنهج التربويَّ الإسلاميَّ السليم والصحيح هو الذي يجمع –بتكاملٍ وتوازن– جوانب التربية كلَّها: الإيمانيَّة والعباديَّة والدعويَّة والإداريَّة والرياضيَّة وغيرها، وكلُّ منهجٍ يجنح إلى جزئيَّةٍ أو يوغل في جانبٍ أو يهمله، يتسبَّب في تشوُّهٍ ما في تكوين الشخصيَّة المسلمة.
ولا أكون مبالغاً إذا قلت أنَّ معظم المشكلات والآفات والظواهر المرضيَّة الطافية على سطح الساحة الإسلاميَّة يعود سببها إلى مناهج التربية ومحاضنها، سواءً منها الأهليَّة أو الرسميَّة.
إنَّما هذا لا يعني خلوَّ الساحة من مناهج تربويَّةٍ متكاملةٍ ومتوازنة، وعلى مستوى الإسلام ومستوى العصر، فهنالك مناهج قُطريَّة، وأخرى إقليميَّةٌ ودُوليَّة، تتوفَّر فيها الصفات والمواصفات التي ذكرنا، بل إنَّ هنالك مناهج أصيلةً خضعت لتجارب وتعديلاتٍ على مدى عشرات السنوات، فباتت ثابتةً راسخةً تؤتي أُكُلها كلَّ حينٍ بإذن ربِّها.
بين يديَّ الآن منهجٌ تربويٌّ يقع في ستة أجزاء، عنوانه "زاد الأخيار" وضعته "اللجنة العلميَّة في مؤسَّسة الأخيار في الكويت"، هو بحقٍّ نتاج جهدٍ مبرورٍ ومأجورٍ إن شاء الله، ويمكن أن يُعتَمد من أيِّ فريق، وفي كلِّ مكان.
وبحسب علمي، فإنَّ هنالك الكثير من أمثال هذه المناهج موجودةٌ ومتوفِّرةٌ في كلِّ قطرٍ من أقطار العالم الإسلاميَّ، ولا يلزمنا إلا أن نبحث عنها ونسأل، ويمكن أن تجد ضالَّتك من خلال أحد العاملين في موقع "إسلام أون لاين".
لديَّ كتابان بهذا الشأن، هما "ماذا يعني انتمائي للإسلام؟" و"كيف ندعو إلى الإسلام؟"، كما أنَّ المكتبة الإسلاميَّة تذخر بعددٍ وافرٍ من الكتب التي يمكن اعتمادها كمناهج تربويَّةٍ متميِّزة، من ذلك:
1- "ثقافة الداعية"، "جيل النصر المنشود"، "التربية الإسلاميَّة ومدرسة حسن البنَّا" للدكتور يوسف القرضاوي.
2- "شخصيَّة المسلم" للدكتور محمَّد علي الهاشميّ – إصدار دار البشائر الإسلاميَّة.(33/1450)
3- كتاب "جند الله ثقافةً وأخلاقا" للشيخ سعيد حوَّى رحمه الله.
أخي الكريم،
إنَّه لابد من الاستفادة من تجارب الآخرين، وهنالك الكثير من هؤلاء في كلِّ مكانٍ والحمد لله، وبخاصَّةٍ في بلدكم مصر، وإنَّني من قبيل الوفاء لأصحاب الفضل أقول بأنَّني-شخصيّا– أخذت الكثير والكثير ممَّن سبقوني في الإسلام والعمل له من دعاة وعلماء أرض الكنانة و"أمِّ الدنيا"، أذكر منهم على وجه الخصوص: الإمام الشهيد حسن البنَّا، الشهيد سيِّد قطب، المرحوم الشيخ محمد الغزاليّ، المرحوم الأستاذ عبد القادر عودة، الأستاذ محمد قطب، المرحوم الشيخ سيِّد سابق، المرحوم الشيخ محمِّد أبو زهرة، وعشراتٍ غيرهم.. جزاهم الله عن الإسلام كلَّ خير.
ويضيف الدكتور كمال المصري :
جزى الله أستاذنا الدكتور فتحي يكن كلَّ خير، فأنا من قبيل الوفاء لأصحاب الفضل أقول بأنَّني –شخصيّا- وكثيرٌ مثلي قد أخذوا الكثير من الداعية الكبير فتحي يكن، وقد نشأنا وتربَّينا على كتبه وكتاباته، أطال الله في عمره، وزاد المسلمين نفعاً بعلمه.
وأستاذنا الدكتور فتحي يكن أشار حين أشار إلى نشدان الضالَّة في موقعنا إلى الاستشارات التالية:
- منهجٌ في الدعوة والثقافة
- كتبٌ في الثقافة والدعوة
- كتبٌ في فقه الدعوة.. القراءة كنزٌ لا يفنى
- محبُّ القصص.. يطلب أشرطة
وأضيف إلى ما سبق كتاباً قيِّماً لأستاذنا الدكتور عمر سليمان الأشقر عنوانه: "نحو ثقافةٍ إسلاميَّةٍ أصيلة".
بارك الله فيك يا أخي محمَّد.. ونفع بك...
ـــــــــــــــــــ
الدين والفلسفة.. وحب الله للعبد ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاكم الله كلَّ الخير على هذا الموقع المميَّز. عندي استفساران: أوَّلا: أريد أن أعلم العلاقة بين الدين والفلسفة والفرق بينهما. ثانيا: أريد معرفة حبِّ الله للعبد، وآياتٍ تدعم هذا الحبَّ في القرآن الكريم، أي صلة الله بالعبد. وأخيراً أتمنَّى أن تضعوا لي المواقع أو الصفحات التي تتكلَّم عن الموضوع الأوَّل والثاني. وشكراً جزيلا. ... السؤال
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أختي الكريمة ياسمين،
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
وشكراً على كلماتك الطيِّبة.(33/1451)
سؤالك الأوَّل حول علاقة الدين بالفلسفة أجاب عنه أستاذنا الشيخ فيصل مولوي في الفتوى التالية:
علاقة الفلسفة بالدين
ويهمُّني أن أنقل خلاصةً خلص إليها الشيخ فيصل في علاقة الفلسفة بالدين، حيث قال أكرمه الله تعالى: "ويمكن استعمال الفلسفة في أسلوب الدعوة الدينية في هذا المجال فقط أي مجال إثبات وجود الله بالعقل والعلم، وقد استعمل كثير من العلماء هذا الأسلوب واقتصروا عليه، كما استعمله بعضهم وتجاوزوه إلى سائر موضوعات الفلسفة فوقع في أخطاء شنيعة لأنه أدخل العقل فيما لا شأن له فيه".
وهذه النقطة هي ما يهمُّني بالتحديد في هذه المسألة، نعم من المهمِّ أن يكون في أمَّة الإسلام من يجيد لغة الكلام والمنطق والفلسفة ليقف سدًّا منيعاً أمام كلِّ من يحاول هدم بنياننا العظيم، واقتداءً بسلفه الصالح في وقفتهم المباركة "ابن تيمية، ابن القيِّم، الغزالي، الطحاوي..."، هذا أمرٌ هامٌّ ولا شكّ، ولكن هل على الأمِّة كلِّها أن تقوم بذلك؟ وهل المطلوب من الأمَّة بأسرها أن تعرف من هم الجهميَّة، وماذا فعل المعطِّلة، وبماذا اختلف المعتزلة مع أهل السنَّة والجماعة؟
أحياناً كثيرةً ننسى لماذا وُجِدت العقيدة؟ وكيف يكون حبُّ الله ورسوله؟
وُجِدت العقيدة كي تربطنا بربنا سبحانه، وكي تكون زاداً يعصمنا في حياتنا، وكي تكون قوةً دافعةً إلى العمل لهذا الدين والتضحية في سبيله كما فعل رسولنا صلى الله عليه وسلم، وكما أراده صلى الله عليه وسلم منَّا نحن المسلمين، ولهذا سمِّي ديننا بالإسلام.. إنَّه إسلام النفس إلى خالقها.. إسلامها إلى واجبها.. إلى تبعاتها المناطة بها.. إلى رسالتها التي عليها أن تحملها.. كأنَّ المسلم ينكر ذاته –كما فعل قبله معلِّمه صلى الله عليه وسلم– فيسلمها إلى الإنسانيَّة تصرُّفها وتهتدي وتقتدي بها، فلا حظَّ له هو من نفسه ولكن للإنسانيَّة كلِّها الحظّ.
ورحم الله المفكِّر المسلم محمَّد إقبال ما أبدع مقولته: "العقيدة كانت نوراً للأنام، فغدت علماً للكلام".
فلنعدها نوراً للأنام، وليذد عنَّا أهل علم الكلام الثقات في ما يعرضه المتفلسفون من شبهات.
السؤال الثاني عن محبَّة الله تعالى للعبد، أذكر فيها التالي:
1- كلماتٍ كنت كتبتها في هذا الموضوع:
"أفكِّر دائماً في حبِّ ربِّنا تعالى لنا، وعطائه رغم عدم احتياجه لنا، وبعدنا عنه رغم حاجتنا إليه..
"وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما تردَّدت عن شيءٍ أنا فاعله تردُّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته"رواه البخاري.
"أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم، وإن تقرَّب إليَّ شبراً تقرَّبت إليه ذراعا، وإن تقرَّب إلي ذراعاً تقرَّبت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة"متَّفقٌ عليه.(33/1452)
"لله أشدُّ فرحاً بتوبة عبده، حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيِس منها، فأتى شجرة، فاضطَّجع في ظلِّها، قد أيِس من راحلته، فبينَّا هو كذلك، إذا هو بها قائمةٌ عنده، فأخذ بخطامها، ثمَّ قال من شدَّة الفرح: اللهمَّ، أنت عبدي وأنا ربُّك، أخطأ من شدَّة الفرح"رواه مسلم.
ليس هذا فقط.. بل أعطى العبدَ كلَّ وسائل الحماية ومفاتيح الخير، وكلَّما زاد العبد كان الله تعالى أكثر وأطيب.
"أليس الله بكافٍ عبده ويخوِّفونك بالذين من دونه".
"ما من مسلمٍ يدعو الله عزَّ وجلَّ بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إمَّا أن يعجِّل له دعوته، وإمَّا أن يؤخِّرها له في الآخرة، وإمَّا أن يصرف عنه من السوء مثلها"، قالوا: إذن نكثر، قال: "الله أكثر وأطيب"رواه أحمد والطبرانيُّ والبزَّار، بسندٍ صحيح.
بل حتى في المصائب لم يتركنا فيها ربُّنا تعالى دون أجرٍ أو مثوبة:
"ما يصيب المؤمن من وصب، ولا نصب، ولا سقم، ولا حزن، حتى الهمَّ يهمُّه، إلا كفَّر به من سيِّئاته"رواه البخاريُّ ومسلم.
ومع كلِّ هذا الخير، لم يكلِّف ربُّنا تعالى العبد فوق طاقته..
"خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإنَّ الله لا يملُّ حتى تملُّوا، وإنَّ أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قلّ"متَّفقٌ عليه.
وإنَّما وعده الجنَّة وما لم يكن بل ما لا يستطيع أن يحلم به..
"أعددتُّ لعبادي الصالحين، ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر"متَّفقٌ عليه.
أرتالٌ من النِعَم ظاهرةٌ وباطنة.. ورغم كلِّ ذلك.. العبد يبخل، ويقصِّر..
"هاأنتم هؤلاء تُدْعَون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنَّما يبخل عن نفسه والله الغنيُّ وأنتم الفقراء..".
غير المحتاج يتقرَّب إلى المحتاج، والمحتاج يبتعد بدلاً من أن يدنو..
أليست هي معادلةٌ عجيبةٌ غريبة؟؟!!".
ـــــــــــــــــــ
تراجع الإيمان باختلاف البيئات.. عالج الأسباب ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
إخواني، إنِّي أحبُّكم في الله. أوَّلا: أريد أن أسأل عدَّة أسئلةٍ أرجو من الدكتور فتحي يكن أن يجيبني عليها أثابه الله. النقطة الأولى: أنَّني طالبٌ مغتربٌ في إحدى محافظات مصر.. تختلف حالتي الإيمانيَّة عندما أعود إلى بلدي بالسلب .. فتقلُّ الإيمانيَّات وتزيد المعاصي، وهذا ما أعتقده.. النقطة الثانية: أنَّني "أوضع" في بعض الحالات للتحدُّث أمام جمعٍ كبيرٍ من الطلبة، قد يصل إلى 3000 طالب، فأتكلَّم بتلقائيَّة.. ثمَّ أعود إلى بلدي، وفي اللقاء التربويِّ الذي لا يزيد عدد أفراده عن 3 أفراد، ترتعش يداي.. أعتقد أنَّه نقصٌ في الإخلاص؛ أم ماذا؟ النقطة الثالثة والأخيرة: أخي؛ أريد أن أشعر أنَّني أعمل عمل الأنبياء، أريد أن أفهم، ثمَّ أعمل.. أضحِّي.. ثمَّ أخلص، أريد أن أشعر أنَّ الله عزَّ وجلَّ اختصَّني برسالة الأنبياء، أريد أن أحبَّ(33/1453)
إخواني كما أحبُّ نفسي، أريد أن أصلِّي الفجر في جماعةٍ طوال حياتي، أريد أن أدخل الجنَّة، أريد أن يصبح الجهاد في سبيل الله أسمى أمنيَّاتي، أريد أن يهدي الله بي رجلاً واحدا.. إخواني أستحلفكم بالله أن تجاوبوني بإخلاص. وجزاكم الله عنَّا خير الجزاء، وتقبَّل الله منَّا ومنكم صالح الأعمال. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الدكتور فتحي يكن:
أخي الكريم محمَّد رعاك الله، ووفَّقنا وإيَّاك لما يحبُّه ويرضاه؛
سعدت –من خلال قراءة رسالتك– بنفسك التوَّاقة إلى الخير، حقَّق الله لك الأمنيات، وجعلك مفتاح خيرٍ مغلاق شر، وحباك من الصالحات ما يعينك على إصلاح حالك وما حولك ومن حولك.. إنَّه سميع الدعاء.
أمَّا النقطة الأولى التي أشرت إليها فظاهرها مخيفٌ وباطنها مدعاةٌ إلى البحث والتنقيب لاستكشاف الأسباب التي تجعل حالتك الإيمانيَّة حسنةً في بلاد الاغتراب، سيِّئةً عندما تعود إلى بلدك.
هل المشكلة فيك أنت أم في بلدك؟ علماً بأنَّ الحال الطبيعيّ يجب أن يكون معكوسا، وإن كنت لا أعلم شيئاً عن بلد الاغتراب الذي أنت فيه، وإن بدا من رسالتك أنَّ اغترابك هذا لا يعدو أن يكون انتقالاً من محافظةٍ أو مدينةٍ لا أكثر داخل مصر.
هل البيئة الجديدة التي انتقلت إليها أفضل من تلك التي كنت فيها، وهل هناك مشكلاتٌ قائمةٌ بينك وبين الإسلاميِّين في بلدك؟ هل تشعر في بلدك بما يشلُّ حركتك، ويمنع انطلاقك ويحبط اندفاعك؟
لا أستبعد أن يكون في بلدك من لا يفهمك وقد يظلمك، كما لا أستبعد أن يكون في بلدك من لا تأنس إليه ولا تقربه وتتعاون معه؛ إنَّني هنا أطرح فرضيَّاتٍ قد يكون منها القائم وقد لا يكون، لعدم توافر المعلومات اللازمة عنك وعن بلدك وبلد الاغتراب، والذي ساعد إلى حدٍّ كبيرٍ على حسن معالجة المشكلة.
في كلِّ الأحوال أنت مدعوٌّ لاستكشاف المعوِّقات الإيمانيَّة في بلدك كما المقويَّات الإيمانيَّة في البلد الآخر.
ففي الحال الأول: دورك أن تصلح ما فسد في بيئتك لا أن تفسد ما صلح من شأنك وحالك.
وفي الحال الثاني: مطلوبٌ منك نقل الخير الذي تشعر به في الخارج ليحلَّ محلَّ الشرِّ الذي تحسُّ به في الداخل، والحقيقة أنَّك مسؤولٌ في الحالين معا، فاعزم وتوكَّل على الله، والله جاعلٌ لك فرجاً ومخرجا، هو وليُّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور.
أمَّا النقطة الثانية التي ترتبط –في تقديري– ارتباطاً بالنقطة الأولى، حيث الظاهرة واحدة، فأنت تشعر بتنامي الإيمان خارج بلدك وبتدنِّيه عندما تعود، كما أنَّك تحسُّ(33/1454)
بالاضطراب -أو الارتعاش- عندما تتحدَّث إلى ثلاثة أشخاصٍ في بلدك، بينما تحسُّ في موطنك الآخر بارتياحٍ كاملٍ وأنت تخاطب الآلاف.
عليك أن تتحرَّى أنت بنفسك عن السبب، فأنت وحدك تعرف تفصيلات حياتك وواقع بلدك وعلاقتك بمحيطك الأسريِّ والإسلاميّ.
وما تتحدَّث عنه في النقطة الثانية هو نتيجةٌ طبيعيَّةٌ لما أشرت إليه في النقطة الأولى؛ فهل يُنتَظر ممَّن يشعر بتراجعٍ في إيمانيَّاته وزيادةٍ في معاصيه أن يكون مرتاحاً منشرح النفس لدى مخاطبة الآخرين وهو يدعوهم إلى ما يخالفهم فيه: "أتأمرون الناس بالبِّرِّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون، واستعينوا بالصبر والصلاة وإنَّها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين، الذين يظنُّون أنَّهم ملاقو ربِّهم وأنَّهم إليه راجعون".
لابدَّ من التبيُّن والتحقُّق وتحديد الأسباب بكلِّ موضوعيَّةٍ وشفافيَّةٍ وصدق:
* فإن كانت البيئة ملوَّثةً وغير صالحةٍ ولا تعين من يعيشون فيها على طاعة الله بل تدفعهم إلى معصيته، فمغادرتها وعدم العيش فيها هو الأولى إن انعدمت إمكانيَّة إصلاحها وصلاحها، وأرض الله واسعة، والمطلوب أن نبحث عن كلِّ ما يعتق نفوسنا لا إلى ما يوبقها.
* وإن كان سبب كلِّ هذا التناقض يعود إلى خصوصيَّاتٍ واعتباراتٍ وممارساتٍ لا نعرفها ولم تفصح عنها، وتتَّصل بك شخصيًّا ونفسيّا، أو تتَّصل بفريق العمل الذي ترتبط به، وتقديري أنَّك لست على توافقٍ وانسجامٍ معه، فالمطلوب منك معالجة هذا الجانب بكلِّ دقَّةٍ وأناةٍ وصبر، قبل أن ترتحل من بلدك وتجد نفسك في حالٍ من الضياع لا قدَّر الله.
إن كنت تعتقد أنَّ سبب كلِّ ذلك يعود إلى نقصٍ في الإخلاص –كما ذكرت–، فمن الأولى أن تبدأ بنفسك قبل غيرك، مذكِّراً نفسي وإيَّاك بما روي أن الله تعالى أوحى لعيسى عليه السلام: "عظ نفسك، فإن اتَّعظت فعظ الناس، وإلا فاستحي منِّي"، مستذكرين معاً وصيَّة سيِّدنا عليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه حيث يقول: "من نصَّب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه، ومعلِّم نفسه ومهذِّبها أحقُّ بالإجلال من معلِّم الناس ومهذِّبهم".
أمَّا النقطة الثالثة والمتعلِّقة بأمنياتك وأمانيك، وهي أمنياتنا -إن شاء الله- جميعاً وأمانينا، فاعلم أنَّ تحقيقها وبلوغها يحتاج إلى مجاهدةٍ ومصابرةٍ على كلِّ صعيد، وبخاصَّةٍ مجاهدة النفس حتى تُذعن لأمر الله وتُسلس قيادها له ولشرعه.
قد رشَّحوك لأمرٍ لو فطنت له....... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهَمَلِ
دعاؤنا لك بالتوفيق والسداد وبلوغ ما تتمنَّاه, وما أشرتَ إليه في رسالتك، وبخاصَّةٍ من: دعوةٍ إلى الله، والحبِّ في الله، والمواظبة على صلاة الفجر، والجهاد في سبيل الله، لنيل رضاه وبلوغ جنَّته، أتمنَّى عليك قراءة موضوع "مشروعٌ من تسع نقاطٍ للتنمية الإيمانيَّة" في باب استشاراتٍ دعويَّة، وعنوانه:
برنامج عملي لتطوير الإيمان.. المهمات التسع
ـــــــــــــــــــ
بسبب العمل.. تاهت إيمانيا ... العنوان(33/1455)
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شكراً لكم على الموقع المتميِّز. كيف نقوِّي صلتنا بربِّنا في ظلِّ التغيُّرات التي نواجهها في عصرنا والاغراءات الكثيرة؟ أنا فتاةٌ قبل أن أعمل كنت "إنسانة" ملتزمةً في النواحي الدينيَّة، ولكن بعد أن عملت، كلُّ شيءٍ تغيَّر نحوي، فانجرفت في دوَّامة، ولا أعرف كيف أخرج منها. كلُّ أخلاقي تغيَّرت عن ذي قبل. فهل ترشدونني إلى طريق الصواب؟ التائهة ... السؤال
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أختي الكريمة "التائهة"،
أكرمك الله تعالى حين استشعرتِ تراجعك الإيمانيّ، وهذا –كما نقول دائما- هو بداية طريق العلاج والإصلاح.. وها قد وضعت رجلك على الطريق.
والحقيقة أنَّ مسألة دخول الإنسان في دوَّامة العمل، هي مشكلة معظم "الملتزمين"، فهم ينتقلون من بيئةٍ طيِّبةٍ فيها من الوقت وراحة البال الكثير، وهي البيئة الدراسيَّة بأقسامها المختلفة، إلى بيئةٍ تكثر فيها الالتزامات والانشغالات والأعباء و"الهموم"، وهي بيئة العمل.
وهذا الانتقال –بالتأكيد- له آثاره السلبيَّة وظلاله التي تحطُّ على الإنسان، وقد تستهلكه وتقضي عيه، لولا رحمة الله تعالى به حين ينبِّهه ويذكِّره.. فيغدو عليه أن يقتنص إيمانه قبل فوات الأوان.
فحالك يا أختي الكريمة ليس حالك وحدك، بل هو حال معظمنا.
أمَّا العلاج، فيكمن في أربعة أمور:
1- تنظيم الوقت وترتيبه.
2- إيمان المعاملة.
3- الصحبة الصالحة.
4- العيش مع الأمَّة.
1- تنظيم الوقت وترتيبه:
الوقت هو الحياة، وهو إن لم ندركه أدركنا، وما المرء إلا دقائق وثوانِ، فإذا ذهب وقته ذهب بعضه.
لهذا كانت مسألة ترتيب الوقت، وتحديد المتطلَّبات والالتزامات أمرٌ أساسيٌّ وضروريّ.
لذلك فلنعمل وفق أربعة قواعد:
- تحديد ما علينا من مسؤوليَّات.
- عمل قائمةٍ تسمَّى: "أعمالٌ يجب إنجازها اليوم".
- ترتيب هذه الأعمال وتحديد أوقاتها.
- زحزحة جدار التعب.
وسأضرب مثالاً توضيحيّا:(33/1456)
لديك اليوم الأعمال التالية: العمل– الزاد اليوميُّ من قرآنٍ وذكرٍ وما إلى ذلك- بعض الالتزامات الأسريَّة: كزيارة أحدٍ مثلا، أو ترتيب شراء بعض الاحتياجات، أو ترتيب بعض الأمور في البيت.. وما إلى ذلك- بعض الالتزامات الدعويَّة: كحضور درسٍ، أو قراءة قرآن، أو قيام ليلٍ أو ما إلى ذلك.. صمِّمي جدولاً أو قائمةً بأوقات اليوم بالساعات، "وهي القاعدة الثانية"، ثمَّ ضعي هذه الالتزامات أمامك، حدِّدي منها ما لها مواعيد لا يمكن تأجيلها أو تغييرها كالعمل مثلا، ضعي هذه المواعيد الثابتة في الجدول، ثمَّ انظري في الباقي، وحاولي ترتيبه في الجدول حسب طبيعته وأفضل أوقاته، وهكذا حتى تنتهي منها كلِّها.
افعلي ما سبق.. اختاري منها ما يجب إنجازه في هذا اليوم.. فإن كانت أكثر من الوقت المتاح، رتِّبيها حسب أولويَّاتها وضروراتها "وهي القاعدة الثالثة"، وقومي بتنفيذ الأَوْلَى فالأَوْلَى، ثمَّ "القاعدة الرابعة"، وهي: "زحزحة جدار التعب":
يخبرنا علماء النفس أنَّ الإنسان لا يستهلك كلَّ طاقته، وبالتالي يبقى في قدرة الإنسان جزءٌ يمكن الاستفادة منه، حاولي أن تمدِّدي وقت تعبك قليلا، فإذا كنت متعوِّدةً أن تنهي كلَّ أعمالك والتزاماتك الخارجيَّة والداخليَّة الساعة العاشرة مساءً مثلا، اجعليها العاشرة والنصف، وهذه النصف ساعة ليست بالوقت الكبير، ولا تحتاج إلى مجهودٍ فائق، فقط ثلاثون دقيقة، خذي فيها زاداً إيمانيّا؛ قيام، قراءة قرآن، قراءة كتابٍ في الرقائق...، وثقي بأنَّ هذه الفترة الزمنيَّة البسيطة ستزوُّدك بالكثير ما التزمت بها.. ولن أذيع لك سرًّا حين أقول: ستجدين –بعد فترةٍ ليست بالطويلة- أنَّ هذه الثلاثون دقيقةً قد تمدَّدت وتطاولت أضعافاً مضاعفة.
بهذا الترتيب والتنظيم –أختي الكريمة- تستطيعين فعل الكثير إن شاء الله تعالى.
2- إيمان المعاملة:
ذكرت هذه القضيَّة من قبل في استشاراتٍ عديدة، وأعيد التأكيد عليها، لماذا تسلَّل إلى نفوسنا من غير أن نشعر مفهوم النصارى للدين، أو منطق العلمانيَّة في التعامل معه، فغدا ديننا -بحسب مفهوم النصارى– مجموعة صلواتٍ وعباداتٍ وطاعات، ولم يتعدَّ ذلك إلى سلوكٍ ومعاملةٍ وفعل، وأصبحنا –بحسب المنطق العلمانيّ– نقسِّم حياتنا إلى قسمين: قسمٍ لربِّنا سبحانه متمثِّلاً في هذه العبادات والطاعات، وقسمٍ لدنيانا نعيش فيه كيف نشاء؟!
الناظر لإسلامنا المدقِّق فيه، يجد كلَّ ذلك مخالفاً لأسسه وقواعده التي بُني عليها، عندما يصف ربُّنا سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم: "وإنَّك لعلى خلق عظيم"، "فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضُّوا من حولك"، وعندما يحثُّنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بفعله على حسن الخلق، كما وصفه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "لم يكن رسول الله فاحشاً ولا متفحِّشا، وإنَّه كان يقول: إنَّ خياركم أحاسنكم أخلاقا"رواه البخاري، وعندما يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الرائع حقّا: "تبسُّمك في وجه أخيك صدقةٌ لك، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلالة لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة"رواه الترمذيّ، وقال: حسنٌ غريب،(33/1457)
ورواه ابن حبَّانٍ في صحيحه، وعندما يحكي صلى الله عليه وسلم: "بينما رجلٌ يمشي بطريق، وجد غصن شوك فأخذه، فشكر الله له، فغفر له"رواه البخاريُّ ومسلم، وعندما يأمرنا صلى الله عليه وسلم بالسماحة: "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى"رواه البخاري، ويصف المنافق بـ: "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"رواه البخاريُّ ومسلم.
كلُّ هذا الكمِّ من الأوامر والفضائل "المعاملاتيَّة" هل هي لمجرَّد العلم، أم هي للممارسة أيضا؟ وهل لها –إذا ما طبَّقناها- علاقةٌ بزيادة الإيمان في قلوبنا أم لا؟ لو كانت ليست لها علاقة بالإيمان، فمعذرة، فما فائدتها؟ ولماذا وردت؟ ولماذا حثَّ ديننا عليها وأمر بها؟
أختي الكريمة،
هذه مشكلةٌ كبرى نحيا فيها.. الدين المعاملة، الدين المعاملة، الدين المعاملة، خذي زادك الإيمانيَّ من هذه المعاملات.. ابتسمي في وجوه الناس تزدادي إيمانا، أميطي الأذى عن الطريق، وتذكَّري من فعل ذلك وشكر الله فغفر الله له، فاشكري الله، واستشعري مغفرة الله لك، عاملي الناس بخلقٍ حسنٍ تكوني في مجلس نبيِّك صلى الله عليه وسلم، تقرَّبي إلى الله تعالى بالمعاملة كما تقرَّبت إليه بالطاعة.. وعندئذ لن تحسِّي بأيِّ انفصالٍ إيمانيّ، ولن تشعري بقسوة القلب وجفاف الإيمان.
3- الصحبة الصالحة:
الصحبة الصالحة، والرفقة الآمنة، مفتاحان رائعان للحفاظ على الإنسان، ولعلَّ أبرز ما يميِّز الجامعة أنَّها مبنيَّةٌ على التلاقي والتواصل، وهو ما قد يُفقَد عند العمل.
فحاولي قدر جهدك ترتيب أعمالٍ إيمانيَّةٍ مع أخواتك، قمن بزيارة ملاجئ الأيتام والمستشفيات، اتَّفقن على صيام وإفطار يومٍ سويّا، أو التزام عدد ركعاتٍ قيام ليلٍ أسبوعيّا، أو مبلغٍ شهريٍّ تتصدَّقن به، أو خدمةٍ تؤدِّينها لمحتاجٍ أو معوِز، أو عملٍ لأهل حيِّك، منطقتك، ومجتمعك، شاركي في الجمعيَّات الأهليَّة والخيريَّة وما أكثرها في الأردن، المهمُّ أن تجدي الرفقة الصالحة، وتلتزمي بها، وتعرفي أنَّ الذئب لا يأكل إلا من الغنم القاصية.
4- العيش مع الأمَّة:
من وجهة نظري أنَّ من اكثر ما يرفع إيماننا أن نعيش مع أمَّتنا، نعرف أخبارها، نطمئنَّ عليها، نحزن لحزنها، ونفرح لفرحها.
هذا كلُّه حريٌّ أن يرفع إيماننا حين نستشعر ارتباطنا بأمَّتنا.. رغم أنَّ الأحداث والأخبار في معظمها لا تسرّ، غير أنَّ الحزن والهمَّ والبكاء رغم قسوته ما هو إلا زادٌ إيمانيٌّ يدعونا إلى الالتزام أكثر، والتشبُّث بالدين أكثر، والعضِّ على جذع الإيمان والإسلام.
أختي الكريمة "التائهة"،
بهذه الأمور الأربعة نبدأ الطريق إلى إزالة كلِّ تيهٍ وحيرة، ونسعى إلى إيمانٍ أفضل، وقربٍ من الله تعالى أعلى.
ـــــــــــــــــــ(33/1458)
كيف أتخلص من الحقد والحسد ؟؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، أنا سيدة ملتزمة والحمد لله، وأحاول التمسُّك بالأخلاق الحميدة قدر المستطاع، ولكنَّني أجد صعوبةً بالغة في بعضها، وهذا ينغِّص عليَّ حياتي. فمشكلتي أنَّني أحس بقلبي مُثقلاً بالغيرة والحقد والحسد والبغض تجاه الناس، وحتى أقرب الناس لي، أهلي وإخوتي بالتحديد، مع أنِّي أحبهم، ولكني أحسدهم على النِّعم حتى وإن كان عندي أكثر منهم. أحاول الابتعاد عن هذه الأفكار، وأن أصفّي قلبي وأجعله طاهرًا، وأسمو به عن الضغائن، ولكني أجد ذلك صعبًا، أو أنَّني بحاجة لنصيحةٍ منكم وتذكير بآيات من كتاب الله أو سُنَّة نبينا الكريم، وقد استوحيت هذه الفكرة عندما قرأت الآية الكريمة: "فمن عفا وأصلح فأجره على الله"، وتأثَّرت حتى بكيت وفطنت إلى أنَّ الحلَّ لمشكلتي يكون بهذه الطريقة وبخير الكلام، كلام الله وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم. أرجو مساعدتي بالنصيحة على التخلُّص من هذه المشاعر البغيضة، وأن تدلوني على الطريقة الناجحة لشفاء قلبي من علله وأمراضه، وتطهيره ليسمو بروح الإيمان. ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... تقول الدكتورة حنان فاروق من فريق الاستشارات:
أختنا الحبيبة..
ثقتك بنا أسعدتنا وأثلجت صدورنا، نتمنَّى أن نكون عند حسن ظنِّك وظنِّ جميع المسلمين وأن يوفِّقنا الله لمساعدتك لما فيه خير الدنيا والآخرة لنا ولك إن شاء الله.
أختنا الحبيبة..
كثيرٌ من الناس يخلط بين كلمتين ومعنيين الفرق بينهما كبير، ألا وهما: "الغبطة" و"الحسد"، فأمَّا الغبطة فهي أن يتمنَّى الإنسان نعمةً في يد أخيه دون أن يصاحب ذلك تمنِّي زوالها عمَّن يملكها.
وهذه يا أختي لا نؤاخَذ عليها، لا في الدنيا ولا في الآخرة، إلا أنِّي أنصح - لو أنَّك تعانين من هذه المشكلة، وما هي بمشكلة - بترشيد الإحساس بالغبطة، ذلك أنَّ هذا الإحساس الدائم باستعظام كلِّ نعمةٍ في يد الآخرين لا يولِّد في النفس إلا احتقار النعم التي حبانا الله بها وهو ذنبٌ وأي ذنب.
وأمَّا الحسد فله معنى آخر، ألا وهو تمنِّي زوال النعمة عن الغير، لكن حتى إن كانت هذه هي المشكلة، فاعلمي أنَّك لست الوحيدة التي تعانين منها، فكما قال الإمام الحسن البصري: "ما من آدمي إلا وفيه الحسد، فمَن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شيء".
من ذلك نعلم أنَّه وإن كان الداء موجودًا في بني الإنسان، إلا أنَّ المخرج واضحٌ جليّ، والبغي هنا أختي معناه الظلم، أي أنَّك إن وجدت في نفسك شيئًا من الحسد، فلا تقدمي على عملٍ أو فعلٍ يؤكِّد إحساسك ويؤدي إلى الإضرار بأخيك أو بأختك.(33/1459)
جاهدي نفسك، وتذكَّري قول الله عز وجل في كتابه العزيز: "والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سبلنا"، أي أنَّ المطلوب منك بدايةً: أن تبدئي طريق إصلاح قلبك بأن تقتنعي بأنَّ مجرد الإحساس بالحسد والحقد إحساس خاطئ، وهذه أنت تمتلكينها بدليل سؤالك اليوم، ولحسن الحظ هذه أولى وأصعب خطوات العلاج، فطالما تعدَّيت مرحلتها، فأبشِّرك بكلِّ خير.
أمَّا الخطوة الثانية، فهي التفكُّر في حكمة الله في إسباغ نعمٍ معيَّنة على أناسٍ دون أناس، وخَلْقٍ دون خَلْق، مع عدم التعجُّب من فعل الله، وظن الإنسان أنَّه كان أولى من غيره، فإبليس اللعين إنَّما أودت به هذه الفكرة، وجعلته في غضب الله ولعنته، بلا طوق نجاة واحد.
أختي الحبيبة..
إنَّ النعمةَ في الدنيا، سواء لكِ أو لغيرك، إحدى ثلاث:
- إمَّا مكافأة على خيرٍ أو حسنة تم تعجيل أجرها في الدنيا.
- وإمَّا فتنة واختبار من الله لينظر ماذا نحن فاعلون، ونفهم هذا من قول سيدنا سليمان عليه السلام الذي حكاه رب العزة في سورة النمل: "هذا من فضل ربى ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنَّما يشكر لنفسه ومن كفر فإنَّ ربى غني كريم".
وقال عز وجل: "ولا تَمُدَّنَّ عينيك إلى ما متَّعنا به أزواجًا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربِّك خيرٌ وأبقى".
- وإمَّا استدراج والعياذ بالله، وهو يكون للفسّاق والكفرة والمنافقين، فتجدينهم في خير نعمةٍ وأحسن حال، وقد قال عز وجل: "وَلولا أن يكون الناس أُمَّةً واحدةً لجعلنا لِمَن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفًا من فضَّةٍ ومعارج عليها يظهرون . ولبيوتهم أبوابًا وسررًا عليها يتكئون . وزخرفًا وإن كلُّ ذلك لَمَّا متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربِّك للمتقين".
تُرى أختاه..
مع أي فريق تحبين أن تكوني ؟ وتحت أي واحدة من النقاط الثلاث تحبين أن تندرجي ؟.
إنَّ المكافأة في الدنيا على العمل هي خيرٌ من الله وفضل، لكن الأفضل منها هو تأجيلها للآخرة، فنحن أمام الميزان نكون أحوج إلى حسنةٍ في حجم حبَّة الخردل، منّا إلى قصرٍ وعزٍّ وجاه في الدنيا.
وأمَّا الفتنة.. فنحن في عصر الفتن الأعظم، أنكون في حاجة إلى فتنة جديدة تضاف إلى رصيد الفتن اللواتي تزاحمن على قلوبنا وأرواحنا فأرهقننا ونلن منَّا الكثير والكثير، ونحن ندافع تارة ونستسلم أخرى ؟؟.
وأمَّا الاستدراج.. فنعوذ بالله منه، ونسأل الله العفو والعافية؛ لأنَّه متى استدرجنا الله فلا نجاة لنا.
نسأل الله أن يهدينا ويهديك سواء السبيل، وأن يجعل من نفسك اللوَّامة سبيلاً للوصول إلى شفاء صدرك من كل داء، وإلى حبِّ الله ورحمته.
ويضيف الأستاذ فتحي عبد الستار محرر الصفحة:
أختي الكريمة، مرحبًا بك ونشكرك على ثقتك بنا، وإخراج دخيلة نفسك إلينا، وبعد..(33/1460)
فأحب بعد الكلام الطيب للدكتورة حنان، أن أتحدث معك مفصلاً بعض الشيء في موضوع الحسد من خلال بعض النقاط، مستقاة من كلام العلماء:
تعريف الحسد و حقيقته:
إن الحسد مرض من أمراض النفوس، وهو مرض غالبٌ، فلا يخلص منه إلا القليل من الناس؛ ولهذا قيل: ما خلا جسد من حسد، لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه.
والحسد يجعل الإنسان يتمنى زوال النعمة عن المحسود، حتى وإن لم يكن للحاسد مثلها، بخلاف الغبطة، فإنها تمني مثلها من غير حب زوالها عن المغبوط.
فهو على ذلك نوعان: محمود ومذموم.
أما المذموم، فهو كراهة النعمة على المحسود مطلقًا، والتألم والتأذي إن رأى النعمة عليه، والالتذاذ بزوال النعمة عنه، وإن لم يحصل للحاسد نفع بزوالها.
والمحمود: هو أن يكره فضل ذلك الشخص عليه، فيحب أن يكون مثله أو أفضل منه، وهو الذي سموه الغبطة، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حسدًا في الحديث الذي رواه البخاري، حيث قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار، فسمعه رجل فقال: يا ليتني أوتيت مثل ما أوتي هذا فعملت فيه مثل ما يعمل هذا. ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: يا ليتني أوتيت ما أوتي هذا فعملت فيه ما يعمل هذا".
حُكْم الحسد:
إن الحسد بمعناه الأول - المذموم - حرام بإجماع الأمة؛ لأنه نوع من معاداة الله، فإن الحاسد يكره نعمة الله على عبده وقد أحبها الله، ويحب زوالها والله يكره ذلك، فهو مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته.
كما أن الحسد يدفع إلى آثام كثيرة، وذنوب عديدة، فنجد أن "الحسد" كان السبب والدافع لأول جريمتين حدثا في الوجود، أول جريمة في السماء، وأول جريمة على الأرض.
فقد قال بعض السلف: الحسد أول ذنب عُصي الله به في السماء يعني حسد إبليس لآدم عليه السلام وأول ذنب عُصي الله به في الأرض يعني حسد أبن آدم لأخيه حتى قتله.
- فبسبب الحسد لُعن إبليس وجعل شيطاناً رجيمًا، عندما حسد آدم على تكريم الله عز وجل له، وعصى أمر الله عز وجل بالسجود لآدم، فكان جزاؤه اللعن الأبدي.
- وكان الحسد هو الدافع إلى قَتْل أحد أبناء آدم عليه السلام لأخيه في القصة الشهيرة التي أوردها لنا القرآن الكريم.
- وقد ابتُلي يوسف عليه السلام بحسد إخوته له على تفضيل الأب له، فظلموه بتفكيرهم في قتله وإلقائه في الجبّ وبيعه رقيقًا لمن ذهب به إلى بلاد غريبة، وصار مملوكًا.
- والحسد من موانع الإيمان بالإسلام، وأسباب الكيد له، كما قال عز وجل: "وَدّ كثيرٌ مِن أَهلِ الكِتَابِ لو يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكم كفارًا حَسَدًا من عند أَنفسهم من بعد ما تَبيَّن لَهُم الحق".
درجات الحسد:(33/1461)
الأولى: أن يتمنى زوال النعمة عن الغير، ويعمل ويسعى في الوسائل المحرّمة الظالمة، ويسعى في إساءته بكل ما يستطيع، وهذا هو الغاية في الخبث، وهذه الحالة هي الغالبة في الحسّاد، ويكثر ذلك في طلاب المناصب والجاه.
الثانية: أن يتمنى زوال النعمة ويحب ذلك وإن كانت لا تنتقل إليه.
الثالثة: أن يجد من نفسه الرغبة في زوال النعمة عن المحسود، سواء انتقلت إليه أو إلى غيره، ولكنه في جهاد مع نفسه وكفها عما يؤذي خوفًا من الله تعالى وكراهية في ظلم عباد الله، ومن يفعل هذا يكون قد كُفي شر غائلة الحسد ودفع عن نفسه العقوبة الأخروية، ولكن ينبغي له أن يعالج نفسه من هذا الوباء حتى يبرأ منه.
وقد قيل للحسن البصري: أيحسِد المؤمن ؟ فقال: ما أنساك إخوة يوسف لا أبا لك ؟!، ولكن غمّه في صدرك، فإنه لا يضرك ما لم تعد به يدًا ولسانًا.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:المؤمن يغبط والمنافق يحسد.
الرابعة: أن يتمنى زوال النعمة عن الغير، بُغضًا لذلك الشخص لسبب شرعي، كأن يكون ظالمًا يستعين على مظالمه بهذه النعمة، فيتمنى زوالها ليرتاح الناس من شره، ومثل أن يكون فاسقًا يستعين بهذه النعمة على فسقه وفجوره فيتمنى زوالها عنه.
وهذا لا يكون حسدًا مذمومًا، وإن كان تعريف الحسد يشمله، ولكنه في هذه الحالة يكون ممدوحًا لا سيما إذا كان يترتب عليه عمل يرفع هذا الظلم والعدوان ويردع هذا الظالم.
الخامسة: ألا يتمنى الشخص زوال النعمة عن غيره، ولكن يتمنى لنفسه مثلها، فإن حصل له مثلها سَكَن واستراح، وإن لم يحصل له مثلها تمنى زوال النعمة عن المحسود حتى يتساويا ولا يفضله صاحبه.
السادسة: أن يحب ويتمنى لنفسه مثلها، فإن لم يحصل له مثلها فلا يحب زوالها عن مثله، فهذا لا بأس به إن كان من النعم الدنيوية كالمال المباح والجاه المباح، وإن كان من النعم الدينية كالعلم الشرعي والعبادة الشرعية كان محمودًا، كما في الحديث: ""لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار، فسمعه رجل فقال: يا ليتني أوتيت مثل ما أوتي هذا فعملت فيه مثل ما يعمل هذا. ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: يا ليتني أوتيت ما أوتي هذا فعملت فيه ما يعمل هذا" رواه البخاري.
أما إن ترتب عليه وساوس شيطانية وخواطر نفسية تجر الإنسان إلى مواضع الخطر التي تفسد عمله، كأن يقول في نفسه: أنا أحق منه بهذا، فهذا اعتراض على حكمة الله وقسمته ولا يجوز ذلك.
الأسباب التي تؤدي إلى الاتصاف بالحسد:
1- العداوة والبغضاء والحقد:
فأصل الحسد العداوة، وهو نتيجة من نتائج الحقد وثمرة من ثمراته المترتبة عليه، فإن من يحقد على إنسان يتمنى زوال نعمته ويغتابه وينمّ عليه ويعتدي على عرضه ويشمت به لما يصيبه من البلاء ويغتّم بنعمة إن أصابها ويسر بمعصية إن نزلت به وهذا من فعل المنافقين والعياذ بالله.
2- الكبر:(33/1462)
فإذا أصاب أحد زملاء الحاسد نعمة خاف أن يتكبر عليه بها، وهو لا يطيق تكبره وافتخاره عليه. ولهذا السبب كان حسد أكثر الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قالوا: كيف يتقدم علينا غلام يتيم فنطأطئ رءوسنا له، فقالوا: "لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم".
وقد يكون الكبر من المحسود دافعًا للحاسد ليحسده، فيتكبر على الحاسد ويستحقره ويستصغره.
3- التعجب:
فقد أخبر الله عن الأمم الماضية إذ قالوا لأنبيائهم: "ما أنتم إلا بشر مثلنا"، فتعجبوا أن يفوز برتبة الرسل والوحي والقرب من الله بشر مثلهم، فحسدوهم وأحبوا زوال النعمة عنهم.
4- الخوف من المزاحمة على غرض:
وهذا يحدث بين أصحاب المهن الواحدة والمصالح الواحدة، مثل التلاميذ عند الأستاذ، والإخوة في التزاحم على نيل المنزلة في قلوب الأبوين، والتاجر يحسد التاجر، والصانع يحسد الصانع، وهكذا.
5- حب الرياسة وطلب الجاه:
كمَن يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون إذا غلب عليه حب الثناء والمدح واستفزه الفرح بما يمدح به، فإنه لو سمع بنظير له في أقصى أقطار الأرض لساءَه ذلك وأحب موته أو زوال تلك النعمة التي عند الذي يشاركه بها في المنزلة من شجاعة أو علم أو صناعة أو جمال أو ثروة أو نحو ذلك.
6- حب الشر لعباد الله:
فإذا علم بمصائب أو نكبات أصابت الناس، استنار وجهه وفرح به، وربما أظهر الأسى والترحم، فهو أبداً يحب الشر لغيره، ويبخل بنعمة الله على عباده، كأن الله عز وجل يأخذ من ماله هو ليعطيهم.
وليس شرطًا أن يكون بينه وبين من يحسده عداوة، وهذه غاية الخبث في الطبع.
7- ظهور الفضل والنعمة على المحسود:
فبحسب ظهور النعمة والفضل على المحسود يكون حسد الناس له، ولذلك قال رسول صلى الله عليه وسلم: "استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود". رواه الطبراني والبيهقي بسند صحيح. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ما كانت نعمة الله على أحد إلا وجّه الله لها حاسدًا، فلو كان الرجل أقوم من القدح لما عُدِم غامزًا". وقد قال الشاعر:
إن يحسدوني فإني غير لائمهم ... ... قبلي من الناس أهل الفضل قد حُسدوا
فدام لي ولهم ما بي وما بهم ... ... ومات أكثرنا غيظًا بما يجد
آثار الحسد وأضراره على الحاسد والمجتمع:
1- حَلق الدين:
فقد قال صلى الله عليه وسلم: "دَبَّ إليكم داء الأُمم من قبلكم: البغضاء والحسد، والبغضاء هي الحالِقة، لا أقول: حالقة الشَّعْر ولكن حالِقة الدِّين"، "رواه البزار بإسناد جيد.(33/1463)
2- انتفاء الإيمان الكامل:
قال صلى الله غليه وسلم: "لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد" رواه النسائي وابن حبان في صحيحه. والذي يجب أن يُفهم من هذا الحديث أن الإيمان الصادق الكامل الذي يستحضر صاحبه أن كل أفعال الله لحكمة، لا يجتمع هذا الإيمان مع الحسد الذي يعترض على فعل الله وحكمته.
3- رفع الخير وانتشار البغضاء في المجتمع:
يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الناسُ بخيرٍ ما لم يَتَحَاسَدُوا"، "رواه الطبراني ورواته ثقات، والمعنى: أنهم إذا تحاسدوا ارتفع الخير منهم.
4- مقت الناس للحاسد وعدواتهم له:
فلا يجد الحاسد في الناس مُحبّا ولا صديقًا، فتنخفض منزلته، وتنحط مرتبته؛ لانحراف الناس عنه ونفورهم منه، وقد قيل: الحسود لا يسود.
5- دوام الحسرة على الحاسد:
فلا يجد الحاسد لحسرته انتهاءً، قال ابن المعتز: الحسد داء الجسد. وقال الأصمعي: قلت لأعرابي: ما أطول عمرك؟ قال: تركتُ الحسد فبقيت.
والحاسد يكاد يموت غمّا بصبر المحسود. قال بعض الحكماء: يكفيك من الحاسد أنه يغتمّ في وقت سرورك. وقيل: عقوبة الحاسد من نفسه.
وقال معاوية رضي الله عنه: ليس في خصال الشر أعدل من الحسد، يقتل الحاسد قبل أن يصل للمحسود !!.
وقال عبد الله بن المعتز رحمه الله تعالى:
اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
كيفية التخلص من داء الحسد:
1- بالتقوى والصبر:
فمن وجد في نفسه حسدًا لغيره، فليستعمل معه الصبر والتقوى فيكره ذلك في نفسه.
2- القيام بحقوق المحسود:
كرد غيبته، وذكر محاسنه، وقضاء حوائجه، والدعاء له، وبره. كما قال تعالى: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه ولي حميم".
3- العلم بأضرار الحسد:
من إسخاط الله عز وجل، ومشاركة الشيطان في أخلاقه وصفاته، هذا غير الألم الحاضر والدائم في نفس الحاسد، والعذاب في الآخرة وذهاب حسناته إلى المحسود.
4- إفشاء السلام:
فقد قال صلى الله عليه وسلم: "أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم"، فالسلام يبعث على التحابب، فهو بذلك ينفي الحسد.
5- القناعة بعطاء الله:
فقد قال بعض الحكماء: من رضي بقضاء الله تعالى لم يسخطه أحد، ومن قنع بعطائه لم يدخله حسد، فيكون راضياً عن ربه ممتلئ القلب به.(33/1464)
6- إصلاح الطبع:
وذلك باتباع أوامر الله عز وجل واجتناب نواهيه، والالتزام بالأخلاق والآداب الإسلامية، والاطلاع على سير الصالحين، ومحاولة التمثل بهم، قال الشاعر:
فلم أجدِ الأخلاق إلا تخلقًا ... ... ولم أجدِ الأفضال إلا تفضلا
7- القضاء على أسباب الحسد:
وذلك بتتبعها، وعلاجها واحدًا واحدًا.
8- قراءة القران وتدبره:
وكافة أنواع ذكر الله عز وجل.
9- الدعاء والصدقة:
فيدعو الله عز وجل أن يشفيه من هذا الداء، ويتصدق بهذه النية.
وأخيرًا أختي الكريمة، فإن صفاء القلب ونجاته من داء الحسد سبب قوي للفوز بالجنة، حيث قال أنس رضي الله عنه: كنا جلوسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة"، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه .. فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمر فقال: إني لاحيت أبي – خاصمته - فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت؟ قال: نعم. قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي، فلم يره يقوم من الليل شيئًا غير أنه إذا تقلب على فراشه، ذكر الله عز وجل وكبّر حتى صلاة الفجر. قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث الليالي وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله، لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا ثلاث مرات: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة". فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردت أن آوي إليك فأنظر ما عملك فأقتدي بك، فلم أرك عملت كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت. قال: فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشّا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه. فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق. رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
ـــــــــــــــــــ
برامج في الإيمان.. والرياء.. والعادة السرية ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
أريد برنامجاً للقضاء على العادة السرِّيَّة، وبرنامجاً تربويًّا لتربية النفس، وأريد برنامجاً تربويًّا لرفع الإيمانيَّات، وأريد برنامجاً للقضاء على حبِّ الظهور .. ماذا أفعل؟ وعندي سؤالٌ آخر.. لو أنَّ شخصاً كان يسرق قبل الحلم، هل هو مطالبٌ بردِّ المظالم إلى أهلها بعد الكبر والفهم.. أم ماذا؟... إنَّه كان صغيراً لا يعلم الحلال من الحرام. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار(33/1465)
... ... الرد ...
...
... يقول الأستاذ هاني محمود من فريق الاستشارات:
"أخي الحبيب محمَّد،
سلام الله عليك،
أحبُّ بدايةً أن أحييِّ فيك وضوحك مع نفسك، ولعلَّك معي -أخي الحبيب- في أنَّ معرفة الداء وأن تضع يدك على موطنه، هو أوَّل خطوةٍ على طريق علاجه.. فكم من الناس من هو منغمسٌ في المهلكات، وقد عميت عينه عن إبصارها، وصدق فيهم قول الله تعالى: "الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنَّهم يُحسِنون صنعا".
فاحمد الله –أخي- أن بصَّرك بعيبك، ووعَّاك له.
هناك أمرٌ آخر –أخي محمَّد- أحبُّ أن أكلِّمك فيه.. فمع أنَّ رهافة حسِّ المؤمن أمرٌ محمودٌ ومطلوب، إلا أنَّ ذلك لا يجب أن يسوقنا لأن نُسرِف في تحميل أنفسنا فوق ما يجب، وأن نجعل من خطأنا سوطاً نجلد به أنفسنا، فنفتح بذلك باباً للشيطان يُدخِلنا به في متاهات اليأس والقنوط، أو التراجع والتقصير بحجَّة: "كيف أدعو إلى الله وأنا أعصيه"، فلبئس تلبيس إبليس الذي يوقعنا فيه إذن.
فاعلم -أخي- أنَّنا بشر، وكلُّ البشر معرَّضٌ للوقوع، فقد روى أحمد والترمذيُّ وابن ماجه بسندٍ صحيحٍ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلُّ بني آدم خطَّاء"، ولكن هلاَّ أكملنا الحديث -يا أخي- قولاً وفعلا؟ ألم يقل بعد ذلك: "وخير الخطَّائين التوَّابون"؟.
دعنا نُجمِّل علاقاتنا مع الله بتعلُّم فنِّ التوبة والأوبة، ونسعى على طريق تحقيق الصدق فيها متحلِّين بالصبر، نضع أمام أعيننا دوماً قول الله تعالى: "والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون"، فمهما كَثُر الذنب فالتوبة أعظم وأكثر.
ـــــــــــــــــــ
كيف أكون مخلصة ؟؟ السؤال الأزلي ... العنوان
الإخلاص ومعالجة النيَّة، أصبح هذا هو همِّي الأوحد، فما أن أشعر أنَّ عملي يشوبه الرياء، إلا وأفقد حماسي تمامًا لأيِّ عملٍ نافع. أرجوكم أفيدوني بحلولٍ عمليَّة. و جزاكم الله خير الجزاء. ... السؤال
... ... الرد ...
...
... تقول د.حنان فاروق :
الأخت العزيزة علياء؛
سعدنا بسؤالك أيَّما سعادة، فهو إن دلَّ فإنَّما يدلُّ على إيمانٍ وصدقٍ وإخلاصٍ – نحسبك كذلك -جعله الله في ميزان حسناتك وبعد..
حبيبتي؛(33/1466)
يقول الله تعالى في كتابه العزيز في معرض وصفه للمؤمنين في سورة المؤمنون: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلةٌ أنَّهم إلى ربِّهم راجعون)، وفي تفسير هذه الآية يروي لنا الترمذيُّ في سننه: أنَّ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلةٌ)، قالت عائشة: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟! قال: (لا يا بنت الصدِّيق، ولكنَّهم الذين يصومون ويُصلُّون ويتصدَّقون، وهم يخافون أن لا تُقبَل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات). رواه الترمذيُّ وصحَّحه الألبانيّ.
هذه هي حالة المؤمن دائمًا وأبدًا، إنَّه يعمل الخير ولا ينظر له، بل يحتقره ويتَّهمه، يحتقره فيقول لنفسه: لا تنظر إلى عملك، لكن انظر لمن تُقدِّمه، ويتَّهمه لأنَّه لا يأمن أن يشوبه شيءٌ من الرياء أو العُجب أو الكِبر.
فالرياء أخفى من دبيب النمل، وهو لو دخل على عملٍ أفسده؛ لأنَّ الله تعالى لا يقبل عملاً أُشرِك فيه غيره، ولذلك علَّمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن ندعو الله فنقول: (اللهمَّ إنَّا نعوذ بك أن نُشرِك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه).
والإخلاص الذي تقولين – أُخيَّتي - أنَّه أصبح شغلك الشاغل ليس إلا أقصر الطرق لتقبُّل العمل ورضى الله عنه، إن جاهدتِ نفسك وصدقتِ فيه، ومع أنَّه أقصر الطرق كما قلت لك، إلا أنَّه أصعبها وأكثرها وعورةً، فالمؤمن لا يأمن نفسه على نفسه، ولا يثق بها وبصدقها.
وهذا هو سيِّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشَّرين بالجنَّة، يذهب لحذيفة بن اليمان، كاتم سرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليسأله وهو يرتعد خوفًا: هل سمَّاني رسول الله في المنافقين؟، ويكرِّر عليه السؤال حتى يجيبه بالنفي!!.
فإذا كان هذا حال عمر، فكيف بالله عليك – حبيبتي – يكون حالنا ؟!.
وإن كان – أختاه – لديك حقٌّ في وَجَلك من عدم قبول عملك، وفي سعيك وراء الإخلاص، إلا أنَّني أخاف عليك مدخلاً قاتلاً من مداخل الشيطان، ألا وهو اليأس، واليأس لا يكون إلا للكافرين، أعاذنا الله وإيَّاكِ من هذا المقام، وقد قال الله تعالي في كتابه الكريم في سورة يوسف على لسان نبي الله يعقوب: (ولا تيأسوا من روح الله إنَّه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون).
فلا تجعلي اتِّهامك لعملك مُثبِّطًا لك عن المزيد من العمل، والمزيد من المجاهدة، والهمَّة للوصول إلى الصدق والإخلاص، ولو عامل الله الناس بالعدل لما ترك عليها من دابة، لكنَّه سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم.
إنَّ المؤمن بين كفّي الخوف والرجاء، يتقلَّب فيهما، فساعة خوفٌ في رجاء، وساعة رجاءٌ في خوف.. الخوف من غضب الله وعقابه ومن إحباط العمل، والرجاء في حبِّ الله ورحمته ومغفرته لعباده الصالحين، وقد روى البخاريُّ في صحيحه، أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لن يُدخِل أحدًا عملُه الجنَّة)، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (لا، ولا أنا، إلا أن يتغمَّدني الله بفضلٍ ورحمة، فسدِّدوا وقاربوا، ولا يتمنَّينَّ أحدكم الموت، إمَّا محسنًا فلعلَّه أن يزداد خيرًا، وإمَّا مُسيئًا فلعلَّه أن يَستَعتِب).(33/1467)
كلُّنا في الرجاء سواء، فليس لنا إلا رحمة الله تعالى ملاذًا وملجأً، والرجاء والحبُّ يخففان من حدَّة الخوف، فكلَّما تذكَّرنا قلَّة الزاد، تذكَّرنا راحم العباد، وكلَّما اتَّهمنا عملنا، تضرَّعنا إلى ربِّنا، فقلنا: اللهم اجعل عملنا كلَّه صالحًا، ولوجهك خالصًا، ولا تجعل للناس منه شيئًا أبدًا، وتقبَّله منَّا ربَّنا بقبولٍ حسن.
وفقك الله، وبارك لك في عملك الصالح، ويسَّر لك ولنا سبيل الهدى والصلاح والفلاح، ووفقنا إلى حبِّه ورضاه في الدنيا والآخرة
ـــــــــــــــــــ
أورادي صارت روتينية !! .. جدد إيمانك ... العنوان
بسم الله الرحمن الرحيم. الأوراد اليوميَّة من وردٍ قرآنيٍّ وأذكار. وسط "رتم" الحياة السريع، ووسط الحركة الدعويَّة المستمرَّة، تصبح الأوراد عملاً روتينيًّا لا زادًا إيمانيًّا ممَّا قد يؤثِّر على: 1- الحالة الإيمانيَّة. 2- المواظبة على الأوراد نفسها. ... السؤال
... ... الرد ...
...
... يقول الدكتور محمد محمود منصور:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد؛
شكر الله لكم، و جزاكم خيرًا على حبِّكم لإسلامكم وحرصكم عليه.
أخي الكريم؛
إنَّ التنويع والتدبُّر يمنعان من تحوُّل ذكر الله تعالى إلى عملٍ روتينيٍّ لا يفيد في زيادة الإيمان، وبالتالي زيادة أعمال الخير.
ويقصد بالتنويع تغيير مكان الذكر، وصورته، ووقته، كما نبَّهنا لذلك سبحانه في قوله: (الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم) أي في كلِّ أحوالهم.
فاجعل الذكر أحيانًا مصحوبًا بالنظر والتأمُّل في الأفق وتدبُّر مخلوقات الله، واجعله أحيانًا أخرى أثناء السير أو في السيَّارة ووسيلة المواصلات، وأحيانًا ثالثةً في الفراش، ورابعةً في المسجد وبعد الصلاة، وأحيانًا فجرًا أو عصرًا، أو ليلا.. وهكذا.
مع الاجتهاد في استحضار الذكر الذي يناسب كلَّ موقفٍ من مواقف الحياة، كأذكار الطعام والشراب والنوم، ودخول الخلاء، وابتداء الأعمال، وانتهائها، ولبس الثياب، ووضعها، وعند الشكر أو الصبر، وعند الفرح أو الحزن، إلى غير ذلك، فإنَّ تعدُّد الأذكار ومناسباتها لتعدُّد المواقف والأحداث يجعل احتماليَّة التأثُّر والاستفادة بالذكر أكبر.
ومن التنويع تمرير الذكر على القلب وعلى اللسان.
ومن التنويع قراءة القرآن أو سماعه من الغير ممَّن هو حسن الصوت.
ومن التنويع الذكر منفردًا كما أشار لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله عن السبعة الذين يظلُّهم الله بظلِّه يوم القيامة: (ورجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه) رواه البخاري، أو مجتمعًا كما لمَّح لذلك صلى الله عليه وسلم في قوله: (وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) رواه مسلم.(33/1468)
ومن التنويع تنويع الذكر نفسه بين الاستغفار، والتسبيح، والتحميد، وغيره، فإنَّ لكلِّ ذكرٍ تأثيره، وإن لم يؤثِّر فيك ذكرٌ أثَّر فيك آخر.
ويقصد بالتدبُّر استشعار القلب ما أمكن لمعاني كلِّ ذكرٍ، وأهدافه، وتطبيقاته، العمليَّة، وفوائده في الدنيا، ثمَّ ثوابه في الآخرة، مع الاهتمام بالخشوع في الصلوات، وتدبُّر معانيها ومعاني الآيات القرآنيَّة التي تُقرأ فيها، وأهداف ركوعها وسجودها وأذكارها، فهي من أفضل الذكر، وما شرعت - هي وغيرها من العبادات - إلا لتزيد الإيمان وتحرِّك القلوب، والتي بدورها ستدفع الأجساد إلى حسن العمل.
هذا، ويراعي التوسُّط والاعتدال في الأذكار، فليست العبرة بكثرتها، ولكن بالإفادة منها، بل كثرتها قد تؤدِّي إلى الرتابة والملل كما حذرنا صلى الله عليه وسلم في قوله: (عليكم بما تطيقون، فوالله لا يملُّ الله حتى تملُّوا) رواه البخاريّ ومسلم.
أخي الكريم؛
يقول الإمام النووي: "كلُّ عاملٍ لله بطاعةٍ يكون ذاكرًا لله تعالى"، فكما أنَّ العبادة والطاعة لله تعالى لا تعني فقط العبادات كالصلاة والصيام وغيرها، ولكن الحياة كلّها بما فيها من عملٍ وإنتاجٍ وتناسلٍ وغيره من المعاملات طاعةٌ لله الذي طلب من البشر حسن الانتفاع بالكون، فكذلك الذكر، لا يكون فقط وقت الصلاة، أو قراءة القرآن، أو تلاوة الأذكار باللسان أو ما شابه ذلك، وإنَّما يكون في كلِّ عمل، باستحضار نوايا الخير فيه، فمن فعل ذلك يكون ذاكرًا لله تعالى أثناء تأديته لهذا العمل، فمثلاً.. الذي يتقن عمله ونواياه نفع نفسه والإسلام والمسلمين استجابةً لطلب ربِّه فهو ذاكرٌ له طول وقت العمل، حتى ولو لم يذكره بلسانه، والذي يُحسن معاملة من حوله من زوجاتٍ، وأبناء، وجيران، وأقارب، وزملاء، وأصحاب، بالنوايا السابق ذكرها فهو أيضًا ذاكرٌ لله تعالى نائلٌ لثوابه.. وهكذا.
فإن فعلت ذلك - أخي الكريم - كنت ذاكرًا لله على كلِّ أحوالك كما كان هو حال الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يخش عليك بإذن الله من الملل من الذكر وفقدان فوائده، لأنَّك نوَّعته وتدبَّرته، وكنت من الذاكرين الله كثيرًا الذين قال فيهم: (والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات أعدَّ الله لهم مغفرةً وأجرًا عظيمًا).
ويضيف الأستاذ هاني محمود من فريق الاستشارات :
ولن أعلق على كلام أستاذنا الدكتور محمد منصور، غير أن لي إضافة بسيطة أود أن تتقبلها مني – أخي الحبيب -، وإضافتي تتلخص في نقطتين، هما:
أولا: دعنا ننظر في بواعث الأوراد عندنا، أو بتعبير آخر.. لماذا نذكر الله ؟ لماذا نقرأ القرآن ؟ لماذا نقوم بهذه الأوراد ابتداءً ؟
إن من أجمل الملامح التي خرجت بها من قراءتي في سنة النبي صلى الله عليه وسلم تصوري لمدى إحساس النبي صلى الله عليه وسلم بعبوديته لله، واستشعاره لعظيم نعم الله عليه وعلى الناس، ويتجلى ذلك لنا فيما أثر عنه صلى الله عليه وسلم مما يعرف عندنا بأذكار الأحوال، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوحى إليه أنك إذا شربت يجب أن تقول "بسم الله"، وإذا أنهيت تقول "الحمد لله"، وإذا لبست تقول كذا، وإذا خرجت تقول كذا..، لم يوح إلى رسول الله ذلك، ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع كل أمور حياته بقلب يستشعر أن لله عليه فيما بين يديه من نعمة الله فضل،(33/1469)
وأن هذا الفضل يستوجب منه شكرًا وذكرًا لله كي لا ينشغل بالنعمة وينسى المنعم، ومن هنا كانت "أذكار الأحوال".
مراد كلامي أخي الحبيب أننا لو تعاملنا في حياتنا كلها بكل تفاصيلها بهذه الروح – روح العبد لله، المستشعر عظمة ربه وافتقاره إليه - فإننا بإذن الله تعالى لن يكون للملل ولا الروتينية سبيل إلى قلوبنا وسيكون ذلك بمثابة التجديد الإيماني المستمر لقلوبنا، لأن الملل والرتابة إنما تنتج عن غفلة القلب في وقت من الأوقات عن الإحساس بما يفعله.
وإذا نسيت هنا فإنني لا أنسى كلمة سيدنا علي رضي الله تعالى عنه يوم قال: إن للنفس إقبال وإدبار، فإن هي أقبلت فاستكثروا من النوافل، وإن هي أدبرت فألزموها الفرائض.
الأمر الثاني الذي أود التنبيه إليه – أخي – هو أننا وحتى إذا فقدنا الإحساس بالورد واستشعاره بالقلب فإن ذلك ليس مبررًا أبدًا لتركه أو التوقف عنه حتى يحضر القلب فيه، إننا نحتاج أخي أن نجعل لنا حدودا نتوقف عندها.
وكلما كانت ممارستنا الإيمانية عالية كلما كان نزولنا وقت الفترة والملل والفتور منضبطا في الحدود التي لا توقعنا في غضب الله علينا أو التقصير في فروضه.
ليس عيبا ولا غريبا أن نصاب بحالات من النقصان سواء القلبي أو الفعلي، أي في إيمانياتنا أو طاعاتنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن لكل عملٍ شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك)رواه البيهقي في شعب الإيمان وصححه السيوطي، أي أن المشكلة تبرز إذا لم نستطع ضبط هذه الفترة حتى تنتهي إلى سنة النبي صلى الله عليها ولا تحيد عنها.
وفقك الله وأعانك..ولا تنسنا من صالح دعائك، وكن على تواصل معنا.
ـــــــــــــــــــ
هل ظلَمنا الله ؟! ... العنوان
السلام عليكم. سؤالي هو: هل ما يحصل في العراق عدل؟ أين الملوك العرب والعلماء وهم يتفرَّجون على الشعب المسلم وهو يُذبح؟.. اليوم العراق، وغدًا سوريا، وبعدها لبنان.. ونسوا فلسطين الحبيبة. أتمنَّى من الله أن يوحِّد المسلين كلمةً واحدة، لا فرق بين سنيٍّ وشيعيّ.. هنا ينصرنا الله. أستودعكم الله. أختكم في الإسلام. ... السؤال
... ... الرد ...
...
... يقول الدكتور محمد محمود منصور:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
شكر الله لك، و جزاكم خيرًا على حبِّكم لإسلامكم وحرصكم عليه.
الأخت الكريمة؛
لا تنزعجي إذا قلت لك أنَّ ما يحدث للمسلمين في العراق هو عدلٌ من الله تعالى!! ألم يقل سبحانه: (إن تنصروا الله ينصركم)؟
فالآية الكريمة يُفهم منها أنَّ للنصر أسبابًا من يتَّخذها ينتصر حتى ولو كان كافرًا، ومن تركها لم ينتصر حتى ولو كان مؤمنًا، ولا يردّ ذلك أنَّ المسلمين انتصروا في(33/1470)
معارك كان الفارق فيها بينهم وبين عدوِّهم –ماديًّا- كبيرٌ جدًّا، ولكن المسلمين في هذه المعارك ما قصَّروا في الأسباب، ولكنَّهم بذلوا كلَّ ما في وسعهم من الأسباب الماديَّة، ثمَّ سلموا الأمر لله، فكان نصر الله لهم.. فهل فعلنا ذلك؟! ولكن ليس من عدل الله أن يتَّخذ الكافر أسباب النجاح والنصر.. وقد أعدَّ لها منذ عشرات السنين ثمَّ لا يحقِّق هدفه، بينما يعطيه للمؤمن رغم تكاسله عشرات السنين!!
إنَّ هذا سيكون قمَّة الإضرار بالمؤمنين وبالناس جميعًا في دنياهم وآخرتهم، لأنَّ لله تعالى قوانين في أرضه -ومنها أنَّه من يتَّخذ الأسباب يصل لهدفه، ومن لا يتَّخذها لا يصل- لا يغيرها الله من أجل المؤمنين، وإلا استندوا على أنَّهم آمنوا -كما يحدث في عصرنا- ثمَّ ينامون وينتظرون أن يأتيهم النصر دون اتخاذ أسبابه.. اعتمادًا على أنَّهم مسلمون!! فيصبحون ضعافًا لا يقدرون على اقتحام صعاب الحياة، فلا ينتفعون بخيراتها، ويتعسون فيها بينما ينتفع بها غيرهم من الكافرين!!
ثمَّ هو أيضًا ضررٌ على غير المسلمين إذ لن يقبلوا الدخول في هذا الإسلام الذي يدعو أتباعه إلى الخمول والكسل!! ويتحمَّل المسلمون إثم تنفيرهم بدل تقريبهم ودعوتهم.
الأخت الكريمة؛
لا تلقي باللوم على الحكام العرب، فإنَّهم لم يأتوا من كوكبٍ آخرٍ وإنَّما أتوا منَّا!! فهم يمثّلون أحوالنا وأخلاقنا، وبما أنَّنا نحن المسلمون الآن ضعفاء فهم أيضًا ضعفاء.
ولذا، ولكي لا تتكرَّر مأساة العراق، بل ولكي نحرِّرها وفلسطين وغيرها، علينا أن نبدأ من الآن، نبدأ بأن يربِّي كلُّ فردٍ منَّا نفسه على الإسلام -وهذا هو دور كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ، وقبل أن يكون دور العلماء- ويتمسَّك به تمسُّكًا جادًا ما استطاع في كلِّ عباداته ومعاملاته، ثمَّ نكوِّن بيوتًا إسلاميَّة تربِّي أبناءها على ذلك، وتدعو جيرانها وأقاربها وأصحابها وزملاءها وأهل حيِّها لمثل ذلك، ثم نتخصَّص جميعًا رجالا ونساءً ما أمكن في مجالات الحياة المختلفة.. الاقتصاديَّة والعلميَّة والسياسيَّة وغيرها، حتى يتمكَّن كلُّ مسلمٍ ومسلمةٍ من إدارة مؤسَّسته مهما صغرت بقوانين الإسلام، ثمَّ مديروا هذه المؤسَّسات سينتخبون فيما بينهم من يدير شئون دولتهم بوزراء مسلمين صالحين أتقياء، وهؤلاء ينتخبون فيما بينهم حاكمًا مسلمًا صالحًا يدير بالشورى دولتهم الإسلامية، ثمَّ دولةٌ إسلاميَّةٌ بجوار أخرى بجوار ثالثةٍ ورابعةٍ تتكَّون خلافةٌ إسلاميَّةٌ لها مجلس إدارةٍ إسلاميٍّ، ولها من القوى البشريَّة، والسياسيَّة، والاقتصاديَّة، والعلميَّة، والإعلاميَّة، وغيرها، ما يمكنها به أن تمنع ما يحدث للمسلمين الآن، وأن تحرِّر أرضهم وتصون عِرضهم، وأن تردع كلَّ من يفكِّر في الاعتداء عليهم، بل وستدعو الآخرين للإسلام حتى تسعد به الأرض كلّها.
الأخت الكريمة؛
رغم طول هذا الطريق، طريق التربية والتخصُّص، إلا أنَّه قد بدأ بالفعل بفضل الله منذ سنوات، وبدأت بشريات نتائجه تظهر على مستوى العالم الإسلامي كلِّه ولله الحمد ممثَّلة في عودة المسلمين لربِّهم ودعائهم بعونه، وعودتهم للقرآن، وللحجاب، ولحبِّ الاستشهاد والجهاد بالأموال والأنفس، وللفهم الصحيح بأنَّ الإسلام عباداتٌ ومعاملاتٌ وليس عبادات فقط، وللتعاون والتقارب بين الطوائف المختلفة، وبدأت تنتشر مظاهر التعامل بأخلاق الإسلام فيما بينهم.. فأصبحنا نرى أفراحًا إسلاميَّة،(33/1471)
ومدارس إسلاميَّة، وشركات وبنوك إسلاميَّة، ومستشفياتٍ إسلاميَّة، وإعلامًا إسلاميًّا ممثَّلا في بعض الفضائيَّات والمواقع على الإنترنت، وغير ذلك كثير، وسيكون ذلك قريبًا بإذن الله لو ظللنا هكذا نحسن اتّخاذ أسبابه (ألا إنَّ نصر الله قريب).
وفقك الله وأعانك وثبَّتك، وحوَّل ما تشعرين به من ضيقٍ داخليٍّ إلى عملٍ مثمرٍ ينفع وينصر الإسلام والمسلمين.
ولا تنسنا من صالح دعائك.
ـــــــــــــــــــ
هل يحبنا الله ؟ ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
السلام عليكم؛ أرجوكم أن تساعدوني بتزويدي بأيَّة مواضيع عن "حبِّ الله للعباد"، هذا لأنَّني أريد أن أحبِّب الإسلام إلى قلوب أخواتي، وأساعدهنَّ كي يمتثلوا لأوامر الله سبحانه وتعالى من صلاةٍ وحجابٍ واجتناب نواهيه، وستكونون بهذا قد خدمتموني خدمةً كبيرةً.. جعلها الله في ميزان حسناتكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... تقول الأستاذة علا السيد من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أختنا الكريمة آية؛
شكر الله لك مسعاك في الخير، وجعله في ميزان حسناتك.
لكي يستشعر العبد حبَّ الله تعالى لابدَّ أوَّلاً أن يدرك نعم الله التي لا تُحصى ولا تُعد.. فنحن يا أختاه تغمرنا النعم، ونتقلَّب فيها دون أن ندري بها، لذلك لا يستمتع بنعم الله ويشكرها إلا القليل، يقول تعالى: (وقليلٌ من عباديَ الشكور).
إنَّ مجرَّد الإحساس بالنعمة لذَّةٌ في حدِّ ذاته لا يمنع من إدراكها إلا الجهل والغفلة، ولقد قرأت ذات مرَّةٍ عن نعم الله التي نغفل عنها فوجدتها الدنيا بما فيها، ومن الأمثلة عليها:
1- نعمة الخلق.. والتي لولاها لبقي الإنسان في ظلمة العدم، ولم يكن شيئًا مذكورًا، قال تعالى: (هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا * إنَّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا).
2- نعمة الإنسانيَّة.. فلقد خلق الله الإنسان وكرَّمه، وفضَّله على جميع خلقه، واستخلفه في الأرض وسخَّرها له، وجعله في أحسن صورةٍ وتقويم، وفي ذلك يقول المولى عزَّ وجلَّ: (ولقد كرَّمنا بني آدم وحملناهم في البرِّ والبحر ورزقناهم من الطيِّبات وفضَّلناهم على كثيرٍ ممَّن خلقنا تفضيلاً)، فكوننا بشرٌ ولسنا حيوانات، أو جمادات أو أيَّ شيءٍ آخر فهذا نعمةٌ كبيرة، قال تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم).
3- نعمة الإدراك والعلم، يقول تعالى: (اقرأ وربُّك الأكرم * الذي علَّم بالقلم * علَّم الإنسان ما لم يعلم)، وقال أيضًا: (والله أخرجكم من بطون أمَّهاتكم لا تعلمون شيئًا(33/1472)
وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلَّكم تشكرون)، والسمع والبصر والأفئدة هي أدوات الإدراك والمعرفة، والأفئدة نعمة لم يحظ بها غير الإنسان فبها يعقل ويحكم.
4- نعمة البيان النطقي والخطي، وهي أساليب التواصل ولولاها لتعامل البشر مثلما تتعامل البهائم العجماء، قال تعالى: (الرحمن * علَّم القرآن * خلق الإنسان * علَّمه البيان).
5- نعمة الرزق.. فكلُّ ما يحظى به الإنسان ما هو إلا رزقه الذي قدره له المولى عزَّ وجلَّ بعلمه وحكمته ولا رازق سواه، قال تعالى: (يا أيُّها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض).
6- نعمة الإسلام والإيمان، والهداية إلي صراط الله المستقيم.. فإذا تفكَّرنا قليلاً لوجدنا أنَّه لا نفع يعود على الله من إسلام العباد، ولا ضرر سيصبه من كفرهم، يقول تعالى فى حديثٍ قدسي: (يا عبادي.. إنَّكم لن تبلغوا ضرِّي فتضرُّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي.. لو أنَّ أوَّلكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم، كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي.. لو أنَّ أوَّلكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم، كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي.. لو أنَّ أوَّلكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم، قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني، فأعطيت كلَّ إنسانٍ مسألته ما نقص ذلك ممَّا عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخِل البحر) رواه مسلم، فالنفع والضرر عائدٌ على الخلق أنفسهم، فالهداية إلى الطريق المستقيم منَّةٌ من الله عزَّ وجلَّ على عباده وليس العكس، قال تعالى: (يمنُّون عليك أن أسلموا قل لا تمنُّوا عليَّ إسلامكم بل الله يَمُنُّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين).
7- نعمة الأخوَّة والمحبَّة في الله، قال تعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا)، وقال أيضًا: (وألَّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألَّفت بين قلوبهم ولكنَّ الله ألَّف بينهم إنَّه عزيزٌ حكيمٌ).
فلا شيء أجمل من الصحبة الطيِّبة التي تحثُّك على الخير لا لشيءٍ إلا لمرضاة الله، فلا أحد يحبُّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه إلا المتحابين في جلال الله، ولذلك خصَّهم دون البشر وجعلهم ضمن السبعة الذين يظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلّه، قال أحد الشعراء:
ما ذاقت النفس على شهوة ....... ألذ من حبِّ صديقٍ أمين
من فاته ودُّ أخٍ صالحٍ ....... فذلك المغبون حقَّ اليقين
فمجرَّد وجود صديقٍ صالحٍ أمينٍ يدعو صديقه إلى الخير ويأخذ بيده بعيدًا عن الشرّ نعمةٌ كبيرة.. فجزاك الله خيرًا على الأخذ بيد أخواتك.
بعضنا لا يدرك كلَّ هذه النعم إلا إذا فقدها، وإنَّ نعم الله تغمرنا من فوقنا ومن تحت أرجلنا، كلُّ ذرَّةٍ في جسد الإنسان نعمةٌ.. من شعر رأسه مرورًا بجلده وعينيه ولسانه وشفتيه ويديه ورجليه وسمعه وبصره والقدرة على الكلام والتذوق والشم واللمس والريِّ والشبع والتنفس والأهل والولد والعمل والأصدقاء و.. و.. و..، (وإن تعدُّوا نعمت الله لا تحصوها).
كلُّ هذه النعم يسبغها الله علينا ظاهرةً وباطنةً ولا يؤدِّي شكرها إلا القليل، ومع ذلك لا ينزعها الله عن المقصِّرين أو يحرمهم منها، بل يمهلهم ليدركوها ويتوبوا إلى الله.(33/1473)
بل إنَّه تعالى ينتظر توبة العبد، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها) رواه مسلم، بل إنَّ الله يفرح بتوبة عبده، قال صلى الله عليه وسلم: (لله أفرح بتوبة العبد من رجلٍ نزل منزلاً وبه مهلكة، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، حتى اشتدَّ عليه الحرُّ والعطش أو ما شاء الله، قال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومة، ثمَّ رفع رأسه، فإذا راحلته عنده) رواه البخاري.
كلُّ ذلك ولا نستشعر حبَّ الله لعباده!
إنَّ الله حريصٌ على عباده، يحبُّهم، ويريد لهم الخير، ومن مظاهر هذا الحبّ:
- من حبِّ الله لنا أرسل لنا رسلاً مبشِّرين ومنذرين، قال تعالى: (رسلاً مبشِّرين ومنذرين لئلاَّ يكون للناس على الله حجَّةٌ بعد الرسل وكان الله عزيزًا حكيمًا).
- من مظاهر حبِّه تعالى للعباد أنَّه يدعوهم إلى دعائه: (وقال ربُّكم ادعوني أستجب لكم)، إنَّ الله يحبُّ أن يسمع دعاء عبده ليجبه، مع أنَّ هذا لن ينفع الله تعالى بشيءٍ فهو غنيٌّ عن العالمين.
- من حبِّ الله تعالى عباده أمرهم بالصلاة لكي يكونوا على صلةٍ دائمةٍ به عزَّ وجلّ، فالصلاة هي الصلة المباشرة التي تقرِّب العبد من ربِّه، وكلَّما زادت الصلة كلَّما كان من الله أقرب، وصلح حاله في الدنيا والآخرة، وتولاه الله عزَّ وجلَّ وكان في كنفه وحفظه وذمَّته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربِّه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) رواه مسلم.
والصلاة هي ملجأ العبد إذا ألمَّ به همٌّ أو حزنٌ، كما كان الرسول إذا حزبه أمرٌ فَزِع إلى الصلاة، وهي راحة العبد وسكنه، وهدوء باله، لذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول: (أقم الصلاة يا بلال، أرحنا بها) رواه أبو داود بسندٍ صحيح.
والصلاة هي المعونة في الشدائد والملمَّات، قال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة)، وهي أوَّل أسباب فلاح العبد، قال تعالى: (قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون)، وإنَّ
ممَّا يستوجب الدهشة أنَّه مع كلِّ ذلك يستهين الناس بالصلاة مع أنَّها أوَّل أسباب السعادة في الدنيا والآخرة!
ولكي لا أطيل عليك -أختي الكريمة- أنصحك بالرجوع إلى كتاب "الصلاة وحكم تاركها" لابن القيم رحمه الله.
وإليك بعض الاستشارات ذوات الصلة:
- المواظبة على الصلاة والخشوع فيها: بالتركيز.. والتدريب.. والصحبة
- نصائح في كيفية الخشوع في الصلاة
- مشجِّعاتٌ في رفع الهمم والتزام الصلاة
ثمَّ إنَّ الله فرض الحجاب على نساء المسلمين أيضًا لحبِّه لعباده رجالاً ونساءً، لينأى بهم عن الوقوع في الفتنة، وينزّههم عن مرتبة الحيوان الذي من سمته التجرُّد، أمَّا الإنسان فمبناه على الستر، وقد حدَّد الإسلام عورة الرجل والمرأة، فمن جرَّد جزءًا(33/1474)
من عورته فكأنَّه يتدنى بنفسه إلى مرتبة الحيوان.. فلماذا لا يستتر المرء ويرقى بنفسه كما أراد له ربُّ العزَّة الذي أعزَّنا بالإسلام.
وإذا كان الرجل يرتدي زيًا يستر عورته وزيادة، فمن الأحرى أن تلتزم النساء الزي الشرعي، وإن زادت عنه احتشامًا فهو مكرمةً وفضيلة.
ـــــــــــــــــــ
قلبي قاس.. الداء والدواء ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
ألمس قسوةً في قلبي، وقد حاولت كثيرًا أن أعالج حالي، ولكنَّني دائمًا أفشل في ذلك وأعود كما كنت.. بالله عليكم ساعدوني؛ ما هو علاج قسوة القلب المستعصية؟.. فلقد تعبت كثيرًا وأشعر بالإحباط. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الشيخ عبد الباري الزمزمي، عضو رابطة علماء المغرب:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
أخي الكريم ياسر؛
نسأل الله تعالى أن يُنعِم علينا وعليك بالقلب الحيّ بذكره، الممتلئ بحبِّه.. آمين.
إنَّ قسوة القلب داءٌ له أسبابه وله دواؤه، فإذا اتَّقى المؤمن أسبابه كان ذلك نصف العلاج، ويبقى تعاطي الدواء الذي يستأصله ويشفي صاحبه منه.
** من أشدِّ أسباب قسوة القلب:
1- الاسترسال في الذنوب واقتراف المعاصي من غير توبةٍ إلى الله ولا رجوعٍ إليه، وقد أشار سبحانه وتعالى إلى هذا السبب بقوله عن الكفرة والفسقة: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)، يعني أنَّ ما كانوا يقترفونه من الآثام والذنوب جعل قلوبهم مطبوعًا عليها وقاسيةً لا تلين لذكر الله عزَّ وجلَّ، ولا تخشع لعبادته.
وفي الحديث: (إنَّ العبد إذا أخطأ خطيئةً نُكتت في قلبه نكتةٌ سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سُقل قلبه، وإن عاد زِيدَ فيها حتى تعلو قلبه، وهو الرَّان الذي ذكر الله (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون))رواه الترمذي وقال حسنٌ صحيح.
2- الغفلة عن ذكر الله عزَّ وجلَّ، والإعراض عن الموعظة والتذكُّر والتفكُّر في خلقه وآلائه، وفي القرآن الكريم يقول سبحانه وتعالى: (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) يعني أنَّ الذين قست قلوبهم من غفلتهم عن ذكر الله وإعراضهم عن الموعظة ويلٌ لهم، وهذا إنذارٌ وتحذيرٌ لما ينتظرهم من عذاب الله يوم لقائه.
3- أكل الحرام؛ أي أن يكون المال الذي يعيش منه المرء مالاً مكتسبًا من طرقٍ غير شرعيَّةٍ.. كالعمل في الخمر، والربا، والقمار، والمخدرات، وغير ذلك من أصناف المحرمات.. فإذا كان المرء يتغذى على الحرام فإنَّ ذلك يكون سببًا له في قسوة قلبه، ومانعًا له من استجابة دعائه، مصداقًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله طيِّبٌ لا يقبل إلا طيِّبًا، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يا أيُّها الرسل كلوا من الطيِّبات واعملوا صالحا)، وقال: (يا أيُّها الذين آمنوا كلوا من طيِّبات(33/1475)
ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إيَّاه تعبدون)، ثمَّ ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمدُّ يديه إلى السماء يقول: يا رب يا رب، ومطعمه حرامٌ، ومشربه حرامٌ، وملبسه حرامٌ، وغُذي بالحرام.. فأنَّى يُستجاب له) رواه مسلم، فهذا الحديث يبيِّن فيه عليه الصلاة والسلام أنَّ القوت الحرام يُفسد على المرء دينه، ويورثه قسوة القلب، ويحول بينه وبين استجابة دعائه، وهذا يعني أنَّ هذا المرء يكون بعيدًا عن ربِّه غير قريبٍ منه، فلا ينظر الله تعالى إليه ولا يستجيب له دعاءً.
** أمَّا دواء قسوة القلب ومعالجتها فمن أهمها:
1- الإكثار من ذكر الله عزَّ وجلَّ، أي أن يسترسل المرء في ذكر الله في كلِّ وقتٍ وحين، وذكر الله عملٌ لا يتطلَّب من فاعله تفرُّغًا ولا تكلُّفًا ولا إعدادًا، بل يمكن للمؤمن أن يذكر الله على كلِّ أحواله، وفي كلِّ حينٍ من أحيانه، وكما قالت السيدة عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كلِّ أحيانه) رواه البخاري، فيمكن للمرء أن يذكر الله وهو في طريقه وفي عمله وفي مختلف المواقع التي يكون فيها خلال حياته اليوميَّة، لأنَّ ذكر الله عمل اللسان وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وآمركم بذكر الله كثيرًا، ومثل ذلك كمثل رجلٍ طلبه العدوُّ سِراعًا في أثره، حتى أتى حصنًا حصينًا فأحرز نفسه فيه، وكذلك العبد لا ينجو من الشيطان إلا بذكر الله) رواه الحاكم وقال الألباني حديثٌ صحيح.
2- قراءة القرآن؛ فإنَّه أفضل الذكر ولاسيَّما إذا كانت قراءة القرآن بتدبُّرٍ ومدارسةٍ وتأمُّلٍ في مضامينه ومعانيه، فإنَّها تنوِّر القلب، وتُفسِح الصدر، وتُذهِب ما فيه من ضيقٍ وكدرٍ، مصداقًا لقوله عزَّ وجلّ: (وشفاء لما في الصدور)، وقوله عزَّ وجلَّ: (قل هو للذين آمنوا هدىً وشفاء)، وأيضًا قوله تعالى: (ونُنزِّل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين)، فينبغي أن يكون للمؤمن حصَّةٌ من القرآن الكريم يداوم عليها كلَّ يومٍ حسب ما يسمح به وقته وما تساعده عليه ظروفه، من جزءٍ في اليوم أو جزأين، حتى لا ينقطع عن كتاب الله عزَّ وجلَّ ويكون دائم الصلة به، ومناجاته سبحانه.
3- كما أنَّه من دواء قسوة القلب الاستماع للموعظة، والاستماع للموعظة هو أشدُّ تأثيرًا في القلب من قراءة الكتب، فالاستماع له أثره في القلب ووقعه على النفس، فلذلك ينبغي للمؤمن أن يجلس مع الصالحين في مجالس المواعظ والدروس التي يلقيها العلماء الراشدون، فيختار من أهل العلم من يطمئن إلى دينه وعلمه فيجلس إليه ويستمع من مواعظه، كما يحرص على حضور الجمعة عند الخطباء الراشدين الذين ينتفع بحديثهم، ويتنوَّر قلبه بمواعظهم، فالعلماء والخطباء كثير، ولكن الراشد منهم قليل، لذلك فعلى المسلم أن يختار من يستمع منه وينتفع بحديثه، مصداقًا لقول الله عزَّ وجلّ: (فبشِّر عبادِ * الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب)، فالله عزَّ وجلَّ يرشد العباد أن يستمعوا أحسن القول، وأقربه إلى قلوبهم ليكون له أثره المطلوب في تنوير القلب وتليينه.
4- ومن دواء قسوة القلب مواساة الفقراء والمعوزين ولاسيَّما اليتامى منهم، فإنَّ الإحسان إلى المحرومين يكافئ الله عليه عبده بتليين قلبه، وتربية الرقة فيه، مصداقًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين، وامسح رأس اليتيم) رواه الطبراني وقال الألباني حديثٌ حسن، فمواساة المحرومين والفقراء(33/1476)
يثيب الله عليها عبده بهذه الصفة الجليلة، ألا وهي تليين القلب وجعله خاضعًا خاشعًا لله تعالى.
5- كما أنَّ من أدوية قسوة القلب أيضًا المداومة على العمل الصالح باختلاف أنواعه وأصنافه، فلا ينقطع العبد عن العمل الصالح قدر استطاعته وحسب قدرته، لأنَّ الاستمرار في العمل الصالح والمداومة عليه تجعل العبد دائم الصلة بربِّه، وعلى علاقةٍ متينةٍ به سبحانه، وهذا ما نفهمه من قول الله عزَّ وجل: (ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحقِّ ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم)، فالله عزَّ وجلَّ يُحذِّر المؤمنين من صنيع أهل الكتاب من قبلهم، الذين أعرضوا عن دينهم، وغفلوا عن العمل الصالح، وأقبلوا على الدنيا ومغرياتها وشهواتها، فطال عليهم الأمد.. أي بعدت بينهم وبين دينهم وعبادة ربهم المسافة فقست قلوبهم، فلذلك يأمر سبحانه عباده من أهل الإسلام أن يكونوا دائمًا خاشعين لله عزَّ وجلَّ، مُقبلين على عبادته، متمسِّكين بالعمل الصالح حتى لا تنقطع العلاقة بينهم وبين ربِّهم، وحتى لا يطول عليهم الأمد وينسوا كثيرًا ممَّا أُمِروا به.
6- تعهُّد النفس بالتوبة الدائمة من كلِّ ذنبٍ، فإنَّ الران الذي تصنعه المعاصي على القلب حتى تغلِّفه بسواد المعصية لا يُذيبه إلا سرعة التوبة والأوبة إلى الله عزَّ وجل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ العبد إذا أخطأ خطيئةً نُكتت في قلبه نكتةٌ سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سُقل قلبه، وإن عاد زِيدَ فيها حتى تعلو قلبه، وهو الرَّان الذي ذكر الله (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون))رواه الترمذي وقال حسنٌ صحيح، فدوام التوبة الصادقة تجعل القلب في حياة دائمة، ولا تترك فرصةً للران -الذي يُورِث القلب القسوةَ- في أن يتكوَّن.
هذا باختصارٍ شديدٍ –أخي الكريم- المنهج الذي ينبغي أن نسلكه لننعم بالخشوع ولين القلب كما وعد الله عزَّ وجلَّ الصالحين بذلك.
ثمَّ بعد هذا تلجأ إلى الدعاء، وتتضرَّع إلى الله عزَّ وجلَّ أن يُليِّن قلبك، ويجعله خاشعًا لذكره سبحانه، ولاسيَّما أن تُكثر من الدعاء الذي علَّمنا إيَّاه النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: (ما أصاب أحدٌ قط همٌّ ولا حزنٌ فقال:
اللهمَّ إنِّي عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكلِّ اسمٍ هو لك، سمَّيت به نفسك، أو علَّمته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همِّي، إلا أذهب الله همَّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجًا، قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلَّمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلَّمها) رواه أحمد وصحَّحه الألباني، فلتُكثِر من هذا الدعاء في مختلف الأحوال، ولاسيَّما في أوقات الاستجابة.. كالسجود، وبين وقت الآذان والإقامة، وفي يوم الجمعة، وهكذا.
ولا شكَّ أنَّك إذا التزمت هذا المنهج فإنَّ الله عزَّ وجلَّ سيُحقِّق لك رغبتك، وينوِّر صدرك، ويلين قلبك، إذا كنت غير واقعٍ في مانعٍ من الموانع التي سبق وأن ذكرناها، فإنَّه سبحانه إذا وعد وفى، وقد قال: (والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سبلنا).
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد والرشد بمنِّه وفضله.(33/1477)
ـــــــــــــــــــ
التليفزيون .. وإيماني .. وإدماني ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم، شعرت بفتورٍ شديد، فلجأت إلى هذا الموقع بحثًا عن علاج لهذا الفتور، وأسال الله أن ينفعني بما وجدت. وأسأل عن علاج الرياء، فأنا أشعر بأنِّي أعمل العمل أحيانًا ليس لوجه الله ثمَّ أقول إنَّما هذه عبارةٌ عن وساوس وأنِّي أعمل فعلاً لوجه الله تعالى، ولكن يعاودني هذا الشعور في أغلب الأحيان حتى أشعر أنِّي إنسانٌ غير سويٍّ دينيًّا -إن صحَّ التعبير- وأحاول حفظ كتاب الله عزَّ وجلَّ والحمد لله. فهل ما أشعر به هو وسواسٌ من الشيطان أم أنَّ هناك جانبٌ أجهله من تعريف الرياء، أفيدونا بتعريفه، وجوانبه ومداخل الشيطان فيه، وكيف يمكن التغلُّب على هذا الشيء؟ وأخيرًا؛ أعاني من مرض مشاهدة التلفزيون أحيانًا، فهل لي بعلاج؟ مع العلم بمعرفتي بضعف إيماني. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... تقول الأستاذة هبة عمرو من فريق الاستشارات:
الأخ الكريم حسام؛
أشكرك على لجوئك لنا للبحث عن علاجٍ لما تعاني منه، وأسأل الله تعالى أن نكون عند حسن ظنِّك.
إنَّ مسألة الفتور وشبهة الرياء مشكلتان مستمرَّتان في حياة الدعاة، بل في حياة كلِّ مسلم ملتزم، وكم مِن سائلٍ غيرك بعث لنا بهذا السؤال! وقد قمنا مؤخَّرًا بعمل ملفٍّ يجمع الإجابات عن الاستشارات الإيمانيَّة، وستجد فيه إجاباتٍ عن مشكلات الفتور والرياء ووساوس الشيطان:
إيمانيات الدعاة
أمَّا عن مسألة مرض مشاهدة التليفزيون، فقبل أن أناقشه معك، أنقل إليك هذه الفتوى لتعرف الحكم الشرعي لمشاهدة التليفزيون:
ما حكم مشاهدة التليفزيون؟
والآن.. دعنا نفكِّر سويًّا في هذا الأمر، إنَّ جلوسك أمام التليفزيون لفترات طويلةٍ يضعنا أمام احتمالاتٍ ثلاثة:
- إمَّا أنَّك تشاهد حرامًا يغضب الله.
- وإمَّا أنَّك تشاهد أمورًا تحضُّ على الخير وتدعو إلى الصلاح.
- وإمَّا أنَّك تشاهد أمورًا مباحةً لا ضرر فيها ولا نفع.
الاحتمال الأوَّل:
وهو ما لا يجب التهاون فيه إطلاقاً، فيجب أن تغضَّ بصرك عن كلِّ ما حرَّم الله، ومن الأفضل أن تغلق الطرق المؤدِّية لذلك من بابها، كأن تمنع القنوات المعروف عنها عرض الأفلام الإباحيَّة، وما إلى ذلك من محرَّمات.(33/1478)
ويعينك على تجنُّب الوقوع في هذا الاحتمال:
- أن تواظب على ذكر الله في وقت همَّتك وفتورك بقدر المستطاع، لأنَّه على قدر مستوى حالتك الإيمانيَّة يكون مستوى مقاومة المعاصي.
- محاولة الخشوع في الصلاة والاستعداد لها بحُسن الوضوء وانتظارها، فالله سبحانه وتعالى يقول: (إنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، واستشعارك بالوقوف أمام الله 5 مرَّاتٍ يوميًّا، من المُفترَض أن يُنمِّي عندك الحياء من الله سبحانه وتعالى، وبالتالي عدم معصيته.
- تدريب النفس على دوام المراقبة، أي أن تظلَّ متيقِّظًا لكلِّ تصرُّفاتك، وتسأل نفسك وأنت جالس أمام التليفزيون..
هل ما أشاهده هذا سينفعني في ديني أو دنياي؟
هل ستُحسَب هذه الساعة في ميزان حسناتي أم سيئاتي؟
- اسأل نفسك.. هل إذا كان فلان "اختر أحد الصالحين" معي في تلك اللحظة، هل كنت سأشاهد هذه القناة؟
صحيحٌ أنَّك لا تفعل هذا من أجل الأشخاص، ولكن هذا مجرَّد تمرينٍ على فهم الحياء من الله تعالى.
الاحتمال الثاني:
وهو أفضل الاحتمالات، وهو ما نتمنَّى أن يكون عليه حال تليفزيونات بلادنا.. وفي هذه الحالة، أقترح عليك أن تستفيد بهذا الوقت الذي تمضيه، وتقوم بكتابة جدول بالبرامج المفيدة على القنوات المختلفة، وتكتب مواعيد بثّها وإعادتها ثمَّ توزِّعها على أصدقائك، وحبَّذا لو نشرتها بالبريد الإلكتروني لتعمَّ الفائدة.
وغنيٌّ عن الذكر أنَّه حتى هذه البرامج المفيدة يجب ألا تعطِّلك عن الفرائض.
الاحتمال الثالث:
صحيحٌ هو من المباحات، لكن من الأفضل ألا تبالغ فيه وألا يستغرقك أكثر ممَّا يجب، وذلك لأنَّ الاستغراق في المباحات يقسِّي القلب وقد يلهي الإنسان عن الفرائض.
وتذكَّر أنَّ "حسنات الأبرار سيِّئات المقرَّبين"، فإذا كان هناك شخصٌ دائم المشاهدة لكلِّ ما يُعرض على التليفزيون، ثمَّ أدرك خطأ ذلك.. فبدأ يشاهد المباحات وابتعد عن المحرَّمات، فهذا تغيُّرٌ ممتازٌ نشجِّعه عليه، أمَّا أصحاب الهمم العالية من الدعاة إلى الله، إذا استغرقتهم هذه المباحات، ربَّما كان لنا عتابٌ عليهم لأنَّ عليهم دورًا أكبر من هذا بكثير.
وختامًا –أخي حسام– أريد أن أقول لك أنَّني أعلم جيّدًا أنَّه من الصعب الحُكم على ما يعرض في التليفزيون، وتقسيمه إلى أبيض وأسود، وأعلم أنَّ هناك الكثير من المساحات الرماديَّة، ولكنَّني أشعر بتفاؤلٍ كبيرٍ تجاه المستقبل، وأدعو الله تعالى أن يرينا الحقَّ حقًّا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
ـــــــــــــــــــ
في مواجهة الاستهلاك الإيماني ... العنوان(33/1479)
بسم الله الرحمن الرحيم.. أستاذي ومعلمي الفاضل الأستاذ فتحي يكن.. إني أحبك في الله، وأسأل الله أن يجمعنا في الفردوس الأعلى. السؤال كيف أرجع إلى المستوى الإيماني الذي كنت عليه في بداية الدعوة، أيام كنت أنا المدعو. الآن أنا أدعو الآخرين، ولكن أحس بفتور.. قلَّ البكاء من خشية الله، قلَّ القيام، قلَّ الصيام. فأنا أحيانًا أتَّهم نفسي بالنفاق، أو أنَّني أعمل للجماعة ولا أعمل لله. هذا هو الداء، فأرجو منكم الدواء.. نفع الله بكم و جزاكم الله الجنة. ... السؤال
... ... الرد ...
...
... يقول الدكتور فتحي يكن:
أخي الكريم محمد حفظك الله..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد؛
إن ظاهرة تراجع الروحانيات واحدةٌ من الظواهر الآخذة في الانتشار والتفاقم، وأسباب ذلك كثيرة:
منها ما يعود إلى عدم تكافؤ المناهج التربوية وضخامة التحديات الشيطانية.
ومنها ما يتصل بالبيئة والعشرة نفسها.
ومنها ما يعود إلى غلبة الهموم الدنيونية على الهموم الاخروية، والسياسية منها على التربوية.
ومنها ما يتصل بحالة الاستهلاك الإيماني المتزايد مقابل تراجع الإنتاج الإيماني الملحوظ.
وحول هذه الظاهرة المرضيَّة، كنت وضعت كتابًا عنوانه: "الإنسان بين هداية الرحمن وغواية الشيطان"، عرضت فيه لمعادلة الإنتاج والاستهلاك الإيماني غير المتكافئة، أرجو أن يكون موجودًا عندكم.. فإن تعذر يمكن إرساله إليك هدية حبٍّ في الله.
* عصر الاستهلاك الإيماني:
ابتداءً لابدَّ من الإشارة إلى أن هذا العصر يشهد استهلاكًا إيمانيًّا مريعًا من شأنه أن يدفع بالكثيرمن المسلمين وحتى الإسلاميين والدعاة إلى هاوية الإفلاس الإيماني، يقول تعالى: (فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيًّا)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء من بعدهم قوم: تسبق شهادتهم أيمانهم، وأيمانهم شهادتهم) رواه البخاري.. فنسأل الله تعالى الهدى والعصمة والثبات.
إن كل ما حولنا يصرفنا عن الله ويغرينا بالدنيا وشهواتها.. (زيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب)، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) رواه مسلم.
وأكتفي بعرض أنموذجٍ بسيطٍ حول عمليَّة الاستهلاك الإيماني في زحمةٍ من المواقع الاستهلاكية التي لا تبقي ولا تذر.(33/1480)
أمامي نشرة أسبوعية مجانية تقع في نحوٍ من أربعين صفحة، كل صفحةٍ فيها تمتلئ بعشرات الدعوات والدعايات التي تستهلك الإيمان والأخلاق والوقت والمال، ولا تترك للإنسان فرصةً للتنفس الإيماني السليم.
فهذه دعوةٌ إلى تنحيف الأجساد، وتأمين الأصدقاء، واستيراد الخادمات والحاضنات تتناسب مع جميع الأذواق والميزانيات، وعرض لمقاعد، وسيارات، وغيرها الكثير..
هذه مفردةٌ صغيرةٌ ومحدودةٌ من وسائل الاستهلاك الإيماني، يضاف إليها عالم الإنترنت، وعالم الفضائيات، وكل ما تمخَّض عنه العقل البشري ووضع في خدمة الشيطان.. فماذا يتبقى بعد ذلك؟
هل يتبقى وقت؟ هل يتبقى جهد؟ هل يتبقى عقل؟ هل يتبقى مال؟ هل يتبقى دين؟ هل تتبقى اخلاق؟ أما عن النتيجة، فالنتيجة: ضياع العمر وسوء المصير.
* كيف نواجه هذا الكم من قوارض الإيمان؟
إنه لابد من مشاريع إنتاجيَّة للإيمان تغالب الاستهلاك وتغلبه؛ إن ذلك يحتاج إلى قوة إرادة وعزيمة وصبر ومجاهدة نفس ومغالبة هوى لا تفتر ولا تتوقف.. إنه يحتاج إلى إنماءٍ إيمانيٍّ يماثل حجم الاستهلاك الإيمانيّ على الأقل.
إن صوم رمضان، وأداء مناسك العمرة والحج، وإقامة الصلاة فرائض ونوافل، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقراءة كتاب الله، وذكر الموت، والنهوض بواجب الدعوة إلى الله، والإسهام قدر المستطاع بأحد جوانب الجهاد في سبيل الله.. هذه وغيرها محطاتٌ للإنتاج الإيماني، ومعارج رقيٍّ وارتقاءٍ إلى الله عز وجل نحن مطالبون بالتعرض لها، إنفاذًا لأمر الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم: (افعلوا الخير دهركم، و تعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده،) رواه الطبراني وقال الألباني حديث حسن، والتعرُّض لها هنا يعني الإقبال عليها والاستفادة منها.
* التنمية الإيمانيَّة:
إن من ركائز التنمية في الإسلام ما يتصل بالإيمان، فالإيمان يجب أن ينمو باضطراد، وكل تعطُّل في عملية التنمية الإيمانية ينعكس سلبًا في حياة الإنسان وسلوكه ومجمل تصرفاته، كما ينعكس بالتالي على المجتمع كلّه.
- شواهد قرآنية:
يقول الله تعالى: (وإذا ما أنزلت سورةٌ فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانًا فأَمَّا الذين آمنوا فزادتهم إيمانًا وهم يستبشرون).
ويقول سبحانه: (إنَّما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربِّهم يتوكلون).
ويقول عز من قائل: (ويزيد الله الذين اهتدوا هدىً والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثوابًا وخيرٌ مردًّا).
ويقول جل جلاله: (إذا يتلى عليهم يخرُّون للأذقان سجَّدًا * ويقولون سبحان ربِّنا إن كان وعد ربِّنا لمفعولاً * ويخرُّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعًا).
وقال سبحانه: (ولمَّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانًا وتسليمًا).(33/1481)
وقال عزَّ وجلَّ: (الذين قال لهم الناس إنَّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل).
- شواهد نبويَّة:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من جرعةٍ أحبُّ إلى الله من جرعة غيظٍ كظمها عبدٌ ابتغاء وجه الله) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم) رواه الطبراني وصححه الألباني.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (إيَّاكم ومحقِّرات الذنوب، فإنَّهنَّ لا يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه) رواه أحمد وصححه الألباني.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) رواه البخاري.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات)؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط) رواه مسلم.
ويقول صلى الله عليه وسلم عن ربِّه عز وجل في حديث قدسي: (إذا تقرَّب العبد إليَّ شبرًا تقرَّبت إليه ذراعًا، وإذا تقرَّب إليَّ ذراعًا تقرَّبت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة) رواه البخاري.
ويقول صلى الله عليه وسلم عن ربِّه عزَّ وجلَّ في حديث قدسي: (من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي وصححه الألباني.
وصدق الشاعر إذ يقول:
رأيت الذنوب تميت القلوب ....... وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب ....... وخير لنفسك عصيانها
* التنمية العبادية:
ويتناول الإسلام الجانب العبادي، فيدعو إلى العناية بها "نوعًا" والإكثار منها "كمًا"، وبذلك تبقى العبادة في تجدُّدٍ وتألق، وفي تنامٍ دائمٍ ومستمر.
- من الشواهد القرآنية:
قوله تعالى: (قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون).
وقوله تعالى: (إنَّهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين).(33/1482)
وقوله تعالى: (الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربِّهم يتوكَّلون).
وقوله تعالى: (وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين).
- ومن الشواهد النبوية:
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه ليغان على قلبي. وإني لأستغفر الله، في اليوم، مائة مرة) رواه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها) رواه البخاري.
* ماذا ترك رمضان فينا؟
إنَّ من حقِّ الله علينا -وقد انقضى شهر رمضان- من حقِّ الله أن نرى ماذا جنينا فيه؟؟
أن نجري بيننا وبين أنفسنا كشف حساب، كما يفعل التجار عقب كلِّ موسمٍ وبعد كلِّ حصاد، يجرون الحساب، ليتأكدوا من أنهم يربحون ولا يخسرون، ويتقدمون ولا يتأخرون، فإن تحقق لهم الربح الوفير سعدوا واطمأنوا، وإن وجدوا غير ذلك، فتشوا عن السبب، وعالجوه حتى لا تتكرر خساراتهم، وتمنى بالإفلاس تجارتهم، وحيث لا ينفع الندم.. (فاليوم عملٌ ولا حساب، ويوم القيامة حسابٌ ولا عمل).
إنَّ من حقِّ الله علينا بعد كلِّ موسمٍ من مواسم الخير أن نتفحَّص حالنا:
هل أضاف الموسم جديدًا على حياتنا؟؟
هل حصل تحسُّنٌ ما في عبادتنا؟؟
هل وقع تحوُّلٌ ما في أخلاقنا ومعاملاتنا؟؟
هل ازداد خشوعنا لله، وخوفنا من الله، ومراقبتنا لله؟؟
هل حصل نموٌّ ما في التزامنا بشرع الله، ونزولنا عند حكمه؟؟
كيف هي علاقاتنا بالآخرين، واهتمامنا بشؤونهم، ومشينا في حاجتهم؟؟
كيف هو حال عطائنا التربوي في أسرنا وبيوتنا؟؟
كيف هو حال نشاطنا الدعوي ودورنا الحركي في مجتمعنا وأمتنا؟؟
كلُّ هذه الأسئلة وغيرها لابد وأن نطرحها على أنفسنا، وأن نصارح بها أنفسنا، قبل أن تطرح علينا ونحاسب عنها، وجميعنا يعلم أنَّنا معنيون بقوله تعالى: (كلُّ نفسٍ بما كسبت رهينة)، وبقوله: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى).
فالبدار البدار -أخي الحبيب- لتنمية ما حسُن، وإصلاح ما فسد، وتقويم ما اعوج.. ولتكن معركتنا مع نفوسنا الأمارة بالسوء صارمة دائمة، كما مع شياطيننا التي لا تفتأ تنصب لنا شراك الغواية، وتزيِّن لنا ما قبحه الشرع، وما حذر منه ونهى عنه رب العزة والجلال، حيث قال: (إنَّ الشيطان لكم عدوٌّ فاتخذوه عدوًا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب الجحيم).(33/1483)
وهلمَّ معي أيها الأخ الكريم، نتفحَّص سلوك الصالحين، ونحذوا حذو آبائنا الأولين، من الغرِّ الميامين الذين كانوا في منازلةٍ دائمةٍ مع نفوسهم، حيث يطالعنا في هذا المقام، ما نظمه الإمام البوصيري في قصيدته "البردة الشريفة"، حيث يقول:
والنفس كالطفل إن تهمله شبَّ على ....... حبِّ الرضاع، وإن تفطمْه ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه ....... إن الهوى ما تولى يُصمِ أو يَصِم
واستفرغ الدمع من عينٍ قد امتلأت ....... من المحارم والزم حِمية الندم
وخالف النفس والشيطان واعصِهما ....... وإن هما محضاك النصح فاتهم
جعلني الله وإيَّاك من الذين يستمعون القول والموعظة والتذكرة، فيتبعون أحسنها، ومن الذين رضي عنهم ورضوا عنه، والله يتولى الصالحين، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــ
كيف نتعلم التأدب مع الله تعالى؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم، من فضلكم علموني كيف أتأدَّب مع الله تعالى، أن ألوم نفسي، ولا أعاتب خالقي، وأن لا أسيء الظنَّ به لما يحدث لي دون أن أرى نصرًا منه أو بادرة أملٍ على الصعيد الشخصي. و جزاكم الله عنِّي كلَّ خير. ... السؤال
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أخي الكريم عمرو؛
التأدُّب مع الله تعالى حديثه يطول، وهو ذو شجونٍ كثيرة.
إنَّه حديث الدرجات العليا من الناس، حديث عباد الله تعالى حين يقفون بين يدي خالقهم سبحانه.. يعبدونه، يدعونه، ويبتغون عنده العزة.
إنَّه حديث أولياء الله تعالى المفلحون، حديث من أوجد عندهم الأدبُ مع الله تعالى نوعًا من الحساسية واليقظة؛ الحساسية حين تأبى نفوسهم كل ما قد يخلُّ بتلكم العلاقة المتينة مع ربهم سبحانه، واليقظة التي تجعلهم منتبهين حين يحدث هذا الخلل، حتى لا يقعوا فيه من حيث لا يشعرون.
وأورد أمثلةً لهذه الحساسية وتلكم اليقظة وردت عن أنبياء الله تعالى عليهم السلام:
- إبراهيم عليه السلام لما قال: (الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضتُ فهو يشفين).. فهو لم يقل: "والذي يمرضني ويشفين"، وإنما قال: (وإذا مرضت)، فنسب إبراهيم عليه السلام المرض إلى نفسه، مع أنَّه نسب الهداية والطعام والسقيا والشفاء إلى الله ربّ العالمين.
- المسيح عيسى عليه السلام لما يسأله الله عز وجل يوم القيامة: (وإذ قال الله يا عيسى بن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) لم يُجب عيسى عليه السلام بقوله: لم أقل ذلك يا ربي؛ وإنما قال: (قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقٍّ إن كنتُ قلتُه فقد علمتَه تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنَّك أنت علام الغيوب).(33/1484)
- موسى عليه السلام لما نزل مدين قال: (ربِّ إني لما أنزلتَ إليَّ من خيرٍ فقير)، لم يقل: يا ربِّ لم تنزل عليَّ الخير، وإنما قال: (إني لما أنزلت إليَّ من خيرٍ فقير) فالخير قد نزل عليَّ ولكنَّني ما زلت فقيرًا.
- أيوب عليه السلام قال: (وأيوب إذ نادى ربه أني مسنِّي الضرُّ وأنت أرحم الراحمين)، لم يقل: عافني واشفني، وإنما قال: (وأنت أرحم الرَاحمين)، كما أنه رغم أنه بقي سنين طوالاً يعاني أشكالاً من العذاب البدنيِّ والنفسيِّ والاجتماعيِّ، رغم أنَّه عانى كل ذلك إلا أنَّه لما خاطب خالقه جل وعلا وصف كل عذاباته تلك بأنها "مسٌّ"، كأنها شيئًا خفيفًا أصابه أو مسَّه، وهذا من قمة الأدب.
وغير ذلك أمثلةٌ كثيرة.
لذلك حينما نتعرَّض لهذا الحديث فإننا نتعرَّض لأهل الله تعالى وخاصته، وهم من نحتاج أن نصل إلى ما وصلوا، وأن نبلغ ما بلغوا، وهي سلعة الله تعالى الغالية.
وكي يتحقَّق كل ذلك، علينا أن نعي جيِّدًا أن الأمر لن يحدث في يومٍ وليلة، بل هو يحتاج درايةً ودُربةً وصبرًا ومصابرةً ودأبًا وجدًّا، وهو سهلٌ حين ييسره الله تعالى لمن صدق النيَّة وأحسن التوجُّه، وهو أبعد من النجوم والأفلاك حين يداخل النيّة شائبةٌ من رياءٍ أو كبرٍ أو شراكة، والله تعالى أغنى الشركاء سبحانه: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه) رواه مسلم.
لذا وجب التنبيه قبل الولوج.
والمسلم هو إنسانٌ يصيبه ما يصيب البشر، ويعتريه ما يعتريهم، فهو قد ييأس في لحظة، وقد يملُّ في أخرى، وقد يضجر في ثالثة، وقد يضيق ذرعًا حين تشتدّ عليه المصاعب والابتلاءات، فينطق قلبه قبل لسانه بعبارات التأفف، وتساؤلات الـ"لماذا"؛ لماذا أنا؟ لماذا كل هذا؟ لماذا تضيق عليَّ الدنيا؟ لماذا يعاقبني ربي؟ لماذا.. لماذا...
كل هذا شعورٌ إنسانيٌّ بشريٌّ طبيعيّ.. لا أقول أنّه واجب الوجود، ولا أبرر وجوده، ولكنني أؤكِّد أنَّه طبيعيٌّ إن ظهر وبدا، أمَّا غير الطبيعي فهو أن يتمادى الإنسان في هذا الشعور، أو أن يتعدَّى الأمر إلى أفعال تدل على الاعتراض على قضاء الله تعالى وقدره.
وغني عن الذكر أن نقول أنَّ أولياء الله تعالى وخاصته لا يعتريهم هذا الشعور، ولا يداخلهم ولو للحظة، لأنَّهم يعرفون مع من يتعاملون، وإلى من هم منتمون؛ جلَّ شأن ربنا وعزَّ.
أمَّا كيف يصل الإنسان إلى التأدُّب مع الله تعالى، فعبر إدراك النقاط التالية:
النقطة الأولى:
ما ذكرته آنفًا من أنَّ الأمر لا يوجد في النفس في يومٍ وليلة، وإنَّما هو تراكماتٌ من صدق النيَّة، وإخلاص التوجُّه لله تعالى، والصبر والمصابرة على ذلك، وإعطاء هذا وقته ومدَّته كي يتحقَّق ثمَّ يثبت في القلب.
النقطة الثانية:(33/1485)
استحضار قدره سبحانه، وعظمته جلَّ شأنه، وهو من أهمّ وأدعى الأسباب لتثبيت التأدب مع الله تعالى في النفس، وهذا يأتي عبر تدبر آيات القرآن الكريم التي وصف فيها الله تعالى نفسه، ومنها:
- (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشرٍ من شيءٍ قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا وعُلِّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون).
- (ما قدروا الله حقَّ قدره إنَّ الله لقويٌّ عزيز).
- (وما قدروا الله حقَّ قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويَّاتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون).
- (وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسًا).
- (وعنت الوجوه للحيِّ القيوم).
- (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكَرهًا وظلالهم بالغدُوِّ والآصال * قل من ربُّ السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كلّ شيءٍ وهو الواحد القهَّار).
- (قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار).
- (فلا تحسبنَّ الله مخلفَ وعدِه رسلَه إنَّ الله عزيزٌ ذو انتقام، يوم تُبَدَّل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهَّار).
- (قل إنَّما أنا منذرٌ وما من إله إلا الله الواحد القهار * ربّ السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار).
- (رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق * يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار).
- (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثمَّ إذا دعاكم دعوةً من الأرض إذا أنتم تخرجون * وله من في السماوات والأرضِ كلٌّ لَه قانتون * وهو الذي يبدأ الخلق ثمَّ يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم).
ومما يعين في تثبيت عظمة الله تعالى في النفس التفكُّر في عظم خلقه جلَّ وعلا.. الجبال الشاهقات الراسيات، السماء والنجوم والكواكب بضخامتها وكبر حجمها وبعد مسافاتها؛ التدبر في مخلوقات الله تعالى في شكل خلقتها، وفي طريقة حياتها، وفي تناسقها وتوافقها مع بيئتها وطبيعتها، في الأرض كيف تنبت ثمرها المختلف الألوان، في أنفسنا وكم فيها من آياتٍ وعِبَر؛ في.. وفي.. وفي..: (خلَق السماوات بغير عَمَدٍ ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبثَّ فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوجٍ كريم * هذا خلْقُ الله فأروني ماذا خلق الذين من(33/1486)
دونه بل الظالمون في ضلالٍ مبين)، (وفي الأرض آياتٌ للموقنين * وفي أنفسكم أفلا تبصرون).
حين ندرك عظمة ربنا سبحانه ونقدره حقَّ قدره، لن نستطيع ولو للحظة أن نتجاوز حدود الأدب معه جلَّ شأنه.
النقطة الثالثة:
تذكُّر نعم الله تعالى على العبد، تلك النعم التي تستوجب الحمد والشكر، ولا يستقيم معها تجاوز الأدب مع المنعم المتفضل علينا جل شأنه.
ولتتأكد هذه النقطة نذكر أنَّ يوم القيامة يبدأ بحمد الخلائق لله تعالى، ويُختتم هذا اليوم بحمده سبحانه، قال تعالى: (يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلاً) أي يوم يدعوكم للخروج من قبوركم للحشر فيستجيب الخلق بحمده سبحانه، ثمّ حين يدخل أهل النار النار، ويدخل أهل الجنة الجنة، يُختَم هذا اليوم بالحمد كمال قال تعالى: (وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله ربّ العالمين).
فالحمد هو لغة يوم القيامة، وهو الأمر الذي لا يستطيع إنكاره مخلوقٌ في مثل هذا الوقت حيث الصدق هو الملاذ، وهو المنجي.
نِعم الله تعالى أكثر وأكبر من أن تُحصى: (وإن تعدُّوا نعمة الله لا تحصوها إنَّ الإنسان لظلومٌ كفَّار)، (وإن تعدُّوا نعمة الله لا تحصوها إنَّ الله لغفورٌ رحيمٌ).
الصدق يوم القيامة يعني الحمد.
النقطة الرابعة:
اليقين في رحمة الله تعالى وعفوه ومغفرته، ورجاء فضله سبحانه، فحين يستذكر المسلم ما ورد في القرآن الكريم من آيات رحمة ربنا سبحانه وفضله علينا، يستحيي من نفسه أن يقابل كل ذلك بتجاوز حدود الأدب مع المنعم الرحمن الرحيم سبحانه، فيغرس التأدب مع الخالق عز ذكره في نفسه.
ومن آيات الرحمة والرجاء:
- (واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء).
- (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنَّ الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم).
- (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبِّحون بحمد ربِّهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربَّنا وسعت كلَّ شيء رحمة وعلمًا فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم).
- (فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين).
- (والله يختصُّ برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم).
- (يختصُّ برحمتهِ من يشاء والله ذو الفضل العظيم).
- (وادعوه خوفًا وطمعًا إنَّ رحمة الله قريب من المحسنين).
- (قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون).
- (وهو الذي يُنزِّل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الوليُّ الحميد).(33/1487)
- بل بلغت رحمة الله تعالى بنا أن جعل الاستغفار لأهل الأرض من المؤمنين من واجبات الملائكة، فقال تعالى:
* (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبِّحون بحمد ربِّهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربَّنا وسعت كل شيء رحمةً وعلمًا فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم).
* (والملائكة يسبِّحون بحمد ربِّهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إنَّ الله هو الغفور الرحيم).
فكما تسبح الملائكة بحمد ربها سبحانه، فإنها تستغفر للمؤمنين وتدعو لهم.
النقطة الخامسة:
هي ما يعرف في كتب الرقائق وتزكية النفوس بالمشارطة والمراقبة والمحاسبة، بأن يشارط المسلم نفسه على ألا تعصي الله تعالى، وألا تتجاوز حدوده، ثم يراقب هذه النفس، ويحاسبها، فيكافئها على الالتزام، ويعاتبها على التقصير، وهذا يحتاج صدقًا، ومجاهدةً للنفس.
هذه المشارطة والمراقبة والمحاسبة تربي النفس على أن تعرف حدودها، وقدرها، فلا تتجاوز ذلك بحالٍ حين تتعامل مع خالقها العظيم عزَّ ذكره، فيتكون فيها الأدب خطوةً خطوة، حتى تصل لدرجات أنبياء الله تعالى عليهم السلام، والصالحين من العباد رضي الله عنهم، وجعلنا منهم.
وحين يتحقق الأدب مع الله تعالى تبدو مظاهره عبر أعمال المسلم وحركاته، وأمثلة ذلك كثير:
- أن يبلغ مرتبة الإحسان التي وردت في الحديث: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك) متفقٌ عليه، فيستشعر وجود الله تعالى في كلِّ حال وكأنه يراه جلَّ شأنه، وهي مرتبةٌ عاليةٌ عالية.
- أن يتواجد الإحساس بعظمة الله تعالى حين يُذكَر أمامه، وأن يكون العبد رقيق القلب يتحرك قلبه بمجرد أن يرد ذكر الله تعالى، فيخبت ويرقّ ويلين لهذا الذكر.
- أن يتأدب في مخاطبة الله تعالى ودعائه، كما ورد في الحديث عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنَّينَّ أحدكم الموت لضرٍّ نزل به، فإن كان لا بدَّ متمنِّيًا للموت فليقل: اللهمَّ أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفَّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي) متفقٌ عليه.
وأن يوقن أن دعاءه قد استجيب وإن لم يرَ هو أثر دعائه، ففي الحديث: (ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها)، قالوا: إذًا نُكثر؟ قال: (الله أكثر) رواه أحمد وأبو يعلى والبزار بسندٍ صحيح.
- أن يتقبل الابتلاءات أيًّا كانت، وأن يعرف أن ما أصابه من ابتلاء هو رحمةٌ له أو عقابٌ على معصيةٍ منه، وفي الحالين هو خيرٌ له، ففي الحديث: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كلَّه خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له) رواه مسلم.(33/1488)
وليتذكر العبد حين يُبتلى حجم هذا الابتلاء في مقابل النعم الكثيرة التي أسبغها الله تعالى عليه، ليجد أن المقارنة مستحيلة.
إن حال المتأدب مع الله تعالى عند البلاء كحال أيوب عليه السلام: (إذ نادى ربه أني مسنِّي الضرُّ وأنت أرحم الراحمين).
- ألا ينشغل المسلم عن ربه تعالى في صلاته، وهذه مظاهرها كثيرة، منها:
* النهي عن رفع المصلي بصره في الصلاة، فهذا من كمال أدب الصلاة أن يقف العبد بين يدي ربه مطرقًا خافضًا طرفه إلى الأرض، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
* النهي عن قراءة القرآن الكريم في الركوع والسجود: قال شيخ الإسلام أنّها من الأدب مع الله سبحانه؛ لأن القرآن كلام الله تعالى، وقال: "وحالتا الركوع السجود حالتا ذلٍّ وانخفاضٍ من العبد، فمن الأدب مع كلام الله ألا يُقرَأ في هاتين الحالتين".
* السكون في الصلاة: فقد ذكر أهل العلم معنيين في قوله تعالى: (الذين هم على صلاتهم دائمون):
الأول: دائمون بمعنى: مستقرون ثابتون، لا يكثرون الحركة كما يفعل كثيرٌ من الناس.
الثاني: المحافظة على الوقت، أي لا يخرجونها عن وقتها، فهم دائمون يداومون على الصلوات في أوقاتها، ويحافظون على أوقاتها، كما أنهم دائمون في الخشوع والطمأنينة.
- أن يتأدَّب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله تعالى هو الذي اختاره وأرسله بالوحي، وتأدُّب العبد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جزءٌ من تأدُّبه مع خالقه سبحانه الذي انتقاه وجعله رسولاً صلى الله عليه وسلم، فيستجيب لأوامر النبيِّ صلى الله عليه وسلم ونواهيه، ولا يتعدَّى على سنته، وأن يصلِّي عليه إذا ذُكِر، وأن يحترم أهل بيته فلا يتجاوز ذلك لا قولاً ولا فعلاً ولا قلبًا.
والحقيقة أنني أعجب كثيرًا ممن يستكثرون أن يكتبوا عبارة "صلى الله عليه وسلم" حين يذكرون النبي صلى الله عليه وسلم، فيكتبون رموزًا مثل "ص" أو "صلعم"، وأرى أنَّ هذا من قلَّة الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، فرسولنا عليه الصلاة والسلام أعظم شأنًا من أن نختصر وصفه ونعته، ويقال أنَّ أوَّل من كتب حرف "ص" للتدليل على "صلى الله عليه وسلم"، يقال أن أول من فعل ذلك قُطِعت يده لأنَّه اعتُبر سارقًا.
- أن يتأدَّب مع كتاب الله تعالى، فهو كلام الله تعالى، فلا يهجره، وحين يقرأه ينصت له، ولا ينشغل عنه، ويلتزم بما فيه من أوامر ونواهي.
أخي الكريم عمرو؛
هذه بعض مظاهر التأدُّب مع الله تعالى، وقد سبقتها بطرق الوصول إلى هذا التأدُّب، وسُبق كلُّ ذلك بأمثلةٍ من أدب الأنبياء عليهم السلام.
وأود أن أشير نهايةً إلى حديثٍ يبين فيه رسولنا صلى الله عليه وسلم عِظَم ذنب من يتجاوز حدوده مع الله تعالى، ففي الحديث عن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّث: (أنَّ رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإنَّ الله تعالى(33/1489)
قال: من ذا الذي يتألَّى عليَّ أن أغفر لفلان ؟ إنِّي قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك ) رواه مسلم .
وهذا من أدلِِّ الدلائل على وجوب التأدب مع الله سبحانه في الأقوال والأفعال، وتحريم الإدلال على الله جلَّ شأنه مهما كان حال العبد من العبادة والطاعة، ومهما كان حال الآخرين من المعاصي والذنوب، وكم من "الملتزمين" من يفعل ذلك للأسف.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص والأدب معه عزَّ شأنه، وأن يجعلنا من أهله وخاصته جلَّ ذكره.. اللهم آمين.
ـــــــــــــــــــ
علامات حب الله للعبد ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
ما هي علامات محبة الله للعبد ورضاه عنه؟ ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الشيخ عبد الحميد البلالي:
"يسأل الأخ الفاضل شادي عن علامات حب الله للعبد، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حرصه على محبة الله تعالى، وعلى العلامات الصحيحة الدالة على ذلك ليميز بين الوهم والحقيقة. وعلامات حب الله للعبد كثيرة ذكر الله بعضها في القرآن الكريم وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم البعض الآخر في سنته الشريفة ومن أبرز هذه العلامات ما يلي:
1 - اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم: حيث قال تعالى في كتابه الكريم "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم" فحب الله لعبده مرتبط ارتباطًا وثيقًا باتباع هذا العبد لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بكل ما قال وما عمل.
2 - محبة المؤمنين والتواضع لهم: حيث قال تعالى في كتابه الكريم "يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين" في هذه الآية ذكر لصفات القوم الذين يحبهم الله، وكانت أولى هذه الصفات التواضع وعدم التكبر عليهم، وتقديم المسامحة والعفو على الانتقام، ويبتعد عن الخلاف الذي يوغر الصدور.
3 - أعزة على الكافرين: فلا يذل لهم ولا يخضع، ولا يتبعهم ويأخذ منهم القوانين والأخلاق، ولا يواليهم ويعينهم على المسلمين، وأن يشعر أن ما لديه أرفع مما لديهم من الباطل.
4 - يجاهدون في سبيل الله: وهي الصفة الثالثة التي ذكرت في الآيات، ومعنى الجهاد: جهاد الأعداء وجهاد النفس وإخضاعها لما يحب الله، جهاد الشيطان وما يلقي في النفس من الباطل، جهاد الهوى فهو في تزكية دائمة لنفسه، حتى يصل إلى الجنة.(33/1490)
5 - ولا يخافون لومة لائم: وهي الصفة الرابعة في الآيات، فعندما يقوم بواجبه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يهمه من يلومه، وكذلك إذا ما قام بالتزامه بأوامر دينه لا يهمه من يستهزئ به ويلومه، كما لا يكون هذا اللوم عائقًا يمنعه من القيام بواجبه.
6 - القيام بالفرائض:وذلك لما جاء في صحيح البخاري "من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ... ".
7 - القيام بالنوافل: وتكملة الحديث السابق "وما زال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه" والنوافل كل عبادة ليست فرضًا، كقراءة القرآن والصدقات والأذكار وزيارة المقابر ومساعدة الضعفاء.
8 - الحبّ في الله: حيث ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه ما رواه أحمد وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه: "حقت محبتي للمتحابين فيّ..." فكلما أحببت أخاك في الله أحبك الله.
9 - التواصل في الله: وتكملة الحديث السابق "وحقت محبتي للمتواصلين فيّ..." أي أن تكون العلاقات والصلة مبنية على محبة الله لا لمصلحة من مصالح الدنيا.
10- التناصح في الله: تكملة الحديث "وحقت محبتي للمتناصحين فيّ...".
11- التزاور في الله: "وحقت محبتي للمتزاورين فيّ...".
12- التباذل في الله: "وحقت محبتي للمتباذلين فيّ ... " أي يبذل كل منهم ما لديه لأخيه لله وليس لأي غرض من أغراض الدنيا.
هذه بعض صفات محبة الله للعباد نسأل الله تعالى أن نكون من عبيده الذين يحبهم".
وهناك أيضاً حبّ الناس له والقبول في الأرض ، كما في حديث البخاري: "إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض".
وأوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم أسباب حبِّ الناس له في الحديث: "أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربةً، أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً، ولئن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً، في مسجد المدينة، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يثبتها له ثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام" المعجم الصغير".
ويضيف الدكتور كمال المصري:
انتهت إجابة الشيخ البلالي حول علامات وأسباب حبِّ الله للعبد، وللإمام أبي حامد الغزالي كلامٌ طيبٌ في علامات محبة الله للعبد، يجدر بنا ذكره هنا رغم طوله: "اعلم أن المحبة يدعيها كل أحد، وما أسهل الدعوى وما أعز المعنى. فلا ينبغي أن يغتر الإنسان بتلبيس الشيطان وخدع النفس مهما ادعت محبة الله تعالى، ما لم يمتحنها بالعلامات، ولم يطالبها بالبراهين والأدلة، والمحبة شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وثمارها تظهر في القلب واللسان والجوارح، وتدل تلك الآثار الفائضة(33/1491)
منها على القلب والجوارح على المحبة دلالة الدخان على النار، ودلالة الثمار على الأشجار.
وهي كثيرة، فمنها حب لقاء الحبيب بطريق الكشف والمشاهدة في دار السلام، فلا يُتَصَوَّر أن يحب القلب محبوبًا إلا ويحب مشاهدته ولقاءه، وإذا علم أنه لا وصول إلا بالارتحال من الدنيا ومفارقتها بالموت فينبغي أن يكون محبًا للموت غير فارٍّ منه، فإن المحب لا يقل عليه السفر عن وطنه إلى مستقر محبوبه ليتنعم بمشاهدته، والموت مفتاح اللقاء، وباب الدخول إلى المشاهدة، قال صلى الله عليه وسلم: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه".
ومنها: أن يكون مؤْثِرًا ما أحبه الله تعالى على ما يحبه في ظاهرة وباطنه، فيلزم مشاقّ العمل ويجتنب اتباع الهوى، ويعرض عن دَعة الكسل، ولا يزال مواظبًا على طاعة الله ومتقربًا إليه بالنوافل، وطالبًا عنده مزايا الدرجات كما يطلب المحب مزيد القرب في قلب محبوبه، وقد وصف الله المحبين بالإيثار فقال: "يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة".
ولذلك قال ابن المبارك فيه:
تعصي الإله وأنت تظهر حبَّه... هذا لعمري في الفعال بديعُ
لو كان حبُّك صادقًا لأطعته... إن المحب لمن يحب مطيعُ
ومنها: أن يكون مستهترًا (المستهتر بالشيء: المولع به) بذكر الله تعالى، لا يفتر عنه لسانه ولا يخلو عنه قلبه، فمن أحب شيئًا أكثر بالضرورة من ذكر ما يتعلق به، فعلامة حب الله حب ذكره، وحب القرآن الذي هو كلامه، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحب كل من ينسب إليه.
ومنها: أن يكون أنسه بالخلوة، ومناجاته لله تعالى، وتلاوة كتابه، فيواظب على التهجد، ويغتنم هدوء الليل وصفاء الوقت بانقطاع العوائق، وأقل درجات الحب التلذذ بالخلوة بالحبيب والتنعم بمناجاته، فمن كان النوم والاشتغال بالحديث ألذ عنده وأطيب من مناجاة الله كيف تصح محبته؟
ومنها: أن لا يتأسف على ما يفوته مما سوى الله عز وجل، ويعظم تأسفه على فوت كل ساعة خلت عن ذكر الله تعالى وطاعته، فيكثر رجوعه عن الغفلات بالاستعطاف والاستعتاب والتوبة، قال بعض العارفين: إن لله عباداً أحبوه واطمأنوا إليه، فذهب عنهم التأسف على الفائت، فلم يتشاغلوا بحظ أنفسهم إذ كان مُلك مليكهم تامًا، وما شاء كان، فما كان لهم فهو واصل إليهم، وما فاتهم فبحسن تدبيره لهم.
ومنها: أن يتنعم بالطاعة ولا يستثقلها، ويسقط عنه تعبها، كما قال بعضهم: كابدتُ الليل عشرين سنة، ثم تنعمتُ به عشرين سنة.
وقال الجنيد: علامة المحب دوام النشاط والدءوب، بشهوة تفتر بدنه ولا تفتر قلبه.
ومنها: أن يكون مشفقًا على جميع عباد الله، رحيمًا بهم، شديدًا على جميع أعداء الله وعلى كل من يقارف شيئًا مما يكرهه، كما قال الله تعالى: "أشداء على الكفار رحماء بينهم"، ولا تأخذه لمة لائم، ولا يصرفه عن الغضب لله صارف.(33/1492)
ومنها: أن يكون في حبه خائفًا متضائلاً، تحت الهيبة والتعظيم، وقد يظن أن الخوف يضاد الحب، وليس كذلك، بل إدراك العظمة يوجب الهيبة، كما أن إدراك الجمال يوجب الحب، ولخصوص المحبين مخاوف في مقام المحبة ليست لغيرهم، وبعض مخاوفهم أشد من بعض.
فأولها: خوف الإعراض، وأشد منه خوف الحجاب، وأشد منه خوف الإبعاد، وهذا المعنى في سورة هود هو الذي شيب سيد المحبين (إشارة إلى حديث قوله صلى الله عليه وسلم: "شيبتني هود") إذ سمع قوله تعالى: "ألا بُعْدًا لثمود"، "ألا بعدًا لمدين كما بعدت ثمود"".
وأبرز ملاحظةٍ في هذه العلامات والأسباب أنها في معظمها أفعالٌ إنسانيةٌ تعاملية، ترتبط بالمجتمع والناس وحياتهم وسلوكهم.
أخي الداعية: تريد حبَّ الله تعالى؟ التزم الفرائض وتزود بالنوافل، واتبع نبيك صلى الله عليه وسلم، وكن نافعاً للناس، شاركهم حياتهم، زرهم، ابذل لهم، اخدمهم، اسع في حاجتهم، أدخل السرور إلى قلوبهم.
افعل ذلك وسينادي الله تعالى جبريل عليه السلام ليخبره أنه يحبك...
ـــــــــــــــــــ
بقايا إنسان.. إيمانيّا ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم، نظراً لما رأيت من اهتمامكم بقضايا الشباب والجميع بشكلٍ عام، فقد قررت أن أكتب لكم عن همِّي: أنا ظاهريًّا ملتزمةٌ ومنتقبة، وفي الحقيقة عندي الكثير من المبادئ التي احترمها ولا أتنازل عنها، ولي قاعدة في حياتي أمشي عليها: "الإنسان مبدأ، فإن تنازل عن أحد مبادئه سهل عليه التنازل عن مبادئه الأخرى، وخسر نفسه". مشكلتي أن نفسي تضعف أحياناً كثيرة، وتنصاع لشيطاني، في وقت من الأوقات عشت مع أخوات تعلمت منهنَّ الكثير، وجمعتني بهنَّ طاعاتٌ كثيرة، لكن شاء الله أن أبتعد عنهن، ومع الوقت شيئاً فشيئاً تراجَعَتْ كل أرصدتي في الطاعات، لدرجة أنني فقط أصلي الفرائض! أنا حزينةٌ بسبب هذا الأمر، وأشعر أنني عندما كنت بينهنَّ وكنت أعمل الطاعات، بأن ذلك كان رياء، وأخاف أن يكون كذلك لعلمي بعاقبة المرائي، أرشدوني إلى طريقةٍ أعود فيها كما كنت، كانت دمعتي لا تجفُّ حينما أقرأ القرآن وحينما أسمعه في صلاة الجماعة، عرفتُ معنى الأخوة في الله، وأحسست بطعم السعادة الحقيقة في ظل الطاعة، أما الآن فأنا بقايا إنسان، الحزن يغمر قلبي، والخوف يملأ نفسي من يومٍ لا ينفع فيه الندم، وجزيتم خيراً على مسعاكم. ... السؤال
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أختي الكريمة فاطمة
أود في البداية أن أتقدم لك بشكري الجزيل على ثقتك بنا التي جعلتك ترسلين لنا استشارتك أو "همَّك" كما أسميته في الاستشارة، كما لا أخفي إعجابي بالمبدأ أو(33/1493)
القاعدة التي تمشين عليها: "الإنسان مبدأ، فإن تنازل عن أحد مبادئه سهل عليه التنازل عن مبادئه الأخرى، وخسر نفسه"، وهي قاعدة لو التزم بها المسلمون اليوم لكان ذلك كفيلاً بتغيير وجه الأرض.
واسمح لي أن أحدد نقاط النقاش التي وردت في "همِّك"، وهي:
1- قولك: "أنا ظاهريًّا ملتزمة".
2- ضعف النفس واتباع الشيطان.
3- الابتعاد عن الرفقة الطيبة.
4- الخوف من الرياء.
5- كيفية العودة لما كنت عليه من إيمانٍ ورقة قلب.
أما النقطة الأولى فاسمحي لي أن أؤخر التعليق عليها إلى آخر الاستشارة، وسأبدأ بالثانية والمتعلقة بضعف النفس واتباع الشيطان:
الحمد لله يا أختي الكريمة أن الله جعل ديننا متوافقاً تماماً مع طبيعة النفس البشرية وخباياها وتقلُّباتها، وكيف لا وهو دين الله تعالى القائل: "ألا يعلم مَن خلق وهو اللطيف الخبير"، لذلك وصّف ديننا هذه الحالة المتقلبة تماماً، وأوضح موقفنا الدائم من الشيطان، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلا، قالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: "مالك يا عائشة، أغرت؟" فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقد جاءك شيطانك؟" قالت: يا رسول الله! أو معي شيطان؟ قال: "نعم"، قلت: ومع كل إنسان؟ قال: "نعم"، قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: "نعم، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم"رواه مسلم، قال القاضي عياض في شرح الحديث: "وفي هذا الحديث إشارةٌ إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه، فأعلمنا بأنه معنا، لنحترز منه بحسب الإمكان".
وهذا يوضح بما لا يدع مجالاً للشك طبيعة الحرب الدائمة بين المسلم وشيطانه، هذه واحدة، الثانية أن النبي صلى الله عليه وسلم أوضح في حديثٍ آخر تقلُّب النفس بين الهمة والفتور، فتارةً في علوّ، وأخرى في هبوط، قال صلى الله عليه وسلم: إن لكل عمل شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي، فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك" رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وروى الترمذي نحوه، وقال: حسن صحيح غريب، ولذلك نص العلماء على أن الإيمان يزيد وينقص.
فهذا حال الناس جميعاً وليس حالك وحدك، التقلب بين زيادة الإيمان ونقصانه، ومجاهدة الشيطان، وعلينا أن نحاول أن نحافظ على الحد الأدنى من الالتزام في حالة نقصان الإيمان، وهو ما وصفه الحديث بـ"فمن كانت فترته إلى سنتي، فقد اهتدى"، وأظنك تفعلين ذلك يا أختي، بدليل محافظتك على الفرائض بحمد الله تعالى.
النقطة الثالثة: الابتعاد عن الرفقة الطيبة الصالحة: لا أدري لماذا ابتعدتِّ عنهن يا أختي، فقد تعلمتِ منهنَّ وذقتِ معهنَّ حلاوة الطاعة، فلماذا ابتعدتّ؟ إن استطعتِ الاتصال والاجتماع بهنَّ فافعلي، أما إن كنت غيرتِ مكان إقامتك فابحثي عن رفقةٍ جديدةٍ حولك، ولن تعدمي الصالحات إن شاء الله، لأن ديننا حثنا على الاجتماع على(33/1494)
الخير، وعلى التواصي بالحق وبالصبر، قال تعالى: "والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"، وحذرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم من الابتعاد عن الجمع الصالح: "ما من ثلاثة نفر في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية "رواه الحاكم وقال: هذا حديثٌ صدوقٌ رواتُه.
فحاولي البحث عن الرفقة الصالحة المعينة على الخير من فضلك.
أما مسألة الخوف من الرياء –وهي النقطة الرابعة- فكلنا يجب أن يحذر منه حتى لا يُحبِط أعمالنا، ولكن الرياء شيء وما تصفينه من حالك شيءٌ آخر، فمن قال أن سبب الرياء هو تراجع طاعاتك الآن؟ الأمر ببساطة هو أن الرفقة الصالحة كانت تشجعكن جميعاً على الطاعة، فلما فقدتِّ هذه الرفقة في فترةٍ كانت نفسيتك فيها ليست على المستوى الإيماني الأمثل، لمَّا فقدتِّ هذه الرفقة فقدتِّ الحافز والمشجع ولم تنصرك نفسك حينها، فتراجعتِ وتراجعت، ليس بسبب أنك كنتِ ترائين ولكن لأنك في وضعٍ إيمانيٍّ ضعيف، أرجو أن تكون هذه النقطة واضحة، إذ أنها مدخلٌ هامٌّ وخطيرٌ يدخل منه الشيطان إلى النفوس، فيوسوس بأن ما نقوم به من أعمال ليس فيها إخلاص، وبالتالي علينا التوقف عن العمل حتى نصلح قلوبنا، فيجعلنا بذلك نقطع خيراً وطاعةً كنا نقوم بها، الصحيح يا أختي أن نستمر في أعمالنا وطاعاتنا وأن نجدد نيَّاتنا دائماً بتذكيرها بضرورة الإخلاص، أما ما سبق من عمل، فيحاول الشيطان الوسوسة فيه بأنه لم يكن خالصاً لله كي يبثَّ في نفوسنا اليأس فنقعد عن الطاعة والقربة لله تعالى، فلا يخدعكِ الشيطان يرحمك الله.
أما النقطة الخامسة وهي: كيفية العودة إلى الإيمان ورقة القلب، ففيها حديثٌ كثير، سأحاول جعله في نقاطٍ محددةٍ حتى يكون واضحا:
1- عليكِ أولاً البحث في سبب هذا الضعف الإيمانيِّ الذي اعتراك، فمعرفة السبب جزءٌ هامٌّ في العلاج، وتشخيص الطبيب لأسباب الداء أول خطوات وصف الدواء المناسب، افتقادك للرفقة الصالحة هو السبب الثاني، ولكن السبب الأول يكمن فيك، انظري في أحوالك ونفسك وظروفك، ما الذي تغيَّر؟ هل تعانين من مشاكل في محيط أسرتك ومجتمعك؟ هل هناك أمورٌ استجدَّت شغلت بالك وتفكيرك؟ هل من التزاماتٍ جديدةٍ عليكِ تحمُّلها؟ انظري في كل ذلك، حاولي أن تضعي كلاًّ في حيِّزه الطبيعي، لا تجعلي شيئاً أيًّا كان يتملك كلَّ تفكيرك ووقتك، فقط أعطه حجمه الحقيقيّ، وبذلك تستطيعين العودة لتركيزك وخشوعك إن شاء الله تعالى.
2- كما حدثتكِ من قبل: ابحثي عن الرفقة الصالحة المعينة على الخير.
3- حاولي استنباط الإيمان من المعاملة، وهي القضية التي أكدتُّ عليها من قبل كثيراً وأؤكد عليها الآن من جديد، خذي زادك الإيماني من التعامل.. ابتسمي في وجوه الناس تزدادي إيمانًا، أميطي الأذى عن الطريق، وتذكري أن من فعل ذلك وشكر الله غفر الله له، فاشكري الله، واستشعري مغفرة الله لك، عاملي الناس بخلقٍ حسنٍ تكوني بجوار نبيك صلى الله عليه وسلم، كوني سمحةً سهلةً لينةً مع الناس يرتفع إيمانك، باختصار: تقربي إلى الله بالمعاملة كما تقربت إليه بالطاعة.(33/1495)
4- لكل إنسانٍ بعض الطاعات المحببة له في التقرب إلى الله تعالى، أعمالٌ يحبها أكثر من غيرها، ويشعر من خلالها بالقرب من الله أكثر من أعمالٍ أخرى، وتختلف هذه الطاعات من شخصٍ لآخر، كلٌّ حسب نفسيته وطبيعته وفطرته، أمَا وأنت في هذه الحالة من الإحساس بالتراجع الإيمانيّ، فأنصحك بالإكثار من الأعمال التي تشعرك شخصيًّا أكثر من غيرها بقربك من الله عز وجلّ، إن كانت قراءة القرآن فأكثري من قراءته وفضليها على غيرها من النوافل والطاعات، وإن كانت في قيام الليل فالتزمي ببرنامجٍ مكثفٍ من قيام الليل زائدٍ عن الحدِّ الطبيعي الذي كنت تقومين به، وإن كان السجود فاستزيدي منه وأطيلي، وإن كان التصدق فأنفقي حتى لا تعلم شمالك ما تنفق يمينك، وهكذا.. أكثري من الأعمال المحببة إليك، والتي تزيدك قرباً من الله عز وجلّ، واسأليه سبحانه أن يعيد السكينة والهدوء إلى قلبك، وأن يرجع إليك العين التي لا تمسها النار "عينٌ بكت من خشية الله" كما في الحديث الذي رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ غريب.
5- أكثري من القراءة في الرقائق والتزكية، وفي سيرة الصالحين وهمَّتهم في العبادة، فهذا أدعى إلى تشجيعك وتنشيطك في العبادة، اقرئي هدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الاجتهاد في العبادة، وكيف كان صلى الله عليه يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، فتقول له السيدة عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! أتصنع هذا، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: "يا عائشة، أفلا أكون عبداً شكورا؟"كما ورد في الحديث المتفق عليه، كذلك طالعي سيرة الصالحين من الصحابة والتابعين في ذلك، لدرجة أن وُصِف الإمام الحسن البصري رحمه الله بأنه: "لو قيل له أن ملَك الموت واقفٌ فوق رأسه ليقبض روحه لما زاد من العمل"، وما ذاكَ إلا لأنه رحمه الله في عملٍ وطاعةٍ دائمة، افتحي من فضلكِ كتاب: "زاد المعاد في هدى خير العباد" للإمام ابن القيم لتقرئي هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وطالعي كتباً كـ: مجموعة كتب الإمام ابن القيم: طريق الهجرتين وباب السعادتين، الفوائد، مدارج السالكين، وكذلك مختصر منهاج القاصدين للإمام ابن قدامة المقدسي، الفتح الرباني والفيض الرحماني لشيخ الزهاد عبد القادر الكيلاني، الأمد الأقصى للإمام الدبوسي، كتاب الزهد وكتاب الرقائق للإمام ابن المبارك، وغيرها، فستجدي فيها الخير الكثير.
أختي الكريمة فاطمة:
هذا ما لديَّ من محاولات علاج ضعف الإيمان، ولم يبقَ إلا ما أجَّلتُه، وهو النقطة الأولى، قولك: "أنا ظاهريًّا ملتزمة"، فأطلب منكِ ألا تفكّري بهذه الطريقة، وألا تضعي نفسك في هذا المقام، مقام "الالتزام الظاهري"، فأنتِ على خيرٍ إن شاء الله، وما حديثك عن "همِّك" إلا أبرز دليلٍ على ذلك، فقلبك الحيُّ جعلك تسألين، ونفسُك المتقدةُ بالإيمان قادتك إلى استشارتنا، وهذه بالتأكيد دلائل حقيقية، وليست قشرةً ظاهرية.
لست يا أختِ "بقايا إنسان"، حوِّلي حزنك الذي يغمر قلبكِ إلى عملٍ وهمةٍ وطاعة، وجِّهي خوفك الذي يملأ نفسكِ من اليوم الذي لا ينفع فيه الندم إلى الاجتهاد كي يكون يوم فرحةٍ وهناءٍ وسعدٍ بلقاء الله تعالى، حين تلقَيْن الله تعالى بقلبٍ سليم.(33/1496)
همُّكِ يا أخت فاطمة ليس همَّكِ وحدك، هو همُّ كلِّ مسلمٍ يخاف ربه ويخشى ألا يكون من الفائزين يوم القيامة، والله تعالى تكفَّل بالهداية لمن يجاهد نفسه: "والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين".
وفقنا الله جميعاً كي نكون من المؤمنين الذين ينالون الفردوس الأعلى، وأبعد عنا جميعاً الزلل، وغفر لنا الخطأ والتقصير، وأتمنى لو تابعتِ حديثكِ إلينا ووافيتنا بـ"بشارتك" هذه المرة بدلاً من "همِّك"، وأعلمتنا بما يستجدُّ معك، والله معك.
ـــــــــــــــــــ
الطريق إلى الجنة ... العنوان
بسم الله الرحمن الرحيم.. إخواني؛ والله لا أعرف ماذا كنت أفعل بدون موقع إسلام أون لاين، علَّمتموني الكثير.. تربَّيت في كنف كلماتكم.. عرَّفتموني الحقيقة.. أريتموني الحقّ وأبعدتموني عن الباطل.. لا أجد ما أشكركم به إلا أنَّني أقول لكم إنِّي أحبُّكم في الله. سؤالي قصير هو: ما هي الطريقة الصحيحة لنيل الجنة؟ والسؤال الثاني: أنَّني فتاةٌ أبلغ من العمر 18عامًا وأتمنَّى أن أتديَّن، فما هي الطريقة الصحيحة للتديُّن؟ و جزاكم الله خيرًا. ... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الدكتور محمد محمود منصور:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد؛
شكر الله لكم حبَّكم لإسلامكم، و جزاكم خيرًا على حرصكم عليه وعملكم له.
الأخت الكريمة؛
إنَّ نيل الجنة لا يكون إلا بالتديُّن! أي باتباع دين الإسلام.
إنَّ دخول الجنة سهلٌ ميسورٌ لمن أراده!
إنَّ الله تعالى لم يخلق خلقه ليتعسهم، بل ليسعدهم بفترة حياةٍ قصيرةٍ على الأرض سعيدةً بنظام الإسلام وأخلاقه، ليقارنوا نعيمها القليل الذي قد يشوبه بعض الجهد بنعيم الآخرة الهائل الصافي الدائم، فيستشعروا عظيم كرم الله عليهم لمَّا يدخلوا جنَّته ويستقرُّوا فيها خالدين أبدًا، وهذا هو بعض معاني قوله تعالى: (ولذلك خلقهم) أي خلقهم للرحمة والسعادة والنعيم الخالد لا للعذاب والتعاسة.
إن دخولها سهلٌ وميسورٌ لمن اتخذ أسباب ذلك، كما يقول صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنَّة إلا من أبى)، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى).
إنَّ أسباب دخولها الإيمان والعمل الصالح كما يقول تعالى: (وبشِّر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنَّ لهم جنَّات تجري من تحتها الأنهار).
إيمانٌ بوجود خالقٍ كريمٍ رزاقٍ معينٍ عادلٍ من خلال تدبُّر مخلوقاته الدقيقة العظيمة، وبوجود حسابٍ ختامي في آخر الحياة من أجل تمام العدل، فليس من أحسن كمن أساء (أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحمون)!! فذلك يدفع لحسن العمل أوَّلاً بأول.(33/1497)
ثم عملٌ صالحٌ بنظام الإسلام وأخلاقه في كل صغيرة وكبيرة.. مع الوالدين، والأقارب، والجيران، والزملاء، والأصحاب، وأهل الحي.. في البيت، والعمل، والدراسة، والتجارة.. في الأسرة وبين الأزواج ومع الأبناء.. ومع كل الناس في كل مكان وفي كل وقت.
والله تعالى من كرمه الواسع وحبه لابن آدم الذي خلقه ونفخ فيه روحًا من روحه سبحانه يثيبه بدرجات الجنَّة، حتى ولو بعملٍ قليلٍ ما دام يعمله حبًّا له وإيمانًا، واستجاب لطلبه بحسن التعامل مع الآخرين، واتباعًا لإسلامه خالصًا من دون اتباع أيِّ نظامٍ آخر قد يضرّه ويتعسه، وخالصًا له دون أن يبتغي مدح الناس أو مكانةً عندهم أو منصبًا أو غيره.
وهو سبحانه من فضله يجزي بهذا الجزاء العظيم ما دام العمل صالحًا مفيدًا للنفس وللغير، يسعدها ويسعدهم.. حتى ولو كان بسيطًا..
فمثلاً الصدق في القول والتصرف، وعمل أعمال البرّ المختلفة يدخل الجنَّة، كما يقول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الصدق يهدي إلى البرّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنة) جزءٌ من حديثٍ أخرجه البخاري ومسلم.
والصدقة حتى ولو بأقل القليل تدخل الجنة، كما يقول صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) أخرجه البخاري ومسلم.
وحتى التبسم في وجه الآخرين يدخل الجنة! كما يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طليق) أخرجه مسلم.
وكلَّما زاد العمل في النفع للنفس وللغير كلَّما ازداد ثوابه ودرجاته في الجنة، كما يقول تعالى: (هم درجاتٌ عند الله)، ويقول: (ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا).
الأخت الكريمة؛
مما يعينك على التدين، أي التمسك بدين الإسلام، العلم والعمل:
ويقصد بالعلم ببساطة.. معرفة أنَّ أخلاق الإسلام ونظمه ما أنزلها الله تعالى إلا لإسعاد الناس كما يقول: (طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) أي هو لسعادة الناس وليس لشقائهم، ولإصلاح كل شئون حياتهم كما يقول: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكلّ شيءٍ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين).. فهذه المعرفة تكون دافعًا قويًا للتمسك به وبكل أخلاقياته، فهي ليست تكليفات معقدة لتعقيد الحياة، وإنما هي نظمٌ لتيسيرها كما يقول: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
ويقصد بالعمل:
1- الاستعانة بالله تعالى، ودعاؤه ليعينك على التمسك، كما يقول: (ومن يتوكَّل على الله فهو حسبه إنَّ الله بالغ أمره)، وكما أوصى صلى الله عليه وسلم بدعائه: (اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) جزء من حديث أخرجه الحاكم وصححه.
2- الخلوة مع النفس لفتراتٍ لتشخيص صفاتها، فإن كانت صفةً حسنةً فتنمى بمزيد من استخدامها في الخير، وما فيها من صفات سيئة تقوم بفعل عكسها لفترات حتى تعتاد على الصفة الحسنة.. فالنفس مثلا فيها صفة الحذر، وهي صفةٌ ككل صفات النفس قابلةٌ للتوجيه بواسطة العقل نحو الخير.. فتحذر الوقوع في الخطأ؛ أو التوجيه(33/1498)
نحو الشر.. فتحذر مثلا الإنفاق إلى درجة أن تكون بخيلة، فعلى العقل أن يدرّبها تدريجيًا على الإنفاق، فيبدأ بإنفاق شيءٍ يسيرٍ من المال أو الجهد أو الفكر أو غيره لفترة، ثم ينفق شيئا أكثر لفترة أخرى، ثم شيئا أكبر، وهكذا حتى تتعود الكرم دون تبذير.. وتفعل مثل هذا في كل الصفات.
لقد نصح الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل الذي اشتكى إليه قسوة قلبه بأن يفعل العكس، فقال له: (امسح رأس اليتيم، وأطعم المسكين) أخرجه أحمد.
3- التدرُّج وعدم التعجُّل حيث يقول تعالى في ذمه والتحذير منه: (وكان الإنسان عجولا)، ولقد ربَّى القرآن الصحابة تدريجيًا، وذلك لأنَّ النفس إذا أحست بكثرة عدد الأخلاق المطلوب منها تغييرها قد تتثاقل وتيأس، أما إن أحست بصغر المهمة أنجزتها، وطلبت مهمة أخرى لتنجزها وخلقا آخر لتلتزم بها.. وهكذا.
4- تقوية الإرادة تدريجيًا بفعل بعض الطاعات التي تقويها، مثل الصوم أو قيام الليل بركعتين أو أكثر أو حفظ اللسان أو نحو ذلك، فإن تقويتها يعين على ترك الصفات السيئة والتمسك بالصفات الحسنة، ويعين على الصبر على ذلك.
5- تقوية الإيمان القلبي بالتدريج، بفعل بعض الطاعات التي تقويه.. كتدبر مخلوقات الله، والذكر، والاستغفار، وقراءة القرآن، ونحو ذلك، فإن زيادة الإيمان في القلب تدفع الجسد لحسن الخلق وحسن التعامل.
6- التشجيع والأمل، فإن النفوس إذا تم تشجيعها لحسن إنجازها أتت بالمزيد، فالواقع يقول ذلك، والإسلام كله يشجع دائمًا على فعل الخير والاستزادة منه من أجل طلب المزيد من السعادة في الدنيا والمزيد من الدرجات العلا في الآخرة.
ثم الأمل في التغيير، فقد تغيَّر الكثيرون قبلي نحو الصلاح، فلم لا أكون أنا مثلهم؟ ومن بدأ خطوةً سيعينه ربّه حتمًا على بقية الخطوات، كما يقول: (إنَّ الله لا يغيِّر ما بقومٍ حتى يغيِّروا ما بأنفسهم).
7- التواجد في وسطٍ مسلمٍ صالحٍ فيه توسُّطٌ واعتدالٌ، وليس فيه إفراطٌ في الإسلام أو تفريط، ويذكِّر دائمًا بالخير، وينصح ويدعو بعضنا بعضا له، ويعينه ويشجعه عليه، فإن هذه المعايشة معهم من الأسباب الهامة لتناقل أخلاقيات الإسلام فيما بينهم، وتعلمها تعلمًا صحيحًا بصورة عملية بسهولةٍ ويسر، يقول تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) من خلال القدوة الصالحة أثناء التعامل.. ومن خلال بعض اللقاءات التربوية المنزلية أو المسجدية.
إضافة إلى ما يجب -أي يُثاب إذا فعل ويأثم إذا لم يفعل رغم استطاعته- على كل فرد أن يقوم به من جهد فردي قدر طاقته في زيادة بعض علمه ومعارفه عن الإسلام بواسطة سماع شريط أو قراءة كتاب أو متابعة الأحداث التي تمر بالمسلمين أو نحو ذلك.. وللجميع ثوابه العظيم، ثواب التمسك بالإسلام مصدر سعادته في الدنيا والآخرة وثواب دعوة غيره له.
وفقك الله وأعانك ولا تنسنا من صالح دعائك.
ـــــــــــــــــــ
أريد برامج إيمانية.. الأمر أكبر من ذلك ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع(33/1499)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد؛ أستاذنا؛ من المشكلات التي نعانيها في الجانب الدعوي ضعف الجانب الروحاني لدى الداعية، وقد يكون للواقع الذي نعيشه دورٌ في ذلك، ولكن هل يمكن أن نوجد برنامجًا ندرِّب الداعية أو نعوِّده من خلاله المحافظة على الجانب الروحي لديه مرتفعا رغم هذه الظروف؟.. لأن روحانية الداعية هي شرارة الانطلاق له في الدعوة، وكذلك في تأثيره. نرجو نصيحتكم لتحقيق ذلك. ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الأستاذ مسعود صبري
أخي الكريم؛
إن ما طرحته في سؤالك أمرٌ هامٌّ يعانيه كل مهتم بأمر الدعوة الإسلامية، وأظن أن المجال لا يسمح لكثير من التفاصيل الواجبة في التعامل مع هذا الأمر، غير أنني سأشير إلى بعض الخطوط العامة التي أسأل الله أن تقدم لك نفعًا وفائدة بإذن الله.
** مقاماتٌ في السير إلى الله:
* المقام الأول، ترك المحظورات:
أول خطوة هي البعد عن الحرام، فهذا يهيئ النفس لتقبل الأعمال الصالحة ويجعل لها أثرا في
القلب، وغير ذلك سيجعل المرء في صراع بين إقباله على الطاعات وبين ما يقع فيه من المحرمات.
لذلك فأول خطوة في رأيي هي جلسة مصارحة مع النفس يقوم فيها الدعاة برصد المحظورات الجماعية التي يقعون فيها مثل الانشغال بنقد الآخرين، واستعراض مساؤهم، أو ما قد ينتاب ممارستهم الدعوية من مخالفات، والتي قد تحول مجالس الذكر والدعوة والخير في بعض الأحيان إلى مجالس ثرثرة وغيبة مما قد يترتب عليه ضياع ثواب الأعمال الصالحة التي يقومون بها، أو يحملهم الإثم.
ثم الاجتهاد في التفكير بشكل جماعي في محاولة وضع برنامج عملي وواقعي لمعالجة مثل هذه المخالفات كنقطة انطلاق للارتقاء إلى الله.
الأمر الثاني أن يقوم كل داعية على حدته برصد أخطائه ومخالفاته التي يقع هو فيه، وهو في ذلك أدرى بنفسه، ثم يقوم بتقسيمها إلى مجموعات.. كبائر وصغائر.
وأن يهتم بالكبائر أولا ثم الصغائر، وأن ينظر في الكبائر إلى أيها اشد خطرًا عليه، وأكثرها ضررًا، فإن التغلب على الأصعب –مع الهمة العالية- يجعل علاج ما دونها أسهل، وأن يتأنى في العلاج بحيث يمكنه تفتيت المعصية، إذ لا يشترط في العلاج أن يستأصل الداء جملة، بل يمكنه في إطار معالجة المشكلة الواحدة أن يقسمها إلى عدة أهداف مرحلية يعمل على تحقيقها تباعا.. ثم إذا أنهاها يتابع في معالجة غيرها من الآفات والمحظورات حسب ضررها وخطرها، فيبدأ بالأخطر فالأقل فالأقل؛ ثم إذا انتهى –بفضل الله منها- انتقل إلى الصغائر.(33/1500)
وليس شرطًا أن يفرغ جهده كله في وقت ما لعلاج مشكلة واحدة، بل يمكنه العمل على علاج أكثر من آفة في وقت واحدة إن وجد إلى ذلك سبيلاً.
* المقام الثاني، فعل الواجبات:
وفي مقام الطاعات، فإن عليه أن يركز ابتداءً على الفرائض حتى يحقق الانضباط الأفضل فيها، بحيث لا ينشغل عن الفرض بنافلة.. فإن الله لا يتقبل نافلة شغلت عن أداء فريضة.
وأن ينظر في أداء الفرائض إلى أحبها على قلبه، حتى يكون ذلك دفعة له لالتزامها، فإن خير العمل ما وافق الشرع والهوى.
وأن يتدرج في التزام الفرائض كما فعل في اجتناب المحظورات.
* المقام الثالث، البعد عن المكروهات والشبهات:
وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل القلب موطن الإيمان، فإنه قد أشار إلى أن إتيان الشبهات والمكروهات مما يفسد القلب، فقال: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) متفق عليه.. وأن يتدرج ويتدرب في هذا الأمر كسابقيه.
* المقام الرابع، المحافظة على النوافل:
والنوافل هي كل ما حث الشرع على أدائه بطريق غير واجب.
وأداء النوافل من أهم الوسائل التي تقرب العبد من ربه، وتصفو بنفسه، وتزكو بروحه؛ وفي الحديث: (وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه..) رواه البخاري.
* المقام الخامس، مقام الإحسان:
والمقصود به أن يبتعد المسلم عن المحرمات، وأن يأتي الفرائض، وأن يجتنب المكروهات والشبهات، وأن يحافظ على النوافل بطريقة متقنةٍ أقرب للكمال في الأداء، وفي الحديث: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) رواه مسلم، فعلى المسلم أن يحسن صنعته تركًا أو فعلاً، إتيانًا أو اجتنابًا.
** أما بخصوص البرامج فيجب أن يكون هناك تفكير لوضع برنامج لتحقيق تفاصيل كل مقام من المقامات السابق الإشارة إليها، وهذا ما لا يسع المجال لتفصيله، وفي هذا المقام ندعو الجماعات القائمة بأمر الدعوة إلى الله أن تشغل البرامج الإصلاحية حيزًا من وقتها وتفكيرها، لأن هذا يصب بشكل مباشر في تحقيق كثير من أهدافهم، أو على الأقل تمهِّد الطريق لهم بشكل كبير إلى ما يصبون إليه.
ويضيف الدكتور كمال المصري:
أخي الكريم عبد السلام، بارك الله تعالى فيك..
من الصعب –أخي- هنا أن نضع تصوُّرا كاملاً لبرنامجٍ تدريبي، لكن يمكن أن نضع نقاطًا أحسب أن الكثيرين غفل عنها في هذا الجانب فأثَّر ذلك سلبًا على إيمانيَّاتهم:
1- نخطئ كثيرًا حين نتصوَّر أنَّ الإيمان يزيد بالعبادات فقط، أو بقراءة القرآن الكريم وقيام الليل معها.
لماذا لا ندرك أننا حين نقوم بأيِّ عملٍ كان لله تعالى فإن هذا يرفع إيماننا وينميه؟ لقد وردت أحاديث كثيرة تتحدث عن الفوائد الربانية التي تأتي من الأعمال الحياتية، مثل الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن الرجل الذي وجد غصنًا في طريق الناس(33/1501)
فأماطه فشكر الله تعالى على ذلك فغفر له، وحديث الإمام الترمذي الطويل الذي فيه: تبسمك في وجه أخيك صدقة، وبصرك للرجل الكفيف صدقة، وإفراغك دلوك في دلو أخيك صدقة، وغير ذلك.
فهل غفر الله تعالى للرجل الذي أماط الأذى عن الطريق لمجرد هذا أم لأن هذا الفعل استشعر فيه فاعله قربه من الله تعالى حين فعل ذلك فزاد إيمانه فغفر الله تعالى له؟
وهل هذه الأعمال الدنيوية عليها هذا الأجر فقط لأنها أعمال دنيوية، أم لأنها ترفع الإيمان وتنميه في النفوس؟
ليس معنى كلامي أن نغفل عن العبادات والطاعات والقربات أو التقليل من قدرها ومكانتها في القربى من الله تعالى، لكني أنبِّه أن لدينا نبعٌ آخر يفعل ذلك بقلوبنا أيضًا هو جوانب الخير العامة.. وهو ما تعرضنا له من قبل كثيرا على هذه الصفحة الغراء، وأطلقنا عليه "إيمان المعاملة".
2- لكل إنسان طرق تقربه من ربه سبحانه تختلف عن الآخرين.. فهذا طريقه العبادة، وذاك قيام الليل، والثالث قراءة القرآن الكريم، والرابع عمل الخير والاختلاط بالناس دعوةً وهدايةً لهم؛ لذلك فإن التعميم يكون خطأً، فعلينا أن نضع أسسًا عامةً للجميع، ثم نراعي كل إنسان وما يفيده ويقربه من الله تعالى أكثر، وهذه يعرفها كل امرئ من نفسه بنفسه.
وأسأل الله تعالى أن يأخذ بأيدينا جميعا إلى سبيله، وأن يجمعنا في رحاب حبه والقربى منه.. آمين.. وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
عمليًّا.. كيف أحب الله ورسوله؟.. سؤال كبير ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
كيف يتخلّص الإنسان عمليًّا من حبّ الدنيا ويجعل حب الله ورسوله الأولى والأول؟ ... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... الأخت الفاضلة؛
مع وجازة سؤالك، إلا أنّه أكبر من كثيرٍ من الأسئلة التي تكتب في صفحاتٍ عديدة، وأجد أنّ السؤال عن شيءٍ عمليٍّ من أصعب الأسئلة وأطولها، لأنه يصيب كبد الحقيقة، ويوقفنا على أرضٍ صلبةٍ، ويرشدنا إلى واقع العمل بعيدًا عن الكلام الفلسفي الذي ينظر إليه كثيرٌ من الناس من زاوية الإجادة والإحسان، أو الإخفاق والبعد عن إصابة المراد، لا من ناحية العمل والتنفيذ.
وقبل الإجابة عن السؤال أرى أنه يجب تحرير مفهوم حبّ الدنيا أولاً، وحب الدنيا يغلب عليه أنه من الأمور التي ذمّها الشرع، وقد جاءت آيات وأحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذمّ الدنيا.. ومع هذا، فقد أتت أحاديث وآيات تدعو المسلمين إلى تعمير الدنيا، فكيف تُذمُّ ويؤمر بتعميرها؟(33/1502)
وهذا يسوقنا إلى أنَّ حب الدنيا ليس مذمّةً في ذاته، ولكن حب الدنيا المذموم إنّما يعني أن تعمر الدنيا القلوب، بحيث يطغى حبها على كل حب، وتقدم على العمل للآخرة، وهذا ما جاء في قوله تعالى: (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى)، فمذمَّة الدنيا تأتي من ناحية إيثارها على الآخرة، والعمل للدنيا لذاتها، وذلك أنَّ طبيعة الدنيا في الإسلام أنّها مزرعةٌ للآخرة.
ومعنى الزرع هنا لا يعني الزهد الدائم فيها، بل يعني أنّ كلّ عملٍ يعمله الإنسان في الدنيا من جدّ ولهو، ومن اجتهادٍ ولعب، ومن استمتاعٍ وإنتاج، وغير ذلك من صنوف الأعمال يجب أن يكون لله، وأن يكون ممّا أباح الشرع الحكيم.. فللمرء أن يفرح ويسعد وأن يحزن، وأن يستريح وأن يتعب.. إلخ، لأنّ هذه أنشطةٌ في العمل اليومي للإنسان، بعيدًا عن معتقده، ولم يأت القرآن ليجعل الناس محبوسين في بعض الأعمال دون بعض، بل أباح الشارع للناس أن يفعلوا ما يشاءون إلا ما حرم عليهم، ودائرة التحريم في الشرع محصورة قليلة.
ولعل هذا المثل –من كون التحريم قليل محصور- قاعدةٌ قديمة متأصلة منذ بدء الخليقة، فإن مساحة التحريم الذي حرّمها الله تعالى على آدم –عليه السلام– كانت شجرة، وله أن يأكل مما سواها، وجعل الشرع هذه القاعدة دائمة، فالحرام محصورٌ قليل، والحلال واسع الميدان والمجال.
وحين نريد أن نحوّل العمل الدنيوي إلى عملٍ أخروي، ليس شرطًا أن نترك العمل، بل نحوِّل وجهته، ونغيِّر قصده، ونصحِّح النيَّة فيه، بحيث نبقي على أنشطة الحياة التي نقوم بها، ولكن نصوب الوجهة فيها، فتكون لله رب العالمين، وهذا ما يفهم من قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين).
وأضرب لكِ مثلا: قد تكون لك صديقة معينة، وقد ترين فيها مثلاً للفتاة التي لا همّ لها إلا اللهو واللعب، وترين من الخير تركها.. أليس من الأفضل أن تحوّلي هذه الصداقة إلى صداقة لله؟ وأن تأخذي بيدها إلى طريق الله؟ وتبق علاقتك بها واللقاء والجلسة والتزاور والخروج معها على ألا يكون فيه شيء مخالف لمنهج الله.
وإذا كان الإنسان مثلاً يحب القراءة، وهو يطلع على الغث والسمين، فلا يترك القراءة بالكلية، بل يفكر كيف يحول قراءته إلى أداة فاعلة في حياته، يكتسب منها ما ينفعه، ويجعل أول القراءة قراءة كتاب الله، والكتب النافعة.. سواء أكانت من الدين أم من علوم الدنيا التي تقرب من الله، وتُكسب الإنسان مهارات في حياته، وتطلعه على الدنيا وعلومها، فيزداد يقينه بالله، ويقوى إيمانه بربه، لأن كل ما في الكون شاهد على قدرته، ينطق بصنعته، ويشهد له بربوبيته، ويقر له بوحدانيته.
إن المقياس الحقيقي لمعرفة أنَّ الله تعالى ورسوله أحب إلينا مما سواهما، أن ننظر في قلوبنا، وأن نقيس كل فعل نفعله.. هل هو لله، أم لحظوظ النفس والهوى فيما حرم الله تعالى؟ أو لم تكن النية فيه صادقة لله، فقد يكون العمل صالحا، ولكن لا تكون النية فيه خالصة إذ يكون ابتغاء شهرةٍ أو شهوةٍ، أو طلبًا للجاه والمكانة، أو إشباعًا لرغبة ليس فيها شيءٌ لله.(33/1503)
ومن علامات تقديم الله ورسوله على ما نحب أن ننظر مواطن الطاعة، والصراع الدائم بين الخير والشر، فإن كان الله تعالى ورسوله يأمر بشيء، وأنفسنا تحب شيئًا آخر، فأي الأمرين نقدم.. أمر الله ورسوله، أم أمر أنفسنا وأهوائنا؟
وما أجمل ما قاله الله تعالى في ذلك حين قال: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين).
أما عن البرنامج العملي لاستبدال حب الدنيا بحب الله ورسوله، وجعله هو الأولى والأول، فإن هذا لا يقال فيه برنامج عملي بهذا العموم، بل فيه بعض الضوابط التي أشير إليها سابقا، ولكن يجب أن تنظري –أيتها الأخت الفاضلة– إلى مظاهر حب الدنيا عندك، وأن تكوني عالمةً بها، وأن تحدّديها واحدةً واحدة، وأن تبدئي مع نفسك بأخذها رويدًا من حبّ الشيء الدنيوي، وأن ترتقي بنفسك إلى حب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الشيء المحدد، ثم يكون النظر في النقطة التي تليه.. ومع هذا السير وهذه المجاهدة فإن الإنسان يكتسب مع الوقت أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.
* ويمكنك أن تستعيني بعد الله ببعض الوسائل أهمها:
- الهمة العالية، فإنها الدافع للتغيير إلى الأحسن.
- النية الصادقة، فمن نوى خيرًا وفقه الله تعالى إليه.
- التدرج في التغيير، لأن التسرّع فيه، قد يوهم الإنسان أنه تغير في شيء، وإذا به يجد نفسه قد خطا خطوة، إلا أنه رجع بعدها إلى ما كان عليه أولا.
- القراءة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، والاطلاع على أحواله، وخاصة في كتاب "زاد المعاد في هدي خير العباد" للإمام ابن القيم، و"سبل الهدى والرشاد" للإمام الصالحي، وغيرهما من الكتب التي تهتم بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من كتب الشمائل وما تهتم بحياته صلى الله عليه وسلم الفعلية.
- الاطلاع على سيرة الصالحين، من الصحابة والتابعين والسلف الصالح، ومن أجود ما كتب في ذلك حديثًا: "صور من حياة الصحابة"، و"صور من حياة التابعين"، و"صور من حياة الصحابيات"، وكلها للدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا، وكذلك "رجال حول الرسول" لخالد محمد خالد، وغير ذلك من الكتب التي تتحدث عن سير الصحابة والصالحين.
- البحث عن إحدى الأخوات اللائي يعرفن بتزكية النفس، وحسن الأخلاق والسلوك، وأن تكون معلمة في هذا، حتى يمكنك السير معها وأن تأخذ بيدك إلى الله.. فإن لم تجدي، فاختاري أختًا صالحة، أو أخوات صالحات من زميلاتك، يعاون بعضكنّ بعضًا في السير إلى الله.
- الدعاء الدائم لله تعالى أن يغير حالنا إلى أحسن حال، فما خاب عبد رجاه، وما أغلق الله تعالى بابا في وجه عبد سعى للعودة إليه.
أختي الفاضلة؛(33/1504)
ربما كنت تريدين أن أكتب لك جدولاً عمليا، غير أن سؤالك كبيرٌ لا يمكن أن يجاب عنه في مثل هذه المساحة المحدودة، ولكن أتمنى أن تكون في كلماتي السابقة، والروابط التي ألحقها بإجابتي نفعًا وفائدة وتحقيقًا لما تمنيت أن تجدينه في الرد على سؤالك، وأن ترشدك لما تصبين إليه، ونصبو إليه معك جميعا.
ونسأل الله تعالى أن يملأ قلوبنا بمحبته، وأن يجعل حبه أحب إلينا من أنفسنا، وأحب إلينا من أولادنا وأزواجنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن كل ما نحب.. اللهم آمين.
ـــــــــــــــــــ
الخوف والرجاء ..جناحا النجاة ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
جزاكم الله خيرا وبارك في جهودكم وجعلنا من المستفيدين من علمكم والعاملين بنصائحكم وتوجيهاتكم فيما يرضي ربنا تبارك وتعالى عنا.. آمين. أردت السؤال عن مسألة تقلقني وتحيرني.. فأنا مسلمة ملتزمة ولله الحمد بجميع العبادات المفروضة (صحيح أنها لا تخلو من التقصير ولكني ولله الحمد مداومة عليها منذ الصغر)، كما أنني لا أحقد على أحد أو أبغض أحدا، بل تراني دائما أختلق الأعذار لمن يسيئون لي أو لغيري بشكل مباشر أو غير مباشر، وهمِّي في الحياة أن أكون مسلمه قدوة أسير على نهج الرسول وأصحابه، وأملي رضا رب العالمين وأن أكون ممن يحبهم الله، وأسأل الله دائما الجنة وأعوذ به من النار، إلا أنني لا أزيد عن العبادات المفروضة شيئا كثيرا (كصوم أو صلاة نافلة أو صدقة أو قيام ليل) فذلك يكون حسب استطاعتي بين الحين والآخر. المشكلة أنني أتخيل بأني نقية من المعاصي، فأرى نفسي أنني مداومة على العبادة وفعل ما يرضي ربي عني وبعيدة عن المعاصي فلا أفعلها، وإذا أذنبت ذنبا أستغفر ربي وأتوب إليه، وأشعر أن هذا الذنب صغير أمام رحمة رب العالمين ومغفرته وخصوصا أنني قد استغفرت ربي عليه وعاهدته أن لا أعود إليه ثانية، وأحاول كثيرا أن أتذكر معاصي قمت بها لأستغفر ربي عليها، وأبعد بتذكري هذا عني الغرور بنفسي عليها، ولكني لا أستطيع أن أتذكر إلا شيئا قليلا جدا، ومع ذلك أستغفر كلما تذكرت معصية ما. أعرف يقينا أنني لست ملاكا ولست من الأنبياء ولا حتى الصحابة أو التابعين أو من دونهم، ولكن إحساسي بأني لا أعصي وأطيع ربي ما استطعت يجعلني أخاف من تقييم نفسي بهذه الطريقة، هذا بالإضافة لتعليق من حولي بأني مستجابة الدعوة وأنني "شيخة" على حد تعبيرهم، ومثل هذه التصريحات تجعلني أخاف أكثر وأحاول أن أبعد مثل هذه التعليقات عني. أخشى أن أكون مغرورة أو ممن أمنوا مكر الله والعياذ بالله، فأنا لا أشعر بأني أخاف من الله، بل على العكس أنا مطمئنة جدا لرحمته الواسعة وحبه لنا، ولذلك لا أعبد ربي لأني أخشى من عذابه بل لأني أحب أن أطيع أوامره. أموري ميسرة بطريقة كبيرة ولله الحمد، وما تمنيت على ربي شيئا إلا وأعطاني إياه أكثر مما طلبت، حتى أنني أحيانا أخشى أن يكون هذا استدراجا من ربي لي أو تعجيلاً لجزائي في الدنيا عوضًا عن جزاء الآخرة والعياذ بالله. ماذا أفعل حتى أكون ممن يدعون ربهم رهبةً ورغبة؟ وماذا أفعل لأبعد عن نفسي وسواس أنني إنسانة طائعة وطاهرة من المعاصي؟ وهل يوجد في زماننا من هو كذلك؟ وهل تيسير أموري واستجابة دعائي بهذه الصورة(33/1505)
أمر طبيعي؟ ماذا أفعل حتى لا يضيع أجري في الآخرة؟ أفيدوني رحمكم الله. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الدكتور أمين صالح عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
الأخت الفاضلة؛
جزاكم الله خيرا على هذا الحس الإيماني المرهف، الذي أسأل الله أن يجعله في موازين الحسنات.
يقول أطباء الأعصاب: "الإحساس بالمرض علامة صحة"، فالإحساس بالمرض -وإن كان مؤلما- يدل على أن الجهاز العصبي ما زال يعمل بكفاءة، وهو أيضا يمثل أولى خطوات العلاج، وهو أيضا نقطة نصيحة في استشارتك.
الأخت الكريمة؛
أولا: أحييك على التزامك بالفرائض، وعدم حقدك على أحد، والتماسك الأعذار لمن يسيئون إليك، وطلبك الدائم لرضا ربك عز وجل، وهذا إن شاء الله كفيل بأن يخرجك من دائرة الغرور والاستدراج وتعجيل الثواب في الدنيا.
وكذلك فإن عدم اغترارك بثناء من حولك عليك، وخوفك من تقييم نفسك بهذه الطريقة، وخوفك أن تدخلي في دائرة الآمنين من مكر الله، هي أيضا نقاط إيجابية مضيئة في رسالتك.
أختي الفاضلة؛
إحساسك بأنك نقية من المعاصي، واستصغار ذنوبك، واطمئنانك التام بأن رحمة الله ستشملك، وعدم إحساسك بالخوف من الله كنتيجة طبيعية لشعورك بأنك لا تفعلين المعاصي، وما شابه ذلك من مشاعر وخواطر وأحاديث نفسية، كلها نوع من الغفلة، فمشكلتك الحقيقية هي الغفلة، ولا بد للغافل أن يستيقظ، واليقظة كما يقول ابن القيم رحمة الله: "هي انزعاج القلب لروعة الانتباه" ورسالتك اليوم هي بداية هذا الانزعاج.
يا أختاه؛
إن النبي صلى الله عليه وسلم المعصوم الذي هو خير البشر كان يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم أكثر من مائة مرة.. فأين نحن من الرسول خير البشر صلى الله عليه وسلم؟!!
وإن الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم يقولون عند القيامة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.. فهل عبدنا ربنا مثل الملائكة؟!!
ثم ما معنى أن يأمر الله المؤمنين بالتوبة إذ يقول: (وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون)، ويقول: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله).
هل قال الله: وتوبوا إلى الله جميعا أيها المقصرون المذنبون؟ أم قال: "المؤمنون"؟!! هل قال: يا أيها الذين عصوا توبوا؟ أم قال: "آمنوا"؟!!(33/1506)
هل نحن نعبد الله حق عبادته؟!! أو نشكره على نعمه حق شكره؟!! هل نطيعه حق طاعته؟!! هل نتقيه حق تقاته؟!!
هل.. هل.. هل..؟
لهذا أوجب علينا التوبة.
أظن أنك الآن قد فهمت قصدي –أختي الكريمة- وقد تخلّصت من وسواس أنك إنسانة طاهرة من المعاصي، وعلمت أن المؤمن الطائع يحتاج إلى التوبة أكثر من المذنب أو العاصي، فالمؤمن يعرف عظمة من قصر في حقه، وأن الله عز وجل ذمَّ أقوامًا فقال: (وما قدروا الله حق قدره) ووصف حالهم يوم القيامة فقال: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون)، فلا يوجد في زماننا -ولا في غير زماننا- من لا يحتاج إلى التوبة.
الأخت الفاضلة؛
تيسير أمورك واستجابة دعائك بهذه الصورة نعمةٌ من الله عزّ وجل يعطيها لبعض العباد اختبارًا لهم ولمن حولهم، وتأدية شكر هذه النعمة يكون.. بعدم الاعتداء في الدعاء، وبكتمان هذا الأمر، وبالدعاء بالخير للإسلام والمسلمين والمجاهدين في كل مكان.
أما استمرار النعمة مع عدم شكرها، فهذا بابٌ من أبواب الاستدراج.. والله أعلم.
الأخت الكريمة؛
إن ميزان العبودية لا يستقيم لدى المؤمن إلا بالخوف مع الرجاء، وأنت والحمد لله عندك قدرٌ كبيرٌ من الرجاء، ويبقى تقوية جانب الخوف.. وإليك بعض الوسائل العملية لاكتساب الخوف:
- العلم بأن الخوف من الله فرض عينٍ على كل المسلمين، فقد قال الله: (وخافون إن كنتم مؤمنين)، وقال: (فإياي فارهبون)، وقال: (فلا تخشوا الناس واخشون).
- مطالعة أحوال الخائفين من الأنبياء، والصالحين، والتابعين، وانظر إلى قول الله عز وجل فيهم: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلةٌ أنهم إلى ربهم راجعون)، الذي قالت السيدة عائشة حين سمعته: يا رسول الله، أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق؟ قال: لا يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يقبل منه"، قال الحسن: عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم.
- ذكر الموت وما بعده، و"خاصة النار وأهوالها".
- زيارة المقابر للاتعاظ والاعتبار "فالموت يأتي بغتة".
- قراءة منزلة اليقظة من كتاب مدارج السالكين لابن القيم.
- استشعار معاني أسماء الله الحسنى الجبار– القهار– القادر– المنتقم.
- الخوف من سوء الخاتمة، واستحضار معنى الحديث: (فإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار؛ وإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها) رواه البخاري.
أختنا الكريمة؛(33/1507)
أما سؤالك عما تفعلين حتى لا يضيع أجرك في الآخرة، فعليك بالإخلاص فهو شرط القبول في كل عملٍ، وهو فرضٌ على كل مسلمٍ ومسلمةٍ، وإليك بعض الوسائل العملية لتحقيقه:
- تعلمي الإخلاص وطالعي أحوال المخلصين.
- استحضري لكل عملٍ نيّة أو نيات صالحة، سواء كان عبادة أو عادة.. كالطعام والشراب.
- استحضري لكل عملٍ دليلاً من الكتاب والسنة.
- اجعلي بينك وبين الله سرًّا لا يعلمه أحد سواه، و"أكثري من الأسرار".
- اكتمي أعمالك الصالحة كما يكتم العاصي معصيته.
- إن أحسنت إلى أحدٍ فلا تنتظري منه جزاء "حتى لو كان زوجا أو ابنا...".
- تخلصي من كل صور الرياء "محبة رؤية الناس لأعمالك".
- حاولي الاقتداء بمن هو أفضل منك في العبادة.
قال ابن القيم: "الإخلاص ما لا يطّلع عليه ملك فيكتبه، ولا شيطانٌ فيفسده، ولا يعجب به صاحبه فيبطله".
وقال الشافعي: "يستحب للعالم أن يكون له خبيء من عملٍ صالح، فإن ما ظهر للناس في الدنيا من علمٍ وعملٍ قليل النفع في الآخرة".
أختي السائلة؛
أظن أن أمامك الآن عملٌ يحتاج إلى مجهودٍ، ولكن اعلمي أن كلاً ميسَّرٌ لما خُلق له، وأن "من أدمن طرق الباب يوشك أن يفتح له"، فأدمني الطرق على باب الكريم فإنه لا يرد المخلصين.
وأرسلي لي بزوال حيرتك، وتمام استفادتك، والله أسأل أن ينفعنا بما علّمنا، وأن يعلّمنا ما ينفعنا، وأن يزيدنا علما.
والله من وراء القصد.
ـــــــــــــــــــ
الهمَّة العالية: كن رجلاً لا رُجَيْلا ... العنوان
كيفيَّة تُحقَّق الهمَّة العالية لكلِّ مسلم؟ أريد أمثلةً من السيرة، وبعض أسماء كتبٍ تتكلَّم في نفس الموضوع. ... السؤال
... ... الرد ...
...
... يقول د.محمد محمود منصور :
أخي الكريم مصطفى،
موضوع الهمَّة هذا ذو شقَّين:
1- الأسباب التي تعين على تحقيق الهمَّة.
2- العوائق التي تفتُّ الهمَّة وتضعفها.
* أمَّا الأسباب التي تعين على تحقيق الهمَّة العالية للمسلم في حياته كثيرة، وأمثلتها من السيرة كثيرة، نذكر منها:
1- حبُّ الله ورسوله، وحبُّ جنَّته، واليقين بها والشوق إليها:(33/1508)
عن أنس رضي الله عنه قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقدمَنَّ أحدٌ منكم إلى شيءٍ حتى أكون أنا دونه"، فدنا المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قوموا إلى جنَّةٍ عرضها السماوات والأرض"، قال: "يقول عُمَيْر بن الحُمَام الأنصاريُّ رضي الله عنه: يا رسول الله، جنَّةٌ عرضها السماوات والأرض؟! قال: "نعم"، قال: "بَخٍ بَخ"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يحملك على قولك بَخٍ بَخ؟!" قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: "فإنَّك من أهلها"، فأخرج تمراتٍ من قَرْنه فجعل يأكل منهنّ، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنَّها لحياةٌ طويلة! فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قُتِل.رواه مسلم.
فحبُّه لله ورسوله وتصديقه بهما، ويقينه بقيمة الجنَّة وشوقه إليها، كلُّ ذلك كان حافزاً له لتحصيل الثواب ولاتخاذ أسباب الوصول لأعلى درجاتها، مع الصبر على ذلك: "إنَّما يُوَفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب".
2- الخوف من النار، واليقين بعذابها:
عن أنس رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبةً ما سمعتُ مثلها قط، فقال: "لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا"، فغطَّى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين".رواه البخاري، خنين: أي بكاءٌ مع صوتٍ وانتشاقٍ من الأنف.
فقد دفعهم يقينهم بالنار وخوفهم من عذابها إلى الانطلاق في الالتزام بالإسلام وحمايته ودعوة الناس إليه.
3- تذكُّر عِظَم الرسالة التي تحملها:
فأنت يا أخي المسلم صاحب أعلى لواءٍ على الأرض، ودينك هو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كيف لا وهو مرتبطٌ مباشرةً بالعزيز الغالب سبحانه، ويا له من ارتباط.
ودينٌ عظيمٌ بهذه الدرجة يحتاج إلى رجالٍ عظام، ومهمَّة الدعوة إلى دين الله تعالى هي أعلى المهمَّات وأشرفها، يقول ابن الجوزيِّ رحمه الله: "ألست تبغي القرب منه؟ فاشتغل بدلالة عباده عليه، فهي حالات الأنبياء عليهم السلام، أما علمتَ أنَّهم آثروا تعليم الخلق على خلوات التعبُّد، لعلمهم أنَّ ذلك آثر عند حبيبهم؟ هل كان شغل الأنبياء إلا معاناة الخلق، وحثَّهم على الخير ونهيهم عن الشرّ؟"، ويؤكِّد ذلك الإمام ابن القيِّم رحمه الله فيقول: "الشجاع الشديد الذي يهاب العدو سطوته: وقوفه في الصف ساعة، وجهاده أعداء الله، أفضل من الحجِّ والصوم والصدقة والتطوُّع، والعالِم الذي قد عرف السنَّة، والحلال والحرام، وطرق الخير والشرّ: مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم، أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح"، ويقول الإمام عبد القادر الكيلاني رحمه الله: "هذه -أي الدعوة- هي الغاية القصوى في بني آدم، لا منزلة تفوق منزلته إلا النبوة".
4- الانتماء إلى "العزيز" سبحانه:(33/1509)
انتمِ إلى ربِّك العزيز سبحانه، انظر في قيمة ما تحمل، تزدد عزًّا وفخرا، يقول تعالى: "ولله العزَّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنَّ المنافقين لا يعلمون" ويقول جلَّ شأنه: "الذين يتَّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزَّة فإنَّ العزَّة لله جميعا"، ويقول سبحانه: " ولا يحزنك قولهم إنَّ العزَّة لله جميعاً وهو السميع العليم"، ويقول جلَّ وعلا: "من كان يريد العزَّة فلله العزَّة جميعا"، وقد وصف ربُّنا سبحانه نفسه بـ"العزيز" في أكثر من تسعين موضعاً في القرآن الكريم، كما علَّمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم العزَّة بأفعالهم، فلم يعطوا الدنيَّة من دينهم، وقاتلوا حتى تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، ولم يهدأ لهم بالٌ حتى أعلى الله بهم دينه ولواءه، وكذلك فعل الأنبياء السابقون عليهم السلام.
فهذه هي مكانة العزَّة في ديننا، ربٌّ عزيزٌ سبحانه، أمرنا ألا نعطي الدنيَّة من ديننا، ونهانا عن الذلَّة والمهانة، بل ونهانا عن كلِّ ما يؤدي لذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم"رواه البخاريُّ ومسلم، والمرَّة الوحيدة التي سمح لنا ربُّنا فيها بالذلَّة هي مع إخواننا المسلمين: "يا أيُّها الذين آمنوا من يرتدَّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبُّهم ويحبُّونه أذلَّةٍ على المؤمنين أعزَّةٍ على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسعٌ عليم"، وهذه الآية العظيمة تحتاج إلى وقفة: فالقوم الذين يحبُّهم الله تعالى وسوف يأتي بهم بدلاً ممن ارتدُّوا عن دينهم، من شروطهم أن يكونوا أعزَّةً ولا يخافون لومة لائم ولا يذلُّون إلا لإخوانهم، ألا تكفي هذه الآية للتدليل على عِظَم هذا الدين ورقيِّه وعلى اشتراطه العزَّة كشرطٍ أساسيٍّ للمنتمين إليه؟
انتمِ إلى العزيز سبحانه، وستجد همَّتك تطاول عنان السماء.
5- الوفاء بالوعد مع الله ورسوله وإسلامه:
فالمسلم من نطق الشهادتين بصدقٍ كان بينه وبين ربِّه ورسوله وإسلامه وعدٌ بأن يتمسك بدينه، ويحافظ عليه، ويدافع عنه، وينشره لغيره، وهذا الوعد يُعِين النفس على السعي لتنفيذه خوفا من إخلافه، وحبًّا في ثواب الوفاء به.
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفاً يوم أُحُد، فقال: "من يأخذ منِّي هذا؟" فبسطوا أيديهم، كلُّ إنسانٍ يقول: أنا أنا، قال: "فمن يأخذه بحقِّه؟" فأحجم القوم، فقال أبو دجانة رضي الله عنه: أنا آخذه بحقِّه، فأخذه ففَلَق به هام المشركين".رواه مسلم.
6- الشعور المؤلم بالتقصير، ومحاولة التعويض:
فاستشعار مقدار الثواب الذي يفوت المسلم بسبب تقصيره أو غفلته أو إعراضه أو نسيانه أو نحو ذلك يكون دافعاً له للعمل من أجل تعويض ما فاته.
عن أنس رضي الله عنه قال: "غاب عمِّي أنس بن النضر رضي الله عنه عن قتال بدرٍ فقال: يا رسول الله غبت عن أوَّل قتالٍ قاتلتَ المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين لَيَرَيَنَّ الله ما أصنع، فلما كان يوم أُحُدٍ انكشف المسلمون، فقال: اللهمَّ إنِّي أعتذر إليك ممَّا صنع هؤلاء -يعني أصحابه- وأبرأ إليك ممَّا صنع هؤلاء -يعني(33/1510)
المشركين- ثم تقدَّم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ، الجنَّة وربِّ النضر، إنِّي أجد ريحها من دون أُحُد، فقال سعد: فما استطعتُ يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بِضْعاً وثمانين ضربةً بالسيف أو طعنةً برمحٍ أو رميةً بسهم، ووجدناه قد قُتِل ومثَّل به المشركون، فما عرفه أحدٌ إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنَّا نرى أو نظنُّ أنَّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: "من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلا"رواه البخاريُّ ومسلم.
7- البشريات:
فمن طباع البشر أنَّ النجاح يدفع إلى مزيدٍ من النجاح، فما نراه الآن من بدايات العودة لله تعالى والإسلام ممثَّلةً في انتشار الحجاب، ومراكز حفظ القرآن، وامتلاء المساجد بالمصلِّين، والمدارس الإسلامية، وانتشار الأخلاق بين الناس، وعودة روح الجهاد والدفاع عن الإسلام ونصرته، وإعادة عزَّته، كلُّ ذلك وغيره من البُشْرَيات الكثيرة -رغم أنَّها كلَّها ما زالت بدايات- يدفع إلى مزيدٍ من العمل والإنجاز حتى يُتمَّ الله نصره.
ولعلَّ في قصَّة دعوة مصعب بن عمير رضي الله عنه لأهل المدينة للدخول في الإسلام ما يدلُّ على ذلك؛ إذ أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم مع الذين بايعوه في بيعة العقبة الأولى حين أتَوا للحجِّ وكانوا اثنا عشر فرداً ليعلِّمهم إسلامهم، فانتقل من بيتٍ لآخر يدعو فآمن من آمن، وكان ذلك دافعاً له لمزيد من توصيل دعوة الله تعالى، حتى جاء حجُّ العام الذي بعده فبايع فيه سبعون رجلاً وامرأتان رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية على الدفاع عنه وعن دعوته، ثم انتشر الإسلام شيئاً فشيئاً بعد ذلك.
كذلك لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمكَّة كانت هذه البُشرى دافعاً للمسلمين لمزيدٍ من نشر دعوة الإسلام والجهر بها.
8- التواجد في وسط الصالحين، والتعاون معهم:
فيُعين بعضهم بعضاً على زيادة الإيمان بالطاعة كالصلاة والصوم والذكر والتدبُّر وقراءة القرآن وغيره، ويحضُّ بعضهم بعضاً عند النسيان، ويشارك بعضهم بعضاً عند الدعوة لدينهم، ويقوِّي بعضهم بعضاً عند الدفاع عنه، فقد كان هذا هو فعل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فقد كانوا يلتقون في صلوات الجماعة، ويتدارسون القرآن، ويشتركون في الأفراح والأحزان، ويعملون ويتاجرون ويجاهدون، فأصبحت حياتهم كلُّها همَّةً ونشاطا، وأحسنوا إعمار الكون وخلافة الله تعالى فيه.
9- القراءة في رفع الهمَّة:
وهي كثيرة، حفلت بها كتبنا، وامتلأت بها أسفارنا، فقط افتح وطالع واقرأ، فأنصحك بالقراءة في كتب الرقائق وتزكية النفس، إذ فيها الكثير من الحديث عن الهمَّة، وأخصُّ بالذكر كتابات الإمام ابن قيِّم الجوزيَّة والحارث المحاسبي رحمه الله، وشيخ زهَّاد بغداد الشيخ عبد القادر الكيلاني، والأستاذ مصطفى صادق الرافعي.
ودعني أذكِّرك ببعض الأدبيَّات التي وردت في ذلك:(33/1511)
- قيل لأحد التابعين: أريدك في حُوَيْجة –تصغير حاجة-، فقال: ابحث لها عن رُجَيْل –تصغير رجل.
فأصحاب الهمم العالية هم للأمور العظام لا الحاجات الصغيرة.
- مجموعةٌ من الأشعار في رفع الهمم:
يقول المتنبِّي:
- سبحان خالِق نفسي كيف لذَّتها ... ... . فيما النفوس تراه غايةَ الألمِ
الدهر يعجب من حملي نوائبه ... ... . وصبر جسمي على أحداثه الحطمِ
- وما الدهر إلا من رُواةِ قصائدي ... . ... إذا قلتُ شعراً أصبح الدهر منشدا
وسار به من لا يسير مشمِّرا ... ... . وغنَّى به من لا يغنيِّ مغَرِّدا
- ذريني أنل ما لا يُنال من العلى ... ... . فصعبُ العُلى في الصعب والسهل فيالسهلِ
تريدين لقيان المعالي رخيصةً ... ... . ولابدَّ دون الشهد من إبَر النحلِ
- وإذا كانت النفوس كبارا ... ... . تعبت في مرادها الأجسامُ
- إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ ... ... . فلا تقنع بما دون النجومِ
ويقول طرَفة:
إذا القوم قالوا: من فتى؟ خِلْتُ أنَّني ... ... . عُنيتُ فلم أَجْبُن ولم أتبلَّدِ
وغير ذلك كثير
هذه وسائل رفع الهمَّة، وبقي الحديث عن العوائق التي تفتُّ الهمَّة وتضعفها، ويمكن تلخيصها في أمورٍ أربع:
1- الوقوع في الذنوب والمعاصي:
وقد عالجناها في أكثر من استشارةٍ سابقة، وأحيلك إلى استشارةٍ عنوانها:
- تعصي! أنت إنسان ولست ملَكا
2- الفتور والملل:
وعلاج ذلك يكون بكسر الروتين والتجديد، وفي هذا اقرأ الاستشارات التالية:
- الفتور: موادٌّ للقلب والعلم والعمل
- الفتور.. الإيمانيات.. كثرة الأعباء: مشكلات الدعاة
- ملل الدعاة وفتورهم.. دلالات وأسباب
- الفتور واللامبالاة..مرضان يفتَّان عضُد الحركات الإسلامية
3- اعتلاء سحب اليأس:
اقرأ من فضلك الاستشارتين التاليتين:
- تقصير داعية..مشاركةٌ يشوبها التشاؤم
- بين الغربة واليأس..أننعزل؟
4- نقص الثقة في النفس:
وتطرَّقنا لها في الاستشارة التالية:
- فاقد الثقة.. نظرة الهرِّ والأسد
أخي الكريم:
إضافةً إلى ما سبق، فإنَّ لك في كتب السيرة الزاد، ولو اطَّلعت على أيِّ بابٍ من أيِّ كتابٍ في السيرة؛ لمواقف لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لصاحبته الكرام إلا(33/1512)
وستستَخْرِج أنت منه همَّةً وعملاً وإنجازًا وتفاؤلا، فما عليك إلا أن تتدبَّر في معانيه وتطبِّقها في حياتك.
جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خيرا، ونتمنَّى مداومة الاتِّصال بن
ـــــــــــــــــــ
التوبة من العمل النبيل.. ولا نملك صك الغفران ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم؛ أشكركم على هذا الباب الرائع.. وبدايةً، فقد كنت من المواظبين على فعل الخير وما يرضي الله، ولكني عملت في وظيفة بجانب عملي الأصلي فتحت علي الطريق إلى جهنم.. حيث تعرفت من خلالها على العشرات من الفتيات يبدي معظمهن الإعجاب رغم معرفتهن بأنني متزوج، هذا الأمر أثر كثيرا علي، حيث أصبحت دائم التفكير في أمور الفتيات. وتجاوزت العلاقات مع هؤلاء الفتيات المسموح، ويئن ضميري وقبري بين عيني، ولكن لا أتراجع، ملأتني قسوة لا أعرف من أين، حاولت الرجوع لم أستطع، والله إن الموت يداعبني بين لحظة وأخرى وما من توبة، بل لن تصدقوا أنني حججت البيت الحرام رغم سني مرات كثيرة ضاعت هباء، لم أحسن هذه الأعمال الصالحة، ولم أصنها، هل من سبيل يحررني من عبودية المعصية، قرأت استشارات مماثلة كثيرا ولا حل معي، فهل هناك حل؟ خاصة أنني في حاجة إلى هذا العمل الإضافي الذي هو في أساسه نبيل تماما، معذرة للإطالة، وشكري وتقديري للجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الأستاذ رجب الدمنهوري من فريق الاستشارات الإيمانية :
الأخ الفاضل عبد الرحمن؛
أدعو الله أن يرقق قلبك ويعينك على الإقلاع عن المعصية، فليس من العيب يا صديقي أن نخطئ ولكن من العيب كل العيب أن نتمادى في الخطأ، فهيا نتأمل مشكلتك ونقلبها على أوجهها المختلفة، وقبل التفصيل دعنا نركز على أمور عدة:
1- تقول بأنك قرأت استشارات كثيرة شبيهة، ويبدو أنها لم تُجد مع حالتك، وتريد حلا خاصا، وأستطيع القول بأنه لا توجد حلول سحرية، ولا ندعي أننا نقدمها، ولهذا إذا لم يتعاط صاحب المشكلة مع ما نقدمه من اقتراحات وأفكار بعزيمة وإرادة قويتين وصادقتين فلا جدوى؛ فالمريض لا يبرأ من العلاج إذا أهمل تعاطي الدواء.
2- تقول بأنك تحتاج إلى هذا العمل الذي وصفته بالنبيل -وقد يكون كذلك- لكنه كما تؤكد مشكلتك محفوف بالمخاطر والمهالك وهو طريق إلى جهنم كما أشرت، فلماذا لا نفكر في البحث عن عمل آخر مناسب وبعيد عن هذا الطريق الموصل بالفعل إلى النار وعذاب السعير، وحتى إذا لم يكن هناك عمل بديل، فيجب ألا نضيع ديننا بدنيانا، فالأمر يحتاج منك إلى قرار شجاع وسريع وجريء بترك هذا العمل دون تردد؛ لأن أي علاج في ظل تواجدك في هذا العمل، ووجود هؤلاء الفتيات قد يكون(33/1513)
صعبا للغاية، غير أنه غير مستحيل إذا توفرت العزيمة الصادقة والرغبة المخلصة في الإقلاع عن عبودية المعصية كما وصفتها، وتأتي الصعوبة في أن الشيطان لن يتركك تنعم بلذة التوبة وهجرة المعصية، وسيظل قلبك معلقا بها خاصة في ظل وجود من يذكرك بذلك.
3- قلت بأنك متزوج، وهنا يكون الجرم عظيما، فلو لم تكن متزوجا، لكانت نصيحتنا الفورية إليك بضرورة المبادرة بالزواج، أما وأنك متزوج، فلا ندري لماذا تركت الحلال وانصرفت إلى الحرام، فما عند هؤلاء الفتيات هو نفسه عند زوجتك، مع الفارق أن علاقتك بزوجتك أنت مثاب عليها ومأجور، أما علاقات الحرام فأنت آثم عليها ومذنب؛ لأنها منكر عظيم، ولم تذكر إذا كنت تعول أولادا أم لا، وإن كنّ بنات فهل ترضى لهن ذلك، أو لأخواتك، أو قريباتك على اختلاف درجات القرابة.
4- إن مشكلتك تتضمن مواطن قوة كثيرة يمكن استثمارها والطرق عليها بقوة، فقد اعترفت أنك ترتكب منكرا كبيرا، وهذا في حد ذاته جزء من الحل، وذكرت أنك حججت إلى بيت الله الحرام غير مرة، وهذا أمر مهم يدل على أنك تعرف الطريق البديل، وقلت بأن ضميرك يعذبك ويؤنبك وذلك من صفات النفس اللوامة التي تلوم صاحبها على ارتكاب المعصية، واعترفت بالحقيقة المطلقة وهي الموت، بل أقررت أنه يداعبك وقد يباغتك فجأة، والقبر بين عينيك؛ إذن فأنت تعرف الطريق المستقيم جيدا، والتوبة الصادقة هي الحل، وأولى مراحل هذه التوبة أن تهجر البيئة التي قادتك إلى هذه التهلكة.
أخي عبد الرحمن؛
يشتكي البعض من قسوة قلبه، ويردد عبارات يائسة "أحس بقسوة في قلبي"، و"لا أشعر بلذة العبادة"، و"إيماني في الحضيض"، و"لا أتأثر بقراءة القرآن"، هذه العبارات الانهزامية، تحتاج إلى استبدال عبارات الهمة، والتوبة الصادقة، والإرادة القوية، والعزيمة التي لا تلين، والقناة التي لا تتزعزع بنظيرتها اليائسة.
وموضوع القلوب في منتهى الحساسية والأهمية، وقد سمي القلب قلبا لسرعة تقلبه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما سمي القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرا لبطن) رواه أحمد.
وهو شديد التقلب كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لقلب ابن آدم أسرع تقلبا من القِدر إذا استجمعت غليا)، والله سبحانه وتعالى هو مقلب القلوب ومصرفها كما جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء)، ثم قال رسول الله صلى عليه وسلم: (اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك).
وحيث (إن الله يحول بين المرء وقلبه)، وإنه لن ينجو يوم القيامة (إلا من أتى الله بقلب سليم)، وأن الويل (للقاسية قلوبهم من ذكر الله)، وأن الوعد بالجنة لـ (من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب)، كان لا بد للمؤمن أن يتحسس قلبه ويعرف مكمن الداء وسبب المرض ويشرع في العلاج قبل أن يطغى عليه الران فيهلك، والأمر(33/1514)
عظيم والشأن خطير، فإن الله قد حذرنا من القلب القاسي، والمقفل، والمريض، والأعمى، والأغلف، والمنكوس، والمطبوع المختوم عليه.
أخي الكريم؛
إن الوقوع في المعاصي وارتكاب المحرمات من مظاهر ضعف الإيمان، ومن العصاة من يرتكب معصية يصر عليها، ومنهم من يرتكب أنواعًا من المعاصي، وكثرة الوقوع في المعصية يؤدي إلى تحولها إلى عادة مألوفة، ثم يزول قبحها من القلب تدريجيا، هذه المعصية تولد قسوة في القلب وخشونة حتى ليحس الإنسان أن قلبه قد انقلب حجرا صلدا لا يتأثر بشيء، والله جل وعلا يقول: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة).
وعليك أن تجاهد نفسك؛ لأن الحل في يديك، فأكثر من الدعاء لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم)؛ فالإنسان حينما يقع في معصية فهو في ظلمة ووحشة، فإذا سعى لزيادة إيمانه واستعان بالله عز وجل انقشعت تلك الظلمة وعاد نور الإيمان يملأ قلبه.
حاول أن تستجمع قواك بعد تركك لعملك الذي هو موطن الداء وتدبر واقرأ واستمع إلى القرآن العظيم، قال تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)، وقم الليل وابتهل إلى الله وابك على خطيئتك، وتذكر زوجتك التي ارتكبت في حقها جرما كبيرا، وفى حق أولادك، فهذا الذي فعلت إن لم تتب عنه فورا فقد يطال أبناءك، فهل ترضى بذلك؟ فالقاعدة تقول "كما تدين تدان".
واستشعر عظمة الله تعالى، فهذا الذنب الذي يرتكبه الإنسان، الله تعالى مطلع عليه، وسوف يُفضح صاحبُه على رؤس الخلائق يوم القيامة (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم)، فإن الله تعالى يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.
اشغل وقتك بطلب العلم الشرعي النافع، فلا يستوي في الإيمان الذين يعلمون والذين لا يعلمون، والزم حلق الذكر وجلسات العلم فإن فيها زادا إيمانيا عظيما وصحبة خيرة سوف تأخذ بيديك إلى طريق الاستقامة، والبعد عن المعاصي، واهتم بأسرتك فإن لها حقا عليك، وأنفق وقتك معها حتى تكفر عن خطيئتك في حقها، وعد إلى الله بالتوبة الصادقة الخالصة، ولا تضعف أمام أي مؤثرات أو إغراءات، فتلك طريق الهاوية، وقد تصاب بمرض الإيدز أو غيره، واجعل شعارك في حياتك (وعجلت إليك ربِّ لترضى)، واستكثر من الأعمال الصالحة، واغتنم الفرصة فإن صفحات العمر التي تطوى لن تعود أبدا إلى يوم القيامة، وأسأل الله تعالى أن يعينك على الخروج من ذل المعصية وعواقبها الوخيمة.
ويضيف الأستاذ عماد حسين :
شكر الله لمستشارنا الفاضل هذه الكلمات المضيئة، وهذه النصائح الطيبة، والتي نرجو أن تجد من السائل قلبًا يعي، وجوارح تلتزم بحدود الله، ولنا إضافة على هذا النسيج الطيب من النصائح المهداة، نرجو أن تبلغ من السائل موضعها الصحيح.
أخي؛(33/1515)
ماذا لو عرفت أن زوجك فعلت مثلك؟ أم أن مقياسك أن للرجال ما لا للنساء في هذا السبيل، وأن الأمر في حقك صغائر وهفوات، وإن فعلت هي صارت كبائر ومنكرات، ماذا لو وصل هذا الأمر لأصحاب العمل النبيل، هل سيرون في أفعالك نبلا؟!!
أخي عبد الرحمن؛
ليس بمقدورنا أن نجعلك ترى مقعدك في النار إذا واصلت هذا الطريق لترتدع، ولا يوجد لدينا صكوك غفران نهبها لك لنضمن لك مغفرة رب العزة، ولن نجد في نبل العمل سببًا لاستمرارك فيه، فنبل العمل لم يوقف الشيطان الذي سوغ لك أن تستحل الحرمات، وأنت الرجل المتزوج، ولم يوقف العابثات -اللاتي يعلمن أنك متزوج- من الاقتراب منك وتزيين الحرام لك.
أخي؛
تشكو قسوة القلب، وتذكر أهمية العمل لحياتك، ولكنك تعجز أن تتصرف كرجل يحترم نفسه وبيته وعمله، لا أظن أن من طبيعة العمل أن تتواصل مع هؤلاء الفتيات، ولكنك تعجز أن توقف نفسك عن استمراء الحرام، ولم تبال بنظر الله لك، وأنك إنما تعصاه بنعمته التي أحسن بها إليك، واغتررت بحلمه عليك، وستره لك، فماذا تنتظر؟؟
أخي؛
تتذكر الموت.. ولكن قلبك لا ينزجر، وتندم على ما تفعل.. ولكن لا تتوقف، أي كذب و خداع تمارسه أخي على نفسك، فإنك إن صدقت لامتنعت!!
قد تقع مرة وتنسى أخرى، ولكن أن تذكر أنك ترى القبر بين عينيك، ولكن تستمر في هذا الطريق، فهذا خداع الشيطان، وهوى النفس الغارقة في المعصية، والأمر يحتاج منك مراجعة صادقة لنفسك، ورجولة تمارسها على تصرفاتك وسلوكك، لا أن تجذب بها العابثات إليك.
أخي؛
ستر الله عليك، وكان حلمه عليك كبيرًا، لا غفلةً عن فعالك، ولا عجزًٍا عن عقابك، ولكنه الإمهال، ولكنه إن أخذك وحاسبك، سيكون أخذه أليمٌ شديد.. وما هو عنك ببعيد، فأسرع بالتوبة الصادقة ولا تسوف، فلا تدري متى ينتهي إمهال الله لك، فتخسر الدنيا والآخرة.
فإن عزمت على التوبة فكن على تواصلٍ معنا، فستجد فينا عونا وسندا إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــ
أتوب .. لكن أعود للمعصية .. ما السبيل ؟؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ سيدي.. كيف حالك؟ أتمنَّى أن تكون بخيرٍ.. أنا نديم من سوريَّة، أعمل في الإمارات، أبي -والحمد لله- ملتزمٌ وعائلتي أيضًا. أمَّا أنا فلا أعرف ما الذي يحصل لي.. في بعض الأحيان ألتزم، وأكثر الأحيان أتَّبع طريق السوء، وقد سلكت طريق السوء كثيرًا، وخاصَّةً في الإمارات. أرجو من حضرتك إذا(33/1516)
سمحت أن تدلَّني كيف السبيل للتخلُّص من هذا الحال؟ أرجوك سيدي.. والشكر الجزيل لكم. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الدكتور محمد محمود منصور:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد؛
شكر الله لكم، و جزاكم خيرًا على حبِّكم لإسلامكم وحرصكم عليه.
أخي الكريم؛
بدايةً؛ أتمنَّى أن تراجع هذه الاستشارة:
الفتن حولنا .. كيف النجاة ؟؟ .. برنامج للحماية
لأنَّها تتضمن فائدةً طيبةً لك بإذن الله، مع إضافة المسارعة بالتوبة والأمل والتدرُّج..
أمَّا المسارعة بالتوبة فلأنَّ الله تعالى يقول: (وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربِّكم وجنَّةٍ عرضها السموات والأرض)، ويقول: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنَّ الله يغفر الذنوب جميعًا)، لأنَّه كلَّما استمرَّت المعاصي وطالت مدَّة ممارستها، كلَّما صعب العلاج والتخلُّص منها، وقد يموت الإنسان قبل أن يتوب منها، ثمَّ إنَّ التوبة تطمئن القلب.. (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، وتقوِّيه وتقرِّبه من ربِّه فيقترب سبحانه من عبده أكثر وأكثر، ويعينه على مزيدٍ من الخير والسعادة في الدنيا ثمَّ في الآخرة، كما يقول في الحديث القدسي: (وإن تقرَّب إليَّ شبرًا تقرَّبت إليه ذراعًا) من حديثٍ رواه مسلم.
هذا؛ وعليك أن تراعي شروط التوبة حتى يُغفر ذنبك، وهى:-
- الندم بالقلب عليه.
- العزم على عدم العودة إليه.
- الاستغفار باللسان.
- ردُّ الحقوق إلى أهلها إن كنت ظلمت أحدًا بذنبك.
وأمَّا الأمل، فإنَّه يدفعك لمحاولة الوصول للصلاح، ولقد وصلت إليه بالفعل من قبل، وذقت حلاوته كما تقول في رسالتك، فتذكَّر قول الله تعالى: (وذكِّرهم بأيَّام الله) لأنَّ تذكُّر أيَّام الخير وحسن الاتصال بالله، تدفع لمحاولة إعادتها لأنَّها كانت سعيدة، ثمَّ من السهل أن تصل إليها مرَّةً أخرى بإذن الله تعالى لأنَّه في أيِّ عملٍ تكون المرَّة الثانية أسهل وأسرع من المرَّة الأولى، إذ خبرات العودة وكيفيَّتها ووسائلها موجودةٌ من قبل !!
ثمَّ إنَّ كثيرين غيرك قد وصلوا للصلاح وهم ليسوا أقدر منك، فلماذا لا تصل أنت أيضًا؟! خاصَّة وأنَّه أمرٌ سهلٌ لكلِّ الناس.. لمن بدأ أوَّل الطريق ولو بخطوةٍ واحدة، لأنَّه ليس من المعقول أن يجعل الله الغفور الودود العودة إليه عسيرةً وهو الذي يفرح بعودة عباده إليه وإلى دينه لكي يسعدوا به وينتفعوا أكمل انتفاعٍ بالحياة، وهو الذي يقول عنه رسوله صلى الله عليه وسلم: (لله أفرح بتوبة العبد من رجلٍ نزل منزلاً وبه مهلكةٌ ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد(33/1517)
ذهبت راحلته، حتى اشتدَّ عليه الحرُّ والعطش أو ما شاء الله، قال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومة، ثمَّ رفع رأسه، فإذا راحلته عنده) رواه البخاري.
ولكن الصعوبة في البداية بسب وساوس ومغريات الشيطان الذي ينزعج بهذه التوبة فيزيد من جهوده لمنعها، ولذا فهي تحتاج إلى:-
- صدق نيَّةٍ في الدعاء بالهداية كما أشار لذلك سبحانه في قوله: (إن يريدا إصلاحًا يوفِّق الله بينهما).
- وتحتاج إلى قوَّة إرادةٍ والتي تقوَّى بالصوم وما شابهه، حيث تمتنع فيه عن الحلال فيمكنك بعد ذلك الامتناع بسهولةٍ عن الحرام.
- وتحتاج إلى تيقُّنٍ بأنَّك لو بدأت لا بدَّ أن يُتمَّ لك الله هدايته، ويزيدك فهمًا وقربًا وتثبيتًا وصلاحًا وسعادةً في الدنيا، وثوابًا في الآخرة، كما يقول عزَّ وجلَّ: (والذين اهتدوا زادهم هدىً وآتاهم تقواهم).
- وتحتاج إلى صحبةٍ صالحةٍ تعين على بدء التوبة والاستمرار فيها وفي الصلاح.
وأمَّا التدرُّج؛ فإنَّه يشجِّع على العودة للخير، لأنَّ الامتناع عن الأخلاق السيِّئة، والتحلِّي بالأخلاق الحسنة دفعةً واحدةً غالبًا ما يكون ثقيلاً على النفس؛ أمَّا الإمتاع التدريجيِّ والتمسُّك التدريجيّ -كما فعل القرآن عند تربيته للصحابة- فسهلٌ ميسورٌ بإذن الله، كمن يشرب زجاجة خمرٍ يوميًّا، فإن استطاع تركها كلَّها فورًا فله الثواب الهائل، وإن لم يستطع إلا أن يشرب كأسًا واحدةً فقط في اليوم فله أيضًا ثوابه، حتى يمكنه التغلُّب عليها نهائيًّا ليكتمل ثوابه ولتنتهي آثامه.
وفقك الله -أخي الكريم- وأعانك وثبَّتك.. ولك ثوابك العظيم.
ـــــــــــــــــــ
s - أثيوبيا ... الاسم ...
التوبة: لنحيا بين "غافر الذنب" و" شديد العقاب" ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
كيف يتوب الفرد عن ذنبٍ ارتكبه، وليكن الزنا؟ ... السؤال
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أختي الكريمة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أوَّل ما يمكن الحديث فيه، هو تقرير حقيقةٍ وضعها الله سبحانه وتعالى: "إنَّ الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"، وقال الإمام القرطبيُّ في تعليقه على الآية الكريمة: "وهذا من المحكم المتَّفق عليه الذي لا اختلاف فيه بين الأمَّة".
علينا أن نثبت هذه المعلومة في أذهاننا أوَّلا، ثمَّ ننطلق منها لتفصيلاتٍ أخرى.
وهذه التفصيلات هي:
- مبدأ الخطأ مبدأٌ أصيلٌ في النفس البشريَّة، هكذا خلقنا ربُّنا سبحانه، ولذلك فهو يغفر لنا وقد قال الله تعالى: "وإنِّي لغفَّارٌ لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثمَّ اهتدى"، وقال عزَّ وجلّ:"إلا مَن تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدِّل الله سيِّئاتهم حسناتٍ(33/1518)
وكان الله غفوراً رحيما"، وقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لو لم تُذنِبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم"رواه مسلم.
وقد فصَّلنا في هذه النقطة كثيرا، ويمكن الرجوع إليها في الاستشارة التالية:
تعصي! أنت إنسانٌ ولستَ ملَكا
- نحن نتعامل مع الله سبحانه وتعالى الذي هو أرحم بنا من أهلنا ومن أنفسنا، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قدم على النبيِّ صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأةٌ من السبي قد تحلب ثديها تسقي، إذ وجدت صبيًّا في السبي أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أترون هذه طارحةً ولدها في النار؟" قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال: "لله أرحم بعباده من هذه بولدها"متَّفقٌ عليه.
بل قد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنَّا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى أو نقول: إنَّه ليس شيءٌ من حسناتنا إلا وهي مقبولة، حتى نزلت هذه الآية "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم"، فلمَّا نزلت هذه الآية قلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر والفواحش، قال: فكنَّا إذا رأينا من أصاب شيئاً منها قلنا: قد هلك، حتى نزلت هذه الآية "إنَّ الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"، فلمَّا نزلت هذه الآية كففنا عن القول في ذلك، فكنا إذا رأينا أحداً أصاب منها شيئاً خفنا عليه، إن لم يصب منها شيئاً رجونا له.
وما ذلك إلا لمعرفته بسعة رحمته سبحانه وتعالى، والأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تُحصَى.
وصدق من قال:
ذنوبي إن فكَّرت فيها كثيرةٌ....... ورحمة ربِّي من ذنوبي أوسعُ
هو الله مولاي الذي هو خالقي....... وإنَّني له عبدٌ أذلُّ وأخضعُ
وما طمعي في صالحٍ قد عملته....... ولكنَّني في رحمة الله أطمعُ
وحقٌّ ما قاله غيره:
عندي يقينٌ أنَّ رحمة خالقي....... ستكون أكبر من ذنوب حياتي
- ورغم رحمة الله تعالى الواسعة تلك، فعلينا الحذر، حتى لا تأخذنا رحمته تعالى إلى التمادي في الخطأ، ونسيان أنَّه شديد العقاب قهَّارٌ وغالبٌ عزَّ وجلّ، ولا يرضى لعباده الكفر، إنَّ الإنسان إذا أراد رحمة ربِّه عليه أن يسعى لها صادقا، بالبذل والجهد والعمل، الطريق إلى محبَّة الله تعالى ليست سهلة، ولا هي مجرَّد كلماتٍ تقال، هي عمل وبذل، فالمحبَّة تعني الطاعة، وصدق الشاعر حين قال:
تعصي الإله وأنت تزعم حبَّه....... هذا لعمري في القياس شنيعُ
لو كان حبُّك صادقاً لأطعتَه....... إنَّ المحبَّ لمن يحبُّ مطيعُ
يقول الإمام ابن القيِّم رحمه الله تعالى: "أمَّا بعد، فإنَّ الله سبحانه غرس شجرة محبَّته ومعرفته وتوحيده في قلوب من اختارهم لربوبيَّته، واختصَّهم بنعمته، وفضَّلهم على سائر خليقته، فهي: "كشجرةٍ طيِّبةٍ أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء تؤتي أُكُلها كلَّ حينٍ بإذن ربِّها"، فكذلك شجرة الإيمان أصلها ثابتٌ في القلب، وفروعها الكلِم الطيِّب، والعمل الصالح في السماء، فلا تزال هذه الشجرة تُخرِج ثمرها كلَّ وقتٍ بإذن(33/1519)
ربِّها من طيب القول، وصالح العمل، ما تقرُّ به عيون صاحب الأصل، وعيون حفَظته، وعيون أهله وأصحابه، ومن قرب منه، فإنَّ من قرَّت عينه بالله سبحانه، قرَّت به كلُّ عين".
ولله درُّ الصدِّيق رضي الله عنه ما أحسن فهمه حين قال: "والله لو كانت إحدى قدماي في الجنَّة ما أمنت مكر الله".
ولذلك قال العلماء: "لا صغيرةٌ إذا قابلك عدله، ولا كبيرةٌ إذا واجهك فضله"، أي لا صغيرةٌ من ذنوبك، بل كلُّها كبائر، إذا قابلك عدله تعالى.
هذا مقياس العدل، فإن أردنا رحمته ومحبَّته فعلينا أن نقدِّم لها القربات، وأن نتذكَّر أنَّ الطريق ليست سهلة، بل سلعة الله تعالى غالية، وأن نقرأ حديث نبيِّنا صلى الله عليه وسلم: "حُفَّت الجنَّة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات"رواه مسلم، وقال العلماء تعليقاً على الحديث: "لا يوصل إلى الجنَّة إلا بارتكاب المكاره، والنار إلا بالشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحبوب، فهَتْك حجاب الجنَّة باقتحام المكاره، وهتْك حجاب النار بارتكاب الشهوات".
فلينظر كلٌّ منَّا أيَّ حجابٍ يحبُّ أن يهتك.
- نعود للتوبة من المعصية، فالتوبة لها شروطٌ ذكرها العلماء، وهي ثلاث:
1- التوبة من الفعل.
2- الندم على الفعل.
3- العزم على عدم العودة.
وهناك شرطٌ رابعٌ مرتبطٌ بما للناس من حقوق، فإن كان الفعل قد أضرَّ أحدا، فعلى المرء أن يردَّ الحقوق إلى أهلها، أمَّا في موضوع الزنا فيقول الدكتور القرضاوي: "حقَّق المحقِّقون أنَّ التوبة من الزنا تكون بين المرء وخالقه تعالى، فإذا تاب وأناب وندم واستغفر، فالمرجو أن يغفر الله له، ويعفو عنه".
وتفصيل ذلك، وفوائد أخرى يمكن أن تجديها –أختي الكريمة- في العناوين التالية:
- حقيقة التوبة النصوح
- شروط التوبة
- التوبة..بواعثها وموانعها
- تزكية النفس والتوبة من الكبائر
- التوبة من الزنا
- العودة للذنب بعد التوبة
وأخيرا –أختي-، دعيني أريك موقف الله سبحانه وتعالى حين يتوب عبده إليه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أشدُّ فرحاً بتوبة عبده، حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه،. فأَيِس منها، فأتى شجرةً فاضطَّجع في ظلِّها، قد أيِس من راحلته، فبينَّا هو كذلك، إذا هو بها قائمةٌ عنده، فأخذ بخطامها، ثمَّ قال من شدَّة الفرح: اللهمّ، أنت عبدي وأنا ربُّك، أخطأ من شدَّة الفرح"رواه مسلم.
لك الحمد يا ربِّي ما أرحمك وأكثر فضلك.(33/1520)
- بقيت نقطةٌ هامَّةٌ جدّا، متعلِّقةٌ بمسألة الزنا، فالزنا كما نعلم درجات، أعلاها الجماع، وأدناها زنا العين والأذن، وبينهما مقدِّمات هذا الزنا من ممارسات، والذي يمكن أن نسمِّيه زناً أيضا، وهذه كلُّها من المعاصي التي على المرء ألا يقع فيها، فإن وقع فعليه التوبة منها، غير أنَّ ما يوجب الحدَّ شرعاً هو الزنا الكامل أي الجماع، فإذا وقع الزنا الكامل، فهل يطبَّق الحدُّ على الفاعل؟ اتَّفق العلماء على أنَّ الأمر إذا لم يصل للإمام، فيكفي فيه التوبة الكاملة، وهذه التوبة تُسقِط الحدَّ والذنب.
يقول الله تعالى: "حم، تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافرِ الذنب وقابلِ التوب شديدِ العقاب ذي الطَّول لا إله إلا هو إليه المصير".
فعلينا أن نتذكَّر دائماً أنَّ الله تعالى "غافر الذنب وقابل التوب" وأنَّه كذلك "شديد العقاب ذي الطَّول" سبحانه، وعلينا أن نحيا بين هذا وذاك.
بارك الله فيك وفي توبتك أختي الكريمة، ويبقى رمضان فرصةً رائعةً لكلِّ تائب، وباب الله مفتوحٌ لا يُغلَق حتى أنفاسنا الأخيرة: "إنَّ الله يقبل توبة العبد ما لم يُغَرْغِرْ"رواه الترمذيُّ وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح.
ـــــــــــــــــــ
يا غريق المعاصي: هكذا تصبح منقذا ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الأخوة الفضلاء القائمون على هذا الموقع الكريم، تحيَّةً من عند الله مباركةً طيِّبة، أريد أن تدلُّوني على الطريق الصحيح وسط الوحلة التي غرقت بها، ومعذرةً أرجو أن لا تتضمَّن الإجابة ثناءً عليَّ وعلى حرصي على التوبة، فأنا كما سأروي لكم لا أثبت على توبة، ولا التزم السلوك الإسلاميَّ من كلمةٍ طيِّبة، وحديثٍ مهذَّب، وخشوعٍ في الصلاة، وإخلاصٍ في النيَّة، إلا عندما تأتيني مصيبةٌ تهمُّنى و تغمُّنى فلا أجد مفرًّا ولا ملجأ سوى الدعاء، فو الله لا أدري متى وكيف تكون النهاية، ويا حسرةً على نفسٍ لم أقوَ عليها، فلم أتورَّع عن الكذب، والنميمة، والغيبة، وعدم نصرة المظلوم، وعدم غضِّ الطرْف عن ما حرَّم الله، وليت الأمر انتهى عند ذلك، ولكن الطامَّة الكبرى أنَّ المحيطين بي يعلمون عنِّى غير ذلك، فقد مرَّت عليَّ فترةٌ كنت قد التزمت فيها (على ما أظنّ) أشاعت عنِّى سيرةً حسنةً كاذبةً وخادعة، ومشكلتي الكبيرة أيضاً هي عدم الإقلاع عن ممارسة العادة السرِّيَّة، بل أمارسها بشراهةٍ كبيرةٍ جدًّا، في الوقت الذي أسمع وأرى عمَّا يجري في البلدان الإسلاميَّة المستضعفة من قتل، وتنكيل، واغتصاب، ولكنَّ ذلك كلَّه لا يؤثِّر فيَّ إلا فترةً لا تتجاوز عدَّة دقائق بل ثوان. إنَّني يا سيِّدي الفاضل لي أصدقاء ملتزمين، وأظنَّهم على خيرٍ ولا أزكِّي على الله أحد، وهم يظنُّون بي الخير، بل إنَّ بعضاً منهم قال أنَّه لو كان له أختٌ لعرضها عليَّ للزواج ظنًّا منه أنني ذو أخلاقٍ حسنة، وكثيراً ما ادَّعي الرغبة في الجهاد ودفع الظلم، ولكنِّي أخاف إن قامت الحرب أن تكون هذه النيَّة مجرَّد انفعالٍ كاذب، أو تخدير، واستمرارٍ لمسلسل البعد عن الطريق الصحيح، لقد علمت أنَّ الناصر صلاح الدين كان لا يضحك ولا يفرح قط، وعندما سئل عن ذلك، أجاب بأنَّه يستحيي أن يراه الله ضاحكاً والمسجد الأقصى بين يدي الصليبيِّين، فإنِّي أخاف إن استُدعيت للجهاد أن أرى نفسي مفضِّلاً الجبن والهرب والذلّ، على(33/1521)
الدفاع عن عرض المسلمين -معاذ الله–، وقد أكون عكس ذلك، فمن يدري؟ وصدِّقني -سيِّدي الفاضل- لا أعلم ماذا حقًّا أريد منك، هل تعظني بكلماتٍ لطالما سمعتها وردَّدتها، بل قمت أنا بنصح غيري بها، أم أطلب منك أن تأتى لتمسك بي وترغمني على ترك المنكر، أم تسحر لي أم تدعو لي دعوةً مستجابةً كما كان يفعل النبيُّ لأصحابه فيتبدَّل حالهم إلى خير حال؟ هل أدعو الله أن يرزقني مصيبةً عظيمة لا تنفكُّ عنِّي إلا بالموت حتى أتَّعظ أم ماذا؟ هل أقول لك –سيِّدي- أنَّني أكتب لك وأنا يائسٌ من جدوى ردِّك، وللأسف الشديد لا أرى نفسي إلا منافقاً أتأثَّر وأخشع لأي موقفٍ طالما كنت بين الناس، وأجتهد في النصح لغيري طالما يراني الناس، أمَّا الخلوة فكلُّها فعلٌ للمنكرات، وتركٌ للخيرات، أرجو أن تدلَّني ماذا أفعل في نفسي، إنَّني أحسُّ بمدى الحقارة العظيمة التي تليق بي، فالكلُّ يظنُّ بي الخير، حيث إنَّ معظم ذنوبي تكون في الخفاء للأسف الشديد، ومعذرةً للإطالة والتكرار، وإن كنتم -سيِّدى الفاضل- ستردُّون عليّ، أرجو أن تردُّوا عليَّ إجابةً واقعيَّةً مفصَّلةً مسهبة، فالحزن والخزي يملآني. وأرجو منك أن لا تظن بي أنَّني أهوِّل من مصيبتي، و أتسلَّى أو أكذب، فكلُّ ما كتبت صحيح. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... السؤال
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أخي الكريم "الغريق"،
لن أقول لك شيئا، ولن أحمد، ولن أشكر، وسأكون معك واقعيًّا جدًّا جدّا، بل قد أكون قاسياً بعض الشيء، فاعذرني.
حديثي في نقاطٍ ثلاث:
النقطة الأولى: بشريَّتنا.
النقطة الثانية: الهمَّة والعزم.
النقطة الثالثة: انتهاك محارم الله تعالى.
النقطة الأولى: بشريَّتنا:
قلت سابقاً مرارا، وأعيد التكرار: نحن بشرٌ ولسنا ملائكة، هكذا خلقنا ربُّنا سبحانه، وهكذا أرادنا، أن يتنازعنا الخير والشرّ، أن نخطئ ونصيب، أن نكبو ونقوم.
الشرط الوحيد في كلِّ ذلك هو أن نعود إلى ربِّنا سبحانه وتعالى دائما، أن نئوب إليه ونتوب بعد كلِّ خطأ، ولن أفصِّل أكثر، بل سأحيل إلى ما كُتِب سابقا، وعنوانه:
- تعصي! أنت إنسانٌ ولستَ ملَكا
- بقايا إنسان.. إيمانيّا
- عناء المسير إلى الله تعالى: لنكن طمَّاعين!
- كيف يحيي العبد قلبه، ويتغلَّب على شيطانه؟
النقطة الثانية: الهمَّة والعزم:
أبرز ما في رسالتك يا أخي الغريق، أنَّها تنبئ عن رجلٍ خائر القوى، فاقد العزيمة والإرادة.(33/1522)
ذكَّرتني رسالتك بقصيدةٍ سمعتها منذ سنين طوال، تصف حال أمَّتنا وما آلت إليه، ويقول جزءٌ منها:
قد اتَّسع الخَرْق، والراقعون........ نيامٌ، ويقظانهم حائرُ
وذو الرأي فيهم بطيء الخطى........ بليدُ المدى عزمه خائرُ
وذو العزم جُنَّ أنانيَّةً....... وأفسده المسلك الجائرُ
قد اتَّسع الخرقُ والرَّتْق أَعْيَى....... وطوَّقنا الخطر السائرُ
وما أخالك إلا أحد أهل الرأي بليدي المدى، خائري العزمات.
من السبب في ذلك؟؟ من أوصلك لهذا؟؟ أنت وحدك من يملك الإجابة.
قد أجلس بالساعات أحدِّثك في ضرورة أن يكون المسلم كذا وكذا، وأن يفكِّر لأمَّته ويعمل لها، ولكن –كما قلتَ أنت- كلُّ ذلك أنت تعرفه أكثر منِّي، ويمكنك أن تلقي فيه محاضراتٍ لي ولغيري، ولذلك لن أتحدَّث فيه، وإنَّما سأطلب منك أن تفكِّر في أمرين، ثمَّ سأحيلك إلى استشارات تحدَّثت عن الهمم، علَّها تفيدك.
الأمران اللذان أودُّ أن أحدِّثك فيهما هم:
1- فكِّر كيف تعرف ربَّك سبحانه وتعالى وتحبَّه، انظر في نفسك، تفكَّر في الكون، تتبَّع مخلوقاته كيف تعيش، عاين النِعَم التي أحاطك بها من فوقك ومن تحتك ومن حولك ومن كلِّ مكان، ثمَّ توقَّف كثيراً أمام رحمته بنا وحلمه علينا سبحانه، ونحن العبيد المقصِّرين العاصين البعيدين، وهو الله الربُّ المنعِم الذي يقترب منَّا، إنَّنا إذا خفنا من شيءٍ هربنا منه، ولكنَّنا حين نخاف من ربَّنا سبحانه نهرب إليه، فالجأ إليه واهرب، واطلب منه العون بعد أن تأخذ بالأسباب، و"الدنيا لن تمطر ذهباً ولا فضَّة" كما قال الفاروق رضي الله عنه لمن يفكِّر أن يجلس في بيته ويدعو الله تعالى أن يرزقه.
همُّ الأمَّة وهمُّ نفسك قد أضناك وأتعبك، فخذ بالأسباب، وقوِّ عزيمتك، كي تنقذ نفسك وأمَّتك، ثمَّ قف مع هذا الشاعر وردِّد معه:
فيا ربِّ يا بارئ الكائنات....... ويا عالماً بخفايا الصدورْ
ألستَ ترى الهمَّ يشوي كياني........ ويُلهب قلبي بنارٍ ونورْ؟
ففكَّ لبأسي قيود الزمان....... وأطلق يدي في عنان الدهورْ
وهَبْ لي من الحزم والعزم أمراً....... ودعني لقومي أكون النشورْ
2- تدرَّب على تقوية همَّتك وعزيمتك، فهذا من الأخذ بالأسباب، عاقب نفسك مثلاً إذا عقدتَّ عزماً على فعل أو تركٍ أمرٍ بما، ثمَّ خالفتَ هذا العزم، عاقب نفسك بأن تجري مسافةً معيَّنةً عند المخالفة، وزد المسافة كلَّما كرَّرت الخطأ، أو ألزم نفسك بالتصدُّق بمبلغٍ من المال كلَّما خالفت، وزد المبلغ بزيادة المخالفة وتكرارها، أو اختر أيَّة طريقةٍ تناسبك، وتؤثِّر فيك.
ولا أعني هنا الأوامر الشرعيَّة فقط، بل أعني كلَّ شيءٍ مرتبطٍ بك، فإذا قلت كلمةً فالتزم بها، وإذا عملت فأتقن عملك، وإذا عزمت على زيارة أحدٍ أو قضاء حاجة أحد، فافعل دون تردُّد، فإذا خالفت ما عزمت على فعله أيًّا كان هذا العزم، فالجأ للعقوبة.
فكِّر في هذين الأمرين، ثمَّ انظر في هذه العناوين:
- ذنوب الدعاة وفتورهم.. هموم داعية(33/1523)
- الفتور.. الإيمانيات.. كثرة الأعباء: مشكلات الدعاة
- تحويلُ حصة الإنجليزي لدعوة..عزةُ المسلم..وأسئلةٌ أخرى من أرض الرباط
- تقصير داعية..مشاركةٌ يشوبها التشاؤم
النقطة الثالثة: انتهاك محارم الله تعالى:
هذه أهمُّ نقطةٍ أودُّ التركيز عليها، حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي يقول: "لأعلمنَّ أقواماً من أمَّتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثال جبال تِهامة بيضا، فيجعلها الله عزَّ وجلَّ هباءً منثورا"، قال ثوبان: يا رسول الله، صِفْهم لنا، جَلِّهم لنا، أَن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: "أما إنَّهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنَّهم أقوامٌ إذا خلَوا بمحارم الله انتهكوها"رواه ابن ماجه بسندٍ صحيح.
وأوَّل ما أقول فيه، أنَّه ليس المقصود منه من يخطئون ويئوبون، وإنَّما المقصود المنافقون الذين يُظهِرون شيئاً ويُبطِنون شيئاً آخر، ولكن هذا لا يعني ألا نحذر إذا كنَّا نفعل فعلهم من غير أن نكون نقصد النفاق، الخوف يكمن في أن نستمرئ الشيء ونعتاده، فنغدو مثلهم، وقد يصيبنا ما أصابهم، نعوذ بالله تعالى من ذلك.
وأمَّا علاجه فليس في يدي، ولا في يد أحدٍ غيرك، أنت من تستطيع أن تغيِّر، ولكن بشرطين:
الأوَّل: أن تمتلك إرادة الفعل والهمَّة والعزم قلباً وفعلا.
الثاني: أن تثابر وتصبر وتعتمد سياسة النفَس الطويل، دون مللٍ أو يأس، حتى وإن أفلحتَ وانتكست، وأفلحتَ وانتكست.
بهذين الشرطين بعد توفيق الله تعالى وتيسيره وعونه.
عزيزي "الغريق"،
دعك من الناصر صلاح الدين، ودعك من أصحابك، ودعك من ظنِّ الناس، ودعك من الدنيا بما كان فيها وما هو فيها وما سيكون فيها، اجعل الأمر بينك وبين ربِّك سبحانه فقط، أنت وحدك، وهو تعالى وجلَّ معك.. وقدِّم له حججك وأدلَّتك، وأحسن الظنَّ به، فبعونه تعالى وبالهمةَّ والصبر والمثابرة، صدِّقني ستصبح منقذاً للناس من الغرق لا مجرَّد غريقٍ تمَّ انتشاله قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
هذا ما عندي بعيداً عن المدائح و"التشكُّرات"، ويبقى ما بيدك أو ما عندك.. وأخبرني بأخبارك بعد النجاة بتوفيق الله تعالى.
ـــــــــــــــــــ
حلاوة الإيمان.. جائزة تبحث عن تقي ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم.. بارك الله في جهودكم، وأرجو لكم مزيد التوفيق، وأتمنى ردًا غير تقليدي. والسؤال هو: حديث الربانية، وهي هدف كل داعٍ فضلاً عن كل مسلم، لكن ذوق حلاوة الإيمان ليست مجرد موعظات، والمجاهدة بالفعل على الليل والقرآن وذوق حلاوة القرب من الله، وأمام هذا الطريق نفسٌ تجعل الصراع مع طول الأيام بعد أنّ كان مجاهدةً للإحسان إلى مجاهدةٍ للتوبة. أرجو أن يكون سؤالي واضحًا.. وأرجو الإفادة، مع إرشادي إلى كتبٍ روحيةٍ إيمانيةٍ غير الكتب المشهورة. ... السؤال(33/1524)
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الأستاذ همام عبد المعبود،المحرر بالقسم الشرعي بالموقع:
أخي الحبيب الأستاذ ياسر؛
يسر الله لك، وفتح لك أبواب رحمته ورضاه.. وبعد؛
بدايةً اسمح لي أن أفضي إليك بأمر، فعندما تسلمت رسالتك وقرأت ما بها، وجدتني أمام استشارةٍ من نوع خاص، ومستشيرٍ من نوعٍ خاص، ذلك أنك لم تترك لي بابًا أخرج منه، فأنت تريد "ردًا غير تقليدي"، ولا تريد "مجرد موعظات"، حتى عندما طلبت منا أن نرشح لك بعض الكتب الروحية والإيمانية، اشترطت أن تكون من "غير الكتب المشهورة".
والحقيقة أنني حينما أُغلقت دوني أبواب الخروج جميعها ضحكت وقلت لنفسي: لن يجيب على استشارة الأخ ياسر إلا مستشارٌ غير تقليدي!!
وقد ذكرتني كلمتك "ذوق حلاوة الإيمان ليست مجرد موعظات" بقصَّةٍ يضربها المتخصصون في مجال التربية الروحية، تقول القصة: أنه جيء بكوبين مملوئين بعسل النحل، وقُدِّما لرجلين، كان أولهما صحيحًا معافى، وكان ثانيهما مريضًا عليلا، وبعدما ذاق كلاهما طعم العسل، قيل لهما: ما طعم العسل؟ فرد الصحيح: حلو، وقال المريض: مر!!.
فرغم أن طعم العسل حلو، غير أنَّ المريض السقيم وجده مرًّا غير مستساغ، وليس هذا لعيب في العسل، ولكن العيب فيه، إذ غلب عليه السقم، فغيَّر طعم الأشياء في حلقه، والحل أن يسعى لعلاج نفسه.
وعليه أقول لك -أخي الحبيب– لا يشكّ أحدٌ في أنَّ للإيمان طعمٌ وله حلاوة، لكن ليس بوسع كل مسلمٍ أن يستشعرها، ولا أن يتذوقها؛ إنما يتذوقها من كان لذلك أهلاً، وانظر إلى بلاغة قول الحبيب صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار).
فطعم الإيمان حلو دائمًا لا يتغيّر، وإنما الذي يتغيَّر هو حال من يتذوقه، فقد روى الإمام مسلم عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ رسولاً)، فإن حلاوة الإيمان إذا خالطت بشاشة القلب تجعل صاحبه مع الله في كل وقت وحين، في حركاته وسكناته، في ليله ونهاره.
غير أنَّ السير إلى الله يستلزم من السائر أن يكون "مجاهدًا لنفسه"، وجهاد النفس يكون بإقامتها على مقتضى الشرع، ومخالفة هواها، قال تعالى: (ونفسٍ وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها)، فأيّما مسلمٍ(33/1525)
ساس نفسه وأسلس قيادها فقد نجا بها، فإن ترك لها الحبل على الغارب وسار خلفها واتبع خطاها فإنها حتما سترديه وتهلكه.
وقد روي أنّ رجلاً سمع أحد المربين من كبار علماء السلف يصلِّي في الليل ويطيل القيام والركوع، ويبكي، فتعجب الرجل وانتظر حتى انتهى من صلاته، وطرق عليه الباب، وقال له: أتعبت نفسك يا أخي، فقال له: لا والله بل راحتها أبغي؛ فمن أرد راحتها في الآخرة فليجاهدها في الدنيا!!
ومع إقرارنا بأنَّ النفس بطبيعتها متمردة، فإن على العبد المسلم أن يروضها، فقد نجحت هذه النفس "الأمارة" أن تحول الصراع داخل المسلم من جهادٍ للترقي في مدارج السالكين من مصافّ المؤمنين لمصافّ المحسنين، ومن الإيمان إلى الإحسان، حولته إلى صراعٍ للوصول إلى مجرَّد التوبة!
وأذكر نفسي وإياك بما روي في الأثر: (النظرة سهمٌ من سهام إبليس مسموم، من تركها مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه)، فمن ترك المعصية –أي معصية– مخافة الله واستحياءً منه سبحانه، فإن الله يكافئه بأن يبدله عن هذه المعاصي إيمانًا يذوق طعمه ويجد له حلاوةً في القلب.
وحتى نكون قومًا عمليين، اسمح ليً أن أعرض عليك هذا البرنامج العملي، الذي قد يعينك على مواصلة الطريق، وأسأل الله أن يجعله سببًا في تذوقك لحلاوة الإيمان، وأن يخلص نيتي فيه، وأن يفتح قلبك له:
1- احرص على قيام الليل، واستعن عليه بقلة الطعام ونومة القيلولة.
2- احرص على قراءة القرآن في السحر أو بعد الفجر فإنه يرقق القلب.
3- تدبَّر ما تقرأ من القران، وعظّم قيمة الفهم والتدبر على القراءة.
4- أكثر من النوافل –من الصلاة والصيام- فإنها تكون سببًا في الحصول على محبة الله والقرب منه. 5- عُدِ المرضى، فإنه أحرى أن يرقّق قلبك ويذكرك بنعم الله عليك.
6- زر القبور فإنها تذكر بالموت والآخرة.
7- أكثر من صدقة السر، وحافظ عليها.
8- حافظ على الصلوات في المسجد، وأوصيك بصلاة الفجر فإنه لا يحضرها منافق.
9- اتخذ لنفسك صحبةً مؤمنة، فإنها خير عونٍ للمرء في دنياه.
10- حاسب نفسك أولاً بأوَّل، ولُمْها على التقصير في الطاعات، وعاتبها على الغفلة عن الله، وعاهدها بالرعاية والمحاسبة والمجاهدة لتستقيم.
وختاما؛ أرشح لك بعض الكتب الروحية التي أتمنى أن تفيدك وتعينك:
- "الإيمان" للإمام ابن تيمية.
- "الإيمان.. أركانه، حقيقته، نواقضه" للدكتور محمد نعيم ياسين.
- "تربيتنا الروحية" للشيخ سعيد حوى.
- "المستخلص في تزكية الأنفس" للشيخ سعيد حوى.
أسأل الله العظيم أن ينفع بك، وأن يجعلك من أحبائه وخلصائه، وأن يجعلني وإياك من المقربين إليه، وأن يبدلنا عن معاصينا إيمانا نجد حلاوته في قلوبنا.. آمين.
وننتظر أن نسمع عنك أخبارًا طيبة.
ـــــــــــــــــــ(33/1526)
فتور العبادة: المرض القديم الجديد ... العنوان
العبادات ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. لدي استشارة بسيطة أتمنى أن تجيبوني عليها: ما هو علاج الفتور في العبادات؟ المعنى: إن الإنسان يتعرَّض في حياته لحالات من الأمل والنشاط الدائم المستمر، ثم بعد ذلك تأتي عليه فترات يشعر فيها بالإحباط والملل، وأكثر ما يؤلمني في ذلك أنني أشعر بأن الصلاة وما إليها من عبادات قد أصبحت مثل العادات، ولم يعد لها أية قيمة روحية أو مادية أشعر بها، وأرى أن صلتي بالله عز وجل قد وصلت لحالةٍ يرثى لها.. فما علاج ذلك؟ و جزاكم الله خيرا. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الأستاذ رضا عبد الله عضو فريق الاستشارات من مصر:
أخي الكريم حياك الله وحفظك؛
اعلم أنّ ما تشكو منه ليس مشكلة خاصة بك وحدك، بل هو من الحالات التي لا ينفك أن يمر بها الجميع، ليس فقط في أيامنا، بل إن أول من عاناه وطلب الدواء منه هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإن من المبشِّر بالخير هو اهتمام الشباب بعلاجه والسؤال عنه.
ولكن قبل أن نفكر معًا في علاج الفتور دعنا ننظر إلى تعريفه وأسبابه وآثاره، فنقول وبالله التوفيق:
الفتور في اللغة بمعنى : سَكَن بعد حِدَّة، ولانَ بعد شدّة.
وفى الاصطلاح : هو داءٌ يمكن أن يصيب بعض المتدينين أدناه الكسل والتراخي والتباطؤ،
وأعلاه الانقطاع أو السكون بعد النشاط الدائب والحركة المستمرة.. قال تعالى: (وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون)، أي أنهم في عبادةٍ دائمةٍ ينزهّون الله عما لا يليق به, ويصلون ويذكرون الله ليل نهار لا يضعفون ولا يسأمون.
ووضح من التعريف السابق أنّ للفتور مظاهر مثل ترك الشيء بعد المداومة عليه, أو عدم فعله بالكيفية المطلوبة، أو فعل الشيء مع عدم الرغبة في عمله، وبالتالي يكون إجبارا أكثر منه اختيارا.
* أما عن الأسباب التي تؤدّي إلى الفتور فهي كثيرة، وسأحدثك عن أهم هذه الأسباب:
1- الوقوع في المعاصي، وخاصة صغائر الذنوب.. قال تعالى: (وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه) رواه أحمد.(33/1527)
فقد يفرح الإنسان أنه لا يقع في كبائر الذنوب -وله أن يفرح بذلك- ولكن لا يأخذ حذره من صغائر الذنوب ولا يبالى بها، وتؤدي به بعد ذلك إلى الفتور والتقصير في الطاعات، بل يمكن أن تؤدي به إلى فعل الكبائر.
2- الغلو والتشدُّد في الدين؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين) رواه أحمد؛ والغلو يكون بالانهماك في الطاعات وعدم إعطاء البدن الراحة الكافية للقيام بهذه الطاعات، فتؤثِّر الطاعات على الإنسان تأثيرًا عكسيًّا ولا تؤدي الغرض الذي من أجله تم فعلها، فتصيب النفس بحالةٍ من الكسل والدعة، وهو ما نطلق عليه الفتور.
3- الإسراف في المباحات؛ وهو عكس السبب السابق ولكنه يؤدي إلى نفس النتيجة لأن الإسراف في المباحات يعوِّد النفس الراحة والكسل والخمول، وبالتالي ترك الطاعات أو عدم فعلها بالشكل والكيفية المطلوبة فينشأ في النفس حبٌّ لهذه المباحات واستثقالٌ للطاعات وعدم صبرٍ على أدائها، يقول المولى عز وجل: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحب المسرفين).
4- صحبة أصحاب المعاصي أو المسرفين في تعاطي المباحات؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ) رواه الترمذي، فإنك إن صاحبت صاحب المعصية فإما أن تقع معه فيها، وإما أن تراه يفعلها ولا تنكرها عليه؛ وكلاهما منكرٌ ويؤدي إلى الفتور.
5- قلّة تذكُّر الموت وأمور الآخرة؛ وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إني نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإن فيها عبرة) رواه أحمد، وفى رواية: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروا القبور فإنها تزهّد في الدنيا وتذكّر الآخرة) رواه الترمذي، فتذكّر الموت والآخرة يجعل الإنسان دائمًا في شعورٍ حيٍ واتصالٍ وثيقٍ بالله لأنه يستقر في وجدانه أنه مهما طال عليه العمر فإنه ملاقى الله عز وجل وعدم تذكّر الموت والآخرة يؤدّي إلى نسيان الهدف من الحياة، وبالتالي إلى الفتور والكسل والدعة.
وبعد؛ فهذه أهم الأسباب المؤدية إلى الفتور، وأما عن آثاره فقد ذكرتها ضمن سؤالك فهو يجعل الإنسان ينتقل من حالٍ إلى حال، ومن حركةٍ ودأبٍ إلى خمولٍ وكسل، ومن صلةٍ طيِّبةٍ وقويَّةٍ بالله إلى صلةٍ ضعيفةٍ به؛ وبالتالي ينقلب الميزان الذي يقيس به الإنسان أعماله وتصبح الأعمال السيئة أكثر من الأعمال الحسنة.
هذه الآثار على المستوى الشخصي الإنسان، أما على مستوى الأمة فيصبح الشخص بعد أن كان أداةً للبناء والعمل والإصلاح والدعوة إلى الخير، أقول يصبح على أحسن الأحوال ساكنًا وخاملاً ولا يُصلح –إن لم يكن يفسد-؛ فيقل عدد المصلحين في الأمة، وهذا يؤثّر تأثيرًا مباشرًا على الأمة وعلى نهضتها وحضارتها وصعودها، يقول أحد الصالحين: "يا ملح الأرض لا تفسدوا، فإن الملح إذا فسد لا يصلحه شيء".. فإن فسد المصلحون فمن يصلحهم ويقوِّمهم؟!!!
* نصل بعد ذلك إلى التفكير في العلاج من هذا المرض العضال، و العلاج ابتداءً هو مخالف الأسباب، فكل سببٍ ذكرناه سابقًا من أسباب الفتور يكون فعل عكسه هو(33/1528)
خطوة في طريق العلاج، ومع هذا لا بأس من ذكر بعض الوسائل العملية للعلاج بجانب ما سبق:
1- عليك أن تبدأ كل عملٍ من الأعمال التعبديّة بشحن النفس تجاه هذا العمل، ولنأخذ مثالاً على ذلك بالصلاة.. فإذا قمت إلى الصلاة عليك أن تستحضر في ذهنك –أو تكتبها في ورقةٍ وتقرأها- كل الآيات والأحاديث الواردة في الصلاة، وفضلها، وثوابها، ووقتها، وفضل الخشوع فيها... ومن الأمثلة على ذلك:
- (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين).
- (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة على الخاشعين).
- (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين).
- (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا).
- (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).
وهكذا بالنسبة لآيات الصلاة أو معظمها، أما الأحاديث:
- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟) قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: (فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا) رواه مسلم.
- وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر) رواه مسلم.
- وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) متفق عليه.
وهكذا بالنسبة لباقي الأحاديث أو معظمها؛ فإنك إن جمعت الآيات والأحاديث الواردة في الموضوع وكتبتها في ورقة وقرأتها قبل كل صلاة، فبذلك ستجدد بداخلك معاني الطاعات والعبادات كي لا تتحول العبادة إلى عادة، ولكن لتؤدي هذه الوسيلة ثمارها، فعليك بالمداومة عليها ومثل ذلك في باقي العبادات مثل الصوم والذكر... إلخ.
2- عليك كذلك قبل أن تبدأ في الأعمال التعبدية أن تسأل نفسك: لماذا أفعلها؟ وتحضر ورقةً وقلمًا وتدوّن كل نواياك في هذا العمل، وفكر في نوايا كثيرة وسجّلها، وستحصل على كميّةٍ كبيرةٍ من النوايا كنت غافلاً عنها وأنت تقوم بهذا العمل، فيساعدك هذا على استشعار قيمة هذا العمل وحجم الثواب الذي ستحصل عليه من ورائه، وسيزيد ذلك من إيمانك ومن إقبالك عليه.
3- القراءة في كتب الرقائق والآخرة مثل كتاب "الإيمان أولا فكيف نبدأ به" للدكتور مجدي الهلالي، فإنه يعطيك صورةً جيِّدةً عن الإيمان، وكيفية تزويده، والوسائل العملية لذلك، ولا تنس أن تكون القراءة مع التطبيق لتتحقق الفائدة المرجوة.
4- كثرة الاستغفار والتسبيح والذكر، فإن هذه من أعمال اللسان التي لا تتطلّب وقتًا مخصصًا لها، ولكنها تفيد في صفاء القلب وخلوه من المعاصي والذنوب، فيمكن الإكثار منها في المواصلات وقبل النوم وفي كل حال.
وأخيرًا، أدعو الله لك أن يزيد إيمانك، وأن يجعلك من الصالحين المصلحين الذين يعيدون لهذه الأمة مجدها ورفعتها وسيادتها.
ـــــــــــــــــــ(33/1529)
أدركوني.. أكاد أفقد إيماني ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله.. الإخوة الكرام؛ قد تكون هذه الاستشارة طويلة وتفاصيلها كثيرة، ولكن أرجو أن يتسع صدركم لقراءتها لما يشكل موضوعها من خطورةٍ وأهمِّيَّةٍ على الأقل بالنسبة لي إن لم يكن لكثيرٍ من أبناء هذه الأمة.. وإن ارتأيتم تحويلها إلى باب "مشكلات وحلول للشباب"، فذلك متروك لكم، لكني أناشدكم الله والإسلام الإسراع بالرد فالأمر لم يعد يحتمل التأخير. أيها السادة؛ مشكلتي تتخلص في عبارةٍ واحدةٍ هي "إيماني في خطر".. نعم، فأنا رغم نشأتي الدينية وإيماني الفطري في سابق عمري، وبرغم قراءاتي المستمرة لما خطته أقلام جهابذة الفكر الإسلامي وتعلقي بكتابات أديب الإسلام مصطفى صادق الرافعي -حيث أشير إليها خصيصا لما تتضمنه من بناء روحي عظيم- أقول برغم ذلك فأنا الآن أهيم على وجهي بحثا عن الحقيقة، وتراودني الأسئلة المحيرة التي تراود غير المسلم. لا أقول إني وصلت إلى مرحلة الشك بوجود الله؛ فالحمد لله ما زلت أعتقد وجوده، ولكن مشكلتي في عدم فهمه. يا سادتي؛ أنا رجل ابتليت منذ ولادتي بضعف شديد في البصر وضع أمامي عوائق رهيبة في كل مجالات الحياة، فعلى الصعيد الدراسي كانت خياراتي محددة جدا، وعلى الصعيد الاجتماعي كانت علاقاتي محدودة جدا جدا فليس من المعقول أن يكون لي الكثير من الأصدقاء وأعرض نفسي للإحراج فيما لو تصادف أن تقابلت مع أحدهم في الطريق ولم أعرفه نتيجة لضعف بصري، فضلا عن أن هذه الحالة من الضعف أصلا تجعل القدرة على تذكر الأشخاص متدنية إلى أبعد الحدود. أما على الصعيد العملي فأنا موظف بعقد على وظيفة مؤقتة قد يتم إنهاء خدماتي في أي لحظة، وبالتالي أجد نفسي في مهب الريح ومعي زوجتي وأطفالي في الوقت الذي لا أستطيع أن أمارس فيه مهنة أخرى؛ ما يشكل لي قلقا دائما ورعبا مستمرا من هذا المستقبل الغامض.. ولكم بالتالي أيها الإخوة أن تتصوروا كيف هي الحالة النفسية وفقا لكل هذه الظروف المشروحة آنفا. نأتي الآن إلى صلب الموضوع، فوسط كل هذه الإحباطات والمخاوف تعرفت مؤخرا إلى زميل يعاني إحباطًا مزمنًا وقهرًا مستمرًا، فجمعتنا الهموم وقلة ذات اليد في حوارات كثيرة كان يطرح فيها زميلي أسئلة حاولت كثيرا أن أقنعه أنه مخطئ بطرحها وأن الله تعالى هو الرزاق وهو القادر على كل شيء، ولكني بصراحة مطلقة شعرت وأنا أحاول الرد عليه بأني أنا شخصيا لست مقتنعا بالإجابة!!! وإليكم مثال على هذا الحوار: لماذا خلقني الله فقيرا؟ قلت: ليختبر إيمانك، قال: ولماذا جعل فلانا غنيا؟ قلت: ليختبر إيمانه، قال: فأين العدالة؟ ليختبرني بالغنى مثله.. قلت: هو أعلم بك من نفسك، ومن رحمته بك اختياره الامتحان الأنسب لك فقد يكون غناك سببا لهلاكك، قال: حسنا إذا كان كما تقول يختبرنا ليرينا بأنفسنا أننا نستحق جنة أو نارًا نتيجة لأعمالنا، فلماذا لا يختبرني بالثراء حتى يثبت لي أن هذا ليس من مصلحتي؟ ويتابع: لماذا كتب علي أن أعيش من مولدي حتى مماتي فقيرا؟ ولماذا علي طول عمري أن أخدم الآخرين؟ وما ذنب أطفالي أن يولدوا لأبٍ فقيرٍ بينما يعيش الأطفال الآخرون في ترف؟ لم أجد ما أجيب عليه إلا بقولي: ولكن الله قد يكون أعطاك الصحة بدلا من المال، وكثير من(33/1530)
الناس لديه المال وليس لديه الصحة أو أنه محروم من الذرية.. وهنا كنت أنا نفسي غير مقتنع بما أقول فأنا قد حرمت المال والصحة. أيها الإخوة؛ هذا نموذج من حواراتنا التي لا تزيدني إلا شكا، ودعوني حتى أقولها لكم بصراحة أن جميع ما قرأت وسمعت عن حكمة الله وعدله لم ينجدني من حيرتي؛ فالشك يستدعي شكا أكبر، فمثلا توالد الشك لديّ حتى أصبحت أشك في الأحاديث النبوية وصحتها، فكيف يمكن أن أصدق حتى الإمام مسلم وهو ذاته الذي روى حديث رضاعة الكبير في خبر إرضاع سالم من سهلة بنت سهيل؛ إذ كيف يعقل أن ترضع امرأة رجلا ليحل دخوله عليها؟ وأين مروءة زوجها؟ وأين درء الفتنة من تماس البشرتين؟ ولعل ما استفزني أكثر هو ما جاء في فتوى لموقع الشبكة الإسلامية بالنص التالي: "قال الإمام النووي رحمه في شرح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: أرضعيه، قال القاضي: لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها ولا التقت بشرتاهما، وهذا الذي قاله القاضي حسن". هذا مثال، وإليكم مثالٌ آخرٌ عن بشارة الرسول عليه الصلاة والسلام بأن على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة دينها، وها نحن منذ قرون لم نرَ هذا المجدد ولم تعد للدين شوكة بل أصبح المسلمون كالأيتام على موائد اللئام، يحكمنا طغاة ولا أمل لنا في الإطاحة بهم وما زلنا في متاهة إصلاح الراعي أم الرعية، وطبعا تغيير الراعي مستحيل معجز. أما لو قلنا بتغيير الرعية وأن يصلح كل شخص نفسه وأهله وهكذا حتى ينصلح حال الأمة فيغير الله حالنا، فأنا أشك أنّ هذا حلّ مقبول عقلا؛ لأن حال المسلمين من سيئ إلى أسوأ، وغزانا الفساد الأخلاقي من كل حدب وصوب. فبالله عليكم كيف سيتحقق هذا الحلم المثالي في أن يتغير الناس كلهم نحو
الصلاح، وبالتالي يزول الظلم؟!! أقولها لكم مرةً أخرى وبصراحةٍ مطلقة: "أكاد أن أفقد إيماني". ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الدكتور عبد الله صالح عضو فريق الاستشارات من مصر:
الأخ الحبيب عبد الرحمن؛
نفرتك هذه دليل خير وبركة إن شاء الله فلا تفقد إيمانك.. واصطبر بالله.
ولقد حاول الشيطان معك من كل بابٍ فطردته بما عندك من إيمانٍ فطريٍّ ونشأةٍ وثقافةٍ دينية، حتى دخل عليك من باب هذا الصديق الذي تعرفت عليه مؤخرًا فلم تستطع رده إلا قليلا.. وإن كنا نأمل أن تكون أنت صاحب التأثير عليه بما منَّ الله به عليك من فضلٍ وعلمٍ وإيمان.
أخي الحبيب؛
لقد احتوت رسالتك على كثيرٍ من الشبهات التي لا تتسع الصفحات القليلة للرد عليها جميعا.. لكننا سنستعين بالله أولا وآخرًا ونحاول الرد على معظمها بما يزيل شكوكك ويزيد إيمانك بإذن الله.
أما ابتلاؤك بضعف البصر الذي وضع أمامك العقبات التي ذكرتها، وضيق ذات اليد كذلك مما جعلك تشعر بأنك فقدت الصحة والمال جميعًا، فأنا لا أتفق معك في نظرتك(33/1531)
هذه للابتلاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الله عبدًا ابتلاه) رواه الترمذي وقال حديث صحيح... والمعنى ابتلاه حتى يرى صبره لوجه الله فيكون جزاؤه الجنة، والابتلاء من الله إما لتكفير السيئات، أو لرفع الدرجات، أو لرد الناس إلى طريق الله، أو للاختبار والامتحان، ولذلك كان للصابرين هذه المكانة: (إنَّما يوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب).
والصبر درجات أدناها الصبر على البلاء لأنه صبرٌ سلبيٌّ ليس للإنسان يدٌ في تغييره، وفي الحديث: (فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) رواه الترمذي وقال حديث صحيح، وفي الخبر عن رب العزة: "يا داود أنت تريد وأنا أريد، إن أطعتني فيما أريد أرحتك فيما تريد، وإن عصيتني أتعبتك فيما تريد ولا يكون إلا ما أريد".
أخي الحبيب؛
حدثني بالله عليك إذا كان البلاء من الرءوف الرحيم الذي هو أبر بعباده من الوالدة بوليدها، فهل يكون إلا لخير العبد؟! وهل يكون ما يصدر عن الله إلا جميلا؟!
أليس لنا في قصص موسى والخضر عبرةً تجعلنا نوقن أنّ وراء الأشياء التي ظاهرها الشر خيرًا لا نراه؟!! فلماذا لا تنظر إلى ضعف البصر على أنه نعمة حتى لا تنظر بهما إلى ما حرمه الله عليك فتكون عيناك سببا في زيادة سيئاتك ودخولك النار والعياذ بالله، وقد ابتلاك الله عز وجل لتصبر فتدخل الجنة، ففي الحديث القدسي الصحيح يقول الله عز وجل: (من أذهبت حبيبتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثوابا دون الجنة) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، والمقصود بحيبتيه أي عينيه.
ولماذا أيضًا لا تنظر إلى قلة المال على أنها نعمة؛ إذ صاحب المال الكثير يُسأل كثيرًا يوم القيامة، وصاحب الحمل الخفيف يخف يوم القيامة حسابه: (فأَمَّا الإنسان إذا ما ابتلاه ربُّه فأكرمه ونعَّمه فيقول ربِّي أكرمن * وأمَّا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربِّي أهانن * كلا بل لا تكرمون اليتيم * ولا تحاضُّون على طعام المسكين * وتأكلون التراث أكلاً لمًّا * وتحبُّون المال حبًّا جمًّا).. وفي الأثر: (إن من عبادي من إذا أغنيته لفسد حاله، وإن منهم من إذا أفقرته لفسد حاله)، وهذا بالطبع إذا نظرنا إلى نصف الكوب المملوء وتمثلنا الحكمة القائلة "كن جميلا تر الوجود جميلا"، وإنه ليسيرٌ على من يسَّره الله عليه.
أخي عبد الرحمن؛
إذا كنت قد فقدت نعمة البصر والصحة جميعًا فقد أعطاك الله نعمة العقل فلم تكن مجنونًا، وأعطاك نعمة البيان لتذكره وتعبر عن أفكارك وآلامك وأحزانك، ولتدعو الناس إليه، وأعطاك نعمة القلب الحي الذي يعرف المعروف وينكر المنكر، وأعطاك نعمة الزوجة والأولاد -نسأل الله أن يجعلهم صالحين- وأعطاك نعمة الحياة.. فهل أديت شكر هذه النعم لتطلب نعمًا غيرها، أو لتنشغل بالتفكير في عدل الله إذ حرمك بعض نعمه لحكمة أرادها؟!
لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة.. فكل تسبيحةٍ صدقة، وكل تحميدةٍ صدقة، وكل تهليلةٍ صدقة، وكل تكبيرةٍ صدقة، وأمر(33/1532)
بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة.. ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى) رواه مسلم؛ فعلينا شكر نعمٍ كثيرةٍ حبانا الله بها!!!!
أخي الكريم عبد الرحمن؛
(ارض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس) رواه الترمذي بسندٍ حسن، هكذا كانت وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يرتاح باله، ويهدأ قلبه، ويثبت يقينه وإيمانه بربه... واعلم أن آيات وأحاديث السعي لكسب الرزق ليس معناها ألا نرضى بما قسمه الله لنا من رزق ضيق أو واسع في الدنيا، وإنما معناها أن نسعى ونبذل أسباب سعة الرزق، مع العلم التام بأن القناعة كنزٌ لا يفنى، وأن الغنى الحقيقي هو غنى النفوس، وفي الحديث: (من كانت الآخرة همّه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همّه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له) رواه الترمذي وقال حديث صحيح.
نصيحتي لك -يا أخي عبد الرحمن- هي أن تتأمل قول ابن عطاء: "ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك"، أي ربما أعطاك نعمًا في الدنيا تمنعك من نعم أخرى في الدنيا والآخرة، وربما منعك من نعمٍ في الدنيا تكون سببًا لعطايا لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى في الآخرة.
إذا أردت أن ترضى بحالك في الدنيا..
- فانظر إلى من هو أقل منك.. إخوانك الذين فقدوا الأمان في فلسطين والعراق وغيرهما، إخوانك الذين يموتون جوعا في الصومال وأفريقيا وغيرهما.. إلخ، وأنت -على الرغم مما تعانيه من ضيق ذات اليد- لم تبت يومًا بدون عشاء، ولم يمت أحد من أولادك جوعًا، فاحمد الله عز وجل وتذكر نعمه عليك ظاهرةً وباطنة.
- تطلع دائمًا بصبرك إلى ثواب الله في الآخرة، واستشعر حب الله لك لأنه ابتلاك، وتأمل قول ابن القيم: "وكل ما يصدر عن الله جميل".
- حاول أن تستخرج مواطن الجمال في حياتك وعظمها واشكر الله عليها ليل نهار، فمن شكر فله المزيد، ومن كفر فإن الله غني حميد: (إن تكفروا فإنَّ الله غنيٌّ عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم).
- راجع منزلة الفقر والرضا في كتاب مدارج السالكين، وفي كتاب إحياء علوم الدين.
- اعلم أن الإسلام حارب الفقر بوسائل عدة منها الزكاة، وقد تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من الفقر وقرنه بالكفر، ولكن تأمل تلك القصة:
جاء رجلٌ إلى الحسن يريد أن يهدي إليه هدية فقال: أقبل هديتك إن كنت غنيا، فقال الرجل: نعم أنا غني، فقال الحسن: كم لك -أي من الدنانير-؟ فقال ألفان، قال الحسن: تحب أن يكون لك أربعة آلاف؟ قال: نعم، فقال الحسن: اذهب فأنت فقير، ورد هديته.
إن الفقر الحقيقي هو فقر النفوس وطمعها!!!
- أكثر من الدعاء أن يرضى الله عنك ويرضيك عنه، فقد وصف الله أحوال أهل الجنة بالرضا فقال في آيات عدة: (رضي الله عنهم ورضوا عنه).
أخي الحبيب عبد الرحمن؛(33/1533)
أما موضوع القلق من المستقبل فإن معك فيه بعض الحق؛ إذ كان من الصحابة من يخزن في بيته ما يكفيه وأهله من طعام لمدة عام أو أقل أو أكثر، ويقول حين يسأل عن ذلك: إن النفس إذا ضمنت رزقها اطمأنت، أي استقرت وتفرغت للعبادة والذكر، وأحيانا يكون القلق أكثر على الأولاد والزوجة وليس على النفس.
ولذلك فهذه نصيحتي إليك:
- حاول أن تدخر مبلغًا من المال كل شهر أو كل عام -ولو كان مبلغًا صغيرًا- وجنِّبه بعيدًا عن مصروفات الأسرة في دفتر توفير "نظام إسلامي" أو شابه ذلك، أو جمعية مالية "وهي التي تكون بين عدة أشخاص بحيث يدفع كل واحدٍ منهم مبلغًا معيَّنًا شهريًا على أن يأخذ أحدهم كامل المبلغ كل شهر"، أو صندوق ادخار، أو أن تشتري بهم شيئا يحفظ قيمتهم كالذهب أو الأرض مثلا..؛ ولا تعتمد على هذا المال في مصروفاتكم، واجعله ذخيرة المستقبل بعد الله، فإن المستقبل بيد الله وحده.
- اتق الله في نفسك وأهلك وأولادك، وأحسن صلتك بالله، وقل قولا سديدًا ودع ما يزيد شكوكك، واطمئن أن الله معك ما دمت معه.. يصلح لك أحوالك في حياتك، ويحفظ أسرتك بعد مماتك: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرِّيَّةً ضعافًا خافوا عليهم فليتَّقوا الله وليقولوا قولاً سديدًا)، وقد حفظ الله مال اليتامى حين صلح الأب، وقال: (وكان أبوهما صالحًا).
- اعلم أنه لا ينجي حذرٌ من قدر، وأنّ المستقبل بيد الله وحده، وأن الله يختار للإنسان ما يصلحه، وتذكر قول الشاعر:
دع الأمور تجري في أعنتها ...... ولا تبيتنّ إلا خالي البالِ
ما بين طرفةٍ عينٍ وانتباهتها....... يبدل الله من حالٍ إلى حال
- عليك بالأدعية النبوية التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفي الفقر، وقضاء الدين، وسعة الرزق، وخاصة قراءة سورة الواقعة كل ليلة، وراجع في ذلك كتاب "الأذكار للنووي".
أخي الحبيب؛
مسألة: أين العدالة الإلهية حين يختبر الله فلانا بالغنى، ويختبر صاحبك بالفقر!!!
ولماذا تعيش فقيرًا تخدم الآخرين من مولدك إلى مماتك!!!
ولماذا يولد أبناؤك لأب فقير؟!! فالله (لا يُسأل عمَّا يفعل وهم يسألون).
وهذا الذي تقوله وتحس به نوعٌ من الاعتراض على قضاء الله وقدره؟!!!
وأنا بصراحة أقول لك: إن استطعت أن تجعل أبناءك يولدون من جديدٍ لأبٍ غنيٍ فافعل!!
وإن استطعت أن تولد أنت من جديدٍ وتعيش غنيًا وتصبح صاحب شركةٍ كبرى وأموال طائلة فافعل!!
وإن استطعت أن تغيّر كل الأوضاع التي لا ترضى عنها فافعل!!
ولكن اعلم أن اعتراضاتك أنت وصاحبك لن تغيّر شيئًا من القدر المثبت في أمّ الكتاب، ولن يكون إلا ما يريده الله عز وجل، وهذه طبعا ليست دعوة للاستسلام، ولكنها دعوة للرضا بقضاء الله أولا مع السعي الدائم لتحسين أوضاعك المادية والصحية بالوسائل المباحة شرعًا، وقد نصحتك بعض النصائح التي تخفف عنك(33/1534)
وطأة الإحساس بقلة ذات اليد، وتعينك على الرضا بقضاء الله عز وجل أنت وصاحبك الذي زاد من شكوكك وعدم رضاك بحالك.
أخي الحبيب؛
أما بشأن المصلحين المجددين على رأس كل قرن، فقد قال العلماء إنه من الممكن ألا يكون المجدد شخصًا بعينه، وإنما مجموعة من الناس المصلحين يغير الله بهم حال الأمة إلى الأحسن، وبشارة الرسول صلى الله عليه وسلم صدق وحق، لننظر إلى حال المسلمين في مصر مثلا في بداية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، فلقد سمعتُ ممن لا أشك في صدقه أن الناس في بداية القرن العشرين كانوا لا يعلمون أنّ الصلاة مفروضةٌ على الشباب والأفندية والنساء في البيوت، فكنتَ لا تجد في المسجد إلا أصحاب المعاشات، ولم يكن الناس يعرفون أصول الغسل من الجنابة، ولم تكن بالجامعات المصرية فتاة واحدة محجبة، بل كانت فكرة الإسلام كدينٍ شاملٍ فكرة غريبة على المجتمع، ولكن الآن أصبحت فكرة شمولية الإسلام من الأفكار البديهية والمسلمات عند أكثر المسلمين، وحدِّث عن عدد المحجبات والمنقبات في الجامعات المصرية، بل وفي كل مكان تذهب إليه، وحدِّث عن أعداد الشباب والنساء في المساجد وفي دروس العلم، وحدِّث عن المؤتمرات، والقنوات الفضائية، والبرامج الدينية، وحدّث عن عاطفة الناس تجاه الإسلام، وحبهم للتعلم و... و...
هذا بالطبع إذا نظرنا إلى نصف الكوب المملوء، أما إذا نظرت للجانب الآخر فالمحبطات كثيرة ولا شك.. ولكن (إن تكونوا تألمون فإنَّهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون).
أما بشأن عدم قبولك لحل إصلاح المجتمع عن طريق التغيير في أخلاق وسلوكيات الأفراد، وأن يبدأ كل واحد بنفسه فهذا هو الحل المتاح.. صحيح أنه من الناحية النظرية سيأخذ وقتا طويلا، وأن التغيير لن يكون ملحوظًا في فتراتٍ زمنيةٍ قريبة، ولكن هذا بحساباتنا نحن!
ومن يدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا (فقاتل في سبيل الله لا تكلَّف إلا نفسك وحرِّض المؤمنين).
وطريق "النفس الطويل" هو طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم في مكة يصلّي وحول الكعبة 360 صنمًا، وذلك مدة 13 عاما، ولم يفكّر في كسر صنمٍ واحدٍ إلا بعد أن غيّر المجتمع وقويت شوكة الإسلام، وفتح مكة ثم قام من كانوا يسجدون لهذه الأصنام بتكسيرها بأنفسهم، ولم يحدث ذلك إلا في العام الثامن من الهجرة "أي بعد 21 سنة من البعثة".
أخي عبد الرحمن؛
أما ما ذكرته من قصة رضاع سالم مولى أبي حذيفة، فيكفي أن جمهور العلماء على أنها خاصة بسالم، وكذلك قولهم بأنها منسوخة إذ كانت أول الهجرة، ويمكنك قراءة هذه الفتوى التي تناولت هذه القضية تفصيلا:
اإرضاع الكبير
أخي الحبيب؛(33/1535)
كن على ثقة بربك عز وجل فالله لا يظلم عباده، ولا تفقد إيمانك، وتابعنا بأخبارك، وتابعنا بما يجد في أمرك، ونحن نسعد بك دائما، وطمئنا على أحوالك أنت وأسرتك كل حين.
اللهم إنا نسألك نعيمًا لا ينفد، وإيمانا لا يرتد، وقرة عين لا تنقطع، ومرافقة نبيك صلى الله عليه وسلم في جنان الخلد.. آمين
ـــــــــــــــــــ
لين القلب وقسوته .. الخشوع لا الدموع ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .. جزاكم الله خير الجزاء على ما تقومون به خدمةً للإسلام. لديَّ مشكلةٌ تؤرِّقني، وهي أنَّني لا أستطيع البكاء !!. يمكن أن أحصر المرات التي دمعت فيها عيني عند الصلاة وعند قراءة القرآن في ثلاث أو أربع مرات، خلال ما مرَّ من حياتي، أنا أبلغ الآن ستًّا وعشرين سنة. حتى عند استحضار آيات العذاب لا تدمع عيني، أشعر بالحزن داخلي وبقشعريرة، لكن لا أبكي. حتى في المواقف الصعبة لا أبكي، وأغبط من حولي عندما أجد سهولةً لديهم في البكاء. أتساءل مع نفسي: عندما سأفقد أحد والديَّ أو أحد إخوتي هل سأبكي أم لا ؟. طبعًا لا أحد غير الله يعرف أجلَ كلّ إنسان، لكن الموت علينا حقّ. هل أنا مريضةٌ بقسوة القلب ؟. هل أنا ممَّن جاء فيهم: "اللهمَّ إنَّا نعوذ بك من عينٍ لا تدمع، وقلبٍ لا يخشع" ؟. ما رأيكم في هذا الأمر ؟. وجزاكم الله خير الجزاء. ... السؤال
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أختي الكريمة هند،
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
مشكلتك يا أختي الكريمة ليست في كونك لا تدمع عيناك، ولكن في فهمك لمسألة "البكاء"، لذلك سأقسِّم إجابتي إلى خمس نقاط:
1- العلاقة بين البكاء والقلب.
2- ماذا قال العلم في البكاء ؟
3- نظراتٌ في القرآن الكريم.
4- دعاء: "اللهمَّ إنَّا نعوذ بك من عينٍ لا تدمع، وقلبٍ لا يخشع".
5- كلماتٌ في قسوة القلب.
1- العلاقة بين البكاء والقلب:
الدموع والبكاء يا أختي الكريمة وسائل لا غايات، فإذا تحقَّقت الغاية بأيِّة وسيلةٍ فلتذهب الوسائل الأخرى أدراج الرياح.
البكاء من خشية الله تعالى قد يكون علامةً من علامات رقَّة القلب، ولكن عدمه ليس علامةً من علامات قسوة القلب.
العلاقة بين الدموع ورقة القلب علاقة طرديَّة وليست عكسيَّة، بمعنى أنَّه من بكى من خشية الله تعالى فهو رقيق القلب، لكن من لم يبكِ ليس بالضرورة قاسي القلب.(33/1536)
إنَّ ما عليك البحث عنه يا أختي الكريمة هو النظر في قلبك، وفي تأثرك بكلام الله تعالى أو بالعبادة، وإحساسك بهذا بعيدًا عن النظر في عينيك.
لقد أخبرتِنا في رسالتك: "أشعر بالحزن داخلي وبقشعريرة لكن لا أبكي"، أليس هذا كافيًا ؟؟
2- ماذا قال العلم في البكاء ؟
الرأي العلمي يا أختي هند في موضوع البكاء يقول: إنَّ الدموع مرتبطة بالظروف الاجتماعية، وحسب ما يتربى الإنسان اجتماعيّا تتكوَّن علاقته بدموعه، حيث يوجد مركزٌ في المخ اسمه "مركز العواطف"، والتربية الاجتماعية هي التي تحدِّد درجة تأثُّر هذا المركز ومتى يرسِل تنبيهاته إلى العين كي تدمع، فمن نشأ في بيئةٍ تعوَّدت على البكاء عند الملمَّات تكون درجة تنبيهات مركزه العاطفي أكبر ممن نشأ في بيئةٍ تعاملها العاطفي مع الملمَّات أقل حدَّة، مع تسليمنا كذلك بطبائع البشر واختلافاتهم الداخلية، والتي عبرها يكون تأثُّر إنسانٍ بأمرٍ ما أكثر من تأثُّر آخر نشأ في نفس البيئة.
فالبكاء يتحكَّم فيه أمران: البيئة الاجتماعية والطبيعة البشرية، ولا عيب في أحد أينما نشأ أو كيفما هو داخليّا، وليس معنى إظهار أحدٍ لمشاعره بطريقةٍ أقوى من الآخر أنه أكثر رقَّةً في القلب، فالأمر ليس دليلاً عكسيّا كما قلت سابقًا.
3- نظراتٌ في القرآن الكريم:
إنَّ الله تعالى لم يُرِد منَّا أن تدمع عيوننا، ولكن أراد منَّا أن تخشع قلوبنا، ولننظر في القرآن الكريم في حال المؤمنين وحال الكافرين، لنتأكَّد أن الحديث موجَّهٌ ومعتمدٌ على القلوب لا على الدموع:
أ- حال المؤمنين:
* (ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحقِّ ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبلُ فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثيرٌ منهم فاسقون).
* (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم).
* (إنما المؤمنون الذين إذا ذُكِر الله وجِلَت قلوبُهم).
* (الذين آمنوا وتطمئنُّ قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئنُّ القلوب).
* (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعَلِم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحًا قرِيبًا).
* (إنَّ الذين يغُضُّون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيم).
* (لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوَادُّون من حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيَّدهم بروحٍ منه ويُدْخلهم جنَّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدِين فيها رضي الله عنهم ورَضوا عنه أولئك حزب الله ألا إنَّ حزب الله هم المفلحون).
ب- حال الكافرين:
* (أفلا يتدبَّرون القرآن أم على قلوب أقفالها).
* (وإذا ذُكِر الله وحده اشمأزَّت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة).(33/1537)
* (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم).
* (ذلك بأنَّهم آمنوا ثمَّ كفروا فطُبِع على قلوبهم فهم لا يفقهون).
* (كلاَّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون).
* (فلمَّا زاغوا أزاغ الله قلوبهم).
هذه بعض الآيات وهناك غيرها، فالحديث كلُّه حديث قلوبٍ لا عيون، فإذا صلح القلب لم يعد للعين دور، فما هي إلا وسيلة، مجرَّد وسيلة.
4- دعاء: "اللهم إنَّا نعوذ بك من عين لا تدمع، وقلب لا يخشع":
إن هذا مجرَّد دعاءٍ لم يثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو ليس مقصودًا لذاته، وإنَّما لغايته، وهي الخشوع ورقَّة القلب، والقرب من الله تعالى، فإذا تحقَّق ذلك فلا مشكلة حينئذ، كما أنَّ نصَّ الدعاء يثبت ما أقول، فالدعاء يربط بين العين الدامعة والقلب الخاشع، في إشارةٍ واضحةٍ إلى هذه العلاقة التي يجب أن يكون مؤدَّاها رقَّة القلب لا مجرَّد دمعة العين.
ويؤكِّد هذا كلَّه أنَّ النصَّ الصحيح الثابت عن رسول الله صلى عليه وسلم في هذا هو: "اللهمَّ إنِّي أعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن دعوةٍ لا يُستجاب لها" رواه مسلم.
فليس فيه ذكرٌ للعيون والدموع، وإنَّما للقلوب والخشوع.
5- كلمات في قسوة القلب:
إنَّ ما علينا البحث عنه بشكلٍ جدِّيٍّ هو قسوة القلب، أن نعرف علامات قسوة القلب، وأن ننظر في قلوبنا، هل تحقَّق فيها شيء من هذه العلامات أم لا ؟؟
ما القلب القاسي ؟:
القلب القاسي هو:
* الذي لا يخضع للحقِّ ولا يخشع أمامه.
* الذي لا تؤثِّر فيه النصيحة أو التحذير.
* الذي لا تؤثِّر فيه المشاهد التي تدعو للرقَّة، كتأوُّه المظلوم، أو شكوى اليتيم، أو عجز الضعيف، فيتصرَّف أمامها كمن لم يرَ ولم يسمع.
- أسباب قسوة القلب:
أسباب قسوة القلب كثيرة، منها ما ذكره الإمام ابن القيِّم رحمه الله تعالى حين قال: "وقسوة القلب من أربعة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة: الأكل، والنوم، والكلام، والمخالطة، وكما أن البدن إذا مرض لم ينفع فيه الطعام والشراب، فكذلك القلب إذا مرض بالشهوات لم تنجع فيه المواعظ".
ثمَّ قال رحمه الله تعالى: "من أراد صفاء قلبه فليؤْثِر الله على شهوته؛ لأنَّ القلوب المتعلِّقة بالشهوات محجوبةٌ عن الله بقدر تعلُّقها بها".
كما تعرَّض أستاذنا فضيلة الشيخ عبد الحميد البلالي لهذا الأمر تفصيلاً في استشارةٍ سابقةٍ عنوانها:
كيف يحيي العبد قلبه، ويتغلَّب على شيطانه؟
وفي نفس الاستشارة وسائل لتقوية القلب وترقيقه أتمنى لو تقرئينها.
أختي الكريمة هند،(33/1538)
الدموع فقط ليست هي المقياس على رقَّة القلب، كما أنَّ عدمها لا يعني عدم الرقَّة، فقد يوجد شخصٌ كثير العبادة سامي النفس، لكن لا تظهر عليه آثار هذه الروحانيَّات، فليس من الضروريِّ أن يبكي لكي نَصِفه بأنَّه متفاعلٌ روحيّا، فليست الروحانيَّات مظاهر وحركات، وليس يعني أنَّنا لو رأينا شخصًا ما يقطِّب جبينه، أو يغمض عينيه، أو يتمايل تأثُّرا، ليس يعني هذا أنَّه أكثر تأثُّرًا ممَّن لا يُظهِر ذلك.
إن مقياس الخشوع والروحانيَّات مقياسٌ قلبيّ، ولا يمكن مشاهدته إلا عبر ظواهر معيَّنة، أهمُّها وأبرزها – من وجهة نظري - تحرُّكه وعمله وبذله للدعوة، حتى وإن بدا قاسي القلب جامد المشاعر.
ولعلَّ أبرز مثالٍ على ما أقول ما ورد عن الفاروق عمر رضي الله عنه، حين قال له رجل: إنَّ فلانًا رجل صِدْق، فقال له: "هل سافرت معه؟" قال: لا، قال: "فهل كانت بينك وبينه معاملة ؟" قال: لا، قال: "فهل ائتمنته على شيء؟" قال: لا، قال: "فأنت الذي لا علم لك به، أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد!" رواه ابن أبي الدنيا والدينوريّ، بسندٍ حسن.
فالمقياس هو الفعل، وليس رفع وخفض الرأس في المسجد خشوعًا وتقوى.
يا أختي الكريمة، ما دمت تشعرين بالحزن في داخلك، وبقشعريرة عندما تستحضرين آيات العذاب كما تقولين، فثقي أنَّ قلبك حيٌّ، وأنَّك من المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى: "وقلوبهم وجِلة" إن شاء الله تعالى، حتى وإن لم تدمع عيونك، فالقلب هو المقياس لا العين.
طلبتِ رأينا أختي الكريمة، وهذا هو ما ارتأيناه.. والله أعلم.
وفقك الله، وننتظر ردَّك.
ـــــــــــــــــــ
أنا والشهوة.. المقاومة لا الاستسلام ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا شاب في العشرينات من عمري، أحب الدين وأحب الالتزام، وأنعم الله علي بالصحبة الصالحة التي تعينني على الطاعة، إلا أن ذلك لم يعصمني من نفسي الأمارة بالسوء ومن الوقوع في المنكرات والسيئات، أحيانا أظن أنني إنسان منافق أبارز الله بالمعصية، مع أن كثيرًا من الناس يظنون بي غير ذلك. مشكلتي باختصار هي النساء والجنس والمناظر الفاضحة على النت، أمارس العادة السيئة كثيرا حتى ذهبت بجسمي. مشكلتي هي أنني متقلب الحال بصورةٍ مستمرة: أحيانا ألتزم لبعض الوقت وأتابع برنامج صناع الحياة لعمرو خالد وأتأثر بذلك كثيرا، وأحس أن عندي قوة كبيرة يمكن بذلها في الخير، وأنني على قدر من العلم الذي قد ينفع الناس -فأقوم بطباعة ملفات ومقالات دعوية على النت وتوزيعها على المحيطين بي- خصوصا وأنا أرى الناس من حولي في بعدٍ تام عن الدين، وخصوصا الفتيات اللاتي لا يلتزمن الزي الشرعي، وكثيرا ما أدخل لموقعكم الكريم فيؤثر في كثيرا، وأشعر بمدى تقصيري في حق نفسي وفي حق ربي وفى حق ديني، وأن عليّ الكثير والكثير لأفعله، وأن الله سوف يحاسبني حسابا عسيرا على ذنوبي ومعاصيّ.. رزقني الله بعمل ما كنت يوما أحلم به، وأحس أن الله سوف يُذهب(33/1539)
هذا العمل مني بسبب كثرة ذنوبي، أتمنى أن يرزقني الله فتاة تحب الدين وتعينني على الطاعة وتكون سببا في هدايتي، فكرت في فكرة غبية، وقلت في نفسي: ما دامت مشكلتي هي المناظر السيئة التي أراها في الشارع والمواصلات والعمل من تبرج وسفور، ما المانع من أن أقوم بتصميم موقع عن الحجاب يوضح أن الحجاب فريضة كالصلاة، لأن الكثير من الفتيات قد لا يعرفن ذلك؟ وبالفعل قمت بتصميم هذا الموقع" www.hejab4u.tk " وعمل إعلان عنه في بعض الأماكن، كما قمت بطبع بعض الصفحات من هذا الموقع وتصويرها وإعطائها لبعض المدرسين زملائي لتوزيعها على الطالبات، لكن ما فائدة كل هذا إذا كنت أنا أصلا لا ألتزم بكل ذلك؟؟ أحس أنني إنسان أقول ما لا أفعل.. فأنا آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه. الرجاء أن ترشدوني للصواب، وجزاكم الله كل خير. ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أخي الكريم؛
حياك الله وحفظك وأرشدك وهداك..
إن طبيعة الإنسان التي خلقه الله عليها هي التغير والتقلب، وهو سبحانه وحده الذي لا يتغير ولا يتبدل، ولكن المسلم يضبط حياته –بتقلباتها وتغيراتها- بضوابط شرعه وأوامر ربه جل وعلا، حتى وإن انتابه التقصير والتفريط في حق الله.. فيجب عليه أن يحكم ذلك ويضبطه، فكما قيل: "إن للنفس إقبالا وإدبارا.. فإن أقبلت فأكثروا من النوافل، وإن أدبرت فألزموها الفرائض"، وإن الإنسان العاصي هو الإنسان، فقد مضى عهد المعصومين بموت النبي صلى الله عليه وسلم، وكما قرر: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) فلا مجال لليأس من رحمة الله ولا القنوط، ولكن عليك أن تجعل لنفسك منهجا عمليًا للتوبة حتى تؤتي ثمارها وتحقق مرادها، ولا تتحول التوبة مع الوقت إلى "مسكِّن" يريح الإنسان بها ضميره في وقت فورةٍ إيمانية لا تلبث أن تنتهي وتنسى.
وحول هذه المعاني نقدم لك إجابة مستشارنا الدكتور محمد منصور، سائلين الله أن ينفعك بها.
يقول الدكتور محمد منصور:
أخي الحبيب؛
لا تفرط في لوم نفسك! بل كن متوسطا معتدلا حتى في ذلك كما علمنا الإسلام في قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمَّةً وسطًا)، لأن كثرة اللوم للنفس أحيانا –بل كثيرا– ما تحبطها وتقعدها عن العودة للخير والصواب والسعادة فتتعس في حياتها، كما نبه كذلك سبحانه في قوله: (قال ومن يقنط من رحمة ربِّه إلا الضالُّون).
إن الله تعالى -أخي الحبيب- عدل كريم، فمن صفاته العدل، ويطلبه من خلقه ليحسنوا التعامل فيما بينهم، فهل لا يعدل هو سبحانه؟!! إنه يقول: (إنَّ الله لا يظلم مثقال ذرَّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا)، فلعل تذكرة بسيطة بالحجاب أو بغيره من أخلاق الإسلام على موقعك هذا يتذكر وينتفع بها الآلاف، فيكون لك(33/1540)
ثواب كل من يعمل بها إلى يوم القيامة، كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا) رواه مسلم.. ثواب يفوق ويزيد وزنه على ذنوبك بملايين الحسنات!! والحق تبارك وتعالى يقول: (والوزن يومئذٍ الحقُّ)..
ولعل فردا واحدا يهتدي فيكون لك من الثواب الهائل ما يمحو أي ذنب لك، وذلك من فضل الله وكرمه ورحمته!! كما أشار لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: (لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خيرٌ لك من أن يكون لك من حمر النعم) رواه مسلم؛ أي أعظم ثواب تجمعه.. أعظم من أي ثروة، حتى ولو كانت من الإبل الحمراء أو غيرها مما يضرب به المثل في الغنى، ذلك أن يهدي الله على يديك فردا، يهديه من الكفر للإيمان أو من التفريط والتقصير للتمسك بالإسلام ومنهجه، أو من نسيان الدعوة له والدفاع عنه إلى فعل ذلك.
ثم إن الله تعالى -أخي الحبيب- كريمٌ غفور رحيم ودود حليم، ينتظر عودة العاصي إليه ويفرح بها حتى يعيش سعيدا في حياته بأخلاق الإسلام، وحتى يثيبه أفضل الثواب في الآخرة، كما يقول: (أولئك يبدِّل الله سيِّئاتهم حسناتٍ) فهو من حبه للتائب وفرحته بعودته يفتح له أبوابًا هائلة للخير يعوض بها معاصيه السابقة.. وكما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة) رواه البخاري ومسلم، "وقوله: سقط على بعيره: وجده. أرض فلاة: أي صحراء".
أخي الحبيب؛
مرة أخرى لا تقسُ على نفسك! وتفكر معي في قول الإمام القرطبيُّ في تفسيره الجامع لأحكام القرآن:
"وليس من شرط الناهي أن يكون عدلاً عند أهل السنَّة، خلافاً للمبتدعة حيث تقول: لا يغيِّره إلا عدل، وهذا ساقط؛ فإنَّ العدالة محصورةٌ في القليل من الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عامٌّ في جميع الناس؛ فإن تشبَّثوا بقوله تعالى: "أتأمرون الناس بالبرِّ وتنسون أنفسكم"، وقوله: "كَبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" ونحوه، قيل لهم: إنَّما وقع الذمُّ هاهنا على ارتكاب ما نُهي عنه لا على نهيه عن المنكر؛ ولاشكَّ في أنَّ النهي عنه ممَّن يأتيه أقبح ممَّن لا يأتيه، ولذلك يدور في جهنَّم كما يدور الحمار بالرحى".
إذن فالمطلوب إصلاح النفس لا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس الخير وإرشادهم إليه؛ إذ إنَّ ذلك في حدِّ ذاته من المعينات على تَمثُّل ما تدعو له والتزامه، كذلك فإنه بانتشار الخير على يديك -رغم أنك لا زلت لا تفعله- سيأتي الوقت بكل تأكيد الذي ستجد فيه نفسك وسط صحبة صالحة تعينك على الذي كنت تقوله لهم ولا تستطيع فعله: فذلك هو تأثير الصحبة الصالحة التي حث على طلبها الرسول صلى الله عليه وسلم.
أخي الحبيب؛(33/1541)
إن النظر للنساء بشهوة وللعرايا حرام، وهذا قول واحد ليس فيه خلاف بين العلماء، وذلك لضرره على من يفعله، ولأن الله تعالى يقول بصيغة الأمر: (قل للمؤمنين يغضُّوا من أبصارهم)، ويمكنك في ذلك مراجعة هذه الفتاوى:
النظر إلى الصور العارية
ما حكم النظر للصور الجنسية ؟
حكم النظر إلىالمرأة السافرة فى التليفزيون
أما الاستمناء -أي العادة السرية- "وهي تنزيل المني باليد أو الفخذ أو نحو ذلك" ففيه عدة آراء بين العلماء، فبعضهم قال بأنه حرام -والحرام هو الذي يأثم فاعله ويثاب تاركه-، وبعضهم قال بجواز فعله إذا غلبت الشهوة بدلا من الوقوع في الزنا، وبعضهم قال بكراهة فعله -والمكروه هو الذي يثاب تاركه لكن لا يأثم فاعله ولكنه افتقد نفعا وثوابا- إلا إذا أضر بالصحة فإنه يحرم.
ويمكنك التعرف على أحكامه من خلال هذه الفتوى:
العادة السرية : حكمها وأضرارها وكيفية علاجها
أخي الحبيب؛
نؤكد مرة أخرى أن ما سبق ذكره ليس بالطبع دعوة للاستمرار في المعاصي، بل هو دعوة لإنعاش نفسك وتقوية إرادتك بمعرفتك بقدرتك على مقاومة المعاصي والتغلب عليها.
وإليك أهم وسائل التغلب عليها -أخي الحبيب-:
- زيادة فعل الخير!! ألم يقل الله تعالى: (ما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه)؟! أي أنه ببساطة إذا امتلأ القلب مع الوقت بالخير فلن يجد الشر فيه مكانا، ثم هو سبحانه أيضا يقول: (وما أنفقتم من شيءٍ فهو يخلفه وهو خير الرازقين)، وقد أنفقت خيرا كثيرا من وقتك وجهدك وفكرك ومالك.. فبكل تأكيد سيعوضك الله مثله وأفضل، وسيعينك على مزيد من عمل الخير..
فاستمر -أخي الحبيب- في تنمية وتطوير موقعك الإسلامي الجيد على الإنترنت والذي سيكون بإذن الله مصدر ثواب هائل لك في الآخرة ومصدر إسعاد لك في الدنيا حينما ترى من حولك يتأثرون به ويتمسكون بإسلامهم ثم يعينوك أنت أيضا تدريجيا على التمسك به..
- انشغل بهذا العمل انشغالا ينسيك المعاصي فلا تجد لها وقتا أصلا!! إضافة إلى انشغالك أيضا بما هو حلال مفيد نافع لك ولغيرك في الدنيا والآخرة.. كالعمل والإنتاج والكسب والعلم والترويح الحلال والرياضة والفن الحلال والعلاقات الاجتماعية الجيدة ونحو ذلك مما لا يدع لك وقتا لفعل المعاصي...
- ثم عليك بتقوية إرادة نفسك بفعل بعض الشعائر التي تقويها والتي نصحنا الإسلام بها كالصيام يوم أو اثنين اسبوعيا كما نصح بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم الشباب الغير قادر على الزواج لتقوية إرادته حتى لا يقع في المعاصي بقوله: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) رواه مسلم، و"الباءة: أي تكاليف الزواج،(33/1542)
وجاء: أي ضابط للنفس".. وكالقيام ليلة أو أكثر فيه بركعتين أو أكثر، فإن الصيام بالامتناع عن الأكل والشرب، والقيام بالامتناع عن بعض النوم يقوي الإرادة..
- عليك كذلك الاجتهاد في بعض المعاملات التي تقويها مثل حفظ اللسان والوفاء بالوعود والمواعيد.. فالإرادة القوية تعين دائما على اتباع الخير ومقاومة الشر.
- عليك بالصحبة الصالحة التي تذكرك دائما بما هو خير وتعينك عليه، وتنسيك ما هو شر وتمنع منه.
- ثم أولا وأخيرا عليك بالدعاء، فإن له أثره القوي العجيب المعروف، لأنه سبحانه وعد بالاستجابة في قوله: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم).. مع تقوية إيمانك بتدبر مخلوقات الله وأرزاقه ورحماته بخلقه، فإن زيادة قوته تعينك دائما على الخير الذي يصلح حالك ويسعدك ومقاومة الشر الذي يفسد حالك ويتعسك..
- ولا تنس الصبر وثوابه الذي يقول تعالى عنه: (واصبر فإنَّ الله لا يضيع أجر المحسنين)، خاصة وأنك قد قاربت سن الزواج، حتى يرزقك الله بزوجةٍ صالحة تستمتعان سويا بمتع الحياة الحلال وتسعدان في دنياكما وآخرتكما، وتُسعدان من حولكما.
ويقدم لك –أخي- الأستاذ مسعود صبري : برنامجًا عمليا للتوبة من مشاهدة المواقع الإباحية، أسأل الله أن يعينك على تنفيذه، وأن ينفعك به:
1 - اجلس مع نفسك، واسألها بكل صراحة: ما الذي يجعلك تشاهد المواقع الإباحية؟
هل لأنك تجد متعة في مشاهدة العري؟
هل تشاهد من باب الفضول؟
هل لأنها تثير شهوتك؟
2 - انظر: كم تقضي من الوقت؟ وما المردود العملي من هذا؟ لن تجد مردودًا سوى (ضياع دين/ ضياع وقت/ ضياع واجبات/ غضب الله/ البعد عن مواطن الخير/ موات النفس/... إلخ).
3 - اسأل نفسك: هل مشاهدة التعري فعلاً متعة؟
ألا يوجد طريقة أخرى لإثارة شهوتك بالحلال؟
ما تأثير هذا الفعل على نفسك وقلبك؟
هل فعلاً تريد أن تتخلص من هذا الفعل؟
3 - امسك القلم والورق، واكتب:
ما الذي يدفعك لهذا العمل؟
الأصدقاء/ الفراغ/ البقاء وحدك/... إلخ.
4 - انظر كيف تعالج كل واحدة.
أ - إن كان البقاء وحدك يدفعك في هذا، فاعلم أن الله تعالى يراك.
ب - لا تجلس وحدك، نادِ أخاك، أو صديقك، أو أختك، أو زوجتك، أو أمك، أو أي أحد ممن تثق فيه.
ج - لا تفتح الإنترنت إلا في وجود أحد من الصالحين.
وإذا ظهرت نتيجة طيبة، فعوِّد نفسك على أن تفتحه في وقت لا يكون فيه أحد، بعد استشعار أن الله تعالى معك.(33/1543)
5 - حاول أن تستمع للقرآن وأنت جالس على جهاز الكمبيوتر.
6 - أنزل برنامج الذاكر على جهازك.
7 - تذكر أنك قد تموت وأنت على حالتك هذه، وأنك تبعث عند الله على رؤوس الخلائق، وأنت تشاهد العري.
8 - اخرج إلى الحدائق والأزهار، وشاهد الخلق، انظر إلى السماء كثيرًا، واستمتع بالنظر إلى السماء والأرض والأشجار والأزهار.
9 - سر على شاطئ البحر أو النهر، وتمتع بالمنظار الخلابة.
10 - شاهد من الفضائيات ما هو نافع لك، وأشغل نفسك بالبديل المباح عن الحرام.
11 - الإنترنت ليس كل شيء في حياتنا، حاول أن تشغل نفسك بأنشطة حية بعيدًا عن الإنترنت والكمبيوتر.
12 - إن كنت تشكو من شيء دفعك إلى هذا الفعل، فاسع إلى علاجه بشكل فعّال وحقيقي.
13 - استعن بالله، فما خاب من استعان به ودعاه.
14 - كافئ نفسك بنزهة، أو أكلة، أو شيء تحبه نفسك، ما دام مباحًا.
15 - اشكر الله تعالى أن وفقك، فمن شكر الله، زاده الله من نعمه، وليست هناك نعمة أفضل من التزام أوامر الله تعالى.
وفقك الله وأعانك.. ولا تنسنا من صالح دعائك.
ـــــــــــــــــــ
ابنتي تلهيني عن الصلاة .. لكل ذي حق حقه ... العنوان
العبادات ... الموضوع
لدي طفلة صغيرة تظل مستيقظة معظم ساعات الليل وتنام معظم ساعات النهار، حيث أكون في عملي؛ وهو ما جعلني مضطربة في كل شيء وبالذات في أداء الصلوات؛ فأنا أنتهز فرصة نومها لأنام، فأصبحت أصلي بعض الصلوات بعد فوات الوقت، غالبا فرض واحد على الأقل يوميا، مع العلم أني كنت مواظبة على الوقت قبل أن أرزق بها.. فكيف أعود إلى المواظبة؟ ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الأستاذ مكرم ربيع من فريق الاستشارت الإيمانية بمصر:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
كل عام وأنت بخير بمناسبة شهر رمضان الكريم، أعاده الله علينا وعلى الأمة الإسلامية باليمن والخير والبركات. وأعانك الله على شئون بيتك وابنتك وعملك؛ فعليك مسئولية كبيرة بل مسئوليات كبيرة، ورزقنا وإياك المواظبة على أداء الصلاة في وقتها، وتقبلها منا ومنك .. آمين يارب العالمين .
أختنا أم سندس:
شكر الله لك سؤالك عن أمر دينك، وقد أكبرت فيك سؤالك عما يعينك على المواظبة على عماد الدين – الصلاة- وأذكرك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه(33/1544)
: "رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل". {رواه أحمد وأصحاب السنن}. والذي يبين لنا فيه أن الله يعفو عن تقصير النائم في أداء المفروض عليه بسبب نومه حتى يستيقظ ما لم يتعمد تفويتها .
وأعترف لك أختنا في الله أن ما تعانين منه مشكلة، تعاني منها نساء المسلمين، ولكن هوني على نفسك، فالله عز وجل يرانا ويعلم نوايانا، وهو سبحانه أرحم بنا منا على أنفسنا، فابنتك اليوم صغيرة وتحتاج لجهد وصبر وغدا تكبر، فهي لن تظل صغيرة، تعوقك عن المواظبة على الصلاة، ويمكنك ان تصلي وهي تلعب بجوارك .
إن الأبناء هم زينة الحياة الدنيا كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى، وإن تربيتهم جهاد يثاب عليه الآباء، والأم هي من تتعب في الحمل والرضاعة والتربية، لذلك ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا عندما سأله سائل: أي الناس أحق بحسن صحبتي؟ . لكن المولى عز وجل يقول في كتابه الكريم: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً}، فالمال والبنون زينة، نعم هم زينة، لكن الباقيات الصالحات خير عند الله ثوابا وخير أملا.
ويقول سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }، وقال أيضا: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.. فالمسلم يعرف الحكمة من الإنجاب وهي عمران الأرض، ويعرف ثواب تربية الأولاد، ولكنه لا ينسى طاعة ربه، فإذا كانت تربية الأبناء مسئولية يثاب عليها الوالدان؛ فالصلاة طاعة والزكاة طاعة وكذلك جميع الواجبات، ولكل وقته.
واسمعي لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لبلال رضي الله عنه: "أرحنا بها يا بلال" يقصد بالصلاة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان شديد الحرص على الصلاة حتى أثناء الغزوات، وكيف لا وقد فرضها الله عليه في السماء في رحلته الربانية التي لا تنسى، الإسراء والمعراج.
والصلاة يا أم سندس هي صلة بين العبد وربه، فهل يقطع الإنسان صلته بربه وخالقه؟، وهل يقصر فيها؟، ما أجمل أن يكون الإنسان موصولا بربه، محافظا على ما يوثق هذه الصلة ويحافظ عليها دائما.
والقرآن الكريم ينبهنا إلى الاهتمام بالصلاة ومواقيتها، يقول تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}، وفي وصف المؤمنين يقول سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}، انظري إلى كلمة
يقيمون الصلاة، أي يتمون ركوعها وسجودها، ويحافظون على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها .
ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل الصلاة في أحاديث كثيرة، منها على سبيل المثال :
- عن أَبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقول: "أَرأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْراً بِباب أَحَدِكم يغْتَسِلُ مِنْه كُلَّ يَوْمٍ خَمْس مرَّاتٍ، هل يبْقى مِنْ دَرَنِهِ(33/1545)
شَيءٌ؟" قالوا: لا يبْقَى مِنْ درنِهِ شَيْء، قال: "فذلكَ مَثَلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ، يمْحُو اللَّه بهِنَّ الخطَايا" {متفق عليه}.
- وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثَلُ الصَّلواتِ الخَمْسِ كمثَلِ نهْرٍ غَمْرٍ جارٍ عَلى باب أَحَدِكُم يغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خمْسَ مرَّاتٍ" {رواه مسلم}.
"الغَمْرُ" أي: الكثِيرُ.
- وعن ابن مسعود رضي الله عنْه أَن رجلا أَصاب من امْرأَةٍ قُبْلَةً، فأَتَى النبي صلى الله عَلَيْه وسلم فَأَخبره فأَنزَل الله تعالى: {وأَقِم الصَّلاةَ طَرفي النَّهَار وَزُلَفا مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسنَاتِ يُذهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} فقال الرَّجُلُ: أَلِي هذا؟ قال: "لجمِيع أُمَّتي كُلِّهِمْ" {متفقٌ عليه}.
- وعن أَبي هُريرة رضي الله عنه أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصَّلواتُ الخَمْسُ، والجُمُعةُ إِلى الجُمُعَةِ، كفَّارةٌ لما بَيْنهُنَّ، ما لم تُغش الكبَائِرُ" {رواه مسلم}.
- وعن عثمانَ بنِ عفان رضي الله عنه قال: سمِعْت رسولَ اللَّه صلى الله عَلَيْهِ وسلم يقول: "ما مِن امْرِيءٍ مُسْلِمٍ تحضُرُهُ صلاةٌ مَكتُوبةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا، وَخُشوعَهَا، وَرُكُوعَها، إِلاَّ كانت كَفَّارةً لما قَبْلَهَا مِنْ الذنُوبِ ما لم تُؤْتَ كَبِيرةٌ، وَذلكَ الدَّهْرَ كلَّهُ" {رواه مسلم}.
فهل يضيع المسلم كل هذا الثواب؟ وهل يفوت فرصة غفران ذنوبه، وتكفير سيئاته؟!!، لا أعتقد أن عاقلا يفعل ذلك .
واعلمي يا أم سندس أنه لا يعلم أحد منا متى يأتيه أجله، فربما مات فجأة، فعن عائشة قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن موت الفجأة: فقال: راحة للمؤمن وأخذة أسف لفاجر". {مسند أحمد}. فموت الفجأة راحة للمؤمن لأنه في استعداد دائم للقاء الله، يحافظ على صلاته، وعباداته كلها، حتى إذا جاءه الأجل كان في رحمة الله عز وجل. أما غير المؤمن فهو حسرة وغضب لأنه كان في غفلة عن طاعة ربه وكان يؤجل الطاعة ويسوف في التوبة حتى عاجله الموت وهو غير مستعد له .
وقد قلت يا أم سندس إنك تعملين، فهل تصلين ما يحين وقته في العمل؟ وهل تتركين ابنتك وحدها طوال ساعات العمل كما فهمت من سؤالك؟ وهل يوجد أحد يكون معك إذا رجعت لتستطيعي إقامة الصلاة في وقتها؟ وأين زوجك من كل هذا فلا بد أن يشارك في حل هذا الأمر؟
من الممكن إيجاد حلول كثيرة، ولكن الأهم أن يكون عندنا الاستعداد لتقبل الحلول وتنفيذها، فمن الممكن أن يشاركك زوجك في رعايتها وحملها وقت صلاتك، ومن الممكن أن تأتي لها بما يشغلها وتلعب به أثناء صلاتك، أو أن تشبعيها بالرضاعة أو بطعام إذا كانت تأكل وبذلك تمتنع عن البكاء أثناء صلاتك.
أختنا في الله:
جزاك الله خيرا وزادك حرصا على الصلاة، وهو بداية الحل؛ وأعانك على ابنتك وبيتك وعملك. وقبل أن أنهي كلامي أقول لك استثمري هذا الشهر الكريم في زيادة الطاعة والعبادة والتقرب إلى الله، واجعليه بداية حقيقي للحفاظ على الصلاة في أوقاتها، وثقي أن الله سيعينك وييسر لك ما دام يرى منك إقبالا عليه وحبا له .(33/1546)
ـــــــــــــــــــ
محبة الخلق..قبول أم استدراج ؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أعلم أن الله تعالى إذا أحب عبدا من عباده حببه الى خلقه؛ ولكن متى تكون محبة الخلق للعبد استدراجا ؟، فأنا أعلم ما في نفسي من تقصير أستره عن الناس، ولكني مع كل ذنوبي أجد أن الله قد يسر لي القبول في الأرض، ولكنني لا أعلم هل هذا أثر للاستغفار وقبول التوبة أم هو استدراج من الله للعبد ؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الشيخ سمير حشيش الواعظ بالأزهر الشريف:
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد...
الأخت الكريمة/ بنان
لقد نكأت جرحا غائرا في قلبي ووجدت نفسي في محنة من سؤالك هذا، وتمنيت أن لو لم يكن أخي مسعود صبري أسند إلىّ الرد على هذه الاستشارة، فكلنا نشكو مما تشكين منه.
ولقد ظلت استشارتك معيّ أياما أقرؤها كل يوم، وأتهيب من الرد عليها – ربما لأنني أجدني لو كتبت فإنما أكتب لنفسي، فلا يبقى ليّ عذر بعد ذلك في تقصيري في جنب الله عز وجل. ولما لم يكن من الجواب بد، فقد استعنت بالله، وكتبت تلك السطور القليلة التي أسأل الله أن ينفعني وإياك بها، وأن يجعلها حجة ليّ لا عليّ.
أختي الكريمة :
لا شك أن محبة الله تبارك وتعالى هي بغية الصالحين من الخلق، وقصد المخلصين من العاملين، وهي جائزة المجاهدين المؤمنين.
ومحبة الله للعبد لها أسباب ومقدمات، فالله يحب من عباده من بذل أسباب الحب، وأخذ بأسباب القرب، وليس المقام في تفضيل تلك الطرق المؤدية لكسب محبة الله عز وجل، ولكنني أسوق آية واحدة وحديثا واحدا في هذا المقام ليلقيا الضوء على ما أريد.
قال تعالى:( قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه:(من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه) .(33/1547)
وهذا من أكبر علامات حب الله للعبد، وهي العلامة التي لا تتخلف، بل هي مطردة مع حب الله للعبد أبدا. فالميزان الحساس الذي به نستطيع أن نجزم بأن الله يحبنا هو ميزان الاتباع والطاعة، فكما يقولون: إن الله يعطي الدنيا لمن أحب من لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب.
والله تعالى يقول: (فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ) [الأنعام]، ويقول صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"، فالله إن أحب عبدا هداه لطاعته، ووفقه لأداء الفرائض، وأعانه على النوافل.
وهناك علامات أخرى للمحبة، لكنها – في نظري– غير مطردة، ولها شروط ومقاييس قد يجهلها كثير من الناس، مما يؤدي إلى الخلط عند استخدامها.
ومن ذلك القبول في الأرض الذي أشرت إليه في سؤالك، فهذا القبول إنما يكون من الصالحين، فهم الذين يحبون بحب الله ويتوافقون في هواهم مع مراد الله، أما ما دون ذلك من البشر فلا يصح أن يكونوا مقياسا للقبول الذي هو من علامات حب الله للعبد، وإلا فإنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يجد القبول من معظم الناس، بل وجد الصد والعداوة والمحاربة، ولا يفكر أحد – مع ذلك – أنه أحب خلق الله إلى الله.
وهناك من عباد الله من بلغ من مقام الرضا والحب مبلغا عظيما، حتى إنه لو أقسم على الله لأبره، ومع ذلك فهو في الناس غير ذي مكانة بل لعله مطرود بالأبواب، لا يؤبه له. كما في حديث النبي – صلى الله عليه وسلم.
إذن – أيتها الأخت الكريمة – مقياس القبول لدى الناس كعلامة من علامات حب الله للعبد ينبغي أن نحسن تطبيقه، وإلا كان تلبيسا من الشيطان علينا، بل لا أجدني مبالغا لو قلت: إنه في أحايين كثيرة يكون الصد والعداوة من الناس هما المقياس الحقيقي لحب الله للعبد.
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ...) [الأنعام]، (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا...) [الحج] .
أختي الكريمة :
لا بد أن ننظر في هؤلاء الناس، الذين هم مقياس حب الله لنا، ولتسأل نفسك (هل أنا مقبول لدى الصالحين معادى من غيرهم، أم إنني مقبول عند أهل المعاصي المجاهرين؟).
وأظن أن في ذلك خطرا عظيما على الفرد، فالأجدر بنا أن نتمسك بالمقياس الأول، وهو مدى توفيق الله لنا في الطاعات وإعانته لنا على ترك المعاصي والذنوب. فهذا المقياس يعد سببا في حب الله للعبد وعلامة عليه في ذات الوقت .
فانظري أختي الكريمة في حالك مع الله لتعلمي إن كان هذا القبول لدى الناس حبا من الله أم استدراجا .
فإن كان العبد من العصاة المصرين على الذنوب وهو لا يبالي بتوبة أو رجوع إلى الله، ثم يجد القبول من الناس فلا شك أن مرد هذا القبول هو موافقة هوى الناس أو مظهر من مظاهر الدنيا الفانية ظهر على هذا العبد كمال أو منصب أو غير ذلك.(33/1548)
أحد الصالحين يقول : "إنني أرى أثر ذنبي في دابتي وزوجتي"، والصالحون– كغيرهم من البشر– يخطئون ويذنبون، ولكنهم سريعا يبادرون بالتوبة والرجوع إلى الله (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) [الأنعام]، والتوبة تمحو الذنب وتجنب غضب الرب، بل وتبلغ مقام القرب والحب.
فإن كنت يا أختي تذنبين – مثلي ومثل جميع الناس– ثم تتوبين وتستغفرين فأظنك إن شاء الله من الصالحين، وأظن أن ما تجدينه من قبول لدى الناس هو علامة لحب الله إياك، ما دمت تستغفرين ، وما دام هذا القبول لدى الصالحين.
وأريد في النهاية أن أهمس في أذنيك أختي قائلا :
إن سؤالك هذا يعكس حرصا شديدا على اهتمامك بعلاقتك بربك سبحانه وتعالى، ولكنني أخشى عليك أختي من أن تقعي في وساوس الشيطان، التي لا تنتهي، فيحملك في كل أمر وحال على أن تفسريه تفسيرا سيئا فيؤدي بك إلى الشك في نفسك وإلى القنوط من ربك...
أختي: أحسني الظن بالله، ولا يغرنك أن وقعت في بعض الذنوب، ولو كانت من الكبائر، فإن الله يغفر الذنب مادمت تستغفرين، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر] .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ـــــــــــــــــــ
زنا اللمس.. عودي للشوق للجنة ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا طالبة بإحدى كليات القمة في السنة النهائية، وقد تمت خطبتي لأحد أقاربي، وهو شابٌّ ملتزمٌ ومتعلمٌ وطيبٌ و..و..و..و.. وبه كثير من المواصفات التي تحلم بها أية فتاة، وقد أحبني حبًّا كبيرًا، وأنا أيضًا أحببته جدًّا جدًّا. وتمت خطبتنا "مجرد قراءة فاتحة"، ولكن مع الأسف قد تمَّت بيننا أشياء حرام كثيرة، وكنا كل مرّة نعزم على أن لا نفعل ذلك ثانية، ولكننا نعود إليها، ثم نتوب، ونعود مرة أخرى، وهكذا حتى الآن. ثم ارتديت النقاب، وقلنا هذه هي النهاية، ولن يراني ثانيةً حتى نعقد قراننا، ولكن الخطأ مستمر. حاولنا أن نقنع أبي أن "نكتب الكتاب" الآن، ولكنه رفض (لأن أبي يرفض النقاب، ويحاول الضغط عليَّ لأخلعه). والآن نحن نحاول أن نمنع الخطأ، ولكن دون جدوى، فالخطأ كل مرة يكون أكبر من الخطأ في المرة السابقة. ماذا نفعل؟ وهل نحن نعتبر في حالة زنا (لمس)؟ ... السؤال
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... ابنتي الكريمة "المشتاقة إلى الجنة"،(33/1549)
كم هو جميلٌ هذا الاسم الذي وصفت به نفسك، أسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعًا "أنا وأنت وخطيبك" ومن يقرأ هذه الكلمات من أهلها.. آمين.
لكن يا بنيَّتي، المشتاقة إلى الجنة تفعل فعل أهل الجنة.. من المعروف أنَّ الإنسان إذا اشتاق لشيءٍ سعى إلى أن يصل إليه بكل السبل، ولم يتوانَ لحظةً في ترك كل ما قد يمنعه من الوصول إلى هذا الشيء، فكيف والحال هو الشوق للجنة؛ سلعة الله تعالى الغالية، والأمل الذي يحيا به وله كل مسلمٍ، ويبذل كل وسعه لبلوغه.
أيليق بمن تشتاق للجنة أن تفعل ما ذكرتِ يا بنيتي؟؟ أيصح أن تلقيا "أنت وخطيبك" الله تعالى وأنتما تشتاقان لجنته فتحملان في جعبتكما ما ذكرتِ من أفعال بينكما؟؟ أهذا حال المشتاق للجنة يا بنيتي؟؟
يا بنيتي إنّ الإسلام قبل أن يحرِّم شيئًا عمل على سدِّ طرقه ومداخله ودروبه، ووضع الضوابط والحدود والقيود التي تمنع من الوصول إليه.
ويبدو من حديثك أنكما قد فرطتما في هذه الضوابط والحدود، وفتحتما كل الطرق للوصول إلى الحرام، فحدث ما حدث، فلو كنتما التزمتما بعدم الخلوة لما كان ما قلته لنا، ولو لم تخرجا معًا وحدكما لما جرى ما جرى، لقد فرطتما في الحدود والضوابط فوقع الخطأ، وما دام الوضع على هذا النحو فلن ينفع معه نقابٌ ولا عبادة، والتوبة لا تُقبَل إن لم يكن معها امتناعٌ عن الفعل، وما دمتما تركتما الباب مفتوحًا فلن يتحقق شيء.
لقد تركتما يا بنيتي مساحةً رماديةً في علاقتكما غير واضحة الحدود والمعالم، وقد حذرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أيما تحذير من هذه المساحة الرمادية غير الواضحة في تعاملاتنا وحياتنا حين قال: (إن الحلال بيِّنٌ، وإن الحرام بيِّنٌ، وبينهما مشتبهات لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملكٍ حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) رواه البخاري ومسلم.
فإياكما أن ترتعا في محارم الله تعالى، تلك المساحة الرمادية الضبابية الضارة والخادعة.
يا بنيتي؛
سيبقى ما ينبغي عليكما فعله، وهو التالي:
1- أول ما يجب أن تقوما به هو أن تمتنعا عن اللقاء تمامًا لفترةٍ ليست بالقصيرة، بل أرى أن تمتنعا حتى عن الحديث التليفوني، وليكن الاتصال بينكما عبر البريد الإلكتروني، مع الحذر ألا تتجاوز رسائلكما مسألة الاطمئنان على الأحوال، وتبادل الأخبار العامة، والحث على الطاعات والعبادات والتوبة، ولو تجاوزتما فيه لطلبت منكما أن تتوقفا عنه كذلك.
أعلم أنه أمرٌ صعبٌ قاسٍ، لكنه أمرٌ لا مناص منه ولا مفر، إذ لم تتركا لأنفسكما خيارًا آخر، لقد تجاوزتما كثيرًا، فوجب أن تشدِّدا على نفسيكما كثيرًا.(33/1550)
تقولين أنه ملتزمٌ والحمد لله تعالى، فلتتعاونا معًا إذن على هذا الأمر، وإياكما والتفريط فيه، لأن التفريط فيه يعني عودتكما لما أنتما عليه، وحينها ستقولان: على الإصلاح السلام.
2- أنا أميل يا بنيتي في حالة تكرار نفس الذنب إلى استخدام أسلوب العقاب المضاعف، فحين أتوب عن عملٍ خاطئٍ ما، ثم أجدني أقوم به مرة أخرى، فإنني حينها أعاقب نفسي بأن أمنعها من شيءٍ تحبه، أو أوجب عليها صدقةً معينة، أو أرهقها ببعض التمارين الرياضية، أو أقلل عدد ساعات نومها حتى ترهق وتتعب فتعلم عظم ما اقترفت.
فإذا تكرر منها هذا الذنب، رفعت درجة العقوبة أكثر، بل وضاعفتها، وزدت في عقوبة نفسي جراء ما اقترفت يداي.
لو فعلتما ذلك يا ابنتي لوجدتما نفسيكما تترددان في الوقوع في الذنب ثانيةً خوف العقوبة.
3- يا بنيتي، لقد ذكرت في حديثك إلينا أنَّ والدك يرفض أن "يكتب كتابكما" طالما أنت منقبة، فإذا كان خلعك النقاب يجعله يوافق على عقد زواجكما فلماذا لا تخلعينه؟ يا بنيتي إن في ديننا قواعد كثيرة تؤكد ترتيب أولوياتنا، وتدعونا إلى ارتكاب أخف الضررين.
أخبريني بالله عليك أيَّ الأمرين أولى: أن تخلعي النقاب المختلف في وجوبه أم أن تستمرا على ما أنتما عليه من حرامٍ وزنا؟؟
وقولي لي من فضلك أيَّ الضررين أخف: ضرر خلع النقاب المختلف في وجوبه أم ضرر الوقوع في الزنا والحرام؟؟
يا بنيتي؛
اتفقي مع والدك أو اطلبي من خطيبك إن كان هذا أنسب أن يتفق مع والدك أن تخلعي نقابك، على أن يوافق على عقد زواجكما الآن وقبل أيِّ شيء، سُدِّي باب الحرام يحمِكِ الله تعالى.
4- لديَّ سؤال لكما: هل يوجد في من تعرفان شخصٌ تثقان به -رجلٌ أو امرأة، وأنا أفضِّل المرأة- يمكن أن يكون لكما مرجعًا ترجعان إليه في كل ما يحدث بينكما من أخطاء؟ لو استطعتما إيجاد هذا الشخص لكان حاجزًا لكما من الوقوع في الحرام، ولكان حافزًا لكما على الانضباط والالتزام.
انظرا، وتخيَّرا من يملك الثقة والخبرة والفهم ليعينكما ويساعدكما على ما أنتما فيه من بلاء.
5- لا تنسيا بالطبع التوبة العازمة على الترك، ودعاء الله تعالى لكما بالعون كي تتوقفا عما أنتما فيه.
يا بنيتي؛
إنّ الإسلام لم يحرم العواطف والحب والرغبة، ولكنه ضبطها وهذبها وحكمها بأحكامٍ ثابتةٍ راسخة، وما أجمل أن تنالا من بعضكما بعضًا في الحلال فتكونا في قمة الشوق لذلك، لكن لو أخذتما ما تريدان من بعضكما الآن، فماذا سيبقى حين تجتمعان بالحلال؟؟ إن الشوق للقاء الحبيب في بيتٍ واحدٍ يفوق كل شوقٍ في الدنيا، وهو شوقٌ(33/1551)
للحب والعاطفة والرغبة في آنٍ واحد، إنه السكن والمودة كما أخبرنا به الله تعالى، فلا تضيِّعا كل ذلك مقابل لحظاتٍ ستمر وتنقضي معها لذتها، ليعقبها الندم حينها، ثم الملل حين تصبح هذه اللحظات في الحلال عند عقد زواجكما.
ثم تذكري أيَّ بيتٍ مسلمٍ ستنشئانه حين تكون مقدِّماته الحرام والزنا أيًّا كانت درجته؟؟
يا أيتها المشتاقة للجنة؛
لو أنت فعلاً مشتاقةٌ لها لتوقفت عن كل ما تقومين به، ولنفذت كل ما أطلبه منك.
يا بنيتي؛
إنَّه الله تعالى الذي تعصينه، تخيلي معي مَن تعصين، واقرئي معي قول الله تعالى على لسان نبي الله تعالى صالح عليه السلام: (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينةٍ من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير).
فتذكري: من ينصرك من الله تعالى إن عصيتِه؟؟؟؟؟
أعتذر عن قسوتي إن وُجِدت، لكنها قسوة الوالد الخائف على ابنته المشتاقة للجنة، منتظرًا منك الأخبار الموصلة للجنة.
حفظكما الله تعالى من كل سوءٍ وذنبٍ.. وأبعد عنكما الشيطان.. وعجَّل في زواجكما.
ـــــــــــــــــــ
مسافر للدراسة بالخارج .. احفظ الله يحفظك ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : إن شاء الله سأسافر، قريبا، إلى إحدى الدول الأجنبية، لإكمال دراستي فيها، وأريد من سيادتكم بعض التوجيهات والأعمال التي تعينني بإذن الله على المحافظة على ديني وخلقي، وفي نفس الوقت تعينني في دعوة هؤلاء القوم، في حدود ما أعلم، وأنا مع الأسف لا أعلم الكثير، ولكنني أحب ربي، وأريد ان أرضيه بدعوتي المحدودة ... و جزاكم الله خيرا . ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الأستاذ/أحمد زين من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أخي الكريم .. كريم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حين قرأت رسالتك تذكرت ذات مرة، وأنا مسافر من الإسكندرية إلى القاهرة، حيث كان منتهى الحافلة التي أستقلها مطار القاهرة، وجلس قريبا مني شاب ودعه أهله منذ دقائق ليكمل دراسته في دولة أوربية، كان الشاب ينهج وهو جالس، يفكر في مستقبله، كنت أسمع أنفاسه تتلاحق، كان قد حلق رأسه تماما، واكتسى بالعزيمة كلها.
صلى الفجر جالسا، ثم أخذ يردد أذكارا وأدعية بتضرع يلفت الانتباه . كان الشاب في حوالي التاسعة عشرة من عمره، وكنت أكبره بعدة سنوات، تحيرت في أمره، هل أقول : ما أشقاه ؟، وقد خلف أهله وهو في سن صغيرة، وذهب للمجهول، أناس لا يعرفهم، وأماكن لم يطأها من قبل، ولغة لم يعتادها...(33/1552)
أم أقول ما أسعده؟، عوالم جديدة تتفتح أمامه، خبرات واسعة يمكنه أن ينهل منها، أناس جدد بأفكار جديدة وعقليات جديدة، ودراسات وجامعات ومكتبات، ومتاحف ومساجد وحدائق وغابات.
مازلت أدعو لهذا الشاب كلما تذكرته أن يظل محافظا على صلاته وورده، وسأدعو لك إن شاء الله بمثله.
أخي الحبيب :
أتصور أنك تحتاج إلى ورقة وقلم .. ورقة كبيرة لتكتب فيها أهدافك الكبيرة .. التي ستحققها إن شاء الله في هذه الرحلة .. أقترح عليكم أهدافا مثل : العمل والدراسة، التعرف على مسلمين من أنحاء العالم، الاحتكاك الفكري والعقل، الدعوة إلى الله، أعطاء القدوة والمثل، الثبات، أن تكون عالما مسلما، بارزا في تخصصك، الخبرات والمهارات المختلفة، تعلم لغة وإتقانها، الوقوف على أسباب القوة في هذا البلد، كما أقترح عليك أيضا ألا تنس تدوين مذكراتك، ربما ييسر الله لك نشرها يوما ما، ولتكن بعنوان : (مذكرات طالب مسلم في سنة 2005) .
وصدقني – أخي- كلما كبرت أهدافك، كلما نضجت أنت واستويت بإذن الله، أقول هذا لأنني لم يعجبني ولا يعجبني أن يكون هاجس كل شاب مسافر إلى الخارج المحافظة على دينه وخلقه والتزامه الشخصي، لأننا بهذا نقلل جدا من سقف إمكانياتنا، وإذا كنا قد أمرنا بسؤال الله تعالى الفردوس الأعلى، فإنما ذلك لنطلب معالي الأمور في كل شيء، ليقل كل منا لن أذهب وأنا مرتجف من الارتكاس بل سيكون همي الارتقاء والنماء والتبشير بما أحمل من قيم ورائدي في ذلك قوله تعالى: ( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ) .
لا شك أن الصحبة الطيبة أمر يكتسب أهمية خاصة في الأيام الأولى لك هناك، والحمد لله على نعمة الإنترنت التي جعل الله بها تواصلك مع صحبتك الطيبة في بلدك أمرا متاحا وميسورا، ولذلك لا تنس أن تحصل على أرقام هواتف وعناوين البريد الإلكتروني (الإيميلات) لمن تحب أن تتواصل معهم من هناك، وأعلم أن صديقك من صدقك، و وهو أيضا من ذكرك بربك .
أخيرا .. تحتاج وأنت في عمرك الزاهر أن تعرف الكثير عن الدعوة، وأنصحك أخي أن تتأنى وأن تسمع أكثر مما تتكلم، خاصة في شهورك الأولى، لأن الاشتباك قبل المعرفة وقبل الإدراك متعب جدا، وربما أعطى صورة خاطئة عن القيم التي تحب أن تدعو إليها.
الحقيقة لا أريد أن أدعك، أريد أن أظل أتحدث معك كثيرا كثيرا، ولكنني سأتركك مع هدية صغيرة، ووصية أخيرة، وهي ألا تنسى أن تردد دعاء السفر بتدبر وفهم، نعم قله وأنت تتدبر كلماته ومعانيه ردد : " اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل "، وكلما حزنت أو خرجت تذكر هذا الدعاء.
ويقول همام عبد المعبود المحرر بالقسم الشرعي:(33/1553)
جزى الله أخي الأستاذ أحمد زين خيرا، على هذه النصائح التي قدمها، وليأذن لي أن أشاركه الأجر، بهذه الإضافة المتواضعة، وأقول وبالله التوفيق :
أوصيك أخي ببعض النصائح، العملية، التي يمكن أن تستعين بها في سفرك وهي :
1- تصحيح النية:
صحّح نيَّتك من سفرك، واجعل سفرك لطلب العلم ومعرفة ما يفيد المسلمين من العلوم، فإنك بهذا تؤجر، فعن أمير المؤمنين أبي حفصٍ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).
2- تقوى الله:
اتق الله حيثما كنت، واعلم أنه يراك في كل أحوالك، فاجتهد ألا يراك على معصية، وكن دائم الصلة به سبحانه، قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب).
3- المحافظة على الصلاة:
حافظ على الصلوات في أوقاتها، ولا تضيّع منها واحدة إلا لعذرٍ شديد، قال تعالى: (وأقم الصلاة إنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، واعلم أن الصلاة نور.. فأنر بها ظلام غربتك، فقد روى مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور).
4- كن من أهل القرآن:
اتخذ لك من القرآن وردًا وحافظ عليه.. فهو شفاء ورحمة، وإن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تعالى أهلين من الناس)، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: (هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته) صحيح الجامع.
5- الذكر والاستغفار:
احرص على الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأنك كله، واجعل لسانك رطبا بذكر الله دائمًا، والزم الاستغفار.. فإن الله يغفر به الذنوب ويفرج به الهموم، فقد روى أبو داود وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كلِّ ضيقٍ مخرجا، ومن كلِّ همٍّ فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب).
6- الصديق الصالح:
ابتعد عن قرناء السوء، واجتهد أن تتخير أصدقاءك وزملاءك، على أن يكونوا من أهل الإيمان، المحافظين على الطاعات، قال تعالى: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)، وروى أحمد وأبو داود بسند صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، ولا تستهن بهذا الأمر.. فهذا هو رسولنا الحبيب يبين لنا أهمية اختيار الجليس فيقول فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبى موسى(33/1554)
الأشعرىِّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير.. فحامل المسك إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخُ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا منتنة).
7- غض البصر:
غُض بصرك عما يغضب الله، ولا تطلق لبصرك العنان، واعلم أن النظرة –كما روي- سهمٌ مسموم من سهام إبليس من تركها مخافة الله أبدله الله عنها إيمانا يجد حلاوته في قلبه، فغض البصر أمر من الله واجب التنفيذ، قال تعالى في سورة النور: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون).
8- الدعاء:
أكثر من الدعاء والابتهال إلى الله أن يوفقك، ولا تنس أن الدعاء سلاح فعال له أثر كبير في حفظ المرء، قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)، وقال أيضا: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي).
9- تحديد الهدف:
اعلم أن لك من رحلتك هدفا، من أجله سافرت وتركت الأهل والبلد والصاحب، فلا تنشغل عنه بغيره، واجعله نصب عينيك، واعلم أن من مئون الفقه –أي قوته وتمامه- أن تعرف أن "واجب الوقت" يحتم عليك أن تولي المذاكرة والدرس وطلب العلم "الطب" غالب وقتك، لتنجح وتتفوق، فتقر بذلك عيني، ويهدأ قلبي.. واحرص على وقتك، فإنما هو رأس مالك فلا تضيع جزءًا منه في غير فائدة، واستثمره فيما من أجله سافرت واغتربت، فإن لم تقضه في طاعة فلا تقضه في المعصية،
10- كن خير صورة لدينك:
لا تنس أنه يجب عليك أن تكون قدوة صالحة لدينك ودعوتك، وإياك أن تكون قدوة سيئة، وتذكر أنك – بأقوالك وأفعالك– ترسم صورة وتترك انطباعا لدى من تعايشهم عن دينك، فأحسن عرض سلعتك فربما هدى الله على يديك رجلاً واحدًا فكان ذلك خيرا لك من الدنيا وما فيها.
وختاما؛
نسأل الله أن يحفظك في سفرك وأن يردك سالما غانما.. آمين
وتابعنا باخبارك
ـــــــــــــــــــ
برنامج للعاملين والأطفال في رمضان ... العنوان
عملي الكسبي يستغرق كثيرا من الوقت وأريد أن أستثمر وقتي في رمضان فماذا أفعل ؟ وماذا يمكن أن نقدمه في رمضان لأولادنا؟ وجزاكم الله خيرا ... السؤال
... ... الرد ...
...(33/1555)
... يقول الداعية الشيخ أحمد حمود الدبوس إمام وخطيب مسجد الشيخ أحمد في الكويت:
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
قضية (البرمجة الإيمانية) في شهر رمضان الكريم صفة وصبغة ذاتية يهتم بها المسلم لتكون له ذخرا لما بعد رمضان، وأقترح عليك بعض الأعمال المبرمجة في حياة المسلم في يومه:
1) الاستيقاظ قبل الفجر للقيام والاستغفار.
2) الاستعداد لصلاة الفجر في المسجد مع الجماعة، وللأخوات في أول وقتها.
3) الانشغال بعد الصلاة في أذكار الصباح، وتلاوة القرآن الكريم، وبعض التفاسير المبسطة إلى طلوع الشمس، وصلاة الإشراق.
4) ممارسة بعض الرياضة البسيطة والحركات العضوية البسيطة التي لا تأخذ زمنا طويلا.
5) انطلاقة رب الأسرة مع أولاده إلى المدرسة، ثم يذهب إلى عمله.
6) الحرص على صلاة الظهر جماعة.
7) العودة بعد صلاة الظهر لأخذ الراحة.
8) الحرص على صلاة العصر في الجماعة، وحضور حلقة العلم.
9) أذكار المساء قبيل المغرب، والاستعداد للإفطار الجماعي أو الأسري.
10) صلاة العشاء في الجماعة، مع المحافظة على صلاة التراويح.
11) تبادل الزيارات مع الأهل والأقارب والأصدقاء والأحبة.
12) الجلسة العائلية قبيل النوم، وتبادل الحب والود؛ للإضفاء على ذلك اليوم التعايش الأسري
13) الحرص على النوم المبكر حتى ولو كان في رمضان، وإن تأخر قليلا
14) نحرص في البعد عن جميع الآثام الكبيرة والصغيرة منها.
15) متابعة تحقيق الهدف الرئيسي من رمضان لنكون من المتقين.
16) متابعة هذه البرمجة، والحرص عليها، والاجتهاد في تحقيقها، خصوصا بعد رمضان؛ حيث إن الوقت يكون أوسع وأشمل.
17) الحرص على الأعمال التطوعية والتنفلية في أوقات الفراغ.
18) الحرص على البيئات والصحبة النافعة في اغتنام شهر رمضان الكريم.
19) كن حاسما في التعامل مع الوقت، ولا يمنع من شيء من المجاملة، لكن نرجو عدم الإسراف بها.
نسأل الله أن يجعلنا وإياك من المقبولين والفائزين بالفردوس الأعلى.
هذا أخي الحبيب برنامج على عجالة؛ لاغتنام شهر رمضان، والأصل فيه تنظيم الوقت.
وبالنسبة للأطفال فيصلح لهم هذا البرنامج الإيماني في رمضان .
1) شرح مبسط لأهمية ركن فرضية رمضان .
2) متابعة الأبناء في الترجمة العملية بالنسبة للصلوات والصيام لهؤلاء الأطفال.
3) تحفيظهم بعض آيات القرآن الكريم.(33/1556)
4) عرض بعض أشرطة الفيديو التي تشرح بعض الأعمال الرمضانية.
5) ربطهم في المؤسسات التربوية والتعليمية في أوقات الفراغ خصوصا في رمضان حتى يتسنى لك اغتنام تلك الفرصة المباركة.
6) تعويدهم وتربيتهم على برنامج الزيارات لصلة الأرحام
7)ترغيبهم وتدريبهم على الصيام ولو بعض اليوم حتى لو كان ساعات.
8) جمعهم على البرنامج القرائي المناسب لمستوياتهم وأعمارهم.
9) إسماعهم بعض الأشرطة الإيمانية المناسبة للعمر، والتي يقوم بها بعض الأطفال.
10) حرصهم على الأشياء المفيدة والعملية خصوصا في شهر رمضان المبارك.
11) الاجتهاد من الأبوين بأن يكونوا قدوة حية وعملية في رمضان.
12) نرجو الاستفادة من ألعاب التسالي المفيدة من خلال أشرطة الفيديو لإشغال فراغهم.
بارك الله فيكم وجعلنا وإياكم ممن يتبعون القول فيتبعون أحسنه
ـــــــــــــــــــ
رمضان فرصة للإقلاع عن التدخين ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
السادة الأفاضل : أحمد الله الذي وفقني للتوبة من الكبائر، كما وفقني للبدء في حفظ القرآن، وحضور مجالس العلم، لكن مشكلتي الرئيسية هي أنني لم استطع ان أقلع عن التدخين، علما بأنني أدخن منذ 17 عاما، رغم أنني مقتنع تماما بحرمة التدخين، وأتمنى أن يعينني الله وأفلح في الإقلاع عنه . وقد حاولت في نهاية رمضان الماضي ونجحت لمدة شهر ونصف تقريبا، ولكن للأسف عدت للتدخين مرة أخرى، ومنذ فترة قريبة حاولت مرة أخرى الإقلاع بالتدريج لمدة أسبوع، ثم أقلعت تماما، ولكني عدت مرة أخرى للتدخين فشربت حوالي 5 سجائر، وكنت أحس مع كل سيجارة أن غضب ربي سيحل بي . لا ادري ماذا أفعل، هل الله سوف يقبلني مع علمي وعدم جهلي؟، وهل أنا جاحد أم ان كثرة المحاولات ستأتي يوما ما بنتيجة؟. علما بأنني في كل مرة استعين ببعض الشرائط للشيخ محمد حسين يعقوب، والشيخ محمد إسماعيل المقدم ؟ برجاء الرد سريعا ... وجزاكم الله خيرا ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الأستاذ علي موسى من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أخي الحبيب ..
بداية أهنئك على ثلاثة أمور...
أولها فضل الله عز وجل عليك بأن يسر لك التوبة وأن يسر لك طريق حفظ القرآن وحضور مجالس العلم .
وأهنئك ثانياً على منزلة إيمانية رفيعة قد وصلت إليها وفي الحديث " ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن " وإن المؤمن ليرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل(33/1557)
يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا – أي بيده – فذبه عنه .
فبداية حل أي مشكلة .. أن ندرك أن هناك مشكلة .. فكم من سادر في المعاصي لا يشعر بأنه على خطر ولا يدرك أنه في مشكلة إيمانية عظيمة.
وأهنئك ثالثاً على أن فقهك الله عز وجل بحكم التدخين و في الحديث " من يرد الله به خيراً يفقه في الدين " ففقهت أن حكم التدخين هو الحرمة ، ولا زال هناك عدد كبير من المسلمين يجادل في حكم التدخين و يحاول عبثاً أن يقنع نفسه بأن التدخين ربما تكون في كراهة ولا يصل إلى درجة الحرمة .. وهذا خطأ كبير ، وإن كان الاختلاف بين الفقهاء قديما في حرمة التدخين له مايسوغه من عدم معرفة أضراره، فإنه لا يفتى إلا بالحرمة على الراجح الآن ، لثبوت الضرر، وفي الحديث :"لا ضرر ولا ضرار" .
فاحمد الله أخي على هذه النعم الثلاثة ... ثم تعال بنا نتأمل في النقاط التالية التي ستعينك إن شاء الله تعالى على ترك التدخين مطلقاً :
1. الطاعة فضل من الله عز وجل فهو سبحانه يهدي فضلاً ويضل عدلاً ولا ينال هذا الفضل إلا من أخلص النية لله عز وجل ... فعليك بإخلاص النية لله عز وجل و الاجتهاد في الدعاء بأن يهديك لطاعته و يصرف عنك معصيته .
2. الوقوع في المعصية مرجعه إلى مصدرين : إما الشيطان وإما النفس .. وانتصار المسلم علي الشيطان أمر مقدور .. قال تعالى : " إن كيد الشيطان كان ضعيفاً " ، وقال تعالى : " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " ، وقال تعالى : " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم " فأكثر من الاستعاذة من الشيطان الرجيم كلما حدثك بأمر التدخين و إن استطعت أن تتوضأ فافعل فإن الوضوء يطرد عنك الشيطان .
3. وأما النفس فإن المعصية تبدأ معها في صورة فكرة أو خاطر سريع ثم تتحول الفكرة إلى تصور، والتصور يدعو إلى الإرادة ، والإرادة تقتضي الوقوع في الفعل ، و كثرة الوقوع في العمل تتحول إلى عادة يصعب القضاء عليها .
فمفتاح القضاء على العادة أن تعلم هذه المتوالية : خاطر ثم فكرة ثم تصور ثم إرادة ثم فعل ثم عادة ... و دفع الخاطر عن النفس أيسر وأسهل مما بعده .. فابدأ بدفع خاطر التدخين عن نفسك بمجرد أن تحدثك به واشغل نفسك عنه بالتفكير في أي طاعة فوراً دون تردد أو انتظار .
4. لنتأمل سوياً في هذا المثال : إناء مملوء بالزيت و نحن نريد أن نطرد الزيت من الإناء فعلينا أن نقوم بصب الماء في الإناء فيطفو الزيت فوق الماء حتى لا يتبقى منه شيء ( وذلك طبقاً لظاهرة الكثافة ) .
و كذلك القلب ... إن أردنا أن نطرد منه المعصية فعلينا أن نملأه بالطاعة فمثل القلب كالإناء ومثل المعصية فيه كالزيت و مثل الطاعة كالماء إن قمنا بصب الطاعة في القلب ستطفو المعصية شيئاً فشيئاً حتى لا يتبقى منها شيء ..(33/1558)
هذا المثل يؤكد لنا أن فعل الطاعات هو طريق التخلص من المعاصي و أن التحلية هي طريق التخلية ولذا فقد أخبر رسول الله صلَى الله عليه وسلَم عن الرجل الذي يقيم الصلاة ولا ينتهي عن المنكر أن صلاته ستنهاه يوماً.
5. من أقوى العقبات في إصلاح النفس هو الشعور باليأس من الإصلاح ، فإذا تمكن الشيطان من أن يوقع في نفس المذنب أنه لا أمل في التوبة فعندئذٍ ينتهي كل شيء .
فإياك أخي الحبيب أن تيأس من إصلاح النفس أو أن تظن أن محاولات الإقلاع المتكررة التي لم تفلح قد ذهبت سدى ، فهذا قوله تعالى يفتح الباب لنا جميعاً : " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم " ، وهذا قوله تعالى : " و الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم و من يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون "
فلا تيأس أخي من الإصلاح أبداً و اعلم أن من أدمن طرق الباب يوشك أن يفتح له و قد قال تعالى : " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ".
6. للصحبة أثر عظيم في صلاح المسلم فالصاحب ساحب و في الحديث : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " وفي قضية التدخين تحديداً يكون لصاحب السوء أثر عظيم فهو يقوم نيابة عن شيطان الجن بغواية صاحبه ، فاحذر مجالسة صاحب سوء يقدم لك السم مبتسماً و يظن أنه لك محب !!
7. إسلامنا عظيم ولكل داء في ديننا دواء .. فاستعن على أثر التدخين في الجسد بالأدوية الربانية التالية : -
1- القرآن الكريم :
قال تعالى : " و ننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً " ، وقال تعالى : " قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء " ، وقال تعالى : " يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم و شفاء لما في الصدور "
فأكثر من قراءة و سماع القرآن في كل وقت .
2- عسل النحل :
قال تعالى : " يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس "
وفي سنن ابن ماجة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكم بالشفاءين العسل و القرآن .
و قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من شرب العسل مذاباً في الماء .
3- الحجامة :
ففي صحيح البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : " الشفاء في ثلاثة : في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار و أنا أنهى أمتي عن الكي "
فالدم الملوث بأثر التدخين يحتاج إلى تجديد ليتخلص من سموم الدخان.
و أخيراً أخي الحبيب استحضر دائماً أن الموت يأتي بغتة و أن الأعمال بالخواتيم فيا لسعادة من ختمت حياته و هو في طاعة ويا لشقاوة من ختمت حياته وهو في معصية ...(33/1559)
أسأل الله عز وجل لي ولك وللمسلمين جميعاً التوفيق لكل طاعة والسلامة من كل معصية ..
ويقول مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع:
شكر الله تعالى لأخي عليّّ موسى هذه الكلمات الطيبات ، وأعلى بها قدره ، وجعلها ذخرا له عنده ، وليسمح لي بكلمات خفيفات ، عسى أن يثقل الله تعالى بها ميزاننا يوم العرض عليه .
فقد قدم أخي علي موسى بعض الأدوية الإيمانية ، وأحب أن أضيف إليها ما يلي:-
1- الإرادة لها فعل السحر ، كما يقال ، فإزالة الوهم عن الإنسان أنه لن يستطيع أن يترك التدخين ، يجعل نفسه حبيسا لهذا الوهم ، واقفا خلف قضبانه ، رضيا بحكمه عليه أنه سيبقى أسيرا لن يخرج من سجن التدخين إلى حرية الامتناع عنه ، ولذا ، فإنه يجب أن يضع المسلم في قرارة نفسه أن عشرات من الناس ، بل مئات كانوا يدخنون وقد تركوا التدخين ، فيدفعه هذا إلى شحذ نفسه أن تنجح في الإقلاع عنه ، وكم وصف الطبيب لمرضى أن يتركوا التدخين ، لأجل علاج أجسامهم ، فتركوا خوفا على تلك الأجساد ، فكان من الأولى أن يتركها المسلم خوفا على دينه الذي هو أعز عنده من الدنيا وما فيها .
2- ولعل رمضان يكون فرصة عظيمة ، وهو يكشف للإنسان نفسه ، فالمسلم الذي لم يكن يستطيع أن يمتنع عن التدخين لمدة ساعة أو ساعتين ، إذا به يترك التدخين عن حب وطاعة لله تعالى أكثر من اثنتي عشرة ساعة ، والإنسان هو هو ، لم يتغير ، ولكن رأسه وعقله وتفكيره وهمه وإرادته قد تغيرت ، واستجاب لأمر الله تعالى في رمضان ، ولكن الشرع حسب فتوى السادة المفتين حرم التدخين في رمضان وغيره ، فكان واجبا أن نمتنع عنه في كل وقت وحين ، طاعة لله رب العالمين .
3- وإن كان الإسلام قد أمر بالتداوي ، وقال صلى الله عليه وسلم :" تداووا عباد الله ، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء ، إلا الهرم" أي كبر السن ، فإن التدخين يعتبر ظاهرة ومرضا يعالج منها الناس بالذهاب إلى الأطباء المختصين ، فيجمع المسلم بين الطب الظاهر، من أخذ الحبوب أو ما يشير إليه الطبيب، ومن الطب الباطن ، وهو الخوف والخشية من الله تعالى ، والامتناع لا لشيء إلا لله .
4- وفي هذا المقام ممكن للإنسان أن يضع لنفسه خطة تمهيدية ، فإن كان قادرا على الامتناع ، فليمتنع ، أو فليقلل على الأقل مع الأخذ بالعزيمة ، ويمكن له أن يجعل المبلغ الذي يشتري به الدخان مكافأة لنفسه أن يشتري شيئا ينفع نفسه ، أو يفرج عنها بنزهة جميلة أو ما شابه ذلك .
وهناك من التجارب الجيدة في هذا المقام ، أن الإنسان يضع المبلغ الذي كان يشتري به الدخان والسجائر ، ويدخره ، وبعد مرور سنة أو يزيد تجمع عنده مال يكفي للذهاب إلى العمرة ، وزيارة بيت الله الحرام ، وقبر الرسول عليه الصلاة والسلام ، وليتخير المسلم بين ارتكاب محظور، وبين إتيان محمود ، وهو شيء تهفو إليه كل قلوب العباد .
كما ينظر المسلم إلى الضرر الذي يعود به على نفسه ، ويعود به على غيره ، وقد قال تعالى :" إن الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا(33/1560)
وإثما مبينا" ، وقد صلى الله عليه وسلم :" لا ضرر ولا ضرار" ، فلا يضر الإنسان غيره ، لأنه محاسب عليه ، كما أن التدخين إنفاق في غير محله ، وتبذير مذموم ، وليس التبذير بإنفاق الكثير أو القليل ، وإنما التبذير أن تنفق المال في غير موضعه .
5- وأنصحك أخي أن تقرأ عن أضرار التدخين كما يوضحها لنا العلماء ، فإن فيها معرفة بالفعل البشري الذي نصنعه ، ونعرف إلى أي بر يقودنا ، وأي سفينة نركبها .
6- وما أحسن اللجوء إلى الله ، فهو سبحانه الذي يعين النفس على الترك أو الفعل ، وهو الذي يقذف في قلوب عباده ما يحب لهم من الخير ، فالزم باب الله ، وابك لله ، واستعن به مع الأخذ بالأسباب ، وثق تماما أنك ستكون من الذين نجوا من السفينة الغارقة ، وأن تقوى الله هو طوق النجاة .
وهذه ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
وتابعنا بأخبارك أخي.
ويمكنك مطالعة هذا الملف فستجد فيه الخير الكثير إن شاء الله :
التدخين..سلاح دمار شامل
ـــــــــــــــــــ
بين الدعاء والرضا بالقضاء ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
جزاكم الله خيرا، و وفَّقكم لكلِّ ما يحبُّ ويرضى، أمَّا بعد، فلديَّ سؤالٌ طالما حيَّرني، ولم أجد له جواباً شافياً بعد، لذا أطمع أن أجد جوابه عند حضرتكم. سأنطلق من مثالٍ واقعيٍّ ثمَّ أعمِّم الموضوع: يبتلي الله عبده بالمرض مثلا، سأتكلَّم عن نفسي الآن، أقول إنَّني راضيةٌ بقدَر الله، ثمَّ أسمع بأنَّ العبد يجب أن يدعو ربَّه، فأفكِّر بأنِّي إذا دعوت الله بالشفاء، إمَّا أنَّني لست راضيةً بقدَر الله فعلا، أو أنَّه قد يكون المرض خيرٌ لي من الله، إمَّا تكفير ذنوبٍ أو رفع درجات.. إلخ، وهذا يعني أنِّي ربَّما أكون أسأل الله شرًّا بنفسي، فتراني بدلاً من الدعاء أستخير فأقول: يا رب إن كان في شفائي خيرٌ لي، فاشفني، وإن كان فيه شرٌّ لي، فاصرفه عنِّي، وهكذا في كلِّ الأمور الحياتيَّة الأخرى، ثمَّ أعود لأسمع بأنَّ الله لا يحبُّ الاستخارة في الدعاء، بل يرغب بالعبد الواثق من الإجابة، فأحتار في أمري. ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الأستاذ فتحي عبد الستار:
أختنا الكريمة،
أوَّلا، نسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يشفيك ويعافيك، ويجعل هذا المرض مطهرةً لك من الذنوب والآثام، وتثقيلاً لميزان حسناتك إن شاء الله.. وبعد،
موضوع الدعاء –أختنا- موضوعٌ له طبيعة خاصة، حيث إنَّه كلامٌ متوجَّهٌ به إلى الله سبحانه خالق الكون وموجده، والدعاء في حدِّ ذاته لا يفعله العبد لمجرَّد تحصيل منفعةٍ ما، أو دفع ضُرٍّ معيَّن، ولكنَّه مطلوبٌ أيضاً لذاته، فالتوجُّه بالدعاء لله عزَّ وجلَّ(33/1561)
هو قمَّة التعبير عن العبوديَّة له سبحانه وتعالى، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة"رواه الترمذيّ، وقال: حسنٌ صحيح.
وبهذا التعبير النبويُّ البليغ تُحصَر العبادة في الدعاء، وتُعَرَّف به، كيف لا والعبودية ما هي إلا السؤال الخاشع، والتذلُّل الخاضع، والاستعانة الصادقة، والاستسلام المطلَق، وكلُّ هذه المعاني يعبِّر عنها الدعاء بجلاء، والربُّ سبحانه وتعالى يحبُّ من عبده أن يدعوه، وأخبر في القرآن الكريم بذلك، وبأنَّه يجيب دعوة من دعاه: "وإذا سألك عبادي عنِّي فإنِّي قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دعان"، وقال سبحانه: "أمَّن يجيب المضطَّرَّ إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أَإلَهٌ مع الله قليلاً ما تَذَكَّرون"، وقال عزَّ من قائل: "وقال ربُّكم ادعوني أستجب لكم إنَّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنَّم داخرين"، وقال جلَّ شأنه: "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "ليس شيءٌ أكرم على الله تعالى من الدعاء"رواه الترمذيّ، وقال: حسنٌ غريب.
بل إنَّ ربَّنا عزَّ وجلَّ يغضب على العبد الذي لا يدعوه، حيث يُعتبَر تركه للدعاء استغناءً عن ربِّ الأرباب سبحانه وتعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من لم يسأل الله يغضب عليه"رواه الترمذي بسندٍ صحيح.
ومن رحمته سبحانه أنَّه جعل لعباده مواسم وأوقاتٍ تزداد فيها إجابته لدعوات عباده، ليحثَّهم ويشجِّعهم على التوجُّه له سبحانه وتعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربُّنا تبارك وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟"رواه مسلم، وغيرها الكثير من أوقات الإجابة التي بيَّنتها السنَّة المطهَّرة، مثل الدعاء بين الأذان والإقامة، وفي السجود، وحين نزول المطر.
بل انظري إلى كرم الله سبحانه حينما تسمعين قول نبيِّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله حييٌّ كريم، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردَّهما صُِفراً خائبتين"رواه الترمذيّ، وقال: حسنٌ غريب.
أمَّا أنَّ الدعاء ينفي الرضا بقضاء الله عزَّ وجلَّ وقدره، فقد ناقش هذه المسألة الإمام الغزاليُّ رحمه الله، وخلص إلى الآتي في شرحه لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "لا يردُّ القضاءَ إلا الدعاءُ"رواه الترمذيّ، وقال: حسنٌ غريب، قال: "اعلم أنَّ من جملة القضاء ردَّ البلاء بالدعاء، فالدعاءُ سببٌ لردِّ البلاء، ووجود الرحمة، كما أنَّ الترس سببٌ لدفع السلاح، والماء سببٌ لخروج النبات من الأرض؛ فكما أنَّ الترس يدفع السهم فيتدافعان، فكذلك الدعاءُ والبلاء، وليس من شرط الاعتراف بالقضاء ألا يحمل السلاح، وقد قال الله تعالى: "وليأْخذوا حذرهم وأسلحتهم"، فقدَّر الله تعالى الأمر وقدَّر سببه".
ونفهم من كلام حُجَّة الإسلام أنَّه لا تعارض بين الدعاء والقبول بقضاء الله عزَّ وجلّ، وإنَّما الدعاء قد يكون سبباً لرفع القضاء، وقد يكون سبباً في زيادة الأجر على البلاء،(33/1562)
ورفع درجات العبد عند الله عزَّ وجلّ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله إذا أحبَّ عبداً أو أراد أن يصافيه صبَّ عليه البلاء صبّا، ويحثَّه عليه حثّا، فإذا دعا قالت الملائكة وجبريل عليه السلام: يا ربّ، عبدك فلانٌ اقضِ حاجته، فيقول الله تعالى: "دعه، إنِّي أحبُّ أن أسمع صوته"، فإذا قال: يا ربّ.. قال الله تعالى: "لبَّيك عبدي وسعديك، وعزَّتي لا تدعوني بشيءٍ إلا استجبت لك، ولا تسألني شيئاً إلا أعطيتك، إمَّا أن أعجِّل لك ما سألت، وإمَّا أن أدَّخر لك عندي أفضل منه، وإمَّا أن أدفع عنك من البلاء أعظم منه"أخرجه ابن مردوَيه بسندٍ ضعيف، إلا أنَّ الحافظ العراقيَّ قال: إنَّه يتقوَّى بعدد طرقه.
وقد ذكر القرآن كيف دعا نبيُّ الله أيُّوب عليه السلام الله عزَّ وجلَّ شاكياً له من الضرِّ الذي أصابه بسبب المرض، وكيف أنَّ الله عزَّ وجلَّ أنعم عليه وشفاه، بل وأعطاه الثواب الجزيل جزاء صبره وشكره ودعائه، فلم يُنقِص الدعاء من أجره شيء، يقول عزَّ وجلّ: "وأيُّوب إذ نادى ربَّه أنِّي مسَّني الضرُّ وأنت أرحم الراحمين، فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرٍّ وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين"، ويقول سبحانه: "واذكر عبدنا أيُّوب إذ نادى ربَّه أَنِّي مسَّني الشيطان بنصبٍ وعذاب، اركض برجلك هذا مغتسلٌ باردٌ وشراب، ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمةً منَّا وذكرى لأولي الألباب، وخذ بيدك ضِغثاً فاضرب به ولا تحنث إنَّا وجدناه صابراً نعم العبد إنَّه أوَّاب".
وقد وردت عدَّة أحاديث تبيِّن أنَّ الله سبحانه وتعالى يحبُّ من عبده المريض أن يستشفيه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "..إذا مضى ثلث الليل الأوَّل هبط الله تعالى إلى السماء الدنيا، فلم يزل هناك حتى يطلع الفجر، فيقول قائل: ألا سائل يُعطَى، ألا داعٍ يجاب، ألا سقيمٌ يستشفي فيُشفَى.."رواه أحمد، ورجاله ثقات.
كما أنَّ الدعاء بالشفاء مطلوب؛ لأنَّ في الشفاء وصحَّة البدن عونٌ على الطاعة وعلى العبادة الكاملة، وعونٌ على تحصيل العلم والنفع الدنيويِّ باكتساب الرزق للعبد ولمن يعول، وقضاء حاجاته وحاجاتهم.
هذا هو الأصل، إلا أنَّ هناك استثناءً ورد في حديثٍ عن عطاء بن أبي رباحٍ قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأةً من أهل الجنَّة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: إنِّي أُصرَع، وإنِّي أتكشَّف، فادعُ الله لي، قال: "إن شئتِ صبرتِ و لك الجنَّة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيك"، فقالت: أصبر، فقالت: إنِّي أتكشَّف، فادع الله أن لا أتكشَّف، فدعا لها. متفق عليه.
وقال الإمام ابن حجر في تعليقه على الحديث: "وفي الحديث.. أنَّ الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنَّة، وأنَّ الأخذ بالشدَّة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدَّة، وفيه دليلٌ على جواز ترك التداوي، وفيه أنَّ علاج الأمراض كلِّها بالدعاء، والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير، وأنَّ تأثير ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنيَّة، ولكن إنَّما ينجع بأمرين: أحدهما من جهة العليل، وهو صدق القصد، والآخر من جهة المداوي، وهو قوَّة توجُّهه وقوَّة قلبه بالتقوى والتوكُّل".(33/1563)
والدليل على أنَّ هذا استثناءٌ لحكمةٍ يراها صلى الله عليه وسلم في شأن هذه المرأة بالذات أنَّه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرةٍ ثبت أنَّه كان يحثُّ على التداوي وطلب الشفاء، وكان صلى الله عليه وسلم يرقي المرضى ويدعو لهم بالشفاء، من هذه الأحاديث ما ورد عن أسامة بن شريك قال: قالت الأعراب: يا رسول الله، ألا نتداوى؟ قال: "نعم يا عباد الله تداوَوا، فإنَّ الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاء"رواه الترمذيّ، وقال: حسنٌ صحيح.
وقال أنس رضي الله عنه لأحد أصحابه: ألا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى، قال: "اللهمَّ ربَّ الناس، مذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، شفاءً لا يغادر سقما"رواه البخاري، وعنه أيضاً رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: إذا اشتكيتَ فضع يدك حيث تشتكي، وقل: بسم الله، أعوذ بعزَّة الله وقدرته من شرِّ ما أجد من وجعي هذا، ثمَّ ارفع يدك، ثمَّ أعد ذلك وترا"رواه الترمذيّ، وقال: حسنٌ غريب.
وختاما، نكرِّر دعاءنا لله عزَّ وجلَّ أن يشفي ويعافي أختنا وجميع مرضى المسلمين، إنَّه سبحانه وتعالى على ما يشاء قدير.
ويضيف مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع :
شكر الله تعالى لأخي فتحي، ولن أطيل في التعليق ،ولكني أحب أن أقول:
إن ابتلاء الإنسان بمرض ليس محله الاستخارة ، فالإنسان يستخير في شيء يتردد فيه ، لا يدري أين الصحة فيه من الخطأ له ، كقبول عمل أو زواج ، وما إلى ذلك ، أما المرض ، فالمطلوب من المسلم أن يطلب الله تعالى الشفاء ، لا أن يستخيره في بقائه أو شفائه ، لأن روح الشرع تدعو أن من ابتلي بمرض، فليتوجه إلى الله تعالى بالدعاء أن يرفع الله تعالى عنه البلاء، و هذا شأن أنبياء الله تعالى ، فإنهم لما ابتلوا بالمرض ، سألوا الله تعالى الشفاء ، لا استخاروه في رفعه أو بقائه.
ـــــــــــــــــــ
الحجاب لله.. لا لرمضان ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
أريد أن يكون صيامي على أفضل وجه، هل يمكنني تغطيه شعري أثناء الصيام علما بأنني لست محجبة وأخلعه بعد الإفطار؟ أم كما يقولون لي فإنه لا قيمه لما أفعله؟ ... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت الفاضلة :
نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا، ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه..آمين
أختي الكريمة :(33/1564)
من الجميل أن تخاف المسلمة على صيامها ألا يتقبل، ولكن أجمل منه أن تسعى لطاعة الله تعالى، وأن تعبد الله تعالى لا أن تعبد رمضان، ولكن أقول لك أختي : قد يكون من اليسير عليك أن ترتدي الحجاب في رمضان، فهذا عمل جيد، تثابين عليه إن شاء الله، فإن الله سبحانه لا يضيع عمل فاعل الخير، قال تعالى: (... فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ... )، وقال أيضا : (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ..)، فكل من يعمل خيرا يتقبله الله تعالى منه، ما دام خالصا له، حتى لو كان يرتكب بعض الذنوب الأخرى.
ابدئي بارتداء الحجاب في رمضان، ولا تضعي في نيتك أنك ستخلعينه، فإنك لا تدرين، فربما فتح الله عليك، ورزقك الدوام عليه، وقذف حب الحجاب في قلبك، وما ذلك على الله بعزيز، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
أختنا في الله :
أخشى عليك – أطال الله عمرك وأحسن عملك – أن يكون أجلك قد اقترب، فلماذا تقابلين الله تعالى بهذه النية، بل انو خيرا، فإن الله تعالى سييسره لك، فهو سبحانه عند ظن عبده به، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يقول الله تعالى : ( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم ، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة)، رواه البخاري و مسلم .
وأدعوك بهذه المناسبة أن تقرئي بعض ما كتب عن الحجاب، في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتعرفي : الحكمة الربانية من فرض الحجاب على المرأة المسلمة ؟، و كذا لتتعرفي على مواصفات التي يجب ان تتوفر في لباس المسلمة ؟، اقرئي بتجرد ووعي وفهم، وأنا على ثقة أنك ستحبينه وتتمسكين به في رمضان وبعد رمضان .
إن تشريع الله تعالى لنا رحمة، فهو سبحانه أرحم بنا من أنفسنا، ولكل تشريع حكمة علمها من علمها وجهلها من جهلها، وما يحرم الله تعالى علينا شيئا إلا لما فيه من الضرر علينا، فيجب علينا ان نحسن الظن بالله، فهو سبحانه أرحم بنا من أنفسنا.
أختي الكريمة :
إن شهر رمضان فرصة للعودة إلى الله بتوبة صادقة، وأخشى أن تكون نيتك في خلع الحجاب بعد رمضان مانعة من خير يسوقه الله تعالى إليك، فتذكري أنك ستقفين أمامه، وأنه سيسألك عن كل صغيرة وكبيرة، فماذا أنت قائلة له؟، ستجدين كل أعمالك مسجلة في كتابك، فأخشى أن تندمي. فلا تكوني كمن يأتون يقوم القيامة يقولون : (يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )، فانو ارتداء الحجاب، حتى لو خلعته بعد رمضان، لكن اجعلي أصل النية أنك سترتدينه لله، لا من أجل بشر ولا من أجل شهر، لا خوفا من نظرة الناس، ولكن طاعة لله، فأنت أمة من إماء الله، وهو الذي(33/1565)
خلقك ورزقك وأكرمك بطاعته، فأطيعي سيدك ومولاك، ولا تطيعي خدمه وعبيده ومخلوقاته .
أختنا الفاضلة :
أطيعي مولاك الذي يحب لك الخير، ويرزقك دائما بكل خير، ساعتها لن تهابي أحدا من البشر، لأنك خفت الله، ومن خاف الله، رزقه الله تعالى الأمن في حياته وبعد مماته .
ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك هذه النية الصالحة من ارتداء الحجاب في رمضان، واعلمي أن هذا عمل يفرح الله تعالى به، ولكن فرحي الله في رمضان وفي غير رمضان، وانو أن تكون ملتزمة بأوامر الله، يوفقك الله تعالى في الدنيا والآخرة.
ـــــــــــــــــــ
كيف أغير نفسي في رمضان ؟ ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
أنا مسلم بسيط، أريد أن أغير شيئا في حياتي، ورمضان على الأبواب، فما هي الأشياء التي يجب أن أقوم بها في رمضان؟ ... السؤال
الأستاذ فتحي عبد الستار ... المستشار
... ... الرد ...
...
... بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد ..
الأخ الحبيب / حسين
لقد شعرت بالصدق في كلماتك رغم قلتها وبساطتها، فأسأل الله عز وجل أن يبارك فيك، وأن يثيبك على نيتك الصالحة هذه خيرا، وأن يرزقنا وإياك طاعته وحسن عبادته .
ورمضان هو نفحة من نفحات الله عز وجل التي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالتعرض لها واستثمارها، وهو فرصة كما قلت أخي للتغيير إلى الأفضل. ومجالات التغيير التي يجب أن يعنى بها العبد تنحصر في علاقته بربه، ونفسه، وأهله، والناس من حوله على اختلافهم .
وكل مجال من هذه المجالات يحتاج إلى مكاشفة ومصارحة مع النفس، للوقوف على عيوبها ومثالبها، ومن ثم البدء في علاج تلك العيوب والتخلص منها، والاستزادة من خصال الخير.
ولا شك أن هذا يحتاج منك إلى صبر ومجاهدة، فلن تتخلص من عيوبك كلها مرة واحدة، ولن تتغير من النقيض إلى النقيض في لمح البصر، أو في خلال أيام معدودة، ولكن أبشر بتأييد الله عز وجل لك: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
وأنصحك أخي بالآتي : -
1- اصطحب نيتك الصالحة هذه معك طوال أيام الشهر الكريم، فضعها نصب عينيك دائما، وذكِّر نفسك بها، وحبذا لو كتبت عبارة (سأغير نفسي في رمضان) على لوحة، وعلقتها في مكان ظاهر في البيت أو في العمل، لتتذكرها، وتذكر غيرك بها.(33/1566)
2- جهز لنفسك خطة تسير عليها خلال شهر رمضان، تراعي فيها التغيير والإصلاح في كل المجالات التي ذكرتها.
3- في مجال إصلاح العلاقة مع الله عز وجل، انظر لتقصيرك في عبادته سبحانه، واجبر هذا التقصير، فإن كان في الصلاة فعاهد الله عز وجل على أن تحافظ على الصلوات في أوقاتها، وإن كنت مرتكبا لذنب فعاهد ربك على الإقلاع عنه والتوبة النصوح منه، فتحول بذلك من المعصية إلى الطاعة.
4- وفي مجال الأهل، انظر كيف كنت تعامل والديك وإخوتك وذوي أرحامك وباقي أهلك، فتحول من العقوق إلى البر، ومن القطيعة إلى الصلة، ومن سوء العشرة إلى حسنها.
5- وفي مجال الناس، راجع علاقاتك مع جيرانك، وزملائك، ومع إخوانك وأصدقائك، فتحول من الإيذاء إلى الإحسان، ومن الحقد إلى التسامح والعفو، ومن الحسد إلى حب الخير للناس.
6- وفي مجال النفس، احصر عيوبها الدفينة، واسع إلى علاجها، لتتحول من الكبر إلى التواضع، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن النقمة إلى الرضا.
وهكذا أخي الحبيب .. حتى تخرج من هذا الشهر الكريم، وقد منَّ الله عز وجل عليك بفضله، وتحولت نفسك، وتغيرت إلى الأفضل في كل المجالات، وأذكرك بأن هذا يحتاج إلى صبر ومجاهدة .
ومن المهم أخي ألا يتوقف، بعد رمضان، حرصك على إصلاح نفسك وتهذيبها وتحسين علاقتها مع الله ومع الناس، بل يجب أن يستمر هذا بعد انقضاء شهر رمضان، فرب رمضان، هو رب شوال، وهو رب المحرم، وهو رب الشهور كلها، وما رمضان إلا محطة وقود يتزود منها العبد لباقي الشهور، فلا تكن من عبَاد رمضان، ولكن كن من عبَاد الله عز وجل، فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان شهر يولي وينقضي، ومن كان يعبد الله فإن الله حي باق لا يموت، وإليه سبحانه المرجع والمصير.
وفقنا الله وإياك لطاعته وحسن عبادته، ومرحبا بك دائما .
ـــــــــــــــــــ
ينفر الخطاب مني والسحر متهم ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أنا فتاة محجبة ومحترمة، مشكلتي تكمن في أنه يتقدم لي عرسان كثيرون لكن بمجرد أن تصبح الأمور رسمية ينصرف الكل دون معرفة السبب، وقد حدث هذا معي مرارا، وآخره منذ أسبوعين، جاءت عندي صديقتي وقالت لي إن أخا زوجها يريد التقدم لخطبتي، وبما أنه شخص على خلق فقد وافقت، وكان من المفترض أن يأتي هذا الأسبوع لكنه عاد من حيث أتى دون مبرر. وقبله جاءني آخرون وبمجرد أن تصبح الأمور رسمية تصبح كالسراب. وقد شككت في العديد من الأمور أهمها السحر، فأسالكم - جزاكم الله خيرا - هل ممكن أن يكون للسحر علاقة بالأمر؟، خاصة وأنني على خلق وسمعتي طيبة، وليس هناك مبرر(33/1567)
للإلغاء، وقد حدث تكرر هذا أكثر من 10 مرات. أتمنى أن يصلني جوابكم على بريدي الإلكتروني. جزاكم الله خيرا ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
يقول الأستاذ محمد سعدي الباحث الشرعي بالموقع:
قبل أن ندخل في الإجابة نرشد أولياء الأمور أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان توجيهه لأهل المرأة أنه "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" رواه الترمذي وابن ماجه، وفي هذا دليل على استحباب تزويج صاحب الدين والخلق، وإن كان قليل المال أو الجمال أو الحسب.
وحذَّر المصطفى صلى الله عليه وسلم من الفساد العريض الذي يترتب على التعنت في تزويج أهل الصلاح والاستقامة، ويدخل في هذا الفساد العريض كل من منع الفتاة والفتى من الزواج إن كانا من أهل الصلاح سواء أكان ولياً أو غيره.
فعلى المرأة وأوليائها أن يوطنوا أنفسهم على قبول صاحب الدين والخلق مهما كان ماله أو جماله أو حسبه.
ومن أكبر العوائق التي تعرقل الزواج في العصر الحديث غلاء المهور، حيث ارتفعت المهور بصورة جعلت الشباب يعرض عن الزواج، وأيضا كثرة الأعباء المالية التي تلقى على عاتق الرجل، حيث يطلب منه أهل الفتاة أشياء كثيرة أغلبها من الكماليات وهو ما يتسبب في إرهاق الرجل ومن ثم هروبه .
أما إذا لم يجد الأشياء التي تجعله يهرب، ووجد من أهل البيت إحساناً وتقديرا ومعونة فإنه يستمر بإذن الله . وكما قال الشاعر: ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا
فعليكم بإظهار الإحسان للمتقدم مع عدم إرهاقه بالأمور المادية الكبيرة وستسير الأمور بإذن الله.
أيتها السائلة الكريمة :
مما لا شك فيه أن كل شيء في هذا الكون مكتوب عند الله، حيث يقول تعالى موضحا هذه الحقيقة لعباده في كتابه الكريم : { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير}. (سورة الحديد: 22).
وهذا العلم من الله يستوعب كل الأشياء، والإحصاء الدقيق، والتسجيل الشامل للأشياء والأحداث قبل وقوعها، وهذا القدر فيه كل شيء يمر به الإنسان في حياته رزقه.. زواجه.. تعليمه.. أين يسافر؟ ومتى؟ ومن يقابل؟ ، إلخ من الأشياء التي يمر بها الإنسان في هذه الدنيا ، والذي قدره الله على عباده لا محالة كائن وواقع، والدعاء والإخلاص فيه من الأشياء التي يغير الله بها القدر يقول تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) فقدر الله أمران :
أمر يجوز أن يغير وأن يبدل، وهذا الذي ينفع فيه الدعاء، وقدر لا يغير و لا يبدل، فإن كان ما قدره الله مما يغير فإن الدعاء ينفع فيه.(33/1568)
وفي جميع الأحوال على الإنسان أن يأخذ بالدعاء ويجتهد فيه لأن القدر أمر مغيب مستور عنا، فهو لا يعلم الذي هو فيه من القدر الذي يغير أو لا ، فعلى هذا ليس له إلا الدعاء . من هذا تعلمي أيتها الأخت السائلة أن زواج الرجل بالمرأة مقدر ومكتوب من الأزل لأن كل شيء عند الله مقيد ومكتوب.
وإذا كنت تخشين من السحر، فالسحر أيتها الأخت الكريمة حقيقة واقعة، ولكنه ليس السبب الوحيد لهروب الخطَّاب، وقد حدثتك عن بعض هذه الأسباب ومن أهمها المشاكل الاقتصادية، ومع هذا فهو مؤثر، ولكن بإذن الله تعالى وحده، وبقدره، والسحر لا يعدو أن يكون داء، وما من داء إلا له دواء، ولا مانع أن يصاب به من يحافظ على الصلاة وقراءة القرآن، فقد أصيب به النبي صلى الله عليه وسلم لما سحره اليهود، ولكن كان أثره ضعيفا جدا، وسرعان ما تم علاجه بالقرآن، بقراءة المعوذتين، كما ورد في البخاري .
نعم يؤثر السحر في قرار الفتاة المخطوبة، بل وفى قرار أهلها أحيانا، وقد يؤثر في الخاطب أيضا ويؤثر في قراره، وقد يعمل السحر بقصد تعطيل الزواج عن طريق رفض كل من يتقدم للخطبة خاصة بعد القبول في بادئ الأمر ثم الرفض المفاجئ غير المبرر . وقد قال الله تعالى في الحديث عن السحر :( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله).
وأفضل الحلول لعلاج مشكلة السحر إن كانت واقعة حقا أو متوهمة هو اللجوء إلى الله تعالى، وقد جعل الله القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين، قال تعالى: ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين).
وهناك وسائل شرعية وتدابير وقائية يقوم بها من خاف السحر، وهي لا تختلف كثيرا عمن أصيب بالسحر، وخير ما يتحصن به المرء في هذه الدنيا هو أن يستعيذ بالله تعالى، ويكثر من قراءة القرآن الكريم، وقد صدق الله حين قال: { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً } .
فعليك أيتها الأخت المؤمنة بالوسائل الشرعية للوقاية من السحر . واحذري من استخدام المنجمين لحل أزمة الزواج .
وفي خضم هذا كله عليك أن تعلمي أن معنى العبودية لله أن يرضى المسلم بقضاء الله، وأن يرضى بمجريات القدر، وأن يلجأ إلى الله بالدعاء، وليعلم أن أمر المؤمن كله خير، وأن الزواج رزق من الله، و من يتوكل على الله فهو حسبه ويرزقه من حيث لا يحتسب .
فما أفضل اللجوء إلى الله وما أحوج المهمومين والمكروبين أن يتضرعوا إلى الله عز وجل، وعليك بالأدعية التي ترفع الغم عن المسلم، ومنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله:
( اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك ... ) ، والمرأة تقول : ( اللهم إني أمتك بنت عبدك بنت أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك اللهم بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلفك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي )(33/1569)
ولا تنسي أن تترفقي بمن أتاك للزواج وأن تعينيه على أمره، واعلمي أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم تخفيف المهور والتيسير على من أراد الزواج، وقد زوَّج الرسول صلى الله عليه وسلم رجلا من الصحابة على خاتم من حديد، كما زوج النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فقيرا بما معه من القرآن.
و تزوج رجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم امرأة على نعلين فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه ففي سنن ابن ماجة أن رجلا من بني فزارة تزوج، على نعلين. فأجاز النَّبِيّ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم نكاحه.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياك السعادة في الدارين إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والله أعلم .
ويضيف أ.مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع :
أشكر أخي الأستاذ محمد سعدي على هذا الرد الواعي، وأستأذنه أن أشاركه الأجر، وأستعين بالله فأقول : -
الأخت الفاضلة/ أماني
اسمحي لي أن أقول: إن هذه المسألة أخذت حيزا كبيرا من حياة المسلمين، وحسب تقديري فأن علاج هذه المشكلة يكمن في العقيدة الصحيحة، وأن يرد الأمر إلى نصابه؛ فالله تعالى هو المتصرف الوحيد في هذا الكون، وأنه لا يحدث في كونه شيء إلا بعلمه، وأن المخلوقات جميعا لا تملك لنفسها شيئا؛ فالناس لا تملك لأنفسها ضرا ولا نفعا، ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا، وقد قال الله تعالى على لسان رسوله "قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا".
لا يستطيع أحد أن ينكر السحر، لأنه حقيقة أثبتها القرآن الكريم "إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى"، "وسحروا أعينهم"، "وجاءوا بسحر عظيم"، "يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى"، "واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله".
غير أن كثيرا من الناس أوصلوا السحرة إلى درجة تقارب درجة الألوهية، ونسوا أن السحر قرين الكفر، وأنه لا يضر إنسانا إلا بإذن الله، وأن السحرة لا يملكون من الأمر شيئا، وأن الإنسان المسلم محفوظ بحفظ الله تعالى، كما قال سبحانه: "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله".
وقد أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم أن من قرأ آية الكرسي قبل أن ينام ما زال عليه حافظ من الله حتى يستيقظ.
ولكن الناس ألهوا أنفسهم بهذه الأمور، حتى فسروا ما يزيد على تسعين بالمائة من مشاكلهم على أنها نوع من السحر، وأن المرأة لا تتزوج، لأنها مسحورة، وأن الرجل لا يتزوج لأنه مسحور، وأن الإنسان لا يعمل لأنه مسحور، وأن الطالب رسب، لأنه مسحور، وأن الصفقات لا تتم لأن هناك سحرا، فجعلنا أنفسنا نعيش سحرا في سحر،(33/1570)
وهذا نوع من الخبل والخلل في العقيدة؛ لأن المصرف للأمور إنما هو الله تعالى، وأن الملك الذي نعيش فيه إنما هو ملك الله، وأن الكل خلقه وعبيده.
إن كثيرا من الناس يلجأ لهذا التفسير السحري كنوع من الهروب من الواقع، أو لأنه يجد نفسا عاجزا عن تحقيق شيء فيوهم نفسه وغيره أنه مسحور، وأنه مغلوب على أمره، وهو بهذا يلغي قانون السببية الذي أقام الله تعالى كثيرا من أمور الكون عليه، وأن الله تعالى في قرآنه كان دائم الربط بين النتيجة والسبب، مع الإشارة أنه لا يخفى عليه شيء.
إن كثيرا من غير المسلمين يعيشون حياتهم كما يجب أن يعيش بنو آدم، يجعلون النجاح قرين الاجتهاد والعمل، ويجعلون الفشل قرين الفشل، وهم بهذا يطبقون عقيدة الإسلام دون أن يؤمنوا بها، ونحن نؤمن بها دون أن نطبقها.
أختي الكريمة :
اعلمي أن الرزق والزواج من الله، وهذا كلام نقوله، ولكن يجب أن نؤمن به في نفوسنا، ولو كنا نعود لدستورنا وكلام ربنا، لما وقعنا فيما نقع فيه، فالله تعالى يقول : "أمًن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه؟ بل لجو في عتو ونفور". وقوله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين".
وأنصحك يا أختي بالآتي :-
1- تصحيح العقيدة، وسلامة الإيمان، من أن المدبر للكون إنما هو الله، وليس خلقا من خلقه.
2- أن نخرج أنفسنا من هذا الوهم، وأن نعيش حياتنا كما يعيش غيرنا، فلماذا نعيش دائما في تعاسة ونكد وهم وحزن، والناس تتسابق أن تعيش حياتها سعيدة، وهي تفعل دورها في الحياة لتسعد أنفسها، ومع كوننا عندنا ما يسعدنا في حياتنا وآخرتنا، ولكن نرقع دنيانا بتمزيق ديننا، فلا الدين يبقى ولا ما نرقع.
3- أن نكون إيجابيين في حياة، وأن نواجه مشاكلنا، فمن هذا الذي ليس عنده مشاكل، إن أي سلوك بشري يعتريه ضعف، كما يكون فيه القوة، وهذه طبيعة الحياة، وليس فشل زواج، أو رسوب في الدراسة نهاية العالم، ولكن يجب أن نواجه هذا بالاستعانة بالله، وبالتفكير الجيد، والتخطيط للمستقبل، وكيف نتغلب على هذا فيما بعد.
4-أن نحسن صلتنا بالله تعالى، فكم من الأمور العسيرة تيسرت بأمره، وكم من الهموم زالت بدعاء له، وكم من الأحزان قلبت فرحا حين تعلقنا به، فالإيمان يجعل المسلم كالجبل الراسخ، والنخلة الباسقة، والشجر الطيب، لا أن يكون خفيفا تهوي به الريح في مكان سحيق.
5-أن نفهم توحيد الله على الوجه الصحيح، وأن نفهمه غيرنا، وأن نحارب معا هذا الخلل العقدي، والجهل الفكري، لأننا في سفينة واحدة، إن سكت بعضنا عن هذا الخلل، نكاد نغرق جميعا، وإن أخذنا بأيدنا نجونا جمعيا .
6- إن كان هناك سحر، فليس له علاج أنجع من التذلل على عتبات الله، والتزام الخوف من الله لا من الجن ولا غيره، والإيمان أن خلق الله ضعيف، وأن القوة لله(33/1571)
جميعا، وأن تعمير القلب بالإيمان يجعله حصنا منيعا لا يكاد يقربه شيء يهدده، وأنه ما تقرب عبد إلى الله بشيء أحب إليه من كلامه .
أختنا في الله، عودي إلى الله، وخذي بالأسباب، وأصلحي ما بينك وبين ربك، يصلح الله تعالى لك كل شيء. وتتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
اثنتا عشرة وسيلة للخشوع في الصلاة ... العنوان
العبادات ... الموضوع
أستاذي الفاضل، أشكركم جزيل الشكر على خدماتكم المتنوعة في الموقع وأتمنى أن يظهر قريبا في الموقع قسم (الرد على شبهات الكفار). لدي مشكلة في صلاتي، وأحس أن الله تعالى لا يتقبلها مني؛ فعند الصلاة أفكاري تطير هنا وهناك، وأفكر في البيت والأولاد والعمل والزوج، بالرغم من أنني أستعيذ كثيرا من الشيطان الرجيم، وكثيرا ما أؤخر صلاتي لحين الانتهاء من بعض الأعمال .. أرجو منك سيدي الفاضل تقديم النصيحة أيضا بخصوص الخشوع في الصلاة وما يساعد على ذلك. وكل عام وأنتم بخير بمناسبة قدوم الشهر الفضيل . ... السؤال
الأستاذ فتحي عبد الستار ... المستشار
... ... الرد ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
الأخت الفاضلة / حنين
نشكرك على ثنائك الحسن، وثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ومنك صالح الأعمال، وبعد:
إن الخشوع في الصلاة هو من صفات المؤمنين اللازمة حيث قال عز وجل: {قد أفلح المؤمنون . الذين هم في صلاتهم خاشعون} فأول صفة ذكرها الله عز وجل من صفات المؤمنين هي الخشوع في الصلاة، حيث يعبر الخشوع عن نقاء قلب العبد وتفريغه مما سوى الله عز وجل.
ويحصل الخشوع في الصلاة بأسباب كثيرة، نذكر منها:
1- الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها، وذلك بترقب موعدها، وترديد الأذان مع المؤذن، والدعاء المأثور بعده، وإسباغ الوضوء.
2- الابتعاد عن المعاصي؛ فالمعصية تشتت القلب وتنزع منه الطمأنينة والإقبال على الله.
3- التخلص من كل ما يشتت الذهن أثناء الصلاة، فلا تصلي وأنت جائعة أو وأنت تريدين قضاء حاجتك، أو وأنت مثلا تاركة شيئا على الموقد أو طفلك في مكان غير آمن... إلخ.
4- الصلاة في الجماعة تساعد على الخشوع.
5- المعرفة بأحكام الصلاة وآدابها وسننها.
6- إن كنت تصلين في البيت فاتخذي لك مكانا تصلين فيه بعيدا عن الضوضاء وحديث الناس وصوت المذياع أو التلفاز.(33/1572)
7- النظر إلى موضع السجود وعدم التلفت.
8- التدبر في معاني الآيات التي تقرئينها. وكذلك الأذكار والتسابيح والتكبيرات.
9- استشعار نظر الله عز وجل إليك وأنت تصلين.
10- التأمل في أعمال الصلاة كالركوع والسجود واستشعار عظمة الله عز وجل أثناء القيام بها ومدلولاتها القلبية.
11- استشعار أن هذه الصلاة من الممكن أن تكون آخر صلاة، فقد يأتي الموت بعدها.
12- الحرص على أدعية الاستفتاح والاستعاذة في بداية الصلاة.
أختي الكريمة، كانت تلك بعض الأسباب التي تعين على الخشوع في الصلاة، أسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياك الخشوع والإخبات لله عز وجل.
ـــــــــــــــــــ
لقبول الدعاء شروط وآداب ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
السلام عليكم أريد منكم إعطائي نص الدعاء الذي إذا دعوناالله به استجاب لنا، وقد أمرنا الرسول بألا نعطيه لكافر أو فاسق، لأنه إذا دعا به سيستجاب له ؟ ... السؤال
الأستاذ فتحي عبد الستار ... المستشار
... ... الرد ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
أخي العزيز محمد
قال ابن عباس رضي الله عنه: تليت هذه الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا)، فقام سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه- وهو خال النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي يحبه حبا شديدا- فقال يا رسول الله : " ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة "- وكان بوسع النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفع يديه الشريفتين إلى الله عز وجل ويقول : اللهم اجعل خالي سعدا مستجاب الدعوة، ولكنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يعلم سعدا ويعلمنا ويعلم الأمة كلها درسا- فقال له: "يا سعد، أطب مطعمك تستجب دعوتك، والذي نفسي بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما، و أيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به".
إذن فإجابة الدعاء ليست متوقفة على ألفاظ الدعاء وعباراته، بقدر ما هي متوقفة على القلب الذي يخرج منه هذا الدعاء، مم تغذى؟ وبم امتلأ ؟
والدعاء أخي الحبيب له شروط وآداب، فمن شروطه :
1- التوبة وتطهير الباطن : فقد قيل للحسن : ما لنا ندعو الله فلا يستجيب لنا ؟ فقال : " دعاكم فلم تستجيبوا له ".
2- حضور القلب: فالله عز وجل لا يقبل دعاء من قلب لاهٍ. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إني لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء".
3- الافتقار وإظهار المذلة بين يدي الله .(33/1573)
4- العزم في الدعاء: حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإنه لا مكره له" .
5- عدم الاستعجال، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يستجيب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت ربي فلم يستجب لي".
6- عدم الدعاء بشر: فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم". وأذكر في هذا السياق قول ابن عطاء الله: "لا يكن تأخر أمر الإجابة مع الإلحاح في الدعاء من موجبات يأسك، فإنه يستجيب لك في الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد، وبالشكل الذي يريد، لا بالشكل الذي تريد".
7- طلب الحلال: للحديث الذي ذكرته في أول كلامين ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا}، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم}، ثم ذكر صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، ويقول: يا رب، ومطعمه حرام ومشربه من حرام وملبسه من حرام وغُذي بالحرام، فأنى يستجاب له".
ومن آداب الدعاء :
1- استقبال القبلة ورفع اليدين عند الدعاء .
2- ابتداء الدعاء وانتهاؤه بالثناء على الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد دخل رجل يصلي فقال: "اللهم اغفري وارحمني فقال صلى الله عليه وسلم: عجلت أيها المصلي. إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصل علي ثم ادعه". وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: "من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأله حاجته، ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما.
3- تحري أوقات الإجابة: كيوم الجمعة، وليلة القدر، والثلث الأخير من الليل، وحين يصعد الخطيب على المنبر، وبين الآذان والإقامة، وقبل الإفطار للصائم.
4- خفض الصوت: فقد قال تعالى: "ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين"، وقيل يا رسول الله: آلله بعيد فنناديه أم قريب فنناجيه؟ فأنزل الله تعالى قوله: {وإذا سألك عبادي عني فإن قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}.
5- تجنب التكلف في الدعاء : كحفظ العبارات المسجوعة والإطالة في الدعاء، والأولى أن يكون من القلب وبالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا تقول؟ قال: أسأل الله الجنة، وأستعيذ به من النار، فقال صلى الله عليه وسلم: "حولهما ندندن".
وأخيرا أخي :
يقول أنس رضي الله عنه: دعا رجل فقال: "اللهم إني أسألك، بأن لك الحمد لا إله إلا أنت، بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام يا حي يا قيوم"، فقال النبي صلى(33/1574)
الله عليه وسلم: أتدرون بما دعا هذا ؟ قالوا الله ورسوله أعلم : قال: "والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى". فهذا ما تسأل عنه مع وضعه في سياقه، أي باكتمال الشروط والآداب المذكورة . ولا تنسنا في دعائك. وفقك الله.
ـــــــــــــــــــ
تخشى الصلاة بالجامعة.. اعتزي بإسلامك ... العنوان
العبادات ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا فتاة أعيش في أوربا، متحجبة، كنت خلال الفترة الثانوية أذهب إلى المدرسة بالحجاب، وأشعر بفخر شديد وأنا أتجول في المدرسة بالحجاب والجميع يلتفت إلي، وبما أني أول طالبة محجبة في تلك المدرسة فكان المعلمون والطلاب يسألونني دائما عن الإسلام وعن الحجاب وكنت أجيبهم بكل سرور. وعندما أنهيت المرحلة الثانوية وتسلمنا شهاداتنا أثنى علي أستاذي قائلا: إنها تجربة رائعة أن يكون للفتيات طالبة محجبة في مدرستهم، وإنهم هم أيضا تعلموا الكثير مني و.. . المهم أنني انتقلت بعدها إلى الجامعة، وكنت أول محجبة في تلك الجامعة أيضا، ولكن النظرات والأسئلة المتعددة لم تعد غريبة عليَ ولا تزعجني بل أقبلها بكل سرور. المشكلة تكمن في الصلاة : فجامعتي بعيدة جدا عن مسكني، والنهار قصير هنا، لذلك علي أن أؤدي صلواتي في الجامعة إن لم أكن أريد تفويتها، ولكن تحمل نظراتهم لي وأنا أصلي كان أصعب بكثير من تحمل نظراتهم لحجابي، فأنا أرتبك كثيرا عندما يحدق أحدهم بي وأنا أصلي وأفقد خشوعي بالكامل، وكثيرا ما أجمع ظهرا وعصرا ومغربا وعشاء في البيت إذا لم أجد مكانا متخفيا أصلي فيه مما جعلني أشعر بالذنب وعدم الراحة دائما. هل لكم أن تنصحوني؟ كيف لي أن أتغلب على هذه العقدة ؟ ولماذا كان أمر الصلاة أصعب من أمر الحجاب بالرغم من أن الصلاة لا تتجاوز بضع دقائق والحجاب طول اليوم؟ وجزاكم الله عنا كل خير. ... السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أختنا في الله/ سمية..
سلام الله عليك ورحمته وبركاته.. وبعد
هنيئا لك التزامك بالحجاب وحرصك على الصلاة رغم أنك تعيشين في إحدى بلدان أوربا، وأسأل الله العظيم أن يتقبل منك هذه الأعمال وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.. آمين.
كما يطيب لي أن أعرب لك عن السعادة الغامرة التي تملكتني وأنا أقرأ استشارتك، وحق عليك أن تحمدي الله وأن تشكريه أن منَّ عليك بارتداء الحجاب، بل وجعلك أول من ترتديه في مدرستك الثانوية ثم في الجامعة، فأنت بهذا من أهل السبق، ونسأل الله أن تكوني من أهل الصدق إذ (ليس الفضل لمن سبق إنما الفضل لمن صدق).(33/1575)
وإذا كنت تشعرين بالفخر الشديد وأنت تتجولين في المدرسة وأنت ترتدين الحجاب والجميع يلتفت إليك، وإذا كان المعلمون والطلاب يسألونك عن الإسلام وعن الحجاب وأنت تجيبينهم، فإن هذا من فضل الله عليك، وتلك عاجل بشرى المؤمن، وهو أمر طبيعي أن يسألونك عن الإسلام لكونك أول من ترتدي الحجاب بالمدرسة، أما عن الإخلاص والصدق فأنت فقط دون غيرك من تستطيعين أن تحددي مدى إخلاصك وصدقك لأن هذا من الأمور التي لا يعلمها غير الله سبحانه وتعالى.
غير أني أود هنا أن أنبه إلى أمر مهم وهو "تلبيس إبليس"، فإن من تلبيس إبليس على العبد المؤمن، إن لم يستطع أن يثنيه عن فعل الخير، أن يلبس عليه في مسألة الإخلاص والقصد من وراء العمل، بأن يثير التساؤلات والشكوك بداخله فيقول له: هل أنت فعلا قصدت بعملك هذا وجه الله؟ ألم تفعل ذلك ليقول الناس عنك أنك فعلت؟ ربما تكون فعلته لله ولكن ما المانع أن تسمع مديح الناس لك وثناءهم عليك وأن تسعد بذلك؟، ... إلخ مثل هذه التلبيسات.
والحق أن الإخلاص في العمل، وابتغاء وجه الله من كل ما يقوله المرء أو ما يفعله أو ما يقره، أمر ضروري لا بد منه لقبول العمل، قال تعالى: (... فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)، غير أن العبد وهو يهرب من الشرك عليه أن يحذر أن يقع في الرياء، قال الفضل بن عياض: (العمل من أجل الناس شرك، وترك العمل من أجل الناس رياء، والإخلاص أن يعافيك الله منهما)، وقال غيره: (من ترك العمل خوفا من الرياء فقد ترك الإخلاص والعمل).
والعبد المخلص حقا هو من يقول ما يقول أو يفعل ما يفعل ابتغاء وجه الله، غير عابئ بنظرة الناس إليه، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "إني أعمل العمل أبتغي به الأجر من الله ولا شيء غير ذلك، لكنني أسمع ثناء الناس في ظهري، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "تلك عاجل بشرى المؤمن"، فلا تستسلمي لهواجس الشيطان وتلبيس إبليس ليثنيك ويقعدك عن فعل الخير، استمري في عملك غير عابئة بنظرات الناس، وأخلصي نيتك لله عز وجل، وأكثري من الاستغفار بعد كل عمل، واسأليه القبول.
وأما بخصوص مشكلة "الصلاة"، فأقول لك:
أدِّي صلاتك في الجامعة -طالما كان ذلك ميسورا لك– ولا تعبئي بنظراتهم لك، فإنها في الغالب نظرات انبهار لهذا الشيء الجديد الذي لا يعرفونه، وربما كانت نظرات إعجاب وتقدير، وأود أن أذكرك بأنه باستطاعتك أن تنوي بعملك هذا (الدعوة إلى الله)، فما المانع أن تصلي ليتعلموا منك وليسألوك عن هذه العبادة فتبينين لهم أنها الصلاة، وأنها صلة بين العبد وربه، وأنها رمز إلى الإقرار والاستسلام للخالق البارئ سبحانه وتعالى، وأنها تؤدى شكرا لله أن خلقنا ورزقنا النعم الكثيرة.
وختاما؛
أنصحك يا أخت سمية بالآتي:
1- جددي نيتك من حجابك وصلاتك، اجعليها لله عز وجل، واقصدي بها تبليغ دعوة الله.
2- اعتزي بإسلامك وحجابك وصلاتك ولا تخفينهم، فلله العزة ولرسوله وللمؤمنين.(33/1576)
3- استغلي هذه المساحة المتاحة من الحرية في المدرسة والجامعة والبلد الذي تقيمين فيه –سويسرا- في إظهار تعاليم الإسلام، وأوامره.
4- أوصيك بحسن الخلق في التعامل مع الناس، والصبر عليهم، قال تعالى: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ،إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).
5- ساهمي في تحسين صورة المسلمين في بلاد أوربا، ليضع الناس عنهم المخاوف التي يسببها غير الفاهمين للإسلام، الذين يضرون أكثر مما ينفعون، ويهدمون أكثر مما يبنون، قدمي للناس الإسلام – أشهى طعام – في أجمل طبق، دعيهم يتعلقون بالإسلام ويحبونه ويقبلون عليه.
6- اعلمي أن صعوبة الصلاة تأتي من كونها عبادة بين العبد وربه، يمكن أن يؤديها المسلم دون أن يعلم بها كثير من أصحابة وزملائه، أما الحجاب فهو فريضة ظاهرة على كل مسلمة بالغة، وهي بطبيعتها مكشوفة لكل الناس، لكن لا عليك من الناس، وعليك برب الناس، أخلصي له العمل، واستمري في فعل الخير ولا يثنيك عن ذلك نظرة إنسان أو وسوسة شيطان.
وفقك الله لما يحب ويرضى وجعلك من عباده المخبتين، وتقبل منا ومنك صالح الأعمال والأقوال ورزقنا وإياك الإخلاص في القول والصدق في العمل.. آمين يا رب العالمين.. وتابعينا بأخبارك .
ـــــــــــــــــــ
ميلاد الرضا في النفوس ..ثلاث قواعد هامة ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
سؤال للدكتور الفاضل كمال المصري: كيف أتعلم الرضا بما يأتيني؟.. حاولت كثيرا ولم أنجح. وتحية خاصة لك يا دكتور من كثير من الذين تعلموا منك. ... السؤال
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أختي الكريمة آمال..
أشكرك على تحيتك، وأسأل الله تعالى لي ولك الخير، وأن يجعلنا سبحانه دومًا مفاتيح خير، وأن نكون هادين مهديين، وأن يرزقنا جل شأنه أن نؤدي زكاة ما علَّمنا إياه جل وعلا.. اللهم آمين.
مسألة الرضا يا أختي من المسائل الصعبة والبسيطة في الوقت ذاته.
وقبل الدخول في التفاصيل عليَّ أن أوضح أن الرضا ليس معناه قبول التقصير أو نتائج التقصير.
هذه مسألة مهمة وأساسية، كثيرا ما يخطئ المرء في حق الله تعالى ثم لما يصيبه شيء يقول هذا ابتلاء وعليَّ الرضا بما جاءني، المسألة ليست هكذا، ما أصاب المرء نتيجة تقصيره ما هو إلا نتاج تقصيره وعقابه على ذلك، الرضا هنا يحمل معنى تعلم الدرس وعدم الخطأ في حق الله تعالى، وليس معناه اعتبار العقوبة نوعا من أنواع قضاء الله تعالى فنرضى بها.(33/1577)
هذه قضية مهمة وأساسية، وأرى ضرورة مراجعة الاستشارة التالية إذ فيها تفريق بين ابتلاء المعصية وابتلاء التمحيص:
متى نصر الله ؟
أما الرضا الذي نتحدث عنه فهو أن يكون الإنسان طائعًا لربه سبحانه ثم يجد شيئا لا يرضيه أو يعود عليه بغير ما تمنى دون تقصير منه أو خطأ. هذا الرضا هو الصعب السهل. صعب لأنه يحتاج نفسًا قادرة في كل أحوالها على أن تتذكر الله تعالى، وأن تدرك عقيدة أن ما أصابها لم يكن ليخطئها، وأن تدبير الله تعالى خير. عليها أن تدرك ذلك جيدا ويقينا. وهذا أمر صعب جدا على النفس. وسهل لأن النفس حين تعي هذا جيدا ترتاح كثيرا من كل هموم الدنيا، وتعلم أن كل شيء بقدر، لذلك لا يعد شيء في الدنيا يعنيها إلا حالها مع ربها سبحانه.
كيف نتعلم أن نصل إلى هذه النفس؟
بتذكير النفس بثلاثة مفاهيم:
المفهوم الأول: أن الله تعالى ليس بظالم، ولا يهوى سبحانه تعذيب الناس، قال تعالى في سورة النساء: (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما)، وأكد هذا حين وصف نفسه سبحانه بالرحمن، وأن رحمته وسعت كل شيء: (قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء) الأعراف.. فالعذاب ليس عاما بينما الرحمة عامة، والرحمة أصل والعذاب استثناء.
فما دام المرء طائعا لله تعالى فلن يظلمه الله تعالى، بل هو سبحانه أرحم من المرء على نفسه.
لو غُرس فينا هذا المفهوم لصحت نفوسنا.
المفهوم الثاني: علم المؤمن أن تدبير الله تعالى خير من تدبيره، وأن أمره كله خير؛ في السراء وفي الضراء:
قال صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن. إن أمره كله خير. وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر. فكان خيرا له. وإن أصابته ضراء صبر. فكان خيرا له) رواه مسلم.
المفهوم الثالث: أن يوقن أن الدنيا لا تساوي شيئا، وأن الهم الأكبر هو رضا الله تعالى:
كما قال الشاعر:
فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك تصفوا والأنام غضابُ
وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خرابُ
أن يجعل المرء الدنيا في يده لا في قلبه، تأتي وتذهب، إن أتت فخير يحمد الله تعالى عليه، وإن ذهبت فخير يحمد الله تعالى عليه، دون أن يكون في نفسه منها شيء طالما أن المرء مطيع لله تعالى.
هذه المفاهيم الثلاثة رغم وضوحها وسهولتها عقليا إلا أنها صعبة عمليا، وهو ما على النفس أن تتدرب عليه.(33/1578)
وخطوة خطوة يتحقق المراد بعون الله تعالى، مع اليقين بأن الله تعالى سيعين ويساعد ويقوي، قال تعالى في سورة العنكبوت: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).
فالمجاهدة في هذا تستوجب عون الله تعالى.
ـــــــــــــــــــ
أتكاسل عن الصلاة ..لا تستسلمي للشيطان ... العنوان
العبادات ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. مشكلتي هي في الكسل عن العبادات، خاصة الصلاة، فأًصلي لفترة ثم يبدأ التهاون والتقصير، حتى تشغلني هموم الدنيا تماما، وشيئا فشيئا يضيق صدري من تقصيري وظلمي لنفسي، ولا أجد لي ملاذا إلا باب ربي أقصده، فأرضى وأهدأ، حتى أعاود الكسل والاستغراق في دنياي.. أشيروا علي وفقكم الله ماذا أفعل حتى استمر في صلاتي دون انقطاع وجزاكم الله خيرا. ... السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أختنا في الله / أم محمد..
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته..
وأهلا ومرحبا بك، وشكرا على ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله أن يجعلنا وإياك من المحافظين على الصلاة، الحريصين عليها، وألا يجعلنا ممن يتهاونون في أدائها ..آمين .
قرأت سؤالك، وأكبرت فيك أنك تسألين عن "عماد الدين" – الصلاة –، وكيف يمكن لنا أن نؤديها على الوجه الأكمل وفي الوقت الأفضل، فبارك الله فيك، وزادك حرصا على طاعته، وخوفا من معصيته آمين وبعد :
فلا يخفى عليك أن الصلاة فريضة لازمة على كل مسلم ومسلمة، وأنها لا تسقط عن العبد إلا بوفاته، وأن الله رخص لنا فيها كل ما من شأنه أن يجعلنا أكثر حرصا على أدائها، ليقطع الطريق على الكسالى والمتهاونين، وحذرنا - أيما تحذير- من التقصير فيها والتهاون عنها، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)، وقال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ)، وبين لنا سبحانه أن أداءها في أوقاتها والحفاظ عليها يحتاج إلى نفوس مؤمنة وقلوب خاشعة قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ).
كما حذرنا سبحانه من التكاسل عنها، مبينا لنا أن هذا من صفات المنافقين، قال تعالى: (وَإِذَا قَامُوا إلى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً)، وأوضح لنا سبحانه أن الشيطان يتربص بنا الدوائر، ليصدنا عن ذكر الله وعن الصلاة، فقال سبحانه: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُم مُّنتَهُونَ)،...الخ الآيات التي يذخر بها دستورنا السماوي الخاتم – القرآن الكريم - .(33/1579)
أختنا في الله :
اعلمي – يرحمك الله – أن الكسل عن أداء العبادات، وخاصة الصلاة هو داء يصيب جمع كبير من المسلمين، وأنه يبدأ بالتأجيل والتهاون، وينتهي بالترك والامتناع، مرورا بالتكاسل والتقصير، وأن الشيطان يجهز للمسلم المقصر قائمة بالأعذار التي يقنعه من خلالها بالتهاون في الصلاة، فيقول له : (المهم القلب)، (أنت يا ما صليت)، (يا سيدي ربك غفور رحيم)، (مفيش مشكلة لو أخرت الصلاة ساعة)، (العمل عبادة)، (عندما تذهب للبيت اجمع الصلوات)، (نم واسترح فأنت مجهد)،...الخ هذه القائمة الطويلة من أعذار شياطين الإنس والجن أعاذنا الله وإياكم منهم .
غير أن المسلم الحق – أختنا الفاضلة- هو الذي ينفض غبار التكاسل والتقصير عن نفسه، فيجدد النية والعزم على معصية الشيطان ومخالفته، وطاعة الرحمن، فيهب ملتمسا رضاه سبحانه، حريصا على صلاته، فيقوم إليها متى سمع النداء مهما تكن ظروفه، ويدع التأجيل والتسويف فإنهما من أسلحة إبليس لصرف المسلم عن طاعة ربه ومولاه.
وختاما؛ يا أخت أم محمد ، أنصحك – ونفسي – بعدد من الأمور منها : -
1- جددي النية والعزم على مخالفة الشيطان، وقولي لنفسك : من اليوم وصاعدا لن أطيع هذا الملعون في أي أمر، فهو لا يرجو ليَ خيرا، ولتعلمي أن الشيطان لكي عدو فاتخذيه عدوا قال تعالى : (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) .
2- اقرئي في كتاب الله، وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الآيات والأحاديث التي تبين فضل الصلاة وأهميتها وعظيم الأجر الذي أعده الله للمحافظين عليها، كذا الآيات التي والأحاديث التي تحكي لنا سوء عاقبة تارك الصلاة والعقاب الذي أعده الله له، لتعرفي مكانتها، وفضلها فتكونين أكثر حرصا عليها. قال تعالى في وصف المؤمنين: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ،....)، إلى قوله تعالي (... وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، وقال أيضا:(... رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)، وقال :( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)، قال : ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ) ... الخ الآيات .
3- قومي إلى الصلاة متى سمعت الأذان مهما تكن الظروف، ولا تسمحي لنفسك بالتأجيل، واضبطي مواعيد البيت على الصلاة ما استطعت فإن هذا مما يعينك على تذكر مواعيدها .
4- استخدمي جدولا للصلاة – ولو لمدة شهر أو شهرين– سجلي به الصلوات، وقسميه إلى بنود: ممتاز، جيد، مقبول، ضعيف، وسددي خاناته في نهاية كل يوم، ثم اعطي نفسك درجة على الحفاظ على الصلاة، وانظري في تقريرك هذا في نهاية كل أسبوع، فإن وجدت خيرا فاحمدي الله وإن وجدت غير ذلك فخذي نفسك بالجد وجددي العزم، وهكذا...(33/1580)
5- يمكنك أن تستعيني ببعض أهل بيتك أو صديقاتك ممن تعرفين عنهن الحرص على الصلاة وأدائها في أوقاتها، ليذكرونك بها كلما حل موعدها .
6- أكثري من الدعاء في السحر واللجوء إلى الله وسؤاله أن يرزقك الحرص على الصلاة، وقولي " اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، فمتى علم الله منك حبا وإخلاصا ورغبة في المواظبة عليها رزقك الحرص عليها .
بارك الله فيك وتقبل نيتك ورفع همتك وزادك حرصا على طاعته ورغبة في رضاه، وجعلنا وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
ـــــــــــــــــــ
أشكو ضعف إيماني ..كل ميسر لما خلق له ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبارك الله لي ولكم بما تقدمون.. أود أن أسألكم يا من تقفون على مساعده الآخرين أرجو الله أن يكون عونا لكم أنى كنتم... أورد ليكم مشكلتي مشكلتي تكمن في إيماني!! نعم فأنا والحمد لله لي نشاطات دينية فائقة وقد حولت الطابع العام لمدرسة بأكملها إلى مدرسة مختلفة تماما تتصف بالطابع الديني حتى بلغ الأثر أهالي الطالبات ومن هو بخارج المدرسة بحول الله ولي وقع عظيم بطالباتي وزميلاتي، لكن المشكلة تكمن كما بنفسي فأنا في أوقات معينه أصل لحالة من التراخي والركود بسبب تفكيري هل أنا حقا مؤمنة وتقية كما أتظاهر أم أنني أخدع نفسي وأتصنع ذلك رغبة بالشهرة وأجلس مع نفسي وقتا طويلا أحاورها وأناقضها حتى أن عملي يقل ونفع للناس يتضاءل ولا أدري حقا ما هي الحقيقة؟ ولكن لو تساءلت لماذا هذا التفكير ومن أين أتى فأقول أن من بين الأسباب أني أرى عند كثير من المدعويين إيمانا يفوقني بل لا أدري أشعر أن ذلك هو الإيمان الحق وحين أعرف أخوات بالله يعملن بمجال الدعوة أجدهن أصدق إيمانا مني؟ هكذا أشعر ويظهر ذلك جليا بأكثر تعاملي معهن ومن خلال علاقتي فأشعر بأني بحالة مزرية إذا قارنت نفسي بمن تقوم الساعة والساعتين من ليلها ومن تفعل و...و...و... ومع ذلك أجدهن يشعرن بالتقصير والتفريط في حق الله ويلمن أنفسهن فأنقم على نفسي وعلى قباحتها؟ باختصار أنا أن قارنت نفسي بغيري احتقرتها وازدريتها وشككت بإيماني لأنني أقل إيمانا منهن وأشعر براحة ورضا وأني على خير وهن يشعرن بأنهن مفرطات ومقصرات ويطلبن من الله أن يصلحهن وأن يتقبل أعمالهن ومنهن من أخالطها وأعلم أنها والله حسيبها على خير كثير وخلطتي لها كثيرة جدا، ولكنها تشعر دائما بأنها آخر أهل الجنة دخولا بذنوبها ودائما تحقر عملها وتستزيد من الخير فتذكرني وأمثالها أنها ممن قال الله فيهم "والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة" وإني لست من ذاك الصنف وكم أمنى أن لا أكون غررت بإيماني وبعملي المتواضع لأني أغير بمن حولي وأهل الخير يشعرون براحة في التعامل معي. وأنا والحمد لله أوشك ختم كتاب الله ولا أحب الغيبة ولا النميمة ولا الحسد وصاحبة صدقة ودعاء وقيام ليل لكني لا أطيل ولا أزيد عن نص ساعة لكني قليلة الذكر ومقصرة بكثير كثير كثير من العبادات وأشعر بأحيان أني أقوم الليل بتثاقل مما يشعرني بالنفاق وخاصة حين أتثاقل(33/1581)
هن الذكر وأحيانا تكون صلاتي والحمد لله جيدة لكنها بأحيان كثيرة تصبح صلاة مقصر وللخشوع فيها وهذا كله مما يشعرني بأن الإيمان ليس صادقا، ولكن أرجوكم أن تداولي فهمي فكلماتي مشتته ويصعب فهم ما أريد لأن لا أفهم ما أريد تماما وإن حاولت التقريب وأخشى أن يكون سبب ما بي هو دخول رياء بقلبي أو دخول عجب بالنفس مما يسبب إهمالا بالطاعات واطمئنان للعمل وجزيتم خيرا. ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
يقول الأستاذ عماد حسين- المستشار بصفحة استشارات إيمانية:
ابنتي الفاضلة
و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
شكر الله لك حسن ظنك بنا ، وتواصلك معنا ، و كيف لا .. وأنت رفيقة الدرب في السعي إلى مرضاة الله بدعوة الخلائق إلى النور و الهدى و العفاف و الغنى ، فنحن معك وبك ، وأنت ومن يسير سيرك العون لنا ونحن العون لكم ، فنتساند و نتناصح حتى يبلغ المسير غايته في جنة الرضوان بحول الله وقوته ، وفضله ورحمته .
ابنتي .. ما بك هو حال كل سائر على طريق الله ، فمن آداب السير ألا تُعجبي بطاعة، ولا تتطاولي بعبادة، وأن يصغر أمرك في عينك ، فهذا ما يرجى به استمرار السير ، فما قيمة عبادة أو عمل صالح بجوار من نتوجه بهذا العمل له ، فنحن نتوجه له بما منً به علينا ، فكل طاعة إنما تقوم بما رزقنا الله به من صحة أو مال ، وكما قال الصديق رضى الله عنه عندما نزلت آية " إن الله اشترى من المؤمنين...... الآية " قد علم الله بخل نفوسنا فتاجر معنا عليها ، ومقصده أن رب العزة الذي خلق هذه الأنفس و الهواء الذي تتنفسه و القوة التي بالأجساد ، وها هو عندما يطالبنا بالطاعة له ، فإذا به يتعامل مع نفوسنا البخيلة بمنطق العلي الكبير العالم بضعف هذه النفوس و شحها ، فتاجر معنا عليها ، فانظري من يشتري... وماذا يشتري؟... ورغم أنه جل وعلا يشتري منا ما يملكه.... ولكنه يعطينا ثمنا له نعيما وجنان عرضها كعرض السماوات و الأرض... أتجدي شيئا يكافئ عطاء ربنا ورحمته و سعة فضله ؟!!!
يا ابنتي .... إن السير في طريق الله يحتاج إلى بصيرة ، و صحبة طيبة تعين عليه ، وكلنا لنا أحوال بين إقبال و إدبار ، و الصحبة تقي من السقوط عند الفتور ، وتعصم من الاغترار عند الإقبال، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال في وصف علاج هذه الأحوال "... فمن كانت شرته و فترته إلى سنتي فقد هُدي" ، ورب سائر متقدم في الطريق يحتاج إلى مبتدئ يعيد إليه حماسة البدايات ، فيعيد إليه حيوية انطفأت مع الزمن، أو توازنا قد اختل، أو يؤنسه في فترة استوحش فيه من قلة الأصحاب، أو تقلل من إحساسه بالرضا عما يقدم من عمل ، فيحثه على مزيد من الاجتهاد والإقبال على الطاعات و أعمال الخير.... أو غير ذلك من الأمور .(33/1582)
يا ابنتي تعلمي من سير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن الأمر منوطا بكثرة عمل بقدر ما كان منوطا بإخلاصهم و صدقهم مع الله ، وانظري وصف عبد الله بن عمر عندما أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم عن سعد بن أبي وقاص أنه من أهل الجنة ، فراح ابن عمر يبيت عنده ليال ليتعلم ما بلغ به هذا ، فلم يجد عنده غير سلامة صدر لكل البشر فلا يحمل في نفسه غير نقاء سريرة بلغت به الشهادة التي شهدها له رسول الله في الدنيا ، ونجد رسول الله يسأل بلالاً عن أفضل عمل فعله لله لأنه سمع وقع قدميه في الجنة ، فكان أنه سن لنفسه سنة ركعتين عند كل وضوء ، و بقليل تأمل تجدي أن لكل منهم سرا بينه و بين رب العزة ، لا يعلم به أحد ، يخلص فيه لله ،و يصدق فيه مع الله حق الصدق ، فتأملي كنية أبي بكر رضى الله عنه ، فقد كانت الصديق ، و الصدق في أصله عمل قلبي ، ثم جاءت الأفعال موافقة لهذا الصدق القلبي، وهذا الصدق هو ما رفعه رضوان الله عليه ليكون الصديق أبا بكر، ومخالفة الفعل لما في النفس أو للصدق القلبي توقع صاحبها في حبائل الرياء -نسأل الله النجاة منها جميعا - ، فانظري حال قلبك، و صححي قِبلته، فهو مناط الأمر في هذا الباب.
يا ابنتي .. في هذا السبيل يجعل الله لعباده السالكين علامات و إشارات ، بها يربط على قلوبهم، و يثبت خطوهم، منها أن يضع لهم القبول بين الناس ، وأن يفتح لهم القلوب ، فلا تجعلي من هذه الإشارات الإلهية علامات سوء...بل هي علامات خير ، وأن يكون من الذين فتح الله قلوبهم بك ،من هو أكثر عبادة و إقبالا ، فقد سبق بيان أثر هذا الإيجابي على السابق في طريق الهدى ، فاجعليه دافعا إيجابيا لا سلبيا ، و اسعي بالخير بين الناس ، و تأكدي أن لك مثل ثواب هذا الذي جعلك الله سببا في سلوكه طريق الرشد و النور ، فهذا وعد الله على لسان رسوله " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا...... الحديث" رواه مسلم ، وهذا فضل الله على السابقين الثابتين على هذا الطريق ، فاستبشري باجتهاد من بدأ و حسنت سيرته ، فهو خير ساقه الله لك بلا عناء..... وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء .
ختاما...نرجو من الله أن يرزقنا الثبات على طريقه وأن يهدينا للحق و يهدي بنا ، وأن يتقبل عملنا، و يستر عيوبنا، و يجعلنا في صحبة أوليائه في الدنيا و الآخرة . وتابعينا بأحوالك .
ويقول مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع
الأخت الفاضلة:
نحمد الله تعالى أنه ما زال في هذه الأمة بقية خير من إيمان، واعلمي أختي الفاضلة أن الله تعالى رزقك إيمانا نحسبه صادقا، فشعور المسلم مع كل ما يعمله من أعمال صالحة أنه مقصر، وأنه يخشى الرياء على نفسه، فهذا دليل إيمان عند صاحبه.
اسمحي لي أختي أن أناقشك في بعض الأمور:
أولا: من الخطأ أن نعتقد أن الإيمان عبادات وحسب، فالإيمان عقيدة وعبادة وسلوك وخلق، ومن أراد أن يزيد إيمانه، وأن يجعله قويا فليحافظ على هذا المربع الإيماني، فيصحح عقيدته وعلاقته بربه سبحانه وتعالى، وليجتهد – قدر استطاعته – في(33/1583)
عبادته، وليتحل بالأخلاق الفاضلة، وليتعامل مع غيره من إخوانه وأخواته بالمعاملة الحسنة، إن أي خلل في ركن من الأركان الأربعة يصيب الإيمان بالعطب، ويجعل مجروحا يحتاج إلى دواء، والأركان الأربعة يجب أن تكون كلها لله، فالعقيدة بين العبد وربه، والعبادة من العبد لربه، والخلق يتحلى به الإنسان، والسلوك يتعامل به مع غيره، ولكن لابد أن يكون الجميع لله رب العالمين.
ثانيا: إن المقصود أن يتحقق في المسلم قدرا من هذه الأربعة، فالمهم في العقيدة هي العقائد الأساسية التي جاء الكتاب والسنة الصحيحة بها، وما أجمع عليه العلماء من التوحيد والإيمان بأركانه الستة وغيرها من أصول العقيدة، والعبادة يطلب من المسلم ما افترضه الله تعالى عليه، ثم تأتي الأخلاق والسلوكيات، لتوجب على الإنسان أن يتخلى بالأخلاق الفاضلة، ويتخلى عن الأخلاق الرذيلة، وأن يكون سلوكه طيبا مع غيره من المسلمين وغير المسلمين.
وفي هذا وذاك هناك مساحات من النوافل التي جاء الحديث القدسي بفضله: "وما تقرب عبدي إلى بشيء أحب مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصره به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي بمشي عليها، لئن سألني لأعطينه، لئن استعاذ بي لأعيذنه".
ومن ذلك نوافل العبادات، ويبدو أن كثيرا من الناس أعطى النوافل في العبادات مساحات تفوق فرائض الأخلاق والسلوك، مع كون الصدق أمرا واجبا، والأمانة واجبة، لكن ننشغل عنها بنوافل العبادات.
ولكي يحافظ الإنسان على إيمانه يجب عليه أن يطبق مساحات الفرائض أولا، ثم بعد ذلك يطبق مساحات النوافل.
ولذا جاء في الحديث عن المرأة التي تكثر من النوافل غير أنها تؤذي جيرانها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هي في النار"، وعن المرأة التي تقل من النوافل غير أنها تحسن إلى جيرانها، فقال: "هي في الجنة "، لأن المرأة الأولى قصرت في الفرائض واهتمت بالنوافل، أما الثانية، فإنها طبقت الفرائض في كل المساحات، ولم تحرم نفسها من بعض النوافل، وهذا هو المطلوب.
وفي مساحات النوافل تختلف النفوس، ولذا فقد أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم أن للجنة ثمانية أبواب، فهذا يدخل من باب الصلاة، وذاك يدخل من باب الصدقة، وثالث يدخل من باب الجهاد، ورابع يدخل من باب القرآن، وهكذا.
وهذا يعني أن الواجب على المسلم أن يطبق الفرائض كلها في مساحاتها المختلفة من العقيدة والعبادة والأخلاق والسلوك، ثم له أن ينشط في بعض النوافل دون أن يحرم نفسه من النوافل الأخرى وإن كان مقلا.
ومن الجميل أن يغار المسلم من أخيه المسلم حين يراه أكثر منه عبادة، وأن يسعى جاهدا ليلحق بركب الصالحين.
ولكن لا يدفع الإنسان أنه يرى نفسه مقصرا في شيء أن يقعد عما امتاز به عن غيره، فربما كانت الدعوة من الأبواب التي حباك الله تعالى إياها، ولم يعطها لغيرك كما أعطاك إياها، فأنت تميزت عن غيرك بها، وتميز غيرك عنك بأشياء، فليكن هذا التميز موجودا، مع عدم كل جانب مما عند الآخر.(33/1584)
وقد وزع الله تعالى الأرزاق، وقسم المواهب، وكما قال تعالى: "ولا يزالون مختلفين". ولكن لو كان هناك جوانب نقص في نفسك، فاسعي إلى إكمالها، والزمن جزء من العلاج، وحددي ما ينقصك في نفسك، واسعي إلى استكماله، ولكن لا تجعلي الشيطان يوسوس لك ويقعدك عن الخير الذي ميزك الله تعالى به، بل عودي أكثر نشاطا في الدعوة، وتذكري قوله تعالى: "ومن أحسن قولا مما دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين"، واجعلي الطاعة زادك لدعوتك إلى الله تعالى.
حفظك الله تعالى من كل شر، وتقبل منك صالح الأعمال، وقربك منه سبحانه وتعالى.
ـــــــــــــــــــ
هل يبشر المسلم بالجنة قبل الموت ؟ ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
أفيدوني أفادكم الله بما ينجي من عذاب القبر ومن وحشته؟، وما هي درجة الإيمان التي إذا وصلها العبد بشر بالجنة قبل أن يخرج من الدنيا ؟، وما هو العمل الذي يوصل إلى هذه الدرجة ؟ ... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخ الفاضل عبد الرحمن يحيى الأنصاري..
جعلك الله تعالى عبدا للرحمن، و أحيا قلبك بالإيمان، ونصرك على كل من ظلمك وعاداك، كما نصرك على نفسك وهواك، وجعل الجنة مثواك، اللهم آمين .
أخي الفاضل :
إن من بشائر الإيمان أن يرزق الله العبد الاهتمام بالآخرة، وفي حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم، فإنه من كانت الدنيا أكبر همه أفشى الله ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع الله تعالى له أمره، وجعل غناه في قلبه، وما أقبل عبد بقلبه إلى الله تعالى إلا جعل قلوب المؤمنين تفد إليه بالود والرحمة، وكان الله تعالى بكل خير إليه أسرع" رواه الطبراني، وفي رواية لابن ماجة ( مَنْ كَانَتِ الدُّنْيا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ أَمْرهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهْ. وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللهُ لَهُ أَمْرَهُ. وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِي رَاغِمَةٌ)، فاستمر أخي على حالك هذه، واجعل الآخرة دائما هي همك، وفكر في مصيرك عند الله تعالى، فإنه لا يسوقك إلا إلى خير، ولا يزال معك من الله توفيق وحب، فكما في الحديث:" من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه".
أما ما ينجي من عذاب القبر، فنذكر منه ما يلي :-
1- الاستمرار الدائم على طاعة الله تعالى، ومراقبته سبحانه في كل صغيرة وكبيرة، ويقين العبد أن الله تعالى مطلع عليه، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء،(33/1585)
مما يولد عند العبد أن يكون كل عمله لله تعالى وحده، فيقذف الله تعالى في قلب عبده إيمانا لا يرد، ويرزقه نعيما لا ينفد.
2- الشهادة في سبيل الله، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بال الشهداء لا يفتنون في قبورهم؟ فقال: كفى ببارقة السيف على رأسه فتنة)، وفي حديث آخر: (إن للشهيد عند الله سبع خصال: أن يغفر له من أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلّى حلة الإيمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه).
3- المداومة على قراءة سورة تبارك للحديث: (إن في القرآن سورة ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له).
4- محاسبة المرء نفسه على أعماله، يقول ابن القيم رحمه الله: ومن أنفع الأسباب المنجية من عذاب القبر أن يجلس الرجل عندما يريد النوم لله ساعة يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه في يومه ثم يجدد له توبة نصوحا، ويفعل هذا كل ليلة فإن مات من ليلته تلك مات على توبة وإن استيقظ استيقظ مستقبلا للعمل مسرورا بتأخر أجله حتى يستقبل ربه ويستدرك ما فاته.
5- أن يوصي المسلم بالدعاء له من أقاربه وأصدقائه وأحبائه، ففي الحديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل.
6- صلاة القيام، كما ورد عن أبي هريرة أنه وقف أمام أصحابه يوما، فقال: هل إذا أراد أحدكم سفرا ألا يستعد له؟ قالوا: بلى. قال: فسفر الآخرة أبعد مما تتصورون. قالوا: دلنا على زاده ؟ قال: صلوا ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور، وصموا يوما شديدا حره لطول يوم النشور".
7- الدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يستره وأن ينجيه من عذاب القبر.
أما عن درجة الإيمان، فإن الإيمان الصادق بوجه عام من أسباب النجاة من عذاب الله تعالى، وظلمة القبر ووحشته، ولا يمكن للإنسان أن يحدد درجة معينة، فالمؤمن هو الذي يشعر بها، ويعلمها بينه وبين ربه سبحانه وتعالى، فأحسن النية، واجتهد في علاقتك مع ربك، يهبك الله تعالى ما تريد.
أما التبشير بالجنة، فهذا ما لا يمكن للإنسان أن يقطع به، فقد ورد أن الشيطان جاء للإمام أحمد بن حنبل وهو على فراش الموت، وقال له: أفلت مني يا أحمد؟ فقال له: ليس بعد، فردد الشيطان كلمته، وكرر الإمام أحمد: ليس بعد، يعني ليس بعد ما دام فيَ رمق من حياة. ومجيء الشيطان هنا يعني وسوسته للإمام أحمد، وليس بمعنى الظهور.
وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:" واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" يعني الموت، فالمسلم يعمل الأعمال الصالحة، ويطيع ربه، ويسعى أن يموت على شهادة التوحيد، وليترك الأمر لله رب العالمين.(33/1586)
نسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على الحق والخير وأن يرزقنا وإياك الطاعة والإيمان، وأن ينجينا وجميع المسلم من ظلمة القبر ووحشته، وأن يبشرنا بجنته قبل الممات، إنه على كل شيء قدير.
ـــــــــــــــــــ
أتألم لأحوال المسلمين .. الألم شمعة الأمل ... العنوان
الأخلاق ... الموضوع
السادة المستشارين الأفاضل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله كل خير على جهدكم الرائع. السؤال: نصحو وننام على أخبار دامية تخص المسلمين حتى أننا نصاب بالهوس أحيانا لشدة وتزاحم ما يحدث هذا على المستوى العام، كما أن المسلم يحزن لدرجة كبيرة تمتد أياما وأسابيع على عزيز يفقده، فما هو السبيل الذي يزيد الإنسان تسليما بقدر الله ويمنحه طاقة إيمانية بموجبها يحول هذه المشاعر إلى فعل إيجابي ينفعه عند الله وفي دنياه كذلك؟ ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الدكتور عماد حسين من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أخي الكريم حسن..
وعليكم السلام ورحمة الله..
أبدأ كلامي لك بقصة سمعتها من أحد أساتذتي الكرام وهو الحاج عباس السيسي بارك الله في عمره، إذ يروي موقفا له مع الإمام حسن البنا في أحد جولاته، فيقول أنه سأل الإمام عن مثل الذي تسأل عنه، وكان في حينها روايات عن اضطهاد للمسلمين في بقاع مختلفة مثل ألبانيا وروسيا وغيرها، فسأله الإمام هل تشعر بألم في صدرك لمثل هذا، فقال نعم، فسأله أتعرف غيرك فيه مثل ما فيك من ألم ولوعة على حال المسلمين، فقال: كثير مثلي وأكثر، فما كان من الإمام أن حمد الله تعالى على هذا، فتعجب الأستاذ من هذا فكان رد الإمام أنه كان يبكي منذ زمن مع قلة من الناس على حال الأمة، ويلتفت حوله فلا يجد غير شباب لاهٍ وكثير منه غير عابئ بغير ملذاته ولا يتألم إلا لفقدان إحدى مصالحه الذاتية أو عدم تحقق نزوة شخصية، وها هو يجد هذا الشباب يتألم لحال أمته، وهو عين ما يطمح، فهذا أول الطريق لتحويل حال الأمة.
أخي الكريم... يكتئب البعض من كثرة ما يمر بنا من محن وشدائد، ويتكدر البعض لمصائب المسلمين التي لا تنقطع، وينظر بعضنا إلى الأخبار فلا يجد في الأفق أملا...
وأنا أقول لهؤلاء جميعا... شعوركم بالألم هو في ذاته شمعة الأمل، فكم من هذه القلوب كانت لاهية، ولكن بفضل من الله استشعرت أن هذه الأمة أمتها، وأن المصاب مصابه وأنه ينتمي لهؤلاء المصابين المقتولين، فالمرء لا يتألم عندما يرى مصابا من لا يهتم بهم إلا مجرد شفقة، ولكنه يتألم لألم أهله، وهنا يبدأ معنى الحديث النبوي(33/1587)
"تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى"، ونتذكر رسول الله وهو يروي باكيا حال النفر من الصحابة (خباب بن الأرت وأخوانه) وهو في العذاب والجميع يبكي، وتظل هذه المشاعر كامنة لحين تلاقي السيوف... وحينها كان الفعل.
أخي الكريم.. هذه المشاعر هي بداية الطريق، والعمل على يقظة هذه الأمة يبدأ بإدراك الواقع الذي نعانيه، ثم يتبع ذلك البحث عن وسائل العمل والدعوة، والبحث عن وسائل وقف العدوان والمقاومة، لقد تربى جيل الانتفاضة في فلسطين تحت نير الاحتلال، ولكنه لم يألف الذل، وكان هو وقود المواجهة.
أخي أعمل على يقظة كل مسلم حولك بما يجري وبما يدبر لنا، وأبحث مع من يهتم مثلك بالفعل الإيجابي عن مجالات الحركة والفعل المناسب، وحولك في ألمانيا خير كثير، فاسعي له ولا تنتظر غيرك، حول كل مصاب لك إلى إيمان بأن الله قد ساق لك هذا الموقف لكي ينظر ما أنت فاعل فيه.
أخي الكريم... الله ناظر إلينا... فماذا نحن فاعلون لربنا ولديننا... ولنجاة نفوسنا يوم السؤال.
ـــــــــــــــــــ
تكره حملها ..اقبلي هدية الله ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
ما حكم الزوجة التي تحمل بدون رغبتها أو رغبة زوجها، و في كل يوم تدعو على هذا الحمل و تكرهه كرهًا شديداً و تسبه و تشتمه بكلمات مثل ( الله يحرقه ، الله يلعنه ...) من هذه الألفاظ ؟ ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
تقول الأخت منى عبد الهادي هاشم – واعظة بالأزهر الشريف ، وعضو فريق استشارات إيمانية :
السائل الكريم: شكر الله لك حرصك واهتمامك بأمور الأخت المسلمة المشار إليها في سؤالك الكريم ، فهذا سمت المؤمن الكامل الإيمان الذي يهتم بأمور إخوانه من المسلمين والمسلمات .
وبخصوص المشكلة الواردة بالسؤال فلعله من الملائم أن نتعامل معها من خلال النقاط التالية حتى نحيط بجميع جوانبها:
1. الرضا والتسليم بأمر الله وقضائه
2. كراهية الزوجة للحمل والدعاء عليه
3. نصيحة من القلب
أولا: الرضا والتسليم بأمر الله وقضائه :
على الأخت الفاضلة وزوجها الكريم أن يعلما أن كل شيء في هذا الكون مقدر بأمر الله سبحانه وتعالى فهو الخالق المقدر القادر الكبير المتعال ، قال تعالى: } إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر ٍ{ (القمر: 49) فكل ما يحدث للإنسان من خير أو شر إنما هو بقدر(33/1588)
الله عز وجل ، فهذا الحمل مقدر بأمر الله سبحانه وتعالى وعلى المسلم أن يؤمن بقدر الله وقضائه حتى يستكمل أركان الإيمان .
قال الله عز وجل: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا{ (الأحزاب:36) ، وفي الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما سأل جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشرة..." (رواه مسلم)
إذن على الزوجين أن يعلما أن هذا الحمل هو قدر الله عزوجل وليس لهما إلا التسليم والرضا بقضاء الله وقدره.. والرضا بقضاء الله هو مفتاح السعادة والفوز في الدنيا والأخرة.. وقدر الله عزوجل لا يرده مخلوق فالله هو القاهر فوق عباده وهو الغفور الرحيم .. }اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ، عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ{ (الرعد : 8-9) .
ثانيا: كراهية الزوجة للحمل والدعاء عليه:
هنا أود أن أهمس في أذن أختي الكريمة متسألة عن سبب كرهها لهذا الحمل ودعائها عليه ، هل ذلك للخوف من ضيق الرزق ، فالله تعالى قد تكفل بالأرزاق وجعل الأولاد سبباً في توسعة الأرزاق وتأملي معي قول الحق عز وجل : }وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا{ (الإسراء : 31) فلو تدبرنا هذه الآية الكريمة لرأينا أن الله عزوجل بعد ما نهى عن قتل الأولاد خشية الفقر وضيق العيش ذكر أنه عزوجل تكفل برزق هؤلاء الأولاد ، وقدم ذكر رزق الأولاد على رزق الآباء مما يوحي بأن الآباء قد يرزقوا بسبب أولادهم.. فهل يعقل أن يكره الآباء من هم سبب في توسعة رزقهم؟!
والحمل في حد ذاته رزق وهبة من الله عزوجل ، والمسلم يجب عليه أن يشكر الله على هبته ونعمائه ، فتدبري معي قول الحق عزوجل : }لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ{ (الشورى : 49-50) فالأولاد والذرية رزق وهبة من الله عزوجل وكم من أناس حرموا نعمة الأولاد ونراهم يعانون معانة عظيمة بسبب ذلك ويذهبون للأطباء سعيا وطلبا للحمل؟! فهل شكرنا الله على نعمائه حتى يبارك لنا في أولادنا ويزيدنا من نعمائه }وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ{ (إبراهيم : 7) .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد زكى المرأة الولود فقال : "تزوجوا الودودو الولود فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة" فهل تكرهين ما زكاك رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجله؟! وتأملي ماورد في مسند أحمد عَنْ ثَعْلَبَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :" عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْضِ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ ".
ونتسأل أيضا هل تكرهين ذاك الحمل خوفا من التعب والمعاناة؟ ألم تعلمي أن ثواب الأم على الحمل والولادة والإرضاع وحسن التربية عظيم ، ومن أجل ذلك أوصى الله تعالى الأولاد بالإحسان إلى الأم وقدم الإحسان إليها على الإحسان على الأب ،(33/1589)
اعترافا بجميلها ، وتقديرا لعنائها ، كما أن لها الثواب عند الله تعالى إن أخلصت ذلك لوجه الله ، فسيجعل الله تعالى ولدها قرة عين لها ، وسيكون شفيعا لها عند الله تعالى يوم القيامة فهوني على نفسك وسلي الله تعالي أن يعنيك وأن ييسر لك كل عسير..
أختاه! تفائلي بهذا الحمل لعلك ترزقين منه بولد صالح حافظ لكتاب الله عزوجل.. فإذا مات ابن أدم بقي له دعاء ولده الصالح الذي يدعوا لوالديه بالرحمة والمغفرة }رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا{ (الإسراء : 24) ، والولد الحافظ للقرآن يكون سببا في تكريم والديه ورفعتهما في الدنيا والأخرة.. ففي سنن أبي داوود عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا" .
نتحول الآن إلى الدعاء على الحمل وسبه ولعنه.. الدعاء – كما تعلمين - سلاح المؤمن وهو مخ العبادة ، ومن ثم فهذا السلاح يجب أن نوجهه لطلب الخير في الدارين ، فندعو لهذا الحمل بأن يكون لك قرة عين وأن يكون من الصالحين، ومن حملة كتاب الله عزوجل.. فاستعفري الله وتوبي إليه فهو الغفور الودود.. ولا يخفى على الأخت الكريمة أن المسلم ليس بلعان ولا السباب ، فلسان المؤمن لا ينطق إلا بكل خير وبالكلمة الطيبة التي هي كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، والمؤمن ينأى بلسانه عن السب واللعن والشتم ، واضعا نصب عينه نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمن بأن يقل خيرا أو ليصمت , والعبد قد يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوب بها في جهنم.. فتوقفي عن الدعاء على الحمل وسبه ولعنه راجية عفو ربك الكريم، فهو تعالى يفرح بتوبه عبده ورجوعه إليه منيبا مستغفراً.
ثالثاً: نصيحة من القلب :
أود قبل أن أختم حديثي أن أتوجه لك أختي الكريمة بهذه النصيحة من القلب.. فأحمدي الله على مارزقك وسله من فضله العظيم لعله أن يتفضل عليك بنعمائه وفضله ، وتقربي إلى ربك بفعل الطاعات وترك المعاصي ، وضعي نصب عينك الفضل العظيم الذي حباك الله به .
كما أنصحك أختي الكريمة أن تستعيني بالله ولا تعجزي }فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا{ (الشرح : 4-5) ، وثقي بأن الله سيكون معك وييسر لك كل عسير ، وتوكلي على ربك الكريم الحليم فمن توكل على الله فهو حسبه .
كما أتوجه لزوج الأخت الفاضلة مذكرة له بفضل الله عليه ونعمته.. فعليه أن يحمد الله وأن يشكره على ما أعطاه من فضله العظيم ، وعليه أن يعين زوجته على طاعة الله ، وأن يمد لها يد العون فى رعاية الأولاد وشئون المنزل ، وألا يتركها وحدها خاصة في تلك المرحلة التي تعاني فيها من آلام لا يتحملها القوي من الرجال ، فما بالنا بالضعيف من النساء .
نسأل الله عزوجل أن يوفقنا جميعا لما يحب ويرضى ، وأن يزقنا من فضله العظيم وأن ييسر لنا كل عسير..(33/1590)
أتهاون في صلاتي .. ما الحل ؟ ... العنوان
العبادات ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. مشكلتي هي في الكسل عن العبادات خاصة الصلاة.. فأًصلي لفترة ثم يبدأ التهاون والتقصير حتى تشغلني هموم الدنيا تماما، وشيئا فشيئا يضيق صدري من تقصيري وظلمي لنفسي ولا أجد لي ملاذا إلا باب ربي أقصده فأرضى وأهدأ.. حتى أعاود الكسل والاستغراق في دنياي. أشيروا عليّ وفقكم الله.. ماذا أفعل حتى أستمر في صلاتي دون انقطاع؟ و جزاكم الله خيرا. ... السؤال
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أختي الكريمة أم محمد،
ألخص ما أود أن أقوله لك في النقاط التالية :-
- ينبغي أن نقرر أولا إلى أن مسائل الصعود والهبوط، الهمة والفتور، زيادة الإيمان ونقصانه، هذه مسائل بشرية يعاني منها كل إنسان، ولا يخلو منها بشر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن تكن فترته إلى السنة فقد اهتدى، ومن تكن إلى غير ذلك فقد ضل) رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. والشرة النشاط والرغبة، أما الفترة فالضعف والانكسار.
- ليس معنى كلامي السابق تبرير تقصيرنا في ما افترضه الله تعالى علينا، فهذا حدٌّ أدنى لا يجوز التنازل عنه بحال، لكن معنى كلامي أن النفس تصيبها حالة من النشاط فتزيد من الطاعات والعبادات والأعمال الصالحة، ثم تأتيها حالة من الفتور فتقعد عن هذه النوافل، أما الفرائض فهي خارج هذه المعادلة تمامًا، وهذا ما أشار إليه نص الحديث بوضوح: (فمن تكن فترته إلى السنة فقد اهتدى، ومن تكن إلى غير ذلك فقد ضل).
- أنت في حاجة شديدة يا أختي لأن ترفعي الإيمان في قلبك، وأن تستشعري حب الله تعالى وقربه منك سبحانه، فعليك ببرامج رفع الإيمان، فأكثري من الطاعات والعبادات وأفعال الخير والدعاء والقراءة في كتب رقائق القلوب كي تستشعري خب الله تعالى، وكي ينغرس في قلبك الخوف منه جل شأنه، وكي يكون قلبك حيًّا كقلب نبي الله صالح عليه السلام حين قال لقومه: (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير) سورة هود.
- يا أختي الكريمة يجب أن تبحثي عن وسيلة تضبطين فيها مسألة صلاتك، وهذه بعض الأمثلة العملية :-
* ليكن لك من زوجك معين على ذلك فتصليان معا، أو تتواصيان على الالتزام بها والسؤال عنها كلما حان وقتها.
* ابحثي عن الرفقة الصالحة التي تعينك على ذلك، وتواصين بينكن في ذلك.(33/1591)
* استخدمي المنبه لتنبيهك مع كل وقت صلاة، وإذا تنبهت فقومي مسرعة للصلاة ولا تأجليها أبدا.
* إذا كان الكمبيوتر متاحًا دائما في البيت فأنزلي عليه البرنامج المذكر بالصلاة حتى
ينبهك دوما، ولا تنسي: قومي مباشرة حين تذكيرك دون تأخير لأي سبب كان.
برنامج الأذان
* ضعي مواقيت الصلاة كما تضعين ما عليك من أعمال في يومياتك، واعتبريها أحد أجزاء يومك، فكما تذهبين لإحضار الأولاد من المدرسة مثلا أو تذهبين للسوق لشراء حاجياتك، ضعي الصلاة كأنها مهمة من مهمات يومك.
هذه بعض الأمثلة ويمكنك بالطبع ابتكار وسائل أخرى.
- آخر ما أنصحك به هو استخدام أسلوب الثواب والعقاب، الثواب حين تلتزمين بالصلاة كلها، بمكافأة نفسك بأن تشتري شيئا تحبينه مثلا أو تمارسي أمرا ترغبين فيه، والعقاب حين تقصرين بأن تحرمي نفسك من شيء تريدينه وتحبينه، أو تفرضي عليك مبلغًا تتبرعين به لله تعالى عقوبة على التقصير، أو تقللي من عدد ساعات نومك كلما قصرت، وحين تحسين أنك محتاجة للنوم ولست قادرة على إدارة يومك والقيام بأعمالك بشكل جيد حينها ستجدين نفسك تلتزم بالصلاة.
وغني عن الذكر بالطبع أن الثواب والعقاب يزدادان بزيادة الالتزام أو بزيادة التقصير.
الصلاة لا يمكن أن تكون في دائرة التقصير بحال، إنها العهد بين الإيمان والكفر كما أخبر رسولنا صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه، كما أنها من أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة، فالله الله في الصلاة يا أم محمد، وربي أولادك عليها منذ الصغر
ـــــــــــــــــــ
وصفة عملية لعلاج العادة السرية ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم.. فضيلة الشيخ.. لي صديق يعاني من مشكلة "اللواط باليد"، مع العلم أنه يصلي ويتوب بعد كل مرة، ويظن أن سبب هذا كله الضعوط التي يقوم بها والداه، ويريد الزواج لكي يتخلص من الأفكار التي تشوش ذهنه، ويريد منكم أن تجدوا له الحل. والسلام عليكم. ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الدكتور كمال المصري: أخي الكريم،
مشكلة صديقك مع "العادة السرية" هذه تكمن في أمرين:
الأمر الأول: كلمات في الصبر والإيمان.
الأمر الثاني: طرق عملية للعلاج.
الأمر الأول: كلمات في الصبر والإيمان: كلنا يعلم شدة الضغوط الموجودة حول الشباب في كل مكان، وكلنا يعلم مدى صعوبة الزواج على الشباب هذه الأيام، لكن يا(33/1592)
أخي الكريم لو أن كل واحد منا استسلم لأي ضغط ولجأ للمعصية لما بقي مسلم لم يعص الله تعالى.
إن التزامنا بديننا يكوِّن فينا وازع حب إطاعة الله تعالى والخوف من معصيته سبحانه، وحين يتذكر المسلم ما أعد الله تعالى للصابرين من أجر، وحين يستقر هذا في القلب، فإن المرء لن يقدم على المعصية، لقد قال الله تعالى في سورة الزمر: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)، ووصف الله تعالى الفالحين الرابحين من أمتنا أنهم المتواصون بالحق وبالصبر حين قال تعالى في سورة العصر: (والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)، وحث الله تعالى المؤمنين على الصبر والمصابرة كي يتحقق لهم الفلاح حين قال تعالى في آخر سورة آل عمران: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون).
فتذكر الله تعالى يا صديقي، وتخلق بخلق الصبر لتكون من الفالحين.
الأمر الثاني: طرق عملية للعلاج: مع الحديث السابق أرى أنه لا بد من طرق عملية للعلاج، أذكر منها ثلاثة طرق، وأشير إلى روابط أكملت مسيرة العلاج.
الطريق الأول: زيادة الجرعة الإيمانية في القلب، عبر زيادة حب الله تعالى والتقرب منه سبحانه بالطاعات والعبادات، واللجوء إليه دوما بالدعاء والطلب بأن يحفظ ويعين، على صاحبك أن يغرس في قلبه حب الله تعالى أكثر وأكثر.
الطريق الثاني: الابتعاد عن مقدمات الشهوة ودوافعها، لأن هذه المقدمات سبب رئيسي في عدم قدرة صاحبك على الحفاظ على توبته ورجوعه إلى العادة السرية، فعليه أن يبتعد تمام البعد عن مقدمات المعصية، وحين نتعرض لها رغما عنا فعلينا أن نسرع بالابتعاد، لقد قال الله تعالى واصفا المؤمنين المتقين: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون).
الطريق الثالث: على صاحبك أن يشغل نفسه دوما بالطاعة وبعمل مفيد، فالنفس إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالباطل، وحين يحس صاحبك أن الشهوة بدأت تتحكم فيه، عليه المسارعة بشغل نفسه في أمر آخر، وأن لا يترك لهذه الشهوة أن تتحكم فيه.
وأخيرا أرفق روابط تعين صاحبك في مشكلته بإذن الله تعالى، أسأل الله تعالى لنا جميعا الهداية والصبر والقرب من الله تعالى.. اللهم آمين.
ويقول مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع :
شكر الله تعالى لأخي الدكتور كمال على ما قدم من نصح جميل ، أسأل الله أن ينفع به جميع شباب المسلمين .
ولي كلمات أحب المشاركة بها ، وهي :
أن العادة السرية عند الشباب هي دليل – في الغالب – على ضعف الإرادة والإيمان ، بحيث يصبح الشاب مسلوب الإرادة ، تحركه شهواته وهواه ، وقد ذم القرآن الكريم أن يكون الإنسان مسلوب الإرادة ، يتبع كل ناعق ، حتى ولو كان هذا الناعق من نفسه ، قال تعالى :" ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله " ، وقال : " أفرأيت من اتخذ إله هواه أفأنت تكون عليه وكيلا".(33/1593)
إن الإسلام يربي في المسلم أن يكون صاحب اختيار ، فهو الذي يسوق ولا يساق ، وحين يتبع ، فإنما يتبع على هدى وخير ، " فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى . ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا"، فمن أهم أسباب العلاج أن يدرك الشاب طبيعة التصرف الذي يقومه به، ثم ينظر المصالح والمفاسد من ورائه، وأن يقوم بنوع من المقارنة مع التحليل حتى يقف على اتخاذ موقف صائب .
إن الاستمناء استمتاع زائل لا يبقى ، وهو يعبر عن صراع داخلي ، أو يعبر عن أزمة نفسية ، أو نقص لحاجة - كالزواج مثلا- ولكنه لا يستطيعه ، فينصرف إلى نفسه ، ليقوم بهذه العملية الرذيلة ، بما يتبع هذا أن يسير الشاب وراء شهوته ، فيتصاعد عمله من الاستمناء إلى أمور قد تزيد على هذا ، بغية إشباع الرغبة الجنسية، فإن من يقوم بالاستمناء لا يكتفي به بينه وبين نفسه في حجرته ، إنه لابد أن ينظر إلى النساء في الشوارع ، والمناظر الخليعة على القنوات وعبر الإنترنت وفي المجلات وغيرها- في كثير من الأحوال ، لأنه يريد إشباع الشهوة،ولذا يقترح كثير من الناس الزواج عند الاستطاعة ، لأنه خير وسيلة لإشباع الرغبة الجنسية عند الإنسان بطريق مشروع ، لقوله صلى الله عليه وسلم :" يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، فمن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء".
ونلحظ أن القرآن الكريم أشار إلى الأمر بحفظ الفرج دون أن يحصر ذلك في وسائل ، وإن أشار إلى بعضها ، وفي الأمر جاء قوله :" قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون " ، وفي العلاج قال تعالى :" والذين هم لفروجهم حافظون .إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنه غير ملومين "، فأشار إلى الزواج كوسيلة للحفظ، وأشار إلى غض البصر، وللإنسان أن ينظر وسائل أخرى ليحفظ بها نفسه .
ولعل مداخل بعض الناس يكون من النظرية النفعية ، وهذه النظرية قائمة على أن الإنسان يفعل الشيء لجلب نفع ، أو لدفع ضر، ومن المفيد أن ننقل ما قاله بعض الأطباء عن آثار الاستمناء ، ومن ذلك :
1. " لا تصل العادة السرية بالشخص الذي يمارسها إلي إشباع جنسي حقيقي حيث تبقى لذتها في حدود التصورات والتخيلات . كما أنها تخلق في ذات الشخص ميلا إلى الانطواء .
2. العادة السرية تعود الألياف العصبية على الهياج اليدوي مما يصعب إرواءها بالهياج العادي خلال عملية الجماع بين الرجل والمرأة في حالة الإفراط . وأما عند النساء يصعب عليها أن تصل إلى الهياج العادي الناجم عن الاتصال بين الرجل والمرأة .
3. العادة السرية تدفع صاحبها إلى الإفراط والإدمان عليها وطلب المزيد ، فالعلاقة الطبيعية تتطلب حضور شخصين في مكان معين وساعة معينة بينما العادة السرية فمتى أراد الشخص استطاع ممارستها وهذا بحد ذاته يدفعه إلى الإدمان .(33/1594)
4. تسبب العادة السرية الغضب والحزن، فهو بعد الانتهاء من الممارسة ينتابه شعور بالذنب، وأنه من الممكن أن تسبب له الأمراض . وهذا الشعور يؤدي بصاحبه إلى الإحساس بالخوف من المجهول وكثرة الأسئلة التي تراوده في نفسه .
5. العادة السرية لا تؤدي إلى اللذة الجنسية الحقيقية – فالجماع يعتبر حدث هام لأنه يتم به التقاء شخصان محبان فيتبادلان المتعة طيلة الوقت ، وهنا ليست فقط الأجهزة التناسلية فقط تأخذ حقها من المتعة، ولكن حتى النفس تشعر بالراحة والسعادة – بينما في العادة السرية ما هو إلا حدث غير مهم لأنه يكون وحده وهو عبارة عن تفريغ فقط لمحتويات الأعضاء التناسلية .
6. ممارسة العادة السرية عند الفتاة أشد خطورة وذلك لأن الفتاة قد تلجأ لاستعمال أدوات أو أشياء لحك الأعضاء التناسلية في طلب النشوة مما قد يصل لمحاولة إدخال إصبعها بالمهبل مما يهدد عذريتها . " انتهى
وهناك بعض النصائح التي يمكن الاستفادة منها ، لعلاج هذه المشكلة، وهي :
1. " الإسراع بالزواج إن كان الشخص قادرا على ذلك .
2. الإرادة هي العامل الأول والرئيسي لترك هذا الفعل .
3. ضبط النفس – وليس الكبت ويكون ضبط النفس بمعرفة الشخص نفسه بضعفه وسرعة تأثره في المواقف ، لذلك يحاول أن يبتعد عن هذا الطريق الذي يؤدي به الإثارة ولا يسمح لهذه الرغبات والتهيجات أن تكون بنفسه من الأساس . وأما الكبت فيقصد به هو تخزين الرغبات الجنسية بحجة التحكم فيها، فتظل الرغبة مشتعلة تنتظر اللحظة المناسبة لتخرج . والخلاصة أن يبتعد الشخص عن كل ما هو من الممكن أن يثيره جنسيا ويبتعد عن مشاهدة الأفلام الخليعة وعن مواطن الإثارة .
4. حاول أن توجه حواسك وفكرك في أمور كالطبيعة والتأمل في خلق الله وملكوته ، فهذا أفضل من توجيه الفكر في الجنس .
5. صن حواسك ونقي نظراتك ولا تسمع للأحاديث الغير مجدية ، وانظر إلى كل فتاة على أنها أختا لك .. .
6. لا ترجع إلى فراشك بعد أن تنهض منه --- ولا تعد إلى الفراش إلا وأنت تشعر بالتعب حتى تنام مباشرة .
7. تجنب الحمامات الساخنة وحاول الاستحمام وأنت على عجل (مثلا ، صباحا قبل الذهاب للمدرسة ، الجامعة أو العمل) .
8. تجنب الكتب المثيرة وأحسن اختيار الأصدقاء الذين يعينونك على الحق وليس الباطل .
9. الابتعاد عن المأكولات المسببة للغازات والتوابل المهيجة والولائم الدسمة .
10. وأيضا الابتعاد عن أكل اللحم والسمك والأصداف والبيض بشكل مفرط والإكثار من أكل الفاكهة والسلطة والخضار والحليب .
11. أن يحاول الشخص أن ينفتح على العالم الخارجي وأن يكون صداقات نافعة .
12. أن يحاول الإنسان قدر الإمكان أن لا يخلو بنفسه إذا كان يعلم بأنه من النوع الذي يفكر كثيرا بالجنس .
13. القيام بالأعمال الرياضية صباحا ومساء .(33/1595)
14. أما في الحالات الصعبة فاللجوء إلى الطبيب هو أفضل وسيلة إذ يصف الطبيب في هذه الحالة بعض المهدئات التي تخفف منها ." انتهى نقلا عن موقع الصحة .كوم.
وأظن بعد كل هذا لا يبقى مجال إلا التطبيق ، فكم من الكلمات قيلت ، ولكنها ظلت حبرا على ورق، حتى أحياها الناس في نفوسهم ، فتحولت إلى شموع تضيء الطريق .
ـــــــــــــــــــ
ذنوب.. ووسوسة ..وشك في القدر ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
السؤال بسم الله الرحمن الرحيم أريد أن أروي لكم قصتي عسى أن أجد عندكم حلا لمشكلتي الكبيرة جدًا.. أن شاب مصري أعمل الآن بالسعودية. قبل أن آتي إلى هنا كنت أرتكب كثيرا من المعاصي المتعلقة بالشباب غير المتزوج من مصاحبة الفتيات و السعي للتعرف على المزيد و ارتكاب مخلفات معهم، و لكن لم تتعد الاستمتاع بالمرأة الأجنبية و غير ذلك مثل التدخين أحيانا و عدم الالتزام التام بالصلوات مع أن الأصل في الأمر أني كنت أصلي و عائلتي عائلة ملتزمة و قد ستر الله علي معاصي كثيرة فنظرة الآخرين إلي نظرة طيبة ، ثم جاء لي عقد في السعودية فجأة بعد أن خطبت بفترة و بكيت و أنا أودع أهلي و ذلك لخوفي من ركوب الطائرة بعد هذه المعاصي، و ظللت أقرأ القرآن في الطائرة أول أيامي في السعودية،ثم لم تختلف أيامي في السعودية عن أيامي في مصر حيث الاتصال بالبنات على الإنترنت و الهاتف و هناك دش ريسيفر في السكن. حتى في رمضان لم يختلف الحال كثيراً إلا بعد أن ذهبت لأداء العمرة في 28 رمضان و صليت و بكيت ثم عدت. قلت المعاصي بدرجة كبيرة حتى أصبحت معدودة. و بدأت أتذكر ذنوب الماضي و أندم و أخاف و أعاهد الله على عدم العودة. ثم ذهبت إلى الحج و أديته و الحمد لله و في آخر أيام الحج بدأت عندي وساوس في العقيدة و زادت بعد العودة لأني كنت بمفردي بدأت بشبهات يجلبها الشيطان لي.و دخلت على مواقع إسلامية لكي أحاج ما يلقيه الشيطان في نفسي من حيل و أفكار مثل "الأدلة المادية على وجود الله سبحانه و تعالى" و غير ذلك و تعلمت حجج الإيمان. و لكن بدأ الشيطان يجعلني أسال "ليه" عن كل شيء ثم في ليلة ما بدأ الشيطان يجلب في ذهني ألفاظ شنعية في ذات الله عز و جل (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً) و أحيانا في شخص النبي صلى الله علية و سلم و أحيانا في آيات القرآن. عندما أدعو الله في كل مرة أشعر أنني بحاجة إلى استدعاء كل حجج الإيمان لأشعر بالإخلاص في الدعاء كل ما أرى آية من آيات الله في الكون أخاف جداً و أقول لنفسي ماذا أقول لسؤال الملكين و كيف أقف بين يدي الله سبحانه و تعالى و قد مرت في نفسي هذه الألفاظ الشنيعة و أخاف من سوء الخاتمة و أنت تداهمني هذه الوساوس عند الموت هل أنا مصاب بمرض الوسواس القهري أم أن الشيطان لعب علي لعبة كبيرة و أنا سقطت فيها فأحذ الفرصة و تمادى؟؟؟ مع العلم أني أصبحت مواظبا على جميع الصلوات(مع وسوسة الشيطان في الصلاة و لكن أجاهده) و تقريبا انتهيت من حفظ سورة البقرة و بدأت أعمل بعض الأعمال لوجه الله تعالى مثل العودة إلى الله عن طريق الإيميل و قد قطعت صلتي بالبنات و(33/1596)
اكتفيت بخطيبتي و تعلمت غض البصر و أقلعت عن معاصي الشباب ما هو العلاج للخروج من هذه الحالة و هل الدعاء يغير المكتوب إذا كان أحد مكتوب له سوء الخاتمة و العياذ بالله. و جزاكم الله خيراً ... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
الأخ الفاضل :
الحمد لله تعالى الذي هداك إلى طريقه ، ورزقك العمل الصالح .
وقد احتوى سؤالك على أكثر من شيء :
الأول : الذنوب والمعاصي والتوبة منها .
الثاني : الوسوسة في العقيدة .
الثالث : القدر والختام بسوء الخاتمة ،وهل هي جبر أم اختيار.
أما عن الأول : الذنوب والمعاصي والتوبة منها :
فقد ذكرت أنك كنت عاصيا، وقد تاب الله تعالى عليك، ومن صدق التوبة مع الله تعالى أن يتغير حال الإنسان ، من الشر إلى الخير ، ومن العمل السيئ إلى العمل الصالح، وأن يكثر الإنسان من أعماله الصالحة ، وقد قال العلماء: من علامة قبول التوبة أن يتبع العبد العمل الصالح عملا صالحا بعده، فيكون في عمل صالح دائما، ومن علامات الغفلة أن يتبع الإنسان العمل السيئ عملا سيئا مثله.
وأنت تذكر أنك على خير الآن، وأنك تقوم ببعض الأعمال الصالحة ، فاحمد الله تعالى على هذا ، وأكثر منه ، واجعل لك رفقة صالحة تعينك على أمر دينك، وتأخذ بيدك إلى طريق الله تعالى ، وقد قال سبحانه على لسان موسى عليه السلام :" واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي. اشدد به أزري . وأشركه في أمري. كي نسبحك كثيرا . ونذكرك كثيرا . إنك كنت بنا بصيرا".
واسع قدر الإمكان أن تبعد نفسك عن الجو الذي يجعلها في وسوسة ، من كثرة العزلة ، أو رفقة السوء ، فإنه لما أراد الذي قتل مائة نفس أن يتوب ، دله العالم أن يبحث عن أرض غيرها ، ودله على أناس صالحين .
ولا تنس أن تربط نفسك بالمسجد، فإنه خير مشفى لأمراض القلوب ، ففيه تكون في كنف الرحمن، ويبعد عنك الشيطان ، ولا تجد فيه إلا الراحة والسكينة ، وهو علاج لكثير من الأمراض النفسية والاضطرابات وغيرها ، فيكون المسلم في بيت الله محفوفا بالملائكة تدعو له الله تعالى بصالح الدعاء من الحفظ والمغفرة والرحمة وغير ذلك.
وعليك أن تكثر من قراءة القرآن ، فإنه شفاء لما في الصدور، كما عبر بذلك الله تعالى ، وكم من الأسئلة التي تحير الإنسان يجد إجابتها في كتابه سبحانه وتعالى ، ويحكى أن فتاة شكت في وجود الله تعالى ، وشكت في صحة القرآن، فدخلت حجرة أمها ، فوجدت المصحف فأمسكته ، وفتحته ، فإذا هي تفتح على قوله تعالى " فإن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن(33/1597)
رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (هود: 94-95). فكان الرد من القرآن شافيا لما في صدرها وقلبها.
الثاني :الوسوسة في العقيدة :
أما فيما يخص الوسوسة في العقيدة ، فهي من أهم أعمال الشيطان ، لأنه بهذا يريد أن يخرج المسلم عن عقيدة التوحيد ، وليس هناك علاج للوسوسة أفضل من ترك الوسوسة ، وأن يسير الإنسان بخلاف ما يوسوس له ، وأن يكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وأن يعلم المسلم أن كيد الشيطان ضعيف، كما قال تعالى :" إن كيد الشيطان كان ضعيفا "، وقد أحسنت صنعا إذ قرأت في وجود الله تعالى، فربما كان هذا تثبيتا لك على الحق والإيمان ، ولكن على الإنسان ألا يستسلم لوساوس الشيطان ، وأن ينظر حوله ، فسيجد كل ما حوله ينطق بوحدانية الله تعالى ، وقدرته وجلاله وعظمته ، وحين ينكر الإنسان الشمس التي يراها كل الناس، فهو إنسان أعمى، وإنكار ذات الله أعمى العمى ، كيف وكلنا منه وإليه، وما نحن إلا جزء يسير من خلقه " لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس"، وما نحن إلا ذرة في فلاة ، أو قطرة من ماء بحر .
الثالث : القدر والختام بسوء الخاتمة ،وهل هي جبر أم اختيار؟ :
أما فيما يخص القدر ، فإن الله تعالى لم يجبر أحدا أن يجعل هذا من أهل الجنة ، وهذا من أهل النار ، فالله تعالى لا يحابي أحدا على حساب أحد، " ولا يظلم ربك أحدا" " وما ربك بظلام للعبيد" ، وقد قال الله في الحديث القدسي " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا" .
وقد ربط الله تعالى مصير الإنسان بعمله في عشرات الآيات من القرآن الكريم " من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها "، " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ".
وغيرها من الآيات الكثيرة التي تربط مصير الإنسان بعمله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " اعملوا ، فإن كلا ميسر لما خلق له" ، فأمرهم بالعمل ، وقد كلف الله تعالى الناس بطاعته ونهاهم عن اجتناب معاصيه ، وجعل الجنة لمن أطاعه ، والنار من عصاه ، والإنسان هو الذي يطيع ، وهو الذي يعصي، وعلى أساس هذا يجد الإنسان كتابه " اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا".
فلا تظن في نفسك أن الله تعالى أجبرك على أن تكفر به ، أو تشرك به ، كلا كلا ، إن الله تعالى أرحم بعباده من عباده ،وهو القائل :" مايفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما".
فابتعد عن وساوس الشيطان، واملأ حياتك بالطاعة والحياة والإيمان ،وعش كما يعيش ملايين الناس مؤمنين بالله تعالى ، يعيشون دنياهم مزرعة لآخرتهم ، لينعموا بما رزقهم الله تعالى في الدنيا ، ثم ينعمون بما يهبهم الله تعالى من نعيمه في الآخرة.
ولا بأس من مراجعة الطبيب النفسي ، لعلاج هذه الوسوسة ، مع الدعاء الدائم أن يرفع الله تعالى عنك هذا البلاء، واجتهد أن تنجح فيه ، لتفوز برضوان الله تعالى ، واعلم أن الله تعالى لا يبتلي أحدا إلا وهو يعلم أنه قادر على أن ينجح في ابتلائه " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها "و " لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ".(33/1598)
ـــــــــــــــــــ
لا أجد طعم التوبة..أنت لم تتب ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
فعلت كبيرة من الكبائر لوقت طويل ولكن لظروف خارجه عن إرادتي توقفت عنها، وتبت ولكنى لا أستطيع أن أشعر بالندم وأخشى أن أعود إلى ذلك الذنب لو توافرت الظروف ماذا أفعل لأكره هذا الذنب وأتوب إلى الله ؟ ... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
الأخ السائل:
الإكثار من الذنب يحدث رانا على القلب، فلا تجد القلب يستشعر الخوف من الله ، وقد هتك الإنسان الستر الذي بينه وبين الله تعالى، ويصبح قلبه قاسيا كالحجر،و صاحب هذا القلب يتطلب منه عملا مضاعفا من التوبة ، أوله أن يحاول أن يعيد لقلبه بعض الحياة بعد أن مات قلبه ، فلا يصلح أن نزرع في أرض صلبة ، بل لابد من تهيئتها أولا حتى تكون صالحة للزرع، ثم تأتي عملية الزرع فيما بعد .
وفي حالتك هذه يجب أن تحدث هزة كبيرة في قلبك ، أو يحدث انقلاب قلبي عندك، بعد أن مات بعمل الفاحشة مدة طويلة، وسل الله تعالى أن يعيد إليك قلبك مرة أخرى ، قد يكون ذلك من حادث تراه فيمن حولك ، أو سماع بعض المشايخ في ذم ما أتيت من كبيرة ، أو تعرف حجم الجرم الذي ارتكبته ، والأضرار التي ترتبت عليه .
كما أنه يجب عليك أن تحيي في قلبك الخوف من الله ، وأن تقرأ وتسمع عن عذاب الله ، وتعرف من أحوال أهل النار ما يجعل الإنسان يشيب رأسه ، وأن تقرأ في أحوال الصالحين وخوفهم من الله ، ومع قلة ذنوبهم بالنسبة لنا ، ولكنهم كانوا أشد خوفا من الله ، حتى إن أحدهم ليسمع الموعظة ، فيخر عليه مغشيا .
وقد ذكرت أنك قد تبت إلى الله تعالى ، ومن لوازم هذه التوبة كره الفعل ، ولكن هذا لم يحدث لك كما ذكرت في رسالتك ، ومعنى هذا أنك لم تتب توبة صادقة ، ولكن سعيك وسؤالك يعني أن هناك صدقا في نفسك طلبا للتوبة إلى الله تعالى .
فابدأ من هذا الطلب الصادق للتوبة إلى الله ، واهزز أركان قلبك ، ونقه مما شابه من الشوائب والمعكرات ، وإليك بعض النصائح في هذا المقام غير ما ذكر في الكلام السابق :
1- ابتعد عن الأماكن التي تظن أنها تقربك من هذه المعصية.
2- ابتعد عن قرناء السوء، الذين يأخذون بيدك إلى معصية الله .
3- استمع كثيرا إلى كلام الله تعالى ، فإن كلام الله مما يرقق القلب ، ويفتح مغاليقه ، ويقلب مرضه صحة وعافية .
4- انظر صحبة صالحة ، تصاحبك وتعينك على طاعة الله تعالى .
5- أكثر من الدعاء إلى الله تعالى أن يهبك العافية في الدنيا والآخرة .
6- اقرأ كثيرا في أضرار ما أتيت من محرم .(33/1599)
7- ضع خطوات عملية للابتعاد عن إتيان المعصية التي تفعلها ، فأنت أدرى الناس بنفسك ، وإن أفتاك الناس وأفتوك.
واعلم أخي السائل أن الله تعالى ما خيب رجاء من دعاه، وأنه ما أغلق بابه أمام من طلب توبته، فإنه سبحانه هو الغفور الرحيم.
ـــــــــــــــــــ
الطريق إلى حفظ القرآن ..والنصائح السبع ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد مشكلتى هى ببساطة أنني لا أستطيع حفظ القرآن كما أنني لا أحفظ سوى السور القصيرة، وقد حفظتها فى طفولتى ، أما هذه الأيام فلا أستطيع الحفظ مع العلم أنني ضعيف الذاكرة بشكل ملحوظ، كما أنني أحب سماع القرآن أكثر من تلاوته، فهل بهذه الطريقة آخذ ثواب سماعه ، مع العلم أنني أسمعه بتعقل وتدبر وإنصات وإعجاب شديد بكلام الخالق عز وجل ولكم جزيل الشكر. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
يقول الشيخ سمير حشيش الواعظ بالأزهر الشريف:
الأخ الحبيب/ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،
سررت كثيرا وأثلج صدري حين قرأت رسالتك، وقلت في نفسي: ما شاء الله، مازال في الناس خير كثير، مازال منهم من يصبح ويمسي وهمه كتاب الله عز وجل– وحفظه وتلاوته.
وأحب أن أبشرك يا أخي بأن حبك للقرآن ولسماعه – خاصة حين يكون السماع بتعقل وتدبر وإنصات وإعجاب – يجلب لك أجرا كريما وثوابا عظيما من الخالق – سبحانه وتعالى.
ولقد كان سيدي وسيدك – رسول الله صلى الله عليه وسلم – يحب أن يسمع القرآن من غيره، كما صرح هو – صلى الله عليه وسلم – بذلك لابن مسعود حين سأله: يا رسول الله أقرأ عليه وعليك أنزل؟ فقال: أحب أن أسمعه من غيري. وقد كان – صلى الله عليه وسلم – يتفاعل مع القرآن حتى إن ابن مسعود حين وصل قول الله سبحانه – من سورة النساء – (.فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا) ( النساء :41) قال صلى الله عليه وسلم حسبك. يقول ابن مسعود: فنظرت فإذا عيناه تذرفان .
فهنيئا لك – يا أخي – توافق فطرتك مع فطرة خير البشر وتوافق هواك مع هواه – صلى الله عليه وسلم -، وهو القائل – صلى الله عليه وسلم – "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به" . وأي هوى خير ممن يهوى سماع القرآن، ويعقل ويتدبر وينصت ((اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ(33/1600)
يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَّشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)) ( الزمر:32) .
ولا يفوتني أن أبشرك بحديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة، ومنهم "شاب نشأ في عبادة الله، وأرجو الله أن تكون منهم.
أخي الكريم، نعود إلى ما أوردته من معلومات في استشارتك وهي كما يلي:
• تحفظ السور القصيرة منذ طفولتك.
• ضعيف الذاكرة بشكل ملحوظ.
• لا تستطيع الحفظ هذه الأيام.
وهذه يا أخي – معلومات طبيعية جدا، فأخصب مراحل العمر لحفظ القرآن هي مرحلة الطفولة، وكما يقولون : التعليم في الصغر كالنقش على الحجر.
فليت الآباء المسلمين يدركون ذلك جيدا ويدركون عظم مسئوليتهم تجاه أبنائهم فيعلموهم القرآن من صغرهم .
ثم إن الذاكرة تقل فعلا مع تقدم العمر عما كانت عليه في الصغر، لكن أن تكون أنت ضعيف الذاكرة بشكل ملحوظ فهذا ما قد تختص به دون الأعم الغالب من الناس.
ويترتب على ذلك طبعا أنك لا تستطيع الآن الحفظ بسهولة ويسر، ولكن – يا أخي – إن من رحمة الله تعالى أن يسر القرآن للحفظ والادِّكار والفهم والتلاوة، فإن شئت أن تكون من حفظة كتاب الله كنت، ولكن لا بد من العزيمة والهمة العالية، فشمر يا أخي واشدد إزارك واستعد لأنْ تكون من صفوة الله في الأرض ومن أهل القرآن وخاصته.
وأحب أن أشير يا أخي – قبل أن أدخل في الموضوع – إلى أنك طالما كنت طبيعيا في صغرك فإنك طبيعي الآن أيضا، وإلى أن ضعف الذاكرة الموجودة الآن عندك ليس مرضا أو جبلة فيك بقدر ما هو مسبب عما قد تفعله من ذنوب ومعاص.
فالأسباب المادية – يا أخي – ليست هي كل شيء في مثل هذه الأمور خاصة، وهذا هو الحسن البصري يشكو إليه رجل ويقول: يا إمام، أعد طهوري، وأنام مبكرا، وأعزم على القيام فما بالي لا أقوم؟! فقال: قيدتك ذنوبك.
فتقوى الله – يا أخي – هي الأساس المتين قبل أن تدخل في أسباب مادية أخرى.
وبعد تحقيق هذا الشرط - يا أخي – إن كانت لديك مشكلة في الذاكرة فإن الأمر هين ويسير، والتغلب على ضعف الذاكرة ما أيسره وأسهله بشيء من التنظيم والترتيب، وإليك يا أخي بعض النصائح.. التي أسأل الله أن ينفعك بها وينفع بها المسلمين ويرزقني فيها الإخلاص – فأقول وبالله التوفيق:
أولا: لا بد من الشيخ،.. لابد من الالتزام على متخصص حافظ للقرآن، لأن ذلك سيحملك معظم الأوقات على ألا تكسل أو تقصر على الأقل حياء من شيخك، وحفظا لماء الوجه معه. ثم إن ذلك يفيدك في ضمان النطق الصحيح والأداء السليم للقرآن. ولقد أثر عن مشايخنا قولهم: "لا تأخذ العلم من صحفي، ولا القرآن من مصحفي"، أي لا يؤخذ العلم من الكتب دون عالم ، ولا يتعلم القرآن من المصحف دون شيخ حافظ.(33/1601)
ثانيا: قلل من الكم المحفوظ إلى القدر الذي لا يجهدك ذهنيا، فذلك أوعى لحسن حفظه وتثبيته في الذاكرة... فإن كنت تستطيع حفظ صفحة مثلا فاحفظ نصفها فقط مع التركيز في الحفظ وكثرة التكرار حتى بعد الوصول للحفظ التام.
ولا تستقل يا أخي أن تحفظ القليل من القرآن ، ولو آية واحدة يوميا؛ فلأن تزداد كل يوم آية وتتقنها خير من أن تبقي هكذا دون حفظ... فلا أنت تحفظ جيدا ولا أنت تكف عن المحاولة، وأخشى أن تصل إلى اليأس من نفسك وتفقد الثقة في قدراتك.
وهذا مدخل من مداخل الشيطان ليفسد عليك همتك ويكسر عزيمتك ولقد أوصانا نبينا – صلى الله عليه وسلم – فقال: "أحب الأعمال إلى الله – تعالى – أدومها وإن قل"، وقليل دائم خير من كثير منقطع كما يقولون.ولقد عاينت بنفسي وأنا أمارس التحفيظ من يستعجلون فلا يقنعون بحفظ القليل لا يكادون يتخطون الجزء الخامس، أما غيرهم ممن كان يلتزم بالنصيحة ويقلل الكم المحفوظ مع المداومة فقد أتم بحمد الله الحفظ كاملا.
ثالثا: المداومة اليومية وعدم الانقطاع مهما كانت الظروف، وإن لم تستطع الالتقاء بشيخك يوما ما فاستمر في حفظك حتى تلاقيه وتقرأ عليه كل ما حفظت.
ولتنجح في هذه الجزئية فلا بد من الالتزام بما ذكر في ثانيا.
رابعا: استعن بالكتابة على تثبيت الحفظ.
وهذه وصفة مجربة وجيدة وبإذن الله مضمونة.
ولقد كان مشايخنا لا يحفظون إلا على الألواح التي يكتبونها يخط يدهم أمام شيخهم. حتى إننا إلى عهد قريب في الريف كنا نسمي النص المحفوظ بـ "اللوح". وقد تحتاج إلى تكرار الكتابة لتقوية وتثبيت الحفظ.
خامسا: كثرة السماع للمحفوظ.
وأظنك تقوم بذلك – كما ذكرت في رسالتك – لكن قد تحتاج إلى ترشيد. فركز سماعك فيما أنت بصدد حفظه الآن وفيما تم حفظه من قبل للمراجعة والاستذكار.
سادسا: اقرأ ما تحفظه – مما سبق، أو مما أنت بصدد حفظه وهو الأولى – في صلواتك، فإن كنت إماما قرأت به وإن كنت مأموما قرأت به في السرية، أو قرأت به في النوافل.. المهم أن تستعمل ما تحفظه في صلاتك دائما.
سابعا: التعاهد بالمراجعة المستمرة.
وهو في نظري قوام كل ما ذكر سابقا، وهي عمدة الوصايا جميعا، وبها تحافظ على ما حفظت وتضمن بإذن الله ألا ينفلت منك، وقد أوصى بها خير البشر – صلى الله عليه وسلم – حين قال: "تعاهدوا القرآن، فإنه أشد تفصيا من الإبل في عقلها"
وأخيرا أخي الحبيب/ أسأل الله العظيم أن يوفقني وإياك ويشرح صدري وإياك وينفعني وإياك ويهديني وإياك والمسلمين إلى الصراط المستقيم، وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ
الشك في وجود الله ..وهم زائل ... العنوان
العقيدة ... الموضوع(33/1602)
بسم الله الرحمن الرحيم.. أنا فتاة أبلغ من العمر 17 عاما، لدي مشكلة، وأرجو مساعدتي، مشكلتي لها صلة بالعقيدة.. أي لدي شك في وجود الله والاعتقاد به.. ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول مسعود صبري الباحث الشرعي بموقع إسلام أونلاين .نت
الأخت الفاضلة :
الشك في العقيدة أعتبره في حياة المسلمين في الغالب شيئا عارضا، ليس له تأصيل كبير في حياة المسلم ، فمن الجيد أن تبوحي بما في نفسك ، حتى لا يأخذ الشك طريقه دائما في حياتك ، بل هو شيء عارض ، نسأل عنه ، حتى يزول ما بنا إن شاء الله تعالى .
إن في حياة كل إنسان يوميا ما يجعله مؤمنا بالله تعالى ، فحين يوسوس الشيطان لنا بالشك في الإيمان بالله تعالى ، فيجب أن نفكر في حياتنا ، من نحن ؟ وكيف أتينا ؟ ومن الذي يسير حياتنا ؟ ومن الذي يرزقنا ؟ ومن الذي يرعانا ليل نهار؟ ومن الذي يدبر كل الأمور؟ إن كل صنعة لها صانع ، ونحن صنيعته ، وحين البحث عن الصانع لا نجد إلا الله تعالى ، خالق الكون كله ، ومدبر الأمر كله ، وإليه يرجع الأمر كله ؟
تذكري في حياتك ، كم أنجاك الله تعالى من كرب؟ وكم كان معك من موقف؟ وكم وفقك في أمور من حياتك ؟ وكم وهبك من نعمه مما لا يعلمه في حياتك إلا أنت؟
إن وجود الله تعالى لا يحتاج إلى دليل ، لأن كل الأدلة ظاهرة على وجوده ، وما ينكر الشمس إلا أعمى، فإن كل الناس يرونها، فهذه الشمس ، فما بالنا بالذي خلق الشمس والقمر وكل الخلق أجمعين ؟
أطلب منك أختي أن تقرئي في الإعجاز العلمي كثيرا ، فإنه مما يدل على الله تعالى ، فالعلماء يدركون أن الماء يتكون من الأوكسجين والنيتروجين ، وعندهم المادتان ، لكنهم ما استطاعوا أن يصنعوا قطرة من ماء؟ فمن الذي خلقه وأوجده لنا ؟ إنه الله تعالى ، القادر على كل شيء ، المصرف للكون بما يشاء " إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون "، انظري في نفسك ، وفي جسدك ، من الذي يحركه ، ومن الذي يسيره، وأنت نائمة ، بل وأنت مستيقظة ، من الذي يجعل الأجهزة تقوم بوظيفتها؟ وتلك الحسابات الدقيقة للجسد ، والإشارات التي يعطيها المخ للأعضاء والأعضاء للمخ، كيف يتم هذا ؟ إنه يتم دون إرادة منا ، ودون علم لنا فيه .
من الذي أوجدك من نطفة إذا تمنى؟ وعلى الهيئة التي خلقت بها؟ من الذي أعطاك لونك ، بينما غيرك له لون آخر؟ حجمك وحجم غيرك ؟ لغتك ولغة غيرك؟ إحساسك وإحساس غيرك؟ أشياء كثيرة لا تعدى ولا تحصى هي دالة على وجوده سبحانه وتعالى ، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا وسوس الشيطان للإنسان في هذا الأمر أن يكثر من الاستعاذة بالله تعالى ، و أن يقول:" الله ربي ، لا إله إلا هو" ،(33/1603)
ولكن اطمئني فهذه وسوسة كأعجاز نخلة خاوية ،لا تثبت في حياتك، ولكن عليك أن توقظي مواطن الإيمان في نفسك .
و يقول الأستاذ جمال عبد الناصر الباحث في العقيدة والفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم :
الأخت الفاضلة أم هزاع.. سلام الله عليك ورحمته وبركاته..
من نعم الله علينا أن منَّ علينا بالإيمان، فهذا فضل من الله كبير يتوجب علينا أن نشكره، ومن نعمه علينا أيضا أن وهبنا عقلا وحواسَّ ندرك بها بديع خلقه والأدلة الكونية على وجوده.
إن كل شيء يدل على وجود الله سبحانه وتعالى، إذ ما من شيء إلا وهو أثر من آثار قدرته سبحانه، فما ثم إلا خالق ومخلوق، وقد نبه القرآن الكريم إلى دلالة كل شيء على الله تعالى، كما في قوله عز وجل: {قل أغير الله أبغي رباً وهو رب كل شيء} (الأنعام: 164).
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
وقد سئل أحد الأعراب سؤالاً موجهاً إلى فطرته السليمة، فقيل له: كيف عرفت ربك؟ فقال: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، وجبال وأنهار، أفلا يدل ذلك على اللطيف الخبير؟
وقد ذكر لنا القرآن استدلالات لأنبياء الله ورسله صلوات الله عليهم حينما كانوا يناظرون ويجادلون بعض الملاحدة الذين ينكرون وجود الله، وإن كانوا في قرارة أنفسهم ليسوا كذلك، وإنما كانوا يقولون هذا تكبراً وعناداً واستعلاءً في الأرض. وإليك هذين المثالين من كتاب الله جل وعلا:
المثال الأول: نبي الله إبراهيم عليه السلام مع الطاغية النمرود بن كنعان:
قال عز وجل: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (البقرة: 258).
فقوله {ربي الذي يحي ويميت } أي: أن الدليل على وجوده سبحانه حدوث هذه الأشياء ووجودها بعد عدمها.
المثال الثاني: موسى عليه السلام مع الطاغية فرعون مصر، وما كان بينهما من المقاولة والجدل، وما استدل به موسى على إثبات وجود الله تعالى. وقد جاء ذلك في مواضع من القرآن.
قال تعالى: (قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)
)طه: 49-50(. أي أنه قد ثبت وجود وخلق وهداية للخلائق، ولا بد لها من موجد وخالق وهاد، وذلك الخالق والموجد والهادي هو الرب سبحانه، ولا رب غيره.
وفي موضع آخر قال سبحانه: (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنْتُم مُّوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (الشعراء: 23-28).(33/1604)
والمقصود أن منهج الأنبياء في الاستدلال على ربوبية الله ووجوده هو استشهاد هذا الكون بأجمعه، واستنطاق الفطرة بما تعرفه وتقر به من حاجة الخلق إلى خالق، وافتقار البرية إلى بارئ.
وأحد العلماء الغربيين الذي كان يتابع تطورات خلق الجنين بالموجات فوق الصوتية عندما لاحظ الجنين ساعة نفخ الروح فيه توقف صارخا:
Here is the god
"هنا الله"..
علم أن هذا أمر لا طاقة له ولا للبشر به، ولا يستطيع إدراكه بأجهزته، وصدق ربنا تبارك وتعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) (الإسراء: 85).
هكذا فمن سار في طريق الإيمان نجا وفلح، ومن سار في طريق التيه والضلال خاب وخسر، يقول الله تبارك وتعالى:
(فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) (طه: 124 ـ 126).
تعالي معنا أختي الفاضلة نتعرف على الإيمان بالله في عجالة:
إن الإيمان هو جوهر الدين، والعقيدة الصحيحة هي قاعدته السليمة التي ينهض عليها وهي الدافع القوي إلى العمل الصالح. فالانحراف عن العقيدة الصحيحة مهلكة وضياع، والفرد بلا عقيدة ربانية يكون فريسة للأوهام والشكوك التي ربما تتراكم فتحجب عنه الرؤية الصحيحة لدروب الحياة ورسالته فيها، والمجتمع الذي لا تسوده عقيدة ربانية هو مجتمع بهيمي وحشي همجي يفقد كل مقومات السعادة والطمأنينة وإن كان يملك كل مقومات الحياة المادية والتي كثيراً ما تقوده إلى الدمار والانحلال الاجتماعي والأخلاقي كما هو مشاهد في بعض المجتمعات الغربية، التي تملك قوة مادية ولا تملك عقيدة إيمانية صحيحة. فقد وفرت هذه المجتمعات لأصحابها الرفاهية والمتعة والطعام والشراب ولكنها دمرت الإنسانية والطمأنينة الاجتماعية والأمان وسائر القيم الأخلاقية، فقد قطعت الأرحام، وما عرفت الوالدين حقا ولا فضلا، بل سنت لهم سنة أن يلقوا في دور المسنين حتى يتوفاهم الله، ولا مانع من أن يتصل بهم أبناؤهم في المناسبات أو يرسلوا إليهم برقيات تهنئة!!!!
من هنا وفي صراعات هذا العصر الذي يغرق حياة المسلم بالمسائل التافهة من لهو الحياة ولغوها، ليس هناك من عمل أنفع وأشرف من أن يتعلم الإنسان أمور دينه وأركان إيمانه ومقتضياته، وأن يتعرف على معاني ومزالق الكفر والضلال ويحترس منها ويعلمها غيره من إخوانه المسلمين.
ومن هذا المنطلق نتعرف معا على بعض المفاهيم في العقيدة الإسلامية التي رأينا أنها تمثل الحد الأدنى من المعرفة التي لا غنى لمسلم عنها في هذا المجال، بعيداً عن الخوض في الجدل والصراعات الكلامية.
أهمية العقيدة
العقيدة الصحيحة هي الأساس الذي يقوم عليه الدين وتصح معه الأعمال كما قال تعالى:(33/1605)
(فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف: 110).
وقال تعالى:
(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (الزمر: 65). وقال تعالى: ( فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * أَلاَ للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) (الزمر: 2 ـ 3).
فدلت هذه الآيات الكريمة وغيرها على أن الأعمال لا تُقبل إلا إذا كانت خالصة من الشرك، ومن ثم كان اهتمام الرسل صلوات الله وسلامه عليهم بإصلاح العقيدة أولاً، فأول ما يدعون أقوامهم إلى عبادة الله وحده وترك عباده ما سواه ـ كما قال تعالى:
( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) (النحل: 36). وكان كل رسول يبدأ دعوته مع قومه: (اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) (الأعراف: 59). قالها أنبياء الله عليهم السلام مثل: نوح، وهود، وصالح، وشعيب وسائر الأنبياء.
ولقد بقي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في مكة بعد البعثة ثلاثة عشر عاماً يدعو الناس إلى التوحيد وإصلاح العقيدة؛ لأنها الأساس الذي يقوم عليه بناء الدين.
وقد احتذى الدعاة والمصلحون في كل زمان حذو الأنبياء والمرسلين فكانوا يبدءون بالدعوة إلى التوحيد وإصلاح العقيدة، ثم يتجهون بعد ذلك إلى الأمر ببقية أوامر الدين.
معنى الإيمان
الإيمان في اللغة: التصديق الذي يستلزم القبول والإذعان.
وفي الشرع: تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
وتدخل الأعمال في مسمى الإيمان، ودل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح.
قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ) (البقرة: 143) أي صلاتكم وأنتم متجهون لبيت المقدس قبل أن تؤمروا بالتوجه إلى الكعبة.
وقال صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان".
والإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .
وأحكي لك قصة طريفة ساقها أحد الدعاة إلى الله وهي:
أن أحد رجال الأعمال الأمريكان –لم يكن مسلما-، كان صاحب مؤسسة كبيرة ولديه من المال والعقار الشيء الكثير، ولكنه كان يشعر بالتعاسة والضيق والنكد، رغم كل ما لديه من متع وملذات ووسائل ترف، وإذا به ذات يوم يتفقد مؤسسته وينظر إلى أحد الموظفين الذين يعملون لديه –وكان موظفا مسلما- فوجده في غاية السعادة والرضا، فاستغرب هذا الغني الثري، ولسان حاله يقول:
- كيف لهذا الرجل المتواضع الحال يشعر بكل هذه السعادة؟ وأنا صاحب المال والثروة أفتقدها؟!(33/1606)
- فسأل هذا الموظف قائلا: ما سر ساعدتك؟
- فقال له: كوني مسلما، فاندهش هذا الرجل، وبدأ يتعرف على الدين العظيم الذي منح من يتبعونه السعادة التي عجزت القصور والعمارات والسيارات الفارهة والأموال الطائلة أن توفرها لأصحابها.
وسئل الحسن البصري رضي الله عنه: ما سر سعادتك؟ فقال:
"علمت أن رزقي لا يأخذه غيري فاطمأنّ قلبي، وعلمت أن عملي لا يقوم به غيري فاشتغلت به، وعلمت أن الله مطّلع عليّ فاستحييت أن يراني على معصية، وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء ربّ العالمين".
هكذا يسعد الإيمان أهله، ويذهب عنهم الهم والغم، وقد أثبتت الدراسات النفسية أن من يلتزمون بشرع الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هم أبعد الناس عن الأمراض النفسية، وأيضا أثبتت الإحصاءات أن نسبة الانتحار تزداد وتتضاعف في البلاد التي ليس بها إسلام عند ذوي القلوب الخاوية من ذكر الله عز وجل. أما من نوَّر الإيمان قلوبهم فما أبعدهم عن الانتحار واليأس والخوف.
وأختم حديثي معكِ بمقتطفات من هذه الأنشودة الإيمانية الرائعة:
الله مازكَ دون سائر خلقه وبنعمة العقل البصير حباكا
أفإن هداك بعلمه لعجيبة تزور عنه وينثني عطفاكا
كل العجائب صنعة العقل الذي هو صنعة الله الذي سواكا
والعقل ليس بمدرك شيئا إذا ما الله لم يكتب له الإدراكا
لله في الآفاق آيات لعل أقلها هو ما إليه هداكا
ولعل ما في النفس من آياته عجب عجاب لو ترى عيناكا
والكون مشحون بأسرار إذا حاولت تفسيراً لها أعياكا
قل للطبيب تخطفته يد الردى يا شافي الأمراض: من أرداكا؟
قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب: من عافاكا؟
قل للصحيح يموت لا من علة من بالمنايا يا صحيح دهاكا؟
قل للبصير وكان يحذر حفرة فهوى بها من ذا الذي أهواكا؟
بل سائل الأعمى خطا بين الزَّحام بلا اصطدام: من يقود خطاكا؟
قل للجنين يعيش معزولا بلا راع ومرعى: ما الذي يرعاكا؟
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء لدى الولادة : ما الذي أبكاكا؟
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله: من ذا بالسموم حشاكا؟
وأسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا؟
وأسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهداً وقل للشهد من حلاَّكا؟
بل سائل اللبن المصفى كان بين دم وفرث ما الذي صفاكا؟
وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا ميت فاسأله: من أحياكا؟
وإذا ترى ابن السودِ أبيضَ ناصعاً فاسأله: مِنْ أين البياضُ أتاكا؟
وإذا ترى ابن البيضِ أسودَ فاحماً فاسأله: منْ ذا بالسواد طلاكا؟
قل للنبات يجف بعد تعهد ورعاية: من بالجفاف رماكا؟
وإذا رأيت النبت في الصحراء يربو وحده فاسأله: من أرباكا؟(33/1607)
وإذا رأيت البدر يسري ناشرا أنواره فاسأله: من أسراكا؟
واسأل شعاع الشمس يدنو وهي أبعد كلّ شيء ما الذي أدناكا؟
قل للمرير من الثمار من الذي بالمر من دون الثمار غذاكا؟
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى فاسأله: من يا نخل شق نواكا؟
وإذا رأيت النار شب لهيبها فاسأل لهيب النار: من أوراكا؟
وإذا ترى الجبل الأشم مناطحاً قمم السحاب فسله من أرساكا؟
وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال جرى فسله؟ من الذي أجراكا؟
وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج طغى فسله: من الذي أطغاكا؟
وإذا رأيت الليل يغشى داجيا فاسأله: من يا ليل حاك دجاكا؟
وإذا رأيت الصبح يُسفر ضاحياً فاسأله: من يا صبح صاغ ضحاكا؟
هذي عجائب طالما أخذت بها عيناك وانفتحت بها أذناكا!
والله في كل العجائب ماثل إن لم تكن لتراه فهو يراكا؟
يا أيها الإنسان مهلا ما الذي بالله جل جلاله أغراكا؟
هذا ما أردت أن أقوله لك.. داعيا المولى عز وجل أن يحفظك ويرعاك ويجلو عنك الشكوك والشبهات.. وتابعينا بأخبارك..
ـــــــــــــــــــ
تسع نصائح في صلاة الفجر ... العنوان
العبادات ... الموضوع
أواجه مشكلة دائمة مع الاستيقاظ لصلاة الفجر فيندر أن أصليها قبل شروق الشمس على الرغم من محافظتي على باقي الصلوات .. هل من خطوات تساعدني على الالتزام ؟ كم ساعة من النوم يحتاج الجسم في كل ليلة ؟ متى يجب علي النوم ؟ أحس بالألم مع صباح كل يوم ... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
الأخ الفاضل :
إن من توفيق الله تعالى للعبد المؤمن أن يرزقه الوقوف الدائم بين يديه ، وأن يلتزم المسلم قرع باب الله تعالى ، وأن يناجيه طويلا، لأن هذا يحقق جزءا كبيرا من عبودية المسلم لله رب العالمين، ومن هذه الوسائل التي تحقق العبودية في حياة الإنسان الصلاة ، لأنها صلة بين العبد وربه، وأي نقض لها ، فهو نقض لجزء كبير من الصلة ، وأي تقصير فيها، فهو تقصير في الصلة بالله تعالى ، وهذا يعني أن هناك خللا كبيرا في حياة المسلم ، يجب عليه أن يعالجه فورا ، وأن يسعى لتصحيح مساره ، وخاصة أن هذا الأمر بينه وبين الله ، والله تعالى هو أول من يجب أن يفكر فيه الإنسان، وأن يطيعه فيما أمر ، وأن يجتنب ما نهى عنه سبحانه وتعالى .
إن في صلاة الفجر نورا يقذف في القلوب ، وطمأنينة تروي النفوس ، فيبدأ المسلم يومه بالذهاب إلى بيت الله ، ليحل ضيفا عند الله ، فيستنشق الهواء النقي ، الذي لم(33/1608)
يلوث بذنوب البشر، ولتكون أول حركات جسده طاعة لله ، فيتغذى الروح والجسد أول ما يتغذيان على طاعته سبحانه ، مما يكون له الأثر الطيب في سلوكه طوال يومه ، وهذا ما يفسر طيب نفس المسلم الذي يبدأ يومه بصلاة الفجر،وخبث نفس من لا يصلي ، كما جاء في الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب مكان كل عقدة عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان.)
ومن أهم ما يساعد المسلم على صلاة الفجر ما يلي :
1-أن يدرك المسلم ثواب صلاة الفجر وعظيم فضلها ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" من صلى البردين دخل الجنة" ، والبردان : الفجر والعصر.
وأن المحافظ على الصلاة عليها ، يحفظه الله تعالى من النفاق ، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم، ثم آمر رجلا يؤم الناس، ثم آخذ شعلا من نار، فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد).
وأن صلاة الفجر مما يرزق الله تعالى العبد محبته ، فمن جاهد نفسه وشيطانه، وقام من نومه الذي هو فيه مستريح، ما أقامه إلا الله ، فإن الله سبحانه وتعالى يتفضل عليه بحبه له ، لأن من آثر الله تعالى على دنياه، أحبه الله .
2- أن يسعى المسلم دائما إلى حب الله، ومن أهم الأمور التي تجلب محبة الله ، لقاء الله ، وقد ورد عن بعض الصالحين ، أنه نام ، فوجد زوجته تصلي قبل الفجر، فلما سلمت من بعض صلاتها ، قال لها : مازلت تصلين حتى الآن ، أما تنامين ؟ فقالت: كيف ينام من علم أن حبيبه لا ينام؟
3- أن يكون المسلم صاحب عزيمة ، فإن الناس إن جاءهم سفر قبل الفجر ، فإنهم يلتزمون المواعيد، ولا يقولون : نحن لا نستطيع الاستيقاظ مبكرا، حتى لو كان نومه ثقيلا – كما يقال -، فإن النفس إن أحبت شيئا ، سعت إليه ، غير آبهة بما يحملها هذا من مشقة وتعب، وأننا في تقصيرنا في صلاة الفجر نتعلل بأشياء كثيرة، هي ليست حقيقية، من كوننا لا نستطيع أن نستيقظ، أو أننا تعودنا على هذا ، ولا يمكن لنا تغييره ، فهذا كذب على النفس، والتغيير ليس بالصعب، فالنية الصادقة، والعزم الأكيد ، يحول كثيرا من مظاهر حياة الإنسان ، ومن عزم على فعل شيء ، وفقه الله تعالى إليه، وفعله هو بإرادته ،ولذا واجب علينا أن نراجع أنفسنا بنوع من الصراحة فيما يخص تقصيرنا مع ربنا سبحانه وتعالى ، وخاصة في صلاة الفجر .
4- أن المسلم مطالب بأن ينظم وقته حسب أوامر ربه ، لا أن ينظم أوامر الله حسب نفسه وهواه ، وقد قال تعالى :( ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله )، وقال :( أفرأيت من اتخذ إله هواه أفأنت تكون عليه وكيلا ) ، وكما قال علي رضي الله عنه : الهوى شر إله عبد في الأرض .
5- أن يستغل المسلم كل فرصة تدفعه إلى طاعة الله تعالى ، فربما رأى أصدقاءه يحافظون على الصلاة ، فلماذا لا يحافظ هو؟ والحكمة ضالة المؤمن ، أنى وجدها ،(33/1609)
فهو أحق بها ، إنه يحدث لنا في يومنا أحداث كثيرة لجميع البشر ، وعلى العاقل أن يعتبر مما رأى بما ينفعه، ودعني أحكي لك هذه الحكاية :
ففي يوم من الأيام كان هذا الطفل في مدرسته وخلال أحد الحصص كان الأستاذ يتكلم فتطرق في حديثه إلى صلاة الفجر وأخذ يتكلم عنها بأسلوب يتألم سن هؤلاء الأطفال الصغار وتكلم عن فضل هذه الصلاة وأهميتها سمعه الطفل وتأثر بحديثه،
فهو لم يسبق له أن صلى الفجر ولا أهله..
وعندما عاد الطفل إلى المنزل أخذ يفكر كيف يمكن أن يستيقظ للصلاة يوم غداً..
فلم يجد حلاً سوى أنه يبقى طوال الليل مستيقظاً حتى يتمكن من أداء الصلاة وبالفعل نفذ ما فكر به وعندما سمع الأذان انطلقت هذه الزهرة لأداء الصلاة ولكن ظهرت مشكلة في طريق الطفل.. المسجد بعيد ولا يستطيع الذهاب وحده، فبكى الطفل وجلس أمام الباب..
ولكن فجأة سمع صوت طقطقة حذاء في الشارع فتح الباب وخرج مسرعاً فإذا برجل شيخ يهلل متجهاً إلى المسجد نظر إلى ذلك الرجل فعرفه نعم عرفه أنه جد زميله أحمد ابن جارهم تسلل ذلك الطفل بخفية وهدوء خلف ذلك الرجل حتى لا يشعر به فيخبر أهله فيعاقبونه، واستمر الحال على هذا المنوال،
ولكن دوام الحال من المحال فلقد توفى ذلك الرجل (جد أحمد) علم الطفل فذهل..
بكى وبكى بحرقة وحرارة استغرب والداه فسأله والده وقال له: يا بني لماذا تبكي عليه هكذا وهو ليس في سنك لتلعب معه وليس قريبك فتفقده في البيت، فنظر الطفل إلى أبيه بعيون دامعة ونظرات حزن وقال له: ياليت الذي مات أنت وليس هو، صعق الأب وانبهر لماذا يقول له ابنه هذا وبهذا الأسلوب ولماذا يحب هذا الرجل؟
قال الطفل البريء أنا لم أفقده من أجل ذلك ولا من أجل ما تقول، استغرب الأب وقال إذا من أجل ماذا؟
فقال الطفل: من أجل الصلاة نعم من أجل الصلاة، ثم استطرد وهو يبتلع عبراته لماذا يا أبي لا تصلي الفجر، لماذا يا أبتي لا تكون مثل ذلك الرجل ومثل الكثير من الرجال الذين رأيتهم
فقال الأب: أين رأيتهم؟
فقال الطفل في المسجد
قال الأب: كيف ؟
فحكى حكايته على أبيه فتأثر الأب من ابنه واقشعر جلده وكادت دموعه أن تسقط فاحتضن ابنه ومنذ ذلك اليوم لم يترك أي صلاة في المسجد . انتهى
7- أخي .. إن كنت صادقا في سعيك للحفاظ على صلاة الفجر ، وعزمت النية ، فإن الله تعالى سيوفقك ، لأنه ما طلب أحد من الله تعالى شيئا ، إلا استجاب له ، وأعطاه سؤاله ، بالصورة التي يراها الله تعالى ، وإن كان هذا حال الله مع من طلب منه شيئا من الدنيا ، فما بالنا بمن يطلب من الله أن يعينه على طاعته؟ فإنه أولى الناس بالاستجابة من الله تعالى ،ولكن ابدأ من الآن ، ولا تتكاسل ، ولا تعجل للشيطان عليك سبيلا .(33/1610)
8- الاستعانة بالله تعالى ، ثم ببعض الأسباب ، من ضبط " المنبه " على وقت الصلاة ، والتعاون مع الإخوة والأصدقاء على الاستيقاظ من خلال الاتصال التليفوني، أو الذهاب مباشرة للإيقاظ، وعدم السهر كثيرا، ونوم القيلولة ، وغير ذلك مما يعين المرء على الاستيقاظ مبكرا.
9- أن يجعل المسلم لنفسه ورد محاسبة للفجر، بحيث يقيد كل يوم صلاة الفجر من عدمها ، فيكافئ نفسه ،ولو بشيء قليل على الأداء ، و يعوض ببعض العبادات أو أي عمل صالح بنية التكفير عند التقصير في أداء صلاة الفجر، أو بأية طريقة يراها مناسبة له .
أما عن عدد الساعات التي ينام الإنسان ، فهي تختلف من شخص لآخر ، ومن الناس من يرى أنها ما بين ست إلى ثماني ساعات ، ومن الأدب الإسلامي أن ينام الإنسان مبكرا حتى يستطيع الاستيقاظ لصلاة الفجر، وفي النوم مبكرا من ساعات الليل راحة للجسد ، وكلما نام الإنسان مبكرا، كلما نام عددا أقل، مع راحة للجسد أكثر ، وكلما نام متأخرا، نام عددا من الساعات أكثر ، مع عدم أخذ الجسد كفاية " وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا" .
وتتمة للفائدة، فإني أسوق إليك بعض النصائح من فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد من علماء السعودية ، في كيفية المحافظة على الصلاة الفجر ، أسوقها لك كما قالها ، مقتصرا فيما قلت لك من نصائح، حتى تتم الفائدة بكلام الشيخ
ـــــــــــــــــــ
أذنبت كثيرًا.. كيف أتوب؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
لقد قمت بارتكاب ذنبٍ وتبت، ثم أخذت بتكراره مراتٍ عديدة، وفي كل مرة أتوب، والسؤال: كيف أبتعد عن الذنب؟ وكيف أتوب؟ وهل يغفر لي الله؟ ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الشيخ ناظم المسباح عضو لجنة الاستشارات الأسرية وزارة العدل الكويتية:
الأخ مصطفى، باب التوبة مفتوح، والله سبحانه وتعالى يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، والله يرغبنا في التوبة {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}، والله عز وجل يقول: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، وقال صلى الله عليه وسلم: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله، فيغفر لهم" رواه أحمد ومسلم.
وعليك أيها الأخ السائل أن تجاهد نفسك، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}، وقال جلَّ شأنه: {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}، والنفس اللوامة -كما قال العلماء- هي التي تلوم صاحبها إذا أتى قولاً أو فعلاً يخالف شرع الله، والتوبة لا بد أن تتوفر شروطها:
1- الإقلاع عن المعصية تمامًا.(33/1611)
2- الاعتزام على عدم العودة.
3- الندم عليها.
4- رد الحقوق إلى أصحابها إذا كانت تتعلق بحقوق العباد.
5- تجديد التوبة بين الحين والآخر؛ فالمسلم عرضة دائما للوقوع في الذنب.
وإلى جانب ذلك عليك أن تجدد التوبة ولا تيئس من رحمة الله، مع الأخذ بالأسباب التي تقيك وتحفظك من الوقوع في الذنب مرة ثانية، فإذا كان الذنب المشار إليه هو زنا أو نظر إلى محرم، فيجب عليك أن تلتزم بما دعت إليه الشريعة من غض البصر ـ البعد عن بيئات الفساد ـ الابتعاد عن مراكز بؤر الإثارة ـ مغادرة المجالس التي يتحدث أصحابها في هذه الأمور ـ دعوة الله تبارك بأن يعينك ويقوي إيمانك، وإذا قوي إيمانك فإنك حتما ستقلع عن الذنوب والموبقات ـ وينبغي عليك أن تجتهد بأن تعفَّ نفسك بالحلال وهو الزواج وفق ما شرع الله.
ويقول الدكتور كمال المصري مستشار صفحة الاستشارات الدعوية بـ"إسلام أون لاين.نت":
وإجابةُ فضيلة الشيخ المسباح حفظه الله إجابةٌ تأصيليةٌ عمليةٌ دقيقة، ويهمني هنا التأكيد على بعض ما ورد فيها:
أولاً: نحن نحيا عمرنا كله بين مقاومة الذنوب ومدافعتها، وبين الوقوع فيها في بعض الأحيان، وبين التوبة والندم عند الوقوع، ولو لم نكن كذلك لذهب الله بنا وأتى بغيرنا؛ لأنه سبحانه لو أراد لجعلنا بلا ذنوب، ولكننا عندها سنفقد لذة المجاهدة والمدافعة، وكذلك ستنتفي أسباب رفعة وتفضيل بعضنا على بعض، كلٌّ حسب تقواه ومجاهدته لنفسه.
ثانيًا: إحسان الظنِّ بالله تعالى محورٌ أساسيٌّ في العلاج؛ لأنني لو أذنبتُ ثم تبتُ ثم أذنبتُ ثم تبتُ ثم عدت للذنوب، كلُّ هذا سيصيبني بالخجل من الله تعالى من كثرة ما وعدته سبحانه، وهذا بالطبع سيصيبني بالإحباط واليأس، ولكنّ الله سبحانه نحمده حمدًا كثيرًا كبيرًا، أرحم بنا من أنفسنا ومن أهلينا، يعلم ذلك فينا فيصبر ويحلم ويتوب ويغفر، ويمنحنا الفرصة تلو الأخرى، وهذه طائفةٌ من الأحاديث التي تدلُّ على فضله ورحمته سبحانه:
1- قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منه، وإن تقرَّب إلي بشبرٍ تقرَّبتُ إليه ذراعا، وإن تقرَّب إلي ذراعاً تقرَّبتُ إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة" رواه البخاري ومسلم.
2- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبيا في السبي أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: "أترون هذه طارحة ولدها في النار؟" قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال: "لله أرحم بعباده من هذه بولدها" متفقٌ عليه.
3- قال عليه الصلاة والسلام: "لله أشد فرحا بتوبة عبده، حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى(33/1612)
شجرة، فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها، قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم! أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" رواه البخاري ومسلم.
4- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" رواه مسلم.
فأحسن الظنَّ بربك يا أخي ولا تيئس، وتب إليه دائمًا مهما أخطأت، وتأكد أن بابه سبحانه مفتوحٌ دائمًا للتائبين المنيبين، والحمد لك يا ربي ما أرحمك.
ثالثًا: مسألة الابتعاد عن الأسباب والمقدمات أمرٌ أساسيٌّ للابتعاد عن المعصية، فلا يعقل أن أقول مثلاً بأنني أريد التوبة عن شرب الخمر، وأنا ما زلت أذهب للخمارات، أو الزنا وأنا أداوم السهر في الملاهي الليلية، إغلاق أبواب الشيطان ضروريٌّ وأساسيّ، فإذا كنت أكثر من دخولي على المواقع السيئة على الإنترنت، إذن إما أن أتوقف عن دخول الإنترنت حتى أُهَذِّبَ نفسي، أو أشترك مع شركةٍ من الشركات التي تضع تنقيةً للمواقع وتقييدًا لها، أكثر من الغيبة والنميمة، أبتعد عن مجالسها وقعداتها، وهكذا، المهم هو قفل أبواب ومداخل الشيطان بالابتعاد عن الأسباب والمقدمات.
رابعًا: يمكن أن يضع الإنسان لنفسه برنامجَ تعزيرٍ عند اقترافه الذنوب، مثلاً إذا اقترفت الذنب الفلانيَّ أتصدَّق بمبلغ كذا، وإذا كررته أزيد العقاب، وهكذا حتى أقلع، ولكلِّ إنسانٍ القدرة على تحديد وسيلة التعزير الأنفع والأكثر تأثيرًا فيه.
خامسًا: قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}، قال ابن عطية في تفسيره للآية: هو جهادٌ عامٌّ في دين الله وطلب مرضاته، وقال الشوكاني في تفسير "وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ": وإن الله لمع المحسنين بالنصر والعون، ومن كان معه لم يُخْذَل.
فابتعد يا أخي عن مقدمات وأسباب الذنوب.. تب إليه دائمًا.. تأكد أنه سبحانه سيغفر لك إذا ما تيقن منك صدق العزم.. جاهد نفسك دائمًا.. ضع لنفسك برنامجًا تعزيريًّا عند الوقوع في الذنوب.. وإياكَ أن تنسى الدعاء واللجوء إلى ربك الكريم بأن يعينك وينصرك ويهديك.. وتأكد أن من كان مع الله فلن يُخْذَل. ووافنا بأخبارك لو تكرمت.
ـــــــــــــــــــ
كاتبة تائبة.. اطرحي اليأس، وواصلي العطاء ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
السلام عليكم سيدي. أنا كاتبة.. وعندما كنت أكتب بعيدًا عن طريق الله -لم يكن كُفرًا أو حرامًا- كنت أجد ألف باب للعمل، وكانت المواقع على الإنترنت وأحيانًا صفحات الجرائد تُفتح لي على مصراعيها.. وكان الكتاب والأصدقاء كثيرين، لدرجة أنى كنت في بعض الأحيان أتهرب منهم، لا لشيء إلا لأني كنت لا أستطيع التقاط أنفاسي من أحاديثهم ورغبتهم في معرفتي.. وعندما بدأت طريق الله.. أجد الأبواب لا تفتح لي بسهولة، ولا أجد متنفسا لكلماتي؛ لدرجة أنى بدأت أشك في نفسي وقدراتي.. لقد اهتزت ثقتي بنفسي بدرجة كبيرة.. ولا أدري.. حتى من كلَّمت من الدعاة لم أجد بينهم(33/1613)
أي حماس لمساعدتي.. صدقني أنى أبكى وأنا أكلمك خشية أن يكون الله لا يريدني.. ولكني أعلم أن اليأس من رحمة الله تُدْخل الإنسان دائرة الكفر.. لكم مني جزيل الشكر. ... السؤال
الأستاذ فتحي عبد الستار ... المستشار
... ... الرد ...
...
... الأخت الكريمة، جزاكِ الله خيرًا على ثقتك بنا، وفتحك لقلبك معنا، ونسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا متنفسًا لكل مهموم، وأن يعيننا على مسح دمعة كل حزين، لنرسم بدلاً منها ابتسامة الرضى والطمأنينة والإيمان. أختي الكريمة، بالرغم أنكِ ذكرتِ هذه الكلمات في آخر رسالتك، إلا أني أجد نفسي مدفوعًا للبدء بها في حواري معك، نظرًا لما أحدثَتْه تلك الكلمات من شعور بالألم في داخلي، ألا وهو قولك: "صدقني أني أبكي وأنا أكلمك، خشية أن يكون الله لا يريدني".
يا أمَّ التوأم، إني أصَدقكِ، وأُطَمْئن فؤادكِ بأن كل ما تحدثت عنه في رسالتك من الحرف الأول للحرف الأخير هي كلها ظواهر عادية، وسُنَنٌ طبيعية، وكأس لا بد أن يشربَ منه كل تائب، وكل سالك لطريق الالتزام، في القديم والحديث، وكأنها "دورة تدريبية" يخوضها التائب، فيغتسل خلالها بدموعه -ولا غير- ليزيل رواسب المعصية وعلائق الغفلة، ويشعر أثناءها ألا مكان له في هذه الدنيا، ويتمنى لو أنه لم يولَد، ولكن ما إن تُدْركه رحمات الله، تهدأ نفسه، وتقرّ عينه، وينعم بلذة القُرْب، ويلحقه بَرَد الطمأنينة بعد أن أحرقته نار الندم. وحتى يصل إلى هذا فإنه يحتاج إلى مجاهَدَة، بل إلى مجاهَدَات، وإلى التمسُّك بالأمل والرجاء في رحمة الله عز وجل، وعدم القنوط، وقد جاء في الأثر أن من أدمن قَرْع الباب، يوشَكُ أن يُفتَحَ له، فلا تملِّي من قرع أبواب ربك، والزمي عتبته، ولوذي بجنابه، وعليك بالقرآن فإنه شفاء لما في الصدور.
ولتتذكري معاناة الصحابة الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، ولما عاد النبي صلى الله عليه وسلم من الغزو سارع إليه المخلَّفون ليعتذروا إليه، أما هم فآثروا ألا يكذبوا، فلم يقدموا عذرًا للنبي صلى الله عليه وسلم، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم - بوحي من الله عز وجل - تربيتهم وتمحيصهم، فقاطعهم، وأمَرَ المسلمين جميعًا بمقاطعتهم، فعاشوا خمسين يومًا تحرقهم نار الندم، وأشد منها نار جفاء الأحباب وأقرب الناس، وما أشدَّها من نار، وتعرَّضوا خلال هذه الفترة إلى العديد من الفتن والإغراءات لصدهم عن طريق الاستقامة، وجذبهم إلى طريق الغواية، ولكنهم صمدوا أمام تلك الفتن والإغراءات كلها، وكلهم أملٌ في الله عز وجل أن يزيح تلك الغُمَّة ويقبل توبتهم ويفتح أحضان أحبابهم لهم، حتى تاب الله عز وجل عليهم، ونزلت البشرى من فوق سبع سماوات: {لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ(33/1614)
تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}. وسميت السورة بسورة التوبة تعظيمًا لهذه الحادثة، ولهذا الكرم الإلهي، وأيضًا لصبر هؤلاء وثباتهم.
وما أروع قوله عز وجل يداوي من مسَّتهم جراحات الذنوب: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم". نأتي بعد ذلك لكتاباتك.. لقد قلتِ في توصيف ما كنت تكتبينه: إنه "لم يكن كُفرًا أو حرامًا"، فلِمَ إذن حكمْتِ عليه بأنه كان بعيدًا عن طريق الله عز وجل ؟!.
إن الكتابة الإسلامية أو الأدب الإسلامي، لا يلزم أن يكون بالضرورة تناولاً لجوانب العقيدة، أو فقه العبادات، أو غيرها من الموضوعات الشرعية، وليست قاصرة على الخُطب المدبجة بالآيات والأحاديث وأقوال السلف، وفقط.
إن كل مقال، وكل قصة، وكل قصيدة، وكل لَوْن من ألوان الكتابة والأدب يغدو إسلاميًّا إذا كان في مُجْمَله يدعو إلى فضيلة، أو يحُثُّ على خُلُقٍ كريم، وكانت الألفاظ والمفردات التي يستخدمها نظيفة، بعيدة عن الإسفاف والابتذال.
إنَّ الإسلامَ دينٌ يلتحم بكل جوانب المجتمع، ومن بينها الجانب الثقافي، ويضع الإطار الصحيح الذي ينبغي أن تندرج فيه مختلف الفنون والآداب ليحفظ للناس عقولهم وقلوبهم.
أختنا الكريمة، إن الكتابة التي نستطيع أن نطلق عليها أنها بعيدة عن طريق الله، تلك التي يكون هدفها إثارة الغرائز وتحريك الشهوات، وتضييع الأوقات، وبث المبادئ والأفكار الهدَّامة التي تعبث بعقول أبناء الأمة، وتدفع بها في طريق التفاهة المهلكة.
فإن كانت كتاباتك السابقة من هذا النوع أو تقترب منه، فإن من تمام توبتك، وتدعيمًا لها لتُقبَل عند الجليل العلام أن تغمسي قلمك الذي كتب تلك الكلمات في مِدَاد الطُّهْر، وتكتبي به كلمات أخرى تمحو كلماتك السابقة، ليتحقق فيك قول الله -عز وجل-: {إلا مَن ظَلَم ثُمَّ بدَّل حُسْنًا بعد سُوءٍ فإنِّي غفورٌ رحيمٌ}.
وليعزِّز هذا التزامك بالعبادات والفرائض، وكثرة الوقوف بين يدي الله عز وجل، وطلب الصفح منه والمغفرة، لتُذْهِبَ حسناتُك سيئاتِك، مصداقًا لقوله -عز وجل-: {وأقمِ الصلاةَ طرَفَي النَّهار وزُلفًا من الليل إنَّ الحسناتِ يُذهبْنَ السيئات ذلك ذكرى للذَّاكرين}.
أختنا الكريمة، إننا ندعوكِ إلى استثمار هذه القدرة التي لديك والموهبة، في إبداع الأعمال التي تخدمين بها دينك وبَني أمتك، فالقلم الذي يستطيع الإبداع، يمكن لصاحبه أن يغمسه في المداد الذي يريده، ليجري على الصفحات بما استقر في القلب وتمكَّنَ من الجَنان.
لا تحكمي على موهبتك بالإعدام، ولا تخنقيها لتموت، فإن ما يُحزن القلب ويؤلمه، أننا نجد الكثير من أصحاب المواهب النافعة عندما يمُنُّ الله عز وجل عليهم بالالتزام بعد الضياع، والهُدَى بعد الضلالة - نجدهم يعتزلون الحياة ويدفنون مواهبهم وإمكاناتهم وقدراتهم، ولو أنهم استثمروها في خدمة قضايا أمتهم لحققوا الكثير من الخير لدينهم ولأنفسهم ولبني أمتهم. فما أحوج الإسلام لكل قلم يدعو وينافح ويبدع، أيا كانت نوعية هذا الإبداع. أما ما تحكين عنه من انصراف الناس عنك، وغلق الأبواب دونك، وصَمَم الآذان عن سماع كلماتك، بعد أن سلكت طريق الالتزام، فإن(33/1615)
هذه كلها أعراض طبيعية، وكان عليك أن تتوقعي حدوثها؛ ولقد ذكِّرني كلامك بالممثلات اللاتي ينعم الله عليهن بالتوبة ونبذ المعصية، وما يلاقينه بعد التزامهن من حرب شعواء، وإغراءات وفتن، وتنكُّر من الأصدقاء والأتباع الذين كانوا يتمنون لحظة رضًى منهن.
إن ما يحدث معك سُنة طبيعية درج عليها البشر في القديم والحديث، ألم تسمعي ماذا قال قوم ثمود لنبيهم صالح عليه السلام بعد أن أعطاه الله النبوة والرسالة: "قالُوا يا صالحُ قد كنتَ فينا مَرْجوًّا قبل هذا أتنهانا أن نعبدَ ما يعبدُ آباؤنا وإننا لفي شكٍّ ممَّا تدعونا إليه مُريب"، لقد كانوا يعدُّونه كبيرهم وحكيمهم قبل النبوة، فلما جاءته النبوة وبدأ في دعوتهم لتوحيد الله عز وجل، ونبْذ ما يعبدونه من أوثان، نسُوا حكمته وعِلمه، وقالوا كلماتهم تلك اتباعًا لهواهم وخبث طويتهم.
ونرى نفس القصة تتكرر مع نبينا صلى الله عليه وسلم، حيث كان قومه يلقبونه بالصادق الأمين، ويعرفون له فضله وكرامته، فلما جاءته النبوة ودعاهم لله عز وجل، وصموه بالكذب والسحر والكهانة.. إلى آخر تلك الأوصاف المفتراة.
وانظري -أختي الكريمة– إلى هذا المشهد الذي يشهد على ظلم بني البشر لأنفسهم وللناس، ولاستعداد بعضهم أن يغير معتقده في لحظة، ويقول الشيء وضده في نفس المجلس، اتباعًا لهواه، دون وازع من خُلُق أو دين: لقد كان عبد الله بن سلام رضي الله عنه، من أكبر علماء اليهود، ثم منَّ الله -عز وجل- عليه بنعمة الإيمان والإسلام، وروى الإمام البخاري أن عبد الله ذهب للنبي صلى الله عليه وسلم وقال له: أشهدُ أنك رسول الله، وأنك جئت بحقٍّ، وقد علمت يهود أني سيِّدهم وابن سيِّدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيَّ ما ليس فيَّ. فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم، فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر اليهود، ويلكم، اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو، إنكم لتعلمون أني رسول الله حقًّا، وأني جئتكم بحق، فأسلموا". قالوا: ما نعلمه، قالها ثلاث مِرارٍ، ثم قال: "فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟". قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال: "أفرأيتم إن أسلم ؟". قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم، قال: "أفرأيتم إن أسلم ؟". قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم، قال: "أفرأيتم إن أسلم ؟". قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم، قال: "يا ابن سلام اخرج عليهم". فخرج فقال: يا معشر اليهود، اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو، إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بحق. فقالوا: كذبت، فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمشهد غني عن التعليق.
إن جمهورَك وقُرَّائك لا بد بالطبع أن يقلوا، فالسُّنة الربانية الثابتة: {وما أكثرُ الناسِ ولو حرصْتَ بمؤمنين}، {وإن تُطعْ أكثرَ مَنْ في الأرض يُضِلُّوكَ عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظنَّ وإنْ هُم إلا يخرُصُون}، فالأخيار دائمًا هم القلة، أما جمهور الخبيث من الأقوال والأفعال فكثير كثير.
لذا لا ينبغي أن يكون من نتائج ذلك أبدًا شعورك بالهزيمة النفسية أمام هذه العوارض، بل الأولى أن تدفعك إلى الثبات ومواجهة التحدي، وإثبات ذاتك في ميدان الأدب النظيف، رضي بذلك جمهورك القديم أم لم يرضَ. ولتبحثي عن ميادين جديدة(33/1616)
تشاركين فيها بقلمك إن أغلقت دونك الميادين القديمة، وفي المواقع والمنتديات والمجلات والصحف النظيفة متسع لك ولأقرانك.
أما أن تنغلقي على نفسك، وتتحسري على الأيام الخوالي، مما قد يؤدي إلى اهتزاز ثقتك بنفسك وبربك، فهذا بالضبط ما يريده منك الشيطان وأعوانه، أن يضلوك عن سبيل الله بعد أن اهتديت إليها، بقذف هذه المشاعر السلبية في قلبك وعقلك.
أخيرًا أختي الكريمة، استعيني بالله ولا تعجزي، واحملي قلمك من جديد، ومرحبًا بك دائمًا، وبرسائلك ومشاركاتك معنا على صفحات الموقع المختلفة. وننتظر منك رسالة تطمئننا على أحوالك.
ـــــــــــــــــــ
حبيبي يدعوني إلى المعصية.. ما كان حرامًا انقطع ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السؤال: أنا فتاة أبلغ من العمر 24 عامًا، على علاقة بشابِّ أحبُّه كثيرًا، أنا على قدْرٍ من التديُّن وأخاف الله تعالى، مشكلتي أنني أحيانًا أرتكب المعاصي مع من أحبّ، قد لا تصل لحدِّ الزنى والعياذ بالله، ولكني أخاف الله تعالى، وأرجع نادمة، وأبكي كثيرًا، وأحاول أن أكفِّر عما ارتكبته بالصدقة والصيام لله تعالى والصلاة وطلب الاستغفار، وأقرر التوبة والكفَّ عما يغضب الله، ولكني بعد كل مرة أعود وأكرر ما سبق، لأعود مرة أخرى بالدموع إلى الله راجية أن يغفر لي، وأدعوه أن يستجيب لي ويرزقني بالحلال، ماذا أفعل؟ وهل يسامحني الله على ذلك أم أن الله قد لا يستجيب ممن يكرر ذنوبه ولا يتوب؟ مع أني في كل مرة أنوي التوبة وأتوقف عما يغضب الله، ولكن أعود لأضعف مرة أخرى. ماذا أفعل أفادكم الله لكي أرتاح من تعذيب الضمير؟ ... السؤال
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أختي الكريمة نسرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أسأل الله أن تكوني بخير حال، وأن يكون ضميرك قد ارتاح بتوقفك عن فعل الخطأ، والحقيقة يا أختي أن أجمل ما وجدته في رسالتك رغم مظاهر الحزن الشديد البادية فيها، أجمل ما في رسالتك هو أنك تملكين قلبًا حيًّا محبًّا لله تعالى، وهو أمر طيب محمود رغم ما تقومين به من خطأ لا نوافقك عليه كما لم توافقي نفسك عليه، وهو ما أتمنى أن تتوقَّفي عنه فورًا؛ لأنك أعلى وأغلى من أن تُمتَهني بهذه الطريقة، حتى وإن كان من يفعل ذلك هو أحبُّ الأحبة وأقرب الأقربين.
وحتى أكون عمليًّا معك يا أختي مع تأكيدي على شعوري بالسعادة من قلبك الحي هذا، حتى أكون عمليًّا دعينا نضع النقاط فوق الحروف، ونقترح بعض البرامج العملية المانعة من تكرار ما حدث:
1 - ثقي تمامًا يا أختي نسرين أن الله تعالى أعظم وأرحم وأعطف من الدنيا وما فيها، وأنه لا يغلق بابه أبدًا أمام أحد مهما عصى وأذنب بل وكفر، وليس هذا زعم مني، بل(33/1617)
هو ما قرره الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في الكثير الكثير من الآيات والأحاديث، واستمعي لبعض ما ورد في القرآن والسنة:
- "قل يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنَّ الله يغفر الذنوب جميعًا إنَّه هو الغفور الرحيم".
- "وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيِّئًا عسى الله أن يتوب عليهم إنَّ الله غفور رحيم".
- "فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنَّ الله يتوب عليه إنَّ الله غفورٌ رحيم".
- "وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربُّكم على نفسه الرحمة أنَّه من عمل منكم سوءاً بجهالةٍ ثمَّ تاب من بعده وأصلح فأنَّه غفورٌ رحيم".
- "إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدِّل الله سيِّئاتهم حسناتٍ وكان الله غفورًا رحيمًا"، قال العلماء في تفسير الآية: "من أحسن ما قيل فيه أنَّه يُكتَب موضع كافرٍ مؤمن، وموضع عاصٍ مطيع"، أي يبدَّل حاله تمامًا من الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، يتحقَّق كل ذلك بالتوبة.
- وقد أسقط الله سبحانه العقاب على من تاب عن ذنب حتى وإن كان حدًّا، قال تعالى في حدِّ الحرابة: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعَون في الأرض فسادًا أن يُقتَّلوا أو يُصلَّبوا أو تُقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ أو يُنفَوا من الأرض ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم * إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أنَّ الله غفور رحيم"، وقال سبحانه في حدِّ السرقة: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيزٌ حكيم * فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنَّ الله يتوب عليه إنَّ الله غفورٌ رحيم".
- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قَدِم على النبي صلى الله عليه وسلم سَبْي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي إذا وجدت صبيًّا في السبي أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أترون هذه طارحة ولدها في النار؟"، قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال: "لله أرحم بعباده من هذه بولدها" متفق عليه.
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أشدُّ فرحًا بتوبة عبده، حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيِس منها، فأتى شجرةً فاضطجع في ظلِّها، قد أيِس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثمَّ قال من شدَّة الفرح: اللهمّ، أنت عبدي وأنا ربُّك، أخطأ من شدَّة الفرح" رواه مسلم.
- لقد قطع الله تعالى -على أرجح الأقوال- بقبول توبة التائب، فلا تترددي في التوبة، يقول الإمام القرطبي في تفسيره: "فإذا فرضنا رجلاً قد تاب توبةً نصوحًا تامَّة الشروط، فقال أبو المعالي: يغلب على الظن قبول توبته، وقال غيره: يقطع على الله تعالى بقبول توبته كما أخبر عن نفسه جل وعز، قال ابن عطية: وكان أبي رحمه الله يميل إلى هذا القول ويرجِّحه، وبه أقول، والله تعالى أرحم بعباده من أن ينخرم في هذا التائب"، وذكر الإمام ابن القيِّم في كتابه "طريق الهجرتين" من طبقات الناس يوم القيامة: "طبقة قوم أسرفوا على أنفسهم، وغشوا كبائر ما نهى الله عنه، ولكن(33/1618)
رزقهم الله التوبة النصوح قبل الموت، فماتوا على توبة صحيحة، فهؤلاء ناجون من عذاب الله، إمَّا قطعًا عند قوم، وإمَّا رجاء وظنًّا عند آخرين، وهم موكولون إلى المشيئة، ولكن نصوص القرآن والسنَّة تدل على نجاتهم وقبول توبتهم، وهو وعدٌ وعدهم الله إياه، والله لا يخلف الميعاد".
هكذا هي رحمة الله سبحانه، وهكذا هو فضله تعالى؛ ولذلك فالتوبة أصبحت ضرورة يا أختي الكريمة، وشروطها الواضحة الصريحة التي لا مراء فيها ثلاثة:
الشرط الأول: الإقلاع عن الذنب.
الشرط الثاني: الندم عليه.
الشرط الثالث: العزم على عدم العودة إليه.
ولكن احذري، فباب التوبة مفتوح إلى أن يشرف المرء على الموت، فحينها لا توبة: "وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنِّي تُبْتُ الآن ولا الذين يموتون وهم كفارٌ أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يغفر لعبده، أو يقبل توبة عبده، ما لم يُغَرْغِر" رواه الترمذي والحاكم، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
2 - بعد الحديث في التوبة، فلنتحدَّث في طبيعة علاقتك بهذا "الحبيب"، يا أختي أنت لم توضِّحي لنا ما طبيعة علاقتك به، عاقد، أو خاطب، أو مجرَّد شخصٍ تعارفتما فتحاببتما دون أن يكون لذلك الحبِّ أيَّ شكلٍ شرعيٍّ أو حتى رسميّ!!
يا أختي نسرين الموضوع شديد الحساسية، إنه مرتبط بأعراض يجب أن تصان، وهو إن كان عاقدًا -وكلامك يوضِّح غير ذلك- فما تقومان به حلال في حدود العرف والتقاليد، أما إن كان خاطبًا -وكلامك يوضِّح غير ذلك- فما تقومان به حرام، أما إن كان مجرد "حبيب" فهنا الطامة الكبرى، أنا لا أشكك في حبه لك، ولكنني أتساءل: لماذا لم يتقدم لك رسميًّا؟ هل تمنعه ظروفه المادية والاجتماعية مثلاً؟ إذا كان الأمر كذلك فما يدريك أن ظروفه هذه ستمنعه عن الاقتران بك؟ وبالتالي تكونين قد وقعت في المحظور، وارتكبت الإثم، ونال هو منك ما ليس له ولا لغيره بحق.
يا أختي، أنا أتحدث عن ظروف وأوضاع خاطئة عليك عدم الوقوع بها، تذكري ربك أولا، فإن لم يكن ذلك مانعًا فتخيَّلي نظرة المجتمع لك حين تُعرَف هذه العلاقة؟ ومَن سيقبل بك وقد عُرِف عنك أنك كنت مع شخص آخر؟ وللأسف فمجتمعاتنا قاصرة في هذا الجانب إذ هي تحمِّل المرأة الذنب وحدها، مع أن الواجب أن يحمله الرجل معها أيضًا، ولكن ما دمتِ أنت تتحمَّلين الذنب وحدك، فلن يضير "حبيبك" شيء إن اضطر أن يتركك، وستبقين أنت تتجرعين مرارة ما اقترفتما الدهر كله.
لا أريد أن أذهب بعيدًا فأفترض في "حبيبك" هذا الغدر والخيانة، وأنك لست إلا صيدًا سهلاً يقضي فيه رغبته مقابل كلمات قليلة يداعب فيها مشاعرك، وما أرخصه من ثمن، لا أريد أن أذهب في هذا بعيدًا مع أن الشواهد تؤكد ما أفكر فيه، فهو غير أمين عليك، ولا يساعدك على التوبة، لا بل يشجعك على المعصية لحاجة في نفسه، فأنت بالنسبة له مجرد "خليلة" سيتركها بعد أن يملها أو يجد غيرها.
3 - عليك يا أختي الكريمة نسرين أن تقطعي علاقتك بهذا "الحبيب" فورًا، لا خلوات، ولا لقاءات، ولا حتى حديث بالهاتف أو بغرف الدردشة أو رسائل عبر(33/1619)
البريد الإلكتروني، ألغِيه تمامًا من حياتك، وهو إن كان يريدك حقًّا فليتوجه إلى والدك ويطلب يدك، وطالما لم تتزوجا فلا تنيليه منك شيئًا، فما كان حلالاً دام واتَّصل وما كان حرامًا انبتَّ وانقطع.
وقطع العلاقة هذا سيفيدك في أن تبتعدي عن مبدأ الحرام ودوافعه الداعية للوقوع فيه.
وأتمنى لو شغلت نفسك عنه بصحبة صالحة طيِّبة، تكون عونًا لك على الخير.
يا أختي الكريمة، أنت جوهرة نفيسة، خلقها الله تعالى وأرادها أن تكون غالية، فلا ترخصيها بمعصيتك، وتذكَّري دائمًا: "فساد البدايات يؤدِّي إلى فساد النهايات".
الأمر لك يا صاحبة "القلب" الحيّ، وبقي أن تكوني صاحبة "الفعل" الحيّ. وأنتظر ردك.
ـــــــــــــــــــ
لا أدري ما الذي يمنعني من الصلاة ؟ أغيثوني ... العنوان
العبادات ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا شاب أبلغ من العمر 25 وعاما وأعزب الحمد لله لم أقترف ذنبا أو كبيرة من الكبائر طوال حياتي، ولكن مشكلتي الوحيدة هي أني لا أصلي . أعترف لك وأقول لك بأن مجموع الصلوات التي صلتيها منذ أن بلغت لا تتعدى صلوات شهر واحد فقط ، أصلي أربع مرات في اليوم ولا أصلي الصلاة الخامسة أصلي، ثلاثة أيام في الأسبوع ولا أصلي بقية الأيام وهكذا . ستسألني بالطبع عن السبب أقول لك وبكل صدق لا أعرف ليس هناك شيء أكون مشغولا به يعطلني عن الصلاة ولست صاحبا لرفقة سوء لا شيء من ذلك كله لا أعرف ما أفعله، أرجوك دلني ماذا أفعل لكي أواظب على الصلاة ؟ ... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أخي عمرو
مرحبا في هذه الخدمة الجديدة على موقع إسلام أونلاين.نت
أما عن مشكلتك التي تحكي عنها ، فهي طامة أصابت عددا كبيرا من الأمة ، وهذه المشكلة وهي عدم المواظبة على الصلاة ، أو عدم الصلاة بالكلية مظهر من مظاهر البعد عن الله تعالى ، حتى لو ظن البعض أنه حميم الصلة بالله ، وأن فيه أشياء خيرة كثيرة ، وأنه يعمل أعمالا صالحة ، لكن يجب عليه أن ينفتش في نفسه ، ويتهمها ، لأن عدم الصلاة يعني وبكل وضوح ضعف إيمان الذي لا يصلي ، وأن صلته بالله تعالى هشة.
وفي ظني أن عدم الصلاة مظهر من مظاهر فقر العلاقة مع الله ، وأن الذي لا يصلي لا يعظم الله تعالى في قلبه ، وأن يوقن أنه بعيد عنه سبحانه وتعالى ، بل قد أقسو وأقول : إنه لا يحب الله .
إن من أحب صديقا له ، فإنه يحب أن يجالسه ، ويحب أن يكون معه دائما ، ولما انقلبت الصلاة عندنا إلى حركات تؤدى ، وليست جلسة حب وشوق، وذهب عنها خشوعها الذي هو روحها ، فأدى ذلك إلى عدم الرغبة في أدائها ، وجعل الصلاة(33/1620)
فرضا فحسب دون أن تؤخذ كمنظومة كاملة لشكل من أشكال العبادة والتقرب إلى الله تعالى يجعل الإنسان غير حريص عنها ، ويحرم من فضلها وخيرها.
وربما أرى في عجالة أن من أهم أسباب ترك الصلاة أو التقصير فيها ما يلي :
1-ضعف إيمان الإنسان ، وضعف علاقته بربه سبحانه وتعالى.
2- الانشغال الدائم بالدنيا ، وأنها تربعت على عروش قلوبنا ، وتمكنت منها.
3-الجهل بفقه الصلاة ، ولا أقصد بالفقه هنا الأحكام الشرعية ، ولكن أقصد به أن كثيرا منا لا يعرف الصلاة بصورة كاملة وشاملة ، من كونها راحة نفسية ، وحركة اجتماعية ، وعبادة رياضية ، وأنها مجلبة للسعادة والطمأنينة ، وغير ذلك من فوائدها الجمة.
4-البيئة المحيطة التي لا تحافظ على الصلاة ، فلا يجد الإنسان من يعينه على أدائها .
5- عدم التعود عليها منذ الصغر ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " مروا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر".
6-الانغماس في المعاصي والآثام، وشغل النفس بما يضرها ولا ينفعها ، وقد قيل:"نفسك إن لم تشغلها بالطاعة ، شغلتك بالمعصية ".
وغير ذلك من الأسباب ، بالإضافة إلى أن هناك أسبابا خاصة بكل إنسان ،هو يعرفها عن نفسه قبل أن يعرفها أي أحد.
وفي ظني أن من أهم وسائل العلاج ما يلي :
1-استشعار الإنسان أنه عبد لله، وأن الله تعالى لم يخلقه سدى "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون. فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم".
2- يقين الإنسان أنه من الله ، وإليه راجع ، وأنه سيحاسبه على كل صغيرة وكبيرة" وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ، ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا . اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا. من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزور وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" .
3- سعي العبد أن يكون محبا لله ، ومن دلائل الحب القرب منه ، والشوق إلى لقائه ، والفرح بالوقوف بين يديه ، والإسراع إلى ملاقاته سبحانه وتعالى .
4- القراءة كثيرا عن فضل الصلاة وحكمها ، والقراءة في أحوال السلف الصالحين ، وكيف كان حالهم مع الصلاة ، ويمكن الرجوع إلى كتاب " صور من حياة الصحابة " ، كتاب " صورة من حياة التابعين " للدكتور رأفت الباشا ، و" رجال حول الرسول" للأستاذ خالد محمد خالد، وغيرها من الكتب التي تتحدث عن سير الصالحين كـ"سير أعلام النبلاء للذهبي" ، " والإصابة في تمييز الصحابة " لابن حجر، وغير ذلك.
5- المحافظة على الصلاة في المسجد ، لأن الصلاة في المسجد تعلم الإنسان النظام ، ويتكسب مع الوقت أن يكون للصلاة درجة اهتمام في حياته ، فالصلاة مع الجماعة تدفع المرء للحفاظ عليها ، ورؤية المصلين والارتباط بهم ، بحيث إذا غاب الإنسان سأل عنه إخوانه ، فيكون هناك نوع من الارتباط .(33/1621)
6- ضبط منبه الساعة على مواعيد الصلاة ، أو شراء بعض ساعات الحائط والتي تكون مبرمجة على أوقات الصلاة ، وهناك بعض البرامج على الكمبيوتر تضبط على مواعيد الصلاة ، فتؤذن وقت الصلاة ، ومن أشهرها برنامج " المحدث" .
7- سماع شرائط في أهمية الصلاة، مثل:
تارك الصلاة للشيخ وجدي غنيم
الصلاة في المسجد للأستاذ عمرو خالد
الله الله في الصلاة للشيخ عائض القرني
8- الهمة العالية ، واحتساب أجر الصلاة من غفران الذنوب ، والتقرب إلى علام الغيوب، وأن بها تقضى الحاجات ، وتمحى السيئات ، ويكفي أنها وصل بالله تعالى ، ولو لم يكن للصلاة فائدة إلا أن يكون الإنسان موصولا بالله ، لكفت ، فأوجد في نفسك محبة أن تكون مع الله، وأن تقف بين يديه ، واجعل هذا في قلبك.
9- الإكثار من الدعاء ، والتوسل إلى الله تعالى أن يجعلك ممن يحافظون على الصلاة ، وقد كان إبراهيم – عليه السلام – يدعو :" رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء".
نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك ، وأن يحبب إليك الصلاة ، وأن تكون قرة عين لك..اللهم آمين .
ـــــــــــــــــــ
الشكوى من الشهوة.. طرق الوقاية والعلاج ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشكلتي باختصار يا سيدي هي الشهوة؛ فأنا شاب في الثانية والعشرين من العمر أحاول أن ألتزم بتعاليم الدين الإسلامي وأن أرضي ربي، لكن في النهاية معصيتي هي في شهوتي، حاولت علاجها لكن النهاية هي النهاية، أرجو مساعدتي يا سيدي. ... السؤال
الأستاذ فتحي عبد الستار ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أخي الحبيب، من قال إن الشهوة معصية؟!! لا تتعجب، نعم إن الشهوة في حد ذاتها ليست معصية، بل هي فطرة وغريزة وضعها الله عز وجل في جميع خلقه، لتحقيق غايات رفيعة وسامية، منها التناسل وتعمير الدنيا، والتعارف بين بني البشر، وتوفير السكن والمتعة لهم.
وقد راعى ديننا الحنيف هذه الفطرة، فلم ينكرها ولم يكبتها، بل جعل لها سبلاً شرعية لتصريفها وإنفاذها، فشرع الزواج، وأوصى الشباب به وبتعجيله، وأنكر على التاركين له، وأوصى الناس بالتيسير في نفقاته وإجراءاته.
الوقاية خير من العلاج
ليست الشهوة معصية، ولكن المعصية هي الأفعال المحرمة التي تُنتج الشهوة وتهيجها وتثيرها، وكذلك الممارسات المحرمة التي تنتج عنها.(33/1622)
لذا فقد وضع الإسلام تشريعات وضوابط تحمي المسلم من الوقوع في براثن الشهوة المحرمة، فقد أمر الله عز وجل المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، وأمر المرأة المسلمة بالتستر والاحتشام في زيها، وعدم إبداء زينتها للأجانب، حيث يقول عز وجل: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ويَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ويَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ولْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ...}.
حتى إن الله عز وجل -حماية للمجتمع وصيانة لعفته وطهارته- قد نهى النساء عن أي فعل قد يثير الشهوة في نفوس الرجال، حتى ولو كان مجرد إحداث صوت بأقدامهن يلفت النظر إليهن وإلى زينتهن، فقال جل وعلا: {ولا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ}، كما أنه سبحانه وتعالى نهاهن عن الخضوع بالقول وترقيق الصوت في مخاطبة الأجانب، فقال: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفًا}.
فكل ما نهى عنه الله عز وجل المؤمنين عنه هو من باب تجفيف منابع الشهوة المحرمة التي لو اشتعلت وضعف الإنسان أمامها، دفعته في حمئة الرذيلة دفعًا، وأسقطته في غياهب الفاحشة فيدمنها حتى لا يجد منها فكاكًا، ويدور في حلقة مفرغة، لا تهدأ له نفس، ولا تطمئن له سريرة.
ولتعلم أخي الحبيب أن الفاحشة التي تدفع إليها الشهوة المحرمة لا تروي ظمأ واردها، ولا تطفئ لهيبه، بل كلما انغمس فيها ازداد سعارًا، بعكس الزواج الحلال الذي يعف الإنسان به، وتهدأ وتطمئن نفسه فيه.
أخي الحبيب، قد جاءت رسالتك مقتضبة، ولم تشرح لنا ما تدفعك الشهوة إليه، ولم أفهم معنى قولك: "ولكن النهاية هي النهاية".
على أي حال قد وضحت لك أين يكمن الخطر ومن أين تأتي المعصية. وما تشعر به شيء طبيعي، خاصة عند من في عمرك، وما عليك فعله ألا تسمح لهذا الوحش الكامن في نفسك بأن يستيقظ إلا على طعام حلال، وحتى يتوفر هذا الطعام فاحذر إزعاجه، واحذر أن توقظه أو تنبهه، والطريق سهل إن شاء الله، فقط اتبع شرع الله عز وجل، وائتمر بما أمر وانتهِ عما نهى، فلا تتعرض بهذا لما يثير شهوتك ويصيبك بالتوتر الذي معه تضطرب حياتك كلها.
كما أنصحك أن تسعى في طريق الزواج سريعًا، وتلبي نداء نبيك الحبيب صلى الله عليه وسلم، حيث نصحك ونصح الشباب بقوله: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحسن للفرج"؛ فاجتهد في توفير الباءة للزواج، ولتعلم أن الناكح الذي يريد العفاف هو من الذين حق على الله أن يعينهم، كما قال صلى الله عليه وسلم. ولتبحث عن الزوجة الصالحة التي تكمل بها دينك، وتصلح بها دنياك.
برنامج عملي
وحتى تتهيأ تلك الظروف ويمن الله عليك بالزواج أنصحك بالآتي:
1- ابتعد عن كل المثيرات، مثل مشاهدة الأفلام الخليعة والمجلات الفاضحة.(33/1623)
2- التزم واجتهد في غض بصرك في الطرقات والأماكن العامة، وحاول أن تمنع تعاملاتك مع الفتيات والنساء الأجنبيات إلا لضرورة.
3- إذا عرضت لك الفتنة فتذكر ربك سبحانه، وغضبه وعقابه، وليكن لك في يوسف عليه السلام أسوة حسنة، فاستعصِم بالله كما استعصم، ولُذ بجنابه كما لاذ، وانظر كيف فضل عليه السلام السجن على ارتكاب الفاحشة، وانظر لعاقبة فعله، وجزائه عند الله، وإكرامه له، وتقديره إياه.
4- حافظ على الصلوات في أوقاتها، وأدِّها جماعة في المسجد، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
5- صُم إن استطعت الإثنين والخميس من كل أسبوع، والأيام البيض من كل شهر قمري (13، 14، 15)، سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، واستجابة لتوجيهه للشباب الذي لا يملك باءة الزواج، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء"، أي وقاية وحماية من المعصية، حيث إنه يهدئ من الشهوة، ويخلع على النفس طمأنينة وسلامًا.
6- احمِ نفسك بذكر الله عز وجل دائمًا، فلا يزال عليك من الله حافظ إذا ذكرته، فلا تهمل أذكار الصباح والمساء، وأذكار الأحوال المختلفة.
7- اجعل لك وردًا يوميًّا من القرآن الكريم، لا تغفل عنه.
8- إذا سقطت مرة، وأغواك الشيطان، فلا تعتبرها النهاية، ولا تستسلم لليأس، بل اهزم شيطانك، واستغفر ربك، وقُم من جديد، وكن ممن قال فيهم عز وجل: {إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإذَا هُم مُّبْصِرُون}. وتذكر بشرى الله عز وجل: {والَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ومَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا اللَّهُ ولَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وهُمْ يَعْلَمُونَ . أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ونِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ}.
9- أدمن الدعاء والتبتل لله عز وجل بأن يحفظك من الفتن، وأن يقوي ضعفك، وأحسن الظن به سبحانه وتعالى، واصدقه يصدقك.
10- لا تترك نفسك في فراغ أبدًا، واشغل نفسك بالنافع من الأمور، سواء كان دراسة أو عملاً أو هواية.
11- ابحث عن رفقة صالحة تعينك على الطاعة والالتزام، وتقضي أوقاتك وتمارس هواياتك معهم.
وأخيرًا أخي: اعلم أنك في جهاد، وأنك مأجور على كل ما تفعله وكل ما تلقاه في هذا الطريق من عنت ومشقة، ولكن تأكد أن العاقبة خير، بل كل الخير الذي يسلم لك فيه دينك، ويصلح فيه معاشك، وتهنأ فيه دنياك.
وفقك الله أخي وأعانك، لا تنسنا من دعائك، ونرجو أن تتابعنا بأخبارك، ومرحبا بك دائما.
ـــــــــــــــــــ
مقصر في العبادة ويائس من الحياة ... العنوان(33/1624)
العبادات ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. الرجاء مساعدتي في مشكلتي التالية:- (1) الحمد لله أصلي الصلوات الخمس في وقتها، ولكن للأسف ليست في أغلب الأحيان في المسجد، مع أنني أحب كثيرا أن أصلي في المسجد. (2) أفتح على إذاعة القرآن الكريم دائما، وعندما يكون المقرئ يتلو من كتاب الله لا أستطيع الإصغاء والتركيز، دائما أشرد بذهني في الدنيا وأمورها، حيث مجرد أن أستمع للقرآن لا أستطيع التركيز، وإن ركزت لا أستطيع فهمه؛ وبالتالي أرجع للشتات الذهني مرة أخرى. (3) أجد وقت فراغ كبير، ولا أستطيع استغلاله بأعمال الخير. (4) عندي حالة إحباط وملل كبيرين. الرجاء أفيدوني بارك الله فيكم ... السؤال
... ... الرد ...
...
...
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
أخي الكريم محمد..
أما عن الصلاة في المسجد:
فما يُعينك أن تعلم فوائدها في الدنيا وثوابها في الآخرة، فهذه المعرفة تدفع للحرص عليها.
فأما ثوابها في الآخرة فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن ثواب الجماعة عموما: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة". أخرجه البخاري ومسلم.
ويقول عن الثواب الإضافي للصلاة في المسجد: "لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحطت عنه بها خطيئة" (جزء من حديث أخرجه البخاري ومسلم).
وأما فوائدها الدنيوية فمتعددة كتنشيط النفس بعمل فاضل بين عمل وآخر فيزداد الإنتاج، وكتدبر مخلوقات الله أثناء السير فيزداد الإيمان القلبي والذي بدوره الإحسان في كل عمل، وكالذكر والاستغفار وقراءة القرآن حتى الوصول للمسجد؛ وهو ما يهيئ النفس لحسن التدبر في الصلاة فتخرج منها بأكبر انتفاع ممكن من حيث شحنات القلوب، وكالتعرف على الآخرين وتكوين علاقات جيدة معهم كما يقول تعالى: "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"، فيحدث تبادل المنافع فيما بينكم، وكتعلم العلم أو تعليمه لغيرك، ونحو ذلك من الفوائد الدنيوية التي تنفعك وتسعدك أنت ومن حولك والتي لو استحضرت نوايا الخير أثناءها سيكون لك أيضا عظيم الأجر في الآخرة.
فإن علمت هذا، فعليك ببعض الأعمال:
أن تستعين بالله وتدعوه بصدق أن يعينك، فإنه سبحانه يقول: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم"
أن تقوي إرادة نفسك بفعل بعض الطاعات التي تقويها، مثل صيام يوم في الأسبوع أو قيام ليلة فيه بركعتين أو أكثر، وبفعل بعض المعاملات التي تقوي إيمانك أيضا،(33/1625)
مثل غض البصر، وحفظ اللسان عن كل قول سيئ، فإن تقوية الإرادة تعين دائما على فعل كل ما هو خير، وترك كل ما هو شر.
أن تتدرج مع نفسك، فلقد علمنا الإسلام التدرج في اكتساب أي خلق، فقد ربى القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة تدريجيا، وقد ذم سبحانه التعجل في قوله: "وكان الإنسان عجولا"؛ لأنه يجعل الصفات في النفس سطحية لا تستمر، فابدأ أخي الحبيب بصلاة واحدة في المسجد لفترة حتى تواظب عليها، ثم بصلاتين لفترة، ثم ثلاثة وأربعة لفترات، ثم الصلوات الخمس كلها بما فيها صلاة الفجر.
أن تتواجد في وسط صالح يشجع بعضه بعضا، ويتفقون فيما بينهم على بعض صلوات يؤدونها سويا في المسجد.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأثر الطيب القوي للوسط الصالح: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" أخرجه أبو داود.
وأما عن شرود الذهن أثناء سماع القرآن:
فإن الأمر يحتاج إلى تدريب وتدرج.. فابدأ بسماع بعض آيات قليلة أو قراءتها، وتدرب على استخراج ما يمر بخاطرك حولها، وستجدها بإذن الله بسيطة وسهلة وواضحة بمجرد قليل من التدبر والتأمل؛ لأن نسبة كبيرة من الآيات ستجدها تحرك قليلة وتذكرك بخالقك وأرزاقه ورحماته ومعوناته حتى تحبه وتستعين وترتبط به في حياتك، ونسبة كبيرة أخرى تذكرك بأخلاق الإسلام التي تنظم لك حياتك كلها صغيرها وكبيرها حتى نتمسك به لتسعد في دنياك وآخرتك، ونسبة كبيرة تذكرك بنعيم الآخرة لمن أحسن الانتفاع بحياته وسعد بها ونفع غيره وأسعده، ونسبة تذكرك بعقوبة من أساء حتى يتعظ الذي لا يستجيب إلا لمثل هذا الأسلوب، أما الآيات والقوانين فإنها تدفعك للبحث ولسؤال أهل التخصص لتعلمها وكيفية تطبيقها.
ومع التدريب، والإعادة والتكرار، والتدبر والسؤال، ستتكون عندك بالتدريج القدرة على التركيز واستشعار حلاوة القرآن وعظمته ودقته وشموله ومثاليته وواقعيته.
وأما عن الفراغ والملل: فعليك بالتخطيط لوقتك وتنويع يومك لا تضيع لحظة إلا في خير وثواب، فمازج بين الرياضة والفن الحلال والعمل والدراسة والعلم والإنتاج والتجارة والقراءة والثقافة والكمبيوتر والإنترنت والرحلات والنزهة الحلال وخدمة الآخرين ونفعهم وتحسين علاقاتك بهم ودعوتهم لما تعرفه عن الإسلام وتربيتهم عليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وما شابه ذلك مما يشغلك بما هو حلال مفيد نافع يسعدك في دنياك ويسعدك في آخرتك إذا استحضرت نوايا الخير في كل عمل أنك تحب الله وتريد حبه وعونه ورزقه وثوابه وأعلى درجات جناته.
وأما عن الإحباط فإنه غالبا يأتي من عدم الإنجاز وتحقيق الأهداف.. فابدأ أخي الحبيب بالأخف ثم الأصعب.. ابدأ بهدف خفيف يناسب إمكانات نفسك، ويغلب على ظنك أنك سيمكنك بعد الاستعانة بالله ودعائه القيام بتنفيذه، فضع هدفا لك مثلا أن تغير في نفسك خُلُقا ما خلال شهر، وليكن مثلا ضبط المواعيد والوفاء بالوعود، وحافظ خلال هذا الشهر على هذا الخلق مهما كان، وسيعينك الله –ولا شك-؛ لأنه وعد بذلك في الحديث القدسي: "ومن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا..." (جزء من حديث أخرجه البخاري)، فإذا ما حققت هذا الهدف فضع هدفا آخر أكبر، وحاول(33/1626)
تحقيقه، وليكن في مدة أطول شهرين مثلا.. فإذا ما حققت مثل هذه الأهداف هدفا وراء الآخر امتلأت نفسك بالأمل في التغيير إلى الخير، وسيزداد هذا الأمل كلما تابعت إنجازات الآخرين حولك وتغيراتهم نحو الخير وعودتهم إلى ربهم وإسلامهم، مثل انتشار الحجاب حتى في أوساط الفنانات، والذي كان حلما أن ينتشر وسطهن، وكالاهتمام بالقرآن واتخاذ مرجعية للرجوع إليه لتنظيم الحياة وإسعادها، وانتشار الأسماء الإسلامية والبنوك والشركات والمدارس الإسلامية وبعض الفضائيات والمواقع الإلكترونية الإسلامية وحب الاستشهاد من أجل الحفاظ على الإسلام من الظالمين المعتدين.. إلى غير ذلك من البشائر التي لم تكن موجودة سابقا منذ عدة سنوات، والتي تبشر بكل أمل في عودة نظام الإسلام قريبا بإذن الله ليقود الأرض كلها للخير والصلاح والسعادة "ألا إن نصر الله قريب"، وفقك الله وأعانك..
ـــــــــــــــــــ
أتابع القنوات الخليعة.. ما العمل؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا متزوج ومتدين، أصلي وأصوم وأتصدق ولم أشرب في حياتي منكرًا ولم أرتكب بنفسي أي فاحشة، وأدعو أصدقائي إلى عمل الخير دائمًا، وأنا معروف في وسطي أنني شخص نزيه ومتدين وأطبق العدالة في عملي؛ لأنني مسئول في دائرتي، ولكنني غير راضٍ عن نفسي، وأحسب نفسي جملة من المتناقضات؛ ففوق كل هذا أحيانًا أتابع القنوات الخليعة، وأعرف أن ذلك خطأ كبير (كل 3 أشهر مرة واحدة تقريبًا) أتوب فيها، وبعد ذلك أرجع وأشاهد هذه المنكرات؛ لذا أريد من حضراتكم السبب والحل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... الأخ الفاضل:
من الإيمان أن يستنفر الإنسان قواه، وأن يكون في حالة من القلق والاضطراب حين يجد نفسه عاصيًا، خشية وخوفًا من الله تعالى، متمثلاً قوله تعالى: "إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم"، وأن يستشعر المسلم أن ذنبه كالجبل يكاد ينطبق عليه، فيودي بحياته، وأن من شؤم المعصية أن تكدر عليه صفوه، وتنغص عليه عيشته، وأن يدرك أثر وخطورة المعصية على نفسه، وأنها تأكل من دينه كما تأكل النار الحطب.
ومثل هذا الشعور هو بداية التوبة الصادقة، أو أنه خطوة صحيحة على طريق التوبة والعودة إلى الله تعالى، ولكن هذا الخطوة لن تكون مجدية إذا لم تتجاوز هذا الشعور النفسي إلى واقع ملموس له أثره في الحياة، وألا تكون فكرة كملايين الأفكار حبيسة الأذهان والنفوس، وربما حبيسة الأدراج، لا خير فيها دون عمل.(33/1627)
وذلك أن القرآن الكريم علمنا دائمًا الربط بين التفكير سواء أكان إيمانًا أو عقيدة وبين الترجمة العملية لهذا التفكير، وأن ينقلب من مرحلة التفكير إلى مرحلة السلوك المعاش.
كما أنه من الجيد أن يشخص الإنسان حالته، وأن يعرف ما يقوم به من خير، وما يصيب من شر، فإن من الظلم للنفس اتهامها على طول الخط، بل لا بد من وضع المشكلة في حجمها الحقيقي حتى نعرف علاجها، وربما أذنب الرجل ذنبًا قليلاً، فيأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول له: "هل صليت معنا؟"، فيقول الرجل: نعم. فيخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه كفارة ذنبه.
هذا يعني أن الذنب أشبه بالمرض، بل هو هو، وحسب المرض يكون العلاج، فإن مرضًا غير مستعصٍ، تداوى صاحبه منه بدواء يناسب حجمه، وإن كان مرضًا مستفحلاً، كان له من الدواء ما يناسب عظم قدره.
ومن الفطنة أن يشعر المرء حقيقة ذنبه الذي يرتكبه كأي سلوك بشري، ما الذي دفعه إليه؟ ولماذا يعود إليه؟ وما مكانته من نفسه؟ وهل هو من نفسه أم من الشيطان؟ وما درجة تعلق نفسه به؟ وما العوامل التي ساعدت على بقائه في نفسه؟ وما أفضل طرق العلاج التي توائم نفسه، حتى ولو كان فيها بعض الألم؟
أخي الكريم:
هذه الأسئلة يجب أن تجيب عنها بنفسك، فأنت أدرى الناس بنفسك، ولكننا نسعى لتوجيهك، كي تساعد نفسك في التخلص من هذا الذنب.
أما عن طبيعة الذنب، وهو مشاهدة القنوات الخليعة، فهو مرض قد استشرى في عالمنا بعد ثورة الاتصالات التي قذفت لنا كثيرًا من الخير، وأكثر من الشر، ومنها الثورة الجنسية بأشكالها المتعددة، وخلاصة منهج الإسلام في التعامل مع الجنس هو اتساع مساحة الاستمتاع بالجنس بشرط أن يكون حلالاً، بل سعى لحماية المسلم من أن يقع في الحرام، ومن ذلك غض البصر الذي دعا الله تعالى إليه، حين قال: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن..."، وفي غض البصر أمور:
الأول: أن غض البصر ليس محصورًا على أن ينظر الرجل إلى المرأة أو تنظر المرأة إلى الرجل؛ لأن النظرة قد تكون مباحة إن كانت للحاجة، أو لم يقصد بها شر، أو تدعو إليه، فتجوز النظرة للتداوي وللبيع والشراء وللخطبة وغير ذلك، ولكن النظرة تحرم للاطلاع على العورات الحية أو غير الحية، فيحرم النظر إلى العورات في المجلات ومواقع الإنترنت والفضائيات، ولأنها إن لم تكن حقيقة ملموسة أمام الرجل، لكن لها أثرها الكبير على نفسه، مما قد يدفعه إلى ما حرم الله تعالى، وقد حرم الله تعالى ما يدعو إلى الزنى قبل تحريم الزنى ذاته، قال تعالى: "ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا".
الثاني: أن القرآن ربط بين البصر والوقوع في الفاحشة، "يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم" "يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن"؛ لأن النظرة هي أقرب وسيلة للقلب، وهي المحرك الرئيس لارتكاب الفواحش.(33/1628)
وقد ذكرت في بياناتك أنك متزوج، فما طبيعة العلاقة بينك وبين زوجتك؟، فإن كان ما تصنعه من المشاهدة انبهارًا ببنات الفضائيات فهذا وهم لا فائدة منه، فالمرأة هي المرأة، ولو أن إحدى بنات الفضائيات تزوجت، لكان شكلها مختلفًا، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الإنسان إن أعجبه شيء من امرأة أخرى، فليسكن شهوته مع زوجته، فقال صلى الله عليه وسلم: "من رأى من امرأة ما يعجبه، فليأت أهله، فإن فيها مثل الذي فيها".
فلتكن نظرتك واقعية فيما يخص النساء، واهتم بالعلاقة الجنسية بينك وبين أهلك، واقرأ في الثقافة الجنسية بما يشبع رغبتك وشهوتك مع زوجتك، ويجعل حياتكما سعيدة، فلأنتهتم بثقافتك الجنسية وتزيد معلوماتك فيها لتستمتع من زوجك خير من هذا الحرام الذي لا خير فيه، كما لا تنسَ أن زوجتك إن رأتك تشاهد مثل هذه الفضائيات فإنها ستفعل مثلك، وربما جر هذا إلى ارتكابها الحرام، فأغث سفينتك، وأحكم قيادها بتقوى الله عز وجل.
وهناك بعض الإرشادات الهامة التي يمكن الاستعانة بها في هذا الأمر، من أهمها:
- الترويح الدائم عن النفس بما هو مباح، من الرحلات والخروج إلى الطبيعة والتأمل في خلق الله تعالى، وخاصة السماء، والنظر إلى الخضرة وكل ما يريح النفس.
أن تنظر من العبادات ما هو أحب إليك، وأقرب إلى نفسك، فخير العمل ما وافق الشرع والهوى.
- أن تستمتع بالمشاهدات المباحة، فليس كل الفضائيات شر، بل فيها خير وشر، وعلى المسلم أن ينتقي، على أن يكون حذرًا، وأن يكون عالمًا بنفسه، فإن رأى نفسه تغلبه، فليستغن عن هذه المشاهدات، وله في الوسائل الأخرى بديل عنها.
أن يشغل الإنسان نفسه بالنافع لنفسه ولغيره، وأن يملأ وقته بعمل الصالحات، فكما جاء في الحديث: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ".
- أن يعوّد نفسه على تقوى الله وتعالى ومراقبته، فهي العلاج الناجع، والدواء النافع.
- أن يدرك الإنسان أن فعله مجرد مشاهدة فحسب، وأنه قتل وقت في معصية الله تعالى، ونفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.
- أن يعرف المرء ما الذي دفعه، فربما كان هناك سبب خفي، فليسعَ إلى علاجه، فربما كان في علاجه خير وسيلة للامتناع عن هذا الحرام.
- أن يكثر من الدعاء إلى الله تعالى أن يتوب عليه، وأن يلزم قلبه خشيته وتقواه، وأن يحسن عمله، وأن يجعله من الصالحين المصلحين.
ـــــــــــــــــــ
أخشى الزنى ..الإيمان هو الحل ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
والله أنا مشكلتي هي الزواج.. فأنا لا أريد أن أزني أو أعصي الله...، كما أننا نعاني من كثرة الفتن في هذا البلد أعني كثرة الكاسيات العاريات، وبما أنني إنسان تأتيني الشهوة وكما سبق لي وأن قلت لا أريد المعصية.. وهذا الأمر هو الذي يشغلني، فأنا لا أستطيع الزواج؛ لأنه لا عمل لي، وأنا أبلغ من العمر 22 سنة ومن المغرب، وشكرا.. ... السؤال(33/1629)
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الأستاذ همام عبد المعبود المحرر الشرعي بالموقع:
الأخ الحبيب:
قرأت رسالتك، وشعرت بمشكلتك، وقد قدرت كثيرا امتناعك عن ارتكاب جريمة الزنا وعن اقتراف المعاصي، جعلك الله من الراغبين في رضاه، الراغبين عن معصيته.. آمين.
وأما عن قولك "إننا نعاني من كثرة الفتن في هذا البلد أعني كثرة الكاسيات العاريات"، فالحق يا أخي أن التبرج والعري لم يعد قاصرا على بلدك -المغرب- لكنه استطال فطال معظم البلاد العربية بل والإسلامية، وذلك بجهد وتخطيط أعداء هذا الدين، الذين لا يريدون لهذه الأمة أن تنهض ولا لشبابها أن يفيق من غفلته، حتى لا يعرف ماله من حقوق فيطالب بها، وما عليه من واجبات فيؤديها.
وأوصيك أخي الكريم بالاعتصام بالله سبحانه وتعالى، ففيه الهداية إلى أقوم الطرق، والعصمة من كل فتنة، قال تعالى في كتابه الكريم: (وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، نعم يا أخي: اعتصم بالله، والجأ إليه وفر إليه، استعن به على شياطين الإنس والجن، استعن به على نفسك التي بين جنبيك.
كما أوصيك ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلن ففيها النجاة والمخرج من كل ضائقة قال تعالى: (وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَّتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)، فلتتق الله في جوارحك، اتق الله في بصرك بغضه عن النظر إلى ما يغضب الله، قال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ أن اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)، وفي الحديث القدسي: (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه) (رواه الطبراني)، واتق الله في سمعك فلا تسمعه إلا خيرا.
ولأنك – كما ذكرت في رسالتك – لا تستطيع الزواج لأنه لا عمل لك، لذا أوصيك بما أوصى به حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم شباب أمته عندما قال لهم: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج )، ولكونك لم تذكر في رسالتك ظروفك العائلية، وما إذا كان بوسع والدك أن يزوجك، كما لم تذكر ظروفك التعليمية فإن بوسعك أن تبحث عن عمل يعود عليك برزق حلال تعيش منه.
وحتى يكون الأمر أكثر وضوحا، اسمح لي أن أقدم لك -أخي الكريم- هذه النصائح التي يمكن أن تعينك -بعون من الله- على حل مشكلتك:
1- كن دائم الصلة بالله عز وجل، فاحرص على أداء الصلاة في موعدها، وحبذا لو أديتها في المسجد وفي الجماعة، واجعل لك وردا من القرآن (من جزء إلى ربع) يوميا حسب طاقتك وظروفك، واتخذ لك من الأذكار وردا ليطمئن قلبك وتهدأ نفسك، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).(33/1630)
2- عليك بالنوافل، فأكثر من نوافل الصلاة، وتصدق -ولو بالقليل- ففي الحديث (داووا مرضاكم بالصدقة)، وليس هناك من مرض أشد مما أنت فيه، ولا تنس وصية حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم لشباب أمته (فمن لم يستطع – الزواج – فعليه بالصوم فإنه له وجاء) فأكثر من صيام النافلة (صم الإثنين والخميس من كل أسبوع، ثلاثة أيام – الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر- من كل شهر قمري) ففيه من الفوائد الكثير، ومنها كسر الشهوة بتقليل الطعام وإجهاد البدن بالصوم.
3- اتخذ لك من الصالحين صديقا، فإن الصديق الصالح يكون عونا لصديقه على طاعة الله، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخُ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة)، ففي جلوسك معه وصحبتك له الخير الكثير.
4- غض البصر، فالنظرة بريد الزنا كما يقولون، قال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إن اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)، وقال صلى الله عليه وسلم (والعين تزني وزناها النظر.. والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)، فاجعل غض البصر خلقا لك، وإذا أخذك بصرك إلى معصية فاصرف بصرك، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة، فأمرني فقال: "اصرف بصرك".
5- الخوف من الله، ذكر نفسك دائما بسوء عاقبة الزنا، قال تعالى (وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً)، تذكر غضب الله عليك في حال تجرُّئِك عليه بالمعصية، وأن هذه الجريمة قد تكون سببا في طردك من رحمة الله وسببا في دخولك النار.
6- الأجر العظيم، تذكر الأجر العظيم الذي ينتظرك لو أنك انتصرت على نفسك وعلى شيطانك، فتركت هذه المعصية وتلك الفاحشة، ابتغاء الأجر من الله، فمعرفة الأجر والثواب قد يكون صارفا عن فعل المعصية.
7- اعلم -عافاك الله- أن (البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت، افعل ما شئت فكما تدين تدان)، وما أجمل ما قاله الشاعر:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
من يزن في الناس بألفي درهم في بيته يزنى بغير الدرهم
من يزن يزنى به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيبا فافهم
إن الزنا دين فإن أديته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
يا هاتكا ستر النساء وقاطعا سبل المودة عشت غير مكرم
لو كنت حرا من سلالة ماجد ما كنت هتاكا لحرمة مسلم
وختاما..
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصرف عنك شياطين الإنس والجن، وأن يأخذ بيدك إلى شاطئ طاعته، وأن يجعلنا وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يرزقك الصبر عن معصيته.. آمين يا رب العالمين.
وتابعنا بأخبارك..(33/1631)
ويقول مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع:
الأخ الفاضل..
جزى الله تعالى أخانا الكريم همام عبد المعبود خيرا، وليأذن لي بكلمة خفيفة لك فالزواج مسألة هامة في حياة كل شاب عزب لم يتزوج، وربما كان الميل إلى الجنس الآخر شيئا فطريا، ومع السعار الجنسي الذي تعيشه الأمة أضحى الجنس مشكلة، مع كونه في الأساس ليس مشكلة عويصة، فنريد من شبابنا أن يعوا أن ميلهم إلى الجنس الآخر شيء فطري، ويجب عليهم أن يهذبوه بما رسم الإسلام من هدي أشار إليه أخي همام، مع أخذ الموضوع في حجمه الطبيعي، فليس ثوران الشهوة عند المرء يجعله يتسرع حتى في الزواج؛ لأن هذا قد يدعو إلى أن يتزوج من ليست مناسبة له، ولكن إن كانت هناك فرصة للزواج، مع حسن الاختيار فلا بأس.
أخي أنت تجعل نفسك في دائرة محدودة، هي أنك جعلت كل حياتك في الشهوة، ولو نظرت إلى نفسك لوجدت أن عندك ما يشغلك، ولكن الشهوة تعمي العقل، وتطمس القلب، فانظر جوانب حياتك المختلفة، هل من المناسب أن تتزوج الآن، أم هناك أشياء يجب أن تستعد لها أولا، فقد يكون علاجك في الزواج، لكن ليس في هذا الوقت.
الزواج أخي ليس قضاء شهوة ووطر، ولكنه بناء أسرة ومؤسسة اجتماعية وتربوية، ففيها الحياة الزوجية، وتربية الأولاد، وقيام الزوج بوظيفته، والزوجة بوظيفتها، ودور كل منهما في المجتمع.
إن من الصواب أن ندرك أن الزواج خير من الحرام، وهذا جزء من شرعنا، ولكن ليس من الصواب أن نحصر الزواج والأسرة على إتيان الشهوة فحسب، فإن استطعت أن تجمع بين مهام الأسرة "من استطاع منكم الباءة" الباءة على النكاح والتربية والقيام بمهام الزواج، فليتزوج، ومن كان عاجزا عن هذا، فليبحث عن البديل الذي يحفظ به دينه، حتى يأذن الله تعالى بالفرج، وأنت أدرى الناس بأحوالك، ونبشرك بأن من نوى الزواج، يسره الله تعالى له، كما جاء في الحديث: "ثلاثة حق على الله عونهم.. الناكح يريد العفاف...".
لم يكن قصدي من هذا الكلام أن تتراجع عن الزواج، فهو حل بلا شك لكل من يصبو للعفة والطهر، ولكن أحببنا أن نوضح أن العفة والطهر وظيفة واحدة من وظائف الأسرة، وليست هي كل الوظائف، وإن كانت من أهمها، وأن نعوِّد أنفسنا على التفكير المنظم قبل فعل أي شيء، وألا نتعجل بنظرتنا دائما في قراءة الأحداث، بل والأطروحات التي نرى أنها حل لمشكلاتنا.
زوجك الله من النساء في الدنيا ما تقر به عينك، وتحصن به فرجك، وتغض به بصرك، وزوجك في الآخرة من الحور العين ما تنعم به.. آمين
ـــــــــــــــــــ
الخوف ورجاء .. وسائل التحقق ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله ..(33/1632)
كيف يمكن تحقيق التوازن بين الخوف من الله عز وجل ورجائه سبحانه في حياة المؤمن؟ وحبذا أن تشير لنا إلى بعض الأمثلة من حياة الصحابة رضي الله عنهم، وجزاكم الله خيرًا.
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، أما بعد..
يقول الدكتور علاء السيوفي
فإن الخوف والرجاء هما جناحا المؤمن يطير بهما في سماء محبة ربه جل وعلا. ولا بد من تحقيق التوازن بين الخوف والرجاء حتى تستقيم حياة المؤمن في الدنيا وفي الآخرة. وقد قال العلماء بأن الأفضل في حال الرخاء هو تغليب الخوف. وأن الأفضل في حال الشدة أو المرض تغليب الرجاء. وقال بعض الصالحين: "لأن تجلس مع أناس يخوفونك حتى تأمن، خير لك من أن تجلس مع أناس يؤمنونك حتى تخاف".
ومن أمثلة التوازن بين الخوف والرجاء في حياة الصحابة قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: "لو نودي أن كل الناس في النار إلى واحدًا لظننت أنه عمر، ولو نودي أن كل الناس في الجنة إلا واحدًا لظننت أنه عمر".
ومنها قول سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه: "لو أن إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله عز وجل". وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أحد الصحابة وهو في حالة الاحتضار وسأله كيف تجدك، فقال: "أجدني أرجو رحمة ربي وأخاف عذابه، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يجتمع هذان في قلب عبد في هذا الموضع إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف".
وفي الحديث:"لا يجمع الله على عبد أمنين ولا خوفين، من خافه في الدنيا أمنه يوم القيامة، ومن أمنه في الدنيا أخافه يوم القيامة".
وإليك يا أخي الحبيب بعض النصائح التي تمكنك من تحقيق التوازن بين الخوف والرجاء في حياتك:
1 - حاسب نفسك على كل عمل تعمله، وسل نفسك هل الله يحب هذا العمل أم لا؟
2 - إذا كان العمل مما يحبه الله فسل الله عز وجل أن يرزقك به الجنة. وإذا كان مما يبغض الله فاحذر أن تكرره فإن الله يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
3 - عايش مواقف حياتك وتخيل في آخر يومك أن الله عز وجل قد أدخلك الجنة بأعمالك الصالحة التي عملت، أو قد أدخلك النار بأعمالك الطالحة التي عملت. وتمثل أن الله سبحانه وتعالى يراقب كل أعمالك ويجازيك عليها أولا فأولاً.
4 - داوم على ذكر الله عز وجل ولا تنسه أبدًا.
5 - تمثل وصية النبي صلى الله عليه وسلم لحارثة حينما سأله كيف أصبحت يا حارثة؟ فقال له: "أصبحت مؤمنًا حقًّا يا رسول الله"، فقال: "انظر فإن لكل قول(33/1633)
حقيقة"... فأوصاه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث وقال له: "عرفت فالزم".
6 - إذا كنت تريد حقًّا أن تكون من الراجين فسل نفسك هل يسوقك رجاؤك إلى درجة الاستخفاف بنظر الله عز وجل وأنت تفعل المعصية؟ ولماذا ترجو ربك وعلى أي عمل؟
7 - وإذا كنت تريد حقًّا أن تكون من الخائفين، فسل نفسك هل يمنعك خوفك من ربك أن تقدم على معصيته؟!
وأخيرًا أخي الحبيب نسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى وتواصل معنا إن كانت هناك أية مشكلة.
ـــــــــــــــــــ
هل يعاقبني الله ... العنوان
مشكتي هو انني اريد التقرب الى الله ولكني لا استطيع لاني اشعر بان الله لن يستجيب لي ولن يقبل مني
وهذا الشعور مهما حاولت التخلص منه لكني لا استطيع
فكلما اتذكر كل ما جرى وحصل معي منذ الصغر فيشعرني ذلك بان الله كان يعاقبني منذ صغري واقول في نفسي ماذا فعلت حتى انا الله يعاقبني حتى وانا صغيرة وبعد ذلك اتمنى ان اعمل عمل الخير لكني اقول لن يتقبل الله مني ولن يرفع العقاب عني
وابدء اقارن ماذا اعطاني الله وما اعطى غيري واقول في نفسي اني لدي قلب فيه رحمة ومحبة اكثر من الذين يمن الله عليهم
فماذا افعل
بصدق اريد ان اكون مقربة من الله
ومستعدة لذلك لكني اتراجع في اخر لحظة .جزاكم الله خيرا
... السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
أختنا في الله/ ليلام
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا.. آمين.. ثم أما بعد،،
سؤالك يدل على أن قلبك حي، وإذا أردت أن تكوني مقربة من الله فاقتربي منه، نعم تحركي ناحية ما يرضيه، واجتهدي في الطاعات وأوصيك بالزيادة من النوافل؛ فإنها طريق للحصول على محبة الله عز وجل.
وهذا الشعور الذي تجدينه ليس صحيحا لأنه لو كان صحيحا ما توجهتِ إلينا بهذا السؤال، وأنصحك بأن تستثمري شهر رمضان للصلح مع الله، ابدئي معه صفحة(33/1634)
جديدة. جربي الوقوف بين يديه والتحنث عليه سبحانه. اسأليه أن يعينك على طاعته قولي: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، وإن شاء الله لن يمر عليك رمضان إلا وأنت من الله أقرب.
بارك الله فيك.. وزادك من الله قربا..
وختاما: نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك كل ما يغضب الله ويباعد من رحمته، وأن يهديك إلى الخير، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن، إنه سبحانه خير مأمول.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ(33/1635)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
الأحكام المترتبة على الطلاق
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(34/1)
حقوق من طلقت بعد عقد القران
تاريخ الفتوى : 19 محرم 1428 / 07-02-2007
السؤال
أنا فتاة جزائرية عقد قراني منذ عام ونصف، لم أزف لزوجي لمشاكل مادية لديه، أنا وزوجي كنا نخرج معا، كان يعاشرني كنت لا أزال عذراء لكن حملت منه لم أعلم بحملي لأنني لم أشعر بأعراض الحمل، في هذه الفترة حصل سوء تفاهم بيننا وفي حالة غضب قال لي أنت طالق، بعدها بأسبوع رجع واعتذر وطلب مني الرجوع معه وأنه لم ينو طلاقي، فعدت إليه، فهل كان طلاقا... بعدها بأيام حصل عندي نزيف حاد بقي معي أكثر من 15 يوما، فاستشرت طبيبا نسائيا ما أكد لي بأنني كنت حاملا بشهرين ونصف وأنها عملية إجهاض طبيعية وقال لي يجب عمل عملية كرتاج وأنه عليه نزع غشاء البكارة، علم زوجي وتقبل الأمر، جاء أهله إلى أبي وقالوا إنني زوجة ابنهم وإنهم سيزفوني إلى بيتي في أقرب الشهور وعلي أن أصبر قليلا حتى تحل مشاكله، صبرت لعدة شهور، ولما حلت مشاكله، طالبته بتسجيل زواجنا فى البلدية وأن يعجل بدخولي، لكنه كان في كل مرة يجد لي حجة يتهرب بها من مسؤوليته إزائي، عرضت عليه أن نسجل الزواج وأصبر معه حتى يفتح الله لكنه لم يقبل، أحسست بخداعه لي وأنه لا يريد الاستمرار معي، فكلمه أخي وأبي لأنه نفد صبرهما مضت 9 أشهر من تعرضي للإجهاض ولم يأت أهله ولم يحصل شيء، قال لأبي ابنتك مجنونة وقلقة وتريد الدخول فوراً، وإنني أسبب له المشاكل وأضغط عليه، بعدها كلمته بالهاتف فقال لي إنه لا يريد الاستمرار معي وأنه لن يسجل الزواج واتهمني بالزنا ونفى كونه الوالد للطفل الذي كنت أحمله، وقال إنه يريد تطليقي أمام الشهود، وأنه لم يدخل بي، وأنه لم يفض بكارتي، أنا الآن رفعت ضده قضية إثبات زواج في المحكمة، لم يحكم فيها بعد لأنه لا يأتي للامتثال أمام القاضي، أريد أن أسألكم إن كان قد طلقني، أي جاز طلاقه لي بالهاتف؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان زوجك قد قال لك: أنت طالق، ولو كان ذلك في حالة غضب يعي معها ما يقول وما يدور من حوله، فإن هذه طلقة يُعتد بها، ولكن من حقه أن يرتجعك بدون عقد جديد ما لم تخرجي من العدة، قال الله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا {البقرة:228}، ثم اعلمي أن ما تطلبينه منه من تسجيل زواجكما عند البلدية لا يترتب عليه أي حكم شرعي، لأنك زوجة له، طالما أنه قد ارتجعك بشهادة العدول، كما أن اتهامه لك بالزنا من غير بينة على ذلك، ونفي كونه الوالد للطفل، كلها أمور تضره هو لا أنت، لأن: الولد للفراش، وللعاهر الحجر. كما في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم، ولا يُمَكَّن من اللعان بعد تأخيره طيلة هذه المدة، وهو بهذه التهمة يستحق حد القذف، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:4-5}.(34/2)
ثم ما قال إنه يريده من تطليقك أمام الشهود لا يعتبر طلاقاً ما لم ينفذه، فهو الآن ما زال وعداً بالطلاق حتى ينطق بأنه طلقك.
وإذا حصل منه طلاق فإنه يحق لك عليه حقوق، منها: المهر أو باقيه إن لم يكن قد أعطاه من قبل، ومنها: النفقة قبل الطلاق وبعده ما لم تنقض العدة، ومنها: المتعة بحسب حاله، قال الله تعالى: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ {البقرة:236}، إلى غير ذلك، ونسأل الله أن يجعل لك مخرجاً ويفرج كربتك.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم معاشرة الزوجة بعد الطلاق الثلاث
تاريخ الفتوى : 13 محرم 1428 / 01-02-2007
السؤال
زوجي طلقني ثلاثا وينكر ذلك، فماذا أفعل، وهو يعاشرني غصباً ويرفض سراحي،
فهل لي أن آخذ جميع حقوقي الشرعية في حالة الانفصال لأن أولادي تخطوا سن الحضانة وعندي طفلة معاقة ذهنيا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطلاق الثلاث إذا كان مفرقاً بأن طلق الزوج ثم راجع، ثم طلق ثم راجع، ثم طلق، فلا خلاف في أنها تبين منه بينونة كبرى، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، ولا يجوز لها البقاء معه إلا مكرهة، ولا يجوز لها التزين له، وعليها أن تتخذ من الوسائل ما يحول بينها وبينه إذا استطاعت، وأما إن كان بلفظ واحد أو في مجلس واحد ففيه خلاف بين أهل العلم، سبق بيانه في الفتوى رقم: 5584.
ونظراً لأن في القضية طرفاً آخر ينازع فيها وهو الزوج، ولأن بعض مسائل الطلاق وقع فيها خلاف بين أهل العلم، منها طلاق الثلاث بلفظ واحد، فعليكما الرجوع إلى المحكمة الشرعية فهي صاحبة الاختصاص في قضايا النزاع والخلاف، وحكم القاضي يرفع الخلاف، وأما بشأن حقوق المطلقة فيرجع لبيانها إلى الفتوى رقم: 8845.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما تستحقة الزوجة بعد الطلاق وما لا تستحقه
تاريخ الفتوى : 05 محرم 1428 / 24-01-2007
السؤال
كانت لي زوجة وابنة - الآن بعد عام ونصف صرت مطلقاً ولدي العديد من القضايا بسبب أن أخا طليقتي محام متمكن في القانون وأنا مجرد مهندس مُسالم صبرت لسنوات عديدة على مرض زوجتي الذي أخفي عني عن قصد حتى أتممت الزواج(34/3)
ثم كان علي بكل الطرق أن أدفع مصروفات علاج خلل هرموني مكلف ومؤذ لنفس الرجل فيما يراه في زوجته من آثار هذا الخلل لارتفاع هرمون الذكورة.
بعد أن أكرمنا الله بطفلة بعد ثلاث سنوات من العلاج لطليقتي تغيرت كل الظروف. لم تعد ترغب في المبيت معي في نفس الفراش – حين تركت المنزل لآخر مرة كان عمر ابنتي عاما وشهرين لم تكن تبيت معي في نفس الفراش منذ الشهر السابع بعد أن أجرينا أشعة ثلاثية الأبعاد للاطمئنان على الجنين من خطر تشوه أدوية الهرمونات ومنذ أن أطمئنت على سلامة الجنين كان الهجر لي.
وكانت عندما تركت المنزل قد أتمت أكثر من عام وأربعة أشهر لا تبيت معي في نفس الفراش – لكن إذا كنت أريد أي حق من حقوق الزوج كنت أطالب به وآخذه – ولكن بمرور الوقت كرهت الشعور بالحاجة من طرف واحد كأني حيوان - وعندما شكوت الأمر لأبيها قال طالما تعطيك ما تريد ليس لك عليها شيء.
بعد أن تركت المنزل وانهمار القضايا – من نفقة زوجيه وطرد لعدم سداد الأجرة من منزل والدها الذي به شقتي وتبديد منقولات ... يئست من الإصلاح فطلقتها غيابياً وجاء بعد ذلك قضايا مؤخر صداق ونفقة متعة.
لجأت هي وأخوها وأهلها لطرق عدة من التحايل على القانون والتدليس إلي أن أخذت ضدي حكما غيابيا بستة أشهر سجن لتبديد منقولات الزوجية.
واستأنفت الحكم وثبت للقاضي التدليس على المحكمة وسألها خلال الجلسة التي حضرت فيها واستخدمت كل تأثير ضعف الأنثى من إدعاءات كاذبة ودموع - ماذا تريدي الآن رد منقولات الزوجية المدعى تبديدها أم تأكيد حكم السجن على طليقك – فطالبت وأصرت على تأكيد حكم السجن – وبعد عدة أيام اطلعنا على الحكم ووجدت أن القاضي حكم ببراءتي– لا أعرف كيف فأخبرني المحامي سب براءتي أنهم كانوا قد رفعوا عدة قضايا في عدة محاكم لتشتيتي بينهم – وكان المحامي قد حضر أحد هذه القضايا وأخذت براءة لأنهم لم يحضروا لوجود قضية رؤية ابنتي في محكمة أخرى في نفس التوقيت وكانوا ومازالوا مصرين على عدم تمكيني من رؤيتها حتى الآن(عام وخمسة أشهر) – فحكم ببراءتي أول مرة وبالتالي لم يعد ممكناً محاكمتي في نفس القضية أكثر من مرة ولم يعد لديها الحق في الإعادة بمطالبة منقولات الزوجية.
والآن والدي يُصر على أن مهر طليقتي هو منقولات الزوجية – وأنني إذا لم أسلم لها منقولات الزوجية أكون قد أخذت منها مهرها.
وصديق لي يقول إن آجل مؤخر الصداق هو مهر الزوجة وأنني إذا قضيت لها مؤخر الصداق أكون قد وفيت مهرها
فماذا أفعل الآن؟ أسلمها منقولات الزوجية ومؤخر الصداق – أم أقضي لها مؤخر الصداق فقط ولا أسلمها منقولات الزوجية التي دلست على القضاء هي وأهلها لسجني بها ونجاني الله من هذه المكيدة؟
مع العلم أنها قد تزوجت الآن من آخر ومؤخر صداقها سبعة آلاف جنيه ويطالبون بنفقة متعه بقيمة ستة آلاف جنيه وأنا أؤدي نفقة للصغيرة بقيمة مائتين وخمسين جنيها.(34/4)
فأفتوني يا أهل الذكر أثابكم الله - ما لي وما علي بحكم الشرع وليس القانون مع هذه المرأة وهؤلاء الناس.....
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تضمن سؤالك أمرين هما: مؤخر الصداق وماهو وهل يدخل أثاث بيت الزوجية ضمنه أم لا؟
والأمر الثاني: هو متعة المطلقة؛ كما فهمنا من سؤالك.
والجواب أن مؤخر الصداق حق للزوجة يجب صرفه إليها عند أجله سواء أكان الطلاق أم غيره .
وأما أثاث بيت الزوجية (منقولات الزوجية) فقد فصلنا القول فيها في الفتوى رقم: 9494.
وبناء على هذا التفصيل المبين في الفتوى المحال إليها.. فما كان ملكا للزوجة فيجب رده إليها، أو دفع عوضه وقيمته إن لم يمكن رد عينه، وأما ما كان ملكا لك فلك التصرف فيه وكيف تشاء، ولا حق لها هي فيه.
والخلاصة أن مؤخر الصداق دين عليك للمرأة، وأن المنقولات إذا كانت من حقها فيجب عليك دفعها لها، وإذا كانت من حقك أنت -حسبما ذكر في التفصيل السابق- فلا يلزمك أن تردها إليها، ولترد إليها مؤخر صداقها الذي ذكرت.
وأما المتعة فهي من حقوقها أيضا لقول بعض أهل العلم بوجوبها؛ وإن كان الأكثر منهم على استحبابها، وليس لها قدر محدد؛ بل هي كما قال الله تعالى: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى المُحْسِنِينَ {البقرة:236} وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4807، 9746، 18915، 30160.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ليس كل مطلقة تستحق المتعة
تاريخ الفتوى : 25 ذو الحجة 1427 / 15-01-2007
السؤال
إني أتوجه إليكم مركز الفتوى امراة ناشز خرجت من بيتها وحملت أغراضها بما فيه مهرها (الحلي أو الذهب) متجهة إلى بيت والدها مع العلم أن الزوج لم يكن على دراية بذلك حيث إنه عندما رجع إلى البيت أدرك ذلك وعندما أراد أن يرجعها رفضت ذلك بشرط أن : - يسكنها في مسكن منفرد لوحدها بعيدا عن أهله علما أن العلاقة التي كانت بين الزوجة وأهل الزوج جد حسنة وكانا يسكنان بجوار والديه في بيت مستقل زد على ذلك أن الزوج تاجر يقضي غالب وقته خارج البيت ويكون مطمئنا عندما تكون زوجته بقرب أعين والديه وليكن في علمكم أيها الشيوخ الكرام أن الزوجة نقضت جميع الشروط التي اتفقا عليها يوم العقد مثلا : - الخروج من البيت بدون إذن زوجها (أثناء مكوثها عند والديها) - عدم ارتداء الجلباب الشرعي(34/5)
وشروط أخرى تتعلق بالدين حيث إنها تحاول أن تدفع الزوج بهذه الأفعال المخالفة للشرع أن يطلقها لكي تتحصل على حق النفقة وحق المتعة من طرف القضاء إذن إني أتوجه إليكم أيها الشيوخ والعلماء العظام بأن تكون فتواكم جوابا لي في أن أطلقها وهذا هو هدفها أو أتركها تطلب الخلع وترجع لي مهري ؟
وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا من قبل في فتاوى كثيرة أن من حق الزوجة على زوجها أن يوفر لها سكنا مستقلا لها، ولا يلزمها أن تسكن مع عائلته، قال خليل المالكي في مختصره: ولها الامتناع من أن تسكن مع أقاربه. انتهى.
ولكن ليس لها الخيار في مكان السكن، أو كونه بعيداً عن أهل الزوج طالماً أنه لا يجلب لها ضرراً، وإذا وفر الزوج لزوجته سكناً مستقلاً، فإن خروجها منه إلى بيت والدها دون إذن زوجها يعتبر نشوزاً، والنشوز له علاج سبق أن بيناه من قبل، ولك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 2589.
وإذا كانت زوجتك مصرة على الطلاق، فلك أن تجيبها إليه بفدية إن شئت، وهو الخلع المعروف في الشرع، كما قال الله تعالى: وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ {البقرة:229}.
وإذا خالعت الزوجة زوجها كان طلاقها بائناً، وبالتالي لا تكون لها نفقة العدة ما لم تكن حاملاً، وليس لها أيضاً حق في المتعة، لأنها هي المختارة للطلاق، قال الشيخ خليل بن إسحاق رحمه الله تعالى يعدد الحالات التي لا تستحق فيها الزوجة متعة: إلا من اختلعت أو فرض لها وطلقت قبل البناء.اهـ
ونسأل الله أن يهدينا وإياك سبل الرشاد.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يجوز للمطلقة أن تأخذ ما يزيد على ونفقتها ونفقة بنتها
تاريخ الفتوى : 15 رمضان 1427 / 08-10-2006
السؤال
امرأة مسلمة متحجبة طلقها زوجها لفظا في سويسرا، بعدها مباشرة لجأت هذه المرأة إلى القضاء السويسري وطلبت الانفصال وحصلت على أكثر من نصف راتب الزوج شهريا، مع العلم بأن هذه المرأة لا تشتغل وتحضن ابنتها التي يبلغ عمرها 4 سنوات، حسب القانون السويسري فهذا الحكم ليس طلاقا، فالطلاق لا يحصل إلا باتفاق من الزوجين أو بعد انقضاء عامين ابتداء من تاريخ الانفصال، فبعد مرور أكثر من سنة وبالرغم من أن هذه المرأة تأخذ أكثر من حقها فهي ما زلت ترفض اتفاقية الطلاق حتى تمنع بذلك زوجها الذي طلقها من الزواج بامرأة أخرى، فهل اللجوء إلى القضاء السويسري بحجة أنه يجب التحاكم إلى قوانين البلد(34/6)
الذي نعيش به وعدم الرجوع إلى الشريعة الإسلامية يعد صحيحا، مع العلم بأن الزواج تم في بلد إسلامي، علما بأن نفقة البنت واجبة على أبيها, فهل يجب على هذا الزوج كذلك نفقة ومسكن هذه المرأة بعدما انقضت عدتها منذ أكثر من سنة، فإن كان الجواب بنعم فمتى ينتهي وجوب هذه النفقة، ما هو حكم هذه المرأة التي تستغل القوانين السويسرية لمنع الزوج من الزواج بأخرى بالرغم من أنه قد طلقها منذ أكثر من سنة؟ جزاكم الله كل الخير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تضمن سؤالك عدة استفسارات نجملها فيما يلي:
أولاً: فيما تلفظ به الزوج من طلاق زوجته، وهذا يكفي لحل العصمة ولو لم يشهد عليه أو يكتبه عند المحكمة والقضاء، فإن كان الزوج قد تلفظ بالطلاق لزوجته ولم يراجعها أثناء العدة فقد طلقت منه ولا اعتبار لعدم كتابة ذلك لدى القضاء، وقد بينا ما يجب للمطلقة على زوجها من نفقة وسكنى أو عدمها، وكذا ما يجب للمطلقة الحاضنة أثناء العدة وبعدها وذلك في الفتوى رقم: 52341، والفتوى رقم: 77367 وما أحيل إليه من فتاوى خلالهما.
وليس لتك المرأة أن تأخذ ما يزيد على حقها من نفقة وسكنى خلال العدة أو نفقة البنت ولو حكمت لها بذلك المحكمة، فحكم القاضي لا يحل الحرام ولا يحرم الحلال في الواقع، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها. رواه البخاري. ولمعرفة متى ينتهي وجوب النفقة للمطلقة وللبنت انظر الفتوى رقم: 25339، والفتوى رقم: 29933.
فعلى تلك المرأة أن تتقي الله سبحانه وتعالى فيما تأخذه من ذلك الرجل، وما قامت به من قضايا لمنعه من حقوقه كالزواج فإنها مسؤولة عن ذلك يوم القيامة، وستجازى عليه، وإنها لا تعلم متى تصير إلى قبرها فتجد ما عملت من خير محضراً، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً، كما قال الله تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ {آل عمران:30}
وأما المسألة الثانية فهي حكم الترافع إلى المحاكم الوضعية، وقد فصلنا القول فيه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26057، 7561، 11820.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
كم من قال لزوجته (أنت طالق اليوم)
تاريخ الفتوى : 02 شعبان 1427 / 27-08-2006
السؤال
قلت لزوجتي سأتصل على أخيك وأنت طالق اليوم فهل هذا طلاق؟
الفتوى(34/7)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطلاق واقع بهذا اللفظ لأنه طلاق منجز، ويقع الطلاق في أول جزء من اليوم. قال ابن قدامة في المغني: ومتى جعل زمنا ظرفا للطلاق وقع الطلاق في أول جزء منه مثل أن يقول: أنت طالق اليوم أو غدا..
ولا عبرة بقوله سأتصل بأخيك ما دام أنه لم يعلق الطلاق على الاتصال، وإنما يكون الطلاق معلقا لو أنه قال مثلا: (سأتصل بأخيك وأنت طالق إذا اتصلت)، فحينئذ لا يقع الطلاق إلا بالاتصال به.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تخيل المرأة ما كان يحدث بينها وبين زوجها السابق
تاريخ الفتوى : 27 جمادي الثانية 1427 / 24-07-2006
السؤال
هل يجوز أن أتذكر ما كان يحدث بيني و بين زوجي قبل طلاقي من ملاطفات و مداعبات عند الحاجة إلى هذا أو أتخيل نفسي معه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طليقك أجنبي عنك، وتخيل المرأة ما ذكرت من أمور مع أجنبي أو تخيل الرجل ذلك مع أجنبية سبق بيان حكمه في الفتوى رقم:15558 وهذا الخلاف المذكور في الفتوى التي أحلناك عليها محله إذا كان بفعل وقصد، وأما الأفكار التي ترد على الذهن بدون قصد ويجتهد صاحبها في دفعها والاستعاذة بالله منها فإن المرء لا يحاسب عليها إجماعا، وأما تخيل الزوج زوجته والزوجة زوجها فسبق في الفتوى رقم:19976 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما تفعله المرأة بمال مطلقها الذي يرفض أخذه
تاريخ الفتوى : 28 صفر 1427 / 29-03-2006
السؤال
تم عقد قرانى ولم يتم الدخول وكان قد دفع مهري ولما اتفقنا على الطلاق أرادوا أخذ المهر كله أردنا إعطاءهم نصفه فقط بعد خصم نصف المؤخر أيضا حيث إنهم هم من أرادو فسخ العقد دون علة من جهتنا وكذا أردنا اقتسام الشبكة وبعد الطلاق رفضوا استلام ما تبقى وأبوا إلا المهر كاملا دون الشبكه فرفضنا فتركوه كله وأخذوا في التشهير بنا بما لا أساس له من الصحه ورفض معارفه من الرجال التدخل لما عرف عن سلاطة لسان أمه فما العمل في المبلغ المتبقى لهم وهو تقريبا 4000 جنيه ولا سبيل لنا من إعادته له ونخشى الله إن أضفناه لأموالنا(34/8)
علما بأنه قارب على الزواج بأخرى ولا نرغب في أن يقال أننا نطارده ليعود إلينا وما أكثر الجهلاء في هذا الزمان وكفانا الله كل سوء ، وهل من حق من تقدم لخطبتى أن يعلم بأمر هذا المال سواء أعدناه أم لا ؟
وجزاكم الله خيرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا طلقت المرأة قبل الدخول بها وقبل الخلوة الصحيحة بها ، فإن لها نصف المهر المسمى المقدم منه والمؤخر ، لقوله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ {البقرة : 237}.
كما أنه لا عدة عليها لقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا {الأحزاب: 49}.
أما الشبكة فإن كان المتعارف عليه أنها من المهر فإنها تتنصف كذلك كالمهر ،
وإن كان المتعارف أنها هدية يقدمها الخاطب لمخطوبته، أو الزوج لزوجته فتكون من حق الزوجة .
ويستحب أن يعفو أحد الزوجين عن النصف الواجب له لصاحبه لقوله تعالى : وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ {البقرة: 237 } وإذا لم يرض الزوج بأخذ حقه ، فيمكنك الاحتفاظ به كوديعة ، أو تسليمه إلى المحكمة وأخذ إبراء من المحكمة ، وتقوم المحكمة بتسليمه حقه إذا طلبه ، ولا يجب عليك إخبار من يتقدم لخطبتك بأمر هذا المال ، وتراجع الفتوى رقم : 71635 .
والله أعلم .
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الذي يؤخذ بقوله في ثبوت الخلوة
تاريخ الفتوى : 27 محرم 1427 / 26-02-2006
السؤال
قمت بتطليق زوجتي قبل الدخول وبعد الخلوة طلقة واحدة وصدر في صك الطلاق أن لي عليها العدة حسب حالها وأنه يجوز لي مراجعتها وقمت بمراجعتها أمام القاضي الذي طلقتها عنده وبحضور والدها وقمت بطلبها من أبيها للعودة إلي وتسجيل ذلك بمحكمة الضمان والأنكحة، ولكنه رفض ذلك وقال بأنه لا يجوز ذلك إلا بعقد جديد وشروط جديدة، طلبت زوجتي في بيت الطاعة بالمحكمة الكبرى ولكن القاضي الذي ينظر في طلبي غير موافق على صك الطلاق ويقول بأنه غير ملزم إلا باعتراف الزوجة على أني قد خلوت بها أو أن أحضر أي شخص شاهد على خلوتي بها، والله العظيم أني خلوت بها في أكثر من واقعة وحدث بيني وبينها ما يحدث بين الرجل وزوجته إلا الجماع، سؤالي:(34/9)
1- في حال قضى القاضي بأن الخلوة غير ملزمة ورد علي دعوى الطلب في بيت الطاعة، ما هو الحكم الشرعي للزوجة التي تم الفصل بيني وبينها في حالة زواجها من رجل آخر بناءاً على قرار قاضي المحكمة الكبرى.
2- وهل فعلا يتوجب أن تعترف هي بالخلوة لكي يتم إثباتها، مع العلم بأن أهلها هم من يقومون بحثها على ذلك وأعتقد بأنها تكتم الاعتراف بها وتنكر وجودها تحت ضغط مباشر من أهلها، وفقكم الله لما فيه الصلاح؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجمهور العلماء على أن الخلوة الصحيحة بالمعقود عليها تترتب عليها آثار، من تقرر المهر كله ووجوب العدة وغير ذلك، ويؤخذ في ثبوت الخلوة بقول الزوجة، فإذا كذبت الزوجة الزوج في حصول الخلوة فالقول قولها، قال الرحيباني الحنبلي في مطالب أولي النهى: وإن قال الزوج: خلوت بك قبل الطلاق فلي عليك الرجعة (فلا يقبل قوله في دعواه الخلوة) بها (ليراجع) هذا (إن كذبته) بأن قالت: لم تخل بي قبل الطلاق، فلا رجعة لك علي، بل القول قولها، ولا نفقة لها ولا سكنى، فأما المهر فإن لم تكن قبضته فلا تستحق إلا نصفه، لأنه وإن كان مقراً بكله فهي لا تدعي إلا نصفه، ولا تصدقه في إقراره). انتهى.
هذا عن حكم من يصدق من الزوجين في حال ما إذا ادعى الزوج الخلوة وأنكرتها الزوجة عموماً، أما بالنسبة لهذه القضية التي وصلت إلى القاضي، فليس أمامك إلا إثبات حصول الخلوة، أو القبول بحكم القاضي، وتراجع الفتوى رقم: 64008.
والطلاق الذي يوقعه القاضي حسب المعطيات المتوفرة لديه نافذ ظاهراً، ولكنه لا يحل الحرام إذا كان يخالف ما في نفس الأمر، فلا يجوز للزوجة أن تتزوج بآخر وهي ما تزال في عصمة الأول، وسبق بيانه في الفتوى رقم: 31433.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : الطلاق من غير إكراه واقع ونافذ
تاريخ الفتوى : 05 ذو الحجة 1426 / 05-01-2006
السؤال
لي صديقة عانت من زوجها الأمرين، والزواج بني على الغش أي أنه غشها وكذب عليها، ورغم هذا الأمر احتسبت الأجر من الله وعاشت معه، طبعا لم يعش معها كما أمر الله وأدى الأمر إلى هجران غرفة النوم ومن ثم البيت لمدة سنتين بدون عذر شرعي، وبعد معاناة طويلة اضطرت ـ مثل ما يقول المثل: آخر الدواء الكي ـ أنها تطلب الطلاق، وحصلت عليه وبرضا زوجها، وتنازلت له عن كل حقوقها الشرعية مقابل الطلاق، ولما تم الطلاق وبعد أكثر من ستة شهور أصبح يقول بين الناس إنها زوجته شرعا وأنه ما طلقها إسلاميا، طبعا غايته الإضرار بها.
سؤالي: طالما تم الطلاق أمام القاضي بالقبول والاتفاق بين الطرفين، ألا يعتبر ذلك طلاقا شرعيا؟ أنا سألت القرضاوي مرة بنفس المشكلة لشخص يقرب لي، طلق(34/10)
زوجته في المحكمة السورية، لكي يتزوج أوربية من أجل الأوراق، فكان جواب القرضاوي أنه طلاق شرعي، أي طلاق المحكمة طلاق شرعي، فما رأيك؟ أريدك تساعدني في هذا الموضوع، طبعا بالنسبة لها لا يعتبر كزوج فهي لا تستطيع معاشرته وتكرهه، ولا تتصور أن يضع يده عليها، بالإضافة أنه هجرها من غير حق، بالإضافة أنه لم يكن يعاملها معاملة الإسلام، والزواج أصلا بني على الغش، أي أنها وافقت على شخص وبعد الزواج وجدت شخصا آخر بظروف أخرى .
للعلم الزواج تم عن طريق الأهل والصور فقط .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطلاق إذا صدر عن الزوج بغير إكراه ، فإنه واقع ونافذ سواء صدر أمام القاضي أو بدونه، وإذا كان بعوض من الزوجة فهو خلع، والخلع يقع به البينونة، واختلف هل هو طلاق أم فسخ؟ على ما سبق في الفتوى رقم: 11543
وعلى العموم فالطلاق واقع في الحالة المسؤول عنها، ولا عبرة بما يقوله هذا الرجل ما دامت المسألة جرت كما ورد في السؤال، بل ونلفت انتباهك إلى أن ما ذكرت من الضرر تستحق به الزوجة الطلاق بدون خلع كما بينا في الفتوى رقم:67663، فلها الحق إذاً في استرجاع حقوقها منه، ولكن بما أن الأمر تم عند المحكمة فالأحسن إمضاؤه قطعا للنزاع.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
النزاع في مقدار المهر
تاريخ الفتوى : 01 رجب 1426 / 06-08-2005
السؤال
السؤال: لقد تم عقد قراني شرعيا (عند الشيخ) منذ سنتين لشاب وكان المهر هو 5000 آلاف دينار أردني والآن هم يريدون الطلاق ويقولون إن مهري كان 3000 ألاف وليس 5000، علما بأني لا أملك ورقة أو عقدا يثبت ذلك، فماذا أفعل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان قد حصل دخول أو خلوة صحيحة يمكن الوطء فيها عادة، فلك المهر كاملاً، وإن لم يكن حصل شيء من ذلك فلك نصف المهر، قال الله تعالى: وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {البقرة:237}، وفي حال وقوع النزاع في مقدار المهر كما في حالة السائلة فإنا ننصح بمراجعة الجهة الشرعية المختصة في بلدها ، لأن مسائل النزاع والمناكرات لا تفيد فيها الفتوى كثيراً وخصوصاً إذا علمنا أن أهل العلم اختلفوا اختلافاً كثيراً في حكم ما إذا اختلف الزوجان في قدر المهر فمنهم من يرى أن القول المصدق هو قول من يدعي منهما صداق المثل، ومنهم من يرى أنهما(34/11)
يحلفان، فإن حلفا وجب مهر المثل ، وإن نكل أحدهما وحلف الآخر يثبت ما قاله الحالف، ومن أهل العلم من يفرق بينما إذا كان النزاع قبل البناء وبينما إذا كان بعده، والخلاصة أن الذي يرفع هذا الخلاف ويقطع ذلك النزاع هو المحكمة الشرعية أو القائم مقامها.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا تبين الزوجة بتطليقها مرة واحدة
تاريخ الفتوى : 20 جمادي الثانية 1426 / 27-07-2005
السؤال
لقد طلقت زوجتي وذلك برسالة هاتفية بلفظ أنت طالق ثم ذهبت للمحكمة لتثبيت الطلاق فقال لي القاضي هذه طلقة واحدة فقلت له لكن أنا لاأريدها فحكم لي ثلاثا علما بأني لم أرم يمين الطلاق إلا مرة واحدة فقط وبعد مضي سنتين الآن تقريبا أنوي إرجاعها بشدة وبيننا ولد فذهبت للمحكمة لإرجاعها فلم يقبلوا لأن الحكم الصادر ثلاث واستفتينا لجنة فتوى عندنا فأصدرت فتوى بأنهما طلقتان ولم تقبل المحكمة بالفتوى فنصحني رئيس المحكمه أن أعقد خارج هذه المحكمة أي في بلد آخر ثم أحضر لتثبيت الزواج بشاهدين والعقد الأول لإصدار شهادة إستمرار زوجية حيث قال إنك شرعا طلقتها طلقة واحدة ولكن الأوراق الرسمية تثبت طلاقك لها ثلاثا.
أفيدوني أثابكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ندري ما وجه حكم القاضي بهذا الحكم، ولعل في الأمر شيئا لم يبينه السائل بنى القاضي عليه حكمه، هذا هو الظن بالقاضي إذا كان قاضيا شرعيا لأنه لا يحكم ببينونة المرأة من زوجها إلا بثلاث طلقات كما هو معلوم، والزوج كما في السؤال إنما طلق مرة بكتابة لفظ الطلاق وهذه طلقة إذا نواها؛ كما بينا في الفتوى رقم: 43774. ثم قال " لا أريدها" وهذه الكلمة غاية ما فيها أن تكون كناية من كنايات الطلاق تقع بها طلقة واحدة إن نوى بها تأسيس الطلاق، أما إذا لم يرد بها الطلاق أو أراد بها تأكيد الطلقة الأولى فلا يقع بها شيء.
وعليه؛ فهذه الزوجة لم تبن من زوجها بينونة كبرى، ولا يجوز الحكم بذلك لأن فيه تحريم ما أحل الله، بقوله: الطلاق مرتان إلى قوله: فإن طلاقها فلا تحل له..... الآيات. وإنما يلزم حكم القاضي ولا يجوز نقضه ما لم يخالف نصا أو إجماعا، ولكن كما قلنا أن الظن بالقاضي إذا كان شرعيا أنه لا بد أن يكون هناك سبب وحيثية بنى عليها حكمه، فننصح بمراجعة القاضي والقضاة الآخرين في البلد وأما الفتوى فهي ما سبق.
والله أعلم.(34/12)
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما يلزم من الطلاق بعد حصول الخلوة الشرعية
تاريخ الفتوى : 22 جمادي الأولى 1426 / 29-06-2005
السؤال
سؤالي كالتالي: الأسبوع الماضي قمت بطلاق خطيبتي كنت حيث كان كتابي قد كتب ولم أدخل عليها، الشيء الأول أنا طلقتها خوفا وتهديدا من أهلها ليس بمحض إرادتي يعني مكره ونطق لساني ولم ينطق عقلي وقلبي، والشيء الثاني عندما رددت الكلام خلف القاضي قال لي ياهيثم قل "وأنا طلقتك على" قلت وهنا طلقتك، إذاً بدل أنا قلت هنا ولم أقصد بها المكان بل اسم فتاة الشيء الآخر أن القاضي لم يراع الله ولم يقل أي كلمة خير مجرد سأل خطيبتي أنت موافقة وأريد ان أقول إن خطيبتي أجبرت مثلي على الطلاق وأن أمها قالت إذا قبلت بتزوجه أغضب عليك، طبعا والد خطيبتي كان متفهما وقال لخطيبتي الأمر يعود لك (لخطيبتي طبعا) أمها كانت لا تريد، فهل يحق للأم أن تغضب على ابنتها وهل رب العالمين يكون في صف هذه الأم.
الآن أخي العزيز: أريد القول.. لقد تم الذكر في عقد الطلاق، الطلاق قبل الدخول وعدم الخلوة الشيء المهم ما المقصود بعدم الخلوة ونحن كنا كاتبين الكتاب وننتظر العرس، أريد أن أقول الحقيقة وأريد الحكم الشرعي
لأن أهل خطيبتي كانوا يريدون الطلاق لخطأ تافه بدر مني فقد تنازلوا عن كل شيء، لكن أنا وخطيبتي قمنا بأمور كثيره فقد عملت كل شيء معها والشيء الوحيد المتبقي أنها بقيت بكرا، مع العلم أن من الأمور التي جرت بيننا أنه لقد لامس المني فرجها وخفنا وقتها أن يحدث شيء من حمل أو ما شابه وأنا شاهدت كل جسدها وهي كذلك، بمعنى استمتعت بها استمتاع المتزوج بعد العرس كل شيء حصل بيننا فقط بقيت بكرا
أريد الفتوى منكم بما حصل، هل الطلاق شرعي وهل هناك أي التزامات يجب أن أقوم بها تجاه خطيبتي لأنها لم تدافع عن حقوقها لشدة خوفها من أهلها ولكن رغبتي برأيكم حتى أشعر أني أديت حقوقها أمام الله لأنني أحببتها وأحترمها وأريد رضا ربي ثم رضاها أرجو المشورة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأمور إذا وصلت إلى القاضي وحكم فيها لم يعد من المفيد إصدار فتوى بشأنها وذلك لعدة اعتبارات منها أن حكم القاضي يرفع الخلاف، ومنها أنه يلزم للجميع وليس كذلك الفتوى، قال صاحب بدائع الصنائع: المقلد إذا أفتاه إنسان في حادثة ثم رفعت إلى القاضي فقضى بخلاف رأي المفتي فإنه يأخذ بقضاء القاضي ويترك رأي المفتي لأن رأي المفتي يصير متروكاً بقضاء القاضي.(34/13)
وعليه؛ فلا ينفعك في حل هذه المشكلة إلا القضاء وذلك بأن تبين للقاضي أن إصدارك للطلاق واقع تحت الإكراه من طرف أهل زوجتك، فإن رأى أن الإكراه معتبر شرعاً نقض الحكم السابق، وإن لم ير ذلك أمضاه.
وفي حال نفوذ هذا الطلاق فيجب على هذه المرأة أن تعتد ولها عليك كافة حقوق المطلقة وذلك بحصول الخلوة الشرعية بينكما لأنها تنزل منزلة الوطء، قال العلامة الخرقي وهو من علماء الحنابلة: وإذا خلا بها بعد العقد فقال لم أطأها وصدقته لم يلتفت إلى قولهما، وكان حكمها حكم الدخول في جميع أمورهما. انتهى، ومعنى الخلوة الشرعية عند الفقهاء انفراد الزوجين في مكان أمكن فيه الجماع بينهما ولو لم يحصل.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تطليق الرجل زوجته إرضاء لوالدته يقع
تاريخ الفتوى : 17 ربيع الأول 1426 / 26-04-2005
السؤال
ما حكم الطلاق بالإكراه أي إكراه الزوج على تطليق زوجته ؟ وما هو عقاب من أكره الزوج على ذلك (( والدته من أكرهته )) في الدنيا والآخرة؟ وما هو عقاب الزوج نفسه هذا وجزاكم الله خيرا . حتى يتسنى لها أن تزوجه ابنة أختها.ـ وإذا تزوجت وطليقي تزوج لمن تكون حضانة الطفل ؟- وإذا تزوجت في بيت أهلي هل يبقى طفلي عندي أنا يمنية ومقيمة في اليمن ؟
الرجاء الرد بسرعه.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم في الفتوى رقم: 6106، والفتوى رقم: 42393. بيان الإكراه المعتبر شرعا والذي إذا وقع على الشخص لم يلزم بتصرفاته تحته. وعليه؛ فإن كان هذا الرجل طلق زوجته لمجرد إرضاء والدته وليس خوفا من لحقوق ضرر معتبر فطلاقه لازم، وإن كان لا يجب عليه شرعا طاعتها في ذلك لأن طاعتها لا تجب إلا في المعروف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف. رواه البخاري. قال في كشاف القناع: ولا يجب الطلاق إذا أمره أبوه فلا تلزم طاعته في الطلاق لأنه أمره بما لا يوافق الشرع.اهـ.
وأما طلب الأم من ولدها طلاق زوجته من غير مسوغ شرعي فلا يجوز لما في ذلك من إلحاق الضرر بابنها وزوجته دون مسوغ شرعي، وقد قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً {الأحزاب:58}. وقال صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك، وراجعي الفتوى رقم:
1549. وأما فيما يتعلق بحكم الحضانة فراجعي فيه الفتوى رقم: 2011.
والله أعلم.(34/14)
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلب الطلاق لترك الزوج النفقة
تاريخ الفتوى : 20 محرم 1426 / 01-03-2005
السؤال
صديقتي قد رمى عليها زوجها يمين الطلاق وهذه المرة الثانية وهو متقاعس ولا يقوم بواجبه لا كأب و لا كزوج فهي تتحمل كل أعباء المنزل حتى الصرفيات فهو كان عاطلا لمدة أكثر من 4 سنين والآن يعمل ولكنه ليس ملتزما بعمله فنادراً ما يذهب إليه كما أنه لا يساهم في صرفيات المنزل إلا بالقليل ويغضب إذا أيقظته من النوم للذهاب للعمل رغم أن ما يعطيها لا يكفي حتى دفع جزء من إيجار المنزل.
وهي تتحمل الأعباء ولكنه هذه المرة عندما ألقى عليها يمين الطلاق رفضت العودة له رغم كل محاولاته فما كان منه إلا أن أرجعها إلى عصمته رغماً عنها.
فكيف بالله عليك الحل وهي تخاف على طفلتها التي هي الآن في الروضة وطفلها الرضيع من سوء تصرفه وهو مثال لأب يجب أن لا يقتدى رغم أنها حاولت عدة مرات أن تجعل أمه تهديه ولكن من غير جدوى
هي ترفض كل الرفض العودة فما الحل لديكم وما قول الشرع في هذا خصوصاً أنه ألقى عليها اليمين قبل يومين من عيد الأضحى و أنتم تعلمون ما يعني هذا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما بشأن الطلاق فإن كان طلاقا ناجزا فقد وقعت الطلقتان ولم يبق له إلا الطلقة الثالثة ، ومن حقه أن يراجع زوجته بعد الطلقة الأولى والثانية ما دامت في العدة ولو بدون رضاها ، أما بعد انتهاء العدة فقد بانت منه بينونة صغرى فلا تحل له إلا بعقد جديد ومهر جديد إن رضيت به زوجا.
وأما إن كان الطلاق معلقا بفعل أمر فحدث ما علق الطلاق عليه فقد وقع الطلاق على قول جمهور أهل العلم، وهناك قول لبعض أهل العلم أنه إن لم يقصد به الطلاق كان يمينا يكفر عنها بما يكفر عن اليمين بالله، وتراجع الفتوى رقم:1673 .
و المراجعة بعد الطلاق المعلق حكمها حكم المراجعة بعد الطلاق المنجز الذي ذكر أعلاه .
وأما بشأن طلب الطلاق فمن حقها ذلك إن كان زوجها كما ورد تاركا للنفقة غير قائم بما عليه من الحقوق فلها أن ترفع أمرها للقضاء الذي يلزم الزوج إما بالنفقة أو الطلاق وانظري الفتوى رقم 16694 والفتوى رقم8299. والله أعلم
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل للزوج المطالبة بالمهر والهدايا عند طلاقه لزوجته بسبب نفوره منها
تاريخ الفتوى : 13 رمضان 1425 / 27-10-2004
السؤال(34/15)
أنا متزوج منذ ستة شهور، وأرغب في تطليق زوجتي لنفوري منها وعدم راحتي معها وهي كثيرة الكذب
وأشك بأنها كانت على علاقة محرمة مع شخص قبل زواجي منها. س _ هل لي الحق في استرجاع المهر أو جزء منه؟ _ هلي لي الحق في أخذ الهدايا ( الذهب وغيره ) التي جاءتها مني ومن أهلي؟
وجزاكم الله كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمهر حق للزوجة لا يجوز الرجوع فيه ولا في شيء منه، لقول الله تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً *وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً {النساء:20ـ21}. وكذلك ما أعطي للزوجة على سبيل الهدية لا يجوز الرجوع فيه بعد قبضها له، لقول صلى الله عليه وسلم: لا يحل لرجل أن يعطي عطية، أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطيه ولده، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل، فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه. رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح. واعلم أخي أن الأصل أن يحمل أمر المسلم على السلامة، وأن يحسن الظن به، وأن تلتمس له الأعذار ما وجد إلى ذلك سبيل. قال الحسن رحمه الله: المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب الزلات. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا {الحجرات: 12}. قال العلامة ابن سعدي رحمه الله في تفسيره: نهى الله عز وجل عن كثير من الظن السيء بالمؤمنين حيث قال:
إِنَّ بَعْضَ الظَّنّ إثمِ. وكذلك كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة. انتهى. فإن فارقت زوجتك فلا تتكلم بهذا الظن فتكون آثما حينئذ، قال سفيان: الظن ظنان: فظن إثم، وظن ليس بإثم، فأما الظن الذي هو إثم فالذي يظن ظنا ويتكلم به، وأما الظن الذي ليس بإثم فالذي يظن ولا يتكلم.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : المطلقة قبل الدخول لا سلطان لزوجها عليها
تاريخ الفتوى : 20 شعبان 1425 / 05-10-2004
السؤال
قام شاب بكتابة عقد قرانه على إحدي الفتيات و لكنه لم يدخل بها. ثم حدث خلاف وتشاجرا فغضب وقال لها أنت طالق. ثم ندم على ما فعل وأراد الرجوع إليها فقال لها إني رددتك دون أن يعقد عليها من جديد !!! وذلك بسبب جهله الشديد بأمور دينه. ثم بعد ذلك تشاجر مع حماته فأهانته فغضب فقال لابنتها مرة أخرى أنت طالق !!!! السؤال : هل وقع الطلاق الثاني علما بأنه لم يكتب عقد جديد وعاد لها دون عقد ومهر جديدين في الطلاق الأول ؟ وإذا كان هذا الطلاق الثاني قد وقع, فماذا يفعل(34/16)
لأنه يريد العودة إليها؟ هل يكتب عقد جديد ومهر جديد ؟ و كيف يتصرف بشأن الطلاق الأول الذي لم يكتب له عقد ومهر جديدان ؟ أرجو سرعة الرد
جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية ننصح هذا الشاب بترك الغضب، وأن يعود نفسه على الصبر وعدم الانفعال، ونذكره بوصية النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي جاء يطلب منه الوصية، فقال له: لا تغضب فردد مرارا قال لا تغضب. رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ويتأكد الحذر من الغضب في مثل الأمور المتعلقة بالأسرة لأن الشخص قد يصدر الطلاق في حال غضبه ثم يندم على تصرفه ذلك كما هو الحال هنا. ومن هنا نقول إذا كان القصد بعقد القران المذكور أن هذا الشاب عقد على هذه الفتاة عقدا صحيحا مستوفيا لشروط النكاح المبينة في الفتوى رقم:1766. فإن الطلاق نافذ، وإن كان تم الطلاق قبل الوطء أو الخلوة الشرعية فليس فيه عدة، لقول الحق سبحانه:ِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا{الأحزاب: 49}. ثم إن المرأة تملك نصف الصداق إن كان مسمى وما دامت أنها لا عدة عليها فمعناه أنها خرجت من سلطان الزوج فلا يلحقه طلاقها، قال ابن العربي: هذه الآية نص في أنه لا عدة على مطلقة قبل الدخول وهو إجماع الأمة لهذه الآية. هـ. وبناء على هذا فإن كان هذا الشاب لم يحصل منه وطء أو خلوة شرعية مع هذه الفتاة فإن الطلاق الثاني لا يلزمه لأنه لم يصادف محلا. واتخاذها كزوجة بعد هذا الطلاق من دون استئناف عقد جديد حرام لأنها أجنبية لا فرق بينها وبين غيرها من الأجنبيات، أما إن كان قد حصل وطء أو خلوة شرعية فالطلاق الثاني لازم وتبقى له طلقة واحدة وله أن يرتجعها إذا لم تنته عدتها، وإذا انتهت فله أن يعود لها بعقد جديد ومهر وغير ذلك من لوازم النكاح.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقة المطلقة وسكناها
تاريخ الفتوى : 05 رجب 1425 / 21-08-2004
السؤال
يرجى الافادة عن الحقوق الشرعية للزوجة المطلقة الحاضنة مثل:- 1- هل يجب على الزوج أن يقوم بدفع نفقة شهرية للزوجة أم أنه ملزم بنفقة شهرية للأطفال فقط ؟ وإذا كان لا توجد نفقة شهرية للزوجة فمن أين تنفق على نفسها ؟ 3- هل يجب على الزوج توفير مسكن للزوجة المطلقة الحاضنة أم لا؟ وإذا كان لا فأين تقيم هي وأولادها ؟ وخلاف ذلك من باقي الحقوق الشرعيه للزوجة المطلقة الحاضنة مدعمة بالأحاديث النبوية أو الآيات القرآنية أن وجدت في هذا الخصوص .
مع جزيل الشكر.(34/17)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من حق الزوجة على الزوج أن ينفق عليها وجوبا بحسب استطاعته كما بينا في الفتوى رقم: 11800ـ وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء إلا أن تكون ناشزا، وسواء دفع لها النفقة شهريا أو يوميا، المهم أن الواجب نفقتها وسكناها، وأما توفير السكن للحاضنة المطلقة فإن كانت مطلقة طلاقا رجعيا فلها النفقة والسكنى ما دامت في عدتها ، وكذا لو كانت مطلقة طلاقا بائنا وهي حامل كما بينا في الفتوى رقم: 9746ـ كما ذكرنا كلام العلماء فيما يجب للمطلقة البائن غير الحامل في الفتوى رقم: 36248ـ
ومن خلال هاتين الفتويين يتبين لك ما يجب للمطلقة ما دامت في العدة، وأما بعد انتهاء العدة فلا تجب على الزوج المطلق نفقة ولا سكنى إلا في مدة الحمل أو الرضاع، إلا أن يكون لها أولاد وهم في حضانتها فقد اختلف العلماء هل يجب عليه إسكانها أم لا، بعد اتفاقهم على وجوب نفقة أولاده وإسكانهم، وقد بينا كلام العلماء في ذلك في الفتوى رقم:24435ـ وعليه فإن الحاضنة ما دامت في العدة أو في الإرضاع فإن حقوقها كحقوق سائر المطلقات، وبعد انتهاء العدة مع عدم وجود الإرضاع فلا حق لها على الزوج إلا في مسألة السكنى التي هي مفصلة في الفتوى المشار إليها أخيرا.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من مسائل الطلاق
تاريخ الفتوى : 13 جمادي الأولى 1425 / 01-07-2004
السؤال
أحكام الطلاق، طلقت زوجتي وأعدتها على ذمتي وطلقتها مجدداً ولكن القاضي الشرعي حذرني بأنه لا تجوز إعادتها في حال الصلح إلا بتزويجها من شخص آخر، وقد تدخل أهل الخير واصطلحنا لكونها أم أولادي، ماذا أفعل وهل بإمكاني إرجاعها بدون الزواج من آخر، أفتوني؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المحاكم الشرعية هي صاحبة الاختصاص في مثل هذه الأمور لتمكنها من الاطلاع على حقيقة الأمر وملابساته والاستماع إلى أطرافه، ونحن نذكر لك هنا الحكم الشرعي حسب السؤال:
فإذا كان الطلاق وقع مرتين -كما هو الظاهر من السؤال- فإن للسائل الكريم أن يراجع زوجته من غير احتياج إلى عقد ما دامت عدتها لم تنقض، فإن انتهت عدتها فله أن يتزوجها بعقد جديد وولي ومهر، ولا تحتاج إلى نكاح زوج آخر يحللها، وهذا محل إجماع بين العلماء.(34/18)
قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن له الرجعة في المدخول بها ما لم تنقض العدة، فإذا انقضت العدة فهو خاطب من الخطاب. انتهى
وذلك لأن الرجل إذا تزوج المرأة ودخل بها ملك عليها ثلاث تطليقات، فإن طلقها طلقة واحدة أو تطليقتين كان له ارتجاعها ما لم تنقض عدتها رضيت بذلك أم لم ترض، فإن لم يراجعها حتى انتهت العدة بانت منه بينونة صغرى فلا تحل له إلا بعقد جديد كما تقدم.
فإن طلق طلقة ثالثة، فقد بانت منه بينونة كبرى، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، ولبيان أحكام العدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 28634.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
يطلق امرأته بالثلاث في السنة خمس مرات
تاريخ الفتوى : 12 جمادي الأولى 1425 / 30-06-2004
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وسيد الغر المحجلين وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم فاجعلنا في زمرة أتباعه إلى يوم الدين، فاللهم آمين آمين آمين.
الشيوخ الأفاضل: أفتوني في رجل متزوج وله ثلاثة أطفال ولكنه كان على علاقة بفتاة قبل زواجه وبقيت علاقته بها ممتدة بالرغم من أنه هاجر واستقر خارج البلاد بعائلته ولكنه يتصرف بتصرفات مثيرة الغرابة، فإنه لازال يمد هذه الفتاة بالنقود ويتصل بها هاتفيا وعلي العكس فهو لا يقدم العون المادي لعائلته ولا يسكن لعائلته إلا متى شاء هو ذلك، فكل في مسكنه الخاص به والمسافة الفاصلة بينهما لا تقل عن 3 كم وتعيش المرأة والأطفال على تبرعات الجمعيات الخيرية والمثير للغرابة أنه يرمي على زوجته يمين الطلاق أكثر من 5 مرات في السنة وبالثلاث وإذا طلب زوجته ذكرته بأنهما منفصلان ولا تجوز خلوتهما فضلا عن المعاشرة الزوجية فيجيبها بأنه حينما يتلفظ بالطلاق يكون في حالة غضب وهذا الطلاق لا يجوز أو تكون هي في فترة حيض وهنا أيضا لا يجوز الطلاق، مع العلم انه يعتدي عليها بالضرب المبرح حتى يغمى عليها وتتدخل الشرطة ويأتي لها بصور ورسائل الفتاة الأخرى ويقول لها إنني لا أحبك وإنني أحب هذه الفتاة ويصفها بأوصاف ونعوت لا تذكر وصور هذه الفتاة في بيت الزوجة ولا يجوز لها لمسها أو إخراجها من بيتها وإلا علمت عاقبة أمرها... وهي تسأل هل معاشرته لها معاشرة زوجية أم هو زنا، مع العلم بأنهما يقيمان بأروبا والمرأة لا سند لها ولا تستطيع الرجوع إلى بلادها لأسباب سياسية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الرجل قد بانت منه زوجته، وأصبحت أجنبيه عنه لا تحل له والواجب عليها أن تبحث عن الطريقة التي تتخلص بها من شباكه، بأن تتصل بأهلها أو تذهب إلى(34/19)
أقرب مركز إسلامي وتستشير القائمين عليه أو تحدث بالموضوع أهل الخير في المحل الذي هي فيه، وعموماً فلا يجوز لها البقاء معه ولا تمكينه من نفسها بأي حال من الأحوال، وأما دعواه أن الطلاق وقع في حال الغضب فليس ذلك نافعاً له لأن طلاق الغضبان واقع، كما بيناه في الفتوى رقم: 39182.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفروق بين الطلاق والخلع والفسخ
تاريخ الفتوى : 07 ربيع الثاني 1425 / 27-05-2004
السؤال
ما الفرق بين الطلاق والخلع والفسخ من حيث الآثار المترتبة على كل منها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقال الشربيني في مغني المحتاج في تعريف الطلاق: هو لغة حل القيد والإطلاق، ومنه ناقة طالق أي مرسلة بلا قيد، وشرعا حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه.
وقال في تعريف الخلع في مغني المحتاج: وهو -أي الخلع- في الشرع فرقة بين الزوجين بعوض مقصود راجع لجهة الزوج (بلفظ طلاق أو خلع).
وفي الموسوعة الكويتية: الفسخ في اللغة: النقض والإزالة، وفي الاصطلاح: حل رابطة العقد، وبه تنهدم آثار العقد وأحكامه التي نشأت عنه، وبهذا يقارب الطلاق، إلا أنه يخالفه في أن الفسخ نقض للعقد المنشئ لهذه الآثار، أما الطلاق فلا ينقض العقد، ولكن ينهي آثاره فقط.
وجاء في الموسوعة أيضاً: الصلة بين الفسخ والطلاق: أن الفسخ مقارب للطلاق إلا أنه يخالفه في أن الفسخ نقض للعقد، أما الطلاق فلا ينقض العقد، ولكن ينهي آثاره فقط.
وعلى القول بأن الخلع طلاق بائن -أي غير رجعي- وليس فسخاً فيكون الفرق بينه وبين الطلاق الرجعي أن الرجل في الطلاق الرجعي أحق بزوجته، وأنها ترثه إن مات في العدة، وأنه إن طلقها لحقها الطلاق بخلاف المختلعة فليس زوجها أحق بها ولا يلحقها طلاق، ولا ترث منه إن مات في العدة إلى غير ذلك مما هو مذكور في المطولات وليس هذا موطن ذكرها.
ومن الفرق بين الطلاق والفسخ أن الفسخ، لو حدث قبل الدخول فلا مهر، ولو وقع الطلاق قبل الدخول فلها نصف المهر.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقة الرجعية والبائن وسكناهما
تاريخ الفتوى : 11 محرم 1425 / 03-03-2004
السؤال(34/20)
امرأة
مطلقة و لم تنجب أطفالا ما هي حقوقها عند مطلقها حسب الشريعة؟ كم عدد شهور النفقة؟ وهل يحق له الاحتفاظ بكل أثاث الشقة وخلافه ؟ علما بأنه لا يوجد قائمة بذلك
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخلو حال هذه المرأة المذكورة من أن تكون طلقت طلاقا رجعيا أو طلقت طلاقا بائنا، فإن كان رجعيا فهذه لها علىز وجها النفقة والسكن والكسوة لأنها في حكم الزوجة ما دامت في عدتها.
قال البهوتي في "كشاف القناع": وعليه نفقة المطلقة الرجعية وكسوتها وسكنها كالزوجين سواء. وهذا محل اتفاق بين أهل العلم، لقول الله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ (البقرة: 228).
أما إن كان طلاقها بائنا فالجمهور على أنه لا نفقة لها إلا إذا كانت حاملا، ودليلهم حديث فاطمة بنت قيس المتفق عليه، وفيه: ليس لك نفقة. وزاد مسلم ولا سكن: كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 8845.
وزيادة على ما تقدم من حقوق المطلقة المدخول بها، يجب على الزوج دفع تمام المهر، سواء المعجل منه والمؤجل.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حدود التعامل بين الزوج ومطلقته
تاريخ الفتوى : 25 ذو القعدة 1424 / 18-01-2004
السؤال
لدي سؤال أريد له إجابة و سؤالي هو: كيف يتعامل الرجل مع مطلقته إذا كان عنده أولاد منها؟ وكيف تتعامل زوجته الحالية مع هذا الوضع ضمن الشرع و الدين إذا كانت مطلقته تسبب لنا مشاكل؟
جزاكم الله خير
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الرجل طلق زوجته طلاقاً بائناً أو رجعياً وخرجت من عدتها، فإنها تعتبر أجنبية عنه يحرم عليه منها ما يحرم عليه من الأجنبية، من النظر المحرم والخلوة المحرمة ونحو ذلك، وإذا احتاج للحديث معها فلا بأس مع الالتزام بآداب الإسلام في التعامل مع النساء الأجنبيات.
وأما إذا كانت المطلقة رجعية لم تنقض عدتها، فينظر حكم التعامل معها في الفتوى رقم: 10508.(34/21)
وأما بالنسبة لمعاملة زوجة الرجل المطلقة، فإنها تعاملها بالحسنى والمعروف وتدرأ السيئة بالحسنة، ولتتذكر أن هذه المرأة هي أم أولاد زوجها، فلها مزية تنبغي مراعاتها عند التعامل معها.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل للزوجة المصرة على الطلاق من حقوق
تاريخ الفتوى : 22 شوال 1424 / 17-12-2003
السؤال
زوجتي ليست مطيعة لي، وتريد أن تكون ندا لي في أمور كثيرة وتسبني، وأنا أصبر عليها للإصلاح، ولأنها قريبة لي، ومع ذلك تطلب هي الطلاق، وذلك لأنهالا تحب أن آمرها بشيء، وهي في بيت أبيها ما تعودت على أن يأمرها أحد بشيء، فإذا طلقتها فلن أعطيها مؤخر الصداق، لأنني لا أملك المال، ولن تأخذ الشقة والعفش فهل عليّ ذنب في ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فمثل هذه الزوجة ينبغي أن يسلك الزوج في علاجها ما أرشد الله تعالى إليه في سورة النساء عند قوله: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء: 34]. وقد سبق بيان ذلك مفصلا في الفتاوى الآتية: 69، 2589، 1032، 1780، فتراجع، هذا، وإذا أصرت المرأة على الطلاق، فلك أن تجيبها إلى الطلاق بدون فدية إن شئت، أو بفدية وهو الخلع المعروف في الشرع كما قال الله تعالى: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة: 229]. هذا وقد تكون الفدية مؤخر الصداق أو كل الصداق أو غيره، أما الشقة والأثاث، فإن كانا ملكا لك، فليس لها حق فيهما، وإن كانت تملكتها منك بوجه مشروع، فلا يحل لك أن تستولي عليهما عند طلاقها. والله أ علم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تطلب الطلاق وتريد كل ما يحتويه المنزل..هل لها حق فيه
تاريخ الفتوى : 17 جمادي الأولى 1423 / 27-07-2002
السؤال
فضيلة الشيخ/ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تزوجت منذ ست سنوات وأعيش هنا في قطر مع زوجتي وعند بداية زواجي حصل شيء من الخلاف بين أمي وأبي وبين زوجتي نظراً لاختلاف العرف والعادات والتقاليد الاجتماعية وحاولت مع والدي وأقنعتهم بالعزلة في الطعام والشراب في المعيشة علىأن تحسن زوجتي إليهم قدر المستطاع ففعلت مرة أو مرتين ورفضت هذه المعاملة بعد ذلك مما سبب كرهاً منهم إليها فيما بعد وسافرت من مصر إلى هنا(34/22)
وهي لا تريد حتى الاتصال بهم من هنا، وللعلم أني أذهب إلى مصر كل سنتين وأهلها يفرضون علي سكناً بعيداً عن سكني في منزل والدي حيث إنه سكن مستقل ويتكون من شقة ثلاث غرف وحمام ومطبخ وصالة في الطابق الأول ووالدي في الطابق الأرضي ولم أوافقهم فطلبوا مني الذهاب إلى لجنة الفتوى بالأزهر، وأجابتهم لجنة الفتوى بأن المرأة تسكن حيث يسكن زوجها ولو على ظهر بعير، وهي الآن تطلب مني الطلاق وتريد كل ما يحتويه المنزل وحاولت معهم في الصلح مراراً وتكراراً وهم مصرون على الطلاق فما هو حقها من أغراض وحقوق؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الأمر كما ذكرت فإن امرأتك قد عصت الله تعالى وعرضت نفسها للوعيد الوارد في قوله صلى الله عليه وسل: أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة. رواه الترمذي وأبو داود من حديث ثوبان رضي الله عنه، وقال الترمذي حديث حسن.
كما يأثم أيضاً من أعانها من أهلها على ذلك مع أنه لا يلزم لها إلا ما يتناسب مع حالك وحالها من يسر وفقر، وليس لها الحق في تحديد مكانه وإلزامك بكونه بعيداً عن والدك فما أفتت به اللجنة هو الصواب، وهي أيضاً بطلبها الطلاق وإصرارها على ذلك تعتبر ناشزا، والناشز لا نفقة لها ولا سكنى ما دامت مصرة على نشوزها، وأنت لست ملزما بطلاقها ما دام النشوز من قبلها، ولك أن تعالجها بما جاء في الآية الكريمة وهو أولاً: الوعظ والتخويف من الوعيد والتذكير بما توعد الله به المرأة الخارجة عن طاعة زوجها، فإذا لم يفد ذلك فاهجرها في المضجع، فإذا لم يفد ذلك فاضربها ضرباً غير مبرح بحيث يحصل به المقصود من التأديب. قال تعالى:وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً [النساء:34].
وإن تراضيتما على الطلاق بعوض تدفعه لك من مالها فلا حرج عليك في قبوله، لقوله تعالى:فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229].
وبهذا تعلم أيها الأخ أن لك الحق في التمسك بعصمة هذه المرأة ورفض طلاقها حتى تعود إلى الطاعة وتقلع عن النشوز أو تفتدي منك: إما بما يحتويه البيت إن كان لها وإما بغيره، ثم إن ما يحتويه البيت لا يخلو من أحد أمرين الأمر الأول: أن يكون للزوج، فهذا لا يحق للزوجة طلبه بعد الطلاق على أي حال.
الأمر الثاني: أن يكون للزوجة وحينئذ يكون لها الحق في أخذه إن طلقت لأنه جزء من مالها لكن إذا كانت هي التي تريد الطلاق وترغب فيه فلزوجها أن لا يطلقها إلا إذا دفعت له شيئاً من مالها سواء كان متاع البيت أو شيئاً آخر. المهم أن متاع البيت جزء من مال من يملكه من الزوجين.
وأخيراً ننبه السائل إلى أنا أفتيناه في المسألة على حسب ما ذكره في سؤاله، من أن الزوجة هي التي تطالب بما لا يجب لها شرعاً وتطلب الطلاق من غير بأس، الأمر الذي يجعلها في حكم الناشز، أما إذا كان الأمر على العكس من هذا وكان الزوج أو(34/23)
أهله هم الذين يسيئون على الزوجة ولا يحسنون معاشرتها، وكان يريد بعضلها والتضييق عليها أن تفتدي منه بمتاع البيت الذي تملك أو بغيره فلا يجوز له أخذ العوض حينئذ، لقوله تعالى:وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنّ [النساء:19]
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : يلزم المطلق جميع حقوق مطلقته
تاريخ الفتوى : 09 صفر 1423 / 22-04-2002
السؤال
رجل تزوج وفي ليلة البناء توفي والده فأجل البناء إلى ما بعد 15يوما فلما جامع زوجته وجدها قد فقدت عذريتها مع العلم أن أهل العروس قد أخذوها إلى مشعوذة قبل الزواج لتنزع عنها الربط إلا أنها كانت كذلك فقام الزوج وطلقها وجعلوا بينهم وثيقة تراضي تفاديا للمشاكل
السؤال هل هذاالطلاق جائز مع العلم أن الزوج كان في حالة نفسية متدهورة ويمكن يكون هو الذي أفقدها عذريتها وإذا كان وقع هذا الطلاق فهل للزوجة جميع الحقوق؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عذرة المرأة تزول بعدة أساب غير الجماع. وعليه فمن تزوج امرأة يظنها بكراً فتخلف ظنه فلا يحل له اتهام زوجته لذلك، ولا الظن السيئ بها، هذا إذا تحقق أن زوال البكارة بغير سببه هو، وأولى إذا أمكن أن يكون زوال البكارة منه هو، أما زواجه فصحيح لازم وليس له الخيار بل يلزمه الصداق، وإذا طلق فلزوجته جميع حقوق المطلقة، وفي الأخير ننبه السائل وغيره إلى أن الذهاب إلى السحرة والمشعوذين حرام، والحرمة تشمل فعله، وطلبه وتصديق أهله، وذلك لقوله تعالى:(واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) [البقرة:102] وقد جعل الله تعالى في القرآن كفارة لمن أراد العلاج أو النفع، فقد قال تعالى:( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) [الإسراء:82] فعليك أن تنصح أهل زوجتك بأن يستغفروا الله فيما حصل منهم، وأن تحذرهم من العودة إليه مرة أخرى.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الزواج بنية الطلاق والآثار السيئة المترتبة عليه
سؤال:
تقول إنها اعتنقت الإسلام منذ 12 سنة قبل أن تتزوج ، وهي الزوجة الثانية ، ومشكلتها أن زوجها اعتاد أن يتزوج امرأة ثالثة سرّاً ، وعادة ما تكون غير مسلمة ، دون أن يخبرها ، أو يخبر زوجته الأولى ، أو أحداً من أقاربه ، وأنه قد يظل مع زوجته الثالثة عاما أو عامين قبل أن يفترقا ، ثم يجد أخرى ، وأنه قد تزوج ثلاث(34/24)
نساء منذ أن تزوجها ، وأنها تعلم بزواجه عندما يغيب عن البيت أسبوعاً أو أسبوعين ، ويسافر للخارج دون أن يخبر أحداً ، ثم بعد ذلك ينكر للجميع أنه كان مع امرأة أخرى ، وتقول إن بعض العلماء يقولون إن هذا النوع من الزواج السري حلال ، وتقول : كيف يكون كذلك وهو يدفع الزوج للكذب كثيراً ، ويصيب الزوجات بالاكتئاب ؟ أليس من حق الزوجة أن تعرف كم عدد زوجات زوجها ؟ ومتى سيكون عندها ؟ وتقول إن الأمور تكون على ما يرام عندما لا تكون هناك زوجة ثالثة ، وأن زوجها عندئذ يكون لطيفاً ويعدل بينها وبين زوجته الأولى ، ثم تتغير الحال عندما يتزوج الثالثة ، وتقول إن قول العلماء بحل هذا الزواج شجع الرجال على الإقدام عليه ، والكذب على زوجاتهم ، وعدم العدل بينهن ، وبذلك تفسد الحياة الأسرية.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يجب على الزوج أن يخبر زوجاته بأنه سيتزوج ، لكنه إن تزوج وجب عليه إخبارهنَّ ؛ لأن عدم إخبارهنَّ قد يسبب سوء ظن به أن له علاقات مشبوهة ؛ ولأن لهنَّ الحق بمطالبته بالعدل في القسْم ، وهي في حال علمها بزواجه من غيرها تعلم أن لزوجته الجديدة مثل الحق الذي لزوجاته قبلها .
ثانياً :
يجب على الزوج أن يتقي الله ويعدل بين نسائه ، والعدل الواجب بين نسائه هو العدل في النفقة ، والمسكن ، والمبيت .
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - :
القسم اللازم هو المبيت ، نعم ، يجب عليك أن تقسم بينهما ، وكذلك النفقة ، يجب عليك التسوية بينهما في النفقة ، والإسكان ، والكسوة ، هذه الأمور لابد من العدل فيها ، بإعطاء الكفاية لما يكفي لكل واحدة منهما من المسكن ومن المأكل والمشرب ومن الكسوة ، وكذلك المبيت يجب عليك القسم بين الزوجات ، هذا هو العدل الواجب الذي قال الله تعالى فيه : ( فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً ) النساء/3 ، هذا هو العدل المشترط لتعدد الزوجات .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 5 / السؤال رقم 384 ) .
وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم ( 10091 ) .
ثالثاً :
ويجب على الرجال أن يتقوا الله في النساء ، وأن يعلموا أن الناس يثقون بدينهم الظاهر ، والتزامهم بالسنَّة ، وعندما يطلب أحد هؤلاء امرأة فإنه يُعطاها بناء على ما يظهر من استقامته ودينه ، فليحذر أن يستغل هذه الشعائر الظاهرة للعبث بأعراض الناس ، فيأخذ بناتهم ثم يرجعهنَّ بعد أن يقضي شهوته ، وليحذر أن يكون سبباً في ردة بعضهن أو مرضهن أو سلوكهن سبيل الانحراف ، ولا نظن واحداً من هؤلاء يرضى أن يفعل أحدٌ مثل هذا بابنته أو أخته ، فلمَ يرضى هذا لبنات الناس ؟(34/25)
وليحذر من استغلال ضعف وحاجة الناس بعرض الأموال وإغراء أهلها به ؛ فإن هذا منافٍ للمروءة والأخلاق ، ولا نعتقد أن هؤلاء يستطيعون فعل الأمر نفسه مع بنات علية القوم ، أو مع بنات عمهم ، أو أقربائهم ، ولو كان زواجاً شرعيّاً ثم لم يحصل وفاق وطلقها لما أنكرنا أفعالهم ، لكن أن يكون الزواج من أجل قضاء الشهوة عازماً على ( تغييرها ) بعد فترة : فهذا من العبث الذي لا تقره الشريعة ، وهو نكاح متعة أو شبيه بالمتعة ، ولذا لا تجد هؤلاء يحرصون على ذوات الدين ، بل يتزوج المرأة لجمالها حتى لو لم تنته عدتها ! وحتى لو كانت مشهورة بالفسق والفجور ، فقضاء شهوته معها في فندق لمدة ثلاثة أيام لا يستلزم من هذا العابث أن يهتم لدينها وشرفها ؛ فهي لن تكون زوجة له دائمة ، ولن تكون أمّاً لأولاده ! فلم الاهتمام ؟! .
وهذه فتوى لعلماء اللجنة الدائمة ترد على هذه الأفعال وتبين حكم هذا الزواج :
سئل علماء اللجنة الدائمة :
انتشر بين أوساط الشباب السفر خارج البلاد للزواج بنية الطلاق ، والزواج هو الهدف في السفر استناداً على فتوى بهذا الخصوص ، وقد فهم الكثير من الناس الفتوى خطأ ، فما حكم هذا ؟ .
فأجابوا :
الزواج بنية الطلاق زواج مؤقت ، والزواج المؤقت زواج باطل ؛ لأنه متعة ، والمتعة محرمة بالإجماع ، والزواج الصحيح : أن يتزوج بنية بقاء الزوجية ، والاستمرار فيها ، فإن صلحت له الزوجة وناسبت له وإلا طلقها ، قال تعالى : ( فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) البقرة/229.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 18 / 448 ، 449 ) .
ومَن أفتى من أهل العلم بإباحة ذلك إنما هو لمن يدرس أو يعمل في بلاد غربة ويخشى على نفسه الوقوع في الفاحشة ، فهذا يتزوج ولو نوى أن يطلِّق فإنه قد يقدِّر الله بينهما أولاداً فيتعلق بهم وبأمهم ، وقد يقدر الله بينهما عشرة حسنة فيدوم زواجهما ، وليست الفتوى لمن يتقصد السفر من أجل الزواج ، وليست الفتوى فيمن يذهب ليلتين لبد فقير فيفض بكارة أنثى أو أكثر ! ومن لم يستطع ضبط نفسه في سفر لمدة يومين – وبعضها أعمال دعوية وخيرية – فيحرم عليه السفر أصلاً ، ولينظر العاقل في آثار ما يفتي به وما يفعله ، وأثر ذلك على الإسلام ، فإن الإسلام لم يُشوَّه من أعدائه بقدر ما شوِّه من أهله بأفعالهم وأخلاقهم .
فعلى المسلم الذي يسَّر الله له زوجة – أو أكثر – أن يحمد الله تعالى ويشكره ، وعليه أن يلتفت لهنَّ ولأولاده ، ليقوم بتعليمهم وتربيتهم التربية الإسلامية الحقة ، لا أن يكفر هذه النعمة بترك زوجاته وأولاده دون إصلاح وتربية ، ويبحث عن ملذات زائلة لا تقيم أسرة ولا تكسب سعادة ، فضلا عن تعرضه للظلم لنفسه ولزوجاته ولأولاده .
ولا مانع من أن يتزوج زواجاً شرعيّاً ، وقد أباح له الشرع أن يتزوج بأربع نسوة ، لكن ليعلم أن الشرع قد رغَّبه بنكاح ذات الدين ؛ لأنها ستكون عِرضه وأم ولده(34/26)
وحامية بيته وماله ومربية ولده ، فلا يليق بالمسلم أن ينسى مقاصد الزواج وحِكَمه وأحكامه ليقوم بالبحث عن شهوة يقضيها هنا وهناك ، ثم الأدهى أن ينسب فعله إلى الإسلام !
ولينظر هذا الزوج إلى آثار فعله من الكذب ، وعدم إعطاء نسائه حقهنَّ ، وعدم العدل بينهن وبين من يتزوجها ، ثم لينظر لنفسه في حسن اختياره للزوجة التي ينوي طلاقها ، وإذا أحسن الاختيار فلينظر إلى الأثر الذي سيخلفه وراءه عليها وعلى أهلها ، ولينظر لنفسه على أنه مسلم يمثِّل الإسلام بأحكامه وأخلاقه ، وخاصة إذا تعلق الأمر بالثقة بهيئته أو ظاهر استقامته ، فإنه سيكون سبباً لنزع ثقة الناس بأمثاله ، إن لم يؤدِّ إلى ما هو أعظم وأخطر .
وقد بلغنا من الآثار السيئة للزواج بنية الطلاق ما يجزم المرء المسلم أن لو وقف العلماء القائلون بإباحته على بعضها لكان لزاماً عليهم أن يمنعوا منه ، أو يتوقفوا عن القول بإباحته على أقل تقدير ، فبعض هؤلاء الزوجات اتُّهمت بعِرضها وشرفها بعد أن تزوجها مَن ظاهرُه الاستقامة ، ثم لما قضى شهوته منها في فندق في بلدها أعطاها مؤخرها أو قليلا من المال وأركبها سيارة أجرة إلى أهلها مطلِّقاً لها ! وبعضهن قد وثق أهلها بهذا " المستقيم في الظاهر " فسلَّمه ابنته – عرضه – دون عقد رسمي ثقة بأنه سيعقد عليها بوكالة في بلده ، أو بعد أن يأتي بالتصريح ! ثم يقضي شهوته معها ويرجعها إلى أهلها ثيباً بعد أن أخذها بكراً ! فانظر أيها العاقل إلى موقف أهلها كيف سيكون أمام جيرانهم وأقربائهم ؟ وماذا سيقولون لهم ؟ وهل أصبح العِرض سيارة تُستأجر وتُرجع بعد انتهاء المدة ؟! ألا يخشى هؤلاء أن يعاقبهم الله ببناتهم وأخواتهم ؟!
وبعض أولئك النسوة عندما علمت أن ( مدتها ) قد انتهت مع هذا الزوج توسلت له بأن لا يطلقها ، وأن يأخذها لبلده – كما أوهمها – خادمة له ولنسائه ولأولاده ! وأنها لو رجعت فستتعرض للسوء من أقربائها وجيرانها ، وقد يؤدي ذلك لقتلها ! وهذا " المستقيم في الظاهر " يرفض هذه التوسلات ويأبى الاستجابة لبكائها وتوسلاتها .
وأخرى انتهت ( مدتها ) وطلقها زوجها ، واتصل بأخيها ليأخذها لأهلها ! فلم يكن منها إلا أن ادعت أمام الناس أنه توفي في حادث سيارة ! حفاظاً على كرامتها وعرضها من مقالة السوء . فالله المستعان ، وعليه التكلان .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
ميراث المطلقة رجعيا العنوان
طلقني زواجي طلقة واحد وقبل أن تنقضي العدة أصيب طليقى في حادث سيارة مات بسببه فهل لي حق أن أرث منه؟ السؤال
29/10/2002 التاريخ
الحل
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..(34/27)
فالمطلقة رجعيا ما دامت في عدتها فهي زوجة لها كل حقوق الزوجة من النفقة والسكنى، ويرث كل منهما الآخر إن مات أثناء العدة، فإذا انقضت عدتها انقطعت الزوجية، وصار كل منهما أجنبيا عن صاحبه.
وإليك فتوى فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
من المعلوم عند أهل العلم أن الزوجية من أسباب التوارث، ويشترط لإثبات التوارث بين الزوجين أن تكون الزوجية صحيحة، وأن تكون الزوجية قائمة وقت الوفاة حقيقة، أو حكماً والمطلقة طلاقاً رجعياً تعتبر زوجة حكماً حيث إنها ما زالت في العدة، فحق التوارث ثابت لها ولا يملك أحد حرمانها منه شرعاً وهذا الحكم لا خلاف فيه بين أهل العلم فيما أعلم.
قال ابن حزم الظاهري: [أما المطلقة طلاقاً رجعياً فهي زوجة للذي طلقها ما لم تنقض عدتها فيتوارثان ويلحقها طلاقة وإيلاؤه وظهاره ولعانه إن قذفها وعليه نفقتها وكسوتها وإسكانها فإذن هي زوجته حلال له أن ينظر منها إلى ما كان ينظر إليه منها قبل أن يطلقها وأن يطأها إذ لم يأت نص يمنعه من شيء من ذلك وقد سماه الله تعالى بعلاً لها إذ يقول عز وجل: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ ) ] المحلى 10/251 .
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا طلق الرجل امرأته طلاقاً يملك رجعتها في عدتها لم يسقط التوارث بينهما ما دامت في العدة سواء كان في المرض أو الصحة بغير خلاف نعلمه وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه ويملك إمساكها بالرجعة بغير رضاها ولا ولي ولا شهود ولا صداق جديد ] المغني 6/394 . وخلاصة الأمر أن المطلقة رجعياً ترث زوجها ما دامت في العدة.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
عناية الإسلام بالمطلقة العنوان
كيف ضيق الإسلام حدود الطلاق،وكيف اعتنى بالمطلقة؟ السؤال
25/05/2002 التاريخ
لجنة تحرير الفتوى بالموقع المفتي
الحل
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
:
جعل الإسلام الطلاق أبغض الحلال إلى الله ،كما جعل استخدامه في نهاية المطاف إذا ضاقت سبل الإصلاح ،وحرم على المسلم الطلاق بدون داع،ودعا الأزواج إلى الصبر على الزوجات ، وأوضح منهج الإصلاح بين الزوجين في الخلافات،وجعل للمطلقة حقوقا كدفع الرجل مؤخر الصداق،والنفقة ،وأجرة الرضاع، والمتعة .
يقول الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد الصالح أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة وعضو المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية :(34/28)
من مفاخر الإسلام أن تعاليمه مبنية على الرحمة والرأفة، وتشريعاته تقوم على المواساة، وجبر الخاطر، وتفريج الكرب، وإيناس الوحشة، وعزاء المصاب وتهوين الفاجعة، ومصداق ذلك قول الله – تبارك وتعالى – في صفة نبيه – عليه الصلاة والسلام - : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)،[الأنبياء : 107].
ولذلك قيل – بحق وصدق – إن الإسلام دين الرحمة والشفقة والرأفة، ومن الأمثلة الواضحة على تحقيق هذه المعاني في تشريعات الإسلام، وضع نظام لحل المشكلات الزوجية، وعدم الإقدام على الطلاق، ولذلك فقد شرع الإرشادات والتوجيهات التي تكفل استقرار الحياة الزوجية، وعدم إيقاع الطلاق إلا في حالة الضرورة، ومن هذه الإرشادات والتوجيهات ما يلي:
أولاً: تنفير المسلمين من الطلاق، حيث اعتبره الشارع أبغض الحلال إلى الله، فقال عليه الصلاة والسلام: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق.
ثانياً: حث الأزواج على الصبر وتحمل ما يبدو من المرأة من قصور أو اعوجاج مادامت لا تمس الشرف والدين، فقال – تعالى -: (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً)، [النساء : 19]. وقال – صلى الله عليه وسلم -: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً سره منها آخر). النووي على مسلم، ج3، (ص: 657).
ثالثاً: رسم القرآن الكريم المنهج القويم لعلاج ما قد يطرأ بين الزوجين من خلاف، أو ينشأ من مشكلات في قوله – تعالى -: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن) فإذا زال الخلاف واستقامت الأحوال بهذه الأساليب صار الطلاق – حينئذٍ – ممنوعاً. حيث جاء في ختام الآية الكريمة ما يفيد منع الطلاق عند استقامة الأحوال، قال – تعالى -: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً)، [النساء: 34]. وقال – صلى الله عليه وسلم – (إن في طلاق أم أيوب حوباً – أي إثماً-) وجاء رجل إلى الخليفة الراشد عمر – رضي الله عنه – يريد طلاق امرأة، وعلل ذلك بأنه لا يحبها، فقال الخليفة الراشد: "ويحك هل كل البيوت تبني على الحب؟ أين التجمل والوفاء أين المروءة والحياء؟ إن الإنسان ينبغي أن يكون
في هذا تقياً".
رابعاً: تولَّت الشريعة علاج ما قد ينشأ بين الزوجين من خصومة ونزاع، بطريقة تسهم فيها أسرة المرأة وأسرة الرجل، حيث قال الله – تعالى - : (فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفِّق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً)، [النساء : 35].
خامساً: رتب للمطلقة حقوقاً مالية كبيرة وكثيرة لدى الزوج، حتى تجعله يتريث ويفكر ملياً قبل إقدامه على إيقاع الطلاق، وهذه الحقوق هي:
(1) على الزوج أن يوفيها مؤخر الصداق.
(2) يلزمه نفقتها من مأكل وملبس ومسكن ودواء ما دامت في العدة.
(3) إلزام الرجل بدفع أجرة الرضاع. قال – تعالى -: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن)، [الطلاق:6].(34/29)
(4) أجرة الحضانة حتى بلوغ الأطفال سن السابعة.
(5) وأيضاً فإن من الحقوق التي يرتبها الطلاق للمرأة على الرجل: المتعة.
وفي حقوق المطلقة يقول الشيخ القرضاوي:
المطلوب من المطلق أن يعطي زوجته ثلاثة أشياء:
نفقة العدة وهذا من حق كل مطلقة، والأمر الثاني: المتعة، "وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين"، والمتعة تركها القرآن للمعروف، أي ما يتعارف عليه أهل الخير والمعروف، وتختلف متعة المرأة من بلد إلى بلد، ومن زمان إلى زمان، ومن حال إلى حال، كما قال تعالى: "وَعَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُه ... "، ثم عليه أن يدفع لها مؤخر مهرها إذا كان لها مهر متأخر، يدفعه لها، وإذا كان مهرها هو حجرة النوم كما اتفقا عليه وقدمها لها، وقبلت هذا المهر في المدة الماضية، فمعناها أنها استوفت حقها وأصبحت الحجرة هذه من أملاكها، وأفضل أن يعوّضها الرجل عن انتفاعه بهذه الحجرة طوال هذه المدة، فعليه أن يدفع لها شيئًا مقابل هذا الانتفاع مقابل مدة الحياة الزوجية التي كانت بينهما
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
جموعة أسئلة عن حقوق المطلقة العنوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تزوجته في السابعة عشر من عمري، وأقمت معزوجي في المنطقة الشرقية لمدة 23 سنة وأنجبت له ثلاثة أولاد أعمارهم الآن 21 ، 19 ، 11 سنة وابنتين 16 ، 14 سنة والآن أنا في الأربعين من العمر ،وهو في الثالثة والخمسين من العمر. في شهر رجب الماضي خطب امرأة سورية، وقبل سفره بيوم علمت بالأمر من خلال صور وأوراق كانت في جيبه فقمت باستدعاء كبار السن من عائلته، وأعلمت خالي وخالتي بالموضوع فنصحوني بملازمة بيتي إلى أن يأتي من سفره، وقمت بالاتصال بخال الفتاة في سوريا الذي فهمت منه أنهم لم يعلموا بعدم موافقتي وحلفوا لي بذلك؛ حيث أخبرهم أنه متزوج وله أولاد وسعيد في حياته إلا أنه يريد الزواج بامرأة سورية، ووعدوني خيرًا، وعند ذهابه لهم لاتمام الزواج لم يوافقوا على اتمامه فرجع غاضبًا وطلب منه خالي أن يذهب بي إليه (خالي) في الرياض نظرًا لحالتي الصحية والنفسية فلم يمانع وفي اليوم الثاني من وصولي بعث لي بورقة الطلاق (طلقة واحدة) فقضيت العدة في بيت خالي أما من جهته فمنذ أن علم أنني اتصلت بأهل الفتاة وهو في مكتبه لم يكلف خاطره بالحضور للتفاهم أو مجاملتي، بل قطع خط الهاتف وقدم سفره وذهب من مكتبه إلى سوريا، ومن بعدها لم يحاول التقرب أو التفاهم مع أحد من أهلي، والآن وقد انهيت عدتي أردت أن أعرف هل من حقي المطالبة بالنقاط التالية أم لا، أفيدوني جزاكم الله خيرا:
1- كتب المهر في عقد الزواج عشرين آلف ريال، استلمت منها ثمانية آلاف ريال فهل لي انثا عشر ألف ريال أو ما يعادلها حيث إن الزواج قد تم قبل 23 سنة.
2- بعث لي بنفقة عدة ثلاثة آلاف ريال لمدة ثلاثة شهور مع أن دخله الشهري خمسون ألف ريال.(34/30)
3- هل لي نفقة متاع.
4- هل لي شيء من أثاث المنزل حيث إنه هو الذي طلق.
5- وحيث إني كنت موظفة وحلف عليَ يمين الطلاق إن لم أتوقف عن العمل وكتب لي شيك بمبلغ مائة ألف ريال ولما لم أجد رصيده في البنك حلف لي ايمانًا أنه في ذمته.
6- كنت معه في أمريكا قبل سنتين وكتب لي باسمي أسبوعين مشاركة في شركة ماريوت.
7- هناك تحف وهدايا من الأهل والصديقات لي في البيت وهدايا تذكارية من الجمعيات الخيرية حيث كنت أعمل في بعض الأعمال الخيرية.
8- قد أخذ مني قطع ذهب هدايا للأهل والأصدقاء على أنه سيرجع لي بدلا منها.
9- وبما أننا اعتدنا على الحضور للرياض لزيارة الأهل بطائرة أرامكو مجانًا فهل لي أن أطلب منه زيارة الأولاد لي مرتين في الشهر.
10- وهل لي في الوقت الحالي أن أطلب منه أن احتضن البنات في أي بيت يرتضين إلي أن يرزقهن الله نصيبًا طيبًا.
السؤال
الحل
ج1) لك بقية مهرك عند جميع الفقهاء، وهي اثنا عشر ألف ريال حسب ماهو مكتوب في عقد الزواج وليست قيمته.ـ
ج2) أما النفقة فهي إذا لم يقدرها القاضي ستعود إلى اتفاقكما، وبما أن الفترة قد انتهت فليس لك الحق في المطالبة بأكثر مما دفع، وكان بإمكانك أن ترفعي دعوى إلى المحكمة الشرعية في وقتها.ـ
ج3) أما نفقة المتاع فهي مسألة خلافية فأنت تستحقينها عند بعض الفقهاء.ـ
ج4) أما أثاث المنزل ما دام ليس ملكك الخاص فهو ملك للزوج.ـ
ج5) أما مبلغ الشيك فما دام قد وعد بذلك ونفذ وعده بإعطاء الشيك ثم لما لم تجدي رصيده في البنك و حلف أن المبلغ في ذمته فيجب على الزوج الوفاء بما التزم به.ـ
ج6) أما بخصوص ما كتب لك حول أسبوعين للمشاركة في شركة ماريوت فالذي تم قبضه من هذه الأموال والمشاركة فقد أصبح ملكًا لك.ـ
ج7) أما التحف والهدايا التي وصلتك باسمك ولأجلك فهي ملك لك.ـ
ج8) أما ما أخذ منك من قطع الذهب على أنها دين في ذمته يجب عليه أن يرجع لك مثلها.ـ
ج9) أما طلبك بزيارة الأولاد لك مرتين في الشهر فهو طلب مشروع لكنه يحتاج إلى موافقة الزوج.ـ
ج10) أما حضانة البنات فهي حق لك مادمت لم تتزوجي، والأفضل أن يتم ذلك بعد البلوغ عن طريق التصالح والتوافق بين الطرفين.ـ
-ـــــــــــــــــــ
أحكام المطلقة العنوان
ماذا يجب على المطلقة أن تفعله فور طلاقها ؟(34/31)
السؤال
24/04/2001 التاريخ
الحل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
للمطلقة في التشريع الإسلامي أحكام وتفصيل ؛ يقول أ.د: محمد رأفت عثمان - عميد كلية الشريعة والقانون بالقاهرة جامعة الأزهر:ـ
إذا حدث الطلاق صارت المرأة أجنبيه عن زوجها؛ وإذا كان طلاقا بائنا بينونة صغري أو كبري فلا يحل لها أن يتمتع بها بأى نوع من أنواع التمتع بل يحرم عليه أن يختلي بها أو ينظر إلى غير وجهها وكفيها؛ أما إذا كان الطلاق رجعيا فله كل ذلك ما دامت في العدة لأنها في حكم الزوجة؛المرأة المطلقة تعتد في بيت زوجها؛
فإذا انتهت العدة دون مراجعة فلا حق لها في البيت ويجب أن تخرج إلى مكان آخر؛أو يخرج الزوج إلى مكان آخر ويتركها في البيت إذا كانت حاضنة كى ترعي أولادها الذين يجب أن يوفر الزوج لهم جميعا النفقة الكاملة ومنها المسكن اللائق .
فإذا لم يوجد مسكن لائق منفصل عن بيت الزوجية يقيم به الزوج أو تقيم به المرأة مع أولادها جاز لولى الأمر أن يمكنهم من الوجود في مسكن واحد للضرورة على أن يؤمن عدم الخروج على الآداب الشرعية التي يجب توافرها بين الرجل والمرأة الأجنبين من عدم الخلوة بينهما وعدم كشف ما أمر الله بستره وغير ذلك مما هو معروف.
والله أعلم
-ـــــــــــــــــــ
حقوق المطلقة قبل الدخول العنوان
ماهى حقوق المطلقة قبل الدخول ؟ السؤال
06/03/2000 التاريخ
الحل
المنصوص عليه فقها أن الطلاق قبل الدخول والخلوة الصحيحة يقع بائنا لا إلى عدة .
وتستحق المطلقة فى هذه الحالة نصف جميع المهر المسمى معجله ومؤجله، كما تستحق النفقة على زوجها اعتبارا من تاريخ عقد الزواج إلى تاريخ الطلاق فى نطاق سنة نهايتها تاريخ رفع الدعوى عملا بالقانون رقم 44 سنة 1979 .
أما الشبكة فان كانت جزءا من المهر باتفاقهما أو جرى العرف باعتبارها كذلك فإنها تأخذ حكم المهر، وبذلك يكون من حق الزوجة نصفها كالمهر فى هذه الحالة .
أما إذا لم تكن جزءا من المهر اتفاقا أو عرفا وكانت قد قدمت لها قبل عقد القران فإنها تأخذ حكم الهبة والهدية فى فقه المذهب الحنفى الذى ينص على أن الهبة والهدية ترد إن كانت قائمة بذاتها، فإن هلكت أو استهلكت امتنع الرجوع فيها ولا يضمنها الموهوب له .(34/32)
وإن كانت الشبكة قد قدمت على أنها هبة أو هدية بعد عقد الزواج امتنع كذلك على الزوج الرجوع فيها، لأن الزوجية من موانع الرجوع فى الهبة فى الفقه الحنفى والشأن كذلك فيما أهدته هى إليه .
فإن كان بعد عقد الزواج لم يحق لها الرجوع فيه، وإن كان قبل العقد فلها الرجوع فى الهبة إن كانت قائمة بذاتها ولا يضمن قيمتها بالهلاك أو الاستهلاك .
ـــــــــــــــــــ
الطلاق أمام القنصلية من تاريخ النطق به أمام الموثق
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
ذو القعدة 1401 هجرية - 9 سبتمبر 1981م
المبادئ
1- توثيق الطلاق فى القنصلية لا يسند إلى تاريخ سابق على التوثيق إلا على سبيل الحكاية، والتاريخ المعتد به هو تاريخ النطق أمام الموثق إلى أن يثبت المطلق قضاء وقوعه فى تاريخ سابق .
2 - الطلاق الذى يوقعه هذا المواطن ويوثقه يكون طلاقا بائنا إذا كان لم يدخل بزوجته المصرية إلى تاريخ التوثيق .
3 - على المطلق إعلان مطلقته بالطلاق بعد توثيقه فى القنصلية على يد محضر، وعلى القنصلية تسليم نسخة إشهاد الطلاق إلى المطلقة .
وإلا تعرض كلاهما للعقوبات المقررة قانونا
السؤال
من السيد السفير وكل وزارة الخارجية - الإدارة القنصلية - قسم الشكاوى والشئون القضائية .
بالكتاب المؤرخ 9/5/1981 الموجه إلى السيد المستشار وكيل وزارة العدل والمحال بالكتاب رقم 245/81 الوارد إلينا بتاريخ 5 رمضان سنة 1401 هجرية - 6 يوليو سنة 1981 م .
المرفق به الأوراق الخاصة بالمواطن / س ت م م وقد جاء بها أن هذا المواطن أصدر توكيلا لوالده فى تطليق زوجته الآنسة / م ح م بالقنصلية المصرية العامة بشيكاغو .
بتاريخ 5 مارس سنة 1981 وتسلم التوكيل، ثم إنه تزوج بأمريكية فى أول ديسمبر سنة 1980، وعند تقدمه للحصول على الجنسية الأمريكية اتهمته السلطات بتهمة تعدد الزوجات استنادا لما هو ثابت بأوراق دخوله الولايات المتحدة من أنه متزوج ، وأنه إزاء هذه التهمة التى عقوبتها الحبس والطرد من البلاد .
أرسل خطابا إلى القنصلية غير مؤرخ متضمنا أنه طلق زوجته المصرية من خلال التليفون دون وجود شهود وذلك بتاريخ 16 أغسطس سنة 1980 - وأنه يبلغ القنصلية بهذه الواقعة للإحاطة والعلم، وأن زوجته المصرية قد أعلنته بدعوى طلاق أمام محكمة القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية وقد أخطرته القنصلية بكتابها المؤرخ 17/3/1981 بأنه يجب عليه إبلاغ زوجته بالطريقة القانونية بواقعة(34/33)
الطلاق، ولكنه حضر إلى القنصلية يوم 9/4/1981 ومعه وثيقة زواجه بالزوجة المصرية طالبا إثبات طلاقه إياها، وأنه مستعد لإثبات الطلاق اليوم، وإثبات أن الطلاق حدث فى يوم 16 أغسطس سنة 1980 - وانتهت القنصلية فى كتابها المؤرخ 10/4/1981 إلى الإدارة القنصلية بوزارة الخارجية إلى طلب معرفة الآتى أولا مدى صحة ما يذكره من أنه طلقها طلاقا بائنا بالتليفون وهل يعتبر شرعا، ويحرر له إشهاد طلاق بذلك التاريخ أو لا يقيد بذلك وتقوم القنصلية بطلاقه الآن .
ثانيا إبلاغ كل من المحكمة والزوجة بالموضوع
الجواب
بأن المادة الخامسة مكررا بالقانون رقم 44 لسنة 1979 قد أوجبت على الزوج إذا طلق زوجته أن يبادر إلى توثيق الطلاق أى إثباته رسميا لدى الجهة المختصة، ونصت على أن آثار الطلاق بالنسبة للزوجة تترتب من تاريخ علمها به، كما نصت على أن الزوجة تعتبر عالمة بالطلاق إذا حضرت أمام الموثق وقت الطلاق، أما إذا لم تحضر كان على الزوج بعد إثبات الطلاق رسميا أمام الموثق أن يعلنها على يد محضر بهذا الطلاق لتعلم به، ولتتسلم نسخة الإشهاد من الموثق وفقا للإجراءات التى صدر بها قرارا وزير العدل - لما كان ذلك وكان المواطن / س ت م قد أخبر بأنه طلق زوجته المصرية م ح م بالتليفون فى 16 أغسطس سنة 1980 دون شهود، وكان مقتضى هذا أنه لم يوثق الطلاق ولم يعلنها به تنفيذا لنص هذا القانون، كان طلبه فى القنصلية إثبات طلاقه لها فى ذلك التاريخ غير مقبول .
وإنما للقنصلية أن تقبل منه إشهاد الطلاق وتوثقه من تاريخ حدوثه أمام القنصل القائم بالتوثيق، ولا بأس إذا أثبت أقواله التى يدعى فيها سبق طلاقه لها فى 16 أغسطس سنة 1980 ليكون موضوع جدل قضائى أمام المحكمة المختصة، إذ أنه يجوز له هذا الادعاء أمام القضاء وعليه إثباته .
فإن عجز عن الإثبات كان له تحليف زوجته اليمين فى شأن إيقاعه الطلاق فى التاريخ السابق، دون اعتداد به إذا لم يثبته .
هذا ويجب على هذا المواطن إعلان زوجته متى أثبت طلاقها موثقا لدى القنصلية، وذلك بإعلانه على يد محضر مع شخصها أو فى محل إقامتها - وعلى القنصلية تسليم نسخة إشهاد الطلاق إلى المطلقة بالطرق الرسمية .
وإلا تعرض كل من المطلق والموثق للعقوبات المقررة فى المادة 23 مكررا من القانون 44 لسنة 1979 فى شأن الأحوال الشخصية .
وخلاصة ما سبق - (1) إن توثيق الطلاق فى القنصلية لا يسند إلى تاريخ سابق على التوثيق إلا على سبيل الحكاية وترديد أقوال المطلق .
ولكن التاريخ المعتد به شرعا وقانونا هو تاريخ النطق بالطلاق أمام الموثق، إلى أن يثبت المطلق أمام المحكمة أنه سبق له الطلاق فى تاريخ سابق .
(2) إن الطلاق الذى يوقعه هذا المواطن ويوثقه يكون طلاقا بائنا إذا كان لم يدخل بزوجته المصرية إلى تاريخ توثيق الطلاق .
(3) إن على هذا المطلق إعلان مطلقته بالطلاق بعد توثيقه فى القنصلية، وذلك على يد محضر - وعلى القنصلية تسليم نسخة إشهاد الطلاق إلى المطلقة وذلك على(34/34)
الوجه المبين فى المادة الخامسة مكررا من القانون رقم 44 لسنة 1979 بأحكام الأحوال الشخصية، وإلا تعرض المطلق والموثق للعقوبات المقررة فى المادة 23 مكررا من هذا القانون .
والله سبحانه وتعالى أعلم .
ـــــــــــــــــــ
رد شبهات حول قانون الأحوال الشخصية سنة 1979
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
7 جمادى الآخرة 1400 هجرية - 22 أبريل 1980 م
المبادئ
1 - القانون بجميع نصوصه مصدره الفقه الإسلامى .
2 - القانون يرشد إلى العدل، وموازنة الحقوق والواجبات بين الزوجين، ويواجه مشاكل الأسرة بفقه الإسلام .
3 - الاعتراضات التى أثيرت موجهة إلى المواد 5 مكررا، 6 مكررا، 18 مكررا، والمادة 2 فقرة 5 .
( أ ) عن المادة الخامسة مكررا .
1 - النص لا يستتبع تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله .
2 - القانون لم يحصر طرق إثبات الطلاق فيما جاء به من وسائل علم المطلقة، بل إن لكل من المطلقة والمطلق إذا لم يوثق الطلاق أن يثبت وقوعه قضاء بكافة طرق الإثبات الشرعية .
3 - الأمر فى حال الخلاف خاضع للدليل، لأن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر .
4 - التنظيم الذى فرضه القانون للعلم بالطلاق وتوثيقه إجرائى فقط لا يمتد إلى وقوع الطلاق ذاته، فلا تلازم بين وجوب التوثيق ووقوع الطلاق، فالطلاق واقع ولو لم يوثق، وتلزمها آثاره منذ العلم به، وهذا هو حكم الفقه الحنفى الذى جرى به القانون .
5 - وجوب توثيق الطلاق لا يمتد أثره إلى النسب، وذلك لأنه يثبت بكافة الطرق فى نطاق القوانين المستمدة من الفقه الإسلامى .
6 - المطلقة شفاها من قبل صدور القانون كانت تبقى معلقة إلى أن تقيم الدليل قضاء، وهذا أمر نظامى للاحتياط .
( ب ) عن المادة السادسة مكررا .
1 - اقتران الزوج بزوجة أخرى بغير رضا الأولى لا يعتبر إضرار بها ولا يحرم ما أحل الله، ومستند هذا ما أوضحه ابن القيم تخريجا على قواعد الإمام أحمد وقاعدة فقه المالكية - لا ضرر ولا ضرر - والتخريج غير النص .
2 - القول بأن هذا لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون، قول حق لم يرد به وجه الله .
والضرر معيار شخصى للزوجة لا لعقد الزواج .(34/35)
( ج ) عن المادة الثامنة عشرة مكررا .
1 - النص جاء وفاقا لمذهب الإمام الشافعى فى الجديد القائل بوجوب المتعة استمدادا من كلام الله تعالى، ولم يمنعها غيره، وإنما قالوا بالندب .
( د ) عن المادة الثانية فقرة خامسة .
1 - النص لا يخالف الفقه الإسلامى، وإنما هو مأخوذ من فقه مذهب الأئمة .
الشافعى وأبى حنيفة ومالك . 2 - متى أخذ القانون بقول مجتهد فلا يحتج عليه بقول مجتهد آخر .
طالما لا يوجد نص قاطع
السؤال
بشأن الشبهات الواردة على قانون الأحوال الشخصية رقم 44 سنة 1979 م
الجواب
اطلعنا على نشرة بعنوان ( مناقشة قانون الأحوال الشخصية فى ضوء الشريعة الإسلامية ) .
وقد جاء بهذه النشرة الاعتراض على النقاط التالية من القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية .
( أ ) المادة 5 مكررا تترتب آثار الطلاق بالنسبة للزوجة من تاريخ علمها به .
وتعتبر الزوجة عالمة بالطلاق بحضورها توثيقه، فإذا لم تحضر كان على المطلق إعلانها بوقوع الطلاق على يد محضر مع شخصها أو فى محل إقامتها الخ .
وقد جاء فى النشرة تعليقا على هذا النص ما خلاصته إن النص حدد طريق العلم بما لم يقل به أحد من العلماء .
وأنه لو اعملنا النص بحالته لأدى إلى تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله .
وساق فروضا رتبها على هذا الذى استفاده .
وظاهر أن هذا التعليق بعيد عن عبارة هذه المادة .
ذلك أن النص خال من أية أداة للحصر، وإنما جاء بطرق لإعلام الزوجة بالطلاق، فإن أوقعه الزوج ووثقه فى حضورها فهذا أبلغ طرق العلم، وإن أوقعه فى غيبتها فذلك ما شرع له إجراء الذى يصدر به قرار من وزير العدل فإذا لم يفعل كل منهما الإجراء الموكول إليه كان الجزاء العقاب المقرر بالمادة 23 مكررا من ذات القانون .
فهل مع هذا تبقى المطلقة معلقة، وهل عبارة النص تدل على الحصر لغة أو وضعا أو شرعا .
فإذا طلقها ولم يوثق رغم هذا العقاب كان عليها أن تثبت الطلاق بكافة طرق الإثبات الشرعية والقانونية، فإن النص لم يغلق هذا الباب لأنه قد راعى أن الطلاق تترتب عليه الحرمة، وهو حق الله تعالى أناطه بالزوج يستقل بإصداره فى نطاق قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( أبغض الحلال إلى الله الطلاق ) .
أما إرثها منه إذا مات فذلك تابع لنوع الطلاق وثبوته، فإذا ثبت بائنا صغرى أو كبرى فلا ميراث وإن كان موته وهى فى العدة، وإن لم يثبت فهى زوجته بالعقد الثابت قطعا وترثه .(34/36)
ولو رجع السيد الفاضل إلى موضع النص المشار إليه فى المذكرة الإيضاحية لعلم أن نص القانون ( المادة 5 مكررا ) جاء علاجا لهذه الحالة التى قضى فيها الفقه الحنفى بتأخير بدء العدة إلى وقت الإقرار بالطلاق السابق زجرا له، ولعلم أن نص القانون جاء مقننا لقول الفقه فى هذا الموضع .
والقول بأن النص المستدل به قاصر على العدة، والقضية فى آثار الطلاق كلها، وأن النص قاصر على حالة الإخفاء غير وارد لأن أول آثار الطلاق العدة، وبها تبدأ كل الحقوق والواجبات المترتبة على الطلاق - يدل لذلك قول صاحب الدر المختار فى الموضع المشار إليه فى المذكرة الإيضاحية ( لو كتم طلاقها لم تنقض زجرا له، وحينئذ فمبدؤها من وقت الثبوت والظهور ) .
ومتى بدأت تبعتها كل آثار الطلاق فالقضية واحدة، ثم أن النص قد أبان حكم علم الزوجة بالطلاق بحضورها مجلسة وتوثيقه كما أوجب إعلانها إذا لم تحضر وهذا هو المقصود الأصيل للنص .
ولقد قرر الفقهاء استنباطا من النصوص القرآنية والنبوية أن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة ولو يم يرد بها نص ظاهر، ولنا فى عمر ابن الخطاب رضى الله عنه القدوة، فإنه لما فتح الله البلاد على المسلمين فى عهده ونشأت لديهم الوظائف والأعمال التى لم يكن لهم بها عهد، دون الدواوين ورتب الوظائف وأجاز تولى غير المسلمين الأعمال التى لا يحسنها المسلمون ، فهل مع هذا يكون فى إلزام المطلق توثيق طلاقه إثم ومخالفة لشرع الله أم أن ذلك يدخل فى مقاصد الشريعة فى سياسة البلاد والعباد لشرع الله أم أن ذلك يدخل فى مقاصد الشريعة فى سياسة البلاد والعباد وينطبق عليه قول عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه ( يحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون من فجور ) .
هل كان فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من يكتم طلاق امرأته ويحتبس أمر الطلاق عنها نكاية بها وسعيا لإسقاط حقوقها وهل نظل وقوفا عند قول المتقدمين من الفقهاء إن الكتابة لا تصلح دليلا للإثبات عند النزاع ونهمل قول المتأخرين من الفقهاء الذين اتخذوا الكتابة دليلا، وأنها فى عصرنا انقسمت الأوراق إلى رسمية وعرفية .
وهل كنا نظل وقوفا عند قول بعض المجتهدين الأعلام لا يجوز القضاء على غائب، ونترك الخصوم يتغيبون عن مجلس القضاء فتتعطل الأحكام وتضيع الحقوق وهل نظل وقوفا عند تكليف المدعى إحضار خصمه مجلس القضاء وإلا فلا تسمع دعواه، أو نفكر ونأخذ بما هو أيسر وأهدى للناس مادام الله سبحانه قد أمر بالحكم بالعدل دون أن يحصر لنا طرق الوصول إلى هذا العدل .
لا شك أن أصول شريعة الله تحوى أحكام واقعات الحياة خيراها وشرها حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين .
هذا ولمن شاء استزادة فليطالع مقاصد الشريعة فى كتاب الموافقات للشاطبى ج 2 وغيره من كتب أصول الفقه، والأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفى المصرى، والأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفى المصرى، والأشباه والنظائر للسيوطى الشافعى، وكتب الفقه الحنفى فى باب العدة .(34/37)
( ب ) المادة 6 مكررا يعتبر إضرارا بالزوجة اقتران زوجها بأخرى بغير رضاها .
جاء بالنشرة تعليقا على هذا النص ما خلاصته إن هذا النص لم يقل به أحد من الفقهاء، وهو يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة وما علم من الدين بالضرورة، وأنه يؤدى إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ارتكب الحرام وفعل الإضرار حين تزوج بأخريات بغير رضاء الأولى، وكذلك فعل أصحابه والتابعون - ثم جاء بالنشرة بعد هذا فى فقه الإمام مالك قد نص على أن الزواج بأخرى ليس من الضرر، ومع هذا فإن النص ليس فى مصلحة الأسرة الخ .
ثم قالت ومن هنا يتضح أن المذكرة الإيضاحية قد جانبها الصواب حين ادعت فى صفحة 21 - أن هذا الحكم مأخوذ من مذهب الإمام مالك .
وقبل بيان سند نص المادة تجب الإشارة إلى أن عبارة - وهذا الحكم مأخوذ من مذهب الإمام مالك الخ من ص 21 من المذكرة الإيضاحية جاءت عقب نص المادة السادسة من القانون رقم 25 لسنة 1929 وليست توضيحا للنص الوارد فى القرار 44 سنة 1979 فى المادة 6 مكررا، وإنما بيان مصدر هذا النص الأخير هو ما جاء بالمذكرة الإيضاحية صفحة 22 من قولها ( ومستند هذا ما أوضحه ابن القيم تخريجا على قواعد الإمام أحمد وقواعد فقه أهل المدينة ) .
ومن هذا يظهر أن المذكرة لم تجانب الصواب ولم تنسب فقها لمن لم يقل به، وإنما خرجت على قواعد مذهب الإمام أحمد وقواعد فقه أهل المدينة تبعا لما أوضحه العلامة ابن القيم، وأصل هذا فى قواعد هؤلاء الحديث النبوى الشريف، وهو فى مرتبة الحسن ورواه مالك فى الموطأ وأخرجه ابن ماجه والدر قطنى فى سننهما، وهو قاعدة عامة من قواعد الإسلام، فقد أوتى صلوات الله وسلامه عليه جوامع الكلم فقال ( لا ضرر ولا ضرار ) والضرر إلحاق مفسدة بالغير والضرار مقابلة الضرر بالضرر، وهى قاعدة من أركان هذه الشريعة، وتشهد لها نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، وسند لمبدأ الاستصلاح فى درء المفاسد وجلب المصالح، وهى عدة الفقهاء وعمدتهم وميزانهم فى تقعيد الأحكام الشرعية للحوادث، ونصها ينفى الضرر نفيا، ويوجب منعه مطلقا ويشمل الضرر الخاص والعام، كما يفيد دفعه قبل الوقوع بكل طرق الوقاية الممكنة ورفعه بعد الوقوع بما يتيسر من التدابير التى تزيله وتمنع تكراره .
هذه القاعدة تتسع آفاقها وتضيق وفقا لحوادث الزمان .
إذ هى فى ذاتها ثابتة مستقرة، ولكن المتطور أو الذى فى حاجة إلى التطور، هو الإدراك العقلى والتجريبى لدى الناس، ثم وسائل التطبيق الزمنية وفقه الفقهاء، فقاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ) يأخذ منها الفقه فى كل زمن ما يظهر من صنوف الضرر والإضرار .
وحين نعود إلى الفقه المالكى نجد أنه قد تواردت كلماته على هذه القاعدة فى شأن الطلاق، واختلفت فى بيان الأمثلة بين مقل ومكثر، فهى أمثلة للقاعة لا حصر لأحكامها ومدى انطباقها، بل ذلك إلى حوادث الزمن ومقتضيات الأحوال، ففى هذا الفقه ولها التطليق طلقة بائنة بثبوت الضرر وإن لم يتكرر، ومثلوا له بقولهم كقطع(34/38)
كلامه عنها أو تولية وجهه عنها فى الفراش ( حاشية حجازى على شرح مجموع الأمير ج- 1 قبيل الخلع (وحين ردد بعض هذه الكتب أن الزوج بأخرى أو التسرى ليس من باب الضرر، اكتفت كتب أخرى بالتسرى فقط كمثال لما لا يكون إضرارا بالزوجة - ففى مواهب الجليل شرح مختصر خليل ج- 4 صفحة 17 وعلى هامشه التاج والإكليل ( ولها التطليق للضرر قال ابن فرحون فى شرح ابن الحاجب .
من الضرر قطع كلامه عنها، وتحويل وجهه فى الفراش عنها، وإيثار امرأة عليها وضربها ضربا مؤلما وليس من الضرر منعها من الحمام والنزاهة وتأديبها على ترك الصلاة ولا فعل التسرى ) انتهى - وفى ذات الصفحة فى الهامش فى كتاب التاج والإكليل بعد نقل مثال ما سبق ( وأنظر إذا كان لها شرط فى الضرر قال فى السليمانية إذا قطع الرجل كلامه عن زوجته أو حول وجهه عنها فى فراشها فذلك من الضرر بها ولها الأخذ بشرطها .
وقال المتيطى إذا ثبت أنه يضر بزوجته وليس لها شرط فقيل إن لها أن تطلق نفسها وإن لم تشهد البينة بتكرار الضرر، قال ويستوى على القول الأول من شرط الضرر ومن لم يشترط ) .
هذه قاعدة فقه مالك فى الضرر وفقهاء المذهب بين مقل ومكثر فى الأمثلة ومن هنا وعلى هدى ما تقدم قالت المذكرة الإيضاحية أن نص هذه المادة تخريج على قواعد أهل المدينة، وفرق بين التخريج والنص ثم فقه الإمام أحمد بن حنبل قد أجاز للمرأة أن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها، فإذا اشترطت وتزوج فلها فراقه .
وقد جاء فى كتاب المغنى لابن قدامة فى هذا الموضع ص 448 ج- 7 بعنوان مسألة .
وإذا تزوجها وشرط لها ألا يخرجها من دارها وبلدها فلها شرطها لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن أحق ما أوفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج ) وإن تزوجها وشرط لها أن لا يتزوج عليها فلها فراقه إذا تزوج عليها .
وبعد أن تحدث ابن قدامة فى الشروط فى النكاح وبيان المخالفين والمذاهب فى هذا الموضع قال ص 449 وقولهم إن هذا يحرم الحلال قلنا لا يحرم حلالا وإنما يثبت للمرأة خيار الفسخ إن لم يف لها .
وقولهم ليس من مصلحته ( أى العقد ) قلنا، لا نسلم ذلك فإنه من مصلحة المرأة وما كان من مصلحة العاقد كان من مصلحة عقده .
وبعد أرأيت أن دعوى مخالفة نص المادة 6 مكررا للكتاب والسنة وإجماع الأمة وأنه محرم لما أحل الله دعوى لاسند لها، وأن قاعدتها جاءت تخريجا صحيحا على قواعد إمامين جليلين مالك وأحمد بن حنبل، بل إن فقه مالك - كما سبق - يجيز للزوجة فى حال الضرر وثبوته الطلاق ولو لم تشترطه .
أما أن هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون فإنه قول حق أريد به غير الحق، فإن أولئك كانوا عدولا أوهم العدل يتزوجون علانية بل يزوج أحدهم أخاه ابنته أو أخته وترضى الأولى أو الأوليات شأن البيئة والعادة، فإذا امتد الزمن وجاءت زوجة لا ترضى أن تكون لها ضرة قلنا لزوجها بل أمسكها وقلنا لها لا، بل من الحتم أن تكون لك هذه الضرة، ونهدى قواعد الإسلام فى دفع(34/39)
الضرر والإضرار لا ضرر ولا ضرار وعموم الآية { ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا } البقرة 231 ، فليس من العشرة بالمعروف إمساك الزوجة بالرغم عنها، وليس كل زوجة تقبل أن تكون لها شريكة فى زوجها ، لأن الضرر هنا معياره شخصى، ولما كانت المرأة سريعة الانفعال فقد وقت القانون مدة تتروى فيها الزوجة وتهدأ عاطفتها، وقد يذهب غضبها فتستقر مع زوجها .
( ج ) المادة 18 مكررا - فى شأن المتعة للمطلقة بعد الدخول إن هذا النص جاء وفاقا لمذهب الإمام الشافعى القائل بوجوب المتعة ولم يمنعها غيره وإنما قالوا بالندب، فهل فى تقرير حق شرعى للمطلقة إصرأو إثم، وهل خشية التحايل على القانون يمنع إعماله وإصداره، أو يصدر القانون بالحكم الشرعى وتتخذ الوسائل لحمايته وتنفيذه .
( د ) المادة الثانية من القانون 44 لسنة 1979 البديل للمادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1920 جاء فى فقرتها الخامسة ( ولا يعتبر سببا لسقوط نفقة الزوجة خروجها من مسكن الزوجية بدون إذن زوجها - فى الأحوال التى يباح فيها ذلك بحكم الشرع أو يجرى بها العرف أو عند الضرورة، ولا خروجها للعمل المشروع .
مالم يظهر أن استعمالها لهذا الحق المشروط مشوب بإساءة استعمال الحق، أو مناف لمصلحة الأسرة وطلب منها الزوج الامتناع عنه ) .
جاء بالنشرة تعليقا على هذا النص إن نصوص الشريعة الإسلامية على النقيض من هذا الحكم .
وساقت نصوصا فى نشوز الزوجة من فقه مالك وفقه أحمد وفقه الشافعى .
ومن أمانة العلم أن نقول للناس ونعلمهم أن مافى كتب الفقهاء إنما هى نصوص فقهية وليست نصوص الشريعة ذاتها .
ثم نسوق نص الفقه الحنفى فى خروج الزوجة لزيارة والديها .
ففى تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار فى باب النفقة ( ولا يمنعها من الخروج إلى الوالدين فى كل جمعة إن لم يقدرا على إتيانها على ما اختاره فى الاختيار ولو أبوها زمنا مثلا فاحتاجها فعليها تعاهده ولو كافرا وإن أبى الزوج ) وفى الهداية ج- 3 ص 335 .
( لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين ولا يمنعهما من الدخول عليها فى كل جمعة وفى غيرهما من المحارم التقدير بسنة هو الصحيح ) وفى شرحها فتح القدير للكمال بن الهمام فى ذات الموضع ( ولو كان أبوها زمنا مثلا وهو محتاج إلى خدمتها والزوج يمنعها من تعاهده فعليها أن تغضبه مسلما كان الأب أو كافرا ) وفى مجموع النوازل ( فإن كانت قابلة أو غسالة أو كان لها حق على آخر أو لآخر عليها حق تخرج بالإذن وبغير الإذن ) .
وفقه الشافعية فإن النص الذى ساقته النشرة ص 4 نقلا عن مغنى المحتاج شرح المنهاج جزء 3 ص 26 غنى عن البيان فقد جاء به - كما جاء بالنشرة - والنشوز هو الخروج من المنزل بغير إذن الزوج - ثم أبان النص بعد هذا ما تخرج فيه بدون إذن فقال - لا إلى القاضى لطلب الحق منه ولا إلى اكتسابها النفقة إذا أعسر بها(34/40)
الزوج ولا إلى استفتاء إذا لم يكن زوجها فقيها ولم يستفت لها ولقد أضاف فقه الشافعية إلى هذا كما جاء فى تحفة المحتاج بشرح المنهاج ( خروجها بلا إذن الزوج إذا أشرف البيت أو بعضه على الانهدام أو تخاف على مالها أو نفسها من فاسق أو سارق ) .
وفى فقه المالكية كما جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج- 4 ص 579 ( إن الزوج إذا حلف على زوجته ألا تزور والديها يحنث ويقضى لها بالزيارة إن كانت مأمونة وهى شابة وهى محمولة على الأمانة حتى يظهر خلافه ) وفى كتاب التاج والإكليل لمختصر خليل ج- 4 ص 185 على هامش منح الجليل ( وفى العتبية ليس للرجل أن يمنع زوجته من الخروج لدار أبيها وأخيها ويقضى عليه بذلك خلافا لابن حبيب ) وفى ص 186 من منح الجليل .
( وليس له منع زوجته من التجارة وله منعها من الخروج .
قال أبو الحسن يعنى الخروج لتجارة وما أشبه ذلك، وأما فى زيارة أبويها وشهود جنازتهما فليس له منعها وكذلك خروجها إلى المساجد .
وقوله ليس له منعها من التجارة أنه لا يغلق عليها .
ثم قال قال سحنون فى نوازله لذات الزوج أن تدخل على نفسها رجالا تشهدهم بغير إذن زوجها وزوجها غائب ولا تمتنع من ذلك لكن لابد أن يكون معهم محرم ثم قال وتجوز الشركة بين النساء وبينهن وبين الرجال .
بل لقد عد الفقه المالكى منع الزوج زوجته من زيارة والديها إضرارا بها كما جاء فى مواهب الجليل ص 34 ج- 4 - على هذا جاءت تلك الفقرة .
وأفصحت المذكرة الإيضاحية ص 32 عن أمثله يهتدى بها فى بيان خروج الزوجة بحكم الشرع، وما جرى به العرف، وما قضت به الضرورة .
كما أبانت أن خروجها بإذن الزوج للعمل، أو عملها دون ُِ منه، أو إذا تزوجها عالما بعملها كل ذلك أمر مشروع، ولعل فى النقول المشار إليها سند كل ذلك من أقوال فقهاء مذاهب الحنفية والمالكية والشافعية .
فإذا جاء النص ونفى سقوط نفقة الزوجة إذا خرجت دون إذن زوجها فى هذه الحالات فإنه لا يكون قد خالف الفقه الإسلامى، إذ أن هذا الفقه يقر هذا الخروج فى تلك الحالات على نحو ما سبق بيانه .
هذا ولعله من المناسب أن يتضح أمر الأخذ من كل مذهب فقهى بما يلائم دون ارتباط بفقه معين، وقد درج على ذلك التشريع فى مصر منذ صدور القانون رقم 25 لسنة 1920 وعدل به عن فقه مذهب أبى حنيفة فى مواضع دين نفقة الزوجة ومدة العدة وأحكام المفقود .
بل لقد سبق ذلك فى لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، فقد عمل بقاعدة جواز تخصيص القضاء وغيرها من القواعد التى أصلها فقهاء المذاهب استنباطا من الكتاب والسنة، وذلك يدخل ضمنا فيما اصطلح عليه علماء أصول الفقه بالتقليد والتلفيق ومباحثهما فى مواضعهما من هذا العلم الأصيل ومن شاء فليطالع فى شأن هذين الاصطلاحين كتب مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت، وجمع الجوامع بشرح الجلال المحلى، والتقرير والتحبير لابن أمير حاج على التحريم للكمال ابن(34/41)
الهمام، والتلويح على التوضيح لسعد الدين التفتازانى، والموافقات للشاطبى، والاحكام فى أصول الأحكام للآمدى، وقواعد الأحكام فى مصالح الأنام للعز بن عبدالسلام، وأعلام الموقعين لابن القيم، وفتاوى الشيخ عليش المالكى فى قسم الأصول، وتبصرة الحكام لابن فرحون المالكى فى الركن الثانى من أركان القضاء، ثم البحثين القيمين من أبحاث مجمع البحوث الإسلامية فى شأن التقليد والتلفيق فى التشريع .
أحدهما للعلامة المرحوم الشيخ فرج السنهورى، والآخر بقلم الشيخ عبد الرحمن الفلهود وهما منشوران ضمن بحوث المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية .
وبعد فإنه مع الاحترام والتقدير لما أبداه بعض الإخوة من العلماء من آراء ومحاذير لم تغب عن فكر من راجعوا هذه التعديلات التى انتهت على النحو الذى صدرت به فى القرار رقم 44 لسنة 1979 - أرى أن من الخير أن تتوافر جهود الجميع للإفصاح عن قواعد أخرى منتخبة من فقه المذاهب تسد حاجة المجتمع، وتداوى مشاكله المتعددة، والتى يذكى أوارها تبادل الثقافات على موجات الأثير .
إن القوانين لاتعدل سلوكا وإنما هذا السلوك من باب العقيدة يجب أن يستقر فى نفوس الناس، وذلك هو بناء الإنسان الذى بدأ به الإسلام فى مكة المكرمة إن هذا البناء يقتضى أن يستبين كل مسلم وكل مسلمة أن الأسرة المسلمة مبناها قول الله سبحانه { خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } الروم 21 ، هذه صلة الأسرة فى الإسلام من واجب علماء المسلمين أن يقروا هذه الصلة فى النفوس بالدعوة الدائبة المستنيرة بلغة العصر وسبل الإعلام فيه، وليأخذوا حذرهم من استغلال المغرضين لهم ودفعهم إلى ماليس من أخلاق العلماء ولا ينبغى لهم .
وبعد فإن إطلاق القول على عواهنه دون تريث أو ترقب أو اطلاع على ما تم أمر جد خطير على الناس .
فهذه مجلة لها اسمها تناقض تعديلات للأحوال الشخصية لم ترد فى القانون .
( أ ) تقييد الطلاق وعدم وقوعه إلا أمام القاضى وبإذنه .
( ب ) تقييد تعدد الزوجات .
( ج ) المساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث .
لقد صدر القانون ووافق عليه مجلس الشعب .
فهل جاء به شىء مما أذاعته المجلة عن هذه الموضوعات اللهم لا وإن أساء البعض الفهم والتأويل وحملوا العبارات مالا تفيده ولووا رؤوسهم تأكيدا لفهم غير مستقيم .
أما التحاليل على القانون الذى حذر منه بعض الكتاب فإن ذلك من سمات هذا العصر ليس بالنسبة لقانون الأحوال الشخصية وإنما لكل القوانين، لأننا قد وصلنا إلى درجة تقويم السلوك بالقانون دون أن تستقيم النفوس التى فى الصدور، ولقد قبل مثل هذا وقت أن أوجب القانون توثيق عقد الزواج، منذ أكثر من ستين عاما، فهل توقف الناس عن الزواج بعيدا عن المأذون ثم هل نشفق على الرجل الذى يطلق زوجته خفية استغلالا لحق أسنده الله إليه ولا يحيط به زوجته علما، حتى إذا ما اشتجرا وكثيرا ما يقع الشجار فى زمننا بارزها بورقة الطلاق أنشفق على رجل(34/42)
مثل هذا من السجن إن هو لم ينفذ القانون ولقد قال بعض الكتاب والعلماء إن القانون منع الرجل من التزوج بأخرى إلا بإذن الزوجة الأولى وهذا غير صحيح .
إن القانون أوجب إخطار الأولى بالزواج فقط دون تعرض لعد الزواج الجديد .
فأين هذا من ذلك التأويل البعيد عن عبارة ونص الإجراء الذى حدده القانون .
ولعل فى العبارة المنقولة قبلا عن ابن قدامة الفقيه الحنبلى فى كتاب المغنى ج- 4 ص 449 الغناء ( وقولهم هذا يحرم حلالا، قلنا لا يحرم حلالا وإنما يثبت للمرأة خيار الفسخ إن لم يف لها ) .
هذا ولعل من المناسب هنا أن نشير إلى ما أورده ابن تيمية فى المجلد الأول فى المسألة 240 من الفتاوى ص 410 إذ قال مسألة فيمن يقول إن النصوص لاتفى بعشر معشار الشريعة، هل قوله صواب وما معنى قولهم النص ، ثم أجاب بما خلاصته الصواب الذى عليه جمهور أئمة المسلمين أن النصوص وافية بجمهور أحكام أفعال العباد، ومنهم من يقول إنها وافية بجميع ذلك، ومن ينكر ذلك إنما ينكره لأنه لم يفهم معانى النصوص العامة التى هى أقوال الله ورسوله وشمولها لأحكام أفعال العباد وقال ولفظ النص يراد به تارة ألفاظ الكتاب والسنة سواء كان اللفظ دلالته قطعية أو ظاهرة، وهذا هو المراد من قول من قال النصوص تتناول أفعال المكلفين .
وبعد فلعلنا نستهدى بالقرآن الكريم فى البدء والختام .
فالله سبحانه يقول { وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربى عليه توكلت وإليه أنيب } الشورى 10 ، ويقول { ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا } النساء 83 ، ويقول توالت نعماؤه { يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما فى الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين } يونس 57 ، صدق الله العظيم، وهدانا إلى صراطه المستقيم، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
ـــــــــــــــــــ
دراسات و تقارير
الطلاق آثاره واضراره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القاضي الشيخ/ ماهر عليان خضير
قاضي محكمة الاستئناف الشرعية- غزة
فلسطين
مقدمة:
مما لاشك فيه أن ديننا الإسلامي قد جعل الطلاق في أضيق الحدود، وفي حالة استحالة العشرة بين الزوجين، وبما لا تستقيم معه الحياة الزوجية، وصعوبة العلاج إلا به وحتى يكون مخرجاً من الضيق وفرجاً من الشدة في زوجية لم تحقق ما أراده الله –سبحانه وتعالى- لها من مقاصد الزواج التي تقوم على المودة والسكن النفسي والتعاون في الحياة.(34/43)
كما أن الطلاق ظاهرة عامة وموجودة في كل المجتمعات وبنسب متفاوتة وهو أمر عرفته البشرية من قديم الزمان، وكانت له طرق وأشكال تختلف من بيئة إلى بيئة، ومن عصر إلى عصر، وقد أقرته جميع الأديان كلٌ بطريقته، كما عرفته عرب الجاهلية لأنه كان شريعة إبراهيم وإسماعيل –عليهما السلام-، ففي حديث البخاري أن سيدنا إبراهيم –عليه السلام- قال لزوجة ولده إسماعيل التي شكت حاله قولي له: يغير عتبة داره، ففهم إسماعيل من ذلك أنه ينصحه بطلاقها، فطلقها [1].
وعندما جاء الإسلام كان امتداداً لدين إبراهيم كما قال الله تعالى: ?ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً? [2]. فأقر الإسلام الطلاق ونظمه تنظيماً دقيقاً مراعياً في ذلك استقرار الأسرة وسعادتها من ناحية وحفظ كيان المجتمع البشري بأكمله من ناحية أخرى، يقول الله تعالى: ?الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان? [3].
ولو وضع الإسلام أو المشرع قانوناً يُحرم الطلاق لصاح الناس: هذا ظلم مبين، وهذا ما فطن إليه الفيلسوف الإنجليزي {بنتام} في كتابه "أصول الشرائع"، فقال: {لو ألزم القانون الزوجين بالبقاء –على ما بينهما من جفاء- لأكلت الضغينة قلوبهما، وكاد كلٌ منهما للآخر، وسعى إلى الخلاص منه بأية وسيلة ممكنة، وقد يهمل أحدهم صاحبه، ويلتمس متعة الحياة عند غيره، ولو أن أحد الزوجين اشترط على الآخر عند عقد الزواج ألا يفارقه، ولو حل بينهما الكراهية والخصام محل الحب والوئام لكان ذلك أمراً منكراً مخالفاً للفطرة ومجافياً للحكمة، وإذا جاز وقوع هذا بين شابين متحابين، غمرهما شعور الشباب فظنا ألا افتراق بعد اجتماع، ولا كراهة بعد محبة، فإنه لا ينبغي اعتباره من مشرع خير الطباع، ولو وضع المشرع قانوناً يُحرم فض الشركات ويمنع رفع ولاية الأوصياء، وعزل الشركاء ومفارقة الرفقاء، لصاح الناس: هذا ظلم مبين. وإذا كان وقوع النفرة، واستحكام الشقاق والعداء ليس بعيد الوقوع فأي الأمرين خير ؟ أربط الزوجين بحبلٍ متين، لتأكل الضغينة قلوبهما، ويكيد كلٌ منهما للآخر؟ أم حل ما بينهما من رباط وتمكين كلٌ منهما من بناء بيت جديد، على دعائم قويمة، أو ليس استبدال زوج بآخر خير من ضم خليلة إلى امرأة مهملة، أو عشيق إلى زوج بغيض ؟}[4].
والحقيقة أن الإسلام كره الطلاق ونفَّر منه والرسول –صلى الله عليه وسلم- قال: {ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق}[5]، واعتبر الحياة الزوجية لها قدسية خاصة لابد من احترامها، وأن هدمها ليس بالأمر السهل، فهي ميثاق غليظ ينبغي عدم نقضه بسهولة، والقرآن الكريم يقول فيه : ?وأخذنا منكم ميثاقاً غليظاً?[6].
وقد ذكر {الكاساني} في "بدائع الصنائع" أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: {تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز له عرش الرحمن}[7]
وهذا دليل على أن الإسلام صان قداسة الزوجية من العبث بها، لما يترتب على ذلك من أضرار تقع على الأسرة وعلى المجتمع الإسلامي بأكمله، فوضع العقبات في طريق الطلاق ليمنع وقوعه أو يؤخره، وحبَّذ التريث في معالجة ما ينشب بين الرجل وامرأته لعل الأمور تعود إلى طبيعتها وهذا ما أوضحته آية الطلاق: ?لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً? [8]، وذلك لآن الطلاق هو موقف مؤقت لعلاقة(34/44)
لم تتحقق فيها مقاصد الزواج كما ذكرت، ولكنها أيضاً ليست حسماً صارماً، ومن هنا لا يرتضي الإسلام هذه الكلمة في كل وقت بل جعل لها أوقاتاً خاصة عند استحالة العشرة، بل واستبقى مجالاً للحياة الزوجية بعد الطلاق لعل مشاعر الحب تعود بينهما مرة أخرى أو يتدخل أهل الخير في جو هادئ لإصلاح الصدع بينهما وأولى الناس بهذه المهمة أقارب الزوجين، يقول الله تعالى: ?وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما?[9] .
ولكن في الآونة الأخيرة كانت ظاهرة الطلاق أمراً مزعجاً لدى الأسرة المسلمة لما طرأ عليها من ارتفاع قد تكون نتيجة الظروف الراهنة التي تواجه المجتمعات الإسلامية أو التفكك الذي يعيش فيه العالم الإسلامي اليوم أو التقصير في الحقوق الزوجية سواء كانت مادية أو معنوية أو اجتماعية الأمر الذي جعل كثيراً من المهتمين والمتخصصين والغيورين على الدين الإسلامي إفراد الأبحاث والمؤتمرات لدراسة هذه الظاهرة الخطيرة على بناء وكيان الأسرة المسلمة وإيجاد الحلول المناسبة للحد منها.
وقد قرأت رأياً للدكتورة/ هبة إبراهيم عيسى أستاذة الأمراض النفسية والعصبية في كلية الطب، جامعة عين شمس ملفتاً للانتباه ويؤكد خطورة ظاهرة الطلاق على بناء وكيان المجتمع الإسلامي، وبينت الآثار الخطيرة المترتبة عليه، فهي ترى أنه {كثيراً ما يختلف الزوجان في خلافات حادة، ويكون فيها الطلاق حتمية مؤكد، وفي حالات أخرى يكون الطلاق نتيجة للعناء الذي قد يصل إلى كثير من التوتر بين طرف العلاقة وقد يؤدي إلى أعراض نفسية قد تصل إلى أمراض كالإضطرابات النفسية الجسمية كالقيء المتكرر أو ارتفاع ضغط الدم أو الصداع المزمن أو ظهور طفح جلدي . وقد يذبل الطرف الذي يعاني القلق والاكتئآب، ويصاب بفقدان الشهية مع كسل شديد وعدم الاهتمام بأي شيء وفقدان الوزن}[10] . فمثل هذه النتائج الخطيرة تستدعي منا فعلاً الوقوف بتأني أمام ظاهرة الطلاق والعمل على الحد منها بكل الحلول والوسائل المتاحة .
وفي هذه الدراسة أسأل الله –العلي القدير- أن يوفقني في بيان الآثار الشرعية والاجتماعية والتربوية، وأيضاً الآثار الاقتصادية الناتجة عن الطلاق، وسأقدم دراسة إحصائية لحالات الطلاق في محافظة غزة للسنوات الثلاث قبل انتفاضة الأقصى والتي بدأت بتاريخ 28/9/2000م وللسنوات الثلاث بعدها، وبيان آثار انتفاضة الأقصى على الطلاق وذلك بحكم إطلاعي المباشر على كثير من هذه الحالات بصفة عملي كقاضي غزة الشرعي في تلك الآونة.
المبحث الأول:
أولاً: معنى الطلاق.
ثانياً : الطلاق، حكمته ومشروعيته .
ثالثاً: أقسامه بالنظر إلى الآثار المترتبة عليه.
بدايةً وقبل البحث في الآثار المترتبة على الطلاق لابد لنا من بيان المصطلحات المذكورة لتكون مدخلاً واضحاً لمفهوم الطلاق في الشريعة الإسلامية، والحكمة الإلهية من مشروعية وإباحة الطلاق في الإسلام، ومن ناحية أخرى فإن هذا البحث(34/45)
يحتم علينا أن نتكلم عن أقسام الطلاق وأحوال وقوعه مع بيان حكم كل قسم بالنظر إلى الآثار المترتبة عليه.
أولاً: معنى الطلاق:
لغة: الطلاق والإطلاق تعني: رفع وحل القيد سواء كان معنوياً كما في المرأة أو حسياً كما في غيرها، تقول أطلقت البعير من عقاله، وأطلقت لك التصرف في مالي والمرافعة عني[11].
ثانياً:فع قيد النكاح في الحال أو المآل بلفظ مخصوص ونحوه، فالذي يرفع قيد النكاح في الحال هو الطلاق البائن والذي يرفعه في المآل هو الرجعي بعد انقضاء العدة، أو بعد انضمام طلقتين إلى الأولى[12].
ثانياً : الطلاق حكمته ومشروعيته :
إن من يظن أن الإسلام أباح الطلاق مطلقاً بلا ضوابط وفتح للناس الأبواب على مصراعيها في الطلاق فقد أخطأ وتجنى على هذا الدين، وإن من يظن أيضاً بأن الإسلام قد حجر الطلاق ومنعه وقيده بغير الطرق الشرعية اعتقاداً منه إن ذلك عمل إنساني وأنه في صالح المرأة، فهو أيضاً جاهل في هذا الدين، بل إن العدل هو الذي جاء به الدين الإسلامي بلا إفراط ولا تفريط.
ومما لاشك فيه أن الطلاق هو عملية هدم لبناء الأسرة وقد يأتي هذا الهدم عند بداية الطريق وعند وضع الأساس للحياة الزوجية أي قبل الدخول أو قد يأتي متأخراً بعد اكتمال البناء لهذه الحياة وتولد الأولاد وكثرة أعباء الزواج ولكن مع إقرارنا بذلك إلا أنه في الإسلام هدم منظم يحافظ على اللبنة فينقلها من مكان إلى مكان آخر أكثر تلاؤماً دون كسرها أو إهمالها.
ومع أن الدين الإسلامي يحرص حرصاً شديداً لبقاء العلاقة الزوجية وحث على ذلك حتى مع تحقيق أقل عناصرها كمال قال الرسول –صلى الله عليه وسلم-: {لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها الآخر}، و"الفرك" بفتح الفاء والراء هو الكراهية والإبعاد، بل قال الله تعالى: ?وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً? [13].
ومع ذلك فإن الأمر يصل أحياناً مع الاختلاف وعدم إمكان الإصلاح إلى القطيعة والشر ثم الكراهية والعناد وقد يصل ذلك إلى المضارة والإفساد وعدم قيام كل منهما بما يجب عليه نحو الآخر وبذلك يتحول الزواج بعدما كان طريقاً إلى مرضاة الله والسعادة في الدنيا ليكون طريقاً إلى سخط الله ومن هنا كان الطلاق ضرورة إنسانية تحتمها الفطرة البشرية ويقتضيها الإصلاح الاجتماعي وذلك لزوجين ظناً أن يعيشا في سعادة فأقدما على الزواج اختياراً ثم اكتشفا أنهما كانا مخطئين وأنه يستحيل بقائهما إلى الأبد زوجين [14].
وإن الحكمة من تشريع الطلاق توفير الراحة لكلا الزوجين وضمان أداء الأسرة لواجبها الاجتماعي والإنساني كما قال الله تعالى: ?وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته? [15]، ومن هذه الحكمة التشريعية للطلاق ومن تلك الضرورات هي:
1- اختلاف الطبائع بين الزوجين وتباين الأخلاق وقد يطلع أحدهم على طبع أو خلق سيء وشاذ في الآخر مما لا يتحقق معه التواد والتراحم والسكن المنشود في(34/46)
الزواج، وقد يكون الزوج سيء العشرة خشن المعاملة أو تكون هي معوجة السلوك لا يستطاع تقويمها ولم يفلح التوفيق على ضوء قوله تعالى: ?وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً?[16].
2- قد يصاب أحد الزوجين بالعقم فينهدم بذلك أسمى أهداف الزواج ومقاصده، أو قد يصاب أحد الزوجين بمرض عضال يعجز الطب عن علاجه ولا يقوى الآخر على احتماله وإن الشريعة الإسلامية تتسم بالواقعية حيال هذه الطوارئ فلو أبقت على الزواج ومنعت الطلاق لضمدت الجرح على فساد وثبتت الداء في معدنه وأفسحت المجال للكيد والمكر بين الزوجين فيستشري بذلك الفساد في المجتمع وتعم الرذيلة فكان الحل بالفراق علاجاً لهذه المحاذير الذي لا يقضى عليها إلا به، وفي هذا يقول {الموصلي} من فقهاء الحنفية: "ولأن مصالح النكاح قد تنقلب مفاسد والتوافق بين الزوجين قد يصير تنافراً، فالبقاء على النكاح حينئذٍ، يشتمل على مفاسد، من التباغض والعداوة والمقت وغير ذلك، فشرع الطلاق دفعاً لهذه المفاسد"[17].
3- إذا كان الزوج معسراً غير مستطيع للإنفاق على زوجته خصوصاً إذا لم يكن للمرأة مصدراً أو مورداً غير هذه النفقة.
4- الشارع الحكيم جعل للزوجة الحق في طلب الطلاق من القضاء إذا لم تجد سعادتها في هذه الزيجة وحدد لذلك حدوداً وأسباباً، فمنها مثلاً ما تضمنه قانون حقوق العائلة الفلسطيني رقم: 303 الصادر سنة 1954م في المواد من (84-102) والذي أجاز فيه للزوجة طلب الطلاق إذا كان في الزوج عيباً يمنع الدخول بها، أو إذا غاب عنها مدة أكثر من سنة أو إذا سجن بعقوبة مقيدة للحرية مدة ثلاث سنوات وأمضى منهم سنة، أو بسبب الضرر من الشقاق والنزاع.
هذا وقد ثبت شرعية الطلاق في نصوص كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية كقوله تعالى: ?فطلقوهن لعدتهن? [18]، وقوله تعالى: ?لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة19]، وقد طلق النبي –صلى الله عليه وسلم- حفصة لا لريبة ولا لكبر، وكذلك فعله الصحابة –رضي الله عنهم- واستكثر سيدنا الحسن بن علي –رضي الله عنه- النكاح والطلاق لهذا لم يخالف أحد في شرعيته والعقل يهدي إليه لأنه المخرج الوحيد كلما استحكم الخلاف واستعصت الحلول واستحالت الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق[20]
ثالثاً : أقسام الطلاق :
ينقسم الطلاق بالنظر إلى الآثار المترتبة عليه إلى ثلاثة أقسام[21] :
1- الطلاق الرجعي:
وهو الذي يملك فيه المطلق مراجعة مطلقته وإعادتها إلى عصمته وعقد نكاحه مادامت في العدة رضيت أم كرهت، يقول الله تعالى: ?والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن، إن كن يؤمنَّ بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً?، ?الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان?، ولما كان الطلاق الرجعي هو الأصل في الطلاق فإن المعمول به في فلسطين وفي مصر وبعض الدول هو أن كل طلاق يقع رجعياً إلا الطلاق المكمل للثلاث، والطلاق قبل الدخول، والطلاق على مال،(34/47)
والطلاق الذي ينص القانون على وقوعه بائناً، فقد نصت المادة (67) من قانون حقوق العائلة المطبق في قطاع غزة على أن كل طلاق يقع رجعياً إلا المكمل للثلاث، والطلاق قبل الدخول، والطلاق على مال وما نص على كونه بائناً في هذا القانون.
ونصت المادة الخامسة من القانون رقم: (25) لسنة 1929م المصري بنفس نص المادة (67) من القانون المذكور[22]، وقد نصا أيضاً على أن الطلاق يقع بائناً إذا قام به القاضي بناءً على طلب الزوجة ماعدا تطليقها لعدم إنفاق الزوج إعساراً كما هو مذهب الجمهور .
آثار الطلاق الرجعي:
يترتب على الطلاق الرجعي أمران:
أولاً: نقص عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته.
ثانياً: انتهاء الزوجية بين الزوجين إذا لم يراجعها أثناء العدة.
وعلى ذلك فالطلاق الرجعي لا يزيل الزوجية إلا بعد انتهاء العدة كما أنه يترتب على الزوجين فيه الأحكام الآتية:
1- لا تخرج الزوجة من بيت الزوجية التي تسكن فيه قبل الطلاق.
2- يجوز للزوج الدخول والخروج عليها وبدون إذنها.
3- إذا قام بالاستمتاع بها أثناء العدة يعتبر ذلك رجعة لها.
4- النفقة واجبة للزوجة مادامت في عدة الطلاق الرجعي الشرعية.
5- يرث كل منهما الآخر إذا مات أحدهما أثناء العدة.
6- يستطيع الزوج أن يعيد زوجته إلى عصمته أثناء العدة بدون إذنها ورضاها وبلا مهر ولا عقد جديدين.
7- لا يحق للزوجة المطالبة بمؤخر الصداق إلا بعد انتهاء العدة الشرعية.
2- الطلاق البائن بينونة صغرى:
وهو الذي لا يملك فيه المطلق مراجعة مطلقته في العدة ولكن يمكن فيه استئناف الحياة الزوجية بعقدٍ ومهرٍ جديدين، وقد نصت المادة (82) من قانون حقوق العائلة المذكور، على أن: "الطلاق البائن يزيل الزوجية في الحال"، ونصت المادة (246) من قانون الأحوال الشخصية الفلسطيني أيضاً على أن : "الطلاق البائن بينونة صغرى يحل قيد النكاح ويرفع أحكامه ويزيل ملك الزوج في الحال، ولا يبقي للزوجية أثر سوى العدة" . ونصت المادة (247) من نفس القانون على أنه: "يجوز لمطلقها أن يتزوجها في العدة وبعدها إنما لا يكون ذلك إلا برضاها وبعقدٍ ومهرٍ جديدين ويمنع غيره من نكاحها في العدة" [23] . وعلى ذلك لا يقع الطلاق البائن بينونة صغرى إلا في الأحوال الآتية:
أولاً : قبل الدخول الحقيقي ولو كان بعد الخلوة، يقول الله تعالى : ?يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها?[24] .
ثانياً : الطلاق على مال، وفي ذلك يقول الله : ?فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به? [25].(34/48)
ثالثاً : الطلاق الذي يوقعه القاضي بناءً على طلب من الزوجة بسبب من الأسباب وقد نص قانون حقوق العائلة المذكور على أنواع من التفريق بحكم القاضي وقد ذكرت بعضاً منها فيما سبق، وفيه نصت المادة (89) على أن : "الطلاق بهذه الأسباب يكون بائناً ماعدا الطلاق بسبب امتناع الزوج عن الإنفاق على زوجته فيكون رجعياً .
آثار الطلاق البائن بينونة صغرى [26] :
1- يرفع أحكام النكاح فيزيل الملك في الحال ولكنه لا يرفع الحل ولا يبقي للزوجية أثر سوى العدة.
2- يحرم عليه الاستمتاع بها أو الخلوة.
3- يجب على المرأة أن تستتر في بيت الزوجية وتحتجب عن الزوج الذي طلقها ولا يدخل عليها أو ينظر إليها.
4- ليس له أن يراجعها إلى عصمته إلا بعقدٍ ومهرٍ جديدين سواء أثناء العدة أو بعدها.
5- الطلاق البائن بينونة صغرى أيضاً ينقص عدد الطلقات كالرجعي.
6- لا يتوارث الزوجان إذا مات أحدهم حتى ولو كانت في العدة إلا إذا كان فراراً من الميراث.
7- تستحق المطلقة نفقة العدة.
8- يجوز لها طلب مؤخر الصداق أو تابع المهر المعجل.
9- لا يستطيع المطلق إلحاق طلقة أخرى بها.
3- الطلاق البائن بينونة كبرى:
وهو الذي لا يستطيع فيه المطلق مراجعة مطلقته في العدة كالطلاق الرجعي ولا استئناف الحياة الزوجية بينهما بعقدٍ ومهرٍ جديدين كالطلاق البائن بينونة صغرى بل تحرم عليه المرأة حرمة مؤقتة لا تنتهي إلا إذا تزوجت بزوجٍ آخر زواجاً شرعياً صحيحاً ويدخل بها أو يموت عنها وتنقضي عدتها منه ولا يقع هذا النوع من الطلاق إلا في حالة واحدة وهي إذا كان مسبوقاً بطلقتين أي إن هذه الطلقة تكون المكملة للثلاث[27].
آثار الطلاق البائن بينونة كبرى:
1- يحرم على المطلق الزواج من مطلقته إلا بعد أن تتزوج بآخر زواجاً شرعياً صحيحاً، ولا يجوز في ذلك المحلل الذي هو (التيس المستعار) -لعنه الله- كما جاء في الحديث المروي عن الترمذي عن ابن مسعود –رضي الله عنهما- قال: {لعن رسول الله المحلل والمحلل له}، وفي رواية أخرى {لعن الله... الخ} رواه ابن ماجه وأحمد عن ابن عباس ورواه الحاكم وصححه.
وقد نصت المادة (83) من قانون حقوق العائلة على أن البينونة الكبرى تزول بتزويج الزوجة بعد انقضاء عدتها زوجاً آخر لا بقصد التحليل وتحل للأول بعد افتراقها من الثاني بشرط الدخول ومرور العدة.
2- هذا الطلاق يزيل في الحال الملك والحل معاً.(34/49)
3- تترتب على الطلاق البائن بينونة كبرى جميع الآثار المترتبة على الطلاق البائن بينونة صغرى والتي ذكرناها سابقاً.
المبحث الثاني:
الآثار الشرعية المترتبة على الطلاق:
يترتب على الطلاق آثار شرعية لابد أن يلتزم بها طرفي العلاقة شرعاً، قد لا تكون موجودة أثناء الحياة الزوجية أو قد تكون ممنوعة ومحرمة فأصبحت مباحة بعد الطلاق، أو قد تكون مباحة أثناء العلاقة الزوجية فأصبحت بعدها ممنوعة، كما أن هناك التزامات شرعية على المطلقة لابد من فعلها بعد الطلاق وهي أثر من آثاره شرعاً كالعدة مثلاً وهذه الآثار الشرعية حددتها النصوص الشرعية سواء بالقرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة وعلى ذلك تكون ملزمة للمطلقين لأنه لا اجتهاد في مجال النص وهذه الآثار هي:
أولاً : حل زواج من كانت تحرم على المطلق :
كأخت طليقته وعمتها أو خالتها أو أن يتزوج بالخامسة تحل محل الرابعة التي طلقت وبانت. وكان هؤلاء محرمات عليه قبل الطلاق وكما هو معروف يحرم على الإنسان التزوج ببعض النساء وهذه الحرمة قد تكون مؤبدة أي لا يحل له الزواج بها مطلقاً لأن سبب تحريمها وصف ملازم لها لا يزول، كالتحريم بسبب القرابة النسبية كأصول الإنسان أمه وجدته وإن علون وفروع الإنسان مهما نزلن كبنته وبنت بنته، وفروع الأبوين مهما امتد حبل النسب كأخته وبنت أخيه وبنت أخته، والفروع المباشرون للأجداد والجدات كعمته وخالته سواء كانت شقيقته أو لأب أو عمته أو أحد أصوله وخالته... وهكذا .
أو الحرمة المؤبدة بسبب المصاهرة فيحرم على الرجل أصول زوجته مهما علت كأمها وجدتها من الأب أو من الأم وفروع زوجته ومهما نزلن كبنت زوجته وبنت ابنها وبنت بنتها ويحرم عليه أيضاً التزوج بزوجة أصوله مهما علو كزوجة أبيه أو جده من أبيه أو أمه وزوجة فروعه مهما نزلوا كزوجة ابنه أو ابن ابنه أو ابن بنته أو الحرمة المؤبدة بسبب الرضاعة فيحرم على الشخص بسبب الرضاعة ما يحرم عليه بسبب النسب والمصاهرة.
وهذه الحرمة المؤبدة هي وصف ملازم لها لا يزول حتى بعد الطلاق، وقد تكون الحرمة مؤقتة أي أنه لا يجوز له التزوج بها مادامت على صفة معينة قابلة للزوال عنها فإذا زالت هذه الصفة أصبحت حلالاً يجوز الزواج بها ومن أمثلة ذلك:
أ- المرأة المتزوجة ومن في حكمها كالمعدة، فلا يجوز الزواج بها إلا إذا زالت عنها هذه الصفة فأصبحت مطلقة منتهية العدة تماماً، يقول الله تعالى: ?ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله?، أي لا تبرموا عقد النكاح إلا إذا انتهت العدة المفروضة المكتوبة.
ب- لا يجوز الجمع بين امرأتين كلٌ منهما محرم للأخرى فيحرم على من تزوج بامرأة أن يتزوج بأختها سواء كانت أختاً شقيقة أو لأب أو لأم كما يحرم عليه أن يجمع بين المرأة وعمتها وخالتها أو عمة أبيها أو عمة أمها أو خالة أبيها أو خالة أمها[28]، لما يؤدي هذا الجمع من قطيعة الرحم ووجود البغضاء بين المحارم(34/50)
بسبب ما قد يكون بين الزوجتين من غيرة، يقول الله تعالى: ?وأن تجمعوا بين الأختين? [29]، فدل ذلك على تحريم الجمع بين الأختين بعبارة النص كما دل على تحريم الجمع بين كل محرمين كالمرأة وعمتها أو خالتها لأن الجمع بينهما أشد وأقصى من الجمع بين الأختين، فإن العمة أو الخالة في مكان الأم وفي منزلتها من ابنة أخيها أو من ابنة أختها فتدل الآية على تحريم الجمع بينهما من باب أولى، وقد تأكد ذلك بما جاء في السنة النبوية من النهي عن الجمع بين هؤلاء في قوله –صلى الله عليه وسلم-: {لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على ابنة أخيها ولا على ابنة أختها}، كما روي أن النبي –صلى الله عليه وسلم- نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها[30]، وهذا التحريم المذكور إنما هو تحريم مؤقت يزوج بزوال الوصف ويعتبر هذا الزوال أثراً من آثار الطلاق.
ج- إذا تزوجت المرأة المطلقة ببينونة كبرى بزواج ثانٍ ودخول حقيقي من الزوج الثاني، ثم طلقت وانتهت عدتها منه فإنها تحل للزوج الأول وهذا أثر شرعي من آثار الطلاق على الزوجة حيث أنها تحل لزوجها الأول بعد الدخول الحقيقي والمفارقة بموت أو طلاق وانقضت عدتها، يقول الله تعالى: ?...فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره?[31] .
د- الزواج بامرأة خامسة إذا طلق الرابعة وانتهت عدتها، أما إذا كانت في عدتها من هذا الطلاق فيحرم عليه الزواج بالخامسة لأن الرابعة لا تزال زوجته حكماً ويخالف الشافعي هذه الحالة[32]، ويرى صحة التزوج بالخامسة في عدة المطلقة طلاقاً بائناً لانقطاع الزوجية بالطلاق البائن فلا تكون من يتزوجها في هذه الحالة خامسة بل تكون هي الرابعة لخروج المطلقة بائنة عن أن تكون زوجة.
ثانياً : حل زواج المطلقة بآخر غير مطلقها :
وهذا أثر شرعي يعطي الحق للمرأة التي طلقت وانتهت عدتها من زوجها الأول –سواء كان نوع الطلاق رجعياً أو بائناً- أن تتزوج بمن تشاء من الرجال فإن هذا كان محرماً عليها لأنها كانت في عصمة زوجها الأول، يقول الله تعالى : ?والمحصنات من النساء? [33]، أي المتزوجات لا يجوز لهن الزواج وهن في عصمة أزواجهن إلا بعد الطلاق وانتهاء عدتها منه، ويقول الله تعالى : ?والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء? [34].
ثالثاً : حرمة النظر :
لا يحق للمطلق النظر إلى مطلقته أو الاختلاء بها أو النظر إلى عورتها إلا إذا كان الطلاق رجعياً فإنه يعد رجعة لها باللفظ أو الفعل، كما قال الأحناف، والمطلقة أصبحت أجنبية عن زوجها، ويجري عليها حكم الأجنبيات، فلا يجوز لها أو له النظر إلى بعضيهما أو الاختلاء أو فعل شيء كان مباحاً لهما أثناء الزوجية، وهذا ما قاله الشافعية أيضاً[35].
وباعتبار المطلقة أجنبية من مطلقها فالشرع الإسلامي لا يجيز للرجل البالغ أصلاً أن ينظر إلى امرأة أجنبية حتى ولو كانت غير مشتهاة، والأصل في تحريم النظر، قوله تعالى: ?قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن(34/51)
الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن?[36].
رابعاً : الالتزام بالآداب الإسلامية للطلاق :
من نعم الله –سبحانه وتعالى- على الإنسان أن جعل له الزواج حتى يتمكن –رجلاً كان أو امرأة- من التمتع بقسط وافر من الاستقرار وتأسيس حياة أسرية مع الشريك الموافق والمناسب، فالإنسان لا يجد الراحة والاستقرار والاستقلال إلا في محيط أسرته، والله سبحانه وتعالى يقول : ?والله جعل لكم من بيوتكم سكناً? [37]، ويقول : ?ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها? [38]، فالزواج مطلب طبيعي لابد منه لما يتبعه من آثار طيبة في النفوس البشرية الميالة فطرياً إلى هذا الرباط المقدس ولذلك فرضه الله على عباده وجعله سنة لنبيه صلى الله عليه وسلم، فكل نعمة يحسبها الإنسان مغنية عن الزواج يكون مخطئاً في حسابه لأن الزواج حبل سماوي يربط بين القلوب ويقرب بين الأبعاد ويساعد على التقارب بين الناس بالمصاهرة .
ولكن للأسف الشديد هناك من لا يقدر هذه النعمة العظيمة حق قدرها فيحول هذه الرابطة المقدسة والمشتركة المبنية على الحب والمودة ?وجعلنا بينهم مودة ورحمة? إلى بغض ومقت وصراعات ونزاعات لا نهاية لها فيتحول البيت إلى جحيم لا يطاق، وبدلاً من أن يكون مأوى أميناً ومكاناً للراحة والأنس يتحول إلى سجن مليء بالظلمات والمشاحنات والكره مما سيقود أخيراً إلى فك هذا الرباط المشترك بالإقدام على الطلاق فإذا وصلت العلاقة إلى هذه الطريق ديانة يجب على الطرفين أن يكونا حليمان عادلان ملتزمان بآداب الطلاق التي أمر بها الإسلام، وكثيراً ما نرى في المحكمة الشرعية أثناء إجراء معاملات الطلاق مشاحنات وسباب وشتائم بين الزوجين أو أهليهما وقد يصل ذلك حد الضرب والاقتتال أو إظهار عيوب ومساوئ كل طرف أمام الناس وفي ساحة المحاكم حتى يبرر الوضع الذي انتهى إليه وهذا شيء لا يرضاه الدين وعلى الزوجين أن يمتثلا للآداب الإسلامية في الطلاق، وسأورد هنا بعضاً منها، ما ذكرها الأستاذ/ سلمان نصيف الدحدوح في كتابه: "الإسلام أدبه وآدابه"[39] :
1- من آداب الطلاق أن يكون رجعياً، أي طلقة واحدة فلا يجمع بين الثلاث لأن الطلقة الواحدة بعد العدة تفيد المقصود ويستفيد بها الرجعة إن ندم في العدة وتجديد النكاح إن أراد بعد العدة.
2- أن يقع الطلاق في حالة هدوء لا غضباً فيه ولا شقاق.
3- أن يقع في طهر لم يسبقه جماع فإن لم تكن الزوجة كذلك فاصبر حتى تطهر ثم إن شئت طلقتها وإن شئت أمسكتها.
4- لا تغلظ لها القول بل تلطف في النطق بالطلاق والتمس الأعذار المسببة له واطلب به سعادة الطرفين.
5- لا تخرجها من بيتك إلا إذا أتمت العدة وتبين لك من نفسك بانقضائها صدق رغبتك في طلاقها والإصرار على فراقها، قال تعالى: ?يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا(34/52)
يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً? [40].
6- أن يتلطف في التعليل بتطليقها من غير تعنيف أو استخفاف والإبقاء على ودها وتطييب قلبها بهدية على سبيل الإمتاع والجبر لخاطرها لما فجعها به من أذى الطلاق، يقول الله تعالى: ?لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين?[41]
7- أن لا يبخسها أي حق من حقوقها، يقول الله تعالى: ?وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً? [42].
8- أن يكون رجلاً في موقفه منها وأن يكون شهماً في معاملته لها بعد الطلاق فلا يلوكها بلسانه بما يسيء إليها بحق أو بباطل ولا يلجئها إلى المحاكم في سبيل الحصول على حقوقها من نفقة أو حضانة امتثالاً لقول الله تعالى: ?ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير? [43].
9- ألا يفشي سرها لا في الطلاق ولا عند النكاح، فقد روي عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: {إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه} رواه مسلم وأبو داود وغيرهما، وروي عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأته فقيل له: ما الذي يريبك فيها ؟ فقال: العاقل لا يهتك ستر امرأته، فلما طلقها قيل: لم طلقتها ؟ فقال: مالي لمرأة غيري، وروي أيضاً أن رجلاً طلق زوجته فسأله أحد الناس عن السبب في طلاقها فقال: كنت أصون لساني عند ذكر عيوبها وهي زوجتي فكيف أستبيح ذلك وقد صارت أجنبية عني؟
فهذه جملة الآداب الإسلامية فلو كل مطلق التزم بها وطبق النصوص الشرعية في آداب الطلاق لما رأينا تلك المشاهد المؤلمة في ساحات المحاكم أو دواوين رجال الإصلاح.
خامساً: العدة:
أثر شرعي من آثار الطلاق فيه حق الله وهي مدة تتربص فيها المرأة بعد انتهاء الرابطة الزوجية ولا يحق لها الزواج قبل انتهائها ولا عدة للرجال لحديث {الطلاق للرجال، والعدة للنساء} رواه الإمام مالك في الموطأ، فيحق للرجل أن يتزوج بغيرها عقب الطلاق مباشرة سواء كان الطلاق بائناً أو رجعياً إلا من يحرم الجمع بينهما، وفي مثل هذا يقال أن على الرجل عدة بمعنى أن يتربص مدة عدة المرأة فلا يتزوج بأختها أو عمتها أو خالتها أو بخامسة...، فهي عدة صورية له، وحقيقة العدة أنها للمرأة، وهي واجبة شرعاً على المطلقة إلا فيما استثناه الشرع كالمطلقة قبل الدخول، قال الله تعالى: ?وأحصوا العدة?[44] ، قال العلماء : إن عدة الطلاق فيها حق للزوجين وحق لله وحق للولد وحق للناكح الثاني.(34/53)
فحق الزوج: التمكن من الرجعة في العدة، فهو أولى بها من غيره وهي أولى به من غيرها لأنهما درسا أخلاق بعضيهما وتفهما الأحوال واستفاداً من الأخطاء، فيتوقع استقرار الحياة الزوجية بعد هذه التجربة.
وحق الله: في العدة لوجوب ملازمتها المنزل، كما قال القرآن الكريم: ?لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة? [45]، وهو مذهب أحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهما.
وحق الولد: في عدم ضياع نسبه فلا يدري لأي الواطئين يكون.
وحق الزوجة: لما لها من النفقة زمن العدة، فهي زوجة أو كالزوجة أثناء العدة وكذلك حقيهما في الميراث.
وحق للناكح الثاني: لحفظ نسب الولد الذي يولد له من هذه المرأة وليتأكد أنه منه.
ومما يدل على أن العدة للزوج التعبير القرآني: ?فمالكم عليهن من عدة تعتدونها?، بعد قوله: ?يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها?، وكذلك قوله تعالى: ?وبعولتهن أحق بردهن في ذلك? [46].
المعاني الشرعية للعدة:
يهدف تشريع العدة إلى معانٍ أصيلة ومقاصد نبيلة وسامية منها:
1- معرفة براءة الرحم، أي خلوه من الحمل حفظاً لاختلاط الأنساب الذي يلوث المجتمع ويفسده ولذلك لم تشرع إلا للمدخول بها أو المختلي بها خلوة صحيحة شرعية.
2- إمهال الزوجين فرصة للتروي والتفكير حتى يراجع كل منهما نفسه وقد يراجعها في العدة إن كان الطلاق رجعياً وإمهالاً لأهل الخير أيضاً للتدخل لتلافي الفرقة وإزالة الأسباب التي أدت إليها.
3- إظهار أن الزواج عقد بالغ الشأن عظيم الخطر، فالعدة حزن على فوات نعمة الزوجية التي انتهت بالطلاق ولا يزول هذا الحزن إلا بعد مضي فترة طويلة تستغرق عدة شهور خصوصاً أن المرأة هي التي تحس بألم الفراق أكثر من الرجل ويعتريها القلق على مستقبلها الذي تترقبه ليعوضها ما فقدته من حنان الزوجية ومتعتها ونفقتها، فما ألطف هذا التنظيم الإلهي لشئون الأسرة، وما أشرف مقاصده في طهارة الفرد والأسرة والمجتمع.
سبب العدة:
إن العدة تجب لأحد الأسباب الآتية:
1- الفرقة بين الزوجين طلاقاً أو فسخاً أو وفاة وذلك بعد دخول حقيقي أو حكمي في الزواج الصحيح، أما إذا كانت الفرقة قبل الدخول فلا عدة عليها، يقول الله تعالى: ?يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها?[47].
2- إن وقعت الفرقة بالفسخ لفساد في العقد فلم تجب العدة إلا بعد الدخول الحقيقي لأن الغرض من العدة في هذه الحالة هو براءة الرحم وذلك لا يكون إلا بالدخول الحقيقي.(34/54)
3- وفاة الزوج سواء كانت الوفاة قبل الدخول أو بعده في الزواج الصحيح، يقول الله تعالى: ?والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً?[48].
أنواع العدة:
تتنوع العدة التي تجب على المرأة تبعاً لاختلاف حالها، فقد تكون عدة طلاق أو عدة فسخ، وقد تكون عدة وفاة، ثم هي مع ذلك قد تكون حاملاً أو غير حامل، وإذا لم تكن كذلك فإما أن تكون ممن ترى الحيض أو تكون ممن لا تراه.
وعدة الطلاق والفسخ بمضي ثلاثة أقراء أي ثلاث حيضات إذا كانت ممن يحضن، وفي ذلك يقول الله تعالى: ?والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء? [49]، فإذا كانت المرأة صغيرة دون البلوغ أو بلغت السن ولم تر الحيض أو كانت كبيرة قد بلغت سن اليأس من المحيض وهي خمس وخمسون سنة على المعروف فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى: ?واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللاتي لم يحضن?[50] ، وهذا ما أخذ به قانون حقوق العائلة الفلسطيني في المواد (103-104-107)[51] .
أما عدة الوفاة فإذا كانت غير حامل بعد زواج صحيح فإن عدتها تكون أربعة أشهر وعشرة أيام لقوله تعالى: ?والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهم أربعة أشهر وعشراً? [52]، فإذا كانت الوفاة بعد زواج فاسد كانت عدتها بثلاثة أقراء أو بثلاثة شهور، أما عن المرأة الحامل فتنتهي بوضع الحمل، وسواء كان عن طلاق أو فسخ أو وفاة أو بعد زواج فاسد لقوله تعالى: ?وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن? [53]، وكما ذكرنا فإن هذه العدة هي أثر شرعي من آثار الطلاق واجبة التنفيذ لوجود حق الله تعالى فيه، لحكم سامية جليلة حفاظاً على الفرد والأسرة والمجتمع.
سادساً: نقص عدد الطلقات التي يملكها الزوج:
لقد جعل الشرع الإسلامي الطلاق بيد الزوج يوقعه بإرادته المنفردة وجعل عدد الطلقات التي يملكها ثلاث طلقات، فهو رئيس الأسرة والملزم بأعبائها المالية ولا يقدم على الطلاق الرجل السوي إلا إذا وجد ما يدعو إليه نظراً لخطورته عليه من أعباء مالية كمؤخر الصداق ونفقة العدة وصداق جديد لزوجة أخرى وغير ذلك، والثلاث طلقات المملوكة للزوج يستطيع إيقاعها أينما شاء وكيفما شاء، يقول الله تعالى : ?الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فإن طلقها (أي المرة الثالثة) فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره?[54] ، فإذا أوقع الطلقة الأولى وكانت رجعية له مراجعتها في العدة بدون إذنها ورضاها، وإذا كانت بائنة له أيضاً مراجعتها ولكن بعقدٍ ومهرٍ جديدين وبإذنها ورضاها وفي كلا الحالتين تنقص عدد الطلقات المملوكة للزوج من ثلاث ليبقى له اثنتين وذلك أثر من آثار الطلاق الأول، فإن طلقها مرة ثانية وأراد أن يراجعها بعدها في العدة إذا كان الطلاق رجعياً أو العقد عليها من جديد مرة ثانية إذا كان الطلاق بائناً بينونة صغرى كان له ذلك أملاً في استقامة الحياة الزوجية مرة أخرى ولكن لم يتبق له فيما يملك من الطلاق إلا واحدة فإن طلقها بعد ذلك للمرة الثالثة كان معنى ذلك وبعد هذه التجارب العملية(34/55)
الثلاث عدم تحقق أغراض الحياة الزوجية بينهما ولم يعد من المصلحة استئناف الحياة الزوجية بعد ذلك ويكون بذلك قد نفذ ما بيد الزوج من الطلاق ولا يحق له إعادتها إلى عصمته إلا في حالة واحدة هي إذا ما تزوجت المطلقة ثلاثاً بزوجٍ آخر ثم شاء القدر أن يطلقها الزوج الثاني أو يموت ?فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره?، وفي هذه الحالة يستأنف الزوج ملكه للثلاث طلقات من جديد عسى أن يكونا قد أخذا درساً من تجربة الطلاق السابقة يؤمل نجاح الحياة الزوجية الجديدة بينهما، وعلى ذلك فكل طلقة يوقعها الزوج على زوجته تنقص ما يملك من العدد.
سابعاً: حل الرجعة إذا كان الطلاق رجعياً مادامت في العدة ولا يشترط رضاها:
والرجعة هي أن يرجع الزوج مطلقته أثناء عدتها في الطلاق الرجعي وهذا حق ثابت للزوج لقوله تعالى: ?... وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً? [55]، فالزوج له الحق في إعادة الحياة الزوجية وإبقاء عقد الزواج سارياً بدون إذن أو رضا من الزوجة طالما أنها لازالت في العدة أملاً في الإصلاح وهذه الرجعة أيضاً فيها حق لله لما فيها من مصلحة للأولاد والزوجة.
ويستطيع الرجل أن يراجع زوجته بالقول أو بالفعل كأن يقول لها: راجعتك أو أعدتك إلى عصمتي، ولابد من علم الزوج بها والإشهاد عليها، وقد تكون الرجعة فعلاً كأن يتصل الزوج بمطلقته رجعياً كأن يُقبلها أو يُجامعها.
أما إذا انتهت العدة أو كان الطلاق بائناً بينونة صغرى أو كبرى فإنه لا يحق مراجعتها إلا بعقدٍ ومهرٍ جديدين وبإذنها ورضاها.
ثامناً: التوارث إذا كان الطلاق رجعياً ولازالت في العدة وفي طلاق الفار:
ومن آثار الطلاق الرجعي أنه لا يمنع من استحقاق أحدهم الإرث في الآخر مادامت العدة قائمة وذلك باتفاق الفقهاء طالما كانت الزوجية قائمة حكماً وعلى هذا فإن الرجل لو طلق امرأته رجعياً وقبل انقضاء العدة مات أحدهم فإن الآخر يستحق الإرث منه لقيام السبب.
أما في الطلاق البائن سواء كان بينونة صغرى أو كبرى وسواء كان الطلاق قبل الدخول أو بعده فلا توارث بينهما لزوال السبب وهو الزوجية.
أما طلاق الفار فإن بعض الفقهاء يرى أنه لا يسقط حق الآخر في التوارث مادامت العدة لم تنقض وذلك معاملة له بنقيض قصده.
أما بالنسبة للفار نفسه إذا مات الآخر فإنه لا يرثه معاملة له بمقصودة وهذا ما ذهب إليه الحنفية والشافعية والمطبق قضائياً[56]
المبحث الثالث:
الآثار التربوية والاجتماعية المترتبة على الطلاق:
لاشك أن الطلاق يترك بصمته وآثاره السلبية على المطلقين وعلى أولادهم وعلى المجتمع بأسره، وأن الضرر الذي يقع على هذه الفئات نتيجة الطلاق لهو أكبر بكثير من فوائد ومقاصد الطلاق وبنظرة فاحصة مدققة على الجوانب الاجتماعية والتربوية وإخراج الآثار المزعجة والخطيرة على المجتمع بصفة عامة تجد أن الضرر يقع على أربع فئات:(34/56)
أولا: المرأة المطلقة، فهي التي تحس بألم الطلاق في المقام الأول خصوصاً إذا لم يكن لها معيل غير الزوج أو مصدر رزق آخر.
ثانيا: الرجل، نظراً لكثرة تبعات وآثار الطلاق من مؤخر صداق ونفقة وحضانة وأمور مالية أخرى.
ثالثا: الأولاد، وذلك في البعد عن حنان الأم إن كانوا مع الأب وفي الرعاية والإشراف من قبل الأب إن كانوا مع الأم.
رابعا: المجتمع بأكمله، إذا لم تراعَ التزاماته وآدابه، فإن انحلال الزواج يكون وسيلة للكراهية والخصام بين أفراد المجتمع خصوصاً من أقارب طرفي النزاع إذا وصل ذلك إلى ساحات المحاكم وفي تشرد الأولاد وعدم الرعاية من قبل الأبوين تكثر جرائم الأحداث ويتزعزع الأمن والاستقرار في المجتمع.
وحري بنا هنا أن نتحدث عن كل فئة من هذه الفئات ونبين الضرر الواقع عليها اجتماعياً، ونلقي الضوء على آثار وسلوكيات كل فئة بعد الطلاق آملين أن يكون ذلك تحذيراً وحيطة وإنذاراً لكل مقدم على الطلاق.
أولاً : الآثار التربوية والاجتماعية الواقعة على المرأة المطلقة :
1- إن أبرز ما يفعله الزلزال الاجتماعي الأسري (الطلاق) على الزوجة هو العوز المالي الذي كان يقوم به الزوج أثناء قيام الزوجية مما يؤدي إلى انخفاض في المستوى المعيشي بنسبة 73%[57] . خصوصاً إذا لم يكن لها عائل آخر أو مورد رزق آخر تعيش منه حياة شريفة كريمة بعيدة عن المنزلقات الأخلاقية التي لا يعصم منها صاحب دين قوي. فقد جاء في خطط المقريزي "ج4، ص293" أن الست الجليلة (تذكار باي خاتون) بنت الظاهر بيبرس عملت رباطاً بمبنى كبير سمته رباط البغدادية كانت تودع فيه النساء اللائي طلقن أو هجرهن أزواجهن حتى يتزوجن أو يرجعن لهم، صيانة لهن لما كانا فيه من شدة الضبط وغاية الاحتراز وكانت لهذا الرباط شيخة صالحة تعظ النساء[58] . هذا وقد أطلق عالم الاجتماع (الأمير كان) على المطلقات "ربات البيوت الفقيرات" أو "الفقر المؤنث"، نتيجة لأن المطلقة بعد طلاقها أصبحت متعبة مالياً وجسدياً إن كانت تعمل خارج المنزل[59] .
2- الهموم والأفكار التي تنتاب المرأة وشعورها بالخوف والقلق من المستقبل ونظرة المجتمع السيئة لها كمطلقة فمعظم المطلقات يكن ربات بيوت، وبعد الطلاق يبدأ تفكيرهن بمستقبلهن يأخذ منحى جديداً فالبعض يفكرن بالعودة إلى مقاعد الدراسة مثلاً لإكمال تعليمهن الثانوي أو الجامعي وبعضهن يتجه للتعليم المهني كالتطريز والخياطة لعل ذلك يدر عليها دخلاً يحسِّن ظروف معيشتها الاقتصادية وبعضهن يتوجهن للبحث عن عمل حتى يعتمدن على أنفسهن وبعضهن لم يكن لديهن مؤهلاً أو إمكانيات تساعدها في العمل مما يجعلها تتكفف العوز والفقر هذا وقد وجدت حالات من النساء نتيجة هذا الشعور والخوف تعرضن لمشاكل نفسية مثل: الانطواء على النفس والعزلة نتيجة لكلام الناس مثلاً، ولكن الآثار الاجتماعية أكبر وأكثر من النفسية فقد تتعرض المرأة لموضوع علامة استفهام حولها : لماذا طلقت ؟ وما هو السبب ؟ والسؤال الدائم لها عند خروجها من البيت لأي سبب كان(34/57)
مما يقيد حريتها، وقد أكدت دراسة ميدانية في الأردن أن أكثر من 90% من المطلقات عدن إلى بيوت أهلهن بعد طلاقهن مما شكل عبئاً آخر على ذويهن.
3- قلة الفرصة المتوفرة لديها في الزواج مرة أخرى لاعتبارات اجتماعية متوارثة من جيل إلى آخر حيث تكون فرصتها الوحيدة في الزواج من رجل أرمل أو مطلق أو مسن، وبناءً عليه فإن مستقبلها غير واضح ومظلم فتعود بعد الطلاق حاملة جراحها، آلامها ودموعها في حقيبة ملابسها، وكون مجتمعاتنا التقليدية وللأسف وليس الدين طبعاً يعتبرونها الجنس الأضعف فإن معاناتها النفسية تكون أكبر إذ أنها وبحكم التنشئة الاجتماعية واقتناعها أن الزواج ضرورة اجتماعية لابد منها لأنها (السترة) بالمفهوم التقليدي فإنها بطلاقها تفقدها وتصبح عرضة لأطماع الناس وللاتهام بالانحرافات الأخلاقية نظراً للظن بعدم وجود الحاجز الجنسي الفسيولوجي (العذرية) الذي يمنعها من ذلك ! وهي ليست مسئولة فقط عن انحرافها بل عن انحراف الرجل أيضاً لأنها أصل الفتنة والغواية لذلك عرف مجتمعنا جرائم الشرف ضدها وجعلها مرتبطة بالمرأة فقط[60].
4- نظرة المجتمع إلى المطلقة هي نظرة فيها ريبة وشك في سلوكها وتصرفاتها مما تشعر معه بالذنب والفشل العاطفي والجنسي وخيبة الأمل والإحباط مما يزيدها تعقيداً ويؤخر تكيفها مع واقعها الحالي فرجوعها إذن إلى أهلها وبعد أن ظنوا أنهم ستروها بزواجها وصدمتهم بعودتها موسومة بلقب "مطلقة" الرديف المباشر لكلمة "العار" عندهم وأنهم سيتنصلون من مسئولية أطفالها وتربيتهم وأنهم يلفظونهم خارجاً مما يرغم الأم في كثير من الأحيان على التخلي عن حقها في رعايتهم إذا لم تكن عاملة أو ليس لها مصدر مادي كافٍ لأن ذلك يثقل كاهلها ويزيد معاناتها، أما إذا كانت عاملة تحتك بالجنس الآخر أو حاملة لأفكار تحررية فتلوكها ألسنة السوء فتكون المراقبة والحراسة أشد وأكثر إيلاماً[61] .
ثانياً : الآثار التربوية والاجتماعية الواقعة على الرجل المطلق :
تقول الدكتورة/ عبلة محمد الكحلاوي عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر[62] "إن الطلاق يصيب كبد الرجل وعقله وقلبه وجيبه لأنه الخروج طواعية من أنس الصحبة وسكينة الدار ورحابة الاستقرار إلى دائرة بلا مركز"، وهذه العبارة تصور مدى خطورة آثار الطلاق على الرجل وهو الذي يملك بيده وعقله وقلبه ولسانه إيقاع الطلاق، وما يكون ذلك من عاقل واعٍ، إلا إذا وصل الأمر إلى حالة استحالة العشرة ونفور الصحبة، وهناك آثار كثيرة اجتماعية ونفسية وتربوية تقع على الرجل المطلق منها:
1- الضرر الواقع عليه من كثرة تبعات الطلاق المالية كمؤخر الصداق ونفقة العدة ونفقة وحضانة الأولاد، الأمر الذي سينعكس أيضاً على الزوجة الثانية وأولادها، هذا إذا قبلت به زوجة أخرى لترعى مصالحه وأولاده في ظل وجود الأعباء المالية عليه الناتجة عن الطلاق.
2- قد يصاب المطلق بالاكتئاب والانعزال واليأس والإحباط وتسيطر على تفكيره أوهام كثيرة وأفكار سوداوية وتهويل الأمور وتشابكها وهذا الأمر يخلق عنده الشك والريبة من كل شيء يقترب منه أو يرنو نحوه فيفقد أفكاره والاتزان بأحكامه(34/58)
والاستقرار والتوازن، بمعنى آخر تصبح أفكاره لا تتسم بالثبات بل التقلب والتضارب وتصبح أحكامه عديمة الرصانة والتماسك فضلاً عن التردد وعدم التشوق لمقابلة الأصدقاء[63]، وإن هذا الاكتئاب وفقدان التوازن الاجتماعي وضياع أمن واستقرار البيت يشوبه قلق من فكرة فشل زواج آخر أو أنه رجل غير مرغوب فيه ومشكوك فيه من قبل المخطوبة الثانية لطلاقه الأولى.
ثالثاً: الآثار التربوية والاجتماعية الواقعة على أولاد المطلقين:
إن العلم التربوي يجمع على أهمية الأبوين في تربية وتنشئة الطفل الاجتماعية خاصة دور الأم الرئيسي في التنشئة المبكرة وإبراز دورها في السنوات الأولى من حياته كنقطة انطلاق لنموه وتطوره جسدياً وفكرياً.
وإن سلوك الطفل يتأثر تأثراً بالغاً بأمه وأبيه في سنواته الأولى والتي تنعكس هذه الفترة في التنشئة على باقي حياة الطفل إلى أن يصبح رجلاً.
وبما أن البيئة التي عاش فيها الطفل لا تخرج عن الأسرة المحيطة به فمن الطبيعي أن تنعكس عليه بعد أن يكبر وتتسع مجالات حياته الاجتماعية وتتعدى من والديه إلى باقي أقربائه وجيرانه.
وعلى ذلك فالطفل الطبيعي الذي ينمو في أسرة سعيدة ومتماسكة اجتماعياً وأخلاقياً سينمو نمواً طبيعياً وينعكس ذلك على أخلاقه وسلوكه في المستقبل.
أما إذا كانت الأسرة متفككة منحلة بالطلاق مثلاً فإن ذلك التفكك سينعكس أيضاً على أولادهم، ويشبه علماء النفس الطفل بالإسفنجة التي تمتص أي سلوك وأي تصرف يصدر من أفراد الأسرة.
فالأسرة هي المنبع الأول للطفل في مجال النمو النفسي والعقلي فيما يصدر عن الوالدين من أمراض سلوكية أخلاقية تكون الأسرة منبعها والوضع الاجتماعي ويؤثر على الجميع وأكثر شيء يظهر ذلك على الأطفال[64]، وتتمثل الآثار الناتجة عن الطلاق على الأولاد في عدة أمور منها:
1- الضرر الواقع على الأولاد في البعد عن إشراف الأب إن كانوا مع الأم وفي البعد عن حنان الأم إن كانوا مع الأب، وفي هذه الحالة يكون الأطفال عرضة لوقوعهم تحت رحمة زوجة أبيهم بعد أمهم التي من المستحيل أن تكون بالنسبة لهم أماً خصوصاً بعد أن تنجب هي عدداً من الأولاد وتعاملهم بطريقة أفضل من أولاد زوجها فيؤثر سلباً عليهم ويصبحوا عرضة للانحراف والوقوع في الجنوح.
2- في عدم الإشراف على الأولاد من قبل الوالدين واهتزاز الأسرة وعدم استقرارها يعطي مجالاً لهم للعبث في الشوارع والتشرد والانحراف واحتراف مهن محرمة.
لأن صدمة تفكك والديهم بالطلاق تكاد تقتلهم بعدما يفقدوا معاني الإحساس بالأمن والحماية والاستقرار حتى باتوا فريسة صراعات بين والديهم خصوصاً إذا تصارع كلٌ منهما من يكسب الطفل في جانبه حتى لو أدى ذلك إلى استخدام وسائل غير أخلاقية كتشويه صورة الطرف الآخر أمام ابنه واتخاذ كل السبل الممكنة حتى لو لم تكن أخلاقية للانتصار على خصمه فيعيش الطفل هذه الصراعات بين والديه مما(34/59)
يفقده الثقة بهما ويجعله يفكر في البحث عن عالم آخر ووسط جديد للعيش فيه قد يعوضه عن حب وحنان والديه مما يعرضه في بعض الأحيان إلى الوقوع فريسة في أحضان المتشردين والذين يقودونه إلى عالم الجريمة.
3- يؤثر الطلاق على صحة الأولاد النفسية والجسدية خصوصاً إذا كانوا في سن الخامسة أو السادسة أو أكثر نتيجة لعدم اهتمام والديهم بهم في خضم المشاكل العائلية بينهما وعدم إشراف والدهم الذي قد لا يشاهدهم إلا في مركز الشرطة عن طريق القضاء أو أحد المؤسسات الاجتماعية، مما يؤدي إلى هبوط معنويات الأطفال فيواجه ذلك باليأس والبكاء ويعيش حياة كلها توتر وقلق واضطراب ويتعطشون للحنان والمحبة والرعاية فضلاً عن الأمور المالية التي تزيد نسبتها مع كبر سنهم نظراً لفقدان تجمع الأب والأم معاً .
أما إذا تجاوز عمر الأولاد بعد السابعة فإن سلبيات الطلاق تكون لديهم أكثر وأكبر لأنه في هذه الحالة قد يدرك أسباب الشقاق والنزاع الدائم بين والديه ولذلك ينعكس على الأولاد سلباً بالتسرب من المدارس والانحراف في السلوك وضعف الثقة بالنفس وعدم القدرة على التطور الفكري وعدم التوازن ومشاركة الجماعة وحرمانهم من التنشئة الاجتماعية السليمة مما يجعلهم يلجئون إلى التشرد.
وقد يصل الحد إلى استخدام المخدرات والمسكرات للابتعاد عن هموم الأسرة فكل هذه الآثار السيئة التي يتركها الطلاق على الأولاد تستدعي منا وقفة قوية لحصار وتطويق أسباب الطلاق في المجتمع والعمل الجاد للحد منها[65] .
رابعاً: الآثار الواقعة على المجتمع بأكمله نتيجة الطلاق:
إن الطلاق بخلوه من الآداب التي حددها الإسلام عند وقوعه حتماً به ضرر على المجتمع بأسره لأن المجتمع يتكون من أسر مترابطة تكوّن نسيجه، فانحلال وتفكك هذه الأسر يسبب اضطرا بات اجتماعية يعاني منها المجتمع ومن أمثلة ذلك:
1- في انحلال الزواج وسيلة لزرع الكراهية والنزاع والمشاجرة بين أفراد المجتمع خصوصاً إذا خرج الطلاق عن حدود الأدب الإسلامي المحدد له كما ذكرت سابقاً والذي يجر وراءه أقارب كل طرف في خصام وتقاضي واقتتال مما يسبب مشاحنات وعدم استقرار في المجتمع وبدلاً من أن يعمل الأهل والأقارب لإصلاح ذات البين والصلح بينهما يصبحا مصدراً للخصام والانحياز والتعصب المؤدي إلى زعزعة واستقرار المجتمع، يقول الله تعالى: ?وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما? [66].
2- الأحداث الناتجة عن الطلاق تؤثر في شخصية الرجل، وما ينتابه من هموم وأفكار وأعباء مالية قد تجره إلى تصرفات تضر بمصلحة المجتمع وعدم أداء عمله على أكل وجه وقد تجره لاتخاذ سلوك نحو الجريمة كالسرقة والاحتيال وغير ذلك وهذه الهموم والآلام قد تنتاب المرأة أيضاً مما يجعلها تفكر بأية طريق للحصول على وسيلة للعيش وقد تسلك طرقاً منحرفة وغير سوية في ذلك مما يؤثر سلباً على المجتمع.
3- في تشرد الأولاد وعدم رعايتهم والاهتمام بهم نتيجة غياب الأب وتفكك الأسرة وعدم اهتمام الأم يجعلهم يتجهون إلى سلوك غير سوي فتكثر جرائم الأحداث(34/60)
ويتزعزع الأمن في المجتمع، ويزداد معدل انحراف الأحداث والتخلف الدراسي وزيادة الأمراض النفسية بين الأطفال والكبار أيضاً.
ولأجل هذه الآثار الناتجة عن الطلاق يجب أن يدرك كل فرد في المجتمع أن الطلاق إذا خرج عن المفهوم والغرض الذي أباحه الله –سبحانه وتعالى- له واعتبره أبغض الحلال إليه فإنه سيوصل المجتمع إلى مهاوي الردى لأن الله –سبحانه وتعالى- يريد الحياة السعيدة والمستمرة والمستقرة للأسر الإسلامية، وفي إباحته للطلاق إنما يقصد إلى السعادة للأسرة الإسلامية ولكن إذا سار الطلاق نحو الهدف الذي وضع من أجله وليس على التدمير والانحلال.
المبحث الرابع:
الآثار الاقتصادية المترتبة على الطلاق:
إن العامل الاقتصادي يلعب دوراً رئيسياً ومهماً في استقرار وثبات الأسرة بل والمجتمع بأسره، وقد يكون هذا العامل له دور مباشر وسبب رئيسي من أسباب الطلاق، فإذا لم يستطع الرجل تأمين المصاريف المالية ومتطلبات بيت الزوجية تنشب الخلافات بين الزوجين لأنه قد يكون عقبة أمام تحقيق أحلامهما فإذا حصل الفراق وتم الطلاق فيتحمل الرجل أعباء مالية أخرى يتأثر بها بعد الطلاق قد تزيده فقراً على فقره بل وقد تهلك كاهله بأعباء اقتصادية لم تكن موجودة أثناء قيام الزوجية لما للطلاق من آثار اقتصادية عليه فلم تكن نفقة العدة ملزماً بها قبل الطلاق ولا المهر المؤجل أو المتعة أو أجرة لحضانة الأولاد أو أجرة لرضاعتهم.
وهذه الآثار طرأت على الرجل سيتحمل أعباءها طالما أنه اختار وسلك طريق الفراق وعلى الرغم من أن المرأة تتحمل جزءاً اقتصادياً على كاهلها نتيجة انقطاع المورد المالي من النفقة عليها نتيجة الطلاق إلا أن الرجل وهو المسئول عن تأمين الأمور المالية سواء كان ذلك عند الزواج أو حتى عند الطلاق فيتحمل جزءاً كبيراً ومهلكاً قد يؤثر عليه سلباً في المستقبل لا يجعله يفيق من سكرات الطلاق إلا بعد سنوات مضت وقد تكون هذه السنوات هي ثمرة شبابه.
وسألقي الضوء على الآثار الاقتصادية التي يتحملها المطلق علماً بأن هذه الآثار قد أوجبها الشرع الإسلامي وألزم بها المطلق باعتبارها حقاً من حقوق المطلقة، وقد حدد لها القرآن الكريم نصوصاً قرآنية لأهمية إلزام المطلق بها، ومن هذه الآثار:
أولاً: وجوب المهر:
فبالطلاق يجب دفع المهر كاملاً إذا لم تكن قد أخذت منه شيئاً أو دفع توابع المهر المعجل والمؤجل إن أخذت من المهر جزءاً معجلاً، أو دفع نصف المهر المسمى إن كان الطلاق قبل الدخول والخلوة الشرعية، هذا إذا لم يكن الطلاق مقابل الإبراء العام أو أن تتفق معه على التنازل عن حقوقها الزوجية أو بعضها.
والمهر[67]، ويسمى بالصداق وبالنحلة هو المال الذي أوجبه الشارع على الزوج وجعله حقاً للزوجة في عقد الزواج الصحيح أو في الدخول بشبهة، يقول الله تعالى: ?وآتوا النساء صدقاتهن نحلة? [68]، وهو عطية لازمة وهدية واجبة يؤديها الرجل للمرأة تأليفاً لقلبها وتكريماً للزواج بها، ولهذا لم يكن المهر ركناً من أركان عقد(34/61)
الزواج، ولا شرطاً من شروط صحته ولا نفاذه ولا لزومه وإنما كان حكماً من أحكامه وأثراً من آثاره.
وإنما ألزم به الرجل عند الزواج وليس المرأة لأنه القادر على إحضاره واكتسابه ولأنه سيكون رب الأسرة ورئيسها والذي سيقوم على نفقاتها، كما أن المرأة عادة هي التي تجهز نفسها بالمهر الذي يدفعه لها وقد يكون المهر سبباً لمنع الزوج من التسرع في الطلاق لما يترتب عليه من دفع مؤخر الصداق للمطلقة ودفع مهر جديد للمرأة التي سيتزوجها بعد ذلك وهو أيضاً ضمان للمرأة عند الطلاق.
التعجيل والتأجيل في المهر:
عندما يتم الاتفاق على الزواج فمن المعروف أنه يتم تسمية المهر وكل بلد من البلاد الإسلامية لها عُرفها في ذلك والقاعدة الشرعية تقول: المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، فإذا سمي المهر –ويسمى في فلسطين- (فصل الحق) يصبح ذلك حقاً خالصاً للمرأة، فمن الممكن أن يتم الاتفاق على دفعه كاملاً كله، أي تعجيله أو تأجيله كله أو جعل البعض معجلاً والبعض مؤجلاً، وقد يكون التأجيل إلى أقرب الأجلين "الطلاق أو الموت"، أو قد يكون لوقت معين أو أن يقسط على شهور، والمعروف في فلسطين وخاصة في قطاع غزة أن المهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام جزء منه معجلاً وجزء منه مؤجلاً وجزء منه تابع للمهر المعجل ويسمى قيمة عفش البيت فهذا هو الدارج في فلسطين تقريباً، والتأجيل يكون لأقرب الأجلين، أما التابع فتستطيع المرأة طلبه في أي وقت تشاء حتى في أثناء قيام الزوجية سواء قبل الدخول أو بعده.
وقد نصت المادة (73) من قانون الأحوال الشخصية على مذهب الإمام أبي حنيفة على أنه: "يصح تعجيل المهر كله وتأجيله كله إلى أجل قريب أو بعيد وتعجيل بعضه وتأجيل البعض الآخر على حسب عرف أهل البلد"[69] .
وقد قال العلماء: "أن المطلقات أربع[70] :
1- مطلقة مدخول بها، وفرض لها مهراً معلوماً فقد نهى الله الأزواج أن يأخذوا مما أعطوها من المهر شيء، يقول الله تعالى: ?...ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله...? [71].
2- مطلقة غير مدخول بها ولا مختلى بها، وقد فرض لها مهراً معلوماً لها نصف المهر المسمى، يقول الله تعالى : ?وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم...?[72] .
3- مطلقة مدخول بها ولكن غير مفروض لها مهراً فيجب لها مهر المثل، يقول الله تعالى: ?فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة? [73].
4- مطلقة غير مدخول بها ولا مختلى بها وغير مفروض لها مهراً فلها المتعة ولا عدة عليها، يقول الله تعالى: ?لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة، ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين?[74]
ثانياً: المتعة:(34/62)
قلنا إذا طلقت المرأة وكانت غير مدخول بها ولا مختلى بها وغير مفروض لها مهراً وجبت لها المتعة حسب ما ذكرت الآية السابقة، فالمتعة إذن تجب لكل مطلقة غير مدخول أو مختلى بها إذا كان عقد الزواج صحيحاً ولم يتم تسمية المهر فيه وهي واجبة بنص الآية عند جمهور الفقهاء وخالفهم مالك[75]، وقال إنها تكون مستحبة وهذه المتعة بدلاً عن نصف المهر.
وقد شرعت كمعونة عاجلة للمطلقة في مواجهة الظروف التي فاجأتها بالطلاق خصوصاً إذا لم يكن سمي لها مهراً عند الزواج بسبب ثقة كاملة بالزوج أو علاقة قرابة ورابطة قوية معه وغير متوقعة أن يطلقها بهذه الطريقة وقبل الدخول، فيكون ذلك عوناً وعوضاً عن المهر المسمى وهذا يمليه أيضاً واجب التكافل الاجتماعي، هذا ورغم أن المتعة غير مقررة في القانون الفلسطيني وغير مطبقة ولا يوجد نص قانوني فيها رغم أهميتها في التكافل الاجتماعي للمرأة المطلقة سواء كان الطلاق قبل الدخول أو بعده وسواء سمى لها مهراً أم لم يسم، فالهدف من هذه المتعة تطييب لخاطرها وتهدئة لنفسها بدليل أن الله تعالى قد فرضها على الغني وعلى الفقير كلٌ حسب حاله ولأجل ذلك فطن سماحة قاضي قضاة فلسطين الشيخ/ تيسير بيوض التميمي، فقام الرجل بإنشاء ما يسمى "صندوق النفقات" لإعانة المطلقات المتضررات والزوجات أيضاً اللاتي لم يستطعن تحصيل النفقة من أزواجهن لغيابه أو سجنه أو عدم مقدرته، والحقيقة أن هذا النظام متكامل وسيخفف كاهل الأسرة الفلسطينية خصوصاً في ظل هذه الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني[76].
وجوب المتعة:
1- عند الإمام الشافعي واجبة لكل مطلقة حتى ولو كان لها مهراً بعد الدخول أو قبله لقوله تعالى: ?وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين?، ولأن الله –سبحانه وتعالى- أوجب أن يكون التسريح بإحسان عند الطلاق[77].وهذا أيضاً استدلالاً بقوله تعالى: ?أو تسريح بإحسان? [78].
2- عند الحنفية لها ثلاثة أحوال، الأول : واجبة إذا كان الطلاق قبل الدخول ولم يسمِ في العقد مهراً، والثاني : مستحبة وذلك إذا كان الطلاق بعد الدخول ولم يسمِ لها مهراً وقد وجب مهر المثل فهذا من التسريح بإحسان، الثالث : سنة مؤكدة وذلك إذا كان الطلاق بعد الدخول ولقد سمى لها مهراً وهذا أيضاً من التسريح بإحسان .
3- القانون رقم (100) لسنة 1985م المصري نصت المادة (18) مكرر منه على أن: "الزوجة المدخول بها في زواج صحيح إذا طلقها زوجها دون رضاها ولا بسبب من قبلها تستحق فوق نفقة عدتها متعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل وبمراعاة حال المطلق يسراً وعسراً ظروف الطلاق ومدة الزوجية ويجوز أن يرخص للمطلق في سداد هذه المتعة على أقساط[79].
هذا وتعتبر المتعة عبئاً مالياً يأتي على الزوج بعد الطلاق فهي من آثاره وقد تثقل كاهله، وكما ذكرنا قد تكون واجبة عليه يلزم بها قضاء فقد جاء في تفسير القرطبي أن ابن عباس وابن عمر وجابر بن زيد والحسن والشافعي وأحمد وعطاء وأصحاب الرأي قالوا: المتعة واجبة للمطلقة قبل البناء والفرض ومندوبة في حق غيرها، وقال الزهري: يقضي لها بها القاضي[80] .(34/63)
ثالثاً: نفقة المعتدة وسكنها:
أثر من الآثار الاقتصادية التي يتحملها المطلق وجوباً بعد الطلاق في مدة العدة وهو حق للمرأة على مطلقها لأنها مازالت في عصمته بل مازالت زوجة له في الطلاق الرجعي ويجوز له أن يراجعها في أي وقت يشاء، ثم هي مازالت في بيته لا يجوز له إخراجها، ولذلك فالإنفاق عليها وسكناها لازم، وهكذا فالمطلق مطالب أن ينفق على زوجته وأن يسكنها مدة العدة، يقول الله تعالى: ?اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهم حتى يضعن حملهن...?[81] .
وقد جاء في المبسوط: "ولكل مطلقات بثلاث أو واحدة السكنى والنفقة مادامت في العدة فإذا انتهت العدة الشرعية انتهت وجوب النفقة"[82] .
تقدير نفقة العدة:
تفرض النفقة على المطلق من تاريخ الطلاق ويراعى في فرضها حال الزوج يسراً وعسراً، قال الله تعالى: ?على الموسع قدره وعلى المقتر قدره?، ويقول أيضاً: ?لينفق ذو سعة من سعته? [83]، ولا نفقة عدة في النكاح الفاسد أو الوطء بشبه لأن ما به تستوجب النفقة معدوم هنا[84]، ويسار الزوج ليس شرطاً لوجوب فرض النفقة فتفرض حتى ولو كان معسراً بطلب من المرأة، وقد تستدين عليه حتى تنفق على نفسها، فالإعسار لا يمنع وجوب النفقة ولكن يراعى في تقديرها حالة السوق غلاءً ورخصاً فإذا فرض لها القاضي نفقة ثم ارتفعت الأسعار بعد ذلك كان لها الحق في طلب رفعها وعكس ذلك يحق للزوج تخفيضها.
وإن مبدأ فرض نفقة العدة تحدث عنها قانون الأحوال الشخصية المطبق في قطاع غزة في المواد من (327 وحتى 331)، فقد نصت المادة (329) على أنه: "إذا لم يفرض الزوج لمطلقته نفقة في عدتها ولم تخاصم المعتدة فيها ولم يفرض الحاكم لها شيئاً حتى انقضت العدة سقطت نفقتها"، ونصت المادة (330) على أن: "النفقة المفروضة للمعتدة بالتراضي أو بحكم القاضي لا تسقط بمضي العدة مطلقاً"[85].
رابعاً: نفقة الأولاد وأجرة حضانتهم وأجرة الرضاعة:
لاشك أن الذي يدفع هذه النفقة والأجرتين عند الطلاق هو الزوج لأنها أثر من آثار الطلاق ملزم له شرعاً، فلو كان له أولاد منها وتولت أمهم حضانتهم يلزم والدهم أو ولي أمرهم بدفع نفقة لهم كما يلزم بدفع أجرة للحضانة وأخرى أجرة للرضاعة وذلك واجب من الأب أو ولي أمرهم ونفقة الأولاد يتحملها الأب سواء كان الأولاد عنده أم عند غيره.
يقول الله تعالى: ?وعلى المولود له رزقهم وكسوتهم بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف? [86].
وأجرة الحضانة والرضاعة أيضاً يتحملها الزوج إذا كان الأولاد تحت يد الحاضنة، ولهذه النفقة والأجرتين أحكام شرعية نبينها في النقاط الآتية:(34/64)
1- لو طلق الرجل وكانت المرأة حاملاً فمن الواجب عليه الإنفاق عليها حتى تضع حملها فإذا وضعت فالمرأة بالخيار إما أن تحضن هذا المولود أو أن تسلمه لأبيه.
وفي كثير من الأحيان تقوم الأم بحضانة ولدها وفي هذه الحالة وجب على المطلق دفع النفقة المناسبة بكل أنواعها لهذا الصغير ودفع أجرة الأم مقابل حضانتها لابنه ودفع أجرة رضاعة مدة عامين للأم مقابل إرضاعها للصغير.
والآية السابقة توضح ذلك، وقد أوجب الله فيها النفقة على الرجل لأن المولود له، وأوجب نفقة زوجته المرضعة على الوارثين إذا مات الرجل وهي حامل أو مرضع، كما أباح الله تعالى للرجل والمرأة أن ينفقا على إرضاع المولود من غير أمه إذا كان هذا برضاها.
كما أنه ليس للرجل أن يجبر مطلقته على إرضاع ولده ولكن الله نهى المرأة الأم أن تضار زوجها بذلك وخاصة إذا لم يجد مرضعة أو حاضنة لابنه، فالصغير عادة لا يهدأ إلا إذا كان بين أحضان أمه، كما نهى الله الرجل أن يضار زوجته بوليدها فيعتمد على حنانها وحبها لابنها فيقطعها حقاً من النفقة أو أن ينزع الولد منها وهذا ما يقوله الله تعالى: ?لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده.
ولهذا السبب نصت المادة (366) من قانون الأحوال الشخصية السابق الذكر على أنه: "تتعين الأم لإرضاع ولدها وتجبر عليه في ثلاث حالات، هي:
الأولى: إذا لم يكن للولد ولا لأبيه مال يستأجر به مرضعة ولم توجد متبرعة.
الثانية: إذا لم يجد الأب من ترضعه غيرها.
الثالثة: إذا كان الولد لا يقبل سوى غيرها.
وقضت المادة (367) من نفس القانون إذا أبت الأم أن ترضع ولدها في الأحوال التي لا يتعين عليها إرضاعه فعلا الأب أن يستأجر مرضعة ترضعه عندها.
2- بعد أن يتم عمر الطفل سنتين يحق للأب قطع أجرة الرضاعة لانتهاء مدة الرضاعة الشرعية، ولكن تبقى الحضانة وما يترتب عليها من أجرة.
وقد اختلف الفقهاء في سن حضانة النساء بالنسبة للطفل أو الطفلة، ولكلٍ وجهة نظره، فمنهم من رأى أنها تبقى مع الأم لحين بلوغ الصغير الذكر سبع سنين وللأنثى تسع سنين.
ومنهم من رأى أن الأم أحق بالأنثى حتى تبلغ سن الزواج وتتزوج، وأن الذكر حتى يصل إلى البلوغ ويستغني بنفسه.
ومنهم من رأى أن الأولاد ماداموا مميزين يستطيعون التفريق بين أن يكونوا مع الأب أو الأم يجوز تخييرهم في ذلك فإذا أرادوا أن يبقوا مع من يحبوا العيش معه كان لهم ذلك، وقد خيَّر الرسول –صلى الله عليه وسلم- غلاماً بين أبيه وأمه فأخذ بيد أمه وانطلقت به[87] .
3- وخلاصة هذه الأقوال أن الأم أحق بحضانة ولدها ما لم تتزوج وأحق برضاعته أيضاً وفي كل الأحوال يرى الإسلام مصلحة الصغير في رعايته وتربيته سواء مع الأم وحتى مع الأب ويلتزم الأب وحده الأعباء المالية الناتجة عن ذلك، ولا يحق للأم أية أجرة حال قيام الزوجية أو في عدة الطلاق الرجعي مقابل الحضانة أو الإرضاع.(34/65)
وقد ورد في "تنوير الأبصار والدرر المحتار"[88] : "وتستحق الحاضنة أجرة الحضانة إذا لم تكن منكوحة ولا معتدة لأبيه" .
وقد نصت المادة (389) من كتاب الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية لمحمد قدري: "إذا كانت أم الطفل هي الحاضنة له وكانت منكوحة أو معتدة لطلاق رجعي فلا أجرة لها على الحضانة وإن كانت مطلقة بائناً أو متزوجة بمحرم للصغير أو معتدة له فلها الأجرة وإن أجبرت عليها وإن لم يكن للحاضنة مسكن تمسك فيه الصغير الفقير فعلى أبيه سكناهما جميعاً إن احتاج المحضونون إلى خادم وكان أبوه موسراً يلزم به وغير الأم من الحاضنات لها الأجرة"[89] .
4- إذا كان الولد غنياً فأجرة رضاعته وحضانته واجبة في ماله ولا يلزم الأب شيئاً، منها وإذا تبرع بدفع شيء من ذلك حال يسر ولده جاز ذلك وليس له أن يرجع على الولد بعد ذلك.
وأجرة الحضانة على المكلف بنفقة الصغير الفقير وتقدر بأجرة مثل الحاضنة على ألا تزيد على قدر المنفق[90] .
هذه في الواقع جميع الآثار الاقتصادية المترتبة على الطلاق، وهي المقررة في الشريعة الإسلامية وواجبة بل وملزمة على الرجل وفي ذمته سواء كانت مهراً لم يدفعه أو حتى وعوداً مالية أخرى لم يف بها أو هدايا أعطاها إياها عند الزواج. كما أنه لا يحق للزوج أن يجحد أو يتراجع بعد الطلاق عن شيء وعد به أو التزم به عند الزواج وقد دلت الآية القرآنية على ذلك حينما قال الله تعالى: ?وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً? سورة النساء، آية: 2، فهذه الآية الكريمة توضح بأنه لا يجوز أن يأخذ الرجل من المرأة شيئاً أعطاها إياها حتى لو كان قنطاراً من ذهب.
والحقيقة أن ما نشاهده في قاعات المحكمة الشرعية يبتعد في كثير من الأحيان عن معاني هذه الآية. فكثير من الأزواج لا يقومون بإعطاء المرأة الحقوق الشرعية المالية إلا بعد رفع القضايا وحضور الجلسات في المحاكم وتوكيل محامين لأجل ذلك وبعد أن ينشر كل واحد منهما مساوي الآخر أمام الحضور وتبقى المرأة تلهث وراءه بعد الطلاق لتحصيل حقوقها الزوجية من نفقة ومؤخر صداق وغير ذلك من الأمور المالية.
فهذه الصورة السيئة التي نشاهدها وهذه الممارسات الخاطئة لكثير من الجهلة والظالمين لا تمت إلى الإسلام بصلة ولا إلى آداب الإسلام في الطلاق التي استعرضتها سابقاً، فنسأل الله –سبحانه وتعالى- المودة والتماسك والمحبة للأسرة المسلمة والسكن النفسي لكل زوجين.
آثار انتفاضة الأقصى على الطلاق:
إن أحد أسباب انتفاضة الأقصى هو الكبت والقهر والظلم الذي لحق بالأسرة الفلسطينية نتيجة الاحتلال الإسرائيلي والمعاملة الظالمة والعنصرية لهذا الشعب المرابط الذي عاصر نكبات ومآسي على مدار تاريخه السياسي بدأت بنكبة 1948م التي شتته في دولٍ متفرقة، ثم حرب عام 1956م، وبعدها حرب سنة 1967م، ثم(34/66)
الاجتياح الإسرائيلي عام 1982م والقتل والخراب الدائم ضد هذا الشعب حتى الانتفاضة الأولى في شهر ديسمبر سنة 1987م وما نجم عنها من كثرة المعتقلين والمعاقين وتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
ولم يهدأ لهذا الاحتلال بال حتى بعد قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية، إذ لجأ لسياسة الهدم الاقتصادي، كالتحكم في المعابر وإغلاقها خصوصاً التجارية منها، واستفزاز الفلسطينيين بانتهاك المقدسات الإسلامية في القدس الشريف، والتضييق على العمال، فالرجل يصحو من قبل الفجر بساعات للانتظار على الحواجز الإسرائيلية ليتمكن من الدخول للعمل والسعي للقمة العيش، هذا إذا سمح له واستطاع الحصول على التصريح المطلوب، أما الممنوع فتدفعه الحاجة والبطالة إما إلى العمل في السوق المحلي بأي شيء للحصول على القليل أو قد يمد يده ليبيع ما هو تحت يد زوجته من مصاغ أو أدوات البيت.
ومن هنا تنشأ الخلافات والمشاحنات الزوجية، كما أن الاحتلال أيضاً عمد إلى سياسة الهدم الاجتماعي والتفكك الأسري لزرع الخلاف بين فئات المجتمع، فسياسة التوسيع في المستوطنات ونهب أراضي الناس جعل الأراضي محدودة خاصة في قطاع غزة –الأكثر نسبة كثافة سكانية في العالم- مما كدس الأسر في بيوت صغيرة فتكونت الأسرة الممتدة، فتجد في البيت الواحد: الأب والأم والأولاد وزوجاتهم والمقربين من الأخوة والأخوات غير المتزوجين، مما يهيئ الفرصة لوجود المشاكل بين الأزواج والأطراف الأخرى.
لقد عانى الشعب الفلسطيني ما عاناه من سياسة الاحتلال التي عملت على حبس أفق التطوير أمام الفلسطينيين في كل المجالات العلمية والصحية والبيئية، وعزلت الشعب الفلسطيني عن مواصلة ركب التطور وتحديث سياسة التبعية الاقتصادية المتعمدة، وظل هذا الحال حتى بعد قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية الذي علق الفلسطينيون الآمال عليها، وأنها ستأتي ومعها كل الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية الموروثة عن الاحتلال الإسرائيلي، وزادت الممارسات الإسرائيلية على الفلسطينيين قبل انتفاضة الأقصى ضراوة وعنفاً وزاد معدل البطالة والفقر وقسمت الأراضي إلى قطع يصعب التنقل بينها.
فالأسواق الفلسطينية مازالت مملوءة بالبضائع الإسرائيلية والمنتوجات الفلسطينية لا يسمح لها بالدخول لإسرائيل ولا للخارج ولا يسمح بالتبادل الاقتصادي من غزة إلى الضفة والعكس، والعمال الفلسطينيين لا يسمح لهم بمتابعة عملهم بسبب سياسة الاحتلال[91]، كل هذا الكبت وصل ذروته في انفجار انتفاضة الأقصى في 28/9/2000م، مما حدا بهذا الشعب للتعبير عن إرادته بكل الوسائل المتاحة له لإزالة الظلم والقهر الذي يعيش فيه نتيجة الاحتلال.
وقد قمت بإحصاء لعدد حالات الطلاق شهرياً في السنوات الثلاث قبل انتفاضة الأقصى وعدد هذه الحالات أيضاً للسنوات الثلاث التي بعدها في محافظة غزة فقط وليس في محافظات قطاع غزة لأخذها كنموذج على تأثير هذه الانتفاضة على حالات الطلاق.(34/67)
وهذه الأرقام الموضحة في الرسم البياني هي من واقع السجلات الرسمية لمحكمة غزة الشرعية والتي تقع المحافظة في اختصاصها المكاني، ويلاحظ بعد تحليل النتائج عليها الآتي:-
1- أن عدد حالات الطلاق بعد انتفاضة الأقصى قد زاد وارتفع عن قبلها، وقد وصلت ذروتها في سنة 2003م (627 حالة) بالمقارنة مع سنة 1998م (495 حالة).
2- يلاحظ الارتفاع التدريجي لحالات الطلاق شهرياً وسنوياً بعد انتفاضة الأقصى مما يفيد تأثير الانتفاضة على الطلاق.
3- الارتفاع التدريجي أيضاً لحالات الطلاق قبل انتفاضة الأقصى حتى وصلت إلى ذروتها في الأشهر الأخيرة قبل الانتفاضة {يونيو وأغسطس وسبتمبر لسنة 2000م} مما يدلل على الكبت والقهر والظروف المعيشية والاقتصادية السيئة التي كانت سائدة قبل الانتفاضة والمسببة لهدم الأسرة.
4- يستنتج من ذلك توقع ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع الفلسطيني مستقبلاً إن ظل الوضع الراهن على ما هو عليه، وهذا ظاهر من الرسم البياني بالتدرج بالارتفاع من قبل ست سنوات مضت، وهذا يستدعي وضع الخطط المبرمجة للحد من هذه الظاهرة كخطة التوجيه الأسري والتي طبقت حديثاً في المحاكم الشرعية في فلسطين.
5- لاشك أن انتفاضة الأقصى أثرت على الطلاق فارتفع عدده، وهذا ما صرحتُ به في جريدة القدس يوم الأحد 31/8/2003م، ص8 وقلت: "إن من أهم أسبابه تردي الوضع المعيشي سواء كان اقتصادياً أو اجتماعياً"، وكان ذلك أثناء إطلاعي المباشر على حالات الطلاق في محكمة غزة الشرعية بصفة عملي كقاضي غزة الشرعي حينها.
المصادر والمراجع
1] الأسرة تحت رعاية الإسلام، الشيخ/ عطية صقر، ج6، ص275
[2] سورة النحل، آية: 123
[3] سورة البقرة، آية: 229
[4] أصول الشرائع، المجلد الأول، ص161-166، ترجمة: فتحي باشا زغلول
[5] فيض القدير، ج10، رقم الحديث: 7794، سنن أبو داود، ج2، رقم: 2177
[6] سورة النساء، آية: 21
[7] حقوق الإنسان في الإسلام، علي راضي، ص98
[8] سورة الطلاق، آية: 1
[9] سورة النساء، آية: 35
[10] محرك البحث: googol، شبكة الإنترنت
[11] الطلاق ومذاهبه في الشريعة والقانون، أ.د. محمد فوزي فيض الله، ص7
[12] المرجع السابق
[13] سورة النساء، آية: 19
[14] الزواج في ظل الإسلام، عبد الرحمن عبد الخالق، ص95(34/68)
[15] سورة النساء، آية: 130
[16] سورة النساء، آية: 128.
[17] الطلاق ومذاهبه في الشريعة والقانون، أ.د. محمد فوزي فيض الله، ص9
[18] سورة الطلاق، آية: 1
[19] سورة البقرة، آية: 236
[20] الطلاق ومذاهبه، ص8
[21] انظر بداية المجتهد في أحكام الأسرة، د. زكريا البري، ج1، ص227-228.
[22] قانون حقوق العائلة، مجموعة القوانين الفلسطينية، ج10.
[23] قانون الأحوال الشخصية، مجموعة القوانين الفلسطينية، ج10
[24] سورة البقرة، آية: 237
[25] سورة البقرة، آية: 229
[26] الطلاق ومذاهبه، ص34
[27] الأسرة والحياة العائلية، د. سناء الخولي
[28] فتاوى ابن تيمية، ج4، ص74، ص102
[29] سورة النساء، آية: 23
[30] بداية المجتهد، د. زكريا البري، ص74-80
[31] سورة البقرة، آية 230
[32] المرجع السابق، ص83
[33] سورة النساء، آية: 24
[34] سورة البقرة، آية: 228
[35] الأسرة تحت رعاية ألإسلام، الشيخ/ عطية صقر، ج6، ص385.
[36] سورة النور، آية: 30-31
[37] سورة النحل، آية: 80
[38] سورة الروم، آية: 21
[39] انظر في ذلك: الإسلام أدبه وآدابه، سلمان الدحدوح، ص336 وما بعدها.
[40] سورة الطلاق، آية: 1
[41] سورة البقرة، آية: 236.
[42] سورة النساء، آية: 2
[43] سورة البقرة، آية: 237
[44] سورة الطلاق، آية: four
[45] سورة الطلاق، آية: 1
[46] سورة البقرة، آية: 228
[47] سورة الأحزاب، آية: 49
[48] سورة البقرة، آية: 224
[49] سورة البقرة، آية: 228
[50] سورة الطلاق، آية: 4
[51] مجموعة القوانين الفلسطينية، ج10، ص120.(34/69)
[52] سورة البقرة، آية: 224
[53] سورة الطلاق، آية: 4
[54] سورة البقرة، آية: 229
[55] سورة البقرة، آية: 228
[56] انظر في ذلك: الوجيز لأحكام الأسرة في الإسلام، محمد سلام مذكور، ص346-347.
[57] علم الاجتماع للأسرة، د. معين خليل عمر، جامعة اليرموك، ص233.
[58] الأسرة تحت رعاية الإسلام، ج6، ص282
[59] انظر الطلاق وأثره على تفكك الأسرة، بحث للجامعة الإسلامية بغزة.
[60] بحث: تجارب نسوية في الطلاق، مركز الدراسات النسوية، القدس 1992م.
[61] المرجع السابق
[62] محرك البحث: googol، شبكة الإنترنت
[63] الطلاق وأثره، نقل عن الأسرة والبيئة، د. أحمد يحيى عبد الحميد.
[64] الطلاق في المجتمع الفلسطيني، رويدة المجدلاوي، ص22.
[65] المرجع السابق
[66] سورة النساء، آية: 35
[67] بداية المجتهد في أحكام الأسرة، د. زكريا البري، ص150-152.
[68] سورة النساء، آية: 4
[69] مجموعة القوانين الفلسطينية، ج10، ص12
[70] الأسرة تحت رعاية الإسلام، ج6، ص381-382 .
[71] سورة البقرة، آية: 229
[72] سورة البقرة، آية: 229
[73] سورة النساء، آية: 24
[74] سورة البقرة، آية: 236
[75] محاضرات في عقد الزواج، الإمام أبو زهرة، ص264.
[76] يمكن الرجوع إلى هذا النظام بديوان قاضي القضاة، المحاكم الشرعية، رام الله أو غزة.
[77] محاضرات في عقد الزواج للإمام أبو زهرة، ص562-662.
[78] سورة البقرة، آية: 229
[79] انظر بداية المجتهد، زكريا البري، ص181
[80] تفسير القرطبي، ج3، ص20.
[81] سورة الطلاق (5) ، آية: 6
[82] المبسوط، ج5، ص201.
[83] سورة الطلاق، آية : 7
[84] القرارات الاستئنافية، القاضي/ علي داود، ص1075.
[85] مجموعة القوانين، ج10، ص52.
[86] سورة البقرة، آية: 233(34/70)
[87] انظر الزواج في ظل الإسلام لعبد الرحمن عبد الخالق، ص116-118.
[88] القرارات الاستئنافية، القاضي/ أحمد داود، ص11.
[89] شرح الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية للأبياني، ج2، ص73.
[90] القرارات الاستئنافية، القاضي/ أحمد داود، ص11.
[91] انظر بحث: "الطلاق في المجتمع الفلسطيني"، إعداد: رويدة المجدلاوي، وزارة الشئون الاجتماعية، ص12
ـــــــــــــــــــ
آثار الطلاق على الأطفال:الرعب .. الحيرة ..الضيا
يُعرب الوالدان اللذان اضطرا إلى إنهاء حياتهما الزوجية بالطلاق عن قلقهما بشأن تأثير هذا الأمر على أطفالهما. ورغم انشغال الوالدين بمشكلاتهما الشخصية إلا أنهما يدركان أنهما أهم الناس في حياة أبنائهم وأطفالهم.
وفي الوقت الذي قد يمثل الطلاق تدميراً لحياة الوالدين أو راحة لهما من المشكلات والأسباب التي أدت إليه، نجد بما لا يدع مجالاً للشك أن الأطفال يشعرون بالرعب والحيرة من وقوع الطلاق حيث يمثل تهديداً لأمنهم. ويشعر بعض الآباء بالضرر والارتباك الشديدين من جراء حدوث الطلاق، ومن ثم قد يتحولون إلى أطفالهم عسى أن يجدوا فيهم العزاء. والحقيقة أن مسألة الطلاق قد تلقى سوء فهم من جانب الأطفال إذا لم يذكر الآباء لأبنائهم تفاصيل ما يجري حولهم، وإلى أي مدى يتعلق الأمر بهم، وما هو مصيرهم إذا وقع هذا القدر المحتوم.
فالأطفال غالباً يعتقدون أنهم سبب النزاع الحادث بين الأم والأب. ويفترض كثير من الأطفال أن عليهم مسؤولية جمع شمل والديهم ثانية حتى ولو كان ثمن ذلك التضحية بأنفسهم أحياناً. إن احتمالية التعرض لكل من الأمراض العضوية والعقلية يمكن أن تنشأ وتتزايد في كل الأجواء الدرامية التي تصاحب فقدان أحد أو كلا الوالدين نتيجة الطلاق. ومع ذلك فمن خلال الاهتمام والرعاية يمكن تعبئة قوى الأسرة واستنفارها عند وقوع الطلاق لمساعدة الأطفال على التعامل بشكل بناء مع مسألة وضع حد لأي نزاع أسري.
وينبغي على الوالدين أن يكونا على دراية كاملة بأي ضغوط قائمة ومستمرة في حياة أطفالهم. ومن أمثلة هذه الضغوط فقدان الحافز لمواصلة الدراسة والانتظام في المدرسة، أو في إنشاء صداقات مع الآخرين أو حتى في التمتع بالحياة. ومن المظاهر التي تدعو للحذر أيضاً الإفراط في النوم أو العكس أي السهر المتواصل، أو إعلان التمرد والثورة بشكل غير طبيعي أو الولع بالجدل والخلاف داخل الأسرة.
إن الأطفال في حاجة ماسة إلى أن يعرفوا أن كلاً من الأم والأب سيظلان يمارسان مهامهما كوالدين على الرغم من انتهاء علاقة الزوجية بينهما، وانفصالهما في حياتهما المعيشية. ومن شأن النزاعات الطويلة حول حضانة الأبناء، أو الضغط عليهم لاختيار طرف دون الآخر للعيش معه، أن يشكل ضرراً بالغاً على الأطفال وخصوصاً الصغار منهم، ومن شأنه أيضاً أن يضاعف من الآثار الجانبية للطلاق.
إن التزام الوالدين المستمر برفاهية أطفالهم وصالحهم وسعادتهم لهو أمر ضروري وحيوي. فإذا ما بدت على الطفل أي دلائل ضغط أو إجهاد، يتوجب على طبيب(34/71)
العائلة أن يشير على الوالدين بأحد أطباء النفس المختصين بعلاج الأطفال والمراهقين. وبوسع الطبيب المذكور أن يقوم الحالة ويعالج أعراض هذا الإجهاد أو الضغط. وبمقدور طبيب النفس أيضاً أن يلتقي الوالدين لمساعدتهم على كيفية التخفيف من آثار الطلاق على جميع أفراد العائلة بأسرها.
نشر في مجلة (المعرفة) عدد (42) بتاريخ (رمضان 1419هـ -يناير 1999م)
ـــــــــــــــــــ
أثر الطلاق على نفسية الأولاد
تشكل رعاية الأطفال بعد طلاق ذويهم مشكلة صعبة بالنسبة للمحاكم . و تحتار المحاكم بين أن تعهد بالمسئولية عن هؤلاء إلى الآباء أو تسمح للأم بنقلهم إلى الأماكن التى ستقيم فيها
و ينبغى على الآباء و القضاة إدراك آثار الطلاق على الأطفال بحسب ما يقول الخبراء.
يقول الباحث ويليام فابريكس ، عالم نفس فى جامعة ولاية أريزونا ، أنها أصعب مشكلة تواجه المحاكم إسألوا أى قاضى و سيقول لكم ذلك ، و قد نشرت الدراسة فى مجلة "علم النفس العائلى" .
و يصف الباحث دراسته هذه بمثابة جرس الإنذار بالنسبة للآباء و الأمهات الذين يعتقدون أن بإمكانهم الإنفصال دون التأثير على أطفالهم الأطفال الذين ينتقلون من منازلهم بسبب الطلاق حزينون.
إشتملت الدراسة التى تعتبر الأولى من نوعها على طلاب السنة الأولى ، فرع علم النفس حيث ملا الطلاب إستمارة مفصلة و سئل الطلاب بالإضافة إلى أشياء أخرى حول ما إذا إنتقلوا إلى أماكن تبعد بالسيارة ساعة واحدة عن منزلهم الأصلى.
كذلك وجهت عدة أسئلة إلى الطلاب لتحديد درجة العدوانية لديهم ، السعادة أو عدمها ، و حول الصحة التى يتمتعون بها بالإضافة إلى المدى الذى أثر فيه الطلاق على نظراتهم إلى الحياة بشكل عام.
و كان حوالى 600 طالب من أصل 2067 شملتهم الدراسة لأبوين مطلقين ، و أفاد هؤلاء بأن الإنفصال بين آبائهم و أمهاتهم كان ضارا بهم فى معظم مناحى حياتهم.
و كان هؤلاء الطلاب يتميزون عن غيرهم فيما يلى:
- زيادة صفة العدوانية لديهم
- وصف المسئولين الجدد عنهم بأنهم سيئون و لا يشكلون مصدر دعم لهم.
- أفاد الطلاب بأن آبائهم و أمهاتهم لم يكونوا يطيقون بعضهم البعض.
- وصف الطلاب حياتهم بشكل عام بأنها أقل كفاية من حياة الأطفال الآخرين الذين بقوا مع آبائهم و أمهاتهم.
- كانت صحة هؤلاء الطلاب أسوأ من زملائهم.
و أضاف الباحث أنه حين إنتقل الأب من المنزل بعد الطلاق ، فإن أثر ذلك على الأطفال كان نفسه.
قال فابريكس : "و مع ذلك لم يكن لدى المحاكم وسائل يستطيعون بها و قف الآباء غير الأوصياء على أبنائهم عن الرحيل عن المنزل".(34/72)
و تقول نادين كاسلو أستاذة علم النفس و العلوم السلوكية فى جامعة إيمورى "إن الطلاق شىء صعب على الأطفال مهما كانت الظروف".
و أضافت :"يجب على الآباء و الأمهات أن يكونوا متنبهين لردود الفعل العاطفية لدى أطفالهم و على إفتراض عدم وجود عنف أو إساءة للأطفال فى المنزل فكلما كان هؤلاء قريبين من آبائهم و أمهاتهم ، كلما كان ذلك أفضل".
ما هو الأفضل بالنسبة للطفل؟
فى عام 1996 ، أصدرت المحكمة العليا فى ولاية كاليفورنيا قرارا مثل سابقة للولايات الأخرى يسمح للوصى على الأطفال بالإنتقال بعيدا عنهم.
و بحسب فابريكس فإن ذلك سهل على كثير من الأوصياء على الأطفال فى الولايات الأخرى الإنتقال دون أطفالهم.
و فى تلك الحالة وازن الخبراء و علماء القانون آرائهم و جادلوا بأن من مصلحة الأطفال فى كثير من الأحيان الإنتقال إلى مكان آخر إذا كان ذلك فى مصلحة الأوصياء.
و قال هؤلاء أن ما هو فى مصلحة الآباء و الأمهات الأوصياء على الأطفال يعتبر فى مصلحة الأطفال مما يعنى بصورة ضمنية أن المنزل المعتنى به أهم من الإتصال بين الأوصياء من الآباء و الأمهات و الأطفال.
إن الطريقة التى يتخذ بها قرار الإنتقال إلى مكان آخر ينبغى أن يعتمد إلى حد ما على عمر الطفل ، بحسب ما أفادت به كاسلو.
فإذا كان الطفل فى المرحلة الثانوية يمكن له أن ينتقل إلى مكان آخر بسلام أكثر من الطفل الأصغر سنا . و تنصح كاسلو الآباء و الأمهات بالتحدث إلى الإطفال حول الأسباب التى تقف وراء الإنتقال دون مفاجأتهم بها.
و تؤكد على الأباء و الأمهات أن يشركوا أطفالهم فى العملية و الذهاب معهم إختيار المنزل الجديد الذى سيعيشون فيه كذلك ، ينبغى على الطفل التحدث إلى ذويه يوميا سواء بالهاتف أو عبر البريد الإلكترونى إن وجد لأن ذلك من شأنه التقليل من آثار الطلاق عليهم.
نقلا عن جريدة حديث المدينة
بتاريخ 28/9/2005
ـــــــــــــــــــ
من آثار الطلاق من الواقع
قال الرسول صلى الله عليه وسلم (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)
تأملت هذا الحديث مليا ،ووقفت طويل،واختفت عني بعض الصور اللتي لم اكن استطع أن اتصورها ،ثم بعد الإطلاع على الكتب علمت ان الطلاق
هو سبب تصدع الأسرة وتشتيت الشمل خاصة إذا تكونت أسرة من بيت الزوجيه ، وله آثار نفسية على
الأبناء من بنين وبنات ، وكنت أتصور أن هذه المسائل صغيره في نظري ،لاتحمل أكثر من كلمة طالق(34/73)
ودرست فيما سبق الطلاق وأحكامه والطلاق البدعي وتفاصيل كثيره ودقائق في كثير من أموره ،لكني
لم ألمسه عيانا في واقعي حتى شدهت بالآتي:
*في الساعه الثانية عشر ليلا والناس نيام حولنا والأزقه خالية من البشر إلامن ذئاب الليل البشريه ،اللذين تمركزو في الزوايا واختبئو تحت غطاء الليل ،وجعلو الأرصفه نفايات للسجائر والحشيش ،حتى اصبح
مكانهم ضبابا كربونيا قاتما حولهم ،وكنا نغلق أبواب المنزل في الغالب من الحادية عشر ليلا ،وكنت مستيقظا تلك
الساعه حتى سمعت الباب قد طرق ،ففتحت الباب ،وإذا بفتاه يانعه خمس سنين لم أعرفها لأنني كنت مغترب عن أهلي كثيرا،
فسمعتها تتكلم وناديت أهلي يتكلمون معها ،ففهمت من أختي أنها تريد مالا بسيطا تريد أن تشتري به خبزا أوطعاما ،لأنهم جائعين ولم يأكلو هذه الليله شيئا هي وإخواتها الثلاث الباقيات وأكبرهن 9سنوات ،فقالت
لها أختي يافتاتي الصغيره لاتخرجي في هذه الساعه هناك الذئاب والخطافين واللصوص ،فانتبهي وأعطتها
مايسد رمق جوعها هي وإخوتها وأخبرتها أن البقالات مغلقه منذ الساعه العاشره ،ثم ذهبت واستغربت
من هذا الموقف ،ثم من الغدفإذا بها تأتينا في الصباح وإذا بها جائعه وأبوهم له أيام يبيت خارج المنزل ساهرا مع
رفقاء السوء، وإذا باخواتها كلهم يحضرون لدينا وتعمل الوالده لهم الفطور والغداء ،واستغربت أيظا لأني لم أقف على الأمر
سئلت الوالده عن خبرهم قالت إن أمهم قد ُطلقت قبل سنه وهي جارتها قديما ،كان يضربها ضربا شديدا
على أتفه الأسباب ، وكانت تقول لها إنها صابره على أبنائها ،وفعلا كانت صابره ومحسنه مربيه لأبنائها
،لكنه لم يرحم هذه المسكينه من آثار الحبوب المخدره ،حتى فُصل من وظيفته ،وازدادت نفسيته سوءا،
فكان يفرغها في تلك المرأه الصابره ،وكان آخر أمره أن طلقها بالثلاث
ُطلقت المرأه اللتي يشهد لها النساء وجاراتنا بحسن أخلاقها وحسن تربيتها لأبنائها
ُطلقت فكان الطلاق وبالا على الزوج وكان خرابا على البيت الأسري
رأيت الفتيات الثلاث يجوبون الشوارع هنا وهناك بحثا عن لقمة وعن امرأه تقسم لهم من حنانها نزرا يسيرا في هذه الحياه القاسية
رأيت الفتيات والله وكأنهن ذهوره قد ذبلت،جمال لكنه قد عكره صفو الحياه وسمومها العجيبه،فمن اللتي تُسرح شعر بنتها وتظفر شعرها وترتب لهم المنزل
وتطهى لهم طعامهم وتتحمل مسؤليتهم ،وتعلمهم أمور دينهم ودنياهم ،
والأب القاسي يرتع غير مبالي بهن ،وغير متعظ لأمورهن ، غارقا في أحلام سندسية مع أصدقائه اللذين خيلو له(34/74)
الجنه في حبه مخدره ،أو سيجارة حشيش
-ثم علمت أن الأم حاولت أن تظم أبنائها اليها ،لكن أبُ الأم وقف لها بالمرصاد فذهبت الأم ضحيه وذهب أبنائها
ضحايا من بعدها ،وكان آخر ماعلمت أن الأم قد تزوجت برجل آخر
ولسان الحال أعبر من لسان المقال أحيانا ،فمن رأى حال هؤلاء الأطفال الأبرياء وأختهم الكبيره اللتي تبلغ من العمر 9سنوات رأى منظرا تتفجر لها براكين الألم وينابيع الرحمه ،حتى تغيبت هي وإخوتها الباقين عن الإختبارات النهائية بسبب النوم اللذي خيم على بيتهم المهجور ،فمن اللذي يتحمل هذه التبعات
الله المستعان
*زميل لي أخبرني انه مغرم بفتاه ويهواها قلبه منذ زمن بعيد وأراد أن يتزوج بها وهي قريبه له، بعد
أيام سئل أخواته عنها فقلن له أن أمها مطلقه قبل سنين طويله ،والفتاه تمر بحالات نفسية ،حتى أنها لاتحتك
بالفتيات ولا تشاهد الأعراس ومتقوقعه على نفسها ،فكانت قاصمة ظهر لهذا الزميل على جمالها الباهر
وهي في سن 22سنه الآن تقريبا ،هذه بعض الإنعكاسات اللتي تتولد عن التصرف الهمجي من قبل بعض
*اخبرني زميل لي أيظا انه يعرف من قرابته أن رجلا طلق زوجته وكانت النتيجه كالآتي:/
الأب تزوج بثانيه
الأم تزوجت برجل آخر
الفتاه والفتى منهما مشردين بلامأوى ،فمره عند أخوالهم ومره عند أعمامهم ،والشاب عمره الآن 15سنه والفتاه قرابة 12سنه ،ووصل من الأم انها لاتسأل عن أبنائها وكذلك الأب ،أما الفتى والفتاه فكأنهما لقطه
هذه بعض الصور اللتي شاهدتها وسمعت قاضيا يقول (بعضهم طلق امرأته لأجل انها لم تأتي له بتفاحه ولم تقطعها،والآخر لأجل انها لم تجهز له غداء.......وغيره)
وأسباب الطلاق في نظري أنها تتولد من الشرر الصغير والمشكلات التافهه
والله المستعان
ـــــــــــــــــــ
نعم ..بإمكان الآباء تخفيف آثار الطلاق على أطفالهم
تشكل رعاية الأطفال بعد طلاق ذويهم مشكلة صعبة بالنسبة للمحاكم. وتحتار المحاكم بين أن تعهد بالمسؤولية عن هؤلاء إلى الآباء أو تسمح للام بنقلهم إلى الأماكن التي ستقيم فيها. وينبغي على الآباء والقضاة إدراك أثار الطلاق على الأطفال، بحسب ما يقول الخبراء.
يقول الباحث وليام فابريكس، عالم نفس في جامعة ولاية أريزونا، "أنها أصعب مشكلة تواجه المحاكم. اسألوا أي قاض وسيقول لكم ذلك". وقد نشرت الدراسة التي قام بها الباحث في عدد الشهر الحالي من مجلة علم النفس العائلي".(34/75)
ويصف الباحث دراسته هذه بمثابة جرس الإنذار بالنسبة للآباء والأمهات الذين يعتقدون أن بإمكانهم الانفصال دون التأثير على أطفالهم".
الأطفال الذين ينتقلون من منازلهم بسبب الطلاق حزينون
اشتملت الدراسة التي تعتبر الأولى من نوعها على طلاب السنة الأولى، فرع علم النفس حيث ملا الطلاب استمارة مفصلة وسئل الطلاب بالإضافة إلى أشياء أخرى حول ما إذا انتقلوا إلى أماكن تبعد بالسيارة ساعة واحدة عن منزلهم الأصلي.
كذلك وجهت عدة أسئلة إلى الطلاب لتحديد درجة العدوانية لديهم، السعادة أو عدمها، وحول الصحة التي يتمتعون بها بالإضافة إلى المدى الذي أثر فيه الطلاق على نظراتهم إلى الحياة بشكل عام.
وكان حوالي 600 طالب من أصل 2067 شملتهم الدراسة لأبوين مطلقين. وأفاد هؤلاء بأن الانفصال بين آبائهم وأمهاتهم كان ضارا بهم في معظم مناحي حياتهم.
وكان هؤلاء الطلاب يتميزون عن غيرهم بما يلي:
- زيادة صفة العدوانية لديهم
- وصف المسؤولين الجدد عنهم بأنهم سيئون ولا يشكلون مصدر دعم لهم.
- أفاد الطلاب بأن آبائهم وأمهاتهم لم يكونوا يطيقون بعضهم البعض.
- وصف الطلاب حياتهم بشكل عام بأنها أقل كفاية من حياة الأطفال الآخرين الذين بقوا مع آبائهم وأمهاتهم.
- كانت صحة هؤلاء الطلاب أسوأ من زملائهم.
وأضاف الباحث أنه حين انتقل الأب من المنزل بعد الطلاق، فإن أثر ذلك على الأطفال كان نفسه.
قال فابريكس، "ومع ذلك لم يكن لدى المحاكم وسائل يستطيعون بها وقف الآباء غير الأوصياء على أبنائهم عن الرحيل عن المنزل".
وتقول نادين كاسلو، أستاذة علم النفس والعلوم السلوكية في جامعة إيموري "إن الطلاق شيء صعب على الأطفال مهما كانت الظروف".
وأضافت ،"يجب على الآباء والأمهات أن يكونوا متنبهين لردود الفعل العاطفية لدى أطفالهم. وعلى افتراض عدم وجود عنف أو إساءة للأطفال في المنزل فكلما كان هؤلاء قريبين من آباءهم وأمهاتهم، كلما كان ذلك أفضل".
ما هو الأفضل بالنسبة للطفل؟
في عام 1996 ، أصدرت المحكمة العليا في ولاية كاليفورنيا قرارا مثل سابقة للولايات الأخرى يسمح للوصي على الأطفال بالانتقال بعيدا عنهم.
وبحسب فابيريكس فإن ذلك سهل على الكثير من الأوصياء على الأطفال في الولايات الأخرى الانتقال دون أطفالهم.
وفي تلك الحالة، وازن الخبراء وعلماء القانون آراءهم وجادلوا بأن من مصلحة الأطفال في كثير من الأحيان الانتقال إلى مكان آخر إذا كان ذلك في مصلحة الأوصياء.(34/76)
وقال هؤلاء إن ما هو في مصلحة الآباء أو الأمهات الأوصياء على الأطفال يعتبر في مصلحة الأطفال مما يعني بصورة ضمنية أن المنزل المعتنى به أهم من الاتصال بين الأوصياء من الآباء والأمهات والأطفال.
لكن الانتقال قد يكون مفيدا
إن الطريقة التي يتخذ بها قرار الانتقال إلى مكان آخر ينبغي أن يعتمد إلى حد ما على عمر الطفل، بحسب ما أفادت به كاسلو.
فإذا كان الطفل في المرحلة الثانوية يمكن له أن ينتقل إلى مكان آخر بسلام أكثر من الطفل الأصغر سنا . وتنصح كاسلو الآباء والأمهات بالتحدث إلى الأطفال حول الأسباب التي تقف وراء الانتقال دون مفاجأتهم بها.
وتؤكد على الآباء والأمهات بالتحدث إلى الأطفال حول الأسباب التي تقف وراء الانتقال دون مفاجأتهم بها.
وتؤكد على الآباء والأمهات أن يشركوا أطفالهم في العملية والذهاب معهم لاختيار المنزل الجديد الذي سيعشون فيه كذلك، ينبغي على الطفل التحدث مع ذويه يوميا سواء بالهاتف أو عبر البريد الإلكتروني إن وجد لان ذلك من شأنه التقليل من آثار الطلاق عليهم. (
آثار الطلاق
د. جمال المراكبي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد..
فإن الطلاق مشكلة اجتماعية خطيرة تهدد الكثير من الأسر، وتنقلها من السعادة إلى الشقاء، ومن الراحة إلى العناء، ولجان الفتوى مليئة بالسائلين والمستفتين الباحثين عن مخرج لما قالوه بألسنتهم، وضيقوا به على أنفسهم وأهليهم؛ ولو عرف هؤلاء معنى التقوى وطبقوه في حياتهم ولم يتعدوا حدود الله، لجعل الله لهم من كل همّ فرجا ومن كل ضيق مخرجًا.
قال - تعالى - في سورة الطلاق (ومن يتق الله يجعل له مخرجا (2) ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه) {الطلاق:32}، وقال - تعالى -: (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا (4) ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا) {الطلاق:54}.
فالأمر بالتقوى يتكرر في حديث القرآن عن الطلاق لتنبيه الغافلين، وتعليم الجاهلين حتى يجعل الله لهم من العسر يسرًا، ومن الضيق مخرجًا.
ولكن أكثر الناس إلا من رحم الله، لا يلتزم حدود الله في الطلاق، فيتبعون الأهواء والشهوات فيميلون ميلا عظيمًا، وكما أمر الله بالتقوى وحث عليها، فإنه نهى عن تعدي الحدود مطلقًا، وفي الطلاق بصفة خاصة وتكرر هذا النهي وهذا التحذير في آيات الطلاق.
قال - تعالى -: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله(34/77)
فأولئك هم الظالمون (229) فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون) {البقرة:230229}.
وقال: (وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) {الطلاق:1}.
آخر الدواء الكي:
لقد أباح الإسلام الطلاق إذا تعذر الوفاق واستحكم الشقاق، وتحولت الحياة الزوجية من المودة والرحمة وصارت جحيمًا لا يُطاق، فآخر الدواء الكي، وآخر سبيل لعلاج الشقاق إيقاع الطلاق، فقد يكون فيه السعة والغنى.
قال - تعالى -: "وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما" {النساء:130}.
ولكن الطلاق لا يكون قبل استنفاد كل أسباب الإصلاح، وهذه الأسباب كثيرة نذكر منها.
1- حسن الاختيار قبل الزواج واعتبار الدين أساسًا للاختيار، ومرجعًا يرجع إليه في كل أمور الحياة خاصة عند الشقاق.
قال - صلى الله عليه وسلم -: "فاظفر بذات الدين تربت يداك".
2- المعاشرة بالمعروف، والموازنة العادلة بين المزايا والعيوب قال - تعالى -: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) {النساء:19}.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فإذا شهد أمرًا فليتكلم بخير أو ليسكت، واستوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرًا".
وفي رواية:"إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها"{مسلم (1468)}.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً، إن كره منها خُلقًا رضى منها آخر"{مسلم (1469)}.
وهكذا تستقيم الحياة؛ بالرفق واللين، وغض الطرف عن بعض ما تكره لأجل ما تحب وترضى طالما كان الأمر محتملا شرعًا:
فالتغاضي عن الهفوات: وستر العورات وإقالة العثرات مما يحبه الله ويرضاه وصاحب العقل والمروءة والدين هو الذي يزن بميزان الشرع ويضع نفسه دائما مكان من ينكر عليه عسى أن يلتمس له عذرًا أو يجد له مخرجًا، فلا يسرع في غضبه ولا يشتط في خصومته.
3- معالجة النشوز والشقاق الذي يكون بين الزوجين:
النشوز يكون بين الزوجين، وهو كراهة كل واحد منهما صاحبه واشتقاقه من النشز وهو ما ارتفع من الأرض، ونشوز المرأة استعصاؤها على زوجها وترفعها عليه(34/78)
وكراهيتها عشرته وخروجها عن طاعته، ونشوز الرجل كراهيته لها وسوء عشرته، وجفاؤه لها الإضرار بها.
والنشوز يقع من المرأة، ويقع من الرجل، ويقع منهما معًا.
- فإذا نشزت المرأة فتركت الحقوق التي ألزمها الله بها لزوجها دون أن يكون منه ما يسوؤها، فعلى الزوج أن يعظها ويذكرها بتقوى الله وطاعة الزوج، فإن لم يُجْدِ معها الوعظ فللزوج أن يهجرها في الفراش، وأن يؤدبها ولو بالضرب ضربًا غير مبرح، فإن ثابت إلى رشدها عفا عنها وقبل منها، قال - تعالى -: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا) {النساء: 34}.
- وإذا خافت المرأة نشوز زوجها أو إعراضه عنها، فلا جناح عليهما أن يتصالحا على حال يرتضيان به، وهذا خير من الفراق أو البقاء على حال النشوز أو الظلم للمرأة، قال - تعالى -: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) {النساء: 128}. فإذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها أو يُعرض عنها فلها أن تسقط عنه حقها أو بعضه من نفقة أو كسوة أو مبيت أو غير ذلك من حقوقها عليه، وله أن يقبل ذلك منها، فالصلح ولو بإسقاط بعض الحقوق خير من الفراق، وقد نزلت الآية في شأن سودة بنت زمعة، قد خشيت أن يطلقها النبي - صلى الله عليه وسلم - لكبر سنها ورغبتها عن الميل للرجل، فوهبت يومها لعائشة على أن يستبقيها، قالت عائشة في سبب نزول الآية: الرجل تكون عنده المرأة المسنة، ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فتقول: أجعلك من شأني في حل، فنزلت هذه الآية. رواه البخاري.
ولا شك أن الإبقاء على الزوجية، والصلح بين الزوجين خير من الفراق، وكذلك فالإحسان إلى الزوجة التي هذا شأنها وتجشم مشقة الصبر على ما يكره منها، والعدل بينها وبين غيرها من الزوجات ابتغاء مرضاة الله، فإن الله يجازي عليه أوفر الجزاء كما في قوله - تعالى -: (وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا).
- وإذا وقع الشقاق بين الزوجين واستحكمت أسبابه، وعجز كل منهما عن تلافيه ومنعه، وجب التدخل للإصلاح بينهما، قال - تعالى -: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا) {النساء: 35}.
فإذا عجز الحكمان عن الإصلاح واستحكم الشقاق كان الخير في الفراق، قال - تعالى -: (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما) {النساء: 130}.
فإذا تفرقا فإن الله يغنيه عنها، ويغنيها عنه بأن يعوضه الله عنها من هو خير له منها، ويعوضها عنه بمن هو خير لها منه، فالله واسع الفضل عظيم المن، حكيم في فعله وقدره وشرعه.
هكذا يكون اللجوء للفراق والطلاق، أما أن يقع الطلاق بالهوى وتجاوز الحدود الشرعية فيكون من عمل الشيطان.(34/79)
وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا فيقول: ما صنعت شيئًا، ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه ويقول: نعم أنت". {مسلم ح2713}.
والحمد لله رب العالمين
http://www.altawhed.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ
مسألة الطلاقبين الزوجين
يؤدي النزاع بين الزوجين في بعض الأحيان إلى التفكير بالإنفصال والطلاق ، وقد يحدث أحياناً أن يكون التفكير في ذلك من جانب الرجل أو المرأة أو باتفاق الاثنين معاً .
ولو كانت الحياة المشتركة عقداً غير قابل للفسخ إلى الأبد فإن حالة النزاع المستمرة وغياب الانسجام سوف يحوّل الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق ، وعندها سوف يجد أحد الطرفين نفسه محطماً تعصف بآماله وأحلامه رياح الزمن فتبددها هنا وهناك وستحيله إلى إنسان خاو خال من العاطفة والإحساس ؛ وقد تتصاعد حدّة الاختلاف والتوتر إلى موت أحد الطرفين عمداً أو خطأ أو بطيئا ، مما يوسع من دائرة الألم لتتعدى محيط الأسرة إلى المعارف والأقرباء ، حيث تبقى آثار ذلك مدّة من الزمن .
هواجس الطلاق :
قد يكون الطلاق في بدايته حلاً جذرياً للعديد من المشاكل الزوجية ، ولكن الطلاق ينطوي على شرور ومآس لا يمكن إسقاطها من الحساب .
إن اعتبار الطلاق حلاً مثالياً هو خطأ كبير يرتكبه العديد من الأزواج حتى بعد إقدامهم على الزواج مرّة أخرى . وقد أشار مسح ميداني أجري على مئة حالة طلاق اعتبر الغالبية فيها الطلاق أكبر خطأ ارتكبوه في حياتهم وأكد أكثرهم أيضاً على أنهم شعروا بالارتياح قد خامرهم في الأيام الأولى من الطلاق ولكن سرعان ما تبدد ذلك ليحل محله شعور عميق بالندم ؛ ذلك أن الطلاق لم يحل المشكلة أبداً حتى مع تجدد زواجهم .
وساوس الانفصال :
وبعد أن يتم الطلاق ويفترق الزوجان تبدأ مراجعة النفس ، ويبدأ تأنيب الضمير والتفكير في العوامل التي أدّت إلى انهيار ذلك البناء ، وفي أولئك الذين حوّلوا الأسرة إلى مجرد أنقاض ، وعندها تصبّ اللعنات تلو اللعنات على الذين وسوسوا لهما بذلك وحببوه إليهما .
حتى أولئك الذين اندفعوا لحماية الزوجة أو الزوج ومن نوايا حسنة ، لن يسلموا من تحمل المسؤولية وتحسين الطلاق في ذهن المرأة أو الرجل ، خاصة إذا كانت الحالة في زيجة عمرها شهور فقط ؛ فالشباب مهما بلغوا من النضج ليست لديهم التجربة(34/80)
الكافية ، فلا ينبغي لأيّ كان أن يتدخل في شؤونهم الخاصّة ويشجعهم على اتخاذ قرار خطير كالطلاق .
ومسكينة تلك الفتاة وذلك الشاب عندما تصور الوساوس لهما بأن الطلاق فكاك من القيود وتتحول كلمات الآخرين المسمومة في خيالهم إلى طريق للحل ونافذة للخلاف .
تنطوي الاستهانة بالزواج كرباط مقدس إلى استسهال الطلاق ومن ثم ضرب كل الاعتبارات الإنسانية عرض الجدار ، ولذا فإن مثل هؤلاء الافراد لا يرون سوى أنفسهم ومصالحهم دون أدنى اهتمام بالآخرين ، ناهيك عن أن جنوحهم نحو الطلاق سيلحق الضرر بانفسهم هم أيضاً بالرغم من عدم إدراكهم ذلك إلاّ بعد فوات الأوان .
إن الإقدام على الطلاق إنطلاق من الأهواء النفسية فقط ، لا يتناقض مع الدين والعقل فحسب بل مع النمو والتكامل الإنساني ، ذلك أن الأهواء النفسية لا يمكن أن تكون طريقاً لبناء شخصية الإنسان .
مبغوضية الطلاق :
قال رسول الله (ص) : ( ما أحلّ الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق ) .
وبالرغم من حلّية الطلاق إلا أن الأحاديث والروايات تحذر من الطلاق وتعتبره عملاً شائناً لا ينبغي القيام به حتى لو تم الأمر برضا الزوجين . وإذن فإن الحسابات الإليهة لا دخل لها برضا الطرفين أو عدمه ، فالطلاق يبقى إجراء لا يحظى برضا الله سبحانه أبداً ، ذلك أن الزواج يعني اتحاداً كاملاً بين الرجل والمرأة . . اتحاداً يصل حد الاندماج والانصهار في بوتقة واحدة . ولذا فإن إجراء أو عملا يفكك من هذا الاتحاد المقدس ويقضي عليه سوف يكون مبغوضاً ومؤلماً .
آثار الطلاق :
قد يبدو الطلاق في نظر الزوجين بابا للخلاص من الجحيم الذي صنعاه بأيديهم ، ولذا نراهما يتنفسان الصعداء عند افتراقهما ، ولكن هل يمكن أن تمضي الأمور بهذه السهولة ؟ هل يمكن للزوجين أن ينسيا كل تلك الذكريات واللحظات الجميلة التي عاشاها معاً والأماكن التي زاراها معاً ؟!
إن الحياة الزوجية ليست تجربة عادية . إنها تجربة شاملة يعيشها الإنسان بكل جوارحه ومشاعره .
وإضافة إلى كل ذلك فإن الطلاق لا يمكن اعتباره شأنا شخصياً كما هو الزواج الذي تم بمباركة وسعي العديد من الأصدقاء والأقرباء ، وإذن فإن الطلاق سوف يمسهم جميعاً ولا يمكن ضرب عواطف ومشاعر من يهمهم الأمر عرض الجدار .
إن الطلاق يضع المرء أمام المسؤولية وجهاً لوجه ، وعليه أن يقدم جواباً مقنعاً لأبنائه ، وهو الضحية الأولى لقرار كهذا .
ولا ننسى ـ أيضاً ـ أن الطلاق لا يضع خاتمة للمشاكل بل إنه في أغلب الأحيان بداية سيئة لمشاكل ومتاعب أكثر تعقيداً من ذي قبل .
حلّية الطلاق :(34/81)
بالرغم من التشديد الذي نلمسه في الشريعة الإسلامية بعدم الطلاق ، إلا أنها لم تحرّمه أبداً وأبقت الباب مفتوحاً إذا تعذرت الحلول وعجزت العلاجات ، ذلك أن الإسلام يمنح الاصالة لكرامة الإنسان امرأة كانت أو رجلاً ؛ وإذن فإن جميع تلك النواهي والتحذيرات تتوقف إذا تعلقت المسألة بالدين لأنه القيمة العليا في حياة الإنسان ، فإذا كان استمرار الزواج يعني انهياراً اخلاقياً وسقوطاً دينيّاً فإن الباب مفتوح للخلاص والنجاة ، وإذن فإن الطلاق يعني هنا نوعاً من العمليات الجراحية التي لا بد من إجرائها وبتر العضو الفاسد من أجل حماية الجسد من سراية المرض .
ومهما بلغ الزواج من قدسية فإنه لا يعني قدراً محتوماً لا يمكن لإنسان الخلاص منه ، فعندما يشعر المرء باستحالة الحياة الزوجية وأنه لسبب أو لآخر لا يمكنه الاستمرار في ذلك فإن الله سبحانه قد فتح الباب لمن يعيش مثل هكذا حالة أعلن أن ذلك لا يبرر للرجل أو المرأة انتهاج الأساليب الملتوية لحمل الطرف الآخر على طلب الطلاق ، فأما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .
وإذن فلا يسوغ للرجل أو المرأة أن يؤذي أحدهما الآخر أو محاربته أو التشهير به من أجل حمله على الطلاق . وفي مثل هكذا حالة على المرء أن يتحلى بالشجاعة والشهامة والإنسانية .
المرأة والطلاق :
إذا كانت حلاوة الزواج قابلة للوصف فإن مرارة الطلاق أمر لا يمكن إدراكه إلاّ من قبل أولئك الذين خاضوا تلك التجربة المرّة .
لقد أصبح الطلاق ظاهرة اجتماعية خطيرة تهدد أمن وسعادة المجتمعات اليوم ، ولذا نرى اهتماماً بمعالجة هذه المشكلة من كافّة المستويات ، فالدول والحكومات تسعى من أجل وضع حدّ لتنامي هذه الظاهرة لما لها من الآثار السيئة في البناء الاجتماعي ، ذلك أن الأسرة هي حجر الأساس في هذا البناء وعليها تتوقف متانته واستقامته .
فالطلاق هو بداية الانحراف والسقوط في الهاوية المخيفة ، حيث الفساد الأخلاقي والأمراض النفسية والضياع الشامل للإنسان .
وما أكثر أولئك الذين سقطوا وتاهوا في دروب الحياة فعاشوا الضياع وبقوا على هامش الحياة إلى أن لفظتهم كما يلفظ البحر الجثث الهامدة .
وإذا كان الجميع خاسرين في الطلاق فإن المرأة تعتبر الخاسر الأكبر ذلك أنها أكثر عاطفة ، فهي مرهفة الإحساس ، عميقة المشاعر ، تحتاج إلى من يمنحها الشعور بالأمن والسلام .
ولذا فإن على المرأة أن تكون أكثر وعياً لهذه المسألة وأن تكون أكثر صبراً ومقاومة وسعياً من أجل استمرار الحياة الزوجية بأي ثمن ، وعليها يتوقف أمن أطفالها وضمان تربيتهم تربية صالحة .
ـــــــــــــــــــ
حقوق المطلقة المالية
حقوق المطلقة:(34/82)
عقد الطلاق لا يقع صحيحاً إلا إذا وقع من الرجل في بدء طهر زوجته، أو في وقت حمل (مع كراهية ذلك) وأنه يجب على المرأة البقاء في منزل الزوجية مدة العدة، وقدمنا تفصيل العدة للحائض والحامل واليائسة، بقي أن نعرف أنه إذا انقضى وقت العدة وبقي الرجل على موقفه من العزم على الطلاق فإن الطلاق يعتبر نافذاً بانقضاء العدة وتصبح المرأة بعد ذلك حكمها حكم الأجنبية بالنسبة للرجل. ولكن ثم أمور معلقة وحقوق رتبها الشارع الحكيم على عقد الطلاق وهذه الحقوق تختلف باختلاف حال المرأة وإليك تفصيل ذلك:
أولاً: النفقة والسكنى مدة العدة:
وهذا في الحقيقة حق المرأة على زوجها لأنها ما زالت في عصمته، بل ما زالت زوجة له، ويجوز له أن يراجعها في أي وقت شاء، ثم هي ما زالت في بيته لا يجوز له إخراجها. ولذلك فالإنفاق على زوجته وأن يسكنها مدة العدة سواء كانت ثلاثة قروء (كما أسلفنا) أو ثلاثة أشهر أو مدة الحمل التي قد تطول أكثر من ذلك. فإذا انتهت العدة انتهى وجوب النفقة والسكنى.
ثانياً: متعة الطلاق:
فرض الله على الرجال هدية مناسبة لحالتهم المالية يجب على كل منهم أن يعطيها لزوجته إذا أمضى عقد طلاقه من زوجته. ولا تخفى الحكمة من إيجاب هذه الهدية وهو جبر خاطر الزوجة المطلقة، ورأب الصدع الحاصل بالطلاق، وإعطاء هذه الهدية دليل على أن الطلاق كان ضرورة وحلاً وحيداً.. بين رجل وامرأة أرادا أن يعيشا فما استطاعا لسبب ما، وليس نزوة عارضة.
أقول هدية الطلاق التي أوجبها الله على الرجال عند الطلاق جبراناً لخاطر زوجاتهم، ووصلاً نفسياً بعد أن انقطع حبل الحياة المشتركة تشريع إلهي يرشدنا الله تعالى إليه ليعلمنا كيف نتراحم ونتعاطف ونجتمع إذا اجتمعنا في ظل التراحم والتآلف والعدل والإحسان ونفترق إذا افترقنا في ظل العدل والإحسان كذلك.
وهذه المتعة (متعة الطلاق) كما أسلفت القول هدية واجبة أوجبها الله في آيتين من كتابه قال تعالى: {لا جناح عليكم إذا طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين}.
وفي هذه الآية يبيح الله لنا الطلاق من الزوجات ولو قبل الدخول بهن وكذلك ولو لم يكن قد سمينا مهراً معيناً، ويوجب علينا لهن متعة مناسبة جبراً لخاطرهن. وقد يقول قائل إن هذه المتعة ليست مطلقة وإنما هي للمطلقة قبل الدخول التي لم يفرض لها مهر فتكون المتعة المناسبة هذه في مقابل نصف المهر المسمى الذي تستحقه المرأة، لأن الله فرض للمطلقة التي لم يدخل بها وقد سمى (عين) الرجل لها مهراً معيناً.
أقول فرض الله لمثل هذه المرأة نصف المهر وجوباً كما قال تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} أي فلهن نصف ما فرضتم، أي ما اتفقتم عليه من مهر أقول قد يقول قائل إن متعة الطلاق المذكور في الآية السالفة هي في مقابل نصف المهر للمطلقة التي قد سمى لها مهر معين. والجواب على هذا الاعتراض من وجوه كثيرة لا يتسع لها المقام هنا، والصحيح إن(34/83)
شاء الله أن هذه المطلقة قبل الدخول التي لم يسم لها مهر أن لها نصف مهر مثيلاتها ولها كذلك المتعة، وكذلك التي سمى لها مهر فلها نصف المهر وجوباً، وكل المهر المسمى استحباباً ثم لها المتعة أيضاً جمعاً بين الآيات. وعلى كل حال لو خالف في هذه الآيات مخالف فإن هناك نصاً عاماً آخر يشمل كل مطلقة سواء قبل الدخول أو بعده، سمى المهر أو لم يسم وهو قوله تعالى: {وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين}.
وهذا يشمل كل مطلقة، ولا يجوز تخصيص هذا إلا بمخصص وليس هناك فيما أعلم مخصصاً في القرآن أو السنة يخصصه.
والشاهد من كل هذا الاستطراد هو أن نعلم علماً يقيناً أن متعة الطلاق (الهدية المناسبة) واجب وفرض فرضه الله تعالى بآية محكمة لكل مطلقة، وقد عرفنا الحكمة والغرض من هذه المتعة ولا يخفى ما فيها من ظلال نفسية وروحية جميلة تبلل الطلاق الذي هو مثار للفتنة، والخلاف والشقاق، وأقول الآن كم من المسلمين في زماننا امتثل هذا الأدب القرآني الواجب؟
بل كم من الجهلة والفسقة من يعمد إلى الزوجة المطلقة فيجردها مما أعطاها، ويهين كرامتها ويخرجها من بيته مهينة مكسورة الجناح ثم يتبجح بعد ذلك بأنه رجل وأن الله قال: {الرجال قوامون على النساء} فيجعل معنى الآية (الرجال ظالمون للنساء) وهذا تلاعب بكلام الله ووضع له في غير مواضعه!!.
ثالثا: إيفاد الحقوق:
من الحقوق المقررة في الشريعة أيضاً إعطاء المطلقة جميع حقوقها المالية المعلقة في ذمة الرجل سواء كانت مهراً لم يدفعه. أو وعوداً مالية لم يف لها أو هدايا أعطاها إياها وقت الزواج، ولا يجوز للزوج أن يسترد من زوجته المطلقة شيئاً من هذا أصلاً، ولا أن يجحد شيئاً مما وعد به أو التزم وهذا وإن كان من الأمور الفطرية التي جبل الله النفوس الطيبة عليها إلا أنه قد جاء في الشريعة أيضاً ما يوجب ذلك ليكون دليل القرآن مؤيداً لدليل الفطرة قال تعالى: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً، وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً} وفي هذه الآية من المعاني والأحكام والإيحاءات علوم كثيرة لا يتسع لها المقام والمهم الآن أن لا يجوز أن يأخذ الرجل من مطلقته شيئاً مما أعطاها (سواء كان مهراً أو غيره فاللفظ عام) ولو كان قنطاراً من ذهب ولو لم يمكث معها غير ساعة واحدة. أقول إن هذا الآن من اللي واللف والدوران وحجب الحقوق والجري في المحاكم واللهث وراء المحامين طلباً من الرجل في منع حقوق مطلقته ولهثاً من المرأة وراء حقها الضائع أو ما ليس بحق لها.ولا يعني كل ما أسلفت أن الرجل هو الذي يتأتى منه الظلم مطلقاً وأن المرأة لا مجال عندها للظلم والابتزاز، وكذلك لا يعني أن يكون الرجل وحده هو الكريم المعطاء وأن المرأة لا مجال عندها لتكون عزيزة النفس كريمة.
ـــــــــــــــــــ
حضانة الأولاد بعد الطلاق(34/84)
لمن الحضانة:
قدمنا أنه يترتب على عقد الطلاق آثار أهمها (متعة الطلاق) والنفقة والسكنى مدة العدة، وإنفاذ الحقوق المعلقة للزوجة تأتي إلى الأثر الرابع والأخير للطلاق وهو حضانة الأولاد..
مَنْ مِنَ الزوجين أحق بحضانة أولاده؟ وضمهم إليه، الرجل أو المرأة. ولبيان هذا الموضوع إليك الخطوات الآتية:
أولاً: إذا كانت المرأة حاملاً وقت الطلاق وجب على الرجل الإنفاق عليها حتى تضع. فإذا وضعت كانت المرأة بالخيار بين حضانة ولدها أو دفعه إلى أبيه.
وإذا تولت المرأة حضانة ولدها وجب على الرجل أن يكفلها وولدها وأن ينفق عليها النفقة المناسبة لحاله.
والرضاع الكامل يستغرق عامين.
وقد نص الله سبحانه وتعالى على ذلك بقوله: {والوالدات يرضعن أولادهن حملين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف
-لا تكلف نفس إلا وسعها
- لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده، وعلى الوارث مثل ذلك، فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما، وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف، واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير}.
وفي هذه الآية أوجب الله النفقة على الرجل لأنه هو المولود له، وأوجب نفقة زوجته المرضع على الوارثين إذا مات الرجل وزوجته حامل أو مرضع.
وأباح الله للرجل والمرأة أن ينفقا على إرضاع المولود من غير أمه إذا كان هذا برضاها..
وليس للرجل أن يجبر مطلقته على إرضاع ولده ولكن الله نهى المرأة أن تضار زوجها بذلك وخاصة إذا لم يجد مرضعة وحاضنة لابنه مثلاً، أو إذا كان الولد لا يهدأ ولا يسكن إلا لأمه التي ولدته،
ونهى الله الرجل أيضاً أن يضار زوجته بوليدها فيعتمد على حنانها الفطري ورحمتها بولدها فيمنعها حقها من النفقة أو ينزع الولد منها
- وليس له ذلك بالطبع وهذا معنى قوله تعالى: {لا تضار والدة بولدها، ولا مولود له بولده}.
ثانياً: إذا أتم الطفل عامين وانفصل عن أمه.. فهنا يأتي دور الحضانة والكفالة وقد شرع لنا الإسلام في ذلك أكمل الطرق وأكثرها تحقيقاً للعدل والرحمة والإحسان فجعل المرأة أحق بكفالة أولادها وضمهم إليها ما لم تتزوج بعد الطلاق، يدل على ذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (عمرو بن العاص) أن امرأة قالت:
يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أن ينزعه مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أنت أحق به ما لم تنكحي] (رواه الإمام أحمد والبيهقي والحاكم وصححه).(34/85)
ثالثاً: ولكن الأولاد إذا كانوا مميزين يستطيعون التفريق بين أهمية البقاء في كنف الأب أو الأم فإنه يجوز تخييرهم في ذلك فإذا أحبوا البقاء مع الأم بقوا وإن استحبوا العيش في كنف أبيه كان لهم ذلك.
وقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير غلاماً بين أبيه وأمه.
وفي رواية: أن امرأة جاءت فقالت: يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة (أي صار كبيراً ويافعاً يأتيهما بالماء من مكان بعيد) وقد نفعني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [استهما عليه] (أي اجعلا قرعة) فقال زوجها:
من يحاقني في ولدي؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيدك أيهما شئت] فأخذ بيد أمه فانطلقت به.
وهذا الحديث والذي قبله هما العماد في هذا الباب وخلاصتهما أن الأم أحق بولدها ما لم تتزوج وأحق برضاعته أيضاً، وأنه يجب التخيير إذا وصل الأولاد حد التمييز سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً وبهذا يراعي الإسلام مصلحة الأم أولاً لأنها أشد عناية ورحمة بولدها فطرة وخلقاً، ثم يراعي مصلحة الولد بعد التمييز لأنه يدرك بفطرته أيضاً وبإحساسه المكان الملائم لنشأته في كنف الأم أو كنف الأب.
وهذه نهاية العدل والمرحمة وذلك بدلاً من التقسيم التعسفي الذي لا يراعي الفطرة ولا الأولويات.
رابعاً: هذا وثمة أقوال كثيرة واختلافات للفقهاء في هذه المسألة أعرضنا عنها لمخالفتها أولاً الأدلة الصحيحة التي قدمناها ولأنها تنبني على الظن والاجتهاد وعدم الاعتماد على نص في المسألة وإنما عموميات فقط كالقول أن التخيير لا يجوز، أو الأم أحق بالأنثى من أولادها حتى تبلغ سن الزواج وتتزوج، وأن الذكر حتى يصل إلى البلوغ ويستغني بنفسه.
ـــــــــــــــــــ
متى يقع الحلف بالطلاق
قوله صلى الله عليه وسلم: من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله• فإن فيه إرشاد من دعاه أمر إلى الحلف أن لا يحلف إلا بالله• وبه ارتفع الإشكال في أن كل حلف بغير الله فهو معصية وليس بيمين•
قال الأستاذ علال الفاسي: وقد حدد حديث من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت، وآية الظهار، والإيلاءوأحكام النذر، مجموع الأيمان الشرعية• وكل من خرج عن ذلك أو أتى بصيغة غير معترف بها شرعاً فقد جاء بهراء لا أثر له في طلاق ولا غيره• وهو قول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
والقول الثالث: إن الحنث في اليمين بالطلاق لا يقع به طلاق وتلزم صاحبه كفارة اليمين وهو قول ابن تيمية، وابن القيم• واحتجا له بالقياس على الحلف بالعتق• ذلك أنه ثبت عن عدد من الصحابة أنهم أفتوا في الحلف بالعتق أنه لا يلزم الحالف به، ويجزيه كفارة يمين•(34/86)
ونفى ابن القيم أن يكون أُثر عن أحد منهم التصريح بالوقوع إلا فيما هو محتمل لإرادة الوقوع عند الشرط• ونسب ابن تيمية الإفتاء بهذا الحكم إلى ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وعائشة وأم سلمة وحفصة وزينب ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم•
ومنه أخذ ابن القيم أنه إذا كان العتق الذي هو أحب الأشياء إلى الله، ويسري في ملك الغير، وله من القوة وسرعة النفوذ ما ليس لغيره، ويحصل بالملك والفعل، قد منع قصد اليمين من وقوعه كما أفتى به الصحابة، فالطلاق أولى وأحرى بعدم الوقوع•
وإذا كانت اليمين قد دخلت (•••) في قول الحالف: (إن حلفت يمينا فعبدي حر)، فدخولها في قول النبي صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفِّر عن يمينه وليأت الذي هو خير(•••) فإن كانت يمين الطلاق يميناً شرعية اعتبرها، وجب أن تعطى حكم الأيمان، وإن لم تكن يميناً شرعية كانت باطلة في الشرع فلا يلزم الحالف بها شيء
ثانياً: سبب الاختلاف
يرجع سبب اختلاف الفقهاء في المسألة إلى اختلافهم في حكم صيغة الحلف بالطلاق، هل هي يمين كالحلف بالله أم لا؟ فمن عدها يميناً كما سمى الله من الأيمان، ألزم بها عند الحنث فيها، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في هذه المسألة•
ومن لم يرها يميناً لم يوقع الطلاق عند الحنث فيها، وهو قول ابن حزم، ومن عدّها في حكم اليمين قال: لا يقع بها طلاق وتلزم بها الكفارة وهو ابن تيمية وابن القيم•
ثالثاً: الترجيح
يبدو من خلال عرض آراء وأدلة الفقهاء في المسألة أن الرأي الراجح فيها هو قول ابن تيمية، وابن القيم: إن الحلف بالطلاق لا يقع به شيء وتجب فيه كفارة اليمين فإن الأدلة تقويه، ثم لأن القائل بوقوع الطلاق ليس معه من الحجة ما يقاوم قول من نفى وقوع الطلاق ويتأيد ترجيح قولهما بما يلي:
كون الإلزام باليمين بالطلاق بدعة محدثة في الأمة أحدثها الحجاج بن يوسف الثقفي، وهي التي يطلق عليها أيمان البيعة تتضمن اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق وصدقة المال والحج• فليس من الحق
ـ كما قال الأستاذ علال الفاسي أن يجري على مذهبه أو يعمل وفق مقصده• ثم إن الحالف بالطلاق يعظم في نفسه طلاق امرأته أكثر مما يعظم الله في نفسه، فيحلف على شيء يخبر به، أو على شيء يفعله أو لا يفعله أو يفعله غيره أو لا يفعله، بما يعظم في نفسه سلطانه من دون الله•
وبهذا يكون قد شرع لنفسه ما لم يشرع الله، لأن صيغة القسم التي يعتبرها الشرع هي التي بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: من كان حالفاً فليحلف بالله•
ولا يطعن في هذا الحكم إقرار الكفارة عند الحنث مع أن الحلف بالطلاق ليست من صيغ اليمين التي ورد بها الشرع، وذلك لأن من يحلف بالطلاق يقصد به ما يقصد باليمين فكانت فيه الكفارة إذا حنث فيه•(34/87)
وأيضاً لا يطعن فيه أنه ورد النهي عن الحلف بغير الله في قوله صلى الله عليه وسلم: من حلف بغير الله فقد أشرك، وقوله أيضاً: لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله ,لأن المنهي عنه في هذين الحديثين هو الحلف بالذوات فإن فيه إشراكاً بالله، بخلاف الحلف بالطلاق فإنه حلف بمعنى قائم في الذهن لا يتصور أن يعبد من دون الله ومن ثمَّ كان القول بعدم وقوعه•
ـ كون الشريعة الإسلامية وضعت طرقاً لمعالجة الخلافات التي تقع بين الزوجين، وأرشدت المسلمين إلى التدخل من أجل الصلح بينهما في قوله سبحانه: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما) النساء:35• وجعلت لحل عقدة الزوجية
ـ عندما لا تؤثر في حل نزاع الزوجين إرشادات النصح ـ ألفاظاً خاصة صريحة في الدلالة على الفرقة•
فهل يعقل أن تضرب كل هذه الوسائل عرض الحائط ويحكم بوقوع طلاق لمجرد نطق الزوج بألفاظ جرت عادة الناس أن يحسبوها أيماناً فيوقعون بها الطلاق مع أنه تلفظ بها لبيان صدقه في خبر، أو لتأكيد حاجته عند غيره، أو لترويج سلعة يبيعها؟•
هذا ما انتقده غير واحد من الفقهاء المعاصرين منهم الشيخ محمد عبده بقوله: نحن في زمان أَلِفَ رجال فيه الهذر بألفاظ الطلاق، فجعلوا عصم نسائهم كأنها لعب في أيديهم يتصرفون فيها كيف يشاؤون، ولا يرعون للشرع حرمة ولا للعشرة حقاً، فنرى الرجل منهم
يناقش آخر فيقول له: إن لم تفعل كذا فزوجتي طالق، فيخالفه فيقال وقع الطلاق وانفصمت العصمة بين الحالف وزوجته، وهي لا تعلم بشيء ما، ولا تبغض زوجها، ولا تود فراقه، بل ربما كان الفراق ضربة قاضية عليها•
وكذلك الرجل ربما كان يحب زوجته ويألم لفراقها، فإذا افترق منها بتلك الكلمة التي صدرت منه لا يقصد الانفصال من زوجته، وإنما يقصد إلزام شخص آخر بالعمل الذي كان يريده، كان الطلاق على غير نية.
وأوضح الشيخ محمود شلتوت أنه قد شذ قوم فشرعوا ما جرى الناس عليه من هذه الأيمان وقالوا: إن العرف جرى بها والأيمان مبنية على العرف•
وإذا صح هذا فقد فتحنا باسم العرف باب العودة إلى أيام الجاهلية التي كانت متعارفة بينهم (•••)•
ومرة أخرى لو فتحنا هذا الباب لضاع بالعرف كثير من أحكام الشريعة التي ثبتت بالأحاديث الصحيحة وانعقد عليها إجماع الصدر الأول• ومن هذا الأصل أيضاً كان الحلف بالطلاق
ـ كقول الرجل: على الطلاق أو يلزمني الطلاق ـ منكراً من القول لم يشرعه الله فلا يقع به الطلاق، ويكون الحلف به متجاوزاً حدود الله فيما تحل به عقدة الزواج وفيما يحلف بها.
ـ ثم إن الذي شرعه الله في باب الأيمان هو تخفيفها بالكفارة لا تثقيلها بالإلزام بها، وذلك في قوله سبحانه: (لايؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم(34/88)
الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة•
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) المائدة:89• فإن فيه بيان العلاج لمن حنث في يمينه•
وهو تخفيف من الله تعالى ورحمة منه عزَّ وجلَّ• ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر جواز ترك عمل يحلف المرء أن يقوم به إذا رأى غيره خيراً منه فقال صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفِّر عن يمينه وليأت الذي هو خير.
وأي شيء أضر بالمرء أكثر من إلزامه بطلاق زوجته إذا حنث وهو لا يقصده؟ مع أن العلاج عند الحنث هو الكفارة التي بيَّنها الله تعالى في كتابه؟•
ـ إن الحكم بلزوم الطلاق بأيمان الطلاق جعل الناس يقعون في مخالفات شرعية يعود ضررها عليهم وعلى المجتمع ككل باحتيالهم في نقضها بأنواع من الحيل يبتغون بها أن تعود المرأة إلى زوجها•
وقد ذكر ابن تيمية في فتاواه خمسة أنواع من المفاسد يقع فيها الناس بسبب إلزامهم بالطلاق عند الحنث ترمي بمجموعها إلى إبطال حكمة الشريعة من تشريع الطلاق وإبطال حقائق الأيمان المودعة في آيات الله تعالى•
ومن هذه الحيل مما لم يذكره ابن تيمية ما ورد في نوازل الديلمي: وسئل عمن حلف لزوجته بالأيمان اللازمة إن فعلت فعلاً ففعلته فماذا يلزمه؟
فأجاب: قال الإمام ابن زرب:من قال لزوجته: الأيمان لازمة إن دخلت دار فلان لا كنت زوجة، يطلقها طلاقاً خلعياً ويبرأ يمينه وله ردها بعد ذلك والله تعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
حقوق المطلقة فى الاحوال الشخصية العربية
للمرأة دور كبير ومؤثر في حياة الشعوب والتأثير على متخذ القرار في المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي، إلا أن دراسة حق المرأة في إنهاء عقد الزواج في قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية تبين الدور السلبي للمرأة العربية في المجال القانوني بسبب احتكار الرجل العربي للسلطة التشريعية وابتعاد المرأة من هذا المجال لأسباب اجتماعية أو علمية لان العلمية التشريعية تحتاج بالإضافة إلى النفوذ والسلطة إلى توافر التخصص العلمي القانوني وهو ما تفتقر إليه الكثير من النساء العربيات.
وللتأكيد على ذلك تناولت الدراسة الحقوق المترتبة للمرأة المطلقة في قوانين الأحوال الشخصية للدول العربية من خلال حقها في إنهاء عقد الزواج بواسطة القضاء أو بالتراضي والذي يعد من الحقوق الأساسية للمرأة ومصدرها الشريعة الإسلامية كما جاء في القرآن والسنة النبوية.
قسمت الدراسة إلى ثلاثة أقسام، خصص القسم الأول: للطلاق المقيد بالضوابط الشرعية والشكلية المنصوص عليها في قوانين الأحوال الشخصية العربية للحد من الطلاق بالإرادة المنفردة من جانب الرجل،(34/89)
موقف المشرع في هذه الدول من الحماية القانونية لحق المرأة في العيش في حياة زوجية مستقرة ووفق الضوابط الشرعية والشكلية للحد من الطلاق في المجتمع العربي.
ويبين القسم الثاني: الحقوق المترتبة للمرأة على إنهاء عقد الزواج من خلال التركيز على حق المرأة المطلقة في التعويض (المتعة) حيت يتضح التفاوت الكبير في موقف قوانين الأحوال الشخصية العربية من هذا الحق الشرعي والعمل على تقييده بشروط مجحفة للمرأة المطلقة مما أهدر حقها في التعويض في حالات الطلاق التعسفي.
وتناول القسم الثالث من الدراسة، حق الزوجة في طلب الفرقة بالقضاء أو من خلال طلاق الخلع، ورغم النص على حالات التفريق بحكم القضاء بشكل مفصل في قوانين الأحوال الشخصية العربية إلا أن مواقفها تباينت بالنسبة إلى بعض الأسباب التي يحق فيها للزوجة طلب التطليق ومن أهمها، التفريق لسوء المعاشرة أو التفريق للضرر، ويسري ذلك أيضاً على التفريق بسبب العيوب أو العلل التي تحول دون تحقيق الهدف من الزواج.
ومن دراسة قوانين الأحوال الشخصية في أثنى عشرة دولة عربية وموقفها من طلاق الخلع بحكم القضاء باعتباره من الحقوق الشرعية للمرأة، تبين الاختلاف البين حيال هذا الحق للزوجة حيث اشترطت غالبية القوانين توافر الرضا الصريح والمسبق للزوج قبل الحكم بها من القضاء في ثلاث دول عربية (الجزائر، ليبيا، ومصر)
مما يؤكد أن الطبيعة القانونية لطلاق الخلع غير محددة في هذه القوانين ولا بد من مراجعتها لإقرار حق الزوجة في طلاق الخلع الملزم كما أرادها الإسلام وطبقها الرسول عليه السلام في عصر الرسالة لتحقيق العدل والمساواة بين المرأة والرجل في الحقوق الشرعية وليس فقط في الواجبات كما يتضح من مواقف غالبية قوانين الأحوال الشخصية من حقوق المرأة المطلقة المترتبة على إنهاء عقد الزواج.
ـــــــــــــــــــ
حقوق المطلقة قبل الدخول
عقد قراني على احد أفراد عائلتي ولم يحدد لي مهرا معينا ثم حدث خلاف وتم الطلاق فهل لي حقوق مادية عنده؟ وما الحكم لو تم الطلاق بعد الدخول؟
يقول الدكتور محمد بكر اسماعيل الأستاذ بكلية اصول الدين بالجامعة الأزهرية: إن طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها ولم يكن قد قدر لها مهرا فلها عليه متعة.
وهذه المتعة عبارة عن شيء من المال يدفعه لها تطييبا لنفسها وتعويضا لها عما لحق بها من الأضرار المادية والمعنوية ومواساة لها في محنتها.
والمتعة تقدر بحسب حال الرجل من الفقر والغنى وهي واجبة عليه في مقابل نصف المهر، وذلك بمقتضى قوله تعالى:
“لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين” (البقرة: 236).(34/90)
وقيل إن المتعة ليست واجبة عليه ولكنها من المستحبات بدليل قوله تعالى: “حقا على المحسنين”.
والحق أنها واجبه في مقابل نصف المهر وفي مقابل دفع الضرر وبدليل قوله تعالى “حقا” والحق ما ثبت ووجب.
والمسلم يجب أن يكون محسنا متفضلا يعرف المعروف فيأتيه ولا يكون شحيحا بما لديه من مال، ولاسيما أن هذه المرأة لو قدّر لها مهر لوجب عليه أن يدفع لها نصفه معجلا عقب الطلاق مباشرة لقوله تعالى:
“وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وإن تعفوا اقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير” ( البقرة: 237).
ومن الخير والعرفان بالجميل أن يعفو الرجل عن المرأة فيعطيها المهر كله عاجله وآجله إن كان العدول من جهته، ومن الخير أن تتنازل للرجل عن المهر كله إن كان العدول من جهتها وتعطيه الشبكة وغيرها مما أخذته منه من الأشياء الموجودة على حالها.
وقد رغب الله كلا منهما في العفو عن صاحبه وذكرهما بما وقع بينهما من المعاملات الحسنة والمواقف المحمودة فقال: “وان تعفوا اقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم”.
وفي قوله تعالى: “إن الله بما تعملون بصير” تهديد ووعيد للظالم منهما فمن الواجب على كل منهما أن يبتعد عن الظلم ويقترب من التقوى وأجره ورزقه على الله،
قال تعالى: “ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب”، والله اعلم.
ـــــــــــــــــــ(34/91)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
الأحوال الشخصية
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(35/1)
تنظيم النسل : حكمه ومسوغاته
ما حكم تأجيل الخلفة حتى الانتهاء من المذاكرة والامتحانات ؟ ... السؤال
22/03/2006 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
فيقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: لا مانع من ذلك إذا اتفق عليه الزوجان، ولم يضر الزوجة،
وقد كان الصحابة يعزلون لأعذار وأسباب، ولم ينههم الرسول صلى الله ليه وسلم، كما جاء في الصحيح.
فلا ريب أن بقاء النوع الإنساني من أول أغراض الزواج أو هو أولها وبقاء النوع إنما يكون بدوام التناسل، وقد حبب الإسلام في كثرة النسل، وبارك الأولاد ذكورًا وإناثًا ولكنه رخص للمسلم في تنظيم النسل إذا دعت إلى ذلك دواع معقولة وضرورات معتبرة، وقد كانت الوسيلة الشائعة التي يلجأ إليها الناس لمنع النسل أو تقليله - في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - هي العزل (وهو قذف النطفة خارج الرحم عند الإحساس بنزولها) وقد كان الصحابة يفعلون ذلك في عهد النبوة والوحي كما رُوى في الصحيحين عن جابر "كنا نعزل في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقرآن ينزل" وفي صحيح مسلم قال: "كنا نعزل على عهد رسول الله فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم ينهنا ".
وجاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله . إن لي جارية وأنا أعزل عنها، وإني أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تحدث: أن العزل الموءودة الصغرى ! ! فقال عليه السلام: "كذبت اليهود، ولو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه" (رواه أصحاب السنن) . ومراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الزوج - مع العزل - قد تفلت منه قطرة تكون سببًا للحمل وهو لا يدري.
وفي مجلس عمر تذاكروا العزل فقال رجل: إنهم يزعمون أنه الموءودة الصغرى، فقال علي: لا تكون موءودة حتى تمر عليها الأطوار السبعة، حتى تكون سلالة من طين ثم تكون نطفة ثم علقة ثم عظامًا ثم تكسى لحمًا ثم تكون خلقًا آخر . فقال عمر: صدقت . . أطال الله بقاءك.
مسوغات لتنظيم النسل
ومن أول هذه الضرورات: الخشية على حياة الأم أو صحتها من الحمل أو الوضع، إذا عرف بتجربة أو إخبار طبيب ثقة . قال تعالى
(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة). (البقرة: 195).
وقال: (ولا تقتلوا أنفسكم، إن الله كان بكم رحيمًا). النساء (29).
ومنها الخشية في وقوع حرج دنيوي قد يفضي به إلى حرج في دينه فيقبل الحرام، ويرتكب المحظور من أجل الأولاد، قال تعالى:.
(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). (البقرة: 185)(35/2)
(ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج). (المائدة: 6)
ومن ذلك الخشية على الأولاد أن تسوء صحتهم أو تضطرب تربيتهم وفي صحيح مسلم عن أسامة بن زيد أن رجلاً جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله، إني أعزل عن امرأتي . فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لم تفعل ذلك" ؟ فقال الرجل: أشفق على ولدها - أو قال -: على أولادها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو كان ضارًا لضر فارس والروم". (أخرجه مسلم).
وكأنه عليه السلام رأى أن هذه الحالات الفردية لا تضر الأمة في مجموعها بدليل أنها لم تضر فارس والروم - وهما أقوى دول الأرض حينذاك.
ومن الضرورات المعتبرة شرعًا الخشية على الرضيع من حمل جديد ووليد جديد، وقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - الوطء في حالة الرضاع وطء الغيلة أو الغيل لما يترتب عليه من حمل يفسد اللبن ويضعف الولد، وإنما سماه غيلا أو غيلة، لأنه جناية خفية على الرضيع فأشبه القتل سرًا.
وكان - عليه الصلاة والسلام - يجتهد لأمته فيأمر بما يصلحها، وينهاها عما يضرها.
وكان من اجتهاد ه لأمته أن قال: "لا تقتلوا أولادكم سرًا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره" (رواه أبو داود) . ولكنه عليه السلام لم يؤكد النهي إلى درجة التحريم، ذلك لأنه نظر إلى الأمم القوية في عصره فوجدها تصنع هذا الصنيع ولا يضرهم - فالضرر غير مطرد - هذا مع خشيته العنت على الأزواج لو جزم بالنهي عن وطء المرضعات، ومدة الرضاع قد تمتد إلى حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة لذلك كله قال: "لقد هممت أن أنهي عن الغيلة ثم رأيت فارس والروم يفعلونه ولا يضر أولادهم شيئًا". (رواه مسلم (.
قال ابن القيم رحمه الله في بيان الصلة بين هذا الحديث والحديث السابق - لا تقتلوا أولادكم سرًا -: " أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحد الجانبين أنه - أي الغيل - يفعل في الوليد مثل ما يفعل من يصرع الفارس عن فرسه كأنه يدعثره ويصرعه، وذلك يوجب نوع أذى ولكنه ليس بقتل للولد وإهلاك له، وإن كان قد يترتب عليه نوع أذى للطفل، فأرشدهم إلى تركه ولكنه لم ينه عنه - أي نهي تحريم - ثم عزم على النهي سدا لذريعة الأذى الذي ينال الرضيع، فرأى أن سد هذه الذريعة لا يقاوم المفسدة التي تترتب على الإمساك عن وطء النساء مدة الرضاع، ولا سيما من الشباب وأرباب الشهوة التي لا يكسرها إلا مواقعة نسائهم، فرأى أن هذه المصلحة أرجح من مفسدة سد الذريعة. فنظر ورأى الأمتين - اللتين هما من أكثر الأمم وأشدها بأسًا - يفعلونه ولا يتقونه مع قوتهم وشدتهم فأمسك عن النهي عنه". ("مفتاح دار السعادة" لابن القيم ص 620 وانظر "زاد المعاد" جـ 4 ص 16 وما بعدها ط. صبيح).
وقد استحدث في عصرنا من الوسائل التي تمنع الحمل ما يحقق المصلحة التي هدف إليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهي حماية الرضيع من الضرر - مع تجنب المفسدة الأخرى - وهي الامتناع عن النساء مدة الرضاع وما في ذلك من مشقة.(35/3)
وعلى ضوء هذا نستطيع أن نقرر أن المدة المثلى في نظر الإسلام بين كل ولدين هي ثلاثون أو ثلاثة وثلاثون شهرًا لمن أراد أن يتم الرضاعة.
وقرر الإمام أحمد وغيره أن ذلك يباح إذا أذنت به الزوجة، لأن لها حقا في الولد، وحقا في الاستمتاع . وروي عن عمر أنه نهى عن العزل، إلا بإذن الزوجة . وهي لفتة بارعة من لفتات الإسلام إلى حق المرأة في عصر لم يكن يعترف لها فيه بحقوق.
هذا عن رأى الشيخ فى تنظيم النسل أما الجراحة التى تقطع النسل بالكلية فلم يجزها إلا إذا كانت هناك ضرورة قوية كالخوف على حياة الأم ولم تكن هناك وسيلة متاحة غير هذا
ويقول فضيلة الشيخ عبد الخالق حسن الشريف أحد الدعاة والعلماء في مصر
جعل الله سبحانه وتعالى من مقاصد الزواج الذرية حتى تستمر الحياة على الأرض، وحتى تشبع الفطرة الإنسانية، ولكن ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لمن أراد العَزْل أن يعزل، وأخبره أن قضاء الله نافد لا محالة، وعلى هذا أجاز بعض العلماء حدوث هذا الأمر بين الزوج والزوجة إذا اتفقا. ولكن لا يرضون أن يتم العزل وشبيهه "عدم الإنجاب" إذا لم ترضَ الزوجة لما فيه من منع حقها أو تأجيله في أن تكون أمًّا قائمة على رعاية الأولاد، وتحقيق ما تتمناه في فطرتها السليمة.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
تسلط المرأة على زوجها: الحكم والعلاج
الإخوة الأفاضل :
تكمن مشكلتي في زوجتي التي تريد أن أبقى معها دائمافي البيت لا أخرج، بل قد تجبرني أحيانا على الجلوس في البيت حتى وصل الأمر إلى حبسي، كما أنها قد تسبني وتتهمني بعدم الأخلاق ، والأخطر من هذا أنها تمتنع عن المعاشرة الزوجية ، فماحكم هذه المرأة ،وماذا أفعل معها ؟
... السؤال
18/03/2006 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
الأخ السائل :
جعل الله تعالى قوامة البيت للرجال ، وقرر هذا في كتابه ، فقال تعالى :"الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ".
ثم ذكر بعدها صفات لنساء المسلمين :"فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله "(35/4)
ففي مثل هذا الجو من الصلاح تكون قوامة الرجل بعطفه وحنانه على أسرته ، فإذا خرجت المرأة عن قوامة زوجها ، تأتي تكملة الآية :"واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ،فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا".
فلا يجوز للمرأة بحال أن تحبس زوجها ، أو تمنعه من الخروج من البيت،بل لا يجوز للرجل أن يمنع امرأته من الخروج من البيت في بعض الأحايين للحاجة الملحة ،وكل ما ورد في حق الرجل في خروج زوجته أن تستأذنه ، حتى تتم قوامته عليها ، وحتى يكون الخروج برضا بين الزوجين ، لأنه القيم عليها ، الحافظ لعرضها ،الحارس لشرفها .
ولكن عندما تنقلب الموازين ، فهذا أمر يكرهه الإسلام ،وقد كره الرسول صلى الله عليه وسلم المترجلة من النساء ، فالزوجة تأثم بمثل فعلها ، بل توجب غضب الله تعالى عليها بمثل هذا الفعل الذي يكاد يهدم البيت .
وقد تجنح كثير من النساء إلى أن يبقى زوجها معها في البيت ، ولا مانع من أن يمكث الرجل في بيته مع زوجته وقتا من اليوم ، فقد تكون المرأة وحدها ، وهي بحاجة إلى أنيس ، كما أن الرجل بحاجة إلى أنيس أيضا ، وإن كان الرجل يجد أنسه مع أصحابه وبعض معارفه، فأين أنس المرأة إن كانت تجلس وحدها وبمفردها في شقتها بين جدران أربع ، مع عدم وجود وسائل للتسلية المباحة ؟ ولكن لا يكون الجلوس جبرا وقسرا وقهرا .
وقد خلق الله تعالى الإنسان رجلا أو امرأة اجتماعيا بطبعه ، يحب أن يألف ويؤلف ،ويأنس ويؤنس ، ففي طلب زوجتك الجلوس معها في البيت حق لها ، ولكن لا يكون ذلك طول الوقت ، فيكون هناك نوع من الموازنة في الأمور .
وفي تقديري أن عدم وجود الألفة بين الزوجين هو الذي يسبب نفورك من البيت مع ما صنعته زوجتك ، وهي تشتكي وحشتها من الجلوس وحدها في شقتها ، فحاول أن تجد وسائل تحببك في وجودك مع زوجتك ، مع بعض الوسائل الأخرى التي تشغل زوجتك وقت خروجك، وهذه الوسطية التي قيل عنها :خير الأمور أواسطها ، وهي ميزة من ميزات هذا الدين الحنيف ، فلا إفراط ولا تفريط .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون مع أهله ، يداعبهن ويلاعبهن ،ويكون معهن في كثير من شئونهن ، وفي ذات الوقت كان يخرج مع أصحابه ويتدارس معهم شئون الدعوة إلى الله تعالى ،فوازن بين الأمور كلها .
ولكن كل هذا يكون في قوامة من الرجل ، وقيامه بواجبه تجاه بيته وأسرته .
أما عن سب وشتم الزوجة لك ،فهذا لا يجوز بحال من الأحوال، لا لك ، ولا لها ، فالمسلم عفيف اللسان ، يترفع عن فحش القول ،وقد قال الله تعالى :"وقولوا للناس حسنا "، فإن كان المسلم مطالب بالقول الحسن ،فإن المرأة يتوجب عليها القول الحسن لزوجها ،لأن هذا من أقل حقوق الرجل على زوجته ، وعفة اللسان من حسن العشرة ، وهي مطلوبة من المرأة كما هي من الرجل ،وقد جاء الخطاب للرجال بحسن العشرة في قوله تعالى :"وعاشروهن بالمعروف " ، لأن من المفترض أن المرأة تكون حريصة على إرضاء زوجها ، بما له من حق عليها ، فأعظم الناس(35/5)
حقا على المرأة زوجها ، فقد أخرج السيوطي بسند صحيح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أعظم الناس حقا على المرأة زوجها، وأعظم الناس حقا على الرجل أمه".
ومع خطأ الزوجة في حق زوجها ، فإن عليه أن يغفر لها ، فربما قالتها في ساعة غضب، وإن كان هذا لا ينفي عنها الخطأ والإثم عليها ، ولكن الإسلام حث على الصفح عن المخطئين في حقوقنا ، كما قال تعالى :"وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم" فالله تعالى يعلمنا أن الصفح عن الغير سبب في غفران الله تعالى لنا ، فمن عفا عن أخيه ، عفا الله عنه ، ومن سامح أخاه ،سامحه الله ، فلتسامح زوجتك عن خطأها في حقك ،ولا تجمع عليها غضب الله ثم غضبك.
والرجل عادة ما يكون قادرا على تشخيص حالة زوجته ، وهو يعرف ما الذي يغضبها ، وما الذي يسعدها ، وما هي مفاتيحها التي يدخل إلى قلبها من خلالها ، فاجلس مع زوجتك في ساعة صفاء وود بينكما، واعرف منها ما الذي أوصلها إلى هذه الحالة ، وحاول أن تعالجها بشيء من الحكمة مع الاستعانة بالله تعالى.
ولكن أخطر ما في الموضوع هو امتناع المرأة عن فراش زوجها ، ونومها في حجرة أخرى ، فإن هذا من أعظم الذنوب عند الله تعالى، والتي قد توجب غضب الله تعالى ولعنته عليها، فلا يجوز للمرأة الامتناع عن زوجها إلا أن يكون لها سبب يمنعها من ذلك كحيض ونفاس ، أو مرض لا تستطيع معه القيام بحق الزوجية ،وذلك أن امتناع المرأة عن زوجها قد يدفعه إلى النظر الحرام ، ومشاهدة الحرام ، بل قد ينشئ علاقات غير شرعية ،مما قد يؤدي إلى الوقوع في الزنى ،والعياذ بالله .
ومن هنا كان تشديد الإسلام في هذا الأمر على الزوجة ، لأن الرجل يطلع على ما لاتطلع عليه المرأة ، كما أن المرأة بطبعها وفية في الحب لزوجها ، وهي لا تنظر إلى غيره ، بخلاف بعض الرجال، فكان واجبا على المرأة ألا تهدم بيتها ،وألا تخسر زوجها ، بأن تعفه عن الحرام .
ومن هنا يفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه :" إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح".
وهذه اللعنة مشروطة بألا يكون هناك مانع يمنع المرأة من إعطاء الرجل حقه في المعاشرة الزوجية .
وعلى الزوج أن ينصح زوجته وأن يذكرها بالله تعالى ، وأن يسعى في كل محاولة للإصلاح الجاد بينه وبين زوجته ،فإن رأى من امرأته إصرارا على عصيانه ، ورفضها لإعطائه حقه ، فيجوز له طلاقها ، على أن يكون التفكير في الطلاق آخر دواء للعلاج والإصلاح.
وفي خطورة امتناع المرأة عن زوجها يقول الشيخ القرضاوي :
إنَّ العلاقة الجنسية بين الزوجين أمر له خطره وأثره في الحياة الزوجية . وقد يؤدي عدم الاهتمام بها، أو وضعها في غير موضعها إلى تكدير هذه الحياة، وإصابتها(35/6)
بالاضطراب والتعاسة . وقد يفضي تراكم الأخطاء فيها إلى تدمير الحياة الزوجية والإتيان عليها من القواعد.
وربما ظن بعض الناس أن الدين أهمل هذه الناحية برغم أهميتها . وربما توهم آخرون أن الدين أسمى وأظهر من أن يتدخل في هذه الناحية بالتربية والتوجيه، أو بالتشريع والتنظيم، بناء على نظرة بعض الأديان إلى الجنس " على أنه قذارة وهبوط حيواني ".
والواقع أنَّ الإسلام لم يغفل هذا الجانب الحساس من حياة الإنسان، وحياة الأسرة، وكان له في ذلك أوامره ونواهيه، سواء منها ما كان له طبيعة الوصايا الأخلاقية، أم كان له طبيعة القوانين الإلزامية.
1 - وأول ما قرره الإسلام في هذا الجانب هو الاعتراف بفطرية الدافع الجنسي وأصالته، وإدانة الاتجاهات المتطرفة التي تميل إلى مصادرته، أو اعتباره قذرًا وتلوثًا . ولهذا منع الذين أرادوا قطع الشهوة الجنسية نهائيًا بالاختصاء من أصحابه، وقال لآخرين أرادوا اعتزال النساء وترك الزواج: " أنا أعلَمُكم بالله وأخشاكم له، ولكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء . فمن رغب عن سنتي فليس مني ".
2 - كما قرَّر بعد الزواج حق كل من الزوجين في الاستجابة لهذا الدافع، ورغب في العمل الجنسي إلى حد اعتباره عبادة وقربة إلى الله تعالى، حيث جاء في الحديث الصحيح: " وفي بضع أحدكم (أي فرجه) صدقة . قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال: نعم . أليس إذا وضعها في حرام كان عليه وزر . كذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر، أتحتسبون الشر ولا تحتسبون الخير ؟ " . رواه مسلم.
ولكن الإسلام راعى أن الزوج بمقتضى الفطرة والعادة هو الطالب لهذه الناحية والمرأة هي المطلوبة . وأنه أشد شوقًا إليها، وأقل صبرًا عنها، على خلاف ما يشيع بعض الناس أن شهوة المرأة أقوى من الرجل، فقد أثبت الواقع خلاف ذلك .. وهو عين ما أثبته الشرع.
( أ ) ولهذا أوجب على الزوجة أن تستجيب للزوج إذا دعاها إلى فراشه، ولا تتخلف عنه كما في الحديث: " إذا دعا الرجل زوجته لحاجته، فلتأته وإن كانت على التنور ". (رواه الترمذي وحسنه).
( ب ) وحذرها أن ترفض طلبه بغير عذر، فيبيت وهو ساخط عليها، وقد يكون مفرطًا في شهوته وشبقه، فتدفعه دفعًا إلى سلوك منحرف أو التفكير فيه، أو القلق والتوتر على الأقل، " إذا دعا الرجل امرأته، فأبت أن تجيء، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح ". (متفق عليه).
وهذا كله ما لم يكن لديها عذر معتبر من مرض أو إرهاق، أو مانع شرعي، أو غير ذلك.
وعلى الزوج أن يراعي ذلك، فإن الله سبحانه - وهو خالق العباد ورازقهم وهاديهم - أسقط حقوقه عليهم إلى بدل أو إلى غير بدل، عند العذر، فعلى عباده أن يقتدوا به في ذلك.(35/7)
(جـ) وتتمة لذلك نهاها أن تتطوع بالصيام وهو حاضر إلا بإذنه، لأن حقه أولى بالرعاية من ثواب صيام النافلة، وفي الحديث المتفق عليه: " لا تصوم المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه " والمراد صوم التطوع بالاتفاق كما جاء في ذلك حديث آخر.
3- والإسلام حين راعى قوة الشهوة عند الرجل، لم ينس جانب المرأة، وحقها الفطري في الإشباع بوصفها أنثى . ولهذا قال لمن كان يصوم النهار ويقوم الليل من أصحابه مثل عبد الله بن عمرو: إن لبدنك عليك حقًا، وإن لأهلك (أي امرأتك) عليك حقًا . قال الإمام الغزالي: " ينبغي أن يأتيها في كل أربع ليال مرة، فهو أعدل، إذ عدد النساء أربع (أي الحد الأقصى الجائز) فجاز التأخير إلى هذا الحد . نعم ينبغي أن يزيد أو ينقص بحسب حاجتها في التحصين . فإن تحصينها واجب عليه ". (إحياء علوم الدين، جـ 2، ص 50 دار المعرفة - بيروت).انتهى
وعلى الزوج أن يبحث عن سبب امتناع المرأة عن مثل هذا الشيء ، فهو فطري ،والمرأة في حاجة إليه كما أن الرجل في حاجة إليه أيضا .
وفي تقديري:
أنَّ بحث المشكلة مع وجود الألفة والمودة والحرص على بقاء البيت ، والسعى لإرضاء النفوس من قبل الزوجين ، سبب قوي في طريق العلاج والحل لمثل هذه المشكلات ، مع الاستعانة بالله تعالى ، والإكثار من التقرب إليه بالطاعات والقربات، فهو سبحانه مفرج الكروب ، كاشف الهموم والغموم .
والله نسأل لكما التوفيق وحسن العشرة .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
المعتدة بين تقاليد البشر وتعاليم السماء
ما هي الأمور الواجبة على المرأة التي توفي عنها زوجها؟ ... السؤال
16/03/2006 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
الحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
فقد كانت المرأة تعامل معاملة قاسية في حال حياة زوجها، وتزداد هذه القسوة بعد وفاته فلما جاء الإسلام رفع عنها ما كانت تلقاه من ظلم وعنت، سواء من الأهل أم من قرابة الزوج، أم من المجتمع كله.
ولم يوجب عليها بعد الوفاة إلا ثلاثة أمور: الاعتداد، والإحداد ولزوم البيت.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
اختلفت الأمم من قديم في معاملة المرأة المتوفى عنها زوجها. حتى إن بعضهم رأى أن من وفاء المرأة لرجلها بعد موته، ألا تبقى بعده على قيد الحياة، فعمدوا إلى إحراق جثتها معه.(35/8)
وبعضهم لم يصل إلى هذا الحد. ولكن حرم عليها أن تفكر في رجل آخر بعد زوجها الأول، ومنعوها أن تنعم بحياة زوجية مرة أخرى، وإن كانت في عمر الزهر، وريعان الشباب، ولو لم تعش مع زوجها إلا يوما واحدا.
وكان للعرب في الجاهلية ضرب من التقاليد والأنظمة والشعائر الغريبة المتوارثة بينهم، في معاملة هذه المرأة المسكينة، تتمثل فيما يلي:
أولا:روى البخاري وأبو داود والنسائي عن ابن عباس قال:"كانوا إذا مات الرجل، كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها".
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال: كان أهل يثرب، إذا مات الرجل منهم في الجاهلية، ورث امرأته من يرث ماله، فكان يعضلها، حتى يتزوجها، أو يزوجها من أراد..
وفي هذه الحالات وأمثالها نزل قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها، ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ... الآية).
ثانيا:لم يكن لها نصيب في تركة زوجها، مهما خلف وراءه من ثروة وأموال، ومهما تكن حاجتها إلى النفقة والكفاية، "ولا عجب في ذلك مادامت هي شيئا يورث كالدابة والمتاع الذي يورث ولا يرث. وكانت نظرية العرب أن المرأة لا حق لها في الميراث، إذ لا يرث عندهم إلا من حمل السلاح، وذاد عن الحمى، وهم الرجال فقط، لا النساء ولا الصبيان.
ومما ذكره المفسرون هنا: قصة كبيشة بنت معن بن عاصم، توفى عنها أبو قيس بن الأسلت فجنح عليها ابنه، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، لا أنا ورثت زوجي، ولا أنا تركت فأتزوج! فأنزل الله الآية السابقة.
قال ابن كثير: فالآية تعم ما كان يفعله أهل الجاهلية، وكل ما كان فيه نوع من ذلك.
وقد ورث الإسلام الزوجة في جميع الأحوال، ما بين ربع التركة وثمنها (الربع إن لم يكن للزوج ذرية، والثمن إن كان له).
ثالثا:كانت المرأة العربية في الجاهلية، إذا مات عنها زوجها، تؤمر بأن تدخل مكانا رديئا، وتلبس شر ثيابها، ولا تمس طيبا، ولا تتزين بزينة مدة سنة كاملة. فإذا تمت السنة، أوجبت عليها التقاليد الجاهلية أن تقوم بعدة أعمال أو شعائر لا معنى لها، وإنما هي من ضلال الجاهلية وسخفها: من أخذ بعرة ورميها، إذا مر بها كلب، ومن ركوب دابة مثل حمار أو شاة!
إحداد المعتدة المتوفى عنها زوجها في الإسلام
فلما جاء الإسلام رفع عنها ما كانت تلقاه من ظلم وعنت، سواء من الأهل أم من قرابة الزوج، أم من المجتمع كله.
ولم يوجب عليها بعد الوفاة إلا ثلاثة أمور: الاعتداد، والإحداد ولزوم البيت.
والمراد بالاعتداد:أن تتربص بنفسها، ولا تتزوج مدة أربعة أشهر وعشرة أيام، إذا لم تكن حاملا، فإن كانت حاملا فعدتها وضع الحمل.
ويلاحظ أن مدة العدة هنا -في غير حالة الحمل- أطول قليلا من عدة المطلقة (وهي ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر). وذلك لأن الزوج يترك وراءه من مشاعر الأسى(35/9)
والحزن في نفس الزوجة، وفي أنفس أهله وأقربائه ما لا يتركه الطلاق. فلزم أن تطول المدة قليلا، حتى تخف حدة الحزن، وتبرد عواطف الأسى، ومظاهر الكآبة من قبل الزوجة، ومن قبل أهل المتوفى.
أما الحداد:فالمراد به أن تجتنب المعتدة مظاهر الزينة والإغراء، مثل الاكتحال واستعمال الأصباغ والمساحيق، التي تتجمل بها المرأة عادة لزوجها ومثل أنواع الطيب والعطور والحلي والثياب الزاهية والمغرية.
ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أم حبيبة وزينب بنت جحش أماّ المؤمنين رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث (أي ثلاث ليال) إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا".
وفي الصحيحين عن أم سلمة: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفى عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، أفتكتحل؟ فقال: لا ... كل ذلك يقول: لا، مرتين أو ثلاثا. ثم قال: إنما هي أربعة أشهر وعشرا. وقد كانت إحداكن في الجاهلية تمكث سنة".
وفيهما عن أم عطية: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحد امرأة فوق ثلاثة أيام، إلا على زوجها، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا، إلا ثوب عصب ولا تكتحل، ولا تمس طيبا، إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها، بنبذة من قسط أو ظفار".
والمراد بثوب العصب ما صبغ بالعصب، وهو نبت ينبت باليمن.
وروى أبو داود والنسائي عن أم سلمة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشقة، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل.."
وفي حديث آخر رواه أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: "لا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب. قالت: قلت: بأي شيء أمتشط؟ قال: بالشذر تغلفين به رأسك".
والأمر الثالث الذي يلزم المتوفى عنها زوجها:أن تلزم بيتها الذي مات زوجها وهي فيه، لا تغادره طوال أشهر العدة. كما روت فريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن زوجها خرج في طلب أعبد (عبيد) له، فقتلوه بطرف القدوم. فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي، فإن زوجي لم يتركني في مسكن أملكه ولا نفقة فقال: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله. فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا". ولأن بقاءها في بيتها أليق بحالة الحداد الواجبة عليها، وأسكن لأنفس أهل الزوج المتوفى، وأبعد عن الشبهات.
لكن يجوز لها أن تغادره لحاجة، مثل العلاج، أو شراء الأشياء اللازمة إذا لم يكن لها من يشتريها، أو الذهاب إلى عملها الملتزمة به، كالمدرسة والطبيبة والممرضة وغيرهن من النساء العاملات.
وإذا خرجت لحاجتها نهارا. فليس لها الخروج من منزلها ليلا. وقد جاء عن مجاهد قال: "استشهد رجال يوم أحد، فجاء نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن:(35/10)
يا رسول الله، إنا نستوحش بالليل، أفنبيت عند إحدانا، حتى إذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال: تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن، فإذا أردتن النوم، فلتؤب كل امرأة إلى بيتها".
ولأن الخروج ليلا مظنة للريبة والتهمة، فلم يجز إلا لضرورة. وليس لها الخروج للصلاة في المسجد، أو السفر لحج أو عمرة أو غير ذلك، لأن الحج لا يفوت والعدة تفوت لأنها موقوتة بزمن.
هذه هي الأمور الثلاثة المطلوبة من المعتدة الحادة. أما ما يطلب من الناس إزاءها، فهو أنها يحرم خطبتها مدة العدة تصريحا، ويجوز تعريضا وتلميحا. كما بين ذلك القرآن الكريم حين قال: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء، أو أكنتم في أنفسكم، علم الله أنكم ستذكرونهن، ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا، ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله، واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه، واعلموا أن الله غفور حليم).
وهذه الآية في النساء المتوفى عنهن أزواجهن، وقد رفعت الآية الجناح والحرج عند التعريض بخطبتهن، أي التلميح بذلك، مثل أن يقول: أنني في حاجة إلى الزواج، وأرغب في امرأة صالحة، ونحو ذلك، مما يفهمها أنه يريدها. كما رفعت الآية الجناح عن إكنان ذلك في النفس، لأن الإنسان لا يملك قلبه، وخواطر نفسه.
كل ما يمنع هو التصريح بالخطبة للمرأة، أو مواعدتها سرا، فذلك مما يثير الريبة، وينشر حولها الشائعات، أما أن يقول لها قولا معروفا فلا بأس.
وعندما يبلغ الكتاب أجله، وهذا كناية عن انقضاء العدة، أصبحت المرأة حرة في أن تتزوج من تشاء، وأن تخرج من البيت كما تشاء، وأن تلبس وتتزين بما تشاء، وأصبح لمن يريدها أن يخطبها صراحة لا كناية، وأن يعزم عقدة النكاح إن شاء. قال تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا، يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا. فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف، والله بما تعملون خبير).
ولا يطلب من المرأة بعد انقضاء العدة أي شيء تعلمه مما كانت تفعله في الجاهلية قديما. أو يعتقده بعض الناس حديثا.
وبهذا كله نعلم أن ما هو شائع عند جمهرة الناس في الخليج من معتقدات حول المعتدة مما أشار الأخ السائل إلى نماذج منه. لا أصل له في الشرع. فلها أن تكلم الناس ويكلموها بالمعروف، وأن يدخل عليها محارمها وغيرهم من الرجال الثقات، مادامت محتشمة وفي غير خلوة.
أما ما قيل من أنها لا تنظر في المرآة أو القمر، أو لا تلمس الملح بيدها، ولا التراب برجلها، وأنها تخرج عند انتهاء العدة لتذهب إلى البحر.
فكل ذلك مما لا أصل له في دين الله، ولم يقل به إمام، ولا مذهب، ولم يفعله أحد من السلف الصالح.
ولهذا نجد أكثر بلدان المسلمين لا يعرفون هذه العادات، بل لم يسمعوا بها ... وفي الحديث: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا، فهو رد" أي باطل مردود على من عمله. وبالله التوفيق.(35/11)
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
إثبات النسب بالبصمة الوراثية حق للمرأة لا للرجل
نرجو من فضيلتكم توضيح أحقية أحد الزوجين في اللجوء إلى استخدام البصمة الوراثية، وأيهما يقدم على الآخر عند طلب التحليل الوراثي: (الزوج أم الزوجة؟؟) وذلك عند وجود تنازع بين الزوجين في ثبوت نسب الولد، مع رجاء ذكر الأسباب والأسانيد الشرعية التي اعتمدتم عليها في مثل هذا القول، وهل هذا بناء على طلب من القضاء وبرضا الطرفين أم لا؟؟
... السؤال
07/04/2006 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
شرع الله تعالى حد القذف لمن يرمي غيره من الناس بالزنى، وشرع اللعان بين الزوجين إذا ما أراد الزوج نفي الولد أو اتهام الزوجة، ولم يكن معه شهود . والتحاكم للبصمة الوراثية جائز إذا كان الطلب من الزوجة، لأنه يحقق براءتها وطمأنينة الزوج ونسب الولد ، أما إن كان من الزوج فلا يجاب إليه إلاّ إن وافقت الزوجة لأنه يضيع حقها في الستر الذي يكون باللعان.
يقول الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي :
شرع الله حد القذف لمن رمى إنسانا بالزنى ـ رجلا كان أو امرأة ـ ولم يقم بينة على ذلك. والبينة أن يأتي بأربعة شهداء رأوا عملية الزنى وهي تحدث بأعينهم، دون تجسس منهم على الزاني ومن يزني بها.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {4} إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌرَّحِيمٌ {5} النور: 4 ،5.
ولكن القرآن استثنى من هذا الحكم: الأزواج الذين يرمون زوجاتهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم، فمن اتهم امرأته بالزنى، فقد جعل الله له بديلا عن الشهود الأربعة: أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. كما فصل القرآن ذلك في سورة النور. وبهذا يسقط عنه حد القذف.
قال تعالى: " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ {6} وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ {7} وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ {8} وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ {9}النور: 6-9
وهذا اللعان مشروع فيما إذا اتهم الزوج زوجته بالزنى أو اتهمها بنفي الولد منها.(35/12)
وفائدة اللعان: أن يفترق الزوجان، وينسب الولد إلى أمه، وقد ستر على المرأة، فلم يعرف إن كانت هي الكاذبة أو هو الكاذب، ولم يعرف إن كان الولد ابنه حقيقة أو لم يكن ابنه. وفي هذا من المصلحة ما فيه.
وبعد أن ظهرت (البصمة الوراثية) وأصبح ممكنا معها تحليل الدم، ومعرفة الولد إن كان من صلب هذا الرجل أو لم يكن من صلبه.
وقد اتفق العلماء على أن الزوج إذا طلب الاحتكام إلى البصمة الوراثية لم يستجب له، لأنه يفوت على المرأة ما يوفره لها اللعان من الستر عليها وعلى ولدها، وهذا الستر مقصود للشارع لما فيه من مصلحتها ومصلحة ولدها.
ولكن الذي اختلف فيه العلماء هو ما إذا طلبت المرأة المقذوفة: الاحتكام إلى البصمة الوراثية، هل تجاب إلى طلبها أو لا؟
أكثر العلماء قالوا: لا يجاب طلبها، ويكتفى باللعان؛ لأنه هو الذي شرعه الله لعلاج مثل هذه الحالة، فيوقف عنده، ويقتصر عليه، ولا نتعداه.
ولكن الذي أرجحه أن يستجاب للمرأة في هذا الطلب، على أساس أنها لا تفعل ذلك إلا إذا كانت مستيقنة من براءتها، وتطلب اللجوء إلى وسيلة علمية مقطوع بها، تدفع التهمة بها عنها، وتحفظ بها حقها، ولا تعتدي على حق إنسان آخر، فهي تطلب بالاحتكام إلى البصمة إثبات أمور ثلاثة في غاية الأهمية شرعا:
أولهما : براءة نفسها من التهمة المنسوبة إليها، وهي جازمة بأنها كاذبة، وهذا أمر يحرص عليه الشارع: ألا يتهم برئ بما ليس فيه.
وثانيهما : إثبات نسب ولدها من أبيه، وهذا حق للولد، والشارع يتشوف إلى إثبات الأنساب ما أمكن. وحفظ الأنساب من الضرورات الشرعية الخمس.
الثالث : إراحة نفس الزوج، وإزاحة الشك من قلبه، بعد أن يثبت له بالدليل العلمي القطعي: أن الولد الذي اتهمها بنفيه منه هو ابنه حقا. وبذلك يحل اليقين في نفسه محل الشك، والطمأنينة مكان الريبة.
وبهذا يستفيد الأطراف الثلاثة بهذا الإجراء: الزوجة والزوج والولد.
وأمر يحقق هذه المصالح كلها، وليس فيه ضرر لأحد، ولا مصادمة لنص: لا ترفضه الشريعة، بل هم يتفق مع مقاصدها.
وإذا طلبت الزوجة من القاضي الشرعي أو من المحكمة الشرعية: الاحتكام إلى البصمة الوراثية، فالواجب أن نستجيب لها، رعاية لحقها في إثبات براءتها، وحق ولدها في إثبات نسبه، وعملا على إراحة ضمير زوجها، وإزالة الشك عنه.أ.هـ
ويمكن مطالعة ما يلي :
استخدام البصمة الجينية لإثبات الحدود
البصمة الجينية واثبات النسب وحد الزنا
إثبات النسب ونفيه عن طريق البصمة الوراثية
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
زواج الزانيين ونسبة الولد للزاني(35/13)
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته أما بعد/ يشرفني أن أتقدم بسؤال هذا ، وهو كالتالي : ماحكم الشرع في رجل اقترن بامراة بطريقة غير شرعية فأنجب منها أولادا في الغربة ثم بعد ذلك تاب، هل يستطيع أن يتزوج تلك المرأة ويصبح الأولاد ذريته وينسبون إليه أم أن هذا حرام؟ ... السؤال
13/03/2006 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :-
بداية لابد أن ننصح هذا الرجل وهذه المرأة بالتوبة، فإن الزنا جريمة منكرة تستوجب التوبة والندم، والتصميم على عدم العود للمعصية، والضراعة إلى الله عز وجل ليغفر لهما زلاتهما فإنه سبحانه يحب التوابين، ويغفر الذنوب جميعا، ثم بعد توبتهما يكون زواجهما صحيحا بإجماع المسلمين .
أما زواجهما قبل التوبة ففيه خلاف، وأما نسبة هذا الولد الناتج عن الزنا منهما فجمهور الفقهاء يرى أنه لا ينسب للزاني، ولكنه ينسب لأمه فقط فيكون ولد زنا، وقد رجح جواز نسبته إلى الزاني أئمة من أهل التحقيق مثل شيخ الإسلام ابن تيمية ، والإمام ابن القيم ، ومن المعاصرين الدكتور القرضاوي ، وهو قول عملي له وجاهته وقوته، وعليه الفتوى، أي يجوز أن تنسبه إليك وإلى زوجتك.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في فتوى له سابقة :-
الزاني والزانية إذا تابا إلى الله تعالى، وأرادا أن يخرجا من الحرام إلى الحلال، ومن حياة التلوث إلى حياة الطهارة، وأرادا تغيير حياتهما من زنى محرم ليعيشا في الحلال، فزواجهما صحيح بالإجماع.
وجمهور الفقهاء لا يشترطون التوبة لصحة النكاح من الزانية، كما روي أن عمر رضي الله عنه ضرب رجلاً وامرأة في الزنى، وحرص على أن يجمع بينهما.
والحنابلة هم الذين اشترطوا التوبة، لقوله تعالى:{الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، وحرم ذلك على المؤمنين} النور: 3.
ويقول فضيلته أيضا في مسألة استلحاق الزاني ولده من الزنا:-
جاء عن عَدَد من فقهاء السلف: عروة بن الزبير، والحسن البصري، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم، أنهم أجازوا استلحاق ولد الزنى إذا لم يكن فراش، أي لم تكن المرأة متزوجة ـ بأن لم تتزوج قَطُّ، أو كانت مُطلَّقة، أو أرملة ـ وادَّعى مُدَّعٍ أن هذا ولده، جاز أن يُستلْحَق ولد الزنى، ورَجَّح هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
قال ابن القيم بعد أن ذكر حديث "الولد للفراش وللعاهر الحَجَر" قال:
(فإن قيل: فقد دل الحديث على حُكم استلحاق الولد، للفراش فما تقولون لو استلحق الزاني ولدًا لا فراش هناك يُعارِضه، هل يُلْحِقَه نَسبَه، ويُثبِت له أحكامَ النسبِ؟ قيل: هذه مسألة جليلة، اختلف أهل العلم فيها، فكان إسحاق بن راهويه يذهب إلى أن(35/14)
المولود من الزنى إذا لم يكن مولودًا على فراش يَدَّعيه صاحبه، وادَّعاه الزاني أُلحِقَ به، وأوَّلَ قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "الولد للفراش" على أنه حُكِم بذلك عند تنازُع الزاني وصاحب الفراش.
وهذا مذهب الحسن البصري رواه عنه إسحاق بإسناده في رجل زنى بامرأة فولدت ولدًا، فادَّعى ولدَها، فقال: يُجلَد ويَلزمه الولد، وهذا مذهب عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار ذكر عنهما أنهما قالا: أيَّما رجل أتى إلى غلام يَزعُم أنه ابن له، وأنه زنى بأمه، ولم يَدَّعِ ذلك الغلام أحد، فهو ابنه .
واحتج سليمان بأن عمر بن الخطاب كان يُليط أولاد الجاهلية بمن ادَّعاهم في الإسلام، وهذا المذهب كما تراه قوة ووضوحًا، وليس مع الجمهور أكثر من "الولد للفراش" وصاحب هذا المذهب أول قائل به، والقياس الصحيح يقتضيه؛ فإن الأب أحد الزانيين، وهو إذا كان يُلحَق بأمه، ويُنسَب إليها وتَرِثه ويَرِثها، ويَثبُت النسب بينه وبين أقارب أمة مع كونها زَنَتْ به، وقد وُجِد الولد من ماء الزانيين، وقد اشتركا فيه، واتَّفَقا على أنه ابنها، فما المانع مِن لُحوقه بالأب إذا لم يَدَّعِه غيره؟ فهذا مَحْضُ القياس .
وقد قال جريج للغلام الذي زَنَتْ أمه بالراعي: من أبوك يا غلام؟ قال فلان الراعي، وهذا إنطاق من الله لا يُمكن فيه الكذب"
فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: "... وكان جريج رجلاً عابدًا فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتتْه أمه وهو يُصلي فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفتْ، فلما كان من الغَدِ أتتْه وهو يُصلي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تُمِتْه حتى يَنظر إلى وجوه المُومِسات، فتذاكر بنو إسرائيل جريجًا وعبادته، وكانت امرأةٌ بَغِيّ يُتَمثَّل بحُسنها، فقالت: إن شئتم لأفْتِنَنَّه لكم، قال: فتعرضتْ له فلم يلتفتْ إليها، فأتتْ راعيًا كان يَأويْ إلى صومعتِه فأمكنتْه من نفسها، فوقَعَ عليها، فحملتْ، فلما ولدتْ قالت: هو مِن جريج.
فأتوه فاستنزلوه وهدمُوا صومعتَه وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟! قالوا: زنيتَ بهذه البغي فولدتْ منك! فقال: أين الصبي؟ فجاؤوا به. فقال: دعوني حتى أصلي، فصلَّى، فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه ـ وفي رواية: أنه مَسَحَه على رأسه ـ وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي، قال: فأقبلوا على جريج يُقبِّلونه ويَتَمسَّحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذَهَب، قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا ".
فابن القيم يستدل بهذا على أنه قال: مَنْ أبوك؟ قال فلان الراعي، وطبعًا الذي أنطقه هو الله، لأنه نطق خارق للعادة، كرامة من الله لهذا الرجل الصالح، فلا يمكن الكذب فيه، فنَسَبَه إلى هذا الأب، والأصل أنَّ شَرْع من قبلنا شَرْعٌ لنا ما لم يُخالِف شرعَنا ـ على رأي جمهور الأصوليين (ذهب إلى هذا أكثر الحنفية، وأكثر المالكية، وأكثر الشافعية، وهو الذي صار إليه الفقهاء، كما نقل ذلك الشوكاني في "إرشاد الفحول: 2/ 257 ـ 258 بتحقيق د. شعبان محمد إسماعيل) .(35/15)
فهنا استدل ابن القيم ـ ومِن قَبلِه ابن تيمية (انظر: الاختيارات العلمية لابن تيمية: ص 165، ضمن المجلد الخامس من الفتاوى الكبري، ط. فرج الله الكردي) ـ بهذا الحديث على أنه إذا استلحق ولدَه من الزنى ولا فراش، لَحِقَه، وهذا مذكور في كتب الحنابلة المتأخرين مثل (الفروع) (انظر كتاب "الفروع" لأبي عبد الله شمس الدين بن مفلح: ج5 ص 526، ط2، 1383هـ ـ 1963م. وكذلك كتاب "المبدع في شرح المقنع" لأبي إسحاق برهان الدين بن مفلح: ج8 ص106، ط المكتب الإسلامي) وغيره .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
استخدام البصمة الجينية لإثبات الحدود
هل هناك فرق بين استخدام البصمات الجينية في إثبات قضايا الجنايات، واستخدامها في قضايا الحدود؟ ... السؤال
13/03/2006 ... التاريخ
أ .د محمد رأفت عثمان ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
تبعا للمقصود بالجنايات؛ بمعنى إذا قصدنا بها القتل وعقوبته القصاص، فيأخذ حكم الحدود؛ لأن القصاص يعتبره العلماء –من ناحية الإثبات والاحتياط فيه- داخلاً في حكم الحدود والاحتياط في إثباتها، ومعنى هذا أنه كما أن القاعدة الشرعية هي درء الحدود بالشبهات، فيدرأ القصاص أيضا بالشبهات.
وهنا البصمة الوراثية يمكن أن تدخل في مجال الشبهات؛ لأنها يمكن أن يحدث الخطأ فيها -مهما قال العلماء عنها-؛ وما دام الخطأ متصورا فتكون داخلة في مجال الشبهات، والحدود والقصاص يدرآن بالشبهات.
وعلى هذا فلا يؤخذ بالبصمة الجينية في مجال إثبات الحدود والجنايات، وإنما يمكن أن تكون قرينة قوية تقوّي الأدلة الأخرى.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
البصمة الجينية واثبات النسب وحد الزنا
هل يمكن استعمال البصمات الجينية في إثبات أو نفي نسب أحد الأشخاص مات أبوه وهو معترف بنسبه؟ وهل يمكن استخدام مثل هذه الأبحاث في الحدود مثل إثبات حد الزنا في وغيره؟ ... السؤال
13/03/2006 ... التاريخ
أ .د محمد رأفت عثمان ... المفتي
... ... الحل ...
...(35/16)
...
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إذا تم الإقرار بالنسب فلا يجوز نفيه، فما دام الرجل المتوفى قد اعترف، وأقر ببنوة إنسان ما، فلا يجوز له شرعًا في حياته أن ينفيه، ومن باب أولى لا يجوز لأحد الورثة، سواء كان ابنًا للمتوفى ـ أي أخًا للمقر بنسبه ـ أم غيره من بقية الورثة والأقارب؛ لأن الإسلام يحتاط في إثبات النسب لمصلحة الإنسان؛ فضياع النسب من أكبر ما يصيب الفرد طوال حياته، سواء كان ذكرًا أم أنثى؛ ولهذا فإن النسب يَثبت بكل أدلة الإثبات حتى بالقرائن.
أما الحدود –أي العقوبات المقدرة شرعاً لبعض الجرائم التي تؤثر تأثيرًا شديدًا في أمن المجتمع واستقامته- فهي عقوبات لا يجوز تغيرها ولا يجوز الزيادة عليها، ويحتاط فيها ما لا يحتاط في غيرها؛ لأنها عقوبات شديدة جدًا؛ ولهذا كان من خصائصها أنها تسقط بالشبهات.
بمعنى: أن القاضي إذا شك أو لم يستقر في وجدانه أن المتهم قد ارتكب هذه الجريمة فعلاً كالزنا أو السرقة، أو قطع الطريق أو شرب الخمر، فلا يجوز له أن يحكم بالعقوبة المقدرة شرعًا للجريمة، وهي ما تسمى بالحد.
ويستدل العلماء على هذا بحديث نُسب إلى رسول الله: "ادرءوا الحدود بالشبهات"، لكن الواقع –كما حقق بعض العلماء- أن هذه قاعدة شرعية، يكاد يجمع من العلماء عليها، لكنها ليست حديثا مرفوعًا إلى رسول الله، وإنما هي حديث موقوف على بعض الصحابة .
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
إثبات النسب ونفيه عن طريق البصمة الوراثية
ما حكم إثبات النسب عن طريق البصمة الوراثية ؟ ... السؤال
08/05/2006 ... التاريخ
المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:-
البصمة الوراثية "(DNA)": هي المادة الوراثية الموجودة في خلايا جميع الكائنات الحية، وهي التي تجعل كل إنسان مختلفا عن غيره ، وهو ما يعرف بالحمض النووي.
ونظرا لأهمية الموضوع فقد تم عرضه على المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وقد تم إرجاء اتخاذ قرار بشأن هذا الموضوع في الدورة الخامسة عشرة من دورات المجمع للحاجة إلى مزيد من البحث والدراسة الطبية والشرعية، ثم صدر القرار في الدورة السادسة عشرة، وخلاصته أنه لا يجوز للزوج أن يعتمد على البصمة الوراثية لنفي نسب من تلده زوجته ، وإنما(35/17)
طريق ذلك اللعان بشروطه الشرعية، ولا يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية بدعوى الاستيثاق من صحة من ثبت نسبهم شرعا.
ولكن لا بأس بالاعتماد على البصمة الوراثية في حالات التنازع على مجهول النسب ، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه.
وكذلك في حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات، ومراكز رعاية الأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.
وكذلك في حالات ضياع الأطفال واختلاطهم، بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب، وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين.
وإليك نص قرار المجمع في ذلك :-
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في المدة من 21- 26/10/1422هـ الذي يوافقه من 5-10/1/2002م، وبعد النظر إلى التعريف الذي سبق للمجمع اعتماده في دورته الخامسة عشرة، ونصه: (البصمة الوراثية هي البِنْيَةُ الجينية (نسبة إلى الجينات، أي المورثات)، التي تدل على هوية كل إنسان بعينه. وأفادت البحوث والدراسات العلمية أنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة، لتسهيل مهمة الطب الشرعي، ويمكن أخذها من أي خلية (بشرية) من الدم، أو اللعاب، أو المني، أو البول، أو غيره). وبعد الاطلاع على ما اشتمل عليه تقرير اللجنة التي كلفها المجمع في الدورة الخامسة عشرة بإعداده من خلال إجراء دراسة ميدانية مستفيضة للبصمة الوراثية، والاطلاع على البحوث التي قدمت في الموضوع من الفقهاء، والأطباء، والخبراء، والاستماع إلى المناقشات التي دارت حوله، تبين من ذلك كله أن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين، أو نفيهم عنهما، وفي إسناد العينة (من الدم أو المني أو اللعاب) التي توجد في مسرح الحادث إلى صاحبها، فهي أقوى بكثير من القيافة العادية ( التي هي إثبات النسب بوجود الشبه الجسماني بين الأصل والفرع)، وأن الخطأ في البصمة الوراثية ليس واردًا من حيث هي، وإنما الخطأ في الجهد البشري أو عوامل التلوث ونحو ذلك.
وبناء على ما سبق قرر ما يلي: -
أولاً: لا مانع شرعًا من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي، واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص؛ لخبر: "ادْرَؤوا الحُدُودَ بالشُّبُهاتِ". وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع، ويؤدي إلى نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة.
ثانيًا: إن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لابد أن يحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية، ولذلك لابد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية.(35/18)
ثالثًا: لا يجوز شرعًا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان.
رابعًا: لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة
الأنساب الثابتة شرعًا، ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة؛ لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصونًا لأنسابهم.
خامسًا: يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات التالية:
أ- حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه.
ب-حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات، ومراكز رعاية الأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.
ج- حالات ضياع الأطفال واختلاطهم، بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب، وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين.
سادسًا: لا يجوز بيع الجينوم البشري لجنس، أو لشعب، أو لفرد، لأي غرض، كما لا تجوز هبتها لأي جهة، لما يترتب على بيعها أو هبتها من مفاسد.
سابعًا:يوصي المجمع بما يلي:
أ- أن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء؛ وأن يكون في مختبرات للجهات المختصة، وأن تمنع القطاع الخاص الهادف للربح من مزاولة هذا الفحص، لما يترتب على ذلك من المخاطر الكبرى.
ب- تكوين لجنة خاصة بالبصمة الوراثية في كل دولة، يشترك فيها المتخصصون الشرعيون، والأطباء، والإداريون، وتكون مهمتها الإشراف على نتائج البصمة الوراثية، واعتماد نتائجها.
ج- أن توضع آلية دقيقة لمنع الانتحال والغش، ومنع التلوث وكل ما يتعلق بالجهد البشري في حقل مختبرات البصمة الوراثية، حتى تكون النتائج مطابقة للواقع، وأن يتم التأكد من دقة المختبرات، وأن يكون عدد المورثات (الجينات المستعملة للفحص) بالقدر الذي يراه المختصون ضروريًّا دفعًا للشك.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
طلاق الغضبان: بين المضيقين والموسعين
أنا رجل عصبي حاد المزاج، سريع الغضب، ولا حيلة لي في ذلك، فهذا أمر وراثي كما تعلم . وحدتي هذه تسبب لي مشكلات كثيرة، وخاصة في حياتي العائلية . فقد تغضبني زوجتي بكلمة أو تصرف، يؤدي إلى شجار، تكون نتيجته الطلاق . في حين أني لا أريد الطلاق ولا أفكر فيه، إن لم يكن ذلك من أجل زوجتي فمن أجل أولادي منها . ولكن في ساعة الغضب أذهل عن كل شيء، وأقول ما لم يكن في(35/19)
نيتي، وأتصرف تصرفات، قد يصفها بعض الناس بأنها جنونية . وقاتل الله سورة الغضب، فإنها هي السبب.
وقد حدث مني الطلاق مرتين على هذه الصورة، فأفتاني بعض أهل العلم بوقوع الطلاق في المرتين، ومراجعة الزوجة، وقد كان.
ومنذ أيام قامت مشادة بيننا مرة أخرى، انتهت بالطلاق أيضًا، وقيل لي في هذه المرة: أنها لا تحل لي إلا بمحلل، فهي الطلقة الثالثة . . . مع أنني حين تلفظت بالطلاق كنت أشبه بالمحموم من شدة الغضب، وكنت مستعدًا لأي شيء في تلك اللحظات، ولكن لما برد الغضب ندمت أشد الندم، فهل عندكم حل لمشكلتي هذه غير " المحلل " الذي ذكر لي ؟ وهل يسمح الشرع أن تُهد الحياة الزوجية وتتمزق أسرة كاملة، بكلمة عابرة تصدر من إنسان في حالة غير متزنة وبدون نية ولا ترتيب سابق ؟.
وأضيف إلى ما سبق أن قومًا من مخالطينا لهم أغراض سوء، أبلغوني عن امرأتي ما أثارني وأوغر صدري عليها، وأشعل هذه المشادة الأخيرة، ثم تبين لي سوء نيتهم، وبراءة امرأتي مما قالوه . ولو عرفت ذلك أولاً لما حدث ما حدث . . . ولكن هذا قدر الله.
أرجو أن أجد عندكم مخرجًا من هذه الورطة . والله يحفظكم ... السؤال
05/03/2006 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
اختلف الفقهاء قديما وحديثا حول مفهوم الغضب الذي لا يقع معه الطلاق بين التضييق والسعة، فالغضب المعتبر هو الذي يفقد الإنسان اتزانه في الكلام والتصرف، بحيث يقول ويفعل ما ليس من شأنه ولا من عادته في حال الهدوء والرضا، ومن علاماته أن يندم المرء بعد التلفظ بكلمة الطلاق، أما زواج التحليل فزواج محرم باتفاق الفقهاء.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
أما زواج " المحلل " الذي ذكره من ذكره للأخ السائل فهو حرام، ولا يجوز فعله، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لعن الله المحلل والمحلل له " (قال الترمذي: حديث صحيح) وفي حديث آخر أنه سماه " التيس المستعار ".
وقد اتفق على تحريمه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتابعوهم بإحسان . صح ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وغيرهم، حتى قال عمر: لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما !.
وقال عثمان، لا نكاح إلا نكاح رغبة، لا نكاح دلسة.
وقال ابن عباس: لا يزالان زانيين وإن مكثا عشرين سنة، إذا علم الله من قبله أنه يريد أن يحلها له.(35/20)
وقال بعضهم: كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحًا . ومن هنا لا يجوز لمسلم أن يلجأ إلى هذا الاحتيال الباطل على شرع الله . ليحل ما حرم الله.
وأما الطلاق في حالة الغضب، فقد اختلف الفقهاء في حكمه، وفقًا لاتجاهاتهم في التوسيع أو التضييق في إيقاع الطلاق.
وإذا كان الأمر خلافيًا وجب علينا أن ننظر في أدلة الفريقين، لنختار أرجحها وأقربها إلى تحقيق مقاصد الشريعة.
وقبل أن نبين الرأي المختار في طلاق الغضبان، يلزمنا أن نبين الغضب المختلف فيه بين المضيقين والموسعين.
يقول العلامة ابن القيم: الغضب ثلاثة أقسام:
أحدهما: أن يحصل للإنسان مبادئه وأوائله، بحيث لا يتغير عليه عقله ولا ذهنه، ويعلم ما يقول ويقصده . فهذا لا إشكال في وقوع طلاقه وعتقه وصحة عقوده، ولا سيما إذا وقع منه ذلك بعد تردد فكره.
القسم الثاني:
أن يبلغ الغضب نهايته، بحيث ينغلق عليه باب العلم والإرادة فلا يعلم ما يقول، ولا يريده . فهذا لا يتوجه خلاف في عدم وقوع طلاقه، كما تقدم . والغضب غول العقل، فإذا اغتال الغضب عقله، حتى لم يعلم ما يقول، فلا ريب أنه لا ينفذ شيئًا من أقواله في هذه الحالة، فإن أقوال المكلف إنما تنفذ مع علم القائل بصدورها منه، ومعناها، وإرادته للتكلم بها.
فالأول: يخرج النائم والمجنون والمبرسم والسكران، وهذا الغضبان.
والثاني: يخرج من تكلم باللفظ وهو لا يعلم معناه البتة، فإنه لا يلزم مقتضاه.
والثالث: يخرج من تكلم به مكرهًا، وإن كان عالمًا بمعناه.
القسم الثالث:
من توسط في الغضب بين المرتبتين، فتعدى مبادئه ولم ينته إلى آخره بحيث صار كالمجنون - فهذا موضع الخلاف ومحل النظر . والأدلة الشرعية تدل على عدم نفوذ طلاقه وعتقه وعقوده، التي يعتبر فيها الاختيار والرضا، وهو فرع من " الإغلاق " كما فسره به الأئمة. (إغاثة اللهفان ص 14).
1 - فالمضيقون في إيقاع الطلاق - ومنه طلاق الغضبان - يستندون إلى عدة أدلة.
( أ ) ما روته عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا طلاق ولا عتاق في إغلاق ". (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه على شرط مسلم.
وقد أخرجه الحاكم من طريقين عن عائشة وقال: صحيح على شرط مسلم . ورده الذهبي بأن فيه من إحدى طريقيه: محمد بن عبيد بن أبي صالح لم يحتج به مسلم، وضعفه أبو حاتم: ومن الأخرى نعيم بن حماد، صاحب مناكير . ا هـ.
أقول: أما محمد بن عبيد فقد ذكره ابن حبان في الثقات كما في التهذيب - فليس مجمعًا على تضعيفه، وبخاصة أن أبا حاتم لم يبين سبب ضعفه.
وأما نعيم بن حماد الخزاعي فقد أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة، وهو من الرجال الذين انتقدوا على البخاري، وقال الحافظ في مقدمة الفتح عنه: " مشهور من الحفاظ الكبار، لقيه البخاري، ولكنه لم يخرج عنه في الصحيح(35/21)
سوى موضع أو موضعين، وعلق له أشياء أخر . وروى له مسلم في المقدمة موضعًا واحدًا، وأصحاب السنن إلا النسائي . وكان أحمد يوثقه، وقال ابن معين: كان من أهل الصدق إلا أنه يتوهم الشيء فيخطيء فيه . وقال العجلي: ثقة وقال أبو حاتم: صدوق . وقال النسائي: ضعيف ونسبه أبو بشر الدولابي إلى الوضع . وتعقب ذلك ابن عدي بأن الدولابي كان متعصبًا عليه، لأنه كان شديدًا على أهل الرأي، وهذا هو الصواب، " ا هـ من هدى الساري جـ 2، ص 217 . وأخرجه البيهقي في السنن (جـ 7: 357) من طريق ثالثة عن عائشة، على خلاف ما ذكر ابن حجر في التلخيص.
وبهذا يظهر أن الحديث بطرقه لا ينزل عن درجة الصحة التي ادعاها الحاكم، وأقره عليها ابن القيم وغيره، فإن نزل عنها فليس إلى أقل من درجة الحسن المحتج به، وقد سكت عليه أبو داود، واحتج به البيهقي لمذهب الشافعي: أن طلاق المكره لا يقع على أساس تفسير الإغلاق بالإكراه وهو لا ينافي تفسيره بالغضب) . رواية أبي داود " في غلاق "، قال: أظنه الغضب.
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - يقول: هو الغضب وقال بعض أهل اللغة: الإغلاق وجهان، أحدهما، الإكراه، والآخر: ما دخل عليه مما ينغلق به رأيه عليه.
وهذا مقتضى تبويب البخاري فإنه قال في صحيحه: باب الطلاق في الإغلاق (الغضب) والكره (أي الإكراه)، والسكران والمجنون، ففرق بين الطلاق في الإغلاق وبين هذه الوجوه، مما يشير إلى أن الإغلاق عنده يعني الغضب.
قال الإمام ابن القيم: وهو قول غير واحد من أئمة اللغة.
( ب ) قال الله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم). (البقرة: 225).
روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس قال عن أجل أصحاب ابن عباس وهو طاووس قوله: " كل يمين حلف عليها رجل وهو غضبان فلا كفارة عليه " . واستدل بالآية.
قال ابن القيم:
وهذا أحد الأقوال في مذهب مالك: أن لغو اليمين في الغضب، وهذا اختيار أجل المالكية وأفضلهم على الإطلاق، وهو القاضي إسماعيل بن إسحاق . فإنه ذهب إلى أن الغضبان لا تنعقد يمينه . ا هـ.
(جـ) ما حكاه القرآن من قصة موسى، لما رجع إلى قومه عضبان أسفًا، (وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه، يجره إليه . . .) (سورة الأعراف: 150) . الآية.
ووجه الاستدلال بالآية: أن موسى لم يكن ليلقى إلى الأرض ألواحًا كتبها الله كما أنه قسا على أخيه وهو نبي رسول مثله وإنما حمله على ذلك الغضب، فعذره الله تعالى به، ولم يعتب عليه بما فعل، إذ كان مصدره الغضب الخارج عن سلطان قدرته واختياره.
( د ) يوضح ذلك الآية الكريمة الأخرى في نفس السورة (ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح) (الأعراف: 154) . فعبر بـ " سكت " تنزيلاً للغضب منزلة(35/22)
السلطان الآمر الناهي، الذي يقول لصاحبه: افعل أو لا تفعل، فهو مستجيب لداعي الغضب المسلط عليه، فهو أولى بأن يعذر من المكره.
(هـ) قال تعالى: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم) (يونس: 11) . جاء عن مجاهد في تفسير الآية: هو قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليهم: " اللهم لا تبارك فيه والعنه " فلو يعجل لهم الاستجابة في ذلك، كما يستجاب في الخير لأهلكهم . قال ابن القيم: فانتهض الغضب مانعًا من انعقاد سبب الدعاء، الذي تأثيره في الإجابة أسرع من تأثير الأسباب في أحكامها، لأن الغضبان لم يقصده بقلبه.
( و ) إن الغضب يحول بين الإنسان وبين سلامة التفكير، وصحة الإدراك ويشوش عليه معرفة الأمور، وحكمه على الأشياء، ولهذا جاء في الحديث الصحيح " لا يقضي القاضي وهو غضبان " . والطلاق حكم من الرجل يصدره على المرأة فلا يجوز أن يصدر منه وهو غضبان وإذا صدر ينبغي أن يلغي اعتباره حماية للمرأة وللأسرة.
( ز ) إن معظم الأدلة التي اعتمدنا عليها في عدم إيقاع طلاق السكران، تنطبق على حالة الغضبان، بل قد يكون الأخير أسوأ حالاً من الأول، لأن السكران لا يقتل نفسه، ولا يلقي ولده من علو، والغضبان قد يفعل ذلك.
إن قاعدة الشريعة: أن العوارض النفسية لها تأثير في القول إهدارًا واعتبارًا وإعمالاً وإلغاء . وهذا كعارض النسيان والخطأ والإكراه والسكر والجنون والخوف والحزن والغفلة والذهول . ولهذا يحتمل من الواحد من هؤلاء من القول ما لا يحتمل من غيره، ويعذر بما لا يعذر به غيره، لعدم تجرد القصد والإرادة، ووجود الحامل على القول.
ولهذا كان الصحابة يسأل أحدهم الناذر: أفي رضا قلت أم غضب ؟ فإن كان في غضب، أمره بكفارة يمين، لأنهم استدلوا بالغضب على أن مقصوده الحض والمنع كالحلف، لا التقرب .. وجعل الله سبحانه الغضب مانعًا من إصابة الداعي على نفسه وأهله .. وجعل سبحانه الإكراه مانعًا من كفر المتكلم بكلمة الكفر .. وجعل الخطأ والنسيان مانعًا من المؤاخذة بالقول والفعل.
وعارض الغضب قد يكون أقوى من هذه العوارض، فإذا كان الواحد من هؤلاء لا يترتب على كلامه مقتضاه لعدم القصد، فالغضبان الذي لم يقصد ذلك إن لم يكن أولى بالعذر منهم، لم يكن دونهم.
وإذا كنا قد رجحنا عدم وقوع الطلاق في حالة الغضب، لما ذكرنا من الشواهد والأدلة، فمن الواجب أن نعرف المقياس الذي نحدد به حالة الغضب التي لا يقع فيها الطلاق، من الحالات الأخرى . لأن ترك مثل هذا الأمر بلا ضوابط يؤدي إلى البلبلة والاضطراب.
وقد رأينا الإمام ابن القيم - ومن قبله شيخ الإسلام ابن تيمية - يميلان إلى جعل المقياس هو انعدام القصد والعلم . فمن فقد قصده إلى الطلاق وعلمه بما يقول فهو في حالة الإغلاق الذي لا يقع به الطلاق.(35/23)
ولكن علامة الحنفية الشيخ ابن عابدين في حاشيته المشهورة على " الدر المختار " بعد أن نقل كلام ابن القيم في تقسيم أحوال الغضب إلى ثلاثة، كما ذكره في رسالته في حكم طلاق الغضبان، ملخصًا من شرح الغاية في الفقه الحنبلي، " استظهر أنه لا يلزم في عدم وقوع طلاق الغضبان - وكذا المدهوش ونحوهما - أن يكون بحيث لا يعلم ما يقوله، بل يكتفي بغلبة الهذيان، وغلبة الخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته، واختلاط جده بهزله، فهذا هو مناط الحكم، الذي ينبغي التعويل عليه .
فمادام في حال غلبة الخلل في الأقوال والأفعال، لا تعتبر أقواله، وإن كان يعلمها ويريدها، لأن هذه المعرفة والإرادة غير معتبرة لعدم حصولها عن إدراك صحيح . كما لا يعتبر من الصبي العاقل ". (حاشية ابن عابدين، جـ 2، ص 587، ص. استانبول) . ا هـ.
وعندي أن ما ذكره ابن عابدين مقياس دقيق وضابط سليم . فالغضب المعتبر هو الذي يفقد الإنسان اتزانه في الكلام والتصرف، بحيث يقول ويفعل ما ليس من شأنه ولا من عادته في حال الهدوء والرضا.
ولنا أن نضيف علامة أخرى . نميز بها الغضب المستحكم من غيره، وقد نبه عليها ابن القيم في " الزاد " وهي أن يندم على ما فرط منه إذا زال الغضب، فندمه بمجرد زوال الغضب يدل على أنه لم يكن يقصد إلى الطلاق.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
هل للزوجة حقوق معنوية على زوجها؟
تزوجت رجلاً يكبرني بأكثر من عشرين عامًا، ولم أكن أعتبر فارق السن بيني وبينه حاجزًا يبعدني عنه، أو ينفرني منه، لو أنه أعطاني من وجهه ولسانه وقلبه ما ينسيني هذا الفارق، ولكنه - للأسف - حرمني من هذا كله: من الوجه البشوش، والكلام الحلو، والعاطفة الحية، التي تشعر المرأة بكيانها وأنوثتها، ومكانتها في قلب زوجها.
إنه لا يبخل علي بالنفقة ولا بالكسوة، كما أنه لا يؤذيني . ولكن ليس هذا كل ما تريده المرأة من رجلها . إني لا أرى نفسي بالنسبة إليه إلا مجرد طاهية طعام، أو معمل تفريخ للعيال، أو آلة للاستمتاع عندما يريد الاستمتاع . وهذا ما جعلني أمل وأسأم وأحس بالفراغ، وأضيق بنفسي وبحياتي . وخصوصًا عندما أنظر إلى نظيراتي وزميلاتي ممن يعشن مع أزواج يملئون عليهن الحياة بالحب والأنس والسعادة.
ولقد شكوت إليه مرة من هذه المعاملة، فقال: هل قصرت في حقك في شيء ؟ هل بخلت عليك بنفقة أو كساء ؟.
وهذا ما أريد أن أسأل عنه ليعرفه الأزواج والزوجات: هل المطالب المادية من الأكل والشرب واللبس والسكن هو كل ما على الزوج للزوجة شرعًا ؟ وهل الناحية النفسية لا قيمة لها في نظر الشريعة الإسلامية الغراء ؟.(35/24)
إنني بفطرتي وفي حدود ثقافتي المتواضعة لا أعتقد ذلك . لهذا أرجو أن توضحوا هذه الناحية في الحياة الزوجية، لما لها من أثر بالغ في سعادة الأسرة المسلمة واستقرارها.
والله يحفظكم. ... السؤال
19/02/2007 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن المطالب المادية من مأكل وملبس ومسكن واجبة على الزوج لزوجته، ولكنها وحدها لا تكفي، بل لا بد أن يراعي الحقوق المعنوية ، فقد أمر الله تعالى بحسن العشرة بين الزوجين، وجعل من آياته السكن بينهما ووجود المودة، وبين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن خير الناس خيرهم لأهله، وكان يحب أهله ويداعبهن ويمازحهن ويتحمل الأذى منهن، وكان يخص السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ بمزيد من المداعبة لصغر سنها وحاجتها على المداعبة ، فعلى الزوج أن يراعي مشاعر زوجته وعواطفها فيتبسم في وجهها ويداعبها ويمازحها.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
ما أدركته الأخت صاحبة السؤال بفطرتها السليمة، وثقافتها المتواضعة هو الصواب الذي جاءت به الشريعة الإسلامية الغراء.
فالشريعة أوجبت على الزوج أن يوفر لامرأته المطالب المادية من النفقة والكسوة والمسكن والعلاج ونحوها، بحسب حاله وحالها، أو كما قال القرآن " بالمعروف ".
ولكنها لم تغفل أبدًا الحاجات النفسية التي لا يكون الإنسان إنسانًا إلا بها . كما قال الشاعر قديمًا:
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
بل إن القرآن الكريم يذكر الزواج باعتباره آية من آيات الله في الكون ونعمة من نعمه تعالى على عباده . فيقول: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) . الروم 21
فتجد الآية الكريمة تجعل أهداف الحياة الزوجية أو مقوماتها هي السكون النفسي والمودة والرحمة بين الزوجين، فهي كلها مقومات نفسية، لا مادية ولا معنى للحياة الزوجية إذا تجردت من هذه المعاني وأصبحت مجرد أجسام متقاربة، وأرواح متباعدة.
ومن هنا يخطئ كثير من الأزواج - الطيبين في أنفسهم - حين يظنون أن كل ما عليهم لأزواجهم نفقة وكسوة ومبيت، ولا شيء وراء ذلك . ناسين أن المرأة كما تحتاج إلى الطعام والشراب واللباس وغيرها من مطالب الحياة المادية، تحتاج مثلها - بل أكثر منها - إلى الكلمة الطيبة، والبسمة المشرقة، واللمسة الحانية، والقبلة المؤنسة، والمعاملة الودودة، والمداعبة اللطيفة، التي تطيب بها النفس، ويذهب بها الهم، وتسعد بها الحياة.(35/25)
وقد ذكر الإمام الغزالي في حقوق الزوجية وآداب المعاشرة جملة منها لا تستقيم حياة الأسرة بدونها ، ومن هذه الآداب التي جاء بها القرآن والسنة:
حسن الخلق مع الزوجة، واحتمال الأذى منها . قال الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) وقال في تعظيم حقهن: (وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا) وقال: (والصاحب بالجنب) قيل: هي المرأة.
قال الغزالي: واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها، والحلم عند طيشها وغضبها . اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت أزواجه يراجعنه الكلام، وتهجره الواحدة منهن يومًا إلى الليل.
وكان يقول لعائشة: " إني لأعرف غضبك من رضاك ! قالت: وكيف تعرفه ؟ قال: إذا رضيت قلت: لا، وإله محمد، وإذا غضبت قلت: لا وإله إبراهيم.
قالت: صدقت، إنما أهجر اسمك ! ".
ومن هذه الآداب التي ذكرها الغزالي: أن يزيد على احتمال الأذى منها، بالمداعبة والمزح والملاعبة، فهي التي تطيب قلوب النساء . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح معهن، وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال والأخلاق ، حتى روى أنه كان يسابق عائشة في العدو.
وكان عمر رضي الله عنه - مع خشونته يقول: ينبغي أن يكون الرجل في أهله مثل الصبي، فإذا التمسوا ما عنده وجدوا رجلاً.
وفي تفسير الحديث المروي " إن الله يبغض الجعظري الجواظ " قيل: هو الشديد على أهله، المتكبر في نفسه . وهو أحد ما قيل في معنى قوله تعالى: (عتل) قيل: هو الفظ اللسان، الغليظ القلب على أهله.
والمثل الأعلى في ذلك كله هو النبي صلى الله عليه وسلم فرغم همومه الكبيرة، ومشاغله الجمة، في نشر الدعوة، وإقامة الدين، وتربية الجماعة، وتوطيد دعائم الدولة في الداخل، وحمايتها من الأعداء المتربصين في الخارج . فضلاً عن تعلقه بربه، وحرصه على دوام عبادته بالصيام والقيام والتلاوة والذكر، حتى أنه كان يصلي بالليل حتى تتورم قدماه من طول القيام، ويبكي حتى تبلل دموعه لحيته.
أقول: برغم هذا كله، لم يغفل حق زوجاته عليه، ولم ينسه الجانب الرباني فيه، الجانب الإنساني فيهن، من تغذية العواطف والمشاعر التي لا يغني عنها تغذية البطون، وكسوة الأبدان.
يقول الإمام ابن القيم في بيان هديه صلى الله عليه وسلم مع أزواجه:
" وكانت سيرته مع أزواجه: حسن المعاشرة، وحسن الخلق، وكان يسرب إلى عائشة بنات الأنصار يلعبن معها . وكانت إذا هويت شيئًا لا محذور فيه تابعها عليه ، وكانت إذا شربت من الإناء أخذه فوضع فمه موضع فمها وشرب وكان إذا تعرقت عرقًا - وهو العظم الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها.
" وكان يتكئ في حجرها، ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها . وربما كانت حائضًا . وكان يأمرها وهي حائض فتتزر (تلبس الإزار، لتكون المباشرة من فوق الثياب) . ثم يباشرها . وكان يقبلها وهو صائم.(35/26)
" وكان من لطفه وحسن خلقه أنه يمكنها من اللعب ويريها الحبشة، وهم يلعبون في مسجده، وهي متكئة على منكبيه تنظر وسابقها في السير على الأقدام مرتين، وتدافعًا في خروجهما من المنزل مرة ".
" وكان يقول: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ".
" وكان إذا صلى العصر دار على نسائه، فدنا منهن واستقرأ أحوالهن . فإذا جاء الليل انقلب إلى صاحبة النوبة خصها بالليل . وقالت عائشة: كان لا يفضل بعضنا على بعض في مكثه عندهن في القسم، وقل يوم إلا كان يطوف علينا جميعًا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ التي هو في نوبتها، فيبيت عندها ". (زاد المعاد، جـ1، ص78، 79، ط. السنة المحمدية).
وإذا تأملنا ما نقلناه هنا من هديه صلى الله عليه وسلم في معاملة نسائه، نجد أنه كان يهتم بهن جميعًا، ويسأل عنهن جميعًا، ويدنو منهن جميعًا ، ولكنه كان يخص عائشة بشيء زائد من الاهتمام، ولم يكن ذلك عبثًا ولا محاباة، بل رعاية لبكارتها، وحداثة سنها، فقد تزوجها بكرًا صغيرة لم تعرف رجلاً غيره عليه السلام .
وحاجة مثل هذه الفتاة ومطالبها من الرجل أكبر حتما من حاجة المرأة الثيب الكبيرة المجربة منه . ولا أعني بالحاجة هنا مجرد النفقة أو الكسوة أو حتى الصلة الجنسية ، بل حاجة النفس والمشاعر أهم وأعمق من ذلك كله .
ولا غرو أن رأينا النبي صلى الله عليه وسلم ينتبه إلى ذلك الجانب ويعطيه حقه، ولا يغفل عنه، في زحمة أعبائه الضخمة، نحو سياسة الدعوة، وتكوين الأمة، وإقامة الدولة . (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) . الممتحنة 6
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
من هدي الإسلام في العلاقة الجنسية بين الزوجين
أنا سأتزوج عما قريب وأريد أن أعرف ما حدود الاستمتاع بالزوجة حتى لا أقع فيما هو محظور شرعي، وجزاكم الله خيرا
... السؤال
03/06/2006 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لم يغفل القرآن الجانب الحسي والعلاقة الجسدية بين الزوج وزوجته، وهدى فيها إلى أقوم السبل التي تؤدي حق الفطرة والغريزة، وتتجنب -مع ذلك- الأذى والانحراف.
فقد روي أن اليهود والمجوس كانوا يبالغون في التباعد عن المرأة حال حيضها، والنصارى كانوا يجامعونهن، ولا يبالون بالحيض، وإن أهل الجاهلية كانوا إذا(35/27)
حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجالسوها على الفراش ولم يساكنوها في بيت كفعل اليهود والمجوس.
لهذا توجه بعض المسلمين بالسؤال إلى النبي صلى الله عليه وسلم عما يحل لهم وما يحرم عليهم في مخالطة الحائض فنزلت الآية الكريمة: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) سورة البقرة:222.
وقد فهم ناس من الأعراب أن معنى اعتزالهن في المحيض ألا يساكنوهن فبين النبي صلى الله عليه وسلم لهم المراد من الآية وقال: إنما أمرتكم أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن ولم آمركم بإخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم، فلما سمع اليهود ذلك قالوا: هذا الرجل يريد ألا يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه.
فلا بأس على المسلم إذا أن يستمتع بامرأته بعيدا عن موضع الأذى. وبهذا وقف الإسلام -كشأنه دائما- موقفا وسطا بين المتطرفين في مباعدة الحائض إلى حد الإخراج من البيت، والمتطرفين في المخالطة إلى حد الاتصال الحسي
وقد كشف الطب الحديث ما في إفرازات الحيض من مواد سامة تضر بالجسم إذا بقيت فيه، كما كشف سر الأمر باعتزال جماع النساء في الحيض. فإن الأعضاء التناسلية تكون في حالة احتقان، والأعصاب تكون في حالة اضطراب بسبب إفرازات الغدد الداخلية، فالاختلاط الجنسي يضرها، وربما منع نزول الحيض، كما يسبب كثيرا من الاضطراب العصبي.. وقد يكون سببا في التهاب الأعضاء التناسلية.
ولقد حدث في عصر الصحابة أن واحدا من الصحابة في ملاعبته ومداعبته لزوجته امتص ثديها ورضع منها أي جاءه شيء من الحليب ثم راح استفتى سيدنا أبا موسى الأشعري فقال له: حَرُمت عليك، ثم ذهب إلى عبد الله بن مسعود فقال له: لا شيء عليك، لا رضاعة إلا في الحولين، الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم "الرضاع في الحولين" الله تعالى يقول (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) يعني الرضاعة المحرِّمة لها سن معينة هي السن التي يتكون فيها الإنسان ينبت اللحم وينشذ العظم في السنتين الأوائل، بعد ذلك لا عبرة بالرضاعة، فقال أبو موسى الأشعري: لا تسألوني وهذا الحبر فيكم، فللرجل أن يرضع من زوجته، هذا من وسائل الاستمتاع المشروعة ولا حرج فيها.
وقد أجاز الفقهاء تقبيل الزوجة فرج زوجها ولو قبَّل الزوج فرج زوجته هذا لا حرج فيه، أما إذا كان القصد منه الإنزال فهذا الذي يمكن أن يكون فيه شيء من الكراهة، ولا أستطيع أن أقول الحرمة لأنه لا يوجد دليل على التحريم القاطع، فهذا ليس موضع قذر مثل الدبر، ولم يجئ فيه نص معين إنما هذا شيء يستقذره الإنسان، إذا كان الإنسان يستمتع عن طريق الفم فهو تصرف غير سوي، إنما لا نستطيع أن نحرمه خصوصاً إذا كان برضا المرأة وتلذذ المرأة (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، فإنهم غير ملومين * فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون) فهذا هو الأصل.(35/28)
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
تجرد الزوجين من الثياب عند الجماع
نحن من العرب المسلمين، نعيش في أمريكا الشمالية منذ سنوات، وقد أكرمنا الله تعالى بالعمل في مجال النشاط الإسلامي بين المسلمين من كل الأجناس والألوان والطبقات، فمنا العرب، ومنا الهنود والباكستانيون، ومنا الماليزيون والأفارقة، ومنا الأمريكيون من بيض وسود.
وتصادفنا أسئلة كثيرة منها ما لا عهد لنا بمثله في أوطاننا العربية والإسلامية، وكثير منها يسأله إخواننا وأخواتنا من الأمريكيين المسلمين والأمريكيات المسلمات، بعضها يتعلق بالصلات الجنسية بين الرجل وزوجته، مما هو معتاد في تلك البيئة، وأصبح جزءًا من حياتهم وعاداتهم الراسخة.
من ذلك: تجرد الزوجين عند الجماع من الثياب تمامًا.
ومنها: نظر الرجل إلى فرج امرأته، والمرأة إلى فرج زوجها.
وأشياء أخرى من هذا القبيل قد نستحي من ذكرها علانية، مما من شأنه أن يحرك شهوة كل منهما إلى الآخر، إذ يبدو أن حالة التكشف والعري والتحلل هناك أصابت القوم بنوع من البرود الجنسي، الذي يحتاج إلى محرك أو مثير لا نحتاج إليه نحن في بلاد العروبة والإسلام.
وقد كنا نجيب عن مثل هذه الأسئلة بالمنع والتحريم، لما ترسب في أذهاننا من أقوال وأحاديث سمعناها في الغالب من أهل الوعظ، لا من أهل الفقه.
ولكن بعض الأخوة ذكروا لنا أنهم سمعوا منك ما يخالف هذا، في بعض زياراتك لأمريكا وإجاباتك لبعض الأسئلة التي وجهت إليك في المؤتمرات العامة واللقاءات الخاصة.
لهذا أحببنا أن نستوثق منك بصورة مباشرة، ونعرف رأيك في هذه الأسئلة المثارة، مؤيدًا بأدلته من الكتاب والسنة. راجين ألا تهمل الرد علينا، وإن كنا نقدر كثرة أعبائك ومشاغلك، ولكن للمسلمين فيما وراء البحار حق عليك أيضًا.. وفقك الله وأعانك لخدمة الإسلام والمسلمين.
مجموعة من مسلمي الولايات المتحدة.
عنهم: م. ل. س.
... السؤال
30/08/2003 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن تجرد الزوجين من الثياب عند الجماع أو غيره، ونظر كل منهما لفرج الآخر جائز ، ولم يرد دليل شرعي صحيح على منعه، بل ذهب بعض الفقهاء إلى أنه أعظم في الأجر ما دام الغرض منه إعفاف كلا الزوجين للآخر.(35/29)
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
إن الإسلام لم يهمل هذا الجانب من جوانب الحياة، الذي قد يحسبه بعض الناس أبعد ما يكون عن الدين واهتماماته، بل قد يتوهم بعض الناس أنه ينظر إلى " الجنس " وما يتصل به على أنه " رجس من عمل الشيطان " وأن نظرة الإسلام إلى الجنس كنظرة الرهبانية إليه.
والواقع أن الإسلام قد عني بهذا الجانب الفطري من حياة الإنسان، ووضع فيه من القواعد والأحكام والتوجيهات ما يضمن أداءه لوظيفته، في غير غلو ولا كبت ولا انحراف.
وحسبنا ما جاء في سورة البقرة حول هذا الموضوع في قوله تعالى: (يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين. نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين). (البقرة: 222، 223).
وقد حفلت كتب التفسير والحديث والفقه والآداب وغيرها بالكثير مما يتصل بهذا الجانب، ولم ير علماء المسلمين أي بأس في الحديث عن هذا الموضوع ما دام في إطار العلم والتعليم، وقد شاع بين المسلمين كافة هذا القول: لا حياء في الدين، أي في تعلمه وتعليمه، أيًا كان موضوعه.
والإسلام قد جاء لكل الأجناس، ولكل الطبقات، ولكل البيئات، ولكل الأعصار ولكل الأحوال، فلا ينبغي أن تتحكم في فقهه وفتاويه وتوجيه أحكامه أذواق أو تقاليد أقوام معينين، في بيئة معينة، كبيئة المسلمين العرب أو الشرقيين، فنحجر بذلك ما وسع الله، ونعسر ما يسر الدين، ونمنع الناس مما لم يمنعهم الشرع منه، بنصوصه الثوابت المحكمات.. ومن هنا أطالب الأخوة الغيورين الذين يسارعون إلى الإفتاء بالمنع والتحريم فيما لم يألفوه، أو تستشنعه أنفسهم بحكم نشأتهم وتربيتهم الخاصة، أن يتبينوا ويتثبتوا قبل الجزم بالحكم، وخصوصًا عند الإيجاب أو التحريم، وألا يأخذوا الأحكام من كتب الوعظ والرقائق، ولا من ألسنة أهل الوعظ والترغيب والترهيب، فكثيرًا ما ينقصها التحقيق والتدقيق، وقلما تخلوا من التهويل والمبالغات إلا من رحم ربك.
كما لا ينبغي عند اختلاف العلماء أن يلتزموا المذهب الأشد في ذلك أخذًا بالأحوط، فقد يكون الأخذ بالأيسر هو الأولى، لأنه الأقوى دليلاً، أو لأنه الأوفق بروح الشريعة، وحاجات الناس، وخصوصًا إذا كان السائلون من حديثي العهد بالإسلام، كما في موضوعنا، فالإفتاء بالأيسر لهؤلاء أولى من الإفتاء بالأحوط، ولكل مقام مقال.
وفي الموضوع الذي سأل عنه الأخوة نجد كتب الفقه لم تهمله، بل تحدثت عنه.
ذكر في متن " تنوير الأبصار " وشرحه " الدر المختار " من كتب الحنفية جواز أن ينظر الرجل من امرأته إلى ما ظهر منها وما بطن، ولو إلى فرجها، بشهوة وبغير شهوة.(35/30)
قال في " الدر ": (والأولى تركه، لأنه يورث النسيان، وأضاف آخرون أنه يضعف البصر). فعللها بتعليلات غير شرعية، إذ لم يجئ بها نص من كتاب ولا من سنة، وهي مردودة من الناحية العلمية، فليس هناك أي ارتباط منطقي ولا واقعي بين السبب والنتيجة.
واستدل في " الهداية " لأولوية الترك بحديث " إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ما استطاع، ولا يتجردان تجرد العيرين " أي الحمارين.
قال: وكان ابن عمر يقول:" الأولى أن ينظر ليكون أبلغ في تحصيل اللذة ".
لكن في " شرح الهداية " للعيني: أن هذا لم يثبت عن ابن عمر بسند صحيح ولا ضعيف.
قال: وعن أبي يوسف: سألت أبا حنيفة عن الرجل يمس فرج امرأته، وهي تمس فرجه، ليتحرك عليها، هل ترى بذلك بأسًا؟ قال: لا، وأرجو أن يعظم الأجر). (حاشية رد المحتار على الدر المختار 5/234).
ولعله يشير إلى الحديث الصحيح:" وفي بضع أحدكم صدقة ". قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: " نعم، أليس إذا وضعها في حرام كان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر. أتحتسبون الشر، ولا تحتسبون الخير؟! ". رواه مسلم. فرضي الله عن أبي حنيفة ما كان أفقهه!.
أما الحديث الذي استدل به في " الهداية " فلا حجة فيه، لأنه ضعيف. (رواه ابن ماجة في النكاح (1921) وضعفه البوصيري في الزوائد، وضعفه الحافظ العراقي أيضًا لضعف أسانيده كلها، وكذلك ضعفه الألباني في " إرواء الغليل " حديث 2009).
وحتى لو قبلنا تساهل السيوطي الذي رمز للحديث السابق بالحسن في جامعه الصغير لكثرة طرقه، فإنه لا يفيد أكثر من الكراهة التنزيهية التي تزول لأدنى حاجة.
وفي مجتمع مثل المجتمع الأمريكي وغيره من المجتمعات الغربية نجد أن لهم عادات في اللقاء الجنسي بين الزوجين، تخالف ما درجنا عليه في أوطاننا مثل التعري عند الجماع، أو نظر الرجل إلى فرج امرأته، أو لعب المرأة بذكر زوجها وتقبيله ونحو ذلك مما قد يدفعهم إليه ما أصيبوا به من برود جنسي نتيجة لانتشار الإباحية والتحلل والعري، مما يجعل الرجل وربما المرأة أيضًا في حاجة إلى مثيرات غير عادية. فهذه أشياء قد تنكرها أنفسنا، وتنفر منها قلوبنا، وتستسخفها عقولنا، ولكن هذا شيء وتحريمها باسم الدين شيء آخر
ولا ينبغي أن يقال في شيء: حرام، إلا أن يوجد في القرآن والسنة الصحيحة، النص الصريح على حرمته، وإلا، فالأصل الإباحة.
ولا نجد هنا النص الصحيح الصريح الدال على حرمة هذا السلوك مع الأزواج، وهذا ما جعلني في زياراتي لأمريكا، في مؤتمرات اتحاد الطلبة المسلمين، وزياراتي للمراكز الإسلامية في عدد من الولايات، إذ سئلت عن هذا الأمر وهو غالبًا يأتي من المسلمات الأمريكيات أن أميل إلى التيسير لا التعسير، والتسهيل لا التشديد، والإجازة لا المنع.لحديث: " احفظ عورتك إلا عن زوجتك وما ملكت يمينك(35/31)
" ولقوله تعالى:(والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين). (المؤمنون: 5،6).
وهذا ما ذهب إليه، وشدد النكير على من خالفه الإمام ابن حزم، حيث لم يصح لديه نص يمنع من ذلك، ولهذا لم يجد فيه أي كراهة أصلاً. فقال في "المحلى":
(وحلال للرجل أن ينظر إلى فرج امرأته، زوجته وأمته التي يحل له وطؤها، وكذلك لهما أن ينظرا إلى فرجه، لا كراهية في ذلك أصلاً.
برهان ذلك الأخبار المشهورة من طريق عائشة، وأم سلمة، وميمونة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أنهن كن يغتسلن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من الجنابة من إناء واحد. (انظر المحلى 1/267 و283 289).
وفي خبر ميمونة بيان أنه عليه الصلاة والسلام كان بغير مئزر، لأن في خبرها أنه عليه الصلاة والسلام أدخل يده في الإناء، ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله (انظر المحلى 1/267 و 283 289)، فبطل بعد هذا أن يلتفت إلى رأي أحد.
ومن العجب أن يبيح بعض المتكلفين من أهل الجهل وطء الفرج ويمنع من النظر إليه، ويكفي في هذا قول الله عز وجل:(والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين).
فأمر عز وجل بحفظ الفرج إلا على الزوجة، وملك اليمين، فلا ملامة في ذلك، وهذا عموم في رؤيته ولمسه ومخالطته.
وما نعلم للمخالف تعلقًا إلا بأثر سخيف عن امرأة مجهولة عن أم المؤمنين:" ما رأيت فرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قط ".
وآخر - في غاية السقوط - عن أبي بكر بن عياش، وزهير بن محمد، كلاهما عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، وهؤلاء: ثلاث الأثافي والديار البلاقع! أحدهم كان يكفي في سقوط الحديث). (المحلى، المسألة 1883).
والحديث الذي استدل به ابن حزم في صحيح البخاري عن ابن عباس عن ميمونة أم المؤمنين قالت: " سترت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يغتسل من الجنابة فغسل يديه، ثم صب بيمينه على شماله، فغسل فرجه وما أصابه..". (الحديث رقم (281) 1/387 من البخاري مع فتح الباري ط السلفية). الحديث.
وفي الصحيح أيضًا عن عائشة قالت: " كنت أغتسل أنا والنبي -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد من قدح يقال له: الفرق ". (انظر: الحديث رقم 250 من المصدر السابق وأطرافه في: 261، 263، 273، 299 وغيرها).
وذكر الحافظ في " الفتح " استدلال ببعض العلماء بالحديث المذكور على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه.
قال: (ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق سليمان بن موسى: أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته فقال: سألت عطاء، فقال: سألت عائشة، فذكرت هذا الحديث بمعناه، وهو نص في المسألة.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
تخيير الزوجة في البقاء مع زوجها في الجنة(35/32)
أنا متزوجة ولدي أولاد وزوجي سيئ الأخلاق ولكني صابرة وراضية بحكم الله، وسؤالي هو هل أنا مأجورة على صبري؟ وسؤالي الأخر بأني لا أريد زوجي في الآخرة فهل يعوضني الله بخير منه وأنا أدعو الله دائماً بأن لا يكون زوجي معي في الآخرة فهل هذا ممكن؟ ... السؤال
24/12/2005 ... التاريخ
الشيخ فيصل مولوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فالصبر على تربية الأولاد تربية إسلامية صحيحة له أجر عظيم عند الله تعالى، وهذه المسئولية العظيمة تقع على عاتق الزوجين، وإذا قصر الزوج في قيامه بواجبه فإنه يأثم لذلك، والزوجة التي تصبر على سوء خلق الزوج من أجل تربية أولادها يضاعف لها الأجر عند الله، أما بقاؤها مع هذا الزوج سيئ الخلق في الجنة فإن الله تعالى يخيرها في ذلك، إن شاءت كان لها زوجا في الجنة وإن أبت فلها ذلك ويختار الله لها من النعيم ما يشاء، على أن النفوس يوم القيامة ستتبدل وسينزع الله منها الغل والحقد.
وإليك فتوى سماحة المستشار فيصل مولوي -نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء-:
فإن المرأة مأجورة عند الله تعالى على تربية أولادها مطلقا، فكيف إذا ضاقت عليها الدنيا بسوء خلق زوجها وتكاد من أجل هذا أن تترك أولادها وأطفالها الصغار، لكن صبرت وصابرت وتحملت كل ألوان الأذى من زوجها من أجل أطفالها وحتى لا تتركهم يتشردون في الطرقات فيضيعون، فإن لها بذلك الثواب المضاعف إن شاء الله تعالى وقد ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: دخلت علي امرأة ومعها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها، فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا، فأخبرته فقال: " من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار" متفق عليه وقوله (ابتلي) أي من اختبره الله بهن وقد سماه ابتلاء لموضع الكراهة عند بعض الناس لهن.
وجاء في حديث آخر أخرجه مسلم أنه عليه الصلاة والسلام قال: " إن الله قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها من النار" أنظر رياض الصالحين باب ملاطفة اليتيم والبنات.
وهكذا يتبين أن حضانة الأولاد وحمايتهم من الجوع والتشرد ليس له ثواب عند الله إلا الجنة وأرجو أن تكوني أيتها الأخت السائلة منهن إن شاء الله.
أما الوالد إذا قصر في حق أطفاله وزوجته فإن الله سوف يحاسبه على ذلك إن تعمده، فكيف إذا ألحق الأذى بهم ظلماً وعدوانا، أو منع عنهم النفقة وما يحتاجون إليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" حديث صحيح أخرجه أبو داوود وغيره ومسلم في معناه. فالحديث يبين أنه يكفي الرجل(35/33)
مؤاخذه من الله إن هو ضيع من وجبت عليه نفقتهم من الأولاد والزوجة وغيرهم وكان قادراً عليها، والحقيقة أن التضييع للعيال هو أعم من كونه امتناعاً عن نفقتهم لكون نفقتهم واجبة عليه. بل الواجب عليه النفقة والتربية على الآداب الإسلامية والأمر بطاعة الله تعالى.
ولقد عاب الإمام ابن أبي جمرة على العلماء الذين إذا تحدثوا عن حق الزوجة على الزوج والأولاد على الأب إنهم يحصرون ذلك في الطعام والشراب والمسكن ويغفلون جانب حملهم على طاعة الله تعالى وأنه من حقهم عليه، ويؤكد الإمام بأن هذا الجانب آكد من الجانب الآخر لأن جانب الطعام والشراب والسكنى يسقط بالإعسار وجانب الإرشاد إلى الدين وتعليمه لا يسقط مطلقاً. أنظر بهجة النفوس جزء2 ص 47.
والآيات والأحاديث كثيرة في حرمة إلحاق الضرر بالزوجة مطلقاً فكيف إذا كان ذلك لسبب من جهته والله يقول (وعاشروهن بالمعروف).
أما السؤال عن أن الأخت السائلة لا تريد زوجها هذا في الجنة – جعلنا الله وإياكم من أهلها – فإنه من المعروف أن الإنسان المؤمن يعيش سعيداً في الجنة وفي غاية النعيم وأن الآيات الكريمة تؤكد أن لهم مما يشتهون فيها وما يتخيرون، فكيف نتصور أن امرأة من أهل الجنة تجبر لتكون زوجة فلان في الجنة، فإن هذا لا ينسجم مع هذا النعيم المطلق لان الاشتهاء والاختيار
هما أساس هذا النعيم في الجنة.
وقد ذكر الإمام القرطبي المسألة وأورد فيها الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم، وأن مبنى ذلك على التخيير أو حسن الخلق من الزوج. أنظر التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة جزء2 ص 640 إلا أنه ذكر التخيير بين الزوجين فيما إذا كانت المرأة تزوجت مرتين فزوجة من هي في الآخرة؟
يضاف إلى ذلك أن أحوال أهل الجنة وطبائعهم لا تقاس على أحوال أهل الدنيا وطبائعهم، فالرجل في الجنة هو غير الرجل في الدنيا تماماً وإن كان هو هو بروحه وجسده لأن أهل الجنة أهل الصفاء والطهر قد نزع الله من قلوبهم الكبر والحقد والحسد والبغض وما إلى ذلك
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز للمسلمة أن تتزوج من شيوعي؟
تقدم إلى خطبة ابنتي شاب عرفت من تاريخه أنه شيوعي، ولا زال مصرًا على شيوعيته، فهل يجوز لي شرعًا أن أزوجه ابنتي، نظرًا لأنه - من الناحية الرسمية - يدين بالإسلام وأسرته مسلمة، ويحمل اسمًا إسلاميًا، أم يجب علي أن أرفضه، لفساد عقيدته ؟ في هذا، ولكم الشكر. ... السؤال
18/02/2007 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...(35/34)
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإنه من المعلوم أن الشيوعيين كفرة وملاحدة لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، وإذا كان لا يجوز للمسلمة أن تتزوج كتابيا وهو يؤمن ببعض الكتب؛ فمن باب أولى لا يحل للمسلمة أن تتزوج شيوعيا، بل إذا كان الزواج وقع بين مسلمة وشيوعي وجب التفريق بينهما، والحيلولة بين الأولاد وأبيهم الشيوعي حتى لا يفسد عليهم دينهم.
وهذا ما أفتى به فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حيث يقول :
من الواجب علينا - قبل إجابتنا على هذا السؤال - أن نقدم نبذة موجزة عن موقف الشيوعية من الدين، لكي يكون المستفتي على بصيرة من الأمر.
الشيوعية مذهب مادي، لا يعترف إلا بكل ما هو مادي محس، ويجحد كل ما وراء المادة، فلا يؤمن بالله، ولا يؤمن بالروح، ولا يؤمن بالوحي، ولا يؤمن بالآخرة، ولا يؤمن بأي نوع من أنواع الغيب، وبهذا ينكر الأديان جملة وتفصيلاً، ويعتبرها خرافة من بقايا الجهل والانحطاط والاستغلال.
وفي هذا قال مؤسس الشيوعية كارل ماركس كلمته المعروفة: الدين أفيون الشعوب، وأنكر على الذين قالوا: إن الله خلق الكون والإنسان فقال متهكمًا: إن الله لم يخلق الإنسان، بل العكس هو الصواب، فإن الإنسان هو الذي خلق الله . أي اخترعه بوهمه وخياله.
وقال لينين: إن حزبنا الثوري لا يمكن أن يقف موقفًا سلبيًا من الدين، فالدين خرافة وجهل.
وقال ستالين: نحن ملحدون، ونحن نؤمن أن فكرة " الله " خرافة، ونحن نؤمن بأن الإيمان بالدين يعرقل تقدمنا، ونحن لا نريد أن نجعل الدين مسيطرًا علينا لأننا لا نريد أن نكون سكارى.
هذا هو رأي الشيوعية وزعمائها في الدين، ولهذا لم يكن غريبًا أن نرى دستور الحزب الشيوعي ودستور الشيوعية الدولية يفرضان على كل عضو في الحركة الشيوعية أن يكون ملحدًا، وأن يقوم بدعاية ضد الدين . ويطرد الحزب من عضويته كل فرد يمارس شعائر الدين، وكذلك تنهي الدولة الشيوعية خدمات كل موظف يتجه هذا الاتجاه.
ولو صح جدلاً أن شيوعيًا أخذ من الشيوعية جانبها الاجتماعي والاقتصادي فقط، دون أساسها الفكري العقائدي - كما خيل للبعض وهو غير واقع ولا معقول - لكان هذا كافيًا في المروق من الإسلام والارتداد عنه، لأن للإسلام تعاليم محكمة واضحة في تنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية ينكرها النظام الشيوعي إنكارًا، كالملكية الفردية والميراث والزكاة، وعلاقة الرجل بالمرأة . . . إلخ . . وهذه الأحكام مما علم بالضرورة أنه من دين الإسلام، وإنكاره كفر بإجماع المسلمين.
هذا إلى أن الشيوعية مذهب مترابط، لا يمكن الفصل بين نظامه العملي وأساسه العقائدي والفلسفي بحال.(35/35)
وإذا كان الإسلام لم يجز للمسلمة أن تتزوج بأحد من أهل الكتاب - نصراني أو يهودي - مع أن الكتابي مؤمن بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر في الجملة، فكيف يجيز أن تتزوج رجلاً لا يدين بألوهية ولا نبوة ولا قيامة ولا حساب؟.
إن الشيوعي الذي عرفت شيوعيته يعتبر في حكم الإسلام مارقًا مرتدًا زنديقًا، فلا يجوز بحال أن يقبل أب مسلم زواجه من ابنته، ولا أن تقبل فتاة مسلمة زواجها منه وهي ترضى بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولا، وبالقرآن إمامًا.
وإذا كان متزوجًا من مسلمة وجب أن يفرق بينه وبينها، وأن يحال بينه وبين أولاده، حتى لا يضلهم، ويفسد عليهم دينهم.
وإذا مات هذا مصرًا على مذهبه فليس بجائز أن يغسل، أو يصلى عليه، أو يدفن في مقابر المسلمين.
وبالجملة يجب أن تطبق عليه في الدنيا أحكام المرتدين والزنادقة في شريعة الإسلام، وما ينتظره من عقاب الله في الآخرة أشد وأخزى (... وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)البقرة 217.
ويقول فضيلة المستشار فيصل مولوي –نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء-:
العقيدة الشيوعية من حيث الأصل تنكر وجود الله تعالى وتنكر جميع الرسل. وإذا كان هذا الإنسان يؤمن بالعقيدة الشيوعية على هذا النحو فهو مرتد يقيناً، ولا يجوز أن يكون زوجاً لابنتك.
لكن في هذا العصر وجد الكثير من الشيوعيين الذين لا يهتمون بمسائل الإيمان والنبوات، وقد يكون بعضهم على الصعيد الشخصي ملتزماً بالصلاة وسائر العبادات، ولكنه يؤمن بالشيوعية كنظام اقتصادي بحت يهدف إلى إنصاف الطبقات الفقيرة.
لكن في هذه الحالة قد يرى البعض عدم الحكم بالردة على مثل هذا الإنسان طالما أنه يصلي، باعتباره يرفض النتيجة المترتبة على اعتناق الأفكار الشيوعية في مجال الاقتصاد، وهي أن هذه الأفكار تعتبر كفراً لأنها تعني أن الشريعة الإسلامية لا تنصف الفقراء ولا تحل المشكلة الاقتصادية للمجتمع، وهذا تشكيك باكتمال الدين خلافاً لعقيدة المسلم الصحيحة أن الله تعالى قد أكمل لنا الدين وأن شريعته كفيلة بإصلاح الفرد والمجتمع.
فالشيوعي الذي يؤمن بالعقيدة الشيوعية كنظام اقتصادي فقط دون اعتقاد للفلسفة الشيوعية هو كافر مرتد برأي بعض الفقهاء، وهو مخطئ خطأ كبيراً ولو كان خطؤه لا يؤدي إلى اعتباره مرتداً بسبب تأويله لذلك.
وفي الحالتين فإني لا أنصح بقبول خطبة هذا الرجل لابنتك باعتبار أنه يعتبر مرتداً على رأي البعض ولا يجوز تزويجه. وباعتبار أنه حتى عند الذين لا يحكمون بردّته يعتبرونه صاحب بدعة كبيرة ولا يجوز تزويجه لقول رسول الله (صلى الله عليه(35/36)
وسلم): "فاظفر بذات الدين تربت يداك". فالمطلوب أن تختار لابنتك زوجاً ملتزماً بدينه وليس فقط زوجاً مسلماً بالاسم والهوية.
والله أعلم.
خطورة التساهل في الخلوة بالمخطوبة
تقدمت لخطبة فتاة من أهلها فقبلوا ووافقوا، وأقمنا لذلك حفلاً دعونا فيه الأقارب والأحباء، وأعلنا الخطبة، وقرأنا الفاتحة، وضربنا بالدفوف .. ألا يعتبر هذا الاتفاق، وذلك الإعلان زواجًا من الناحية الشرعية يبيح لي الخلوة بخطيبتي لا سيما أن ظروفي لا تسمح بعقد رسمي يوثقه المأذون ويسجل في دفاتر الحكومة ؟. ... السؤال
14/02/2007 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الخطبة لا تعتبر زواجا مهما صاحبها من إعلان واحتفال ، ولا يترتب عليها شيء من آثار الزواج؛ إلا حظر خطبة المخطوبة مرة أخرى من غير خاطبها، فيظل الخاطبان أجنبيين عن بعضهما لا تحل لهما الخلوة ولا غيرها مما يبحه عقد الزواج، فعلى الخاطب أن يحفظ نفسه، كما يستحب له التعجيل بعقد الزواج.
وهذا ما أفتى به فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي فقال :
الخطبة لغة وعرفًا وشرعًا شيء غير الزواج، فهي مقدمة له، وتمهيد لحصوله، فكتب اللغة جميعًا تفرق بين كلمتي الخطبة والزواج.
والعرف يُميِّز جيدًا بين رجل خاطب، ورجل متزوج.
والشريعة فرَّقت بين الأمرين تفريقًا واضحًا، فالخطبة ليست أكثر من إعلان الرغبة في الزواج من امرأة معينة، أما الزواج فعقد وثيق، وميثاق غليظ، له حدوده وشروطه وحقوقه وآثاره.
وقد عبر القرآن عن الأمرين فقال في شأن النساء المتوفى عنهن أزواجهن: (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) البقرة 235
والخطبة مهما يقام حولها من مظاهر الإعلان فلا تزيد عن كونها تأكيدًا وتثبيتًا لشأنه .
والخطبة على أية حال لا يترتب عليها أي حق للخاطب، إلا حجز المخطوبة بحيث يحظر على غير الخاطب أن يتقدم لخطبتها، وفي الحديث: " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ". (متفق عليه).(35/37)
والمهم في هذا المقام أن المخطوبة أجنبية عن الخاطب حتى يتم زواجه بها، ولا تنتقل المرأة إلى دائرة الزوجية إلا بعقد شرعي صحيح، والركن الأساسي في العقد هو الإيجاب والقبول . وللإيجاب والقبول ألفاظ معهودة معلومة في العرف والشرع.
وما دام هذا العقد - بإيجابه وقبوله وشروطه- لم يتحقق فالزواج لم يحدث أيضًا لا عرفًا ولا شرعًا ولا قانونًا، وتظل المخطوبة أجنبية عن خاطبها لا يحل له الخلوة بها، ولا السفر معها دون وجود أحد محارمها كأبيها أو أخيها.
ومن المقرر المعروف شرعًا أن العاقد إذا ترك المعقود عليها دون أن يدخل بها يجب عليه نصف مهرها، قال تعالى: (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). (البقرة: 237).
أما الخاطب إذا ترك المخطوبة بعد فترة طالت أو قصرت فلا يجب عليه شيء إلا ما توجبه الأخلاق والتقاليد من لوم وتأنيب، فكيف يمكن - والحالة هذه - أن يباح للخاطب ما يباح للعاقد سواء بسواء ؟
إن نصيحتنا للسائل أن يعجل بالعقد على خطيبته، فبه وحده يباح له ما يسأل عنه وإذا لم تسمح ظروفه بذلك، فالأجدر بدينه ورجولته أن يضبط عواطفه، ويكبح جماح نفسه، ويلجمها بلجام التقوى، ولا خير في أمر يبدأ بتجاوز الحلال إلى الحرام.
كما ننصح الآباء والأولياء أن يكونوا على بصيرة من أمر بناتهم، فلا يفرطوا فيهن بسهولة باسم الخطبة، والدهر قُلَّب، والقلوب تتغير، والتفريط في بادئ الأمر قد يكون وخيم العاقبة، والوقوف عند حدود الله أحق وأولى: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة: 229) . (} وَمَن
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ). (النور: 52).
ويقول فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة - أستاذ الفقه وأصوله - جامعة القدس - فلسطين :ـ
إن الخطبة مقدمة للزواج وهي مجرد وعد للزواج وليست زواجاً ، وقد نص الفقهاء على أن الخطبة ليست إلا وعداً بالزواج ، وهذا الوعد غير ملزم فيحق لكل واحدٍ منهما العدول عن الخطبة متى يشاء .
كما أن الفقهاء قرروا أن عقد الزواج لا يتم بقبض أي شيءٍ على حساب المهر أو بقبول الهدية أو ما يسميه الناس اليوم ( قراءة الفاتحة ) فكل ذلك لا يعتبر عقداً للزواج ويجوز العدول عن ذلك .
وبناءً على ذلك فيعتبر كل من الخاطب والمخطوبة أجنبياً عن الآخر فلا يحل لهما الاختلاط دون وجود محرم وما يفعله كثير من الناس اليوم مخالف للشرع ، بالسماح لهما بالخروج معاً إلى الأماكن العامة والجلوس على انفراد والذهاب والإياب معاً فكل ذلك حرام شرعاً لأن الخاطب ما زال يعتبر أجنبياً عن المخطوبة ، ولا يحل له من المخطوبة سوى ما أباحه الشارع الحكيم ألا وهو النظر .(35/38)
عن جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( إذا خطب أحدكم المرأة فاستطاع أن ينظر منها ما يدعو إلى نكاحها فليفعل ) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه .
وعن المغيرة بن شعبة أنه خطب إمرأةً فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ) رواه النسائي والترمذي وابن ماجة وغيرهم وهو حديثٌ صحيح . ومعنى يؤدم بينكما : أن تقع الألفة والملائمة بينكما .
وعن أبي هريرة قال :( كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج إمرأةً من الأنصار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنظرت إليها ؟ فقال : لا ، قال : فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً ) رواه مسلم .
ففي هذه الأحاديث أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم الخاطب إلى النظر إلى المخطوبة لما يترتب على النظر من فوائد لمصلحة الاثنين .
فيجوز النظر إلى الوجه والكفين فقط على الراجح من أقوال أهل العلم والوجه والكفان يدلان على ما سواهما من أعضاء الجسم .
وإذا فسخ أحد الخاطبين الخطبة فلا شيء عليه في ذلك لأن الخطبة كما قلت هي مجرد وعد بالزواج ، وإن كان الأولى ألا يعدل أحدهما عن الخطبة إلا لسبب شرعي فإذا حصل العدول عن الخطبة فيجوز للخاطب أن يسترد ما قدمه للمخطوبة على أنه من المهر سواء أكان نقداً أم ذهباً أم أثاث بيت أو نحو ذلك وسواء كان العدول من الخاطب أو المخطوبة .
وأما ما قدمه للمخطوبة على سبيل الهدية فهو محل خلافٍ بين الفقهاء والذي أميل إليه أن العدول إن كان من الخاطب فلا يسترد شيئاً من الهدايا التي قدمها للمخطوبة وإن كان العدول من المخطوبة فيسترد الخاطب تلك الهدايا إن أراد .
وبهذه المناسبة أود التذكير بأن على الآباء إن يتقوا الله في بناتهم وألا يقدموا على تزويجهنَّ إلا بعد ما يتأكدوا من صفات الخاطب الحسنة وأنه صاحب خلقٍ ودين ولو كان فقيراً لأن السعادة التي يرجونها لبناتهم قد لا تتحقق بالمال وحده فليست المناصب والمال والجاه والحسب والنسب هي مؤهلات الزوج الصالح فقط فكم من صاحب مالٍ أو جاهٍ أو منصب أشقى زوجته وأتعسها، ولكن المعيار الحقيقي هو معيار الشرع يقول عليه الصلاة والسلام ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه فإن لم تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير ) رواه الترمذي والبيهقي وهو حديثٌ حسن .
وكما أذكر الشباب بأن السعادة الزوجية لا تحقق في جمال الزوجة فقط فكثيراً ما نسمع عن الصفات التي يرغب الشباب في توفرها في المرأة والتي يريدونها زوجة المستقبل بأن تكون غايةً في الجمال . نعم إن الجمال مطلوب ولكن ليس هو فقط.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :( تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) رواه البخاري ومسلم .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:( لا تتزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تتزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين فلأمة سوداء ذات دين أفضل ) رواه البيهقي وابن ماجة .
والله أعلم(35/39)
ـــــــــــــــــــ
زواج المسلمة بغير المسلم في بلاد الغرب
عدد من النساء المُقيمات في الولايات المتحدة الأمريكية المنحدِرات من أصل مسلِم، واللاتي انتهت بهنَّ ظروف مختلفة إلى الابتعاد عن الإسلام جهلاً وتغريبًا، من خلال انقطاع جيل سابق من آبائهن عن الإسلام، وترْكهن في مجتمع الغرب بلا انتماء حقيقي أو عقيدة، فاعتدْن هذا النمط من الحياة ونَشأْن عليه. وعندما وجدْن شريكًا للحياة وارتحْن له وأحببْنه اقترنَّ به من غير أن يفكِّرن في اختلاف الدين. وهكذا تعرَّفنا على عدد من هؤلاء الأخوات وقد اقترنَّ برجال من الأمريكيين غير مسلمين، وأنجبْن منهم، ولا يزلْن يعشْن معهم بشكل اعتيادي.
الآن وقد وجدنا إلى أخواتنا أُولاء منفذًا ومعْبرًا، ووفقنا الله ـ تعالى ـ لوصْلهن بالمسلمين من جديد، ما هو الموقف الحكيم الذي تنصح باتخاذه من موضوع زواجهن من غير المسلمين، وخصوصًا أنَّهن على الرغم من اعتزازهن بالأصول الإسلامية التي أتيْن منها واستعدادهن للالتزام بمعتقدات الإسلام وشعائره الأساسية، لا يتقبَّلن فكرة الانفصال عن الأزواج، ولا يُحسسْن أن الأمر يَحمل وجهًا من المعصية أو الخطأ، وقد اقترَنَّ بهم بشكل قانوني جاد، وعشْن معهم سنوات من الحياة الزوجية من غير مشكلة؟
... السؤال
18/02/2007 ... التاريخ
الشيخ الدكتور مصطفى الزرقا _ رحمه الله.ـ ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد
يقول فضيلة الشيخ الدكتور المرحوم مصطفى الزرقا ـ أستاذ الشريعة بجامعة سوريا والجامعات العربية :ـ
إن هذه المُشكلات التي ذكرْتَ معظمها في رسالتك هي الفارق الأساسي بين حياة المسلمين في دار الإسلام، وحياة الكَفَرة في بلادهم الأجنبية. فإذا كان الحل المطلوب هو أن يسمح للمسلم أن يعيش في البلاد الأجنبية كما يعيش أهلُها الكفرة؛ لأن في الالتزام بالسلوك الإسلامي تلك المشقَّات المادية والمعنوية التي شرحتها شرحًا وافيًا في رسالتك، لا يَبقى عندئذ فرْق بين الإسلام وغيره إلا في مجرد اسم المسلم الذي لا يَبقى له مدلول عملي، مع أن الفارق الأساسي بين المسلم والكافر إنما هو في السلوك النظيف الطاهر الإسلامي.
أما المشقَّة التي يواجهها المسلم؛ فإنها المشقة التي لا يخلو عنها التكليف، فأي معنى يبقى للمسلم إذا كان يعيش في البلاد الأجنبية مثل أهلها الكفرة؟!
أما عن زواج المسلمة بغير مسلم فهذا لا مجال لتسْويغه بحال أصلاً لقوله تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) وقوله ـ عز وجل ـ: (فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهَنَّ) وعلى ذلك أجمع فقهاء الإسلام. ولكني أرى من الممكن ـ بالنظر الاستصلاحي ـ أن نُميِّز بين امرأة مسلمة تتزوج بغير مسلم من(35/40)
أهل الكتاب (نصراني أو يهودي) غير آبِهَةٍ ولا مُكْتَرِثَة باختلاف الدين، وبين امرأة كتابية متزوجة أسلمت ولها أولاد، ولم يتْبعها زوجها بالإسلام.
فهذه الثانية لا يَحل لها البقاء مع زوجها دون أن يُسلم، ولكن من الممكن أن لا يُحكم شرعًا ببَيْنُونَتِها فوْرًا إذا أبى زوجها الإسلام، فقد حصل في عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن ابنته زينب كانت متزوِّجة قبْل البَعثة برجل من وجوه قريش اسمه أبو العاص ابن الربيع وهو مشرك، واشترك مع المشركين في غزوة بدر فأسره المسلمون، وأطلق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سراحه من الأسْر وأخذ عليه العهد أن يُخلِّي سبيل زينب، ففعل ووفَّى بما وعد.
وخرج أبو العاص بتجارة إلى الشام، ولما رجع لقيَتْه سرية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصابوا كلَّ ما في القافلة، وهرب أبو العاص، وأقبل في الليل حتى دخل على زينب، فاستجارها فأجارته، وفي صلاة الفجر نادت زينب ـ رضي الله عنها ـ في المسجد بأنها أجارت أبا العاص بن الربيع، وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لابنته زينب: "أكْرِمي مثْواه، ولا يَخلُصنَّ إليك فإنك لا تَحلِّين له" ثم رجع أبو العاص زوجها إلى مكة، وصفَّى علاقاته، ورد الودائع إلى أصحابها، ثم رجع إلى المدينة مسلمًا، فعاد إلى زوجه زينب، ولم يُنقل أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جدَّد له النكاح على ابنته
فالتريُّث فيمن أسلمت وأبى زوجها الإسلام، بأمل أن ينْشرح له صدره فيما بعد، يمكن أن يكون له وجه بصورة مؤقَّتة تحت هذا الأمل، ولكنَّ المعاشرة الزوجية (الجنسية) على كل حال غير جائزة.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
إجبار البنت على الزواج
هل يجوز للوالد أن يجبر ابنته أو ابنه على الزواج ، وماذا لو حضر الولد أو البنت العقد ، فهل هذا كاف في الرضا من أحد منهما؟ ... السؤال
15/08/2006 ... التاريخ
مجمع الفقه بالهند ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا يجوز للوالد أن يجبر ابنته أو ولده على النكاح، وإن أجبر الوالد البنت على إظهار الرضا وكان دافعه التهديد ،وشكت البنت للقاضي، فمن حق القاضي فسخ النكاح.إن ثبت له الإجبار.
وإليك قرارات مجمع الفقه بالهند في هذا الشأن :
1- إن الشريعة الإسلامية منحت البالغين من البنين والبنات حق التصرف في شئونهم الشخصية وحق الاختيار في النكاح، وهذه الحرية الشخصية هي من ميزات الشريعة الإسلامية، وكثير من الأقوام في الشرق والغرب إنما أعطوا المرأة حقها بتأثير من التعاليم الإسلامية.(35/41)
2- لا يجوز قطعا للأولياء إجبار المرأة البالغة أو الابن البالغ على النكاح بدون مراعاة رغبتهما ورضاهما، فإصرار الأولياء على آرائهم واتخاذهم أساليب التهديد والتوعيد للإجبار على نكاح ما إنما هي محاولة فاسدة لحرمانهما من الحقوق التي أعطتهما الشريعة الإسلامية.
3- إن انعقاد النكاح يتوقف على إظهار الرضا وقت النكاح، فإذا أظهر الابن البالغ أو البنت البالغة رضاهما عند النكاح فينعقد النكاح.
4- إذا ثبت لدى القاضي الشرعي والمسئولين في دار القضاء أن الأولياء اتخذوا أسلوب الجبر والإكراه في نكاح المرأة البالغة، وأجبروها عند النكاح على التلفظ بالرضا، والمرأة غير راضية باستمرارية هذا الزواج، وتطالب بالفسخ، وزوجها لا يفرقها منه بنفسه ولا يرضى بالطلاق أو الخلع، فيحق للقاضي الشرعي فسخ هذا النكاح دفعا للظلم.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
موت الزوجة قبل حصولها على مؤخر الصداق
ما حكم المهر المؤجل إذا ماتت الزوجة ؟ هل يتصدق به الزوج أم يسقط عنه بموتها؟ ... السؤال
23/08/2005 ... التاريخ
د.حسام الدين بن موسى عفانة ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فالمهر حق خالص للمرأة، وإذا كان مؤجلا فهو دين في ذمة الزوج يجب عليه أن يسارع بسداده، ولقد تعارف الناس على عدم إعطاء المرأة حقها من مؤجل المرأة بموتها أو موت زوجها وهذا ظلم للزوجة ولا تبرئ ذمة الزوج أمام الله إلا بسداد ما عليه من الدين وفي الحديث: (أيما رجل أصدق امرأة صداقا - والله عز وجل يعلم منه لا يريد أداءه إليها - فغرها بالله واستحل فرجها بالباطل، لقي الله يوم يلقاه وهو زان، وأيما رجل أدان من رجل دينا لقي الله يوم يلقاه وهو سارق)، وإن ماتت الزوجة فمؤخر الصداق يكون جزءا من التركة يوزع على ورثتها.
وإليك فتوى فضيلة الدكتور حسام الدين عفانة-أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:-
المهر حق من حقوق الزوجة الواجبة على زوجها يقول الله تعالى: (وَءَاتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ).
وقد اتفق العلماء على أنه يجوز التعجيل والتأجيل في المهر المسمى في عقد الزواج فيصح أن يكون بعض المهر معجلاً وبعضه مؤجلاً على حسب ما يتم عليه الاتفاق عند عقد الزواج وسواء كان المهر معجلاً أو مؤجلاً فهو حق ثابت للزوجة ودين واجب لها في ذمة الزوج.(35/42)
ومن المعلوم أن العرف في بلادنا جرى على أن يكون جزء من المهر مؤجلاً تأجيلاً مطلقاً وفي هذه الحالة يجب المهر المؤجل للمرأة في حالتين وهما: الطلاق والوفاة فإذا طلق الزوج امرأته وجب لها المؤجل من مهرها وكذا إذا مات زوجها وجب لها المهر المؤجل ويخرج من التركة قبل توزيعها على الورثة.
وكذلك إذا ماتت الزوجة ولها مهر مؤجل في ذمة زوجها فيكون مهرها المؤجل من ضمن تركتها ويوزع على الورثة بقدر نصيب كل منهم.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
إجبار الزوج زوجته على المعصية
أنا سيدة متزوجة وأم لطفلين وزوجي دائما يصحبني معه إلى الحفلات العامة، بحيث أدمنت -من كثرة ترددي على هذه الحفلات الخمر والسجاره، وأصبحت لا أستطيع تركها أبدا، فأحببت أن أسألك: هل يقع الإثم علي شخصيا أم على زوجي، لأنه هو الذي يصحبني إلى الحرام، وإذا لم أطعه يضربني؟ أرجو إرشادي. ... السؤال
11/05/2006 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
مأساة أي مأساة أن يصبح المجتمع المسلم، في هذا المستوى، ويخور رجاله ونساؤه إلى هذا الدرك، والإثم في هذه القضية على كل حال واقع على الطرفين، على الرجل والمرأة، الزوج والزوجة.
يقع على الزوج أولاً، لأنه مكلف أن يحمي أهله من النار كما قال تعالى مخاطبًا جماعة المؤمنين: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة) (التحريم: 6) أي أن يقيهم النار لأنه مسئول أن يجنب نفسه وأهله النار، فكما يوفر لهم القوت ليأكلوا، والكسوة ليلبسوا، والتعليم ليتثقفوا، والدواء ليعالجوا، هذه الأمور الدنيوية مطلوبة منه، هو كذلك مسئول أن يقربهم من الجنة ويباعد بينهم وبين النار، وإلا فما قيمة أن تلبس زوجتك أحسن الثياب، وتطعمهما من أفضل الطعام والشراب، وتوفر لها من المتع الشيء الكثير، ثم تجرها جرًا إلى جهنم - والعياذ بالله - ؟ وما قيمة أن يأخذ أولادك أرقى الشهادات، أو يتسنموا أرفع المناصب ثم يكون مصيرهم جهنم ما قيمة هذا كله ؟
فالإنسان مطلوب منه أن يحمي نفسه من النار: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) . " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل في أهل بيته راع وهو مسئول عن رعيته " فهذا الزوج وأمثاله، كان عليه أن يقي زوجته من هذه الخبائث: من الخمر ومن الحفلات، وخاصة حفلات الاختلاط، التي يختلط فيها الرجال بالنساء، بلا حدود ولا قيود، كما هو شأن المدنية الغربية، التي(35/43)
قذفتنا بهذه الألوان من السلوك في حياتنا، هذه الألوان الغربية، الدخيلة على المجتمع المسلم، فهذا الزوج مسئول، لأنه بدل أن يحمي زوجته من النار، جرها إلى النار جرًا. . ثم الزوجة أيضًا مسئولة، لأنها مكلفة، لم تفقد الأهلية، هي ليست آلة طيعة، تدار فتدور، وتحرك فتتحرك، أو بهيمة تقاد فتنقاد، لا . إنها إنسان . . لها عقل، ولها إرادة، تستطيع أن تقول: لا، وخاصة في المعاصي.
وفي هذه الحالة، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . هذه هي المسألة التي تذوب فيها كل السلطات، ليس لرئيس أن يجبر مرؤسه على المعصية، وليس لوالد أن يحمل ولده على المعصية، وليس لزوج أن يرغم زوجته على المعصية، وليس لسيد أن يجبر خادمه على المعصية، وليس لقائد أن يدفع جنوده إلى المعصية، كلا ففي الحديث: " السمع والطاعة حق على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة " متفق عليه.
فإذا كان يأمرها بالمعصية، أو يدفعها إلى المعصية، فمن حقها - بل من واجبها أيضًا - أن تقول: لا، بملء فيها . لأنه هنا تعارض حق الزوج وحق الله فإذا كان حق الزوج أن يطاع فحق الله في هذه الحالة أن ترفض المعصية، وحق الله مقدم. على أن الزوج هنا ليس له حق أصلا، لأن هذا خارج عن حقوقه . . فإذا أراد أن يصحبها إلى الحفلات المنكرة أو إلى شرب الخمر فيجب أن ترفض هذا ولو أدى ذلك إلى الطلاق، فهذه الأخت مسئولة، وإن كان الزوج أيضًا مسئولاً.
وتستطيع على كل حال أن تراجع نفسها وأن تتوب، وأين هذا من كثير من الرسائل، التي تأتي من بعض السيدات، يشكون من فساد أزواجهن ؟ الزوج الذي يسهر سهرًا طويلا، ويأتي آخر الليل وهو لا يعرف يمينه من شماله، وهي تأمره بالصلاة وهو لا يصلي، وتنهاه عن المنكر، وهو لا ينتهي، ولا يزدجر . . هذه هي الزوجة التي تعين زوجها على الطاعة وعلى الخير، فهذه الأخت مسئولة، وزوجها مسئول، ونرجو من الاثنين . . . الزوج والزوجة، أن يراجعا حسابهما مع الله، وأن يرتدعا عن مثل هذا الطريق، الذي لا يؤدي إلا إلى الخسار في الدنيا والبوار في الآخرة - والعياذ بالله.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
سفر المرأة بغير محرم للمؤتمرات العلمية
أعمل أستاذة في الجامعات المصرية ، ويضطرني عملي أحيانا للسفر لحضور المؤتمرات العلمية ، فهل يجوز السفر بدون صحبة معروفة، وبدون إذن الزوج ؟ ... السؤال
12/06/2005 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :(35/44)
على المرأة أن تستأذن زوجها عند خروجها من المنزل إذا أردت أن تذهب لمكان لا يعرفه الزوج وليس لديها أذن عام بالخروج إلى مثل هذا المكان أما خروجها لحاجتها اليومية كالعمل وغيره فيكفي الاتفاق بين الزوجين على ذلك ولا تحتاج إلى إذن خاص مادام هذا العمل متكررا .
أما سفرها دون محرم فالأصل عدم جوازه وقد أباحه بعض الفقهاء – بشرط إذن الزوج - إذا كان في صحبة آمنة تأمن فيها المرأة على نفسها وعرضها ، وهذا يشمل كل سفر، سواء كان واجبًا كالسفر لزيارة أو تجارة أو طلب علم أو نحو ذلك. والأحوط أن تمكث المرأة خلال فترة المؤتمر عند أسرة مسلمة أو يسافر معها محرم ، أمنا لها .
يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
الأصل المقرر في شريعة الإسلام ألاّ تسافر المرأة وحدها، بل يجب أن تكون في صحبة زوجها، أوذي محرم لها.
ومستند هذا الحكم ما رواه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم ".
وعن أبي هريرة مرفوعًا: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم " (رواه مالك والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة).
وهذه الأحاديث وغيرها تشمل كل سفر، سواء كان واجبًا كالسفر لزيارة أو تجارة أو طلب علم أو نحو ذلك.
وليس أساس هذا الحكم سوء الظن بالمرأة وأخلاقها، كما يتوهم بعض الناس، ولكنه احتياط لسمعتها وكرامتها، وحماية لها من طمع الذين في قلوبهم مرض، ومن عدوان المعتدين من ذئاب الأعراض، وقطاع الطرقات، وخاصة في بيئة لا يخلو المسافر فيها من اجتياز صحار مهلكة، وفي زمن لم يسد فيه الأمان، ولم ينتشر العمران.
ولكن ما الحكم إذا لم تجد المرأة محرمًا يصحبها في سفر مشروع: واجب أو مستحب أو مباح ؟ وكان معها بعض الرجال المأمونين، أو النساء الثقات، أو كان الطريق آمنًا.
لقد بحث الفقهاء هذا الموضوع عند تعرضهم لوجوب الحج على النساء . مع نهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن تسافر المرأة بغير محرم.
( أ )فمنهم من تمسك بظاهر الأحاديث المذكورة، فمنع سفرها بغير المحرم، ولو كان لفريضة الحج، ولم يستثن من هذا الحكم صورة من الصور.
( ب ) ومنهم من استثنى المرأة العجوز التي لا تشتهي، كما نقل عن القاضي أبي الوليد الباجي، من المالكية، وهو تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى، كما قال ابن دقيق العيد، يعني مع مراعاة الأمر الأغلب فتح الباري ج 4 ص 447.
( ج ) ومنهم من استثنى من ذلك ما إذا كانت المرأة مع نسوة ثقات . بل اكتفى بعضهم بحرة مسلمة ثقة.(35/45)
( د ) ومنهم من اكتفى بأمن الطريق . وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
ذكر ابن مفلح في (الفروع) عنه قال: تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم، وقال: إن هذا متوجه في كل سفر طاعة .. ونقله الكرابيسي عن الشافعي في حجة التطوع . وقال بعض أصحابه فيه وفي كل سفر غير واجب كزيارة وتجارة. (انظر: الفروع ج 3، ص 236، 237، ط.ثانية).
ونقل الأثرم عن الإمام أحمد: لا يشترط المحرم في الحج الواجب، وعلل ذلك بقوله: لأنها تخرج مع النساء، ومع كل من أمنته.
بل قال ابن سيرين: مع مسلم لا بأس به.
و قال الأوزاعي: مع قوم عدول.
و قال مالك: مع جماعة من النساء.
و قال الشافعي: مع حرة مسلمة ثقة . وقال بعض أصحابه: وحدها مع الأمن. (الفروع ج 3، ص 235 - 236).
وإذا كان هذا قد قيل في السفر للحج والعمرة، فينبغي أن يطرد الحكم في الأسفار كلها، كما صرح بذلك بعض العلماء (فتح الباري ج 4 ص 447، ط. مصطفى الحلبي) . لأن المقصود هو صيانة المرأة وحفظها وذلك متحقق بأمن الطريق، ووجود الثقات من النساء أو الرجال.
والدليل على جواز سفر المرأة من غير محرم عند الأمن ووجود الثقات:
أولاً:ما رواه البخاري في صحيحه أن عمر رضي الله عنه أذن لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن، فقد اتفق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، ولم ينكر غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك . وهذا يعتبر إجماعًا. (المصدر السابق).
ثانيًا: ما رواه الشيخان من حديث عدي بن حاتم، فقد حدثه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مستقبل الإسلام وانتشاره، وارتفاع منارة في الأرض. فكان مما قال: " يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة (بالعراق) تؤم البيت لا زوج معها، لا تخاف إلا الله ... إلخ " وهذا الخبر لا يدل على وقوع ذلك فقط، بل يدل على جوازه أيضًا، لأنه سبق في معرض المدح بامتداد ظل الإسلام وأمنه.
هذا ونود أن نضيف هنا قاعدتين جليلتين :
أولأً: أن الأصل في أحكام العادات والمعاملات هو الالتفات إلى المعاني والمقاصد بخلاف أحكام العبادات، فإن الأصل فيها هو التعبد والامتثال، دون الالتفات إلى المعاني والمقاصد . كما قرر ذلك الإمام الشاطبي ووضحه واستدل له.
الثانية: إن ما حرم لذاته لا يباح إلا للضرورة، أما ما حرم لسد الذريعة فيباح للحاجة . ولا ريب أن سفر المرأة بغير محرم مما حرم سدًا للذريعة.
كما يجب أن نضيف أن السفر في عصرنا، لم يعد كالسفر في الأزمنة الماضية، محفوفًا بالمخاطر لما فيه من اجتياز الفلوات، والتعرض للصوص وقطاع الطرق وغيرهم.(35/46)
بل أصبح السفر بواسطة أدوات نقل تجمع العدد الكثير من الناس في العادة، كالبواخر والطائرات، والسيارات الكبيرة، أو الصغيرة التي تخرج في قوافل . وهذا يجعل الثقة موفورة، ويطرد من الأنفس الخوف على المرأة، لأنها لن تكون وحدها في موطن من المواطن.
ولهذا لا حرج أن تسافر مع توافر هذا الجو الذي يوحي بكل اطمئنان وأمان. أ.هـ
وإليك فتوى المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء :
استئذان المرأة عند الخروج من المنزل أمر واجب على المرأة إذا أرادت الخروج من منزلها أن تعلم زوجها بذلك. والخروج من المنزل بالنسبة للمرأة إن كان للعمل أو الدراسة أو لقضاء شؤون المنزل والأولاد فإن هذا الخروج لا يحتاج إلا إلى موافقة عامة من الزوج، ولا تحتاج الزوجة أن تستأذن في كل مرة، وهذا أمر يحكمه العرف.
أما إذا كان هذا الخروج إلى زيارة أسرة غير معروفة عند الزوج، أو أن هذا الخروج يترتب عليه مبيت خارج بيت الزوجية، فهذا لا بد فيه من إذن وموافقة الزوج. فإن لم يوافق لا يصح للمرأة الخروج.
والخلق الإسلامي يقتضي أن الرجل أيضاً إذا أراد أن يسافر أو يبيت خارج المنزل أن يخبر زوجته بذلك؛ لأن من حقها أيضاً أن تعرف مكان زوجها عند غيابه من المنزل.
أما سفر المرأة دون محرم فالأصل فيه عدم الجواز لما ورد في ذلك من أحاديث ، قال فيها بعض أهل العلم بعدم جواز سفر المرأة وحدها.
وقيد آخرون جواز السفر بوجود رفقة مؤمنة من الرجال أو من الرجال والنساء معاً. والنهي في الحديث معلل بالخوف على المرأة من الأذى الذي قد يلحقها، وبالفتنة إذا سافرت وحدها، خاصة وأن مخاطر الأسفار قديماً كثيرة. وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أذن لأمهات المؤمنين أن يسافرن إلى الحج مع الرفقة المؤمنة، وأرسل معهن عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف أخرجه البخاري (رقم: 1761) والبيهقي (4/326-327).
هذا في السفر الذي تسافره المرأة من مدينة إلى أخرى أو من بلد إلى آخر وتصل في نفس اليوم الذي سافرت فيه حيث تجد الرفقة الآمنة. أما إذا كان السفر يتطلب مبيتاً في الطريق كالفنادق، أو أن السفر للقيام بعمل معين يتطلب إقامة مدة معينة، فالأصل في هذه الحالة أن تسافر المرأة مع محرم لها، أو تقيم المدة المطلوبة مع أسرة مسلمة في ذلك البلد، سداً لذريعة الفتنة أو الأذى الذي قد يحصل للمرأة. أ.هـ
وتقول الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه بجامعة الأزهر :
اختلف الفقهاء في اشتراط المحرم لسفر المرأة، فمذهب الحنفية والحنابلة على ضرورة وجود المحرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر امرأة فوق ثلاث إلا مع زوج أو محرم". وذهب الشافعية والمالكية إلى عدم اشتراط المحرم والاكتفاء بالنسوة الثقات، واشتراط المحرم كان نتيجة عدم الأمان في الطريق طريق السفر وفي وسيلة السفر، ومع تقدم هذه الوسائل فإننا نرجح مذهب الشافعية والمالكية(35/47)
بشرط أن يكون السفر بإذن الزوج إن كانت متزوجة أو بإذن الولي إن لم تكن متزوجة.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
الفحص الطبي للراغبين في الزواج
هل يجوز للخاطبين أن يشترط كل منهما على صاحبه إجراء الفحص الطبي قبل أن يتم العقد الشرعي؟ ... السؤال
23/04/2005 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
استعرض المجلس موضوع "الفحص الطبي" الذي هو الكشف بالوسائل المتاحة (من أشعة وتحليل وكشف جيني ونحوه) لمعرفة ما بأحد الخاطبين من أمراض معدية أو مؤثرة في مقاصد الزواج، وبعد المداولة والمناقشة للبحث المقدم في ذلك قرر المجلس ما يلي:
أولاً : إن للفحص الطبي قبل الزواج فوائد من حيث التعرف على الأمراض المعدية أو المؤثرة وبالتالي الامتناع عن الزواج ولكن له - وبالأخص للفحص الجيني - سلبيات ومحاذير من حيث كشف المستور، وما يترتب على ذلك من أضرار بنفسية الآخر المصاب ومستقبله.
ثانيا ً: لا مانع شرعاً من الفحص الطبي بما فيه الفحص الجيني للاستفادة منه للعلاج مع مراعاة الستر.
ثالثا ً: لا مانع من اشتراط أحد الخاطبين على الآخر إجراء الفحص الجيني قبل الزواج.
رابعا ً: لا مانع من اتفاقهما على إجراء الفحص الطبي (غير الجيني) قبل الزواج على أن يلتزما بآداب الإسلام في الستر وعدم الإضرار بالآخر.
خامساً : لا يجوز لأحدهما أن يكتم عن الآخر عند الزواج ما به من أمراض معدية أو مؤثرة إن وجدت، وفي حالة كتمانه ذلك وتحقق إصابة أحدهما أو موته بسبب ذلك فإن الطرف المتسبب يتحمل كل ما يترتب عليه من عقوبات وتعويضات حسب أحكام الشرع وضوابطه.
سادساً : يحق لكليهما المطالبة بالفسخ بعد عقد النكاح إذا ثبت أن الطرف الآخر مصاب بالأمراض المعدية أو المؤثرة في مقاصد الزواج .
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
أيهما يقدم: تزويج الفتاة أم تعليمها ؟
إنني طالبة جامعية وتقدم لخطبتي شاب ذو دين وخلق فأيهما يقدم الزواج أم الدراسة؟ ... السؤال
14/03/2005 ... التاريخ(35/48)
د.حسام الدين بن موسى عفانة ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فالإسلام لم يجعل التعليم حقا من حقوق المرأة فحسب، بل أوجبه عليها بنص الحديث "طلب العلم فريضة على كل مسلم" والخطاب للمسلمات ضمنا، ومن ثم فلا يستطيع أحد أن يمنع المرأة أن تنال حظها من التعليم، ولكن إذا بلغت الفتاة السن التي تصلح أن تكون فيه زوجة وتقدم إليها من ترتضي دينه وخلقه فعليها أن تسارع بالزواج منه، وكم من متزوجات حصلن على أعلى الدرجات العلمية، ولم يكن الزواج عقبة في طريق ذلك.
وإليك فتوى فضيلة الدكتور حسام الدين عفانة-أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:-
الأولى في حق هذه الفتاة أن تتزوج فإن الزواج مقدم على التعليم والزواج قد يفوت والتعليم يمكن استدراكه ، وقد حث الإسلام على تزويج الفتاة إذا تقدم لها خاطب كفؤ . فقد ورد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام :( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) رواه الترمذي وهو حديث حسن . وقد روي في حديث آخر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :( يا علي ثلاث لا تؤخرها : الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت كفؤاً) رواه الترمذي وقال حسن غريب . والأيم : هي المرأة التي لا زوج لها .
وبهذا يظهر أن الزواج مقدم على الدراسة والتعلم وهو الأصلح للمراة خاصة في هذا الزمان الذي كثر فيه الفساد في مجال التعليم وغيره من مجالات الحياة . والزواج فيه محافظة على المرأة وانسجام مع طبيعتها ووظيفتها الأساسية وقد يكون الاستمرار في التعلم سبباً من أسباب عدم الزواج وخاصة إذا واصلت المرأة تعليمها إلى مراحل عليا لأنها حينئذ تتقدم بها السن وتقل الرغبة في الزواج منها فالأفضل لهذه الفتاة أن تتزوج .
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز الزواج في شهر المحرم ؟
يعتقد بعض الناس أن الزواج في شهر المحرم شؤم أو حرام فهل لهذا الاعتقاد أساس من الدين؟ ... السؤال
13/02/2005 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
فهذا الاعتقاد لا أساس له من الدين، والذي في دين الإسلام أن شهر المحرم من الأشهر الأربعة الحرم التي عظمها الله، وحرم فيها القتال، وجعل الإثم والعدوان(35/49)
فيها أشد نكرًا منها في غيرها، وسماه النبي شهر الله تشريفًا له، وقال للرجل الذي سأله عن صيام التطوع " إن كنت صائمًا بعد رمضان فصم المحرم فإنه شهر الله، فيه يوم تاب الله على قوم، ويتوب فيه على قوم آخرين " وشهر هذا شأنه ينبغي أن يستبشر الناس به، ولا يحجموا عن الزواج فيه وأن يتخلصوا من هذه الأوهام التي خلفها في مصر الغلو الفاطمي الذي جعل من المحرم شهر حزن ونواح، وتجنبوا فيه كل دواعي الفرح والسرور، ومنها الزواج.
إن الشهور والأيام كلها - في نظر الإسلام - ترحب بالزواج لأنه شعيرة من شعائر الدين وسنة من سنن رسوله الكريم ومن تزوج فقد أحرز شطر دينه وطوبى لمن أحرز شطر الدين.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
تعليم المرأة
ما رأي الدِّين في تعليم المرأة؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... التَّكاليف الشرعية موجَّهة للرِّجال والنِّساء جميعًا، وإن كان أكثر النصوص في القرآن والسنة تتحدث عن الرجل؛ لأنه الأصل وكل مَن بعده تبع له (يا أيُّها النَّاسُ اتَّقُوا ربَّكم الذي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وِنِسَاءً) (سورة النساء:1) وَفِي بَعْضِ الأَحْيَانِ تنزل نصوص تتحدث عن الجنسين لوجود سبب يدعو إلى ذلك، كما جاء في رواية أحمد والنسائي أن أم سلمة قالت للرَّسول: ما لنا لا نُذْكر في القرآن كما يُذكر الرجال؟ فتلا قوله تعالى وهو على المنبر يا أيها الناس الله يقول ( إنَّ المُسْلِمينَ والمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ) إلى آخر الآية ( سورة الأحزاب :35)، وفي رواية التِّرمذي أنها سألته: لِمَ لَمْ تُذْكر النساء في الهجرة؟ فنزل قوله تعالى (فاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِنْ بَعَضٍ..) إلى آخر الآية (سورة آل عمران:195) وذلك كله مع مُراعاة التناسب في التكليف بين طبيعة كلٍّ من الجِنْسَيْن، وطلب العلم واجب لمعرفة ما أمَرَنا الله باتِّباعه مما أنزله على رسله المبشِّرين والمنذِرين، وتلك حقيقة لا تحتاج إلى دليل، وأكثر النصوص الواردة تُبين فضل المتعلِّم على غَيْره بأساليب كثيرة والرجل والمرأة في ذلك سواء، وإذا كان قد جاء في حديث ضعيف "طلب العلم فريضة على كل مسلم" دون لفظ " ومسلمة" فهي مضافة حُكمًا لا رواية والواقع يشهد لذلك، فقد صحَّ في البخاري ومسلم طلب النساء من النبي تخصيص يوم لهن للتعَلُّم، وأن كثيراتٍ منهن سألْنَه في أمور دقيقة قالت في شأنها السيدة عائشة: نعم النساءُ نساءُ الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين، بل جاء في رواية البخاري ومسلم "أيُّما رجلٍ كانت عنده وَلِيدَة- أي أمَة رقيقة – فعلَّمها فأحسن تعليمها، وأدَّبها
فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران"، وإذا كان هذا في تعليم الأمَة فكيْف بالحُرة" والنصوص عامة للجميع، لقد قال الفقهاء – كما جاء في إحياء علوم الدين(35/50)
للإمام الغزالي وغيره- يجب على الزوج أن يُعَلِّم زوجته القَدْر الضروري الذي تصحِّح به عبادتها، وتُؤدي به واجبها المنوط بها، وذلك إما بنفسه هو أو بمن يستعين به، فإن لم يفعل كان لها أن تَخْرج لطلب العلم الواجب ولا يجوز أن يمنعها منه. وقَدْ صحَّ في الحديث نهي الرِّجال عن منْع النِّساء من الذَّهاب إلَى المسجد، وذلك من أجل التعلُّم؛ لأن صلاتهن في بيتهن أفضل. فإذا كان للمرأة أن تخرج لطلب العلم فعليها أن تلتزم بكل الآداب الواجبة لكل خروج من بيتها، من الحشمة والعفة والأدب وعدم المُغرِيات من عِطْر نفَّاذ أو قول خاضع، أو خُلْوة مُريبة، أو تزاحم مُتَعَمَّد، مع التأكد من الأمن عليها من الفتنة والفساد. وعلى المجتمع كله أن يُوَفِّر الجو الآمن لتحقيق الغرض من التعليم ومنع الفساد بأي وجه يكون. وبالفهم الجيد لنصوص الدين وروح الشريعة يمكن الحكم على أي عمل حكمًا صحيحًا، بعيدًا عن التخبُّط والانْحراف.
ـــــــــــــــــــ
اقتراف الزنا خشية الفضيحة
أنا امرأة مسلمة ذهبت إلى عرس أحد الأقارب في إحدى صالات الأفراح ، وحدث أن صورني أحد الشباب المنحط والذين دخلوا عند النساء بدون علمهن واستطاع أن يدمج صورتي مع صورته !! ثم أخذ يهددني بعد أن عرف رقم هاتفنا بأن أفعل معه الرذيلة أو يفضحني بنشر صورتي معه فماذا أفعل !! ... السؤال
10/05/2006 ... التاريخ
الشيخ مازن عبد الكريم الفريح من علماء السعودية ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالتهديد بالفضيحة لا يسوغ للإنسان الوقوع في المعصية، وإن ترتب على ترك المعصية فضيحة ، فإن الله تعالى ناصر من لاذ به فرارا من معصيته ، ولفضيحة الدنيا أهون عند الله وعند الناس من فضيحة الآخرة ، والواجب عليك التفكير مع الزوج والأهل في التخلص من تهديد ذلك الذي صورك.
يقول الشيخ مازن عبد الكريم الفريح من علماء السعودية :
لقد حذر الكثير من المصلحين من المنكرات التي تقع في صالات الأفراح وما يترتب عليها من هتك للأعراض وكشف للعورات وارتكاب للمحظورات ، وبعض الصالات غير مأمونة حيث يستغل بعض ضعاف الإيمان من الشباب الطائش تجمع النساء فيها وهن في أبهى حللهن فينظرون من مكان خفي أو التصوير من بعد – كما حدث لك أيتها الأخت – ثم يقومون بتغيير معالم الصور بطرق شيطانية ليتخذوا منها وسيلة للتهديد للوصول إلى غايتهم الدنيئة !!
وكم من المآسي حلت في أسر كانت سعيدة فتحولت السعادة إلى تعاسة نتيجة لتهاون النساء بالمحظورات وارتكابهن للكثير من المنكرات أثناء حفلات الأعراس ولعل من أقبح المحظورات تصوير الحفل بالفيديو ، فتصور النساء وقد سرحن شعورهن وجملن وجوههن وكشفن ما استطعن عليه من أجسادهن وأخذن يرقصن ويتكسرن(35/51)
على أصوات الموسيقى .. ثم قد يقع الفيلم بيد زوج فاجر أو ابن فاسق أو أخ ماجن ليعرضه على أصحابه وزملائه ، ولك أن تتصوري حال الزوج وهو يرى زوجته وأخته وقد نفشت شعرها وهزت خصرها على شاشة التلفاز والرجال الأجانب حوله يضحكون وبرؤية عورتها يستمتعون والعياذ بالله ، وإنما أذكر ذلك لأن الكثير من النساء لا يحسبن أدنى حساب للعواقب الوخيمة والمصائب الجسيمة التي قد تقع من جراء تجاوزهن لحدود الله في تلك الأعراس، كما أن الكثيرات من النساء إذا دخلت صالة الأفراح كشفت عن عورتها وكأنها دخلت غرفة زوجها .
أما ما يتعلق بمشكلتك وتهديد هذا الفاجر لك بالفضيحة .. فالحذر .. الحذر من الاستجابة لتهديده أو الإصغاء لوعيده واعلمي أيتها الأخت أن المصيبة لا تنكشف بالمعصية ، وإنما تزول بالطاعة و الالتجاء إلى الله بالتوبة النصوح من جميع الذنوب ، ولعلني أسوق قصة المرأة التي تزوجت من رجل فأسكنها مع أخيه في بيت واحد فإن فيها عبرة .
تقول المرأة :
كنت قبل الزواج أقضي فراغ وقتي في المعاكسات الهاتفية ، ولا أقصد من المعاكسات سوى قتل الوقت – هكذا تزعم – وعندما تزوجت أحسست – نظراً للفراغ – بتلك الرغبة التي كانت تستهويني قبل الزواج فرفعت سماعة الهاتف وأخذت أكلم رجلا أعرف رقم هاتفه ولكن وقع ما لم أكن أتوقع فقد حدث أن استمع أخو زوجي لبعض حديثي ومعاكساتي مع الرجل؛ بل وسجل الكثير من مكالماتي الهاتفية في شريط وراح يهددني به وتحت ضغط التهديد وخشية الفضيحة أمام زوجي وأهلي استجبت له فواقعني كما يواقع الرجل زوجته !! ولكنه استمرأ هذا الفعل وكذب علي وراح يهددني ورحت أستجيب له فأصبحت الفضيحة فضائح والمصيبة مصائب كل مصيبة تنهد لها الجبال الراسيات.
أيتها الأخت.. لعلك أدركت ما كنت أريده من تحذيرك ومن الاستجابة لتهديد هذا الفاجر ، وأرى أن الحل يكون في الأمور التالية :
أولاً :
التوبة الصادقة النصوح
؛ فان البلاء ما وقع عليك إلا بسبب الذنوب وكما قال علي رضي الله عنه (( ما نزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بالتوبة )) كما عليك بالدعاء والتذلل بين يدي ربك عز وجل لعل الله أن يكف بأس هذا الفاجر ، ويريحك من شره .
ثانياً : إخبار ولي أمرك بالموضوع
، فإن لم تستطيعي أن تخبريه بالموضوع فأخبري أمك لكي تقوم بمفاتحته بالأمر ومهما عظم خوفك من إخبار أهلك فإن استجابتك له – لا سمح الله – لتهديده أعظم بكثير كما أن إخبارك لأهلك دليل على ثقتك بنفسك وزيادة ثقة أهلك بك .
ثالثاً : أن يقوم ولي أمرك باستدراجه عن طريقك ليتمكن من الإمساك به وكف أذاه عنك
وعن غيرك من بنات المسلمين ويمكن الاتصال بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمساعدتكم في ذلك .(35/52)
أسأل الله عز وجل أن يحفظك بحفظه ويرعاك برعايته ويجنبنا وإياك شر شياطين الإنس والجن إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
طاعة الزوج في المعصية .. الدور المطلوب
كيف أتصرف إذا أمرني زوجي بمعصية الله ؟ وما موقفي مما يصنع؟ ... السؤال
03/01/2005 ... التاريخ
الشيخ مازن عبد الكريم الفريح من علماء السعودية ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمن الواجب على المسلم أن يضع كل شيء في نصابه ، بحيث لا يتعدى الأمر حده ، ولا يأخذ من لا حق له حق غيره، وإن كان الإسلام أمر الزوجة بطاعة الزوج ، ولكن هذه الطاعة مشروطة بألا تكون في معصية ، فإن أمر الزوج زوجته بمعصية ، فالواجب عليها مخالفته، والتشاغل عنه، والنصح له ، وهجره ، وإظهار رفضها لما يفعل ، فإن لم يجد معه شيء، أبلغت أهل الحكمة من أهله أو أهلها حتى يردوه عن غيه ، مع كثرة الدعاء له بالهداية من الله.
يقول الشيخ مازن عبدالكريم الفريح من علماء المملكةالعربيةالسعودية :
هذا السؤال يتكرر كثيراً من بعض النساء وله صور كثيرة منها :
زوجي يأمرني أن أكشف حجابي أمام إخوانه فماذا أفعل ؟
زوجي اشترى (دش ) ويأمرني أن أجلس معه لرؤية الأفلام السافلة وسماع الأغاني الماجنة حتى إني أحياناً أصرف وجه ابنتي ( في الثالثة عشرة من عمرها ) عن بعض المناظر التي تخدش الحياء والتي تعرض عبر هذه القنوات . فهل أستمر في جلوس معه طاعة لزوجي ؟!
لا شك أنه ترتب على جهل الكثيرات من النساء بحدود طاعة الزوج والوقوع في معصية الله وانتهاك حرماته وتجاوز حدوده ، ومع أهمية طاعة الزوج وعظم ذلك عند الله إلا أنها ليست طاعة مطلقة لا ضابط لها ولا قيد ؛ بل جعل الشارع لها حدوداً فقال عز وجل في بيعة النساء (( ولا يعصينك في معروف )) الممتحنة الاية :12 قال الإمام القرطبي رحمه الله ( إنما شرط المعروف في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكون تنبيها على أن غيره أولى بذلك وألزم له ) .
وكذلك قال صلى الله عليه وسلم (( إنما الطاعة بالمعروف )) .
ولذا؛ فإن طاعة المرأة لزوجها في معصية الله منكر يجب أن تحذره .. وكم من امرأة كانت تظن أن طاعتها لزوجها – ولو في معصية الله – تزيد حبه وتعلي عنده منزلتها فسايرته في منكراته وأطاعته في معصية الله فأتاها الله من حيث لا تحتسب وقذف في قلب زوجها البغض لها والنفور منها.
ولعلي أذكر تلك الرسالة التي تأثرت كثيراً وأنا اقرأ سطورها وأتأمل أحداثها وأرى تدبير الله عز وجل فيها .(35/53)
يقول صاحب الرسالة :
كنت شابا أرتكب الكثير من المعاصي في داخل البلاد وخارجها ثم تزوجت بإمرأة صالحة بعد إلحاح شديد من والدي ، فقطعت على نفسي عهداً إما أطوعها على ما أريد وما أنا عليه وإما أن أسرحها بالمعروف ، وفي غضون سنوات قليلة استطعت أن أغير كيانها فقد لقيت استجابة منها حتى وصل الأمر أننا نسافر الى خارج البلاد وتخرج من حشمتها بطوعها واختيارها ونرتاد الملاهي والمسارح والمراقص دون أي وجل منها ثم دارت الأيام وأراد الله لي الهداية فعدت إلى رشدي ولزمت طاعة ربي ، وقد عادت هي الأخرى بعد عودتي .. ولكنني .. كرهتها وكرهت الارتباط بها حيث إنها لم تصرخ في وجهي في بداية الأمر معبرة عن رفضها لما أنا عليه ملتزمة لما كانت عليه . إنني غير مرتاح معها رغم أنني حزين لما حدث لها بسببي إلا أنني لا أستطيع العيش معها أبدا !!..
وإذا كانت هذه الرسالة قد تضمنت العديد من العبر ، وتركت في القلب عميق الأثر ، فإن العبرة التي ينبغي أن نؤكد عليها لكل امرأة مسلمة هي :
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
لذا فإنه لا يجوز للمرأة أن تطيع زوجها أو غيره من المخلوقين في معصية الخالق عز وجل .
ليس هذا فحسب بل يجب عليها إنكار المنكر – بقدر استطاعتها - حتى لا تستمرأه وتعتاد عليه مع مرور الأيام .
وعليه فإني أرى موقف المرأة المسلمة من منكرات زوجها تلخص فيما يلي :
أولا :عدم طاعته إذا أمر بمعصية ، فإذا أمرها بالتبرج أمام الرجال الأجانب رفضت ولم تطعه ، وإذا أمرها بالجلوس لرؤية الافلام الماجنة رفضت ، .. وهكذا .
وإن استطاعت ان تتعلل وأن تتشاغل عن الجلوس معه بشيء آخر فلها ذلك (وقد أشار بعض المشايخ بهذا ) لا سيما إذا خشيت على نفسها منه .
ثانيا :نصحه بالحكمة والموعظة الحسنة
لعل الله عز وجل أن يهديه (والدين النصيحة ).
ثالثا : الهجر (في البيت )
كإظهار الامتعاض من صنيعه وعدم الرضا الذي يليق بمنكره ولا يترتب على ذلك منكر أكبر منه .
رابعاً : إن لم تفلح في محاولتها في ثنيه عن منكراته وإقلاعه عن معاصيه أخبرت أهل الحكمة من محارمها ليقوموا بدورهم في نصحه ودعوته .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
ضرب الزوجة بين الكراهة والتحريم
هل من حق الزوج أن يتسلط على زوجته ويعاقبها بالضرب لأول خطأ ولأتفه الأسباب؟ فهل الإذن في ضرب الزوجة إذن عام دون قيد أو شرط أم أن الأمر له ضوابط وشروط؟
... السؤال(35/54)
13/12/2004 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فالحياة الزوجية لا تقوم إلا على الحب والتراحم، والآيات والأحاديث التي تحث على إكرام الزوجة والإحسان إليها كثيرة، ولا يجوز أن تعاقب الزوجة لمجرد أول خطأ تقع فيه بل يجب النصح والوعظ والتذكير مرة بعد مرة، وإن بدا منها الإصرار فتهجر في المضجع، وإذا لم يجد فتُضرب -إذا كان الضرب مجديا- ولكن ضربا غير مبرح مع تجنب الوجه والأماكن الحساسة في جسدها، فهو استثناء من الأصل وفي الحديث (لا يضرب خياركم). والضرب إنما أبيح حين يكون فيه صلاح المرأة واستقامتها من أجل أن تستقيم الحياة الزوجية وألا يكون مصيرها التفكك والضياع.
يقول فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
يقول الله تعالى : ( وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ) سورة النساء /34 . قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: " قوله تعالى (واضربوهن) أمر الله أن يبدأ النساء بالموعظة أولاً ، ثم بالهجران ، فإن لم ينجعا فالضرب ، فإنه هو الذي يصلحها ويحملها على توفية حقه ، والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرح .... ".
ولا شك أن ضرب الزوج لزوجته مشروع ، والضرب إحدى وسائل التأديب ، ولكن لا يجوز للزوج أن يبادر إلى ضرب زوجته ابتداءً ، ولا بد أن يعظها أولاً ، فإن نفع الوعظ فبها ونعمت ، وإن لم ينفعها الوعظ هجرها في المضجع ، فإن أخفق الهجر في ردها إلى جادة الصواب ، فإنه حينئذ يلجأ إلى الضرب ، وليس المقصود بالضرب إلحاق الأذى بالزوجة كأن يكسر أسنانها أو يشوه وجهها ، وإنما المقصود بالضرب هو إصلاح حال المرأة ، ويكون الضرب غير مبرح ، وكذلك لا يجوز الضرب على الوجه والمواضع الحساسة في الجسد.
وقد ورد في ذلك أحاديث منها : - قوله صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح ) رواه مسلم .
-قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع : (استوصوا بالنساء خيراً ، فإنهن عوان عندكم ، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك ، إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينة ، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبتغوا عليهن سبيلاً ، ألا إن لكم على نسائكم حقاً ، ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ،(35/55)
ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ) رواه الترمذي ، وقال: حسن صحيح .
-وقال الإمام البخاري: باب ما يكره من ضرب النساء ، وقول الله تعالى (واضربوهن) أي ضرباً غير مبرح " ، ثم ساق البخاري بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ، ثم يجامعها في آخر اليوم )
وقال الحافظ ابن حجر معلقاً على عنوان الباب: فيه إشارة إلى أن ضربهن لا يباح مطلقاً ، بل فيه ما يكره كراهة تنزيه أو تحريم " فتح الباري 11/214 .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( ما ضرب رسول الله شيئاً قط ، ولا امرأة ولا خادماً ، إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله ، فينتقم لله عز وجل ) رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إذا ضرب أحدكم ، فليتق الوجه) رواه مسلم.
وعن معاوية بن حيدة قال: قلت يا رسول الله : ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال: ( أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت ) رواه أبو داود ، وقال الألباني: صحيح.
وخلاصة الأمر ، أنه لا يجوز للزوج أن يضرب زوجته ابتداءً ، وإنما يكون ذلك بعد الوعظ ، وبعد الهجران ، ويجب أن يكون الضرب غير مبرح ، فإن الضرب المبرح حرام لما سبق في الأحاديث ، قال عطاء : " الضرب غير المبرح بالسواك ونحوه ، وقال الحافظ ابن حجر: " إن كان لا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير " فتح الباري 11/215 . وعلى الزوج أن يتجنب ضرب الوجه والمواضع الحساسة في الجسد . أ.هـ
ويقول الدكتور مراد هوفمان -مفكر إسلامي غربي-:
إن بيان القرآن الذي يبيح للرجل ضرب الزوجة الناشز، والذي يصر كثيرون على فهمه فهماً خاطئاً في معظم الحالات، إنما يهدف إلى صيانة الحياة الزوجية، وحمايتها وتقويمها، كما تنص على ذلك الآية الرابعة والثلاثون من سورة النساء: (... واللاتي تخافون نُشوزُهنَّ فعظوهنَّ واهجروهنّ في المضاجع، واضربُوهنَّ، فإن أطعنكُم فلا تَبغُوا عليهنًّ سبيلاً، إن اللهَ كان عليّاً كبيرا).
وتتفق السنّة والآثار الموقوفة جميعاً على أن المقصود هنا الإرشاد لإنقاذ كيان الزيجة التي يتهددها الفشل، وألا يتسرع الزوج الغاضب لنشوز زوجته في تطليقها، ذلك أن أبغض الحلال عند الله الطلاق، كما هو مشهور في الحديث النبوي.
كذلك، فليس المقصود بالضرب البطش باليد أو بالسوط أو بأية آلة، إلا إذا كانت تلك الآلة لا تحدث أي جرح أو تسيل دماً، فيكون رمزاً للتأنيب والتأديب، كأن يضرب الزوجُ الزوجَ الناشزة بمنشفة أو مروحة من الورق ونحو ذلك. أ.هـ
ويقول الشيخ عصام الشعار –الباحث الشرعي بالموقع-:
ضرب الزوجة الإذن فيه ليس على إطلاقه وإنما مقيد بنشوزها، وأن يكون مفيدا في إصلاحها وتقويمها، والنشوز معناه الخروج عن الطاعة الواجبة ولا يكون نشوزا إلا(35/56)
إذا بدا منها الإصرار على معصية الزوج ومخالفته بامتناعها عن أداء حقه وخروجها من بيته دون إذنه، ونحو ذلك مما يجب عليها، وكما قال الفقهاء على الزوج وعظ زوجته بما يلين قلبها لقبول الطاعة واجتناب المنكر فإذا لم يفد الوعظ هجرها في المضجع ، فإذا لم يفد الهجر جاز للزوج ضربها ضربا غير مُبرِّح وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة، وضرب الزوجة ليس على إطلاقه في هذا الحالة بل هو مقيد بأن يغلب على ظن الزوج أنه يفيد في تأديبها، فإن ظن عدم إفادته فلا يجوز له ضربها.
بل جاء في كتاب أحكام القرآن لابن العربي –الفقيه المالكي- (قال عطاء –من فقهاء التابعين-: لا يضربها وإن أمرها ونهاها فلم تطعه , ولكن يغضب عليها. قال القاضي: هذا من فقه عطاء , فإنه من فهمه بالشريعة ووقوفه على مظان الاجتهاد علم أن الأمر بالضرب هاهنا أمر إباحة , ووقف على الكراهية من طريق أخرى في قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زمعة : { إني لأكره للرجل يضرب أمته عند غضبه , ولعله أن يضاجعها من يومه } . وروى ابن نافع عن مالك عن يحيى بن سعيد " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استؤذن في ضرب النساء , فقال : اضربوا , ولن يضرب خياركم" . فأباح وندب إلى الترك . وإن في الهجر لغاية الأدب . والذي عندي أن الرجال والنساء لا يستوون في ذلك ; فإن العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة ; ومن النساء , بل من الرجال من لا يقيمه إلا الأدب , فإذا علم ذلك الرجل فله أن يؤدب , وإن ترك فهو أفضل . قال بعضهم وقد قيل له ما أسوأ أدب ولدك فقال : ما أحب استقامة ولدي في فساد ديني.
ويقال : من حسن خلق السيد سوء أدب عبده . وإذا لم يبعث الله سبحانه للرجل زوجة صالحة وعبدا مستقيما فإنه لا يستقيم أمره معهما إلا بذهاب جزء من دينه , وذلك مشاهد معلوم بالتجربة . فإن أطعنكم بعد الهجر والأدب فلا تبغوا عليهن سبيلا . )
والضرب يؤدي إلى وقوع الإنسان في الخطأ إذا تجاوز الحد المأذون فيه شرعا، وبخاصة أنه في الغالب يكون ثورة للنفس، وردا لفعل وليس بقصد التأديب.
أما الضرب المبرح، فقد نهى عنه الشارع حتى وإن كان فيه صلاح الزوجة واستقامتهاوجاء في حاشية الدسوقي لابن عرفه المالكي (ولا يجوز الضرب المبرح ولو علم الزوج أنها لا تترك النشوز إلا به، فإن وقع فلها التطليق عليه والقصاص).
فمراحل التأديب عند نشوز الزوجة إذن هي الوعظ والتذكير بالله ويليه الهجر، ثم الضرب إذا كان يفيد في إصلاحها وتقويمها، ولا ينتقل إلى مرحلة إلا إذا لم يُجدِ ما قبلها.
وذهب عبد الله بن عباس –رضي الله عنه- إلى أن الزوجة إذا أطاعت زوجها في المضجع، فليس له ضربها.
وروى ابن جريج عن عطاء قال : " الضرب غير المبرح بالسواك ونحوه " . وقال سعيد عن قتادة : "ضربا غير شائن " . وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل المرأة مثل الضلع متى ترد إقامتها تكسرها , ولكن دعها تستمتع بها".
وقال الحسن: "واضربوهن" قال: " ضربا غير مبرح وغير مؤثر ".(35/57)
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أيها الناس , إن لكم على نسائكم حقا , ولنسائكم عليكم حقا ; لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه , وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبينة , فإن فعلن فإن الله تعالى قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح , فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف".
وفي هذا دليل على أن الناشز لا نفقة لها ولا كسوة , وأن الفاحشة هي البذاء ليس الزنا كما قال العلماء , ففسر النبي صلى الله عليه وسلم الضرب , وبين أنه لا يكون مبرحا , أي لا يظهر له أثر على البدن يعني من جرح أو كسر.
وأخيرا فالحياة الزوجية هي سكن للزوجين ولا تستقيم إلا بالمودة والرحمة، ولكن الحياة بما فيها من تبعات وهموم لا تخلو من كدر فإذا ما هبت ريح الحياة بما يعكر صفو الحياة الزوجية فعلى كل من الزوجين أن يلين مع صاحبه حتى يصلا إلى شاطئ النجاة، وبالمحبة والرحمة والحوار القائم على الاحترام المتبادل من الطرفين تكون السعادة الحقيقية ولن يكون هناك ما يدعو إلى الشقاق، وما أجمل ما علمنا -رسول الله صلى الله عليه وسلم- (إن الله تعالى رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف).
وفي الحديث الذي رواه الدار قطني ( إذا أراد الله بأهل بيت خيرا فقههم في الدين، ووقر صغيرهم كبيرهم، ورزقهم الرفق في معيشتهم، والقصد في نفقاتهم، وبصرهم عيوبهم فيتوبوا منها؛ وإذا أراد بهم غير ذلك تركهم هملا).
وعند الطبراني قال صلى الله عليه وسلم (ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم).
و في صحيح مسلم قال -صلى الله عليه وسلم-: (عليك بالرفق، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)
وفي الحديث أيضا (إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق.).
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
قوامة المرأة في البيت
هل يمكن للمرأة أن تكون هي قيمة البيت ، وما النظرة الصحيحة لحقوق وواجبات المرأة؟ ... السؤال
24/11/2004 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فقد جعل الإسلام القوامة للرجل ، وليس للمرأة ، والمشكلة أن كثيرا من الناس يقع إما في الإفراط أو التفريط ، فإما أن يترك كل شيء للمرأة ، أو أن يهمل المرأة، وكلاهما مرفوض، ولابد أن تنظر المرأة إلى واجباتها قبل النظر إلى حقوقها ، ولا ننظر إلى الغرب في كل شيء ، ففي الإسلام كفاية لحماية حقوق المرأة .
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :(35/58)
نجدُ الآن إمَّا رجلًا يُهْمِل امرأته تمامًا، وإمَّا رجلًا يُسَلِّم لها الزِّمام، فتُصْبِح المرأة هي سيدة البيت ـ بما فيه الرجل ـ وهى المُتَصَرِّفة في كل شيء، والرجل لا يفعل شيئًا، ولا يحكم على شيء.
لم يقل الله ـ سبحانه ـ: النساء قَوَّامات على الرجال، وإنما قال: (الرجالُ قَوَّامُونَ على النِّساءِ) (النساء: 34)، فالرجل الذي يعيش في بيته ولا أمر له ولا رأي، ولا يستطيع أن ينفِّذ شيئًا، وإنما المرأة هي التي تَتَحَكَّم فيه، هذا ليس رجلًا.
نجد الإفراط والتفريط في هذه الأمور كلها. الذي نريده هو الأمر الوَسَط، وهذا الوسط هو الاعتدال الذي جاء به الإسلام.
ومن هنا نريد مسلمة الغد..
المسلمة المُعتدلة التي تُؤَدِّي واجباتها كما تُطَالِب بحقوقها، بل تُؤَدِّي الواجبات قبل أن تطالب بالحقوق.
هذا العصر تَسُودُه مُوضة فكرية، ألا وهى طلب الحقوق قبل أداء الواجبات. كل إنسان يقول: ماذا لي، قبل أن يقول: ماذا علىَّ.
فالمرأة تُطالب بحق التعليم، بحق العمل، بحق الانتخاب، بحق الترشيح.. ولا تقول: ماذا يجب أن أفعل!
الحقوق قبل الواجبات، والعِناية بالمَظْهَر قبل المَخْبَر، والعناية بالجسم قبل الروح، والعناية بالشارع قبل البيت!! هذا هو طابَع المرأة العصرية.
ذلك أننا أخذنا هذه الأشياء من الغَرْب ومن المرأة الغربية، وتقليد المرأة المسلمة للمرأة الغربية لا ينبغي أن يكون؛ لأن لكل منهما خصائصها.
المرأة الغربية لها طبيعتها، لها عقيدتها، لها مواريثها من القِيَم والتقاليد، لها بيئتها المختلفة.. ونحن لنا تراثنا وقيمنا وتقاليدنا، فلا ينبغي أن تُقَلِّد المرأة المسلمة في بلاد المسلمين المرأة الأوربية أو الأمريكية.
المرأة هناك خرجتْ تَعمل وتُزاحم الرجال بالمَناكب في كل ناحية من نواحي الحياة، إنها فعلت مضطرَّةً غيرَ مُختارة، مُسَيَّرة لا مُخَيَّرة..
لأنها لو لم تفعلْ ذلك لهَلَكَتْ ولَمَاتَتْ جوعًا؛ لأنها لم تَجِد مَنْ يُنْفِق عليها، لا أب ولا أخ ولا زوج ولا أي إنسان آخر.
هذا ليس في الإسلام..
المرأة في الإسلام هي الأصل. إنها مَكْفُولة الحاجات، مَكْفِيَّة النَّفَقات؛ لأنها دائما في كفالة رجل.. إمَّا أبوها إن كانتْ بنتًا، وإما أخوها إن كانتْ أختًا، وإما ابنَها إن كانتْ أُمًّا، وإما زوجها إن كانت زوجة، هي مَكْفِيَّة بهؤلاء، بحُكْم نِظام النَّفَقات في الشرع، ويُلْزَم الإنسان بهذا إلزامًا.
أما هناك في الغرب.. فلا شيء من هذا!
أستاذنا الدكتور "محمد يوسف موسى" ـ رحمه الله ـ كان يتعلَّم في فرنسا؛ ليحصُل على الدكتوراه من هناك، حيث كان يعيش في باريس.. ذكر في كتابه: "الإسلام وحاجة الإنسانية إليه"، يقول: "كنا نعيش في بيت، وكانتْ تَخْدِمُنا فتاة، يَظْهَر من سُلُوكها أنها ذات أصل ونسب، وليست من بنات الهوى ولا من بنات الليل، ولا ممَّنْ يَبِعْنَ عِرْضَهُنَّ، كانتْ تُؤَدِّي عملها بشرَف واحترام، فسألنا صاحبة البيت الذي(35/59)
نَسْكُن فيه عنها، فقالتْ: أَتَعْرِفُونَ المَتْجَر الفُلانِي في الشارع الفلاني ـ وهو من المَتاجِر الكبيرة المشهورة ـ؟ فقلنا: نعم. قالت المرأة: هذا عمها وهى ابنة شقيقه فَعَجِبْنا، وقلنا لها: عمها هذا التاجر الثَّرِي، ويَتْرُك ابنة أخيه تَخْدِم في المنازل؟ فلْتَرْفعْ عليه دَعْوى ليُحْكَم عليه بالنفقة ولا تُضطَّر إلى الخدمة في البيوت. فابتسمت المرأة، وقالت أي قانون يَحْكُم لها؟! وهل عندَكم مثل هذا النِّظام؟! قلنا: نعم، عندنا ... وتستطيع مثل هذه الفتاة أن تَرْفَع دعوى على عمها، ويُجْبَر على دفع النفقة إجبارًا.
فقالت المرأة: لو كان هذا عندنا لَما رأيتم هذه الطوابير من الفتيات والنساء اللواتي يعملن في المصانع والمتاجر والمؤسسات من الصباح الباكر! إن ما أجْبَرَهُنَّ على مثل هذا أنَّهُنَّ لم يَجِدْنَ مَنْ يُنْفِق عليهنَّ!".
هؤلاء الناس إذنْ لهم قِيَمُهم وشرائعهم وتقاليدهم.
كيف نفعل مثلما فعلوا، ونقول: إن المرأة يجب أن تَعمل كما يعمل الرجل تمامًا؟
لا مانع أن تَعْمَل المرأة إذا احتاجتْ إلى العمل، أو إذا احتاج المجتمع إلى عملها.. كالمُعَلِّمة والطبيبة والمُوَلِّدة. هناك أنواع من الأعمال يَحْتَاجُها المجتمع الإسلامي، وتَلِيق بفِطرة المرأة وطبيعتها.
إن مشكلتنا إذن هي مُشكلة التقليد الأعمى.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
امتناع الزوجة عن زوجها لتقصيره في صلاة الفجر
هل يجوز للمرأة أن تمتنع عن زوجها ، بسبب تقصيره في صلاة الفجر ، علما أنه يصلي الصلوات في جماعة ويؤدي الفرائض الأخرى؟ ... السؤال
15/11/2006 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
الأخت الفاضلة :
شكر الله تعالى لك حرصك على الالتزام بدين الله تعالى ، وشكر الله تعالى لك أيضا غيرتك على زوجك ، وسعيك الحميد أن يكون زوجك من الصالحين ، وأن ينال بركة الله بصلاة الفجر .
ولكنه لا يجوز للمرأة أن تمتنع عن زوجها ، عقابا له على تقصيره في حق الله تعالى ، فإن الذي يحاسب العباد هو الله تعالى ، ولأن الجماع من الحقوق المشتركة ، فلا ينبغي التفريط فيه، فلا تمتنع المرأة عن زوجها ، ولا يمتنع الرجل عن زوجته ، وربما ترتب على هذا الامتناع ما هو أفدح من ترك صلاة الفجر.
وقد جاءت الأحاديث النبوية مشددة على أن تعطي المرأة زوجها حقه في الجماع، فعن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا دعا الرجل امرأته إلى(35/60)
فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها , لعنتها الملائكة حتى تصبح } متفق عليه ) .
قال الإمام الشوكاني: وفي الحديث دليل على أن الملائكة تدعو على المغاضبة لزوجها الممتنعة من إجابته إلى فراشه . انتهى
ومن حديث عبد الله بن أبي أوفى قال : { ....والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها , ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه } رواه أحمد وابن ماجه ) .
بل حث الرسول إلى سرعة استجابة المرأة لزوجها في الجماع ، مالم يكن هنك مانع شرعي،ففي حديث طلق بن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا الرجل دعا زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور } قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب .
وفي حديث مسلم: { والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها }.
كما أن عصر المغريات التي نعيش فيه ، يجعل البعد عن الامتناع عن الجماع أولى ، فلا تكون الوسيلة التي يرتجى بها جبر التقصير ،داعية إلى الوقوع في المعصية ،صغرت أم كبرت .
كما أنه من الحصافة مراعاة الرجولة في الزوج ،وأنه لا يقبل مثل هذا الأسلوب معه .
كما أنه من المهم أن يستشعر الزوج أهمية صلاة الفجر كإحدى الفرائض الواجب أداؤها ، وأن يفعلها لله تعالى ، لا لأن زوجته تمتنع عن فراشه .
وفي الترغيب في صلاة الفجر ، وحب إتيان عبادة الله ما هو أفضل من امتناع الزوجة عن زوجها .
والامتناع عن الجماع لأجل التقصير في صلاة الفجر مرفوض شرعا شكلا ومضمونا .
ويقول الشيخ عبد الخالق الشريف من علماء مصر في هذا السؤال : لا يجوز للمرأة الامتناع عن زوجها ، لأن الصلاة حق الله ، والجماع حق الزوج ، ولا ارتباط بين الحقين ، ومثال هذا كمثل رجل له مال عند الآخر، وكان صاحب المال لا يصلي، فلا يحق للمدين أن يقول له : لن أعطيك مالك ، لأنك لا تصلي.انتهى
وفي أهمية العلاقة الجنسية بين الزوجين يقول الشيخ الدكتور القرضاوي :
العلاقة الجنسية بين الزوجين أمر له خطره وأثره في الحياة الزوجية . وقد يؤدي عدم الاهتمام بها، أو وضعها في غير موضعها إلى تكدير هذه الحياة، وإصابتها بالاضطراب والتعاسة . وقد يفضي تراكم الأخطاء فيها إلى تدمير الحياة الزوجية والإتيان عليها من القواعد .
وربما ظن بعض الناس أن الدين أهمل هذه الناحية برغم أهميتها . وربما توهم آخرون أن الدين أسمى وأظهر من أن يتدخل في هذه الناحية بالتربية والتوجيه، أو بالتشريع والتنظيم، بناء على نظرة بعض الأديان إلى الجنس " على أنه قذارة وهبوط حيواني ".(35/61)
والواقع أن الإسلام لم يغفل هذا الجانب الحساس من حياة الإنسان، وحياة الأسرة، وكان له في ذلك أوامره ونواهيه، سواء منها ما كان له طبيعة الوصايا الأخلاقية، أم كان له طبيعة القوانين الإلزامية .
1 - وأول ما قرره الإسلام في هذا الجانب هو الاعتراف بفطرية الدافع الجنسي وأصالته، وإدانة الاتجاهات المتطرفة التي تميل إلى مصادرته، أو اعتباره قذرًا وتلوثًا . ولهذا منع الذين أرادوا قطع الشهوة الجنسية نهائيًا بالاختصاء من أصحابه، وقال لآخرين أرادوا اعتزال النساء وترك الزواج: " أنا أعلَمُكم بالله وأخشاكم له، ولكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء . فمن رغب عن سنتي فليس مني ".
2 - كما قرر بعد الزواج حق كل من الزوجين في الاستجابة لهذا الدافع، ورغب في العمل الجنسي إلى حد اعتباره عبادة وقربة إلى الله تعالى، حيث جاء في الحديث الصحيح: " وفي بضع أحدكم (أي فرجه) صدقة . قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال: نعم . أليس إذا وضعها في حرام كان عليه وزر . كذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر، أتحتسبون الشر ولا تحتسبون الخير ؟ " . رواه مسلم .
ولكن الإسلام راعى أن الزوج بمقتضى الفطرة والعادة هو الطالب لهذه الناحية والمرأة هي المطلوبة . وأنه أشد شوقًا إليها، وأقل صبرًا عنها، على خلاف ما يشيع بعض الناس أن شهوة المرأة أقوى من الرجل، فقد أثبت الواقع خلاف ذلك .. وهو عين ما أثبته الشرع .
( أ ) ولهذا أوجب على الزوجة أن تستجيب للزوج إذا دعاها إلى فراشه، ولا تتخلف عنه كما في الحديث: " إذا دعا الرجل زوجته لحاجته، فلتأته وإن كانت على التنور ". (رواه الترمذي وحسنه ).
( ب ) وحذرها أن ترفض طلبه بغير عذر، فيبيت وهو ساخط عليها، وقد يكون مفرطًا في شهوته وشبقه، فتدفعه دفعًا إلى سلوك منحرف أو التفكير فيه، أو القلق والتوتر على الأقل، " إذا دعا الرجل امرأته، فأبت أن تجيء، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح ". (متفق عليه ).
وهذا كله ما لم يكن لديها عذر معتبر من مرض أو إرهاق، أو مانع شرعي، أو غير ذلك .
وعلى الزوج أن يراعي ذلك، فإن الله سبحانه - وهو خالق العباد ورازقهم وهاديهم - أسقط حقوقه عليهم إلى بدل أو إلى غير بدل، عند العذر، فعلى عباده أن يقتدوا به في ذلك. انتهى
وإن كان لا يجوز للمرأة الامتناع عن زوجها ، فإنه من الواجب على الزوج أن يتقي الله تعالى ، وأن يؤدي صلاة الفجر جماعة ، وأن يسعى لذلك بكل الوسائل الممكنة ، حتى يؤدي فرض الله عليه .
ولمعرفة الوسائل المعينة لصلاة الفجر ، يمكن الاطلاع على هذه الفتوى :
الأسباب المعينة على صلاة الفجر
والله أعلم(35/62)
ـــــــــــــــــــ
حكمة التفاضل في الميراث بين الرجل والمرأة
ما حكمة التفاوت في الميراث بين الرجل والمرأة ؟: ... السؤال
04/07/2004 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فإن الإسلام جعل للذكر مثل حظ الأنثيين لما على الرجل من أعباء الزواج والنفقة على الزوجين والأبوين ، والمرأة تأخذ مهرا هو حق لها ، وينفق عليها ، ولكن هناك من الحالات التي يتساوى فيها الرجل والمرأة ، بل هناك من الحالات ما تأخذ المرأة أكثر من الرجل ، ولا بد من استحضار عدل الله تعالى في حكمه ، وألا يشكك في شرعه .
يقول الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي :
أمَّا التفاوت في الميراث بين الرجل والمرأة والذي جاء فيه قوله تعالى: ( يُوصيكم اللهُ في أولادِكم للذكَر مثلُ حظِّ الأنثيين)، (النساء 11) فالواضح أنه نتيجة للتفاوت بينهما في الأعباء والتكاليف المالية المفروضة على كل منهما شرعًا.
فلو افترضنا أبًا مات، وترك وراءه ابنًا وبنتًا، فالابن يتزوج فيدفع مَهرًا، ويَدخل بالزوجة فيدفع نفَقَتها، على حين تتزوَّج البنت فتأخذ مهرًا، ثم يَدخل بها زوجها، فيَلتزم بنفقتها، ولا يكلِّفها فِلْسًا، وإن كانت مِن أغنى الناس، ونفقَتها تقدَّر بقدْر حالِهِ من السَّعة والضيق، كما قال تعالى: ( لِينفِق ذو سعَةٍ مِن سَعتِه ). (الطلاق 7)
فإذا كان قد ترك لهما الأب مائة وخمسين ألفًا مثلاً، أخذ الابن منها مائة وأخته خمسين. فعندما يتزوج الابن قد يدفع مهرًا وهدايا نقدِّرها مثلاً بخمسة وعشرين ألفًا فينقُص نصيبه ليُصبح (75.000) خمسة وسبعين ألفًا، في حين تتزوَّج أختُه فتقبِض مهرًا وهدايا نقدِّرها بما قدَّرنا به ما دفع أخوها لمثلها. فهنا يزيد نصيبها فيصبح (75.000) خمسة وسبعين ألفًا، فتساوَيَا.
ثم تتزايَد أعباء الرجل ونفقاته، فهو يُنفق على أبنائه وبناته الصغار، وقد ينفق على أبويه الكبيرين إذا كانا مُعسرِين ويُنفِق على إخوته وأخواته الصغار إذا لم يكن لهم مورد، ولا عائل سواه، ويُنفق على الأقارب والأرحام بشروط معروفة، والمرأة لا يجِب عليها شيء من ذلك، إلا من باب مكارم الأخلاق.
على أن قاعدة تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليست مُطَّرِدة، ففي بعض الأحيان يكون نصيب الأنثى مثل نصيب الذكر، كما في حال ميراث الأبوين من أولادهما ممَّن له ولد، كما قال تعالى: (ولأبويه لكلِّ واحد منهُما السدُس ممَّا ترك إن كان له وَلد)،(النساء: 11)؛ وذلك لأن حاجة الأبوين في الغالب واحدة.
وكذلك حال الإخوة لأم إذا ورِثوا من أخيهم الذي لا والد له ولا ولد، وهو الذي يُورَث كلالة، كما قال تعالى: (وإنْ كان رجلٌ يُورَث كلالةً أو امرأةٌ وله أخٌ أو أختٌ فلِكلِّ واحد منهما السدُس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلُث) (النساء:(35/63)
12) فهنا ترِث الأخت للأم ـ كالأخ للأم ـ السدُس، ويُشرَك الأكثر من الاثنين في الثلث بالتساوي بين الذكر والأنثى.
وهذا التساوي يُوجد في عدة حالات في الميراث معروفة لأهل الاختصاص.
بل هناك حالات يكون نصيب الأنثى فيها أعلى من نصيب الذكر، كما إذا ماتت امرأة وتَركت زوجها وأمَّها وأخوين شقيقين، وأختها لأم، فإن للأخت للأم السدس كاملاً، وللأخوين الذكرين الشقيقين السدس بينهما، لكل واحد منهما نصف السدس!.
وكذا لو ماتت المرأة وتركَت زوجَها وأختها شقيقتها، وأخًا لأب، فإن الزوج يأخذ النصف والأخت الشقيقة تأخذ النصف الباقي بعد الزوج، والأخ لأب لا يَرِث شيئًا؛ لأنه عَصَبة لم يَبق له شيء، فلو كان مكانه أخت فلها السدس يُعال لها به.
وعند ابن عباس ومَن وافقه: لو ماتت امرأة وتركت زوجًا وأبوين، فللزوج النصف، وللأم الثلث، وللأب السدس، أخذًا بظاهر قوله تعالى: (فإن لم يكُن له ولد وورِثه أبواه فلأمه الثلث) (النساء: 11) أي ثلث التَّرِكَة كلها.
رَوى ابن حزم من طريق عبد الرازق عن ابن عباس أنه قال في زوج وأبوين: للزوج النصف، وللأم الثلث من جميع المال.
وروى من طريق أبي عُوانة عن علي مثله.
قال: وروى أيضًا عن معاذ بن جبل، وهو قول شريح، وبه يقول أبو سليمان (يعني داود الظاهري).
وقال ابن مسعود: ما كان الله ليراني أُفضِّل أمَّا على أب، وهو قول عمر وعثمان وزيد بن ثابت من الصحابة، والحسن وابن سيرين والنخعي من التابعين، وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
دمج مال الزوجين في المعيشة
هل يصِحُّ شرعًا أن يندمج مال الزوجة ومال الزوج معًا؟ ... السؤال
26/06/2004 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فالأصل أن لكل من الزوجين ذمة مالية مستقلة ، ولكن إن تم دمج مال الزوجين بالتراضي ، فلا بأس ، ولكن الأصل هو الاستقلالية المالية في التعامل بين الزوجين، وأن الإنفاق على الزوج وحده .
يقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق – رحمه الله - :
إنَّ الإسلام في أصليه، القرآن والسُّنّة النَّبويّة، قد سَوَّى بين الرَّجُل والمرأة في كافّة الحقوق والواجبات بوجه عام، واحتَفظ للمرأة بشخصيتِها وذِمّتها الماليّة، فهي تحمل اسم أبيها وأُسرتها ولا تفقد شيئًا من هذا بالزَّواج.
وفي خصوص الأموال فقد تواردت آيات القرآن على اختصاص كلٍّ منهما بما ملك بأيِّ سبب من أسباب التملُّك، من هذا قول الله ـ سبحانه ـ في سورة النساء: (للرِّجَالِ(35/64)
نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأَقْرَبُونَ وللنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) وفي ذات هذه السورة أيضًا قول الله سبحانه: (ولاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ للرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبُوا وللنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ واسْألُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) ومن هنا أجمعَ فقهاء المسلمين على أن لكلٍّ من الزوجين ذِمّته الماليّة، ولا ولاية لأحد الزوجين على الآخر في المال ولا في النفس، ولا ينوب أحدهما عن الآخر إلا بطريق الوكالة أو التفويض، وأنّ عقد الزواج لا يُرتِّب إلا الحقوق الزوجية، وأوجب الإسلام على الزوج أن يُنفِق على زوجه كل أنواع النَّفقة المُتعارَف عليها في كل عصر وأوان، وليس لأيٍّ منهما حقُّ التصرُّف في مُمتلكات الآخر إلا بما جرى به العُرْف في متاع المنزل والمعيشة، وإذا كان هذا لم تندمِج أموالُهما بمُقتضى عقد الزوجية، وإنما يكون هذا بتراضيهما وبمقتضى عقود التصرف في الأموال المعروفة شرعًا والمتعارَف عليها كالشِّركة بأنواعها المشروعة.
والله أعلم
بحث أحد الزوجين في ماضي الآخر
تزوجت رجلاً فيه طيبة ولكنه كثير الشك . فهو كثيرًا ما يسألني: هل أحب أحدًا غيره، فأذكر له أني مخلصة له، ولا أتطلع إلى رجل سواه، فيطلب مني أن أحلف على ذلك، فأحلف بالفعل وأنا مطمئنة.
ولكنه لم يكتف بهذا، فعاد يسألني: هل أحببت أحدًا غيري قبل زواجي منه ؟ فنفيت له ذلك، فطلب مني أن أقسم على ذلك، وأحلف له أن قلبي لم يتعلق قبل ذلك بأحد سواه، قلت له: لا داعي لمثل هذا الكلام، وقد أكدت لك حبي لك، وإخلاصي لك، وحرصي على سعادتنا الزوجية، ولكنه يأبى إلا أن أقسم له اليمين . ولا أكتمك أن قلبي كان قد تعلق في فترة ما بشاب ذي قرابة بعيدة من أسرتي، ولكن لم تساعده الأقدار على التقدم لزواجي . وكان هذا من سنين، ولم يكن بيني وبينه غير عاطفة انطفأت جمرتها بعد زواجي تمامًا، وأصبحت مجرد ذكرى.
وأنا في الواقع حائرة من أمري:
هل أحلف اليمين التي يطلبها زوجي، فأريح نفسه من هذا الشك الذي يقلقه ؟ وفي هذه الحالة أخاف على نفسي الإثم، وغضب الله علي، أني حلفت باسمه كذبًا . . . أم أمتنع من ذلك وفي هذه الحالة سيزداد شكه وقلقه، وهذا ما يكدر حياتنا، وينغص علينا معيشتنا.
ولهذا لجأت إلى فضيلتكم، لتنقذني من حيرتي، وتدلني على وجه الصواب، والله يحفظكم. ... السؤال
19/06/2004 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:(35/65)
فالأصل في الكذب هو الحرمة، لما وراءه من مضار على الفرد، وعلى الأسرة وعلى المجتمع كله، ولكن الإسلام أباح الخروج عن هذا الأصل لأسباب خاصة، وفي حدود معينة ذكرها الحديث النبوي الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أم كلثوم رضي الله عنها قالت: " ما سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث: الرجل يقول القول، يريد به الإصلاح (أي بين الناس)، والرجل يقول القول في الحرب، والرجل يحدث امرأته، والمرأة تحدث زوجها ".
وهذا من واقعية هذه الشريعة، وبالغ حكمتها.
فليس من المقبول أن ينقل من يريد الإصلاح ما يسمعه من كلا الخصمين في حق صاحبه، فيزيد النار اشتعالا، بل يحاول تلطيف الجو، ولو بشيء من تزويق الكلام، أو الزيادة فيه، وإنكار ما قاله أحدهما في الآخر من سب أو إهانة.
وليس من المعقول أن يعطي العدو ما يريد من معلومات، تكشف عن أسرار الجيش . أو تدل على عورات البلد، أو تنبيء عن مواطن الضعف في الجهة الداخلية، أو غير ذلك، تحت عنوان " الصدق " بل الواجب إخفاء ذلك عنه، فإن الحرب خدعة.
وليس من الحكمة كذلك أن تصارح المرأة زوجها بما كان لها من ماض عاطفي عفى عليه الزمن، ونسخته الأيام فتدمر حياتها الزوجية باسم " الصدق " الواجب . ولهذا كان الحديث النبوي في غاية الحكمة والصواب، حين استثنى ما يحدث بين الزوجين من كلام في هذه النواحي من الكذب المحرم، ورعاية للرباط الزوجي المقدس.
ولا شك أن الزوج مخطئ في طلبه من زوجته أن تحلف له على ما ذكرت، وخطؤه من وجهين:
الأول: أنه ينبش ماضيًا لا علاقة له به، وقد لا يكون من صالحه نبشه، واستثارة دفائنه، فكثيرًا ما تمر بالفتاة - ومثلها الفتى - أيام يهفو قلبها لفتى " قريب، أو جار أو غير ذلك، تعتبره فارس أحلامها، ثم لا يلبث أن ينشغل عنها أو تنشغل عنه، وخاصة بالزواج، فليس من الخير إحياء هذه العواطف التي ماتت مع الزمن، وحسبه أن الزوجة تخلص له، وتؤدي حقه وترعى بيته، ولا تقصر في شأن من شئونه.
الثاني: أن الحلف لا يقدم ولا يؤخر في العلاقة بينهما، لأنها إن لم تكن ذات دين، تخشى الله، وتخاف حسابه، فلا يهمها أن تحلف بأغلظ الأيمان وهي كاذبة وإن كانت ذات دين، ممن يرجو الله ويخاف سوء الحساب، فيكفيه دينها وتقواها، ليطمئن إليها، ويثق بأمانتها وإخلاصها.
ويخشى أن يجرها إلحاحه عليها إلى أن تحلف كاذبة، ويكون الإثم عليه هو لا عليها، والذي أؤكده هنا بالفعل، أنه لا حرج على الزوجة إذا ضغط عليها الزوج بمثل هذه الصورة المذكورة في السؤال أن تحلف وهي كاذبة، لأن صدقها يعرض حياتها الزوجية للانهيار وهو ما يكرهه الله تعالى، ويقاومه الإسلام، فالحلف هنا من باب الضرورة.(35/66)
ومثل هذا أيضًا إذا سألها: هل تحبه أم لا ؟ وطلب منها اليمين على ذلك . فمثل هذا النوع من الرجال لا يرضيه إلا الحلف، وإن كان كاذبًا . فلتحلف إن لم تجد بدًا من الحلف، ولتستغفر الله تعالى، وهو الغفور الرحيم.
ومما يذكر هنا ما حدث في عهد عمر - رضي الله عنه - من ابن أبي عذرة الدؤلي، وكان يخلع النساء اللاتي يتزوج بهن، فطارت له في الناس من ذلك أحدوثة يكرهها فلما علم بذلك، أخذ بيد عبد الله بن الأرقم، حتى أتى به إلى منزله، ثم قال لامرأته: أنشدك بالله هل تبغضينني ؟ قالت: لا تنشدني . قال: فإني أنشدك بالله. قالت: نعم . فقال لابن الأرقم: أتسمع ؟ ثم انطلقا حتى أتيا عمر رضي الله عنه.
فقال: إنكم لتحدثون أني أظلم النساء وأخلعهن، فاسأل ابن الأرقم ! فسأله عمر فأخبره، فأرسل إلى امرأة ابن أبي عذرة، فجاءت هي وعمتها، فقال: أنت التي تحدثين لزوجك أنك تبغضينه ؟ فقالت: إني أول من ثاب وراجع أمر الله تعالى . إنه ناشدني الله، فتحرجت أن أكذب، أفأكذب يا أمير المؤمنين ؟ قال: نعم، فاكذبي ! فإن كانت إحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك، فإن أقل البيوت الذي يُبنى على الحب، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب !
وهذه والله إحدى الروائع العمرية . فلم يكن عمر مجرد رئيس دولة، بل كان إلى جوار ذلك عالمًا مربيًا، وفقيهًا ومفتيًا.
إنه يطبق هنا الحديث النبوي في حديث المرأة مع زوجها، والرجل مع زوجته . فلا يرى مانعًا أن تخبره بالكذب إبقاء على الزوجية، ثم ألقي حكمته الخالدة: إن أقل البيوت ما بني على الحب، وإنما يتعاشر الناس بالإسلام والأحساب.
فليس من اللازم أن يكون كل رجل وامرأته " قيسًا وليلى " حبًا وغرامًا، وعواطف مشبوبة ولعلهما لو كانا كذلك لانتهى مصيرهما بغير الزواج، كما انتهى مصير قيس وليلاه، وحسب الزوجين أن يتعاشرا بالمعروف في ظل الدين والأخلاق، أو الإسلام والأحساب كما قال الفاروق رضي الله عنه وأرضاه.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
قول الرجل لزوجه: أنت عليّ كظهر أختي
إذا قال الرجل لزوجته : أنت علي كظهر ابنتي أو أختي ،فهل يعد هذا ظهارا؟ ... السؤال
15/06/2004 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
إذا قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي ،فهذا ظهار بإجماع العلماء.
وقد جاء النص على الأم في قوله تعالى :" الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ".(35/67)
قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن تصريح الظهار أن يقول : أنت علي كظهر أمي .انتهى
وفي حديث خولة امرأة أوس بن الصامت أنه قال لها : أنت علي كظهر أمي، كما ورد اللفظ بذلك في صحيح البخاري .
وقال الإمام ابن حجر في فتح الباري :
وعند الطبراني كانت خولة بنت ثعلبة تحت أوس بن الصامت فقال لها أنت علي كظهر أمي، وعند ابن مردويه من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس أن أوس بن الصامت تظاهر من امرأته خولة بنت ثعلبة، وعنده أيضا من مرسل أبي العالية " كانت خولة بنت دليح تحت رجل من الأنصار سيئ الخلق فنازعته في شيء فقال: أنت علي كظهر أمي ".انتهى
وإذا قال الرجل لزوجته :أنت علي كظهر أختي أو ابنتي أو عمتي أو خالتي فهو ظهار عند جمهور الفقهاء، ويرى الشافعي في قول له في مذهبه القديم أن الظهار لا يكون إلا بقول الرجل أنت علي كظهر أمي ،وهو قول مرجوح .
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي :
الضرب الثاني من الظهار أن يشبهها بظهر من تحرم عليه من ذوي رحمه ، كجدته وعمته وخالته وأخته . فهذا ظهار في قول أكثر أهل العلم ; منهم الحسن ، وعطاء ، وجابر بن زيد ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، والثوري ، والأوزاعي ، ومالك ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي . وهو جديد قولي الشافعي . وقال في القديم : لا يكون الظهار إلا بأم أو جدة ; لأنها أم أيضا ، لأن اللفظ الذي ورد به القرآن مختص بالأم ، فإذا عدل عنه ، لم يتعلق به ما أوجبه الله تعالى فيه . ولنا أنهن محرمات بالقرابة ، فأشبهن الأم .انتهى
وقال الإمام ابن حجر العسقلاني في كتاب الطلاق باب الظهار: واختلف فيما إذا لم يعين الأم كأن قال: كظهر أختي مثلا فعن الشافعي في القديم لا يكون ظهارا بل يختص بالأم كما ورد في القرآن، وكذا في حديث خولة التي ظاهر منها أوس. وقال في الجديد: يكون ظهارا، وهو قول الجمهور .
وقال ابن حجر أيضا :
ويقع الظهار بكل لفظ يدل على تحريم الزوجة لكن بشرط اقترانه بالنية، وتجب الكفارة على قائله كما قال الله تعالى ،لكن بشرط العود عند الجمهور وعند الثوري ، وروى عن مجاهد: تجب الكفارة بمجرد الظهار.انتهى
وعليه ، فإن قول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر ابنتي أو أختي ، يكون ظهارا ،ويجب فيه الكفارة ، لأنه لما كانت الأم محرمة على التأبيد ، فإن الأخت والبنت وكذلك العمة والخالة لا يختلفن عن الأم في النكاح ، وقد ذكر الرجل الظهر في قوله :أنت علي كظهر ابنتي أو أختي ،فلا يفرق بين أن يكون ظهر أم أو ظهر بنت ، فإن كانت الأم محرمة ، فكذلك البنت والأخت والعمة والخالة ، وذلك بالنظر إلى علة الحكم ،وهو تشبيه الزوجة بواحدة من المحارم ،والاقتصار على الأم لا دليل عليه ، ولا يقوم ذكر الأم دليلا على حصر الظهار بتشبيه الزوجة بها ، لأنها حادثة عين .(35/68)
والواجب عليه كفارة ،وهي صيام شهرين متتابعين ، فإن أفطر في يوم بلا عذر ، وجب عليه استئناف الصوم ،وإن كان مريضا مرضا يتضرر به من الصيام ، وكان ذلك بقول طبيب ثقة ، فإنه ينتقل إلى الأمر الآخر من الكفارة ،وهو إطعام ستين مسكينا ،لقوله تعالى :" وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ .فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ".
والله أعلم
إلى متى يستمر حجر الأب على ابنته ؟
ماتت فتاة في سن الثلاثين، لم تتزوج، وهي موظفة بالتربية والتعليم، وكانت تشتري أشياء من جهاز العروسين، وتشتري بعض الماشية والأغنام، وقد تركت وصية أن الأشياء التي كانت من جهاز العروسين تُوزَّع على أشخاص سمتهم، وأما الماشية والأغنام فيُعمل بها صدقة جارية بمسجد أو مياه للسبيل. والمشكلة أن الأب يرفض تنفيذ الوصية بحجة أنها لا تملك شيئًا في حياة والدها، والأم تصر على تنفيذ الوصية؛ فنرجو من فضيلتكم التكرم بيان الحكم في هذه المسألة؟. ... السؤال
13/06/2004 ... التاريخ
أ.د أحمد طه ريان ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فيجب على الورثة تنفيذ الوصية فيما كان في حدود الثلث وما زاد عن الثلث فيتوقف على رضاهم إن شاءوا أمضوه وإلا فلا، وإذا كانت هذه البنت قد أوصت قبل وفاتها، فالواجب على الأب تنفيذ وصيتها في حدود الثلث، لأنها متى بلغت عاقلة فتصرفاتها تكون نافذة وليس للأب أن يحجر على تصرفاتها بناء على الراجح من أقوال الفقهاء.
وإليك فتوى فضيلة الدكتور أحمد طه ريان -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر-:
هذه القضية ذات شقين:
الشق الأول: إلى متى يستمر حجرُ الأب على ابنته؟
والجواب على ذلك: أن الإمام أبا حنيفة والشافعي وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد ومعهم بعض الفقهاء يرون أن البنت إذا بلغت سن الرشد فإنه لا حجر عليها، وإن لم تتزوج، ولها حرية التصرف في أموالها في حدود العقل والمصلحة سواء كان ذلك بعوض كما في البيع والشراء، أو بالتبرع لأوجه الخير.
وذهب الإمام مالك ورواية عن الإمام أحمد وبعض الفقهاء يرون أن الحجر على البنت يستمر حتى تتزوج، ويمضي عليها عام في بيت زوجها، أو تأتي بولد من زوجها، وقد نُقل هذا عن عمر –رضي الله عنه-.(35/69)
وقد رجح بعض الفقهاء الرأي الأول مستدلين بقوله تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم) ، فالنص الكريم عام حيث علَّق رفع الحجر عن اليتامى بمجرد إيناس الرشد بغض النظر عما إذا كان اليتيم ذكرًا أم أنثى، وأجاز مالك ترشيد البنت البالغة، ومنحها حرية التصرف في مالها إذا تقدمت في السن، ولو لم تتزوج بأن يقول: اشهدوا أني قد رشدت ابنتي، وفي هذه القضية كان الأب يرى ابنته تتصرف، ولم يعترض عليها.
أما الشق الثاني من هذه القضية فإن هذه الفتاة الطيبة قد أوصت بكل ما تملك في وجوه الخير، والقاعدة في الوصية الشرعية إذا كانت الوصية بأكثر من الثلث فإنه لا ينفذ منها إلا الثلث، ويتوقف تنفيذ الباقي على موافقة الورثة، فإن وافقوا على نفاذه، فيما زاد على الثلث فإنه ينفذ في الوجوه المحددة في الوصية، وإن لم يوافقوا على النفاذ فإنه يبطل ويُقَسَّم على الورثة حسب قواعد الإرث الشرعي.
لذلك أقول: إنه حسب رأي جمهور العلماء فإن هذه الفتاة كانت لها حرية التصرف في مالها في حدود المعقول والمصلحة الشرعية إلا أنها لما كانت قد أوصت بكل مالها في وجوه الخير فإن الذي ينفذ من الوصية هو الثلث، والباقي يتوقف على رضى الورثة ، فإن وافقوا عليه نُفذ وإلا وُزع على الورثة.
والله أعلم
الشبكة عند فسخ الخطبة
إذا فسخت الخِطبة قبل عقد الزواج فهل للخطيب أن يطلب ما دفعه للخطيبة من شبكة وخلافها؟ ... السؤال
12/05/2004 ... التاريخ
الشيخ عطية صقر ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
الخطبة وما يتبعها من شبكة وهدايا هي من مقدمات الزواج، ومن قبيل الوعد به ما دام عقد الزواج لم يتم، والخطوبة ليست عقداً ملزماً ومعنى كون الرجل تراجع عن إتمام موضوع الزواج فلا يعد هذا دليلا على تردده لأن الخطوبة ليست عقداً ملزماً لكل من الطرفين التراجع عنه متى شاء.
وتختلف الشبكة على حسب كونها من المهر أم هدية، والذي يفرق كونها من المهر أو كونها هدية المساومة عليها، كأن يقال للشخص لا نريد الشبكة بقيمة كذا بل نريدها بقيمة كذا، فهذه المساومة تحدث في تحديد الأموال المستحقة مثل المهر، أما الهدية فلا يتدخل من ستكون له الهدية بتحديد قيمتها، بل يترك هذا الأمر لتقدير من سيقدم الهدية.
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر ـ رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا:
الشَّبْكة في بعض الأعراف هدية لا يساوَم عليها فهي غير المهر تمامًا ، وهنا إذا فسخت الخِطبة فلا حق للخاطب فيها؛ لأنَّ الهدية تُملَّك بالتسليم ، وفي بعض(35/70)
الأعراف تكون الشبكة من ضمن المهر ، يساوَم عليها ، فإن كانت كبيرة يُخفف عن الخاطب المهر ، وإن كانت صغيرة زيد في المهر، فإذا فسخت الخِطبة أي قبل العقد رُدت الشبكة إلى الخاطب لعدم تمام الموضوع الذي قُدمت من أجله ، سواء أكان الفسخ من جهته أم من جهتها، بهذا حكمت بعض المحاكم المصرية .
وحكمت محاكم أخرى بأنَّ الفسخ إذا كان من جهة الخاطب لا تُسترد الشبكة ، ووجهة النظر أن الشبكة هدية إذا قبضت لا يجوز استردادها، فالراجع في هبته كالكلب الراجع في قيئه كما في الحديث ، لكن إذا كان العرف يعتبرها جزءًا من المهر فتكون من حق الخاطب .
وننصح بأن الفسخ إذا كان من جهة الخاطب واستحق الشبكة أن يعوضها ما قد تكلفته من نفقات في مثل حفل الخطبة أو غيرها ، كما ننصح بعدم تعجُّل المخطوبة في التزامات مالية وغيرها أملاً في إتمام الزواج ، فإنَّ فترة الخِطْبَة بمثابة دراسة يتقرر بعدها الزواج أو عدمه ، حيث يكون لكلٍّ منهما الحق في فسخ الخِطبة ، ومن أراد التوسعة فليرجع إلى الجزء الأول من موسوعة " الأسرة تحت رعاية الإسلام " .أهـ
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
هل من الواجب تقبيل الزوجة يد زوجها ؟
هل من الواجب تقبيل الزوجة ليد زوجها عندما تستقبله؟ فلقد سمعت زوجتي أنه من قبلت يد زوجها كأنها قبلت يد النبي ؟ ... السؤال
03/05/2004 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فلا يجب على الزوجة أن تقبل يد زوجها عندما تستقبله بعد عودته من سفر أو عمل ، كما أنه ليس بصحيح أن من قبلت يد زوجها ، فكأنما قبلت يد النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن تقبيل المرأة زوجها في يده أو على خده ، أو في فمه لا بأس به ، وربما تثاب المرأة عليه ، لأن ذلك من حسن العشرة بين الزوجين ، وليس الأمر مقصورا على المرأة ، فإن قبل الرجل زوجته ، سواء أكان التقبيل في اليد ، أو على الخد، أو في الفم ، فإنه يثاب على ذلك أيضا .
وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يقبل نساءه ، ويبدو من الروايات الواردة أنه كان يحافظ على هذا ، حتى أنه كان يفعله في الصيام، وهي الحالة التي يبتعد فيها المسلم عن كل ما يثير شهوته، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل زوجاته لإدامة الألفة والمودة معهن ، فعن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل أو يقبلني وهو صائم ، وأيكم كان أملك(35/71)
لإربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم } ؟ زاد الشيخان في رواية { ويباشر وكان أملككم لإربه } ولمسلم { في رمضان } .
وقد ورد أن هذا الأمر ليس خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، بل عام في الصيام وغيره ، ولكن يتحرز في الصيام أن يخرج الإنسان عن حد التقبيل المعتاد إلى أن يكون بشهوة لا يملك فيه الإنسان نفسه ، فربما دفعه هذا إلى إبطال صيامه بجماع أو إنزال، ولكن التقبيل أمر عام للمسلمين ، فقد أخرج مالك في الموطأ عن عطاء بن يسار { أن رجلا قبل امرأته وهو صائم في رمضان فوجد من ذلك وجدا شديدا فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك فدخلت على أم سلمة ، فذكرت ذلك لها ، فأخبرتها أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم ، فرجعت فأخبرت زوجها بذلك فزاده ذلك شرا ، وقال لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل الله لرسوله ما شاء ، ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة فوجدت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مال هذه المرأة ؟ فأخبرته أم سلمة فقال ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك ؟! فقالت قد أخبرتها فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرا ، وقال لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم الله يحل لرسوله ما شاء فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال والله إني لأتقاكم لله وأعلمكم بحدوده }.
ولكن في غير الصيام يباح للرجل أن يقبل زوجته ، ويباح للزوجة أن تقبل زوجها ، ويثابا على هذا إن أحسن النية ، سواء أكان بشهوة أم بغير شهوة.
بل إن هذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهديه في معاملته مع زوجاته .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الإنفاق على الوالد ..موافقة الزوج ورفض الزوجة
اختلفت أنا وزوجتي على أمر، حيث إني كنت أرسل لوالدي مبلغا ماليا كل شهر، ولكن زوجتي طلبت عدم الإرسال ، لأننا بحاجة للمال ، كما أنها بررت رفض كل من الأسرتين الوقوف معنا في زواجنا ، ولكني أشعر بتأنيب الضمير، وإن كان والدي يملك شقة لو باعها ، لكفته حاجته ، فهل علي الإنفاق عليه ؟ ... السؤال
25/03/2004 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فمما ذكر في السؤال أن الوالد بحاجة إلى المال، والإنفاق على الوالدين واجب مادمت مقتدرا على هذا ، وليس من الحكمة ما قالته الزوجة ، وإن كان الإسلام يدعو للإنفاق والصدقة على ما لا صلة للإنسان بهم ، فإنه يوجب الإنفاق على الوالدين .
يقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق – رحمه الله - :
أُثْني على هذا السلوك الذي تَوافقْتما عليه نتيجة للمُصارحة والمَشورة فيما بينكما عند اختلاف وِجهة النظر فيما كان مَوضع المشورة، وهذا شان العُقلاء، ولا سيما(35/72)
بين الزوجين اللذينِ جعل الله بينهما مودة ورحمة، فبارك الله لكما ووفَّقكما في حياتكم وأدام عليكما هذا الوفاق..
ثانيا:
والحديث موجهٌ إليكما:
إن الله فرض بِرَّ الوالدينِ على أَولادهما في آيات كثيرة في القرآن الكريم وقد قَرن هذا البر بعبادته ـ سبحانه ـ فيقول ـ سبحانه ـ في سورة النساء: (واعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئًا وبالوالدينِ إحسانًا). (من الآية 36).
وفي سورة الإسراء (من الآية: 23). (وقَضَى رَبُّكَ ألَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ وبالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا). فبِرُّ الوالدين فرْضٌ من الفروض التي أوجبها الله على الأولاد، وليس هذا البر مشروطًا بحاجتهما؛ لأنه فوق الحاجة وقبلها؛ لأن الولد كسْب أبيه، كما جاء في الحديث الشريف:
عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جَدَّه قال:"أتَى أعرابيٌّ رسولَ الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فقال: إنَّ أبي يُريد أن يجتاح مالي، قال: أنتَ ومالُكَ لوالديكَ إن أطيبَ ما أكلتُمْ مِن كسْبِكمْ، وإنَّ أموالَ أولادِكم مِن كسْبكم فكُلُوهُ هَنِيئًا".
والمفهوم مِن أمر الله ورسوله ببِرِّ الوالدينِ أن هذا واجبٌ، ولو كان الأبوانِ مُوسِرينَ، وذلك إرضاءً لهما لحَقِّهِمَا على الأولاد، حيث قامَا بالتربية والتعليم ..
مِن هنا أنْصَح بأن تَتَّفِقَا على الاستمرار في بِرِّ والدكَ بمَا يُيَسِّرُه اللهُ لك، وتَعتقد أنه وافٍ بحاجته وفاءً بالحقِّ وطاعة الله ـ سبحانه ـ فيما أمَر به وأكَّده رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ..
والله معكما يُوفقكما ويُبارك لكما: (ولنْ يَتِرَكُمْ أعْمَالَكُمْ).
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
تأجيل الإنجاب من أجل الدراسة
أنا عمري 26 سنة ،ومتزوجة ،ولكني أدرس ،وأريد أن أؤجل موضوع الإنجاب بموافقة زوجي،ولكن نخشى أن يكون ذلك حراما ،فما رأي الدين في ذلك؟ ... السؤال
08/02/2004 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فالإنجاب حق للزوجين معا، ولا يجوز لواحد أن يمتنع عن الأخذ بالأسباب فيه،إلا برضا الطرف الآخر، وذلك أن الإنجاب مقصد أصيل من مقاصد الزواج في الإسلام .
فإن كان الزوج موافقا على عدم الإنجاب الآن، بمعنى تأخيره ، حتى تنتهي من دراستك ، فلا مانع من ذلك شرعا، وليس هناك إثم على اتخاذ هذا القرار .
يقول الدكتور فؤاد مخيمر الأستاذ بجامعة الأزهر -رحمه الله - :(35/73)
إن من سمات الزواج وثماره الإنجاب، اللهم إلا إن كان هناك موانع عند الزوجين أو أحدهما، وقَبِلَ كلُّ طرف الحياةَ مع الآخر بحب ومودة ورحمة؛ فلا بأس، وبالصبر ينالان الأجر من الله تعالى .انتهى
ويقول الشيخ فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث :
اتّفق الفقهاء على إباحة العزل عن الزّوجة إذا وافقت على ذلك. بل يرى أكثرهم أنّه يجوز العزل ولو بغير رضاها. والتّوقّف عن الإنجاب ناتج عن العزل، وهو منع منيّ الرّجل من الوصول إلى الرّحم. وكلّ أسلوب علمي يؤدّي لتحقيق هذه النّتيجة فهو جائز عند الجمهور، خاصّة عند وجود السّبب الذي يدعو إلى ذلك. لكن مع موافقة الزّوجة يصبح جائزاً عند الجميع.انتهى
ويقول الشيخ عبد الخالق الشريف من الدعاة والعلماء بمصر - :
جعل الله سبحانه وتعالى من مقاصد الزواج الذرية حتى تستمر الحياة على الأرض، وحتى تشبع الفطرة الإنسانية، ولكن ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لمن أراد العَزْل أن يعزل، وأخبره أن قضاء الله نافد لا محالة، وعلى هذا أجاز بعض العلماء حدوث هذا الأمر بين الزوج والزوجة إذا اتفقا. ولكن لا يرضون أن يتم العزل وشبيهه "عدم الإنجاب" إذا لم ترضَ الزوجة لما فيه من منع حقها أو تأجيله في أن تكون أمًّا قائمة على رعاية الأولاد، وتحقيق ما تتمناه في فطرتها السليمة .انتهى
ويقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي - :
لا مانع من العزل إذا اتفق عليه الزوجان، وقد كان الصحابة يعزلون لأعذار وأسباب، ولم ينههم الرسول صلى الله ليه وسلم، كما جاء في الصحيح.
فلا ريب أن بقاء النوع الإنساني من أول أغراض الزواج أو هو أولها وبقاء النوع إنما يكون بدوام التناسل، وقد حبب الإسلام في كثرة النسل، وبارك الأولاد ذكورًا وإناثًا ولكنه رخص للمسلم في تنظيم النسل إذا دعت إلى ذلك دواع معقولة وضرورات معتبرة، وقد كانت الوسيلة الشائعة التي يلجأ إليها الناس لمنع النسل أو تقليله - في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - هي العزل (وهو قذف النطفة خارج الرحم عند الإحساس بنزولها) وقد كان الصحابة يفعلون ذلك في عهد النبوة والوحي كما رُوى في الصحيحين عن جابر "كنا نعزل في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقرآن ينزل" وفي صحيح مسلم قال: "كنا نعزل على عهد رسول الله فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم ينهنا".
وجاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله . إن لي جارية وأنا أعزل عنها، وإني أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تحدث: أن العزل الموءودة الصغرى ! ! فقال عليه السلام: "كذبت اليهود، ولو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه" (رواه أصحاب السنن) . ومراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الزوج - مع العزل - قد تفلت منه قطرة تكون سببًا للحمل وهو لا يدري.
وفي مجلس عمر تذاكروا العزل فقال رجل: إنهم يزعمون أنه الموءودة الصغرى، فقال علي: لا تكون موءودة حتى تمر عليها الأطوار السبعة، حتى تكون سلالة من طين ثم تكون نطفة ثم علقة ثم عظامًا ثم تكسى لحمًا ثم >(35/74)
تكون خلقًا آخر . فقال عمر: صدقت . . أطال الله بقاءك.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز للمرأة المسلمة خلع الحجاب في فرنسا؟
أسأل عن كيفية التعامل مع قضية الحجاب في مدارس فرنسا والغرب عموماً، ومنع الطالبات المسلمات من الالتزام بالحجاب الذي يفرضه عليهن دينهن؟
... السؤال
31/12/2003 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الحجاب فريضة من الله تعالى على المسلمة، ومن حق كل إنسان أن يلتزم بفرائض دينه، ويعمل على إرضاء ربه وامتثال أمره، ولا يجبره أحد تحت أي ضغط مادي أو معنوي على التخلِّي عنه.
ومن المعلوم أن هذا داخل في الحرية الدينية من جهة، والحرية الشخصية من جهة أخرى، وكلتاهما من الحريات الأساسية التي نصّت على مراعاتها: الدساتير الحديثة، والمواثيق الدولية، وإعلان حقوق الإنسان. خاصة في فرنسا ... تلك الدولة التي نادت ثورتها وقامت جمهوريتها على مبادئ الحرية والإخاء والمساواة ورعاية حقوق الإنسان.
وهذا ما وردفي فتوى المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث ( تشرت هذه الفتوى على موقع الإسلام على الانترنت بتاريخ11 من أبريل 2000 م وهذا نصها:: إن أمر الحجاب بمعنى تغطية المرأة المسلمة جسمها كله ما عدا وجهها وكفيها -وقدميها في بعض المذاهب- فريضة إسلامية لا خلاف عليها.
ثبتت فرضيتها بمحكم القرآن، وصحيح السنة، وإجماع الأمة بمختلف مذاهبها ومدارسها. لم يشذّ عن ذلك مذهب، ولم يخالف فيه فقيه، واستقر عليه العمل ثلاثة عشر قرنًا، حتى احتل الاستعمار ديار المسلمين، وفرض عليهم في حياتهم مفاهيم دخيلة انحرفت بأفكارهم، وتقاليد غريبة انحرفت بسلوكهم، وفي عصر الصحوة الإسلامية والمد الإسلامي.. بدأ المسلمون يستعيدون الثقة بأنفسهم وبدينهم، ويرجعون مختارين ومختارات إلى الالتزام بالحجاب الشرعي من قبل الفتيات والنساء المسلمات.
والذي يقرّه المجلس الأوربي للإفتاء ويؤكده:
أنه لا ريب ولا خلاف في وجوب الحجاب شرعًا على كل مسلمة بالغة. ويكفي في ذلك قول الله تعالى: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ..) سورة النور: 33.(35/75)
وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) سورة الأحزاب: 59.
وإذا كان هذا فرضًا على المسلمة فلا يجوز -في منطق الدين والأخلاق والعرف والقانون والدستور- أن تكره على تركه، مخالفة عقيدتها وضميرها.
ولو جاز هذا في أي بلد لم يجز في فرنسا التي نادت ثورتها وقامت جمهوريتها على مبادئ الحرية والإخاء والمساواة ورعاية حقوق الإنسان.
ومن حق كل إنسان أن يلتزم بفرائض دينه، ويعمل على إرضاء ربه وامتثال أمره، ولا يجبره أحد تحت أي ضغط مادي أو معنوي على التخلِّي عنه.
ومن المعلوم أن هذا داخل في الحرية الدينية من جهة، والحرية الشخصية من جهة أخرى، وكلتاهما من الحريات الأساسية التي نصّت على مراعاتها: الدساتير الحديثة، والمواثيق الدولية، وإعلان حقوق الإنسان.
ثم إن العلمانية الليبرالية -كما هو معلوم للجميع- لا تقف موقفًا معاديًا للدين ولا مؤيدًا له، إنما تقف منه موقف الحياد؛ فكما أن التي تلبس الميني أو الميكرو أو نحوها من الأزياء لا يمنعها أحد، فكذلك من تلبس الحجاب لا ينبغي أن يمنعها أحد، وإلا كانت الحضارة الغربية تتعامل بمعيارين وتتكلم بلسانين.
العلمانية الإلحادية وحدها هي التي تحارب التدين كله، وتعتبر الدين -أيَّ دين- أفيون الشعوب.
وما قاله بعض الفرنسيين من أن الحجاب يعتبر (رمزًا دينيًا) غير صحيح بالمرة: فالرمز ما ليس له وظيفة في نفسه إلا أنه شعار وإعلان؛ مثل نجمة داود بالنسبة لليهودي أو القلنسوة على رأسه، ومثل الصليب على صدر المسيحي، أما الحجاب فله وظيفة معلومة، وهي الستر والحشمة.
ومع هذا.. لم يمنع اليهودي من لبس قلنسوته، ولا المسيحي من تعليق صليبه، ولا السيخي من لبس عمامته، فلماذا تمنع المسلمة وحدها من لبس حجابها؟!.
إننا نطالب فرنسا -التي تباهي بأنها أم الحريات- أن تحترم عقائد المسلمين ومشاعرهم في أنحاء العالم، وأن تقبل التنوع الثقافي والديني في مجتمعها، كما صنعت الحضارة الإسلامية التي وسعت الديانات المتعددة، والثقافات المتعددة، والعرقيات المتعددة، وكان لكل منها مساهمتها التي سجّلها لها التاريخ.
كما أننا نخاطب علماء المسلمين وأهل الفتوى والمؤسسات العلمية والدينية والمراجع الشرعية المعتبرة في سائر ديار الإسلام: أن يعلنوا رأيهم بصراحة في حكم الحجاب الشرعي بالنسبة للمرأة المسلمة، وأن يقفوا مع إخوانهم وأبنائهم المسلمين في أوروبا عامة، وفي فرنسا خاصة، وأن ينادوا العالم المتحضر أن يقف مع بناتنا ويشدّ أزرهن. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. أ.هـ
ونقول للسائل الكريم يمكن للمرأة إن لم يتصفهاالقضاء، أو الجهات التي تدافع عن الحريات يمكنها أن تتحايل في لبس أي شيء يستر عورتها ( كل الجسد عدا الوجه والكفين)، فيمكنها لبس الملابس التي تلبسها الراهبات،أو تضع على رأسها شيئا يستر الرأس والرقبة، وتلبس ثوبا طويلا يستر باقي الجسد، ولا يلفت الأتظار إليها والعبر بالستر لا بالأسماء فليس للباس المرأة شكلا واحدا، ولكن كل ما يستر العورة(35/76)
وتتحقق فيه الأوصاف فهو لباس شرعي، حتى ييسر الله لهن ويجعل لهن من أمرهم فرجا ومخرجا إن شاء الله.
يقول فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي:
اللباس الشرعي هو الذي يجمع الأوصاف التالية: ـ
أولا: أن يغطي جميع الجسم عدا ما استثناه القرآن الكريم في قوله(إلا ما ظهر منها) وأرجح الأقوال في تفسير ذلك أنه الوجه والكفان -كما سبق ذكره-.
ثانيا: ألا يشف الثوب ويصف ما تحته. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أهل النار نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها. ومعنى "كاسيات عاريات" أن ثيابهن لا تؤدي وظيفة الستر، فتصف ما تحتها لرقتها وشفافيتها. دخلت نسوة من بني تميم على عائشة رضي الله عنها وعليهن ثياب رقاق فقالت عائشة: "إن كنتن مؤمنات، فليس هذا بثياب المؤمنات". وأدخلت عليها عروس عليها خمار رقيق، شفاف فقالت: "لم تؤمن بسورة النور امرأة تلبس هذا" فكيف لو رأت عائشة ثياب هذا العصر التي كأنها مصنوعة من زجاج؟.
ثالثا: ألا يحدد أجزاء الجسم ويبرز مفاتنه، وإن لم يكن رقيقا شفافا. فإن الثياب التي ترمينا بها حضارة الغرب، قد تكون غير شفافة، ولكنها تحدد أجزاء الجسم، ومفاتنه، فيصبح كل جزء من أجزاء الجسم محددا بطريقة مثيرة للغرائز الدنيا، وهذا أيضا شيء محظور وممنوع، وهو -كما قلت- صنع مصممي الأزياء اليهود العالميين الذين يحركون الناس كالدمى من وراء هذه الأمور كلها.
فلابسات هذا النوع من الثياب "كاسيات عاريات".. يدخلن في الوعيد الذي جاء في هذا الحديث ... وهذه الثياب أشد إغراء وفتنة من الثياب الرقيقة الشفافة.
رابعا: ألا يكون لباسا يختص به الرجال: فالمعروف أن للرجال ملابس خاصة وللنساء ملابس خاصة أيضا.. فإذا كان الرجل معتادا أن يلبس لباسا معينا، بحيث يعرف أن هذا اللباس هو لباس رجل ... فليس للمرأة أن ترتدي مثل هذا اللباس، لأنه يحرم عليها ... حيث لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال ... فلا يجوز للمرأة أن تتشبه بالرجل ولا للرجل أن يتشبه بالمرأة، لأن هذا عدوان على الفطرة ... فالله عز وجل خلق الذكر والأنثى، والرجل والمرأة، وميز كلا منهما بتركيب عضوي غير تركيب الآخر، وجعل لكل منهما وظيفة في الحياة، وليس هذا التميز عبثا، ولكن لحكمة، فلا يجوز أن نخالف هذه الحكمة ونعدو على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ونحاول أن نجعل من أحد الصنفين ما لم يخلق له وما لم يعد له بطبيعته وفطرته ... فالرجل حين يتشبه بالمرأة لن يكون امرأة، ولكنه لن يصبح رجلا لذلك.. فهو يفقد الرجولة، ولن يصل إلى الأنوثة، والمرأة التي تتشبه بالرجل، لن تكون رجلا ولن تصبح امرأة كما ينبغي أن تكون النساء.
فالأولى أن يقف كل من الجنسين عند حده، وعند وظيفته التي فطره الله عليها.
هذا هو الواجب، ما عدا هذه الأمور، يكون هذا الزي زيا غير شرعي وغير معترف به ... ولو أن الناس عقلوا وأنصفوا والتزموا الحدود الشرعية لأراحوا(35/77)
واستراحوا ولكن النساء -مع الأسف- فتن بهذا البدع الذي يسمى "الموضة" وفتن الرجال أو ضعفوا أو أصبحوا لا رأي لهم، وبعد أن كان الرجال قوامين على النساء أصبح الحال وكأن النساء هن القوامات على الرجال ... وذلك شر وفتنة من فتن العصر ... أن لا يستطيع الرجل أن يقول لزوجته ... قفي عند حدك ... بل لا يستطيع أن يقول ذلك لابنته ... لا يستطيع أن يلزم ابنته الأدب والحشمة ... ولا أن يقول لها شيئا من ذلك ... ضعف الرجال ... لضعف الدين ... وضعف اليقين ... وضعف الإيمان.
والواجب أن يسترجل الرجل، أن يعود إلى رجولته، فإن لم يكن إيمان، فرجولته يا قوم ... لا بد من هذا ... ولا بد أن نقاوم هذا الزحف ... وهذا التيار..
ومن فضل الله أن هناك مسلمين ومسلمات، يقفون صامدين أمام هذا الغزو الزاحف، يلتزمون آداب الإسلام في اللباس والحشمة ويستمسكون بدينهم ... وبتعاليمه القويمة ... سائلين الله عز وجل أن يكثر هؤلاء ويزدادوا، ليكونوا قدوات صالحة في مجتمعاتهم، ورمزا حيا لآداب الإسلام وأخلاقه ومعاملاته.
ويمكنكم متابعة الفتاوى التالية:
لماذا فرض الله الحجاب؟
الحجاب بين العادة والتشريع
خلع الحجاب خوفا من أذناب العلمانية
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
الحوار بين الزوجين إقناع أم إرغام
زوجي دائمًا يقول إن طاعته واجبة عليّ، أنا أريد أن أناقشه في أحد الأمور فيتمسك بوجهة نظره، وهو ما يجعلني أتألم وأشعر أنني كقطعة أثاث في البيت، وإحقاق للحق في كثير من الأحيان أجد أن ما يفعله زوجي صحيح، ولكني أتبرَّم من عدم معرفتي بالأمور إلا بعد أن تنفَّذ، فما هي حدود المشاورة في الأمور الزوجية، وماذا لو اختلفت وجهات النظر؟ وهل العلاقة بين الزوج وزوجته علاقة إقناع أم إرغام أم ماذا؟ أنا حائرة.
... السؤال
01/12/2003 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ؛ وبعد :
تقول الدكتور سعاد صالح - أستاذة الفقه بجامعة الأزهر :ـ
الأصل في العلاقة بين الزوجين أن تقوم على المعاشرة بالمعروف، لقول الله تعالى: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا"، وأيضًا هناك تبادل بين الحقوق والواجبات، فكل حقٍّ يقابله واجب، لقول الله تعالى: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف"، وقد وضع الله سبحانه وتعالى الأساس(35/78)
الذي يجب أن يقوم عليه البيت المسلم، من التشاور والتناصح، وعدم الضرر، وعدم التكليف فوق الطاقة، وقد بيَّن ذلك سبحانه وتعالى في قول الله تعالى: "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ"، ثم قال سبحانه وتعالى: "فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلِيْهِمَا"، فإذا كان ذلك بالنسبة لفطام الرضيع وهو من الأمور الهيِّنة في الأسرة، فما بالنا بالأمور العظيمة، كالتشاور مثلاً في زواج الأبناء، والتشاور في تسيير أمور الأسرة، ثم يأتي بعد ذلك القوامة، وهي درجة الرئاسة في الأسرة التي تكون للزوج، كحماية وتكليف ومسؤولية، وليست كتشريف له أو تكريم.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الزواج العرفي : حكمه وأنواعه
يلجأ كثيرٌ من الناس إلى الزواج العُرْفِي الذي لا يُسجَّل في وثيقة رسمية، فهل هذا الزواج حلال ؟ ... السؤال
13/09/2003 ... التاريخ
الشيخ عطية صقر ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فيقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر:
يُطْلَقُ الزواج العُرْفي على عقد الزواج الذي لم يُوثَّق بوثيقة رسمية، وهو نوعان: نوع يكون مستوفيًا للأركان والشروط، ونوعٌ لا يكون مُسْتوفيًا لذلك .
والأول عقدٌ صحيح شرعًا يَحلُّ به التمتُّع وتَتَقَرَّر الحقوق للطرفين وللذُّرية الناتجة منهما، وكذلك التوارث، وكان هذا النظام هو السائد قبل أن تُوجد الأنظمة الحديثة التي توجِب توثيق هذه العقود.
أما النوع الثاني من الزواج العُرْفي فله صورتان: صورة يُكْتَفَى فيها بتراضي الطرفين على الزواج دون أن يَعْلَمَ بذلك أحدٌ من شهود أو غيرهم، وصورة يكون العقد فيها لمدة معيَّنة كشهر أو سنة، وهما باطلان باتفاق مذاهب أهل السنة.
وإذا قلنا إن النوع الأول صحيح شرعًا تحلُّ به المعاشرة الجنسية، لكنْ له أضرار، وتترتب عليه أمور مُحَرَّمة منها :
1 ـ أن فيه مخالفة لأمر ولي الأمر، وطاعته واجبة فيما ليس بمعصية ويُحَقِّق مصلحة، والله يقول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيُعوا الله وأَطِيعُوا الرَّسُول وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ ) ( النساء: 59 ).
2 ـ أن المرأة التي لها معاش ستحتفظ بمعاشها؛ لأنها في الرسميات غير متزوجة، لكنها بالفعل متزوجة، وهنا تكون قد استولت على ما ليس بحقها عند الله؛ لأن نفقتها(35/79)
أصبحت واجبة على زوجها، فلا يصح الجمع بين المعاش الذي هو نفقة حكومية وبين المعاش المفروض على زوجها، وهذا أكل للأموال بالباطل وهو مَنْهِيٌّ عنه .
3 ـ كما أن عدم توثيقه يُعَرِّض حقها للضياع كالميراث الذي لا تُسمع الدعوى به بدون وثيقة، وكذلك يَضِيعُ حَقُّها في الطلاق إذا أُضيرَت، ولا يصح أن تتزوج بغيره ما لم يُطَلِّقْهِا ، وربما يتمسَّك بها ولا يُطَلقها .
ومن أجل هذا وغيره كان الزواج العُرْفي الذي لم يُوَثَّق ممنوعًا شرعًا مع صحة التعاقد وحِل التمتُّع به، فقد يكون الشيء صحيحًا ومع ذلك يكون حرامًا، كالذي يُصلِّي في ثوب مسروق، فصلاته صحيحة، ولكنها حرام من أجل سرقة ما يَسْتُرُ الْعَوْرَة لتصح الصلاة .
وكذلك لو حَجَّ من مال مسروق، فإن الفريضة تسْقُط عنه، ومع ذلك فقد ارتكب إثمًا كبيرًًا من أجل السرقة . انتهى كلام الشيخ
وجاء في كتاب بيان للناس الذي يصدره الأزهر تعريف للزواج العرفي والفرق بينه وبين الزواج السري، وهذا نص فتواه :
الزواج العُرْفي: اصطلاح حديث يُطلَق على عَقْد الزواج غير المُوَثَّق بوثيقة رسمية، سواء أكان مكتوبًا أم غير مكتوب.
وهو نَوْعان: نوع يكون مستوفيًا لأركانه وشروطه، ونوع لا يكون مستوفيًا لذلك.
1ـ فالنوع الأول إذا تمَّ على هذه الصورة يكون عقدًا صحيحًا شرعًا، وتترتب عليه كل أثاره من حِلَّ التمتُّع وثبوت الحقوق لكل من الزوجين، وللذرية الناتجة منه، وكذلك التوارُث عند الوفاة، وغير ذلك من الآثار، دون الحاجة إلى توثيقه توثيقًا رسميًّا، وكان ذلك هو السائد قبل أن تُوجَد الأنظِمَة الحديثة لتقييد العقود وسماع الدَّعَاوى والفصل في المنازعات.
ويُمكن إثبات هذا العقد أمام المحاكم بطرُق الإثبات المعروفة، وكان للتوثيق الرسمي أهميته في حفظ الحقوق الزوجية، ومنع سماع دعاوَى الزواج الذي يَتِمُّ لأغراض سيئة.
2 ـ والنوع الثاني يتم بعِدَّة صور، منها أن تجري صيغة العقد بين الرجل والمرأة دون شهود على ذلك، وهو الزواج السرِّي، ومنها أن يتم العقد أمام الشهود ولكن لفترة معينة.
وهاتان الصورتان باطلتان باتفاق مذاهب أهل السنة، لفُقْدان الإشهاد في الصورة الأولى، ولتحديد العقد في الصورة الثانية؛ لأن المفروض في عقد الزواج أن يكون خاليًا من التحديد بمدة ليَتِمَّ السكَن والاستقرار في الأسرة.
والشيعة يَحْكُمون بصحة الصورة الأولى؛ لأن الشهادة ليست شرطًا عندهم لصحة الزواج بل هي مستَحَبَّة، وكذلك يحكمون بصحة الصورة الثانية؛ لأنه يكون زواج متعة وهو صحيح عندهم.
والذي يدعو إلى الزواج العرفي بنوعَيْهِ أمور، منها:
1ـ أن تكون الزوجة مُسْتَحِقَّة لمعاش من زوجها الأول، وتُريد أن تحتفظ به؛ لأنه يسقط بالزواج بعده إن وُثِّق، أو تكون مستحقة لمعونة أو مُتَمَتِّعة بامتيازات ما دامت غير متزوجة، كأن تكون حاضنة لأولادها تتمتَّع بالمسكَن وأجر الحضانة ووجود(35/80)
أولادها معها ولو تزَوَّجت زواجًا موثقًا من غير محرم لهؤلاء الأولاد سقط ما كانت تتمتع به.
2ـ أن يكون الزوج متزوجًا بزوجة أخرى، ويخشى من توثيق زواجِه الثاني ما يترتب عليه من مشاكل بينه وبين أسرته، وما يتعرَّض له من عقوبات تَفْرِضها بعض النظم.
3 ـ أن يكون الزوج مغتربًا ويخشى الانحراف بدون زواج، لكن لو قيد رسميًّا تترتب عليه مشاكل فيلجأ إلى الزواج العرفي.
وإذا كان النوع الثاني من الزواج العرفي باطلًا ومحرمًا باتفاق مذاهب أهل السنة، لعدم استكمال مقوماته؛ فإن النوع الأول ـ على الرغم من صحته ـ ممنوع للآثار التي لا يُقِرُّها الشرع، ومنها استيلاء صاحبه المعاش أو المُتَمَتِّعة بامتيازات أو مَعُونات أو حقوق على غير حقها الذي لا تستحقه بالزواج، ومعلوم أن أخذ ما ليس بحق حرام، فهو أكل للأموال بالباطل، وظُلْم لمَن يدفع هذا الحق، أو لمن ضاع عليه حق بسبب مُزاحمة الزوجة له، وكل ذلك حرام.
ومنها تعريض حقها أو حقه في الميراث للضياع، حيث لا تُسْمَع الدعوى بدون وثيقة، وكذلك حقها في النفقة على الزوج إذا هجرها، وكذلك في الطلاق إذا ضارَها، وفي الزواج من غيره إذا لم يطلقها، وفي غير ذلك من الحقوق التي تختلف النظُم في وسائل إثباتها وسماع الدعوى من أجلها.
ومن أجل هذه الآثار يكون الزواج العرفي الذي لم يُوَثَّق ممنوعًا ـ على الرغم من صحة المعاشرة الزوجية إن كان مستوفيًا لأركانه وشروطه، فقد يكون الشيء صحيحًا ومع ذلك يكون حرامًا، كالصلاة في ثوب مغصوب، والحج من مال حرام.
ولا مانع أن يتخذ أولياء الأمور إجراءات تُحِدُّ منه، وذلك لدَرْء المَفْسَدة في مثل الحالات المذكورة.أ.هـ
ـــــــــــــــــــ
الخلوة بأخت الزوجة
ما حكم الخلوة بأخت الزوجة؟ وهل يجوز لزوج أختي أن يصطحبني في سفري للحج باعتبار أنه من محارمي؟ جزاكم الله عنا كل خير ... السؤال
23/08/2003 ... التاريخ
د.حسام الدين بن موسى عفانة ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فالمحرمات من النساء نوعان، محرمات على التأبيد ويجوز الخلوة بهن والسفر معهن، أما المحرمات على التأقيت مثل أخت الزوجة وعمتها وخالتها فهن مثل الأجنبيات يحرم مصافحتهن، والخلوة بهن، والسفر معهن كل ما في الأمر أنه يحرم الزواج بهن ما دامت الزوجية قائمة، وما عدا ذلك فهن أجنبيات عن الزوج، ويحل الزواج بهن إذا انتهت العلاقة الزوجية بالطلاق أو الوفاة، وعلى هذا فلا يجوز للمرأة السفر مع زوج أختها للحج أو لغيره.(35/81)
وهذا ما أفتى به فضيلة الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله- بجامعة القدس بفلسطين فيقول فضيلته:
إن زوج الأخت لا يعتبر محرماً للمرأة في سفرها للحج أو لغيره وزوج الأخت يعتبر أجنبياً عن المرأة لا يجوز لها أن تتكشف أمامه . ولا يجوز أن يخلو بها ولا يثبت له من الأحكام التي تثبت للمحارم وكونها محرمة عليه من حيث الزواج لا يعني سوى ذلك . وتلك الحرمة حرمة مؤقتة فإذا ماتت زوجته أو طلقها فيجوز له أن يتزوج أختها .
والمرأة لا تجد محرماً للحج فلا يجب عليها الحج؛ لأن من ضمن الاستطاعة في حق المرأة أن يكون للمرأة محرم فإن لم يوجد فلا يجب عليها الحج .
ولا بأس من التذكير بمحارم المرأة (والتي يجوز للمرأة الخلوة بهم والسفر معهم ومصافحتهم) وهم:
1. الآباء والأجداد سواء من جهة الأب أو من جهة الأم .
2. الأبناء وأبناء الأبناء وأبناء البنات .
3. الأخوة مطلقاً .
4. الأعمام ويدخل في ذلك عم الأب وعم الأم .
5. الأخوال ويدخل في ذلك خال الأب وخال الأم .
6. أبناء الإخوة وأبناء أبنائهم وأبناء بناتهم.
7. أبناء الأخوات وأبناء أبنائهم وأبناء بناتهن . المحارم
المحرمات على التأبيد بسبب المصاهرة:
1. أبناء زوج المرأة وأبناء أبنائه وأبناء بناته.
2. أبناء زوج المرأة وأجداده من جهة الأب ومن جهة الأم.
3. أزواج بنات المرأة وأزواج بنات أبنائها وأزواج بنات بناتها .
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
تقديم الزوج أهله على زوجته
أنا متزوجة ، وأعيش مع زوجي في بيت أهله ، ولي شقة منفصلة ، ولكن زوجي يفضل أهله علي دائما ،فهو يفضل أمه وأخته بداع وبدون داع، وإذا حدثته عن ذلك، قال لي: إن علاقتي بك ثانوية ، أما علاقتي بأهلي فهي علاقة أصيلة ، مما يشعرني أنه لا أمان معه ، مع أني أحبه ، ولي منه بنت، فماذا أفعل مع زوجي؟ ... السؤال
18/08/2003 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
الأخت الفاضلة:
بداية نسأل الله تعالى أن يجزيك خيرا على هذه المعاملة الطيبة تجاه زوجك ، وتجاه أمه وأخته ، فأنت نموذج نتمنى أن يحتذي به الزوجات في معاملة الزوج وأسرته.
أما عن موقف الزوج من زوجته مقارنة بأمه وأسرته ، فالناس فيه موقفان :(35/82)
الأول : يجنح إلى تقديم زوجته في كل صغيرة وكبيرة ، لأنها زوجته، وأم أولاده ، وهي التي تعيش معه ، وترعى شئونه ، مع إهمال أهله ، و تقديم الزوجة على الأهل على طول الخط محض خطأ يحتاج إلى نوع من المراجعة.
الثاني : تقديم الأهل على الزوجة ، واعتبار أن العلاقة مع أهله أبدية ، أما العلاقة مع زوجته ثانوية ، وهو أيضا فهم خطأ، لأن الله تعالى سمى العلاقة بين الزوجين بأنه ميثاق غليظ ، قال تعالى : " وأخذن منكم ميثاقا غليظا".
والصواب أن يبر والديه ، وأن يصل رحمه ، مع الإحسان إلى الزوجة في العيش والمعاشرة.
وقد طلب الإسلام من الزوج أن يكون بارا بوالديه ، وصولا لأقاربه ، والآيات دالة على ذلك ، منها قوله تعالى :" وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا"، وقال سبحانه :" (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا) ،وقال أيضا :" أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير"، بل يصل بر الوالدين إلى الإحسان إليهما ولو كانا مشركين في غير معصية الله ، فقال تعالى :" وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا"
وجاءت السنة النبوية دالة على هذا البر، من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم " من وصل رحمه ، وصله الله ، ومن قطع رحمه ، قطعه الله".
ومنها أيضا قوله صلى الله عليه وسلم " من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره فليصل رحمه ".
فحق الأهل على الزوج البر والوصل، والتعامل الحسن، والإعطاء من النفقة على الوالدين إن كان للولد مال ، وكان الوالدان في حاجة ، و أن يصل أقاربه بالعطاء من الصدقة ، وكذلك بالزكاة إن كان صاحب مال، فإعطاء الزكاة للقريب أعظم ثوابا ، وعبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " وصدقتك على المسكين صدقة ، وعلى الرحم اثنتان ، صدقة وصلة".
أما ما يخص الحياة الزوجية ، فلا دخل للوالدين والأقارب فيها .
ولا يحل للأم أن تتدخل في شئون الزوجة ، ولا يجوز للأخت أن تفرض سيطرتها على الزوجة ، بحكم أنها أخت الزوجة ، فهذه المعاملة لا وجه لها من الشرع.
وعلى الزوجة في ذات الوقت أن تكون وصولة لأهل زوجها ، بارة بهم ، تعاملهم المعاملة الحسنة.
وقد كانت فاطمة رضي الله عنها تخدم أم زوجها علي بن أبي طالب، وتساعدها في شئون البيت ، وقد كان علي – رضي الله عنه – يقسم العمل في البيت بين زوجته وبين أمه ، فقد أخرج الطبراني بسنده عن علي قال قلت لأمي فاطمة بنت أسد بن هاشم اكفي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سقاية الماء والذهاب في الحاجة وتكفيك خدمة الداخل الطحن والعجن .
ومساعدة الزوجة الأم فيما لا يخصها من شئون هو من باب الاستحباب، وليس من باب الوجوب ، وهو في ذات الوقت من باب صلة الزوج وحسن المعاشرة له .
كما جعل الإسلام العلاقة بين الزوجين كأنهما فرد واحد ، فالزوج ستر على زوجته ، والزوجة ستر على زوجها ، وعبر عن ذلك بالسكن ، فقال تعالى :"ليسكن إليها ".(35/83)
والعلاقة بين الزوجين مبنية على المودة والتفاهم ، فقال تعالى "ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة".
وليس من المودة والرحمة والسكن أن يتعامل الزوج مع زوجته كأنها شيء ثانوي في حياته .
بل تصل العلاقة بين الزوجين في هذا أنه لا عورة بين الزوجين ، بينما هناك عورة بين الرجل وأمه ، وبين الرجل وأخته،فكانت العلاقة بين الزوجين وثيقة حميمة على كل حال.
ومما يزيد ذلك الارتباط وجود الأبناء ، فهم يجعلون الشركة الزوجية أكثر التصاقا وتماسكا ، أكثر من علاقة الزوج بأهله.
وقد جعل الإسلام للمرأة بعض الحقوق ، يجب على الزوج الوفاء بها ، ومن ذلك أن يكون لها سكن تأمن فيه على نفسها ، ولا يتدخل أحد في خصوصيات حياتها ، لا الأم ولا الأب ولا الأخت ولا أي أحد، فالعلاقة الخاصة بين الزوجين لا يتدخل فيها أحد إلا من سبيل النصح و الإرشاد.
و ربما كانت كثير من المشاكل الزوجية التي تحد من العلاقة بين الزوج وزوجته، وبين الزوجة وأهل زوجها كون المرأة تعيش مع أسرة الزوج ، فإن رأى الزوج أن يستقل بمعيشته بعيدا عن أهلها ، إن كان صاحب استطاعة في النفقة وشراء أو تأجير شقة، فحسن ، مع الحفاظ على بر الوالدين ووصل الرحم من الأهل والأقارب، فإن عجز عن ذلك ، فللمرأة أن تستقل بحياتها ، مع وجود حسن العشرة والمعاملة مع أهل الزوج.
ويمكن الاطلاع على :
موقف الزوج من اضطهاد الأم للزوجة
موقف الزوج بين الأم والزوجة
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
ما يجوز للزوجة أخذه دون علم الزوج
لي طفلان، وزوجي لا ينفق على أولادي كما يحبون مثل أولاد عمي، فهل يجوز لي أن آخذ من نقود زوجي دون علمه لأحقق لأولادي ما يريدون؟ وجزاكم الله خيرا ... السؤال
10/08/2003 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فإذا كان الزوج ينفق على أولاده ما يحتاجون إليه من المأكل والملبس ولا يقتر عليهم في النفقة ففي هذه الحالة لا يجوز للزوجة أن تأخذ من ماله دون إذنه، أما إن كان الزوج بخيلا ويقتر على زوجه وأولاده فيجوز للزوجة أن تأخذ ما يكفيها وبنيها بالمعروف دون إسراف أو تبذير.(35/84)
وإليك فتوى فضيلة الدكتور محمود عبد الله العكازي -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر-:
إن من ألزم حقوق الزوجة والأولاد على الأب النفقة والكسوة والسكنى، قال تعالى: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن..) وفيما رواه البخاري حديث: "استوصوا بالنساء خيرًا.." ولا شك أنه في رحاب الأسرة الهادئة المتماسكة تنمو الخلال الطيبة، ويتكون الرجال الذين يؤتمنون على أعظم الأمانات، وتخطب النساء اللائي يقمن على أعرق البيوت.
وإذا كان الإسلام قد جعل للوالدين حقوقًا على أبنائهم، فإنه قد فرض على الوالدين حقوقًا واجبة الأداء لأبنائهم كذلك، منها أن يختار الأب لولده الأم الصالحة التي تنشئه النشأة الصالحة "تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء" وأن يختار له الاسم الحسن؛ حتى لا يكون موضع السخرية بين أقرانه، وأن يؤدبه الأدب الحسن النافع، ويرعاه الرعاية الفاضلة، وأن يرفق به ويرحمه وينبسط معه، ويكون قدوة حسنة له، وأن يطعمه حلالاً، وأن لا يبخل عليه من غير إسراف مهلك أو تقتير مضيع (لينفق ذو سَعَة من سعته ومن قُدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله) ولا يجعله يتطلع إلى ما في أيدي الناس بقدر استطاعته وفي حدود المعقول.
وإني أقول للأخت: إذا كان زوجك ينفق على أولاده في حدود المعقول دون إلحاق ضرر بهم، فقد فعل الواجب عليه شرعًا، ولا حق لكِ غير هذا بالنسبة لسؤالك؛ لأن كثرة النقود مع الأولاد قد تفسدهم أحيانًا، وتبعدهم عن الصواب. أما إن كان يقتر عليهم لدرجة الحرمان والمضايقة بدافع البخل، فلا مانع أن تأخذي من ماله بدون علمه بقدر ما يكفيكِ وأولادكِ بالمعروف من غير إسراف ولا تبذير.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
موقف الولي ممن تزوجت بغير إذنه
أختي طالبة بالجامعة تقدم لخطبتها رجل سنه أربعون سنة ولديه ستة أطفال فلم يوافق عليه أحد في الأسرة، وفي ليلة غابت عن المنزل وإذا بهذا الرجل يرسل لنا قسيمة زواجه منها بتاريخ قديم من حوالي ستة أشهر، فجن والدها وخشي من الفضيحة وأرسل له ليأخذها وقاطعها الجميع وبعد 4 سنوات أنجبت منه طفلين ولم تنتظم حياتها معه فعادت لبيت أبيها وأبوها يريد أن يطلقها وهي تريد الرجوع إليه، فما رأي الإسلام في زواجها دون علم أهلها وموافقة والدها؟ وهل ترجع لزوجها وطفليها أو تطلق من هذا الرجل ؟ أرجو الإفادة . ... السؤال
07/08/2003 ... التاريخ
أ.د عبد الفتاح عاشور ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الواجب على أولياء البنات حسن التوجيه لهن ، والتنبه لما يحيط بهن ، فإن تقدم إلى الفتاة خاطب لا بأس بدينه وخلقه ومالت الفتاة إليه وجب على الولي أن يزوجها(35/85)
له ، ولو كان هناك اعتبارات يجعلها الناس مانعا وليست عيبا شرعيا، ولا يجوز للبنت أن تزوج نفسها ، فمذهب الجمهور أن النكاح لا يصح بدون ولي ، ولكن طالما أن العقد قد تم توثيقه رسميا على يد المختص الذي يعتبر نائبا عن الحاكم في هذه المسألة فإنه يكون صحيحا .
فعليكم أن تمضوا هذا الزواج وتصلوا أختكم هذه وتعاونوها ، ولا تقاطعوها ، ولا تطلقوها.
يقول الدكتور عبد الفتاح عاشور، الأستاذ بجامعة الأزهر :
هذا الذي حدث هو ما نحذر منه الفتيات وأولياء الأمور،فعلى الفتاة أن تدرك أن أباها وعشيرتها يعيشون الأمور بمنطق العقل لا باندفاع العاطفة التي قد تجعل الفتاة تسيء الاختيار، وتجلب التعاسة لنفسها ولأهلها، ولذلك اشترط الإسلام في الزواج أن يكون بإذن ولي الفتاة وبحضور شاهدين، وفي الحديث: ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ) رواه الدارقطني، وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيما امرأة انكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل، فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) رواه أبو داود والترمذي.
وعلى ولي أمر الفتاة أن يكون يقظا لما تكون عليه ابنته، وأن يكون بصيرا بمواطن الخطر من حولها، وأن ينظر في هذا الذي يتقدم إليه لخطبة ابنته ومدى رغبة ابنته فيه فإن وجد منها رغبة كبيرة، ووجد رجلا لا مطعن فيه في دين أو خلق سوى بعض الاعتبارات الاجتماعية من زواج سابق أو أبناء ـ وهذه ليست موانع من الزواج ـ فليزوجه حتى لا يحدث ما نرى، وإذا تم الزواج على يد المأذون فلا سبيل لإبطاله ونقضه.
يقول بن قدامة: فإن حكم بصحة هذا العقد ( أي الذي تم دون إذن الولي ) حاكم أو كان المتولي لعقده حاكما لم يجز نقضه، والحاكم هنا هو من يقوم بتوثيق العقد من المأذونين، كيف وقد تم الزواج وهناك طفلان من هذا الزواج، ومادامت راغبة في العودة إليه فلا يحق لأحد منعها قال تعالى: { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون }، وكفاكم تضييقا على ابنتكم وأختكم فليس من البر وصلة الرحم تركها وحيدة تصارع الأحداث مع زوجها، فهذا مما يجعله يتمادى في الاعتداء عليها وهضم حقها فكونوا جميعا بجوارها ولتعد لزوجها وأبنائها. وأعيدوها إلى ما كانت تحظى به قبل الزواج من مودة ورحمة وافتحوا لها قلوبكم وبيتكم ، فهي إن شئتم أم أبيتم ابنتكم وعرضكم فكونوا عونا لها – والله يتولاكم وإياها برحمته وإحسانه.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
رئاسة المرأة.. هل تتعارض مع قوامة الرجل؟
: هل يجوز أن تكون المرأة رئيسة على الرجل في العمل مع أن الله يقول:( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ)؟ ... السؤال(35/86)
27/05/2003 ... التاريخ
الشيخ عطية صقر ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فالإجماع قد انعقد على عدم جواز تولي للمرأة للولاية العامة، وما عدا ذلك فيجوز للمرأة أن تتولى القيادة متى توافرت فيها الكفاءة ولا يتعارض ذلك مع قوامة الرجل، فقوامة الرجل هي قوامة رعاية وإنفاق ولا تحول دون أن ترتقي المرأة مكان الصدارة متى كانت أهلا لذلك وهذا ما أفتى به فضيلة الشيخ عطية صقر –رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا- وإليك نص الفتوى:
رئاسة المرأة للرجل في أي عمل لا تكون ممنوعة إلاّ في الرّئاسة أو الولاية العامة التي جاء فيها الحديث الصحيح:" لن يفلح قومٌ ولَّوْا أمرهم امرأة " رواه البخاري وغيره. وذلك أمر اتفق عليه العلماء، لخطورة هذه الولاية وحاجتها إلى مواصفات عالية فيمن يتولاها، وبدون نقاش" الرجال أقدر من النساء في هذا المجال" وليس هذا تحيُّزًا أو تعصُّبًا، فالحياة أساسها التعاون ولا يتم الخير إلا بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، كما سبق أن ذكرناه في حق المرأة في العمل.
وآية ( الرِّجالُ قوَّامونَ عَلَى النِّسَاءِ ) (سورة النساء : 34) تفيد معنى المسؤولية الواجبة على الرجال نحو النّساء إن كن بناتٍ أو زوجات بالذات، وذلك لوجوب الإنفاق والرعاية ، ومؤهّلات هذه المنزلة مذكورة في الآية نفسها:(بِما فضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) والواجب هو الاعتراف بالواقع الفعلي الذي خلق عليه الرجل والمرأة وبالنصوص المؤكدة لذلك.
ومهما أعطى من معنى" القَوَامة" بأنّها رئاسة أو غيرها فإن المرأة لا تمنع منها إلا كما قلت في الولاية العامة، وبشرط أن تكون محافظة على جميع الآداب الشرعيّة عند خروجها لأي عمل من الأعمال، حفاظًا عليها وعلى غيرها ممّا لا يمكن تجاهله.
والرّئاسة في الأعمال الأخرى مدارها على الكِفاية والخبرة والأمانة التي لخصها سيدنا يوسف في قوله:( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزائِنِ الأرْضِ إنِّي حَفيظٌ عَليمٌ )(سورة يوسف : 55) وأشارت بها بنت شعيب عليه لاستئجار موسى:( إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ) (سورة القصص : 26) .
والنُّصوص في شرط الكَفاءة في مزاولة أي عمل كثيرة، يستوي في ذلك الرجل والمرأة وفي الحديث:" إذا ضُيِّعَتِ الأمانةُ فانتظر السّاعةُ" قيل: وكيف إضاعتها؟ قال:" إذا وُسِّدَ الأمْرُ إلى غَيْرِ أهلِه فانتَظِر السّاعةَ" رواه البخاري.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
متى تتولى المرأة رئاسة الدولة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم تولية المرأة منصب رئيس الدولة؟ نرجو الإفادة وجزاكم الله خيرا. ... السؤال(35/87)
21/02/2007 ... التاريخ
د. سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
هناك فرق بين الإمامة العظمة –الخلافة- وبين رئاسة الدولة، فإجماع المسلمين قد انعقد على عدم جواز تولي المرأة للإمامة العظمى، أما رئاسة الدولة فلا حرج في أن تعتلي هذا المنصب إذا رأى أهل الحل والعقد صلاحيتها لذلك شريطة ألا يتعارض ذلك مع دورها الأساسي في المجتمع وهو كونها أما وزوجا وهذا ما أفتت به فضيلة الأستاذة الدكتور سعاد صالح –أستاذ الفقه بجامعة الأزهر- وإليك نص الفتوى:
قام الإجماع على اشتراط الذكورة لتولي الإمامة العظمى، وهي الخلافة، وكان نظام الخلافة الإسلامية معمولا به حتى سقوط الدولة العثمانية، ثم انقسمت الدولة الإسلامية إلى دول وأقطار فإذا وجد في هذه الدول المرأة التي فيها عناصر الكفاءة والتي اختارها الشعب في نظام ديمقراطي نيابي يقوم على الانتخاب والترشيح فإنه لا مانع شرعا.
والحديث الصحيح الذي يستدل به على المنع من تولي المرأة منصب رئيس الدولة وهو قوله صلي الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" فهو بشأن الإمامة العظمى والولاية العامة، والقرآن الكريم قد ضرب لنا مثلا لحكم امرأة، وهي بلقيس التي حكمت اليمن، والتي طبقت مبدأ الشورى حينما قالت لقومها: "يا أيها الملأ إني ألقي إليّ كتاب كريم إنه من سليمان وإنه باسم الله الرحمن الرحيم ... إلى قوله تعالى: يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون".
وعلى ذلك فلو وجدت المرأة التي فيها الكفاءة الوظيفية مع اختيار الشعب لها بشرط ألا يكون في ذلك اعتداء على دورها الأساسي كأم وزوجة وهو الأصل الذي خلقت من أجله المرأة، قال تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" والتاريخ الإسلامي مليء بالنساء النابغات في مختلف المجالات، ولكن الحكم الشرعي العبرة فيه "الغالب والنادر لا حكم له".
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
موقف الزوج من اضطهاد الأم للزوجة
والدتي لا ترضى عن راحتي وراحة أم أولادي "زوجتي" وتَجلِب لي المشاكل العائلية، وتُريد طَرْد زوجتي، وهي أم لخمسة أطفال. وأنا مُحافَظ على حقوق والديّ وبِرّهما. وحاولتُ الكثير في إصلاح هذه الحالة ولكنِّي لم أنجح. فأخذتُ زوجتي وأولادي إلى بلد بعيد لترتاح ويرتاح أولادي. فما الرأي؟
... السؤال
04/04/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...(35/88)
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
الأخ الفاضل
إن الأم في مثل هذه الحالة نسيت أمومتها ،لاعتقادها الخاطئ أن الزوجة أخذت ابنها،ونسيت أن من الأمومة أن تفرح الأم لفرح ابنها،وأن تحزن لحزنه ،ومادامت الزوجة طيبة المعاملة لها ،فلا ينبغي أن تعامل بمثل هذه المعاملة القاسية،ولايجوز طاعة المرأة في مثل هذا،لأنه ظلم حرمه الله تعالى ،ولكن عليك بالترفق بها ،وليس عليك حرج شرعي في انتقالك من مكان الأسرة إلى مكان آخر ،ولكن لا يحمل ذلك ألا تبر أمك،بل كن بها بارًا
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
يقول الدكتور محمد البهي
الأم الآنَ في موقفها من زوجة السائل أنانية، تريد أن لا تترُك في قلبه وفي حياته فراغًا لامرأة أخرى، ولو كانت الزوجة، ولو كانت أم أولاده، ولو كانت في خدمته ورعاية الأولاد.
وهذه الأم الأنانية في معاملتها لزوجة ابنها على هذا النحو يجب أن لا تُطاع من ولدها. ففي وصية لقمان لابنه كما يقصُّها القرآن الكريم في قول الله تعالى: (وإِنْ جَاهَدَاكَ ـ أي الوالدان ـ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعروفًا واتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ـ وهى سبيل المؤمنين ـ) (لقمان: 15).. وما يقصُّه القرآن من الشرائع وأخلاق الرسالات السماوية السابقة يُعَدُّ من المنهج الذي يجب أن يسير عليه المؤمنون برسالته.
وفي هذه الوصية يُوصي لقمان ابنه بثلاثة أمور:
أولاً: بأن لا يتبع الوالدين فيما يُخالف رسالة الله، وبالأخصِّ في الشِّرك بالله: (وإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا).
وثانيًا: أن الاختلاف بين الابن والوالدين في الدين ـ ومثله الاختلاف الجذريّ في اتجاه الحياة ـ لا يمنع أن يقوم الابن بما يجب عليه نحو الوالدين من رعاية وإحسان، ومصاحبة بالمعروف (وصَاحِبْهُما في الدُّنيا معروفًا) بل يجب عليه أن يباشر الرعاية المثلى نحوهما، بالرغم من الاختلاف بين الطرفين.
وثالثًا: أنه يجب على الابن ليكون في مأمن من سلوكه وفي اتجاهه في الحياة أن يتبع فقط سبيل المؤمنين بالله وحده (واتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ).
والأم هنا ـ في هذا السؤال ـ بتضييقها على زوجة الابن وبإثارتها المشاكل العائليّة في وجه ابنها بسببها.. تُخالف ما ينصح به الإسلام فيما يجب أن يعامِل به الزوج زوجته في حسن خلُق ومودّة ولُطف. فيُروى عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قولُها عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلُقًا.. وخِياركم ـ أي المُفَضَّلون فيكم ـ خياركم لنسائهم" أي المُحسِنُون إليهم بالمعاشرة الطيبة.
فعلى الابن ـ وهو صاحب السؤال ـ أن لا يُطِيع والدته فيما تَحمِل به على زوجته. وليس في عدم طاعته إيّاها في ذلك ما يُخالف نُصْحًا أو أمرًا لله في شأن الوالدين.(35/89)
ومع وُجوب عدم طاعته لوالدته فإنه يجب عليه الاستمرار في رعاية الوالدين. وبذلك يكون مُتَّبِعًا سبيل مَن أناب إلى الله، وتوكَّل واعتمد عليه، وهو المؤمن به في ثقة وفي صدق.
ولذا فالطريق الذي اختاره الزوج بالانتقال بزوجته وأولاده إلى مكان بعيد عن والدته.. هو الطريق الأمثل. ولا يُقَلِّل ابتعاده عنها في المكان أيّ أجر أو ثواب له عند الله في رعاية الوالدين. وبذلك يحفظ المودة في الجانبين: في جانب الزوجة.. وجانب والديه.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
موقف الزوج بين الأم والزوجة
تزوجتُ فتاةً مسلمةً لأجد منها ما يَجده الزوج من امرأته مِن المتعة وحُسن العِشْرة، ولِتَكونَ عَوْنًا لي على بِرِّ أمي والإحسان إليها، وقد أخبرتُها قبل الزواج أنني سأدخل بها في بيت أمي؛ لأنها في السبعين مِن عُمرها وليس لها عائل غيري، وأخبرتُها أن أمي تُعاني من بعض الأمراض النفسيَّة والعصبيَّة، وقلت لها: هل تَستطعين أن تَتحمَّلي ما يصدر منها مِن الكلام الجارح والتصرُّفات الخارجة عن المَألوف؟ قالت: نعمْ إنْ شاء الله. ثم تَزوَّجْنا على بركة الله تعالى ودخلتُ بها في بيت أمي، فتَقبَّلتْها أمي بقَبول حسَنٍ وأنزلَتْها من نفسها منزلةَ ابنتِها التي ماتت منذ سنينَ، فما كادت الحياة تَصفو لي وأنا أتقلَّب بين حنان أمي وعطف زوجتي حتى تعكَّر الصفْوُ شيئًا فشيئًا بين زوجتي وأمِّي، حتى صارت كلٌّ مِنْهما تُبْغضُ الأخرَى وتتمنَّى ألا تَراها، وتَحوَّل البيت إلى جَحيم لا يُطاق، فكلٌّ منهما تشكو مِن الأخرى مُرَّ الشكوَى، وقد عَجزتُ كلَّ العجز عن الإصلاح بينهما، وخيَّرتْني زوجتي بين أن تَعيشَ وَحدها أو تُطلَّق، وكِلَا الأمرَينِ مُرٌّ، فلن أَستطيعَ أن أُسكنَها بعيدًا عن أمِّي؛ لأني ما تزوجتُها بالدرجة الأولَى إلا مِن أجل أمي، هذا بالإضافة إلى الظروف المالية والأزمات السكانية وغير ذلك، ولن أستطيعَ أن أطلِّقَها أيضًا؛ لأنني أحبُّها لصَلاحها وتَقْواها ولأنها قد حمَلت مني، وأنا أنتظرُ هذا المولود الجديد وأتمنَّى أنْ أحمِلَه بين يَدَيَّ وأن أقدِّمه هديةً لأمي لتَفرح به غايةَ الفرح كما يَفرح الأجداد بالأحْفاد، وقد استشرتُ بعضَ المُقرَّبِينَ إليَّ في هذه المشكلة فأشاروا عليَّ بأن أُدخل أمِّي دارَ المُسنِّينَ لعلَّها تَجد فيها مَن يُؤنسها مِن أقرانها، ولعلَّها تَستريح من هذه الزوجة التي لم تَفِ بوَعْدها، وهناك ستَجد مَن يَخدمها ويُلبِّي طلَباتِها، فهل إدخالُ أمي دارَ المُسنِّينَ جائزٌ شرعًا لحلِّ هذه
المشكلة؟ أفِيدُونَا أفادكم الله.
... السؤال
11/05/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:(35/90)
نظرت الشريعة إلى بر الوالدين وخاصة الأم نظرة خاصة ،وليس من الحكمة أن يقدم الرجل أمه على زوجته،ولا أن يظلم زوجته،ولكن على الزوج أن يقنع زوجته أن تكون بارة بأمه ،وأن تكسبها ،وعلى الزوج الحصيف أن يجمع بين بر أمه،ولا يحول بينه وبينه حائل مهما كان ،وأن يجمع أيضًا بين كسب زوجته،فإن كان هناك نزاع ،فمن البر أن يقدم أمه على زوجته ،مع عدم ظلمها.
يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل الأستاذ بجامعة الأزهر:
ليس مِن البرِّ أن تبعد أمك عنك مهما كانت الظروف، فالْزَمْ سَريرَها وكُنْ تحتَ قَدَمَيْهَا، فالجنة تحت أقدام الأمَّهات، فقد خابَ وخسِرَ مَن أدرَكَ أبوَيْه أو أحدَهما فلم يُدخلاه الجنة، متِّعْ نَاظرَيْكَ بالنظَر إليها ومتِّعْها بالنظَر إليك، فأنت منها بمَنزلة الرُّوح مِن الجسد، أنت فلذةُ كبِدِها ونبضات قلْبها، فلا تُشعرها أبدًا بأنك قد تَخلَّيتَ عنها وفضَّلتَ زوجتَكَ عليها، ولا تَكُنْ سببًا في ازدياد مرَضها، ولا تَنْصُرْ زوجتك عليها، وكُنْ حازمًا معها ولا تُمكِّنْها مِن الإساءة إلى أمِّك بأيِّ حال، واعلمْ أن البرَّ كلَّ البرِّ في قُربها منك وقُربك منها، كما أشار بذلك ربُّ العِزَّة في قوله جل وعلا: (إمَّا يَبْلُغَنَّ عِندكَ الكِبَرَ أحدُهُمَا أو كلاهمَا فلا تَقُلْ لهمَا أُفٍّ ولا تَنْهَرْهُمَا وقُلْ لهمَا قولًا كَريمًا. واخْفِضْ لهمَا جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وقُلْ رَبِّ ارْحَمْهمَا كما رَبَّيَانِي صَغِيرًا) فقوله: (إمَّا يَبْلُغَنَّ عِندكَ الكِبَرَ) يُفيد أنهما في حال الكِبَرِ لا بدَّ أن يكونَا عندك في بيتك وتحت رِعايتك، فهذا هو الإحسانُ في أسمَى صُوره وأبهَى مَعانيه، فهما لا يَسعدانِ بشيء مهما عظُم قدْرُه مِثلمَا يَسعدانِ بالنظر إليك والتحدُّث معك والعيش في ظلِّك وهما في أواخر العُمر.
وزوجتُك ـ سامحَها اللهُ ـ لو كانت حَكيمةً لعرَفَتْ كيفَ تَكسب رضَا أمِّك بالكلمة المَعسولة والنظرة الحانية، وامتصاص غضَبها بالتفاني في خِدمتها وعدَم الوقوف أمام كل كلمة تَقولها أو عِتاب تُوجِّهُه إليها، فهي مَريضة وضعيفة وكَبيرة في السِّنِّ، وتَغار مِنها على وَلَدِها، والغَيرة عند المرأة طبْع لا تَستطيع أن تُقاومه أو تَتخلَّى عنه، فأينَ عقلُ امرأتِك هذه؟ وأين دِينُها وصلاحُها؟ وأين حبُّها لك؟
أنا لا أُريدُ أن أُدْخِلَ الشكَّ على قلبك مِن جِهتها، ولكن أُريدُ أن تُواجهَها بالوعْد الذي قطَعَتْه على نفسها قبل الزواج، وأن تُحاكمها إلى ضَميرها، وأن تَردَّها إلى الدِّين، وهو المِيزان العدْل الذي تُقاس به الأمور وتُحَلُّ به المُشكلات المُعْضِلات.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
هل منع الإسلام رئاسة الدولة عن المرأة ؟
كيف نرد على من يستنكر حجب الشريعة الإسلامية وظيفة رئاسة الدولة عن المرأة؟
... السؤال
07/06/2004 ... التاريخ
أ.د محمد سعيد رمضان البوطي ... المفتي
... ... الحل ...
...(35/91)
... الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد
فأقول باختصار لهؤلاء المستنكرين : إن قسمًاً كبيرًاً من المهام التي يقوم بها وليّ أمر المسلمين في المجتمع الإسلامي ، دينية محضة كصلاة الجمعة وخطبتها والأعياد ، وصلاة الاستسقاء والكسوف . . إلخ . ومن المعلوم أن المرأة لا يتأتى لها النهوض بهذه الشعائر العبادية بشكل شخصي في كل الأوقات ، فضلاًً عن أن تنهض بها على مستوى القيادة للآخرين .
وبقطع النظر عن هذه المعذرة الخاصة ، فإن الواقع التاريخي منذ أقدم العصور كان ولايزال متفقًاً مع هذا الذي قررته شريعة الإسلام .
تأمل في أسماء من نصبوا ملوكاً أو رؤساء لدولهم منذ أقدم العصور إلى يومنا هذا ، ستجد أن النساء اللائي تبوّأن هذا المركز لا يزدن على عدد أصابع اليدين . . وها هي ذي الولايات المتحدة التي تهيب بنساء العالم أن يطالبن بحقوقهن، لم نسمع عن امرأة واحدة تولت الرئاسة فيها ، منذ فجر ولادتها إلى اليوم ، بل لم نسمع عن امرأة رشحت نفسها للرئاسة فيها .
أعتقد أن هذا أكثر ما يقال في الغرب عن المرأة في ظل الإسلام ، أما ما نقوله نحن عن الوضع المأساوي للمرأة في الغرب فكثير .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
المرأة ورئاسة الوزراء
ما رأيكم في الرأي القائل بجواز تولي المرأة رئاسة الوزراء ؟ ... السؤال
ا.د رفعت فوزي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، لا أرى أن تتولى المرأة مثل هذه الولايات العامة، فالتاريخ الإسلامي من أوله إلى آخره، ليس فيه حتى هذه الولايات تتولاها المرأة، وخاصة في عهد السلف الصالح في القرون الأولى ابتداء من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا مستفيض يعرفه كل من له أدنى صلة بتاريخ المسلمين، وبطبيعة الحال هناك الحديث الذي يقول "لا يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة"، وعلى كل حال فنحن لا نعول على هذا الحديث كثيرًا؛ لأنه كان بشأن ولاية امرأة على دولة كسرى، ولكننا نعول على التاريخ الإسلامي في عهد السلف الصالح وفي القرون الأولى الفاضلة، والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــ
اتهام الزوجة بالزنى ونفي الولد عنه
كنت على علاقة ببعض الشباب قبل الزواج ، غير أن هذا - وربي يعلم – أنه لم يحدث كبيرة من الكبائر ، وأنه لم يذهب عرضي، وإنما كانت علاقات شبابية في المرحلة التي كنت أعيشها ، غير أن زوجي علم بذلك ، وقد أنجبت منه ولدا ، وقد ثارت الشكوك في نفسه ، واتهمي في عرضي ، وأن بريء من اتهامه لي ، وهو ينفي ولده مني ، فماذا أفعل ، وما حكم الشرع في هذا؟ ... السؤال(35/92)
21/05/2003 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فخلاصة ما قاله الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي أنه من الواجب على الزوج ألا يشك في زوجته إلا إذا رأى شيئا يدعو لهذا، ولا يجوز له اتهامها بالزنى إلا بدليل قاطع، ولا يجوز له نفي الولد لمجرد الشك ، فإن أصر تلاعنا أمام القاضي .
وإليك نص كلام الشيخ :
الولد سر أبيه، وحامل خصائصه، وهو في حياته قرة عينه، وهو بعد مماته امتداد لوجوده، ومظهر لخلوده. يرث منه الملامح والسمات، والخصائص والمميزات، يرث الحسن منها والقبيح، والجيد والرديء. وهو بضعة من قلبه، وفلذة من كبده.
لهذا حرم الله الزنى، وفرض الزواج، حتى يصون الأنساب، ولا تختلط المياه، ويعرف الولد من أبوه، ويعرف الوالد من بناته وبنوه؟ فبالزواج تختص المرأة برجلها ويحرم عليها أن تخونه، أو تسقي زرعه بماء غيره. وبذلك يكون كل من تلدهم في فراش الزوجية أولاد زوجها. بدون أن يحتاج ذلك إلى اعتراف أو إعلان من الأب أو دعوى من الأم فالولد للفراش كما قال رسول الإسلام.
من هنا لا يحل للزوج أن ينكر نسب ولد ولدته زوجه في فراشه أي في حالة قيام زوجية صحيحة بينهما. فإن إنكاره هذا يلحق أكبر الضرر، وأقبح العار بالزوجة والولد فلا يباح له الإقدام عليه لشك عارض أو وهم طارئ أو إشاعة خبيثة. أما إذا جزم بأن امرأته خانته بأدلة تجمعت لديه، وقرائن لا يستطيع أن يدفعها عن نفسه، فإن شريعة الإسلام لم ترض أن تدعه يربي من يعتقد أنه ليس بابن له، ويورث من لا يرثه في رأيه، أو على الأقل يكون فريسة للشك طول حياته. وقد جعلت الشريعة له مخرجا من ذلك بما عرف في الفقه باسم (اللعان) فمن تأكد أو ظن ظنا راجحا أن زوجته قد لوثت فراشه بماء غيره وجاءت بولد منه وليس له بينة على ذلك، فله أن يرفع ذلك إلى القاضي ويجري القاضي بينهما الملاعنة التي فصلها القرآن الكريم في سورة النور: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) سورة النور:6-9. ثم يفرق بينهما إلى الأبد، ويلحق الولد بأمه.
والله أعلم
إجبار الزوجة على خدمة الأهل
هل يحق لزوجي إرغامي على خدمة أهله الذين يسيئون معاملتي باعتبار ذلك من طاعة الزوج, مع أنني أعاملهم بشكل حسن وأطلب منه الإحسان إليهم, وإذا رفضت(35/93)
ذلك فهل أعد عاصية وخاصة أن ذلك فوق طاقتي, وهل يحق له إرضاؤهم على حسابي مع أنه لا يقصر معهم في شيء؟ ... السؤال
29/04/2003 ... التاريخ
الشيخ فيصل مولوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فالزوجة لا يجب عليها خدمة أهل الزوج، بل إن فعلت ذلك تطوعا وتطييبا لخاطر زوجها وطلبها مرضاته فلها من الله تعالى عظيم الأجر والمثوبة، وإن أبت خدمتهم فلها ذلك وليس للزوج أن يجبرها على ذلك، وما أحوجنا أن نرفق بنسائنا، وأن نلتزم حدود الله تعالى في التعامل معهم.
يقول سماحة المستشار فيصل مولوي -نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء :-
لا يجب على المرأة أن تقوم بخدمة أهل زوجها إلا أن تختار هي ذلك، وما يفعله بعض الأزواج اليوم من إرغام الزوجات على خدمة أهلهم لا يصح لأن حق الزوج على زوجته مقصور على رعايته ورعاية أولاده وبيته قال عليه الصلاة والسلام: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..... والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها....." متفق عليه، أنظر جامع الأصول جزء5 ص 663.
وفي رواية أخرى للبخاري: " .....والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم...." المرجع نفسه جزء4 ص 51.
وقد وقف الإمام ابن أبي جمرة عند فصاحة الحديث هنا وإعجازه في توفية المعنى وقال: لأن المرأة لا تباشر من حال الزوج إلا ما هو في الدار فلم تكلف ما هو خارجه لكونها لا تصل إليه اتصالاً كلياً، والذي يجب عليها في ذلك ما جاء مفسراً في حديث غير هذا، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: تحفظ المرأة زوجها في نفسها وماله ثم قال: هذا هو الواجب. أنظر بهجة النفوس جزء2 ص 52.
وقد ذكر عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع حق الزوج على زوجته وحق زوجته عليه قال: "...ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فحقكم عليهن ألا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. أنظر رياض الصالحين باب الوصية بالنساء.
ومن هنا نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكر أهل الزوج أصلاً فضلاً عن وجوب خدمتهم، وهذا إذا كانوا في ظروف عادية فكيف إذا كانوا سيئين في أخلاقهم.
غير أني أتحفظ كثيراً على هذه الكلمة لأنه كم يوصف أهل الزوج بسوء الأخلاق من قبل زوجة ابنهم وهم في الأصل على خلق كريم، وبالمقابل كم يصف أهل الزوج زوجته بسوء الخلق وهي ذات خلق كريم فمن هنا أقول: هذا الموضوع حساس للغاية والله هو أعلم بما في قلوب العالمين.(35/94)
أما إذا أرادت الزوجة خدمة أهل زوجها وهي تملك الوقت والقدرة فإنه يستحب لها ذلك، وهو الأفضل لتأليف قلوب الجميع خاصة إذا كان أهل الزوج بحاجة ماسة إلى مساعدة لمرض أو شيخوخة وما إلى ذلك ففيه الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى، والمعروف بحر لا ساحل له يجد صاحبه ثوابه عند الله تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
كما أنه لا يجوز للزوج إذا امتنعت زوجته عن مساعدة أهله أن يقوم بمضارتها والنكاية بها وما أكثر المظلومين في زماننا من الطرفين خاصة إذا ارتفعت التقوى ومخافة الله من القلوب، ودخل الشيطان يوسوس لهذا، ويوسوس لذاك، ويحرضهم على بعضهم من أجل أن يحقق غرضه، وما يقع في شباكه إلا كل ضعيف الإيمان. نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
خدمة المرأة ضيوف زوجها
إذا مرضت الزوجة فهل تلزم رغما عنها بتقديم القرى لضيوف زوجها ؟
... السؤال
11/01/2003 ... التاريخ
الشيخ عطية صقر ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فالفقهاء مختلفون في خدمة المرأة زوجها في البيت ، والراجح أن هذا واجب عليها ، ولكن لا يجب على المرأة خدمة الضيوف ، وإن كان هذا الفعل من مكارم الأخلاق ، وحسن المعاشرة بين الزوجين، وقد كانت تفعله كثير من زوجات الصحابة ، في حضرة من النبي صلى الله عليه وسلم ،إلا إذا ترتب على ذلك ضرر أو فتنة ، وفي كل الأحوال : لا يجب على المرأة خدمة ضيوف زوجها ، وخاصة إن كان عندها عذر كمرض ونحوه .
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر من كبار علماء الأزهر :
المشهور في المذاهب الأربعة أنها لا توجب على كل زوجة مسلمة خدمة زوجها نفسه ،إلا إذا قامت بذلك متبرعة من باب مكارم الأخلاق ،وبعضها ـ كالمذهب الحنفي ـ يلزمها بهذه الخدمة ديانة لا قضاء .لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الأعمال بين علي وفاطمة رضي الله عنهما .فجعل على فاطمة أعمال الداخل ،وعلى عليّ أعمال الخارج . وبعضها ـ كالمذهب المالكي ـ لا يلزم ذات القدر والشرف،إنما يلزم من سواها . قالوا :وليس يلزمها خدمة ضيوفه فيما يظهر.
ولو شكا زوج زوجته إلى المحكمة الشرعية الملتزمة ببعض هذه المذاهب لم تجبر المرأة على خدمة الزوج .
فإذا كان هذا مقررا في شأن الزوج فأولى ألا تلزم المرأة بخدمة ضيوف زوجها وتقديم القرى لهم وخاصة في حالة مرضها .(35/95)
والمذهب الذي نطمئن إليه ونفتي به هو وجوب عمل المرأة في البيت خدمة لزوجها وأولادها ، وهذا من المعاشرة بالمعروف التي أمر الله بها ،ومن العدل في توزيع الحقوق والواجبات على الطرفين " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف،وللرجال عليهن درجة " البقرة .
فالرجل يعمل ويكدح خارج البيت ليعول أسرته ،والمرأة تعمل داخل البيت لخدمة الأسرة .ويكفي أن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدة نساء العالمين كانت تخدم بيتها كنسا وطحنا وعجنا .
وعلى كل حال ،فإن المذاهب التي أوجبت على المرأة خدمة زوجها ـ أو على بعض النساء ـ ديانة أو قضاء ،لم توجب على المرأة خدمة ضيوف الزوج ،في حالة الصحة ،فكيف يجب عليها في حالة المرض ؟
وإذا كانت المرأة تعمل في الخارج ،كما يعمل الرجل ،فالعدل أن يعاونها الرجل بخادمة تساعدها أو بنفسه ما استطاع ،ولا سيما إذا كانت أما لأطفال .
ومن هنا لا ينبغي للرجل أن يثقل على زوجته بالضيوف،وخصوصا في فترة مرضها فقد اعتبر الشرع الإسلامي المرض ظرفا مخففا في أحوال كثيرة،فأعفى المريض من الجهاد إذا وجب "ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ،ولا على المريض حرج "الفتح .
ورخص للمريض في رمضان أن يفطر ويقضي الأيام التي أفطرها بعد رمضان عندما تواتيه العافية "ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " البقرة .
وأجاز للمريض أن يصلي كيف استطاع قائما أو قاعدا أو على جنبه .وطلب من الأئمة في صلاة الجماعة أن يخففوا فإن وراءهم الضعيف والمريض وذا الحاجة .
وينبغي للمسلم الشرقي عامة والعربي خاصة :أن يراعي ظروف زوجته الغربية عمومًا وأنها لم تتعود في حياتها ولا في بيت أبيها استقبال الضيوف بهذه الكثرة التي تعودها العرب وأمثالهم من الشعوب ،كما أن على المرأة الغربية التي دخلت الإسلام أن تقدر ظروف زوجها وما نشأ عليه ،وأن من أخلاق الإسلام أن يكرم الرجل ضيفه " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه " متفق عليه عن أبي هريرة .
ـــــــــــــــــــ
هل تجب على الزوجة خدمة أهل زوجها؟
تزوجت منذ ثلاثة شهور، وقد دخلت في شقة في بيت والد زوجي، بينما تقيم أسرته في نفس المنزل لكن فوقنا. ومنذ تزوجت يشعرني زوجي وأهله أنني خادمة عندهم، والذي يؤلمني أن أم زوجي تغار مني، وتستثير زوجي ضدي، وإذا رفضت إهانتهم لي، أقسم زوجي عليّ بالطلاق أن أصعد إليهم وأخدمهم وإلا كنت طالقا، وأنا في حيرة وأتساءل: هل من الدين إهانة الزوجة وامتهانها إلى هذا الحد؟
... السؤال
14/10/2003 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي(35/96)
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فلا يجب على الزوجة خدمة أهل زوجها، بل إن فعلت ذلك تطوعا فبها ونعمت، وإلا فليس للزوج أن يجبر زوجته على خدمتهم، ويمكن للزوجة القيام بهذه الخدمة برا بزوجها من باب حسن العشرة، وصلة للرحم وليس من باب الفرض ..
وإليك فتوى الدكتور أحمد يوسف سليمان -أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة-:
أتوجه إلى هذه الزوج لأقول له: اتق الله في زوجتك، فإنها مسئولة منك؛ لأنك راعيها، وكل راع مسئول عن رعيته، ولها عليك حقوق أبسطها أن تعاشرها بالمعروف، ومن المعروف أن تحفظ كرامتها، وتراعي مشاعرها، وتمنع عنها أذاك سواء باللسان أو بالضرب، فلا تشتمها ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت، ومن المعاشرة بالمعروف أن نعرف أن هناك فرقا كبيرا بين عقد الخدمة وعقد الزواج، وأنه إذا أوجبنا عليها خدمتك في بيتك فإنه لا يجب عليها أن تخدم والديك وإخوتك، فإن فعلت ذلك فإحسان منها ينبغي أن يقابل بالشكر والامتنان لا بالضرب والإيذاء، وإذا كان والداك وإخوتك في حاجة إلى من يخدمهم، فإنه يجب عليك أن تخدمهم بنفسك أو تؤجر لهم من يخدمهم.
كما يجب عليك أن تكون عادلا في القيام بحقوق والديك وحقوق زوجتك بحيث لا تميل إلى جانب على حساب جانب آخر فتكون من الظالمين.
وأقول لأم الزوج: اتق الله في زوجة ابنك، وعامليها بما تحبين أن يعامل زوج ابنتك ابنتك؛ فلتعتبريها بنتا لك، فإن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وخير لنا عند الله وعند الناس أن نكسب ود الآخرين ومحبتهم حتى يتفانوا في خدمتنا بدلا من إهانتهم وإذلالهم.
ونقول لهذه الزوجة صاحبة الرسالة: اصبري واحتسبي، وأطيعي زوجك في غير معصية الله، وتقربي إلى الله -عز وجل- بخدمته، وخدمة والديه وإخوته، واعتبريهم أسرتك الجديدة، ولا تنظري إلى ما تقدميه إليهم من عون، على أنه امتهان أو خدمة، بل اعتبريه برا وإحسانا، ترجين ثوابه من الله، صحة في بدنك وبركة في رزقك، وراحة في بالك، واستقرارا في حياتك، وعاملي أم زوجك بما تحبين أن تعاملك به زوج ابنتك في مستقبل حياتك، عند كبر سنك، وانقطاع عمرك. ويوفقك الله -عز وجل- إلى ما يحب ويرضى .
ويقول فضيلة الدكتور حسام عفانة -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
لا يجب على الزوجة أن تخدم والد زوجها والشرع لا يلزمها بذلك ولا يجوز للزوج أن يجبر زوجته على خدمة والده أو أي أحد من أقاربه والأمر متروك للزوجة فإن خدمت والد زوجها فبها ونعمت وإن لم تفعل فلا حرج عليها . وإن كان الأفضل والأولى في حق هذه الزوجة أن تخدم والد زوجها من باب بر الزوج وطاعته إن أمرها بذلك وتكون تلك الخدمة تبرعاً منها وتفضلاً وإحساناً ولكن الأمر ليس واجباً عليها.(35/97)
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
هجر الزوج لمشاهدة الأفلام الجنسية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أنا امرأة ملتزمة بدينها وزوجي لا يحافظ على الصلاة أحياناً ويشاهد أفلاماً جنسية فأهجره وأنام في غرفة أطفالي فهل يجوز لي ذلك ؟
... السؤال
27/02/2003 ... التاريخ
د.حسام الدين بن موسى عفانة ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
يقول فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة - أستاذ الفقه وأصوله - جامعة القدس - فلسطين :ـ
إن من تمام التزام هذه المرأة بدينها ألا تهجر زوجها ، وعليها أن تذكره بالله عزّ وجل وتبين له أنه عليه أن يحافظ على صلاته ، ولا يحل له ترك الصلاة مطلقاً فقد ورد في الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من حافظ عليها – الصلاة – كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاةً وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف ) رواه أحمد ورجاله ثقات .
وعلى هذا الزوج أن يتقي الله سبحانه وتعالى ، وليعلم أن مشاهدة الأفلام الجنسية الساقطة أمرٌ محرمٌ شرعاً ، ولا ينبغي لمثله أن يفعل ذلك لأن الأصل أن يكون قدوة لأهل بيته ، وعلى زوجته أن تملأ وقته وأن تلبي رغبته فلعل انصرافه إلى مشاهدة الأفلام الجنسية ناتج عن عدم قيامها بحقه .
ولا يجوز أن تهجر زوجها ، وقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم ( إذا باتت المرأة هاجرةً فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح ) رواه البخاري ومسلم ، فعليها أن تصبر وأن تحتسب ولا تهجره .
ـــــــــــــــــــ
الأفلام الجنسية: الزوج يتسلى والزوجة تشكو
عند الزوجة ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إنني متزوجة منذ ست سنوات، وقد رزقني الله بطفلين، عشت مع زوجي حياة كلها تفاهم ومحبه؛ فقد أخذته عن اقتناع ومحبة، وفي السنة الثانية لزواجنا وجدت عنده فيلمًا جنسيًّا، وعبرت له عن استيائي لتصرفه غير المتوقع، خاصة وأنني لا أقصر معه في شيء من الناحية الجنسية أو أي أمر آخر، مع العلم أنه- في ذلك الوقت- لم أكن قد أنجبت بعد، وكان كل اهتمامي به وحده، وحتى الآن، وبعد أن أنجبت، ما زلت أهتم وأحافظ على مظهري كزوجة في بيتي.(35/98)
وبعد خصام دام يومين بسبب هذا الشريط، هدأت النفوس، وتناقشنا، وعبرت له أن هذا الشيء لا يقبله الدين، ولا أقبله كزوجة ليس بي عيب، هذا أولا، أما ثانيًا؛ فأريد أن أصون كرامتي، وأصون بيتي، فضلاً عن أنني أغار كثيرًا؛ فمشاهدته لراقصة على التلفاز قد تزعجني أحيانًا.
بعد ذلك، أفهمني أنه لن يعود لمشاهدة هذه الأفلام إن كان هذا الأمر يضايقني، صدقته، وحتى الآن، وبعد أربع سنوات وجدت عنده شريط آخر من نفس النوع. واجهته به، فقال إنه ليس بطفل صغير كي أحاسبه على ذلك، وتحجج أن هذا الشريط قديم، وأن هذا السلوك يقوم به الكثير من الرجال، وهو ليس الوحيد، وأضاف أنه قد يشاهد مثل هذه الأفلام مرة في السنة للتسلية، ليس إلا.
في اليوم التالي فتحت فواتير القنوات الفضائية لأصدم بأنه في كل شهر يطلب القنوات الجنسية مرة أو مرتين على الأقل، وفي كثير من الأحيان أكون نائمة وهو يشاهد هذه المناظر الفاحشة.
كنت أظن أنه مقل معي في العلاقة الجنسية؛ لأنه مشغول ومتعب في عمله، ولكن الآن تبين لي أنه يحصل على ما يريد بطريقته، سألته إن كان يعتبر ذلك حرامًا، فأجاب: إن ذلك بالطبع حرام، ولكن كل إنسان يرتكب المعصية كل يوم؛ صغيرها وكبيرها.
أود أن أضيف أنه ينوي الحج هذه السنة، أحس ببعض التناقض في شخصيته؛ فهو يريد أن يكون إنسانًا صالحًا بالرغم مما يفعله، ولكني أظن أن تربيته في بيت أهله جعلته يعتقد أن مثل هذه الأمور لا ضير منها للرجل، وعلى المرأة أن تسكت وتتحمل، قلت له: إن مشاهدته لهذه الأفلام تضايقني إلى أبعد حد يتصوره، فأجاب بأنه يجب عليّ أن أفهم أن هذا مجرد فيلم لا يؤثر عليه ولا يثيره، وأن الرجل يفكر بغير الطريقة التي تفكر بها المرأة، الأفظع من ذلك أنه في هذه المرة أوضح لي أنه لا يستطيع أن يعدني بالكف عن مشاهدة هذه الأفلام. الآن- وبعد أسبوع مضى- لم أكلمه، وهو لا يريد أن يصالحني، وكأنما أنا المذنبة لغيرتي على كرامتي.
لقد تعبت جدًّا، ولم أعد أستطيع أن أعمل واجباتي بشكل طبيعي، وقد فقدت شهيتي للطعام؛ حتى نقص وزني ستة كيلو جرامات في أسبوع.
أكتب الآن، وأحس بضيق أنفاسي، لا أجد أي إنسان أستطيع أن أفضفض له؛ فأنا وحيدة هنا في الغربة، أريد منكم أن ترشدوني، ماذا عساي أن أفعل؛ لأصلحه؟ أتمنى أن تكتبوا له أيضًا بعض الكلمات التي قد تساعده وتساعدني؛ كي تعود حياتنا هنيئة.
جزاكم الله كل خير، وشكرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...(35/99)
... الأخت السائلة، أحب أن أصارحك أن زوجك الآن قد وصل إلى نقطة صعبة نوعًا ما في طريق مشاهدة هذه الأفلام، وهي أنه لم يعد عنده شعور بالذنب لارتكابه هذه المعصية.
وكما يقول علماء السلف في شرح آفات النفوس وبيان أحوال المعصية: إن مرتكب الخطأ يمر بأحوال ودرجات مختلفة على طريق ارتكاب المعصية بأحوال ودرجات، هي:
الدرجة الأولى : أن يرتكب الإنسان الخطأ، ثم يتولد شعور بالذنب، وإذا تمادى الإنسان في ارتكاب هذا الخطأ؛ فإنه حتمًا سيصل إلى الدرجة الثانية.
الدرجة الثانية : وفيها يقل شعور الإنسان بالذنب تدريجيا حتى يختفي تماما، وتتبلد مشاعره وأحاسيسه تجاه مقاومة هذا الذنب.
الدرجة الثالثة: أن يستحل الإنسان هذه المعصية، ويشعر بالمتعة في أثناء ارتكابها، ويراها شيئا حسنا.
الدرجة الرابعة: أن يجاهر ويباهي بها، ويحدث بها الناس، ولا يخجل من اقترافها علنًا، بل ويعادي من يفعل غير ذلك.
الأخت السائلة، أما وإن زوجك الآن قد وصل إلى مرحلة التعود وعدم الشعور بالذنب، فعليك أن تتوقعي أن الشفاء لن يكون متيسرًا، ولكن توقعي في الوقت نفسه أنه ليس مستحيلا، وليس فوق قدرات الإنسان إن أراد ذلك.
معلوم أن أي خلق سيئ يحتاج في تغييره إلى صبر ووقت وطول مجاهدة، والوعظ المباشر لن يأتي بثماره المرجوة بين يوم وليلة؛ إذ إن الأمر يحتاج إلى نوع من الصبر والالتزام بسياسة التخطيط والنفس الطويل، كل ذلك على المدى البعيد، وهناك بعض الوصايا نرددها لك، وهي :
أولا: لا تتعجلي النتائج، ولا تيئسي من كثرة النصح والإرشاد، ولكن اعلمي أن الله عز وجل قد قدم في كتابه الحكمة على الموعظة حين قال تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة".
نعم الحكمة في اختيار الأوقات وفي طريقة النصح.
وهناك الكثير من السلوكيات العملية التي يمكن أن تقومي بها، وتكون أبلغ في التأثير من ألف خطبة وموعظة؛ كالمحافظة على الشعائر التعبدية داخل المنزل من إقامة الصلاة، وتلاوة القرآن، وإضفاء مظهر إسلامي على البيت، واجتهدي في إبداع أنشطة واهتمامات مشتركة بينكما، تملأ وقت الفراغ أو الراحة بما يكسر الملل؛ فهو عدوك الأول.
ثانيًا: حافظي على علاقتك بزوجك طيبة دائمًا، حاولي أن تتلمسي ما يضايقه منك وتجنبيه، التقي معه على نقاط الاتفاق والميزات الموجودة في شخصيته.
ثالثًا: وكما يقول خبراء إصلاح النفوس: "نحاول أن نبني شيئا جديدا داخل النفس قبل أن نسعى إلى هدم شيء آخر"، فابني فيه الحرص على تقوية علاقته بالله، وغير ذلك مما يناسبه.
رابعًا: تجنبي أن تفضحيه، سواء عند الأقارب أو أمام الأبناء، أو المعارف؛ فهذا يورث جرحا غائرا، ويولد نوعا من العناد.(35/100)
خامسًا: حاولي أن تتعرفي منه على الممارسات والأوضاع التي تعجبه في هذه الأشرطة، وحاولي تقليدها، فلا شيء في ذلك، بل إنه مأمور بذلك (أو ما يشابهه تقريبا) كما في الحديث الشريف؛ وهو أن يأتي الإنسان زوجته من الناحية التي تعجبه-وكما بينها الشرع- حين تقع عينه على امرأة أجنبية أخرى.
الأخت المرسلة، هذا نوع من الابتلاء؛ فاصبري واحتسبي، ولا تيئسي من رَوْح الله.
ـــــــــــــــــــ
الأفلام الجنسية: الزوج يتسلى والزوجة تشكو..مشاركة
عند الزوجة ... الموضوع
مشاركة بالنسبة للأفلام الجنسية وأسبابها عند الرجل، لقد قرأت مشكلة الأخت التي من سوريا وكانت مشكلتها بعنوان
الأفلام الجنسية: الزوج يتسلى والزوجة تشكو
، وأود التعقيب على الأسباب التي تدفع إلى ذلك، وذلك من خلال تجربة قد عشتها مع زوجتي.
لقد تزوجت ممن أحببتها واقتنعت بها كزوجة، وكانت هي في السنة الثانية في الجامعة وكانت تقضي معظم وقتها في أثناء الدراسة عند أهلها؛ مما أدى ذلك إلى أن دفعني لمشاهدة مثل هذه الأفلام مع أنها كانت تلبي رغباتي، لكن كثرة انشغالها وابتعادها عني أدى بي إلى هذا التفكير، ولكن بفضل الله – عز وجل – منذ أن تغربت أنا وهي عن بلدي، وابتعدت انتهت المشكلة منذ أربع سنوات بفضل الله.
نصيحة للأخوات بأن تحاول كل واحدة منهن أن تبقى إلى جانب زوجها باستمرار، وأن لا تدع للشيطان حظاً بينهما.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... نشكرك على مشاركتك ونصيحتك الجيدة، ولكن أرجو ألا نلقي العبء كله على الزوجة؛ فمشاهدة الزوج لهذه الأفلام ليس خطأ الزوجة وحدها، فالرجل له فيه النصيب الأكبر.. فكان هناك الكثير الذي يجب أن يفعله قبل أن يلقي نفسه في هذه الهوة السحيقة ويهدد بيته للانهيار، وأدنى ما كان يجب أن يفعله أن يلفت نظر زوجته، بل حتى أن يأمرها لتتفرغ له، وأحسبك تتفق معي في هذا الرأي.
وبرجاء مراجعة المشاكل التالية :
أفلام الإثارة.. زوجة تشتكي وأخرى تنصح
الأفلام والممارسة .. تساؤلات مشروعة
الأفلام الجنسية للمتعة الزوجية
مع تحيات الأستاذة " سمر عبده " من فريق الحلول
ـــــــــــــــــــ
أفلام الإثارة.. زوجة تشتكي وأخرى تنصح
عند الزوجة ... الموضوع(35/101)
مشكلتي هي أن زوجي مغرم بمشاهدة أفلام الإغراء والإثارة، وحينما أخبرته بأن هذا حرام، قال: "هذه مجرد مشاهدة وليست فعلاً"، وحينما حاول إرغامي على المشاركة بالجلوس معه فقد بينت له اشمئزازي من المشاهدة، وعدم التلذذ بذلك، فرد بأنه يريد أن يشاهدها معي، وقد رفضت ذلك مرارًا.
وقد أخفيت هذه الأفلام بعيدًا عن عينه، ولكن قدرًا وجدت أنه ينتهز فرصة غيابي عن الدار ويشاهدها بنفسه، وأشك أن زوجي يمارس العادة السرية، فماذا أفعل حيال ذلك؟ وكيف أتصرف معه؟ ولقد حاولت عدة محاولات لمنعه، ولكن لا حياة لمن تنادي، وهو غير حريص على الصلاة في وقتها، وأغلب صلواته قضاء، أفيدوني جزاكم الله عني خيرًا.
... المشكلة
فريق مشاكل وحلول ... اسم الخبير
... ... الحل ...
...
... المرسلة الفاضلة، كثيرًا ما تأملت قول الله تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" (سورة الروم: آية 21).
فأقف عند كلمة من "أنفسكم"، وأستشعر أن كل زوجين قلب واحد وعقل واحد ونفس واحدة، ولكن في جسدين.
إذن عزيزتي أنت وزوجك كالنفس الواحدة.. نفس واحدة رغم عيوبه وذنوبه التي ذكرت، الإنسان لا يعالج نفسه ببتر بعضه إذا أصابه المرض، ولكنه يبحث عن سبب المرض ثم يلتمس العلاج، وهكذا ينبغي أن يكون سلوك الزوجة.
وإذا بحثنا عن الأسباب التي تجعل زوجك يصر على مشاهدة هذه الأفلام فسنجد زوجك لديه فراغ كبير، ليس في الوقت فقط، إنما فراغ ذهني، فلا يجد ما يملأ عليه عقله وقلبه فيبحث عن مثير يملأ عليه هذا الفراغ، وهذا الشعور بالملل والضجر هو من سمات الحياة المعاصرة.
قد يكون تقصيرك في حقه سببًا لإقباله على هذه المعصية؛ فهل تتجملين لزوجك؟ وهل تحسنين معاشرته؟ إن حسن التبعل للزوج يشتمل على عدة فنون تفتقدها الكثيرات من أخواتنا للأسف.
أما إصراره على أن فعله ليس بخطأ، وأنت السبب فيه وكثيرا ما تقع زوجات مثلك في هذه الأخطاء عندما تنصب نفسها واعظا خاصا لزوجها وهو ما لا يقبله الرجل بطبيعته، لأنه يخدش شعوره بقوامته على الزوجة؛ فيبدأ بالبحث عن مبررات وربما يتمادى في الخطأ؛ لمجرد إثبات الرجولة، وربما جاهر بالذنب بعد أن كان يمارسه خفية، فالمواجهة ليست مناسبة في كل الأحوال، والخطأ الآخر الذي وقعت فيه دون قصد وهو خطا شائع أيضا هو أنك عاملت زوجك كطفل صغير، فخبأت الأفلام متناسية أنه يستطيع الحصول على غيرها بسهولة وأن هذا التصرف قد يدفعه للعناد والإصرار على الخطأ.(35/102)
عزيزتي لا تعتقدي أنني ضدك، فأنا أشعر بمعاناتك وبحبك لزوجك ولكن أحيانا يدفعنا الحب لإحراج من نحبهم، ونحن نتصور أننا نقدم لهم العون أو نمارس حقنا وواجبنا في التنبيه إلى الخطأ، وكثيرًا ما نخطئ اختيار الأسلوب.
وتسألينني الآن إذا كان كل ما فعلته مع زوجي خطأ فما هو السبيل لإصلاحه؟ فأقول السبيل هو الدعاء.. نعم الدعاء له أولاً، فالهداية من عند الله لا من البشر؛ فاذكريه في صلاتك، وأكثري الدعاء له أن يشرح له صدره، ويصرف عنه السوء والفحشاء والمنكر بكل صوره.
لا تنسي نفسك فتنسي حق زوجك.. فاهتمي بمظهرك، وتزيني له لتعصميه من الخطأ، وتحسسي في هدوء وبطريق غير مباشر ما الذي يحبه زوجك في هذه الأفلام، وفي المعاشرة عامة؟
مهنتان لا يصح أن تقوم الزوجة بهما في منزلها الوعظ والقضاء؛ فلا تكون واعظا لزوجها، ولا قاضيا يدين تصرفاته، وإياك إياك من نظرة الإدانة أو الاحتقار، فإذا شعر بها منك؛ فلن يزداد إلا عنادا، بل إن هذه النظرات من شأنها الإجهاز على الحب والود بدلا من إصلاح الخطأ.
املئي وقتك ووقت زوجك بزيارة الأقارب والأصدقاء والاشتراك في أعمال تطوعية وخيرية تملأ عقله ووقته واهتمامه، وتستثمر طاقته الذهنية فيما يمتع ويفيد ويدعم الروابط بينكما.
وأخيرًا أكبري زوجك في نفسك، وأشعريه بتقديرك واحترامك له، فإذا شعر أنه كبير في عينيك فلن يرضى أن يقلل من قدره بهذه الأفعال.. وسيقاومها، وسيفكر مرة وأكثر قبل أن يقدم على هذه الممارسات، ومرة أخرى وفقك الله وهدى زوجك
أجابت علي المشكلةالأخصائية سمر عبده من فريق الحلول.
ـــــــــــــــــــ
الأفلام الجنسية للمتعة الزوجية
سوء التوافق بين الزوجين ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم
إنني أعرف ومتأكد أن مشاهدة الأفلام الجنسية حرام، وحتى مشاهدة المناظر الخليعة في الأفلام العربية حرام، وأجاهد نفسي، ولا أنظر لتلك المناظر، ولكن المشورة التي أريدها أنه هل يصحّ أن أشاهد أنا وزوجتي هذه الأفلام لاكتشاف حركات جنسية جديدة، وزيادة المتعة الجنسية معًا، وحتى لا يصيب العلاقة الجنسية الفتور وتصبح حركات تقليدية ليست بها إثارة، فمن الممكن أن تساعد هذه الأفلام على عدم الفتور.. أرجو النصيحة والمشورة. ... المشكلة
... ... الحل ...
...
... أخي العزيز: أشكرك على حرصك على التفريق بين الحلال والحرام، وأتفق معك أن الأفلام الجنسية يمكن أن تساعد على عدم الفتور، ولكن هذه الميزة المحتملة إلى جانبها العديد من السلبيات؛ منها: أن هذه الأفلام قائمة على المبالغة والتضخيم..(35/103)
فما يحدث فيها كمًا وكيفًا لا يمكن أن يحدث في الممارسة العادية، كما أنها في إطار بحثها عن الغريب والمثير تتورط في نواحي شذوذ مشينة.
إن الحكم بتحريم مشاهدة هذه الأفلام إنما يأتي لأنها مبنية على تصورات غير إسلامية للحياة ومقصدها، والإنسان وموقعه في الكون وعلاقته بجسده...إلخ حتى ولو كان الغرض "تنشيط" الحياة الزوجية، وفي رأينا أنها مغامرة غير محسوبة قد تؤدّي إلى فتن كثيرة: حين يرى الرجل أجساد الممثلات "المتخصصات" في مثل هذه النوعية من الأفلام، وهي بالطبع أجساد لم تعرف حملاً ولا ولادة، وبالتالي لا ترهّل هناك، ولا شحوم زائدة، ولا عيوب أو أشياء مما يكون عند المرأة العادية، وكذلك ترى المرأة ممثلاً عجلاً جسدًا له خوار، فهل تضمن ألا يتغيّر شعورك تجاه زوجتك؟ وألا يتغير شعورها نحوك؟!
أما إذا كنت تقصد أن تتعلم فنونًا جديدة في الإمتاع والاستمتاع، فليس مصدرها الأفلام الجنسية، ولكن هناك مصادر أكثر علمية وإفادة تستطيع أن تعود إليها لتتعلم وتعلم زوجتك.
أمر أخير أدعو إلى التأمل فيه: وهو مسألة الرتابة والتجديد في العلاقة الجنسية بين الزوجين، طبعًانحن لسنا ضد "التجديد والتنشيط" ..إلخ، لكن أخشى أن الإفراط في هذه النغمة يمكن أن يدفع بنا إلى آفاق بعيدة وصعبة، والجنس بين الزوجين يا إخواننا وأخواتنا ليس تقبيلاً.. وإيلاجاً.. إلخ فقط، بل هو قبل ذلك مشاعر حميمة متدفقة بين حبيبين يستمتعان بالقرب والتواصل وتبادل المودة واستشعار السكن.
إننا في حاجة إلى تجديد وإنعاش الجانب المعنوي والعاطفي في الممارسة الجنسية، وليس فقط إحسان الأداء في الجانب المادي، ولن تجد في الأفلام عاطفة ولا مودة ولا سكنًا، إنما ستجد ألغامًا كثيرة ملونة ولامعة ومغرية أخشى أن ينفجر أحدها فيك لو دخلت إلى تلك المغامرة.
ـــــــــــــــــــ
لأفلام والممارسة .. تساؤلات مشروعة
زواجي , جنسي ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله
أنا امرأة مسلمة والحمد لله، يحب زوجي أن يشاهد صورًا وأفلامًا جنسية، ودارت مشاكل بيننا حول هذا الموضوع، مع العلم أن زوجي لا يُستثار جنسيًّا عندما يشاهد هذه الأفلام، ولا يطلب مني معاشرته، وما أريد معرفته: هل هناك تحريم في ذلك؟. ثانيًا: أنا أحب زوجي حبًّا جمًّا، وعند معاشرته لا أكف عن مداعبته، كذا هو أيضًا، حتى إني في بعض الأحيان أحب ابتلاع سائله؛ هل هذا محرم؟ ثالثًا: نشاهد في الأفلام الجنسية الرجل يأتي المرأة في دبرها، ونعلم أن هذا محرّم لنجاسته، فهل من المحرم أيضًا إدخال الإصبع، أو الذكر مع واقٍ ذكري، أو استعمال عضو اصطناعي؟ هذه أسئلة تدور في ذهننا.. أرجو الجواب على أسئلتي ليطمئن بالي. وشكرًا ... المشكلة
... ... الحل ...
...(35/104)
... أختي المسلمة: شكرًا لك على ثقتك حين تسألين عن تفاصيل ما يحدث في غرفة نومك مع زوجك بارك الله لكما، وبارك عليكما، واسمحي لي أن أنشر سؤالك وجوابه؛ لتعم الفائدة، ولعلك بهذا تكونين قد كفيت أختًا لك تتردد في طرح مثل هذه الأسئلة المشروعة، التي طال جهل المسلمين بها، ومراجعتهم فيها لغير المتخصصين، أو الذين لا يفهمون حكمة الشارع، أو ما يدور في العالم، أو يجهلون هذا وذاك.
وأقول لك: أخطأت وزوجك حين دخلتما في طريق الأفلام الجنسية، وسبق أن تحدثنا عن مشاكلها، حين تستخدم سبيلاً للإثارة الجنسية، والقول بتحريمها يستند إلى كونها منتجًا من منتجات الثقافة الغربية، وتصوراتها للجسد وكونه أداة للمتعة، والجنس وكونه محورًا للسعادة، وللإنسان وكونه حيوانًا جنسيًا، كما يستند التحريم إلى النتائج المترتبة على مشاهدتها غالبًا، وهو ما حذرنا منه، وهو –ضمنًا- ما يؤرقك.
فالزوج لم يعد يُستثار جنسيًا فيطلب منك المعاشرة أثناء أو بعد المشاهدة، إنك تضعين نفسك في مقارنة مع نساء يتفرغن لأجسادهن؛ لأنها ميدان العمل والكسب، فهل ستكونين في منافسة عادلة معهن مهما كنت جميلة؟!! الأمر يتطلب موقفًا رافضًا واضحًا، والفتوى الشرعية في جانب الرفض والتحريم.
أحمد لك كثرة مداعبتك لزوجك، وحرصك على أن ينال متعته، ويقضي وطره، وحرصه هو أيضا على ذلك، وللشيخ القرضاوي رأي خلاصته: أن السائل المنوي إذا نزل في فم الزوجة خلال مداعبتها لزوجها فلا بأس في ذلك، أما ابتلاع السائل أو شربه فإنه يكره؛ لأن المني من المستقذرات، ولأنه نجس على بعض الأقوال الفقهية، علاوة على كونه يمكن أن يحمل بعض الجراثيم والميكروبات مما يضر. وتقولين: إننا نعلم أن الإتيان في الدبر محرّم لنجاسته، وأعتقد أن التحريم لم يكن فقط لعلة نجاسة الموضوع؛ لأن هذا يمكن التغلب عليه بوسائل عدة منها الواقي الذكري، ولكن التحريم كان – والله أعلم- خشية الانصراف عن الموضع الأصلي: (موضع الحرث) إلى موضع آخر؛ حيث ينفرد الإنسان من بين الكائنات بفتحة تناسلية في القبل تحت الوجه والصدر والبطن، وليس في الخلف بجوار فتحة خروج الفضلات الصلبة كما في الحيوانات.
نتبين ذلك من إثارة مسألة الإتيان في الدبر بمناسبة سؤال بعض الصحابة عن معنى قول الحق سبحانه "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم"، فالإتيان في الدبر يُخشى معه التحول عن موضع الحرث إلى موضع آخر، ولن تجدي رأيًا فقهيًّا في مسألة إدخال الأصابع، أو أشياء أخرى في فتحة الدبر إلا من باب التنزه عن مخالفة الطبع المستقيم – في رأي هذا الفقيه أو ذاك – ومن باب التنزه عن تقليد الغربيين في نكاحهم، وقد أُمِرْنا بمخالفتهم، أما الاتفاق فمنعقد على أنه يحرم إتيان المرأة وقت الحيض أو النفاس وكذلك الإتيان في الدبر ولو بحائل وشكرًا.
ـــــــــــــــــــ
الفارق بين البكر والثيب في الزواج(35/105)
هل هناك فارق فى أحكام البكر والثيب فيما يخص الزواج ؟ ... السؤال
11/01/2003 ... التاريخ
الشيخ عطية صقر ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فمن المعلوم أن البكر هي من كان غشاء البكارةعندها باقيا، والثيب من زال غشاء بكارتها ، ويترتب على ذلك بعض الأحكام ، كاستئذان المرأة في الزواج ،ففي البكر إذنها صمتها ، أما الثيب فلا بد من نطقها ، كما أن من تزوج أكثر من واحدة ، فإن كانت اختصها بسبع ليال، ثم قسم الأمر بين الزوجات بالتساوي ، أما إن كانت ثيبا ، فلها ثلاث ليال فقط ،ثم تدخل في القسمة مع الزوجات الأخر.
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر من كبار علماء الأزهر :
البكر هى المرأة التى لم تزل بكارتها بوطء حلال أو شبهة أو زنا والثيب هى التى زالت بكارتها بشىء من ذلك ، والبكارة هى الغشاء الخاص الموجود فى فرج المرأة، جاء فى "كفاية الأخيار " فى فقه الشافعية ":
" أن الثيوبة لو حصلت بالسقطة أو بأصبع أو حدة الطمث وهو الحيض ، أو طول التعنيس ، وهو بقاؤها زمانا بعد أن بلغت حد التزويج ولم تزوج، فالصحيح أنها كالأبكار، ولو وطئت مكرهة أو نائمة أو مجنونة فالأصح أنها كالثيب ، وقيل كالبكر، ولو خلقت بدون بكارة فهى بكر .
وجاء فى المصدر نفسه : أن المرأة لو ادعت البكارة أو الثيوبة فالصيمرى والماوردى قطعا بأن القول قولها ، ولا يكشف حالها ، لأنها أعلم .
قال الماوردى : ولا تسأل عن الوطء ولا يشترط أن يكون لها زوج . قال الشاشى : وفى هذا نظر، لأنها ربما أذهبت بكارتها بأصبعها ،فله أن يسألها ، فإن اتهمها حلَّفها .
قلت : طبع النساء نزاع إلى ادعاء نفى ما يجر إلى العار، فينبغى مراجعة القوابل فى ذلك وإن كان الأصل البكارة ، لأن الزمان قد كثر فساده ، فلابد من مراجعة القوابل ولا يكفى السكوت ، احتياطا للأبضاع والأنساب .
ومن أهم الأحكام المترتبة على ذلك:
1- أن البكر عندما تستأذن فى الزواج يكفى سكوتها ، أما الثيب فلابد من نطقها بالقبول أو الرفض ، روى مسلم أن النبى قال : "الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها " .
2- ومن الأحكام أن الزوج لو تزوج بأخرى خصها بسبع ليال إن كانت بكرا ، أما إن كانت ثيبا فيخصها بثلاث ليال فقط ، ثم يسوى بين الجميع بعد ذلك فى القَسْمِ ، لقول أنس رضى الله عنه "من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم ، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم " قال أبو قلابة : لو شئت لقلت : إن أنَسًا رفعه إلى النبى صلى الله عليه وسلم . رواه البخارى ومسلم .(35/106)
ولو تزوج المرأة على أنها بكر فبانت ثيبا فالنكاح صحيح ، وهو بالخيار إن شاء أمسك وإن شاء طلق ، مع العلم بأن كتمانها ذلك حرام ، لأنه غش والغش حرام .
أما المهر فيكون كمهر المثل؛ والخطبة من الأمور التي تطول أو تقصر حسب الأحوال
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ(35/107)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
الأركان والشروط
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(36/1)
حكم الزواج بغير ولي لبعد المسافة واختلاف اللغة
تاريخ الفتوى : ... 10 صفر 1428 / 28-02-2007
السؤال
أنا شاب عشت في ألمانيا لعدة سنوات، وفي تلك الفترة تعرفت على امرأة تركية تبلغ من العمر 27 عاماً، فتزوجتها بدون استشارة والدها، مع العلم بأن والدها يعيش في تركيا، فلا أنا قادر للذهاب إليه ولا هو قادر الحضور إلينا ولا يفهم لغتي ولا أنا أفهم اللغة التركية، وبعد 7 سنوات أفتاني أحد أصدقائي أن زوجتي محرمة علي كل هذه الفترة، لأني لم أطلبها من ولي أمرها، فأفتوني؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه يشترط لصحة النكاح أن يكون بإذن ولي المرأة، وأنه إذا تم النكاح بدون الولي فهو باطل، واستدل الجمهور على ذلك بقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له. رواه الترمذي وحسنه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم.
وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 64337 أنه لا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها ولو كان وليها غائباً في بلد آخر، واختلاف اللغة بينك وبين الولي ليس عذراً لأن يتزوج الرجل المرأة بدون إذن وليها لأنه يمكن أن يكون بينهما مترجم، قال ابن عابدين في حاشيته: وأما لو كان لها عصبة -أي ولي- غائب، فهو كالحاضر، لأن ولايته لا تنقطع. انتهى.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: وقال مالك في الرجل يزوج المرأة من قومه ولها ولي غائب: إن ذلك النكاح لا يجوز وإنه يفسخ، إلا أن يرى السلطان أن ذلك النكاح حسن لا بأس به، فقيل لمالك: فالرجل يزوج أخته وأبوه غائب؟ فقال: لا ينكحها حتى يكتب إلى أبيه. انتهى.
والنكاح في هذه الحالة غير صحيح، ومع كونه غير صحيح فإنه تترتب عليه الآثار الشرعية للنكاح، فتستحق به المرأة المهر كاملاً إن دخل بها الرجل، وإن حدث أولاد فإنهم يلحقون في النسب بأبيهم من النكاح الفاسد، وسبق توضيح هذا في الفتوى رقم: 60343 فتراجع.
ويستثنى من ذلك إذا عسر على المرأة مراجعة وليها فإنها تولي عدلاً يزوجها بحضور شاهدي عدل ويكون النكاح صحيحاً، قال العلامة ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى: لنا أن نتوسط ونقول إن سهلت مراجعة أحدهما أعني الولي أو الحاكم إذا غابا إلى مرحلتين فأكثر تعينت ولم يجز لها أن تولي عدلاً يزوجها، لأنه إنما جاز لها ذلك للضرورة، وعند مراجعة الولي أو الحاكم إن لم يوجد الولي لا ضرورة، وإن لم تسهل مراجعة أحدهما بأن فحش بعد محلهما وحقت حاجتها إلى(36/2)
النكاح جاز لها أن تولي مع الزوج أمرها عدلاً يزوجها لوجود الضرورة حينئذ، أما إذا قرب محل أحدهما بأن كان دون مرحلتين فلا يجوز لها ذلك مطلقاً. انتهى.
وننبه هنا إلى أن مجرد بعد المسافة ليس له أثر مع وجود وسائل النقل والاتصال الحديثة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل تسقط ولاية الأب المفرط في حق بناته
تاريخ الفتوى : ... 03 صفر 1428 / 21-02-2007
السؤال
المشايخ الأفاضل: أريد فتوى واضحة وصريحة في شخص رمى بناته منذ 15عاماً مع أمهم المطلقة منه وكانت واحدة عمرها سنة، والأخرى لم تزل في أحشاء أمها في الشهر الأول من الحمل ولم يصرف طول هذه الفترة عليها، علماً بأن الله هو المعين أعان هذه المرأة على تربية بناتها أحسن تربية والبنت الكبرى جاء لها عريس ذو أخلاق ودين فمن يجب عليه أن يعقد لها، فهل يجوز لأحد أخوالها أن يعقد لها أم أبوها، ولا أخفيكم سراً فكل العائلة تخاف من أن يطفش العريس من معاملة والد البنات حيث إنه جاف ومتعصب بقبيلته ولا يهمه إلا الفلوس ولا يهمه الأخلاق والدين، علماً بأنه لا يراهن منذ أكثر من خمس سنين، فلو مشت إحدى بناته من جنبه في الشارع فلن يعرفها، فما حكم الشرع في ذلك، وما حكم الشرع في ذلك الرجل الذي عامل بناته هذه المعاملة بدون وجه حق، فأفيدونا بفتوى واضحة؟ جزاكم الله عنا كل الخير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام والد هؤلاء الفتيات حيا فهو الأولى بتزويجهن، ولا يجوز لآخر أن يزوجهن من غير إذنه، وإلا كان النكاح باطلاً. وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 64337.
وتفريط والدهن في حقهن -إن ثبت عنه- فيلحقه فيه إثمه، إن لم يكن له عذر شرعي في ذلك، ولكن هذا التفريط لا تسقط به ولايته على بناته، ولكن إن عضلهن عن الزواج من الكفء فيمكن رفع الأمر إلى القاضي الشرعي ليتولى تزويجهن من الكفء، أو يوكل من يتولى تزويجهن. وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 32427، والفتوى رقم: 44366.
وينبغي على كل حال أن ينصح هذا الرجل بأن يتقي الله في هؤلاء البنات، فيقوم بما لهن عليه من حقوق حتى يتجنب سخط الله، ويحصل كثيراً من الأجر برعايته لهن وإحسانه إليهن. وتراجع الفتوى رقم: 49195.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم الزواج سرا بغير ولي(36/3)
تاريخ الفتوى : ... 25 محرم 1428 / 13-02-2007
السؤال
أرغب بالزواج من فتاه تبلغ 25 عاما وهي بكر لم يسبق لها الزواج والدها متوفى ولديها إخوة كبار أود أن يكون زواجي بها في أول الأمر سريا لظروف صعبة، وذلك بوكيل أجنبي توكله لتزويجها وبشهود عدل اثنين، لقد درسنا بكلية الشريعة والحقوق أن مذهب الإمام أبي حنيفة، أجاز ذلك النكاح بشرط أن تبلغ البكر 25 سنة، أفيدونا أفادكم الله؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الراجح والمفتى به عندنا هو أن الولي شرط لصحة النكاح، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 5916، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 53592.
وعليه، فلا يجوز لك أن تتزوج بهذه المرأة بدون موافقة أوليائها إلا إذا رفضوا زواجك منها وكنت كفؤاً لها، فلها عندئذ أن ترفع أمرها إلى المحكمة لتنظر في القضية، ومذهب الحنفية نفوذ نكاح الحرة المكلفة بغير إذن وليها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما يفعل من نكح نكاحا غير صحيح ثم أراد تصحيح وضعه
تاريخ الفتوى : ... 18 محرم 1428 / 06-02-2007
السؤال
أنا شاب أعيش فى بريطانيا تعرفت علي شابة, ولسبب الإقامة غير الشرعية اضطررت أن أطلب المساعدة منها طلبت منها الزواج، مع العلم بأنها لم تكن مسلمة، تزوجتها في بلدي، بعد شهور قليلة زاد الله في إيماني وتقواي قررت أن أعرفها على الإسلام كانت بداية صعبة جداً والحمد لله أسلمت وهي الآن مسلمة مقيمة للصلاة، تصوم وتؤدي الزكاة وتحجبت والحمد لله، أردت أن أتزوجها زواجا شرعيا لأن الزواج الأول لم يكن شرعيا، ذهبت إلى المسجد فقال لي الإمام الزواج هو مرة واحدة، أعطيها مهرها وهي حلال لك، من فضلكم التوضيح فى هذه القضية؟ مع الدعاء لي بالمغفرة... وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قاله لك إمام المسجد من أن الزواج يكون مرة واحدة صحيح إذا كان الزواج قد وقع صحيحاً، والزواج الصحيح هو ما توفرت فيه الشروط والأركان، سواء كان في بلد إسلامي أو غير إسلامي، ولمعرفة شروط النكاح الصحيح راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1766، 7704، 14236.
وأما إذا لم يكن الزواج صحيحاً، فالواجب عليك أن تتجنب تلك المرأة حتى تنقضي عدتها من وطئك الفاسد، ثم بعد ذلك تعقد عليها عقداً صحيحاً إن أردت، وقال بعض أهل العلم إن هذا إنما هو في حالة ما إذا كان الوطء الذي وطئتها به لا يلحق معه(36/4)
الولد، وأما لو كان وطئاً يلحق معه الولد لكان من الجائز أن تعقد عليها دون استبراء، قال ابن قدامة في المغني: وكل معتدة من غير النكاح الصحيح كالزانية والموطوءة بشبهة، أو في نكاح فاسد فقياس المذهب تحريم نكاحها على الواطئ وغيره. والأولى حل نكاحها لمن هي معتدة منه إن كان يلحقه نسب ولدها، لأن العدة لحفظ مائه وصيانة نسبه، ولا يصان ماؤه المحرم عن مائه المحترم، ولا يحفظ نسبه عنه، ولذلك أبيح للمختلعة نكاح من خالعها، ومن لا يلحقه نسب ولدها كالزانية لا يحل له نكاحها، لأن نكاحها يفضي إلى اشتباه النسب، فالواطئ كغيره في أن الولد لا يلحق نسبه بواحد منهما. انتهى.
فانظر في مسألتك واعرف أين هي مما ذكر، فإن كان العقد الأول صحيحاً -حسبما بينا- فالنكاح صحيح كما قال إمام المسجد، وإن كان فاسداً وأنت على يقين من فساد الوطء به، فلا بد من انتظار عدة استبراء، وكذلك إن كنت تعتقد إباحة الوطء، إلا أن هذا الفرع الأخير محل اختلاف كما بينا.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الإشهاد على رضا المرأة قبل عقد النكاح
تاريخ الفتوى : ... 17 محرم 1428 / 05-02-2007
السؤال
بعض الناس أثناء العقد، يرسلون شخصين إلى البنت التي سيُعقَد عليها ويأخذا رأيها في الموافقة على الزوج، أو في توكيلها موافقتها على توكيل أبيها، فهل هذا صحيح، وما هو حقيقة دور الشهود، وهل يلزم أن يشهد على توكيل البنت لأبيها وهو بطبيعته وكيل أصلي عنها؟ لكم تقديري واحترامي.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 47054 أن الإشهاد على رضا المرأة مستحب وليس واجباً، وأما الذي لا بد منه فهو الإشهاد على عقد النكاح، فيكون دور الشهود هو الشهادة على ما تم من إيجاب الولي وقبول الزوج، ولمعرفة حكم عقد النكاح إذا تم بغير رضا الزوجة، تُراجع فيها الفتوى رقم: 75870.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
رضا الولي هل يصير العقد الفاسد صحيحا
تاريخ الفتوى : ... 09 محرم 1428 / 28-01-2007
السؤال
تقدم شاب لخطبة أختي ووافق والدي ولم تكن والدتي موافقه فرفض والدي فكتبت أختي كتابها بدون ولي ولكن عند مأذون وبشهود وأشهرت ذلك لكثير من الناس حتى يصلنا الخبر ولكنها لم تدخل وعندما عرف خالي قال سأقتله أو سألفق له تهمة(36/5)
مخدرات فخافت وتركت المنزل وذهبت معه وأتما الزواج بعد أن سألا وعرفا أن البكر ممكن أن تزوج نفسها على مذهب أبي حنيفة النعمان بدون ولي وبعد فترة عادت إلى البيت وسامحها أبي وأمي وكل العائلة فهل هذا الزواج صحيح ؟
أفيدونا جزاكم الله خيرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى رقم : 47816 ، والفتوى رقم : 50550 ، أن العقد بلا ولي فيه خلاف شهير بين العلماء، وذكرنا في الفتويين القولين وما تمسك به كل منهما، وقلنا بأننا نفتي ببطلانه إلا أن يتولى العقد حاكم يرى صحته أو يتولى العقد غيره ثم يحكم القاضي بصحته فينفذ في الحالتين، وذكرنا كلام أهل العلم الدال على ذلك ، وفي حال عدم تولي القاضي هذا العقد وعدم الحكم بصحته فعلى الرجل أن يجدد عقد النكاح مكتمل الشروط والأركان إن أراد الاستمرار في علاقته الزوجية بالمرأة التي تزوج بها بلا ولي ، ورضا الولي عن العقد الفاسد لا يجعله صحيحا كما سبق في الفتوى رقم : 75530 ، بل لا بد من تجديد العقد .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
صيغة عقد النكاح
تاريخ الفتوى : ... 06 محرم 1428 / 25-01-2007
السؤال
الأخ العزيز
تم عقد قران بنت أختي على شاب قبل أسبوع
الاستفسار هو أن الاثنين يتبعان المذهب السني ولكن عاقد القران هو من المذهب الشيعي وله تخويل رسمي بعقد القرانات ولكن حينما قام بعقد القران طلب من العروسين بالطبع ترديد بعض العبارات خلفة مثل قبلت النكاح والمقدم والمعجل إلخ ومن ضمن ما قال إن العروس والعروسة قد قبلوا المتاع وردت العروسة عبارة متعتك نفسي بالحقيقة هذه العبارة جعلتنا في شك من الأمر كون مثلها لم يذكر سابقا في جميع زيجاتنا مع العلم أن العرس حضره ناس كثيرون مع العلم أن هذه العبارة لم تذكر في وثيقة الزواج.
فهل الزيجه صحيحة؟
أفيدونا أفادكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعقد النكاح يتم بين طرفين هما: الولي، والزوج أو من ينوب عنهما، وصيغته أن يقول ولي المرأة: زوجتك فلانة. أو: أنكحتك فلانة. ويقول الزوج: قبلت نكاحها. أو: قبلت زواجها. أو: رضيت نكاحها ونحو ذلك، فإذا تم العقد بهذه الصيغة فهو زواج صحيح، ومهمة المأذون هي توثيق العقد، وقد اعتاد الناس أن يقوم المأوذن بتلقين(36/6)
طرفي العقد صيغة العقد فهو بمثابة الوسيط، قال في مغني المحتاج: وكلامه يفهم اشتراط التخاطب؛ لكن قالا: لو قال المتوسط للولي: زوجت ابنتك فلانا، فقال: زوجتها لفلان، ثم قال للزوج: قبلت نكاحها، فقال: قبلت نكاحها، انعقد النكاح لوجود الإيجاب والقبول مرتبطين. اهـ
أما ما ذكر بعد إتمام العقد من قولها متعتك نفسي ونحوها فلا تضر، إذا كانت بعد العقد،.
وعليه؛ فالزواج المذكور في السؤال صحيح إذا تم بصيغته الشرعية المذكورة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عدم توثيق عقد النكاح هل يؤثر في صحته
تاريخ الفتوى : ... 04 محرم 1428 / 23-01-2007
السؤال
أنا فتاة مغربية سني23 تزوجت من شاب مصري بعد أن سافرت إليه لكن لم نتزوج عن طريق مأذون شرعي بل عن طريق محام كي تنفذ الإجراءات القانونية لزواج المختلط وكان في زواجي كل أركان الزواج من شهود ومهر موافقة الولي المهم شكوكي تتجه إلى جواز زواجي أم لا لأن مدة زواجي الآن سنة ولحد الآن لم يوثق زوجي زواجنا لا في الحكومة المصرية ولا في السفارة المغربية لذى أنا أتجه بسؤالي هذا ما حكم زواجي من زوجي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان زواجكما قد تم بجميع شروط النكاح وأركانه المعتبرة شرعا وقد بيناها في الفتويين : 4632 ، 7704 ، ومن آكدها موافقة الولي وإذنه بذلك مباشرة أو عن طريق توكيله لغيره وحضور الشهود، فإن تم كذلك فهو صحيح، ولا يؤثر فيه عدم توثيقه من الجهات الرسمية، وإن كان الأولى والذي ننصح به هو عمل تلك الإجراءات القانونية لحفظ الحقوق والبعد عن الريبة والمساءلة ، وأما قولك الزواج المختلط فإن كان المقصود عقد الزواج مع اختلاف الجنسية فلا حرج فيه .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم انتقال من لم يوثق زواجها رسميا لبيت الزوجية
تاريخ الفتوى : ... 04 محرم 1428 / 23-01-2007
السؤال
أرجو منكم أن تفتوني فيما يلي وجزاكم الله خيرا:
تم زواجي من شاب ملتزم والحمد لله, بحضور شهود وولي وتمت قراءة الفاتحة في نفس اليوم وأخذت مهري حينئذ..بعد اتفاق من كلينا على ذلك..وقد كان لزوجي مشاكل مسبقا مع زوجته الأولى التي لا تعيش معه منذ سنين حيث إنها تقيم وحدها(36/7)
في إحدى الدول الأوربية وبينهما محاكم وقضاء بغرض التطليق وقد رغب في الزواج مني لكي يحصن نفسه ويعفها عن الخطأ وقد صارحني منذ البداية بالأمر ولم أعارض..الآن هو يطلب مني أن نتم زواجنا وألتحق به في بيت الزوجية إلا أننا نواجه صعوبات في الحصول على العقد الرسمي لاثبات زواجنا حيث إن القانون ببلادنا لا يمنح للزوج حق التعدد إلا بموافقة الزوجة الأولى..هو يطلب مني الإقامة معه بصفته زوجي شرعا ولا خطأ في ذلك في انتظار بت القضاء في الأمر, إلا أن أسرتي لا تستحب الأمر بسبب عدم توثيق زواجنا بعقد رسمي فهل يصح لي الإقامة مع زوجي تحت هذه الظروف أم لا, ؟
أرجو منكم الإفادة ولكم خالص الشكر .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك أن تقيمي معه في بيته لأنك زوجته، ولا اعتبار لعدم تسجيل ذلك قانونيا، بل يجب عليك أن تقيمي معه في بيته إن دعاك إلى ذلك، ولكن لك أن تلحي عليه في استعجال استخراج الأوراق الرسمية لزواجكما لما يترتب على ذلك من المصلحة لكما معا ، وإن أمكنك إقناعه ببقائك عند أهلك حتى تستخرج تلك الأوراق فهو أولى بعدا عن الريبة، واتقاء للمساءلة القانونية إن كانت هناك مساءلة ، وننصحه بذلك إن لم يلحقه حرج ببقائك بعيدا عنه أو بسكناه معك عند أهلك ، وللفائدة انظري الفتويين : 5962 ، 70537 .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الوقت الذي يباح فيه نكاح من طلقت لنشوزها
تاريخ الفتوى : ... 27 ذو الحجة 1427 / 17-01-2007
السؤال
هل يعقد قران المرأة الناشز بعد طلاقها بسبع سنوات؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبمجرد انتهاء عدة المطلقة يجوز العقد عليها من زوجها إذا لم تكن بينونة كبرى، أو من غيره، سواء كان طلاقها بسبب النشوز أم لا .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أبوها يرفض تزويجها بحجة إتمام الدراسة فهل تسقط ولايته
سؤال:
أنا فتاة عمري 17 سنة , أسلمت منذ سنة , أبي مسلم وأمي مسيحية . أبي لا يدعني أرتدي النقاب ويمنعني من الزواج بدعوى إتمام دراستي العليا لدرجة أني مرة فررت من المنزل , ولم أرجع إلا بتعهد أبي أمام إمام المسجد وبحضور شاهدين ,(36/8)
أني أستطيع لبس النقاب وأتزوج بمن هو كفؤ لي إلا أن أبي لم يف بعهده وهو يمنعني حتى الآن من الزواج . وأحيطكم علما أنه يصلي تارة و يدعها أخرى ، ويشرب أحينا الخمر.
الآن سؤالي : هل تسقط ولايته عني لأني أريد الزواج وهناك من يخطبني ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نهنئك ونبارك لك إسلامك ، ونسأل الله تعالى أن يزيدك إيمانا وعلما وتقى .
ثانيا :
ستر المرأة وجهها عن الرجال الأجانب ، واجب في أصح قولي العلماء ، وقد بينا أدلة ذلك في الجواب رقم (11774) .
فلا يجوز للأب أن يمنع ابنته من ارتداء النقاب .
ثالثا :
إذا كان الأب متهاونا في الصلاة ويشرب الخمر أحيانا ، فهو فاسق ، وولايته للنكاح محل خلاف بين الفقهاء ، فمذهب الشافعية والحنابلة أنها لا تصح ، وذهب فقهاء الأحناف إلى صحة ولاية الفاسق ، وهو مشهور مذهب المالكية. إلا أنهم كرهوا ولاية الفاسق . وينظر : "نهاية المحتاج" (6/238) ، "الإنصاف" (8/73) ، "حاشة ابن عابدين" (3/55) ، "حاشية الدسوقي" (2/230) ، "منح الجليل" (3/289) .
وعلى القول بعدم ولايته ، فإن الولاية تنتقل لمن بعده من العصبات . وأحق الناس بتزويج المرأة بعد أبيها: الجد ، ثم ابنها ، ثم الأخ الشقيق ، ثم الأخ لأب ، ثم أبناؤهم ، ثم الأعمام ، ثم أبناؤهم ، ثم عمومة الأب ، ثم السلطان (القاضي) .
انظر "المغني" (7/346).
رابعا :
من منع موليته من التزوج بالكفء المرضي في دينه وخلقه ، كان عاضلا لها ، تنتقل الولاية منه إلى من بعده .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ، ورغب كل واحد منهما في صاحبه . قال معقل بن يسار : زوجت أختا لي من رجل ، فطلقها ، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ، فقلت له : زوجتك ، وأفرشتك ، وأكرمتك ، فطلقتها ثم جئت تخطبها ! لا والله لا تعود إليك أبدا. وكان رجلا لا بأس به ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( فلا تَعْضُلُوهُنَّ ) فقلت : الآن أفعل يا رسول الله . قال : فزوجها إياه . رواه البخاري .
فإن رغبت في كفء بعينه ، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها ، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته ، كان عاضلا لها.
فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك ، ولا يكون عاضلا لها " انتهى من "المغني" (9/383).(36/9)
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : " متى بلغت المرأة سن البلوغ وتقدم لها من ترضاه دينا وخلقا وكفاءة ، ولم يقدح فيه الولي بما يُبعده عن أمثالها ويُثْبت ما يدعيه ، كان على ولي المرأة إجابة طلبه من تزويجه إياها ، فإن امتنع عن ذلك نُبّه إلى وجوب مراعاة جانب موليته ، فإن أصر على الامتناع بعد ذلك سقطت ولايته وانتقلت إلى من يليه في القربى من العصبة " انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم "رحمه الله (10/97).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه ، فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة ، الأَوْلى فالأولى ، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب ، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي ، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي ، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة .
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقا وتسقط عدالته وولايته ، بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته فلا يصح أن يكون إماما في صلاة الجماعة في المسلمين وهذا أمر خطير .
وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفا يرد الخطاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن وهم أَكْفاء . ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج ، وهذا أمر واقع ، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد ، أيهما أشد مفسدة : أن تبقى بلا زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زوّجها ، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها .
لا شك أن البديل الثاني أولى ، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك ؛ ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها ، فإن غيرها سوف يقدم كما أقدمت ، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردعا لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء ، أي أن في ذلك ثلاث مصالح :
مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج .
مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليتبعنه .
منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من نساء ، على مزاجهم وعلى ما يريدون .
وفيه أيضا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) .
كما أن فيه مصلحة خاصة وهي قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكفاء في الدين والخلق " انتهى ، نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/148).
وقال الشيخ ابن عثيمين أيضاً : " وليت أنَّا نصل إلى درجةٍ تجرؤ فيها المرأة على أنه إذا منعها أبوها من الكفء خُلقاً وديناً تذهب إلى القاضي ويقول لأبيها : زَوِّجْها أو أُزوجها أنا أو يُزوجها وليٌ غيرك ؛ لأن هذا حقٌ للبنت إذا منعها أبوها ( أن(36/10)
تشكوه للقاضي ) وهذا حقٌ شرعي . فليتنا نصل إلى هذه الدرجة ، لكن أكثر الفتيات يمنعهن الحياء من ذلك " انتهى نقلا عن "اللقاء الشهري" وينظر جواب السؤال رقم (10196) .
فإذا امتنع أبوك من تزويجك من الكفؤ الذي ترضينه ، فإنه يكون بذلك عاضلا ، وتنتقل الولاية إلى من بعده من العصبات حسب الترتيب الذي ذكرنا ، فإن امتنعوا من تزويجك أو لم يوجدوا ، انتقلت الولاية إلى القاضي الشرعي ، وينوب عنه المركز الإسلامي في البلاد التي لا يوجد فيها قضاء شرعي .
ولا يجوز بحالٍ أن تتزوجي من دون ولي ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود ( 2085 ) والترمذي (1101 ) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ) رواه أحمد ( 24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2709) .
نسال الله لك الثبات والتوفيق ، ولوالدك الهداية والمغفرة .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
حكم الزواج العرفي ، وهل يجوز للزوجة أن تنتقل لولي آخر بإرادتها؟
سؤال:
تعج بلدنا ببؤر الشر والفساد ، ويزداد الأمر سوءاً في الجامعات ، ولهذا السبب فإن الطلاب يتطلعون للزواج قبل تخرجهم ، لكن الأهل يمثلون أكبر عائق أمامهم ، وفيما يتعلق بالشاب فإننا نسمع أنهم لا يحتاجون لإذن من أوليائهم ، لكن بالنسبة للفتيات فنحن نروغ من هذا عن طريق التقدم بالخطبة ، وإذا تحجج والد إحداهن بسبب غير إسلامي ، مثلا : أنا لا أريدك أن تتزوجي الآن ، أنا لا تعجبني قبيلته ، أنا غير مسرور من بنطاله الوسيع أو لحيته أو دينه ، إذا كان الشاب سنيّاً صالحاً وكان ولي الفتاة على خلاف ذلك : فإننا نتركه ونذهب للجد أو الأخ ، وإذا رفض أي منهما فإننا نتمم الزواج بإذن أمير جماعتنا - جماعة الطلاب المسلمين - هل فعلنا هذا صحيح ؟ وكيف يتم ذلك بطريقة صحيحة ؟ أرجو أن توضح كل شيء حول هذه المسألة ؛ لأنها الطريقة الوحيدة ، وهذا الإجراء منتشر الآن بشكل واسع حولنا ، وإذا كان خطأ فكيف يتصرف أولئك الذين تزوجوا بهذه الطريقة وبعضهم له أبناء الآن ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يجوز للمسلمة أن تتزوج بغير إذن وليِّها ، بل لا بد لها من ولي لها يزوجها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود (2085) وصححه الشيخ الألباني ؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها(36/11)
فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل ) رواه الترمذي وحسَّنه ( 1102 ) وأبو داود ( 2083 ) ابن ماجه ( 1879 ) من حديث عائشة ، صححه الألباني في "إرواء الغليل" (1840) .
وقال الترمذي تعليقا عليه :
" والعمل على هذا عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأبو هريرة وغيرهم وهكذا روي عن بعض فقهاء التابعين أنهم قالوا : لا نكاح إلا بولي ، منهم سعيد بن المسيب والحسن البصري وشريح وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز وغيرهم ، وبهذا يقول سفيان الثوري والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ومالك والشافعي وأحمد وإسحق . انتهى .
وفي جواب السؤال ( 2127 ) تجد تلخيصا مهمّاً لشروط النكاح وأركانه ، وشروط الولي .
وفي جواب السؤال ( 7989 ) تفصيل آخر مهم خاص باشتراط الولي لصحة النكاح .
ثانياً :
وقد أمر الله تعالى الأولياء أن يزوِّجوا من تحت ولايتهم من النساء ، وأن لا يعضلوهن بمنعهن من النكاح لغير سبب شرعي ، قال سبحانه : ( وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) النور/32 .
وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأولياء ألا يمتنعوا من تزويج من ولاهم الله عليهن من النساء في حال تقدم الخاطب الصالح في دينه وخلقه فقال : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ) رواه الترمذي ( 1084 ) وحسَّنه ، حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1868) .
وفي كل من الآية والحديث المذكورين دلالتان واضحتان وهما :
1. أن الشرع خاطبَ الوليَّ بالتزويج ، وهذا يدل على أن الأمر متعلق به لا يتم النكاح إلا بأن يباشر هو تزويج موليته لخاطبها ، وما ذكرناه من الأحاديث يوضح هذا ويؤكده .
2. أنه لا يحل للولي عضل موليته ومنعها حقها في النكاح وأن ذلك من الظلم الذي يؤدي إلى الفساد الكبير في الدين والدنيا .
وإذا عمل كلٌّ من النساء وأوليائهن بمقتضى ذلك حصل الأمن الأسري ، وارتفع كثير من الشر والفساد في الدين والأخلاق .
فإن امتنع الولي من إعطائها حقها في الزواج بغير عذر شرعي : جاز أن تتجاوزه إلى الولي الأبعد كأخيها الأكبر أو عمها أو جدها ، على أن يكون ذلك من قبَل القاضي الشرعي ، لا من قبَلها هي ولا من قبَل أوليائها ، فإن تعذر الولي من أهلها جاز أن يتولى تزويجها القاضي أو من في حكمه ؛ لما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها(36/12)
فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) وسبق تخريجه وتصحيحه .
وبناء عليه فلا حرج على المرأة إن منعها وليها حقها في الزواج أن ترفع الأمر إلى القاضي الشرعي فيجعل الولاية لجدها أو عمها أو أخيها الأكبر .
وقد سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان عن مسألة قريبة من هذه فأجاب :
" لا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها ، فإن زوجت نفسها فنكاحها باطل عند جمهور أهل العلم سلفاً وخلفاً ؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى خاطب بالتزويج أولياء أمور النساء قال : ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ) .
أما ما ذكرت السائلة من أنها قرأت في بعض كتب الفقه أن المرأة تزوج نفسها : فهذا قول مرجوح ، والصحيح الذي يقوم عليه الدليل خلافه .
وأما ما ذكرتْ من واقعتها وأن لها رأياً يخالف رأي أبيها لأن أباها يريد لها زوجاً ذا حسب ونسب يكافئها ، وهي لا ترى ذلك ، وإنما تميل إلى أن تتزوج شخصاً ترى أنه ذو دين وإن لم يكن ذا حسب ونسب ، فالحق مع أبيها في هذا ، وأبوها أبعد منها نظراً ، فقد يخيل إليها أن هذا الشخص يصلح لها في حين أنه لا يصلح ، فليس لها أن تخالف أباها ما دام أنه ينظر في مصلحتها ، وإذا تحقق أن شخصاً غيره يصلح لها ويكافئها في مقامه وحسبه ودينه وأبى أبوها أن يزوجها به : فإنه حينئذ يكون عاضلاً وتنتقل الولاية إلى من بعده من بقية الأولياء ، ولكن هنا لابد فيه من مراجعة القاضي لينقل الولاية من الأب العاضل إلى من بعده من بقية الأولياء ، وليس لها هي أن تتصرف أو يتصرف أحد أوليائها بدون رضى أبيها ، لا بد من الرجوع إلى القاضي الشرعي وهو ينظر في الموضوع وملابسات الواقعة ، وإذا رأى نقل الولاية إلى آخر نقلها حسب المصلحة : فلا بدَّ من ضبط الأمور في الزواج . . . " انتهى .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 5 / 242 ، 243 ) .
ثالثاً :
ومن تزوجت بطريقة غير شرعية ، كأن تتزوج المرأة من غير ولي : فنكاحها فاسد ، ويجب التفريق بينهما فوراً ، والأبناء ينسبون إلى من تزوجها إن كانوا يظنون أن ما فعلوه جائزاً ، فإن كانوا يعلمون بطلان نكاحهم فلا ينسب الأبناء إلا إلى أمهم .
ولهذا النكاح الباطل مفاسد كثيرة تترتب عليه ، منها : ضياع حقوق المرأة ؛ لعدم وجود ما يثبت هذا النكاح ، فلا يثبت لها مهر ، ولا نفقة به . ومنها : انتشار الرذائل والفساد في المجتمعات ، وخاصة الطلابية منها ؛ إذ يمكن من خلال هذه العقود الفاسدة أن تدَّعي كل امرأة حامل ، أو رجل وامرأة وُجدا في وضع مشين ، أنهما متزوجان زواجاً عرفيّاً . ومنها : أنه لا يمكن من خلال هذا الزواج إثبات نسب الأولاد حال وجودهم - كما ذكرنا - ؛ وهو ما يعني ضياعهم وضياع نسبهم .
والسبيل إلى تصحيح هذا الوضع : هو بالذهاب إلى الولي ومصارحته بما حصل ، ثم يتم العقد مرة أخرى بموافقته ، فإن لم يوافق فُرِّق بينهما .(36/13)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل يصح أن يكون والد الزوج شاهدا على عقد نكاحه؟
سؤال:
أنا متزوج منذ عامين ولكن زواجي تم بالطريقة التالية : بعد مرور عامين على الخطبة قررنا كتابة العقد فذهبت مع والدي وخطيبتي آنذاك ووالدها عند العدول ولكن وجدنا موثقا واحدا وصاحبه كان غائبا مع العلم بأنه سيوقع هو وصاحبه على العقد والموثق الحاضر يعرف أبي ، أخذ الموثق بكتابة العقد فسأل والد زوجتي عن الصداق وهل تسلمه فقال له بأنه تسلمه ، في حين لم يتسلم سوى النصف وأمضينا على العقد ، حين خرجنا لم أرتح لهذا فسألت والدي عن مدى مشروعية العقد حيث يجب حضور شاهدين ولم يكن سوى واحد فأجابني والدي بأن لا شيء في ذلك ، فسكت وإلى الآن لم أقتنع بهذا ، ولهذا أسال هل زواجي مشروع وهل فيه من محظور وهل يمكن اعتبار والدي كشاهد وإن كان غير مشروع فما هو الحل؟.
الجواب:
الحمد لله
العقد المذكور صحيح ، ويعتبر والدك شاهدا على نكاحك ، وهو مذهب الإمام الشافعي وأحد القولين للإمام أحمد رحمهما الله .
انظر : "نهاية المحتاج" (6/218) ، "الإنصاف" (8/105) .
وذلك لأنه ليس وليا في النكاح ، فصح أن يكون شاهدا ، بخلاف والد الزوجة .
وقد اختار القول بالصحة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، فقد قال بعد أن ذكر القول الأول في المسألة وهو عدم جواز شهادة أحد من أصول الزوجين أو فروعهما على النكاح ( والمراد بالأصول هنا الآباء والأجداد ، وبالفروع الأبناء وأبناؤهم ) ، قال : "والقول الثاني : أن ذلك يصح ، وهو أن يكون الشاهدان أو أحدهما من الأصول أو الفروع . . .
ثم قال :
فالصواب إذاً أنه يصح العقد ، وهو رواية عن أحمد واختارها كثير من الأصحاب" اهـ . الشرح الممتع (5/163) .
ثم إنك قد ذكرت أنك متزوج من عامين ، والغالب أنه يكون قد حصل إعلان للنكاح وإشهار له بمثل دعوة الناس وما أشبه ذلك مما اعتاده الناس الآن . وهذا يكفي لصحة النكاح ، ولو لم يشهد عليه شاهدان عند بعض أهل العلم . وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، قال رحمه الله : " لا ريب في أن النكاح مع الإعلان يصح ، وإن لم يشهد شاهدان " اهـ .
الاختيارات (ص 210) .
وقد أخطأ والد الزوجة في قوله إنه تسلم الصداق والواقع أنه لم يتسلم إلا نصفه، لكن ذلك لا يؤثر على صحة عقد النكاح .
والله أعلم .(36/14)
ـــــــــــــــــــ
أجبرت على الزواج ممن لا تريده ، فهل تستخدم حبوب منع الحمل
سؤال:
لقد تزوجت منذ فترة قصيرة ، ولكنني غير سعيدة مع زوجي ، وقد أجبرني أهلي على الزواج منه ، ومشكلتي أنني لا أرغب في الإنجاب منه ، فهل يجوز أن أدعو الله أن لا يرزقني أولاداً منه أم لا يجوز ؟ وقد قرأت أنه لا يجوز استخدام حبوب منع الحمل بدون إذن الزوج ، فهل هذا صحيح ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للولي سواء أكان أبا أو غيره أن يزوج مَنْ كانت تحت ولايته دون رضاها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما : ( الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها ) رواه مسلم (1421)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تُنْكَح الأيم حتى تُسْتَأمر ، ولا تنكح البكر حتى تستأذن . قالوا : يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت ) رواه البخاري (4843) ومسلم (1419)
كما لا يجوز للولي أن يتعنت في تزويج موليته ، أو يعضلها عن الزواج ممن ترغب إذا كان كفؤاً لها ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسم - : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) رواه الترمذي (1084) وحسنه الألباني وانظر السؤال رقم (32580)
أما ما حصل معك ، فلك الخيار في الاستمرار أو عدمه ، فاستخيري الله عز وجل ، فإن رضيت فلك الاستمرار على هذا الزواج ، وإن لم تقبلي الاستمرار في زواجك فلك الحق في طلب الفسخ ، لأنه وقع بدون رضاك .
فعن خنساء بنت خذام الأنصارية : أن أباها زوجها وهي ثيب ، فكرهت ذلك ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه . رواه البخاري (4845) ، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - : أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة ، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم . رواه أبو داود (2096) وصححه الألباني .
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المرأة إذا زُوِّجت بدون رضاها فإن العقد باطل ، لأنه عقد محرم ، فلا يمكن تصحيحه ، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة .
ومذهب الحنفية ، وهو رواية عن الإمام أحمد : أن العقد موقوف على إجازة المرأة ، فإن أجازته صح ، وإلا فلها الفسخ . انظر المغني 7 / 364 ، فتح الباري 9 / 194
لكن ما دام أن المحكمة حكمت بالنكاح ، فإن الأولى أن يرجع في مثل هذا الأمر إلى المحكمة.
قال الشيخ ابن عثيمين في مسألة إجبار الوالد بنته على النكاح : إجبار الرجل ابنته على الزواج برجل لا تريد الزواج منه محرم ، والمحرم لا يكون صحيحاً ولا نافذاً(36/15)
، لأن إنفاذه وتصحيحه مضاد لما ورد فيه من النهي ، لأن مقصود الشرع بالنهي عن أمر ما ، أن لا نتلبس به ولا نفعله ، ونحن إذا صححناه فمعناه أننا تلبسنا به وفعلناه ، وجعلناه بمنزلة العقود التي أباحها الشارع .....
وعلى هذا فالقول الراجح يكون تزويج الوالد ابنته هذه بمن لا تريده زوجا ، تزويجا فاسدا ، والعقد فاسد ، يجب النظر فيه من قبل المحكمة
انظر الفتاوى ص 760 ، وانظر أيضاً فتاوى الشيخ ابن إبراهيم 10 / 73 – 78
أما أخذك لحبوب منع الحمل دون علم الزوج ، فهذا ليس حلا للمشكلة ، لأن هذا معناه مكوثك تحت من لا ترضين ، وقد نص بعض أهل العلم كما في فتاوى الشيخ ابن إبراهيم الموضع السابق ، على أنه إذا ظهر من المرأة الرضى بزواجها ممن تزوجت منه جبرا ، فإنه يسقط حقها في طلب الفسخ ، وإذا سقط الحق في طلب الفسخ صار الرجل زوجا شرعيا لك ، وإذا كان كذلك لم يجز لك أخذ حبوب من الحمل إلا بعلمه عند وجود ما يدعو إلى ذلك .
ويراجع السؤال (5196) (22760) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل يتزوج بغير رضى والده ؟
سؤال:
هل يجوز أن يتزوج الرجل بمن يعجبه دينها وخلقها ووالده غير راض عن ذلك ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لم يخطئ الابن في اختياره ذات الدين والخُلُق فهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم للراغب في النكاح ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تُنكح المرأة لأربعٍ : لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك " .
رواه البخاري ( 4802 ) ومسلم ( 1466 ) .
وإليك نصيحة لوالدك ولك من فضيلة الشيخ ابن عثيمين تتعلق بموضوعك :
قال الشيخ – رحمه الله – :
هذا السؤال يقتضي أن نوجه نصيحتين ؛ النصيحة الأولى لوالدك حيث أصرَّ على منعك من الزواج بهذه المرأة التي وصفتَها بأنها ذات خلق ودين ، فإن الواجب عليه أن يأذن لك في تزوجها إلا أن يكون لديه سبب شرعي يعلمه ويبينه حتى تقتنع أنت وتطمئن نفسك ، وعليه أن يقدِّر هذا الأمر في نفسه لو كان أبوه منعه من أن يتزوج امرأة أعجبته في دينها وأخلاقها ، أفلا يرى أن ذلك فيه شيء من الغضاضة وكبت حريته ؟ فإذا كان هو لا يرضى أن يقع من والده عليه مثل هذا فكيف يرضى أن يقع منه على ولده مثل هذا ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " .
فلا يحل لأبيك أن يمنعك من التزوج بهذه المرأة بدون سبب شرعي ، وإذا كان هناك سبب شرعي فليبينه لك حتى تكون على بصيرة .(36/16)
أما النصيحة التي أوجهها إليك أيها السائل : فأنا أقول : إذا كان يمكنك أن تعدل عن هذه المرأة إلى امرأة أخرى : فإرضاء لأبيك وحثّاً على لمِّ الشمل وعدم الفرقة فافعل .
وإذا كان لا يمكنك بحيث يكون قلبك متعلقا بها وتخشى أيضا أنك لو خطبت امرأة أخرى أن يمنعك أبوك من زواجك بها – لأن بعض الناس قد يكون في قلبه غيرة أو حسد ولو لأبنائه فيمنعهم مما يريدون – أقول : إذا كنتَ تخشى هذا ولا تتمكن من الصبر عن هذه المرأة التي تعلَّق بها قلبك : فلا حرج عليك أن تتزوجها ولو كره والدك ، ولعله بعد الزواج يقتنع بما حصل ويزول ما في قلبه ، ونسأل الله أن يقدر لك ما فيه خير الأمرين .
" فتاوى إسلامية " ( 4 / 193 ، 194 ) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
ملخّص مهم في أركان النّكاح وشروطه وشروط الوليّ
سؤال:
ما هي أركان عقد النكاح ؟ وما شروطه ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أركان عقد النكاح في الإسلام ثلاثة :
أولا : وجود الزوجين الخاليين من الموانع التي تمنع صحة النكاح كالمحرمية من نسب أو رضاع ونحوه وككون الرجل كافرا والمرأة مسلمة إلى غير ذلك .
ثانيا : حصول الإيجاب وهو اللفظ الصّادر من الولي أو من يقوم مقامه بأن يقول للزوج زوجتك فلانة ونحو ذلك .
ثالثا : حصول القبول وهو اللفظ الصّادر من الزوج أو من يقوم مقامه بأن يقول : قبلت ونحو ذلك .
وأمّا شروط صحة النكاح فهي :
أولا : تعيين كل من الزوجين بالإشارة أو التسمية أو الوصف ونحو ذلك .
ثانيا : رضى كلّ من الزوجين بالآخر لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ ( وهي التي فارقت زوجها بموت أو طلاق ) حَتَّى تُسْتَأْمَرَ ( أي يُطلب الأمر منها فلا بدّ من تصريحها ) وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ ( أي حتى توافق بكلام أو سكوت ) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا ( أي لأنها تستحيي ) قَالَ أَنْ تَسْكُتَ رواه البخاري 4741
ثالثا : أن يعقد للمرأة وليّها لأنّ الله خاطب الأولياء بالنكاح فقال : ( وأَنْكِحوا الأيامى منكم ) ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ " رواه الترمذي 1021 وغيره وهو حديث صحيح .
رابعا : الشّهادة على عقد النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بوليّ وشاهدين ) رواه الطبراني وهو في صحيح الجامع 7558(36/17)
ويتأكّد إعلان النّكاح لقوله صلى الله عليه وسلم : " أَعْلِنُوا النِّكَاحَ . " رواه الإمام أحمد وحسنه في صحيح الجامع 1072
فأما الولي فيُشترط فيه ما يلي :
1- العقل
2- البلوغ
3- الحريّة
4- اتحاد الدّين فلا ولاية لكافر على مسلم ولا مسلمة وكذلك لا ولاية لمسلم على كافر أو كافرة ، وتثبت للكافر ولاية التزويج على الكافرة ولو اختلف دينهما ، ولا ولاية لمرتدّ على أحد
5- العدالة : المنافية للفسق وهي شرط عند بعض العلماء واكتفى بعضهم بالعدالة الظّاهرة وقال بعضهم يكفي أن يحصل منه النّظر في مصلحة من تولّى أمر تزويجها .
6- الذّكورة لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا . " رواه ابن ماجة 1782 وهو في صحيح الجامع 7298
7- الرّشد : وهو القدرة على معرفة الكفؤ ومصالح النكاح .
وللأولياء ترتيب عند الفقهاء فلا يجوز تعدّي الولي الأقرب إلا عند فقده أو فقد شروطه . ووليّ المرأة أبوها ثمّ وصيّه فيها ثمّ جدّها لأب وإن علا ثمّ ابنها ثم بنوه وإن نزلوا ثمّ أخوها لأبوين ثم أخوها لأب ثمّ بنوهما ثمّ عمّها لأبوين ثمّ عمها لأب ثمّ بنوهما ثمّ الأقرب فالأقرب نسبا من العصبة كالإرث ، والسّلطان المسلم ( ومن ينوب عنه كالقاضي ) وليّ من لا وليّ له . والله تعالى أعلم.
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
الزواج من الكتابية هل تنصحون به ؟
سؤال:
هل يجوز للمسلم السلفي أن يتزوج بامرأة نصرانية ؟ البعض يقول بأن هناك العديد من الشروط لهذا ، فأرجو ذكر هذه الشروط إن وجدت .
الجواب:
الحمد لله
في جواب السؤال رقم ( 45645 ) حكم الزواج من كتابية وأنه حلال بالنص ، وذكرنا الشروط الواجب توفرها في المرأة الكتابية ، ولم نحبذ الزواج منهن لما في ذلك من الضرر وعدم تحقق بعض الشروط في بعضهن .
وفي أجوبة الأسئلة : ( 12283 ) و ( 20227 ) و ( 44695 ) ذكرنا بعض مفاسد الزواج من الكتابية في هذا العصر ، ومنها ما قاله الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :
لكن في هذا العصر يُخشى على من تزوجهن شر كثير ، وذلك لأنهن قد يدعونه إلى دينهن وقد يسبب ذلك تنصر أولاده ، فالخطر كبير ، والأحوط للمؤمن ألا يتزوجها(36/18)
، ولأنها لا تؤمن في نفسها في الغالب من الوقوع في الفاحشة ، وأن تعلّق عليه أولاداً من غيره .
انتهى .
وتجد في جواب السؤال رقم ( 2527 ) شروط الزواج من الكتابية ، فانظره فهو مهم .
وليعلم أنه من ترك مثل هذه الزيجات ابتغاء الأفضل لدينه ودين أبنائه فإن الله تعالى يعوِّضه خيراً ، إذ أن " من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه " كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
حكم زواج المسلم من غير المسلمة والعكس
سؤال:
لدي شبه حول الإسلام فهل يمكن أن توضحها لي ؟ هل يجوز لمن يدين بالإسلام أن يتزوج ممن لا يدين بالإسلام دون أن يتحول للإسلام حتى بعد الزواج ؟.
الجواب:
الحمد لله
يحل للمسلم أن ينكح غير المسلمة إن كانت نصرانية أو يهودية ، ولا يحل له أن ينكح امرأة من غير المسلمين تدين بغير هاتين الديانتين والدليل على ذلك قوله تعالى : ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان .. ) المائدة/4 .
قال الإمام الطبري في تأويل هذه الآية : " ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) يعني : والحرائر من الذين أعطوا الكتاب وهم اليهود والنصارى الذين دانوا بما في التوراة والإنجيل من قبلكم أيها المؤمنون بمحمد من العرب وسائر الناس أن تنكحوهن أيضاً ، ( إذا آتيتموهن أجورهن ) يعني : إذا أعطيتم من نكحتم من محصناتكم ومحصناتهم أجورهن وهي مهورهن " ( تفسير الطبري 6/104 ) .
ولكن لا يحل له أن ينكح المجوسية ولا الشيوعية ولا الوثنية أو ما يشبههم .
والدليل على ذلك قوله تعالى : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم .. ) البقرة/221 .
والمشركة هي الوثنية التي تعبد الأحجار من العرب أو غيرهم .
ولا يحل للمسلمة أن تتزوج بغير المسلم من الديانات الأخرى لا من اليهود والنصارى ولا من غيرهم من الكفار ، فلا يحل لها أن ينكحها اليهودي أو النصراني ولا المجوسي ولا الشيوعي والوثني أو غير ذلك .
والدليل على ذلك قوله تعالى : ( ... ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه وبيين آياته للناس لعلهم يتذكرون ) البقرة/221 .(36/19)
قال الإمام الطبري :
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ) يعني تعالى ذكره بذلك : أن الله قد حرم على المؤمنات أن ينكحن مشركاً كائناً من كان المشرك من أي أصناف الشرك كان ، فلا تنكحوهن أيها المؤمنون منهم فإن ذلك حرام عليكم ، ولَأَنْ تُزَوّجُوهنّ من عبد مؤمن مصدق بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله خير لكم من أن تُزَوّجُوهنّ من حر مشرك ولو شرف نسبه وكرم أصله وإن أعجبكم حسبه ونسبه ..
عن قتادة والزهري في قوله : ( ولا تنكحوا المشركين ) قال : لا يحل لك أن تنكح يهودياً أو نصرانياً ولا مشركاً من غير أهل دينك . ( تفسير الطبري 2/379 ) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
مذاهب العلماء في ما ينعقد به النكاح
تاريخ الفتوى : ... 19 ذو الحجة 1427 / 09-01-2007
السؤال
تقدمت لخطبة فتاة فوافق أهلها ووافقت هي وحضر الخطبة أهلها وأهلي وأحضرن رجل دين الذي كان بيني وبين أهلها وبسؤاله أباها إن كان قد رضي بي زوجا لابنته فقال أعطيت بمعنى عندنا "زوجت"
وتلونا فاتحة الكتاب التي هي من عاداتنا قبل البناء على مهر يقع الاتفاق عليه فيما بعد ورضينا جميعا بذلك .
إلا أن هذه الفتاة الآن قررت الابتعاد عني فهل هي إذن زوجتي وعلي أن أطلقها وهل يجوز لها هي فسخ الخطوبة ؟ وهل يجوز لغيري أن يخطبها طالما لم أقم أنا بفسخ الخطوبة ؟
نرجو من فضيلتكم إجابة واضحة وسريعة وإن شاء الله في ميزان حسناتكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمذهب الشافعية وجمهور الحنابلة أن النكاح لا ينعقد إلا بلفظ النكاح أو التزويج، وعند المالكية بهما وبلفظ الهبة مع ذكر صداق، وأما الحنفية فذهبوا إلى انعقاد النكاح بلفظ التمليك وبكل لفظ وضع لتمليك العين في الحال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ملكتكها بما معك من القرآن. حيث ورد في النكاح، وما ذهب إليه الجمهور هو الراجح، لخبر مسلم: اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله. قالوا: وكلمة الله هي التزويج أو الإنكاح، فإنه لم يذكر في القرآن سواهما فوجب الوقوف عندهما تعبدا واحتياطا، لأن النكاح ينزع إلى العبادات لورود الندب فيه، والأذكار في العبادات تتلقى من الشرع، والشرع إنما ورد بلفظي التزويج والإنكاح.
وعليه.. فقول الولي: أعطيت لا ينعقد به العقد، هذا على فرض اقتران القبول به بأن يقول الزوج: قبلت، أما إذا لم يقترن به القبول فعدم انعقاد العقد به من باب أولى.(36/20)
فإن العقد ارتباط الإيجاب بالقبول. قال في الموسوعة الفقهية نقلاً عن المجلة: ارتباط الإيجاب بالقبول على وجه مشروع يثبت أثره في محله، فإذا قلت "زوجت" وقال "قبلت" وجد معنى شرعي، وهو النكاح، يترتب عليه حكم شرعي، وهو: ملك المتعة. انتهى.
وعليه.. فما تم هو تراض واتفاق وهو ما يسمى الخطبة، والخطبة ليست عقدا لازما للطرفين، فيحق لكل طرف فسخها، وبالتالي فليست هذه المرأة زوجة لك، ولا تحتاج إلى طلاق لمفارقتها، بل يكفي الفسخ من أحدكما، وبعد فسخ الخطبة لا حرج على الغير من التقدم لخطبتها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
زواج المسيار : بين الشرع والعرف ... العنوان
ما حكم الدين في زواج المِسيار ، وهل تنازل المرأة فيه عن حقوقها يبطله ؟
... السؤال
21/11/2006 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
فللزواج شروط، وهي الرضا الكامل من الزوجين، والصيغة التي تدل على التأبيد، والوليّ من قِبَل الزوجة، والشهود الذين تتوافر فيهم أهلية الشَّهادة، والإشهار والإعلان، فإن تحققت هذه الشروط في زواج المِسيار فهو زواج صحيح ما دام غيرَ مُحَدَّد بمدة ، أيا كان اسمه.
وأما تنازل المرأة عن حقوقها المُقَرَّرة لها شرعًا، كالنفقة والمسكن والقَسْم في المبيت ليلًا، فهو جائز، فالسيدة سَودة وهبت يومها للسيدة عائشة رضوان الله عليهما.
فكل شرط لا يؤثر في الغرض الجوهريّ والمقصود الأصليّ لعقد النكاح فهو شرط صحيح، ولا يُخلّ بعقد الزواج ولا يُبْطِله ، ومع هذا فلا ينبغي انتشار هذا النوع من الزواج.
يقول الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر:
الزواج في شريعة الإسلام من أقدس العلاقات الإنسانية والبشرية والاجتماعية، التي راعاها وحافظ عليها وأمر باتخاذ كل السُّبُل لتيسيره بين بني الإنسان الذكر والأنثى، وحمايته بميثاق غليظ بَيِّنِ الحقوق والواجبات الزوجية والأسرية، مُبارَكًا بكلمة الله تعالى ومأمورًا به في كتابه الكريم بقوله سبحانه وتعالى: (وأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ والصالحينَ مِن عِبادكم وإمَائِكُمْ إنْ يَكونوا فقراءَ يُغْنِهُمُ اللهُ مِن فضلِه واللهُ واسعٌ عليم) (النور: 32) وقوله تعالى: (ومِن آياتِه أنْ خَلَقَ لكم مِن أنفسِكم أزواجًا لتَسْكُنوا(36/21)
إليها وجَعَلَ بينَكم مودةً ورحمة) (الروم: 21). وقوله صلى الله عليه وسلم: " النِّكاحُ سُنَّتِي ومَن رَغِبَ عن سُنَّتِي فليس مني ".
وبالنكاح يتحقق الاستخلاف الشرعيّ الذي أراده الله للإنسان في هذه الحياة في قوله تعالى: (إني جاعلٌ في الأرضِ خليفة) وبهذا الاستخلاف تتم العبادة التي أرادها الله وأمر بها في قوله تعالى: (وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلا ليَعْبُدون . ما أريدُ مِنْهم مِن رزقٍ وما أريدُ أنْ يُطْعِمون. إنَّ اللهَ هو الرزاقُ ذو القوةِ المتين) (الذاريات: 56 ـ 58).
والزواج الذي يُحقق هذه الغاية النبيلة والكريمة هو الزواج المشروع الذي توافرت فيه أركانه وشروطه الشرعية التي أمر بها الله ورسوله في الكتاب والسنة، وأجمع عليها فقهاءُ الإسلام في كل العصور والأزمان؛ لأن هذه الأركان والشروط هي التي تُفَرِّق بين عقد النكاح المشروع وعقود النكاح التي حَرَّمها الإسلام إلى أن تقوم الساعة.
ودار الإفتاء ترى أن زواج المِسْيار إنْ تحققت فيه هذه الشروط والأركان، وهي الرضا الكامل من كلا الزوجين، والصيغة التي تدل على التأبيد، والوليّ من قِبَل الزوجة، والشهود التي تتوافر فيهم الأهلية الكاملة للشهادة، والإشهار والإعلان بشتى الطرق ـ فهو زواج صحيح بصرف النظر عن مسماه ما دام أنه غيرُ مُحَدَّد بمدة، لِما يأتي:
1 ـ لقد جعل الله الرسالة المحمدية خاتمة الرسالات، وأنزل على رسولها دستورًا فيه سعادةٌ للبشرية إلى أن يَرِثَ الله الأرض ومَن عليها، وجعلها تساير كلَّ زمان وكلَّ مكان، وما يَعِنُّ للبشرية من شيء إلا وجدَتْه في كتابها الكريم (ما فَرَّطْنا في الكتابِ مِن شيء).
ولفظ المِسْيار له أصل في التاريخ قديمًا وحديثًا، فمن يتابع تاريخَ الرّحّالة الأوائل من المسلمين يجد أن بعضَهم قد يَحِلُّ ببلدة طلبًا للعلم أو المال، ويمكث بها فترة تَطول أو تَقْصُر، ويتزوج من هذا البلد، ويُوْلَد له، ثم بعد ذلك يتابع هجرته، ويرحل إلى بلد آخر إكمالاً لمسيرته تاركًا زوجتَه وأولادَه إما بطلاق أو بغيره، وتوافق زوجته على ذلك.
2 ـ هناك طريق واحد لا ثانيَ له يَسمح بالغريزة الجنسية أن تنطلق وتتحرك من مكانها، هذا الطريق هو الزواج الشرعيّ، وكل ما عداه منعته شرائع الله في جميع الأديان وعَدَّتْه من المسالك المُنْكَرة.
ولقد بَيَّنَ القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى: (والذينَ هُمْ لفُروجِهم حافِظون. إلا على أزواجِهم أو ما مَلَكَتْ أيْمانُهم فإنَّهم غيرُ مَلومين. فمَن ابْتَغَى وراءَ ذلك فأولئك هم العادون) (المؤمنون: 5 ـ 7).
فبينت الشريعة الإسلامية أن الزواجَ الشرعيَّ هو الذي يَجمع بين الذكر والأنثى بكلمة الله على عقد دائم وميثاق غليظ، وكل وَطَر يُقْضى بعيدًا عنه فهو عِصيانٌ لله واعتداءٌ على حدوده سبحانه وتعالى.
3 ـ من حق المرأة في الإسلام أن تتنازل عن حقوقها المُقَرَّرة لها شرعًا، ومنها النفقة والمسكن والقَسْم في المَبيت ليلًا، فلقد ورد في الصحيحين أن السيدة سَودة(36/22)
وَهَبَتْ يومَها للسيدة عائشة، ولو كان هذا غيرَ جائز شرعًا لَمَا أقره الرسول صلى الله عليه وسلم. وكل شرط لا يُؤثر في الغرض الجوهريّ والمقصود الأصليّ لعقد النكاح فهو شرط صحيح، ولا يَخِلُّ بعقد الزواج ولا يبطله.
هذا، ودار الإفتاء لم تَقْصد من كل هذا أن تَحُثَّ الناس على مباشرة هذا النوع من الزواج، وإنما تَعمل جاهدةً على بيان الحكم الشرعيّ الصحيح فيه بناء على دليل من الكتاب والسنة، وما ثَبَتَ لديها من فقه الأئمة الأعلام أصحاب المذاهب الفقهية الإسلامية قديمًا وحديثًا.
ندعو الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يفقهَنا في أمور ديننا ودنيانا وينفعَنا بما علمنا، إنه على ما يشاء قدير، وهو بالإجابة جدير.
ويقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
زواج المسيار زواج طبيعي عادي، فالعبرة بالمسميات والمضامين وليس بالأسماء والعناوين، هناك قاعدة فقهية تقول العبرة في العقود المقاصد والمعاني وليس للألفاظ والمباني، فلا نركض وراء الأسماء والمصطلحات، قد يسميه بعض الناس اسماً آخر، ونحن نعرف من قديم أن الناس يتزوجون، منهم من يتزوج ولا يخبر امرأته الأولى بهذا الزواج، فهو قريب من الزواج العرفي إن لم يكن مثله تماماً، وبعض الفقهاء قالوا بجواز أن تشترط الزوجة أن يكون الزواج ليليا أو نهاريا تتنازل عن هذا، روح هذا الزواج موجودة منذ القديم، وهذا الزواج يقضي حاجة بعض النساء، فالمرأة إن يسر الله تعالى لها المال ولم تتح لها فرصة الزواج في سن معقولة، يمكن أن تقبل بهذا، أنا أحب أن أقول أنا لست من محبذي زواج المسيار فأنا لم أخطب خطبة أدعو الناس فيها لزواج المسيار، ولم أكتب مقالاً أدعوهم فيه لهذا الزواج، وإنما سألني صحفى عن رأيّي في زواج المسيار، وهنا لا يسعني إلا أن أجيب بما يفرضه علي ديني، لا أستطيع أن أحرّم شيئاً أحله الله، فإن سألني أحد ما رأيك في زواج المسيار؟ سأقول له أنا لا أعرف ما هو زواج المسيار، بل قل لي ما هو نوع هذا الزواج! فيقول لي هذا زواج فيه العقد والإيجاب والقبول والشهود (الحد الأدنى في الإشهار في الإسلام)، فيه المهر (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) حتى إن كان 10 ريالات، وفيه الولي أيضا؛ فهو زواج مستكمل لشروطه وأركانه، فكيف يسع فقيه أن يقول عن هذا الزواج أنه حرام؟ قد لا يقبله المجتمع، ففرق بين أن يكون الزواج مقبولاً اجتماعياً وبين أن يكون مباحاً شرعاً، فهناك زواج غير مقبول اجتماعياً، مثلاً أن تتزوج مخدومة خادمها أو السائق، هذا اجتماعياً مرفوض ولا نحبذه، ولكن إن حدث بإيجاب وقبول وباقي الشروط وسؤلت أنا فيه سأبيحه وإن كنت لا أحبذ هذا.
زواج المرأة من رجل مثل جدها لأنه غني فقط، لا نحبذ هذا، إنما لو سؤلت هل أقول حرام؟ لا بل أقول :إن هذا مستنكر اجتماعياً، هل هو حلال أم حرام، هذه قضية في غاية الخطورة، مسألة حلال وحرام ؛ينبغي للعالم الذي يخشى الله ويحرص على دينه ولا يهمه إرضاء الناس، ألا يقول أن هذا حرام إلا إذا كان لديه من الأدلة ما يجعله يقول إن هذا الأمر حرام.
ويقول الدكتور علي جمعة أستاذ الأصول بجامعة الأزهر(36/23)
الزواج أركانه القبول والإيجاب والخلو من الموانع الشرعية لكل من الزوجين والولي والشاهدين فإذا توفرت هذه الأركان بالعقد بين الرجل والمرأة عقد شرعا وإذا اختل ركن منها فالعقد باطل والمسلمون عند شروطهم ويجوز للمرأة أن تتنازل عن حقها في المبيت عندها لأن سودة بنت زمعة قد تنازلت عن ليلتها لعائشة ويجوز أن تتنازل عن مهرها أو نفقتها لأن الله يقول "وإن طبن لكم عن شيء منه نفس فكلوه هنيئا مريئا" ـ وللمرأة أن ترجع فيما تنازلت عنه في أي وقت .
ويمكنك مطالعة هذه الفتاوى:
زواج المسيار.. مفهومه وحكمه
زواج المسيار ومقاصد الزواج
حكم زواج المسيار
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
... سبق اللسان لا يمنع صحة العقد
تاريخ الفتوى : ... 18 ذو الحجة 1427 / 08-01-2007
السؤال
عندي سؤال شاغل تفكيري كثيرا وأريد أن أرتاح.
السؤال/ قبل شهر تقريبا عقدت قراني على فتاة وعندما أتى الشيخ لإكمال عقد الزواج وطلب مني وضع يدي في يد ولي الفتاة (أخوها)، طلب من ولي الفتاة أن يقول زوجتك فلانة.. إلى آخره ، وبعد ذلك طلب مني الرد بقول قبلت بالزواج من شقيقته....ولكن أنا من الارتباك لم أقل شقيقته بل قلت (شقيقتي)....فهل يعتبر عقد الزواج صحيحاً ، الرجاء الرد على سؤالي هذا لأنه من هذا اليوم وأن أفكر ماذا أفعل.....مع العلم أن لا أحد يعلم بالموضوع وموعد العرس قريب.....وجزاكم الله ألف خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخطأ المذكور الناتج عن سبق لسان لا يؤثر في صحة العقد، فالعقد صحيح باطنا أي فيما بينك وبين الله عز وجل، ما دام قصدك شقيقته، فإن العبرة بما في القلب، قال ابن قدامة: فصل: ومحل النية القلب؛ إذ هي عبارة عن القصد، ومحل القصد القلب، فمتى اعتقد بقلبه أجزأه، وإن لم يلفظ بلسانه، وإن لم تخطر النية بقلبه لم يجزه. ولو سبق لسانه إلى غير ما اعتقده لم يمنع ذلك صحة ما اعتقده بقلبه. انتهى.
وذلك أن سبق اللسان مما عفا الله عز وجل عنه لأنه غير داخل تحت الاختيار. قال ابن القيم: فإن خواطر القلوب وإرادة النفوس لا تدخل تحت الاختيار، فلو ترتبت عليها الأحكام لكان في ذلك أعظم حرج ومشقة على الأمة.. والغلط والنسيان والسهو وسبق اللسان بما لا يريده العبد بل يريد خلافه.. من لوازم البشرية لا يكاد ينفك الإنسان من شيء منه؛ فلو رتب عليه الحكم لحرجت الأمة وأصابها غاية التعب والمشقة، فرفع عنها المؤاخذة بذلك كله. انتهى.(36/24)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من يتولى عقد النكاح عند تحقق العضل
تاريخ الفتوى : ... 07 ذو الحجة 1427 / 28-12-2006
السؤال
أنا فتاة عمري 26 عاما ولم يسبق لي الزواج وصادفني الرجل الذي طالما حلمت به ولكن جميع الأهل يرفضونه لأسباب تخصني وأنا على قناعة تامه بهذا الرجل ولن أفاضل أبداُ بينه وبين غيره.
ولعلمي أنه لا يصح النكاح إلا بولي فسؤالي ينحصر في الآتي:-
1_ من هو الولي
2_وهل لي أن أولي مسلماً "مؤمناً يخاف الله من غير المحارم.
3-هل لي أن أولي صديق للعائلة.
برجاء الرد علي تجنباً لغضب الله ورغبة فيما أحله سبحانه. جزاكم الله عنا خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الولي فقد سبق بيانه في الفتوى رقم: 63279، ومن واجب الولي إذا طلبت الفتاة منه تزويجها بالكفء أن يزوجها وإلا أثم، واعتبر عاضلا، ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه( قاله ابن قدامة في المغني) وتنتقل عنه الولاية، انظر الفتوى رقم:74027.
وهل تنتقل الولاية إلى الولي الأبعد؟ أم إلى السلطان؟ خلاف بين أهل العلم سبق بيانه في الفتوى رقم: 32427، وقد اتفقوا على أنها تنتقل إلى السلطان إذا امتنع الأولياء جميعا من تزويجها. قال ابن قدامة في المغني: أهلها ثم السلطان. لا نعلم خلافا بين أهل العلم، في أن للسلطان ولاية تزويج المرأة عند عدم أوليائها أو عضلهم. وبه يقول مالك، والشافعي، وإسحاق، وأبو عبيد، وأصحاب الرأي. والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم : فالسلطان ولي من لا ولي له. وقال في موضع آخر: فإن عضل الأولياء كلهم زوج الحاكم... انتهى
فإن كانت بمكان ليس فيه سلطان مسلم ولا نائب عنه فيزوجها مسلم عدل بإذنها. قال في كشاف القناع: أهلها فإن تعذر ذو سلطان في ذلك المكان زوجها عدل بإذنها انتهى
ولكننا ننصح السائلة بالتريث في أمرها ونحذرها من الإصرار على مخالفة أوامر العائلة وخصوصا الوالدين والإخوة، فإن مخالفتهم وإن كانت تجوز في بعض الحالات يرتب عليها كثير من المفاسد لا تحمد عقباه
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مذاهب العلماء في تزويج الفتاة جبرا(36/25)
تاريخ الفتوى : ... 27 ذو القعدة 1427 / 18-12-2006
السؤال
الموضوع باختصار يا شيخ: إني أحببت أختا وكلمتها واتفقت معها على الزواج ولكن عمها زوجها وكتب كتابها جبرا عليها وهي تقول لي إنها لي وأنا أريدها ولو تزوجت فهل زواجها صحيح ؟ وهل لو قلت لها بعد أن تطلق سوف أتزوجها وأنا أرضى بذلك لأنها لم تستغن عني ولا أقدر أن أنساها ولا أعرف وأنا مغموم ومحزون وكل ما أصلي أبكي ولا أعرف أن أنساها، لا أعرف ما ذا أعمل أرجوك أجبني والله أنا حاليا في غاية الهم ولا أعرف أن أنساها ، كيف الطريق وهي في فلسطين وأنا في مصر والطريق مقفول ولا أعرف أذهب إلى هناك وهي تقول لي إنها سوف تصر على الذي جعلها
تتزوج أن يطلقها وأنا أتزوجها، لا أعرف ماذا أعمل؟
أرجوكم سرعة الرد.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس للعم أن يكره البنت البالغة على النكاح، ممن لا ترضاه، فإن الشرع لا يُمكِّن غير الأب والجد من إجبار الكبيرة باتفاق الأئمة, قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: ليس للعم ولا غيره من الأولياء أن يزوج موليته بغير كفء إذا لم تكن راضية بذلك باتفاق الأئمة, وإذا فعل ذلك استحق العقوبة الشرعية التي تردعه وأمثاله عن مثل ذلك.. وليس للعم أن يكره المرأة البالغة على النكاح بكفء ,.. بل لا يزوجها إلا ممن ترضاه باتفاق المسلمين... فإن الشرع لا يمكن غير الأب والجد من إجبار الكبيرة باتفاق الأئمة , وإنما تنازع العلماء في الأب والجد في الكبيرة وفي الصغيرة مطلقا . انتهى.
وقد اختلف العلماء في مثل هذا النكاح هل يتوقف على إجازة الفتاة أم يكون باطلا؟ قال ابن قدامة في المغني: ..وكذلك الحكم إذا زوج الأجنبي أو زوجت المرأة المعتبر إذنها بغير إذنها.. فالنكاح في هذا كله باطل, في أصح الروايتين. نص عليه أحمد في مواضع. وهو قول الشافعي, وأبي عبيد وأبي ثور. وعن أحمد رواية أخرى أنه يوقف على الإجازة، فإن أجازه جاز , وإن لم يجزه فسد. قال أحمد في صغير زوجه عمه: فإن رضي به في وقت من الأوقات جاز, وإن لم يرض فسخ، وإذا زوجت اليتيمة فلها الخيار إذا بلغت... وهذا قول أصحاب الرأي في كل مسألة يعتبر فيها الإذن. انتهى
وعليه؛ فللفتاة رفع أمرها إلى القاضي ليفسخ هذا النكاح.
أما الأخ السائل: فنقول له يجب عليك قطع علاقتك بهذه الفتاة الأجنبية، ولا يجوز لك البقاء على علاقة معها، وليس لك أن تشجعها على طلب الطلاق إن أجازت النكاح فإن هذا نوع من التخبيب المحرم.
وإذا فسخ نكاحها فحكمها حكم المعتدة من طلاق في تحريم التصريح بالخطبة لها في زمن العدة، ويجوز التعريض لها بالخطبة. قال في أسنى المطالب: فصل: تستحب(36/26)
الخطبة ويحرم التصريح بها لمعتدة من غيره رجعية كانت أو بائنا بطلاق أو فسخ. انتهى
ونسأل الله أن ييسر لك من هي خير منها ديناً وخلقاً، ونذكِّرك بقول الله تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الولاية على نكاح المرأة وأموالها
سؤال:
نعلم أنه إذا أرادت المرأة أن تتزوج فيجب أن يكون وليها هو من يعقد لها ، ولكن كيف لها أن تحدد الولي ؟ وهل يجب أن يقوم الولي بإتمام جميع معاملات المرأة ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
أسباب ولاية النكاح خمسة : المُلْك ، والقرابة ، والولاء ، والإمامة ، والوصاية .
الولي شرط في صحة النكاح ، ولا يجوز للمرأة أن تتولى نكاح نفسها أو غيرها بسبب من الأسباب ، لا أصالة ولا نيابة ولا وكالة ، لو باشرت العقد كان النكاح باطلاً .
للمرأة البالغة العاقلة الرشيدة أن تتولى مالها ، وتتصرف فيه كما تشاء بعوض أو بغير عوض كبيع أو شراء ، أو إجارة ، أو إقراض ، أو تصدق أو هبة كله أو جزء منه ، وليس لأحد أن يمنعها من ذلك ، ولا تحتاج إلى إذن أحد ، سواء كانت بكراً ذات أب ، أو غير ذات أب ، أو ذات زوج .
يجوز للمرأة أن تتصرف في مال أولادها من أكل وغيره ، كما هو مسموح للرجل في مال أولاده ، ويجوز لها أن تتصرف وتأكل من مال أبويها بما هو مباح لها .
وللأم ولاية مال أولادها الصغار والمجنون ، لأنها أشفق على ولدها من غيرها .
ليس للمرأة أن تتصرف وتتصدق من مال زوجها إلا بإذنه ، سواء كان الإذن صريحاً أو مفهوماً من العادة والعرف .
ويجوز لها أن تكون وصية ، فلها ولاية المال بالوصاية إذا توفر فيها شروط الوصي ، سواء كانت أم الأطفال ، أو أجنبية عنهم .
يجوز للمرأة أن تكون ناظرة وقف ، وتكون لها ولاية النظر على الوقف والتصرف فيه باتفاق .
ولاية المرأة في الفقه الإسلامي ص 691.
ـــــــــــــــــــ
عوائق في زواج نصرانية من مسلم
سؤال:(36/27)
صديقي مسلم وهو يواجه مشاكل مع والديه حتى يقبلوا بي . هما لم يقابلاني مطلقا ، لكن والدته أخبرته مرارا بأنه إن لم يتركني ، فإنه لن يدخل البيت أبدا ، وقد هددته بأنهما سيتوقفان عن الحديث معه . وأنا لا أعرف موقف والده، وهو يتحدث إلى والدته في أغلب الأحيان . ( ومما أفهمه أن التحدث إلى الوالد غالبا ما يكون صعبا عند المسلمين ).
وأعلم أيضا أنه يجوز للمسلم الزواج من النصرانيات أو اليهوديات إذا كن عفيفات ، وأعلم أيضا أنه لا يجوز لوالديه أن يهجراه لمجرد أنهما لا يوافقانه على علاقته بي ، لكن كيف نتصرف وهما لا يسمحان حتى بمناقشة هذا الموضوع ؟ ماذا أفعل وهما قد حكما عليّ حتى قبل أن يتعرفا عليّ ؟ أنا وهو صديقان ، والإسلام لا يقبل بهذه العلاقة ، لكننا نرغب في الزواج . ( وسوف ينشأ أطفالنا على الإسلام ، كما أني عازمة أن أتعرف على الإسلام ، ولذلك فلا تعارض في المسألة ).
صديقي لا يريد أن يجرح أي شخص ، خصوصا والده ووالدته ، فهو يكن لهما الاحترام الشديد . لقد أخفق في أن يظهر لوالديه أنه يحبني كثيرا وأني فتاة جيدة . وأنا لا أستطيع مساعدته بالتحدث إليهما ، حيث أخبرني أنه من غير المقبول أن يأتي الشاب بفتاة إلى منزل والديه . فكيف أساعده في هذا الموضوع ؟ لماذا يُمنع التحدث في موضوع كهذا ؟ كيف يمكن حل المشاكل إذا كان حتى مجرد النقاش غير ممكن ؟ ألم يخلق الله الناس ليعرف بعضهم بعضا ؟ أنا أؤمن بالله ، وأحاول أن أكون امرأة صالحة ، وأدعو لذلك كل يوم .
والداي نشآني على النصرانية ، لكني منذ أن أخذت أتعرف بعض الشيء على الإسلام وأنا لا أستطيع الإيمان بالطرق النصرانية أبدا . أظن أن الإسلام (هو الدين المناسب لي) لكني اتفقت مع صديقي أن نركز على هذا بعد أن تحل مشكلتنا – وهي قبول والديه بنا . أريد أن تكون علاقتي بالله صافية وألا تؤثر عليها أمور أخرى ؛ فالصديق لا يمكن أن يكون السبب في قبولي للإسلام ، أليس كذلك ؟
هل أكون مستحقة للملامة إن أنا قبلت الإسلام - وأستمر في إيماني بالله حسب اعتقادي فيه الآن - لا لشيء إلا لتسهيل الأمور بالنسبة لنا، حيث أن الوالدان يريدان ذلك؟ أعلم أن المسلم الحقيقي لا يفكر في نفسه فحسب بل عليه أن يفكر في جميع الناس حوله ، لكني لا أستطيع أن أقبل بأن حبنا يجب أن يتوقف ، لمجرد أن والديه يريدان ذلك . أهذه مشيئة الله ؟ أرجو أن تنصحنا حول هذا . لماذا لا يتحدثان معي ؟ كيف يمكن أن نفهمها أنهما لا يمكنها الحكم عليّ قبل أن يتعرفا عليّ ؟ وهل لديك أي نصائح له، وهل سيكون القرار قرارا شديد الصعوبة ؟.
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله عز وجل أن يمن عليك بالهداية ، وسلوك طريق الرشاد ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
أولاً : نشكرك على طرح السؤال وتوجيهه إلى هذا الموقع الإسلامي مما يدلّ على ثقتك ورغبتك في معرفة الجواب الصحيح .
ثانياً :(36/28)
إن عدداً من الاستغرابات التي أوردتيها في سؤالك تعتبر عندنا معشر المسلمين أموراً مسلّمة ، بينما تعتبر عند غيرنا مستنكرة.
ومعرفة السبب معهم ، وهو أن المسلم ينطلق في مواقفه وآرائه من التسليم لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن الطاعة المطلقة للخالق الرازق المحيي المميت ، لأنه أوجب علينا ذلك وهو أعلم بما يصلحنا .
فعلى سبيل المثال : أنت تستغربين جداً استنكار والدي عشيقك للعلاقة بينكما لأنك ترين بما تربيت عليه واعتدتيه وألفتيه في الواقع غير الإسلامي الذي تعيشين فيه أن هذه العلاقة أمر طبيعي وعادي ومألوف وتقارب بين نفسيات البشر وارتياح عاطفي أو غريزي ، وقد يؤدي لك خدمات وتؤدين له خدمات في المقابل ، ويلين معك بالكلام ، وأنت تلاطفينه أيضاً وبينكما هداياً .. إلخ
والإسلام لا يحرّم حسن الكلام وطيب المعاملة والهدايا ولكن ليس لرجل مسلم أن يخلو بامرأة أجنبية ويستمتع بها خارج إطار الزواج لأن مفسدة هذا ومضرّته في الإسلام من فقدان العفّة والوقوع في الزنا ، وانتهاك العرض والحمل بالولد الحرام وإضاعة النسب أخطر بكثير وأسوأ من تعاملات لطيفة وتبادل للهدايا .
ولولا استمتاع كل منكما بالآخر ربما لم يحصل مثل هذا التعامل .
وكذلك فإن وجود نيّة أكيدة وعزم على الزواج في المستقبل وإنجاب أولاد يعيشون مسلمين لا يبرر أبداً إقامة مثل هذه العلاقة المحرّمة التي تحدث فيها كثير من المحظورات الشرعية إسلامياً .
ولنا أن نتساءل إذا كانت العلاقة حميمة وقويّة إلى هذه الدرجة والنيّة صادقة في الزواج لماذا لا تتم توبة كلّ منكما من هذه العلاقة المحرّمة والدخول مباشرة في علاقة شرعية إسلامية قائمة على الزواج الذي شرعه الله .
أما العقد الشرعي في الإسلام فليس أمراً صعباً ومعقداً بل يسير وسهل وراجعي سؤال رقم ( 2127 ) و ( 813 ) للتعرف على المزيد من صفة عقد النكاح في الإسلام .
ثالثاً : ليس صحيحا أن التحدث إلى الوالد صعب عند المسلمين ، فإنه ليس هناك مجتمع يتميز بالتماسك الأسرى ، والترابط فيما بين أفراده مثل المجتمعات الإسلامية ، بل نظرة سريعة في حال الأسرة في الغرب ، يجد الإنسان فيها أن الولد بعيد عن أبويه كل البعد ، وأن الوالدين لا يقوم أحد بحقوقهما ، فضلا عما يسببه ذلك من تشرد الأولاد ، وضياع البنات ، والإسلام يفرض على الأولاد نوعاً من الاحترام والتوقير للوالدين ، يعلم هذا جيّداً من يفتقده من غير المسلمين ، ونظراً لما تتمتع به الأم من اللين والعطف والحنان على أولادها ، وما يتمتع به الأب من الحزم والنظر إلى الأمور بتعقّل بعيداً عن العواطف ، فإن كثيراً من الأولاد يجدون أن الحديث مع الأم أسهل من الحديث مع الأب لاسيما في المشاكل التي تتعلق بعواطف الأولاد ومشاعرهم ، وليس معنى ذلك أن الحديث مع الأب صعب عند المسلمين .
ولكن قد يكون بعض الناس تربى تربية فيها بعض الأخطاء ، فأثرت بالتالي على بعض سلوكياته ، ولكن بشكل عام ، فإن المسلم يحب أخاه المسلم الغريب ، فكيف(36/29)
بالقريب ، فكيف بالابن والأب ، فالكل يحرص على مصلحة الآخر ، ويراعي أموره ، ويحب له الأفضل ، وهذا ما ينقلنا إلى النقطة الثانية ، ألا وهي :
ثانياً : أن رفض والديه لهذا الزواج ليس من باب التحكم ، أو أنهم قد حكموا عليك ولم يروك ، بل كل أب ( خاصة المجتمع المسلم ) يحب لابنه أن يعيش أفضل عيشة ، وبحكم خبرة الأب الكبيرة في الحياة ، وبحكم كبر سنه ، وعلمه بالأمور كيف تسير ، فإنه لا يحب أن يقع ابنه في مغامرة ، بحيث يتعجل أمرا ، ثم يندم عليه .
إن الأب يحاول أن يبعد ابنه عن كل شيء اسمه " فشل " ، لذلك هو لا يحبه أن يخوض غمار مثل هذا الزواج ، خاصة أن الزواج في الإسلام علاقة قوية ، لا تدوم لفترة محددة كحب العاشقين المحرم ، بل هو علاقة بين الزوجين المقصود منها الاستقرار والدوام ، فالاختيار لا بد أن يكون عن دراسة جادة ، وتأن واضح ، واستشارة لمن هم أعلم منا في هذه الحياة ، ومن الطبيعي أن يكون اختلاف الدين –سببا في الشقاق بين الزوجين ، أو حدوث مشاكل في المستقبل خاصة بعد وجود الأبناء ، وقد مر علينا في هذا الموقع العديد من تلك المشاكل .
نعم ، الإسلام لا يمنع المسلم من تزوّج النصرانية أو اليهودية العفيفة فإن الإسلام يبيح هذا ، ومع هذه الإباحة فإن الإسلام لا يحبّذه ولا يدعو إليه ، فقد حثّنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم على اختيار الزوجة الصالحة صاحبة الدين والخلق .
لذلك كان حكم أبويه على هذا الزواج بالرفض ، ليس من باب استعجال الحكم ، بل من باب المعرفة بالأمور كيف تسير .
قد تقولين : إن زواجي بهذا الشاب مختلف ، لكنهم لا يدركون ذلك ؟
فأعود وأقول : وإن كان مختلفا ، لكن كل أب لا يحب لابنه أن يخوض تجربة هو في غنى عنها ، خاصة وأن العلاقة الآن بينكما محرمة في دين الإسلام الطاهر النقي .
رابعاً : قولك : هل علي ملامة إن قبلت بالإسلام – يعني صوريا – وبقيت على اعتقادك في الله كما أنت ؟
فالجواب أن هذا أمر عظيم ، فإن ديننا الحنيف لا يقبل من إنسان أن يدخله متلاعبا ، أو مستغلا له لأغراض شخصية ، ولهذا كان من أسس هذا الدين { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها } ، وإذا دخل الإنسان فيه دين الله متلاعبا ، حقت عليه لعنة الله ، وكان مع القوم الكافرين ، كما قال تعالى { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } .
خامساً :
أما حل المشكلة فإنه يمكن أن يكون بعدة أمور ، أولاها وأفضلها وأسرعها أن تبدئي التعرف الحقيقي على الإسلام ، وشمولية هذا الدين ، وموافقته للفطر السليمة ، والطبائع المستقيمة ، فتعرفي على دين الإسلام ، لا لشيء ، إلا لرغبة الوصول إلى الحق ، والخروج من دوامة الآراء المتخبطة ، والأفكار المنافية للفطر والعقول السليمة .(36/30)
حينئذ – وبالمثابرة والاجتهاد – ستعلمين الحق المبين ، وسيلوح لك نور اليقين الساطع ، وسيتيسر لك – بإذن الله – أمر الزواج ، ولا حرج في أن يكون أمر زواجك من ذلك الرجل سببا في تعرفك على دين الإسلام .
لكن أن تبدئي بهذه الخطوة أولى وأوجب من أن تتزوجي ثم تفكري في الإسلام .
إن الأسرة إذا تكونت من بدايتها من زوجين مسلمين ، فإن الله تعالى يبارك فيها ، ويرعاها بعنايته ، فكلا عمودي الأسرة محبوب لله ، لأنه مسلم .
ولعل إعلان توبتك أنت وهذا العشيق وعقد القران حسب الشريعة الإسلامية يخفف من هجوم والدي زوجك وموقفهما السلبي .
وإذا أعلنت دخولك في الإسلام فسيرضى أيضاً عن ذلك من هو أهم من الجميع ، وهو الله عز وجلّ ، وإذا أرضيت الله ولو سخط من سخط من أهلك فسيرضى الله عليك ويُرضي عنك الناس
وقد يكون من المناسب ـ وهذا يحتاج إلى تفكير وتوقيت سليم أن تقومي بزيارة والدته أنت شخصياً دون أن يكون عشيقك هذا مرافقاً لك ولا موجوداً معك ، وتعربين لها عن رغبتك في الإسلام والتوبة من العلاقة المحرّمة والزواج من ابنها على شرع الله وحكمه.
وإذا كنت تقرين أن الإسلام يبيح الزواج من غير المسلمات العفيفات فلماذا لا تنتقلين إلى حياة العفّة والطهر وتمتنعين عن أي علاقة تخالف ذلك .
وقولك الصديق لا يمكن أن يكون السبب في قبول الإسلام له معنى صحيح ، وهو أنك ستسلمين ليس محبة في هذا الشخص ولكن محبة في الحقّ ومحبة لله الذي رضي الإسلام ديناً للبشر ، وأدلّة هذا واضحة وبيّنة ولا تحتاج إلى قوة عاطفية تدفع . لأن الأدلة والبراهين على الحق كافية جداً .
ولا ننسى قبل أن نفارق هذا الجواب أن نثني على تلك العبارة التي وردت في سؤالك وهي قولك : " أخذت أتعرف بعض الشيء على الإسلام وأنا لا أستطيع الإيمان بالطرق النصرانية أبدا " . وهذا يدل على قربك من الحق جداً وأن قناعاتك تتكون بشكل سليم وعلى أن الحقّ والباطل لا يلتقيان عندك وهذه بشائر خير .
فاسألي الله الهداية إلى طريق الحق ، وافتحي بصرك وبصيرتك للنور القادم ، وفقك الله لسلوك طريق الهداية ، والله أعلم .
للمزيد ( 33656 ، 20884 ، 2527 ) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
مسلمة جديدة تزوجت مسلماً بدون علم والديها
سؤال:
أنا فتاة من الصين ، تزوجت من رجل مسلم لبناني ، وهذا هو السبب الأول والرئيس لإسلامي .. ولقد تزوجنا بطريقة إسلامية ، ولكن هذا الزواج تمّ بدون علم عائلتينا بسبب بعض الظروف الصعبة . هل تعتقد أن هذا حرام ؟ أعنى في هذا مخالفة للقرآن .
الجواب:(36/31)
الحمد لله
دلت الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية على أن المرأة لا تتزوج بغير وليّ يحتاط لها ويتحرى مصلحتها مخافة أن يخدعها شياطين الرجال ، وقد قال تعالى : ( فانكحوهنّ بإذن أهلهن )
وعن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا نكاح إلا بوليّ ) رواه الخمسة وصححه ابن المديني .
قال الترمذي : والعمل في هذا الباب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بوليّ ) عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، منهم عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأبو هريرة وغيرهم . اهـ .
فإذا كان أحد من أوليائك مسلماً كالأب أو الإخوة أو الأعمام أو أبناء الأعمام فهو وليّك في النكاح ، ولا يصحّ نكاحك من غير إذنه ورضاه . فيباشر هو العقد بنفسه أو يوكّل من يعقد لك الزواج نيابة عنه .
فإن كان أولياؤك كلهم من غير مسلمين فإنه لا ولاية لكافر على مسلم .
قال ابن قدامة : أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال ، بإجماع أهل العلم .
قال ابن المنذر : أجمع عامة من نحفظ عنهم العلم على هذا .
وقال الإمام أحمد : بلغنا أن علّياً أجاز نكاح الأخ ، وردّ نكاح الأب وكان نصرانياً .
المغني (7/356) .
بل لا ولاية لمسلم على أولاده الكفّار في النكاح .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية ، عن رجل أسلم هل يبقى له ولاية على أولاده الكتابيين ؟
فأجاب : لا ولاية له عليهم في النكاح ، كما لا ولاية له عليهم في الميراث ، فلا يزوج المسلم كافرة سواء كانت بنته أو غيرها ، ولا يرث كافرٌ مسلماً ولا مسلمٌ كافراً ، وهذا مذهب الأئمة الأربعة وأصحابهم من السلف والخلف ، والله سبحانه وتعالى قد قطع الولاية في كتابه بين المؤمنين والكافرين وأوجب البراءة بينهم من الطرفين ، وأثبت الولاية بين المؤمنين (32/35)
ولكن ينبغي للمسلمة أن تخبر بذلك أهلها وأن تترضاهم لعل ذلك يكون سبباً في تألفهم على الإسلام .
والسؤال هنا : كيف تصنع المسلمة التي ليس لها ولي مسلم ؟
فالجواب :
أنه يزوجها مسلم ذو سلطان ومكانة كرئيس المركز الإسلامي أو إمام مسجد أو عالم من العلماء فإذا لم تجد جعلت أمرها إلى رجل عدل من المسلمين فيباشر تزويجها .
قال شيخ الإسلام : أما من لا ولي لها فإن كان في القرية أو المحلة نائب حاكم زوجها .. ورئيس القرية وإذا كان فيهم إمام مطاع زوّجها أيضاً بإذنها . (32/35)
قال ابن قدامة : فإن لم يوجد للمرأة وليّ ولا سلطان ، فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها (7/352)
وقال الجويني : إذا لم يكن لها وليّ حاضر ، وشغر الزمان ( أي خلا ) عن السلطان ، فنعلم قطعاً أن حسم باب النكاح مُحال في الشريعة ، ومن أبدى في ذلك تشككاً(36/32)
فليس على بصيرة بوضع الشرع ، والمصير إلى سد باب النكاح يضاهي الذهاب إلى تحريم الاكتساب . الغياثي (388) ، ثم ذكر أن الذي يباشر ذلك هم العلماء .
والخلاصة :
إن كان عقد النكاح قد تمّ بهذه الصورة ، وقد زوجك منه إمام المركز الإسلامي عندكم أو رجل عدل من المسلمين فالنكاح صحيح ، وأما إن كنت باشرت عقد النكاح بنفسك فعليك الذهاب مع زوجك إلى أقرب مركز إسلامي وإعادة عقد النكاح ، ويتولى رئيسه مثلاً ـ تزويجك .
أما بالنسبة لزوجك فإنه لا يلزمه أن يُعلم عائلته ، لأنه لا يُشترط الولي للزوج .
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
نظرة واقعية للزواج من الكتابيات
سؤال:
هل يحق للرجل المسلم الزواج من امرأة نصرانية أو يهودية كما تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بمارية القبطية ؟.
الجواب:
الحمد لله
لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم مارية القبطية ، بل كانت أمَة له ، وكان قد أهداها له المقوقس صاحب مصر ، وذلك بعد صلح الحديبية .
والأمة يجوز الاستمتاع بها ومعاشرتها حتى لو لم تكن مسلمة لأنها من ملك اليمين والله تعالى أباح ملك اليمين من غير شرط الإسلام قال تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون* إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) سورة المؤمنون/5-6
أما الزواج من نصرانية أو يهودية فهو جائز بنص القرآن بقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ) المائدة / 5 .
قال ابن القيم :
ويجوز نكاح الكتابية بنص القرآن ، قال تعالى : { والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } ، والمحصنات هنا هن العفائف ، وأما المحصنات المحرمات في سورة النساء فهن المزوجات ، وقيل : المحصنات اللاتي أُبحن هن الحرائر ، ولهذا لم تحل إماء أهل الكتاب ، والصحيح : الأول لوجوه – وذكرها - .
والمقصود : أن الله سبحانه أباح لنا المحصنات من أهل الكتاب ، وفعله أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم ، فتزوج عثمان نصرانية ، وتزوج طلحة بن عبيد الله نصرانية ، وتزوج حذيفة يهودية .(36/33)
قال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن المسلم يتزوج النصرانية أو اليهودية ، فقال : ما أحب أن يفعل ذلك ، فإن فعل فقد فعل ذلك بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
" أحكام أهل الذمة " ( 2 / 794 ، 795 ) .
ونحن وإن قلنا بالجواز ، ولا نشك بذلك للنص الواضح فيه ، إلا أننا لا نرى أن يتزوج المسلم كتابية ، وذلك لأمور :
الأول : أن من شروط التزوج من الكتابية أن تكون عفيفة ، وقلَّ أن يوجد في تلك البيئات من هن عفيفات .
والثاني : أن من شروط التزوج من الكتابية أن تكون الولاية للمسلم ، والحاصل في هذا الزمان أن من يتزوج من بلد كافر فإنه يتزوجهن وفق قوانينها ، فيطبقون عليه نصوص قوانينهم وفيها من الظلم والجور الشيء الكثير ، ولا يعترفون بولاية المسلم على زوجته وأولاده ، وإذا ما غضبت المرأة من زوجها هدمت بيته وأخذت أولادها بقوة قانون بلدها ، وبإعانة سفاراتها في كافة البلاد ، ولا يخفى الضعف والعجز في مواجهة تلك البلاد وسفاراتها في بلدان المسلمين .
والثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم رغَّبنا بذات الدين من المسلمات ، فلو كانت مسلمة توحد الله لكنها ليست ذات دين وخلق فإنه لا يرغب بزواجها ، لأن الزواج ليس هو الاستمتاع بالجماع فقط ، بل هو رعاية لحق الله وحق الزوج ، وحفظ لبيته وعرضه وماله ، وتربية لأولاده ، فكيف يأمن من يتزوج كتابية على تربية أبنائه وبناته على الدين والطاعة ، وهو تارك لهم بين يدي تلك الأم التي تكفر بالله تعالى وتشرك معه آلهة ؟ .
لذا وإن قلنا بجواز التزوج من كتابية إلا أنه غير محبَّذٍ ولا يُنصح به ، لما يترتب عليه من عواقب ، فعلى الإنسان المسلم العاقل أن يتخيّر لنطفته أين يضعها . وأن ينظر نظراً مستقبلياً لحال أولاده ودينهم ، وألا يعميه عن النظر الواعي شهوة جارفة ، أو مصلحة دنيوية عاجلة أو جمال ظاهري خادع ، فإنما الجمال جمال الدين والأخلاق .
وليعلم أنه إن ترك مثل هذه الزيجات ابتغاء الأفضل لدينه ودين أبنائه فإن الله تعالى يعوِّضه خيراً ، إذ أن " من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه " كما أخبر بذلك الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى عليه صلوات الله وسلامه . والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل . انظر جواب السؤال رقم : ( 2527 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل اليهود والنصارى في هذا العصر مشركون وهل يجوز الزواج منهم؟
سؤال:
ما حكم الزواج باليهودية أو النصرانية ؟ وهل نعتبر نصراني و يهودي هذا العصر كتابيا أم مشركا .
الجواب:(36/34)
الحمد لله
الزواج من اليهودية أو النصرانية جائز في قول جماهير أهل العلم ، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (7/99) : ( ليس بين أهل العلم , بحمد الله , اختلاف في حل حرائر نساء أهل الكتاب . وممن روي عنه ذلك عمر , وعثمان , وطلحة , وحذيفة وسلمان , وجابر , وغيرهم .
قال ابن المنذر : ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك . وروى الخلال , بإسناده , أن حذيفة , وطلحة , والجارود بن المعلى , وأذينة العبدي , تزوجوا نساء من أهل الكتاب . وبه قال سائر أهل العلم ) اهـ .
والأصل في ذلك قوله سبحانه : ) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين َ) المائدة/5
والمراد بالمحصنة هنا : الحرة العفيفة ، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : ( وهو قول الجمهور ههنا ، وهو الأشبه ؛ لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة فيفسد حالها بالكلية ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل : حشف وسوء كيل ، والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات : العفيفات عن الزنا ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : ( مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَان ٍ) النساء/25 . انتهى .
والنصارى واليهود كفار مشركون بنص القرآن ، لكن إباحة نسائهم مخصص لقوله سبحانه :
( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ) البقرة/221 وهذا أظهر الوجوه في الجمع بين الآيتين .
وقد وصفهم الله بالشرك في قوله : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) التوبة/31
فهم كفار مشركون ، لكن الله تعالى أحل ذبائحهم ونساءهم إذا كن محصنات ، وهذا تخصيص لعموم آية البقرة .
لكن ينبغي أن يعلم أن الأولى والأسلم ترك نكاح الكتابيات ، لاسيما في هذا الزمن ، قال ابن قدامة رحمه الله : ( إذا ثبت هذا , فالأولى أن لا يتزوج كتابية ; لأن عمر قال للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب : طلقوهن . فطلقوهن إلا حذيفة , فقال له عمر : طلقها . قال : تشهد أنها حرام ؟ قال : هي جمرة , طلقها . قال : تشهد أنها حرام ؟ قال : هي جمرة . قال : قد علمت أنها جمرة , ولكنها لي حلال . فلما كان بعدُ طلقها , فقيل له : ألا طلقتها حين أمرك عمر ؟ قال : كرهت أن يرى الناس أني ركبت أمرا لا ينبغي لي . ولأنه ربما مال إليها قلبه ففتنته , وربما كان بينهما ولد فيميل إليها ) اهـ . المغني 7/99
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : ( فإذا كانت الكتابية معروفة بالعفة والبعد عن وسائل الفواحش جاز ؛ لأن الله أباح ذلك وأحل لنا نساءهم وطعامهم .(36/35)
لكن في هذا العصر يُخشى على من تزوجهن شر كثير ، وذلك لأنهن قد يدعونه إلى دينهن وقد يسبب ذلك تنصر أولاده ، فالخطر كبير ، والأحوط للمؤمن ألا يتزوجها ، ولأنها لا تؤمن في نفسها في الغالب من الوقوع في الفاحشة ، وأن تعلّق عليه أولادا من غيره ... لكن إن احتاج إلى ذلك فلا بأس حتى يعف بها فرجه ويغض بها بصره ، ويجتهد في دعوتها إلى الإسلام ، والحذر من شرها وأن تجره هي إلى الكفر أو تجر الأولاد ) اهـ .
فتاوى إسلامية 3/172
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل تقبل الزواج مع أنها لم تحض
سؤال:
لم أكمل تماما سن البلوغ ، فهل صحيح أنه يمكن للفتاة أن تتزوج قبل أن تحيض ، أم أنه أسطورة تقليدية ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
زواج الصغيرة قبل بلوغها : جائز شرعاً بل نقل فيه إجماع العلماء .
أ . قال الله عز وجل { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } الطلاق / 4 .
وفي هذه الآية : نجد أن الله تعالى جعل للتي لم تحض – بسبب صغرها وعدم بلوغها – عدة لطلاقها وهي ثلاثة أشهر وهذا دليل واضح بيِّن على أنه يجوز للصغيرة التي لم تحض أن تتزوج .
قال الطبري رحمه الله :
تأويل الآية : { واللائي يئسن من المحيض ... فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } يقول : وكذلك عدة اللائي لم يحضن من الجواري لصغرهن إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول .
" تفسير الطبري " ( 14/142 ) .
ب . عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين ، وأُدخلت عليه وهي بنت تسع ومكثت عنده تسعاً .
رواه البخاري ( 4840 ) ومسلم ( 1422 ) .
قال ابن عبد البر :
أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة بنت ست سنين أو سبع سنين أنكحه إياها أبوها .
" الاستذكار " ( 16 / 49 - 50 ) .
ثانياً :(36/36)
لا يلزم من تزوج الصغيرة جواز وطئها ، بل لا توطأ إلا إذا صارت مؤهلة لذلك ؛ ولذلك تأخر دخول النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل تجب طاعة أبي في اختيار الزوج وكيف أعدّل من أخلاقه
سؤال:
يظن والدي إن من سيتزوج ابنته يجب أن يكون من نفس جنسيتنا ، يحب والدي التحكم في جميع تصرفاتنا ، هل يمكن أن تعطيني دليلاً على أن الفتاة لها حق اختيار زوجها بغض النظر عن جنسيته ، ما دام متديناً ووضعه جيد ، يعتقد والدي بأن الفتاة ليس لها حق الاختيار وهذا الحق له هو وحده ، ولكنني أظن بأنه سيختار شخصاً لمركزه ولجنسيته ، فهل يجوز للفتاة أن تختار بنفسها إذا وجدت الشخص الكفء حتى لو كان والدها غير موافق عليه بسبب جنسيته ؟
كما أن والدي يختار من الدين ما يوافق هواه ، فهو يحب أن يري الناس ثروته وسلطته وقوة اسمه ، هل يمكن أن تعطيني أي دعاء أدعو به لتتحسن أخلاقه ويصبح شخصاً سهل المعاملة ؟ أرجو المساعدة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
اشتراط الولي شرط من شروط النكاح ، ولا يصح زواج المرأة بدون هذا الشرط ، وهذا هو الصحيح وهو قول جمهور العلماء . راجع سؤال رقم ( 2127 )
وأحق الناس بالولاية هو الأب ، لكن إن ثبتت عدم أهليته انتقلت الولاية إلى من يليه ، كالجد مثلا .
ويراجع في تفاصيل هذه المسألة وأدلتها السؤال رقم ( 7193 ) ورقم ( 31119 ) .
ثانيا :
أما الشروط والموصفات الشرعية التي ينبغي اعتبارها في الزوج ، فأهمها الدين ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) أخرجه الترمذي (1005) وصححه الألباني في صحيح الترمذي ( 1084 ) .
وراجع السؤال رقم ( 6942 ) و ( 5202 ) .
ثالثا :
أن من الشروط الشرعية رضا الزوجة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن ، قالوا : يا رسول الله ، وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت " أخرجه البخاري (4741) ، ومسلم (2543) .
فليس لأحد إجبارها على الزواج من شخص ما ، وفي الحين نفسه ليس لها أن تزوج نفسها بغير إذن وليها .(36/37)
فوجود الولي شرط مهم لصحة النكاح ، وهي لا تُجبر على الزواج ممن لا ترغب في الزواج منه ، ولا تعتبر عاقةً بذلك ، قال شيخ الإسلام : " وليس للأبوين إلزام الولد بنكاح من لا يريد ، فإن امتنع لا يكون عاقاً ، كأكل ما لا يريد " الاختيارات ص 344 .
رابعا :
بالنسبة لوالدك وما هو عليه ، فننصحك بالتالي :
الأول : الدعاء له بظهر الغيب ، وليس هناك دعاء معين ، فادعي الله أن يصلحه ، وأن يفتح على قلبه .
ثانيا : الاستعانة ببعض زملاء الوالد أو الأقارب ممن يثق فيهم في محاولة إصلاحه .
ثالثاً : توفير ما تستطيعين من كتيبات وأشرطة بلغتك يكون فيها ترغيب في حسن الخلق ، وترهيب من ضده وإهداؤها له بأسلوب لطيف عسى الله أن يجعله سبباً في صلاحه .
نسأل الله أن يوفقكم لما يحبه ويرضاه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
حكم العقد على المرأة وهي حائض
سؤال:
هل يجوز عقد النكاح إذا كانت البنت في فترة الدورة الشهرية ؟.
الجواب:
الحمد لله
الأصل في ذلك الجواز ولم يأت بالمنع منه كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس صحيح . ولا أعلم أحداً من أهل العلم حرّم ذلك أو كرهه . غير أن بعض الفقهاء يكره زفَّ المرأة لزوجها وقت الحيض لئلا يواقعها في ذلك فيبوء بالإثم .
وقد يلتبس على العامة حكم هذه المسألة بحكم الطلاق في الحيض ، وليس بينهما جامع .
فالعقد على الحائض جائز اتفاقاً وطلاق الحائض المدخول بها حرام اتفاقاً .
الشيخ / سليمان بن ناصر العلوان
ـــــــــــــــــــ
إعلان النكاح
سؤال:
ذكرت في سؤال عن الزواج " إعلان الزواج "، فما هو السبب ؟.
الجواب:
الحمد لله
إعلان النكاح واجب والسبب في ذلك :(36/38)
1- أن السنة وردت بالأمر به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أعلنوا هذا النكاح ) رواه أحمد وحسنه الألباني في صحيح الجامع ( 1072 )
2- كي يتميز النكاح الشرعي الصحيح الذي جاء به الشرع عن السفاح لان الزنى هو نكاح السر ، أما النكاح الشرعي فهو النكاح المعلن والمظهر لكي يتميز هذا عن هذا ، لذا كان من الحكمة إعلان النكاح .
د . خالد بن علي المشيقح
ـــــــــــــــــــ
دفع مهر البنت من مال أخيها
سؤال:
إذا كان للوالدين ابناً وبنتاً وبعد بحث طويل وجدا زوجاً لابنتهما ولكن العريس طلب مهراً وكان الوالدان ليس لديهم المقدرة على دفع هذا المهر لذلك فهما يحاولان أن يجدا مهراً لابنهما لكي يدفعوه مهراً لابنتهما . بالتأكيد فهم لن يستعملوا مهر ولدهما إلا ليدفعا مهر ابنتهما. أرجو تسليط بعض الضوء وانصحنا لكي نواجه تلك المشكلة.
الجواب:
الحمد لله
ـ من الغريب العجيب أن في بعض البلدان يكون المهر من الزوجة أو أهلها ويدفع المهر إلى الزوج أو أهله ، وهذا خلاف الأصل حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر الرجل المتزوج أن يلتمس مهراً ولو خاتماً من حديد فلما لم يجد جعل مهرها أن يعلمها مما يحفظه من القرآن .
والمهم أن يكون في مسمى العقد شيء من المهر على الزوج ولو قليلاً .
عن سهل بن سعد قال : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني وهبت منك نفسي فقامت طويلا فقال رجل : زوِّجْنيها إن لم تكن لك بها حاجة ، قال : هل عندك من شيء تصدقها ؟ قال : ما عندي إلا إزاري ، فقال : إن أعطيتَها إياه جلستَ لا إزار لك ، فالتمس شيئاً ، فقال : ما أجد شيئاً ، فقال : التمس ولو خاتَماً مِن حديد ، فلم يجد ، فقال : أمَعَكَ من القرآن شيء ؟ قال : نعم ، سورة كذا وسورة كذا - لِسُورٍ سمَّاها - فقال : زوَّجناكها بما معك من القرآن . رواه البخاري ( 4842 ) ومسلم ( 1425 ) .
فالحديث فيه دلالة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرض للرجل أن يتزوج إلا بمهر يدفعه للمرأة ولم يسأل المرأة شيئاً .
ثم إن من مفهوم القوامة التي أوجبها الله تعالى للرجال على النساء أن يكون الرجل هو الذي يدفع للمرأة لأنه هو معيلها وهي ضعيفة عنده .
قال الله تعالى : { الرجال قوَّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا مِن أموالهم . . . } النساء / 34 .
ثم إن المهر حق للمرأة لأن الرجل يستمتع بها والمهر هو بدل الاستمتاع .
قال الله تعالى : { . . . فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة . . .} النساء/24 .
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - :(36/39)
( وقوله تعالى : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } أي : كما تستمتعون بهن فآتوهن مهورهن في مقابلة ذلك كما قال تعالى : { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض } ، وكقوله تعالى { وآتوا النساء صدُقاتهنَّ نِحلة } ، وكقوله { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً } . " تفسير ابن كثير " ( 1 / 475 ) .
عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " . رواه الترمذي ( 1102 ) وأبو داود ( 2083 ) وابن ماجه ( 1879 ) . قال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث حسن .
فمن هذا يتبين أن المهر يكون من الرجل للمرأة لا من المرأة للرجل .
قال الشيخ عبد الله بن قعود : " المهر حقٌ للزوجة ويجب أن يُسمى ولا يجب على الزوجة أو أهلها شيء إلا أن يتطوعوا " .
وبناءً عليه لا يجوز لكم أن تأخذوا من مال الولد لتدفعوه مهراً للبنت ، قال الشيخ البراك : " إذا كان لا يجوز للولد أن يأخذ المبلغ أصلاً فلا يجوز أخذه للبنت " .
وإذا اتقيتم الله فسيجعل الله لابنتكم فرجاً ومخرجا ، فعليها أن تصبر وتحتسب ، وتلح على الله بالدعاء ، والله عند حسن ظن العبد .
وينبغي على علماء بلدكم ووجهائها وعامة الناس العمل على تغيير هذه العادة السيئة واتباع السنة ، والصواب الذي لا يجوز مخالفته ، وذلك بإقامة الحجة على الناس من القرآن والسُنَّة وأقوال العلماء .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
تزوج امرأة بدون ولي
سؤال:
أعيش في بلد أجنبي وتزوجت فتاة نصرانية أجنبية عن هذا البلد أيضاً وليس لنا أي أقارب فتقدمت لها فقبلتني ثم تلونا صيغة الإيجاب والقبول ونسيت المهر ثم دفعت لها مبلغاً وليس لها وصي فهي بالغة ومستقلة ولم يكن هناك شهود
هل هذا زواج صحيح . فقد تزوجنا بغض النظر عن تقاليد المجتمع فقد كان هدفنا الله ورضاه . ولخشية أن لا يكون زواجنا صحيحاً فقد طلق بعضنا بعضاً فهل هذا صحيح . هل يجب أن أجري عقد الزواج مرة ثانية أمام شهود وأي ولي لها ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً : لا يحل لرجل أن يتزوج امرأة من غير إذن وليها بكراً كانت أم ثيباً وذلك قول جمهور العلماء منهم الشافعي ومالك وأحمد مستدلين بأدلة منها :
قوله تعالى : { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } .
وقوله تعالى : { ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } .(36/40)
وقوله تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم } .
ووجه الدلالة من الآيات واضح في اشتراط الولي في النكاح حيث خاطبه الله تعالى بعقد نكاح موليته ، ولو كان الأمر لها دونه لما احتيج لخطابه .
ومن فقه الإمام البخاري رحمه الله أنه بوَّب على هذه الآيات قوله : " باب من قال " لا نكاح إلا بولي " .
وعن أبي موسى قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا نكاح إلا بولي " .
رواه الترمذي ( 1101 ) وأبو داود ( 2085 ) وابن ماجه ( 1881 ) .
والحديث : صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الترمذي " ( 1 / 318 ) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له .
رواه الترمذي ( 1102 ) وأبو داود ( 2083 ) وابن ماجه ( 1879 ) .
وصححه الألباني في إرواء الغليل ( 1840 ) .
(اشتجروا ) : أي تنازعوا
ثانياً : فإن منعها وليها من الزواج ممن تريد بغير عذر شرعي انتقلت الولاية إلى الذي يليه فتنتقل من الأب إلى الجد مثلاً .
ثالثاً : فإن منعها الأولياء كلهم بغير عذر شرعي فإن السلطان يكون وليها للحديث السابق ( ... فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) .
رابعاً : فإن عدم الولي والسلطان زوجها رجل له سلطان في مكانها ، ككبير القرية ، أو حاكم الولاية ما أشبه ذلك ، فإن لم يوجد فإنها توكل رجلاً مسلماً أميناً يزوجها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وإذا تعذر من له ولاية النكاح انتقلت الولاية إلى أصلح من يوجد ممن له نوع ولاية في غير النكاح كرئيس القرية وأمير القافلة ونحوه . الإختيارات ( ص : 350 ) .
وقال ابن قدامة : فإن لم يوجد للمرأة ولي ولا سلطان فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها . المغني ( 9 / 362 ) .
وقال الشيخ عمر الأشقر:
إذا زال سلطان المسلمين أو كانت المرأة في موضع ليس فيه للمسلمين سلطان ولا ولي لها مطلقا كالمسلمين في أمريكا وغيرها فإن كان يوجد في تلك البلاد مؤسسات إسلامية تقوم على رعاية شؤون المسلمين فإنها تقوم بتزويجها ، وكذلك إن وجد للمسلمين أمير مطاع أو مسؤول يرعى شؤونهم . " الواضح في شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني " ( ص 70 ) .
ويجب أن يشهد على عقد النكاح رجلان مسلمان بالغان عاقلان . انظر سؤال رقم ( 2127 )
ولذا فإن زواجكما الأول باطل فعليك أن تعيد العقد ولابد من وجود ولي للمرأة كما سبق وشاهدين .(36/41)
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
كافر تزوج مسلمة ثم أسلم
سؤال:
هندوسي تزوج مسلمة أرملة وبعد عدة سنين أسلم الرجل نظراً لحسن تعامل زوجته فهل يجب أن يعيدا الزواج أم أن زواجهما الأول لازال قائماً ؟
المسلمون في الهند يقرءون الصلوات النارية 4444 مرة لكي يحصلوا على الأجر ويتجنبوا الفواجع ، مع أننا شرحنا لهم بأنه يكفي الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما قال هو وأن لا نتلو الصلوات النارية فإنهم لا زالوا يتلونها وقالوا بأنه لا بأس بها .
هل يجوز قراءتها وأرجو التوضيح إذا كان هناك أي شرك مقرون بمعنى الصلوات النارية ؟.
الجواب:
الحمد لله
1. زواج المسلمة من الكافر أياً كان ديانته باطل شرعاً ولقاؤهما سفاح ، ويجب التفريق بينهما لقول الله عز وجل : ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ) . البقرة / 221 .
وقال تعالى في بيان عدم حل نساء المسلمين للكفار ( لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ) الممتحنة / 10
قال القرطبي رحمه الله تعالى في كتابه الجامع لأحكام القرآن ( 3/72 ) : وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام . أ.هـ
وإذا أسلم الرجل – كما في السؤال – فإنه يجب أن يعقد على المرأة عقداً جديداً ، لأن العقد الأول باطل ولا عبرة به شرعاً .
وقال الشيخ عطية محمد سالم في إكماله لأضواء البيان (8/164-165):
لماذا حلت الكافرة من أهل الكتاب للمسلم ، ولم تحل المسلمة للكافر من أهل الكتاب ؟
والجواب من جانبين :
الأول : أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه والقوامة في الزواج للزوج قطعا لجانب الرجولة ، فقد يؤثر الرجل على امرأته فلا تستطيع القيام بدينها كما يجب ، وقد تترك دينها بالكلية . وكذلك الأولاد سيكونون تابعين لأبيهم في الدين .
والجانب الثاني : شمول الإسلام وقصور غيره ، وينبني عليه أمر اجتماعي له مساس بكيان الأسرة وحسن العشرة ، وذلك أن المسلم إذا تزوج كتابية ، فهو يؤمن بكتابها ورسولها ، فسيكون معها على مبدأ من يحترم دينها لإيمانه به في الجملة ، فسيكون هناك مجال للتفاهم ، وقد يحصل التوصل إلى إسلامها بموجب كتابها ، أما(36/42)
الكتابي إذا تزوج مسلمة ، فهو لا يؤمن بدينها ، فلا تجد منه احتراما لمبدئها ودينها ، ولا مجال للمفاهمة معه في أمر لا يؤمن به كلية ، وبالتالي فلا مجال للتفاهم ولا للوئام ، وإذاً فلا جدوى من هذا الزواج بالكلية ، فمنع منه ابتداءً . اهـ بتصرف .
وعليه فيجب إنشاء عقد جديد والله تعالى أعلم .
وبالنسبة للسؤال عن الصلاة النارية فيراجع السؤال رقم ( 7505 ) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
عن التمثيل ، وحكم تزويج البنات الصغيرات
سؤال:
1- ما هو حكم الإسلام في التمثيل في الأفلام ؟ إذا كان ذلك جائزا فأي نوع من الأفلام ؟ وما هو دور النساء في الأفلام ؟
2- لماذا يسمح الإسلام بتزويج الأطفال من الفتيات بأعمار أقل من عشر سنين بدون إذنهن .
( يقال إنه بالنسبة للأطفال يتطلب اهتمام أهلهم فقط ، أنا أعلم أنه يتطلب الإذن بالنسبة للبالغين) في الحقيقة الزواج يجب أن يكون بين الأشخاص الذين لديهم بعض النضج ، ولكن بين الأطفال لا يحصل ذلك ، هل يمكنكم إيضاح حكم الشرع في زواج الأطفال ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
سبق الجواب عن التمثيل وما يتعلق به في السؤال رقم ( 10836 ) ، فيرجى مراجعته ، ونضيف إليه :
قال الشيخ بكر أبو زيد - حفظه الله - : المروءةُ مِنْ مقاصدِ الشرعِ ، وخوارمها من مسقطات الشهادة قضاءً ، والشرع يأمر بمعالي الأخلاق ، وينهى عن سفاسفها ، فكم رأى الراؤون الممثل يفعل بنفسه الأفاعيل في أيِّ عضوٍ مِن أعضائه ، وفي حركاته وصوته واختلاج أعضائه ، بل يمثل دور مجنونٍ أو معتوهٍ أو أبلهٍ... وعليه : فلا يمتري عاقل أنَّ التمثيل مِن أولى خوارم المروءة ، ولذا فهو مِن مسقطات الشهادة قضاءً ، وما كان كذلك : فإنَّ الشرع لا يُقرُّه في جملته... .
انظر : " المروءة وخوارمها " (ص221 ) لمشهور حسن .
ثانياً :
زواج الصغيرة قبل بلوغها : جائز شرعاً بل نقل فيه إجماع العلماء .
أ . قال الله عز وجل : ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ) الطلاق / 4 .
وفي هذه الآية : نجد أن الله تعالى جعل للتي لم تحض – بسبب صغرها وعدم بلوغها – عدة لطلاقها وهي ثلاثة أشهر وهذا دليل واضح بيِّن أن الله تعالى جعله زواجاً معتدّاً به .(36/43)
ب . عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين ، وأُدخلت عليه وهي بنت تسع ومكثت عنده تسعاً .
رواه البخاري ( 4840 ) ومسلم ( 1422 ) .
“ تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين “ رواه البخاري ومسلم وعنده "سبع سنين" .
ولا يلزم من تزوج الصغيرة جواز وطئها ، بل لا توطأ إلا إن صارت مؤهلة لذلك ؛ ولذلك تأخر دخول النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها .
قال النووي :
وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها : فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة : عُمل به ، وإن اختلفا : فقال أحمد وأبو عبيد : تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها ، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : حدُّ ذلك أن تطيق الجماع ، ويختلف ذلك باختلافهن ، ولا يضبط بسنٍّ ، وهذا هو الصحيح ، وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعا ، قال الداودي : وكانت عائشة قد شبَّت شباباً حسناً رضى الله عنها .
" شرح مسلم " ( 9 / 206 ) .
والمستحب أن لا يزوج الوليُّ ابنته وهي صغيرة إلا إذا كانت هناك مصلحة من ذلك .
قال النووي :
واعلم أن الشافعي وأصحابه قالوا : يستحب أن لا يزوِّج الأب والجد البكر حتى تبلغ ويستأذنها لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة ، وهذا الذي قالوه لا يخالف حديث عائشة ؛ لأن مرادهم أنه لا يزوجها قبل البلوغ إذا لم تكن مصلحة ظاهرة يخاف فوتها بالتأخير كحديث عائشة ، فيستحب تحصيل ذلك الزوج لأن الأب مأمور بمصلحة ولده فلا يفوتها ، والله أعلم .
" شرح مسلم " ( 9 / 206 ) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
عن التمثيل ، وحكم تزويج البنات الصغيرات
سؤال:
1- ما هو حكم الإسلام في التمثيل في الأفلام ؟ إذا كان ذلك جائزا فأي نوع من الأفلام ؟ وما هو دور النساء في الأفلام ؟
2- لماذا يسمح الإسلام بتزويج الأطفال من الفتيات بأعمار أقل من عشر سنين بدون إذنهن .
( يقال إنه بالنسبة للأطفال يتطلب اهتمام أهلهم فقط ، أنا أعلم أنه يتطلب الإذن بالنسبة للبالغين) في الحقيقة الزواج يجب أن يكون بين الأشخاص الذين لديهم بعض النضج ، ولكن بين الأطفال لا يحصل ذلك ، هل يمكنكم إيضاح حكم الشرع في زواج الأطفال ؟.(36/44)
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
سبق الجواب عن التمثيل وما يتعلق به في السؤال رقم ( 10836 ) ، فيرجى مراجعته ، ونضيف إليه :
قال الشيخ بكر أبو زيد - حفظه الله - : المروءةُ مِنْ مقاصدِ الشرعِ ، وخوارمها من مسقطات الشهادة قضاءً ، والشرع يأمر بمعالي الأخلاق ، وينهى عن سفاسفها ، فكم رأى الراؤون الممثل يفعل بنفسه الأفاعيل في أيِّ عضوٍ مِن أعضائه ، وفي حركاته وصوته واختلاج أعضائه ، بل يمثل دور مجنونٍ أو معتوهٍ أو أبلهٍ... وعليه : فلا يمتري عاقل أنَّ التمثيل مِن أولى خوارم المروءة ، ولذا فهو مِن مسقطات الشهادة قضاءً ، وما كان كذلك : فإنَّ الشرع لا يُقرُّه في جملته... .
انظر : " المروءة وخوارمها " (ص221 ) لمشهور حسن .
ثانياً :
زواج الصغيرة قبل بلوغها : جائز شرعاً بل نقل فيه إجماع العلماء .
أ . قال الله عز وجل : ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ) الطلاق / 4 .
وفي هذه الآية : نجد أن الله تعالى جعل للتي لم تحض – بسبب صغرها وعدم بلوغها – عدة لطلاقها وهي ثلاثة أشهر وهذا دليل واضح بيِّن أن الله تعالى جعله زواجاً معتدّاً به .
ب . عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين ، وأُدخلت عليه وهي بنت تسع ومكثت عنده تسعاً .
رواه البخاري ( 4840 ) ومسلم ( 1422 ) .
“ تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين “ رواه البخاري ومسلم وعنده "سبع سنين" .
ولا يلزم من تزوج الصغيرة جواز وطئها ، بل لا توطأ إلا إن صارت مؤهلة لذلك ؛ ولذلك تأخر دخول النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها .
قال النووي :
وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها : فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة : عُمل به ، وإن اختلفا : فقال أحمد وأبو عبيد : تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها ، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : حدُّ ذلك أن تطيق الجماع ، ويختلف ذلك باختلافهن ، ولا يضبط بسنٍّ ، وهذا هو الصحيح ، وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعا ، قال الداودي : وكانت عائشة قد شبَّت شباباً حسناً رضى الله عنها .
" شرح مسلم " ( 9 / 206 ) .
والمستحب أن لا يزوج الوليُّ ابنته وهي صغيرة إلا إذا كانت هناك مصلحة من ذلك .(36/45)
قال النووي :
واعلم أن الشافعي وأصحابه قالوا : يستحب أن لا يزوِّج الأب والجد البكر حتى تبلغ ويستأذنها لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة ، وهذا الذي قالوه لا يخالف حديث عائشة ؛ لأن مرادهم أنه لا يزوجها قبل البلوغ إذا لم تكن مصلحة ظاهرة يخاف فوتها بالتأخير كحديث عائشة ، فيستحب تحصيل ذلك الزوج لأن الأب مأمور بمصلحة ولده فلا يفوتها ، والله أعلم .
" شرح مسلم " ( 9 / 206 ) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل يتزوج نصرانية ويرغمها على الإسلام
سؤال:
أنا معجب بفتاة وسنتزوج في المستقبل ... وأبواي موافقان تماماً على قراري ، وأيضا أبواها ، وكل شئ على ما يرام ... المشكلة التي تواجهني هي أنها مسيحية ، وأثناء مناقشتنا معا سألتها أن تعتنق الإسلام وأعطيتها الكثير من المعلومات عن الإسلام حتى تفهم كل شيء ، ولكن يبدو أنها لا تريد أن تعتنق الإسلام فكما قالت "أنا مسيحية قويَّة جدّاً جدّاً ولا أستطيع أن أقبل أي دين آخر غير المسيحية ولا يمكن أن أصير مسلمة " ، وهي لا تأكل الخنزير ولا تشرب الخمر ، فهي امرأة طاهرة في مشاعرها الحقيقية ولها قلب نقى ، وفي الحقيقة هي لا تعترض على ديني وتوافق أن تتقبلني كما أنا وتريدني أن أتقبلها بدينها والأطفال سيكونون مسلمين ، هذا ما قررناه حتى الآن .
بعض أصدقائي نصحوني أن أرغمها على دخول الإسلام أي : أهددها " لن أتزوجك إن لم تعتنقي الإسلام " هذا ما نصحني به أصدقائي ولكن على قدر علمي هذا لن يكون عدلا لها على الإطلاق ، أرجوك أخبرني هل يجب أن أجبرها على الإسلام ؟ أعتقد أنه لتكون مسلمة يجب أن يكون لديها الإحساس بأن الله واحد ويجب أن يكون لديها مشاعر حقيقية وليست مزيفة ، وأنا لا أريد أن أرغمها لأني أخاف أنها إذا أصبحت مسلمة لتريني وتتزوجني فقط فإن هذه ستكون خطيئة على ... أريدها أن تصبح مسلمة بمشاعرها الحقيقية وإحساس حقيقي بوحدانية الله وأنا أبذل قصارى جهدي لأمدها بمعلومات عن الإسلام وأريها الطريق الصحيح ... أرجوك أخبرني هل يجب أن أرغمها ؟ وإذا رفضت أن تعتنق الإسلام هل من الممكن أن أتزوجها ؟ هل من الممكن أن نتزوج و نعيش كزوج وزوجة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
أباح الله تعالى الزواج من اليهودية والنصرانية ، بشرط أن تكون محصنة – أي : عفيفة عن الزنا - ، وأن تكون الولاية للمسلم عليها .
قال تعالى : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا(36/46)
آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ } المائدة / 5 .
والمراد بالإحصان العفة من الزنا .
قال ابن كثير :
وهو قول الجمهور ها هنا ، وهو الأشبه ، لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة ، فيفسد حالها بالكلية ، ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل : " حشفا وسوء كيلة " والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنا .ا.هـ.
" تفسير ابن كثير " ( 3 / 55 ) .
وأما شرط الولاية فيدل عليه قوله تعالى : { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } النساء / 141 .
ومع هذا فإننا لا ننصحك – أخي الفاضل – بالتزوج من غير مسلمة ، بل لا ننصحك بالتزوج من أي مسلمة ، فليست الحياة الزوجية قائمة – فقط – على الجمال والإعجاب ، بل لا بدَّ للمسلم العاقل أن ينظر بعين بصيرته إلى ما هو أبعد من ذلك ، فهو محتاج إلى حفظ بيته في غيابه ، وهو محتاج إلى تربية أولاده ، وهو لن يجد هذا ولا غيره مما ينشده كل زوج عاقل إلا في ذات الدين من المسلمات ، وهي وصيَّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تُنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك .
رواه البخاري ( 4802 ) ومسلم ( 1466 ) .
قال النووي :
الصحيح في معنى هذا الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع وآخرها عندهم ذات الدين ، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين ، لا أنه أمر بذلك .
وفي هذا الحديث : الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وبركتهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم .
" شرح مسلم " ( 10 / 52 ) .
وفي الزواج من الكتابيات مفاسد كثيرة ومنها :
1. مجاملته – على حساب دينه – لزوجته هذه ، خاصة وأنها " ملتزمة جدّاً " بدينها ، وهذا سيترتب عليه تعليقها للصليب وذهابها للكنيسة ، ولا يؤمن الأولاد عندها والحالة هذه .
2. وهي لن تحافظ على اغتسالها من الحيض ولن تمانع من إتيانه لها في حيضها ، وهو ما سيسبب له حرجاً شرعيّاً وأذىً جسديّاً .
3. وقوعه في الإحراج نتيجة لتساهلها في لباسها واختلاطها بالرجال ومخاطبتهم .
4. وقوف دول وحكومات هؤلاء الكتابيات معهن في ضم الأولاد إليهن عند الاختلاف ووقوع الطلاق ، وهو ما يسبب ضياعاً لأولاده ووقوعهم في الكفر ، والقضايا في هذا أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تُعد .(36/47)
وقال بعض الشعراء :
زواجُ النَّصَارى قبحُهُ متزايدٌ *** يؤدِي إلى كُفرِ البنينَ مؤكَّدا
ومَنْ يرضَ كُفرَ ابنٍ له فهو كَافرٌ *** وإنْ زعَمَ الإسْلامَ قَولاً مفنَّدا
وقد يكفر الزوج اتباعاً لزوجهِ *** فيدخلَ في نارِ الجَحيمِ مخلَّدا
عليكَ بذاتِ الدين إن كنتَ راغباً *** زواجاً صحيحاً تبدُ فيه مسدَّدا
وذَرْ عنكَ أهلَ الكفر واحذرْ زواجهمُ *** فشَرهموا يبدوا كثيراً مُندَّدا
وأولادُ هذا العقدِ ليسوا لرشدةٍ *** فيكثرُ جيلُ الخبثِ فَرعَاً ومَحتَدا
ثانياً :
لا يجوز لك أن ترغم زوجتك النصرانية – إذا تزوجتها – على الإسلام ، قال الله تعالى : { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } البقرة / 256 .
قال ابن كثير :
يقول تعالى : { لا إكراه في الدين } أي : لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام فإنه بيِّن واضح جليٌّ دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يُكره أحدٌ على الدخول فيه ، بل مَن هداه الله للإسلام وشرح صدره ونوَّر بصيرته دخل فيه على بيِّنة ، ومَن أعمى الله قلبَه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسوراً ، وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية في قوم من الأنصار وإن كان حكمها عامّاً .
" تفسير ابن كثير " ( 1 / 311 ) .
ونوصيك – مرة أخرى – بتركها ودعاء الله سبحانه وتعالى أن يصرف قلبك إلى ما هو أصلح لدينك ، وما دام هذا الترك لله فقوِّ يقينك بأن الله سيبدلك خيراً منها ، إذ من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
تزوجت بغير رضا والدها
سؤال:
تزوجت أختي رجلا كان مسلمًا نعم ، لكنها تزوجته دون موافقة أبي . وقد رفض أبي ـ المتدين ـ هذا الرجل لسوء أخلاقه ، مما دفع أختي إلى الهروب والزواج بدون ولي . وسؤالي : هل هذا الزواج صحيح ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لقد أحسن والدُك بعدم موافقته على الزواج من ذلك الرجل سيئ الأخلاق ، وقد جعله الله تعالى مستأمناً على بناته ومن يعول ، ويجب عليه أن يحسن اختيار الزوج المناسب من الناحية الشرعيَّة .
ولقد أساءت أختك عدة إساءات ، منها : سوء اختيارها لهذا الرجل سيئ الأخلاق ، ومنها : الهروب من بيت والدها ، ومنها – وهو أعظمها - : الزواج بغير ولي .(36/48)
وواحد من إساءاتها تلك يكفيها لأن تعلَم مدى ما صنعت وارتكبت في حق ربها ونفسها وأهلها ، فكيف بها مجتمعة ؟ .
أما الزواج : فهو باطل غير صحيح ، وموافقة الولي ركن في الزواج الصحيح ، وهو ما دلَّت عليه نصوص القرآن والسنَّة :
1- قال تعالى { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } البقرة / 232 .
2- وقال تعالى { ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } البقرة / 221 .
3- وقال تعالى { وأنكحوا الأيامى منكم } النور / 32 .
ووجه الدلالة من الآيات واضح في اشتراط الولي في النكاح حيث خاطبه الله تعالى بعقد نكاح موليته ، ولو كان الأمر لها دونه لما احتيج لخطابه وخاصة في الآية الأولى كما سيأتي .
ومن فقه الإمام البخاري رحمه الله أنه بوَّب على هذه الآيات قوله " باب من قال " لا نكاح إلا بولي " .
وأما من السنَّة :
1- عن أبي موسى قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا نكاح إلا بولي " .
رواه الترمذي ( 1101 ) وأبو داود ( 2085 ) وابن ماجه ( 1881 ) . وصححه الألباني رحمه الله في " صحيح الترمذي " ( 1 / 318 ) .
2- عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها المهر لما استحل من فرجها ، فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له .
رواه الترمذي ( 1102 ) وأبو داود ( 2083 ) وابن ماجه ( 1879 ) . والحديث : حسَّنه الترمذي وصححه ابن حبان ( 9 / 384 ) والحاكم ( 2 / 183 ) .
فعلى أختك التوبة والاستغفار ، والرجوع إلى والدها وطلب المسامحة منه ، ولتعلم أن نكاحها باطل وعقدها مفسوخ وعلى هذا فلا يجوز لها البقاء مع هذا الرجل لكونه ليس زوجاً شرعياً لها . فإما أن يتم تجديد العقد بوجود وليها إن رضي باستمرارها مع هذا الرجل بعد مقارنته بين مفسدة سوء خلقه ومفسدة مفارقتها له . وإن لم يرض باستمرارها فإن عقدها ينفسخ تلقائياً ، ويُلزم هذا الرجل بتطليقها دفعاً لما قد يبقى من شبهة بقاء العقد الباطل .
ويجب عليها أن ترضى بمن يختاره لها والدها والذي عليه أن يبحث عن سعادة ابنته مع من يخاف الله من أهل الدين والخلق الحسن .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
يجب إعادة العقد الفاسد ولو مضى عليه عشر سنين
سؤال:
نعلم أن زواج المرأة بدون موافقة وليها لا يتم ، وذلك حسب الشريعة الإسلامية . هناك الكثير من الحالات حيث يتفق الاثنان وتهرب الفتاة معه ويتزوجان .(36/49)
سؤالي هو : إذا كان الزواج غير صحيح فكيف لهؤلاء الناس أن يجعلوه صحيحاً ، فلنقل بعد 5 أو 10 سنوات من الزواج ولديهما أطفال ؟
سؤالي الآخر : إذا هرب الاثنان وتزوجا وبعد مدة من الزمن ولنقل سنتين أو أربع قرر الوالدين الموافقة على الزواج ، فهل يصبح الزواج صحيحاً ؟ كيف يجعل الشخص هذا الزواج صحيحاً ؟.
الجواب:
الحمد لله
المرأة التي تزوجت بدون موافقة وليها نكاحها باطل ولا يصح ولو مضى عليه عشر سنوات ، ولو كان لديهما أطفال ، ويجب إعادة العقد بعد موافقة الولي ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بوليّ وشاهدين ) رواه أحمد وأهل السنن إلا النسائي انظر صحيح الجامع 7558
وقد جاء الوعيد الشديد في حق من تزوج نفسها ، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا . " رواه ابن ماجة (1782) وهو في صحيح الجامع (7298)
وبالنسبة للسؤال الثاني : وهو فيما لو وافق الولي ، فالواجب إعادة العقد لأن العقد الأول غير صحيح .
وعلى الزوجين التوبة العظيمة إلى الله مما فعلا والله غفور رحيم.
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
أحبته وأحسن إلى يتمتها وأهلهما يرفضان زواجهما
سؤال:
ارتبطت أنا وإنسان فاضل جداً بقصة حب شديدة ولكن أهله يرفضوني بشدة ، السبب الأول في الرفض أني كنت متزوجة قبل ذلك وعندي طفلة ، والسبب الآخر هو أني قد خدعتهم بكذبة كبيرة قبل ذلك ولكني ـ والله العظيم ـ أكفر عن هذه الكذبة الآن ، وأدعو الله أن يسامحني وأن يسامحوني ، وأنا الآن والحمد لله أصبحت أكثر التزاماً بالدين وارتديت النقاب وأحفظ كتاب الله ـ والحمد لله ـ
والسؤال الآن : هل يصح زواجنا بدون موافقة أهله ؟ وهل زواجه بي يعتبر عقوقاً لهم ؟ رغم أننا متحابَّين جدا ، واعترف والحمد لله أن هذا الشخص غيَّر أشياء كثيرة بي وجعلني أكثر تديُّناً
وهل يجوز لي الزواج بدون ولي لأن والدي أيضا يصر علي موافقة أهله ، أو يرفض أي شئ طالما أن أهله رافضين ، مع العلم أن أبي يتركني ولا يسأل عنيَّ إلا نادراً ، وهذا الرجل ـ جزاه الله كل خيرـ هو الذي يرعاني أنا وابنتي ، ويعطي لنا كل الحب والأمان ، ويعطي ابنتي اليتيمة مكانة الأب المتوفى ، يعمل معها ما لم يعمله معها أهلها من حب ورعاية ، سيدي الفاضل أنا وابنتي في حاجة شديدة لحبه ورعايته لنا . أرجو من سيادتكم الإفادة ولكم جزيل الشكر .
الجواب:
الحمد لله(36/50)
سؤالك ـ رعاك الله ـ يتضمن عدة أمور ، بعضها توجه إليه السؤال ، وبعضها يحتاج إلى التنبيه عليه :
فمما ورد السؤال عنه : سؤالك عن موافقة والدك : فلا بدَّ أن تعلمي أن الشرع قد اشترط الولي لصحة العقد لأدلة كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم " لا نكاح إلا بولي " . رواه الترمذي ( 1101) وأبو داود ( 2085 ) وابن ماجه ( 1881 ) وهو صحيح كما في " إرواء الغليل " للألباني رحمه الله ( 6 / 235 ) .
ولله تعالى الحكمة البالغة فيما شرعه من اشتراط الولي ، منها أن الأصل في الرجال أنهم أكمل عقلاً وأدرى بالمصالح وأشد إطلاَّعاً على أحوال الرجال ومعرفة ما يناسب المرأة وأقدر على اتخاذ القرار ، لاسيما وأن المرأة قد تغلبها عاطفتها وتغطي عليها ، ولو فُرض وجود عائق في الولي لا يجعله أهلاً لتولي شئون موليته أو كان حابساً لها عن الزواج بالأكفاء وليس له عذر شرعي انتقلت الولاية إلى الذي يليه فتنتقل من الأب إلى الجد مثلاً . ( وراجعي في تفاصيل هذه المسألة السؤال رقم 7193 في الموقع ) .
أما موافقة أهله : فإنها ليست شرطاً لصحة الزواج لأن الرجل هو ولي نفسه فزواجه لا يحتاج إلى موافقة أهله ، وليس لهم أن يمنعوه من الزواج بغير سبب شرعي ، أما مراعاته لرضاهم لا سيما الوالدين فهو أمر مستحسن ، ويمكن الوصول إليه من خلال الإحسان إلى الوالدين ، وإظهار ما يمكن أن يجعلهم يوافقون على اختياره ، ويستعين على هذا بالدعاء والمناقشة بالحسنى وسلوك سبيل الإقناع الهادئ ويسعدنا أيتها السائلة أن نهنئكِ على ما منَّ الله به عليكِ من التوفيق إلى التقيُّد بالحجاب الشرعي ، وما يسّره لكِ من حفظ كتابه الكريم ، ونسأله أن يجعلنا وإيَّاك من العاملين به .
ونودُّ أن ننبهك أيتها الأخت الكريمة إلى بعض ما ذكرتيه في السؤال من قولك " بقصة حب شديدة " ، " إننا متحابين جدا " , " يعطي لنا كل الحب " و " أنا وابنتي بحاجة شديدة لحبه " ، فينبغي عليك أن تعلمي أن على المسلم والمسلمة أن يصون نفسه عن أسباب تعلُّق القلب بمن ليس زوجاً له ، ومع التسليم بأن من المحبة ما لا يد للإنسان فيها ، إلا أن هناك الكثير من الأمور التي يقوم بها المرء مما يحصل بها زيادة التعلُّق ، وهذه هي التي يتوجه إليها النهي ، ومن أمثلة ذلك الحديث بين الرجل والمرأة الذي يترتب عليه تحرك لهذه العواطف والغرائز ، وكالزيارات المتكررة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والدخول على النساء ) رواه البخاري ( 4934 ) ومسلم ( 2172 ) . فإن هذه الأمور تحرم سداً للباب ودفعاً لما قد ينشأ عنها ، ومن حكمة هذا ألاَّ يتعلق القلب بمن قد لا يتيسر له الزواج منه فيحصل في هذا الأمر من التعذُّب للطرفين ما يُعلم مثله من أحوال من المحبين في القديم والحديث ، ويسبِّب هذا الأمر إشغالاً للقلب عن ما يجب عليه من محبة الله تعالى وطاعته . وقد أفاض في الكلام عن أضرار هذا التعلُّق ابن القيم في بعض كتبه ككتاب " الداء والدواء" و " إغاثة اللهفان " فيحسن أن ترجعي إليهما ، ويمكنك الرجوع إلى السؤال رقم 9465 .(36/51)
والذي نوصيك به مادام الله تعالى قد وفقك للحجاب أن تُكمِّلي حجاب الثوب بحجاب القلب بأن تنظري بكل تجرُّد إلى العلاقة الحالية معه ، وأن تبتعدي عن كل ما يُثير عندك التعلُّق به ، من مثل التحدث معه أو زيارته لكم ، أو نحو ذلك مما يكون محرماً أو مشتبهاً فيه ، وأن يحرص هو ـ وهو على ما ذكرت ِمن التدُّين ـ أن يكون أشدَّ بعداً عن هذه الأمور ؛ خشية دخول الشيطان بينكما .
أما إحسانه إلى ابنتك فنسأل الله أن يأجره عليه ، ولكن يجب ألاَّ يلزم من ذلك محظور كدخوله عليكِ وليس معكِ غير ابنتك ؛ لأن وجودها معك لا يزيل الخلوة المحرَّمة التي حذَّر منها النبي صلّى الله عليه وسلَّم بقوله ( لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ) . رواه أحمد والترمذي في سننه 2091 وهو في صحيح الجامع 2546. ويمكنك الرجوع إلى السؤال 2986 .
أما ما ترجينه من خير في زواجك به ، ورجاؤك أن يتم ذلك فإننا نوصيك بأمور :
1. الإكثار من صلاة الاستخارة حتى يختار لك مولاك سبحانه وتعالى الأصلح لك في أمر الدنيا والآخرة . ويمكنك مراجعة كيفيتها في السؤال رقم 2217 .
2. الابتعاد عمّا تمت الإشارة إليه من أسباب التعلُّق ، إذ إن من أهم ما يتوصل به العبد للمطلوب الذي يريده امتثاله لشرع الله وتقيُّده به .
3. السعي لتخفيف حَدِّة ما ورد ذكره في السؤال من هذه المحبة من خلال إدراك خطرها ، وربط القلب بالله تعالى والتدبُّر في كلامه سبحانه الذي زيًّن الله قلبك بحفظه .
4. التقرُّب من والدك والإحسان إليه والحرص على برِّه ، لعلّ ذلك أن يلِّين قلبه وأن يجعله يحرص على ما يكون فيه سعادتك واستقرارك .
5. الاعتذار إلى أهل الزوج ومعاملتهم بما يدلُّ على ندمك عمَّا بدر منكِ تجاههم لعل الله أن ييسر قبولهم بهذا الزواج ، مما ييسر من أمر قبول أبيك .
6. تهيئة النفس وتوطينها على الرضا بما يقدِّره الله ـ ولو لم يكن محبوباً للنفس ـ وتوقُّع أشدِّها على النفس ، كعدم تيسُّر الزواج مطلقاً ، إذ من فوائد هذا التوطين للنفس ألاَّ تحدث صدمة عند وقوع ما لا يحبه الإنسان فتؤدي إلى إحباط أو ضعف في الإيمان ، أو ظن سيئ بالله تعالى وحكمته .
7. الحرص على تنشئة هذه اليتيمة التي جعلها الله تحت يدك تنشئة إسلامية ، والإحسان إليها ، إذ في تربية اليتيم وكفالته من الأجر ما لعله أن يكون سبباً جالباً للبركة لكِ في وقتكِ والتوفيق في جميع أمورك .
نسأل الله تعالى أن يتمم عليك نعمه ، وأن يثبت الإيمان في قلبك ، وأن يوفقك لكل خير ، وأن ييسر هذا الزواج إن كان الخير لكما فيه ، وأن يهدينا جميعاً إلى سواء الصراط . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
هل يلزمه الزواج من قريبته التي لمسها بالحرام
سؤال:(36/52)
أنا في وضع مزعج للغاية. فقد وقعت في ذنب حيث قمت بملامسة امرأة غير متزوجة، وهي من أقاربي. أنا لم أجامعها، لكني لامستها وهي لامستني أيضا. وبما أنها من الأقارب (ابنة خالي)، فأنا أخاف أن تخبر الآخرين . لقد كيفت حياتي بما يتفق والشريعة الإسلامية، ولذلك فإن الناس يحترموني كثيرا . أنا لست متزوجا ، لكني سأتزوج من فتاة صالحة (قريبا). فهل علي أن أتزوج بالمرأة التي لمستها ؟ أنا أخاف كثيرا من هذه المرأة، فهي جارة عائلتي . ماذا علي أن أفعل كي أتخلص من هذا الوضع؟ أعلم أني ارتكبت معصية. وأنا أدعو الله أن يغفر لي ذنبي. أنا لا أستطيع تخيل الزواج بهذه المرأة التي كانت دائما ما تستخدم الحيل لتلفت انتباهي . أنا الآن في ورطة . هل علي أن أخبر والداي بالأمر؟ هل علي أن أخبر الفتاة التي سأتزوج بها عن القصة ؟ هل يمكن لهذه الفتاة التي لمستها أن تجبرني على الزواج بها وفقا للشريعة الإسلامية ؟.
الجواب:
الحمد لله
أما بعد فيجب عليك أن تستغفر الله تعالى وتتوب إليه مما بدر منك ، وأن تعزم على عدم العود لذلك أبدا . ولمسك لهذه المرأة لا يوجب زواجك منها ، وليس في الشريعة ما يجبر المكلف على الزواج من امرأة لا يرغب فيها ولا يختارها ، ولا يصح النكاح إلا بعقد مستوف لشروطه ومنها رضا الزوج المكلف.
ولا يلزمك إخبار والديك ولا الفتاة التي ستتزوجها بما حدث ، بل أنت مأمور بالستر على نفسك ، والتوبة فيما بينك وبين ربك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها ، فمن أَلمَّ فليستتر بستر الله عز وجل " رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 663
والقاذورة هي الفعل القبيح والقول السيء مما نهى الله عنه ، سبل السلام (3/31)
ألّمَ أي ارتكب وفعل
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
شرطت عليه إن تزوج عليها فزوجته الثانية تكون طالقاً
سؤال:
رجل تزوج وشرطوا عليه في العقد أن كلَّ امرأةٍ يتزوج بها تكون طالقاً ، ، ثم إنَّه تزوج ، فما الحكم في المذاهب الأربعة ؟.
الجواب:
الحمد لله
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية السؤال السابق فأجاب :
هذا الشرط غير لازمٍ في مذهب الإمام الشافعي ، ولازم له في مذهب أبي حنيفة متى تزوج وقع به الطلاق ، ومتى تسرَّى عتقت عليه الأمة ، وكذلك مذهب مالك ، وأما مذهب أحمد : فلا يقع به الطلاق ولا العتاق ، لكن إذا تزوج وتسرَّى كان الأمر(36/53)
بيدها ، إن شاءت أقامت معه ، وإن شاءت فارقته ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج " ؛ ولأن رجلاً تزوَّج امرأة بشرط أن لا يتزوج عليها ، فرفع ذلك إلى عمر ، فقال : " مقاطع الحقوق عند الشروط " .
فالأقوال في هذه المسألة ثلاث :
أحدها : يقع به الطلاق والعتاق .
والثاني : لا يقع به ، ولا تملك امرأته فراقه .
والثالث : وهو أعدل الأقوال : أنه لا يقع به طلاق ولا عتاق ، لكن لامرأته ما شرط لها ، فإن شاءت أن تقيم معه ، وإن شاءت أن تفارقه ، وهذا أوسط الأقوال .
" الفتاوى الكبرى " ( 3 / 125 ).
ـــــــــــــــــــ
لماذا لا يجوز للمسلمة أن تتزوج بكافر
سؤال:
يجوز للمسلمين الزواج من نساء لسن مسلمات ، فلماذا لا يُسمح للمسلمات أيضا بالزواج من رجال يدينون بغير الإسلام ؟.
الجواب:
الحمد لله
يجوز للمسلم أن يتزوج الذمّية من أهل الكتاب يهودية كانت أو نصرانية دون غيرهما من طوائف الكفر كما قال تعالى : ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا أتيتموهن أجورهن ) يعني العفيفات من الكتابيات دون الفاجرات . ولا يجوز للمسلمة ان تنكح مشركا غير مسلم مهما كانت ديانته قال تعالى : ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار ) ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه كما هو مقرر في دين الإسلام .
الشيخ عبد الكريم الخضير
ومعلوم أن الرجل هو الطرف الأقوى وصاحب هيمنة على الأسرة من الزوجة والأولاد فليس من الحكمة أن تتزوج مسلمة كافراً يهيمن عليها وعلى أولادها ويكون من جراء ذلك الخطر الكبير باحتمال أن يحرفها عن دينه وأن يربي الأولاد على دينه هو .
والله اعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
نساء يجوز الزواج منهن في حالة ولا يجوز في حالة أخرى
سؤال:(36/54)
هل هناك حالات في الإسلام يجوز الزواج من امرأة في حالة ولا يجوز الزواج من نفس المرأة في حالة أخرى ؟.
الجواب:
الحمد لله
نعم ، يوجد ذلك وفيما يلي أمثلة توضح ذلك :
1- يحرم تزوج المعتدة من الغير ، لقوله تعالى : ( ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله ) ومن الحكمة في ذلك أنه لا يؤمن أن تكون حاملاً ، فيفضي ذلك إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب .
2- ويحرم تزوج الزانية إذا علم زناها حتى تتوب وتنقضي عدتها ، لقوله تعالى : ( والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) .
3- ويحرم على الرجل أن يتزوج من طلقها ثلاثاً حتى يطأها زوج غيره بنكاح صحيح ، لقوله تعالى : ( الطلاق مرتان ... ) إلى قوله : ( فإن طلقها ) يعني الثالثة ، ( فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ) .
4- ويحرم تزوج المحرمة حتى تحل من إحرامها .
5- ويحرم الجمع بين الأختين ، لقوله تعالى : ( وأن تجمعوا بين الأختين ) ، وكذا يحرم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تجمعوا بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها ) متفق عليه ، وقد بين صلى الله عليه وسلم الحكمة في ذلك حين قال عليه الصلاة والسلام : ( إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم ) ، وذلك لما يكون بين الضرائر من الغيرة ، فإذا كانت إحداهما من أقارب الأخرى ، حصلت القطيعة بينهما ، فإذا طلقت المرأة وانتهت عدتها ، حلت أختها وعمتها وخالتها ، لانتفاء المحذور .
6- ولا يجوز أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة ، لقوله تعالى : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من تحته أكثر من أربع لما أسلم أن يفارق ما زاد عن أربع .
والله اعلم
الملخص الفقهي لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان 2/271 .
ـــــــــــــــــــ
زوَّجها أخوها من غير رضا الأب ثم وافق بعد سنة
سؤال:
تزوجت منذ عام ، وقد كان أخي وليا عني ، لأن أبي كان يعارض تزويجي . وبعد مرور عام ، قبل والدي زواجي وهو سعيد بذلك . لكني أتريب أحيانا بخصوص صحة نكاحي وشرعيته .
الجواب:
الحمد لله
أولاً : نوجه نصيحة للآباء .
الواجب على الآباء البِدَار بتزويج من لهم ولاية عليهم من النساء إذا تقدَّم لخطبتهن أحد ، وكان كفؤاً ورضيت المرأة بذلك ، ومن يخالف ذلك فإنما هو مخالف لما أمر(36/55)
به النبي صلى الله عليه وسلم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إذا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ) رواه الترمذي ( النكاح/1004) وحسَّنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (865 ) ، ولا يجوز عضلهن لأي غرض من الأغراض التي لم يشرعها الله ورسوله .
والعضل كما عرَّفه ابن قدامة قال : وَمَعْنَى الْعَضْلِ مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنْ التَّزْوِيجِ بِكُفْئِهَا إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ , وَرَغِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ . انظر المغني ج/7 ص/24 ، فينبغي على الأولياء التعجيل في تزويج مولياتهم وذلك لأن فيه حفاظاً لهن عن الوقوع فيما حرّمه الله ، وحتى لا يقع الولي أيضاً فيما حرّمه الله من الإثم بالعضل . والأَصْلُ أَنَّ عَضْلَ الْوَلِيِّ مَنْ لَهُ وِلايَةُ تَزْوِيجِهَا مِنْ كُفْئِهَا حَرَامٌ ; لأَنَّهُ ظُلْمٌ , وَإِضْرَارٌ بِالْمَرْأَةِ فِي مَنْعِهَا حَقَّهَا فِي التَّزْوِيجِ بِمِنْ تَرْضَاهُ , وَذَلِكَ لِنَهْيِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ فِي قَوْلِهِ مُخَاطِبًا الأَوْلِيَاءَ : ( فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُن َّ) البقرة/232
ثانيا :
الحكم في هذه المسألة له صورتان :
الصورة الأولى : إذا كان الوليّ الأقرب عاضلاً للمرأة ـ وتقدَّم تعريف العضل ـ فإنه يصح أن يزوِّج الولي الأبعد حتى مع وجود الأقرب لأنه يكون حينئذٍ لا ولاية له .
قال المرداوي : قَوْلُهُ ( وَإِنْ عَضَلَ الأَقْرَبُ زَوَّجَ الأَبْعَدُ ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ . وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ .. . وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله مِنْ صُوَرِ الْعَضْلِ : إذَا امْتَنَعَ الْخُطَّابُ مِنْ خِطْبَتِهَا , لِشِدَّةِ الْوَلِيِّ .
الإنصاف ج/5 ص/74
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : وَإِذَا رَضِيَتْ رَجُلا وَكَانَ كُفُؤًا لَهَا وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهَا كَالأَخِ ثُمَّ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِهِ , فَإِنْ عَضَلَهَا وَامْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا , زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ الأَبْعَدُ مِنْهُ ..
الفتاوى الكبرى ج/3 ص/83
قال ابن قدامة : إذَا عَضَلِهَا وَلِيُّهَا الأَقْرَبُ , انْتَقَلَتْ الْوِلايَةُ إلَى الأَبْعَدِ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .. المغني لابن قدامة ج/7 ص/24
قال الشيخ ابن عثيمين : إذا منع الأب تزويج بنته لكفء فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى .
فتاوى إسلامية ج/3 ص/149
الصورة الثانية : إذا زوَّج الأبعد مع وجود الولي الأقرب ولم يكن الولي عاضلاً لها :
قال المرداوي : ( وَإِذَا زَوَّجَ الأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِلأَقْرَبِ , أَوْ زَوَّجَ أَجْنَبِيٌّ : لَمْ يَصِحَّ ) الإنصاف ج/8 ص/82 .
وقال البهوتي : ( وَإِذَا زَوَّجَ الأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِلا قُرْبٍ ) لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ ... لأَنَّ الأَبْعَدَ لا وِلايَةَ لَهُ مَعَ الأَقْرَبِ . كشَّاف القناع ج/5 ص/56 .
ويتفرَّع من هذه المسألة ، ما إذا أجاز الولي الأقرب هذا النكاح فما حكمه ؟(36/56)
إن أجاز الوليّ الأقرب هذا النكاح هل تصحح إجازته النكاح أم لا ؟!
قال العلماء : مَسْأَلَةٌ : ( وَإِذَا زَوَّجَهَا مَنْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ , وَهُوَ حَاضِرٌ , وَلَمْ يَعْضُلْهَا , فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ ) . هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامٍ ثَلاثَةٍ ; أَحَدُهَا , أَنَّهُ إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ الأَبْعَدُ , مَعَ حُضُورِ الْوَلِيِّ الأَقْرَبِ , فَأَجَابَتْهُ إلَى تَزْوِيجِهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ , لَمْ يَصِحَّ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ مَالِكٌ : يَصِحُّ ; لأَنَّ هَذَا وَلِيٌّ , فَصَحَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِإِذْنِهَا كَالأَقْرَبِ .
الْحُكْمُ الثَّانِي , أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَقَعُ فَاسِدًا , لا يَقِفُ عَلَى الإِجَازَةِ , وَلا يَصِيرُ بِالإِجَازَةِ صَحِيحًا , ...وَالنِّكَاحُ فِي هَذَا كُلِّهِ بَاطِلٌ , فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ . وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ .
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى , أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى الإِجَازَةِ ; فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ , وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ فَسَدَ .
( إنْكَاحُ الْفُضُولِيِّ ) والفضولي :
وهو َفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ يُطْلَقُ الْفُضُولِيُّ عَلَى مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِلا إذْنٍ شَرْعِيٍّ وَذَلِكَ لِكَوْنِ تَصَرُّفِهِ صَادِرًا مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ وَلا وَكَالَةٍ وَلا وِلايَةٍ . الموسوعة الفقهية ج/32 ص/171
وقد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إنْكَاحِ الْفُضُولِيِّ مِنْ غَيْرِ وِلايَةٍ أَوْ نِيَابَةٍ عَلَى أَقْوَالٍ منها :
لِلْحَنَابِلَةِ , وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ : هُوَ أَنَّ إنْكَاحَ الْفُضُولِيِّ بَاطِلٌ لا تُؤَثِّرُ فِيهِ إجَازَةُ الْوَلِيِّ . ( أي لا بد من إعادة العقد من جديد ) .
وَالثَّانِي : لأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ , وَأَبِي يُوسُفَ : وَهُوَ أَنَّ إنْكَاحَ الْفُضُولِيِّ صَحِيحٌ , لَكِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ , فَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ , وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ .
الموسوعة الفقهية ج/32 ص/175
والخلاصة : أن بعض العلماء قد قال بصحَّةِ العقد إذا أجازه الوليّ ـ كما رأيت ـ وإن كنتِ تريدين مزيداً من الاطمئنَانِ والخروج من خلاف أهل العلم فأعيدوا عقد النكاح ، ولا يلزم لذلك إلا الإيجاب من ولِّيك ـ وهو الأب ـ والقبول من الزوج ، وشهادة رجلين مسلمين ، مع التوبة بما حصل قبل ذلك .
ونسأل الله لك التوفيق .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
لا ينبغي اعتبار كون المرأة أكبر من الرجل مانعاً من الزواج
سؤال:
أنا شاب مسلم أبلغ من العمر 21 عاماً . أُريد أن أتزوج في القريب العاجل . وبالأخص أريد أن أتزوج مِن مَن تكون أكبر مني سناً (مثلا أكبر بحوالي سبع سنوات) . هل هناك شيء "خطأ" في فعل ذلك ؟ أعرف أن زوجة الرسول الأولى كانت تكبره بخمسة عشر عاماً . قد يعتقد البعض أن ما أفضله شاذ بعض الشيء ، فهذا أمر لا يحدث كثيراً في أيامنا هذه .(36/57)
الجواب:
الحمد لله
الكبر لا يضر ، ولا حرج أن تكون المرأة أكبر ، ولا حرج أن يكون الزوج أكبر ، فقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وهي بنت أربعين وهو ابن خمس وعشرين ، والذي ينبغي للرجل أن يعتني بالمرأة الصالحة ذات الدين ولو كانت أكبر منه إذا كانت في سن الشباب وسن الإنجاب ، فالحاصل أن السن لا ينبغي أن يكون عذراً ولا ينبغي أن يكون عيباً ما دام الرجل صالحاً والفتاة صالحة أصلح الله حال الجميع .
باختصار من فتوى الشيخ ابن باز كتاب فتاوى إسلامية ج/3 ص/107
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
تُنزع ولاية النكاح ممن لا يؤمن بالسنة
سؤال:
هل يمكن أن يكون مسلم منحرف وليَاً (في الزواج لابنته) ذات العقيدة السليمة ؟ مثلاً هل يمكن لأب لا يؤمن بوجوب اتباع الحديث والسنة أن يكون ولياً لامرأة تقبل الإسلام (القرآن والسنة) ؟.
الجواب:
الحمد لله
1. ذكر أهل العلم رحمهم الله شروطاً لولي المرأة في النكاح ، منها ما اتفقوا عليه ، ومنها ما اختلفوا فيه . فأما التي اتفقوا عليها :
أ. الإسلام
قال ابن قدامة : أما الكافر فلا ولاية له على المسلمة بحال بإجماع أهل العلم .أ.هـ
ونقله كذلك عن ابن المنذر .
" المغني " ( 7 / 356 ) .
ب. العقل .
ت. البلوغ .
ث. الذكورة .
قال ابن رشد : اتفقوا على أن من شرط ولاية : الإسلام ، والبلوغ ، والذكورة . أ.هـ
" بداية المجتهد " ( 2 / 12 ) .
وقال ابن قدامة : الذكورية شرطٌ للولاية في قول الجميع . أ.هـ
" المغني " ( 7 / 356 ) .
وأما الشروط التي اختلفوا فيها ، فمنها :
أ. الحرية .
واشتراط الحرية هو قول أكثر أهل العلم ، وخالف في ذلك الحنفية .(36/58)
وتعليل من اشترط الحرية هو : أن العبد لا ولاية له على نفسه ، فعدم ولايته على غيره أولى.
انظر : المرجعين السابقين .
ب. العدالة
وإلى اشتراطها في الولي ذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد .
والمقصود بالعدالة هنا : العدالة الظاهرة ، ولا يشترط أن يكون الولي عدلاً ظاهراً وباطناً ، وإلا أوجب ذلك حرجاً ومشقة ، وأفضى إلى بطلان غالب الأنكحة . كذا في " كشاف القناع " ( 3 / 30 ) .
وهنا تنبيه وهو أنه قد يكون للسائل رغبة في المرأة ، ثم يناقش وليها في مسألة أو أكثر فيختلفان ، فيتهم الزوج الوليَّ أنه لا يؤمن بالرجوع إلى الكتاب والسنَّة !. وهذا تعدّ خطير وإثم كبير أنه فيه اتهام لمسلم بما يخرجه عن الملّة .
وأما إن كان ولي الزوجة حقيقة لا يؤمن بالسنة مثل هذه الطائفة الذين يتسمون بالقرآنيين فإنه يُناقش ويبين له الحق وتُزال شبهته وتُقام عليه الحجة فإن أصر فهو كافر ، ولا يجوز له أن يتولى على أمرأة مسلمة في النكاح ولو كانت ابنته ، وتُنزع ولايته حينئذ وتعطى لأقرب ولي مسلم لهذه المرأة . والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
من هي الكتابية التي يجوز للمسلم الزواج بها
سؤال:
السؤال :
أود أن اعرف ما تعنيه بعبارة ( تزوج العفيفات ) من أهل الكتاب المسيحيات أو اليهوديات ؟ فهل اللمس والتقبيل يحول دون الزواج من الكتابية ؟ لقد قرأت في إجابتك أن المسلم يجب أن يتزوج المرأة العفيفة فهل ينطبق ذلك فقط على المرأة الكتابية أم يشمل أيضا الفتاة المسلمة ؟ وهل اللمس والتقبيل يدخل ضمن تعريف كلمة العفاف ؟ وما هي النصيحة التي يمكنك تقديمها إلى شاب مسلم يعتقد بأن اللمس ضروري قبل الزواج ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في " جامع البيان عن تأويل آي القرآن "(8/165) في تعريف المُحصنة :
حَصُنت هي فهي تَحصُن حَصَانة إذا عفَّت ، وهي حاصنٌ من النساء عفيفة ... ويقال أيضا ، إذا هي عفت وحفظت فرجها من الفجور : " قد أحصنت فرجها فهي محصنة كما قال جل ثناؤه " ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها " بمعنى حفظته من الرِّيبة ، ومنعته من الفجور . ثم ذكر الأقوال في تأويل قوله تعالى ((36/59)
والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ... ) ومما ذكره :
وقال آخرون إنما عنى الله بقوله { والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } العفائف من الفريقين إماء كن أو حرائر فأجاز قائل هذه المقالة نكاح إماء أهل الكتاب الدائنات دينهم بهذه الآية وحرموا البغايا من المؤمنات وأهل الكتاب . " ثم ذكر رحمه الله الآثار على هذا القول .
وقال أيضا : " ثم اختلف أهل التأويل في حكم قوله " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " أعام أم خاص ؟ فقال بعضهم : هو عام في العفائف منهن لأن المحصنات العفائف وللمسلم أن يتزوج كل حرة وأمة كتابية ، حربية كانت أو ذمية . واعتلوا في ذلك بظاهر قوله تعالى " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "، وأن المعنىَّ بهن العفائف ، كائنة من كانت منهن . وهذا قول من قال : عنى بـ "المحصنات " في هذا الموضع : العفائف ..
وقال آخرون : بل ذلك معنيّ به نساء أهل الكتاب الذين لهم من المسلمين ذمة وعهد . فأما أهل الحرب ، فإنَّ نساءهم حرام على المسلمين .
وذكر رحمه الله شرطا مهما لنكاح الكتابية ينبغي أن يتمعّن فيه ويقف عنده كلّ مسلم يريد أن يتزوج منهن في بلاد الكفر وهذا الشّرط هو : " أن تكون بموضع لا يخاف الناكح فيه على ولده أن يُجبر على الكفر " .ا.هـ ومن أوضح تطبيقات هذا الكلام في واقعنا أن لا يكون في بلاد الكفر ما يُجبر المسلم على تنشئة ولده على دين أهل الكفر بحيث يُدرّس الولد إجباريا شيئا من دين النصارى مثلا أو يُؤخذ إلى الكنيسة يوم الأحد أو يكون القانون في صفّ المرأة الكافرة بحيث تأخذ الولد إذا شاءت فتربيه على دين قومها ونحو ذلك نسأل الله العافية ونعوذ به من الخذلان .
وقال الشيخ السعدي في تفسيره (1/458) :
{و} أحل لكم { المحصنات } أي : الحرائر العفيفات { من المؤمنات } ، { والمحصنات} الحرائر العفيفات { من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } أي : من اليهود والنصارى وهذا مُخصِّص لقوله تعالى :{ ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } .
.. وأما الفاجرات ، غير العفيفات عن الزنا ، فلا يباح نكاحهن ، سواء كن مسلمات ، أو كتابيات ، حتى يتبن لقوله تعالى : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ) الآية .
والله تعالى أعلم
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
ولي النصرانية التي أسلمت
سؤال:
السؤال :(36/60)
أنا من أسرة مسلمة، نشأتُ على العقيدة الإسلامية. وعلى الرغم من ذلك فقد مررت بمرحلة من مراحل حياتي أعتبرها (مرحلة الظلام). وفي هذه المرحلة مارست بعض الأعمال الجاهلية لعدة سنوات ( وهي تلك الأفعال الآثمة غير المسئولة).
ولكن ولله الحمد قد أنعم الله علي بالهداية وأعادني إلى صراطه المستقيم.
وخلال تلك الفترة كانت لي علاقة بفتاة نصرانية والتي بحمد الله أسلمت حديثا بإرادة الله. ونحن نخطط للزواج بعد أن نستقر .
إحدى المشاكل التي واجهتنا أنها من أسرة نصرانية متدينة، بالإضافة إلى أن والدها قس نصراني. وعندما علمت الأسرة بارتباطنا حاولت فصلنا بشتى الوسائل مع أننا لم نخبرهم بإسلام صديقتي.
والآن قد وصلت علاقتنا ببعضنا إلى درجة أنها على استعداد لمعارضة جميع أسرتها والهرب معي.
على الرغم من علمنا بصعوبة المضي في هذا الأمر ، إلا أننا نحب بعضنا حبا شديدا. وكما أعلم أن الشريعة الإسلامية تطلب عند النكاح وجود ولي للمرأة، والذي -حسب علمي- يشترط أن يكون من عائلة المرأة.
وسؤالي الأول: هل تخطيطنا للزواج بدون موافقة أسرتها متوافق مع الشريعة الإسلامية ؟
والثاني: إذا كان ذلك جائزا ، فمن يمكن أن يكون ولي المرأة ؟ حيث أنه لا يوجد أحد من أفراد عائلتها يوافق على الزواج.
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
أولا : نحمد الله صاحب المنّة والفضل على أن هداك لطريق الحقّ بعد رحلة الجاهلية المضنية المظلمة وبعد الحيرة في دروب التيه والضياع والله يهدي من يشاء وعليك الآن شكر النّعمة بالقيام بحقّ الله وترك ما يُغضب الله وأن يكون الله أحبّ إليك من كلّ شيء وأن تسعى في استدراك ما فات من عمرك وتضاعف الجهد في فعل الطاعات والمسارعة من الخيرات .
ثانيا : حيث أنّ هذه المرأة قد أسلمت ولله الحمد فليس لأحد من أقربائها الكفرة ولاية عليها لأنّه لا ولاية لمسلم على كافر فإن كان في البلد التي هي فيه صاحب سلطان مسلم فإنّه يصير وليّها لقوله صلى الله عليه وسلم : لا نِكَاحَ إِلاّ بِوَلِيٍّ وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لا وَلِيَّ لَهُ * رواه ابن ماجة رقم 1880 والإمام أحمد وهو في صحيح الجامع رقم 7556
فإن لم يكن هناك سلطان مسلم فيُلجأ إلى مرجع المسلمين في تلك الناحية وصاحب الكلمة المسموعة بينهم كمدير المركز الإسلامي أو إمامه وخطيبه يعقد لها عقد نكاحها . وانظر جواب سؤال رقم ( 2127) .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(36/61)
ـــــــــــــــــــ
الزواج بغير المسلمة للحصول على حقّ الإقامة
سؤال:
السؤال : أريد أن أتزوج بكافرة من أجل الحصول على حقّ الإقامة في البلد وعلى جواز السّفر ؟ وهل يجوز أن أتزوجها لهذا الغرض فقط ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
الحمد لله ، عرضنا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فأجاب بما يلي :
إذا كانت ممن يحل نكاحها فلا حرج في ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تنكح المرأة لأربع .. فذكر المال " .. وهذا مثله ، فإذا تزوجها من أجل الحصول على الإقامة فلا بأس بشرط أن لا يكون في نيته أنه إذا حصل على الإقامة طلّقها .. والله أعلم
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ـــــــــــــــــــ
تحب رجلاً من غير أهل السنة وتريد الزواج منه
سؤال:
أعرف رجلا شيعيا يحبني كثيرا ويريد أن يتزوجني زواج دائم وليس زواج متعة ، أعرف أن معتقد الشيعة مختلف عن معتقد السنة فناقشت هذا معه ووافق على أن يبحث عن الفروق بين المعتقدين ، وأتمنى أن هذه الطريقة سوف تمكنه من أن يكتشف بنفسه الطريق الصحيح .
المشكلة أنني لم أستطع العثور على موقع على الإنترنت يزودني بمعلومات عن هذا الموضوع ويوضح الفروق ولا يتهم الشيعة مباشرة بأنهم مخطئين .
أتمنى أن أتحدث مع شخص عن هذا الموضوع لأن عندي أسئلة كثيرة وأحتاج مساعدة وأتمنى أن أتحدث مع شخص ما أو أن أحصل على مصدر يسهل عليه البحث ولا يجعله متهما أو أن يحط من قيمة مذهبه.
أعتقد أن الحديث معه بأسلوب جيد وبلطف تجعله أكثر قابلية للقبول والسماع من محاولة إقناعه بأنه على خطأ.
الجواب:
الحمد لله
نحن معشر أهل السنة نحب الخير للجميع ، ونسأل الله تعالى أن يهدي كل ضال ، ويثيب كل مطيع ، ونرجو الله أن يهدي أولئك الرافضة ..
إن الفروق بين مذهب أهل السنة والرافضة جذرية وكبيرة جداً منها أن الرافضة يقولون بتحريف القرآن الكريم ، ويطعنون ويضللون جمهور الصحابة رضي الله عنهم ، ويغلون في أئمتهم ويعبدونهم ، ويفضلونهم على الأنبياء والملائكة ، ويحجّون إلى المشاهد والقبور ، ويمارسون عندها أنواعاً من الشرك بالله تعالى ،(36/62)
كما يعتقدون بالنفاق ويسمونها ( التقية ) ، كما يقولون بالبداء والرجعة والعصمة المطلقة للأئمة ، وعقيدة الطينة .. وننصحك بقراءة رسالة الخطوط العريضة لمحب الدين الخطيب أو كتاب مختصر التحفة الأثني عشرية للدهلوي ، أو فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة لناصر القفاري ، وننصحك بعدم التفكير بالزواج منه .. ومن ترك شيئاً لله عوضه خيراً منه ، نسأل الله لك التوفيق والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة .
ونذكّرك بالامتناع عن إقامة العلاقة مع الرجال الأجانب كما تجدين توضيحه في سؤال رقم 1114و9465و2005، نسأل الله أن يوفقك لكل خير .
الشيخ محمد آل عبد اللطيف
ـــــــــــــــــــ
يدعي الإسلام ولكن لا يطبقه ومستعد للتعلم فهل تتزوجه
سؤال:
هل يمكن أن أتزوج رجلاً لا يعرف عن الإسلام شيئ ووالداه مسلمان ولم يعلماه دينه واحتفظا بإسلامهما لنفسيهما ولكن هذا الشخص عندما يكلمه أحد عن الدين يكلمه بسعادة وشغف ويطبق ما عرف عندي شغف بديني رغم أنني لست متعمقة في الإسلام عارفة جداً واحب هذا الشخص جداً وأعتقد أنني بعد الزواج سوف أضعه على الطريق الصحيح إن شاء الله ؟
الجواب:
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين :
فأجاب حفظه الله بقوله :
إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقد أسلم ، فتحل له . والله أعلم .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ـــــــــــــــــــ
مواصفات الزوج
سؤال:
السؤال :
أنا مسلمة من لبنان وعمري 24 عاماً وأعيش في أوتاوا بكندا بعيداً عن وطني وأحس أنني بحاجة إلى مزيد من الإرشاد.
ماذا يجب أن يكون في الرجل غير كونه مسلماً؟
هل هناك نصيحة في تربية الأبناء حتى يكونوا قريبين من الإيمان؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
أولاً : أنصحكِ بأن تحضري إلى أحد المساجد أو المراكز القريبة ، وأن تحرصي على الحضور إليها كلما أمكنك ذلك فهذا سببٌ لأن تتعرفي على بعض الأخوات الصالحات ، وأن تستفيدي مما تسمعينه منهن .(36/63)
ثانياً : الرجل الذي ترضاه المرأة زوجاً لها ينبغي أن يكون متمسكاً بالإسلام ملتزماً بأحكامه ، متخلقاً بأخلاقه ، وما سوى ذلك من الصفات أمرٌ يختلف فيه الناس .
ثالثاً : أما ما يتعلق بتربية الأبناء فمن أهم الأمور التي تعين على تربيتهم تهيئة البيئة الحسنة لهم : ومن ذلك اختيار الزوج المناسب ، واختيار السكن المناسب بحيث يجاور الصالحين ومن يرضى أن يكون صديقاً لهم ، واختيار المدرسة المناسبة لهم ، وإبعاد وسائل الفساد عن المنزل ، ومن ذلك أن تكون العلاقة حسنة بين الزوجين ، وأن يتفقا على أمور التربية والتعامل مع الأطفال فلا يحصل هناك تناقضٌ بينهم ، كما أنه من المهم للوالدين أن يقرءا بعض الكتب المناسبة حول تربية الأولاد ، وأن يستفيدا ممّن يرون أنه متميزٌ في تربية أولاده ، وأن يكون الوالدان قدوةً حسنة لهما .
الشيخ محمد الدويش
ـــــــــــــــــــ
تزوج نصرانية بحضور أخيها الكافر
سؤال:
السؤال :
زنيت بنصرانية ثم حملت ، من جهلي شعرت بأني يمكن أن أصحح الأمر بأن أتزوجها ، تزوجنا في المسجد بحضور الإمام وأخ مسلم وأخيها وأمها كشهود ، لم تكن مسلمة ذلك الوقت ثم أسلمت قبل أن تلد . فما هو حكم زواجنا ؟ ما حكم هذا المولود ؟ ما حكم أولادي الآخرين منها ؟ ندمت على ما فعلت ولا أريد أن أعود لما كنت عليه ، ولكنني أخشى أن لا يكون زواجي شرعياً وبذلك فسأكون في نفس الذنب الذي كنت عليه .
ماذا أفعل لأريح نفسي من المأزق الذي وضعت نفسي فيه ؟.
الجواب:
الجواب :
نعتبر هذا العقد فاسداً لأنه وقع وهي حامل من الزنى ، ولأنه فقد أحد الشروط وهو حضور شاهدين ذكرين والإيجاب من وليها فعلى هذا يلزم تجديد العقد من وليها المسلم أو من القاضي المسلم فأما الأولاد فإنهم ينسبون إلى والدهم الذي ولدوا على فراشه ولا يتبرأ من أحدٍ منهم فإن الولد للفراش .
والله أعلم .
كتبه : ابن جبرين .
ـــــــــــــــــــ
اعترض الأب على الزواج فما الحلّ
سؤال:
السؤال :
عندي سؤال حول الزواج . إذا اعترض الأب على الزواج لأسباب عنصرية أو لأن المتقدم للزواج على منهج السلف ، ولا يوجد قاض شرعي في المنطقة ، مثل الكاريبي ، فماذا يستطيع الشخص أن يفعل وفقا للقرآن والسنة ؟(36/64)